واستدلوا على ذلك بحديث: "من بلغه عن الله عز وجل شيء فيه فضيلة فأخذه إيماناً به، ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وان لم يكن كذلك". وهو مروي بألفاظ مختلفة عن عدد من الصحابة: عن جابر بن عبد الله وانس بن مالك وعبد الله بن عمره وابن مهرة وابن عباس رضي الله عنهم وسيأتي بيانها وذكر من أخرجها والكلام عليها في صفحة (46) .
رد القول بجواز العمل بالحديث الضعيف:
وبعد عرض الأقوال في هذا الموضوع وإيراد ما استدل به بعضهم من الأدلة أبين إن شاء الله أولاها بالصواب فأقول: أرجح هذه الأقوال وأعدلها وأولاها بالصواب هو القول الأول وهو الذي تركن إليه النفس وتطمئن به. وديننا الذي أكمله الله سبحانه وتعالى بغنية عن الحديث الضعيف الذي لم تثبت صحته، ومن القيام بما احتوى عليه من طلب فعل أو كف، أو فيما معناه، لأن العمل بالحديث الضعيفة اختراع عبادة وتشريع في الدين ما لم يأذن به الله عز وجل.
وقول من قال بجواز العمل به على الإطلاق يكدره ما نقل عن أحمد وغيره من التساهل إذا لم يكن الأمر يتعلق بالأحكام. وتقدمت الإشارة إلى مثل ذلك في القول الثالث وفي رواية الحديث الضعيف ثم أن إطلاقهم في ذلك محمول على أحد أمرين:
الأول: أنهم أرادوا بالحديث الضعيف الحسن.
الثاني: أنهم أرادوا بالقياس المفضل عليه حديث الضعيف هو الفاسد إذ أنه لا يجوز إتفاقاً العمل بالحديث الضعيف في الأحكام.
قال النووي: "وأما فعل كثير من الفقهاء أو أكثرهم ذلك، واعتمادهم عليه فليس بصواب بل قبيح جداً، وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج بالضعيف في الأحكام، وإن كان لا يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه، إن كان عارفاً أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفاً".
لأن الحسن على ما قالوه لم يشتهر القول به قبل الترمذي وكان الحديث قبله إما صحيحاً وإما ضعيفاً فقط.(32/83)
قال شيخ الإسلام: "ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه، ولكن كان في عرف أحمد بن حنبل ومن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين: صحيح وضعيف. والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به، وإلى ضعيف حسن. كما أن ضعف الإنسان بالمرض ينقسم إلى: مرض مخوف يمنع التبرع من رأس المال، وإلى ضعيف خفيف لا يمنع من ذلك. وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف هو أبو عيسى الترمذي في جامعه. والحسن عنده ما تعددت طرقه ولم يكن في رواته متهم وليس بشاذ فهذا الحديث وأمثاله يسميه أحمد ضعيفاً ويحتج به وهذا مثل أحمد الحديث الضعيفة الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب".
وقال: "وأما من قبل الترمذي من العلماء فما عرف عنهم هذا التقسيم الثلاثي لكن كانوا يقسمونه إلى صحيح وضعيف، والضعيف عندهم نوعان:
ضعيف ضعفاً لا يمتنع العمل به، وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي.
وضعيف ضعفاً يوجب تركه وهو الواهي، وهذا بمنزلة مرض المريض قد يكون قاطعاً بصاحبه فيجعل التبرع من الثلث، وقد لا يكون قاطعاً بصاحبه، وهذا موجود في كلام أحمد وغيره ".
ولهذا يوجد في كلام أحمد وغيره من الفقهاء أنهم يحتجون بالحديث الضعيف كحديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري وغيرهما فان ذلك الذي سماه أولئك ضعيفاً هو أرفع من كثير من الحسن بل هو مما يجعله كثير من الناس صحيحاً.
وقال ابن رجب: "وكان الإمام أحمد يحتج بالضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن" (1) .(32/84)
وقال ابن القيم: "في ذكره لأصول الفتوى عند الإمام أحمد الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه والعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه ولا قول صاحب ولا إجماع على خلافه كان العمل به عنده أولى من القياس. وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقه على هذا الأصل من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحد إلا وقد قدم الحديث الضعيف على القياس وحمل القول بالعمل بالحديث الضعيف على الحسن غير هؤلاء".
واعترض على من قال بأن الحديث الحسن لم يعرف إلا بالترمذي بأنه قد وجد في شيوخه وشيوخ شيوخه من استعمله في بعض عباراته.
وقال ابن الصلاح: "أن الحسن وجد التعبير به في كلام شيوخ الطبقة التي قبل الترمذي كالشافعي".
قال الحافظ ابن حجر: "قد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي".
قال إبراهيم النخعي: "كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن يخرج الرجل حسان حديثه. وقيل لشعبة كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟ قال: من حسنها فررت".
ووجد هذا من أحسن الأحاديث إسناداً في كلام علي بن المديني، وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة وجماعة.
لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي، ومنهم من لا يريده. فأما ما وجد في ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك.
فإن حكم الشافعي على حديث ابن عمر رضي الله عنهما في استقبال بيت المقدس حال قضاء الحاجة بكونه حسناً خلاف الاصطلاح بل هو صحيح متفق على صحته.(32/85)
ثم نقل قولي أحمد في حديث أم حبيبة في نقض الوضوء بمس الذكر وذلك أنه قال فيه مرة: "أصح ما قيل فيه حديث أم حبيبة"، وقال مرة أخرى: "هو حديث حسن". فعقبه الحافظ بقوله: "فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح".
ثم قال: "وأما علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده وفي علله فظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي. وكأنه الإمام السابق لهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد، وعن البخاري أخذ الترمذي. فمن ذلك ما ذكر الترمذي في العلل الكبير أنه سأل البخاري عن أحاديث التوقيت في المسح على الخفين فقال: حديث صفوان بن عسال صحيح وحديث أبي بكرة حسن. وحديث صفوان الذي أشار إليه موجود فيه شرائط الصحة".
ثم قال: "فبان أن استمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري، ولكن الترمذي أكثر منه وأشاد بذكره وأظهر الاصطلاح فيه فصار أشهر به من غيره".
فظهر بهذا أن الحق مع من قال أن الحسن لم يشتهر إلا بالترمذي، لأن الحسن على المعنى الاصطلاحي وإن استعمل قبل الترمذي إلا أن الترمذي هو الذي أكثر منه وأشاد بذكره وأظهر الاصطلاح به حتى أنه عرف به كما ذكره ابن حجر فيما تقدم.
وكلام ابن تيميه المتقدم صريح في ذلك إذ أنه قال: "وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف هو أبو عيسى الترمذي في جامعه"ولم ينف استعماله فيما قبل الترمذي. ومن البعيد أن يخفى على ابن تيمية مع ما وصف به من التحقيق وكذلك تلميذه ابن القيم ورود الحسن في كلام من تقدم على الترمذي والله أعلم.(32/86)
وقد تأول جماعة من العلماء هذه الروايات بأن المراد بها معنى آخر غير المعنى المتعارف لكلمة (ضعيف) وهذا المعنى المراد هو (الحسن) لأنه ضعف عن درجة الصحيح. لكن هذا التأويل يشكل عندنا بما قاله أبو داود ولفظه وإن من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل ومدلس، وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل وهو مثل الحسن عن جابر والحسن عن أبي هريرة، والحكم عن مقسم عن ابن عباس- حيث جعل أبو داود الحديث غير المتصل صالحاً للعمل عند عدم الصحيح، ومعلوم أن المنقطع من أنه الحديث الضعيف لا الحسن. كما أنه على تأويل الضعيف بالحسن لا معنى لتخصيص هؤلاء الأئمة بالعمل به وتقديمه على القياس، لأن هذا مذهب جماهير العلماء.
قال الشيخ أحمد شاكر: "إن الاصطلاح في التفرقة بين الصحيح والحسن لم يكن في عصرهم مستقراً واضحاً، بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو الضعف فقط".
قلت: هناك فرق بين الحسن الوارد في كلام من تقدم على الترمذي إذا أرادوا المعنى الاصطلاحي وفي كلام الترمذي فأولئك يعنون به الحسن لذاته، والترمذي يريد به الحسن لغيره، لأنه عرف الحسن بأنه ما تعددت طرقه ولم يكن في رواته متهم وليس بشاذ فيحتمل أن يكون ابن تيمية ومن نحا نحوه أرادوا به حمل الحديث الضعيف في كلام أحمد وغيره على الحسن لغيره لا لذاته. لأن الحسن لذاته صحيح عند قوم حسن عند آخرين، والحسن لغيره جمع بين صفتين، صفة الضعف وصفة الحسن فإن نظر إلى تفرده فهو ضعيف وإن نظر إلى مجموعه فهو الحسن. والحسن من هذا القبيل حسن عند قوم وضعيف عند آخرين.
ويؤيد ذلك تعقيب كلامه بتعريف الترمذي للحسن فيما مضى.
وهذا الذي تقدم منصباً على ما عدا المرسل، أما المرسل فقد أخذ من أخذ به لأن الذي لم يذكر فيه كالمذكور المعدل.(32/87)
قال الشاطبي: "وكذلك أخذ من أخذ منهم بالمرسل ليس إلا من حيث ألحق بالصحيح في أن المتروك ذكره كالمذكور والمعدل فأما ما دون ذلك فلا يؤخذ به بحال عند علماء الحديث".
والاحتمال الثاني: أنهم أرادوا بتفضيل الحديث الضعيف على القياس الفاسد لأن الحديث وإن كان ضعيفاً لا بد من وجود نسبة في احتمال ثبوته وإن قلّت، لكن لا نستطيع أن نحكم بها لضعف سنده ولتجرده من القرائن والضمائم التي تقويه، وأما القياس الفاسد فبخلاف ذلك.
وذكر الشاطبي وملا علي القاري: "بأن المراد بالقياس الذي ورد تفضيل الحديث الضعيف عليه في كلام أحمد القياس الفاسد الذي لا أصل له من كتاب ولا سنة ولا إجماع".
فظهر بهذا أنهم لم يقولوا بالعمل الحديث الضعيف المعروف بهذه الصفة، وإذا لم يحتمل قولهم أحد الاحتمالين فهو قول مجتهد كما قال الشاطبي والجواب عن هذا أنه كلام مجتهد يحتمل اجتهاده الخطأ والصواب، إذ ليس له على ذلك دليل يقطع العذر، وإن سلم فيمكن حمله على خلاف ظاهره، لإجماعهم على طرح الضعيف الإسناد، فيجب تأويله على أن يكون أراد به الحسن السند وما دار به على القول بأعماله، أو أراد خيراً من القياس.
كما أن في نسبة القول بتقديم الحديث الضعيف على القياس إلى أبي داود شك، وقد تشكك فيه الحافظ ابن حجر.
فإن قيل إذا كان الأمر كذلك يعني أنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف فلماذا روى الأئمة الأحاديث الضعيفة في كتبهم كمالك في الموطأ، وابن المبارك وأحمد في الرقاق، وسفيان في جامع الخير وغيرهم فقد سبق الجواب عنه في حكم رواية الحديث الضعيف.
وأما من قال بالعمل به في الفضائل والترغيب والترهيب فغير متجه، لأن فضائل الأعمال والترغيب من قسم المندوب، وهو من الأحكام كما هو معلوم. وقد مضى بيان حكم العمل بالحديث الضعيف في الأحكام، كما أنه يتضمن الأخبار عن الله عز وجل في الوعد على ذلك العمل بالإثابة والأخبار بالعقوبة المعينة.(32/88)
قال الشوكاني: "إن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام، لا فرق بينها، فلا يحل إثبات شئ منها إلا بما تقوم به الحجة، وإلا كان من التقول على الله عز وجل بما لم يقل. وفيه من العقوبة ما هو معروف، والقلب يشهد بوضع ما ورد في هذا المعنى وبطلانه".
قال شيخ الإسلام: "العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف. ومن قال هذا فقد خالف الإجماع وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، لكن إذا علم تحريمه وروى حديث في وعيد الفاعل له، ولم يعلم أنه كذب جاز أن يرويه فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله.
وهذا كالإسرائيليات، يجوز أن يروى منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر في شرعنا ونهى عنه في شرعنا فأما أن يثبت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم، ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة".
قال ابن رجب: "وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أن لا يروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام".(32/89)
ومعنى قول أحمد وابن مهدى وابن المبارك "أنه إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد"يعني أننا روينا الحديث بإسناده حتى يتبين ما فيه للناظر فيما بعد رجاء أن يحصل له شاهد أو متابع ثم أنه قال: تساهلنا ولم يقل روينا الحديث الضعيف البينّ ضعفه بمعنى أنهم يميزون بين أسانيد الأحكام التي فيها الحلال والحرام والنكاح والطلاق فلا يأخذونها إلا عن الثقات وأما ما كان في فضائل الأعمال فيأخذونها عمن دونهم ما لم يصل إلى حد الضعيف المتفق عليه ولا شيء أدل على ذلك من قول سفيان الثوري المتقدم في رواية الحديث الضعيف. وقول الإمام أحمد لابنه: "لو أردتُ أن أقصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث لست أخالف ما ضعف إلا إذا لم يكن في الباب ما يدفعه".
وقال الشيخ أحمد شاكر: "والذي أراه أن بيان الضعيف في الحديث الضعيف واجب في كل حال لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه أنه حديث صحيح خصوصاً إذا كان الناقل له من علماء الحديث الذين يرجع إلى قولهم في ذلك، وأنه لا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة بل لا حجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح أو حسن".(32/90)
وقال ابن حزم في صفات وجهه النقل عند المسلمين: "والرابع شيء نقله أهل المشرق والمغرب أو الكافة أو الواحد الثقة عن أمثالهم إلى أن يبلغ من ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا واحداً فأكثر فسكت ذلك البلوغ إليه عمن أخبره بتلك الشريعة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعرف من هو فهذا نوع يأخذ به كثير من المسلمين ولسنا نأخذ به البتة ولا نضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم نعرف من حدث به عن الني صلى الله عليه وسلم وقد يكون غير ثقة ويعلم منه غير الذي روى عنه ما لم يعرف منه الذي روى عنه.... والخامس شيء نقله كما ذكرنا إما بنقل أهل المشرق والمغرب أو كافة عن كافة أو ثقة عن ثقة حتى يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن في الطريق رجلاً مجروحاً يكذب أوفيه غفلة أو مجهول الحال فهذا أيضاً يقول به بعض المسلمين ولا يحل عندنا القول به ولا تصديقه ولا الأخذ بشيء منه وهذه صفة نقل اليهود والنصارى فيما أضافوه إلى أنبيائهم".(32/91)
وقال الشاطبي- بعد ذكره أن وجوه البدعة لا تنحصر:-"لكن نذكر من ذلك أوجهاً كلية يقاس عليها ما سواها. فمنها اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة، والمكذوب فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء عليها: كحديث الإكتمال يوم عاشوراء وإكرام الديك الأبيض، وأكل الباذنجان بنية وأن النبي صلى الله عليه وسلم تواجد واهتز عند السماع حتى سقط الرداء عن منكبيه وما أشبه ذلك. أمثال هذه الأحاديث على ما هو معلوم [لا يبنى عليها حكم، ولا تجعل أصلاً في التشريع أبداً، ومن جعلها كذلك فهو] جاهل ومخطئ في نقل العلم. فلم ينقل الأخذ بشيء منها عمن يعتد به في طريقة العلم، ولا طريقة السلوك. وإنما أخذ بعض العلماء بالحديث الحسن لإلحاقه عند المحدثين بالصحيح لأن سنده ليس فيه من يعاب بجرحة متفق عليها. وكذلك أخذ من أخذ منهم بالمرسل ليس إلا من حيث ألحق بالصحيح في أن المتروك ذكره كالمذكور والمعدل، فأما من دون ذلك فلا يؤخذ به بحال عند علماء الحديث".
وقال الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد في هامش توضيح الأفكار: "وفضائل الأعمال لا تخلو عن حكم أهونه الإباحة، وأي فرق بين حكم وحكم، ما دام معنى حكم المجتهد على شيء من الأشياء بحكم من الأحكام يتضمن حكماً ضمنياً على الله تعالى وعلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بأنه يقتضي في هذا الموضوع بما يذهب إليه المجتهد، والذي ينقدح في ذهن العبد الضعيف أن الخلاف في هذه المسألة من نوع الخلاف اللفظي، وأن الجميع متفقون على أن لا يؤخذ في الفضائل والمواعظ إلا بالحديث الحسن وهو ما دون الصحيح في ضبط رواته فمن قال من العلماء كأحمد وابن مهدي يؤخذ بالحديث الضعيف في الفضائل أراد بالضعيف الحسن لأنه ضعيف بالنظر إلى الصحيح ولأنه بعض الذي كانوا هم وأهل عصرهم يطلقون عليه اسم الضعيف".(32/92)
وقال الأستاذ عجاج الخطيب: "في رأينا أن بعض الناس فهم ما نقل عن الإمام أحمد وابن مهدي وابن المبارك فهماً بعيداً عن مراد هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى فتناقلوا هذه العبارة "يجوز العمل بالضعيف في فضائل الأعمال". مؤيدين تساهلهم في رواية الأحاديث الضعيفة من غير بيان ضعفها مجوزين لأنفسهم إدخال أشياء كثيرة في بعض أمور الدين لا تستند إلى دليل مقبول أو إلى أصل معروف اعتماداً منهم على ضعيف الحديث من غير أن يفرقوا بين مفهوم الضعيف عند القدامى والمتأخرين".
الأحاديث التي استدلوا بها والكلام عليها:
وما استدلوا به على جواز العمل بالحديث الضعيف بقوله: من بلغه عن الله عز وجل شيء فيه فضيلة… المروي عن عدد من الصحابة كما تقدمت الإشارة إليه فلا حجة في شيء من ذلك لما يأتي:
1- حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أخرجه الحسن بن عرفة وأبو الشيخ في مكارم الأخلاق والخطيب والديلمي وابن النجار.
ولفظه عند الحسن بن عرفة قال: حدثنا أبو يزيد خالد بن حيان الرقي، عن فرات ابن سلمان وعيسى بن كثير كليهما عن أبي رجاء عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بلغه عن الله عز وجل شيء فيه فضل، فأخذه إيماناً به، ورجاء ثوابه، أعطاه الله عز وجل ذلك وإن لم يكن كذلك".
وهو من حديثه مروي من ثلاثة طرق.
أحدها: أخرجه الحسن بن عرفة من طريق أبي رجاء، قال فيه الحافظ ابن ناصر الدين: "هذا حديث جيد الإسناد، وإن كان خالد بن حيان فيه لين، فهو صدوق وفرات بن سلمان لم يخرج له في الكتب الستة فيما أعلم وروى له الإمام أحمد في مسنده ووثقه. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال: "لا بأَس به محله الصدق صالح الحديث"انتهى. وأبو رجاء هو فيما أعلم محرز بن عبد الله الجزري مولى هشام وهو ثقة وللحديث طرق وشواهد هذا أمثلها".(32/93)
وأخذ عنه ذلك محمد بن طولون المتوفي 953 هـ في الأربعين له كما ذكره الشيخ الألباني
قلت: طامته أبو رجاء راويه عن يحيى بن أبي كثير قال فيه السيوطي: "كذاب".
وقال السخاوي وابن عراق "لا يعرف".
وأخرجه الحافظ القاسم بن الحافظ ابن عساكر في أربعين السلفي من طريقين عن أبي رجاء وقال: "هذا الحديث فيه نظر سمعت أبي رحمه الله يضعفه".
قلت: محرز بن عبد الله كنيته أبو رجاء كما قال ابن ناصر الدين وأخذ عنه ذلك ابن طولون لكن ليس هو المراد هنا، لأن راوي الحديث عن أبي رجاء عند الحسن بن عرفة وغيره هو فرات بن سلمان، وأبو رجاء محرز من تلاميذ فرات المذكور وفرات من شيوخه.
وأبو رجاء المجهول من تلاميذه فرات ففرق بين الطبقتين. وليس هذا الحديث من رواية الأكابر عن الأصاغر لأنه كثيراً ما ينبه في كتب التراجم عند ذكر الشيوخ والتلاميذ على مثل ذلك إذا حصل فيقال: روى عن فلان وهو أكبر منه أومن أقرانه، وروى عنه فلان وهو من شيوخه أومن أقرانه ولم يذكر مثل ذلك في ترجمة محرز ولا فرات. وأبو رجاء يروي الحديث عن يحيى بن أبي كثير ولم يذكر محرز في تلاميذه ولا يحيى بن أبي كثير في شيوخ محرز ولو كان الأمر كذلك لذكر.
وشارك فراتاً في رواية هذا الحديث عن أبي رجاء عيسى بن كثير ولم يذكر من تلاميذ محرز.
ثانياً: كلام الأئمة المتقدم يدل على أنه غيره ولو كان هو لما خفي عليهم أمره فضعفوا الحديث، أو قالوا: فيه نظر، أو قالوا فيه: أبو رجاء لا يعرف، أو قالوا فيه: كذاب.
وكلام ابن عساكر وابنه منصباً على أبي رجاء لأنه ليس في السند من يمكن أن يضعف الحديث من أجله سواه.
ثم أن ابن ناصر الدين رحمه الله نبه في كلامه على عدم جزمه بما قال إذ قال: وأبو رجاء فيما أعلم.
فلماذا نحمل كلامه ما لا يتحمل فنجزم بأنه هو ولم يسبقه أحد بمثل هذا مع تأخر عصره إذ أنه توفي سنة 842 هـ.(32/94)
ولما ذكر الشيباني حديث جابر الذي أخرجه أبو الشيخ وبينّ حال بشر بن عبيد كما سيأتي قال: "وله طرق لا تخلو من متروك ومن لا يعرف" ولو كان هذا الحديث مروي من طريق محرز لما ساغ له أن يقول هذا ولعله يشير بقوله من لا يعرف لجهالة أبي رجاء.
ومما يدل على ذلك أنه لا ترجمة له في الكتب المتوفرة الآن أو ما يدل على أنه هو المراد بهذه الترجمة، فدل هذا على أن الحديث من طريقه لا يساوي شيئاً.
تنبيه: أورده ابن الجوزي في. الموضوعات من طريق الحسن بن عرفة وقال فيه أبو جابر البياضي قال: "وهو كذاب"ثم نقل ما قيل فيه.
ووافقه على تسمية الراوي بأبي جابر البياضي وما قال فيه السيوطي والذي في جزء الحسن بن عرفة أبو رجاء يرويه عن يحيى بن أبي كثير. وهو كذلك في الموضوعات لابن الجوزي في مخطوطة المكتبة الظاهرية وقد سقط من النسخة المطبوعة هو وشيخه وشيخ شيخه. ولا وجود لأبي جابر البياضي فيه وهذا يحتمل أحد أمرين:
الأول: أن يكون أبو رجاء عند ابن عرفة في بعض نسخه تصحف عن أبي جابر دل على ذلك صنيع ابن الجوزي وموافقة السيوطي له في التعقبات، لكن يُبعد هذا تفاوتهما في الطبقة فأبو رجاء يروي عن يحيى بن أبي كثير وأبو جابر البياضي يروي عن سعيد بن المسيب وأن جزء الحسن بن عرفة قد حقق وقوبل على نسخ أخرى كما ذكر المحقق، وأن ابن ناصر الدين والسخاوي والسيوطي أوردوا الحديث من طريق الحسن بن عرفة وفيه أبو رجاء.
الاحتمال الثاني: أن يكون للحديث عنده سند آخر وفيه أبو جابر البياضي وسقط من بعض نسخ كتاب الموضوعات مع الكلام على أبي رجاء، ومما يدل على ذلك أن أبا جابر البياضي رواه من حديث جابر بن عبد الله الديلمي كما سيأتي. فيكون ابن الجوزي ذكر حديث الحسن بن عرفة ثم أتبعه بطريق الثاني الذي فيه أبو جابر البياضي فسقط هذا الطريق مع الكلام على أبي رجاء وهذا هو الأقرب. والله أعلم.(32/95)
وفي الطريق الثاني: الذي أخرجه أبو الشيخ، بشر بن عبيد أبو علي الدارسي وبشر بن عبيد ذكره ابن حبان في الثقات لكن كذبه الأزدي وقال ابن عدي فيه: "منكر الحديث عن الأئمة" وقال فيه السخاوي والعجلوني والشيباني: "متروك".
وفي الطريق الثالث: الذي أخرجه الديلمي، أبو جابر البياضي- محمد بن عبد الرحمن- قال فيه يحيى: "كذاب" وقال النسائي: "متروك" وقال أحمد: "منكر الحديث" وكان الشافعي يقول: "من حدث عن أبي جابر البياضي بيض الله عينيه" (1) .
وخلاصة القول أن جميع طرق حديث جابر لا تخلو من متروك أو فيما معناه.
قال الشيباني فيما تقدم: "وله طرق لا تخلو من متروك ومن لا يعرف".
وقال ابن ناصر الدين بعد كلامه على حديث أبي رجاء "وهذا أمثلها"فظهر بقوله هذا أنه لا اعتماد على شيء من طرق حديث جابر وغيره إلا على طريق أبي رجاء وقد عرفت وهاها فيما تقدم ووهمه في ذلك والله أعلم.
2- وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أخرجه أبو يعلي والطبراني وابن عبد البر وابن عدي والحسن بن سفيان وابن حبان وأبو إسماعيل السمرقندي في كتاب ما قرب سنده (2) وابن عساكر في التجريد (3) والبغوي في حديث كامل بن طلحة (4) والديلمي (5) وابن النجار (6) .
ولفظه عند أبي يعلي قال: حدثنا محمد بن بكار ثنا بزيع أبو الخليل عن ثابت عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدق بها لم ينلها".
قال ابن حبان: قد روى بزيع هذا عن محمد بن واسع وثابت البناني وأبان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بلغه عن الله عز وجل أو عن النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة كان منى أولم يكن فعمل بها رجاء ثوابها أعطاه الله عز وجل ثوابها".
وهو من حديثه روى من ثلاثة طرق. في الأول: الذي أخرجه أبو يعلي وابن حبان وابن عدي بزيع بن حسان أبو الخليِل البصري.
قال ابن حجر: "ضعيف جداًَ" (7) .(32/96)
وقال ابن حبان فيه: "يأتي عن الثقات بأشياء موضوعة كأنه المتعمد لها".
وقال الدارقطني: "متروك".
وقال الحاكم: "يروي أحاديث موضوعة ويرويها عن الثقات".
وزعم ابن ناصرين الدين أن بزيع توبع في هذا.
قلت: وهذه المتابعة لا تغني شيئاً ما دامت من ضعيف اشتد ضعفه إذ أنه يشير إلى طريق عبد الله بن كيسان وهو منكر الحديث وأحاديثه غير محفوظة كما سيأتي.
وفي الثاني: الذي أخرجه ابن عبد البر وأبو إسماعيل السمرقندي وابن عساكر والبغوي عباد ابن عبد الصمد قال البخاري: فيه نظر وقال مرة أخرى: "منكر الحديث".
وقال ابن حبان: "منكر الحديث جداً يروي عن أنس ما ليس من حديثه، وما أراه سمع منه شيئاً فلا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات فكيف إذا انفرد بأوابد".
وقال ابن عبد البر: "إسناد هذا الحديث ضعيف لأن أبا معمر عباد بن عبد الصمد انفرد به وهو متروك".
وقال الذهبي: "واهٍٍ".
وراويه عن عباد بن عبد الصمد هو الحارث بن الحجاج وهو مجهول قاله الدارقطني
وفي الثالث: الذي أورده ابن ناصر الدين من طريق سهل بن شاذوية قال: ثنا لفر بن الحسين ثنا عيسى بن موسى عن ابن كيسان عن ثابت عن أنس.
فيه ابن كيسان. قال ابن ناصر الدين هو عبد الله أبو مجاهد المروزي: "منكر الحديث"قاله البخاري وغيره.
وقال ابن عدي: "وله أحاديث عن ثابت عن أنس غير محفوظة".
ولما ذكر العجلوني حديث أنس من طريق عباد بن عبد الصمد وذكر بأنه أخرجه كامل الحجدري وابن عبد البر قال: "وأخرجه غيرهما بأسانيد فيها مقال" يعني جميع طرق حديث أنس.
3- وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه المرهبي في فضل العلم والدارقطني أورده السيوطي وذكره ابن عراق.(32/97)
قال المرهبي: "حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد النخعي حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شيابة حدثنا ابن أبي بلال عن الوليد بن مروان عن غيلان بن جرير عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بلغه شيء من الأحاديث التي يرجى فيها الخير فقاله ينوي به ما بلغه أعطيه وإن لم يكن".
وهو مروي من حديثه من طريقين:
في أحدهما الذي أخرجه المرهبي الوليد بن مروان قال فيه ابن عراق: "مجهول"قلت: وهو كما قال وهو منقطع أيضاً لأن غيلان بن جرير من صغار التابعين ولم يرو عن أحد من الصحابة سوى أنس بن مالك وروايته عن كبار التابعين.
وفي الثاني الذي أخرجه الدارقطني، إسماعيل بن يحيى قال الذهبي فيه: "مجمع على تركه" وقال ابن ناصر الدين: "متروك" وقال الشوكاني: "هو كذاب".
4-وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن عساكر من طريق أبي أحمد الحاكم، قال الحاكم أبو أحمد الحافظ: أنا محمد بن مروان وهو محمد بن حزم نا هشام بن عمار نا البختري بن عبيد الطابخي نا أبي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني حديثاً وهو لله عز وجل رضا فأنا قلته وإن لم أكن قلته".
وفي سنده البختري بن عبيد الطابخي قال الحافظ فيه: "ضعيف متروك".
وقال أبو نعيم: "روى عن أبيه موضوعات".
قلت: وقد روى هذا الحديث عن أبيه.
5- وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ذكره ابن ناصر الدين الدمشقي من طريق إسماعيل بن أبي زياد عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بلغه عن الله عز وجل رغبة فطلب ثوابها أعطاه الله أجرها وإن لم تكن الرغبة على ما بلغته" وفيه قال ابن عباس: "والله الذي لا إله إلاّ هو ما سمعت منه حديثاً قط أقر لعيني منه الحديث". وأشار إليه السخاوي وابن عراق.
وفيه جويبر بن سعيد البلخي متروك وكان يحيى القطان يرى التساهل في أخذ التفسير عنه وأضرابه كليث بن أبي سليم وحمد بن السائب الكلبي.(32/98)
وفي الجملة فهذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشوكاني: "والقلب يشهد بوضع ما ورد في هذا المعنى وبطلانه".
وقال ابن حجر: "لا أصل له".
مناقشة الشروط:
الشروط التي اشترطوها، وقيدوا العمل بالحديث الضعيف بها على تحققها وسلامتها من المآخذ لا تقوى على جعل الحديث الضعيف مصدراً لإثبات حكم شرعي، أو فضيلة خلقية أو غير ذلك.
والنفس لا تطمئن عند العمل إلا بالحديث الذي ثبتت صحته، لا بما لم يكن كذلك.
ولا يمكن أن نتصور أن شيئاً من الفضائل والمستحبات والترغيب والترهيب حصلت الغفلة عنه حتى لا يقدر له الوصول إلينا من طريق صحيح أو حسن لذاته أو لغيره الذي هو أدنى درجات القبول. ويتفرد بروايته ضعيف لا يعتمد على روايته إذا تفرد مع الجهود التي بذلها خيار هذه الأمة تجاه السنة المطهرة تحملاً وأداءً وجمعاً وتدويناً وتمحيصاً حتى ميز الصحيح من السقيم.
هذا مع عدم سلامة الشروط من المآخذ الآتي بيانها إن شاء الله تعالى.
الشرط الأول:
وما شرطوه من كون الحديث الضعيف في فضائل الأعمال وما في معناها لا يسوّغ ذلك العمل به لأنه لا ينبغي أن يكلف أو يتكلف المسلم العمل بشيء لم تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والعامل بذلك الخبر لم يعمل به إلا رجاء ما يترتب على عمله ذلك من الفضل العظيم ولو تجرد الخبر من ذلك الثواب لما عمل به، فما الذي يدل على حصول ذلك الثواب إذا لم يثبت ذلك الخبر.
ولا فرق بين فضائل الأعمال وبين غيرها، إذ أن فضائل الأعمال من المستحب وهو من الأحكام الخمسة ويقع فيها خلاف بين العلماء كما هو معلوم.(32/99)
قال شيخ الإسلام:"وكذلك ما عليه العلماء من العلماء بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي. ومن أخبر عن الله عز وجل أنه يحب عملاً من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله عز وجل كما لو ثبت الإيجاب أو التحريم. ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره بل هو أصل الدين المشروع"
وقال الشوكاني فيما تقدم: "أن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام لا فرق بينها، فلا يحل إثبات شيء منها إلا بما تقوم به الحجة وإلا كان من التقول على الله عز وجل بما لم يقل".
وقال الشاطبي:"ولو كان من شأن أهل الإسلام أخذ الأحاديث عن كل من جاء بكل ما جاء لم يكن لانتصابهم للتعديل والتجريح معنى مع أنهم قد أجمعوا على ذلك ولا كان لطلب الإسناد معنى يتحصل، فلذلك جعلوا الإسناد من الدين ولا يعنون حدثني فلان عن فلان مجرداً، بل يريدون ذلك لما تضمنه من معرفة الرجال الذين يحدث عنهم حتى لا يسند عن مجهول ولا مجروح ولا متهم إلا عمن تحصل الثقة بروايته لأن روح المسألة أن يغلب على الظن من غير ريبة أن ذلك الحديث قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم لنعتمد عليه في الشريعة ونسند إليه الأحكام، والأحاديث الضعيفة الإسناد لا يغلب على الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها فلا يمكن أن يسند إليها حكم فما ظنك بالأحاديث المعروفة الكذب".
ثم ذكر بعد ذلك بأن الراسخين في العلم لا يفرقون بين أحاديث الأحكام وفضائل الأعمال فيشترطون في أحاديث الأحكام الصحة ولا يشترطون ذلك فيما عداها.
الشرط الثاني:(32/100)
وأما ما اشترطوه من كون ضعفه غير شديد، فلا يعين على العمل به، لأنه ما دام بهذه الصفة لا يغلب على الظن أنه صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لم يكن كذلك فنحن بغنية عنه لأن في أحاديث المقبولة ما يكفي عن ذلك. ومما يؤيد أن ما ورد في هذا الخبر غير صحيح تفرد هذا الضعف به مع المبالغة في حفظ السنة وتتبع طرق أحاديثها وجمعها وتدوينها.
قال الشاطبي آنفاً: "وروح المسألة أن يغلب على الظن من غير ريبة أن ذلك الحديث قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم لنعتمد عليه في الشريعة، ونسند إليه الأحكام. والأحاديث الضعيفة الإسناد لا يغلب على الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها فلا يمكن أن يسند إليها حكم فما ظنك بالأحاديث المعروفة الكذب".
الشرط الثالث:
أن يكون الحديث مندرجاً تحت أصل عام وهذا غير مسلّم، لأن بعض البدع تندرج تحت أصل عام، ومع ذلك فهي غير مشروعة، وهي التي يسميها الإمام الشاطبي بالبدعة الإضافية.
والحديث الضعيف لا ينهض لإثبات شرعيتها لأن العمل بالحديث الضعيف الداخل تحت أصل عام إما أن يكون مساوياً في الحكم لذلك الأصل أو لا وذلك بأن يكون فيه زيادة ترغيب لذلك العمل فإن كان مساوياً أوفيه الزيادة المذكورة كان العمل لذلك الأصل لا الحديث الضعيف إلا اللهم ما توجده تلك الزيادة من الانبعاث إلى ذلك العمل.
وان لم يكن مساوياً بأن زاد على الأصل بحد أو قيد أو عدد فكيف يقال بأن العمل فيه لذلك الأصل كصيام نصف من شعبان لأن الصيام ثابت بأدلة صحيحة لكن تحديده وتعين ذلك اليوم والشهر إنما أخذ من هذا الحديث الضعيف فلا يجوز العمل به.
فظهر بهذا أنه لا يجوز التقدير والتحديد بحديث ضعيف في فضائل الأعمال كالصلاة في وقت معين على وجه معين بقراءة معينة مع أن ذلك كله داخل تحت أصل شرعي لكن هذه القيود والحدود والمقادير زائدة بذلك الحديث الضعيف فلا يجوز الأخذ بها بخلاف ما لو كان الحديث الضعيف مساوياً في الحكم لحديث صحيح.(32/101)
وسأذكر مثالاً على ذلك من كلام شيخ الإسلام وإن كان مثاله محل نظر صحة وضعفاً كما سيأتي بيانه قال مثال ذلك: "من دخل السوق فقال لا إله إلا الله كان له كذا وكذا".
لأن ما اشتمل عليه هذا الحديث ثابت بأحاديث أخر صحيحة، لأن استحباب الذكر ثابت وكونه في السوق يؤخذ من استحباب ذكر الله عند الغافلين كما جاء في الحديث، ذكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس (1) .
إذا عمل به مع قطع النظر عن الثواب المذكور لأن رجاء ذلك الثواب مع سعة فضل الله وعظيم رحمته يحتاج إلى ما يؤكد صحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الاستدلال على رجاء ذلك الثواب بحديث: "من بلغه عن الله شيء….".
فسبق بيان أنه لم يثبت في هذا الباب شيء.
ولشيخ الإسلام كلام يوضح ما ذكرت من أن الحديث الضعيف له حالتان:
الأولى: أن يحمل في طواياه ثواباً لعمل ثبتت مشروعيته بدليل شرعي فهذا يجوز العمل به بمعنى، أن النفس ترجو ذلك الثواب.
قال رحمه الله: "أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً ولم يقل أحد من الأئمة أن يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ومن قال هذا فقد خالف الإجماع".
الحالة الأخرى: أن يتضمن عملاً لم يثبت بدليل شرعي يظن بعض الناس أنه مشروع فهذا لا يجوز العمل به لأن اعتقاد موجبه ومقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي.(32/102)
وقال ابن تيمية مبيناً مراد العلماء القائلين بالعمل بالحديث الضعيف: "وإنما مرادهم بذلك أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع كتلاوة القرآن والتسبيح والدعاء والصدقة والعتق والإحسان إلى الناس وكراهة الكذب والخيانة ونحو ذلك فإذا روي حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها وكراهة بعض الأعمال وعقابها فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روي فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف من ذلك العقاب كرجل يعلم أن التجارة تربح لكن بلغه أنها تربح ربحاً كثيراً فهذا إن صدق نفعه وإن كذب لا يضره".
قلت: إلا أن هذا لا يقصر العمل بالأحاديث الضعيفة على شدة الاندفاع إلى العمل أو الانكفاف عنه فحسب وإنما يعني أمراً آخر وهو رجاء ذلك الثواب الذي ينتفع به العامل إن كان صدقاً ولا يضره إن كان كذباً لكن النفس لم تندفع لذلك العمل إلا رجاء عظيم ثوابه فما الذي دل على ذلك الثواب وهو من الأمور المغيبة التي لا تعرف إلا من طريق الخبر فيبقى الأمر لذلك الخبر الذي صدقه العامل برجاء ما فيه من الثواب فيكون له في ذلك نصيب من الكذب الذي ينبغي للمؤمن أن يحتاط لنفسه لئلا يقع فيه ولا ينبغي له أن يعمل أو يصدق إلا بما غلب على ظنه صحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والعامل الذي يرجو ثواباً لم يرد في حديث صحيح لو سئل لماذا عملت بهذا؟ لأشار إلى هذا الثواب ناسباً إياه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك لو رغب غيره للعمل به سيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر الحديث المتضمن لذلك.
وشريعة الله كاملة لا تحتاج إلى شيء عليها.(32/103)
قال تعلى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ …} (1) فنحن بغنى عن هذا الحديث الضعيف أما ما لم يكن حديثاً كأن يكون من الإسرائيليات أو من المنامات أو أقوال السلف أو وقائع حصلت جاز ذكره في الترغيب والترهيب والترجيه والتخويف إذا علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع لانتفاء الخطر المذكور آنفاً عنه ولقوله صلى الله عليه وسلم: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" أخرجه البخاري فلو لم يكن في التحديث عنهم فائدة لما رخص في ذلك.
وللإِمام الشاطبي كلام فيه حسم لهذا الموضوع قال: "أن العمل المتكلم فيه إما أن يكون منصوصاً على أصله جملة وتفصيلاً أو لا يكون منصوباً عليه لا جملة ولا تفصيلاً أو يكون منصوصاً عليه جملة لا تفصيلاً".
فالأول: لا إشكال في صحته، كالصلوات المفروضات والنوافل المرتبة لأسباب وغيرها، وكالصيام المفروض، أو المندوب على الوجه المعروف، إذا فعلت على الوجه الذي نص عليه من غير زيادة ولا نقصان، كصيام عاشوراء أو يوم عرفة والوتر بعد نوافل الليل، وصلاة الكسوف. فالنص جاء في هذه الأشياء صحيحاً على ما شرطوا، فثبتت أحكامها من الفرض والسنة والاستحباب، فإذا ورد في مثلها أحاديث ترغيب فيها، أو تحذير من ترك الفرض منها، وليست بالغة مبلغ الصحة، ولا هي أيضاً من الضعف بحيث لا يقبلها أحد، أو كانت موضوعة لا يصح الاستشهاد بها، فلا بأس بذكرها والتحذير بها والترغيب، بعد ثبوت أصلها من طريق صحيح.
والثاني: ظاهر أنه غير صحيح، وهو عين البدعة. لأنه لا يرجع إلاّ لمجرد الرأي المبني على الهوى، وهو أبدع البدع وأفحشها، كالرهبانية المنفية عن الإسلام، والخصاء لمن خشي العنت، والتعبد بالقيام في الشمس، أو بالصمت من غير كلام أحد. فالترغيب في مثل هذا لا يصح، إذ لا يوجد في الشرع، ولا أصل له يرغب في مثله، أو يحذر من مخالفته.(32/104)
والثالث: ربما يتوهم أنه كالأول من جهة أنه إذا ثبت أصل عبادة في الجملة، فيسهل في التفصيل نقله من طريق غير مشترط الصحة. فمطلق التنفل بالصلاة مشروع، فإذا جاء ترغيب في صلاة ليلة النصف من شعبان فقد عضده أصل الترغيب في صلاة النافلة. وكذلك إذا ثبت أصل صيام، ثبت صيام السابع والعشرين من رجب وما أشبه ذلك. وليس كما توهموا، لأن الأصل إذا ثبت في الجملة لا يلزم إثباته في التفصيل، فإذا ثبت مطلق الصلاة لا يلزم منه إثبات الظهر والعصر أو الوتر أو غيرها حتى ينص عليها على الخصوص. وكذلك إذا ثبت مطلق الصيام لا يلزم منه إثبات صوم رمضان أو عاشوراء أو شعبان أو غير ذلك، حتى يثبت بالتفصيل بدليل صحيح. ثم ينظر بعد ذلك في أحاديث الترغيب والترهيب بالنسبة إلى ذلك العمل الخاص الثابت بالدليل الصحيح وليس فيما ذكر في السؤال شيء من ذلك، إذ لا ملازمة بين ثبوت القيام الليلي والنهاري في الجملة، وبين قيام ليلة النصف من شعبان بكذا وكذا ركعة يقرأ في كل ركعة منها بسورة كذا على الخصوص كذا وكذا مرة. ومثله صيام اليوم الفلاني من الشهر الفلاني، حتى تصير تلك العبادة مقصودة على الخصوص ليس في شيء من ذلك ما يقتضيه مطلق شرعية التنفل بالصلاة أو الصيامِ والدليل على ذلك أن تفضيل يوم من الأيام أو زمان من الأزمنة بعبادة يتضمن حكماً شرعياً فيه على الخصوص، كما ثبت لعاشوراء مثلاً، أو لعرفة أو لشعبان مزية على مطلق التنفل بالصيام، فإنه ثبت له مزية على الصيام مطلق الأيام. فتلك المزية اقتضت مرتبة في الأحكام أعلى من غيرها لا تفهم من مطلق مشروعية الصلاة النافلة، لأن مطلق المشروعية يقتضي الحسنة بعشر أمثالها - إلى سبعمائة ضعف في الجملة. وصيام يوم عاشوراء يقتضي أنه يكفر السنة التي قبله، فهو أمر زائد على مطلق المشروعية، وما يفيد له مزيد في الرتبة، وذلك راجع إلى الحكم.(32/105)
فإذا هذا الترغيب الخاص يقتضي مرتبة في نوع من المندوب خاصة، لأن من رجوع إثبات الحكم إلى الأحاديث الصحيحة بناء على قولهم: إن الأحكام لا تثبت إلا من طريق صحيح والبدع المستدل عليها بغير الصحيح لا بد فيها من الزيادة على المشروعات كالتقييد بزمان أو كيفية مَّا. فيلزم أن تكون أحكام تلك الزيادات ثابتة بغير الصحيح، وهو ناقض إلى ما أسسه العلماء.
ولا يقال: إنهم يريدون أحكام الوجوب والتحريم فقط. لأنا نقول: هذا تحكم من غير دليل، بل الأحكام خمسة. فكما لا يثبت الوجوب إلا بالصحيح فإذا ثبت الحكم فاستسهل أن يثبت في أحاديث الترغيب والترهيب، ولا عليك. فعلى كل تقدير: كل ما رغب فيه إن ثبت حكمه ومرتبته في المشروعات من طريق صحيح فالترغيب بغير الصحيح مغتفر. وإن لم يثبت إلا من حديث الترغيب، فاشترط الصحة أبداً، وإلا خرجت عن طريق القوم المعدودين في أهل الرسوخ. فلقد غلط في هذا المكان جماعة ممن ينسب إلى الفقه. ويتخصص عن العوام بدعوى رتبة الخواص. وأصل هذا الغلط عدم فهم كلام المحدثين في الموضعين، وبالله التوفيق.
الشرط الرابع: وأما قولهم أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. فعدم نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يغلب على الظن أنه قال ذلك أمر مسلّم به وموافق للحق لكن هل يتصور الجمع بين عدم اعتقاد ثبوته والعمل به؟!
لأن الانبعاث إلى العمل به متسبب عن ذلك الخبر، وقائم عليه. فإذا لم يعتقد ثبوته فلماذا يعمل به؟ والحالة هذه وكل عامل بمثل هذا لو سئل عن الدافع إلى ذلك العمل لم يتردد عن الإشارة إلى هذا الحديث. ولو لم يرد فيه حديث لم يعمل به. فهل يمكن أن يقول زيد لعمر وحرك يدك أو رجلك على شكل كذا وكذا ويكون لك من الثواب كذا وكذا فهل يصدقه بذلك ويعمل بما قال؟! وهو يعلم أن ما قاله هو من قبل نفسه، وإن صدقه في ذلك فلا مرية في اختلال عقله.(32/106)
واشتراط هذا الشرط قد يكون نظرياً لا عملياً لأنه لا يمكن كما قلت تصور الجمع بين عدم الاعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله وبيّن العمل به. وإذا أفتى العلماء بمثل ذلك أو عملوا لا يتوقون عدم الاعتقاد مثال ذلك ما قاله الإمام البيهقي في حديث أبي هريرة في سترة المضلي وفيه:"فإن لم تكن معه عصاً فليخططْ خطً".
قال بعد أن ذكر الاختلاف في سنده وأنه لم يرد إلا من هذا الوجه قال:"واحتج الشافعي رحمه الله بهذا الحديث في القديم ثم توقف فيه في الجديد "فقال في كتاب البويطي: "ولا يخط المصلي بين يديه خطاً إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت فليتبع وكأنه عثر على ما نقلناه من الاختلاف في إسناده. ولا بأس به في مثل هذا الحكم إن شاء الله".
تعقيب على ما تقدم:
قال عجاج الخطيب: "وقد يقال أن ثبوت الفضائل والترغيب فيها لا يلزمه حكم، فحين يروى خبر ضعيف في ثواب أمر من الأمور الثابت استحبابها والترغيب فيه أو في فضائل بعض الصحابة - رضي الله عنهم- لا يلزم من هذا الخبر ثبوت حكم فنقول هذا لا خلاف فيه من حيث عدم إثبات حكم في الفضائل ولكن الخلاف والكلام في رواية الضعيف والعمل به عامة".
والقول بالعمل في الأحاديث الضعيفة بالشروط المتقدمة نظري لا عملي بالنسبة لجماهير الناس لأنه من أين لهم تمييز الحديث الضعيف من الضعيف جداً ومن أين لهم تمييز ما يجوز العمل به منه مما لا يجوز. وكيف يجمعون بين العمل وبين عدم اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؟! ومن أين يعرفون أنه داخل تحت أصل كذا وكذا إلى غير ذلك.
فيرجع الأمر إلى منع العمل بالحديث الضعيف مطلقاً، كما ذهب إليه أهل القول الأول وهو ظاهر قول ابن حبان في كتابه المجروحين. أن ما روى الضعيف وما لم يرو في الحكم سيان.
والعامل بالحديث الضعيف يخشى عليه من مشاركة الكذابين بالإثم الوارد في حق من فعل ذلك لأنه صدق ذلك بعمله.(32/107)
قال الحافظ ابن حجر: "وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" فكيف بمن عمل به! ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع".
ولا شك أن الحق في هذا مع أهل القول الأول، ولدينا مما صح في الفضائل والترغيب والترهيب من جوامع كلم المصطفى صلى الله عليه وسلم ثروة يعجز البيان عن وصفها وهي تغنينا عن رواية الأحاديث الضعيفة في هذا الباب وبخاصة أن الفضائل ومكارم الأخلاق من دعائم الدين ولا فرق بينها وبين الأحكام من حيث ثبوتها بالحديث الصحيح أو الحسن، فمن الواجب أن يكون مصدرها جميعاً الأخبار المقبولة.
وحاصل القول: أنه لا ينبغي أن يجوز العمل أو يستحب في فضائل الأعمال بحديث ضعيف لأن المندوب من الأحكام، ويقع فيه الخلاف كما يقع في غيره كما تقدم.
وهذا لا يجوز أن تبنى عليه الشريعة ولا يحتج به في الدين باتفاق المسلمين فإن هذا من جنس الإسرائيليات ونحوها التي لا تعلم صحتها، إلا بنقل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه لو نقلها مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما ممن ينقل أخبار- المبتدأ أو قصص المتقدمين- من أهل الكتاب لم يجز أن يحتج بها في دين المسلمين باتفاق المسلمين، فكيف إذا نقلها من لا ينقلها لا عن أهل الكتاب، ولا عن ثقات علماء المسلمين، بل إنما ينقلها عمن هو عند المسلمين مجروح ضعيف لا يحتج بحديثه واضطرب عليه فيها اضطراباً يعرف به أنه لم يحفظ ذلك قاله شيخ الإسلام ابن تيمية.
الخاتمة
هكذا تم بمنه وفضله البحث في هذا الموضوع وأصبح الحق فيه واضحاً لكل ذي عينين منصف إذا تدبر ما جاء فيه، لأنه هو الطريق الذي من سلكه نجا. ولأننا لسنا بحاجة إلى العمل بمثل تلك الأحاديث لأن فيما صح من الأحاديث المتضمنة لذلك كفاية لكل واقف، عند حدود الكتاب والسنة.(32/108)
ومن قال بأن الأخذ بالأحاديث الضعيفة ليس اختراع عبادة فعجب قولهم؛ لأن من أمعن النظر بالأحاديث الضعيفة، وبما تدل عليه من الفضائل التي لم تكن مساوية في هذا الحكم لأصل آخر صحيح كما أسلفنا لوجد أن ما تدل عليه ما دامت بهذه الصفة اختراع عبادة لأنه لا معتمد له في العمل به إلا ذلك الحديث الضعيف كصيام السابع والعشرين من رجب وما ماثل ذلك.
فصيام ثابت لكن ما الذي دل على فضله في هذا اليوم؟ أليس هو الحديث الضعيف؟ أليس الصائم في هذا اليوم يرجو الثواب الذي ورد ذكره في هذا الحديث؟.
ومع ذلك فإننا نجد بعض الأعلام من العلماء لا يقفون عند فضائل الأعمال عند الأخذ بالحديث الضعيف فقد يتجاوزونه إلى الأحكام مثال ذلك ما قاله البيهقي في حديت أبي هريرة رضي الله عنه في سترة المصلي كما تقدم.
والسيوطي إذ قال فيما تقدم ويعمل به أيضاً في الأحكام إذا كان فيه احتياط.
وما ورد في الأئمة في هذا الموضوع كالإمام أحمد وغيره رحمهم الله فمحمول على رواية الحديث الضعيف لا على العمل به أو على العمل به لكن يعنون به الحسن لغيره لا الضعيف القريب ضعفه إذا تفرد أو أنهم يفضلونه على القياس الفاسد كما تقدم بسطه.
وهناك فرق بين العمل بالحديث الضعيف وبين روايته وذلك إذا لم يشتد ضعفه وأما ما اشتد ضعفه فلا جدال فيه كما تقدم تفصيله في أبواب هذا البحث والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد ابن عبد الله وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
فهرس المصادر والمراجع
المخطوطات
1- تهذيب الكمال: للحافظ المزي: نسخة مصورة من النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية.
2- الجامع الكبير: للحافظ السيوطي نسخة مصورة عن النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية.
3- شعب الإيمان: للبيهقي: تصويره في مكتبة الجامعة الإسلامية.(32/109)
4- طبقات المحدثين: لأبي الشيخ تصويره في المكتبة المركزية بجامعة أم القرى.
5- العلل: للدارقطني تصويره في المكتبة المركزية بجامعة أم القرى.
6- ما قرب سنده: لأبي إسماعيل السمرقندي تصويره في مكتبة الجامعة الإسلامية.
7- مجمع البحرين: للهيثمي أصله في مكتبة الحرم المكي الشريف.
8- معرفة السنن والآثار: للإمام البيهقي توجد لدَّي صورة عنه وأصله في مكتبة الشيخ محب الله في باكستان.
9- المقصد العلي: للهيثمي تصويره في المكتبة المركزية بجامعة أم القرى.
10- مسند البزار: تصويره في مركز البحث العلمي في جامعة أم القرى.
المطبوعات
11- الأباطيل والمناكير: للحافظ الجورقاني تحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفريواني الطبعة الأولى 1403 هـ مطبعة السلفية.
12- الأجوبة الفاضلة: للكنوي تحقيق عبد الفتاح أبو غدة مكتب المطبوعات الإسلامية.
13- الأحكام في أصول الأحكام لابن جزم: تحقيق د/ إحسان عباس الطبعة الأولى 1400 هـ الناشر دار الآفاق بيروت.
14- أخبار أصبهان: لأبي نعيم الأصبهاني. الناشر الدار العلمية دلهي الهند.
15- الأذكار: للنووي تحقيق عبد القادر الأرناووط. الناشر دار الملاح للطباعة والنشر.
16- أصول الحديث وعلومه: تأليف د/ محمد عجاج الخطيب. الطبعة الأولى 1386 هـ.
17- أعلام الموقعين: للإمام ابن قيم الجوزي تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. الطبعة الأولى 1374 هـ. مطبعة السعادة بمصر.
18- الإعتام: الإمام الشاطبي دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت- لبنان.
19- الاقتراح في بيان الاصطلاح: لابن دقيق العيد. تحقيق قحطان عبد الرحمن الدوري. مطبعة الإرشاد - بغداد 1402 هـ.
20- ألفية العراقي وشرحها للسخاوي: الناشر مكتبة السلفية بالمدينة المنورة- مطبعة العاصمة.
21- الباعث الحثيث أو اختصار علوم الحديث: لابن كثير تحقيق أحمد محمد شاكر الطبعة الثالثة.(32/110)
22- تاريخ بغداد: للحافظ الخطيب البغدادي. الناشر دار الكتاب العربي بيروت.
23- تاريخ يحيى بن معين: تحقيق د/ أحمد محمد نور سيف. الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.
24- التاريخ الكبير: للإمام البخاري دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد (الدكن) الهند.
25- التبصرة والتذكرة شرح ألفية العراقي: توزيع دار الباز عباس أحمد الباز مكة المكرمة.
26- تبين العجب بما ورد في فضل رجب: للحافظ ابن حجر العسقلاني. مطبعة المعاهد بالقاهرة 1351 هـ.
27- تحذير الخواص من أكاذيب القصاص: تحقيق الدكتور محمد بن لطفي الصباغ- المكتب الإسلامي.
28- تحفة الأحوذي: شرح جامع الترمذي الناشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
29- تدريب الراوي: للإمام السيوطي تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
30- تذكرة الحفاظ: للإمام الذهبي. دار إحياء التراث العربي بيروت.
31- الترجيح لحديث صلاة التسبيح: للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي. الطبعة الأولى 1405 هـ. دار البشائر الإسلامية بيروت.
32- التعقبات على الموضوعات: للإمام السيوطي. المكتبة الأثرية باكستان.
33- تقريب التهذيب: للحافظ ابن حجر العسقلاني تحقيق محمد عوامة دار الرشيد سوريا- حلب.
34- التقريب: للنووي المطبوع مع شرحها تدريب الراوي تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
35- التلخيص الحبير: للحافظ ابن حجر تحقيق عبد الله هاشم اليماني.
36- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة: لابن عراق. مكتبة القاهرة.
37- تنقيح الأنظار: للعلامة محمد بن إبراهيم الوزير الحسني تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد الطبعة الأولى 1366 هـ.
38- تمييز الطيب من الخبيث: للحافظ عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيباني الشافعي الناشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان.(32/111)
39- تهذيب التهذيب: للحافظ ابن حجر الطبعة الأولى 1325 هـ مطبعة دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد (الدكن) الهند.
40- الثقات: لابن حبان مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد (الدكن) الهند.
41- جامع بيان العلم وفضله: للإمام أبي عمر يوسف بن عبد البر الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
42- جامع الترمذي-: المطبوع مع شرحه تحفة الأحوذي دار الكتاب العربي بيروت.
43- جزء الحسن بن عرفة: تحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي مكتبة دار الأقصى الكويت.
44- الجرح والتعديل: للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد (الدكن) الهند.
45- الجوهر النقي على السنن الكبرى للبيهقي: للإمام ابن التركماني. مطبعة دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد (الدكن) الهند.
46- حلية الأولياء: للحافظ أبي نعيم الأصبهاني الطبعة الثانية 1387 هـ. الناشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
47- خصائص المسند: للإِمام أبي موسى المديني. مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر. الطبعة الأولى 1929 م.
48- الدراية في تخريج أحاديث الهداية: للحافظ ابن حجر العسقلاني. تحقيق عبد الله هاشم اليماني. مطبعة الفجالة الجديدة- القاهرة.
49- الرسالة: للإمام الشافعي تحقيق أحمد محمد شاكر دار العربية.
50- سلسلة الأحاديث الضعيفة: للشيخ الألباني. المكتب الإسلامي.
51- سنن أبي داود: الناشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
52- سنن النسائي: الطبعة الأولى 1383. شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.
53- سنن ابن ماجة: تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. عيسى البابي الحلبي وشركاؤه- مصر.
54- سنن الدارمي: دار إحياء السنة النبوية.
55- سنن الدارقطني: الناشر عبد الله هاشم اليماني- دار المحاسن للطباعة القاهرة.
56- السنن الكبرى للبيهقي: مطبعة دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد (الدكن) الهند.(32/112)
57- شرح علل الترمذي: تحقيق صبحي جاسم الحميد. مطبعة العاني بغداد.
58- شرح الكرماني: الطبعة الثانية 1401 هـ. دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان.
59- شرح النووي: الناشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
60- صحيح البخاري: المطبوع مع شرحه فتح الباري. المطبعة السلفية ومكتبتها.
61- صحيح مسلم: تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي- دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاؤه.
62- صحيح ابن خزيمة: تحقيق د/ محمد مصطفى الأعظمي- المكتب الإسلامي.
63- صحيح الترغيب والترهيب: اختيار وتحقيق الشيخ الألباني المكتب الإسلامي الطبعة الأولى 1402 هـ.
64- الضعفاء الكبير: للعقيلي/ تحقيق د/ عبد المعطي أمين قلعجي. توزيع دار الباز عباس أحمد الباز مكة المكرمة.
65- الضعفاء والمتروكون: للدارقطني/ تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر. مكتبة المعارف الرياض.
66- الضعفاء والمتروكون للنسائي: تحقيق محمود إبراهيم زايد الطبعة الأولى. دار الوعي حلب.
67- الضعفاء: لأبي نعيم الأصبهاني تحقيق د/ فاروق حماده الطبعة الأولى 1405هـ.
68- علل الحديث: لابن أبي حاتم الناشر مكتبة المثنى بغداد.
69- عمدة القاري: شرح صحيح البخاري. الناشر محمد أمين دمج بيروت. إدارة الطباعة المنيرية.
70- عمل اليوم والليلة: لابن السني تحقيق عبد القادر أحمد عطا. دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت.
71- عيون الأثر: لابن سيد الناس دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان.
72- غريب الحديث: للخطابي. تحقيق عبد الكريم إبراهيم الغرباوي منشورات مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.
73- الفتاوى: للإمام ابن تيمية جمع وترتيب عبد الرحمن محمد بن قاسم وابنه محمد. الطبعة الأولى.
74- فتح الباري شرح صحيح البخاري: للحافظ ابن حجر العسقلاني المطبعة السلفية ومكتبتها.
75- فتح الباقي: المطبوع مع التبصرة والتذكرة. توزيع دار الباز- عباس أحمد الباز مكة المكرمة.(32/113)
76- فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي: للإمام السخاوي تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان الطبعة الثانية 1388 هـ.
77- الفصل في الملل والأهواء والنحل: للإمام ابن حزم دار الفكر 1400 هـ.
78- الفوائد المجموعة: للإمام الشوكاني الطبعة الأولى 1380 هـ. تحقيق عبد الرحمن بن يحي المعلمي اليماني.
79- فيض القدير شرح الجامع الصغير: للمناوي الطبعة الثانية 1391 هـ. دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت.
80- قواعد التحديث: للعلامة القاسمي الدمشقي. الطبعة الأولى. دار إحياء السنة النبوية.
81- قواعد في علوم الحديث: للعلامة التهانوي تحقيق عبد الفتاح أبوغدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بيروت.
82- القول البديع: للإمام السخاوي: الناشر دار الكتاب العربي.
83- الكامل لابن عدي: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
84- كشف الأستار عن زوائد البزار: تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. الطبعة الأولى.
85- كشف الخفاء: للإمام العجلوني، دار إحياء التراث العربي بيروت- لبنان.
86- الكفاية في علم الرواية: للخطيب البغدادي. الطبعة الأولى. مطبعة السادة.
87- كنز العمال: للمهتدي، الناشر مكتبة التراث الإسلامي حلب.
88- اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي. دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان.
89- لسان الميزان: للحافظ ابن حجر العسقلاني. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان.
90- المجروحين: لابن حبان تحقيق محمود إبراهيم الطبعة الأولى 1396 هـ مطبعة الحضارة العربية. بالقاهرة.
91- مجمع الزوائد: للحافظ الهيثمي. الطبعة الثانية الناشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
92- المدخل: للحاكم تحقيق د/ ربيع بن هادي المدخلي الطبعة الأولى 1404 هـ. مؤسسة الرسالة بيروت.
93- المدخل: للبيهقي تحقيق د/ محمد ضياء الرحمن الأعظمي الناشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي.
94- المراسيل: لابن أبي حاتم. الطبعة الأولى 1397 هـ. مؤسسة الرسالة.(32/114)
95- المرقاة شرح المشكاة: لعلي القاري الميمنية 1309 هـ.
96- المستدرك: للحاكم. الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية حلب.
97- مسند الإمام أحمد المكتب الإسلامي- دار صادر بيروت.
98- مسند الطيالسي: منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي 1372 هـ. المطبعة المنيرية بالأزهر.
99- مشكل الآثار: للإمام الطحاوي: الطبعة الأولى مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد (الدكن) الهند.
100- مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة: تحقيق محمد المنتقي الكشناوي. دار العربية للطباعة والنشر والتوزيع بيروت.
101- مصنف ابن أبي شيبة: الناشر الدار السلفية بمبي- الهند.
102- مطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: تحقيق حبيب الرحمن الأعظمى الطبعة الأولى.
103- المعجم الكبير: للطبراني تحقيق حمدي عبد المجيد الطبعة الأولى. الدار العربية للطباعة- بغداد.
104- معرفة علوم الحديث: للإمام الحاكم. تحقيق معظم حسين الطبعة الثانية 1977 م.
105- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار: للعراقي المطبوع مع إحياء علوم الدين مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
106- المقاصد الحسة: للإمام السخاوي. الطبعة الأولى 1399 هـ. دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
107- ملخص إبطال القياس: لابن حزم تحقيق سعيد الأفغاني دار الفكر بيروت.
108- منهاج السنة النبوية: للإمام ابن تيمية الطبعة الأولى 1321 هـ. المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق- مصر.
109- منهج النقد في علوم الحديث: للدكتور نور الدين عتر الطبعة الثانية 1399 هـ. دار الفكر: دمشق.
110- الموضوعات: للإمام ابن الجوزي. تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن عثمان الطبعة الأولى 1386 هـ.
111- ميزان الاعتدال: للحافظ الذهبي تحقيق علي محمد البجاوى دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاؤه.
112- نزهة النظر شرح نخبة الفطر: للحافظ ابن حجر الناشر مكتبة العلمية بالمدينة المنورة.(32/115)
113- نصب الراية: للحافظ الزيلعي الناشر المكتبة الإسلامية الطبعة الثانية 1393 هـ.
114- النكت على كتاب ابن الصلاح: للحافظ ابن حجر العسقلاني تحقيق د/ ربيع بن هادي المدخلي منشورات المجلس العلمي إحياء التراث الإسلامي الجامعة الإسلامية.
115- هدي الساري مقدمة فتح الباري: للحافظ ابن حجر العسقلاني تحقيق إبراهيم عطوه الطبعة الأولى 1383 هـ. شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي.
---
(1) النجم: الآية 3- 4.
(2) المائدة الآية 3.
(3) مقدمة الكامل: 1/ 17
(4) صحيح البخاري: العلم، باب آثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباري 1/199- 202
(5) انظر ما أشير إليه في هامش 2
(6) انظر ما أشير إليه في هامش 2
(7) صحيح البخاري: الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت فتح الباري 3/ 160 وصحيح مسلم: المقدمة
باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/9- 10
(8) صحيح البخاري: العلم، باب آثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباري 1/ 200
(9) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بنى إسرائيل فتح الباري6/496
(10) صحيح مسلم: الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم 2/2298صحيح البخاري: العلم، باب إثم مر كذب على النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباري1/ 201
(11) صحيح البخاري. المناقب،،باب… فتح الباري6/ 540
(12) صحيح مسلم: الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم 2/2298
(13) صحيح مسلم. المقدمة، باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين - 1/ 9
(14) قلت: هو كما قال إلا أنه لم يذكر حديث سمر ة بن جندب الذي أحرجه مسلم في مقدمة صحيحه فبذكره يكون العدد أربعة وثلاثين كما هنا.
(15) فتح الباري 1/203
(16) شرح النووي على صحيح مسلم: 1 / 92
(17) انظر ما أشير إليه في هامش2 وراجع نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 20(32/116)
عمدة القاري: 2/ 146
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 1/93
(2) فتح الباري: 1/199- 0 20 وراجع فتح المغيث 1/ 244
(3) كشف الأستار: 1/ 114.
(4) حلية الأولياء: 4/47ا.
(5) العلل 4/ لوحه 9.
(6) المدخل 99.
(7) مجمع الزوائد: 1/ 144.
(8) لتقريب 613.
(9) انظر هامش 5.
(10) حلية الأولياء: 4/147ترجمة عمرو بن شرحبيل
(11) سنن الدارمي: المقدمة: باب إلقاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والتثبت فيه 1/76
(12) التقريب 414
(13) راجع التهذيب: 7/ 471.
الأنعام الآية، 144.
(14) آل عمران: الآية، 130.
(15) الإسراء: الآية، 31.
فتح الباري: 1/ 200 وراجع فتح المغيث 1/ 244.
تحفة الأحوذى: 3/ 2 37
المعجم الكبير:8/155.
(16) المدخل: 96.
(17) المدخل: 96.
(18) التقريب 502.
(19) جامع الترمذي: العلم، باب تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (تحفة الأحوذي 3/374) .
(20) فتح الباري 1/202.
القول البديع 256.
(21) راجع تنقيح الأقطار وشرحه توضيح الأفكار 2/85.
فتح الباري 1/ 201.
راجع شرح الكرماني 2/ 113.
(22) فتح الباري 1/ 201.
(23) سيأتي تخريجه وبيان درجته في صفحة 27.
(24) المرقاة شرح المشكاة 1/ 21.
(25) فتح الباقي: 1/ 106، 107.
منهاج السنة النبوية 4/ 10.
الحجرات: الآية 6.
(26) الحجر: الآية 9.
(27) أصول الحديث علومه ومصطلحه 428.
(28) أصول الحديث علومه ومصطلحه 430.
الجرح والتعديل: 2/ 18 وتدريب الراوي 184.
(29) المقدمة 28
صحيح مسلم. المقدمة، باب النهى عن الحديث بكل ما سمع ص 10.
(30) مقدمة صحيح مسلم ص 11
مقدمة صحيح مسلم ص 11 وراجع الجرح والتعديل 2/35
(31) الأباطيل والمناكير ص 12
(32) معرفة علوم الحديث ص.6
شرح علل الترمذي لابن رجب ص103
(33) شرح علل الترمذي لابن رجب ص 103
(34) يل 1/ 11
(35) الجرح والتعديل 2/ 24(32/117)
(1) شرح علل الترمذي ص 104
(2) المقدمة ص 20
(3) الإقتراح: ص 177
(4) الإقتراح: ص 177
(5) راجع تدريب الراوي 105 والنكت على كتاب ابن الصلاح491
(6) راجع تدريب الراوي 105والنكت على كتاب ابن صلاح 491
(7) النكت 492
راجع التدريب 105
(8) راجع فتح المغيث 1/ 71 وقواعد التحديث 109.
(9) اب وجوب معرفة الحديث الصحيح والضعيف ص 17
(10) الأجوبة الفاضلة 56.
(11) فتح المغيث 1/267.
(12) الكفاية: 213 وراجع فتح المغيث 1/267.
(13) المصدر السابق.
(14) الكفاية 213.
(15) فتح المغيث 1 / 267 هذا النص مما سقط من المدخل للبيهقي نبه على ذلك محققه انظر ص 77.
(16) فتح المغيث 1 / 267 وراجع التبصرة والتذكرة 1/ 291.
(17) جامع بيان العلم وفضله 22.
(18) المقدمة 949وراجع التقريب للنووي 169.
(19) التقريب 195, 196.
(20) ألفية العراقي مع شرحها للسخاوي 1/266.
(21) المقدمة 49.
(22) راجع مقدمة صحيح الترغيب والترهيب ص 21.
(23) صحيح البخاري: العلم، باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أو لا يفقهوا فتح الباري1/225
(24) راجع صحيح ابن خزيمة: 4/263، 351.
(25) فتح المغيث: 1/267.
(26) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث 91.
(27) شرح علل الترمذي: 103.
(28) هذا الكلام وتتمته مورد في صفحة 54- 55.
(29) المقدمة: 47.
(30) التقريب المطبوع مع التدريب 178
(31) نزهة النظر 47.
(32) شرح النووي 1/95، 96
(33) النجم: الآية:3
(34) تحذير الخواص 132
(35) راجع المدخل 91.
(36) انظر الفصل الأول ص 11
(37) المسند: 2/22، 103،144.
(38) الرسالة: 396.
(39) كشف الأستار: 1/ 114.
(40) المدخل: 92.
(41) معرفة السنن والآثار: 45- 46.
(42) تاريخ بغداد: 3/238 ترجمة محمد بن محمد أبو منصور.
(43) فتح الباري: 1/201،203.
(44) منحة المعبود: 1/38.
(45) المسند:1/65.(32/118)
(1) كثف الأستار: 1/113.
(2) شكل الآثار: 1/ 166.
(3) المدخل 92.
(4) فتح الباري: 1/203.
(5) التقريب: 340.
(6) تحذير الخواص 72.
(7) تبيين العجب بما ورد في فضائل رجب ص 31.
(8) مقدمة صحيح مسلم1/28.
(9) المدخل: 111 والكفاية 90.
(10) الكفاية: 88.
(11) المجروحين 1/21 والكفاية 89 والأباطيل والمناكير 1/ 9.
(12) الأباطيل والمناكير 1/ 10.
(13) الكفاية: 92 والأباطيل 1/ 10.
(14) مناهج السنة: 4/ 11.
(15) مقدمة الضعفاء للعقيلي ص 14.
(16) راجع الإعتصام: 1/ 224.
(17) صحيح البخاري: فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لو كنت متخذاً خليلاً "فتح الباري 7/ 21 وصحيح مسلم: فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم 4/1967.
(18) 1/162- 163.
(19) قلت: العمل بالحديث الضعيف يأتي بيانه مفصلاً في رد القول بجواز العمل بالحديث الضعيف ص38.
(20) الفتاوى: 18/ 26- 27.
(21) جامع بيان العلم وفضله 76.
(22) قواعد التحديث 114- 116.
(23) انظر هذا القول في رواية الأحاديث الضعيفة ص18.
(24) الرسالة 141، 142 المسألة 402،403 والأم 4/ 40 وراجع فتح المغيث 1/268.
(25) راجع الاراء6/87 الحديث 1655ـ
(26) راجع فتح المغيث: 1/ 71.
(27) راجع القول البديع 256 وقواعد التحديث 113- 114.
(28) عيون الأثر: 1/ 15.
(29) راجع تدريب الراوي 196 والقول البديع 256.
(30) قواعد التحديث 113- 114.
(31) الفصل في الملل والنحل: 2/38.
(32) راجع فتح المغيث 1/267.
(33) النكت 1/437 وراجع القول البديع 255 وفتح المغيث 1/ 0 8.
(34) القول البديع 255 والموضوعات لابن الجوزي 35.
(35) القول البديع 255 والموضوعات لابن الجوزي 35.
(36) راجع فتح المغيث 1/ 80.
(37) إعلام الموقعين: 1/ 32.(32/119)
(1) وتحريم صيدوجّ رواه الزبير بن العوام أخرجه أحمد (المسند 1/165) وأبو داود المناسك (عون المعبود 2/ 164) ذكر الذهبي بأن الشافعي صححه (ميزان الاعتدال 2/393) وحسنه المنذري (التلخيص الخبير 2/ 280) قلت: هو من طريق محمد بن عبد الله بن إنسان عن أبيه ومحمد بن عبد الله ذكره ابن حبان في الثقات (9/33) وقال: كان يخطئ وقد تفرد بهذا الحديث نص عليه البخاري في التاريخ الكبير (1/140) وابن حبان. وقال ابن حجر فيه لين (التقريب 486) ومثل ذلك قال في أبيه (التقريب 296) وقال البخاري في عبد الله بن إنسان لم يصح حديثه (التاريخ الكبير 5/ 45) وكذا قال الأزدي وذكر الخلال أن أحمد ضعفه (التلخيص الخبير 2/ 280) وقال النووي: إسناده ضعيف.
(2) دل على هذا حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا بنى عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهاراً. أخرجه الترمذي (الحج، باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد المغرب ... (تحفة الأحوذي 2/ 94- 95) وأبو داود: المناسك، باب الطواف بعد العصر (عون المعبود 2/ 119) والنسائي (الصلاة، باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة 1/228) وابن ماجة (إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الرخصة في الصلاة بمكة في كل وقت 1/398) والشافعي (الرسالة) 325 وأحمد (المسند: 4/ 84) والدارمي: (المناسك، باب الطواف في غير وقت الصلاة: 2/ 75) وابن خزيمة (4/ 225) والحاكم (المستدرك 1/448) والبيهقي (السنن الكبر ى: 2/ 461) .
قال الترمذي فيه: حسن صحيح وصححه ابن خزيمة وقال الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي- وروي أيضاً من وجوه أخرى (راجع التلخيص الخبير 1/ 190) .(32/120)
(1) هذا الحكم مأخوذ من حديث لعائشة أم المؤمنين ولأبي سعيد الخدري وابن عباس فحديث عائشة أخرجه ابن ماجة (إقامة الصلاة: باب ما جاء في البناء على الصلاة 1/385) والدارقطنى 1/157 والبيهقي 1/142وهومن طريق إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة. وهو ضعيف لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهو مخلط وفي روايته عنهم وقد رواه موصولاًً ومرسلاًً. وتكلم الأئمة في ذلك مبينين ترجيح إرساله على وصله، وأن المرسل أيضاًً ليس بشيء. وقد حاول ابن التركماني تصحيح حديث إسماعيل بن عياش بما لا طائل تحته (الجوهر النقي على السنن الكبرى للبيهقي 1/142،143) .
وحديث أبى سعيد الخدري أخرجه الدارقطني 1/ (157) وفيه أبو بكر الداهري متروك.
وحديث ابن عباس أخرجه الدارقطني (1/156) وفيه سليمان بن أرقم متروك.
وروى فيه أيضاًًً آثار راجع التلخيص الخبير1/275 والدارية 1/31 ونصب الراية 1/37 والكامل لابن عدي 1/288 والبيهقي 1/142،143.
(2) راجع القول البديع 256 والنكت 1/ 436.
(3) الاعتصام: 1/ 226.
(4) تدريب الراوي 197.
(5) ملخص أبطال القياس والرأي 68 وراجع الأحكام 7/ 54.
(6) أعلام الموقعين 1/32.
(7) إعلام الموقعين: 1/ 31.
(8) راجع الفصل في الملل والنحل: 1/83.
(9) الكفاية 213 وراجع فتح المغيث 1/267.
(10) فتح المغيث: 1/267.
(11) القول البديع 255.
(12) ذُكرت هذه الشروط أو بعضها في فتح المغيث ا/ 268 والقول البديع 255وتدريب الراوي 196 وتبين العجب بما ورد في فضائل رجب 32 وقواعد التحديث 116.
(13) الأذكار: 5.
(14) حكاية الإجماع محل نظر إذ أنه لم يقل بعض الأئمة بالعمل به أنظر القول الأول ص32 وانظر رد القول بجواز العمل بالحديث الضعيف ص37.
(15) فتح المغيث: 1/267.
(16) راجع الجرح والتعديل 2/ 30 وشرح علل الترمذي102.
(17) شرح علل الترمذي 102.(32/121)
(1) انظر باب رواية الحديث الضعيف ص22.
(2) قواعد في علوم الحديث 92-93.
(3) قواعد في علوم الحديث 92-93.
(4) في علوم الحديث 92 93-.
(5) منهج النقد في علوم الحديث 291.
(6) شرح النووي 1/ 163.
(7) راجع شرح علل الترمذي: 287 والفتاوى 18/23.
(8) عمرو هذا حسن الحديث، إذ أنه صدوق (التقريب 423) ولا فرق بين ما رواه عن غير أبيه إذا كان صدوقاًً أو ثقة، وما رواه عن أبيه عن جده، لأن أباه شعيباًً صدوق، وقد روى عن جده عبد الله وهو الذي رباه، لأن أباه محمد مات وشعيب صغيراًً.
قال أحمد:"قد صح سماع عمرو بن شعيب من أبيه، وصح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو ".
وقال البخاري:"رأيت علي بن المديني وأحمد بن حنبل والحميد وإسحاق بن راهويه يحتجون به ".
وذكر الحاكم دليلاً لا يقبل الجدل. على أن شعيباً سمع من جده عبد الله وذلك أن رجلاًً سأل ابن عمر وثم ذهب معه شعيب إلى عبد الله بن عمر بأمر جده عبد الله بن عمر وثم إلى ابن عباس بأمر جده أيضاًً ثم عاد معه إلى جده عبد الله بن عمرو ثم قال الحاكم:"هذا حديث ثقاة رواته حفاظ وهو كالأخذ باليد في صحة سماع شعيب بن محمد عن جده عبد الله بن عمرو ".
قلت: وقد ذكر هذه القصة قبل الحاكم ابن أبي شيبة 4/142.
وقد بسط القول في هذا الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى بما يغنى عن الإطالة ذاكراً مصدر كل قول فليراجعه من سلا. (راجع تعليقه على مسند الإمام أحمد 10/ 25 الحديث 6518 وجامع الترمذي 2/ 140- 144)
(9) الفتاوى: 252/1، ومنهاج السنة: 2/ 191 وراجع في استدلال أحمد بحديث عمرو بن شعيب فتح المغيث: 1/ 80.
(10) الفتاوى 18/ 25.
(11) الفتاوى: 8 ا/249 ومنهاج السنة 2/ 191 وفتح المغيث 1/ 80.
(12) شرح علل الترمذي: 259.
(13) أعلام الموقعين: 1/ 31.
(14) فتح المغيث: 1/80.
(15) النكت 1/424.(32/122)
(1) النكت 1/ 424- 425 وراجع في حديث ابن عمر والبخاري: الوضوء، باب من تبرز على لبنتين (فتح الباري 1/ 247) ومسلم: الطهارة، باب الاستطابة: 1/ 225.
(2) النكت: ا/426-427.
(3) النكت:1/ 429.
(4) منهج النقد في علوم الحديث 292.
(5) الباعث الحثيث 92.
(6) راجع فتح المغيث 1/17.
(7) راجع الإعتصام1/226 وقواعد في علوم الحديث 96.
(8) الاعتصام: 1/ 226.
(9) النكت: 1/ 443.
(10) الفوائد المجموعة 1/283.
(11) الفتاوى 1/ 251.
(12) شرح علل الترمذي 102
(13) الخصائص 15 وراجع فتح المغيث 1/ 80.
(14) الباعث الحثيث 92.
(15) الفصل في الملل 2/83.
(16) ما بين المعكوفتين ألحقته من مقدمة صحيح الترغيب ص 28. وقد نقل فضيلة الشيخ النص سالماً من السقط من نسخة أخرى.
(17) الاعتصام: 1/ 224- 225.
(18) توضيح الأفكار: 2/112.
(19) هامش أصول الحديث 350.
(20) جزء الحسن بن عرفه ص 71 الحديث 63.
(21) المقاصد الحسنة 405 والجامع الكبير 1/761 وكشف الحفاء2/236- 237.
(22) تاريخ بغداد: 8/ 296 ترجمة خالد به حيان أبو يزيد الرقى.
(23) الجامع الكبير: 1/761، وكشف الخفاء2/ 236- 237.
(24) الجامع الكبير 1/ 761.
(25) الترجيح لحديث صلاة التسبيح: 31- 34.
(26) انظر ص 48 هامش سلسلة الأحاديث الضعيفة، الحديث 451.
(27) اللآلى المصنوعة: 1/ 214.
(28) المقاصد الحسنة:405والقول البديع 257.
(29) التنزيه 1/ 258.
(30) سلسة الأحاديث الضعيفة الحديث 451.
(31) راجع ترجمة فرات في الجرح والتعديل 7/ 80 ومحرز في تهذيب الكمال 3/1308.
(32) راجع ترجمة يحيى بن كثير في تهذيب الكمال 2/1515 ومحرز في تهذيب الكمال 3/1308.
(33) تمييز 163.
(34) الموضوعات 2/ 258.
(35) التعقبات 6.
(36) جزء الحسن بن عرفة الحديث 63
(37) يوجد تصويره في مركز البحث العلمي لجامعة أم القرى.
(38) الترجيح31.(32/123)
(1) المقاصد الحسنة 405.
(2) اللآلي المصنوعة 1/214.
(3) الثقات:8/141.
(4) لسان الميزان:2/26.
(5) الكامل:2/447.
(6) القول البديع 257 والمقاصد 405.
(7) كشف الخفاء 2/236.
(8) تمييز الطيب 163.
(9) تاريخ ابن معين 3/190.
(10) كتاب الضعفاء والمتروكين 92.
(11) ميزان الاعتدال 3/617.
(12) ميزان الاعتدال 3/ 617.
(13) المقصد العلى 194 والمطالب العالية 3/ 111.
(14) مجمع البحرين لوحه 24.
(15) جامع بيان العلم وفضله 1/22.
(16) الكامل: 2/493.
(17) الترجيح لابن ناصر الدين 35.
(18) المجروحين: 1/199ترجمة بزيع.
(19)
(20) سلسلة الأحاديث الضعيفة الحديث 452.
(21) الأحاديث الضعيفة الحديث 452.
(22) الجامع الكبير 1/761.
(23) الجامع الكبير 1/761.
(24) المطالب العالية: 3/111.
(25) المجروحين 1/199 ترجمة بزيع.
(26) الضعفاء والمتروكون 163 وراجع لسان الميزان 2/12.
(27) المدخل 123.
(28) الترجيح 35.
(29) التاريخ الكبير: 6/ 41.
(30) المجروحين 2/ 170.
(31) سقط من النسخة المطبعة 1/22 قوله: "إسناد هذا الحديث إلى قوله متروك"أنظر الفوائد المجموعة 283 اللآلى:1/215.
(32) الميزان: 2/ 369.
(33) الضعفاء والمتروكون 179.
(34) الترجيح 35.
(35) التاريخ الكبير 5/178 والتهذيب 5/ 371.
(36) الكامل 4/ 1548.
(37) كشف الخفاء2/236.
(38) اللآلى المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1/215.
(39) تنزيه الشريعة 1/265.
(40) السند منقول من اللآلى وليس فيها غيلان.
(41) راجع ميزان الاعتدال: 4/ 347.
(42) التهذيب: 8/ 253.
(43) ميزان الاعتدال: 1/ 253.
(44) الترجيح 34.
(45) الفوائد المجموعة 283.
(46) تاريخ دمشق: 14/ 500 ترجمة عبيد بن سلمان الكلبي الطابخى.
(47) التقريب: 120.
(48) الضعفاء لأبى نعيم 67.
(49) الترجيح 34- 35.(32/124)
(1) القول. البديع 258.
(2) تنزيه الشريعة 1/265.
(3) الترجيح 34- 35 وراجع المجروحين لابن حبان: 1/217.
(4) الفوائد المجموعة 283.
(5) كشف الخفاء: 2/236.
(6) الفتاوى: 18/ 65، 68.
(7) انظر ص 43.
(8) الاعتصام: 1/ 224- 225.
(9) الاعتصام: 1/ 228.
(10) الاعتصام: ا/224.
(11) فضل صوم هذا اليوم وارد في حديث لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخرجه ابن ماجة (إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان. 1/444) قال: حدثنا الحسن بن علي الخلال ثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن آبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فان الله عز وجل ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر لي فاغفر له ألا من مسترزق فأرزقه ألا من مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر ".
قال البوصيري (مصباح الزجاجة 2/ 10) :"هذا إسناد فيه ابن أبى سبرة واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبى سبرة قال أحمد وابن معين يضع الحديث "وقال ابن حجر:"رموه بالوضع " (التقريب 623) .
وأخرجه من وجه آخر بلفظ آخر ابن الجوزي (الموضوعات 2/ 130) وحكم عليه بالوضع وقال:"إسناده مظلم "، ثم قال:"وفيه محمد بن مهاجر قال ابن حنبل: يضع الحديث ".
(12) راجع الفتاوى: 18/ 67.
(13) هذا مبنى على أن الحديث ضعيف وليس كذلك لما يأتي:
أخرجه الترمذي! (الدعوات، باب ما يقول إذا دخل السوق. تحفة الأحوذي 4/ 240) وابن ماجة (التجارات، باب الأسواق ودخولها 2/ 752) والطيالسى (منحة المعبود 1/253) وأحمد (المسند: 1/ 47) والبزار (المسند 58) وابن السني (عمل اليوم والليلة ص 77) من طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار مولى آل الزبير.(32/125)
وأخرجه أبو نعيم (أخبار أصبهان 2/ 180) من طريق هشام بن حسان عن عمرو.
وأخرجه أبو الشيخ (طبقات المحدثين لوحه 66 ترجمة إسحاق بن إسماعيل) وابن أبى حاتم (العلل 2/ 181) من طريق عمران ابن مسلم عن عمرو بن دينار.
وذكر الدارقطني (العلل 1/ لوحه 64) بأنه رواه عن عمرو بن دينار سماك بن عطية وحماد بن سلمة.
ولفظ الحديث من مسند الطيالسى: قال: حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من دخل سوقا من هذه الأسواق فقال لا اله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحي عنه ألف ألف سيئة وبني له قصر في الجنة ".
قلت: مداره في جميع الطرق المتقدمة على عمرو بن دينار وهو ضعيف (التقريب: 421) .
قال أبو حاتم لما سئل عن هذا الحديث:"منكر جداً لا يحتمل سالم هذا الحديث" (العلل 2/ 171) .
= وذكر البزار بأنه رواه عمرو بن دينار قهرمان دار آل الزبير ولم يتابع عليه (المسند 58) .
قال الدارقطني بعد أن ذكر الاختلاف على عمرو:"ويشبه أن يكون الاضطراب فيه من عمرو بن دينار لأنه ضعيف قليل الضبط" (العلل 1/64) .
قلت: قول البزار ولم يتابع عليه محل نظر كما سيأتي بيانه إلا إن كان البزار يشير بالتفرد إلى ما في حديث عمرو بن دينار من الاختلاف عن متون حديث من تابعه وذلك أن في حديث محمد بن واسع وعمر بن محمد بن زيد ورفع له ألف ألف درجة بدل بنى له قصر في الجنة.(32/126)
وبعد أن ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على سالم وعلى الراوي عنه عمرو بن دينار وعلى الراوي عن عمرو الذي هو هشام ذكر بأنه رواه المهاجر بن حبيب وأبو عبد الله الفراد عن سالم عن أبيه عنه موقوفاً. وأنه رواه عمر بن محمد بن زيد فقال حدثني رجل من أهل البصرة مولى قريش عن سالم:"ثم قال فرجع الحديث إلى عمرو بن دينار وهو ضعيف الحديث لا يحتج به " (العلل ا/ لوحة 64) .
وكلامه هذا يشير إلى أن هذا الرجل البصري الذي روى عنه عمر بن محمد هو عمرو بن دينار وان الحديث عن عمر مرفوعا مداره على عمرو بن دينار لأن مهاجر بن حبيب حسن الحديث (الثقات لابن حبان 7/ 525) فلو كان من طريقه مرفوعاً لما جعل مدار الحديث على عمرو وأما أبو عبد الله الفراء فلم اعرفه. ولم يشر إلى رواية محمد بن واسع لا في العلل ولا في الإفراد.
والعبد الفقير إلى عفو ربه اللطيف يقول:"لم يعد الحديث إلى عمرو بن دينار لأنه رواه عن سالم محمد بن واسع عند الترمذي (الدعوات باب ما يقول إذا دخل السوق تحفة الأحوذى 4/ 240) والدارمى (الاستئذان، باب ما يقول إذا دخل السوق 2/293) والبخاري (التاريخ الكبير 9/50) والحاكم (المستدرك 1/538) وأبو نعيم (حلية الأولياء: 2/ 355 ترجمة محمد بن واسع) وهو ثقة (التقريب 511) فلولا أن الراوي عنه الذي هو أزهر بن سنان ضعيف (التقريب 97) لكان الحديث صحيحاً من طريقه أو لو وجد له متابع لكان كذلك.
وقد رواه عن سالم أيضا عمر بن محمد بن زيد عند الدارقطني (الأفراد) والحاكم (المستدرك 1/538) عمر بن محمد ثقة (التقريب 417) [(32/127)
رواية عمر بن محمد بن زيد ساقطة من النسخة المطبوعة وقد أخرجها الحاكم عنه من طريقين كما سيأتي بيانه. راجع نسخة المخطوطة الأزهرية (رقم 634) الجزء الأول 246/ أ، ب] لكن في سنده عند الحاكم عبد الوهاب بن الضحاك أبو الحارث الحمصي متروك كذبه أبو حاتم (التقريب 368) وشيخة إسماعيل بن عياش مخلط في غير أهل بلده وقد رواه عن غير أهل بلده (التقريب 109) . إلا أنه روى عن عمر بن محمد من طريق آخر رجاله كلهم ثقات. فقد رواه عن عمر بن محمد عبد الله بن وهب ورواه عنه أبو همام الوليد بن شجاع وهو ثقة (التقريب 582) وعنه الحافظ محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي أبو العباس السراج (تذكرة الحافظ ص 731) وعنه الحافظ الحسين بن علي أبو علي شيخ الحاكم (تاريخ بغداد 8/72 وتذكرة الحافظ ص 902) لكنه ادخل فيه واسطة بين عمر بن محمد وبين سالم فقال عمر بن محمد حدثني رجل من أهل البصرة. ولولا هذا لأصبح الحديث صحيحاً من هذا الوجه.
ولعل الرجل المبهم هو عمرو بن ديناركما تقدم ولولا ما في طريق عمر بن محمد الأول من شدة الضعف لقلت أن عمر سمع هذا الحديث أولا بواسطة هذا الرجل ثم سمعه بعد ذلك من سالم لأنه روى عن سالم في الصحيحين ذكر ذلك الحاكم (راجع نسخة المخطوطة 1/246/ 1، ب) وهو من عائلة عمر بن الخطاب كما هو معروف. أو أنه سمعه أولا من سالم ثم سمعه بعد ذلك من هذا الرجل فحدث به على الوجهين قاصدا- بذكر هذا الرجل- الإشارة إلى أنه رواه معه عن سالم غيره.
ولعلل الدارقطني لما قال فعاد الحديث إلى عمرو بن دينار غفل عن رواية محمد بن واسع دل على هذا قوله في الإفراد عقب حديث عمر بن محمد غريب من حديث عمر بن محمد عن سالم عن أبيه عن جده وإنما يعرف هذا من حديث عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم ولم يأت في كلامه في الكتابين ذكر لرواية محمد بن واسع- وطريق عمرو بن دينار مع طريق محمد بن واسع كافيان في جعل الحديث حسنا لغيره. والله اعلم.(32/128)
وله شاهدان من حديث عبد الله بن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.
فحديث عبد الله بن عمر أخرجه الحاكم (المستدرك 1/ 539) من طريق مسروق بن المرزبان عن حفص بن غياث عن هشام ابن حسان عن عبد الله بن دينار. قال الحاكم:"هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ". وقال الذهبي:"مسروق بن المرزبان ليس بحجة " وأخرجه من طريق آخر العقيلي (الضعفاء الكبير 3/ 304) وابن عدي (الكامل 5/1745) والحاكم (المستدرك 1/ 539) وذلك من طريق عمران بن مسلم المكي. قال الذهبي قال البخاري عمران منكر الحديث (راجع التاريخ الكبير 6/ 419 والمستدرك 1/ 539) .
وحديث ابن عباس أخرجه ابن السني (عمل اليوم والليلة 77) وفيه نهشل بن سعيد متروك (التقريب 566) والضحاك بن مزاحم لم يلق ابن عباس (المراسيل لابن أبى حاتم94) .
(1) يدل صنيع الشيخ رحمه الله على أن الحديث صحيح وليس كذلك لما يأتي:
أخرجه الحسن بن عرفة في جزئه (الحديث 45) ومن طريقه أخرجه ابن عدي (الكامل 5/ 1745) وأبو نعيم (حلية الأولياء 6/ 181 ترجمة عمران القصير) والبيهقي (شعب الإيمان 1/137 باب الإيمان بوجوب محبة الله عز وجل، فصل في إدامة ذكر الله عز وجل) والخطابي (غريب الحديث 1/77) .
واللفظ للحسن قال: حدثنا يحي بن سليم الطائفي قال سمعت عمران بن مسلم وعياد بن كثير يحدثان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذاكر الله في الغافلين مثل الذي يقاتل عن الفارين، وذاكر الله في الغافلين مثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي قد تحاث ورقه من الصريد "- قال يحي بن سليم: يعنى بالصريد: البرد الشديد- وذاكر الله في الغافلين يغفر الله عز وجل له بعدد كل فصيح وأعجم. قال: فالفصيح بنو آدم والأعجم: البهائم وذاكر الله في الغافلين يعرفه الله عز وجل مقعده من الجنة".(32/129)
وأخرجه من طرق أخرى عن يحي بن سليم عن عمران البيهقي في شعب الإيمان (1/137) وابن عساكر (الأحاديث الضعيفة 671) ومداره في جميع هذه الطرق على عمران بن مسلم المكي وهو منكر الحديث قاله البخاري (التاريخ الكبير 6/ 419 وراجع الكامل 5/ 1745) . وقد قال البخاري:"من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه. وقد قرن به عباد بن كثير، ولا يصلح للمتابعة لأنه أسوأ حالا منه إذ أنه متروك ". قال أحمد:"روى أحاديث كذب " (التقريب 290) .
وقال ابن عدي:"وهذا عندي قد حمل يحيى بن سليم حديث عباد بن كثير على حديث عمران بن مسلم فجمع بينهما وعمران خير من عباد ".
وضعف الحديث العراقي (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج الأحياء1/ 294) ورمز له السيوطي بالضعف (فيض القدير: 3/ 559) . وقد وهم المناوي (فيض القدير 3/ 559) في جعل عمران راوي الحديث (القصير البصري) ولعله تبع في ذلك أبا نعيم، إذ أن أبا نعيم أورد هذا الحديث في ترجمة القصير، والدارقطني إذ قال:"وقد قيل أن عمران بن مسلم هذا ليس بعمران القصير ذكره أبو عيسى محمد بن سورة الحافظ عن البخاري وهو عندي عمران القصير والله اعلم " (العلل 4/ لوحة 58) قلت: والحق أنهما اثنان ذلك مكي وهذا بصري، وقد فرق بينهما البخاري وابن أبي حاتم ويعقوب بن سفيان وابن أبي خيثمة والعقيلي وابن عدي والذهبي (راجع التهذيب: 8/138 وميزان الاعتدال: 3/242 والجرح والتعديل: 6/ 304) ولا سلف للدارقطني ولا اعتمد على شيء في ذلك.
وقد ذكر الأئمة هذا الحديث في ترجمة (المكي) منهم ابن عدي والذهبي وحكموا عليه بالضعف، جاعلين علته عمران بن مسلم المكي.(32/130)
وإيراد أبي نعيم هذا الحديث في ترجمة عمران القصير وهم ولعل منشأ هذا الوهم إضافة عمران في السند عنده إلى القصير وهذا إما وهم منه أو من شيخه أو شيخ شيخه ومما يؤكد الوهم في ذلك أن الحديث مخرج من طريق الحسن بن عرفة عنده وعند جميع من تقدم ذكره ولم يرد عند غيره إضافة عمران إلى القصير.
ولو كان واحداًً لما حكم عليه البخاري بمنكر الحديث كما تقدم ثم يخرج له في صحيحه (راجع هدي الساري 2/ 200) .
والحديث أخرجه أيضاً ابن صهري في اماليه وابن النجار وابن شاهين في الترغيب (كنز العمال: 1/ 430) ولم أقف على أسانيدها.
وقد قال ابن شاهين:"هذا حديث صحيح الإسناد، حسن المتن، غريب الألفاظ ". فان كان من غير هذا الطريق فلعله كما قال وإلا فقد عرفت ضعف هذا الطريق. والله أعلم.
(1) الفتاوى: 1/ 251.
(2) الفتاوى: 18/ 65، 68.
(3) الفتاوى: 18/ 66.
(4) سورة: المائدة، الآية: 3.
(5) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (فتح الباري 6/ 496) .
(6) الفتاوى: 18/ 66.
(7) هذا العمل مأخوذ من حديث علي رضي الله عنه وقد سبق مع الحكم عليه وروى أيضا من حديث أبي هريرة قال بن الجوزي فيه موضوع وفيه جماعة مجهولون (الموضوعات: 2/129) .(32/131)
(1) صوم هذا اليوم مروي عن انس بن مالك رضي الله عنه أخرجه هناد النسفي في جزئه من فوائده من طريق الزهري عن أنس قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم:"بعثت نبياً في السابع والعشرين من رجب فمن صام ذلك اليوم كان له كفارة ستين شهراً "أورده الحافظ ابن حجر في كتابه تبيين العجب بما ورد في فضل رجب ص 28 وقال:"سنده منكر "- وروى فضل صوم هذا اليوم عن ابن عباس وأبي هريرة موقوف عليها ذكر ذلك الحافظ (تبيين العجب ص 18،28) وقد قال في مطلع كتابه (ص 3) :"لم يرد في فضل رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروى الحافظ، وجميع الأحاديث الواردة في فضل شيء منه أو في فضله إما ضعيفة أو موضوعة ". وقال الحافظ:"وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب أو في فضل صيامه أو صيام شيء منه صريحه فهي على قسمين ضعيفة وموضوعة ".
(2) السنن الكبرى: 2/ 271.
(3) أصول الحديث 349.
(4) المجروحين: 1/327 ترجمة سعيد بن زيد بن فائد.
(5) تبيين العجب كما ورد في فضل رجب ص 4.
(6) أصول الحديث 349.
(7) الفتاوى: 1/ 257- 258.
(8) الأجوبة الفاضلة 43 ومنهج النقد في علوم الحديث 294.
(9) انظر ص66.
(10) انظر ص69.
(11) انظر القول الثاني في العمل بالحديث الضعيف.(32/132)
العدد 67-68
فهرس المحتويات
1- تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف: د. عبد العزيز عبد الرحمن بن محمد العثيم
2- الجهََاد بين عَقيدةِِِِ المسلِمين وَشُبَه المستشرقين: للدكتور العوض عبد الهادي العطا
3- استدراكات على كتاب تاريخ التراث العربي في كتب التفسير: للدكتور حكمت بشير ياسين
4- عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد في إعراب الحديث: تأليف جلال الدين السيوطي تحقيق الدكتور حسن موسى الشاعر
5- تنبيهات على تحريفات وتصحيفات في كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للحافظ أبي بكر نور الدين الهيثمي. ت: 807هـ
6- الرابط و َأثَره في التراكيب في العربية: للدكتور حمزة عبد الله النشدتي
7- رسائل لم يحملها البريد: للشيخ عبد الرءوف اللبدي
8- دلالة الأصل والتركيب بين ابن فارس والصاغاني: للدكتور يحيى عبد الرؤوف جبر
9- دور كلية القرآن الكريم في مراجعة المصاحف: إعداد - قسم القراءات
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(32/133)
الجهََاد بين عَقيدةِِِِ المسلِمين وَشُبَه المستشرقين
للدكتور العوض عبد الهادي العطا
أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف
استمرار الدعوة الإسلامية:
بدأت الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة حين بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكانت دعوة دينية خالصة لتوحيد الله ونبذ الشرك وعبادة الأوثان، مستندة إلى قوة الحجة والإقناع والموعظة الحسنة، فاستجاب لهما نفر من قريش، وصدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم وشدوا من أزره وساندوه ونصروه، فنالوا سبق الدخول في الإسلام، وحملوا لواءه وظلوا على ذلك العهد حتى عم الإسلام أرجاء الأرض، ولم يتزحزحوا ولم تؤثر فيهم الأهواء والمغريات حين تأثر بها الناس.
والملاحظ أن أول من أسلم كانوا من الشباب ومن لدات الرسول صلى الله عليه وسلم أو ممن لا يكبرونه في السن كثيراً. أما الشيوخ المسنون فلم يستجيبوا لدعوته، وكان من العار على المسن تغيير ما هو عليه من موروث قبيلته وآبائه وأجداده، فتأثروا بعرفهم وتقليدهم عن رؤية الحق والصواب، ولكن دخل في الإسلام جماعة من المستضعفين من أهل مكة الذين وجدوا الإسلام نصرة لهم، واشتد البلاء وعمت المحن علىِ المسلمين في مكة، ولذلك لم يتمكنوا من إقامة مجتمع إسلامي متكامل، ولكنهم كانوا أفراداً معروفين، آمنوا بالله ورسوله وتكونت فيهم أخلاق الإسلام الصحيحة وملأت نفوسهم قيمه ومثله.
وحين أعز الله رسوله بالهجرة والنصرة تميزت صورة المجتمع في المدينة وصار الناس على ثلاثة أقسام، المؤمنين الذين آمنوا بالله ظاهراً وباطناً والكفار وهم الذين أظهروا الكفر، والمنافقين وهم الذين آمنوا ظاهراً لا باطناً [1](32/134)
وسارت الدعوة إلى الإسلام من خلال ذلك في عدة مراحل، أولها مرحلة النبوة، تقول عائشة رضي الله عنها: "إن أول ما بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به، الرؤيا الصادقة، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح، وحبب الله إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده" [2] . والمرحلة الثانية إنذار عشيرته الأقربين، ثم إنذار قومه صلى الله عليه وسلم من قريش، ثم إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة، ثم إنذار جميع من بلغته الدعوة الإسلامية إلى آخر الدهر [3] .
وفي المدينة المنورة انتشر الإسلام، وتكونت جماعة مؤمنة متجانسة آخذة في النمو من المهاجرين والأنصار كنواة للأمة الإسلامية، وهو إطار عريض يظهر لأول مرة في الجزيرة العربية على غير نظام القبيلة. فقد انصهرت جماعة الأوس والخزرج في طائفة الأنصار ثم انصهر المهاجرون والأنصار في جماعة المسلمين، وبذلك تكونت جماعة كانت الأساس التاريخي للأمة الإسلامية ومهدت بذلك لكل من ينضم إليهم، قال ابن إسحاق في حديثه عن كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وموادعة يهود: "هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس" [4] ومن ثم وضع الأساس الذي ينظم العلاقة بين هذه الأمة ومن سكن معهم من أهل الكتاب، ولأول مرة تردَّ أمور هذه الجماعات إلى نظام يحتكم إليه "وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو إشتجار يُخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم" [5] .(32/135)
وسارت الدعوة الإسلامية في مسارها لتوحيد الجزيرة العربية على دين الإسلام فغزا الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه بضع وعشرين غزوة، أولها غزوة بدر وآخرها غزوة تبوك، وكان القتال في تسع غزوات، فأول غزوات القتال بدر وآخرها حنين والطائف، وأنزل الله فيها ملائكته. وعندما حاصر الطائف لم يقاتله أهلها زحفاً وصفوفاً كما حدث في بدر وحنين وإنما قاتلوه من وراء جدر [6] .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتولى أمور الجهاد ويضعها في اعتباره ويهتم بها ويقود المسلمين ويخرج بهم فوضع بذلك المثل والقدوة في تطبيق مفهوم الجهاد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الآية [7] وكان لذلك أكبر الأثر في انتشار الإسلام بصورة واضحة بين القبائل العربية منذ صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة، وأخذت الوفود تترى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتىٍ عددَّ ابن سعد في الطبقات عند ذكره لوفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً وسبعين وفداً [8] وقد جاءوا إما عن رغبة صادقة أو رهبة وخوف، لأن الإيمان هبة من الله يمنحها الصادقين من عباده، فعندما جاءت بنو أسد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله أسلمنا وقاتلتك العرب ولم نقاتلك، فقال رسول الله صلى الله وسلم: "إن فقههم قليل وإن الشيطان ينطلق على ألسنتهم"، ونزلت هذه الآية {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} الآية [9] .(32/136)
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم واصل جواده بعد أن ضرب الإسلام بجرانه في الجزيرة العربية، فأرسل الكتب إلى كبار الملوك آنذاك في العالم الحيَّ يعرض عليهم اعتناق الإسلام، فبعث إلى إمبراطور الروم وإلى نجاشي الحبشة وإلى كسرى ملك الفرس، والمقوقس صاحب الإسكندرية (مصر) وإلى أمراء الغساسنة وغيرهم [10] فأجاب بعضهم إجابة مهذبة وثار آخرون وتوعدوا. وتأكيداً لتحقيق تلك المرحلة من مراحل الدعوة [11] حدثت بعض الغزوات، وأعد الرسول صلى الله عليه وسلم بعث أسامه بن زيد، وهو البعث الذي أنفذه الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
ولكن الدعوة الإسلامية واجهت صراعاً متصلاً بين المبادئ الإسلامية الداعية إلى الوحدة والإخاء والمساواة والسلام، وبين الاتجاهات العنصرية الداعية إلى عصبية القبيلة والتفكك والانقسام. واشتد ذاك الصراع عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، فحدث ارتداد العرب عن الإسلام، والذي مثّل مظهراً من مظهراً التصادم بين العقيدة الإسلامية وبين القبلية الجاهلية، فقد انتعشت روح العصبية لدى بعض الزعامات القبلية التقليدية والتي لم يكن قد وقر الإيمان في قلوب بنيها، تلك العصبية التي حار بها الرسول صلى الله عليه وسلم وقضى عليها.
ولكن الخليفة أبا بكر الصديق رضي الله عنه تصدى لكل ذلك في قوة ورباطة جأش وإيمان صادق وعزم أكيد حتى أعاد للإسلام هيبته وللمسلمين وحدتهم، وصارت العقيدة الإسلامية هي الرابطة الوحيدة بين أبناء الأمة الإسلامية.(32/137)
وكان بعث أسامة بن زيد بمثابة مواصلة الجهاد الذي أكده القرآن الكريم ومارسه الرسول صلى الله عليه وسلم والتزم به الخليفة أبو بكر الصديق في خطبته المشهورة عند مبايعته في المسجد "لا يدع أحد منكم الجهاد فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل...." [12] ثم أخذ يحث المسلمين على الجهاد ويدعوهم إليه. ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي العمل أفضل فقال: "إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا قال: جهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا قال: حج مبرور" [13] . وقيل إن الإعراض عن الجهاد من خصال المنافقين، وفي الحديث: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغز ومات على شعبة نفاق" [14] وتتمثل في الجهاد حقيقة الزهد في الحياة الدنيا، كما يتجسد فيه الإخلاص، وقوة الإيمان تمنح المسلم القدرة في مواجهة العدو مهما كانت قوته وكان عدده.
ولم يكن مفهوم الجهاد عند المسلمين يعنى نشر الإسلام عن طريق الحرب والسيف وحسب وإنما بمبادئه السمحة الكريمة ولذلك انتهجوا منهج الإسلام في الدعوة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [15] الآية {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الآية [16] .(32/138)
وقد وضح هذا المنهج في سياسة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عندما أعلن للمجاهدين حيِن توديع جيش أسامه بن زيد: "لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاًَ كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له وسوف تقدمون على قوم قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً، اندفعوا باسم الله" [17] .
ولما كانت الدعوة إلى الإسلام هي الغاية المنشودة لذلك كان المسلمون يعرضون على خصومهم خيارات ثلاثة، إما الإسلام وكانوا يشرحونه ويحسنونِه لهم، وإما أن يقبلوا دفع الجزية، وإذا رفضوا هذين الخيارين فإن الحرب واجبة تأكيداًَ لقول الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية [18] وقد أخذت الجزية على أسس من الحق والعدل والرحمة، وتؤخذ على الرجل القادر البالغ العامل الحر، ولا تجب على الأعمى والمسكين وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار، وهي واجبة على جميع أهل الذمة [19] .
ومن ثم أصبح كثير من اليهود والنصارى على دينهم ودخلوا في ذمة المسلمين، بل إن بعضهم شارك في الأعمال الإدارية مثل أعمال الحسابات ومسك الدفاتر وظهرت روح التسامح في معاملة المسلمين لغيرهم حتى أحس أهل هذه البلاد بالطمأنينة والحرية والعدالة وحسن المعاملة في أموالهم وأعراضهم وأعمالهم.(32/139)
وقد عقد المسلمون مع كثير من أهل البلاد العهود والمواثيق، يدفعون بموجبها الجزية للمسلمين، ونظير ذلك يجدون الحرية والأمن، يقول الماوردي: "وأما الجزية فهي موِضوعة على الرؤوس واسمها مشتق من الجِزاء، إما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغاراًَ، وإما جزاء على أماننا لهم لأخذها منهم رفقاً" ويقول: "فيجب على ولي الأمر أن يضع الجزية على رقاب من دخل في الذمة من أهل الكتاب ليقروا بها في دار السلام ويلتزم لهم ببذلها حقان: أحدهما الكف عنهم والثاني الحماية لهم ليكونوا بالكف آمنين وبالحماية محروسين" [20] .
ومع ذلك فالملاحظ أن المسلمين كانوا يقومون بواجب الدعوة وتبليغ أهل تلك البلاد بالإسلام، فعندما بعث الخليفة عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص إلى القادسية، وجد أن الفرس قد أمّروا على الحرب رستم من الفرخزاذ الأرمني، وأمده بالعساكر فكتب سعد إلى عمر بذلك، فكتب إليه عمر بن الخطاب: "لا يكربنك ما يأتيك عنهم ولا ما يأتونك به واستعن بالله وتوكل عليه، وأبعث إليه رجالاً من أهل النظر والرأي والجلد يدعونه فإن الله جاعل دعاءهم توهيناًَ لهم وفلجاً عليهم واكتب إليَّ في كل يوم" [21] .
كما تمثلت في أعمال الجهاد عند المسلمين خصال فريدة، فقد وجه الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد أن يتآلف الناس ويدعوهم إلى الله عز وجل، وأمره ألا يكره أحداًَ على المسير معه وألا يستعن بمن ارتد عن الإِسلام، وإن كان عاد إليه [22] .
القوة والاستعداد وآلات الحرب من وسائل النصر:
لقد توفرت عند المجاهدين المسلمين قوة العقيدة والإيمان وارتفاع الروح المعنوية بأنهم خير أمة أخرجت للناس لها رسالتها في الدعوة، ولذلك كانوا لا يهابون الموت في سبيل ذلك إذ كان الظفر بالشهادة أمنية المجاهد المسلم مما يؤكد زهده في الدنيا مهما كانت مغرياتها.(32/140)
وقد كانت العقيدة عند المسلم الصادق هي السلاح الرئيسي الذي يعتمدون عليه في كل المعارك، فهي تأتي عندهم في المقام الأول بين العوامل والدوِاعي التي تجعلهم يصمدون ويثبتون حيث يكون الفرار في حساب المقاييس العسكرية أمراً لا مفر منه بل ولا لوم على فاعله.
ومع هذه القوة النفسية التي توفرت للمسلمين فقد تهيئوا من حيث العدة والعتاد أيضاً حتى اجتمعت لهم مقومات متكاملة للقتال {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [23] .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما تلا هذه الآية وهو على المنبر قال: "ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي" [24] .(32/141)
وقد عرف عن هؤلاء المجاهدين أنهم قد امتازوا بخفة الحركة والمثابرة والصبر وتحمل الشدائد وبذل النفس والثبات في ميدان القتال وإظهار التضامن بينهم، والانضباط، فقد كانوا يقفون صفوفاً متراصة ليس لأحد منهم أن يتقدم من الصف أو يتأخر عنه عملاً بقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [25] وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته يراعي هذا الأمر ويحثهم عليه دائماً، لأن الانضباط وحسن النظام من دواعي الجيش الممتاز، ففي يوم بدر قام الرسول صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف وفي يده قدْح، فمر بسواد بن غزية وهو مستنتل من الصف، فطعنه في بطنه بالقدح وقال: "استو يا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل، قال: فأقدْني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: استقد، قال فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد، قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير" [26] .
وقد يسبق القتال التدريب وتعلم الرمي والمهارة فيه، فقد عرف عن المسلمين إجادتهم الرمي، وقد شكل الرماة عند المسلمين أهمية خاصة، ففي يوم أحد وضعهم الرسول صلى الله عليه وسلم على الجبل كغطاء أساسي لظهر المسلمين، وعند عبور المسلمين إلى المدائن عاصمة الفرس كانوا أمام الجيش يخوضون الماء وكانوا من أمهر الرماة، فإذا رموا أصابوا الهدف. فاهتم المسلمون بالاستعداد التام من كل ناحية لمواجهة العدو، وهو عمل لابد منه ليستحق به المجاهدون نصر الله.(32/142)
وقد اهتم الخلفاء الراشدون بإعداد الجيش وتنظيمه إقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عمر ابن الخطاب أول من جعل الجند فئة مخصوصة، فأنشأ ديوان الجند للإِشراف عليه وتقييد أسمائهم ومقدار أرزاقهم وإحصاء أعمالهم. وكان ديوان الجند الذي استخدمه عمر بن الخطاب أكبر مساعد له في تحسين نظام الجند وضبطه في الإسلام، مما ساعد في تحسين استعداد المسلمين الكامل عند خروجهم للجهاد [27] .
وفي ضوء ذلك اهتموا بأدوات الحرب والقتال، فاهتموا بالخيل المعدة للجهاد لأن في إعدادها لهذا الغرض فضيلة كبيرة، وتدرب عليها شباب المسلمين ومارسوا الرمي وهم على ظهورها اعتنوا بها عناية فائقة، وفي الحديث "الخيل معقود في نواصيها الخير إلىِ يوم القيامة، الأجر والمغنم" [28] وكان أغلب جيش المسلمين في كثير من الأحيان يتألف أساساً من الفرسان، بل إن جيش سعد بن أبي وقاص يوم المدائن كان كله من الفرسان [29] .
وكان المسلمون يتسلحون بالدروع والسيوف والرماح كما استخدموا أسلحة أخرى كانت ذات أهمية في القتال، قال ابن سعد رحمه الله في حديثه عن غزوة أحد: "فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبس لامته وأظهر الدرع وحزم وسطها بمنطقة من أدم من حمائل السيف واعتم وتقلد السيف والترس في ظهره" [30] ويعتبر السيف والدرع والرمح من الأسلحة الخفيفة، وكان للسيف أهمية خاصة عندهم.
كذلك عرفت بعض الأسلحة التي استخدمت في كثير من الحالات مثل:-(32/143)
المجانيق - والدبابات والضبور، ومما يدل على معرفتهم لهذه الأسلحة ما ذكره ابن هشام: "ولم يشهد حنيناً ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيدن بن سلمة كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور" [31] ، قال السهيلي: "والدبابة آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال فيدبون بها إلى الأسوار لينقبوها "وقيل:"آلات تصنع من خشب وتغشى بجلود ويدخل فيها الرجال ويتصلون بحائط الحصن". قال ابن إسحاق: "حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليحرقوه" [32] وقيل: "أنها من آلات الحرب يدخل المحاربون في جوفها إلى جدار الحصن فينقبونه وهم في داخلها يحميهم سقفها وجوانبها".
والمجانيق من آلات الحصار يرمى بها الحجارة الثقيلة، وقد ذكر ابن هشام أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول من رمى بالمنجنيق، رمى أهل الطائف [33] ، وهي أنواع منها ما يرمى بالحجارة ومنها ما يرمى بالزيت المغلي ومنها ما يرمى بالنبال. وقد أقام سعد بن أبي وقاص على بهرسير شهرين يحاصرها ويرميها بالمجانيق ويدب إليها بالدبابات ويقاتلهم بكل عدة، وكان الفرس البادئين بالرمي والعرادات، فاستصنعها سعد، وأقام عليها عشرين منجنيقاً فشغلهم بها [34] .
قال السهيلي: "والضبور جلود يغشى بها خشب يتقى بها في الحرب"، وقيل: استخدمت ليتقى بها النبل الموجه من عل، ويتقى بها في الحرب عند الانصراف، وفي اللسان: الضَّبره - جلد يغشى خشب فيها رجال تقرب إلى الحصون لقتال أهلها، ويجمع على ضبور [35] .
وإلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرجع الفضل في إقامة الحصون والمعسكرات الدائمة لراحة الجند في أثناء الطريق بعد أن كانوا يقطعون المسافات الطويلة على ظهور الإبل، ولا يرتاحون إلا في مظلات مصنوعة من سعف النخل، ومن ثم بنيت العواصم وأقيمت الحاميات لصد هجمات الأعداء المفاجئة [36] .(32/144)
وتطور الدفاع عن بلاد المسلمين والجهاد في سبيل الله بإقامة الربط لحماية الثغور، وأصله أن يربط كل واحد من الفريقين خيله ثم صار لزوم النفر رباط، وأصل الرباط ما تربط فيه الخيول وأن كل ثغر يدفع عمن وراءهم، والمدافع المجاهد يدافع عمن وراءه، والمقيم في الرباط على طاعة الله يدفع بدعائه البلاء عن العباد والبلاد [37] وعند ابن تيمية أن المقام في ثغور المسلمين أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة لأن الرباط من جنس الجهاد، والمجاورة غايتها أن تكون من جنس الحج [38] قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [39] وفي الحديث "رباط يوم وليلة (في سبيل الله) خير من صيام شهر وقيامه" [40] .(32/145)
ولم يكن المسلمون في أول عهدهم يرغبون في ركوب البحر، ولم يأذن الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لعماله بذلك، ولكن في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، أنشأ أول أسطول إسلامي، فقد أذن لمعاوية بن أبي سفيان في غزو الروم بحراًَ، على ألا يحمل الناس على ركوب البحر كرهاً، فبرع المسلمون في ركوب البحر، وخاضوا المعارك فيه ورتب معاوية بن أبي سفيان الشواني والصوائف لغزو الروم. وبعث عبد الملك بن مروان لما ولي الخلافة إلى عامله على أفريقية حسان بن النعمان يأمره باتخاذ صناعة بتونس لإنشاء الآلات البحرية [41] وعلل المقريزي امتناع المسلمين من ركوب البحر للغز وفي أول الأمر لبداوتهم ولم يكونوا مهرة من ثقافته وركوبه، وكان الروم والفرنجة قد تمرسوا عليه لكثرة ركوبهم له. وعندما استقر أمر المسلمين تقرب كل ذي صنعة إليهم بمبلغ صناعتهم، واستخدموا من النواتية في البحرية أمماً وتكررت ممارستهم البحر وثقافته فتاقت أنفسهم إلى الجهاد فيه، وأنشأوا السفن والشواني وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح، واختصوا بذلك من ممالكهم وثغورهم ما كان أقرب إلى هذا البحر على ضفته مثل الشام وأفريقية والمغرب والأندلس [42] وقد كان ميناء جدة ثغراًَ هاماً للمسلمين باعتباره مدخلاً للحرمين الشريفين، وهذا ما حمل المسلمين فيما بعد على تحصينها وإقامة سور قوي حولها لتأمين الأماكن المقدسة في مكة والمدينة من أي غارة وخاصة غارات الصليبين [43] .
وقد برع المسلمون في صناعة السفن حتى صار علمهم في هذا الجانب تقلده أوربا وتنقله عنهم [44] .
المستشرقون والدعوة الإسلامية:-(32/146)
وقد اهتم المستشرقون بأمر الجهاد الإسلامي وناقشوه كثيراً وأثاروا حوله الافتراضات والشبه، وحاولوا أن يشوهوا روح الجهاد ومغزاه، ورغم أن المسلمين أوضحوا أن غايتهم نشر الإسلام، وأن القتال ليس غاية في حد ذاته وإنما هو وسيلة لإزالة العقبات عن طريق الدعوة، ولكنهم عن قصد أو سوء فهم لأمر الجهاد أثاروا هذه الشبهة، وركز بعضهم مثل كيتاني وأرنولد على أقوال المسلمين، فعندما فرغ الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه من حروب الردة وجه الجيوش إلى الشام لمواصلة الجهاد ولذلك كتب إلى أهل مكة والطائف واليمن وجميع العرب بنجد يستنفرهم للجهاد ويرغبهم فيه وفي غنائم الروم، فسارع الناس إليه بين محتسب وطامع وأتوا المدينة من كل باب [45] فتذرعوا بهذا القول مدعين أن هناك دافعاً مادياً، ولذلك يقول أرنولد: "إن أملهم (المسلمين) الوطيد في الحصول على غنائم كثيرة في جهادهم في سبيل الدين الجديد ثم أملهم في أن يستبدلوا بصحاريهم الصخرية الجرداء التي لم تنتج لهم إلا حياة تقوم على البؤس، تلك الأقطار ذات الترف والنعيم".
ثم يثير شبهة أخرى في أن هذه الفتوح الهائلة التي وضعت أساس الإمبراطورية العربية (كذا) لم تكن ثمرة حرب دينية قامت في سبيل نشر الإسلام، وإنما تلتها حركة ارتداد واسعة عن الديانة المسيحية حتى لقد ظُن أن هذا الارتداد كان الغرض الذي يهدف إليه العرب. ويستنتج بأنه من هنا أخذ المؤرخون المسيحيون ينظرون إلى السيف على أنه أداة للدعوة الإسلامية. وفي ضياء النصر الذي عُزي إليه حجبت مظاهر النشاط الحقيقي للدعوة.
ويتفق أرنولد مع أستاذه كيتاني في أنه يعتبر توسع الجنس العربي على أصح تقدير هو هجرة جماعة نشيطة قوية البأس دفعها الجوع والحرمان إلىِ أن تهجر صحاريها المجدبة وتحتاج بلاداً أكثر خصباً كانت ملكاً لجيران أسعد منهم حظاًَ [46] وأنها آخر هجرة من الهجرات السامية.(32/147)
ويقول أنه لا ينبغي أن نتلمس أسباب الانتشار السريع للعقيدة الإسلامية في أخبار الجيوش الفاتحة بل الأجدر أن نبحث عن ذلك في الظروف التي كانت تحيط بالشعوب المغلوبة على أمرها.
والمعروف أن نداء الخليفة الذي أورده البلاذري إنما هو حث للقبائل لتسارع للجهاد ونشر الإسلام، فإن تحقق مكسب بعد ذلك فهو أمر لاحق لأصل. ولم يكن القول (بأن جزيرة العرب كانت مجدبة فكان ذلك دافعاً للفتح والحروب) ، وذلك لعدة أسباب، من ضمنها أن الجزيرة العربية حينذاك كانت قد تزايدت أموال أهلها بفضل النشاط التجاري الذي انتعش حينذاك، فعير قريش التي انتهت بغزوة بدر قيل أنها كانت مكونة من ألف بعير وأن الدينار ربح ديناراً، وأن ريعها استفادت منه قريش في تعبئة نفسها لغزوة أحد. وأن سرية زيد بن حارثة إلى ذي قرد حصلت من قافلة قريش على كمية من الفضة وزنها ثلاثون ألف درهم [47] وكان موسم الحج من عوامل الانتعاش الاقتصادي، بالإضافة إلى أن الإسلام نظم الحياة الاجتماعية بين المسلمين، فأسلوب المؤاخاة بين المهاجرين والأنصارٍ الذي طبقه الِرسول صلى الله عليه وسلم حقق التكافل الاجتماعي بين المسلمين [48] فكون بذلك مجتمعاً إسلامياً نموذجياًَ.
ورغم بذخ الدولتين الروم وفارس، ومظاهر الأبهة والعظمة إلا أن ذلك لازمه استبداد وخلافات دينية وصراع حول الملك، على حين ألف الإسلام بين قلوب المسلمين، فمع مظاهر الزهد والتقشف في حياتهم، ظهر عليهم شدة الإيمان والحرص على الاستشهاد في سبيل الله [49] مما حقق لهم أعظم النتائج في المعارك التي خاضوها.(32/148)
ويقول جودفروا: "يقود الخليفة الجهاد أي الحرب المقدسة ضد الكفار لحملهم على اعتناق الدين الإسلامي أو استرقاقهم أو قتلهِم أو إجبارهم آخر الأمر على دفع الجزية، ومع أن العلماء المسلمين يعتبرون الجهاد فرضاًَ واجباً على جميع المسلمين إلا أنهم غير متفقين على قيمته الدينية، ولا يجعلونه جميعاً ركناً من أركان الدين الخمسة. وأصول الجهاد توضح هذا التردد، فقد كان الرسول في بداية دعوته في مكة ضعيفاً جداً ولم يزوده القرآن بسلاح سوى الصبر والثقة بالله، ولكن بعد الهجرة إلى المدينة هبط الوحي يحث المسلمينِ على أن يقاوموا بقوة السلاح أولئك الذين طردوهم من ديارهم وأرادوا بهم شراًَ (ق: س 22، 39- 43) وبمناسبة غارة قام بها المسلمون لخرق الهدنة الجاهلية في الأشهر الحرم أمرهم القرآن (س 2: 212) أن يقاتلوا" [50] .
هذا رأي المستشرق والملاحظ أنه يمتلئ بالأخطاء سواء عن قصد أو سوء فهم، من ذلك أنه يحور مفهوم الجهاد من أداة للدعوة ونشر الإسلام كما هو مضمونه الواسع المليء بالتسامح والصبر، إلى وسيلة للقتل والاسترقاق والنهب. ثم يتحدث عن سرية عبد الله ابن جحش على أنها غارة.(32/149)
رهط من المهاجرين في رجب وكتب لهم كتاباًَ، فإذا فيه "إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم" [51] فالمطلوب من السرية الحصول على معلومات عن قريش، وليس في هذا أمر غريب بين أعداء احتمال الحرب بينهما وارد، ولكن لم يكن أمراً للسرية بالقتال فقوله إنها غارة فيه إجحاف وتجن. وخاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم عندما رجعوا: "ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام"، وظل الأمر معلقاً حتى أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [52] وما قاله هذا المستشرق لم يخرج عما قاله أعداء الإسلام حينذاك عندما قالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وغنموا الأموال وأسروا الرجال [53]
وعموماً فإن الدراسات التي أعدت عن المستشرقين وتناولت مناهجهم اتفقت على أنهم يعالجون المسائل الإسلامية من وجهة نظرهم ووفق طرقهم ومناهجهم، فإن تخلوا عن الغرض، فقد تأثروا بالمنهج، وأدخلوا عوامل ومبررات في التوسع المبكر للإسلام، مثل عواقب الصراع بين الإمبراطوريات الساسانية والبيزنطية وعدم الاستقرار الداخلي للقوط في أسبانيا، ولكنهم لم يربطوا بين ذلك الانتشار السريع للإسلام وبين العقيدة الإسلامية نفسها، فهل من الممكن أن يحدث ذلك الانتشار والتوسع بهذه الدرجة من غير الدين الإسلامي؟ [54] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ابن تيمية، أحمد، مجموع فتاوى شيخ الإسلام، ج 28ص 431 (ط الأولى 1318) .(32/150)
[2] ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وآخرين، ج 1،2 ص 234 ط 2 (القاهرة 1375 هـ) . ولفظ البخاري رحمه الله "أول ما بدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء ….."أنظر ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج1 ص22، ط السلفية (1380 هـ) .
[3] ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، ج اص 38 (القاهرة 1373 هـ) .
[4] ابن هشام، المصدر السابق، ج 1، 2 ص 501.
[5] نفس المصدر ص 504.
[6] ابن تيمية، المصدر السابق ج 28 ص 429.
[7] سورة الأحزاب الآية 21.
[8] ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، ج 1 ص 1 29- 359، (بيروت دار صادر) .
[9] سورة الحجرات آية 17 انظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم ج 4 ص 218.
[10] ابن سيد الناس، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ج 2 ص 329 ط 3 (بيروت، 1402 هـ) .
[11] أنظر هذا البحث ص 2 (مراتب الدعوة) .
[12] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، خ 2 ص 332 (بيروت 1399 هـ) .
[13] ابن حجر، المصدر السابق، ج اص 77. (أنظر صحيح مسلم ج 1 ص 88 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي) .
[14] أحمد بن حنبل، المسند ج 2/ 374.
[15] سورة النحل آية 125.
[16] سورة البقرة آية 256.
[17] ابن الأثير المصدر السابق، ج 1 ص 335.
[18] سورة التوبة، آية 29.
[19] القاضي أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج (ضمن موسوعة الخراج) ص 122، (بيروت 1399 هـ) .
[20] الماوردي، أبو الحسن علي بن حبيب، الأحكام السلطانية، ص 143 (بيروت 1402 هـ) .
[21] ابن الأثير، المصدر السابق ج 2 ص 456.
[22] ابن كثير، البداية والنهاية، ج 5/ 6 ص 342 ط 2 (بيروت- 1977م/ 1397 هـ) .
[23] سورة الأنفال، آية 60.(32/151)
[24] ابن تيمية، المصدر السابق ج 28 ص 9.
[25] سورة الصف، آية 4.
[26] ابن هشام، المصدر السابق، ج 1، 2 ص 626.
[27] علي إبراهيم حسن، التاريخ الإسلامي العام، ص 535 (النهضة المصرية) .
[28] ابن حجر، المصدر السابق، ج 6 ص 56. أنظر الترمذي، صحيح الترمذي، باب الجهاد، شرح الإمام بن العربي المالكي، ج7 ص186.
[29] ابن الأثير، المصدر السابق، ج 2 ص 518.
[30] ابن سعد، المصدر السابق ج 2، ص 38.
[31] ابن هشام، المصدر السابق، ج 3- 4، ص478 أنظر السهيلي، أبو القاسم عبد الرحمن، الروض الأنف، تحقيق طه عبد الرؤوف ج 4 ص162- 163 (دار الفكر) .
[32] ابن هشام، المصدر السابق ج 3 ـ4، ص 483.
[33] نفس المصدر.
[34] ابن الأثير.، المصدر السابق، ج 2 ص 509.
[35] جمال الدين محمد بن منظور لسان العرب، ج4 (فصل الضاد باب الراء) ص480 (بيروت، دار صادر) .
[36] حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، ج1، ص 478 (النهضة المصرية، ط 7، 1964) .
[37] المقريزي، تقي الدين أبى العباس، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج 2 ص 427 (بيروت، دار صادر) .
[38] ابن تيمية، المصدر السابق، ج 28 ص 5.
[39] سورة التوبة، آية 19.
[40] أحمد بن حنبل، المسند، ج 5/ 440.
[41] المقريزي، المصدر السابق، ج 2 ص 190.
[42] نفس المصدر.
[43] عبد القدوس الأنصاري، تاريخ مدينة جدة، ص 70.
[44] حسن إبراهيم حسن، المصدر السابق، ج 1ص 484.
[45] البلاذري، أبو الحسن، فتوح البلدان، ص 111 (بيروت 1403 هـ) .
[46] أرنولد، سيرتوماس، الدعوة الإسلامية (مترجم) ص 64 (القاهرة 1970 م) .
[47] ابن سعد، المصدر السابق، ج 2 ص 36.
[48] عماد الدين خليل، دراسة في السيرة، ص 154 (مؤسسة الرسالة 1398 هـ) .(32/152)
[49] حسن إبراهيم حسن، المصدر السابق، ج 1ص 214.
[50] جودفروا، م. كتاب النظم الإسلامية، (باب الخلافة) مترجم، ص135.
[51] ابن هشام، المصدر السابق، ج ا-2، ص 602.
[52] سورة البقرة، آية 217.
[53] ابن هشام، المصدر السابق، ج ا-2، ص 604.
[54] راجع الدراسة التي أعدتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتب التربية العربي لدول الخليج، تحت عنوان (مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية) جزآن (الرياض 1405 هـ/ 1985م) .(32/153)
استدراكات على كتاب تاريخ التراث العربي في كتب التفسير
للدكتور حكمت بشير ياسين
أستاذ مساعد بكلية القرآن الكريم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداًَ عبده ورسوله.
أمّا بعد:
فقد انبرى جماعة من الباحثين للعناية بكتب التراث الإِسلامي والاهتمام بها، فتتبعوا أماكن وجودها، وبينوا مواصفاتها وذلك عن طريق التنقيب في المكتبات والمتاحف الزاخرة المنتشرة في أنحاء العالم أو عن طريق كتب المصنفين الذين اقتبسوا من الكتب المفقودة إجازة ونقلاً.
فقضوا قسطاًَ كبيراً من الأوقات، وضربوا في كثير من البلاد، وجمعوا وصنفوا، ومن هؤلاء: الأستاذ فؤاد سزكين مؤلف كتاب (تاريخ التراث العربي) الذي أودع فيه درراً من تراث القرون الأربعة الأولى فنظمها في هذا الكتاب فأجاد وأفاد، ولكن فاته الشيء الكثير، وهذا لا يقلل من شأن كتابه وقيمته العلمية لأن ضخامة الإنتاج الفكري الإِسلامي الذي خلفه الأجداد أكبر وأعظم من أن يحصى بمجلدات معدودة بغض النظر عما أصابه من نكبات مشهورة كانت خاتمتها تصدير كثير من الكتب المتبقية من هذا التراث إلى الغرب والشرق بطريقة غير مشروعة.(32/154)
لذا رأيت أن أساهم في خدمة هذا الكتاب فأذكر بعض الكتب المهمة التي لم يذكرها وخاصة كتب التفسير. علماً بأن الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري والأستاذ رمضان ششن قد استدركا على هذا الكتاب [1] لكن في غير هذه الكتب التي أذكرها في هذا البحث. وكانت طريقتي في سياق الكتب مشابهة نوعاً ما لعمل الأستاذ سزكين حيث أذكر التفسير مع مؤلفه ثم مكان وجود التفسير إذا كان موجوداًَ- وهو قليل جداً- أما إذا كان التفسير مفقوداً- وهو كثير جداً- فأذكر الذين صرحوا بذكره مع الذين أفادوا منه أو حصلوا على إجازته إن وجد.
وقد توسعت بعض الشيء في إيراد الذين اقتبسوا من هذه التفاسير نقلاً وإجازة لتنبيه الباحثين وطلاب العلم على إمكانية جمع نصوص هذه التفاسير قدر الإِمكان من مظانها الأصلية.
وهذا المقال هو القسم الأول من الإستدراكات وقد بدأت بتفسير إمام دار الهجرة مالك ابن أنس رحمه الله، لأنه أول من صنف تفسير القرآن العظيم بالإِسناد.
1ـ التفسير: للإمام مالك بن أنس ت 179 هـ.
وصفه الداوودي فقال في ترجمة الإِمام مالك: "وهو أول من صنف (تفسير القرآن) بالإِسناد على طريقة الموطأ، تبعه الأئمة"، فقال حافظ وله تفسير مسند، وله غير الموطأ كتاب (المناسك) و (التفسير المسند) لطيف، فيحتمل أن يكون من تأليفه وأن يكون علق عنه [2] .
وقوله: لطيف أي: صغير وهو كما قال، فقد سماه ابن كثير: بالجزء فقال في تفسيره: "وقال مالك فيما يروى عنه من التفسير في جزء مجموع...." [3] .
وقال في موضع آخر: "وعن مالك في تفسيره المروي عنه......" [4] .
وذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني ضمن اجازاته فقال: "جزء فيه التفسير المروي عن مالك". ثم ساق إسناده إلى الجزء من طريق أبي بكر محمد بن عمر بن سالم الجعابي به [5] .(32/155)
وكذا سمّاه الروداني وقد حصل على الإِجازة لروايته فذكره ثم ساق إسناده إليه من طريق محمد ابن عمر الجعابي به [6] .
وقد أجيز رواية هذا التفسير أيضاً الحافظ العراقي من طريق خلف بن عبد الرحمن القوينيى عن الإِمام مالك [7] .
وذكره الذهبي فقال: "وله جزء في التفسير يرويه خالد بن عبد الرحمن المخزومي يرويه القاضي عياض عن أبي جعفر أحمد بن سعيد عن أبي عبد الله محمد بن الحسن المقرئ عن محمد بن علي المصيصي عن أبيه بإسناده" [8] .
وذكره ابن النديم باسم كتاب التفسير [9] .
وقد أفاد ابن كثير من تفسير مالك في خمسة مواضع فقط بالتتبع [10] .
وأفاد منه أيضاً السيوطي في الدر المنثور [11] .
2- تفسير آدم بن أبي إياس ت 220.
ذكره ابن كثير وأفاد منه وغالباً يروي عن شيخه المفسر أبي جعفر الرازي [12] وذكره حاجي خليفة [13] .
وأفاد البخاري من آدم بن أبى إياس في الصحيح في كتاب التفسير [14] وكذلك أفاد منه أبو نعيم [15] والحاكم في المستدرك في كتاب التفسير [16] والبيهقي [17] .
كما أفاد منه جمع من المفسرين كالطبري [18] وابن أبي حاتم الرازي [19] وغيرهما.
3- التفسير الكبير لإِسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي المشهور بابن راهويه ت 238 هـ.
ذكره ابن النديم [20] والخطيب البغدادي [21] والسمعاني [22] وابن حجر العسقلاني [23] والداوودي [24] وحاجي خليفة [25] وطاش كبرى زاده [26] .
وحصل على إجازته السمعاني وسمّاه التفسير الكبير أيضاً، وساق إسناده من طريق أبي يزيد محمد بن يحيى بن خالد الميرماهاني عن المفسر إسحاق بن راهويه، وذلك في ترجمة شيخه أبي سعيد محمد ابن علي بن محمد المروزي [27] .
وحصل على إجازته أيضاً الحافظ بن حجر العسقلاني فذكره أيضاً بإسناده من طريق أبي يزيد محمد بن يحيى بن خالد عن المصنف به [28] .(32/156)
وأفاد البخاري في صحيحه- كتاب التفسير- كثيراً من إسحاق بن راهويه [29] وكذا محمد ابن نصر المروزي وحرب بن إسماعيل الكرماني أفادا بعض الروايات التفسيرية من ابن راهويه [30] .
كما أفاد من ابن راهويه: الإِمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي ت 468 في كتابيه أسباب النزول [31] والتفسير الوسيط بين المقبوض والبسيط [32] .
وأفاد منه أيضاً ابن مردويه في تفسيره [33] والحاكم في المستدرك- كتاب التفسير-
كثيراً من الروايات التفسيرية [34] وكذا ابن قيم الجوزية في كثير من مؤلفاته منها: كتاب الروح [35] ومختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة [36] .
وأفاد منه أيضاً ابن حجر العسقلانى عدة روايات تفسيرية [37] وكذا السيوطيى وصرّح أنه أفاد من تفسير إسحاق بن راهويه في كتابه القيم: الدّر المنثور [38] .
4- التفسير للإمام أحمد بن حنبل ت 241 هـ.
ذكره ابن الجوزي ضمن مصنفات الإمام أحمد فقال:
"والتفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفاً " [39] .
وقال أبو الحسين بن المنادي في تاريخه: "لم يكن أحد أروى في الدنيا عن أبيه من عبد الله بن أحمد، لأنه سمع منه المسند وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مئة وعشرون سمع ثلثيه والباقي وجادة" [40] .
وذكره ابن النديم [41] والداوودي [42] .
وأفاد منه الحافظ بن حجر العسقلاني في تعليق التعليق مرة واحدة فقط [43] .
وقد حصل الرودانيى على إجازة هذا التفسير فذكره ثم ساق إسناده من طريق أحمد بن جعفر القطيعيى عن عبد الله بن الإِمام أحمد عن الإِمام [44] .
وأفاد ابن الجوزي كثيراً من الروايات التفسيرية لأحمد [45] وقد تكون هذه الروايات من التفسير أو الناسخ والمنسوخ كلاهما للإمام أحمد وكلاهما مفقود وذلك لأن معظم الروايات التي أفادها نقلها بإسناد واحد إلى الإِمام أحمد، وأغلب هذه الروايات غير موجودة في المسند وفي كتبه الأخرى الموجودة.(32/157)
وأفاد أيضاً أبو نعيم الأصبهاني [46] والواحدي النيسابوري [47] بعض الروايات التفسيرية أيضاً.
6- تفسير القرآن الكريم لابن ماجة محمد بن يزيد القزويني ت 273:
كذا ذكره ابن خلكان [48] وقد ذكر هذا التفسير المزي [49] وابن كثير [50] والذهبي [51] وابن حجر [52] والسيوطي [53] والداوودي [54] وحاجي خليفة [55] وطاش كبرى زاده [56] .
ووصفه ابن كثير بالحافل فقال: "ولابن ماجه تفسير حافل" [57] .
والحافل: الكثير الممتلىء [58] ونستنتج أنه كبير الحجم ويؤكد ذلك ما يلي:
فقد وقف المزي على جزأين منتخبين من هذا التفسير قال المزي: "ولم يقع لي من مسند حديث مالك بن أنس لأبي داود سوى جزء واحد وهو الأول، ولا من تفسير ابن ماجه سوى جزأين منتخبين" [59] .
وبما أن المزي قد وقف على جزأين وقد سرد رجال هذين الجزأين في تهذيب الكمال وبما أن عدد الرجال بلغ ستين وتسعمائة وذلك بالتتبع والإحصاء من خلال الرجال الذين رمز لهم بحرفي (فق) وهم صنفان ترجم له. وصنف ورد في شيوخ وتلاميذ المترجم لهم [60] . فنستنتج ضخامة هذا التفسير.
وقد أفاد المزي من هذا التفسير إحدى وعشرين مرة في تهذيب الكمال [61] .
وأفاد الحافظ ابن حجر العسقلاني من هذا التفسير مرة واحدة [62] .
وذلك حسب الإحصائية التي قدمها الدكتور شاكر عبد المنعم في موارد الإِصابة [63] .
وأفاد منه السيوطي في الدر المنثور [64] .
7- التفسير لإبراهيم بن إسحاق الحربي 285.
قال الذهبي في ترجمته: "مصنف التفسير الكبير" [65] .
وكذا قال الداوودي وذكر بعض شيوخه وهم من المفسرين [66] .(32/158)
ويبدو أنه لم يرو عن المتهمين من أصحاب البدع من المفسرين فقد نقل الحافظ بن حجر العسقلاني عن إبراهيم الحربي في ترجمة مقاتل بن سليمان أنه قال: "وإنما جمع مقاتل تفسير الناس وفسر عليه من غير سماع". قال إبراهيم: "لم أدخل في تفسيري منه شيئاً" [67] .
8- تفسير مطين واسمه: محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ت 298.
ذكره ابن النديم [68] والداوودي [69] .
وأفاد الحاكم منه بعض الروايات في كتاب التفسير [70] .
9-تفسير القاضي أبي محمد إسحاق بن إبراهيم بن إسحاق البستي ت 307 [71] .
توجد منه نسخة في مكتبة البلدية بالإِسكندرية بمصر وقد وصل إلى نصفها الثاني يبدأ من سورة الكهف إلى نهاية التفسير، وقد صورت هذا الجزء من مكتبة فضيلة الشيخ حماد ابن محمد الأنصاري جزاه الله خيراً. وصرح باسم المؤلف في ورقة 126 ب.
10- التفسير لابن أبي داود عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني ت 316 هـ.
ذكره ابن النديم ثم قال: "عمله لما عمل أبو جعفر الطبري كتابه وأكثر كتاب ابن أبي داود حديث" [72] .
وروى الإِمام أبو بكر النقاش المفسر أنه سمع أبا بكر بن أبي داود يقول: "إن في تفسيره مائة ألف وعشرين ألف حديث" [73] .
وذكره الخطيب البغدادي [74] ، والذهبي أيضاً في تذكرة الحفاظ [75] ، والعليمي [76] ، والداوودي [77] ، وإسماعيل باشا البغدادي [78] .
وروى ابن الجوزي بإسناده إلى ابن أبي داود روايات تفسيرية كثيرة [79] .وهذه الروايات قد تكون من تفسير ابن أبي داود أو من الناسخ والمنسوخ لأنه ورد أنه صنف الناسخ والمنسوخ وذلك عند من ترجم له من الذين تقدم ذكرهم وغيرهم أيضاً.
11- التفسير لسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ت 360 هـ.
قال الداوودي في ترجمته: "وله تفسير كبير" [80] .(32/159)
وأفاد أبو نعيم [81] والبيهقي [82] بعض الروايات التفسيرية منه.
12- تفسير عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين ت 385 هـ.
قال الخطيب البغدادي في ترجمته: "له التفسير الكبير ألف جزء". ثم نقل عن الداودي [83] قال لي الدارقطني يوماً:
"ما أعمى قلب ابن شاهين! حمل إلى كتابه الذي صنفه في التفسير، وسألني أن أصلح ما أجد فيه من الخطأ، فرأيته قد نقل تفسير أبي الجارود وفرقه في الكتاب وجعله عن أبي الجارود عن زياد بن المنذر، وإنما هو عن أبي الجارود وزياد بن المنذر" [84] .
وترجم له ابن الجزري ووصفه بالحافظ المفسر [85] .
وذكره الحافظان الذهبي [86] وابن حجر [87] والداوودي [88] .
انتهى القسم الأول وإلى اللقاء مع القسم الثاني
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
فهرست المراجع
- ابن حجر ودراسة مصنفاته وموارده في الإصابة. د/ شاكر الكبيسي دار الرسالة بغداد ط 1.
- إثبات عذاب القبر- للبيهقي ت 458- تحقيق د/ شرف محمود القضاة- دار الفرقان- عمان الأردن ط 1 سنة 1403هـ.
- أسباب النزول- للواحدي النيسابوري ت 468 هـ تحقيق السيد صقر- دار القبلة جدة.
- الأسماء والصفات- للبيهقي ت 458 هـ- دار إحياء التراث العربي- بيروت.
- الإِصابة في تمييز الصحابة- لابن حجر العسقلاني ت 852 هـ تحقيق علي محمد البجاوي- مطبعة النهضة مصر- القاهرة.
- الأنساب للسمعاني ت 562 ط 1 الهند.
- البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي ت 774 هـ مكتبة دار المعارف بيروت ط 3 سنة 1978.
- تاريخ بغداد- للخطيب البغدادي ت 493 هـ نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.
- تاريخ الأدب العربي- لكارل بروكلمان- ترجمة د/ عبد الحليم النجار دار المعارف- مصر ط4.
- تاريخ التراث العربي- لفؤاد سزكين- طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.(32/160)
- التحبير في المعجم الكبير- للسمعاني ت 562 هـ تحقيق منيرة ناجي سالم مطبعة الإرشاد- بغداد ط 1 سنة 1395 هـ.
- تذكرة الحفاظ- للذهبي ت 748 طبعة الهند.
- ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك. للقاضي عياض ت 544 هـ تحقيق د/ أحمد بكير- منشورات دار مكتبة الحياة- بيروت سنة 1387 هـ.
- التفسير- لأبي محمد إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل البستي- ت 307 هـ مخطوط صورة مصورة عن نسخة مكتبة البلدية- الإِسكندرية مصر.
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت 774 ط 1 الشعب- القاهرة.
- تفسير القرآن العظيم مسنداً عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لابن أبي حاتم الرازي ت 327 هـ سورة آل عمران والنساء. بتحقيق. طبع على الآلة الكاتبة.
- تغليق التعليق- لابن حجر العسقلاني- تحقيق سعيد عبد الرحمن القزقي طبعة المكتب الإِسلامي ط 1.
- تهذيب تاريخ ابن عساكر- لعبد القادر بن أحمد الدمشقي المعروف بابن بدران ت 1346 هـ مطبعة الترقي دمشق ط 1.
- تهذيب التهذيب لابن حجر- طبعة دار صادر- بيروت.
-تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي ت 742 هـ تحقيق د/ بشار عواد معروف.
- ثبت بشيوخ العراقي- مخطوط في مكتبة الحرم المكي.
- الثقات- لابن حبان البستي ت 354 نسخة مصورة عن الطبعة الأولى بالهند سنة 1397 هـ.
- دراسات تاريخية- أ. د/ أكرم العمري طبع المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور- جلال الدين السيوطي ت 911 دار المعرفة- بيروت.
- الروح- لابن القيم الجوزية ت 551- طبعة مكتبة الرياض الحديثة- الرياض ط 3 سنة1386 هـ.
- سير أعلام النبلاء- للذهبي- مؤسسة الرسالة ط 1.
- الصحاح- للجوهري- تحقيق أحمد عبد الغفور عطار. ط 2 سنة 1402 هـ.(32/161)
- صحيح البخاري ت 256 طبعة دار إحياء التراث العربي- بيروت.
- صفة الجنة- لأبي نعيم الأصبهاني- تحقيق علي رضا عبد الله دار المأمون للتراث- دمشق- بيروت ط 1 سنة 1406 هـ.
- صلة الخلف بموصول السلف- لمحمد بن سليمان الروداني ت 1094 مخطوط في مكتبة الحرم المكي وحقق في مجلة معهد المخطوطات العربية المجدد الأول سنة 1402 هـ.
- طبقات الحفاظ- للسيوطي ت 911 تحقيق علي محمد عمر مطبعة الإِستقلال الكبرى- القاهرة ط 1 سنة 1393 هـ.
- طبقات الشافعية الكبرى- لعبد الوهاب السبكي ت 771 هـ تحقيق د/ محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو- طبعة الحلبي ط 1 سنة 1383 هـ.
- طبقات المفسرين- للداوودي ت 945 دار الكتب العلمية لبنان ط 1 سنة 1403 هـ.
- غاية النهاية في طبقات القراء- ابن الجزري ت 833 نشر- حـ - برجستراسر- دار الكتب العلمية ط 3 سنة 1400هـ.
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني- طبعة دار الفكر- بيروت.
- الفهرست لابن النديم ت 385 هـ تحقيق رضا تجدد طبعه طهران سنة 1391 هـ.
- الكتب التي أوردها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد- مقال للأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري طبع ضمن دراسات تاريخية طبعة المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية ط1 سنة 1403 هـ.
- كشف الظنون- حاجي خليفة- دار الفكر- بيروت.
- لسان الميزان- لابن حجر العسقلاني- طبعة الهند.
- مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة- لابن قيم الجوزية توزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء- الرياض.
- المستدرك على الصحيحين- الحاكم النيسابوري- طبعة دار الفكر بيروت سنة 1398 هـ.
- المعجم المفهرس (تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة) لابن حجر العسقلاني. مخطوط منه نسخة في دار الكتب المصرية برقم 82 مصطلح وصورتها في الجامعة الإسلامية قسم المخطوطات.(32/162)
- مفتاح السعادة ومصباح السيادة- طاش كبرى زادة- طبعة دار الكتب العلمية- بيروت ط 1 سنة 1405هـ.
- مناقب الإمام أحمد- لابن الجوزي- تحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي- طبعة مكتبة الخانجي- مصر ط 1 سنة 1399 هـ.
- المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد- لأبي اليمن العليمي ت 928 هـ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد- عالم الكتب- بيروت ط 2 سنة 1404هـ.
- موارد الدر المنثور- د/ عامر حسن صبري بخطه وسيطبع إن شاء الله بعد أن يضيف إليه بعض الاستدراكات.
- موافقة الخبر الخبر في تخريج آثار المختصر- لابن حجر العسقلاني تحقيق د/ عبد الله بن أحمد بن سليمان الحمد- رسالة دكتوراه مضروبة على الآلة الكاتبة في الجامعة الإسلامية.
- النهاية في غريب الحديث- ابن الأثير الجزري- تحقيق محمود محمد الطناحي وطاهر أحمد الزاوي- الناشر المكتبة الإسلامية.
- نواسخ القرآن- لابن الجوزي- تحقيق. د/ محمد أشرف علي الملباري طبعة المجلس العلمي بالجامعة الإِسلامية.
- هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين من كشف الظنون طبعة دار الفكر بيروت سنة 1402هـ.
- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان- لابن خلكان ت 681هـ تحقيق د/ إحسان عباس- دار صادر- بيروت.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] راجع ملاحظات واستدراكات على كتاب تاريخ التراث العربيِ طبع ضمن كتاب دراسات تاريخية وراجع كتاب نوادر المخطوطات العربية في تركيا طبع بثلاثة أجزاء.
[2] طبقات المفسرين 3/300.
[3] تفسير القرآن العظيم 2/ 192.
[4] المصدر السابق 6/318.
[5] المعجم المفهرس لوحة 44 ب
[6] صلة الخلف ص 43 و 44.
[7] ثبت بشيوخ العراقي ل 45.
[8] سير أعلام النبلاء 8/ 80 وانظر ترتيب المدارك 1/ 207.(32/163)
[9] الفهرست ص 36.
[10] انظر التفسير 3/ 192 و 193، 5/ 82 و 273 و 6/ 318.
[11] انظر على سبيل المثال 5/ 42 و 8/ 146 أفدته من موارد الدر المنثور.
[12] انظر على سبيل المثال تفسير ابن كثير 1/ 154 و174 و 290.
[13] كشف الظنون ص 442.
[14] انظر على سبيل المثال سورة النساء- باب (ومن يقتل مؤمناً متعمداًَ فجزاؤه جهم) راجع فتح الباري8/ 257.
[15] انظر على سبيل المثال صفة الجنة ص 8.
[16] انظر على سبيل المثال 3/ 224 و 260 و 276.
[17] انظر على سبيل المثال إثبات عذاب القبر ص 46 و 51 و 60 و 74.
[18] انظر على سبيل المثال التفسير رقم 187.
[19] انظر على سبيل المثال سورة آل عمران رقم 8 و 66 و 261.
[20] الفهرست ص 286.
[21] تاريخ بغداد 8/ 369 وأفدته من مقال بعنوان: الكتب التي أوردها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.
[22] التحبير في المعجم الكبير 3/ 190.
[23] انظر على سبيل المثال كتاب (موافقة الخبر الخبر) في تخريج آثار المختصر ص 545.
[24] طبقات المفسرين 1/ 103.
[25] كشف الظنون 1/242.
[26] مفتاح السعادة ومصباح السيادة 3/ 69.
[27] التحبير في المعجم الكبير 3/ 190.
[28] المعجم المفهرس لوحة 44 ب.
[29] انظر على سبيل المثال 6/ 30 و 33 و 67.
[30] انظر على سبيل المثال الروح لابن قيم الجوزية ص 110 ومختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة 1/ 356.
[31] انظر على سبيل المثال ص76 و154 و273.
[32] انظر على سبيل المثال ص245 و625.
[33] انظر فتح الباري 8/312.
[34] انظر على سبيل المثال 2/ 260 و367.
[35] ص 110.
[36] 1/356 و 357.
[37] انظر على سبيل المثال فتح الباري- كتاب التفسير 8/ 302.
[38] انظر على سبيل المثال 1/739 و 4/ 574.(32/164)
[39] مناقب الإمام أحمد به حنبل ص 248.
[40] انظر سير أعلام النبلاء 11/ 328- 329 وتاريخ بغداد 9/ 375 وموضع تاريخ بغداد أفدته من أ- د/ أكرم العمري بعنوان. الكتب التي أوردها الخطيب البغدايى في تاريخ بغداد.
[41] الفهرست ص 285.
[42] طبقات المفسرين 1/ 71- 72.
[43] 4/228.
[44] صلة الخلف بموصول السلف ص 39.
[45] انظر على سبيل المثال نواسخ القرآن 140 و 147 و 247.
[46] انظر على سبيل المثال صفة الجنة ص 92.
[47] انظر على سبيل المثال أسباب النزول ص 98 و 269.
[48] وفيات الأعيان 4/279.
[49] انظر على سبيل المثال تهذيب الكمال 4/ 90 و 7/ 413 المطبوع.
[50] البداية والنهاية 11/52.
[51] سير أعلام النبلاء13/ 377 وتذكرة الحفاظ 1/ 636.
[52] الإصابة 1/ 81 وهذا الموضع أفدته من د/ شاكر الكبيسي في موارد ابن حجر في الإصابة.
[53] طبقات الحفاظ ص 278 و279 وانظر الدر المنثور 6/489.
[54] طبقات المفسرين 2/ 274.
[55] كشف الظنون 1/439.
[56] مفتاح السعادة ومصباح السيادة 2/ 69.
[57] انظر البداية والنهاية 11/ 52.
[58] انظر النهاية 1/409 والصحاح 4/ 1670.
[59] انظر تهذيب الكمال 1/150 المطبوع.
[60] وقد أعددت لهؤلاء الرجال قائمة مرتبة أبجدياً لجميع الرجال من تهذيب الكمال وتقريب التقريب.
[61] انظر على سبيل المثال 4/ 90 و 7/ 477.
[62] الإصابة 1/81.
[63] 3/480.
[64] انظر 6/489 أفدته من موارد الدر المنثور.
[65] تذكرة الحفاظ 2/701.
[66] طبقات المفسرين1/7.
[67] تهذيب التهذيب 10/281.
[68] الفهرست ص287.
[69] طبقات المفسرين 2/164.
[70] المستدرك 2/227.(32/165)
[71] ترجم له ابن حبان البستى في الثقات 8/ 122 وابن عساكر انظر تهذيب تاريخ دمشق 2/409والذهبى في سير أعلام النبلاء وذكر اسمه الذهبي أيضاً في تذكرة الحفاظ ص 702 والسمعاني في الأنساب 2/225 ولكن الجميع لم يذكروا له تفسيراً.
[72] الفهرست ص288.
[73] انظر سير أعلام النبلاء 13/230 ولسان الميزان 3/ 295.
[74] تاريخ بغداد 9/464.
[75] 2/770.
[76] المنهج الأحمدي في تراجم أصحاب الإمام أحمد 2/ 15.
[77] طبقات المفسرين 1/ 236-237.
[78] هدية العارفين 5/ 444.
[79] انظر على سبيل المثال نواسخ القرآن ص 130 و 225.
[80] طبقات المفسرين 1/ 204 و 205.
[81] انظر على سبيل المثال صفة الجنة ص 7 و 8 و 13 و 16.
[82] انظر على سبيل المثال الأسماء والصفات ص.122
[83] هو محمد بن عمر الداودي صرح باسمه الذهبي حينما نقل نص الخطيب البغدادي تذكرة الحفاظ 3/988.
[84] تاريخ بغداد 11/ 267.
[85] غاية النهاية في طبقات القراء 1/588.
[86] تذكرة الحفاظ 3/ 988.
[87] لسان الميزان 4/ 284.
[88] طبقات المفسرين 2/ 4.(32/166)
عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد في إعراب الحديث
تأليف
جلال الدين السيوطي
تحقيق
الدكتور حسن موسى الشاعر
أستاذ مساعد بكلية اللغة العربية بالجامعة
مسند أًبيّ بن مالك [1] رضي الله عنه
22- حديث "مَنْ أَدْركَ والِدَيْهِ أو أَحَدَهُما ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ مِنْ بَعْدُ فأبْعَدَهُ الله وأَسْحَقَه" [2] .
قال ابن مالك في شرح الكافية [3] : "إذا كان جواب الشرط ماضياً لفظاً لا معنى لم يجز اقترانه بالفاء إلا في وعد أو وعيد، لأنه إذا كان وعداً أو وعيداً حَسُنَ أن يقدَّر ماضي المعنى، فعومل معاملة الماضي حقيقة. مثاله قوله تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [4] . ويجوز أن تكون الفاء عاطفة، ويكون التقدير: ومن جاء بالسيّئة فكبّت وجوههم في النار فيقال لهم: هل تجزون؟ انتهى. والحديث من قبيل الوعيد، فلذلك اقترن بالفاء".
مسند أحمر بن جَزْء [5]
23- حديث "إنْ كُنَّا لنأوي لِرسول الله صلى الله عليه وسلم [ممّا] ، يُجافي مِرْفَقَيه عَنْ جَنْبَيْه [إذا سجد] " [6] .
(إنْ) هنا المخففة من الثقيلة. واللام في لنأوي لام الابتداء الفارقة بينها وبين إن النافية [7] .
ومثله في حديث زياد بن لبيد [8] "ثَكِلَتْكَ أمُكً ابنَ أمّ لبيد إنْ كُنْتُ لأراك مِنْ أفقَهِ رَجُلٍ بِالمدينة" [9] .
وفي حديث أبي سعيد] الخُدري ["إنْ كانَ النبي مِنَ الأنْبياء لَيُبْتَلَى بالْقَمْلِ حتّىِ يَقْتُلَه، وإنْ كان النبي من الأنبياء لَيُبْتَلى بالفقر، وإنْ كانوا لَيفْرحُونَ بِالبلاَء كما تفْرحُون بِالرَخاء" [10] .
وفي حديث سؤال القبر "قَدْ عَلِمْنا إنْ كُنْتَ لَمُؤْمناً" [11] .(32/167)
وفى حديث أنس "إنَّكُم لَتَعْمَلُون أعمالاً هي أدقُّ في أعيُنِكُم مِنَ الشّعر إنْ كُنَّا لَنَعُدُّها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المُوبقات" [12] .
وفي حديث عائشة "إن كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليُصلّي الصُّبح" [13] .
وفي حديث بُريدة [14] "بُعِثْتُ أنا والساعةَ جَميعاً إنْ كادَتْ لَتَسْبِقُتي" [15] .
مسند أسامة بن زَيْد [16] رضي الله عنهما
24- حديث "قُلتُ: يا رسولَ الله، إنَّكَ تَصومُ حتَّى لا تكاد تُفْطِرُ، وتُفْطِرُ حتى لا تكاد تصوم إلاّ يومين. قال: أيّ يومين؟ " [17] .
قال أبو البقاء [18] : "تقديره أيُّ يومين هما؟ فحذف الخبر للعلم به. ويجوز النصب على تقدير أيَّ يومين أصوم؟ أو أيَّ يومين أُديمُ صومهما؟ والرفع أقوى". انتهى.
وفي رواية النسائي [19] في هذا الحديث "حتى لا تكاد أن تفطِر" بإثْبات "أنْ"، وإسقاطها كما في رواية أحمد أفصح.
25- حديث "فقال عبد الله بن أُبيّ: لا أحسن من هذا" [20] .
قال أبو البقاء [21] : "فيه وجهان: أحدهما: الرفع أنه خبر لا، والإسم محذوف، تقديره لا شَيء أحْسنُ من هذا. والثاني: النصب وفيه وجهان أحدهما: أنه صفة لاسم لا المحذوف، و (مِنْ) خبر لا، ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً، وتكون (من) متعلقة بأحسن، أي لا شيء أحسنَ من كلام هذا في الكلام أو في الدنيا. والثاني: أن يكون منصوباً بفعل محذوف تقديره: ألا فعلتَ أحسنَ مِنْ هذا؟ وحذف همزة الاستفهام لظهور معناها". انتهى.
قال القاضي عياض [22] : "وروي (لأحْسَنُ مِنْ هذا) بالقصر من غير ألف. قال: وهو عندي أظهر، وتقديره: أحسنُ مِنْ هذا أن تقعدَ في بيتك ولا تأتنا".(32/168)
ثم قال أبو البقاء: "وفيه ولقد اصطلح أهْلُ هذه البُحَيرةِ أن يتوّجوه فيعصبونه بِالعصابة. الوجه في رفع (فيعصبونه) أن يكون في الكلام مبتدأ محذوف تقديره: فهم يعصبونه، أو فإذا هم يعصبونه. ولو روي (يعصبوه) [23] بحذف النون لكان معطوفاً على (يتوّجوه) . وهو صحيح المعنى". انتهى.
وقوله في أول الحديث "ركب على حمارٍ على إكافٍ على قطيفةٍ" [24] .
قال الكرماني [25] : "فان قلت: قال النحاة لا تتعدد صِلاتُ الفعل بحرف واحد. قلت: الثالث بدل عن الثاني، وهو عن الأول. فهما في حكم الطرح [26] قال [27] : وقوله إنْ كان حقّاً يصحّ تعلّقه بما قبله، وهو (أحسنُ مما تقول) وبما بعده وهو (لاتؤذنا به في مجالسنا) ".
26- حديث "قَدْ كُنْتُ أنهاكَ عَنْ حُبِّ يَهود" [28] .
قال الكرماني [29] : "هذا اللفظ مع اللام ودون اللام معرفة. والمراد به اليهوديون، ولكنهم حذفوا ياء النسبة، كما قالوا: زنجي وزنج، للفرق بين المفرد والجماعة.
وقال السَّخاوي [30] في شرح المفصَّل: " (يهود) و (مجوس) علمان، ودخول الألف واللام فيهما في قولهم: اليهود والمجوس، كان لمّا حذفت ياء النسبة عوضاً منها. يدل على ذلك قول الشاعر:
صَمِّي لما فَعَلَتْ يهودُ صمامِ [31]
فَرَّتْ يَهودُ وأَسْلمتْ جِيرانَها
وقال في موضع آخر: اختلف في (يهود) فمن قال بأنه أعجمي صرفه لأنه من الأعجمي الذي تكلمت به العرب وأدخلت فيه الألف واللام، فكان مثل الدّيباج والإبْريسَم [32] . وأما قول الشاعر:
فرَّت يهودُ.... البيت.
فيهود فيه اسم قبيلة، والمانع له من الصرف التأنيث والعلمية. ومن قال إنه عربي، وأنه من هاد يهود إذا رجع، لم يصرف إذا سمي به، لأنه على مثال (يقوم) .
27- حديث قال: "رُويداً أَيُّها الناسُ عليكُم السَّكينة" [33] .(32/169)
قال أبو البقاء [34] : "الوجه أن ينصب (السكينة) على الإغراء، أي الزموا السكينة كقوله تعالى: {عَلَيِكُم أَنفُسَكُم} [35] . ولا يجوز الرفع لأنه يصير خبراً، وعند ذلك لا يحسن أن تقول (رويداً أيُّها النّاس) لأنه لا فائدة فيه". انتهى.
وقال الرضى [36] : " (رُويداً) في الأصل تصغير (إرْواداً) مصدر (أَرْوِدْ) أي أرفُق، تصغير الترخيم، أي أرفُق رِفْقاً. وإن كان تصغيراً قليلاً. ويجوز أن يكون تصغير (رَوْد) بمعنى الرفق، عدّي إلى المفعول به مصدراً أو اسم فعل لتضمنه الإمهال وجعله بمعناه. ويجيء على ثلاثة أقسام: أولها: المصدر، وهو أصل الباقيين، نحو (رُويدَ زَيْدٍ) بالإضافة إلى المفعول، كـ {ضَرْبَ الرِّقابِ} [37] و (رُويداً زَيْد اً) كضرْباً زَيْداً.
الثاني: أن يجعل المصدر بمعنى اسم الفاعل، إما صفة للمصدر نحو (سِرْ سَيرْاً رُوَيْداً) أي مروداً، أو حالاً، نحو (سيروا رُويداً) أي مُرْوِدين. ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف. وقوله تعالى: {أَمْهِلْهُم رُويداً} [38] يحتمل المصدر وصفة المصدر والحال.
الثالث: أن يُنقل المصدر إلى اسم الفعلِ لكثرة الإستعمال، بأن يُقام المصدر مُقام الفعل، ولا يقدَّر الفعل قبله، نحو (رُويدَ زَيْداًَ) بنصب (زيداًَ) . وإنما فتح رعاية لأصل الحركة الإعرابية. وقولهم (رُويدَكَ زَيْداً) يحتمل أن يكون اسم فعل والكاف حرف، وأن يكون مصدراً مضافاً إلى الفاعل كما مرّ. انتهى.
وقال الزمخشري في المفصَّل [39] : "في (رُويد) أربعة أوجه هو في أحدها مبني وهو إذا كان اسماً للفعل، وهو فيما عداه معرب، وذلك أن يقع صفة كقولك: ساروا سيراً رُويداًَ. وحالاً كقولك: ساروا رُوَيْداً. ومصدرا في معنى إرواداً مضافاً كقولك: رُويدَ زَيْدٍ". انتهى.
28- حديث "قُلتُ: يا رسولَ الله الصَّلاة. قال: الصلاةُ أمامَك " [40] .(32/170)
قال أبو البقاء [41] : "الوجه النصب على تقدير: أتريد الصلاة، أو أتصلي الصلاة؟ "انتهى.
وقال القاضي عياض: "هو بالنصب على الإغراء. ويجوز الرفع على إضمار فعل، أي حانت الصلاة، أو حضرت. وقوله (الصلاةُ) بالرفع و (أمامكَ) خبره".
وقال ابن مالك [42] : "يجوز في قوله (يا رسول الله الصلاة) النصب بإضمار فعل ناصب تقديره اذكر أو أقم أو نحو ذلك. والرفع بإضمار حضرت أو حانت أو نحو ذلك".
29- حديث "أَلاَّ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِه" [43] .
قلت: أَلاّ بفتح الهمزة والتشديد حرف للتحضيض مثل هلاّ. وذكر المالقي [44] في رصف المباني [45] : "أنها الأصل، وهلاّ مبدلة منها، أبدلت الهاء من الهمزة. قال: ولا تنعكس القضية لأن إبدال الهمزة هاء أكثر من إبدال الهاء همزة، والحمل على الأكثر أولى".
30- حديث "إن رَجُلاً قال: يا رسول الله، إني أَعْزِلُ عَن امرأتي. قال: ولمَ؟ قال: شَفَقاً على وَلَدِها. فقال: إنْ كان ذلك فَلا، ما ضارَ ذلك فارسَ والرُّوم" [46] .
قال أبو البقاء [47] : "التقدير: فلا تعزل لأجل هذا الغرض، [فإن فارس والروم يَطؤون نساءهم وهُنَّ يُرْضِعْنَ فما يضرّهم [[48] . فلا هي تمام الجواب، ثم قال: ما ضارَ ذلك فارس".
31- حديث "لَمْ يَأتِني جبريلُ منذُ ثلاث" [49] .
قال أبو البقاء [50] : "هو بضم الذال، و (ثلاثٌ) بالرفع لا غير، لأنه ذكر ذلك لقدر مدّة الإنقطاع، أي أمدُ ذلك ثلاثُ ليال [51] . ومنذُ لها موضعان:(32/171)
أحدهما: أن تكون للحاضر بمعنى (في) ، فتكون حرف جر تجرّ ما بعدها، كقولك: أنت عندنا منذُ اليوم أي في اليوم. والثاني: أن تذكر لبيان المدّة، [ثمّ ينظر فيه، فإن ذكر بعدها المدة من أولها إلى آخرها رفعت المدّة] [52] لا غير، كقولك: ما رأيته منذُ يومان، وإنْ ذكرتها لابْتداء مدة الإنقطاع كقولك: ما رأيته منذُ يومُ الجمعة، رفعت أيضاً، على تقدير أولُ ذلك يومُ الجمعة. ويجوز الجرّ على ضعف بمعنى (مِنْ) ". انتهى.
32- حديث "قُمتُ على باب الجَنَّةِ فإذا عامَّةُ مَنْ دخَلَها المساكينُ وإذا أَصْحابُ الجدُ محبوسون" [53] .
قال أبو البقاء [54] : " (إذا) هنا للمفاجأة، وهي ظرف مكان [55] والجيّد هنا أن ترفع (المساكين) على أنه خبر (عامة من يدخلها) وكذلك رفع (محبوسون) على أنه الخبر. و (إذا) ظرف للخبر. ويجوز أن تنصب (محبوسين) على الحال، وتجعل (إذا) خبراً. والتقدير: فبالحضرة أصحاب الجدّ. فيكون (محبوسين) حالاً، والرفع أجود. والعامل في الحال (إذا) أو ما يتعلق به من الإستقرار. و (أصحاب) صاحب الحال". انتهى.
33- حديث الطاعون "وإذا وَقَع بِأرْض واَنتُم بِها فَلا تَخْرُجوا، لا يُخرجكم إلاّ فراراً منه" [56] .
قال النووي [57] : "روي (إلا فراراً) بالرفع والنصب، وكلاهما مشكل [من حيث العربية والمعنى. قال القاضي: وهذه الرواية ضعيفة عند أهل العربية مفسدة للمعنى] [58] لأنّ ظاهرها المنع من الخروج لكل سبب إلا للفرار، وهذا ضد المراد. وقال بعضهم لفظة (إلا) هنا غلط من الراوي، وصوابه حذفها، كما هو المعروف في الروايات. ووجّه طائفة النصب فقالوا: هو حال، وكلمة (إلا) للإيجاب لا للإستثناء. وتقديره لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم إلا فراراً منه".
وقوله في الرواية الأخرى "إذا سمعتمُ به بأرض".
قال الطيبي [59] : "الباء الأولى زائدة على تضمّن سمعتم معنى أخبرتم و (بأرض) حال، أي واقعاً في أرض".(32/172)
34- حديث "إنَّما يرحمُ الله مِنْ عِبادِه الرُّحماء" [60] .
قال أبو البقاء [61] : "يجوز في (الرحماء) النصب على أن تكون (ما) كافّة كقوله تعالى: {إنِّما حَرَّم عَليْكُم المَيْتَة} [62] ، والرفع على تقديرِ] إنّ [، الذي يرحمه الله، وأفرد على معنى الجنس، كقوله تعالى: {كَمَثلِ الذيِ اسْتَوْقَدَ ناراًَ} ثم قال: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [63] .
قال: وقد أفردت هذه المسألة بالكلام، وذكرت في (ما) وجوهاً كثيرة في جزء مفرد [64] .
وقال غيره [65] : (مِنْ) في قوله (مِنْ عِبادِه) بيانيّة، وهي حال من المفعول قدّمت".
مسند أسامة بن شريك [66] رضي الله عنه
35- حديث "أَتيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه عِنْدَه كأنَّما على رؤوسِهم الطَّير" [67] .
قالت أبو البقاء [68] : "يجوز أن تجعل (ما) كافّة فترفع الطير بالابتداء، و (على رؤوسهم) الخبر. وبطل عمل (كأنّ) بالكفّ. ويجوز أن تجعل (ما) زائدة وتنصب الطير بكأنّ، و (على رؤوسهم) خبرها.
قال: وفيه "فإنَّ الله لم يَضعْ داء إلاّ وضَعَ له دواء غيرَ داء واحد الهرم".
قال: لا يجوز في (غير) هنا إلاّ النصب على الاستثناء من داء. أمّا (الهرم) لما فيجوز فيه الرفع على تقدير هو، والجر على البدل من (داء) المجرور بغير، والنصب على إضمار أعنى".
وقوله "فكان أُسامةُ يقول حين كَبِر: ترون لي من دواء".
[قال أبو البقاء] : "يجوز في (ترون) فتح التاء وضمهّا، والتقدير أترون؟ ولكنه حذف همزة الاستفهام لظهور معناها. ولابدَّ من تقديرها لأمرين:
أحدهما أنه تحقق [69] أنهم لم يعرفوا له دواء. والثاني أنه زاد فيه (مِنْ) ، و (مِنْ) تزاد في النفي والاستفهام والنهي". انتهى.
قلت: وقوله "يا رسولَ الله نَتَداوى؟ "قال: "نعم" على حذف همزة الإستفهام، أي أنتداوى؟.(32/173)
وقوله (وسألو عن أشياء، علينا حرج في كذا وكذا؟) على حذف الهمزة أيضاً، أي أعلينا؟
وقوله (قال: عباد الله) على حذف حرف النداء؟ أي يا عباد الله.
وقوله "وضَعَ الله الحرَجَ إلاّ امرأ اقْتَرض [70] مسلماً ظلماً فذلك الذي حَرجِ" فيه حذف المستثنى منه، أي عن عباده إلا امرأ، أو عنكم.
وقوله "قالوا: ما خير ما أعُطى الناس؟ ".
(ما) الأولى استفهامية لا غير. والثانية إمّا موصولة أو نكرة موصوفة. وجملة (أعُطى الناس) صلة أو صفة. وعائد الموصول أو الموصوف محذوف والتقدير: أي شيء خير الذي أعطيه الناس؟ أو خير شيء أعُطيه الناس؟.
مسند أُسامة بن عُمَيْر الهُذَليّ أَبي الملَيح [71] رضي الله عنهما
36- حديث "فَأَمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنادِيَه أن الصلاة في الرّحال" [72] .
قال أبو البقاء [73] : "يجوز في (أنّ) الفتح على تقدير: ينادى بأنّ الصلاة في الرحال، أي ينادى بذلك. والكسر على تقدير: فقال إنَّ الصلاة، لأن النداء قول. ومنه قوله تعالى {فَنادَتهُ الملائِكَةُ} ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ} [74] ، قرىء بالفتح والكسر" [75] .
مسند أبي رافع [76] مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه أسلم رضي الله عنه
37- حديث "فقال أفّ لك" وفى حديث ابن عباس "فجاء ينفضُ ثَوبه ويقول: أفّ وتُف" [77] .
قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس [78] في التعليقة: " (أف) اسم أتضجر أو تضجرت. وفيه سبع لغات: ضمّ الفاء وفتحها وكسرها من غير تنوين، وبتنوين، هذه ست،. والسابعة (أفّي) بألف ممالة بعد الفاء وهي التي تخلصها العامة ياء".
وعن ابن القطاع [79] إف بكسر الهمزة. وحكاها أيضاً ابن سيدة [80] في المحكم، وهي مبنية على كل لغة لكونها اسم فعل.(32/174)
وحكى الأزهري [81] عن ابن الأنباري (أفّي لك) بإضافته إلى ياء المتكلم، فمن ضمّ فللإتباع، ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين، ومن فتح فطلباً للتخفيف، والتنوين فيها في جميع الأحوال للتنكير [82] .
قال الزمخشري: "وتلحق به التاء منوّناً".
قال ابن يعيش [83] : "وأما (أفة) بتاء التأنيث فلا أعرفها، وإن كانت وردت فما أقلّها، وإن كان القياس لا يأباها".
وقال السَّخاوي: "هي اسم للفعل. قال أبو علي: وهو في الأصل مصدر من قولهم أًفَّةً وتُفَّةً أي نَتَناً. فلما صار إسماً للفعل الذي هو أتكرّه وأتضجر بُني، ويخفف فيقال (أفْ) بسكون الفاء، ومنهم من يفتحها مع التخفيف".
قال الجوهري [84] :"ويقال أُفّاً وتُفَّاً وهو إتباع له" [85] .
وقال ابن سيدة: "الأُفّ الوسخ الذي حول الظفر، والتُّفّ الذي فيه، وقيل الأُف وسخ الأذن، والتفّ وسخ الأظفار، ثم استعمل ذلك عند كل شيء يتضجر منه. وقيل الأًفّ القلة، والتفّ منسوق على أُفّ ومعناه كمعناه" [86] . انتهى.
38- حديث "إنّا آلَ مُحَمَّدٍ لا تَحِلُّ لَنا الصَّدَقَة" [87] .
قال أبو البقاء [88] : " (آلَ) منصوب بإضمار أعني أو أخصّ، وليس بمرفوع على أنه خبر إنّ، لأنّ ذلك معلوم لا يحتاج إلى ذكره. وخبر إن قوله (لا تحل لنا الصدقة) ومنه قول الشاعر:
نَحْنُ بَني ضَبَّةَ أصحابُ الجَمَل [89] .
وهو كثير في الشعر". انتهى.
وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في التعليقة: "هذا الاسم المنصوب يشبه المنادى وليس بمنادى، وهو منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره، كما لم يجز ظهوره مع المنادى، وموضع هذا الإسم مع الفعل الناصبة نصب على الحال، لأنه لما كان في التقدير: إنّا أخصّ أو أعني، فكأنه قال إنّا نفعل كذا مخصوصين من بين الناس أو معنيين، فالحال من فاعل نفعل لا من اسم إنّ، لئلا يبقى الحال بلا عامل، وأكثر الأسماء دخولاً في هذا الباب (بنو فلان) نحو:(32/175)
نَحْنُ بَني ضَبَّةَ أَصْحابُ الجَمَلْ
و (مَعْشَر) مضافة نحو "إنّا معاشِرَ الأنبياء لا نُورث" [90] ، وإنَّا معاشِرَ الصعَّاليكِ لا طاقةَ لنا بالمروءة، وأهلُ البيت نحو "رَحْمَةُ الله وبركاتُه عَليكُم أهل البَيت" [91] و (آلُ فلان) نحو قولهم: نحْنُ آلَ فلانٍ كُرَماء" [92] انتهى.
وقال الشيخ جمال الدين بن هشام [93] في تذكرته من ألغاز باب الابتداء:
نَمشى على النَّمارِقْ [94]
نَحْنُ بَناتِ طارقْ
(بَناتِ) بالنصب على الإختصاص، والخير نمشي.
39- حديث "أما إِنَّكَ لَوْ سَكَتَّ لناولتني ذراعاً فَذِراعاً ما سَكَتَّ" [95] .
قال الطيّبي في شرح المشكاة [96] : "الفاء فيه للتعاقب، كما في قوله (الأمثل فالأمثل) [97] .
و (ما) في (ما سكتّ) للمدة".
40- حديث "لا أُلفِينَّ أحَدَكُمْ مُتَّكِئاً عَلى أريكَتِه" [98] .
قال القرطبي [99] في المفهم: "أي لا يفعلنّ أحدكم ذلك فأجده على تلك الحال. وهذا مثل قول العرب: لا أرينَّك ها هنا [100] أي لا تكن هنا فأراك".
وقد تكرر مثل هذا في الحديث، ومنه حديث أبي هريرة "لا أُلفِينَّ أحَدكُمْ يجيء يَوْمَ القِيامَةِ عَلى رَقَبتِه بعيرٌ له رُغَاء" [101] .
وقال زين العرب [102] في شرح المصابيح: " (مُتَّكِئاً) مفعول ثان".
وقال الطّيبي في شرح المشكاة [103] : "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه عن أن يجدهم على هذه الحالة، والمراد نهيهم عن أن يكونوا عليها، فإنهم إذا كانوا عليها وجدهم كذلك، فهو من باب إطلاق المسبب على السبب".
قوله (يَأتيه الأمر ُمِنْ أمري مِما أمرْتُ به أو نَهيتُ عَنْهُ فيقولُ: لا أَدري) .
قال المُظهري [104] : " (مما أمًرْتُ بِه) بدل من أمري.(32/176)
وقال الطّيبي: "يجوز أن يُراد بقوله (الأمر مِنْ أمري) الأمر الذي هو بمعنى الشأن. ويكون (مما أمرت به أو نهيتُ عنه) بياناً للأمر الذي هو الشأن لأنه أعمّ من الأمر والنهى. وقوله (فيقول لا أدري) مرتب على يأتيه، والجملة كما هي حال أخرى من المفعول، ويكون النهي منصبّاً على المجموع، أي لا ألفينَّ أحدكم وحاله أنه متكىء ويأتيه الأمر فيقول لا أدري". انتهى.
مسند أًسَيد بن حُضَير [105] رضي الله عنه
41- حديث "بينَما هو يقرأ في الليل سورة البَقرةِ وفَرسُه مربوطةٌ إذْ جالست الفرسُ فسكتَ فسكَنتْ "إلى أن قال "فلمَّا أصبح حدَّثَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأْ يا بْنَ حُضَير، اقرأْ يا بْنَ حُضَير. فقال: أشفقت يا رسولَ الله أن تَطأ يحي" [106] .
قوله (اقرأ) ليس أمراً له بالقراءة في الحال، وإنّما هو تصوير لتلك الحالة، فهو كحكاية الأمر في الحال الماضية.
قال النووي [107] : " (اقرأ) معناه كان ينبغي أن تستمر على القراءة وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة، فتستكثر من القراءة التي هي سببه".
وقال الطيبي [108] : "يريد أن (اقرأ) لفظ أمر طلب للقراءة في الحال، ومعناه تحضيض وطلب للإستزادة في الزمان الماضي، أي هلاّ زدت. كأنه صلى الله عليه وسلم استحضر تلك الحالة العجيبة الشأن فأمره تحريضاً عليه. والدليل على أن المراد من الأمر الإستزادة وطلب دوام القراءة والنهى عن قطعها قوله في الجواب (أَشفقتُ يا رسول الله) أي خفت إن دُمْتُ عليها أن تطأ الفرسُ ولدي يحي". انتهى.
مسند أسَيْد بن ظُهير [109] رضي الله عنه
42- حديث "الصلاةُ في مسجدِ قباء كَعمْرة" [109-1] .
قال أبو البقاء [110] : "الجيّد في (قباء) الصرف، ووزنه فُعال، ومنهم أن لا يصرفه ويجعله اسماً للبقعة مؤنثاً".
مسند الأسود بن سريع [111] رضي الله عنه
43- حديث "هاتِ ما امْتَدَحْتَ بِهِ رَبَّك" [112] .(32/177)
قال الرِضى [113] : " (هاتِ) من أسماء الأفعال. هاتِ بمعنى أَعْطِ، ويتصرّف بحسب المأمور إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً. تقول: هاتِ، هاتِيا، هاتُوا، هاتِي، هاتِيا، هاتِين. وتصرّفه دليل فعليته، تقول هاتِ لا هاتيت، وهاتِ إنْ كان بك مهاتاة، وما أُهاتيك أي ما أعاطيك" [114] . قال الجوهري: "لا يقال منه هاتَيْتُ ولا يُنْهَى منه [115] . فهو على ما قال ليس بتام التصرف". وقال الخليل: "أصل هاتِ آت من آتى يُؤتي إيتاء، فقلبت الهمزة هاء [116] . ومن قال هو اسم فعل [117] قال لحوق الضمائر به لقوة مشابهته لفظاً للأفعال. ويقول في نحو مهاتاة وهاتيت إنه مشتق من هاتي كأحاشي من حاشى، وبَسْمَلَ من بِسم الله". انتهى.
مسند الأشْعَث بن قَيْس الكندي [118] رضي الله عنه
44- حديث "لا يَشْكرُ الله مَنْ لا يَشْكُر النّاس" [119] .
قال أبو البقاء [120] : "الرفع في (يشكر) في الموضعين لا يجوز غيره لأنّه خبر وليس بنهي ولا شرط. و (مَنْ) بمعنى الذي". انتهى.
وقال ابن الأثير في النهاية [121] : "معناه إنّ الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم، لاتصال أحد الأمرين بالأخر. وقيل معناه إنّ مَنْ كان مِنْ طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لهم كان من عادته وطبعه كفر نعمة الله وترك الشكر له. وقيل معناه إنّ من لا يشكر الناس كمن لا يشكر الله وإن شكره. كما تقول: لا يحبّني من لا يحبّك. أي إنّ محبّتك مقرونة بمحبتي، فمن أحبني يحبك، ومن لم يحبّك فكأنه لم يحبّني. وهذه الأقوال مبنيّة على الرفع في اسم الله تعالى ونصبه". انتهى.(32/178)
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي [122] في أماليه: "المعروف المشهور في الرواية النصب في اسم الله تعالى، وفي الناس، ويشهد لذلك حديث النّعمان بن بشير "ومَنْ لَمْ يَشْكُرْ لِلناسِ لَمْ يَشْكُر الله" [123] ، رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند. وذكر القاضي أبو بكر بن العربي [124] أنّه روى برفعهما ونصبهما، ورفع أحدهما ونصب الآخر، فهذه أربعة أوجه". انتهى.
45- حديث "كانَ بَيْني وبَين رَجُلٍ خُصومةٌ في شيء فاخْتَصَمْنا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: شاهِداك أو يَمينه" [125] .
قال القاضي عياض: "كذا الرواية، وارتفع (شاهداك) بفعل مضمر"، قال سيبويه [126] : "معناه ما قال شاهداك". قلت: أو على أن التقدير لك إقامة شاهديك أو طلب يمينه فحذف الإقامة والطلب وأقيم المضاف إليهما مقامه فارتفع، وحذف الخبر للعلم به.
وقال الكرماني [127] : "أي المثبت أو الحجة شاهداك، أو شاهداك هو المطلوب".
قوله "لَفِيَّ والله نَزَلَتْ".
قال ابن مالك [128] : "فيه شاهد على توسّط القسم بين جزأي الجواب، وعلى أنّ اللام يجب وصلها بمعمول الفعل الجوابي المقدّم، وخلو الفعل منها ومن قبول قد إن كان ماضياً، كما يجب خلوّ المضارع منها ومن قبول نون التوكيد إذا قدّم معموله، كقوله تعالى: {ولَئِنْ مُتُّمْ أو قُتِلْتُم لإلَى الله تحْشرون} " [129] .
46- حديث "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بَيّنَتك أَنها بيرك وإلاّ فَيَمينه" [130] .
قال أبو البقاء [131] : " (بيّنَتَك) بالنصب على تقدير هات أو أحضر، و (أنّها) بالفتح لا غير، والكسر خطأ فاحش،وقوله (وإلاّ فيمينه) يجوز فيه النصب على تقدير: وإلا فاسْتَوفِ يَمينَه، والرفع على تقدير: وإلاّ فَلَك يمينه، على الإبتداء والخبر".
وقال الكرمانى [132] : "يجوز في (بيّنتك) الرفع أي المطلوب بيّنتك".
مسند الأغَرّ المُزَنيِّ [133] رضي الله عنه(32/179)
47- حديث "إنَّه لَيُغانُ على قلبي" [134] .
قال الطيبي [135] : "اسم إنّ ضمير الشأن، والجملة بعده خبر له، ومفّسره، والفعل مسند إلى الظرف، وموضعه رفع بالفاعليّة" [136] .
مسند أميَّة بن مَخْشِيّ الخُزاعي [137] رضي الله عنه
48- حديث "بِسمِ الله أَوَّلَه وآخِرَه" [138] .
قال أبو البقاء [139] : "الجيد النصب فيهما، والتقدير عند أوله وعند آخره، فحذف عند وأقام المضاف إليه مقامه. ويجوز أن يكون التقدير ألاقي بالبسملة أوّله وأخره، ويجوز الجر على تقدير في أوله وآخره".
مراجع الحلقة
- الاستيعاب في أسماء الأصحاب للحافظ القرطبي/ في هامش الإصابة- دار الكتاب العربي-بيروت.
- الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني، دار الكتاب العربي، بيروت.
- إعراب الحديث النبوي: العكبرى، تحقيق د. حسن موسى الشاعر، الطبعة الأولى، عمان 1981.
- الأعلام: الزركلي، دار العلم للملايين- بيروت ط 6 عام 1984م.
- أمالي السهيلي، تحقيق د. محمد البنا، الطبعة الأولى 1390 هـ 1971م.
- الإنصاف: ابن الأنبارى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، القاهرة.
- بغية الوعاة: السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة الحلبي، الطبعة الأولى1384 هـ 1964م.
- تاج العروس: الزبيدي.
- تذكرة الحفاظ: الذهبي، مطبوعات دائرة المعارف العثمانية، نشر دار إحياء التراث العربي- بيروت.
- التصريح على التوضيح: الشيخ خالد الأزهري، دار إحياء الكتب العربية.
- تهذيب الأسماء واللغات: النووي، إدارة الطباعة المنيرية.
- تهذيب التهذيب: ابن حجر، دار صادر، عن الطبعة الأولى بحيدر آباد.
- تهذيب اللغة: الأزهري، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكاتب العربي 1967 م.
- حماسة أبى تمام: تحقيق د. عبد الله عسيلان.
- الدرر اللوامع: الشنقيطي، الطبعة الأولى 1328 هـ.(32/180)
- ذيل تذكرة الحفاظ للذهبي: تأليف تلميذه أبى المحاسن الحسيني، دار إحياء التراث العربي- بيروت.
- الذيل على طبقات الحنابلة: ابن رجب، تصحيح محمد حامد الفقي 1372 هـ 1952م.
- رصف المباني في شرح حروف المعاني: المالقي، تحقيق د. أحمد الخراط، دمشق 1395 هـ، 1975م
- الروض الأنف:. السهيلي، تحقيق عبد الرحمن الوكيل، القاهرة.
- السبعة في القراءات: ابن مجاهد، تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف بمصر الطبعة الثانية.
- سنن ابن ماجة: تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى الحلبي.
- سنن الترمذي: تحقيق عبد الرحمن عثمان، مطبعة الفجالة الجديدة.
- سنن النسائي (المجتبى) ومعه زهر الربى للسيوطي، المكتبة التجارية، الطبعة الأولى 1348 هـ، 1930م.
-شرح الأشموني، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى 1375 هـ 1955م.
- شرح شذور الذهب: ابن هشام، تحقيق محمد محيي الدين، الطبعة التاسعة.
- شرح الكافية: رضى الدين، دار الكتب العلمية، بيروت.
- شرح الكافية الشافية: ابن مالك، تحقيق د. عبد المنعم هريدي، منشورات جامعة أم القرى.
- شرح مشكاة المصابيح: الطيبي- مخطوط بالمكتبة المحمودية في المدينة المنورة.
- شرح المفصّل: ابن يعيش، إدارة الطباعة المنيرية.
- شواهد التوضيح والتصحيح: ابن مالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة.
- الصحاح: الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، 1402هـ 1982م.
-صحيح البخاري بشرح الكرماني، دار إحياء التراث العربي، طبعة ثانية- 1401هـ 1981م.
- صحيح مسلم بشرح النووي، دار إحياء التراث العربي.
- طبقات الحفاظ: السيوطي، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة وهبة، الطبعة الأولى 1393هـ، 1973م.
-الفاخر: المفضل بن سلمة، تحقيق عبد العليم الطحاوي، الطبعة الأولى 1380 هـ 1960م.(32/181)
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ابن حجر، دار المعرفة- بيروت.
- الكتاب: سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- الكتاب: سيبويه، طبعة بولاق.
- كشف الظنون: حاجي خليفة، منشورات مكتبة المثنى- بيروت.
- لسان العرب: ابن منظور، دار صادر- بيروت.
-مجلة معهد المخطوطات- الكويت، مجلد 26 جـ 2.
- مختصر سنن أبي داود: الحافظ المنذري، وعليه معالم السنن للخطابي تحقيق أحمد شاكر ومحمد حامد الفقى.
- المسائل العسكرية: أبو علي الفارسي، تحقيق د. محمد الشاطر، مطبعة المدني الطبعة الأولى 1403هـ 1982م.
-مسند الإمام أحمد بن حنبل وبهامشه منتخب كنز العمال- بيروت.
- مشكاة المصابيح: الخطيب التبريزي، تحقيق ناصر الدين الألباني، منشورات المكتب الإسلامي بدمشق، الطبعة الأولى 1380هـ 1961م.
- معالم السنن: الخطابي، بهامش مختصر سنن أبي داود.
- مغني اللبيب: ابن هشام، تحقيق د. مازن المبارك وزميله، الطبعة الأولى 1964م.
- المقاصد النحوية: العيني، بهامش خزانة الأدب للبغدادي- بولاق.
- النهاية في غريب الحديث والأثر: ابن الأثير، تحقيق طاهر الزاوي وزميله، الطبعة الأولى.
- همع الهوامع: السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم، دار البحوث العلمية، الكويت.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أبّي بن مالك القشيري، يقال أن له صحبة، عداده في أهل البصرة.
انظر: الإصابة 1/ 32، الإستيعاب في هامش الإصابة 1/ 31.
[2] الحديث في مسند أحمد 5/29.
[3] شرح الكافية الشافية لابن مالك 3/1595.
[4] النمل آية 90.(32/182)
[5] أحمر بن جزء وقيل جَزى السدوسي صاحب رسول الله وقيل مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البخاري: بصري له صحبة. أنظرْ الإصابة 1/35 الإستيعاب في هامش الإصابة 1/76، تهذيب التهذيب 1/190.
[6] الحديث في مسند أحمد 4/342 وما بين المعقوفتين منه. وفى ابن ماجه بتحقيق عبد الباقي 1/287 قال المحقق في الحاشية (لنأوي) أي لنترحم لأجله صلى الله عليه وسلم مما يجد من التعب بسبب المجافاة الشديدة والمبالغة فيها.
[7] مذهب سيبويه أن هذه اللام هي لام الإبتداء، وذهب الفارسي إلى أنها غيرها اجتلبت للفرق. انظر: الأشموني مع الصبان1/288. التصريح 1/232 وقد ذهب الكوفيون إلى أن (إن) إذا جاءت بعدها اللام تكون بمعنى (ما) واللام بمعنى (إلا) وذهب البصريون إلى أنها مخففة من الثقيلة، واللام بعدها لام التوكيد: الإنصاف مسألة 90.
[8] زياد بن لبيد الأنصاري شهد العقبة وبدراً وكان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على حضرموت. انظر الإصابة 1/540، الإستيعاب 1/545.
[9] مسند أحمد 4/160.
[10] مسند أحمد3/94.
[11] البخاري: كناب الوضوء. فتح الباري 1/ 289.
[12] فتح الباري 11/329.
[13] مسند أحمد 6/179.
[14] بريدة بن الحُصيب الأسلمي: أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وشهد الحديبية سكن المدينة ثم البصرة ثم مرو، وتوفي بها سنة 62 هـ. وهو آخر من توفي من الصحابة بخراسان. انظم: الإستيعاب1/ 177، تهذيب الأسماء واللغات 1/133.
[15] مسند أحمد 5/348.
[16] أسامة بن زيد بن حارثة، أمه أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم. أسلم بمكة وهاجر إلى المدينة، وأمّره رسول الله على جيش عظيم قبل أن يبلغ العشرين من عمره، فمات النبي صلى الله عليه وسلم س قبل أن يتوجه فأنفذه أبو بكر.واعتزل أسامة الفتن بعد مقتل عثمان إلى أن مات في أواخر خلافة معاوية سنة 54 هـ.(32/183)
انظر: الإصابة 1/46 الاستيعاب 1/34، الأعلام 1/ 291.
[17] مسند أحمد 5/ 201 والرواية فيه "لا تكاد أن تفطر.. حتى لا تكاد أن تصل".
[18] إعراب الحديث لأبي البقاء العكبري: الحديث رقم 14.
[19] سنن النسائي 4/202 والرواية فيه انك تصوم حتى لا تكاد تفطر وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم".
[20] عن أسامة "أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف على قطيفة.... وأردف أسامة وراءه يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر، فسار حتى مرّ بمجلس فيه عبد الله به أبي بن سلول… فسلم النبي صلى الله عليه وسلم ووقف ونزل فدعاهم إلى الله فقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي: يا أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجلسنا.. قال سعد: يا رسول الله اعف عنه واصفح، فلقد أعطاك الله ما أعطاك، ولقد اجتمع أهل هذه البحيرة على أن يتّوجوه فيعصبوه ... " مسند أحمد 5/203. البخاري: كتاب المرضى ب عيادة المريض (فتح الباري) 10/122.
[21] إعراب الحديث: الحديث رقم 15.
[22] سبقت ترجمته في الحلقة الأولى ص 180/ مجلة الجامعة الإسلامية العددان 63، 64.
[23] رواية البخاريَ (فيعصبوه) . انظر فتح الباري 10/ 122.
[24] الأكاف: ما يوضع على الدابة كالبرذعة والقطيفة. كساء- فتح الباري 10/122.
[25] هو محمد بن يوسف بن علي الشيخ شمس الدين الكرماني الإمام العلامة في الفقه والحديث والتفسير والأصول والمعاني والعربية. ومن تصانيفه. شرح البخاري، أنموذج الكشاف. مات سنة 786 هـ انظر. بغية الوعاة 1/279.
[26] البخاري بشرح الكرماني 20/ 191.
[27] البخاري بشرح الكرماني 20/ 192.(32/184)
[28] الحديث عن أسامة "دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبيّ في مرضه نعوده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد كنت أنهاك عن حبّ يهود ". مسند أحمد 5/ 201. أبو داود- كتاب الجنائز 4/ 275 حديث رقم 2967.
[29] البخاري بشرح الكرماني 2/150.
[30] علي بن محمد بن عبد الصمد الإمام علم الدين أبو الحسن السخاوي النحوي المقريء الشافعي، كان إماماًَ علامة بصيراً بالقراءات وعللها، إماماً في النحو واللغة والتفسير. من مصنفاته:شرحان على المفصل، سفر السعادة وسفير الإفادة شرح الشاطبية. مات بدمشق سنة 643 هـ بغية الوعاة 2/192.
[31] قائله الأسود بن يعفر. قال العيني:" (يهود) لا يجوز إدخال الألف واللام عليها في مثل هذا، اللهم إلا إذا كاد يهود جمع يهودي حينئذ يجوز أن تقول اليهود كما تقول الروم "0 وقال أبو علي الفارسي:" صَمام اسم للفعل ويقال صمام هي الحية.. ويقال الضمير في (صمي) يعود إلى الأذن أي صمي يا أذن لما فعلت يهود، وصمام اسم للفعل مثل نزالِ ...
انظر المقاصد النحوية على هامش الخزانة 4/112-113، المسائل العسكرية 227.
[32] إبريسم: الحرير (القاموس المحيط) .
[33] عن أسامة "كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فلما وقعت الشمس دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع حطمة الناس خلفة قال: رويداً أيها الناس، عليكم السكينة ". مسند أحمد 5/202.
[34] إعراب الحديث رقم 16.
[35] المائدة آية 105.
[36] أنظر: شرح الكافية للرضى 2/ 70- ا 7.
[37] سورة محمد آية 4.
[38] سورة الطارق آية 17.
[39] انظر: شرح المفصّل لابن يعيش 4/39.
[40] عن كريب أنه سأل أسامة قال، قلت:"أخبرني كيف صنعتم عشية ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " مسند أحمد 5/200،202،208.(32/185)
البخاري: كتاب الحج- فتح الباري 3/ 519. مسلم: باب الإفاضة 9/ 32.
أبو داود: باب الدفع من عرفة برقم 1840، 1844.
[41] إعراب الحديث رقم 17.
[42] شواهد التوضيح والتصحيح ص 158.
[43] عن أسامة بن زيد قال:"بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى الحرقات فنذروا بنا فهربوا، فأدركنا رجلاً فلمّا غشيناه قال لا إله إلا الله، فضربناه حتى قتلناه، فعرض في نفسي من ذلك شيء فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة، قال، قلت: يا رسول الله إنما قالها مخافة السلاح والقتل، فقال: ألا شققت عن قلبه...."
مسند أحمد 5/207. وفي مسلم 2/ 99 برواية "أفلا شققت ... "وكذلك في أبي داود: على ما يقاتل المشركون برقم 2528. وفي فتح الباري 7/513 باختلاف الرواية.
[44] هو أبو جعفر أحمد بن عبد النور المالقى، كان عالماً بالنحو. شرح الجزولية. وله رصف المباني في حروف المعاني. مات سنة 702 هـ. بغية الوعاة 1/331-332.
[45] رصف المباني ص 84 الطبعة الأولى.
[46] مسلم: باب حكم العزل 10/18. مسند أحمد 5/203.
[47] إعراب الحديث رقم 18.
[48] ما بين المعقوفتين من إعراب الحديث للعكبرى.
[49] عن أسامة بن زيد قال:"دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه الكآبة، فسألته ما له، فقال: لم يأتني جبريل منذ ثلاث.." مسند أحمد 5/203.
[50] إعراب الحديث رقم 19.
[51] انظر الخلاف في منذ: الإنصاف مسألة 56. مغني اللبيب 372.
[52] ما بين المعقوفتين من إعراب الحديث للعكبرى.
[53] الحديث عن أسامة، وتكملته ".. إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من يدخلها النساء ". انظر: مسند أحمد 5/205. البخاري: كتاب النكاح 9/298- مسلم بشرح النووي 17/53.
[54] إعراب الحديث رقم 20.(32/186)
[55] (إذا) ظرف مكان عند المبرد، وهى حرف عند الأخفش، وظرف زمان عند الزجاج. انظر: مغني اللبيب 92 بحث إذا.
[56] في المسند هـ/202 " ... فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، قال أبو النضر في حديثه: لا يخرجكم إلا فراراً منه ".
وانظر: مسلم باب الطاعون والطيرة 14/ 0204 البخاري 12/ 344 باختلاف الرواية.
[57] شرح مسلم للنووي 14/207. والملاحظ أن السيوطي تصرف في كلام النووي.
[58] ما بين المعقوفتين من شرح النووي. وفي النسخ بعده (لأن ظاهره) .
[59] شرح مشكاة المصابيح- مخطوط في المكتبة المحمودية جـ 2ورقة 47.
[60] عن أسامة بن زيد قال:" أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم أن ابني يقبض فائتنا.. فأخذ الصبي ونفسه تقعقع، قال: فدمعت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء "
انظر: مسند أحمد 5/ 204، 0205 البخاري 13/ 434. مسلم: كتاب الجنائز 6/ 224 0 أبو داود: باب البكاء على الميت برقم 2996.
[61] إعراب الحديث رقم 21.
[62] البقرة: آية173.
[63] البقرة: آية 17.
[64] أورد ابن رجب المسألة في ترجمته لأبى البقاء. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة2/117- 120. وقد حققها الأستاذ ياسين السواس ونشرها ضمن (مسائل نحو مفردة) في مجلة معهد المخطوطات مجلد 26 جـ 2 ص 625.
[65] انظر: فتح الباري لابن حجر 3/158.
[66] أسامة بن شريك الثعلبي، كوفي له صحبة ورواية. انظر: الإصابة 1/46 الاستيعاب 1/36.(32/187)
[67] عن أسامة بن شريك:"أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنده كأنما على رؤوسهم الطير، قال: فسلمت عليه فقعدت، قال فجاءت الأعراب فسألوه، فقالوا: يا رسول الله نتداوى؟ قال: نعم تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. قال، وكان أسامة حين كبر يقول: هل ترون لي من دواء الآن؟ قال: وسألوه عن أشياء: هل علينا حرج في كذا وكذا؟ قال: عياد الله، وضع الله الحرج إلاّ امرأ اقتضى امرأ مسلماً ظلماً فذلك حرج وهلك. قالوا: ما خير ما أعطى الناس يا رسول الله؟ قال: خلق حسن ".
انظر: مسند أحمد 4/278 0 أبو داود: كتاب الطب رقم 3706 باختلاف الرواية فيه. الترمذي: أبواب الطب رقم2109. سنن ابن ماجه بتحقيق عبد الباقي 2/1137 رقم 3436.
[68] إعراب الحديث للعكبري برقم 22.
[69] في إعراب الحديث للعكبرى (لم يحقق) .
[70] قال الخطابي في معالم السنن 2/433:" اقترض معناه اغتاب، وأصله من القرض وهو القطع ". وفي المسند 4/278 (اقتضى) . وحَرج أي حَرُم.
[71] أساَمة بن عمير الهذلي، بصري له صحبة ورواية، لم يرو عنه غير ابنه أبى المليح. انظر الاستيعاب 1/36. الإصابة 1/47.
[72] الحديث "إنّ يوم حنين كان مطيراً فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال ". مسند أحمد 5/74.
[73] إعراب الحديث للعكبرى رقم 13.
[74] آل عمران: 39
[75] قرأ ابن عامر وحمزة (إنّ الله) ، بالكسر، وقرأ الباقون (أنَ الله) ، بالفتح. انظر: السبعة في القراءات لابن مجاهد 205
[76] أسلم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو رافع غلبت كنيته عليه، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم سلمى مولاته، فولدت له عبيد الله بن أبى رافع، مات أبو رافع بالمدينة في خلافة علي بن أبى طالب. انظر: الاستيعاب 1/ 061 الإصابة 4/68.(32/188)
[77] الحديث عن أبى رافع وأوله "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ربما ذهب إلى بني عبد الأشهل فبينا رسول صلى الله عليه وسلم مسرعاً إلى المغرب إذ مر بالبقيع، فقال: أف لك أف لك، مرتين ... " مسند أحمد 6/392.
أما حديث ابن عباس فأوله:"عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط ... فقال ابن عباس: بل أقوم معكم ... قال فابتدأوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، قال فجلس ينفض ثوبه ويقول أف وتف ... " مسند أحمد 1/ 331
[78] محمد بن إبراهيم بهاء الدين بن النحاس الحلبي النحوي شيخ الديار المصرية في علم اللسان، تخرج به جماعة من الأئمة والفضلاء. له شرح على المقرب يسمى التعليقة.- مات سنة 698 هـ. بغية الوعاة 1/13.
[79] علي بن جعفر المعروف بابن القطاع الصقلي. كان إمام وقته بمصر في علم العربية وفنون الأدب. من مصنفاته: الأفعال، أبنية الأسماء. مات سنة 515 هـ. بغية الوعاة 2/153.
[80] علي بن أحمد بن سيدة اللغوي النحوي الأندلسي أبو الحسن الضرير. من مصنفاته: المحكم، المخصص، شرح إصلاح المنطق. مات سنة 458 هـ. انظر: بغية الوعاة 2/143.
[81] محمد بن أحمد بن الأزهر.. الأزهري اللغوي أبو منصور. أخذ عن نفطويه وابن السراج والهروى. من تصانيفه التهذيب في اللغة. ولد سنة 282 هـ وتوفى سنة 370 هـ. انظر: بغية الوعاة 1/19.
[82] في تهذيب اللغة 15/ 588-589: قال ابن الأنباري:"من قال (افّأ لك) نصبه على مذهب الدعاء، كما يقال: ويلاً للكافرين. ومن قال (أف لك) رفعه باللام كما يقال: ويل للكافرين. ومن قال (أفٍّ لك) خفضه على التشبيه بالأصوات كما يقال صهٍٍٍ ومهٍ. ومن قال (أفّي لك) إضافة إلى نفسه ... "
[83] انظر: شرح المفصّل لابن يعيش 4/ 70.(32/189)
[84] إسماعيل بن حماد الجوهري كان إماماً في اللغة والأدب، طوًف كثيراً، وقرأ على الفارسي والسيرافي. من مصنفاته الصحاح في اللغة، توفى سنة 392 هـ. انظر: بغية الوعاة 1/446.
[85] الصحاح: مادة (أفف) .
[86] انظر: الفاخر ص 48. وقد نقله عن الأصمعي. وقد ورد هذا الكلام أيضاً في اللسان من غير نسبة إلى ابن سيدة، وزاده بعده: (أف) كلمة تضجر، وفيها عشر لغات: أُف له وأُفِّ وأُفُّ وأُفاً وأُفٍ وأُف، وفي التنزيل {ولا تقل لهما أُفٍ ولا تنهَرْهما} ، وأفِّى ممال وأفَئ وأفَة وأُفْ خفيفة من أفّ المشددة، وقد جمعها جمال الدين بن مالك هذه العشر في بيت واحد وهو قوله:
أفً ثلّث، ونون إن أردْتَ، وقل أفَّى وأفِّي وأفْ وأفَّة تُصب
وفي القاموس المحيط (أف) ولغاتها أربعون ... وقال الشيخ خالد في التصريح 1/ 44:"وفي أف أربعون لغة ذكرها في الإرتشاف ... "
[87] عن ابن أبي رافع عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً من بنى مخزوم على الصدقة، فقال: ألا تصحبني تصيب؟ قال، قلت: حتى أذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك فقال: إنّا آل محمد لا تحل لنا الصدقة، وإنّ مولى القوم من أنفسهم ". مسند أحمد 6/ 390.
[88] إعراب الحديث للعكبرى رقم 24.
[89] هذا من رجز للأعرج المعنّى كما في حماسة أبى تمام 1/ 169 بتحقيق د. عسيلان. وقال الشنقيطي في الدرر اللوامع 1/146 هذا الرجز لرجل من بني ضبة، يقال له الحارث، قاله في وقعة الجمل. وقد ورد الشاهد دون نسبة في شذور الذهب 219، شرح الأشموني 479، همع الهوامع 3 / 30.
[90] مسند أحمد 2/463.
[91] هود: 73.
[92] قال سيبويه:"وأكثر الأسماء دخولاً في هذا الباب بنو فلان، ومعشر مضافة، وأهل البيت، وآل فلان ". الكتاب 2/ 236 (بتحقيق هارون) .(32/190)
[93] جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري، العلامة المشهور، له مصنفات كثيرة منها: أوضح المسالك، شذور الذهب، مغني اللبيب، التذكرة. توفى سنة 761 هـ. انظر: بغية الوعاة 2/68.
[94] من رجز لهند بنت طارق بن بياضة الإِيادية قالته في حرب الفرس لإِياد، وتمثلت به هند بنت عتبة يوم أحد. انظر: الروض الأنف 5/ 455.
[95] الحديث عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أهديت له شاة فجعلها في القدر فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا أبا رافع؟ فقال: شاة أهديت لنا يا رسول الله فطبختها في القدر. فقال: ناولني الذراع يا أبا رافع. فناولته الذراع. ثم قال: ناولني الذراع الآخر، فناولته الذراع الآخر. ثم قال: ناولني الذراع الآخر. فقال: يا رسول الله إنما للشاة ذراعان. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنك لو سكتّ لناولتني ذراعاً فذراعاً ما سكتّ…"مسند أحمد 6/ 392. مشكاة المصابيح 1/57.
[96] شرح المشكاة للطيبي مجلد (ورقة 200) .
[97] مسند أحمد 1/172، 174.
[98] الترمذي: أبواب العلم 4/ 144 رقم 2800. أبو داود: لزوم السنة رقم 4441. مشكاة المصابيح: كتاب الإيمان 1/57.
[99] أب والعباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي المتوفى سنة 656 هـ له شرح على مختصره لصحيح مسلم ذكر فيه أنه لما رتبه وبوبه وشرح غريبه ونبه على نكت من إعرابه وعلى وجوه الاستدلال بأحاديثه وسماه (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم) . كشف الظنون 1/557.
[100] انظر: سيبويه 3/ 151 (هارون) .
[101] مسلم: كتاب الإمارة 12/ 216.
[102] علي بن عبد الله بن أحمد المعروف بزين العرب شرح مصابيح السنة للإمام حسين بن مسعود البغوى المتوفى سنة 516 هـ. أنظر: كشف الظنون 2/1698.
[103] شرح مشكاة المصابيح- مخطوط مجلد 1ورقة 150. وقد سبقت ترجمة الطيبي في الحلقة الأولى.(32/191)
[104] مظهر الدين الحسين بن محمود بن الحسن الزيداني المتوفى سنة 727 هـ له شرح على مصابيح السنة سماه (المفاتيح في المصابيح) . انظر:. كشف الظنون 2/ 1699، الأعلام 2/ 259.
[105] أسيد بن حضير الأنصاري الأشهلي، أحد النقباء ليلة العقبة، أسلم على يد مصعب بن عمير، وكان ممن ثبت يوم أحد. توفى سنة عشرين أو إحدى وعشرين. انظر: الإِصابة 1/ 64.
[106] الحديث في البخاري: كتاب فضائل القرآن 9/63. مسلم: باب نزول السكينة لقراءة القرآن 6/83. مشكاة المصابيح: كتاب فضائل القرآن 1/ 654.
[107] صحيح مسلم بشرح النووي 6/83.
[108] شرح المشكاة م 2 ورقة 127.
[109] أسيد بن ظهير الأنصاري الحارثى، له ولأبيه صحبة، مات في خلافة عبد الملك بن مروان.. انظر: ألإصابة 1/ 64.
[109-1] الترمذي: أبواب الصلاة 1/204 برقم 323.
[110] إعراب الحديث للعكبرى رقم 25.
[111] الأسود بن سريع التميمي السعدي الشاعر المشهور، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم، نزل البصرة وكان قاصاً شاعراً محسناً، وهو أول من قصّ في مسجد البصرة قيل مات سنة 42 هـ. انظر الإستيعاب 1/72. الإصابة 1/ 59.
[112] الحديث عن الأسود بن سريع، وأوله قال:"يا رسول الله إني قد حمدت ربي بمحامد 000 " انظر: مسند أحمد 3/435.
[113] شرح الكافية للرضى 2/70.
[114] في بعض النسخ (أعطيك) . وفي شرح الكافية للرضى 2/ 75 (كما أعاطيك) ، وفي الصحاح (هيت) : (وما أهاتيك كما تقول ما أعاطيك) .
[115] في بعض النسخ (ولا يبني منه) . وفي الصحاح (ولا ينهي بها) .
[116] انظر: الصحاح (مادة هيت) 1/271.
وفي تاج العروس (هتي: هات) : يقال هاتى يهاتى مهاتاة، الهاء فيها أصلية، ويقال بل مبدلة من الألف المقطوعة في آتى يؤاتي، لكن العرب قد أماتت كل شيء من فعلها غير الأمر في هات. ولا يقال منه هاتيت ولا ينهى بها. وأنشد ابن برى لأبى نخلة:(32/192)
قل لفًراتٍ وأَبي فُرات ولسعيدٍ صاحبِ السوآتِ
هاتوا كما كنا لكم نُهاتي
[117] ذهب الزمخشري إلى أن (هات وتعال) اسما فعلين للأمر. قال ابن يعيش:" (هات) هو اسم لأعطني وناولني ونحوهما.." شرح المفصل لابن يعيش 4/25، 30.
[118] الأشعث بن قيس الكندي، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في وفد كندة، وكان رئيسهم فأسلموا. وكان في الإسلام وجيهاً في قومه، إلاّ أنه ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فأسر وأحضر إلى أبي بكر فأسلم وأطلقه وزوجه أخته أم فروة. ولما استخلف عمر خرج الأشعث مع سعد إلى العراق وشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند. قيل مات سنة 42 هـ. أنظر: الاستيعاب 1/103. الإصابة 1/66.
[119] مسند أحمد 5/211، 212.
[120] إعراب الحديث للعكبرى رقم 26.
[121] النهاية في غريب الحديث 2/493.
[122] أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين زين الدين العراقي ولد سنة 725 هـ قدم القاهرة وهو صغير، كان حافظ العصر. من مؤلفاته: التقييد والإيضاح على مقدمة ابن الصلاح، الألفية في الحديث، تخريج أحاديث الأحياء، تكملة شرح الترمذي. مات سنة 806 هـ.
انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي 539، ذيل تذكرة الحفاظ ص220-239.
[123] الحديث في الترمذي 3/248 برقم 2021.
[124] العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعافرى الإشبيلى المالكي، ولد سنة 468 هـ وتوفى بفاس سنة 543 هـ. من مصنفاته: العواصم من القواصم، أحكام القرآن، عارضة الأحوذي في شرح الترمذي.
انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1470. الأعلام للزركلي 6/230.
[125] مسند أحمد 5/ 211. البخاري: كتاب الرهن 5/145، كتاب الشهادات 5/280. مسلم 2/158.(32/193)
[126] في سيبويه بتحقيق هارون 1/141: شاهداك أي ما ثبت لك شاهداك. وفي طبعة بولاق 1/71: أي شاهداك ما يثبت لك، أو ما يثبت لك شاهداك.
[127] صحيح البخاري بشرح الكرمانى 11/197 وفيه: قال سيبويه:"معناه ما يثبت لك شاهداك، أو معناه ما يثبت لك شهادة شاهديك فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ".
[128] شواهد التوضيح والتصحيح 169.
[129] آل عمران: 158.
[130] الحديث عن الأشعث بن قيس، وفيه " ... خاصمتُ ابنَ عمّ لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر كانت لي في يده فجحدني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينتك أنها بيرك وإلاً فيمينه.." مسند أحمد 5/212. البخاري: كتاب التفسير 8/213 وفيه (بينتُك أو يمينه) .
[131] إعراب الحديث للعكبرى رقم 27. وانظر: أمالي السهيلي 107.
[132] صحيح البخاري بشرح الكرمانى/ كتاب الإيمان والنذور 23/121 وفيه: (بيّنتَك بالنصب، أي أحضر أو اطلب بينتَك، وبالرفع أي المطلوب بينتُك أو يمينه إنْ لم تكن لك بيّنة) .
[133] الأغرّ بن يسار المُزني- ويقال الجُهني- من المهاجرين، كانت له صحبة. انظر: الإصابة 1/70.
[134] عن الأغر المزني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنّه ليغان على قلبي وانّي لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة ". انظر: مسلم 23/17. قال القاضي:"قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه ". وفي أبي داود: باب الإستغفار رقم 1459. قال الخطابي 2/151:"يغان معناه يغطي ويلبّس على قلبي، وأصله من الغين ".
[135] في شرح المشكاة مجلد 2 ورقة 191.
[136] أي نائب فاعل ليُغان.
[137] أمية بن مخشي الخزاعي، ويقال الأزدي، صحب النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ سكن البصرة وأعقب بها. وقال البخاري وابن السكن:" له صحبة وحديث واحد "، انظر: الإصابة 1/80.(32/194)
[138] عن أمية بن مخشي، وفيه " ... أن رجلاً كان يأكل والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر فلم يسمّ حتى كان في آخر طعامه لقمة قال: بسم الله أوله وآخره. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما زال الشيطان يأكل معه حتى سمّى فلم يبق في بطنه شيء إلا قاءه ".
مسند أحمد 4/336. أبو داود: باب التسمية على الطعام برقم 3621.
[139] إعراب الحديث للعكبرى رقم 28.(32/195)
تنبيهات على تحريفات وتصحيفات في كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد
للحافظ أبي بكر نور الدين الهيثمي. ت: 807هـ
بقلم الدكتور: عاصم بن عبد الله بن إبراهيم
أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف بالجامعة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداًَ عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد: فإن كتاب (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) للحافظ أبيِ الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (بالمثلثة) (ت 807 هـ) يعد ديواناًَ عظيماًَ من دواوين السنة، وهو كتاب جامع نافع حوى ما زاد على الصحيحين والسنن الأربعة من مسند الإمام الحافظ أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ) ومسند الإمام الحافظ أبي يعلى الموصلي أحمد بن علي بن المثنى (ت 307 هـ) ، ومسند الحافظ الإمام أبى بكر البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق (ت 292 هـ) ، ومعاجم الإمام الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (ت 360 هـ) الثلاثة: الصغير والأوسط والكبير. وحسبك في الثناء على الإمام الحافظ الهيثمي قول تلميذه الحافظ الشهير ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) فيه إنه "الإمام العلامة المسند المحدث الحافظ " [1] .
ولأهمية كتاب (مجمع الزوائد) وغزارته العلمية رأيت التنبيه على ما وقع [2] لكاتب هذه السطور من أخطاء وتصحيفات في (الرجال) في (المجمع) خدمة للعلم وأهله.(32/196)
ولقد أوجزت القول فيها مكتفياً بذكر ما في (مجمع الزوائد) ثم بيان الصواب في ذلك وجزمت به أو رجحته بقولي (لعله) . وكما أن غير قليل من هذه التصحيفات- كما أشير أحياناً- لم يوجد لها تراجم في كتب الرجال فظهر لنا الصواب بمراجعة أصل المخطوط من (مجمع الزوائد) - وقد يكون ما في المخطوط موافقاً للمطبوع أيضاً وهو خطأ كما بينت- أو بمراجعة (مجمع البحرين في زوائد المعجمين) للحافظ الهيثمي، أو بمراجعة أصول كتب مجمع الزوائد أو زوائدها، أو بمراجعة كتب التخريج لحديث مجمع الزوائد فنجد النقل من أصل (المجمع) من المعاجم أو المسانيد على غير ما في المطبوع وهو الصواب لقرائن متعددة، ويزيد هذا تأكيداً حيث يُذكر حديث المجمع في ترجمة ما رأيناه صواباًَ وغير ذلك من الأدلة والقرائن ومع هذا فلا أدَّعي السلامة من الخطأ فإن وجدتَ خلاف ما ذكرتُ فأرجو أن تنبهني على الصواب.
وأما الطبعة التي اعتمدت عليها فهي مصورة عن الطبعة التي نشرها حسام الدين القدسي بمصر عام (1352 هـ) والموجود الآن- في علمي- مصور عنها. والجدير بالذكر أن (مجمع الزوائد) قد سبق أن طبعه العلامة المحقق صديق حسن خان (ت 1307 هـ) على نفقته في (مجلد واحد) في دلهي بالهند كما جاء في (معجم المطبوعات العربية) (ص 1903) .
وإليك أخي القاريء ما أردته من (تنبيهات) وقد رتبت لك الرواة على حروف المعجم، وإن أطلقت (المجمع) فالمراد (مجمع الزوائد) والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به وهو الهادي إلى الصواب.
حرف الألف
1- جاء في "مجمع الزوائد" (7/ 139) : إبراهيم النخعي.
قلت: صوابه "أبو مالك النخعي "وانظر "المعجم الكبير"للطبراني (10/ 85) و "فيض القدير" للمنُاوي (5/323) ولكن وقع في الأخير مالك النخعي إذ سقطت كلمة "أبو". وانظر: "تهذيب التهذيب " (12/ 219- 220) .
2- جاء في "المجمع " (9/ 132) : إسحاق بِن إبراهيم الضَّبي.(32/197)
قلت: صوابه إبراهيم بن إسحاق الضّبي، كما جاء في "مجمع الزوائد" (2/57) و (8/ 72) وانظر "لسان الميزان "لابن حجر (1/ 30) .
3- جاء في "المجمع " (4/325) : إسحاق بن سيد.
قلت: صوابه "إسحاق بن آسيد"بالفتح وهو من رجال التقريب (1/ 56) وانظر "مجمع البحرين في زوائد المعجمين "للهيثمي (4/ ق 325) مصورة الجامعة الإسلامية لكن وقع فيه إسحاق بن أسد وهو خلاف الصواب أيضاً.
4- جاء في "المجمع " (1/ 250) أيوب بن سنان.
قلت: صوابه "أيوب بن سَيَّار"كما في "كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي" (1/ 149) وانظر "مجمع الزوائد" (1/ 315) (و2/204) .
5- جاء في "المجمع " (3/ 219) : أيوب بن محمد اليمامي.
قلت: صوابه "سليمان بن داود اليمامي" وانظر"ميزان الاعتدال"للذهبي (2/ 202) و (1/ 292) وراجع "مجمع الزوائد" (8/ 189) و (2/ 245) وغير ذلك.
حرف الباء
6- جاء في "المجمع " (2/310) : بشير بن إبراهيم الأنصاري.
قلت: صوابه "بشر بن إبراهيم الأنصاري"وهكذا ورد في مواطن أخرى من "المجمع "انظر مثلاً (4/ 56/290) و (2/ 310) .
حرف التاء خال
حرف الثاء
7- جاء في "المجمع " (4/ 151) : ثمان بن سعيد.
قلت: صوابه "اليمان بن سعيد "وانظر "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل"لشيخنا العلامة محمد ناصر الدين الألباني (8/248) حيث ذكر حديث المجمع وسند الطبراني في الأوسط على ما صوبناه وانظر "ميزان الإعتدال " (4/460) .
حرف الجيم
8- جاء في "المجمع " (84/1) : جارحة بن مصعب.
قلت: صوابه "خَاِرجة بن مصعب "وانظر "الكامل" لابن عدي (4/ ق 38) مصورة الجامعة وانظر"مجمع الزوائد" (3/139) و (10/331) حيث جاء ذكره على الصحيح.
9- جاء في "المجمع" (9/288) : جرير بن عبد الله البجلي.
قلت: صوابه "جرير بن أيوب البَجَلي"انظر "تعجيل المنفعة" (ص 69) . وأما جرير بن أيوب البجلي فصحابي جليل شهير رضي الله عنه.(32/198)
10- جاء في "المجمع " (5/121) : جميع بن ثقت.
قلت: صوابه "جميع بن ثوب"وانظر "فيض القدير" (5/ 192) وراجع "المجمع" (5/287) و (2/190) حيث ذكره على الصحيح.
حرف الحاء
11- جاء في "المجمع " (8/218) : حسن بن فرقد.
قلت: صوابه "جسر بن فرقد"وانظر "المعجم الكبير" (8/165) و"ميزان الإعتدال" (1/ 398) .
12- جاء في "المجمع" (3/157) : الحسن بن رشيد.
قلت: صوابه "الحسن بن رُشَيد"وانظر "الميزان " (1/490) .
13- جاء في "المجمع" (4/251) : حماد بن عبد الرحمن العكي.
قلت: صوابه "حماد بن عبد الرحمن الكلبي"إذ هو الراوي عن خالد بن الزبرقان كما في "الجرح والتعديل" (3/143) وانظر"مجمع الزوائد" (3/273) . والكلبي نسبة إلى كلب بن وبرة كما في "المغني" للفتني (ص66) .
14- جاء في "المجمع " (9/156) : حماد بن عُمر.
قلت: صوابه "حماد بن عَمْرو"وذكره على الصواب في "المجمع" (9/317) وانظر "ميزان الاعتدال" (1/598) و" اللسان" (2/350) وغيرهما.
15- جاء في "المجمع" (5/149) : حميد بن عبد الرحمن بن حماد بن أبي الخوار.
. قلت: صوابه "حميد بن حماد بن أبي الخُوار"حيث الذي في المجمع لم أجد له ترجمة. وانظر"تهذيب التهذيب" (3/37-38) . وقارنه بنقل الهيثمي عن ابن حبان وهو مما يؤيد تصويبنا.
16- جاء في "المجمع" (86/10) : حميد مولى أبي علقمة.
قلت: صوابه "حميد مولى ابن علقمة "وهو من رجال التقريب (1/ 204) وانظر"التهذيب" (3/254) .
حرف الخاء
17- جاء في "المجمع" (2/164) : خالد بن آدم.
قلت: صوابه "حامد بن آدم "كما في "مجمع البحرين" (1/ ق82) وانظر "المجمع" (9/111) و (1/37) وغيرهما.
18- جاء في "المجمع" (4/159) : خالد بن يزيد الأموي.
قلت: صوابه "خالد بن عمرو الأموي"وانظر "المجروحين"لابن حبان (1/283) .
حرف الدال
19- جاء في "المجمع" (5/104) داود بن بلال الأودي.(32/199)
قلت: حديث "المجمع"في "مجمع البحرين" (4/ ق 394) وهذا إسناده، قال: حدثنا محمد بن شعيب ثنا عبد السلام بن ضمرة الداري ثنا الصباح بن محارب ثنا داود الأودي عن أبيه عن أبى هريرة فذكره، قال: لم يروه عن داود إلا الصباح.
قلت: لم يذكر في الإسناد أن داود هو ابن بلال كما هو صنيع الهيثمي. وكما أن داود الأودي الذي في السند هو داود بن يزيد الأودي وله رواية عن أبيه كما في "التهذيب" (3/205) وهو ضعيف كما في "التقريب"وأما داود بن بلال السعدي (بالسين) فذكره ابن أبى حاتم في "الجرح والتعديل" (3/408) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقال عنه ابن حبان:"مستقيم الحديث "كما في "التعليق على الجرح" للمعلمي رحمه الله وذكر أن ابن حبان ما قال فيه "السعدي".
قلت: وتوثيق ابن حبان هذا من أعلى درجات التوثيق عنده وانظر "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" (1/437) و"الرد على التعقب الحثيث"للشيخ الألباني (ص 18- 21) والله أعلم.
حرف الذال خال
حرف الراء خال
حرف الزاي
20- جاء في المجمع (9/122) : زكريا الأصبهاني.
قلت: لعل الصواب "زكريا الصهباني "بضم المهملة وسكون الهاء وبعدها موحدة كما في "المغني" (ص 47) وهو زكريا بن عبد الله بن يزيد الصهباني انظر: "ميزان الاعتدال" (2/73) و"الجرح والتعديل" (3/598) . ويوجد في "تاريخ أصبهان"لأبي نعيم (1/424) : زكريا بن يحي بن كثير الأصبهاني سكن مكة حدث عن ابن المقري ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. والله أعلم بحقيقة المراد.
21- جاء في "المجمع" (6/8) : زياد بن سعيد.
قلت: صوابه "سعيد بن زياد"كما في "الميزان" (2/138) حيث ساق حديث المجمع.
22- جاء في "المجمع" (5/؟) : زيغ أبو الخليل.
قلت: صوابه "بَزِيغ أبو الخليل"وهكذا جاء أيضاً في "المجمع" (10/199) .
حرف السين
23- جاء في "المجمع" (7/189) : سالم بن سالم.(32/200)
قلت: لعله "سلم بن سالم"البلخي وأما "سالم بن سالم الحمصي"فهو مخضرم أدرك وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كما في "الإصابة" (4/105) وانظر ترجمة سلم بن سالم البلخي في الميزان (2/185) واللسان (4/63-64) وغيرهما. وكما جاء في "المجمع" (3/170) سلم بن سالم كما صوبناه والله أعلم.
24- جاء في "المجمع" (7/93) : سالم العلوي.
قلت: لم أجد له ترجمة ولعله "سلم بن قيس العلوي" وهو من رجال التقريب (1/314) والله أعلم.
25- جاء في "المجمع" (7/ 171) : سعيد بن رزق.
قلت: صوابه "سعيد بن زَربي"كما في "المعجم الكبير" (10/101) وجاء في "فيض القدير" (3/385) في النقل عن الهيثمي سعيد بن زرقى وهو خطأ أيضاً.
26- جاء في "المجمع" (7/164) : سلم بن إبراهيم الهجري.
قلت: صوابه "إبراهيم بن مسلم الهجري"كما في "الميزان" (1/66) حيث ذكر حديث المجمع. وجاء بهذا الوجه في "المجمع" (4/138) وغير ذلك.
حرف الشين
27- جاء في "المجمع" (10/301) : شنار بن الحكم.
قلت: صوابه "بَشّار بن الحكم"كما في "الميزان" (1/309) حيث ذكر حديثه. وَشَّنار لم أجد له ترجمة.
حرف الصاد
28- جاء في "المجمع" (6/119) : صالح بن بشير المذني.
قلت: صوابه "صالح بن بشير المري"كما جاء في "المجمع (8/621) وغيره. والمري بضم الميم وتشديد الراء كما في "التقريب" (1/358) وغيره.
حرف الضاد
29- جاء في "المجمع" (1/259، 260) الضبي بن الأشعث.
قلت: صوابه "الصُّبَىُّ بن الأشعث"كما في "المعجم الكبير"للطبراني (2/ 10) . والذي في "مجمع البحرين" (1/ ق 43) كما في "مجمع الزوائد"والصحيح كما أثبتناه. وليس لما ذكر في المجمعين ترجمة وانظر "ميزان الاعتدال" (م/308) .
حرف الطاء خال
حرف الظاء خال
حرف العين
30- جاء في "المجمع" (3/101) : عائذ بن سريج.(32/201)
قلت: صوابه "عائذ بن شُرَيْح " (بالشين المعجمة والحاء المهملة) كما في ترجمته انظر "ميزان الاعتدال" (2/363) و"الجرح والتعديل" (7/16) .
31- جاء في "المجمع" (5/ 225) : عبد الله بن إبراهيم بن خالد المصيصي.
قلت: صوابه "إبراهيم بن خالد المصيصي"كما في "مجمع البحرين" (2/ ق217) حيث ذكر حديثه وما ذكر في "المجمع"فليس له ترجمة.
32- جاء في "المجمع" (9/ 172) : عبد الله بن عمر الواقفي.
قلت: صوابه "عبد الله بن عمر الواقعي"بالعين وهكذا في "المشتبه "للذهبي (ص 544) .
33- جاء في "المجمع" (8/21) : عبد الله بن (مسد) البكرى.
قلت: هكذا جاء. ورسم والد عبد الله يقرب من سعد ثم ظهر لي من "مجمع البحرين" (2/ ق 262) أنه عبد الله بن يزيد. وانظر "المجمع" (5/268) .
34- جاء في "المجمع" (3/ 80) : عبد الحليم بن عبد الله.
قلت: صوابه "حُكَيم بن عبد الله"كما في "مجمع البحرين" (1/ ق120) . والذي في المخطوطة من "مجمع الزوائد" (2/ ق181) - مصور من الجامعة الإسلامية- عبد الحكيم. وكما لم يتكلم عليه بشيء خلافاً لما في المطبوع، والصواب ما ذكرناه. وما في "مجمع الزوائد"ليس له ترجمة. وانظر "التقريب" (1/195) .
35- جاء في "المجمع" (8/24) : عبد الحميد بن عبيد الله بن حمزة.
قلت: صوابه "عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة"كما في "مجمع البحرين" (3/ ق 221) وجاء في "المجمع" (6/ 251) كما صوبناه. وانظر "التقريب" (1/ 511) .
36- جاء في "المجمع" (3/؟) : عبد الخالق بن يزيد.
قلت: صوابه "عبد الخالق بن زيد"وجاء في "المجمع" (5/135) و (6/255) على الوجه الصحيح وانظر "الجرح والتعديل" (6/37) .
37- جاء في "المجمع" (4/286) : عبد الرحمن الوقاصي.
قلت: صوابه "عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي"كما ظهر من تخريج حديث "المجمع "في "إرواء الغليل" (6/259) حيث نقل الشيخ- حفظه الله- إسناد الطبراني.(32/202)
38- جاء في "مجمع الزوائد" (8/ 70) : عبد السلام بن هلال.
قلت: صوابه "عبد السلام بن هاشم"كما في "السلسلة الضعيفة" لشيخنا الألباني (2/56) . وانظر "أخبار أصبهان" (2/111) وأما ما في "فيض القدير" (6/126) فنقل كما هو في "المجمع". ولم أجد من الرواة من اسمه عبد السلام بن هلال وكذا حكى شيخنا ونبه على تصحيفه ويؤيد ما صوبناه أن الهيثمي ذكر الحديث في (8/68) كما ظهر لنا.
39- جاء في "مجمع الزوائد" (9/ 384) : عبد الملك بن إبراهيم بن عنترة.
قلت: صوابه "عبد الملك بن هارون بن عنترة"كما في "مجمع الطبراني الكبير" (17/51) وله ترجمة في "الميزان" (2/ 666) وأما الأول فلم أجد له ترجمة مع شديد بحثٍ.
0 4- جاء في "المجمع" (8/17 و 28) : عُبيد الله بن عمرو أو ابن عمر القيسى.
قلت: لعل صوابه "عَبد الله بن عمرو"كما في "كشف الأستار" (1/397) و"المطالب العالية"لابن حجر (2/520) والله أعلم.
1 4- جاء في "المجمع" (4/332) : علي بن الفضل.
قلت: صوابه "عدي بن الفضل"كما في "كشف الأستار" (2/191) وقارنه بالميزان (3/49) .
42- جاء في "المجمع" (4/246) : عمر بن إبراهيم بن وجيه.
قلت: لعل صوابه "عمر بن موسى بن وجيه"وله ترجمة في "الميزان" (3/225) وغيره. وجاء في "المجمع" (8/99) عُمير بالتصغير. وكما جاء فيه (2/266) عمرو. وجاء في "المجمع" (5/25 و29) على ما صوبناه والله أعلم.
43- جاء في "المجمع" (6/272) : عمر بن راشد المدني الحارثي.
قلت: صوابه "عمر بن راشد المدني الجاري" (بالجيم والراء غير منقوطة بعدها ياء النسب) كما في "التهذيب" (7/446) وانظر "اللباب" (1/251) و"معجم البلدان" (2/93) و"الجرح والتعديل" (6/ 108) .
44- جاء في "المجمع" (2/ 234) : عُمر بن عبد الجبار.
قلت: لعل الصواب "عَمرو بن عبد الجبار"وانظر "الميزان" (3/271) و"اللسان" (4/368) .
45- جاء في "المجمع" (3/ 69) : عورك.(32/203)
قلت: صوابه "غورك" (بالمعجمة) كما في "الميزان" (3/337) حيث ذكر حديث المجمع في ترجمته وأما ما في "مجمع الزوائد" (2/ ق 73) مصورة الجامعة و"مجمع البحرين" (1/ ق 119) فكما في المطبوع من "المجمع"ولم أجد ترجمة بهذا الاسم.
46- جاء في "المجمع" (3/173) : عيينة بن عبد الرحمن القرشي.
قلت: صوابه "عَنْبَسة بن عبد الرحمن القرشي"كما في "فيض القدير" (1/554) و"الميزان" (3/ 302) . وانظر "تقريب التهذيب" (3/ 88) .
47- جاء في "المجمع" (8/16) : عُيينة بن يقظان.
قلت: صوابه "عُتْبَةَ بن يقظان"كما في "الميزان" (3/28) . وانظر "التهذيب" (7/103) .
حرف الغين
48- جاء في "المجمع" (8/215) : غسان بن ربعي.
قلت: لعل صوابه "غسان بن الربيع"وما ذكره الهيثمي ليس له ترجمة وأما ما صوبته فمترجم له في الميزان (3/334) وغيره.
حرف الفاء
49- جاء في "المجمع" (5/262) : فرج بن يحيى.
قلت: لعل صوابه "فرح" (بالمهملة) ابن يحي كما في الميزان (3/345) و"اللسان" (4/432) . وأما في "ديوان الضعفاء" (ص 246) و"المغنى في الضعفاء" (2/509) ففي كليهما بالجيم كما في المجمع ولعل ما في "تبصير المنتبه" (3/1071) يؤيد ما رجحناه والله أعلم.
50- جاء في "المجمع" (2/112) : الفضل بن الجبار.
قلت: صوابه "الفضل بن المختار"كما في "المعجم الكبير" (17/182) . وقد نبه على ذلك محققه أيضاً. وهكذا جاء في "المجمع" (1/244) وغيره.
51- جاء في "المجمع" (3/195) : فهد بن عوف.
قلت: صوابه "زيد بن عوف"إذ فهد هو لقبه وزيد اسمه كما في "الميزان" (3/ 266) وغيره.
حرف القاف خال
حرف الكاف خال
حرف اللام خال
حرف الميم
52- جاء في "المجمع" (3/30) : محسب.
قلت: لعل صوابه "محتسب"بالمثناة الفوقية وهو ابن عبد الرحمن أبو عائذ له ترجمة في "الميزان" (3/ 442) وغيره والله أعلم.(32/204)
53- جاء في "المجمع" (5/38) : محمد بن الحجاج الجمحي.
قلت: صوابه "محمد بن الحجاج اللخمِي"وهو المعروف بحديث الهريسة "أطعمني جبريل الهريسة أشد بها ظهري لقيام الليل "انظر الميزان (3/509) والمجروحين (2/195) . وذكره الهيثمي في "المجمع" (7/83) و (10/65) باللخمي كما صوبناه.
54- جاء في "المجمع" (5/171) : محمد بن حفص الوصاني.
قلت: صوابه "محمد بن حفص الوصَّابِي" (بالباء) كما في "الميزان" (3/526) وغيره. وهكذا جاء في "المجمع" (6/254) .
55- جاء في "المجمع" (4/285) : محمد بن حسن الأوصابِي.
قلت: صوابه "محمد بن حفص الأوصابي"السابق الذكر إذ تصحف اسم أبيه من حفص إلى حسن. والله أعلم.
56- جاء في "المجمع" (5/269) : محمد بن الزبير الزبيدى.
قلت: صوابه "محمد بن المنذر الزبيرى"كما في "مجمع البحرين" (3/ ق 229) .
57- جاء في "المجمع " (7/266) : محمد بن عبد الله بن يحي بن عروة.
قلت: صوابه "عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة " كما في "معجم البحرين" (4/ ق 415) .
58- جاء في "المجمع" (2/161) : محمد بن قضا (بالمثناة الفوقية) .
قلت: صوابه "محمد بن فضاء" (بفتح الفاء والمعجمة مع المد) الجهضمي الأزدي"كما في "التقريب" (2/161) . وأما "محمد بن قضاء"بالقاف فهو وآخر متأخر عنه. وانظر "التهذيب" (9/ 400-401) .
59- جاء في "المجمع" (8/88) : محمد بن كثير النهري.
قلت: صوابه "محمد بن كثير الفِهْري" (بكسر الفاء وسكون الهاء وفي آخرها راء نسبة إلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة) كما في "اللباب" (2/448) . وهو من رجال التقريب (2/203) .
60- جاء في "المجمع" (5/326) : محمد بن لهيعة العطار.
قلت: صوابه "محمد بن جامع العطار"كما في "مجمع البحرين" (2/ ق 232) .
61- جاء في "المجمع" (9/51) : محمد بن محبب.(32/205)
قلت: صوابه "محمد بن مجيب " (بالجيم على وزن مطيع) كما في "تاريخ بغداد" (3/298) حيث ساق حديث المجمع في ترجمته. وانظر "التقريب" (2/204) . وليس له رواية عند الستة وهو متروك أما محمد بن محبب بموحدتين فثقة كما في "التقريب" (2/204) .
62- جاء في "المجمع" (6/232) : محمد بن مسلمة بميمين بن كهيل.
قلت: لعل صوابه "محمد بن سلمة" (بسين) كما في مصادر ترجمته. وانظر"الميزان" (3/568) و"الجرح والتعديل" (7/ 276) وغيرهما. ولقد وقع في "اللسان" (5/183) اسم جده جهل.
63- جاء في "المجمع" (2/298) : محمد بن يونس الحمال" (بالمهملة) .
قلت: صوابه "محمد بن يونس الجمال"كما في "التقريب" (2/222) .
64- جاء في "المجمع" (8/191) : مسكين بن سراج.
قلت: صوابه "سكين بن أبى سراج"كما في "ميزان الاعتدال" (2/174) وأما ما في "مجمع البحرين" (3/ ق 259) فهو خطأ كما في "مجمع الزوائد"ولم أجد ترجمة بهذا الاسم وبان لنا الصواب من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2/608) لشيخنا الألباني حيث ساق إسناد الطبراني.
65- جاء في "المجمع" (1/146) : موسى بن عمران الحضرمي.
قلت: لعل صوابه "موسى بن عثمان الحضرمي"وانظر "الميزان" (4/14) .
66- جاء في "المجمع" (8/114) : موسى بن علي الخشني.
قلت: صوابه "مسلمة بن علي الخشني"وبهذا ذكره في المجمع (1/201 و287) و (5/93) وغير ذلك وانظر "الميزان" (4/109) وهو من رجال التقريب (2/ 249) .
67- جاء في "المجمع" (3/142) : الميباح بن بسطام.
قلت: لم أجد له ترجمة ويبدو لي أنه "الهياج بن بسطام" وهو من رجال التقريب (2/325) .
حرف النون
68- جاء في "المجمع" (10/229) وفيه: النصر بن محرز.
قلت: صوابه "النضر" (بالضاد بالمعجمة) ابن محرز كما في "الميزان" (4/262) حيث ذكر حديث المجمع وانظر "الجرح والتعديل" (8/480) وغيره من مصادر ترجمته.
حرف الهاء خال
حرف الواو(32/206)
69- جاء في "المجمع" (7/ 54) : الوليد بن عداس المصري شيخ الطبراني.
قلت: صوابه "الوليد بن العباس المصري شيخ الطبراني"وهو من رجال الميزان (4/340) وانظر "اللسان" (6/223) وكما ذكره الهيثمي على الوجه الذي صوبناه في (10/245) من "مجمع الزوائد". وليس للوليد بن عداس ترجمة والله أعلم.
حرف الياء
70- جاء في "المجمع" (4/118) : يحيى بن أحمد الكوفي الأحول.
قلت: لعله "أحمد بن يحي الكوفي الأحول"وله ترجمة في "الميزان" (1/ 62) . وغيره وأما ما ذكره الهيثمي فلم أجد له ترجمة.
71- جاء في "المجمع" (10/ 111) : يحي بن إسحاق بن طلحة.
قلت: يبدو لي أنه "إسحاق بن يحي بن طلحة"وذكره في نفس الصفحة بهذا الوجه والله أعلم.
72- جاء في "المجمع" (4/18) : يحي بن الحسن الخشني.
قلت: يبدو لي أنه "الحسن بن يحي الخشني"حيث هو ضعيف وقد وثقه جماعة. كما قال الهيثمي. انظر "التهذيب" (2/ 326) . وراجع "المجمع" (1/249) . وأما يحي بن الحسن الخشني فلم أجد له ترجمة.
الكنى
73- جاء في "المجمع" (9/ 386) : أبو عبيدة بن الفضل.
قلت: صوابه "أبو عبيدة بن الفضيل"وانظر "اللسان" (7/79) . و"الميزان" (4/549) و"المجمع" (10/205) .
74- جاء في "المجمع" (15/382) : أبو علي بن أبي سارة.
قلت: صوابه "علي بن أبي سارة"كما في "مسند أبي يعلى" (1/ ق 166) مصورة عن نسخة الشيخ بديع الدين الراشدي. باكستان.
75- جاء في "المجمع" (6/291) : أبو معاذ سليم بن أرقم.
قلت: صوابه "أبو معاذ سليمان بن أرقم"كما في "الميزان" (4/574) والتهذيب (4/168) وانظر "المجمع" (5/92) و (4/286) وغير ذلك.
76- جاء في "المجمع" (5/171) : سليم بن أرقم الزهري.
قلت: صوابه "سليمان بن أرقم"عن الزهري- وهو السابق- لأن سليمان يروي عن الزهري كما في "التهذيب" (4/168) وغيره.
77- جاء في "المجمع" (4/151) : أبو مسعر.(32/207)
قلت: صوابه "أبو معشر"وهو نجيح بن عبد الرحمن السندي صاحب المغازي- كما في "المسند"لأحمد (2/351) .
وبهذا انتهى ما أردت فما كان صواباً فمن الله وما كان خطأَ فمن نفسي وأستغفر الله منه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ...
ثبت المصادر والمراجع
المصادر المطبوعة:
1 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني. علامة محدث معاصر طبع المكتب الإسلامي. بيروت. الطبعة الأولى 1399 هـ- 1979 م.
2- الإصابة في تمييز الصحابة. لابن حجر العسقلانى (ت 852 هـ) . نشر مكتبة المثنى بغداد. 1389 هـ.
3- تاريخ بغداد. للخطيب البغدادي. أحمد بن علي بن ثابت (ت 463 هـ) . مطبعة السعادة. مصر. الطبعة الأولى عام 1349 هـ- 1931م
4- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه. لأحمد بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) . تحقيق علي البجاوي ومحمد النجار. طبع الدار المصرية للتأليف والترجمة بمصر.
5- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) طبع دائرة المعارف العثمانية. حيدر آباد الدكن الهند. عام 1324 هـ.
6- تقريب التهذيب. لابن حجر العسقلاني. بتعليق عبد الوهاب عبد اللطيف. نشر المكتبة العلمية. بالمدينة المنورة. طبع مصر.
7- التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل. للمعلمي اليماني. بتحقيق الألباني. توزيع إدارات البحوث العلمية بالرياض.
8- تهذيب التهذيب. لابن حجر العسقلاني. دار صادر. بيروت عن طبعة حيدر آباد بالهند. سنة 1327 هـ
9- الجرح والتعديل. لعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327 هـ) . طبع حيدر آباد الدكن. بتصحيح عبد الرحمن بن يحي المعلمي.
10- ديوان الضعفاء والمتروكين وخلق من المجهولين وثقات فيهم لين. لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ) بتحقيق حماد الأنصاري. مكتبة النهضة الحديثة. مكة المكرمة عام 1387 هـ.(32/208)
11- ذكر أخبار أصبهان. لأبى نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430 هـ) . طبع ليدن. بريطانيا عام 1934م.
12- الرد على تعقيب الحثيث. للألباني. مطبعة الترقي. دمشق عام 1377 هـ.
13- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ على الأمة. للشيخ محمد ناصر الدين الألباني. المجلد الثاني. طبع بيروت. المكتب الإسلامي.
14- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها. للألباني. المكتب الإسلامي. بيروت. لبنان.
15- فيض القدير شرح الجامع الصغير. لمحمد عبد الرؤوف المناوي (ت 1031 هـ) . دار الموقف للطباعة والنشر. بيروت. طبعة ثانية 1391 هـ 1972م.
16- كشف الأستار عن زوائد البزار. لعلي بن أبى بكر الهيثمي (ت 807 هـ) . "بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي"دار الرسالة. بيروت. لبنان عام 1399 هـ.
17- اللباب في تهذيب الأنساب. لعلي بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير (ت 630 هـ) . طبع دار صادر. بيروت.
18- لسان الميزان. لابن حجر العسقلاني. مصورة عن دائرة المعارف العثمانية. حيدر آباد الدكن. الهند عام 1331 هـ.
19- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين. لمحمد بن حبان البستي ت 354 هـ تحقيق محمد إبراهيم زيد. دار الوعي بحلب.
20- مسند أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) تصوير المكتب الإسلامي. ودار صادر. بيروت عام 1389 هـ- 1969م.
21- المشتبه في أسماء الرجال. للذهبي. طبع بريل. ليدن 1863 م.
22_المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية. لابن حجر العسقلاني. بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. نشر دار الكتب العلمية. بيروت.
23- معجم البلدان. لياقوت الحموي (ت 626 هـ) . تصوير بيروت.
24- المعجم الكبير. سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 هـ) بتحقيق حمدي عبد المجيد السلفي. طبع وزارة المعارف العراقية.(32/209)
25- المغني في أسماء الرجال. لمحمد بن طاهر الفتني (ت 986 هـ) . دار نشر الكتب الإسلامية. لاهور. باكستان. طبعة أولى 1393 هـ.
26- المغني في الضعفاء. للذهبي. بتحقيق نور الدين العتر. دار إحياء التراث. بيروت. الطبعة الأولى 1391 هـ.
27- ميزان الاعتدال. للذهبي. طبع البابي الحلبي. دار إحياء الكتب العربية. مصر. بتحقيق البجاوي. طبعة أولى عام 1382 هـ- 1963م.
المصادر المخطوطة:
1 - الكامل لعبد الله بن عدي (ت 365 هـ) مصور بالجامعة الإِسلامية بالمدينة.
2- مجمع البحرين في زوائد المعجمين. للهيثمي. مصور عن مكتبة الحرم المكي. بالجامعة الإِسلامية بالمدينة.
3- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 هـ) مصور لدى الجامعة الإسلامية عن المكتبة المرادية.
4- مسند أبى يعلي الموصلي (ت 307 هـ) . مصور عن نسخة الشيخ بديع الدين الراشدي. حيدر آباد 0 السند. باكستان.
5- المعجم المؤسس للمعجم المفهرس. للحافظ ابن حجر العسقلاني. مصورة الجامعة الإِسلامية.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر مقدمة (مجمع الزوائد) صورة ما كتبه الحافظ بن حجر العسقلاني. رحمه الله. وانظر (المعجم المؤسس للمعجم المفهرس) (ق 185) مصورة الجامعة الإسلامية بالمدينة.
[2] ولعل الله يسر لي أو لغيري التنبيه على غيرها وعلى ما في المتون أيضاً وترفق في طبعة أخرى للمجمع على أقل الأحوال إن لم يطبع بتحقيق وإخراج جديد متقن.(32/210)
الرابط وَأثَره في التراكيب في العربية
للدكتور حمزة عبد الله النشدتي
أستاذ مساعد بكلية الشريعة
يمتاز الأسلوب العربي بقوة العلاقة بين جمله، والترابط بين أجزائه، فالترابط يحدد أبعاد المعنى ويرفع منه كل لبس وإبهام لآن الربط قائم بين جزء في الجملة الاسمية والفعلية، والجملة بأنواعها: شرطية أو حالية أو صلة أو صفة لابد من وجود ما يربطها بسابقها.
والرابط في التركيب اللغوي متعدد في أنواعه مختلف في اتجاهاته فقد عرف النحاة الضمير رابطاً، وهذا النوع لكونه أصل كل رابط فقد اتسع استخدامه وامتدت دائرته فتجده في الصفة المشبهة رابطاً، وفي التوكيد والبدل كما تجده في الظروف والجار والمجرور، وأكثر ما تجده في الجمل الخبرية والحالية وجملة الصفة.
وقد شهد التركيب اللغوي أنماطاً أخرى من الروابط فقد وقع في اللغة الربط بالاسم الظاهر، وباسم الإشارة، كما وقع الربط بالمعنى والعموم والخصوص، والعمل. وجوانب كثيرة سيكشف عنها هذا البحث.
لقد تمسك الكوفيون ببعض الأمثلة واتخذوها أساساً لجواز الربط بأل من ذلك قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} . فرأى الكوفيون أن: "أل"في المأوى رابطة حلت محل الضمير، والأصل مأواه، ولم يرتضى ذلك جمهور النحاة فالتناوب بين الاسم والحرف قبيح.(32/211)
وقد يجتمع في الجملة أكثر من رابط. ألا ترى أن جملة الحال قد تربط بالواو والضمير معاً؟ ففي قوله تعالى: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} الجملة الحالية ربطت بالواو والضمير معاً. وجملة جواب الشرط قد تربط بالفاء والضمير معاً. اقرأ قول الله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ} . فجملة فإني أعذبه وقعت جواباً للشرط وفيها الربط بالضمير الذي يعود على المبتدأ كما أن في الجواب رابطاً آخر هو الفاء.
وجملة جواب الشرط قد تجتمع فيها بالفاء وإذا رابطتين لتأكيد وتقوية الربط ففي قوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ربطت جملة الجواب بالفاء وإذا.
والربط في الأسلوب العربي ليس مقصوراً على هذه الروابط اللفظية. إذ الجملة قد تخلو منه إلا أن ارتباطها بما قبلها موجود وقائم حتى لا يصبح التركيب مبتوراً وغير مترابط فقد تكون الجملة الثانية مؤكدة، أو مفصلة أو معللة ...
وشاعرنا العربي عندما بنى قصيدته فإن أبياتها لم تكن مجرد سرد بيت تلو آخر، وإنما تحكمت فيه العاطفة ممزوجة بالفكرة فجاءت الأبيات مرتبطاً بعضها ببعض حتى أصبحت القصيدة بناءً كاملاً مترابطاً. فالبيت قد يربط بسابقه بعلاقة التوكيد أو التعليل أو الإجابة عن تساؤل أو ... ومما يدلنا على أن الشعراء كانوا يراعون الترابط في القصيدة الواحدة قول أحدهم للآخر: أنا أشعر منك فقيل له وكيف؟ فقال: لأني أقول البيت وأخاه وأنت تقول البيت وابن عمه. وهذا النوع من الروابط له مجاله ومباحثه لأن هذا البحث قد دار حول الرابط اللفظي الذي كثر دورانه على ألسنة النحاة.(32/212)
ولكي يستفيد القارئ فإني قد حددت أنواع الرابط، ثم أشرت إلى مجال استخدام كل واستعماله. فمثلاً الربط بالعموم والخصوص حددت مجاله في تنازع العاملين، والربط بأل حددت مجالاته في الصفة المشبهة والخبر، والربط بالاسم الظاهر حددته في الجملة الخبرية وجملة الصلة والتوكيد.
والمتتبع لجوانب هذا البحث سيدرك بمشيئة الله مدى المعاناة التي بذلت في جمع شتات هذا الموضوع وتحديد معالمه ومناقشة آرائه.
نرجو الله أن ينفع به.. إنه سميع مجيب.
أولاً: الربط بالضمير
لما كان الأصل في الرابط أن يكون بالضمير فقد كثر دورانه في لغة العرب رابطاً للجملة بما قبلها، ورابطاً للاسم بما قبله، وقد وقع الربط به مذكوراً ومحذوفاً. ولكون الربط بالضمير هو الأصل ذكر النحاة أن الظاهر قد يحل في الربط محل الضمير.
والأصل في الجملة أن تكون كلاماً مستقلاً غير أنك إن قصدت جعلها جزءاً من كلام فلا بد من رابطة تربطها بالجزء الآخر. وهذه الرابطة هي الضمير إذ هو موضوع لمثل هذا الغرض، فبدونه يصبح الأسلوب مبتوراً غير مستوف ولا تُحَصَّلُ منه فائدة.
ومن الأشياء التي تربط بالضمير:
الجملة الخبرية:
تقع الجملة الخبرية اسمية وفعليةً وشرطيةً. وكل هذا لابد فيه من رابط يعود على المبتدأ لئلا تقع أجنبية عن المبتدأ [1] ففي قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَة} [2] وقع الخبر جملة فعلية وقد ربطت بالضمير، كما أن قولنا: القرآن حفظه مغنم وقع الخبر جملة أسمية وقد جاء الربط بالضمير.
وجملة الشرط على الخلاف بين النحويين: هل الخبر فعل الشرط أو الجواب أو هما معاً؟ فإن الضمير لابد من وجوده رابطاً للجملة بالمبتدأ.(32/213)
ففي قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} [3] اشتمل فعل الشرط والجواب على رابط هو الضمير يعود إلى المبتدأ، وفي قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [4] ، الربط موجود بالضمير في "به"وفي قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُه} [5] في فعل الشرط ضمير الفاعل يعود على من، وضمير المفعول به في الجواب يعود على المبتدأ.
والضمير لكونه الأصل في الربط فقد جاء الربط به مذكور، ومحذوفاً ومن الربط بالضمير محذوفاً قوله تعالى: {وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى..} [6] يرفع كل وذكر الفراء أن الضمير قد يحذف قياساً [7] . وذلك إذا كان الضمير مفعولاً به والمبتدأ كل مثل قوله الشاعر:
على ذنباً كُلُّهُ لم أصنع [8]
قد أصبحت أمُّ الخيار تدّعي
وجملة الخبر إذا كانت نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط نحو"هو الله أحد"إذا قدر هو ضمير شأن فهو مبتدأ والله أحد جملة هي خبر المبتدأ. وهي عين المبتدأ في المعني لأنها مفسرة والمفسر عين المفسر [9] والجملة إذا كانت نفس المبتدأ فإنها بمثابة المفرد [10] .
شبه الجملة:
ويقع الخبر ظرفاً وجاراً ومجروراً ويتعلقان بمحذوف وجوباً ثم قيل: الخبر نفس الظرف والمجرور وحدهما. وقيل: هما ومتعلقهما والمتعلق جزء من الخبر واختاره الرضى. وذكر ابن هشام: أن الخبر هو المتعلق. واختلف في التقدير فقال الأخفش والفارسي والزمخشري: "التقدير كان أو استقر"والصحيح عند جمهور البصريين: "أن تقديره كائن لا كان أو استقر". وعلى القول بأن لهما متعلقاً تقديره كائن أو كان فإن الظرف والجار والمجرور بهما رابط يربطهما بالمبتدأ وسواءًَ أكان الضمير مستكناً في المتعلق أو انتقل إلى الظرف فالرابط موجود [11] .
ثانياً: جملة الصلة وشبهها(32/214)
جملة الصلة:
تتميز الموصولات الاسمية عن الحرفية بأن الاسمية لابد في صلتها من كائن يعود إلى الموصول ليحصل به الربط بين الموصول وصلته. فالصلة بعائدها يوضحان مفهوم اسم الموصول.
والموصول إن طابق لفظه معناه فلا إشكال في مطابقة العائد لفظاً ومعنى، وإن خالف لفظه معناه بأن يكون مفرد اللفظ مذكراً وأريد به غير ذلك نحو من، وما ففي العائد وجهان: مراعاة اللفظ وهو الأكثر مثل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْك} [12] .
ويجوز اعتبار المعنى مثل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك} [13] ومثله قول الشاعر:
نَكُنْ مثلَ من يا ذئبُ يصطحبان [14]
تَعَشَّ فإن عاهَدْتَني لا تخونُني
وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} [15] فقد أفرد الضمير في قوله {يُطِعِ} و {يُدْخِلْهُ} باعتبار لفظ من، وجمع الوصف الواقع حالاً من ضمير يدخله باعتبار معناه [16] .
الصلة بشبه الجملة:
وتقع صلة الموصول شبه جملة وهي نوعان:
الأول: الظرف والجار والمجرور. وتعلقهما باستقر محذوفاً وجوباً فبذلك أشبها الجملة [17] ، والعائد ضمير في المتعلق مطابق لاسم الموصول.
الثاني: الصفة الصريحة الخالصة للوصفية. وتقع صلة لأل الموصولة وهذه الصلة اسم لفظاً [18] فعل معنى، ومن ثم حسن عطف الفعل عليها نحو قوله تعالى: {فالمغيرات صبحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} [19] وقوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [20] .
ويلزم في عائد أل الموصولة اعتبار المعنى نحو الصائم والصائمة والمصدقين والمصدقات.
جملة الحال:(32/215)
تقع الحال جملة وشبه جمله. وتربط في الأصل بالضمير. وقد تربط بالواو أو بهما وسيأتي حديث لاحق عن الربط بالواو، وفي هذا الجزء سنتناول الجمل التي يتعين ربطها بالضمير فقط. وهذه الجمل هي:
الأولى: أن تبدأ الجملة بمضارع مثبت غير مسبوق بقد مثل قوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [21] فجملة تستكثر حال من فاعل تمنن، ولم تقترن بالواو لأنه يشبه اسم الفاعل في الوزن والمعنى والواو لا تدخل اسم الفاعل فكذلك ما أشبهه.
الثانية: الجملة الواقعة بعد عاطف مثل قوله تعالى: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [22] فجملة {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} حالية وقد ربطت بالضمير {هُمْ}
الثالثة: المؤكدة لمضمون الجملة السابقة مثل قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} فجملة لا ريب فيه. جملة حالية مؤكدة لمضمون الجملة السابقة [23] . وهي ذلك الكتاب. وقد جاء الربط بالضمير في كلمة {فِيهِ} وكون الجملة الحالية مؤكدة لأن الأولى تفيد أن الكتاب في قمة الكمال فهو مبرأ من كل ريب.
الرابعة: الجملة الفعلية المصدرة بماض تال إلا مثل قوله تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [24] فجملة كانوا به يستهزئون حال من الهاء والميم في يأتيهم ولا تقترن بالواو عند ابن مالك.
الخامسة: الجملة الفعلية المصدرة بماض متلو بأو. مثل لأضربنه ذهب أو مكث. فجملة ذهب حال من الماء وهي متلوة بأو فلا تقترن بالواو لأنها في تقدير شرط أي إن ذهب وان مكث، وفعل الشرط لا يقترن بالواو فكذلك ما كان في تقديره.
السادسة: المضارع المنفي بلا مثل قوله تعالى: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} [25] {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ} [26] ، وقوله: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [27] .
السابعة: المضارع المنفى بما كقول الشاعر:(32/216)
فمالَكَ بعد الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيَّماً [28]
عَهْدتُكَ مَا تصبُو وفيكَ شبيبة
فجملة ما تصبو: خالية من ضمير الخطاب في عهدتك وجاء الربط بالضمير في تصبو.
وقد ورد دخول الواو مع الضمير في قولهم: قمت وأصلك وقد يخرج على تقدير مبتدأ، ومثله قوله تعالى: {فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانّ} [29] بتخفيف النون، فقد خرج ابن مالك [30] الآية على حذف المبتدأ إلا أن ابن الناظم جعل ترك الواو قبل لا أكثر فعنده تكون لافية دون النهي لثبوت نون الرفع فتكون الواو للحال [31] ، وقد رأى ابن عصفور أن تكون الواو للحال دخلت على المضارع مباشرة شذوذاً ويرده وروده في التنزيل الكريم في هذه الآية وفي قوله تعالى: {وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا} [32] ولا ينبغي أن يخرج القرآن على الشذوذ.
وذكر أبو البقاء في قراءة التخفيف أن "لا"يجوز [33] أن تكون ناهيةً وحذفت النون الأولى من الثقيلة تخفيفاً، ولم تحذف الثانية لأنه لو حذفها لحذف نوناً محركة واحتاج إلى تحريك الساكنة، وحذف الساكنة أقل تغيراً، وعلى هذا تكون الواو عاطفة كما أجاز أبو البقاء أن تكون لا نافية والواو عاطفة لا واو الحال، وصح عطف الخبر على الأمر لأنه في معنى الطلب، كما عطف الطلب في قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [34] على الخبر الذي في معناه في قوله تعالى: {لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ} .
الحال شبه الجملة:
وتقع الحال شبه الجملة: ظرفاً أو جاراً ومجروراً تامين، ويربطان بالضمير المستكن في المتعلق ففي مثل: رأيت الهلال بين السحاب. بين ظرف مكان في موضع الحال من الهلال.
وفي قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِه} [35] الجار والمجرور وهو {فِي زِينَتِه} في موضع الحال من فاعل خرج العائد على قارون.(32/217)
والظرف والجار والمجرور الواقعان حالين يتعلقان بمحذوف وجوباً تقديره مستقر [36] ، أو استقر وكون المتعلق مقدر بالمفرد أو الجملة فالرابط موجود وهو الضمير المستكن في المتعلق.
جملة الصفة:
توصف النكرة بجملة مكونة من فعل وفاعل [37] أو مبتدأ وخبر أو مكونة من شرط أو جزاء كما توصف بالظرف والجار والمجرور. وكل هذه الصفات لابد فيها من رابط يعود إلى الموصوف، وإنما اشترط هذا الرابط ليحصل بذلك الربط اتصاف الموصوف بمضمون الصفة [38] فيحدث التخصيص والتعريف المطلوب. فإذا قلت: مررت برجل قام عمرو لم يكن الرجل متصفاً بقيام عمرو بوجه فلا تخصص به. فإذا قلت: قام عمرو في داره صار الرجل متصفاً بقيام عمرو في داره.
فمن الوصف بالجملة قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه} [39] فجملة ترجعون في موضع نصب صفة لـ {يَوْماً} وقد وقع الربط بالضمير المذكور وهو {فِيهِ} والرابط في جملة الصفة قد يحذف. قال الشاعر:
عاراً عليك ورُبَّ قتلٍ عارُ [40]
أن يقتلوك فإن قتلك لم يكن
فالرابط محذوف من جملة الصفة والتقدير هو عار، ومن العائد المحذوف قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [41] أي لا تجزى فيه. وهل حذف الجار والمجرور معاً أو حذف الجار وحده فانتصب الضمير واتصل بالفعل، ثم حذف منصوباً قولان الأول عن سيبويه والثاني عن الأخفش [42] .
الصفة بشبه الجملة:
كما وقع الظرف والجار والمجرور التامان حالين فإنهما يكونان في موضع الصفة أيضاً ففي مثل: قرأت كتاباً في التفسير. الجار والمجرور قد خصص الكتاب وضيق دائرة عمومه فهو في موضع الصفة المجيئة بعد النكرة.(32/218)
وفي مثل رأيت نجماً بين السحاب. ظرف المكان هنا في موضع الصفة لنجماً. والظرف والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف وجوباً تقديره مستقراً أو استقر وعلى كلا الأمرين فالرابط موجود وهو الضمير المستكن والمستقر في المتعلق المحذوف.
جملة الشرط والجواب:
من خلال تتبعي لكثير من الأساليب العربية المشتملة على الجملة الشرطية وجدت أن اسم الشرط إذا وقع مبتدأ أو وقع مفعولاً به فإن جملة الشرط أو الجواب تشتمل على ضمير يعود إلى المبتدأ، وإذا كان اسم الشرط مفعولاً به فإن جملة الجواب تشتمل على ضمير يعود على المفعول به المتقدم.
فعندما نقرأ قول الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [43] نجد أن اسم الشرط وقع مبتدأ فجاء الفعل في يطع، وأطاع: مشتملين على ضمير يعود إلى "من".(32/219)
وما ذكرته في الآية الكريمة نجده في قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [44] ، ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ} [45] ففي الفعل يكفر ضمير يعود على من، والضمير في "أعذبه"الأول يعود على من وعندما نقرأ قول الله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّه} [46] نجد أن اسم الشرط وقع مفعولاً به مقدماً فاشتمل الجواب فقط على ضمير يعود على "ما"وهو الضمير في "يعلمه"وما ذكرته في هذه الآية نجده في قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [47] ومنه قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [48] . فالضمير المجرور يعود على آية المفسرة لما. ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [49] فالضمير المجرور في جملة الجواب يعود إلى خبر المفسر للمفعول به المتقدم.
الجملة المفسرة لعامل الاسم المشتغل عنه:
تقع الجملة مفسرة لعامل الاسم المشتغل عنه. وهذه الجملة تحتاج إلى ربط يربطها بالاسم المبتدأ وهو المشغول عنه. مثل كتاب الله حفظته. ورابط هذه الجملة لابد من وجوده، وحذفه قبيح [50] .
ألفاظ التوكيد:
من ألفاظ التوكيد: كل وجميع وكلا، وكلتا، والنفس والعين. وتربط هذه الألفاظ بالضمير المذكور ليحصل الربط بين التابع والمتبوع. نحو جاء محمد نفسه، والمحمدان كلاهما، والقوم كلهم أو جميعهم.(32/220)
ولما كان وجود الضمير في ألفاظ التوكيد لازماً فقد ردَّ قول الهروي عندما أعرب جميعاً على الحال في قولهم جاء القوم جميعاً وأعربها توكيداً في قولهم جاء القوم جميع. فقد أعرب جميعاً في المثال الثاني توكيداً مع خلوه من العائد فكان مردوداً.
وقريب من هذا قول الفراء والزمخشري في إعراب: "كلاَّ"توكيداً في قراءة بعضهم إنا كلا فيها [51] .. ونقف عند الآية الكريمة لنرى ما فيها من آراء. ثم نصل بعدها إلى رأي مرضٍ:
يرى الفراء والزمخشري وابن عطية أن "كلاَّ"توكيد والرابط محذوف فيكون التقدير إنا كلنا، ولعلهم استدلوا بقول الله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [52] ، وقد رد ابن مالك حذف الضمير استغناء [53] بنية الإضافة، كما أعرب النحاة كلمة {جَمِيعاً} في الآية حالاً.. قد منع الزمخشري [54] إعراب "كلاَّ"حال وقد تقدمت على عاملها الظرفي وهو كلمة فيها.
وهذا الذي منعه الزمخشري أجازه الأخفش وارتضاه ابن مالك.
يقول ابن مالك [55] : "والقول المرضي عندي. أن "كلاَّ"في القراءة المذكورة منصوب على أن الضمير المرفوع المنوي في "فيها" وفيها هو العامل وتقدمت الحال عليه مع عدم تصرفه كما قدمت في قراءة بعضهم: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [56] .
واختار أبو حيان وغيره من النحاة أن تعرب "كلاَّ"بدلاً من اسم إن. لأن كلا يتصرف فيها بالابتداء والنواسخ وغير ذلك. وإذا كانوا قد تأولوا حولاً أكتعاً، ويوماً أجمعاً، على البدل مع أنها لا يليان العوامل فأولى بذلك "كلاَّ"
وإذا كان اتجاه أبى حيان [57] في إعراب الآية أن تكون "كلاَّ"بدلاً فهي بدل من اسم إن وهو الضمير في إنا. وإبدال الظاهر ِمن ضمير الحاضر بدل كل جائز إذا كان مفيداً للإحاطة كقوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [58] وهنا لا نحتاج إلى ضمير لأن بدل الكل لا يحتاج إلى ضمير [59] ..(32/221)
وقد ذكر سيبويه أن ألفاظ التوكيد كلمة "عامة"جاء الجيش عامته والقبيلة عامتها، والهندات عامتهن فتربط بالضمير. وقد خالف في ذلك المبرد فجعلها بمعنى أكثرهم فتكون بدل بعض من كل [60] .
بدل البعض وبدل الاشتمال:
أ - بدل البعض:
بدلُ البعض هو بدل الجزء من كله قليلاً كان ذلك الجزء أو مساوياً أو أكثر وهذا النوع لابد فيه من الرابط وهو الضمير ليربط البعض بكله [61] كقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُم} [62] فكثير بدل بعض من كل وقد ربط هذا البدل بالضمير.
ب - بدل الاشتمال:
هو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه كأعجبني الكتاب عرضه فعرضه بدل اشتمال من الكتاب ربط بالضمير، ومنه قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِي} [63] .
وقد اشترط أكثر النحاة وجود الضمير في بدل البعض وبدل الاشتمال غير أن ابن مالك رأى أن وجوده أكثر فلم يشترط..
فقد جاء في شرح الكافية الشافية: واشترط أكثر النحويين مصاحبة بدل البعض والاشتمال ضميراً عائداً على المبدل منه. والصحيح عدم اشتراطه لكن وجوده أكثر من عدمه [64] .
وهكذا ذهب ابن عصفور [65] فقد ذكر أنه لا يأتي دون ضمير إلا قليلاً.
فمن شواهد الاستغناء. قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [66] فقد رأى ابن مالك وابن عصفور أن "من"بدل بعض من كل وقد خلا البدل من الرابط وهو الضمير.(32/222)
ومن شواهد بدل الاشتمال الخالي من الرابط قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} [67] وفي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... } آراء واتجاهات في "من"فقد ذهب أكثر النحاة إلى أن "من"بدل بعض من كل فتكون موصولة في موضع جر والعائد محذوف. والتقدير من استطاع إليه سبيلاً منهم. وذكر ابن عصفور أن الضمير قد حذف [68] للعلم به.
وقال الكسائي [69] : "من شرطية فتكون في موضع رفع بالابتداء. ويلزم حذف الضمير الرابط لهذه الجملة بما قبلها وحذف جواب الشرط إذ التقدير. من استطاع إليه سبيلاً منهم فعليه الحج، أو فعليه ذلك. فقد رأى أن حذف جواب الشرط لفهم المعنى أحسن من حذف الضمير من البدل". وقد استحسن ابن عصفور هذا الرأي. والوجه الأول أولى لقلة الحذف فيه وكثرته في هذا، لكن يناسب الشرط مجيء الشرط بعده في قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَر} .
وقيل: من موصولة في محل رفع على أنه فاعل بالمصدر الذي هو حج فيكون المصدر قد أضيف إلى المفعول ورفع به الفاعل.
وهذا القول ضعيف من جهة المعنى إذ لا يصح أن يكون المعنى أن الله أوجب [70] على الناس مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحج البيت المستطيع، ومتعلق الوجوب إنما هو المستطيع، لا الناس على العموم. ويلزم على هذا أن يأثم الناس جميعاً إذا لم يحج المستطيع.
وفي قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} رأى الكوفيون في هذه الآية أن الأصل ناره، ثم نابت أل عن الضمير. وسيأتي بحث ذلك في مكانه. ومما استدل به بعض النحاة على الاستغناء عن الرابط قوله تعالى: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ} [71] بالرفع فامرأتك بدل بعض من كل وقد خلا من الرابط، ومثله قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [72] في قراءة الجميع فالضالون بدل بعض من الضمير المستتر في يقنط ولم يؤت معه بضمير.(32/223)
وإنما لم يشترط هؤلاء الضمير في بدل البعض من حيث هو ضمير، وإنما اشترطوه من حيث هو رابط. فإذا وجد الربط بدونه حصل الغرض من غير وجوده وهنا الربط متحقق بدونه، وذلك لأن إلا وما بعدها من تمام الكلام الأول وإلا لإخراج الثاني من الأول فعلم أنه بعضه فحصل الربط بذلك ولم يحتج إلى الضمير [73] ، كما أن قوة تعلق المستثنى بالمستثنى منه تغنى عن الضمير كالباء [74] .
معمول الصفة المشبهة:
يشترط في معمول الصفة المشبهة أن يكون سببياً. أي إسماً ظاهراً متصلاً، بضمير يعود على الاسم السابق، وهذا الضمير هو الرابط مثل محمد جميل صوته فالضمير في صوته رابط يعود على محمد، ولو قلت: محمد جميل لكان في جميل ضمير يعود على محمد.
والرابط في معمول الصفة المشبهة لابد من وجوده مذكوراً كما سبق أن أشرت. وقد يكون محذوفاً مثل محمد جميل الصوت أي منه فالرابط ولم يكن موجوداً في اللفظ فهو محذوف. هذا رأي البصريين [75] وسيأتي في مكان لاحق رأي للكوفيين حول: عدم وجود الضمير لفظاً.
ثانياً: الربط بالاسم الظاهر
الأصلي أن الاسم الظاهر متى احتاج إلى إعادته في جملة واحدة كان الاختيار ذكر ضميره مثل القرآن قرأته وقد ظهر في بعض التراكيب العربية أن أعيد الاسم السابق بلفظه فحل محل الربط بالضمير والربط بالاسم الظاهر وقع في الجملة الخبرية وجملة الصلة والتوكيد.
أ - الجملة الخبرية:
سبق أن أشرت إلى أن الجملة الخبرية تربط في الأصل بالضمير، وقد يحل الظاهر محل الضمير فيكون رابطاً، وقد أجاز النحاة وسيبويه [76] وضع الظاهر موضع الضمير قياساً إن كان في معرض التفخيم والتعظيم مثل قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} [77] ، وقوله: {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} [78] فالحاقة مبتدأ، وما لحاقة جملة خبرية وقد ربط بينها وبين المبتدأ بإعادته بلفظه خبراً للمبتدأ الثاني.(32/224)
ولكي تكون الصورة مكتملة الجوانب نحو وضع الظاهر موضع الضمير ينبغي أن نشير إلى رأي سيبويه والأخفش إذا لم يكن الموقف موقف تفخيم أو تعظيم وما الرأي إذا لم يكن الظاهر بلفظ الأول؟.
هذا ما سنحاول تغطيته وإن كانت بعض الأمثلة ستخرج عن نطاق الربط في الجملة الخبرية فهذا من باب لزوم الشيء وإكماله فالإطار العام هو وضع الظاهر موضع الضمير أشار الرضى [79] إلى أن سيبويه [80] أجاز في غير موقف التفخيم أن يحل الظاهر محل المضمر بشرط أن يكون بلفظ الأول وهذا في الشعر فقط ضرورة قال الشاعر:
سواقطُ من حرٍّ وقد كان أظْهرا [81]
إذا الوحش ضم الوَحش في ظُلُلاتِها
ومثله قول الشاعر:
نغَّصَ الموتُ ذا الغنى والفقيرا [82]
لا أرى الموت يَسْبِقُ الموتَ شيء
وإن لم يكن الاسم الظاهر بلفظ الأول لم يجز عند سيبويه، وأجازه الأخفش [83] وإن لم يكن في الشعر. قال الشاعر:
حبالُ الهَوْينا بالفتى أن تقطعا [84]
إذا المرء لم يغش الكريهة أوْشَكَتْ
ففي هذا البيت حل الظاهر محل المضمر ولم يكن بلفظ الأول.
وأجاز الأخفش كذلك أن يقال زيد قام أبو طاهر إذا كان زيد يكنى بأبي طاهر. ومنع البعض كل ذلك في غير التفخيم ولا حجة لهم لوروده [85] .
ب - جملة الصلة:
مرة أخرى نعود إلى جملة الصلة ورابطها بعد أن ذكرنا أنها تربط في الأصل بالضمير نعود هنا مرة أخرى لنقول: إن الإسم الظاهر قد يخلف الضمير فيحل محله ويصبح الرابط هنا الإسم الظاهر. قال الشاعر:
وأنتَ الذي في رحمةِ الله أطمعُ [86]
فيا رَبَّ لَيْلَى أنْتَ في كلّ موْطِنٍ
فصلة الموصول وهي جملة أطمع في رحمة الله جاء العائد فيها الاسم الظاهر وهو لفظ الجلالة والأصل وأنت الذي في رحمتك.
ومثله:
سُعَادُ الذّي أضْنَاكَ حُبُّ سُعَادَا(32/225)
أي حبها، وحكى أنهم قالوا: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري. أي عنه [87] .
ومن الربط بالظاهر قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِه} [88] .
قال أبو على الفارسي وغيره من النحاة: "ما: اسم موصول مبتدأ، وصلتها آتيتكم، والعائد محذوف تقديره آتيتكموه، ثم جاءكم معطوف على الصلة والعائد منها على الموصول محذوف تقديره ثم جاءكم رسول به فحذف لدلالة المعنى عليه". وزعموا أن ذلك على مذهب سيبويه.
وأما مذهب الأخفش: "فإن الربط لهذه الجملة العارية من الضمير حصل بقوله لما معكم لأنه هو الموصول فكأنه قيل: ثم جاءكم رسول مصدق له فحصل الربط بالاسم الظاهر الذي حل محل الضمير، وخبر المبتدأ الذي هو ما الجملة من القسم المحذوف وجوابه لتؤمنن به، والضمير في به عائد على الموصول المبتدأ ولا يعود على رسول لئلا تخلو الجملة التي وقعت خبراً عن المبتدأ من رابط يربطها به [89] .
التوكيد بكل:
أشرت فيما مضى إلى أن لفظ "كل"من ألفاظ التوكيد المعنوي التي تربط بالضمير مثل حفظت القرآن كله، واذكر هنا أن ابن مالك ذكر في التسهيل [90] أنه قد يستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل الظاهر المؤكد بكل. فهنا يكون الرابط الاسم الظاهر، وحبل من ذلك قول كثير:
يا أشبه الناسِ كُلَّ الناسِ بالقمرِ [91]
كمْ قد ذكرتُكِ لو أُجْزى بذِكْركُمُ
فكل توكيد ولم تربط بالضمير وإنما حل محلة الاسم الظاهر.
وقد رد ذلك أبو حيان فجعل كلا ههنا ليست للتأكيد، وإنما هي نعت. وليس ذلك بشيء فالتي ينعت بها ما تدل على الكمال لا على عموم الأفراد.
ثالثاً: الربط بالمعنى(32/226)
أجمع النحاة على جواز إحلال الظاهر محل الضمير في الربط وذلك في مقام التفخيم والتعظيم بشرط أن يكون الاسم الظاهر بلفظ الأول كقوله تعالى: {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} .
وقد أجاز الأخفش في الجملة الخبرية أن يكون رابطها إعادة المبتدأ بالمعنى كما لم يستبعد ذلك ابن عصفور إلا أنه وصفه بأنه قليل جداً [92] .
وقد استدل الأخفش بقوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [93] فإن وما بعدها خبر لمن الأولى ولا ضمير في الجملة الخبرية يعود عليها فيكون الرابط عند الأخفش إعادة المبتدأ بمعناه إذ المعنى عنده فإن الله يضله [94] ، ومما استدل به الأخفش أيضاً قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا} فقوله: إنا لا نضيع إلى آخر الآية جملة في موضع رفع خبر إن الأولى وليس في جملة الخبر ضمير يعود على اسم إن، فالرابط إعادة المبتدأ بمعناه إذ التقدير عند الأخفش إنا لا نضيع أجرهم، ومثل هذه الآية الكريمة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين} ، فالذين: مبتدأ، وجملة إنا لا نضيع أجر المصلحين هي الخبر، والرابط إعادة المبتدأ بمعناه فإن المصلحين هم الذين يمسكون بالكتاب.
وهذا الذي استدل به الأخفش لا حجة له فيه:
أما قوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [95] فقد رأى ابن عصفور والزمخشري وأبو حيان أن الخبر محذوف، وقد حذف عند ابن عصفور [96] لدلالة ما تقدم عليه.(32/227)
وهو قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [97] فهو في التقدير: أفمن زين له سوء عمله فله عذاب شديد أما من آمن وعمل صالحاً فله مغفرة وأجر كبير فحذف لفهم المعنى.
وقيل الخبر محذوف تقديره كمن لم يزين له سوء عمله كقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [98] .
وقال الكسائي: "تقديره: ذهبت نفسك عليهم حسرات لدلالة قوله تعالى: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} "وقيل تقديره: كمن هداه الله لدلالة قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وإلى الرأيين الأخيرين ذهب الزجاج [99] ، وما ذهب إليه الأخفش في الآية الكريمة لم يشر إليه الزمخشري وأبو حيان.. وتأتي إلى الآية الثانية وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..} إلى آخر الآية كيف قدر النحاة خبر إن؟.
ذهب ابن عصفور [100] والزمخشري وأبو حيان- إلى أن الخبر قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّات} ، وما بين المبتدأ والخبر اعتراض.
أو الخبر هو من أحسن عملاً، والرابط محذوف والتقدير منهم.
ويحتمل أن تكون الجملتان خبرين لإن على مذهب من يقتضى المبتدأ خبرين فصاعداً من غير شرط أن يكونا في معنى خبر واحد [101] .
ونصل بعد ذلك إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ…} وهي الآية التي كثر تداولها في كتب النحو دليلاً للأخفش على جواز الربط بالمعنى، ذهب جمهور النحاة إلى أن الرابط في الآية هو العموم [102] الموجود في {الْمُصْلِحِينَ} لأن المصلحين أعم من المذكورين، وذكر أبو البقاء أن الرابط لجملة الخبر محذوف والتقدير منهم [103] ويمكن أن يكون الخبر محذوفاً والتقدير مأجورون.(32/228)
وأجاز الزمخشري [104] أن يكون والذين في موضع جر عطفاً على الذين يتقون، ولم يذكر ابن عطية غيره، والاستئناف هو الظاهر.
وبعد كل هذه المناقشات نستطيع أن نقول الربط في الجملة الخبرية بالمعنى قليل جداً.
رابعاً: الربط باسم الإشارة
وتربط الجملة الخبرية باسم الإشارة مثل قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [105] إذا قدر ذلك مبتدأ.
وقد خص بعض النحاة الربط باسم الإشارة يكون المبتدأ موصولاً أو موصوفاً والإشارة للبعيد، وهذا مردود بقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [106] .
واسم الإشارة: يشترط في الربط به أن يكون عائداً على المبتدأ فلو كان إسم الإشارة غير عائد على المبتدأ لا يصلح أن يكون رابطاً.
نقرأ قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [107] .
وكان للزمخشري رأي في الآية الكريمة، فقد أعرب الذي خلقكم صفة للمبتدأ، والخبر هل من شركائكم، وقوله من ذلكم هو الرابط لأن معناه من أفعاله، فقد جعل الزمخشري من ذلكم [108] رابطاً وهو غير عائد على المبتدأ وهذا شبيه بما أجازه الفراء من الربط بالمعنى وخالفه الناس وذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ} [109] قال الفراء: "التقدير يتربصن أزواجهم فقدر الضمير بمضاف إلى ضمير الذين فحصل به الربط"، كذلك قدر الزمخشري من ذلكم من أفعاله المضاف إلى الضمير العائد على المبتدأ.
والربط باسم الإشارة غير مطرد فلا يقال: محمد قام هذا، ولا المحمدون خرج أولئك ولكن المطرد في الربط هو الضمير فقط.
خامساً: الربط بالعموم
إن الربط بالعموم يقع في الخبرية وجملة الصفة.(32/229)
أ - الجملة الخبرية:
يقع الربط في الجملة الخبرية باشتمالها على اسم أعم منه مثل محمد نعم الرجل فالجملة الخبرية وهي نعم الرجل اشتملت على الرجل وهو أعم من محمد فوقع الربط بالعموم. ومنه قول الشاعر:
سبيلٌ فأما الصبرُ عنها فَلا صَبرا [110]
ألا ليتَ شعري هل إلى أًمِّ مَعْمَرٍ
فجملة "فلا صبرا"جملة خبرية ربطت بالمبتدأ بواسطة العموم المستفاد من لا النافية للجنس واسمها. وإذا كان الشاعر نفى أن يكون لأحد صبر عنها فصبره داخل فيها.
وهذا الربط غير مطرد فلا يجوز فلان مات الناس وفلان نعم الرجال [111] .
ب - جملة الصفة:
وقد وقع العموم رابطاً في جملة الصفة كما وقع في الجملة الخبرية. نقرأ قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ} [112] فكلمة {عَذَاباً} نكرة وصفت بجملة لا أعذبه. ورابط هذه الجملة الواقعة صفة لعذاب هو العموم الموجود في ضمير المصدر المؤكد ف {عَذَاباً} نكرة مشملة المصدر كما شمل اسم الجنس محمداً في مثل محمد نعم الرجل. ذكر ذلك أبو حيان [113] ولنقرأ ما قاله أبو البقاء حول الضمير الموجود في قوله تعالى: {لا أُعَذِّبُهُ} ، يقول أبو البقاء: "يجوز أن تكون االهاء للعذاب وفيه على هذا وجهان:
أحدهما: أن يكون حذف حرف الجر. أي لا أعذب به أحداً.
والثاني: أن يكون مفعولاً به على السعة. ويجوز أن يكون ضمير المصدر المؤكد كقولك ظننته زيداً منطلقاً ولا تكون هذه الهاء عائدة على العذاب الأول". ثم ذَكَرَ الرابط فقال: "إن الضمير لما كان واقعاً موقع المصدر والمصدر جنس وعذاباً نكرة كان الأول داخلاً في الثاني والثاني مشتمل على الأول فهو محمد نعم الرجل" [114] .
سادساً: الربط بالفاء
تقع الفاء رابطة في جملتين:
الأولى: الجملة الخبرية:(32/230)
قد تخلو الجملة الخبرية من رابط يعود على المبتدأ فيعطف عليها بالفاء جملة مشتملة على ضمير المبتدأ فعند ذلك يجوز في الجملة الأولى الخالية من الضمير أن تعرب خبراً مثل قول الشاعر:
فَيَبْدُو وتاراتٍ يجمُّ فيغْرَق [115]
وانسانُ عيني يحسِرُ الماء تارةً
فالإنسان: مبتدأ، وجملة يحسرُ الماء هي خبر المبتدأ ووقعت خالية من ضمير يعود على المبتدأ وهي جملة "تبدو"جار إعراب الجملة الأولى خبراً عن المبتدأ ويحتمل أن يكون الرابط في الجملة الخبرية ضميراً محذوفاً والتقدير يحسر الماء عنه. وقد يكون الأمر عكس ذلك بأن تكون الجملة الخبرية مشتملة على خطر المبتدأ فيعطف عليها بالفاء جملة خالية من الضمير مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [116] فجملة أنزل خبرية مشتملة على ضمير يعود إلى لفظ الجلالة، وجاز عطف جملة فتصبح الأرض مخضرة على الجملة الخبرية مع خلوها من الضمير بسبب العطف بالفاء [117] وهذه مما تختص به الفاء [118] .
الثانية: جملة جواب الشرط:
قد تقع جملة جواب الشرط طلبية أو اسمية أو فعلية فعلها جامد ... وجملة الجواب إذا كانت لا تصلح أن تكون شرطاً [119] . فوجب ربط الجواب بالشرط بواسطة الفاء وإلا صار الكلام منفصلاً مبتوراً إذا لجزم الحاصل به الربط مفقود. وخصت الفاء بربط الجواب بالشرط لما فيها من معنى السببية، ولمناسبتها للجزاء معنى [120] ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [121] .
سابعاً: الربط بإذا
جملة جواب الشرط.-(32/231)
أشرت فيما سبق إلى أن جملة جواب الشرط قد تربط بالفاء. هنا نقول يجوز أن تقع إذا رابطة لجملة الجواب خلفاً عن الفاء لأنها أشبهت الفاء في كونها لا يبدأ بها [122] كما أن إذا لا تقع إلا بعد ما هو معقب بما بعدها فقامت مقامها فوجودها يحصل به الإرتباط الموجود في الفاء.
وإنما تقع إذا رابطة إذا كانت أداة الشرط إن أو إذا والجواب جملة اسمية موجبة وغير مقرونة بأن التوكيدية. مثل قوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [123] . فجملة هم يقنطون جواب إن والرابط إذا ومثل ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [124] فجملة الجواب قد ربطت بإذا.
ثامناً: الربط بالفاء وإذا معاً
جملة جواب الشرط:
مرة ثالثة نعود إلى جملة الجواب بعد أن بينا أنها قد تربط بالفاء ثم تربط بإذا وفي هذه المرة نقول: يجوز أن يجمع في الربط بين الفاء وإذا تأكيداً [125] . فإذا جاءت الفاء مع إذا تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط مثل قوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [126] فجملة جواب الشرط قد ربطت بالفاء وإذا فتأكد وصل الجواب بالشرط [127] .
تاسعاً: الربط بالواو
تقع الواو رابطة في الجملة الخبرية، وجملة الحال.
أ - الجملة الخبرية:(32/232)
أشرت من قبل إلى أن الجملة الخبرية قد تخلو من الضمير فيجوز إعرابها خبراً عن المبتدأ إذا عطف عليها بالفاء جملة تشتمل على الضمير، وقد أجاز هشام الضرير وحده أن تشارك الواو الفاء في جواز العطف بها مثل زيد قامت [128] هند وأكرمها، فجملة قامت هند خالية من الضمير وإنما جاز إعرابها خبراً لأنه عطف عليها بالواو جملة مشتملة على الضمير. فأصبحت الواو عند هشام بمثابة الفاء، ولعل هشاماً أجاز ذلك تصوراً منه أن الواو للجمع مطلقاً، ولكن الواقع أن الواو للجمع في المفردات لا في الجمل بدليل جواز: هذان قائم وقاعد دون هذان يقوم وقعد [129] .
ب - جملة الحال:
الجملة الحالية في التراكيب العربية يختلف نوع الرابط فيها فتارة لا تربط إلا بالضمير فقط وقد مر ذلك قريباً. وقد تربط بالواو فقط وقد تربط بالاثنين وسيأتي.
وإنما جاز ربط الجملة الحالية بالواو دون الجملة الخبرية التي اكتفى فيها بالضمير لأن الحال يجيء فضلة بعد تمام الكلام فاحتيج في الأكثر إلى فضل ربط فصدرت الجملة التي أصلها الاستقلال بما هو موضوع للربط [130] . أعنى الواو. التي أصلها الجمع لتؤذن من أول الأمر أن الجملة لم تبق على الاستقلال، وأما الخبر والصلة والصفة فإنها لا تجيء بالواو لأن بالخبر يتم الكلام وبالصلة يتم جزء الكلام والصفة لتبعيتها للموصوف لفظاً وكونها لمعنى فيه كأنها من تمامه فاكتفى بالضمير [131] .
وجمل الحال التي يتعين ربطها بالواو جملتان:
الأولى: أن يفقد الضمير في جملة الحال فيحل محله الواو مثل: أنجبت المرأة وما حضر الزوج، فجملة وما حضر الزوج جملة حالية ربطت بالواو ولعدم وجود الضمير.
الثانية: قبل قد الداخلة على مضارع مثبت نحو قوله تعالى: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [132] فجملة قد تعلمون حال من الواو في {تُؤْذُونَنِي} [133] وجاء ربطها بالواو فقط.(32/233)
عاشراً:. الربط بالواو أو بالضمير أو بهما معاً
هذا النوع من أنواع الروابط يضم بعض الجمل الحالية وهذه الجمل هي:
أ - الجملة الاسمية:
إذا وقعت الجملة الاسمية حاليةً فقد تربط بالواو. مثل قوله تعالى: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [134] فالجملة الاسمية حال من الذئب أو من ضمير يوسف. وقد ارتبطت بالواو فقط. لأن الضمير لا يصلح لصاحب الحال وهو الذئب أو ضمير يوسف ومن الربط بالضمير فقط قوله تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} [135] فالجملة الاسمية حال من الضمير في اهبطوا، وجاء الربط بالضمير فقط وهو الكاف في بعضكم ومن ذلك قول الشاعر:
إلى جَعْفَرٍ سِرْبَالُه لم يُمزَّق [136]
ولولا حَنَانُ الليل ما آبَ عامرٌ
فجملة سرباله لم يمزق. جملة حالية من جعفر، وربطت بالضمير فقط وهو في كلمة: سرباله.
ومن الربط بالضمير والواو معاً. قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [137] فالجملة الاسمية حال من الواو في تجعلوا، وجاء الربط بالواو والضمير معاً.
ب - الجملة الفعلية المبدوءة بماض غير ما تقدم [138] : مثل: جاء محمد وقد أشرقت الشمس فجملة وقد أشرقت الشمس جملة حالية كان الربط فيها بالواو فقط، وقد يأتي الربط بالضمير فقط مثل قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [139] ومنه قول الشاعر:
مَعَارِفهَا والسارياتُ الهواطلُ [140] .
وقَفْتَ بربع الدَّارِ قد غَيرّ البلى
فجملة قد غير البلى معارفها جملة حالية ربطت بالضمير دون الواو وهذا قليل ومن الربط بالواو والضمير معاً قوله تعالى: {ومَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا} [141] ، فجملة وقد أخرجنا من ديارنا حال من الضمير في نقاتل. وقد جاء الربط بالواو والضمير معاً.(32/234)
جـ - الجملة الفعلية المصدرة بمضارع منفي بلم:
إذا كانت الجملة فعلية فعلها مضارع منفي بلم جاز الربط بالواو أو بالضمير أو بهما معاً. فمن الربط بالواو فقط قول الشاعر:
للحرب دائرة على ابني ضمْضَم [142]
ولقد خشيتُ بأن أموت ولم تكنْ
ومن الربط بالواو والضمير معاً قوله تعالى: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [143] فجملة ولم يوح إليه شيء جملة حالية من الضمير في قال وقد ربطت هذه الجملة بالواو والضمير معاً أي غير موحى إليه [144] .
ومنه قول الشاعر:
فَتَنَاولتْهُ واتّقتْنا باليدِ [145]
سقط النصيفُ ولم تُردْ إسقاطَهُ
فجملة (ولم ترد إسقاطه) جملة حالية فعلها مضارع منفي بلم وقد ربطت بالواو والضمير معاً وهكذا النفي بلما، ومنه قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ} [146] . فجملة ولما يعلم الله جملة حالية نفيت بلما وربطت بالواو. ورابط الجملة الحالية قد يحذف.
فجملة (ولم ترو إسقاطه) جملة حالية فعلها مضارع منفي بلم وقد ربطت بالواو والضمير معا وهكذا النفي بلما، ومنه قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ} . فجملة (ولما يعلم) الله جملة حالية نفيت بلما وربطت بالواو. ورابط الجملة الحالية قد يحذف قال الشاعر:
ورفيتُه بالغيب ما يدري [147]
نصفَ النهارُ الماء غامره
أراد بلغ النهار نصفه والماء غامر هذا الغائص لالتماس اللؤلؤ فحذف الرابط من الجملة الاسمية وهى الماء غامره. والرابط المحذوف هو الواو فالأصل. والماء غامره.(32/235)
ولو كانت الجملة الاسمية مشتملة على ضمير لا يجهل عند حذفه استغنى بالعلم به عن الواو كقولك: بعت اللحم الرطلُ بدرهم [148] أي الرطل منه. فحذف الضمير للعلم به وأغنى استحضاره في الذهن عن واو الحال وقد مثل سيبويه [149] بنحو من هذا ولم يشر عند إيراده إلى استقباح.
حادي عشر: الربط بأل
من الموضوعات التي شكلت خلافاً بين البصريين والكوفيين الربط بأل.
فهل تقع أل رابطة في التراكيب العربية أم أنها لم ترد في اللغة رابطة؟ فمن مسائل الصفة المشبهة الحسن الوجه برفع المعمول، وجميل الصوت برفعه ولما كان معول الصفة المشبهة لابد وأن يكون سببياً متصلاً بالضمير فقد جعل الكوفيون وبعض البصريين "أل"رابطة نائبة [150] عن الضمير في الأمثلة السابقة وما يشبهها، وفي قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [151] في هذه الآية الكريمة جعل الكوفيون "آل"في {الْمَأْوَى} رابطة [152] نائبة عن الضمير.
وقد جعل البصريون الرابط في ذلك هو الضمير المحذوف ولم يرتضوا أن تكون أل رابطة فقدروا في الأمثلة السابقة الحسن الوجه منه، وفي الآية المأوى له ... وللزمخشري في الآية الكريمة رأي يكاد يكون غريباً، فقد قال: "إن المعنى في الآية أن الجحيم مأواه كما تقول للرجل: غض الطرف أي طرفك، وليست الألف واللام بدلاً من الإضافة. ولكن لما علم أن الطاغي هو صاحب المأوى وأنه لا يغض الرجل طرف غيره تركت الإضافة ودخول أل في المأوى والطرف للتعريف" [153] .(32/236)
وكلام الزمخشري لا يتحصل منه الرابط العائد على المبتدأ، إذ قد نفى مذهب الكوفيين، ولم يقدر ضميراً محذوفاً كما قدره البصريون فرام حصول الرابط بلا رابط [154] ومما استدل به الكوفيون قول المرأة: زوجي: المس [155] مس أرنب والريح ريح زرنب فقالوا: الأصل مسه مس أرنب، وريحه ريح زرنب فنابت أل مناب الضمير، والبصريون يقدرون المس منه.
ومثله عند الكوفيين قول الشاعر:
عَوَازِبُ نخْلٍ أخْطَأ الفار مُطْنِفُ [156]
كأن حَفِيفَ النَّبْلِ من فوقِ عَجهَا
وقد رد البصريون كل ما أوردوه الكوفيون وذلك بتقرير الضمير الذي جعلوه في كل هذه الأمثلة هو الرابط إذ إبدال اللام من الضمير فيما يشترط فيه الضمير قبيح. والحرف لا يكون عوضاً عن الإسم [157] ، ولو صح ما ذهب إليه الكوفيون لساغ لنا أن نقول: محمد الأب [158] قائم، بدلاً من أبوه قائم، ولم يقل بذلك أحد. بالإضافة إلى أنه قد ورد التصريح بالضمير مع أل كقول الشاعر:
بِجَسِّ الندامى بقَّةُ المتجِّردِ [159]
رحيبٌ قِطَابُ الجيبِ منها رقيقةٌ
فقد جمع الشاعر بين أل والضمير في قوله: الجيب منها.
ثاني عشر: رابط من نوع آخر
هذا الرابط بفروعه يخص باب التنازع. فمعلوم أن التنازع هو عبارة عن تقدم عاملين [160] على معمول واحد كل من العاملين يطلب هذا المعمول من جهة المعنى. فهذان العاملان لابد من الربط بينهما لتتم الصلة المحددة للمعنى. ودون هذا الربط يصبح العاملان منقطعين فلا تتضح معالم الفكرة التي عناها المتكلم. لذلك عندما وقف بعض العوام في الآية الكريمة: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَة} [161] وقف على قوله تعالى: يستفتونك كان هذا الوقف غير جائز لأن جملتي الأعمال متشبثة إحداهما بالأخرى فوجب الربط [162] بين عاملي التنازع بأحد الأشياء الآتية:
أ - العمل:(32/237)
يربط بين العاملين المتنازعين يكون الأول قد عمل في الثاني نحو قوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً} [163] فالجن يخاطب بعضه بعضاً وظنوا وظننتم كل منهما يطلب {أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً} فأعمل الثاني على الأرجح عند البصريين وهذا التنازع قد ربط بين جملتي الأعمال أن إحداهما وهي جملة كما ظننتم معمولة للجملة الأولى وهي {ظَنُّوا} [164] .
ب - الخبر:
يقع الربط بين العاملين المتنازعين بوقوعهما خبراً عن المبتدأ مثل: محمد زائر مكرم أخاه، فأخاه مطلوب لزائر وملزم فالمسألة من باب التنازع وقد ربط بين العاملين المتنازعين أنهما خبران [165] عن المبتدأ فزائر خبر ومكرم خبر ثانٍ فكأنهما شيء واحد.
جـ - العطف:
قد يرْبطُ بين العاملين المتنازعين عاطف بعطف أحدهما على الآخر فيحصل بسبب حرف مزج وترابط بين العاملين فلا يُتصوَّرُ أنهما منقطعان مثل صلى وصام المسلمون فالمسلمون مطلوب من جهة المعنى لصلى وصام. وقد أعمل الثاني على الأرجح فالمسألة من باب التنازع وقد تم الربط بينهما بحرف العطف [166] .
د - الجواب:
يربط بين العاملين المتنازعين يكون الثاني جواباً للثاني كجواب الشرط أو جواباً لاستفسار..
فالأول: نحو قوله تعالى: {تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ} [167] ، فرسول الله يطلبه عاملان، تعالوا، ويستغفر. فأعمل الثاني على المختار عند أهل البصرة.
وقد ربط بين العاملين يكون الثاني جواباً للأمر، أو جواباً لشرط محذوف [168] على ما هو معروف ومنه قوله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} [169] فقطراً منصوب بأفرغ على إعمال الثاني إذ ينازعه ائتوني، وأفرغ مجزوم في جواب الأمر [170] .
والثاني: وهو أن الارتباط وقع يكون الثاني جواباً لاستفسار.(32/238)
نقرأ قول الله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [171] فالجار والمجرور وهو قوله في الكلالة مطلوب ليستفتونك وليفتيكم فأعمل الثاني على المذهب المختار وقد ربط بينهما أن الثاني جواب معنوي للاستفسار في قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ} [172] .
هـ - العموم والخصوص:
وأما قوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [173] . فهاؤم إن كان مدلولها خذ فهي متسلطة على كتابيه بغير واسطة، وإن كان مدلولها تعالوا فهي متعدية إليه بواسطة إلى، وكتابيه مطلوب لهاؤم واقرأوا. فالبصريون يعملون {اقْرَأوا} ، والكوفيون يعملون {هَاؤُمُ} وبين العاملين المتنازعين علاقة وارتباط بالعموم [174] والخصوص. إذ طلب أخذ الكتاب أعم من قراءته.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ابن يعيش: (شرح المفصل جـ 1 ص 91) .
[2] الآية رقم 67 من سورة الأنفال.
[3] الآية رقم 80 من سورة النساء
[4] الآية رقم 132 من سورة الأعراف.
[5] الآية رقم 115 من سورة المائدة.
[6] الآية رقم 10 من سورة الحديد وقراءة الرفع هي قراءة ابن عامر- البحر المحيط جـ 8/218.
[7] الرضى: شرح الكافية جـ 1 ص 92.
[8] شرح شواهد المفتي 2/ 544 وهو مطلع أرجوزة لأبي النجم العجلي وأم الخيار زوجة أبى النجم وهو في أمالي الشجري 1/7، 80، 293 والكتاب 1/ 44 والخزانة 1/173 وفي البيت شواهد أخرى لا محال لذكرها في هذا البحث.
[9] التصريح على التوضيح جـ 1 ص 163.
الصبان جـ 1 ص 195.(32/239)
[10] في حاشية الصبان. قال الناظم في شرح التسهيل:"الجملة المتحدة بالمبتدأ معنى كل جملة مخبر بها عن مفرد يدل على جملة كحديث وكلام ومنه ضمير الشأن وإذا كانت الجملة الخبرية نفس المبتدأ في المعنى اكتفى بها عن الربط والمعنى أنه لا ضمير فيها لا أنه مستغنى عنه مع مكان الإتيان به مثل أفضل ما قلته: أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله ". حاشية الصبان جـ 1 ص197 تسهيل الفوائد ص 48.
[11] حاشية الصبان- جـ 1 ص 199 0 التصريح جـ 1 ص 166.
[12] الآية رقم 16 من سورة محمد، وفي الآية الكريمة جاء عائد الموصول في يستمع مفرداً مراعاة للفظ، وبعدها خرجوا، جاء الضمير جمعاً مراعاة للمعنى أبو حيان: البحر المحيط جـ 8 ص 79.
[13] الآية رقم 42 من سورة يونس. فالضمير في يستمعون عائد على معنى من ومراعاة المعنى أقل من مراعاة اللفظ. وهو كقوله تعالى- {ومن الشياطين من يغوصون له} ومن مراعاة اللفظ وهو الأكثر قوله تعالى: {ومنهم من ينظر إليك} . فالعائد مفرد مذكر المصدر السابق جـ 5 ص 161.
[14] البيت للفرزدق من قصيدة يخاطب بها الذئب الذي أتاه وهو نازل في بعض أسفاره في بادية. كان الفرزدق قد أخذ شاة ثم أعجله المسير فسار بها فجاء الذئب فحركها وهي مربوطة على بعير فأبصر الفرزدق الذئب وهو ينهشها فقطع رجل الشاة فرمى بها إليه فأخذها وتنحى. ثم عاد فقطع له اليد فرمى بها إليه. فلما أصبح القوم خبرهم الفرزدق بما كان.
تعش: أمر قوله: لا تخونني قيل انه الجواب. والحق أن يكون الجواب نكن مثل.. ويكون لا تخونني جواب القسم الذي تضمنه عاهدتني.
وقد استشهد به النحاة على أن عائد الموصول وقع مثنى في قوله يصطحبان مراعاة للمعنى ورواية الديوان: تعش فإن واثقتنى.
ورواية سيبويه: تعال..
سيبويه: الكتاب جـ 2 ص 416.
الصبان جـ 1 ص 153.
الديوان- القاهرة ص 870.(32/240)
[15] الآية رقم 13 من سورة النساء.
[16] البحر المحيط جـ 3 ص 191، والتصريح جـ 1 ص 140.
[17] التصريح جـ 1 ص 141، الهمع: جـ 1 ص 87.
[18] حاشية الصبان جـ 1 ص 164.
[19] الآية رقم 3، 4 من سورة العاديات.
[20] الآية رقم 18 من سورة الحديد.
[21] الآية رقم 6 من سورة المدثر. وتخريج الجملة حالاً على قراءة الرفع وقرأ الحسن تستكثر بالسكون على الإبدال من تمنن كأنه قيل: ولا تمنع لا تستكثر وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار أن كقول الشاعر: ألا أيها الزاجري أحضر الوغى. وتؤيده قراءة ابن مسعود: ولا تمنن أن تستكثر.
ويجوز في الرفع أن تحذف أن ويبطل عملها كما روى أحضر الوغى بالرفع، الزمخشرى: الكشاف جـ 3 ص 285.
[22] الآية رقم 4 من سورة الأعراف.
فجاءها. أي فجاء أهلها. بياتاً: مصدر واقع موقع الحال بمعنى بائتين، وقوله: أوهم قائلون جملة حالية معطوفة على بياتاً. فكأنه قيل: فجاءهم بأسنا بائتين أو قائلين من القيلولة المصدر السابق جـ 1 ص 539، التصريح جـ 1ص391.
[23] الآية رقم 2 من سورة البقرة.
لا ريب: المختار أن يكون ذلك الكتاب جملة مستقلة لأنه متى أمكن حمل الكلام على الاستقلال دون إضمار ولا افتقار كان أولى. ولا ريب: جملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب أو في موضع نصب على الحال. أي مبرأ من الريب، والمختار أن خبر لا محذوف للعلم به إذ هي لغة تميم إذا علم لا يلفظ به، ولغة الحجاز كثرة حذفه واختار الزمخشري. أن فيه خبراً للا. فالحملة أخبرت أن المشار إليه هدا الكتاب الكامل كما تقول محمد الرجل أي الكامل في الأوصاف. والثانية نفت أن يكون فيه شيء من الريب والثالثة أخبرت أن فيه الهدى للمتقين.
الزمحشري الكشاف 1/88، أبو حيان: البحر المحيط 1 ص 33؟.
[24] الآية رقم 11من سورة الحجر.(32/241)
[25] الآية رقم 84 من سورة المائدة، فجملة نؤمن بالله حال من الضمير المجرور باللام ولم تقترن بالواو لأن المضارع المنفى بلا بمنزلة اسم الفاعل المضاف إليه غير فأجرى مجراه ألا ترى أن معناه مالنا غير مؤمنين فلما لا يقال ما لنا وغير مؤمنين، لا يقال مالنا ولا نؤمن.
مالنا: ما: استفهامية، ولنا في موضع الخبر، ولا نؤمن: جملة حالية ربطت بالضمير في نؤمن، والتقدير غير مؤمنين. البحر المحيط: جـ 4 ص 7.
[26] الآية رقم 20 من سورة النحل.
[27] الآية رقم 25 من سورة الصافات
[28] البيت أنشده ابن مالك في شرح التسهيل ولم ينسبه.
عهدتك: عرفتك. تصبو: من الصبوة. وهى الميل إلى النساء. شبيبة: هي الفترة التي يكون فيها الإنسان موفور القوة. صباً: وصف من الصبابة وهي رقه الهوى والعشق. متيماً. اسم مفعول من تيمه العشق إذا استعبده وأذله.
ابن هشام: أوضح المسالك جـ2 ص 104، التصريح جـ 1 ص 392 الصبان جـ2 ص 189.
[29] الآية رقم 89 من سورة يونس وراجع: الكشاف جـ 2 ص 85. البحر المحيط جـ 5 ص 188.
[30] ابن مالك: شرح الكافية الشافية ص 762.
[31] التصريح جـ 1 ص0392 الصبان جـ 2 ص 189.
[32] الآية رقم 84 من سورة المائدة. وراجع البحر المحيط جـ 4 ص 7.
[33] أبو البقاء جـ 2 ص 33.
[34] الآية رقم 83 من سورة البقرة.
[35] الآية رقم 79 من سورة القصص.
[36] التصريح جـ 1ص 388.
[37] ابن يعيش: شرح المفصل جـ 3 ص 52.
[38] الرضى: شرح الكافية جـ 1ص 308.
[39] الآية رقم 281 من سورة البقرة.(32/242)
[40] البيت ضمن أبيات لثابت بن قطنة رثى بها يزيد بن المهلب. وإنما قيل له ثابت قطنة لأن عينه أصيبت في بعض معارك الترك. فكان يجعل عليها قطنة. وقد أورده ابن هشام شاهداً على أن إن بمعنى إذ ونقل ابن السيد البطليوسي فيما كتبه على الكامل قول المبرد: هكذا أنشده النحويون: رب قتل عار على إضمار هو عار وأنشد فيه المازني. وبعض قتل عار. وقد استدل الأخفش والكوفيون على اسمية رب بهذا البيت جعلها مبتدأ خبره عار، والجمهور على أن رب حرف جر شبيه بالزائد، وقيل المجرور في موضع رفع مبتدأ، وعار خبر لمحذوف أي هو عار، والجملة صفة لقتل، ومن جعل رب حرف جر زائد لا يتعلق بشيء. قال: قتل مبتدأ، وعار خبر، وما في رب من معنى التكثير هو المخصص للابتداء.
المبرد: المقتضب. جـ 3 ص 66.
الجاحظ: البيان والتبين: جـ 1 ص 293.
ابن السيد: إصلاح الخلل الواقع في الجمل ص 380.
[41] الآية رقم 123 من سورة البقرة.
[42] التصريح جـ 2 ص 111.
[43] الآية رقم 80 من سورة النساء.
[44] الآية رقم 132 من سورة الأعراف.
[45] الآية رقم 115 من سورة المائدة.
[46] الآية رقم 197 من سورة البقرة.
[47] الآية رقم 20 من سورة المزمل.
[48] الآية رقم 106 من سورة البقرة.
[49] الآية رقم 215 من سورة البقرة.
[50] الصبان جـ 2 ص 71 التصريح جـ 1ص 296.
[51] الآية رقم 48 من سورة غافر.
[52] الآية رقم 29 من سورة البقرة.
وفي البحر:وانتصب جميعاً على الحال من المخلوق وهي حال مؤكدة.لأن لفظه "ما"في الأرض تفيد العموم، ومعنى جميعاً العموم فهي مرادف من حيث المعنى للفظ كل. كأنه قيل ما في الأرض كله ولا تدل على الاجتماع في الزمان. وهذا الفرق بين معاً وجميعاً. أبو حيان:البحر المحيط جـ 1 ص134
[53] التسهيل 164.
[54] الزمخشري: الكشاف جـ 3 ص 56.(32/243)
[55] أبو حيان: البحر المحيط جـ 7 ص 469.
[56] الآية رقم 67 من سورة الزمر.
[57] أبو حيان: البحر المحيط جـ 7 ص 469
[58] الآية رقم 114 من سورة المائدة.
[59] ابن هشام: المغني ص 564.
[60] الصبان جـ 3 ص 76.
[61] حاشية الصبان جـ 3 ص 124.
[62] الآية رقم 71 من سورة المائدة.
[63] الآية رقم 217 من سورة البقرة.
[64] ابن مالك: الكافية الشافية ص 1279.
التسهيل ص 172. حاشية الصبان جـ 3 ص 124.
[65] ابن عصفور: شرح الحمل جـ 1 ص 285.
[66] الآية رقم 97 من سورة آل عمران.
[67] الآية رقم 4، 5 من سورة البروج.
قرأ الجمهور النار بالجر وهو بدل اشتمال. أو بدل كل من كل. أي أخدود النار وقرأ قوم النار بالرفع. الأخفش: معاني القرآن. الكويت جـ 2 ص 535.
أبو حيان: البحر المحيط جـ 8 ص 451.
[68] ابن عصفور: شرح الجمل. بغداد جـ 1 ص 285.
[69] المصدر السابق جـ1 ص 285.
[70] نفس المصدر، ويراجع البحر المحيط جـ 2 ص 11.
[71] الآية رقم 81 من سورة هود.
إلا امرأتك بالرفع والنصب. فالنصب استثناء من قولك بأهلك. والدليل عليه قراءة عبد الله: {فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك} . ويجوز أن ينصب عن "لا يلتفت "على أصل الاستثناء. وإن كان الفصيح البدل أي على قراءة الرفع. وهي قراءة ابن كثير وأبى عمرو. الزمخشري: الكشاف جـ 2 ص 109.
[72] الآية رقم 56 من سورة الحجر.
[73] التصريح على التوضيح جـ 1 ص 350.
[74] المصدر السابق جـ 2 ص 56.
[75] سيبويه: الكتاب. هارون جـ 1 ص 194 0 الرضى: شرح الكافية جـ 2 ص 211. التصريح جـ 2 ص 83.
[76] سيبويه: الكتاب جـ 1 ص 63.
الرضى: شرح الكافِية جـ ص 92.
[77] الآية رقم 1، 2 من سورة الحاقة، وراجع البحر المحيط جـ 8 ص320.(32/244)
[78] الآية رقم 1، 2 مر سورة القارعة
[79] الرضى:شرح الكافية جـ 1 ص 92.
[80] سيبويه: الكتاب جـ 1 ص 62.
[81] البيت نسبه سيبويه للنابغة الجعدي ولم يرد في قصيدته من جمهرة أشعار العرب 145-148 وهكذا نسبه صاحب اللسان الظللات: وهذه جمع ظلة وهو ما يستظل به، فك الإدغام وحركة تحريك غير المضعف كما في ظلمات وغرفات، أو تكون جمع ظلل. وهذه جمع ظليل كحديد وجود فهو جمع الجمع
وسواقط الحر: ما يسقط منه. أظهر: صار في وقت الظهيرة والشاعر يصف سيره في الهاجرة في الوقت الذي تسكن فيه الوحش من الحر والشاهد فيه إعادة الظاهر موضع الضمير وفيه قبح فلا يكاد يجوز إلا في الضرورة.
سيبويه: الكتاب. هارون جـ 1 ص 62.
ابن منظور: لسان العرب سقط.
[82] نسبة سيبويه لسواد بن عدي، وفي الخزانة "سواده بن عدي"ويروي أيضاً لأبيه عدي بن زيد كما يروي لأمية بن أبي الصلت. وشاهده كالبيت السابق.
سيبويه: الكتاب جـ 1ص 62.
الزمخشري: خزانة الأدب جـ 1 ص 183.
السيوطي: شرح شواهد المغني 296.
[83] الرضى: شرح الكافية جـ 1ص 92.
[84] البيت: للكلحية العرينى.
لم يغش من الغشيان. وهو الإثيان.والكريهة: الحرب. وقيل. شدتها وقيل النازلة، وأوشكت: قاربت ودنت. والحبال جمع حبل بمعنى السبب استعير. لكل شيء وصل به إلى أمر من الأمور الهوينى: السكون والخفض، وعدها ابن دريد من الكلمات التي تستعمل مصغره فقط.
ابن جنى: الخصائص: جـ 3 ص 53.
البغدادي: خزانة الأدب في جـ 1 ص 186.
[85] الرضى: شرح الكافية جـ 1 ص 92.
[86] البيت لمجنون بني عامر. حاشية الصبان جـ 1ص 162.
[87] السيوطى: همع الهوامع جـ 1 ص 87.
[88] الآية رقم 81 من سورة آل عمران.
[89] أبو حيان: البحر المحيط جـ 2 ص 511.
الصبان جـ 1ص 162.
[90] ابن مالك: تسهيل الفوائد ص 164.(32/245)
[91] البيت استشهد به النحاة على إضافة كل إلى اسم ظاهر حاشية الصبان جـ 3 ص 75.
[92] ابن عصفور: شرح الجمل جـ 1 ص 346.
[93] الآية رقم 8 من سورة فاطر.
[94] ابن عصفور: شرح الجمل جـ 1 ص 345
[95] الآية رقم 170 من سورة الأعراف.
[96] ابن عصفور: شرح الجمل جـ1 ص 346.
[97] الآية رقم 7 من سورة فاطر.
[98] الآية رقم 14 من سورة محمد
[99] الزمخشري: الكشاف جـ 2 ص 571.
أبو حيان: البحر المحيط جـ 7 ص300
[100] ابن عصفور: شرح الجمل جـ 1 ص 346.
الزمخشري: الكشاف جـ 2 ص 258.
أبو حيان. البحر المحيط جـ 6 ص 121.
[101] أبو حيان: البحر المحيط جـ 6 ص 122.
[102] أبو حيان: البحر المحيط جـ 4 ص 418.
السيوطي: همع الهوامع جـ 1 ص 98
[103] أبو البقاء: جـ 1 ص 288.
الزركشي: البرهان في علوم القرآن جـ 4 ص 418.
[104] الزمخشري: الكشاف جـ 1 ص 586.
[105] الآية رقم 26 من سورة الأعراف.
[106] الآية رقم 36 من سورة الإسراء.
[107] الآية رقم 40 من سورة الروم.
[108] الزمخشري: الكشاف جـ 1ص 510.
أبو حيان: البحر المحيط جـ 7 ص 175.
[109] الآية رقم 240 من سورة البقرة.
[110] البيت لابن ميادة، واسمه الرماح. وهذا البيت من قصيدة يتشبب فيها بأم جحدر بنت حسان إحدى نساء بنى خزيمة. ويروى البيت أم مالك، ورواية سيبويه: أم معمر. والصواب أم جحدر وهي صاحبته وكذا ورد في الديوان، وفي شرح الشواهد للسيرافي إلى أم معقل.
وقد استشهد به النحاة على سد العموم مسد الضمير الراجع إلى المبتدأ سيبويه: الكتاب جـ 1ص 386.
ابن الشجري: الأمالى جـ 1ص 286.
شعر ابن ميادة: دمشق 134.
[111] التصريح جـ 1 ص 164.
[112] الآية رقم 115 من سورة المائدة.
[113] أبو حيان: البحر المحيط جـ 4 ص 57.(32/246)
[114] أبو البقاء جـ 1 ص 233.
[115] البيت لذي الرمة.
يحسر: يكشف. يجم: يكثر.
جملة يبدو خير بعد خبر وفيه الشاهد حيث وقعت الجملتان خبراً ولا رابط إلا في الجملة الأخيرة فجاز لأن العطف وقع بالفاء التي هي للسببية فنزلتا منزلة الشرط والجزاء فاكتفى لضمير واحد كما يكتفي في جملة الشرط والجزاء.
ابن هشام. المغنى ص 554.
الصبان جـ 1 ص 196، جـ 3 ص 96.
الديوان: بيروت جـ 1 ص 460.
[116] الآية رقم 63 من سورة الحج، البحر المحيط جـ 6 ص386.
[117] المغنى ص 554.
الصبان جـ 1 ص 196، جـ 3 ص 96.
[118] آثرت أن أحدد الجملة الخبرية في هذا الصدد لأنها أكثر استعمالاً وقد وقعت في القرآن الكريم لأن الربط بالفاء قد وقع في الجملة الصلة والصفة ولكنها عبارات نادرة تتسم بركة اللفظ وقلة الاستعمال.
[119] الصبان جـ 4 ص 21.
[120] التصريح جـ 2 ص 250.
[121] الآية رقم 31 من سورة آل عمران.
[122] حاشية الصبان جـ 7 ص23.
التصريح جـ 2 ص 251.
[123] الآية رقم 36 من سورة الروم.
وراجع البحر المحيط جـ 7 ص 174.
[124] الآية رقم 25 من سورة الروم.
[125] التصريح جـ 2 ص 451.
[126] الآية رقم 97 من سورة الأنبياء.
[127] الزمخشري: الكشاف جـ 2 ص 337.
أبو حيان: البحر المحيط جـ 6ص 339.
التصريح جـ 2 ص 251.
[128] ابن هشام: مغنى اللبيب جـ 555.
الصبان جـ 1 ص 197.
السيوطى: الأشباه والنظائر جـ 1 ص 48.
[129] ابن هشام: المغنى ص 555.
[130] الرضى: شرح الكافية جـ 1 ص 211.
[131] المصدر السابق جـ 1ص 211.(32/247)
[132] الآية رقم 5 من سورة الصف، والمضارع في الآية الكريمة معناه الماضي أي قد علمتم كقوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه} . أي قد علم. ومثله قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} . وعبر عنه بالمضارع ليدل على استحضار الفعل.
أبو حيان: البحر المحيط جـ 8 ص 262.
[133] التصريح جـ 1 ص 391.
[134] الآية رقم 14 من سورة يوسف.
[135] الآية رقم 36 من سورة البقرة، ويراجع التصريح جـ 1ص 391.
[136] البيت لسلامة بن جندل. وأنشده الفارسي:
إلى عامر سرباله لم يمزق
ولولا جنان الليل ما آل جعفر
الصبان جـ 2 ص 190.
[137] الآية رقم 22 من سورة البقرة، ويراجع البحر المحيط جـ 1 ص 100.
[138] غير ما تقدم: يقصد الجملة الفعلية المصدرة بماض تال إلا والمصدرة بماض متلو بأو فإن هذين النوعين لا يكون الرابط فيهما إلا الضمير.
[139] الآية رقم 90 من سورة النساء.
قرئ حصرة على وزن نبقة بالرفع خبر مقدم أي صدورهم حصرة وهى جملة اسمية في موضع الحال، وقرئ حصرات وحاصرات، فأما قراءة الجمهور فالفعل في موضع الحال فمن شرط دخول قد على الماضي إذا وقع حالاً زعم أنها مقدرة، ومن لم ير ذلك لم يحتج إلى تقديرها فقد جاء منه مالا يحصى بغير قد ويؤيد كونه في موضع الحال قراءة من قرأ اسماً منصوباً، وعن المبرد قولان أحدهما أن هذا اسماً محذوفاً والفعل صفة له. أي جاءوكم قوماً حصرت صدورهم، والآخر أنه دعاء فالجملة لا محل لها من الإعراب.
وأجاز أبو البقاء. أن يكون حصرت في موضع الجر صفة لقوم في الآية وأو جاءوكم معترضى يدل عليه قراءة من أسقط أو. كما أجاز أن تكون جملة حصرت بدل من جاءوكم بدل اشتمال لأن المجيء مشتمل على الحصر وغيره. وقال الزجاج:"حصرت صدورهم: خبر بعد خبر ".
أبو البقاء: جـ1 ص 189.
البحر المحيط جـ 3 ص 317.(32/248)
[140] البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يرثى بها النعمان بن الحارث الغساني والبلا: من بلى الثوب إذا خلق. ويروى معالمها. والساريات: جمع سارية وهى السحابة التي تأتى ليلاً والهواطل: جمع هاطلة، وهو تتابع المطر. ورواية الديوان معارفها.
والشاهد في "قد غير البلى"حيث وقعت الجملة حالاً والفعل ماض مقرون بقد دون الواو وهو قليل بالنسبة لمجيئه بها.
أشعار الشعراء الستة الجاهليين. بيروت جـ1 ص 242.
حاشية الصبان جـ1 ص.19.
[141] الآية رقم 246 من سورة البقرة.
قرئ أخرجنا مبيناً للمفعول. وأخرجنا مبيناً للفاعل. أي أخرجنا العدو أو أخرجنا الله بعصياننا فنحن نموت ونقاتل في سبيله ليردنا إلى أوطاننا ويجمع بيننا وبين أبنائنا.
أبو حيان: البحر المحيط جـ 2 ص 256.
[142] البيت لعنترة من قصيدته المشهورة: هل غادر الشعراء من متردم أبنا ضمضم: هما هرم وحضين أبنا ضمضم المرى قتلهما ورد بن حابس العبسى وكان عنترة قتل أباهما ضمضماً فكانا يتوعدانه.
ورواية الديوان ولم تدر للحرب.
ويروى الشطر الثاني: جزرا لخامعة ونسر قشعم.
وكذا رواه الأعلم. والجزر: بفتح الجيم والزاي معجمة: اللحم الذي تأكله السباع، والخامعة: الضبع. والقشعم من النسور والرجال: المسن.
والشاهد: ولم تكن. حيث وقع المضارع المنفي بلم حالاً مقرونة بالواو. أشعار الشعراء الستة الجاهليين. بيروت جـ2 ص 123.
حاشية الصبان جـ2 ص 191.
[143] الآية رقم 93 من سورة الأنعام.
[144] البحر المحيط جـ 4 ص 180.
[145] البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يصف فيها المتجردة زوج النعمان به المنذر.
النصيف: هو الخمار الذي تتخمر به المرأة. أي سقط نصيفها. أي نصيف تلك المرأة المعهودة.
أشعار الشعراء الستة الجاهليين. جـ 1 ص230. حاشية الصبان جـ 2 ص 191.(32/249)
[146] الآية رقم 142 من سورة آل عمران ويراجع البحر المحيط جـ 3 ص 66.
[147] البيت لأعشى ميمون من قصيدة مدح بها قيس بن معد يكرب الكندي، وقد ذكر البغدادي في الخزانة أبياتاً من هذه القصيدة التي لم ترد في ديوان الأعشى المطبوع. لأنه من رواية ثعلب. وهذه القصيدة من رواية أبى عبيدة، وابن دريد. وقد نسبت البيت البطليوسى في الاقتضاب إلى المسيب بن على خال الأعشى تبعاً للأصمعي الذي أثبت القصيدة له.
نصف النهار: إن كان النهار منصوباً فهو مفعول به والفاعل هو الضمير الذي يعود إلى الغائص وتكون جملة الماء غامرة حال من الغائص والضمير موجود ولا حذف. قال صاحب المفتاح: نصفت الشيء نصفاً بلغت نصفه وأما على رواية رفع النهار بالفاعلية. فجملة الماء غامرة حال من النهار وقد خلت من الرابط لأن الضمير في غامرة لا يعود إلى النهار وإنما يعود إلى الغائص. وعلى ذلك يقدر الرابط محذوفاً بالواو أي والماء غامره.
ابن مالك: شرح الكافية الشافية جـ 2 ص 760.
البغدادي: خزانة الأدب جـ اص 542.
[148] ابن مالك: شرح الكافية الشافية جـ 1 ص 761.
[149] سيبويه: الكتاب. هارون جـ 1 ص 197.
[150] حاشية الصبان جـ 3 ص 5.
[151] الآية رقم 40، 41 من سورة النازعات.
[152] ابن يعيش: شرح المفصلي جـ 6 ص 89.
ابن هشام: المغنى ص 555.
[153] الزمخشري: الكشاف جـ 3 ص 311.
[154] أبو حيان: البحر المحيط جـ 8 ص 423.
[155] حاشية الصبان جـ 1 ص 195.
والحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت:"جلست احدي عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً فقالت الأولى: زوجي....
ثم قالت الثامنة زوجي المسى مس أرنب والريح ريح زرنب ". الحديث.(32/250)
فتح الباري جـ1 ص 254، كتاب النكاح. باب حسن المعاشرة مع الأهل. والمعنى أنه حسن الخلق. طيب العرق لكثرة نظافته واستعماله الطيب. راجع جـ1 ص 265.
[156] قاله الشنفري: عمرو بن براق.
حفيف النبل. دون ذهابه، ومن فوق عجها. حال من النبل. أي فوق مقبض القوس. وعوازب نحل: خبر كان جمع عازبة من عزبت الإبل: إذا بعدت في المرعى ومطنف: بضم الميم وكسر النون: الذي يعلو الجبل.
واستشهد به الكوفيون على إنابة أل في الربط مناب الضمير فالأصل أخطأ فارها ثم صارت بعد الإنابة أخطأ الفار.
المصدر السابق جـ 3 ص 63.
[157] الرضى: شرح الكافية جـ 2 ص 210.
[158] حاشية الصبان جـ 1ص 195.
[159] البيت من معلقة طرفة بن العبد. والتي مطلعها: لخولة أطلال ببرقة تَهْمُدُ.
رحيب: خبر مقدم. وقطاب الجيب: مخرج الرأس من الثوب.
بضة: رقيقة ناعمة. المتجرد: المعرى عن الثياب من بدنها.
بجس الندامى: بلمسهم.
والشاهد في البيت: الجمع بين أل والضمير في قوله: الجيب منها أشعار الشعراء الستة الجاهليين جـ1 ص 49.
التصريح جـ 2 ص 83.
[160] حاشية الصبان جـ 2 ص 97.
التصريح جـ 1 ص 315.
[161] الآية رقم 176 النساء.
[162] أبو حيان: البحر المحيط جـ 3 ص 405.
[163] الآية رقم 7 من سورة الجن.
[164] أبو حيان: البحر المحيط جـ 8 ص 347.
[165] التصريح جـ 1 ص 315.
[166] السيوطى: الأشباه والنظائر جـ 1 ص 201.
الصبان حـ 2 ص 76.
[167] الآية رقم 5 من سورة المنافقون.
[168] أبو حيان: البحر المحيط جـ 8 ص 270.
[169] الآية رقم 96 من سورة الكهف.
الرضى: شرح الكافية جـ 1 ص 81.
[170] أبو حيان: البحر المحيط جـ 6 ص 162.
[171] الآية رقم 176 من سورة النساء، ويراجع المغنى لابن هشام ص 562 البحر المحيط جـ3 ص 405.(32/251)
[172] الآية رقم 19 من سورة الحاقة.
الرضى: شرح الكافية جـ 1ص 81.
أبو حيان: البحر المحيط جـ 8 ص 325.
[173] ها: صوت يصوت به فيفهم منه معنى خذ.
قال الكسائي وابن السكيت:"العرب تقول: هاء يا رجل، وهاء يا مرأة بالكسر بلا ياء، وللإثنين رجلين أو امرأتين هاؤما، وللرجال هاؤموا وللنساء هاؤن ".
وفيها لغات كثيرة ذكرها أبو حيان في شرح التسهيل.
الزمخشري: الكشاف جـ 3 ص 264.
أبو حيان: البحر المحيط جـ8 ص 325.
[174] التصريح جـ 1 ص 315.(32/252)
رسائل لم يحملها البريد
للشيخ عبد الرءوف اللبدي
المدرس بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية
أختي العزيزة "هل"
هذه هي الرسالة الخامسة عشرة التي كنت قد وعدتك من قبل أن أحدثك فيها عن همزة الاستفهام الداخلة على أدوات الشرط:
"لو" و"كلّما"و"لمّا"وها أنا ذي منجزة ما وعدت:
أمّا همزة الاستفهام الداخلة على "لو"الشرطية فقد وردت في سبع آيات من آيات القرآن الكريم:
الآية الأولى قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} . الآية (170) من سورة البقرة.
تتضمن هذه الآية الكريمة أنه إذا قيل لهؤلاء الكفّار من المشركين اتبعوا ما أنزل الله واتركوا ما أنتم عليه من الضلال قالوا لا نتبع ما أنزل الله بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، فردّ عليهم سبحانه وتعالى منكراً موبخاً: أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم ولو كان أولئك الآباء لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون؟!
وقد جاء هذا الاستفهام: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} جاء مفيداً الإنكار (بمعنى لا ينبغي) ومفيداً التوبيخ والتعجب:
فقد أنكر الله سبحانه وتعالى على أولئك الكفرة المشركين ووبخهم أن يتبعوا آباءهم وقد كانوا ضالين جاهلين، ليس لديهم مُسْكة من عقل ولا أثارة من هداية، وأنَّى لهم العقل والهداية وهم يعبدون أصناماً لا تملك نفعاً ولا ضرّا، ويحرّمون على أنفسهم ما أحلّه الله، ويحلّون لها ما حرّم الله؟!
لقد كان ذلك الإتباع عجيباً كل العجب، فقد كان اتباعاً أعمى لآباء ضالين جاهلين، اتباعاً ليس فيه تبصر ولا تعّقل، ولا يقوم على حجة ولا برهان، اتباعاً على طريق الشرّ والضًر والمصير إلى جهنم.(32/253)
أما إعراب جملة الاستفهام هذه: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} فاكتفى منه بما يلي:
الواو الواقعة بعد همزة الاستفهام واو الحال، و (لو) حرف شرط لا يجزم، وليست (لو) هنا وصلية زائدة للربط والتوكيد. و (كان) ماض ناقص هو فعل الشرط لا محل له من الإعراب. و (شيئاً) يجوز أن يكون مفعولاً به على معنى لا يعقلون شيئاً من الأشياء، فهو نكرة وقعت في سياق النفي فتعمّ، ويجوز أن يكون (شيئاً) منصوباً على المصدرية على معنى لا يعقلون شيئاً من العقل. وجملة: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} في محل نصب على الحالية.
وهناك جملة مقدّرة بعد همزة الاستفهام مباشرةً دلّ عليها الكلام السابق والتقدير أيتبعونهم ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون.
وقد اشتملت هذه الجملة المقدّرة على صاحب الحال وهو الضمير المفعول به (هم) وعلى العامل في الحال وصاحبها وهو مضارع (يتبعون) .
وهذه الجملة المقدّرة دلت على جواب (لو) الشرطية وأغنت عنه، وهو مع متعلقها موضع الإنكار والتوبيخ والتعجب.
وقد أعرب العكبري [1] وابن عطية [2] ومكي بن أبي طالب [3] الواو الواقعة بعد همزة الاستفهام والداخلة على (لو) في قوله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} أعربوها عاطفة، ولم يذكروا المعطوف عليه ولم يقدّروه، وذهب الزمخشري إلى أنها واو الحال [4] ، وحاول أبو حيان في تفسيره البحر المحيط [5] أن يجمع بين الرأيين: فقال: "إنها حالية لأنها داخلة على جملة حالية، وهي في الوقت نفسه عاطفة لأنها عطفت الجملة الحالية بعدها على جملة حالية مقدّرة ولكنه لم يذكر تلك الجملة الحالية المقدّرة".
والذي يبدو لي أن الرأي مع الزمخشري، وهو أن الواو الداخلة على (لو) الشرطية واو الحال، وليست واو العطف، لأنه ليس هناك ما يصلح أو يحسن أن يكون معطوفاً عليه.(32/254)
لا يصلح أن يكون المعطوف عليه هو جملة {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} لأنها محكية عن المشركين والعطف عليها يجعل المعطوف وهو جملة الاستفهام محكيّاً عنهم، مع أن جملة الاستفهام ليست من كلامهم.
ولا يحسن أن يكون المعطوف عليه جملة شرطية أخرى مخالفة لجملة الشرط المذكورة، فيكون تقدير الكلام معها: أيتبعون آباءهم لو كانوا يعقلون شيئاً ويهتدون، ولو كانوا لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون.
لا يحسن ذلك لأنه تقدير متكلف لا يستدعيه المعنى ولا يتطلبه.
ثم إن الجملة الاستفهامية كلام مستأنق جاء ردّاً على الكافرين وتوبيخاً لهم.
هذا، وقبل أن أنتقل إلى الآية الثانية أحب أن أنقل إليك ملاحظات لأبى حيان تفسيره البحر المحيط [6] تدل على دقة فهم وحسن تذوق لما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} ، وهذه هي الملاحظات:
1- (وإذا) الواردة في قوله تعالى المتقدم تدل على التكرار، تكرار القول لهم أن يتبعوا ما أنزل الله وتكرار جوابهم برفض هذا الإتباع والإصرار على اتباع آبائهم، وفي هذا دلالة على أن الدعوة إلى الإيمان بالله يجب أن لا تيأس وأن لا تتراجع وأن لا تقف أمام إعراض المدعوين عن الحق وشدة تماديهم في الباطل.
2- وبُني (قِيل) لما لم يسمّ فاعله لأنه أخصر، فلو ذكر الفاعل وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن يتبعه من المؤمنين لطال الكلام طولاً لا يستدعيه غرض بلاغي.
3- وقد ذكر لفظ الجلالة (الله) في (ما أنزل الله) للإعلام بعظم ما أمِروا باٍتباعه، فقد نسب إنزاله إلى الله تعالى، فكان ينبغي أن يتلقّى بالقبول وأن لا يُعارَض باتباع آبائهم رؤوس الضلالة.(32/255)
4- وقد قدِّم العقل في قوله تعالى: {لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً} لأن العقل هو الذي تصدر عنه جميع التصرفات، وآخر نفي الهداية في قوله {وَلا يَهْتَدُونَ} لأن ذلك مترتب على نفي العقل، فالهداية للصواب ناشئة عن العقل، وعدم العقل عدم لها.اهـ- مع تصرف بالزيادة والحذف.
الآية الثانية قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} . الآية (104) من سورة المائدة.
تتضمن هذه الآية الكريمة أن هؤلاء الكفرة المشركين كانوا إذا دعوا إلى دين الله وشرعه واتباع ما أنزل الله في كتابه وما يحكم به رسوله، قالوا يكفينا ما وجدنا عليه آباءنا وما كانوا يعملون به من تحليل وتحريم.
فردّ الله سبحانه وتعالى عليهم: أيكفيهم ما وجدوا عليه آباءهم وقد كان أولئك الآباء جاهلين لا يعلمون شيئاً من الحق، ضالين لا يهتدون إلى الصواب، هل يكتفي بما كان عليه أولئك الآباء الضالون الجاهلون إلاّ مَنْ هو أجهلُ منهم وأضل سبيلاً؟!!
وقد جاء هذا الاستفهام: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} جاء مفيداً الإنكار (بمعنى لا ينبغون) ومفيداً التوبيخ والتعجب:
فقد أنكر الله سبحانه وتعالى عليهم ووبخهم وتعجب أن يكفيهم ما وجدوا عليه آباءهم من شرك وضلال وجهالة، وأن يجدوا في أعمال آبائهم وسلوكهم وطرائقهم غِنىً عمّا أنزله الله في كتابه من بيان للحق وهدى للناس.
وموضع الإنكار والتوبيخ والتعجب هو الفعل المقدّر بعد الهمزة مع متعلقه، والتقدير: أيكفيهم ما وجدوا عليه آباءهم ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون، وقد دلّ على هذا الفعل المقدّر بعد الهمزة الكلام المتقدم عليها.(32/256)
أمّا إعراب هذا الاستفهام فقد سبق إعراب مثله في الآية الأولى، ولا حاجة إلى الإعادة والتكرار.
الآية الثالثة قوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} . الآية (88) من سورة الأعراف.
تتضمن هذه الآية الكريمة أن أشراف قوم شعيب الذين استكبروا عن الإيمان بالله وعن الإيمان بأن شعيباً رسول الله قالوا في عتوّ وغرور وتهديد: لنخرجنّك يا شعيب من قريتنا هذه التي هي موطنك الذي نشأت فيه وترعرعت، لنخرجنّك عقاباً لك على هذه التفرقة التي أحدثتها في صفوفنا، وخشية أن يزداد افتتان الناس بهذا الدين الذي تدعونا إليه، ولست بمخرَج وحدَك، لنخرجنَّ معك هؤلاء الذين آمنوا بالله وصدقوك واتبعوك، أو لتعودن أنت ومن اتبعك في ملتنا التي نحن عليها!!
وقد أجابهم شعيب: أنعود في ملتكم ولو كنّا كارهين لتلك العودة؟! إن هذا لن يكون، وما ينبغي أن يكون!!
وقد جاء هذا الاستفهام: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} جاء مفيداً الإنكار (بمعنى لا ينبغي) ومفيداً النفي: فقد أنكر شعيب ونفى أن يعود هو ومن اتبعه إلى ملة الكفر ملّة أولئك الذين استكبروا عن الإيمان بالله وعن اتباع ما دعاهم إليه.
والواو الواقعة بعد همزة الاستفهام في هذا الاستفهام واو الحال، ولو شرطية غير جازمة، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه وأغنى عنه الفعل المقدّر بعد الهمزة، والتقدير: أنعود في ملتكم ولو كنّا كارهين وقد دل على هذا الفعل المقدر بعد الهمزة الكلام المتقدم عليها، وجملة {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} في محل نصب على الحالية، وصاحب الحال الضمير المستتر في الفعل المضارع المقدّر بعد الهمزة وهو (نعود) وهذا الفعل (نعود) هو العامل في الحال وصاحبها. وهو مع متعلقه موضع الإنكار والنفي.(32/257)
الآية الرابعة في قوله تعالى: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} الآيات (29- 33) من الشعراء.
تتضمن هذه الآيات الكريمة جانباً من المحاجّة التي دارت بين فرعون وموسى عليه السلام حين أتى هو وأخوه هارون فرعون فقالا له: إنّا رسول ربّ العالمين.
وفي هذه الآيات يقول فرعون بعد أن هُزم في هذه المحاجّة، يقول استكباراً عن الحق وتمادياً في الغي مهدًداً موعداً: لئن اتخذت يا موسى إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين الذين لم تنس بعد كيف يسجنون، وفي أي مكان يحشرون، وأي موت يلاقون!!.
قال له موسى معرضاً عن تهديده ووعيده: أتجعلني يا فرعون من المسجونين ولو جئتك بشيء يبيّن صدق ما أقول لك ويشهد أني رسول ربِّ العالمين، قال له فرعون: فأت بذلك الشيء إن كنت صادقاً في أن لك بيّنة تشهد وبرهاناً يؤيّد.
أذن له فرعون أن يأتي بالشيء المبين ظانّاً أنه لا يستطيع أن يبطل ما يجيء به، ولكن موسى فاجأه بما لم يكن يخطر له على بال:
ألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ليس فيه خيال ولا خداع، ونزع يده السمراء من جيبه فإذا هي بيضاء ذات نور وشعاع.
لم يستطع فرعون أمام هاتين المعجزتين اللتين أذهلتاه إلاّ أن يلتفت إلى أشراف قومه ويقول لهم كذباً وافتراء: ما هذا إلاّ سحر مبين، وإن موسى لساحر عليم. وخوّف قومه بأن موسى يريد بسحره هذا أن يخرجهم من أرضهم وأن يجعلهم غرباء أذلاء.
ثم قال فرعون لقومه وقد أذهلته أدلة موسى الباهرة وأنسته ربوبيته الكاذبة، قال يتودد إلى قومه ويشعرهم أن لهم عنده مقاماً عظيماً ومنزلة عالية: ماذا تأمرون في موسى، وبماذا تشيرون فيه؟(32/258)
وفي الآيات (36- 51) من سورة الشعراء تمام ما حدث بين فرعون وموسى عليه السلام أمّا استفهام موسى: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} فهو على تقدير جملة محذوفة بعد الهمزة دلّ عليها الكلام السابق، والتقدير: أتجعلني من المسجونين ولو جئتك بشيء مبين، وهذه الجملة المقدّرة مع متعلقها الحال هي موضع الاستفهام، وهو استفهام حقيقي ساقه موسى إلى فرعون بعد أن استشاط فرعون من غضب وامتلأ من غيظ، وبهذا الاستفهام استطاع موسى أن يخفف من غلواء فرعون وأن يستدرجه إلى الاستماع إليه، فسكت عن فرعون غيظه وغضبه ووعيده، وهدأ ولان وسكن، وأجاب موسى: فأت به إن كنت من الصادقين.
أمّا إعراب هذه الصيغة الاستفهامية: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} فقد مضى إعراب مثلها في الآية الأولى، ولكنني أقول- زيادة في الإيضاح-: همزة الاستفهام داخلة على محذوف دلّ علية الكلام السابق والتقدير: أتجعلني من المسجونين ولو جئتك بشيء مبين، والواو الداخلة على (لو) حالية، و (لو) شرطية جوابها محذوف دلّ عليه وأغنى عنه الجملة المقدّرة بعد الهمزة، والواو وما دخلت عليه في محل نصب على الحال، وصاحب الحال ياء المتكلم في جملة (أتجعلني من المسجونين) المقدّرة بعد الهمزة، والعامل في الحال وصاحبها الفعل المضارع (تجعل) .
الآية الخامسة قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} . الآية (21) من سورة لقمان.
تتضمن هذه الآية الكريمة أن أولئك الذين يجادلون في الله عن جهالة وضلال كانوا إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله على رسوله وصدقوا به، فهو الذي يهدي إلى الحق ويبعد عن الباطل- أبوا هذا الإتباع، وقالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة أصنام وحلال وحرام.(32/259)
فردً الله جلّ وعلا عليهم: أيتبعون ما وجدوا عليه آباءهم ولو كان الشيطان يدعو أولئك الآباء إلى ما يكون عقباه عذاب السعير؟!
وقد جاء هذا الاستفهام: {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} . جاء مفيداً الإنكار (بمعنى لا ينبغي) ومفيداً التوبيخ والتعجب:
فقد أنكر الله سبحانه وتعالى على أولئك المشركين من كفار مكة وأمثالهم ممن يجادلون في الله عز وجل عن جهل وضلال، أنكر عليهم أن يتبعوا آباءهم في عبادة أصنام وجهالات وضلالات وأباطيل زيّنها الشيطان لأولئك الآباء فقادهم إلى عذاب الجحيم، وأن يتركوا ما أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم من الحق والهدى والرشاد الذي يقود إلى نعيم الجنّة، لقد أنكر الله عزّ وجلّ عليهم ذلك ووبخهم عليه وتعجب منه.
وهمزة الاستفهام داخلة على محذوف دلّ عليه الكلام السابق، والتقدير: أيتبعون آباءهم ولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير، وهذا المحذوف المقدّر مع متعلقه هو موضع الإنكار والتوبيخ والتعجب.
الآية السادسة قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ} الآية (43) من سورة الزمر.
تتضمن هذه الآية الكريمة أن المشركين من قريش قد اتخذوا أصنامهم التي يعبدونها من دون الله ويزعمونها آلهة، قد اتخذوها شفعاء تشفع لهم عنده تعالى في حاجاتهم.
قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك: أتتخذون أصنامكم شفعاء ولو كانوا لا يملكون نفعاً ولا ضرّاً ولا شفاعة ولا شيئاً غير ذلك، أتتخذونهم شفعاء ولو كانوا لا يعقلون شيئاً ولا يدركون؟!(32/260)
وقد جاء هذا الاستفهام: {قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ} جاء مفيداً الإنكار (بمعنى لا ينبغي) ومفيداً التوبيخ والتعجب: فقد أنكر الله سبحانه وتعالى على المشركين أن يتخذوا من أصنامهم التي لا تملك شيئاً ولا تعقل، أن يتخذوا منهم شفعاء تشفع لهم عنده تعالى، ووبخهم على ذلك الاتخاذ وتعجب منه.
فموضع الإنكار والتوبيخ والتعجب هو الجملة المقدّرة بعد الهمزة مع متعلقها، وتقديرها: أتتخذونهم شفعاء ولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون. وقد دلّ على هذه الجملة المحذوفة المقدّرة قوله {أم اتخذوا} .
الآية السابعة في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} الآيات (23- 25) من سورة الزخرف.
تتضمن هذه الآيات الكريمة:
لم نرسل يا محمد من قبلك رسولاً إلى قرية يدعو أهلها إلى عبادة الله ويحذرهم من عبادة الأصنام ويخوفهم من سخط الله وعقابه إلاّ قال رؤساؤها المترفون معرضين عمّا جاءهم به ذلك الرسول: إنّا وجدنا آباءنا على ملة وإنّا على آثارهم مقتدون، نفعل كالذي يفعلون ونقول كالذي يقولون، ونعبد ما كانوا يعبدون.
فلم يكن بدعاً يا محمد أن يسلك مشركو قومك طريق من قبلهم مِن أهل الشرك بالله في إجابتهم إياك بما أجابوك به، وفي احتجاجهم بما احتجوا به للإقامة على دينهم الباطل والإستمرار على عبادة الأصنام.(32/261)
كان كلّ رسول يقول لأهل القرية التي أرسل إليها بعد أن يجيبوه بأنهم سوف يظلون على دين آبائهم، كان يقوله لهم: أتتبعون آباءكم ولو جئتكم من عند ربكم بدين أهدى إلى طريق الحق وأدل على سبيل الرشاد من دين آبائكم الباطل وملتهم الخاسرة.
كان أهل تلك القرى يقولون لأولئك الرسل الذين أرسلوا إليهم:
إنّا بما أرسلتم به جاحدون منكرون ولو كان أهدى مما وجدنا عليه آباءنا.
لقد انتقمنا من أولئك المكذبين بالرسل، فانظر يا محمد كيف كان عاقبة المكذبين، ولا تكترث بما يفعل المشركون، وسوف يرون أيَّ منقلب ينقلبون!!
وقد جاء هذا الاستفهام {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} جاء مفيداً الإنكار (بمعنى لا ينبغي) ومفيداً التعجب:
فقد أنكر الرسل على أقوامهم الكافرين أن يتبعوا دين آبائهم الباطل، وأن يعرضوا عمّا جاؤهم به من الدين الحق، أنكروا على الكافرين ذلك، وعجبوا أن يقلدوا آباءهم تقليداً أعمى لا يقوم على تفكير سليم، ولا على حجة من كتاب منزل.
وهناك جملة محذوفة مقدَّرة بعد همزة الاستفهام دلّ عليها ما قبل الهمزة والتقدير أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتموهم عليه، وهذه الجملة المحذوفة المقدّرة هي ومتعلقها موضع الإنكار والتعجب.
أختي العزيزة:
أمّا همزة الاستفهام الداخلة على (كلّما) الشرطية فقد وردت في آيتين اثنتين:
الآية الأولى قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} . الآية (87) من سورة البقرة.(32/262)
يتضمن هذه الآية الكريمة: يا بني إسرائيل قد نزّلنا التوراة على موسى رسولاً إليكم، وأرسلنا إليكم من بعده الرسل تترى رسولاً بعد رسول، يسيرون على شريعته ومنهاجه، ويعملون بما كان يعمل، ثم بعثنا إليكم من بعدهم عيسى بن مريم يأمركم بإقامة التوراة والعمل بما جاء فيها، وآتيناه الآيات التي تدل على أنه رسول من عند الله إليكم كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وأعطيناه الإنجيل ونصرناه بجبريل، فكنتم كلما جاءكم رسول بما لا تهواه أنفسكم استكبرتم عن الإيمان به واتباعه إحتقاراً له وإعجاباً، بأنفسكم، ففريقاً من هؤلاء الرسل كنتم تكذبون، وفريقاً كنتم تقتلون.
وقد جاء هذا الاستفهام: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} جاء مفيداً الإنكار (بمعنى لا ينبغي) ومفيداً التوبيخ والتعجب: فقد أنكر الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل ووبخهم على تكبرهم على الرسل واحتقارهم إياهم، وعلى قتل من يستطيعون قتله، وعلى تكذيب من لا يستطيعون إلى قتله سبيلاً.
ولقد كانت حالهم هذه التي استحقوا التوبيخ عليها والإنكار من الله عزّ وجلّ، كانت مدعاة أيضاً إلى التعجب، فقد كانوا سفهاء في استقبالهم دعوة الحق والصدق، جهلاء سفّاكين للدماء في معاملتهم رسل الله الداعين إلى الخير والهدى.
وإعراب هذا الاستفهام: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} :
الفاء الواقعة بعد همزة الاستفهام عاطفة، عطفت الجملة التي بعدها على الجملة التي قبل الهمزة، فكأنه قيل لقد آتيناكم يا بني إسرائيل ما آتيناكم فكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم.(32/263)
و (كلّما) أداة شرط لا تجزم، وهي ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية، وجملة (جاءكم) جملة الشرط، وجملة استكبرتم جملة الجواب، والعامل في كلما هو جوابها، ولا يكون شرطها وجوابها إلاّ فعلاً ماضياً.
و (كلما) تفيد التكرار: تكرار الشرط وتكرار الجواب [7] .
وموضع الإنكار والتوبيخ والتعجب هو جواب كلّما مع متعلقه، فموضع الإنكار والتوبيخ والتعجب في هذه الآية الكريمة هو تكبر بنى إسرائيل على الرسل وقتلهم وتكذيبهم كلما جاءوا إليهم.
الآية الثانية التي دخلت فيها همزة الاستفهام على (كلّما) الشرطية جاءت في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} الآيات: (99- 101) من سورة البقرة.
تتضمن هذه الآيات الكريمة:
لقد أنزلنا إليك يا محمد هذا القرآن مشتملاً على آيات واضحات تبين لعلماء بني إسرائيل وأحبارهم الجاحدين نبوّتك، المكذبين برسالتك، تبين لهم أنك رسول الله حقاً وصدقاً، وما يجحد تلك الآيات الدالة على صدق نبوّتك وصدق رسالتك إلاّ الخارجون منهم من دينهم الكافرون بما اشتملت عليه توراتهم.
ومن قبائح يهود بني إسرائيل أيضاً أنهم كانوا كلّما عاهدوا ربهم عهداً لَيعملُنَّ به نقض فريق منهم ذلك العهد، ولقد كانت تلك المعاهدات التي يعاهدون عليها الله ثم ينقضونها كثيرة جداً، حتى لكأنما أصبح إعطاء العهود ثم نقضها سجية فيهم وخليقة. وما كان أولئك اليهود الذين يعاهدون فينقضون قلة في العدد، بل كان أكثرهم يعاهد فينقض ويكفر بالله ورسوله.(32/264)
ولمّا جاء اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله بتصديق ما اشتملت عليه التوراة التي معهم من أن محمداً نبي الله- نبذ علماؤهم الذين أعطاهم الله العلم بالتوراة، نبذوا هذه التوراة ورفضوا العمل بما جاء فيها وهو التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم.
لقد رفض علماء بني إسرائيل الذين يعلمون ما في التوراة من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه، رفضوا التصديق به واتباعه، ورفضوا الوفاء بما عاهدوا الله عليه، كأنهم لا يعلمون التوراة ولا يعلمون ما جاء فيها، وكأنما التوراة لم تخطر لهم على بال.
ولقد جاء هذا الاستفهام: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} جاء مفيداً الإنكار (بمعنى لا ينبغي) ومفيداً التوبيخ:
فقد أنكر الله عزّ وجلّ على اليهود ووبخهم أن ينقض أكثرهم ما عاهدوا الله عليه مرة بعد مرة وكرة بعد أخرى حتى أصبح نقض العهود خلقاً لازماً فيهم لا يبرح، وسجية أصيلة لا تنفك.
فموضع الإنكار والتوبيخ هو جواب كلما مع متعلقه: وهو نبذ فريق منهم العهد كلّما عاهدوا الله عليه.
و (عهداً) في قوله تعالى: {عَاهَدُوا عَهْداً} مفعول ثان لعاهد، لأن عاهد هنا تضمنت معنى أعطى فتأخذ مفعولين، والمفعول الأول محذوف لدلالة السياق عليه، والتقدير: أو كلّما عاهدوا الله عهداً.
أختي العزيزة:
أمّا همزة الاستفهام الداخلة على (لمّا) الشرطية فقد وردت في آية واحدة هي قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . الآية (165) من سورة آل عمران.(32/265)
تتضمن هذه الآية الكريمة أن المؤمنين في معركة أحد قد أصيبوا بأن قَتل المشركون منهم سبعين نفراً، وكان المؤمنون من قبل قد أصابوا من المشركين في معركة بدر ضعفي ما أصابه المشركون منهم ومع ذلك فقد عظم على المؤمنين ما أصابهم في معركة أحد، فقد هُزموا فيها وكثر فيهم القتلى، فأخذوا يعجبون ويقولون: كيف حدث هذا ونحن مسلمون وهم مشركون وفينا نبي الله وعدوّنا أهل كفر وشرك؟!!
فأمر الله جلّ وعلا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم:
هذا الذي أصابكم كان من عند أنفسكم، كان بمخالفة أمري، وبترككم طاعتي، ولم يكن بسبب أحد سواكم، والله سبحانه وتعالى ذو قدرة على أن يفعل بخلقه ما يريد، فينصر من يشاء، ويمنع النصر عمن يشاء.
وقد جاء هذا الاستفهام: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} جاء مفيداً لإنكار والتقريع:
الإنكار بمعنى ما كان ينبغي لكم أن تقولوا متعجبين: كيف وقعت هذه المصيبة، ومن أين جاءت، وقد كنتم السبب فيها، فقد تركتم موضع الرماة مخالفين أمر الرسول طامعين في الغنائم.
وجاء مفيداً التقرح أيضاً على تعجبهم من لحاق الهزيمة بهم وكثرة القتلى منهم، مع أنه لا عجب فيما وقع لهم بعد أن عصوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وخالفوا عن أمره.(32/266)
أمّا إعراب {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} فالهمزة حرف استفهام، والواو الواقعة بعدها عاطفة عطفت الجملة التي بعدها على ما قبل الهمزة، و (لمّا) أداة شرط لا تجزم مبنية على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية، وهي منصوبة بجوابها (قلتم) أمّا جملة الشرط (أصابتكم) . فهي في محل جر بإضافة (لمّا) إليها. و (أنَّا هذا) : (أنَّى) اسم استفهام يفيد التعجب مبني على السكون في محل خبر مقدم، و (هذا) في محل رفع مبتدأ مؤخر، وجملة (أنّى هذا) في محل نصب مفعول به لـ (قلتم) وجملة {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} كما محل رفع صفة لمصيبة.
والقول بظرفية (لمّا) رأي ابن السراج والفارسي وابن جني وجماعة من النحاة منهم ابن مالك [8] ، أمّا سيبويه [9] فقد ذهب إلى أنها حرف وجود لوجود، وتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما، وهي مختصة بالدخول على الفعل الماضي.
أختي العزيزة "هل":
بهذه الرسالة ينتهي حديثي إليك عن همزة الاستفهام الداخلة على أدوات الشرط، وسوف أحدثك في الرسالة القادمة إن شاء الله تعالى عن همزة الاستفهام الداخلة على الفعل الماضي "رأي".
أسأل الله تعالى أن يعين وأن يسدّد الخطا، وأن يهديني سبيل الرشاد.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
أختك
همزة الاستفهام
مراجع ما جاء ني هذه الرسالة
المراجع على وجه الإجمال:
1- تفسير أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، الطبعة الثانية، الناشر، الحلبي بمصر.
2- تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، الناشر: مكتبة النصر الحديثة بالرياض.
3- تفسير أبي السعود، الناشر: مكتبة عبد الرحمن محمد بالقاهرة.
4- تفسير القرطبي: نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصدرة.
5- تفسير الفخر الرازي، الطبعة الثانية. الناشر: دار الكتب العلمية بطهران.(32/267)
6- الفتوحات الإلهية المعروفة بحاشية الجمل على الجلالين، الناشر: الحلبي بمصر.
7- تفسير ابن كثير، الناشر: الحلبي بمصر.
8- الكشاف للزمخشري الناشر: الحلبي بمصر.
9- تفسير البيضاوي ومعه تفسير الجلالين، طبعة ثانية، الناشر: الحلبي بمصر.
10- إملاء ما منّ به الرحمن للعكبري، الطبعة الأولى، الناشر: الحلبي بمصر.
11- مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبى طالب، تحقيق محمد السواس، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
13- مغني اللبيب لأبي هشام الأنصاري، تحقيق الدكتور/ مازن المبارك وزميله الطبعة الثانية، الناشر: دار الفكر.
13- شرح الرضى على كافية ابن الحاجب في النحو، نسخة مصورة، الناشر: دار الكتب العلمية: بيروت- لبنان.
14- همع الهوامع للسيوطي، نسخة. مصورة، الناشر: دار الصرفة: بيروت.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] إملاء ما مَنّ به الرحمن للعكبري ج 1ص 75.
[2] البحر المحيط لأبي حيان ج 1 ص 480
[3] مشكل إعراب القرآن لمكي ج 1 ص 80.
[4] الكشاف للزمخشري ج 1 ص 338.
[5] البحر المحيط لأبي حيان ج 1 ص. 480.
[6] البحر المحيط لأبى حيان ج 1 ص. 480.
[7] البحر المحيط لأبى حيان ج 1 ص 300- همع الهوامع ج 2ص 74، مشكل إعراب القرآن لمكي ج 1 ص 29- شرح الرضي على الكافية ج 2 ص 114.
[8] المغني لابن هشام ج 1 ص 310، همع الهوامع للسيوطي ج 1 ص 215، شرح الرضي على الكافية ج 3 ص 127.
[9] المغني لابن هشام ج 1 ص 310، همع الهوامع للسيوطي ج 1 ص 215، شرح الرضي على الكافية ج 3 ص 127.(32/268)
دلالة الأصل والتركيب بين ابن فارس والصاغاني
للدكتور يحيى عبد الرؤوف جبر
عمان - الأردن
يراد بالأصل والتركيب في اصطلاح ابن فارس والصاغاني ما درج المحدثون على تسميته بالمادة أو الجذر اللغوي الذي يكون منه الإشتقاق والبناء.
وسندور بهذه الدراسة القصيرة حول هذا الموضوع في كتابين هما "معجم مقاييس اللغة"لابن فارس "والعباب الزاخر واللباب الفاخر"للحسن بن محمد الصاغاني، أو هو الصًّغانيّ دون ألف بعد الصاد.
وجدير بالذكر أن أحداً من أعلام اللغويين القدماء لم يعرض لهذا النوع من التصور فيما نعلم. ولا نشك للحظة في أن الصغانيّ إنما فعل ما فعل إقتداء بابن فارس وجرياً على أسلوبه، فهو كثيراً ما يروى عنه، وينقل. غير أن هذا لا ينفي أن تكون للصغاني وجهة نظر مختلفة كثيراًَ أو قليلاً، أو أن يكون مذهبه أوسع أو أضيق مما كان عليه ابن فارس.
وقد ألمح ابن جني لذلك في خصائصه، غير أن الأمر لا يبدو واضحاً عنده، ونورد فيما يأتي عبارتين توضحان رأي ابن جني في هذا المجال، وذلك حيث يقول: فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع ...
وذلك أنهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها، فيعدلونها بها، ويحتذونها عليها، وذلك أكثر مما نقدره، وأضعاف ما نستشعره [1] وحيث يقول أيضاً: وذلك أنهم يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيباً، وتقديم ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه، سوقاًَ للحروف على سمت المعنى المقصود [2] ويضرب لذلك مثلاً "بحث"فيقول: فالباء لغلظها تشبه خفة الكف على الأرض، والحاء لصحلها تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب ونحوهما، إذا غارت في الأرض، والثاء للنفث والنبث للتراب.(32/269)
أما صاحبانا: ابن فارس والصغاني، فقد تبنيا هذه الفكرة، وهذا التصور، ولم تكد تخلو من الإشارة إليهما مادة من مواد معجميهما، غير أن ثمة ما هو جدير بالملاحظة، ذلك أن ابن فارس كان يقدم الدلالة العامة للأصل. أما الصغانيّ فعلى العكس من ذلك، حيث كان يؤخرها ويذيل بها شروحه لمعاني المادة، ومشتقاتها.
وقد يورد ابن فارس الأصل اللغويّ دون ذكر كلمة "أصل"ولكنه يباشر التفسير والشرح، ومن ذلك قوله [3] في "أزف": الهمزة والزاء والفاء يدل على الدنو والمقاربة. يقال: أزف الرحيل، إذا اقترب ودنا- يريد الأصل وأزف.
وربما استخدم "كلمة"في موضع "الأصل"، ومن ذلك قوله في "بذل": الباء والذال واللام كلمة واحدة، وهو ترك صيانة الشيء. أما الشائع في معجمه فهو استخدام كلمة "الأصل".
وقد ينعت الكلمة والأصل بالتفرد أو الصحة أو غيرهما. ومن ذلك قوله السابق في "بذل"حيث نعت كلمة بـ "واحدة"، ومنه قوله [4] : الباء والغين والراء أصل واحد ... وفيه كلمات متقاربة في الشرب ومعناه، فالبغر أن يشرب الإنسان ولا يروى، وهو يصيب الإبل [5] أيضاً. وحكى بعضهم بُغرت الأرض، إذا لينها المطر [6] .
ونستخلص من الأمثلة السابقة أن ابن فارس عندما يقول "كلمة واحدة"يريد أنه ليس في العربية غيرها من ذلك الأصل. أما الأصل فهو ما يشتق منه لمعناه العام، ويتضمن عدداً من المفردات والكلمات. ومما يوضح مذهبه في مصطلح "الكلمة"قوله في مادة "بيظ": الباء والياء والظاء كلمة ما أعرفها في فصيح كلام العرب، ولو أنهم ذكروها ما كان لإثباتها وجه، قالوا: البيظ ماء الفحل!.
وربما نعت الأصل بأنه صحيح، ومن ذلك قوله: العين والفاء والقاف أصل صحيح ... ، يريد أنه مادة من مواد العربية، وإن لم يكن شائعاً.(32/270)
وقد يأتي ابن فارس بمادة، فيفصل القول في معاني مشتقاتها ليقف على أنّ ثمة تبايناً فيما بينها، وأن يمكن أن تُبلْور في معنيين، ومن ذلك قوله في "عقر": العين والقاف والراء أصلان متباعدٌ ما بينهما، وكل واحد منهما مطردٌ في معناه، جامع لمعاني فروعه، فالأول الجرْح وما يشبهه من الهزم في الشيء. والثاني دالٌّ على ثباتٍ ودوام. فكأن صاحبنا يريد أن يقول إن لهذه المادة دلالتين.... وذلك أمر ليس صحيحاً، فالأصل في المادة أن تكون لدلالة واحدة، وسنناقش ذلك في ما يأتي.
ويدخل الصغانيّ المضعّف الرباعي في المادة الثلاثية، وكأنه يرى أن الأصل في الدلالة للحرفين الأول والثاني، بالرغم من أنه لم يصرح بذلك، ولكنا نراه في كلامه. ومن ذلك أنه أورد حفحف في حفّ، لمن ضاقت معيشته، والحفحفة من الأصوات. وأورد الرفرف والرفارف في مادة "رَفَّ".
والصغاني، كابن فارس، يورد أحيانا أن "التركيب" يدل على أكثر من معنى، ومن ذلك قوله في (ضفف) [7] : "والتركيب يدل على الاجتماع، وعلى القلة والضعف"، وقوله في مادة (صيف) : "إن مدار التركيب يدل على زمان، وعلى مَيْل وعُدول".
ومن الطريف أن الصغانيّ كثيراً ما يتقفّى أثر ابن فارس في معجمه، ويترسم خطاه، ومن ذلك ما أورده في مادة (ظرف) من قوله- في آخرها: وقال ابن فارس في آخر هذا التركيب: "وما أحسب شيئاً من ذلك في كلام العرب" [8] وما ورد في مادة (صعف) من قوله: وقال ابن فارس: "الصاد والعين والفاء ليس بشيء على أنهم يقولون الصَّعْف شراب" [9] .(32/271)
ولعل ما ذهب إليه الرجلان من دلالة الأصل أو التركيب هو أول وأوضح ما وصل إليه المتقدمون على طريق تحديد دلالة المادة اللغوية، غير أن رؤيتهما لم تكن من الدقة والاكتمال بحيث ترتقي إلى مستوى الرؤية الحديثة، ولا عجب، فالحكم على الماضي بمعايير الحاضر أمر لا يصح بحال، كما أن في المستوى العلمي لعصرهما ما يكفي عذراً لهما. وهل يبدأ البنيان إلا من أسفل؟.
إن كثيراً من الدلالات التي أورداها لهذا الأصل أو ذاك مما قالا بتباينها واختلافها- هي في الحقيقة دلالة واحدة، ولكن نظرتهما إلى الدلالات المتباينة كانت تتم من زوايا مختلفة، وإن نظرة شموليةً للمعاني المختلفة لتقفنا على دلالة واحدة للمادة الواحدة، تجمع بينها كقاسم مشترك. وذلك هو الأصل في علم الدلالة، غير أن المرء قد يجد بين المعاني ما يشير إلى تباين، كأن يشير إلى وقوع أحدها على ما هو معنويّ، وآخرهما على ما هو ماديّ، فيصعب التوجيه إلا بتوسيع دائرة النظر، والتَّبصًّر في العلاقات الكامنة بين هذا وذاك.
ونورد في ما يأتي أمثلة تعكس الاختلاف في دلالة المادة الواحدة، ثم نعود لنبين أثر الاختلاف في الزاوية التي كان منها النظر في اختلاف الدلالة، ونخلص من ذلك بما يؤكد وحدة الدلالة للمادة الواحدة.
جاء في معجم المقاييس "فضح"قول ابن فارس: الفاء والضاد والحاء كلمتان متقاربتان تدل إحداهما على انكشاف شيء، ولا يكاد يقال إلا في قبيح، والأخرى تدل على لون غير حسن أيضاً، فالأول قولهم: فضح الضبح وفضَّح إذا بدا، ثم يقولون في التَّهتُّك: الفضوح، قالوا: وافتضح الرجل إذا بدت مساويه. وأما اللون، فيقولون: إن الفَضَح غُبْرةٌ في طُحْلةٍ [10] وهو لون قبيح، وأفضح البُسر [11] إذا بدتْ منه حُمْره".(32/272)
وقبل أن نسترسل، يحسن أن نُقلِّب هذا القول، لنرى أن الدلالتين على اللون والانكشاف هما في الحقيقة دلالة واحدة، يمكن ترجمتها بقولنا "انقشاع حائل وظهورُ جديد"، وينفرع عن هذه الدلالة كل من الدلالات السابقة، فالغُبْرةُ في الطُّحْلة كبياض الفجر في سواد الليل سواء بسواء، وكاحمرار البُسر في خضرته، وقل مثل ذلك في انقشاع "ثوب الستر"عن الرجل لتبدو مساويه، وهذا الأخير من المعنويّ، وهو منشعب وناجم عن الدلالة لعلاقة مجازية.
وقال ابن فارس أيضاً [12] : "العين والقاف والراء أصلان متباعد ما بينهما، وكل واحد منهما مطردٌ في معناه، جامع لمعاني فروعه، فالأول: الجرح أو ما يشبه الجرح من الهزم في الشيء، والثاني دالّ على ثبات ودوام، فالأول قول الخليل: العُقْر كالجُرح ... يقال: عَقَرْتُ الفرس أي كَسَعْتُ قوائمه بالسيف، وفرس عقير ومعقور ... وتعقر الناقة حتى تسقط، فإذا سقطت نحرها مستمكناً منها ... وقول القائل: عَقَرْتَ بي، معناه أطلت حبسي، ليس هذا تلخيص الكلام، إنما معناه حبسه حتى أنه عقر ناقته، فهو لا يقدر على السير. وأما الأصل الآخر، فالعَقْر القَصْر الذي يكون معتمداً لأهل القرية يلجأون إليه. قال لبيد:
بأشباهٍ حُذين على منال وافر [13]
كعقر الهاجريِّ إذابتناه
أبو عبيد: "العقر كل بناء مرتفع ... ". قال الخليل: "عقر الدار محَلَّة القوم بين الدار والحوض، كان هناك بناء أولم يكن.... ومن الباب عُفْرُ النار: مجتمع جمرها".(32/273)
قلت: قوله فالأول قول الخليل: العقر كالجرح.... لا يعني أن العقر هو الجرح وإنما الذي نراه هو أنه أراد أن العقر كالجرح في ضم أوله وسكون ثانيه، ذلك إلى جانب أن هذا التوجيه لا يتنافى مع ما أورده عقب ذلك من قوله "عقرت الفرس، أي: كسعت قوائمه بالسيف"، ذلك أن العقر ليس جرحاً في أي موضع وعلى أية هيئة كانت. ولكنه جرح بالغ ويكون في الأعقاب عرضاً، بحيث يؤدي إلى قطع الأعصاب التي تتحكم في العضلات فتسقط الدابة، ومن ذلك قولهم كلب عقور، لأنه يأتي من وراء الإنسان فيعضه في عقبه أو عضلة ساقة "فيعقره"، وهذا مثل كسع قوائم الدابة، ومن هنا كان ما أردف به من قول القائل: عَقَرْت لي، أي: حبستني، وبهذا تكون الدلالة الأولى للعقر هي التثبيت في المكان واللبث عن السير، بقطع أسباب القيام والسير من الرجلين.
وننتقل إلى الدلالة الثانية التي أورها ابن فارس نقلاً عن شيوخه، وهي "مجتمع الناس والنار في المكان"على النحو الذي أوضحه، أي المكان الذي يلبثون فيه (ويثبتون) معظم أوقاتهم. وهكذا نرى أن الدلالتين التقتا، وأنهما في الحقيقة دلالة واحدة قائمة على معنى الثبات والتثبيت بشكل أو بآخر.... أليس الموت واحداً وإن تعددت الأسباب؟ والتشبع والريّ وإن اختلفت المأكولات والمشروبات؟.
ويلاحظ أثر اختلاف الزاوية المنظور منها في أن الدلالة (الأولى) كان النظر إليها من خلال العلة الكامنة وراء الحدث، ومراعاة لها، بينما كان النظر إلى الأخرى من خلال المكان الذي يتم فيه الحدث، كإطلاق كلمتي السنة والقحط على الجدب، الأولى لعلاقة الظرفية والثانية لعلاقة السببية.
ونسوق فيما يلي مثالاً من العباب يوضح التشابه الكبير بين الصغاني وابن فارس، وذلك حيث قوله في مادة (صرف) : "والتركيب معظمه يدل على رجع الشيء…، وقد شذّ عنه الصِّرْف للصِّبْغ"وقبل أن نمضي قدماً نتساءل أين تقع المعاني التالية من الدلالة على "رجع الشيء":(32/274)
1 - أصرف الشاعر، إذا أقوى في شعره.
2 - والتصريف، بمعنى الاشتقاق.
3 - وتصريف الخمر، بمعنى شُرْبها.
4- وصَرَّفت الرجل في أمري تصريفاً، فوَّضْتُه.
وغيرهما؟ أم هي الأخرى شاذة كالصرف للصبغ؟ أم أنها من المجاز الذي ينبغي أن لا يُعوَّل عليه، وأن لا لوقف عنده حين البحث عن الدلالة الأصلية؟.
وبإلقاء نظرة شمولية على الدلالتين اللتين أوردهما الصغانيّ لمادة "صرف"نستطيع أن نقف على حقيقة مفادها أن تينك الدلالتين هما دلالة واحدة يمكن أن نبلورها في معنى "إحلال شيء مكان آخر، أو إزالة شيء ليكون آخر"ورجع الشيء يعني أن الشيء لا يكون فيكون وأن الأديم (الجلد) يكون ذا لون فيصبغ بمادة تغير لونه، وبذلك يكون شيء قد حل محل شيء آخر، وكأن اللون الأول رجع واختفى، وأسند الأمر إلى لون الصبغ.
وخلاصة القول أن لكل مادة أو أصل أو تركيب دلالة واحدة، وإن بدا خلاف ذلك فإنّ الأمر يقتضي مزيداً من البحث وإمعاناًَ بالنظر، وتقليباً لجوانبه، وسيؤدي ذلك بنا إلى قاسم مشترك يجمع بين ما بدا مختلفاً.
والغالب أن تكون الدلالة الأصلية لكل مادة محسوسة، أي: يمكن إدراكها بالحواس التي زود الله بها الجسم، وإن بدا خلاف ذلك فلابد من تعقب تاريخي لتطور دلالة المادة. وبعد، فإن ابن فارس، والصغاني من بعده ليعدان في طليعة أولئك الذين عرضوا للدلالة، وإن الفضل يعود إليهما في فتح ذلك الباب الذي هداهما الله إليه. ذلك بالرغم من أنهما لم يبلغا بذلك حداًَ علمياًَ دقيقاً يصلح لأن يرقى بمذهبهما إلى مستوى القاعدة أو النظرية.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الخصائص – الطبعة المصرية 2/157.
[2] نفس المرجع 2/163.
[3] معجم المقاييس (أزف) .
[4] نفس المرجع (بغر) .(32/275)
[5] وهو الهيام، مرض يصيب الإبل. شرب الماء ولا ترتوي حتى تموت قال تعالى: {فشاربون شرب الهيم} جمع هيماء.
[6] ويسمى التهاميون والعسيريون وفرة الأرض عقب المطر "بَغرة"، سمعت ذلك منهم، وليس عندهم غيره فيما نعلم، وهو أن تصبح الأرض صالحة للحرث.
[7] العباب (ضفف) .
[8] معجم المقاييس (ظرف) .
[9] نفس المرجع (صعف) .
[10] الطحلة: السمرة الشديدة، أخف من السواد.
[11] البسر: البلح قبل أن يخالطه اللون.
[12] مادة (عقر) .
[13] ديوان لبيد ط 1880 ص 112.(32/276)
دور كلية القرآن الكريم مراجعة المصاحف
إعداد: قسم القراءات
بعون من الله وفضل نتناول تحت هذا العنوان بالدرس والتحليل كل ما يرد إلى كلية القرآن الكريم من طبعات للمصحف الشريف في هذه الفترة التي راجت فيها سوق الطباعة وازدهرت وتنافست المطابع ودور النشر في إخراج طبعات من المصحف الشريف.
كل يريد أن يفوز بقصب السبق في هذا الميدان ويحرز شرف خدمة كتاب الله عز وجل ونتج عن هذا التنافس الشريف وقوع بعض الأخطاء في بعض طبعات المصحف، الأمر الذي لا يقره ولا يسكت عليه كل مسلم غيور على القرآن الكريم، فالحق أحق أن يتبع. ولقد دأبت كلية القرآن الكريم منذ إنشائها على مراجعة الكثير من طبعات المصاحف وتصويب الأخطاء المطبعية التي ظهرت في تلك الطبعات، وذلك بإرسال تقارير مفصلة إلى دور النشر التي لوحظ على طبعاتها بعض الملاحظات، سواء أكانت هذه الملاحظات جوهرية أم فنية، أم كانت من جهة المخالفة لقواعد الرسم العثماني وقواعد الضبط، وإيماناً منا بواجب الحفاظ على كتاب الله تبارك وتعالى نرجو من كل مسلم أن يتعاون معنا ويوافينا بأية ملاحظة يقع عليها بصره أثناء تلاوته كتاب ربه سبحانه، مبيناً نوع الخطأ المطبعي الذي رآه، ورقم الصفحة، واسم السورة وعنوان الناشر، حتى يتسنى لنا القيام بواجب التناصح نحو كتاب الله رب العالمين، ولنذكر نموذجاً من الملاحظات التي وردت إلى كلية القرآن الكريم على سبيل المثال لا على سبيل الحصر:
1- ورد إلينا نسخة من مصحف الحرمين الشريفين المطبوع بدار الفكر ببيروت سنة 1399 هـ (1979 م) :(32/277)
وبعد المراجعة لاحظنا وقوع عدة أخطاء في طبع هذا المصحف الشريف وأن منها ما هو متعلق بالنص القرآني، ومنها ما هو متعلق بالرسم العثماني ومنها ما هو متعلق بالضبط، وقد أعددنا تقريراً مفصلاً وشاملاً لكل هذه الأخطاء، حتى يتسنى للمسئولين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة مخاطبة الجهات المختصة لاتخاذ اللازم نحو الإتصال بدار الفكر ببيروت لوجوب تصحيح هذه الأخطاء، حفاظاً على كتاب الله تعالى وعدم السماح لأي دار من دور الطباعة بطبع مصحف من المصاحف إلا بعد عرضه على لجنة مراجعة المصاحف، صوناً له من الخطأ.
وفي هذه الأيام جاءتنا نسخة أخرى من مصحف الحرمين الشريفين طبعت بدار الفكر ببيروت سنة 1403 هـ (1983 م) :
فقمنا بمراجعتها، فاتضح لنا أن الأخطاء التي لاحظناها على النسخة الأولى المطبوعة سنة 1399 هـ (1979م) . والصادرة من نفس دار الفكر ببيروت لم تصوّب بأكملها، بل صوّب منها البعض وترك البعض الآخر دون تصويب.
وها هي ذي الأخطاء التي لم تصوّب وظهرت في الطبعة الثانية:
سورة آل عمران
حكم الكلمة وكيفية كتابتها
رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع
تضبط بإلحاق ألف صغيرة بعد العين مكان الألف المحذوفة رسماً هكذا {لِلْعَالَمِينَ} .
96
63
لِّلعَلَمين
سورة الأعراف
حكم الكلمة وكيفية كتابتها
رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع
ترسم الألف ياء في هذين الموضعين الواقعين في هذه السورة مع وضع ألف صغيرة فوق الياء هكذا {بِسِيمَاهُمْ} .
46، 48
157
بِسيمهم - معا -
توضع ألف ملحقة صغيرة بعد العين للدلالة على الألف المحذوفة هكذا: {الْعَالَمِينَ} .
67
159
العَلَمِينَ
سورة يونس
حكم الكلمة وكيفية كتابتها رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع(32/278)
ترسم ياء. بعد النون هكذا.: {تغنِي} فقد اتفقوا على إثبات ياء هذا الفعل رسماً واتفق القراء أيضاً على إثبات يائه وقفاً اتباعاً للرسم، وأما في حالة الوصل فإنها تحذف تخلصاً من الساكنين. هذا، ولم تحذف ياء الفعل إلا في قوله تعالى: {فَمَا تُغنِ النُّذُر} . بالقمر "5 ". وبالنظر إلى هذا الموضع وجدناه صحيحاً رسماً.
151
221
وَمَا تُغنِ الآياتُ
سورة هود
حكم الكلمة وكيفية كتابتها
رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع
ترسم بحذف الألف عند أبي داود وعلى ذلك العمل هكذا: {تخاطبني} .
هذا وقد نظرنا إلى موضع {المؤمنون} الآية-27- فوجدنا رسمه صحيحاً
37
226
وَلاَ تُخَاطِبنِي
سورة يوسف
حكم الكلمة وكيفية كتابتها رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع
تحذف الألف التي بعد الهمزة هكذا: {قُرءَانًا} هذا وموضع الزخرف الآية "3"صحيح رسماً.
2
236
قُرءَانًا عَربِيًّا
تضبط بوضع العلامة المعينة الشكل الآتية فوق آخر الميم قبيل النون المشَددة للدلالة على الإشمام وهو ضم الشفتين مقارناً لسكون الحرف المدغم أعنى النون فتكتب هكذا: {لاَ تأمَنَّا} وضم الشفتين هنا كمن يريد النطق بضمة إشارة إلى أن الحركة المحذوفة ضمة، لأن هذا الفعل مرفوع وأصله تأمننا.
و (لا) هنا نافية وليست ناهية
11
237
مَا لَكَ لاَ تأمَنَّا
ويجوز للقراء العشرة ما عدا أبا جعفر اختلاس حركة النون الأولى كما يجوز لهم الإدغام مع الإشمام، أما أبو جعفر فإنه يقرأ بالإدغام المحض. تحذف الواو التي هي صورة للهمزة اتفاقاً هكذا: {رُءيَى}
100
248
رُؤيَى
سورة النحل
حكم الكلمة وكيفية كتابتها رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع(32/279)
تجعل صورة للهمزة هكذا: {مطمَئِنَّة} 112
281
مُطمَئنَّةً
سورة الكهف
حكم الكلمة وكيفية كتابتها رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع
الصواب وضع كسرة تحت اللام هكذا: {لأدَمَ}
50
300
لأََدَمَ
سورة الحج
حكم الكلمة وكيفية كتابتها رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع
ترسم بحذف صورة الهمزة وتجعل الهمزة فوق المتسع الذي بين الباء وبسط ياء الإعراب من هذا الجمع هكذا {والصَّبِئِينَ}
هذا وقد اطلعنا على موضع البقرة فوجدناه صحيح الرسم وذلك في الآية رقم "62" وإنما لم تصور الهمزة لئلا يؤدي ذلك إلى اجتماع الصورتين، وهذه قاعدة عامة.
17
335
وَالصَّبِئينَ
سورة النور
حكم الكلمة وكيفية كتابتها رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع
تكتب ألف قبل لام التعريف وتضبط بوضع علامة همزة الوصل فوقها هكذا: {أُوْلُواْ الْفَضْلِ} .
أما الألف التي بعد الواو التي هي علامة للرفع فهي زائدة رسماً ساقطة لفظاً فقد اتفق علماء الرسم على زيادة الألف بعد الواو المتطرفة سواء أكانت للجمع أم للفرد، أم صورة للهمزة على تفصيل مذكور في كتب الرسم إلا كلمات معينة خرجت عن هذه القاعدة.
22
353
أُوْلُوالفَضْلِ
سورة الفرقان
حكم الكلمة وكيفية كتابتها
رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع
تثبت الألف التي بعد الياء رسماً عند الشيخين هكذا: {وَعُمْيَاناً} والعمل على ذلك وحذفها انفرادة.
73
367
وَعُميَنًا
سورة القمر
حكم الكلمة وكيفية كتابتها رقم الآية
رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع
تجعل الألف صورة للهمزة الأولى لا للثانية هكذا: {أءُلْقِيَ} .(32/280)
هذا وقد راجعنا موضع سورة ص وهو: {أءُنزِلَ} فوجدناه موافقاً لما عليه علماء الرسم، فإنهم يجعلون الصورة للأولى إذا كانت الثانية مضمومة أو مكسورة إلا ما استثنى وللثانية إذا كانت أخراهما مفتوحة مثل: {ءَ أَنذَرْتََهم} على تفصيل مذكور في كتب الرسم.
وإنما لم يصوروا كلا من الهمزتين لئلا يؤدي ذلك إلى اجتماع الألفين.
25
530
ءَ أُلْقِيَ
سورة القلم
حكم الكلمة وكيفية كتابتها رقم الآية رقم الصفحة
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع
تحذف الألف التي بعد الباء ولا ترسم ياء وتضبط الكلمة بإلحاق ألف صغيرة للدلالة على الألف المحذوفة هكذا: {فَاجْتَبَهُ}
50
567
فَاجتَبَهُ
2- ورد إلينا نسخة من المصحف الذي عنيت بطبعه شركة الشمرلي بالقاهرة بخط محمد سعد إبراهيم الشهير بحداد والذي طبع بتصريح من مشيخة الأزهر ومراقبة البحوث والثقافة الإسلامية وتقرير اللجنة المختصة الصادر في 15/7/ 1979 م. وباطلاعنا على قدر منه تبين لنَا أن هناك خطأ جوهرياً في لفظ {فِطْرَتَ} في قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} . الآية "30 "من سورة الروم:
فقد جاء هذا اللفظ في المصحف المذكور مضبوطاً بوضع كسرة تحت التاء. والصواب وضع فتحة فوقها هكذا. {فِطرَتَ} .
3- ورد في تفسير الإمامين الجلالين طبعة شركة الشمرلي بالقاهرة تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل المدرس بجامعة الأزهر والذي طبع بتصريح من مشيخة الأزهر الشريف ومراقبة البحوث والثقافة الإسلامية وتقرير اللجنة المختصة الصادر برقم (297) بتاريخ 5/ 5/1977 م.
ورد في تفسير سورة يونس صفحة رقم 173 قوله تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} الآية رقم "26 "والصواب {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .(32/281)
4- ورد إلينا نسخة من المصحف المطبوع على نفقة محمد علي بيضون بإذن من دار الفتوى اللبنانية رقم 22 لعام 1977 م.- الطبعة الثالثة- 1402 هـ- 1982 م. وبمراجعة هذا المصحف تبين لنا أن في بعض ورقات المصحف المذكور تداخلاً في السور الآتية: المؤمنون، النور، الفرقان، الشعراء، النمل بمعنى أن الوجه الأولى من كل ورقة من الورقات المذكورة مشتمل على آيات من سورة والوجه الثاني مشتمل على آيات من سورة أخرى.
هذا ... وبعد أن قدمنا نموذجاً من الأخطاء المطبعية التي ظهرت في بعض طبعات المصاحف نتيجة للسرعة وعدم مراقبة الإنتاج أحياناً، ولعدم العناية والتثبت العلمي أحياناً أخرى ...
نهيب بكل مسلم… أن يبذل قصارى جهده في رجاء المسئولين أن يتخذوا ما يلزم ويعملوا على مصادرة. أي مصحف وقع فيه خطأ ويأمروا بإحراقه صوناً لكتاب الله، وتحقيقاً لوعده الكريم {إنا نحنُ نَزلنَا الذِّكرَ وَإِنا له لحفِظونَ} والله نسأل أن يوفقنا لخدمة كتابه العزيز، والعمل بما فيه فهو الموفق والله الهادي إلى سواء السبيل ...
مراجع البحث
1- متن مورد الظمآن في رسم القرآن للخراز.
2- متن الذيل في علم الضبط للخراز أيضاً.
3- دليل الحيران شرح مورد الظمآن للمارغني التونسي، وهو شرح لمتن الذيل أيضاً. ط تونس.
4- سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين للشيخ علي الضباع. ط عبد الحميد حنفي بمصر.(32/282)
العدد 69-70
فهرس المحتويات
1- أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر: الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
2- المنهج في البحث
3- أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر (1) : الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
4- أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر (2) : الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
5- أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر (3) : الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
6- أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر (4) : الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
7- أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر (5) : الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
8- استِدْرَاكَاتٌ عَلَى كِتَاب تَارِيخِ التّرَاثِ العَرَبِيِّ فِي كُتُبِ التّفسِيرِ: للدكتور حكمت بشير ياسين
9- مسائل في النحو أجاب عليها أبو البقاء يعيش بن علي ابن يعيش الحلبي
10- عُقُودُ الزّبَرْجَدِ عَلَى مُسْنَدِ الإمَام أحمَدَ فِي إعرَاب الحَدِيثِ: تأليف: جلال الدين السيوطي تحقيق: الدكتور حسن موسى الشاعر
11- رسائل لم يحملها البريد: للشيخ عبد الرءوف اللبدي
12- الزَّلاَّقة مَعركَةٌ مِنْ مَعَارِكِ الإِسْلاَمِ الحَاسِمَةِ فِي الأندَلُس: للدكتور جميل عبد الله محمد المصري
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(32/283)
أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر
الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
المقدمة
الحمد لله أجل الحمد وأوفاه، والصلاة والسلام على أفضل رسل الله، سيدنا محمد ابن عبد الله، الذي بعثه ربه للعالمين رحمة، ولهداية البشر اصطفاه، وبه ختم الأنبياء، فلا نبوة بعده لأحد من خلق الله، وأنزل الله عليه الكتاب معجزة خالدة، وتبيانا لما فيه سعادة الإِنسان في أولاه وأخراه، وصلى الله على آله الأطهار، وأصحابه الأبرار، ومن اقتفى أثره وترسم خطاه.
أما بعد:
فهذه نظرات علمية، وتأملات فكرية في معاني آيات من كتاب الله عز وجل، ضمت الآيات أموراً هي قوام المجتمع الإسلامي وأسس مثالية الحياة لكل إنسان وفقه الله وبفضله ورحمته اجتباه، تلكم الأمور هيَ المسماة (الوصايا العشر) والآيات التي ضمت هذه الوصايا هي المبدوءة بقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إلى قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [1] .
وقد يخطر في ذهن القارئ الكريم أن يسأل عن سبب عنايتي بهذا الموضوع دون سواه من موضوعات الشريعة التي تزخر بكثير من المسائل في العديد من الأبواب. وجوابي عن هذه الخاطرة أن الحافز إلى هذا العمل أمران:
1- حب المعايشة لكتاب الله عز وجل. ولأن هذه الوصايا عليها مدار الإسلام، وهي أسس النجاة وقوارب الفوز لعبور أمواج بحار الحياة العاتية، فالمستمسك بها تَحصل له السلامة في الدنيا والنجاة في الآخرة.(32/284)
2- إن كتاب الله عز وجل هو المصدر الأول للشريعة الإسلامية، والسنة النبوية المصدر الثاني المبين والمفصل لما جاء في المصدر الأول فالعناية بهما أوجب الواجبات والتعرف على شيء من كنوزهما جهد المقل، وما عداهما من العلوم ففرع عنهما أو خادم لهما، وقد كنت عايشت سنة رسول الله صلى بعض الشيء، وتاقت نفسي إلى جلسات جمع كتاب الله عز وجل، فرأيت أن أبدأ بدراسة تلك الوصايا المباركة رجاء أن تكون وصيتي لنفسي كما هي وصية الله إلى عباده جميعا، ووصية نبي الله إلى أمته، ومما تجدر الإشارة إليه هنا إعطاء القارئ الكريم نبذة عن نظرتي إلى هذه الوصايا. فأقول سائلا الموَلى جل ثناؤه التوفيق لكل خير، والبعد عن المزالق والزلل: إن المتأمل لتلك الآيات التي وردت بعد الحديث عن تشريعات الأنعام والثمار يجد أن تلك الوصايا هي قواعد هذا الدين الذي جد في بناء المجتمع الإنساني بناء يليق بمقامه واصطفائه، ففيها سعادة بني الإنسان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهي قوام حياته تذكي جذوة التوحيد في نفسه لتحرق تلك الجذوة أوهام الجاهلية، وتبيد تصوراتها، وتكشف زيف مزاعمها، فتملأ قلب الإنسان بنور الإيمان الذي يضيء له الطريق عبر مشواره الطويل إلى أن يلقى ربه عز وجل علىَ صراط مستقيم، ويجد المتأمل أيضا أن هذه الوصايا قوام حياة الأسرة الإنسانية التي يتكون منها المجتمع البشري عبر أجيالها المتلاحقة، فكل أسرة تستمد هدايتهَا من هذا المنهل العذب فإنها تؤتي ثمارها طيبة مباركة بإذن ربها محفوفة برعاية الله في كل ما يحوط الحقوق الإنسانية من ضمانات، وتسعد بكل ما يدفع إلى القيام بالواجبات، وتقدمت الإشارة إلى أن الدين الإسلامي عني ببناء المجتمع الإسلامي الذي بناؤه نابع من صلاح الأسَرة، ومن هذه الوصايَا ندرك القدر العظيم في بناء المجتمع الذي جعل الدين الإسلامي التكافل أحد لبناته، فالعفة والطهارة تحوط(32/285)
كل ما يجري فيه من معاملات، كل ذلكَ مرتبط بعهد الله عز وجل ولتحقيق هذه الغاية يرى المتأمل أن الوصايا بدأت بأعظم أسس إصلاح المجتمع وهي أسس عظيمة لكن توحيد الله عز وجل في المقام الأول، فالمجتمع السليم يقوم على المبدأ السليم ولا حياة لمجتمع يفقد العقيدة النقية الموافقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا صحت العقيدة صح بناء المجتمع وإذا فسدت العقيدة فسد المجتمع، وبصحة العقيدة تصح العبادات، وإذا صحت العبادات أثمرت الأعمال وقوي الرجاء في النجاة بين يدي الله عز وجل ما لم يتخلف القبول بسبب خارجي، ولهذا فإن اللازم قبل الدخول في الأوامر والنواهي، وقبل الشروع في التكاليف والواجبات أن تقوم في المجتمع قاعدة التوحيد قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [2] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا لا إله إلا الله ... " [3] الحد يث. وقال لما بعث معاذاً إلى اليمن: " ... فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ... " [4] وق ـد عني الكتاب والسنة بالتوحيد وجعله قاعدة أساسية لجميع الأعمال، منها تستمد الحقوق والواجبات، وقد رتب الِإسلام على العقيدة ما رتب من الولاء والبراء، وما وضع من الشرائع والأحكام فيجب أن يعترف الإنسان في هذا العصر المليء بالمتناقضات بربوبية الله له في كل شأن من شئون حياته، كما يجب أن يعترف بالله عز وجل إلهاً واحداً، لا شريك له في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، ولا ريب أن المتأمل يجد في هذه الوصايا تحديدا للمنهج الذي يجب أن يسير عليه كل مسلم إنه المنهج الإسلامي الرفيع الذي يقدم الأسلوب الوقائي على الأسلوب العلاجي، ولا يعرض الناس لَلفتنة ثم يكلفهم مشقة في المقاومة تتلف أعصابهم وتهدر طاقاتهم، إن الإسلام دين وقاية قبل أن يرسم الحدود ويوقع(32/286)
العقوبات فهو دين حماية للفرد والأسرة والمجَتمع، يرعى الإنسان في شئون دنياه ويرشده في أمور آخرته، يحمي الضمير الإنساني فلا يهجس فيه إلا خير ولا ينطوي إلا على صفاء الاعتقاد، ونداء الحق، وهاتف الخير، ومراقبة الله في السر والعلانية، إنه دين صيانة المشاعر، إذ يرشد إلى سمو الأخلاق، ويحذر من الإساءة أياً كان مصدرها والباعث عليها، واعتنى بالحواس فأرسى قواعد تهذيبها، ووطَد دعائم حماية الجوارح، والحماية منها أيضا جعل لكل ذلك قانونه وضوابطه في شتى مجالات الأعمال الدنيوية والأخروية. وربك أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير.
الباحث
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الآيات (151-153) من سورة الأنعام.
[2] الآية (19) سورة محمد.
[3] أخرجه الإمام البخاري (الصحيح مع الفتح1/75) .
[4] أخرجه الإمام البخاري (المصدر السابق 3/ 261)(32/287)
عُقُودُ الزّبَرْجَدِ عَلَى مُسْنَدِ الإمَام أحمَدَ
فِي إعرَاب الحَدِيثِ
تأليف: جلال الدين السيوطي
تحقيق: الدكتور حسن موسى الشاعر
أستاذ مشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة
مسند أنس بن مالك (1) (رضي الله عنه)
49- حديث الشفاعة، قوله: "يُجْمَعُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القيامة فَيُلْهَمُونَ ذلك".
قال أبو البقاء: (ذلك) إشارة إلى المذكور بعده، وهو حديث الشفاعة. ويجوز أن يكون قد جرى ذكره قبل، فأشار بذلك إليه، ثم ذكر بعد منه طائفة.
وقوله: "فيقولون لو اسْتَشْفَعْنا على رَبِّنا".
عدّى (استشفعنا) بعلى، وهي في الأكثر تتعدّى بإلى، لأن معنى استشفعت توسلت، فتتعدى بإلى، ومعناها أيضاً استعنت، يقال: استشفعتُ إليه واستعنتُ عليه، وتحمّلت عليه بمعنى واحد. ومن هذا قول الشاعر:
إذا رَضيَتْ عَلىَّ بنو قُشَيرٍ
] لَعمرُ أبيكَ أعجبني رضاها [ (2)
__________
(1) أنس بن مالك بن الخضر الأنصاري الخزرجى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد المكثرين من الرواية عنه. خدمه عشرين سنين شهد الفتوح ثم قطن البصرة، وكان أخر الصحابة موتاً بالبصرة. أنظر: الِإصابة 1/ 084 الأعلام 2/ 24.
49- حديث الشفاعة حديث طويل وفيه "يجمع المؤمنون يوم القيامة فيلهمون ذلك فيقولون لو استشفعنا على ربنا فأراحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم… فيقول لهم: لست هناكم، ويذكر ذنبه الذي أصابه فيستحي ربّه عز وجل من ذلك ... "أنظر: البخاري: كتاب التوحيد 13/477. مسلم 3/54 مسند أحمد 3/116 مشكاة المصابيح 3/69.
(2) هذا البيت من قصيدة قالها القُحيف العقيلي، وهو شاعر إسلامي مقل، يمدح بها حكيم بن المسيب القشيري. انظر: المقتضب 2/ 320 مغني اللبيب 153. خزانة الأدب 10/132 وما بعدها.
قال ابن جني: "ذهب الكسائي إلى أنه عدّى رضيت بعلى لما كان ضد سخطت، وسخطت مما يعدّى بعلى. وكان أبو علي يستحسنه من الكسائي ". الخصائص 2/289.(32/288)
فعدّاه بعلى. قال أبو عبيدة: "إنما ساغ ذلك لأن معناه أقبلت علىّ". انتهى.
قلت: في رواية للبخاري "لو استشفعنا إِلى ربّنا" بإلى على الأصل.
قال الكرماني: وجواب "لو" محذوف، أو هي للتمني.
وقال الطيبي: "لو" هي المتضمنة للتمني والطلب. وقوله (فَيُريحَنا) منصوب بأن المقدّرة بعد الفاء الواقعة جواباً للو. وقوله: (أأنت آدم) من باب:
أنا أبو النجم وشِعْري شِعْري
ثم قال أبو البقاء: وقوله: "لَسْتُ هُنَاكمُ": (هنا) في الأصل ظرف مكان وقد استعملت للزمان، ومعناها هاهنا عند، أي لست عند حاجتكم أنفعكم، والكاف والميم لخطاب الجماعة. وقوله: "فيستحي ربَّه من ذلك" الأصل فيستحي من ربّه فحذف (من) للعلم بها، كقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} (1) أي من قومه. ويجوز أن لا يكون فيه حذف، ويكون المعنى يخشى ربَّه أو يخاف ربَّه، لأن الاستحياء والخشية بمعنى واحد. وقوله: "ولكن ائتوا موسى عَبْدٌ" تقديره: هو عبد. ولو نصب جاز على البدل أو على الحال، والرفع أفخم. وقوله: "ائتوا عيسى عَبْد الله" الرفعِ فيه أجود كما رفع ما قبله على التعظيم، ويجوز النصب على الصفة. وقوله: "ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم عَبْداً غفر الله له" فنصب هاهنا على البدل أو الحال أو على إضمار أعني، ولو رفع كما رفع (عَبْدٌ كلّمه الله) لجاز. وقوله: "أنتظر أُمتِي تَعْبُرُ الصِّراط" التقدير: أنتظر أمتي أن تعبر، فأن والفعل في تقدير مصدر موضعه نصب بدلاً من أمتي بدل اشتمال، ولما حذف (أن) رفع الفعل، ونصبه جائز.
وقوله: "فالخَلْقُ مُلْجَموُنَ في العَرَق" يجوز أن يكون المعنى أنهم في العرق ملجمون بغيره، فيكون (في العرق) خبراًَ عن الخلق، و (مُلْجَمون) خبراً آخر. ويجوز أن يكون (في) بمعنى الباء، ويكون العرق ألجمهم. هذا كلُّه كلام أبي البقاء
وقوله: "فَاحْمَدُهُ بِمَحامِدَ لا أقدر عليه الآن".
__________
(1) الأعراف 155.(32/289)
قال النووي: هكذا هو في الأصول "لا أقدر عليه" وهو صحيح، ويعود الضمير في (عليه) إلى الحمد.
وقوله في الرواية الأخرى: "لستُ لها".
قال الطيبي: اللام متعلقة بمحذوف. واللام هي التي في قولك: أنت لهذا الأمر، أي كائن له ونختص به. وعلى هذا قوله: "أنا لها" وقوله: "ليس ذلك لك".
50 - حديث الغار، قوله: "إِنَّهُ كانَ لي والدان فكُنْتُ أَحْلِبُ لَهمُا في إنائِهما فآتيهما، فإذا وَجْدتُهما راقِدَيْن قُمْتُ عَلى رُؤُوسِهما كرَاهِيةَ أنّ أَرُدِّ سِنَتَهمُا في رُؤوسهما حتّى يستيقظان متى استيقظا".
قال أبو البقاء: هكذا وقع في هذه الرواية "حتى يستيقظان" بالنون، وفيه عدة أوجه: أحدها: أن يكون ذلك من سهو الرواة، وقد وقع ذلك منهم كثيراً، والوجه حذفها بحتى، لأن معناها إلى أن يستيقظا، وتتعلق بقمت.
والثاني: أن يكون ذلك على ما جاء في شذوذ الشعر، كقوله:
أَنْ تقرآنِ عَلى أسْماء وَيحكُما
مِنيّ السَّلامَ وأَنْ لا تُخْبِرا أَحَدا (1)
والثالث: أن يكون على حذف مبتدأ، أي حتى هما يستيقظان.
وقوله: "متى استيقظ" تقديره: سقيتهما. ويجوز أن يكون المعنى أؤخر أو أنتظر أي وقت استيقظا. انتهى.
51 - حديث الأوعية، قوله: "فالرصاص والقارورة، قال: ما بأس بهما".
__________
(1) هذا ثالث ثلاثة أبيات لا يعرف قائلها ,والشاهد فيها قوله (أن تقرآن) حيث أهمل (أن) ولم تنصب.قال ابن مالك:جاء على لغة من يرفع الفعل بعد (أن) حملاً على (ما) أختها. انظر:شواهد توضيح ص 180. شرح ابن يعيش 7/ 15.مغني اللبيب ص 28.شرح أبيات مغني اللبيب 1/ 135.حاشية الصبان 3/ 287.الإنصاف مسألة 77.
51 – سُئل أنس عن الشرب في الأوعية فقال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المزفتة , وقال كل مسكر حرام. قال , قلت:وما المزفتة؟ قال: المقيّرة. قال , قلت: فالرصاص والقارورة؟ قال: ما بأس بهما ... "مسند أحمد 3/ 112.(32/290)
قال أبو البقاء: جعل اسم (ما) نكرة والخبر جار ومجرور، والأكثر في كلامهم أن يقدّم هاهنا الخبر، فيقال: ما بهما بأس. وتقديم المبتدأ جائز لأن البأس مصدر، وتعريف المصدر وتنكيره متقاربان. وقد قالوا: "لا رجلٌ في الدار". فرفعوا بلا النكرة. و (ما) قريب منها. ويجوز أن يحمل (ما) على (لا) .
52 - حديث "لا تَزالُ جَهَنَّمُ تقول "هَلْ مِنْ مَزيد" حتى يَضَعَ فيها رَبُّ العِزَّةِ قَدَمه، فتقول: "قَطْ قَطْ وعِزَّتِك".
قال الأندلسي في شرح المفصّل: (قَطْ) المخففة معناها حَسْب، وهي مبنية على السكون لوقوعها موقع فعل الأمر، وتدخلها نون الوقاية حرصاً على إبقاء سكونها. قال:
امتلأ الحَوْضُ وقال قَطْني
وربما حذفت نون الوقاية منها، مثله في عني ومني (1) . وإنما لم تُبنَ حَسْب وإن كانت في معناها لأنها لم توضع في أول أحوالها وضع الفعل كما فُعل بقط، لأنك تصرفها فتقول أحسبني الشيء إحساباً، وهذا حَسْبُك أي كافيك، فلما تصرّف بهذه الوجوه دون قَط أُعرب ولم يُبْنَ، وتنون قَطْ هذه في التنكير لأنها بمنزلة صَهْ ومَهْ.
53- حديث "قوموا فلأصلّي لكم".
قال أبو البقاء: لم يقل (بكم) لأنه أراد من أجلكم لتقتدوا بي. انتهى.
__________
(1) ومن حذف نون الوقاية منهما قول الشاعر:
أيّها السائل عنهُم وعني لستُ من قيسٍ ولا قيسُ مِني
انظر: الأشموني والصبان 1/ 124.(32/291)
وقال إن مالك في التوضيح: يروي قوله (فلأصلّي) بحذف الياء وبثبوتها مفتوحة وساكنة، واللام عند ثبوت الياء مفتوحة لام كي، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، وأن الفعل في تأويل مصدر مجرور، واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: قوموا فقيامكم لأصلي لكم. ويجوز على مذهب الأخفش أن تكون الفاء زائدة، واللام متعلقة بقوموا، واللام عند حذف الياء لام الأمر، ويجوز فتحها على لغة سُليم، وتسكينها بعد الفاء والواو وثُمّ على لغة قريش، وحذف الياء علامة الجزم. وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فيصح قليل في الاستعمال، ومنه قوله تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} (1) . وأمّا في رواية من أثبت الياء ساكنة فيحتمل أن تكون اللام لام كي وسكنت الياء تخفيفاً، وهي لغة مشهورة، أعني تسكين الياء المفتوحة، ومنه قراءة الحسن {وذروا ما بَقِيْ من الرّبا} (2) وقرىء {فَنَسيْ} (3) و {ثانيْ اثنين} (4) بالسكون. ويحتمل أن تكون اللام لام الأمر وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح، كقراءة قُنْبُل. . {إنه من يتقيْ ويصبر} .
وقال الزركشي: قال ابن السّيد: يرويه كثير من الناس بالياء، ومنهم من يفتح اللام ويسكن الياء ويتوهمونه قَسَما، وذلك غلط، لأنه لا وجه للقسم، ولو كان لقال فلأصلينّ، بالنون. وإنما الرواية الصحيحة (فلأصلّ) على معنى الأمر. والأمر إن كان للمتكلم والغائب كان باللام أبدا، وإذا كان للمخاطب كان بلام وغير لام.
قوله: "وصَفَفْتُ أنا واليتيم وراءه".
__________
(1) العنكبوت:12.
(2) البقرة: 278. قال العكبري: الجمهور على فتح الياء، وقد قرىء شاذاً بسكونها، ووجهه أنه خفّف بحذف الحركة عن الياء بعد الكسرة. انظر: إملاء ما منّ به الرحمن 1/117، الدر المصون للسمين الحلبي 2/637.
(3) طه: 115.
(4) التوبة: 40. وانظر: إملاء ما منّ به الرحمن 1/15.(32/292)
قال الزركشي: بنصب اليتيم ورفعه. ويروى "وصففت واليتيم"من غير توكيد. والأول أفصح، إذ لا يعطف غالباً على الضمير المرفوع إلاّ مع التأكيد، كقوله تعالى: {اسْ كُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (1) .
54- حديث "مرّ النبي بِتمْرَةٍ مسقوطة".
قال الكرماني: القياس أن يقال سَاقطة، لكنه قد يجعل اللازم كالمتعدّي بتأويل، كقراءة من قرأ {وعُموا وصُمّوا} (2) بلفظ المجهول.
التيمي: هي كلمة غريبة لأن المشهور أن (سقط) لازم، على أن العرب قد تذكرِ الفاعل بلفظ المفعول وبالعكس إذا كان المعنى مفهوماً. ويجوز أن يقال جاء (سُقِط) متعدياَ أيضاً بدليل قوله تعالى: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِم} . قال الخطابي: "يأتي المفعول بمعنى الفاعل كقوله تعالى: {كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} (3) أي آتيا". [انتهى] .
وقال ابن مالك: (مسقوطة) بمعنى مُسقَطة، ونظيره مرقوق بمعنى مُرَقّ أي مسترق، عن ابن جني، ومثله أيضاً رجل مفؤود أي جبان، ولا فعل له، [إنما يقال فُئد بمعنى مرض فؤاده لا بمعنى جبن. وكما جاء مفعول ولا فعل له جاء فُعِلَ ولا مفعول له [ (4) كقراءة النخعي {ثم عُمُوا وصُمُّوا} ولم يجيء مَعْمِيّ ولا مَصمُوم استغناء بأعْمى وأَصَمّ.
55 -: حديث "ما صَلَّيْتُ ورَاء إمامٍ قَطّ أَخَفَّ صَلاةً".
قال الكرماني: (أخفّ) صفة للإِمام. و (صلاة) تمييز له. وقوله: "وإنْ كانَ لَيَسْمَعُ بكاء الصبي"أصله: وإنّه كان، مخفف وفيه ضمير الشأن.
56- حديث: "إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأَبا بكرٍ وعمرَ كانوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاةَ بالحمدُ لله ربّ العالمين".
قال الزركشي والكرماني (5)
__________
(1) البقرة:35.
(2) المائدة: 71. وهي قراءة إبراهيم النخعي كما سيأتي.
(3) مريم:61.
(4) ما بين المعقوفين ساقط من النسخ، وهو مثبت في شواهد التوضيح لابن مالك ص 197.
(5) صحيح البخاري بشرح الكرماني 5/ 111.
57- عن أنس قال:"صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رقا المنبر فأشار بيديه قِبَل قبلة المسجد ثم قال: لقد رأيت الآن- منذ صليت لكم الصلاة- الجنة والنار ممثلتين في قبلة هذا الجدار، فلم أرَ كاليوم في الخير والشر- ثلاثاً". البخاري: كتاب الأذان. فتح الباري 2/232. مسند أحمد 3/162.(32/293)
: (الحمدُ) بضم الدال على سبيل الحكاية.
57- حديث: "لقد رأيتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكمُ الَجنَّةَ والنّار".
قال الكرماني: فإن قلت (الآن) للحال، و (رأيتُ) للماضي، فكيف يجتمعان؟ قلت: دخول (قد) عليه قرّبه إلى الحال. فإن قلت: فما قولك في (صَلَّيتُ) فإنه للمضيّ البتة؟ قلت: قال ابن الحاجب: كل مخبر أو منشئ فقصده الحاضر، فمثل (صليت) يكون للماضي الملاصق للحاضر. أو أريد بالآن ما يقال عرفاً إنه الزمان الحاضر، لا اللحظة الحاضرة الغير المنقسمة المسماة بالحال. فإن قلت: (منذ) حرف أو اسم؟ قلت: جاز الأمران. فإن كان اسماً فهو مبتدأ وما بعده خبر، والزمان مقدّر قبل (صليت) . وقال الزجاج بعكس ذلك.
قوله: "فَلَمْ أَرَ كالْيَومِ في الخير والشرّ".
قال الطيبي: الكاف في موضع الحال. وذو الحال المفعول به، وهو الجنة والنار. والمعنى: لم أر الجنة والنار في الخير والشر يوماً من الأيام مثل ما رأيت اليوم. أي رأيتها رؤية جليّة ظاهرة مثبتاً في مثل هذا الجدار، ظاهراً خيرها وشرّها. ونحوه قولِ الشاعر:
حتى إذا الكلاّبُ قالَ لها
كاليومِ مَطْلوباً ولا طَلَبا
58- حديث "يُؤْتَي بالرَّجلِ يَوْمَ القِيامةِ مِنْ أَهلِ الجنَّة، فيقولُ له: يا بْنَ آدم كيفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَك؟ فيقول: أيْ رب خيْرَ مَنزِل".
قال أبو البقاء: النصب هو الوجه، أي وجدته خيرَ منزل.
59- حديث "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُداً فَتَبِعَه أبو بكر وعمرُ وعثمانُ فرَجَفَ بهم، فقال: اسكُنْ نَبيٌّ وصدّيقٌ وشَهيدان".
قال أبو البقاء: تقديره عليك نبيٌّ. وقد جاء مفسّراً في حديث آخر.
60- حديث "لا عَدْوَى ولا طِيْرة".(32/294)
قال ابن مالك في شرح التسهيل: "أكثر ما يحذف الحجازيون خبر لا مع إلاّ نحو: لا إله إلاّ الله". ومن حذفه دون إلاّ قوله تعالى: {قَالُوا لا ضَيْر} وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ ولا ضِرار" (1) و"لا عدوى ولا طيرة" (2) .
61 - حديث "إنّه الإيمان حُبّ الأنْصارِ وإنَّهُ النِّفاقُ بُغْضُهم".
قال أبو البقاء: " (إنَّ) المؤكدة، والهاء فيها ضمير الشأن مثل قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ} (3) وليست ضميراً عائداً على مذكور قبله، إذ ليس في الكلام ذلك. و"الإِيمان حبّ الأنصار" مبتدأ وخبر، وهو خبر إن كأنه قال: إنّ الأمر والشأن الإِيمان حبّ الأنصار. ويروى (آية الإيمان) وهو ظاهر". انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: " (آية) بهمزة ممدودة وياء تحتية مفتوحة وهاء تأنيث. و (الإِيمان) مجرورة بالإضافة. هذا هو المعتمد في ضبط هذه الكلمة في جميع الروايات في الصحيحين والسنن والمستخرجات والمسانيد. والآية العلامة".
قال: "وما ذكره أبو البقاء من أنه بهمزة مكسورة ونون مشدّدة وهاء، و (الإيمان) بالرفع، تصحيف منه".
قلت: ويؤيد ذلك أن في رواية النسائي "حبّ الأنصار آية الإيمان". و (الأنصار) أصله جمع ناصر كأصحاب وصاحب. أو جمع نصير كأشراف وشريف. صار علماً عليهم بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم.
62- حديث "إنّي لأوَّلُ الناسِ تَنْشَقُ الأرض عن جُمْجُمَتي يَوْمَ القِيامةِ ولا فَخْرٌ".
كان مقتضى اللفظ (عن جمجمته) لكنه جاء على نسق الضمير في (إني) على حدّ قول الشاعر:
__________
(1) مسند أحمد 5/327.
(2) مسند أحمد 1/174 , 2/153 , 3/130 ,173.
61 - البخاريَ: الكتاب الإيمان 1/ 62. ومسلم 2/ 63 مسند أحمد 3/ 130، 134. وفي هذه المصادر جميعها (آية الإيمان.. وآية النفاق..) أما (إنه الِإيمان. وإنّه النفاق..) فهي رواية كتاب جامع المسانيد لابن الجوزي الذي اعتمد عليه العكبري في إعراب الحديث
(3) سورة الحج. آية 46.(32/295)
أنا الرَّجُلُ الضَّرْبًّ الذي تَعْرِفُونَني
وقوله: "ولا فخر".
قال الطيبي: حال مؤكدة، أي أقول هذا ولا فخر.
63 - حديث "إنَّ الشَّيْطانَ يَجْري مِن ابْنِ آدمَ مَجْرَى الدَّم".
قال الطيبي: "عدّى (يجري) بمن على تضمنه معنى التمكن، أي يتمكن من الإنسان في جريانه مجرى الدم. وقوله (مجرى الدم) يجوز أن يكون مصدراًَ ميمياً، وأن يكون اسم مكان".
64 - حديث "إِن اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصْبحَ وتُمسِيَ لَيْسَ في قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِن المسُلمين فَافْعَل".
قال الطيبي: (تصبح) أي تدخل في وقت الصبح. و (ليس) حال تنازع فيه الفعلان. والمراد بهما الديمومة.
وقوله (فافعل) جزاء. كناية عما سبق في الشرط من المعنى. أي إن فعلت ما نصحتك به فقد أتيت بأمر عظيم.
65 - حديث "قَدِمَ عَليٌّ على النبيِّ خيالها من اليمن، فقال: بِما أَهْلَلْتَ؟ ".
قال ابن مالك في توضيحه: شذ ثبوت الألف في (بما أهللت) لأن (ما) استفهامية مجرورة، فحقّها أن تحذف ألفها فرقاً بينها وبين الموصولة. هذا هو الكثير نحو {لِمَ تَلْبِسُون} و {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (1) و {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} (2) . ونظير هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "ليأتينّ علَى الناَس زمان لا يبالي المرء مما أخذ المال أمن حلال أم من حرام" (3) . وقول سهل بن سعد وقد امتروا في المنبر ممّ عوده "إني لأعرف مما عوده". ونظير ثبوت الألف في الأحاديث المذكورة ثبوتها في {عَمَّا يتساءلون} (4) في قراءة عكرمة وعيسى. ومن ثبوتها في الشعر قول حسان:
على ما قام يَشْتمُني لئيمِّ
كخِنْزيرٍ تَمرّغَ في رَمادِ
وقول عمر بن أبي ربيعة:
عَجَبا ما عَجبْتُ ممّا لو ابْصَر
ْتَ خَليلي ما دُونه لَعجِبْتا
لمقالِ الصًّفِيِّ فِيمَ التَجنّي
__________
(1) النمل: آية 35.
(2) النازعات: آية 43.
(3) فتح الباري شرح البخاري 4/313.
(4) النبأ: آية 1.(32/296)
ولما قد دعوتَنا وهَجَرْتا (1)
وفي عدول حسّان عن (علام يقوم يشتمني) وعدول عمر عن (ولماذا) مع إمكانهما دليل على أنهما مختاران لا مضطران
66 - حديث "ولا تَنْقُشُوا في خَواتيمكم عربي".
قالت أبو البقاء: "إنما رفع (عَربي) لأنه حكاية لقوله (محمد رسول الله) فهو على الحكاية. أي لا تنقشوا ما صورته عربي".
قلت: رواه النسائي بلفظ (عربياً) بالنصب. ويمكن أن يكون في رواية أحمد منصوباً، ولكنه كتب بغير ألف، كما قدرناه في موضع آخر من هذا الكتاب.
67 - حديث "وايم الذي نَفْسي بيده لو رَأَيْتم ما رَأَيتُ لَضحِكْتُم قليلاً ولَبكيتم كثيراً".
قال ابن يعيشْ في شرح المفصل: " (اَيْمُن الله) اسم مفرد موضوع للقسم مأخوذ من اليمن والبركة، كأنهم أقسموا بيمن الله وبركته، وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف للعلم به، كما كان كذلك في لَعَمْرُ الله. وتقديره: آيْمن الله قسمي أو يميني ونحوهما. وفتحت الهمزة منه لأنه غير متمكن، لا يستعمل إلا في القسم وحده، فضارع الحرف بقلة تمكنه، ففتح تشبيهاً بالهمزة اللاحقة لام التعريف، وذلك فيه دون بناء الاسم لشبه الحرف، ويؤكد حال هذا الاسم في مضارعته الحرف أنهم قد تلاعبوا به فقالوا مرة اَيْمُن الله، بالفتح، ومرة اِيمُن الله بكسر الهمزة، ومرة اَيْمُ الله بحذف النون، ومرّة اِيمُ الله بالكسر، ومرة مُ الله، ومرة مَ الله، ومرة مُنِ ربي، ومرة مُنُ ربي".
وقال في النهاية: " (ايمُ الله) من ألفاظ القسم، كقولك: لَعمُر الله وعَهْدُ الله. وفيها لغات كثيرة: وتفتح همزتها وتكسر، وهمزتها همزة وصل، وقد تقطع". انتهى.
68 - حديث "إنه أنزلت عليَّ آنفا سورة" وفي حديث جرير "ذكرك آنفا".
__________
(1) ديوان عمر بن أبىِ ربيعة ص 73 طبعة صادر.(32/297)
قال أبو البقاء: " (آنفا) منصوب على الظرف، تقديره ذكرك زماناً آنفا، أي قريباً من وقتنا، حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. ويجوز أن يكون حالاً من ضمير الفاعل، أي ذكرك مستأنفاً لذكرك. ومنه قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفاً} ". انتهى.
ومثله حديث "إلاّ الدَّيْن سارَّني به جبريلُ آنفا". وحديث "هل قرأَ أَحدٌ منكم معي آنفا" وحديث "عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط" (1) .
وقال أبو حيان: " (آنفا) منصوب على الحال، تقديره مؤتنفاً مبتدئاً. قالَ: وأعربه الزمخشري ظرفاً، أي الساعة، ولا أعلم أحداً من النحويين عدّه من الظروف". انتهى.
69 - حديث "تلك صلاةُ المنافقِ، يَجْلسُ يرقُبُ الشَّمْسَ حتى إِذا اصْفَرَّتْ قام فنَقَر أَرْبَعاً لا يذكر الله فيها إلاّ قليلا".
قال الطيبي: (تلك) إشارة إلى ما في الذهن من الصلاة المخصوصة، والخبر بيان ما في الذهن. و (يجلس…) إلى آخره جملة مستأنفة بيان للجملة السابقة. ويجوز أن تكون حالاً. و (الشمس) مفعول (يرقب) ، و (إذا) ظرف معمول بدل اشتمال من الشمس، كقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ} (2) . يعني يرقب وقت اصفرار الشمس. وعلى هذا (قام) استئناف. ويجوز أن يكون (إذا) للشرط، و (قام) جزاؤه. والشرطية استئنافية.
وقال الشيخ ولي الدين العراقي: "الإشارة بـ (تلك) إلى صلاة العصر التي تؤخر إلى اصفرار الشمس، وكأنه كان تقدم ذكرها من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أو بحضرته، فأعاد الإشارة إليه".
70 - حديث "يَتْبَعُ الميّتَ ثلاثٌ أَهْلُه ومالهُ وعَملُه، فيرجعُ اثنان ويبقى واحد".
__________
(1) مسند أحمد 3/162.
(2) 9- مسلم بشرح النووي 5/123. مسند أحمد 3/ 185. وفي مشكاة المصابيح: كتاب الصلاة- باب تعجيل الصلوات.
مريم: آية 16.(32/298)
قال أبو البقاء: الوجه أن يقال (ثلاثة) ، لأن الأشياء المذكورة مذكرات كلها، ولذلك قال: "فيرجع اثنان ويبقى واحدا"فذكرّ. والأشبه أنه من تغيير الرواة من هذا الطريق. ويحتمل أن يكون الوجه فيه ثلاث عُلَق، والواحدة عُلْقة، لأن كلاًّ من هذه المذكورات علقة، ثم إنّه ذكرّ بعد ذلك حملاً على اللفظ بعد أن حمل الأوّل على المعنى. ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً} (1) بتأنيث الأول وتذكير الثاني.
قلت: رواه البُخاري ومسلم والترمذي والنسائي بلفظ (ثلاثة) ، وكذا هو في النسخة التي عندي من المسند.
71 - حديث "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حتّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لِنَفْسِه".
قال الحافظ ابن حجر: " (يحبَّ) بالنصب، لأن (حتى) جارة، فأَنْ بعدها مضمرة، ولا يجوز الرفع على أن (حتى) عاطفة، لأن المعنى غير صحيح، إذ عدم الإيمان ليس سبباً للمحبّة".
72 - حديث "سألتُ الله عز وجل أَيّما إنسانٍ مِنْ أُمّتي دَعَوْتُ عليه أن يَجْعلَها له مغفرة".
قال أبو البقاء: " (أيّما) يجوز النصب على معنى سببته، وما بعده تفسيرٌ له، والرفع على الابتداء وما بعده خبر".
73 - حديث "كان يَدْخُلُ الخَلاء".
قال ابن الحاجب وغيره (2) هو منصوب على الظرفية، لأن (دخل) من الأفعال اللازمة، بدليل أن مصدره على فُعول، وما كان مصدره على فُعول فهو لازم. ولأنه نقيض خرج، وهو لازم فيكون هو أيضاً كذلك.
__________
(1) سورة الأحزاب: آية 31- قال العكبري {ومن يقنت} يقرأ بالياء حملاً على لفظ مَنْ، وبالتاء على معناها ومثله {وتعمل صالحاً} . ومنهم من قرأ الأولى بالتاء والثانية بالياء. انظر: إملاء ما منّ به الرحمن 2/192.
(2) قال الرضي: اعلم أن دخلت وسكنت ونزلت تنصب على الظرفية كل مكان دخلت عليه، مبهماً كان أولا، نحو: دخلت الدار…انظر شرح الكافية 1/186.(32/299)
واختار قومٌ أنه مفعول به. وعن سيبويه (1) أنه منصوب بإسقاط الخافض. وجعله الجرمي من الأفعال المتعدية تارة بنفسها وتارة بحرف الجر.
وقال أبو حيان: " (دخل) يتعدّى عند سيبويه لظرف الزمان المختص الحقيقي بغير واسطة في، فإن كان مجازياً تعدّى إليه بواسطة في، نحو: دخلتُ في الأمر".
74 - حديث "لَغَدْوةٌ في سَبيل الله أو رَوْحَةٌ خَير من الدنيا وما فيها".
قال الزركشي: (الغدوة) بالفتح المرة من غدا يغدو. و (روحة) بالفتح المرة من راح يروح. أي الخرجة الواحدة في هذا الوقت من أول النهار وآخره في الجهاد. أي ثواب ذلك في الجنة خير من الدنيا.
75 - حديث "مَنْ نَسِىَ صَلاةً أَوْ نامَ عَنْها".
قال الطيبي: ضمت (نام) معنى غفل، أي غفل عنها يا حال نومه.
قوله: "فكفّارتها".
قال الطيبي: "الكفارة عبارة عن الفعلة أو الخصلة التي من شأنها أن تكفّر الخطيئة، وهي فعّالة للمبالغة كقتّالة وضرّابة، وهي من الصفات الغالبة في الاسمية".
76 - حديث "العيادَةُ فُواقُ ناقَة".
قال الطيبي: (فُواق) خبر المبتدأ، أيَ زمان العيادة مقدار فواق (2) ناقة.
77 - حديث "لَبَّيْكَ عُمْرةً وحَجًّا".
قال أبو البقاء: النصب بفعل محذوف تقديره أريد عمرةً وحجا، أو نويت عمرةً وحجا.
78 - حديث "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلّي في نَعْلَيه".
قال ابن مالك: (في) هنا بمعنى باء المصاحبة، كقوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِه} (3) .
79 - حديث الإِسراء، قوله: "قالوا مَرْحَباً بِه وأَهْلاً".
هما منصوبان بفعل مضمر وجوباً، أي صادفت رُحباً، بضم الراء، أي سعة، ووجدت أهلاً، فاستأنس.
__________
(1) قال سيبويه: وأما دخلته دخولاً وولَجته ولوجاً فإنما هي ولَجْتُ فيه ودخلتُ فيه، ولكنه ألقى (في) استخفافاً.. أنظر: الكتاب 4/10.
(2) الفواق ما بين الحلبتين من الوقت، أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع (القاموس المحيط)
(3) القصص: آية 79.(32/300)
وقال القاضي عياض والنووي: " (مرحبا) نصب على المصدر، وهو لفظ استعملته العرب وأكثرت منه، تريد به البرّ وحسن اللقاء. ومعناه صادفت رُحباً وسعةًَ وبِرّاً".
وقال الزركشي: "هو منصوب بفعل لا يظهر. وقيل على المصدر. وقال الفراء: معناه رحب الله بك، كأنه وضع موضع الترحيب".
قوله: "فلمّا مرَّ جِبرْيلُ بالنبي صلى الله عليه وسلم بإِدريس".
قال الكرماني: "الباء الأولى للمصاحبة، والثانية للإِلصاق".
قوله: "ونعْمَ المجَيء، جاء".
قال المظهري: "المخصوص بالمدح محذوف، وفيه تقديم وتأخير، تقديره: جاء فنعم المجيء مجيئه".
وقال ابن مالك في توضيحه: فيه شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول، أو بالصفة عن الموصوف، في باب نِعْمَ، لأنها تحتاج إلى فاعل هو المجيء، وإلى مخصوص معناها، وهو مبتدأ مخبر عنه بنِعْم وفاعلها، وهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء، والتقدير: ونعْمَ المجيء الذي جاء، أو نعم مجيء جاء. وكونه موصولاً أجود لأنه مخبر عنه، وكون المخبر عنه معرفة أولى من كونه نكرة.
قوله: "أَصَبْتَ الفِطْرةَ أَنْتَ وأُمَّتُك" (1) .
قال الكرماني: "فإن قلت كيف تقدّر العامل هنا، إذ لا يصح أن يقال أصبت أمتُك؟ قلت: يقدر على وجه ينصبُّ إلى صحة المعنى، كما يقال في قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} " (2) إن تقديره: ولتسكن زوجُك.
قوله: "قَدْ والله راوَدْتُ بني إسرائيل".
قال الكرماني: فإن قلت (قد) حرف لازم دخوله على الفعل. قلت: هو داخل عليه، والقسم مقحم بينهما لتأكيده.
قوله: "بيت المقدس".
قال أبو علي الفارسي: لا يخلو إما أن يكون مصدراً أو مكاناً، فإن كان مصدراً كان كقوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُم} (3) ونحوه من المصادر. وإن كان مكاناً فمعناه بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة".
__________
(1) البخاري: كتاب الأشربة- باب شرب اللبن.
(2) البقرة: آية 35.
(3) الأنعام: آية 60. يونس: آية 4(32/301)
وقال الزجاج: "أي بيت المكان الذي يطهر فيه من الذنوب".
قوله: "فإذا أنا بابني الخالة".
قال الأزهري: "قال ابن السكيت (1) : يقال هما ابنا عمّ ولا يقال ابنا خال، ويقال هما ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة" (2) .
قوله: "إذا هو قد أُعطي شَطر الحسن".
قال الطيبي: "بدل من الأول في معنى بدل الاشتمال".
قوله: "مسنداً ظهره".
قال الطيبي: "منصوب على الحال. وروي بالرفع على حذف المبتدأ".
قوله: "يدخلُه كلَّ يَوْمٍ سبعون ألفَ مَلَكٍ إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم".
قال النووي: "قال صاحب المطالع (3) : (آخر) برفع الراء ونصبها، فالنصب على الظرف، والرفع على تقدير ذلك آخر ما عليهم من دخوله. قال: والرفع أَوْجَه".
قوله: "كُتبت له حسنة".
قال الطيبي: " (كتبت) مبني للمفعول، والضمير فيه راجع إلى قوله (حسنة) . و (حسنةً) وضعت موضع المصدر، أي كتبت الحسنة كتابة واحدة، وكذا (عشرا) وكذا (شيئاً) منصوبان على المصدر".
قوله: "فشُقّ من النَّحرْ إلى مَراقِّ البطن".
قال الجوهري:" [مراق [، لا واحد لها".
وقال الواحدي: "واحدها مَرَق".
80- حديث "رُصُّوا صُفُوفَكُم وقارِبوا بَيْنَها وحاذُوا بالأَعْناق، فوالذي نَفْسي بيده إني لأرى الشَّيطانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصفّ كأَنَّها الحَذَف".
قال المظهري في شرح المصابيح: الضمير في (كأنها) راجع إلى مقدر، أي جعل نفسه شاة أو ما عزة كأنها الحذف.
__________
(1) إصلاح المنطق ص 312.
(2) من قوله (بيت المقدس) إلى هنا، الكلام كفُه في مسلم بشرح النووي 2/ 211 وما بعدها.
(3) مطالع الأنوار على صحاح الآثار: في فتح ما استغلق من كتاب الموطأ ومسلم والبخاري، في غريب الحديث، لابن قرقول إبراهيم بن يوسف المتوفى سنة 569 هو وضعه على منوال مشارق الأنوار للقاضي عياض. انظر: كشف الظنون 2/ 1715.(32/302)
وقال الطيبي في شرح المشكاة: الضمير إذا وقع بين شيئين أحدهما مذكر والآخر مؤنث يجوز تذكيره وتأنيثه، كما في قولهم: من كانت أمَّك، ومن كان أمَّك. وهنا الحَذَف مؤنث، والشيطان شُبّه بها، فيجوز تأنيث الضمير باعتبار الحَذَف وتذكيره باعتبار الشيطان.
81 - حديث "ما مِنْ أَحدٍ يومَ القِيامة غَنِيّ ولا فَقير إلاّ وَدَّ أَنما كان أُوتي مِنَ الدّنيا قوتا".
قال أبو البقاء: (مِنْ) زائدة. و (غني) بالرفع صفة لأحد على الموضع، لأن الجار والمجرور في موضع رفع. ونظيره قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} بالرفعٍ على الموضع وبالجر على اللفظ. ويجوز في الحديث (غنيٍ ولا فقيرٍ) بالجر على اللفظ أيضاً.
82 - حديث "كان لا تشاء أَنْ تَراه مِنَ الليل مُصَلِّياً إلاّ رأَيْتَه".
قال المظهري: " (لا) بمعنى ليس، أو بمعنى لم، أي لست تشاء أولم تكن تشاء، أو تقديره لا زمان تشاء".
وقال الطيبي: "لعل هذا التركيب من باب الاستثناء على البدل، وتقديره على الإثبات أن يقال: إن تشأ رؤيته متهجداً رأيته متهجداً، وإن تشأ رؤيته نائماً رأيته نائماً، يعني كان أمره قصداً لا إسراف ولا تقصير".
83 - حديث "الصَّلاةَ وما مَلكَتْ أَيْمانكُم".
هو منصوب على الإغراء.
قال ابن مالك في شرح الكافية: "معنى الإغراء إلزام المخاطب العكوف على ما يحمد العكوف عليه من مواصلة ذوي القربى والمحافظة على عهود المعاهدين، ونحو ذلك. كقولك لمن تغريه برعاية الخلة وهي المودّة: الخلّةَ الخلِّةَ. أي إلزام الخلة. والثاني من الاسمين بدل من اللفظ بالفعل. وكذا المعطوف كقولك لمن تغريه بالذبّ والحميّة: الأهلَ والولدَ. أي الزم الذبّ عنهم. وقد يجاء باسم المغرى به مع التكرار مرفوعاً، قال الشاعر:
إِن قَوْماً مِنْهمُ عُميرٌ وأشبا
هـ عُمَيْرٍِ ومنهُمُ السَّفّاحُ
لجَديرونَ بِالوفاء إذا قا
ل أَخُو النًجدةِ السِّلاحُ السِّلاحُ"(32/303)
84 - حديث "اللهمَّ إنّي أَشْهَدُ أَنَّك أَنْتَ الله لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ أَحَداً صَمَدا ".
قال الطيبي: " (أحداً صمداً) منصوبان على الاختصاص، كقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} إلى قوله: {قَائِماً بِالْقِسْطِ} (1) . وروي مرفوعان معرّفان صفتان لله".
85 - حديث "إنَّ الحَمْدَ لله وسُبْحانَ الله ولا إِله إِلاّ الله والله أَكْبرُ تُساقِطُ ذُنَوبَ العَبْدِ كما يتساقطُ وَرَقُ الشجَّر".
قال الطيبي: (تُساقط) بضم التاء. وقوله: (كما يتساقط) إن جعل صفة مصدر محذوف لم تبق المطابقة بين المصدرين، وإن جعل حالاً من الذنوب استقام، ويكون تقديره: تساقط الذنوب، مشبهاً تساقطها بتساقط الورق.
86 - حديث "قُلت: يا رسولَ الله وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيم، قال: الله أكبر، ما وَلَدَت؟ قلت: غُلاماً. قال: الحَمْدُ لله، هاتِه".
سئل أبو محمد بن السِّيد البطليوسي عن قولهم: "ما ولد لفلان؟ ولم يقولوا: مَنْ ولد لفلان؟ فأجاب بأن هذا توهمّ من السائل، وأن (مَن) أكثر استعمالاً وأذهب في القياس". انتهى.
وقوله: (غلاماً) بالنصب لأنه جواب ما المنصوبة بولدت، على حدّ قوله تعالى: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرا} (2) .
وقوله: (هاته) يحتمل أن تكون هاء السكت، وأن تكون هاء المفعول، فيستدل به على أن (هات) فعل.
وقوله في الطريق الآخر "لعلّ أم سُلَيم ولدت" (3) .
الظاهر أن (لعل) للاستفهام كقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} (4) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الأنصار وقد خرج إليه مستعجلاً: "لعلَّنا أعجلناك".
__________
(1) آل عمران: آية 18.
(2) 6- مسند أحمد 3/181.
سورة النحل. آية 30.
(3) الطريق الآخر للحديث في مسند أحمد 3/196.
(4) عبس: آية 3.(32/304)
87 - حديث "إنّ رَجُلَين مِنْ أَصْحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم خرَجا مِنْ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مُظلمة ومعهما مِثلُ المِصباحَينِ يُضيئانِ بًينَ أيديهما".
قال الكرماني: "قال الزمخشري: (أضاء) إما متعدّ بمعنى نوّر، وإما غير متعدّ بمعنى لَمعَ". قال: "فقوله: (بين أيديهما) مفعول فيه إن كان فعل الإضاعة لازماً، ومفعول به إن كان متعدياًَ".
88 - حديث "أما تَرْضَى أَنْ تكونَ لهم الدُّنيا ولَنا الآخِرة".
ليست (أما) هذه الاستفتاحية، وإنما هي (ما) النافية دخلت عليها همزة الاستفهام. ولهذا قال عمر في الجواب: "بلى".
ومثله حديث "أما يخشى أحدُكم إذا رفع رأسه في الصلاة أن لا يرجع إليه بصره". وحديث "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار". وحديث "أنه رأى رجلاً شعثاً فقال: أما كان يجد هذا ما يسكِّن به رأسه".
قالت ابن هشام في المغني: زاد المالقي لِـ (أَمَا) معنى ثالثاً، وهو أن تكون حرف عرض بمنزلة لولا، فتختص بالفعل، نحو: أما تقوم، أما تقعد، وقد يُدّعى في ذلك أن الهمزة للاستفهام التقريري مثلها في: ألم، وألا، وأنّ (ما) نافية.
89 - حديث "لما ثَقُلَ رسَولُ الله صلى الله عليه وسلم جَعلَ يتغشَّاه الكَرْب. فقالت فاطمة: واكَرْبَ أَبَتاه. فلما مات قالت: يا أَبتاه، أجاب ربّاً دَعاه، يا أبتاه مِنْ رّبه ما أدناه".
قال الزركشي: "رواه مبارك بن فضالة عن ثابت (واكرباه) ".
وقال الطيبي: " (يا أبتاه) أصله يا أبي، فالتاء بدل من الياء لأنهما من حروف الزوائد، والألف للندبة لمدّ الصوت، والهاء للسكت".
قال: وقوله: " (مَنْ جَنّةُ الفِرْدَوس) وقع مَنْ موصولة، وفي بعض النسخ وقعت جارة. والأول أنسب لأنه من وادي قولهم: وامَنْ حفر بئر زمزماه".(32/305)
90 - حديث "لمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ أَتاه المهاجرون فقالوا: يا رسولَ الله ما رأينا قوماً أَبْذَلَ مِنْ كثيرٍ ولا أَحْسَنَ مواساةً من قليلٍ من قَوْمٍ نَزَلْنا بَيْنَ أَظْهُرِهم".
قال الطيبي: الجاران والمجروران- أعنى قوله: (من كثير ومن قليل) - متعلقان بالبذل والمواساة. وقوله (من قوم) صلة لأبذل وأحسنَ على سبيل التنازع، وقوم هو المفضّل.
91 - حديث "إِذا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ فَقَد اسْتكْمَلَ نِصْفَ دينه فَلْيَتَّقِ الله في النِّصفِ الآخر".
قال الطيبي: قوله: (فقد استكمل) يحتمل أن يكون جواباً للشرط، و (فليتق الله) عطف عليه. ويجوز أن يكون الجواب الثاني والأول عطف على الشرط، فعلى هذا السبب مركب والمسبب مفرد. فالمعنى أنه معلوم أن التزوج نصف الدين، فمن حصّل هذا فعليه بالنصف الباقي. وهذا أبلغ لما يؤذن أنه مقرر ومعلوم أن التزوج يحصّن نصف الدين.
وعلى الوجه الآخر إعلام بذلك فلا يكون مقرراً. وعلى الأوّل السبب مفرد والمسبب مركب. وفيه إعلام أن التزوج سبب لاستكمال نصف الدين المترتب عليه تقوى الله تعالى.
92- حديث "اللهُمَّ إِنَّكَ إنْ تَشأْ لا تُعْبَد بَعْدَ اليوم".
قلت: الفصيح في مثل هذا جزم (تعبدْ) جواباً للشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر إنّ.
ومثله قوله تعالى: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا} . وقد يرفع كقول الشاعر:
يا أقرعُ بْنَ حابسٍ يا أقرعُ
إنّك إنّ يُصْرَعْ أخوك تُصْرَعُ
وقال الكرماني: "مفعول (إن تشأْ) محذوف، وهو نحو: إنّ تشأْ هلاكَ المؤمنين. إذ (لا تعُبدْ) في حكم المفعول، والجزاء محذوف".
93 - حديث "مَنْ يَشْتري العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذن والله تجِدَني كاسدا".
فيه الفصل بين إذن والفعل بالقسم وهو شائع مغتفر.
94 - حديث "لَوْ خَرَجْتُم إِلى ذَوْدٍ لَنا فَشَرِبْتُم مِنْ أَلْبانِها".
قلت: فيه حذف جواب لو، أي لنفعكم أو لشفيتم.(32/306)
قال ابن يعيش: "قد يحذف جواب (لو) كثيراً. قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} الجواب محذوف تقديره أي لرأيت سوء منقلبهم، {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال} (1) أي لكان هذا القرآن. ومن ذلك (لَوْ ذاتُ سِوارٍ لَطَمْتني) لم يأت بجواب، والمراد لانتصفْتُ. وذلك كلّه للعلم بموضعه. وقال أصحابنا إن حذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره، لأن الإِبهام أوقع في النفس".
95 - حديث "إنه صلى الله عليه وسلم أُتي بالبُراقِ فاسْتَصْعَبَ عليه، فقال له جبريل: أبمحمد تفعلُ هذا؟ فو الله مَا رِكِبَكَ أَحدٌ قطُّ أكرم على الله منه. قالت: فأرْفَض عَرَقا".
] عرقا [هو منصوب على التمييز المحوّل عن الفاعل.
96 - حديث "آتي بابَ الجنَّةِ فأَسْتَفتحُ، فيقولُ الخازِنُ: مَنْ؟ فأقول: مُحَمّد. فيقول: بِكَ أُمِرْتُ أَنْ لا أفتح لأحدٍ قَبْلَك".
قال الطيبي: " (بك) متعلق بأمرت، والباء للسببيّة قدّمت للتخصيص.
المعنى: بسببك أمرت بأن لا أفتح لغيرك لا بشيء آخر. ويجوز أن يكون صلة للفعل، و (أن لا أفتح) بدلاً من الضمير المجرور، أي أمرت بأن لا أفتح لأحدٍ غيرك". اهـ.
97 - حديث "وإذا صلَّى جالِساً فصلُّوا جُلوساً أجمعون".
قال الزركشي:] أجمعون [هو تأكيد لضمير الفاعل في قوِله (فصلوا) . ويروى (أجمعين) وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون حالاً أي مجتمعين، أو تأكيداًَ لقوله (جلوساً) . ولا يجيء عند البصريين لأن ألفاظ التأكيد معارفْ.
98 - حديث "مَنْ صَلَّى الضُّحى ثنْتي عَشْرةَ رَكْعَةً بَنَى الله له قَصْراً في الجنّة".
قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي: "يحتمل أن يكون (الضحى) مفعول صلَّى، أقي صلاة الضحى. و (ثنتي عشرة) تمييز. ويحتمل أن يكون مفعول صلّى قوله (ثنتي عشرة ركعة) وأن يكون (الضحى) ظرفاً، أي من صلِّى وقت الضّحى".
99 - حديث "إنّي لأَخْشاكُم لله".
__________
(1) الرعد: آية 31.(32/307)
قال الطيبي: (لله) مفعوٍل لأخشاكم. وأفَعْلَ لا يعمل في الظاهر إلاّ في الظرف.
قال: "وقوله: "ولكنّي أصومُ وأفْطِر" المستدرك منه مقدّر، أي أخشاكم لله فينبغي أن أقوم في العبادة إلى أقصى غايتها، لكني أقصد فيها فأصوم وأفطر وأصلي وأنام. وقوله: "فَمَنْ رَغِبَ عن سُنّتي" الفاء متعلقة بمحذوف، أي لكني أفعل ذلك لأبين للناس الطريقة المثلى والسنة العظمى، فمن رغب عنها فليس مني. و (مِنْ) في (مِنّي) إيصالية كما في قوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْض} (1) . وقوله: "مَنْ لم يوتر فليس منّا" (2) أي فليس بمتصل بنا وبهدينا وطريقتنا. وقول الشاعر:
فإني لستُ منك ولسمتَ منّي" انتهى.
100 -حديث "أنه صلى الله عليه وسلم قال: يا معاذ بْنَ جَبَل".
هو بنصب (ابن) لا غير، ويجوز في (معاذ) الضمّ والفتح.
قال ابن مالك في شرح الكافية (3)
__________
(1) التوبة. آية 67
(2) مسند أحمد 2/443 , 5/ 385.
(3) نظر: ديوان النابغة الذبياني ص 123- طبعة دار صادر- بيروت شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي- تحقيق د. محمد علي سلطاني 2/335. وقد أستشهد سيبويه بالبيت على حذف ياء المتكلم تشبيهاً بياء القاضي، قال سيبويه 4/186: (ودلك قولك هذا غلامْ وأنت تريد هذا غلامي،.. وقال النابغة:
إذا حاولت في أسدٍ فجوراً فإني لستُ منكَ ولست منْ
يريد منيّ. وقال النابغة.
وهم وردوا الجفار على تميمٍ وهم أصحابُ يوم عكاظ إنْ
يريد. إنّي سمعنا ذلك ممن يرويه عن العرب الموثوق بهم. وترك الحذف أقيس…)
100- الحديث عن أنس: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض أسفاره، ورديفه معاذ بن جبل، ليس بينهما غير أخرة الرحل، إذا قال نبي الله صلى الله عليه وسلم يا معاذ بن جبل…". مسند أحمد 3/ 260 البخاري: كتاب العلم- باب من خصّ بالعلم قوماً 1/226. مسلم بشرح النووي 1/230.
شرح الكافية الشافية لابن مالك 3/1297.(32/308)
: "يجوز في العلم المضموم في النداء أن يفتح إذا وصف بابن متصل مضافاً إلى علم نحو: يا زَيْدَ بْنَ عَمْرو. ولا يمتنع الضمّ، وهو عند المبردّ أولى من الفتحً".
وقال الأبَّدَي في شرح الجزولية: الضمّ على أصله يا النداء، ونصب الابن على النعت، لأنه لا يستعمل في الخبر إلاّ نعتاً فكذا يكون في النداء، والفتح على التركيب وجعلهما اسماً واحداً، وكأن حرف الإعراب على هذا في آخر النعت.
وقوله: "ما مِنْ أحدٍ يَشْهَدُ أًنْ لا إِله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله صِدْقا مِنْ قلبه إلاّ حرَّمَه الله على النار".
قال الكرماني: "هو استثناء من أعمّ الصفات، أي ما أحد يشهد كائناً بصفة إلاّ بصفة التحريم".
وقوله: "أَفَلا أً خبرُ بِه الناسَ فيَسْتبْشِروا".
هو منصوب في جواب العرض. وروي (فيستبشرون) بالرفع، أي فهم يستبشرون، كقوله تعالى: {وَلا يُؤْذَنُ ل َهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} (1) .
[مسند أنس بن مالك يتبع في العدد القادم....]
__________
(1) المرسلات: آية 36.(32/309)
رسائل لم يحملها البريد
للشيخ عبد الرءوف اللبدي
أستاذ مساعد بكلية الشريعة
أختي العزيزة: (هل) :
سوف أحدثك في هذه الرسالة السادسة عشرة عن همزة الاستفهام الداخلة على الفعل الماضي (رأى) :
لقد وردت في القرآن الكريم على أربعة أساليب: أسلوب {أَرَأَيْتَ} وأسلوب {أَرَأَيْتَكَ} ، وأسلوب {أَرَأَيْتُمْ} ، وأسلوب {أَرَأَيْتَكُمْ} .
وقد ذهب سيبويه وجماعة من النحاة إلى أن أرأيت في أساليبها المختلفة إذا جاءت بمعنى أخبرني كانت علمية تنصب مفعولين: المفعول الأول ملتزم فيه النصب، ولا يجوز فيه الرفع على اعتبار تعليق أرأيت، لأن أرأيت بمعنى أخبرني، وأخبرني لا تعلّق، فكذلك ما كان بمعناها، أما المفعول الثاني فجملة استفهامية.
وتفسير (أرأيت) بمعنى أخبرني تفسير معنى لا تفسير إعراب، لأن أخبرني تتعدى بعن فتقول أخبرني عن زيد، أما أرأيت فتتعدى بنفسها إلى مفعوله به صريح، وإلى جملة استفهامية هي في موضع المفعول الثاني.
وقد اعترض على سيبويه كثير من النحاة وخالفوه وقالوا كثيرا ما تعلق (أرأيت) ، وفي القرآن الكريم كثير منه، كقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (الآية40) الأنعام.
وذهب أبو الحسن الأخفش (1) إلى أن {أَرَأَيْتَ} قد تخرج عن معنى أخبرني في بعض أساليبها، فتكون بمعنى أَمّا، أو تنبّه، ولا تنصب مفعولا به ولا مفعولين، ومن ذلك قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوت} (الآية63) الكهف. فأرأيت هنا (على رأي أبي الحسن) بمعنى أمّا أو تنبِّه.
__________
(1) البحر المحيط: جـ 6 ص146.(32/310)
وسوف ألتزم في حديثي عن (أرأيت) في أساليبها المختلفة مذهب سيبويه، فأفسرها بمعنى أخبرني وأعربها على أنها علمية تنصب مفعولين: الأول منصوب، والثاني جملة استفهامية، وإذا لم يذكر أحدهما في الكلام أو لم يذكرا معا قدّرت ما لم يذكر.
والآن أبدأ، وأنا أسأل الله تعالى العون والتوفيق- بالحديث عن أسلوب (أرأيتم) لأنه أكثر ورودا، فقد ورد في إحدى وعشرين آية من آيات القرآن الكريم:
الآية الأولى: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُون} (الآية 46) من سورة الأنعام.
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن:
أخبروني أيها المشركون إن ذهب الله بسمعكم فأصمّكم، وذهب بأبصاركم فأعماكم، وختم على قلوبكم فأماتها, فصرتم لا تفقهون حجة، ولا تفهمون حديثا، أيّ إله غير الله يستطيع أن يردّ إليكم ما أخذه الله منكم.
ما أعجب أمرهم يا محمد!! نتابع عليهم الحجج الكثيرة، ونضرب لهم الأمثال والعبر المختلفة، ولكنهم مع هذا كله يعرضون عن الاعتبار والادّكار والإِنابة إلى الله.
هذا، و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه هو السمع والأبصار والقلوب، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} .
وتقدير الكلام: أخبروني أيها المشركون عن سمعكم وأبصاركم وقلوبكم مَن إله غير الله يأتيكم بها إن أخذها الله منكم.(32/311)
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} شهي علمية تنصب مفعولين: الأولى محذوف، وتقديره: أرأيتم سمعكم وأبصاركم وقلوبكم، وقد تنازعه {أَرَأَيْتُمْ} و {أَخَذَ} تنازعا سمعكم وأبصاركم وقلوبكم، فأعمل الثاني وحذف في الأول. أما المفعول الثاني فالجملة الاستفهامية: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} ، وأما جواب الشرط (إن أخذ) فمحذوف لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وقلوبكم فأخبروني من يأتيكم بها. أما إعراب {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} فـ {مَنْ} اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، و {إِلَهٌ} خبره، و {غَيْرُ اللَّهِ} صفة للخبر، وجملة {يَأْتِيكُمْ بِهِ} في محل رفع صفة ثانية للخبر، والضمير {بِهِ} يعود على ما ذكر سابقا، وقد أُفرد وذُكِّر لأنه أجرى مجرى اسم الإشارة المفرد: (ذاك) .
وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا مفيدا التقريع والتوبيخ والتهديد، والتنبيه:
تقريع المشركين وتوبيخهم على عبادتهم الأصنام وعلى إعراضهم عن عبادة الله المنعم عليهم بالسمع والأبصار والأفئدة.
وتهديدهم بأن يأخذ الله منهم هذه النعم التي أنعم بها عليهم، أن يأخذها منهم جزاء كفرهم، ولن تستطيع أصنامهم أن تردّ عليهم هذه النعم، فالأخذ والعطاء بيد الله وحده.
وتنبيههم على أنه ليس هناك إله غير الله يقدر على أن ينعم عليهم بهذه النعم، وأن يأخذها منهم حين يشاء، فالتعلق بغيره لا ينفع ولا يشفع.
الآية الثانية: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} (الآية 50) من سورة يونس.
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن:(32/312)
أخبروني أيها المشركون الذين تستعجلون العذاب، أخبروني عن عذاب الله إن آتاكم ليلا وأنتم نائمون غافلون، أو نهارا وأنتم في طلب المعاش مشغولون، أي شيء تستعجلون منه أيها المجرمون وليس شيء من العذاب يستعجله عاقل؟! فالعذاب كله مرّ المذاق مفزع تنفر منه الطباع، والمجرمون أحق بأن يخافوا التعذيب على إجرامهم، وأن يهلكوا فزعا من ذكره ومن مجيئه وإن أبطأ عليهم، فكيف يستعجلونه؟!
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه عذاب الله، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} .
أما الإِعراب فـ {أَرَأَيْتُمْ} علمية تنصب مفعولين: الأول محذوف تقديره عذاب الله وقد تنازعه {أَرَأَيْتُمْ} و (أتاكم) : أرأيتم يطلبه على أنه مفعول به، وأتاكم يطلبه على أنه فاعل، فأعمل الثاني وحذف في الأول، والمفعول الثاني لأرأيتم هو الجملة الاستفهامية: {مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} والرابط الذي ربطها بالمفعول الأول هو ضمير (منه) ، و (بياتا) و (نهارا) منصوبان على الظرفية الزمانية متعلقان بأتاكم، وإعراب {مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} : (ما) استفهامية في محل رفع مبتدأ، و (ذا) بمعنى الذي خبره، وجملة (يستعجل منه المجرمون) صلته، وقد حذف الضمير العائد على الموصول؟ والتقدير: ما الذي يستعجله من العذاب المجرمون. ويجوز أن تكون (ماذا) كلمة واحدة وتكون في محل نصب مفعولا مقدما، ويكون التقدير: أيّ شيء من العذاب يستعجل المجرمون. وجواب الشرط {إِنْ أَتَاكُمْ} محذوف دلّ عليه ما قبله وهو ْ {أَرَأَيْتُمْ} ومعمولها، والتقدير: إن أتاكم عذابه فأخبروني ماذا تستعجلون منه أيها المجرمون.(32/313)
هذا، وقال الزمخشري في تفسيره الكشاف: "وجواب الشرط {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ} محذوف، وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطأ فيه "اهـ. وقد ردّ أبو حيان في تفسيره البحر المحيط قول الزمخشري هذا وقال:"وما قدّره الزمخشري غير سائغ، لأنه لا يُقدَّر الجواب إلا مما تقدمه لفظا أو تقديرا، تقول أنت ظالم إن فعلت، فالتقدير إن فعلت فأنت ظالم وكذلك (أيَ مما تقدمه تقديرا) {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} التقدير: إن شاء الله نهتد"اهـ. وقال الزمخشري أيضا عند تفسيره هذه الآية: "ويجوز أن يكون {مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} جوابا للشرط كقولك إن أتيتك ماذا تطعمني"اهـ. وقد ردّ أبو حيان هذا الراقي أيضا بقوله: "وأما تجويزه أن يكون ماذا جوابا للشرط فلا يصحّ، لأن جواب الشرط إذا كان استفهاما فلابد فيه من الفاء، والمثال الذي ذكره وهو إن أتيتك ماذا تطعمني، هو من تمثيله لا من والأم العرب"اهـ.
وقد أفاد استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا تقريع المشركين وتوبيخهم على استعجالهم العذاب مع أنهم قوم مجرمون، فهم أحقاء أن يخشوه وأن يفزعوا من ذكره، فكيف يستعجلونه. وأفاد أيضا تهديد المشركين بأن الله تعالى قادر على أن ينزل بهم العذاب في أي وقت يشاء.
الآية الثالثة: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُون} (الآية 59) من سورة يونس.
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن:
أخبروني أيها المشركون عما خلق الله لكم من رزق فحرّمتم بعضه على أنفسكم وحللتم بعضه لها، آلله أذن لكم أن تحرّموا ما حرّمتم من هذا الرزق، وأن تحلّلوا ما حلّلتم منه، أم لم يأذن الله لكم فأنتم تكذبون على الله وتفترون.(32/314)
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم بعضه حراما وبعضه حلالا، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُون} .
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تنصب مفعولين: الأول اسم الموصول (ما) والجملة بعد (ما) صلتها، والعائد محذوف، والتقدير: ما أنزله، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُون} ، والرابط الذي ربط جملة المفعول الثاني بالأول محذوف، والتقدير: آلله أذن لكم فيه.
وجوّز الزمخشري في تفسيره الكشاف، جوّز في (ما) الموصولة هذه وجها ثانيا وهو أن تكون استفهامية منصوبة المحل على أنها مفعول مقدم لأنزل، وهي حينئذ معلّقة لأرأيتم، والجملة في محل نصب سدّت مسدّ مفعولها.
وقال أبو حيان في تفسيره البحر المحيط "والوجه الأول وهو أن تكونا (ما) موصولة أولى، لأن فيه إبقاء {أَرَأَيْتَ} على بابها من كونها تتعدى إلى الأول فتؤثر فيه، بخلاف جعلها استفهامية، فإن أرأيت إذ ذاك تكون معلّقة، وتكون (ما) قد سدّت مسدّ المفعولين"اهـ.
و {قُلْ} الثانية توكيد لفظي للأولى، و (أم) الظاهر فيها أنها متصلة عطفت ما بعدها على ما قبلها، والتقدير: آلله أذن لكم فيه أم لم يأذن.
وجوّز الزمخشري أن تكون منقطعة بمعنى بل أتفترون على الله، أي أنتم تفترون على الله.
وجملة {فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً} معطوفة على جملة {أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْق} و {حَلالاً} مفعول ثان لجعلتم، والمفعول الأول هو {مِنْهُ} باعتبار معناه أي بعضه، والتقدير: فجعلتم بعضه حراما وجعلتم بعضه حلالا.
وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا مفيدا تقريع المشركين وتوبيخهم على تحريمهم بعض ما رزقهم الله، وتحليلهم بعضا آخر، يفعلون ذلك من عند أنفسهم، ثم ينسبون إلى الله كذبا وافتراء.(32/315)
وقد أفاد الإنكار أيضا بمعنى لا ينبغي لكم أن تحرموا ما تحرمون وأن تحلّلوا ما تحلّلون كذبا وافتراء على الله تعالى.
الآية الرابعة: في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} الآيات (25- 28) من سورة هود.
تتضمن هذه الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل نوحا إلى قومه فقال لهم إني رسول الله إليكم أخوفكم من عذاب الله وعقابه، وأبيّن لكم أن لا تعبدوا إلا الله، وأن لا تشركوا به شيئا، وإني لأخشى عليكم أن يعذبكم الله عذابا أليما يوم القيامة إن لم تؤمنوا به وحده وتخلصوا له العبادة.
فقال الكبراء والأشراف الذين كفروا بالله من قوم نوح وجحدوا أنه نبي مرسل: ما نراك يا نوح إلا بشرا آدميا مثلنا، فكيف أُوحي إليك من دوننا؟! وما نراك اتبعك إلا أراذلنا، وما كان اتباعهم لك عن تروٍّ وتدبر وإنعام نظر، وإنما كان رأيا عارضا ابتدرهم أولا ما دعوتهم، ثم ما نرى لكم بعد أن تركتم عبادة الأوثان وصرتم إلى عبادة الله، ما نرى لكم فضالا علينا يغرينا باتباعكم ويحبّب إلينا دينكم الجديد، وما نظنكم إلا كاذبين فيما تدّعونه لأنفسكم من البر والصلاح والعبادة والسعادة في الآخرة التي تتحدثون عنها وتصفون.(32/316)
وقد ردّ نوح على قومه ردّاً رفيقا ليّنا بعيدا عن الفظاظة والغلظة، فذلك أبعث على تخفيف ما في قلوبهم من حقد وغلّ وعداوة، وأدعى إلى ترقيق قلوبهم وحسن إصغائهم وتخلّيهم عن التمادي في العناد والمكابرة، قال: يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني النبوة من عنده رحمة منه تعالى بي وبكم، أنلزمكم قبولها وأنتم لها كارهون؟! لا، لا نفعل ذلك، بل نكل أمركم إلى الله عز وجل يقضى فيكم بما يشاء، إنه الهادي إلى سواء السبيل.
هذا، و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني والمستخبر عنه هو البيّنة، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية، والتقدير: أخبروني عن البينة من ربي إن كنت عليها أنلزمكم قبولها وأنتم لها كارهون.
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تنصب مفعولين: وقد تنازع {أَرَأَيْتُمْ} وفعل الشرط {كُنْتُ} ، تنازعا {بَيِّنَةٍ} فأرأيتم يطلبها منصوبة على أنها مفعول به، وفعل الشرط يطلبها مجرورة بعلى، فأعمل الثاني وحذف في الأول، والجملة الاستفهامية: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} هي المفعول الثاني لأرأيتم، وجواب (إِنْ) الشرطية محذوف دلّ عليه وأغنى عنه أرأيتم ومفعولها، والتقدير: إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني رحمة من عنده فأخبر وني عنها أنلزمكموها وأنتم لها كارهون.
وإعراب {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} : الهمزة حرف استفهام، ونُلزم مضارع ألزم وهو متعد إلى مفعولين: الأول ضمير المخاطبين (كمو) ، والثاني الضمير (ها) العائد على البيّنة، وجملة {وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} في محل نصب على الحال من ضمير المخاطبين (كمو) ، والجملة الاستفهامية كلها سبق القول إنها المفعول الثاني لأرأيتم.(32/317)
وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا مفيدا التنبيه: تنبيه نوح قومه على أن النبوة التي آتاه الله تعالى إياها رحمة به وبهم لا يُلزمهم قبولها ولا يُكرههم على الإيمان بها، وإنما عليه أن يبلغها إليهم، والله تعالى وحده هو الذي يتولى حسابهم وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.
الآية لخامسة: في قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِير} الآيات: (61-63) من سورة هود.
تتضمن هذه الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى أرسل النبيّ صالحا إلى قومه ثمود فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له، وليس هناك من إله يستحق العبادة غيره، فهو الذي خلقكم من الأرض وجعلكم قادرين على عمارتها، فاطلبوا منه تعالى أن يغفر لكم ذنوبكم بالإِيمان به وإخلاص العبادة له، واتباع ما أرسلت به إليكم، ثم اطلبوا منه أن يتوب عليكم بترك ما يكرهه من الأعمال إلى ما يرضاه ويحبه، إن الله قريب ممن أخلص له العبادة ورغب إليه في التوبة، مجيب له إذا دعاه.
فقالت ثمود لصالح: يا صالح لقد كنا نرجو أن تكون فينا مقدَّماً مسوَّداً قبل أن تقول لنا: ما لكم من إله غيره، أما بعد هذا فلا، أتنهانا أن نعبد الآلهة التي كان آباؤنا يعبدونها من قبل؟!(32/318)
ولكن صالحا ردَّ على قومه ردًّا ليّنا بعيدا عن الفظاظة والغلظة، دون أن يستفزّه ما في جوابهم من جفوة وتكذيب:
قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني منه النبوة، فمن ذا الذي يدفع عنى عقابه إن أنا عصيته فلم أبلغكموها واتبعتكم فيما تدعونني إليه من الكفر، إنكم لا تزيدونني حين أتباعكم إلا خسرانا وضياعا لما أنعم الله عليّ من رحمته.
والتعبير بحرف الشك (إِنْ) في قول صالح لقومه: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} وفي قول نوح لقومه في الآية السابقة: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} وفي قول شعيب لقومه في الآية التالية: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} ، تعبير هؤلاء الأنبياء بهذا الحرف (إِنْ) الذي كثيرا ما يستعمل في شك المتكلم في الفعل الواقع بعده، تعبير هؤلاء الأنبياء بهذا الحرف في مخاطبتهم لأقوامهم مع أنهم كانوا على يقين من أنهم على بينة من ربهم، لأنهم كانوا يخاطبون قوما جاحدين، ففيه رعاية لحسن المحاورة، واستنزال عن العناد والمكابرة، واستدراج لطيف لهؤلاء المشركين لعلهم يذّكرون.
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه هو البينة، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ} ، والتقدير: أخبروني عن البينة من ربي إن كنت عليها فمن ينصرني من الله إن عصيته فلم أبلغكموها وكتمتها عنكم.(32/319)
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تنصب مفعولين: الأول هو البينة، على نحو ما مرّ في قول نوح لقومه: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} في الآية الثامنة والعشرين من سورة هود. وأما المفعول الثاني فهو الجملة الاستفهامية: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} والرابط الذي ربط المفعول الثاني بالأول مقدر، والتقدير: فمن ينصرني من الله إن عصيته بكتمانها.
وكون الجملة الاستفهامية هذه هي المفعول الثاني لـ {أَرَأَيْتُمْ} رأي نقله صاحب الفتوحات الإلهية، وعلى هذا الرأي تكون الفاء الداخلة على الجملة الاستفهامية زائدة للتوكيد، وَعلى هذا الرأي أيضا يكون جواب الشرط {إِنْ كُنْتُ} محذوفاً دل عليه ما قبله، والتقدير: إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فأخبروني عنها من ينصرني من الله إن عصيته بكتمانها.
وقد ذهب أبو حيان في تفسيره البحر المحيط إلى أن الجملة الاستفهامية: {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ} واقعة في جواب الشرط، وليست هي المفعول الثاني لأرأيتم، وفى رأيه أن المفعول الثاني محذوف دل عليه هذه الجملة الاستفهامية وقدّره: أأعصيه في ترك ما أنا عليه من البينة.
أما الرأي القائل: إن الشرط والجملة الاستفهامية الواقعة في جوابه، يسدّان مسدَّ مفعولي {أَرَأَيْتُمْ} .
فقد ردّه أبو حيان، وقال: إن الشرط وجوابه لا يقعان ولا يسدّان مسدّ مفعولي {أَرَأَيْتُمْ} .
وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن {أَرَأَيْتَ} إذا جاء بعدها الشرط، وجاء بعد الشرط جملة استفهامية مقترنة بالفاء كما في هذه الآية- تكون حينئذ بمعنى أمّا ولا يكون لها مفعولان ولا مفعول واحد.
وقد ردّ أبو حيان في تفسيره البحر المحيط هذا الرأي بأنه إخراج أرأيت عن مدلولها بالكلية.(32/320)
الآية السادسة: في قوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} الآيات: (84-88) من سورة هود.
تتضمن هذه الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل إلى قوم مدين أخاهم شعيبا فقال: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له وانبذوا عبادة الأصنام، فليس لكم من إله يستحق العبادة سوى الله. ولا تنقصوا الناس حقوقهم إذا كلتم لهم أو وزنتم، إني أراكم في سعة من العيش وكثرة من المالي تغنيكم عن هذا التطفيف في المكيال والميزان.
وإني أخاف عليكم من جراء عبادتكم الأصنام وهذا التطفيف أن ينزل الله بكم عذاب يوم يحيط بكم من كل جانب فلا ينجو منه أحد.(32/321)
ويا قوم أوفوا الكيل والميزان حقهما بالعدل والقسط، سواء أكان الكيل والوزن لكم أم عليكم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم سواء أكانت هذه الأشياء مما يكال أو يوزن أو يذرع أو يعدّ أم كانت غير ذلك. ويا قوم لا تسعوا في الأرض مفسدين مصالح الآخرين. هذه البقية التي تبقى لكم من الكسب الحلال- وإن قلّت- خير لكم من كثير تبقونه لأنفسكم بالتطفيف، خير لكم عند الله ثوابا، وأحسن عقبى إن كنتم مؤمنين. ويا قوم ما أنا عليكم بحفيظ أحفظ عليكم أعمالكم وأجازيكم عليها، وإنما عليّ أن أبلغكم رسالة ربي وأن أنصح لكم بما يرضى الله، وقد فعلت وأعذرت حين أنذرت.
فقال قوم شعيب: أصلاتك يا شعيب تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام، وتأمرك أن لا نتصرف في أموالنا كما نشاء؟! إنك لأنت الحليم الذي لا يستفزه الغضب، وإنك لأنت الرشيد الذي لا يركبه الجهل والطيش!! وما كنّا لنتوقع أن تأمرنا بأن نخرج على دين آبائك وأجدادك، وتنهانا عما نهيت فلا نربح في تجاراتنا إلا القليل!!
فقال لهم شعيب: يا قوم أرأيتم إن كنت نبيًّا مرسلا من الله تعالى إليكم لأدعوكم إلى عبادته تعالى وحده وأنهاكم عن عبادة الأصنام، وأحذركم التطفيف وكسب أموال الناس بالباطل، ورزقني الله رزقا حلالا طيبا، أيحق لي بعد ذلك أن أكتم الرسالة وأن أترك تبليغ ما أمرني ربي عز وجل أن أبلغكموه، وأن أضل ضلالكم فأعبد ما تعبدون وأكسب الحرام كما تكسبون، لا، لا يحق لي ذلك، إني أخاف الله رب العالمين، فما كنت لأنهاكم عن أمر أركبه وآتيه، وما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إلا إصلاحكم وإصلاح أموركم ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وما توفيقي فيما أحاول من هذا الِإصلاح إلا بالله، فهو المعين على ذلك، وعلى الله أتوكل وإليه أنيب.(32/322)
هذا، و {أَرَأَيْتُمْ} بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه هو البينة، ومتعلق الاستخبار ومناطه جملة استفهامية مقدرة، والتقدير: أخبروني عن البينة الواضحة والنبوة الصادقة التي آتانيها الله أيحق لي أن لا أبلغكموها وأن لا أعمل بمقتضاها؟!
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تنصب مفعولين: المفعول الأول محذوف وهو البيّنة (وقد سبق بيان ذلك في الآية الثامنة والعشرين من سورة هود وهي الآية الرابعة من آيات هذه الرسالة) . والمفعول الثاني محذوف أيضا وهو جملة استفهامية يدل عليها المعنى والسياق وتقديرها: أيحق لي أن أكتمها وأن لا أبلغكموها.
أما جواب الشرط {إِنْ كُنْتُ} فمحذوف، وقد دلّ عليه وأغنى عن ذكره ما تقدم عليه وهو أرأيتم ومعمولها والتقدير: إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا فأخبروني أيحق لي أن أكتمها وأن لا أبلغكموها.
وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا مفيدا التنبيه: تنبيه شعيب قومه على أن النبوة التي آتاه الله إياها وأن الرسالة التي أمره الله بتبليغها بأن يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وإلى ترك عبادة الأصنام، وإلى الكف عن تطفيف الكيل والميزان، لا يحق له أن يكتمها وأن يترك تبليغها، وأن يضل ضلالهم الذي ليس وراءه ضلال.(32/323)
الآية السابعة: في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} الآيات: (69-82) من سورة الشعراء.
أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقص على قومه المشركين نبأ إبراهيم الذي تضمنته هذه الآيات الكريمة، وقد تضمنت:
قال إبراهيم لأبيه وقومه: أي شيء تعبدون؟ فقالوا له: نعبد أصناما فنظل على عبادتها عاكفين، فقال لهم إبراهيم: أتسمع هذه الأصنام التي تعبدونها دعاءكم إذ تدعون؟ وهل تستطيع هذه الأصنام أن تنفعكم أو تضركم إن أرادت لكم النفع أو أرادت بكم الضر؟ فأجابوا: هم لا يسمعوننا إذا دعوناهم ولا ينفعوننا شيئا ولا يضرون، ولكننا عبدناهم لأننا وجدنا آباءنا من قبلنا يعبدون هذه الأصنام فاتبعناهم واقتدينا بهم وفعلنا مثل ما كانوا يفعلون.(32/324)
فقال لهم إبراهيم: أفرأيتم هذه الأصنام التي تعبدونها أنتم وآباؤكم الأولون، إنها عدوّ لي وأنا بريء مما تعبدون، ولا أعبد إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهديني، وهو الذي يطعمني ويسقيني، وإذا مرضت فهو يشفيني، وهو الذي يميتني ثم يحييني، وهو الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الحساب. إن الذي يفعل هذه الأفعال هو الذي يستحق أن يكون إلها يعبد، أما أصنامكم هذه التي اتخذتموها آلهة فلا تستحق العبادة، إنها لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا تستطيع شيئا.
هذا، و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه هو اسم الموصول: {مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} ، ومتعلق الاستخبار ومناطه جملة استفهامية مقدرة يدل عليها المعنى والسياق، والتقدير: أخبروني عن الأصنام التي تعبدونها أنتم وآباؤكم الأقدمون أيستحقون أن تعبدوهم.
أما إعراب (أرأيتم) فهي علمية تأخذ مفعولين: الأول اسم الموصول {مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} والثاني جملة استفهامية مقدرة: (أيستحقون أن تعبدوهم) .
وقد أفاد استفهام {أَرَأَيْتُمْ} التنبيه: تنبيه إبراهيم أباه وقومه على أنهم يعبدون آلهة لا تضر ولا تنفع، ولا تعقل ولا تسمع، ولذلك فهولا يحبها وإنما يحب أن يعبد إلها قادرا على كل شيء هو رب العالمين. نبههم على ذلك لعلهم يتبيّنون أنهم على خطأ وأن آباءهم من قبلهم كانوا على خطأ.
ولا يخلو هذا الاستفهام من تودّد وملاطفة واستدراج للوصول إلى الغرض وهو الإيمان بالله والإِعراض عن عبادة الأصنام. وقد كان هذا سبيل الأنبياء نوح وهود وشعيب في الآَيات المتقدمة حين خاطبوا أقوامهم ب {أَرَأَيْتُمْ} …
الآية الثامنة: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ} الآية (71) من سورة القصص.(32/325)
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن:
أخبروني أيها المشركون عن الليل إن جعله الله عليكم مستمرا متواصلا لا يعقبه نهار إلى يوم القيامة مَنْ إله غير الله يأتيكم بضياء بعده تبصرون فيه معايشكم ويصلح فيه نباتكم وثماركم.
أفلا تسمعون هذا الكلام سماع فهم وندبر فتدركوا أن لا إله يستحق العبادة إلا الله.
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه هو الليل، ومتعلق الاستخبار ومناطه هو الجملة الاستفهامية: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء} . وتقدير الكلام: أخبروني- أيها المشركون- عن الليل إن جعله الله عليكم مستمرا لا ينقطع إلى يوم القيامة مَنْ إله غير الله يأتيكم بضياء بعده تصلح به حياتكم.
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تأخذ مفعولين: الأول محذوف وهو الليل، وقد تنازعه {أَرَأَيْتُمْ} و {جَعَلَ} ، فكل منهما يطلبه على أنه مفعول به، فأُعمل الثاني وهو (جعل) وحذف في الأول، والمفعول الثاني لـ {أَرَأَيْتُمْ} هو الجملة الاستفهامية: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء} والرابط الذي يربط هذه الجملة الاستفهامية بالمفعول الأول ضمير محذوف، والتقدير: من إله غير الله يأتيكم بضياء بعده.(32/326)
و {جَعَلَ} إذا كانت بمعنى صيّر أخذت مفعولين، فيكون الليل هو المفعول الأول، و {سَرْمَدا} هو المفعول الثاني، وإذا كانت بمعنى خلق وأنشأ أخذت مفعولا به واحدا هو الليل، ويكون {سَرْمَدا} حالا منه. وجواب الشرط (إن جعل) محذوف دلّ عليه {أَرَأَيْتُمْ} ومعمولها، والتقدير: إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة فأخبروني عنه مَنْ إله غير الله يأتيكم بضياء بعده. وإعراب {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء} : (مَنْ) اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، و {إِلَهٌ} خبره، و {غَيْرُ اللَّهِ} صفة أولى لإِله، وجملة {يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء} في محل رفع صفة ثانية لإِله. وقد سبق أن هذه الجملة الاستفهامية كلها في محل نصب مفعول ثان لـ {أَرَأَيْتُمْ} .
واستفهام {أَرَأَيْتُمْ} في هذه الآية الكريمة يفيد التوبيخ: توبيخ المشركين على عبادتهم غير الله وتركهم عبادة الله الذي يعلمون أنه هو الذي يأتيهم بالضياء بعد الليل ليبتغوا فيه من فضله.
ويفيد أيضا التنبيه: تنبيه المشركين على أن الله وحده هو الذي يقدر على أن يأتي بالنهار بعد الليل ليبتغوا فيه من فضله، وأن أصنامهم التي يعبدونها من دون الله لا تقدر على ذلك. فعليهم أن يسمعوا آية الله هذه وأن يتدبروها فينصرفوا عن عبادة الأصنام، ويجعلوا عبادتهم خالصة لله الذي أنعم عليهم بهذه النعمة العظمى.
الآية التاسعة: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} الآية (72) سورة القصص.
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن:(32/327)
أخبروني أيها المشركون عن النهار إن جعله الله عليكم مستمرًّا متواصلا لا يعقبه ليل إلى يوم القيامة مَنْ إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه وتستريحون من عناء طلب المعاش الذي كان في النهار، أفلا تبصرون في اختلاف الليل والنهار عليكم رحمة من الله لكم، وحجة منه عليكم، فتعلموا أن العبادة لا تجب إلا لمن أنعم عليكم بذلكم، ولمن هو القادر عليه.
و {أَرَأَيْتُمْ} بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه هو النهار، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية، وتقدير الكلام: أخبروني- أيها المشركون عن النهار إن جعله الله عليكم سرمدا إلى يوم القيامة مَنْ إله غير الله يأتيكم بليل بعده تسكنون فيه.
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} وما بعدها فقد سبق مثله في الآية التي قبل هذه.
وأما استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا فيفيد التوبيخ: توبيخ المشركين على عبادتهم غير الله وتركهم عبادة الله الذي يعلمون أنه هو الذي يأتيهم بالليل من بعد النهار ليجدوا فيه السكينة والطمأنينة، فالله وحده هو الذي يستحق العبادة.
ويفيد أيضا التنبيه: تنبيه المشركين على أن الله وحده هو الذي يقدر على أن يأتيهم بالليل من بعد النهار ليسكنوا فيه ويذوقوا طعم الراحة، فعليهم أن يبصروا آية الله هذه وأن يتدبروها، فيعرضوا عن عبادة الأصنام، ويخلصوا العبادة لله الذي أنعم عليهم بهذه المنة الكبرى.
الآية العاشرة: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً} الآية (40) من سورة فاطر.
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن:(32/328)
أخبروني- أيها المشركون- عن هؤلاء الذين تزعمونهم شركاء لله وتدعونهم من دونه، أخبروني أي شيء من الأرض استبدوا بخلقه، أم لهم شركة مع الله في خلق السموات، أم أن الله تعالى آتاهم كتابا من عنده فهم على حجة وبرهان منه بأنه تعالى قد اتخذهم شركاء له.
إن رؤساء الكفر والشرك حين يقولون لأتباعهم إن هذه الأصنام التي نعبدها شفعاء لنا عند الله، حين يقولون لهم ذلك إنما يقولون أباطيل تغرّ وتخدع.
و {أَرَأَيْتُمْ} بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه شركاؤهم الذين يدعونهم من دون الله، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} ، وتقدير الكلام: أخبروني عن هؤلاء الشركاء الذين تدعونهم من دون الله ماذا خلقوا من الأرض.
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تتعدى إلى مفعولين: الأول شركاءكم، والثاني الجملة الاستفهامية {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} ، وعلى هذا الِإعراب تكون جملة {أَرُونِي} معترضة بين المفعولين لتأكيد الكلام وتقويته، ويحتمل أن يكون {أَرَأَيْتُمْ} و {أَرُونِي} قد تنازعا الجملة الاستفهامية فأعمل الثاني وحذف الأول.
وقد ذهب الزمخشري في تفسيره الكشاف إلى أن {أَرُونِي} بدل من {أَرَأَيْتُمْ} . ولم يرتض أبو حيان في تفسيره البحر المحيط هذا الرأي وردّه من وجوه عدة، وقد حاول الألوسي في تفسير روح المعاني الانتصار لرأي الزمخشري هذا، ولكن هذه الرسالة لا تتسع لذاك الردّ وهذا الانتصار.
واستفهام {أَرَأَيْتُمْ} في هذه الآية الكريمة يفيد التنبيه والتوبيخ: تنبيه المشركين على خطئهم في اتخاذهم الأصنام شركاء لله، فالاستفهام يلفت أنظارهم إلى أن هذه الأصنام لم تكن شريكا لله في خلق شيء من الأرض، ولا في خلق شيء في السموات، ولم ينزل كتاب من عند الله يثبت هذه الشركة، فأنى يكونون شركاء لله؟!!(32/329)
ويفيد أيضا توبيخ هؤلاء المشركين وتقريعهم على اتخاذهم الأصنام شركاء لله تعالى وهم لا يقدرون على شيء، مع أن الله جل جلاله على كل شيء قدير.
الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} الآية (38) من سورة الزمر.
تتضمن هذه الآية الكريمة: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين الذين يعبدون الأصنام: مَنْ خلق السموات والأرض، ليقولن خلقهن الله.
وفي هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن: أخبروني- أيها المشركون- عن هذه الأصنام التي تدعونها من دون الله وتعبدونها هل هن قادرات- إن أرادني الله بضر- أن يكشفن ذلك الضر وهل هن قادرات - إن أرادني الله برحمة- أن يمسكن عني تلك الرحمة.
وإذا كانت هذه الأصنام لا تملك نفعا ولا ضرا، فالله الذي خلق السموات والأرض وهو القادر على كل شيء هو وحده الذي يستحق أن يفرد بالعبادة، وهو حسبي في إصابة الخير ودفع الضر، وعليه وحده يتوكل كل متوكل، لأن الأمر كله بيده جل وعلا.
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه {مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّه} ، {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِه} ، وتقدير الكلام: أخبروني- أيها المشركون- عن هذه الأصنام التي تدعونها من دون الله، هل هن كاشفات الضر عنى إن أرادني الله بضر، وهل هنّ ممسكات الرحمة عني إن أرادني الله برحمة.(32/330)
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تتعدى إلى مفعولين: المفعول الأول اسم الموصول {مَا تَدْعُونَ} ، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: هل هن كاشفات ضره، هل هن ممسكات رحمته. والرابط الذي يربط المفعول الثاني بالأول ضمير {هُنَّ} وقد أُنث بالنظر إلى المعنى المراد من {مَا تَدْعُونَ} وهو الأصنام، وكثيرا ما كانوا يسمونها بأسماء الإناث كاللات والعزى ومناة.
وجواب الشرط {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرّ} ، {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَة} محذوف يدل عليه {أَرَأَيْتُمْ} ومعمولها وتقديره: فأخبروني هل هن كاشفات ضره أو ممسكات رحمته.
واستفهام {أَفَرَأَيْتُمْ} هنا يفيد التنبيه والتوبيخ:
تنبيه المشركين على خطئهم في اتخاذهم الأصنام آلهة تعبد من دون الله، فالاستفهام يلفت أنظارهم إلى أن أصنامهم التي يعبدونها لا تدفع ضرا ولا تجلب نفعا، وإذن فهي لا تستحق العبادة ولا الألوهية، وأن الذي يستحق العبادة دون غيره هو الله وحده.
ويفيد تقريع المشركين وتوبيخهم على عبادتهم أصناما لا قدرة لها على الخير ولا على الشر، على حين يكفرون بوحدانية الله تعالى وإخلاص العبادة له وهو القادر على كل شيء القاهر فوق عباده.
الآية الثانية عشرة: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} الآية (52) من سورة فصلت.
تتضمن هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين المكذبين بالقرآن الكريم ما يتضمن:
أرأيتم إن كان هذا القرآن الذي تكذبون به قد جئتكم به من عند الله ثم كفرتم به من غير نظر ولا اتباع دليل، أرأيتم أحدا أضل منكم، لا أحد أضل منكم أيها المكذبون الذين أبعدتم في الشقاق وأوغلتم في العداوة.(32/331)
و {أَرَأَيْتُمْ} بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه هم المخاطبون المكذبون بالقرآن، ومتعلق الاستخبار ومناطه هو الجملة الاستفهامية: {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} . وتقدير الكلام: أخبروني- أيها المشركون- عن حالكم إن كان هذا القرآن من عند الله ثم كفرتم به- من أضل منكم.
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علميه تأخذ مفعولين: المفعول الأول- في رأي أبي حيان- محذوف، وتقديره: أرأيتم أنفسكم، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيد} ، والرابط الذي ربط المفعول الثاني بالمفعول الأول هو اسم الموصول {مَنْ} الذي خلف الضمير، إذ المعنى مَنْ أضل منكم.
أما جواب الشرط إِنْ {كَانَ} فمحذوف يدل عليه {أَرَأَيْتُمْ} ومعمولها، والتقدير: إن كان من عند الله ثم كفرتم به فأخبروني من أضل منكم.
ويفيد استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا توبيخ المشركين وتقريعهم على كفرهم بالقرآن أن يكون من عند الله دونما تبصر وتدبر، دونما دليل عقلي أو نقلي.
ويفيد أيضا تنبيه المشركين على أن إنكارهم أن يكون القرآن من عند الله لم يكن مبنيا على دليل عقلي أو نقلي أو ناشئا عن بعد نظر وطول تدبر وإنما كان ضلالا وعنادا.
الآية الثالثة عشرة: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} الآية (4) من سورة الأحقاف.
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن:(32/332)
أخبروني- أيها المشركون- عن هذه الأوثان التي تعبدونها من دون الله، أخبروني أيّ شيء خلقوا من الأرض فيكون لكم بذلك حجة في عبادتكم إياها، أم كان لهذه الأصنام مشاركة في خلق السموات فيكون لكم بذلك حجة في تلك العبادة؟!!
ائتوني أيها المشركون بكتاب من عند الله جاء قبل هذا القرآن يشهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله، أو ائتوني ببقية من علم الأولين تثبت ذلك.
إن كنتم أيها المشركون صادقين فيما تدعون فهاتوا برهانكم فإن الدعوى بدون دليل لا تغني من الحق شيئا.
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه {مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْض} . والمعنى: أخبروني أيها المشركون محن هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله، أي شيء خلقت من الأرض فاستحقت به أن تعبد.
أما أعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تأخذ مفعولين: الأول اسم الموصول {مَا} في {مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، والثاني الجملة الاستفهامية: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْض} ، و {أَرُونِي} جملة معترضة بين المفعولين مؤكدة لأرأيتم، لأنهما على معنى واحد: فأرأيتم بمعنى أخبروني، وأروني بمعنى أخبروني.
ويجوز في {أَرُونِي} أن لا تكون معترضة، وحينئذ تكون المسألة من باب التنازع: فأرأيتم وأروني تنازعا الجملة الاستفهامية: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْض} فأرأيتم تطلبها على أنها مفعولها الثاني، أروني تطلبها كذلك على أنها المفعول الثاني لها، فأعمل الثاني، وحذف في الأول. وأما إعراب {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْض} فقد مرّ في إعراب الآية العاشرة. وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا مفيدا التقريع والتوبيخ ومفيدا التنبيه:(32/333)
تقريع المشركين وتوبيخهم على عبادتهم غير الله مع علمهم أن الأصنام وغير الأصنام مما يعبد من دون الله ليست على شيء تستحق به أن تعبد، فهي لم تخلق شيئا في الأرض ولا شيئا في السماء، ولم يُنزَّل بصحة عبادتها كتاب من عند الله، ولم يؤثر عن الأولين ما يثبت صحة تلك العبادة.
وقد نبّه هذا الاستفهام المشركين ولفت أنظارهم إلى أن هذه الأصنام التي يعبدونها لم تخلق شيئا في الأرض ولا شيئا في السموات، ولم تثبت صحة عبادتها في كتاب منزل ولا في علم أُثِر عن الأولين، فكيف تصح عبادتها، وبأي شيء تستحق هذه العبادة؟!
الذي يستحق العبادة هو الذي خلق الأرض السموات وحده، والذي أُنزلت الكتب من لدنه تثبت وحدانيته جلّ وعلا.
الآية الرابعة عشرة: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الآية (10) من سورة الأحقاف.
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين الكافرين بالقرآن ما يتضمن:
أخبروني أيها الكافرون- إن كان هذا القرآن س عند الله وكذبتم به وشهد شاهد عظيم الشأن من بنى إسرائيل على التوراة التي هي مثل القرآن في أنها من عند الله، فآمن هذا الشاهد بالقرآن أنه من عند الله، واستكبرتم أنتم عن الإيمان به، أخبروني من أظلم منكم؟! إن الله لا يهدى القوم الظالمين الذين يظلمون أنفسهم فيكذبون بالقرآن وبمن أنزل عليه هذا القرآن.
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه محذوف، ومتعلق الاستخبار ومناطه جملة استفهامية محذوفة أيضا، والتقدير: أخبروني عن حالكم- إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم- ألستم ظالمين.(32/334)
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تنصب مفعولين، وقد حذفا لدلالة المعنى عليهما، وتقديرهما: أرأيتم حالكم ... ألستم ظالمين، فحالكم هو المفعول الأول، والجملة الاستفهامية: (ألستم ظالمين) هي المفعول الثاني. وجواب الشرط {إِنْ كَانَ} محذوف، يدلّ عليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} . وقدّره أبو حيان: فقد ظلمتم.
وفي جواب الشرط هذا آراء أخرى ذكرها أبو حيان في تفسيره البحر المحيط، وذكرها صاحب الفتوحات الإلهية في حاشيته على تفسير الجلالين (1) ، ولكن هذه الرسالة لا تتسع لذكرها، ولا طائل تحتَها.
وجيء في الشرط {إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} بحرف (إِنْ) الذي من شأنه أن يكون في الشرط غير المجزوم بوقوعه مراعاة لحال المخاطبين على نحو ما سبق بيانه (في الآية الخامسة من آيات هذه الرسالة) في قول الأنبياء: نوح وصالح وشعيب لأقوامهم: {إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} مع أنهم كانوا على يقين من تلك البينة.
واستفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا يفيد توبيخ المشركين على كفرهم بالقرآن أن يكون من عند الله مع أنه قد شهد شاهد عظيم الشأن من علماء بني إسرائيل على كتاب آخر مماثل للقرآن وهو التوراة بأنه من عند الله.
وكانت شهادة علماء بنى إسرائيل حجة لأن هؤلاء المشركين كانوا يثقون فيهم ويصدقونهم.
ويفيد أيضا التنبيه تنبيه المشركين على أن كفرهم بالقرآن لا يقوم على حجة، وفيه مخالفة لشهادة شاهد من بنى إسرائيل الذين كانوا يظنون فيهم الصدق.
__________
(1) الفتوحات الإلهية: جـ4 ص57.(32/335)
الآية الخامسة عشرة: في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} الآيات: (19-23) من سورة النجم.
جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآيات الكريمة ما ملخصه:
كان للمشركين العرب أصنام وطواغيت كثيرة يعظمونها ويتخذون لها البيوت والحجاب والسدنة، ويطوفون بها، ويجعلونها أندادا وشركاء لله تعالى، ويعبدونها من دونه عزّ وجلّ، وقد أفرد القرآن الكريم هذه الأصنام الثلاثة: اللات والعزى ومناة، أفردها بالذكر لأنها كانت أشهر من غيرها، وقد أنث المشركون هذه الأصنام وسموها بأسماء الإناث وجعلوها بنات الله سبحانه وتعالى، وقد قرّع الله تعالى هؤلاء المشركين ووبّخهم بما يتضمن: أتجعلون لله أولادا وتجعلون هؤلاء الأولاد إناثا، والإناث في زعمكم نوع مذموم، وتختارون لأنفسكم النوع الذي تستحسنونه وتفضلونه وهو الَذكور، فلو كانت هذه القسمة بينكم وبن مخلوق مثلكم لكانت قسمة جائرة فيها جهالة وسفاهة، فكيف وقد جعلتموها بينكم وبين ربكم!!
ثم قال تعالى منكرا عليهم ما ابتدعوه من الكذب والافتراء والكفر في عبادة الأصنام وتسميتها آلهة، وقد تضمن قوله تعالى: ما هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم من تلقاء أنفسكم، ما أنزل الله بها من حجة، وإنما تعتمدون في ذلك على حسن ظنكم بآبائكم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل من قبلكم، وعلى حب أنفسكم للرئاسة وتعظيم آبائكم الأقدمين، ولقد أرسل الله إليكم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة، ولكنكم لم تتبعوها ولم تهتدوا بهديها. اهـ.(32/336)
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه واللات والعزى ومناة، ومتعلق الاستخبار، ومناطه هو الجملة الاستفهامية: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} ، والمعنى:
أخبروني- أيها المشركون- عن هذه الأصنام الثلاثة، كيف جعلتموهن بنات الله، والبنات في زعمكم معرّة وذم، ثم خصصتم أنفسكم بالنوع الأفضل فيما تزعمون وهم الذكور، والله سبحانه وتعالى منزّه عن الولد ذكراً كان أم أنثى؟!!
إن هذه القسمة لو كانت بينكم وبين مخلوقين أمثالكم لكانت قسمة جائرة فيها ظلم وسفاهة، فكيف وقد جعلتموها بينكم وبن ربكم ذي الجلال والإِكرام؟!
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تأخذ مفعولين: الأول: اللات وما عطف عليها، الثاني: الجملة الاستفهامية: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} - وهذا رأي أبي حيان في تفسيره البحر المحيط، والرابط الذي يربط المفعول الثاني بالأول قوله: {الأُنْثَى} لأن المعنى: ألكم الذكر وله هنَّ أي تلك الأصنام، فأغنى هذا الاسم الظاهر عن الضمير، وإنما أوثر هذا الاسم الظاهر لوقوعه رأس فاصلة روعي فيها الفواصل الأخرى.
وهناك آراء أخرى كثيرة في تقدير المفعول الثاني المحذوف ذكرها الألوسي في تفسير روح المعاني، ولكن هذه الرسالة لا تتسع لذكرها.
واستفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا جاء مفيدا الإنكار والتوبيخ:
فالله سبحانه وتعالى ينكر على المشركين ويوبخهم أن يجعلوا اللات والعزى ومناة بنات الله، مع أن البنات في زعمهم مذمومات يستنكفون منهن، فكيف يخصون الله خالقهم بهن، ويخصون أنفسهم بمن هم أفضل في زعمهم وهم الذكور، مع أن الله سبحانه وتعالى منزه عن الولد سواء أكان ذكرا أم أنثى.(32/337)
الآية السادسة عشرة: في قوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} الآيات: (57-62) من سورة الواقعة.
تتضمن هذه الآيات الكريمة الردّ على أهل الزيغ والإلحاد الذين كانوا يكذبون بالبعث، {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الأََوَّلُونَ} .
والردّ الذي تضمنته هذه الآيات: أن الله سبحانه وتعالى قد خلقكم أيها الكافرون ابتداء بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، والذي يقدر على البدء يقدر على الإعادة، فهلا تصدقون بالإعادة وتقرون بها كما أقررتم بالنشأة الأولى.
أخبروني عن المنيّ الذي تريقونه في الأرحام أأنتم تخلقونه وتنشئون أم الله؟ ولا مفر من أن تقروا بأن الله هو خالق هذا المني، فكيف تنكرون قدرته على البعث؟!
والله هو الذي يصرّف الموت بينكم كيف يشاء، فيجعل لموت كل إنسان موعدا لا يتقدم عليه ولا يتأخر، ولا يستطيع أحد أن يغلب الله تعالى على هذا التصريف فيطيل عمر من يقصر الله عمره، أو يقصر عمر من يطيل الله عمره، أو يهرب من الموت فيكون من الخالدين.
والله تعالى قادر على أن يميتكم وينشئ بدلا منكم آخرين أمثالكم، وقادر على أن يغير كم خَلْقاً وخُلُقاً وينشئكم في صفات لا تعلمونها ولا تخطر لكم على بال.
ولقد علمتم النشأة الأولى وهى خلق آدم من طين، فهلا تتذكرون وتعتبرون فتعلموا أن الذي أنشأكم النشأة الأولى قادر على أن يعيدكم أحياء من بعد الممات والفناء.(32/338)
هذا، و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه {مَا تُمْنُونَ} ، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ، والمعنى: أخبروني عن المنيّ الذي تمنونه في الأرحام، أأنتم تخلقونه أم الله.
أما إعراب {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} : فأرأيتم علمية تأخذ مفعولين: الأول اسم الموصول (ما) وجملة تمنون صلته، والعائد محذوف تقديره ما تمنونه، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ، و {َأَنْتُمْ} مبتدأ وجملة تخلقونه خبره، و (أم) عاطفة متصلة، وقد اعترض على كونها متصلة بأن المتصلة هي التي تعطف المفردات، وهنا جاء بعدها جملة من مبتدأ وخبر، وأجيب عن هذا بأن {الْخَالِقُونَ} جاء توكيدا للفعل السابق وهو (تخلقون) ، وجاء أيضا لمراعاة الفواصل، فلو قيل أأنتم تخلقونه أم نحن لا كتفي به وتمّ المعنى المراد، وعلى هذا فالجملة بعد أم في تأويل المفرد.
وجَوّز بعض العلماء أن تكون (أم) منقطعة بمعنى بل، والكلام معها يفيد التقرير، والمعنى: بل نحن الخالقون. وفي رأيي أن هذا لا يخلو من بعد وتكلف، وهو خلاف المعنى المتبادر.
واستفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا يفيد التقرير والتوبيخ: التقرير بمعنى طلب الاعتراف بالإجابة عن السؤال الذي تضمنته {أَرَأَيْتُمْ} مع معمولها وهو: أخبروني مَنْ خالق المني الذَي تمنونه في الأرحام: أأنتم أم الله؟
ولما كانت إجابتهم عن هذا السؤال معلومة لا يشك فيها، وهي أن الله هو الخالق- استغنى عن ذكرها.
ويفيد توبيخ هؤلاء المشركين على إنكارهم البعث، وتكذيبهم بقدرة الله تعالى عليه، مع أنهم يعترفون بأنه تعالى هو الذي خلقهم وأنشأهم أول مرة، وكان مقتضى اعترافهم هذا أن يؤمنوا بالبعث، لأن القادر على الخلق ابتداء قادر على الإعادة.(32/339)
الآية السابعة عشرة: في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ َوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} الآيات: (63-67) من سورة الواقعة.
يردّ الله سبحانه وتعالى على المشركين الذين ينكرون البعث فيقول لهم ما يتضمن:
أخبروني عن البذر اليابس الميت الذي تبذرونه في الأرض التي تحرثون، أأنتم تنبتونه وتجعلونه زرعا حيًّا ناميا يزهو ويرفّ، أم نحن؟ فإذا أقررتم بأن الله هو الذي يفعل ذلك- ولا محيص لكم عن هذا الإقرار- فكيف تنكرون قدرته على إخراج الأموات من الأرض وإعادتهم أحياء؟!!
لو يشاء الله لجعل هذا الزرع الأخضر اليانع حطاما لا خطير فيه، فتصيبكم الحسرة والندم مما نزل به، وتظلون على ذلك تقولون إنّا لمهلكون، قد ذهب الذي بذرناه في الأرض سدي من غير عوض، وحُرمنا ما كنّا نرجوه من رزق وغلال وطعام.
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني والمستخبر عنه البذر الذي يبذرونه في الأرض التي يحرثون، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} .
والمعنى: أخبروني أيها المشركون عن البذر الذي تبذرونه في الأرض التي تحرثون، أأنتم تنبتونه وتجعلونه زرعا أخضر ينمو ويرفّ وُيعجب أم الله؟
وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتُمْ} مفيدا التقرير والتوبيخ:
التقرير بمعنى طلب الاعتراف بالإجابة عن السؤال الذي تضمنته أرأيتم مع معمولها، وهو أخبروني عن البذر اليابس اَلميت الذي تلقونه في الأرض التي تحرثونها، من يُنبته لكم فيجعله زرعا حيًّا ناميا زاهيا؟ أأنتم أم الله؟
ولما كانت الإجابة عن هذا السؤال معلومة لا يشك فيها، وهي اعترافهم بأن الله جلّت قدرته هو الذي يفعل ذلك- استغنى عن ذكر هذه الإجابة.(32/340)
ويفيد التوبيخ توبيخ هؤلاء المشوكين على إنكارهم البعث وتكذيبهم بقدرة الله عزّ وجلّ على إحيائهم بعد الموت، مع أنهم يشاهدون الدلائل والبراهين تملأ عليهم أبصارهم، ومنها هذا البذر الذي يلقونه في الأرض ميتا يابسا فيجعله الله تعالى زرعا حيًّا ناميا زاهيا.
وإعراب {أَرَأَيْتُمْ} ومعمولها هنا قد مضى مثله في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} من سورة الواقعة.
الآية الثامنة عشرة: في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} الآيات: (68- 75) من سورة الواقعة.
يخاطب لله جلّ وعلا في هذه الآيات الكريمة المشركين الذين كانوا ينكرون البعث، يخاطبهم بما يتضمن: أخبروني عن هذا الماء الذي تشربون، أأنتم خلقتموه عذبا صالحا للشرب وأنزلتموه من السحاب أم نحن الخالقون المنزلون؟
إنّا نحن الخالقون المنزلون، وهذا ما لا سبيل إلى إنكاره، ولو شئنا لأمسكناه عنكم، أو جعلناه مِلْحا زُعاقا لا تنتفعون منه في شرب ولا زرع ولا في شيء غير ذلك.
فهلاّ تشكرون الله الذي أنشأ لكم هذا الماء وأنزله عليكم عذبا فُراتا سائغا تشربون منه وتحيون ويحيا به كل شيء حي.
فهلاّ تشكرون الله وتنبذون هذا الكفر الذي أنتم فيه وهذا الشرك الذي أنتم عليه، وهلا تعترفون بقدرة الله تعالى على أن يخلقكم مرة ثانية كما تعترفون بأنه الذي يخلق الماء في السحاب وينزله عليكم فيكون سببا في حياتكم وحياة ما حولكم من زرع وحيوان ونبات!!(32/341)
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه الماء الذي يشربونه، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} ، والمعنى: أخبروني أيها المشركون الذين تنكرون البعث وقدرة الله على هذا البعث، أخبروني عن هذا الماء الذي تشربونه عذبا فُراتا فيكون به حياتكم، أأنتم أنشأتموه في السحاب وأنزلتموه منه أم نحن المنشئون المنزلون؟!!
وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا مفيدا التقرير والتوبيخ:
التقرير على معنى طلب الاعتراف بالإجابة عن السؤال الذي تضمنته {أَرَأَيْتُمْ} ومعمولها وهو: أخبروني عن الماء الذي تشربونه، أأنتم خلقتموه عذبا صالحا للشرب وأنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون؟
ولما كانت الإجابة عن هذا السؤال معروفة لا يشك فيها وهي اعترافهم بأن الله تعالى هو الذي يفعل ذلكَ- استغنى عن ذكر هذه الإجابة.
ويفيد توبيخ هؤلاء المشركين على إنكارهم قدرة الله تعالى على بعثهم بعد الممات، على حين يعترفون بقدرته تعالى على خلق الماء في السحاب وإنزاله عليهم فيكون سببا في حياتهم.
وقد سبق إعراب مثل هذا الاستفهام في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} .
الآية التاسعة عشرة: في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} الآيات: (71-74) من سورة الواقعة.
في هذه الآيات الكريمة يردّ الله سبحانه وتعالى على المشركين الذين ينكرون البعث ويكذبون بقدرة الله تعالى عليه، يردّ عليهم بما يتضمن:
أخبروني أيها المشركون عن هذه النار التي تخرج من الشجر الأخضر بحكّ بعضه ببعض، أأنتم أنشأتم شجرتها وخلقتم النار التي فيها أم نحن المنشئون الخالقون؟(32/342)
نحن جعلنا تلك النار تذكرة وتبصرة لمن يذّكّر ويعتبر ويفكر فيدرك أن القادر على أن يجعل النار تخرج من الشجر الأخضر المضادّ لها قادر على أن يجعل الأموات أحياء يوم القيامة.
ونحن جعلناها أيضا نافعة ومتاعا لأولئك الذين هم في أشد الحاجة إليها، أولئك الذين يعيشون في القفار بعيدين عن حياة الحضر والاستقرار.
وبعد أن ذكر الله جلّ جلاله الأمور الأربعة السابقة وهي: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} ، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} ، {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} ، {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} . هذه الأمور المتضمنة أمر خلقهم والنعم التي بها قوام حياتهم، هذه الأمور الدالة على قدرته تعالى على الإبداع والإنشاء والخلق، وعلى قدرته تعالى على بعث الأموات أحياء يوم القيامة، بعد ذلكَ أمر رسوله صلى الله عليه وسلم (وكل من كان له أسوة حسنة برسوله مأمور كذلك) أمره بالاستمرار والمداومة على تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله، وعما يزعمه الكافرون من الأنداد والشركاء والعجز عن البعث، فقال تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} .
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه النار التي يورونها، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} .
وقد أفاد استفهام {أَرَأَيْتُمْ} التقرير والتوبيخ:
التقرير بمعنى طلب الاعتراف بالإجابة عن السؤال الذي تضمنته {أَرَأَيْتُمْ} مع معمولها وهو: أخبروني عن النار التي تَخرج من الشجر الأخضر، أأنتم أنشأتم شجرتها وخلقتم النار فيها أم نحن الخالقون المنشئون؟
ولما كانت إجابتهم عن هذا السؤال معلومة لا يشك فيها، وهي الاعتراف بأن الخالق المنشئ هو الله- استغنى عن ذكرها.(32/343)
ويفيد التوبيخ أيضا: توبيخ المشركين على إنكارهم البعث وتكذيبهم بقدرة الله تعالى على إحيائهم بعد مماتهم مع اعترافهم بقدرة الله تعالى على إخراج النار من الشجر الأخضر الرطب المضادّ لها، وهو من الدلائل العظيمة على انفراده تعالى بالخلق والإنشاء.
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} هنا فقد مضى إعراب مثله في قوله تعالى المتقدم: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} .
الآية العشرون: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الآية: (28) من سورة الملك.
يُروى أن كفار مكة كانوا يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من آمن به، يدعون عليهم بالهلاك، فأمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ما يتضمن:
أخبروني- أيها الكافرون- إن أهلكني الله تعالى ومن آمن بي فأماتنا أو رحمنا فأخّر آجالنا فمن ذا الذي يستطيع أن يجيركم من عذاب الله الأليم، ومن ذا الذي يستطيع أن يمنعكم من عقابه جزاء كفركم.
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه محذوف، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} والتقدير: أخبروني أيها الكافرون عن أنفسكم من يحميكم من عذاب الله الأليم إن أماتني الله ومن معي أو رحمنا فأخر آجالنا.
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تأخذ مفعولين، وهما هنا محذوفان دلّ عليهما الشرط وجوابه، وتقديرها: أرأيتم أنفسكم أينجيكم أحد من العذاب إن أهلكنا الله أو أبقانا. أما الجملة الاستفهامية: {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} فقد أعربها أبو حيان في تفسيره البحر المحيط واقعة في جواب الشرط: {إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ} ، وقد اعترض في حاشية الفتوحات- على هذا الرأي بأن تسبب الجواب على الشرط فيه بُعد.(32/344)
والذي يبدو لي- والله أعلم- أن جملة {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} هي المفعول الثاني لأرأيتم، وأن الرابط الذي يربطها بالمفعول الأول هو الضمير الذي أقيم الاسم الظاهر وهو {الْكَافِرِينَ} مقامه، والتقدير: أرأيتم أنفسكم من يجيركم من عذاب الله الأليم، وتكون الفاء على هذا زائدة للتوكيد، ويكون جواب الشرط محذوفا، دلّ عليه وأغنى عن ذكره أرأيتم ومعمولها، والتقدير: إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فأخبروني أي فائدة لكم في ذلك وهل ينجيكم هذا من العذاب.
وقد أفاد استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا التنبيه، والإنكار والتوبيخ:
تنبيه المشركين على أن إماتة الرسول صلى الله عليه وسلم قيم ومن آمن به لا تفيدهم شيئا ولا تحميهم من عذاب كفرهم، وأن عليهم بدل هذا الدعاء أن يوحدوا الله وأن يؤمنوا برسوله.
ويفيد الإنكار على المشركين وتوبيخهم أن يدعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آمن به- بالهلاك، وأن يتربصوا به ريب المنون، مع أن هذا الهلاك لا ينفعهم شيئا، ولا يحميهم من عذاب الله تعالى جزاء كفرهم، ولا يضرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم.
الآية الحادية والعشرون: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} الآية: (30) من سورة الملك.
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن:
أخبروني أيها المشركون عن مائكم إن أصبح متواريا في جوف الأرض، لا تستطيعون أن تنالوا منه شيئا، أخبروني من يأتيكم بماء ظاهر تراه العيون، تشربون منه وتحيون.(32/345)
و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه محذوف، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} . والتقدير: أخبروني عن مائكم- إن أصبح غائرا في جوف الأرض- من غير الله يستطيع أن يأتيكم بماء ظاهر تراه العيون ومنه تشربون.
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تنصب مفعولين: الأول ضمير محذوف يعود على َ {مَاؤُكُمْ} وتكون المسألة من باب التنازع: تنازع {أَرَأَيْتُمْ} و {أَصْبَحَ} في َ {مَاؤُكُمْ} فأرأيتم تطلبه على أنه مفعول به، وأصبح تطلبه على أنه اسم لها، فأعمل الثاني وأضمر في الأول وحذف. وأما المفعول الثاني لـ {أرأيتم} فجملة استفهامية محذوفة دلّ عليها جملة جواب الشرط: {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} . وتقدير المفعولين: أرأيتم ماءكم (إن أصبح غائرا) أيستطيع أحد غير الله أن يأتيكم ببدل منه.
وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتُمْ} هنا مفيدا التنبيه والتوبيخ:
تنبيه المشركين على أن الله تعالى هو وحده الذي يأتيهم بالماء الذي منه يشربون ويحيون، وأن الأصنام لا تستطيع ذلك، فكان عليهم أن يؤمنوا بالله تعالى وأن يفردوه بالعبادة.
وتوبيخ هؤلاء المشركين على تركهم عبادة الله الذي يأتيهم بالماء الذي منه يشربون ويحيون، وتوبيخهم على عبادتهم أصناما لا تستطيع أن تأتيهم بالماء إن أصبح ماؤهم غورا.
أختي العزيزة:
أرى رسالتي إليك قد طالت، وما كان لي يد في أن تطول، لقد آن لها أن تنتهي، وسوف أحدثك- إن شاء الله تعالى- عن بقية أساليب (أرأيت) في الرسالة التالية، وعن خصائص ومزايا جاءت في هذه الأساليب.
اللهم سدّد خطاي، ووفقني إلى الصواب، فعليك أتوكل، وبك أستعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أختك
همزة الاستفهام(32/346)
الزَّلاَّقَة
مَعركَةٌ مِنْ مَعَارِكِ الإِسْلاَمِ الحَاسِمَةِ فِي الأندَلُس
للدكتور جميل عبد الله محمد المصري
أستاذ مشارك بالجامعة الإسلامية
الحمد لله الذي جعل أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس، أمة جهاد في سبيله، وأمة رحمة وهداية للعالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، النموذج العملي لرسالة الإسلام وعقيدته، جعله الله سبحانه وتعالى شهيدًا على أمته، وجعل أمته شهداء على النَّاس، ورضي الله عن صحابته الطاهرين، ومن قام بهديه إلى يوم الدين وبعد:
فإن المعارك العالمية التي سجلها التاريخ كثيرة، تلك التي تمخضت عنها تغييرات شاملة، ذات نتائج خطيرة، وتبقى معارك الإسلام من أشهرها وأهمها، ذلك لأن المعركة في الإسلام ليست غاية في ذاتها، فهي محصلة لأمور كثيرة، إذا وصلت إلى حدّ معينّ لابد من معركة حربية، ومفهوم الجهاد واضح المعنى وواضح الهدف، هو قتال في سبيل الله، يهدف إلى تبليغ الدعوة، ومدّها، أو تثبيتها والدفاع عنها، فإذا وصلت الأمور حاجزاً لا مجال لاختراقه بوسيلة أخرى كانت المعركة، ولابد مِن الصبرِ عليها، ومن هنا فإن معارك الإسلام تخدم الدعوة في الدرجة الأولى امتدادا أو دفاعًا أو تثبيتًا.
ومنذ معركة بدر الفاصلة –الفرقان- التي قادها سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، والمسلمون يحاولون الوصول في معاركهم إلى مستواها في أهدافهِا ومعانيها، وتنظيمها، ونتائجها. فكانت معركة خيبر في عهده صلى الله عليه وسلم، التي وضعت حداً نهائياَ لتسلط اليهود في بلاد العرب، ثم كانت اليرموك التي قررت مصير بلاد الشام ومصير الإمبراطورية الرومانية كله، والقادسية التي قررت مصير العراق وبلاد فارس وإمبراطورية الفرس.(32/347)
وهكذا تتابعت معارك الإسلام وتتالت، إلى أن كانت في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري معركتان: ملاذكرد (منزكرت) في آسيا الصغرى التي قررت مصير آسيا الصغرى عام 463 هـ، والزلاقة على أرض الأندلس الشهيدة التي أوقفت الزحف الصليبي النامي إلى حين، عام 479 هـ.
فقد ساءت حالة العالم الإسلامي في بداية القرن الخامس الهجري شرقاً وغرْباً، فعم الرفض، وفشا التفرق في المغرَب بسقوط الخلافة الأموية وتمزق الدولة العامرية، ولكن الله سبحانه وتعالى هيأ للمسلمين: السلاجقة في المشرق، حيث بلغت دولتهم ذروة القوة في منتصف القرن الخامس الهجري. والمرابطين في المغرب، وبلغت ذروتها في الوقت ذاته. وكلتا القوتين اتخذ الجهاد سبيلاً لإعزاز الإسلام والمسلمين ونصرة الدين. وكلتاهما مدّ الإسلام إلى آفاق واسعة. فقد مدّ السلاجقة الإسلام في آسيا الصغرى وأصبحت من ديار الإسلام، ومدّ المرابطون الإسلام إلى أفريقية الغربية وعبر الصحراء إلى السودان، وقاموا بواجبهم في نصرة إخوانهم في الأندلس، وحماية الإسلام.
حالة المغرب والأندلس في النصف الأول من القرن الخامس الهجري التي هيأت لمعركة الزلاقة:
أولاً: شمال أفريقيا ودولة المرابطين في المغرب:(32/348)
انتثر ملك الخلافة بالمغرب (1) ، وانقسم إلى إمارات صغيرة متفرقة، فقد أقام المعزّ بن باديس سنة 440 هـ الدعوة للقائم بالله الخليفة العباسي وخلع طاعة المستنصر العبيدي، (وكان قبل ذلك يسب بني عبيد سرّاً) ، فبعث المستنصر القبائل العربية من بني هلال ورياح وزغبة لمحاربته، فكانت الحروب الهائلة بين ابن باديس والعرب الذين دخلوا القيروان (2) . وكثر المتغلّبون على الشمال الأفريقي بأجمعه، فاستولى بنو هلال على المناطق الممتدة في الداخل من قابس إلى المغرب، وظل بنو زيري يحتفظون بالمهدية وما يليها، واستقر أمر بني حماد في بجاية، واستقل حمو بن ومليل البرغواطي في صفاقس بعد أن حالف العرب، واستقل ابن خراسان بتونس سنة 458 هـ، واستقل موسى بن يحيى بفاس، وحاكم قفصة الزيري بعد أن استعان بالعرب مقابل جزية سنوية (3) .
كما تعرض الشمال الأفريقي لغارات النورمان يدفعهم الحقد الصليبي، فقد تملكوا صقلية من المسلمين بقيادة رجار سنة 464 هـ (4) ، ماعدا مدينتي قصريانه وجرجنت، اللتين حاصروها حصاراً شديداً، واستسلمت جرجنت سنة 481 هـ، وتبعتها قصريانه سنة 484 هـ (5) . وشجع البابا فكتور الثالث على تكوين طائفة من رجال البحر من بيزه وجنوة للإغارة على السواحل الإسلامية الأفريقية، فهاجموا مدينة المهدية وزويلة، وعادوا بعدد عظَيم من أسارى المسلمين رَجالاً ونساء (6) وبمبلغ عظيم من الذهب والفضة مقابل رحيلهم وذلك سنة 480 هـ
__________
(1) نفح الطيب جـ 1 ص 413.
(2) المؤنس في أخبار إفريقية وتونس ص84- 85/ ابن خلدون جـ6 ص 288.
(3) المغرب الكبير- السيد عبد العزيز- ص 673.
(4) ابن خلدون جـ4 ص450/ المؤنس ص 89.
(5) الكامل في التاريخ جـ 8 ص 157.
(6) ابن خلدون جـ 6 ص 328.(32/349)
وفي هذه الظروف الحالكة انبعثت من قلب الصحراء الكبرى الأفريقية، قوة إسلامية، تدعو إلى التمسك بالِإسلام، مصدر قوة المسلمين، وتجدد جريان الحياة في تياره، باتخاذه دستوراَ يحكم حياة الإنسان في جميع نواحي الحياة.
فقد توجه يحي بن إبراهيم الجدالي- أمير جدالة- في جماعة إلى الحج (1) عام 440 هـ، وعرجوا في عودتهم على القيروان، واستمعوا إلى علمائها، وكانت في هذه الفترة قد نبذت المذهب الشيعي، وعادت إلى أهل السنة والجماعة، فاسترجعت مكانتها كقاعدة للمذهب المالكي في المغرب، فاتصلوا بأبي عمران موسى الفاسي شيخ المذهب المالكي (2) ، وطلبوا منه أن يرسل معهم عالماً يعلمهم الدين، فأرسل معهم الشيخ عبد الله بن يِاسين الجزولي (3) وكان من حذاق الطلبة ومن أهل العلم والصلاح، واعتبر عمل هذا جهاداً لنشر تعاليم الإسلام الصحيحة بين الذين حرموا من نعمة المعرفة والعلم. فقام بدوره، فأخذ يفقه الناس ويعلمهم الشريعة، وأقام رباطاًَ يرجح إن مكانه في السنغال أو النيجر، والتف حوله جماعة من لمتونة إحدى بطون صنهاجه كجدالة من البرانس البربر؛ بلغ عددهم حوالي الألف رجل، أطلق عليهم اسم (المرابطون) نسبة إلى رباط عبد الله بن ياسين، حيث تلقوا فيه تكوينهم الديني والجهادي، وحوّلهم من رعاة إبل إلى جماعة من المجاهدين، يحملون عبء تبليغ الدعوة الإسلامية، وتصحيح مفاهيم العقيدة. وسمّوا بالملثمين أو الملثمة لاتخاذهم لثاماً داكن اللون يغطي الجزء الأدنى من وجّهوهم (4)
__________
(1) المؤنس جـ104، الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى جـ 2 ص 6.
(2) ابن خلدون جـ6 ص373/ البيان المغرب جـ3 ص242 وأبو عمران أصله فاسي استوطن القيروان وحصلت له بها رئاسة العلم، أخذ عن كثير من علماء المشرق والمغرب، رحل إلى قرطبة والمشرق وحج ودخل العراق، أخذ عنه الكثير من أهل العلم. وتوفي عام 430 هـ (المؤنس- حاشية ص104) .
(3) المؤنس ص 104- 105.
(4) وقيل إن سبب اتخاذ لمتونة للثام: اتخاذهم في أعراسهم نوعاً خاصاً من الحجاب، أو لأنه حدث ذات مرة في بعض حروبهم إن نساءهم كن يقاتلن معهم محجبات حتى يحسبن بذلك في عداد الرجال (انظر السلاوي-الاستقصا جـ 1ص 98-99، عنان-دول الطوائف ص299) .(32/350)
وكان على رأسهم المجاهد يحي بن عمر بن إبراهيم اللمتوني الذي توفي سنة 446 هـ أو447 هـ (1) ، فخلفه أخوه: أبو بكر بن عمر اللمتوني، وكان كأخيه مثال الإخلاص والتضحية والقيادة الناجحة، فمدّ الإسلام في إفريقية وبلاد السودان، وأمضى حَياته في الجهاد، وتنازل لابن عمه يوسف بن تاشفين الذي أثبت مقدرة ومهارة أكسبته مكانة عالية بجانب شهرته العسكرية (2) ، واستمر أبو بكر في جهاده إلى أن استشهد في الصحراء عام 480 هـ (3) .
اتخذت الدولة المرابطية أغمات عاصمة وهي على بعد 35 كم جنوب شرقي مدينة مراكش، ثم اختط يوسف مدينة مراكش عام 454 هـ/1062 م أو بعدها بقليل، وأسس قصبة ومسجداً، وكان يشارك العمال بنفسه في بناء المسجد تواضعاً لله وتورعاً (4) .
تمكن المرابطون بقيادة يوسف من توحيد المغرب وإنقاذه من الفرقة وأزالوا المنكرات، ورفعوا المكوس الجائرة، وفرقوا الأخماس على المرابطين والفقهاء، وطبقوا أحكام الدين، وقضوا على الروافض، ورجع من بقي منهم إلى أهل السنة والجماعة، كما قضوا على مذهب صالح ابن طريف الإباحي، وكان يهودي الأصل نشر مذهبه بين قبيلة برغواطه (5) وأصبحت دولتهم تستعد للامتداد إلى الأندلس، وهمّ يوسف بذلك وأخذ في إنشاء المراكب والسفن ليعبر فيها (6)
ثانيًا: الأندلس بعد سقوط الدولة العامرية:
نعمت الأندلس الإسلامية بالأمن والرفاهية في ظلّ الدولة الأموية وفي عهد الدولة العامرية، ومدّت نفوذَها على جميع شبه الجزيرة الأندلسية والمغرب، وركدت حركات النصارى، وامتلأت قلوبهم رعباً، فقلّ عبثهم، وخطب ملوكهم ودّ الدولة الإسلامية في أكثر عهودها.
__________
(1) الاستقصا جـ2 ص13.
(2) انظر البيان المغرب جـ4 ص24.
(3) المؤنس ص107.
(4) البيان المغرب جـ4 ص123/ الاستقصا جـ2 ص24.
(5) ابن خلدون جـ6 ص183-209/ انظر: عنان- دول الطوائف ص305-306.
(6) نفح الطيب جـ4 ص354.(32/351)
ولما انقطعت تلك الدولة قام الطوائف بعد الخلائف، وانتزى الأمراء والرؤساء من البربر والعرب والموالي بالجهات، واقتسموا خططها، وتغلّب بعض على بعض (1) ، وكثرت الفتن وانبسط عدو الدين في الجزيرة وبلغ منهم كلّ مبلغ ما بين قتل وأسر، وهم (أي ملوك الطوائف) في تحاسد واختلاف الكلمة وانتحال الأوصاف، واقتسام ألقاب الخلافة، فتلقّبوا بالناصر، والمنصور، والمعتمد، والمظفر، والمتوكل، والقادر، والمؤتمن، وغير ذلك، فمال شاعر الأندلس أبو بكر محمد بن عمار أو غيره (2) :
مما يزهدني في أرض أندلس
أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
__________
(1) نفسه جـ1 ص413.
(2) انظر سير أعلام النبلاءجـ18 ص582-583/ نفح الطيب جـ1 ص214، جـ4 ص255/ ابن خلكان- وفيات الأعيان جـ4 ص428/ المؤنس ص101.(32/352)
واستعان بعضهم على بعض بأعدائهم من نصارى الشمال، فوجد النصارى الفرصة للقضاء علىِ المسلمين جميعاً في شبه الجزيرة، فأخذوا يضربونهم، بعضهم ببعض، ويدفعون كلا منهم للصراع، ويغرونهم بشتّى الإعانات، والخداع، والمكر، والكيد، حتى يتمكّنوا من أخذ البلاد والاستيلاء على الطّارف والتّلاد (1) كما نشروا الجواسيس لإيجاد الصدع في صفوف المسلمين (2) ، وتنازع الإخوة من ملوك الطوائف على الملك (3) ، واستعان كلّ منهم بالعدوّ الصّليبي على أخيه، ولبَّى النّصارى الاستغاثات لأنهم وجدوها فرصة لتصفية الحساب مع المسلمين، فكانوا يقدمون الضّمانات الزّائفة، والوعود الكاذبة للجانب الذي ظهر رجحان كفته، حتى إذا أوشك على النّصر قلبوا له ظهر المجنّ وعملوا على ترجيح كفّة منافسه (4) كما أخذت الكنيسة في روما تتحرّك بقوّة بما لاحظته من ضعف المسلمين، فعملت على تكتّل نصارى أسبانيا، وعلى تكتّل النّصارى في أوربا لتوحيد العمل ضد الإسلام والمسلمين. والحقّ أن الأفرنج ما طمعت في الأندلس إلاّ عندما تفرقت البلاد، وصار كلّ بلد بيد ملك، فحينئذ طمع الفرنج فيهم، وأخذوا كثيراً من ثغورهم (5) ، وأنهكوا قوى المسلمين واستنزفوها. فاتخذت الحرب في الأندلس وجهة الحرب الصليبية قبل أن تعلن بصفة رسمية في الشرق. إذ قرّر البابا الأسكندر الثاني عام 456هـ/1063م منح مغفرة خاصة لكل من يشدّ الرّحال لقتال المسلمين في أسبانيا، فهب عدد كبير من فرسان فرنسا
__________
(1) نفح الطيب جـ507 ص507 عن جنة الرضى لابن عاصم.
(2) وقصة المنصور مع الشيخ الهرم، واكتشاف جاسوسيته مثال على هؤلاء الجواسيس/ نفح الطيب جـ1 ص378.
(3) كما حصل في أمراء بنى هود بين الأخوين المقتدر بن هود والمظفر بن هود. وكما حصل لأبناء المقتدر: المؤتمن، والمنذر (الحجي- التاريخ الأندلسي ص356) .
(4) كما حدث مع أبي بكر بن عبد العزيز الذي ثار على القادر واحتمى بالفونسو السادس.
(5) الكامل في التاريخ جـ8 ص138(32/353)
وأوربا لمساعدة إخوانهم في ما وراء الجبال (1) فقويت الممالك النصرانية في شمال الأندلس، وتوالت غاراتها على المسلمين، وطمع فردلند (فرناندو الأول) ملك قشتالة وليون فاستولى على بعض المناطق القاصية من الشمّال الغربي سنة 449هـ/1057م وحاصر مدينة باز وجنوب دويرة، واقتحمها بعد دفاع مجيد من المسلمين وعاث فيها قتلاً وأسراً، كما هاجم واحتل مناطق من مملكة بطليوس الخاضعة لبني الأفطس، وعاث عام 454 هـ في الأنحاء الشمالية لمنطقة طليطلة وحكامها بنو ذي النّون، وفي بعض مناطق اشبيلية حيث بنو عباد، وسقطت بيده مدينة قلمرية (قلنبيره) عام 456/1064م (2) . وهاجم النورمان مدينة بربشتر وتقع على بعد 60 كم شمال شرق سرقسطة وإحدى القواعد الأندلسية المنيعة، وتغلّبوا عليها بعد حصار أربعين يوماً سنة 456 هـ وارتكب النصارى فيها جرائم مذهلة مثيرة بقيادة جيوم دي مونري من أكابر فرسان عصره. وكان في خدمة الجيوش الرومانية والبابوية (3) ، فقد استباحوا المدينة بعد أن أمّنوا سكانها بكلّ ما فيها ومن فيها، وقدّر عدد القتلى والأسرى بين أربعين ألف ومائة ألف، ثم أعطى قائد الحملة الأمان لكنه- حين رأى كثرة أهل المدينة- أمر جنده أن تقلّل أعدادهم حصاداً بالسّيف، فأطيح أرضاً بستة آلاف من الرؤوس، ثم انتهبوا المدينة، واحتلّوا دورها لأنفسهم وارتكبوا أبشع الجرائم قتلاً وهتكاً للأعراض. وكان (الخطب أعظم من أن يوصف أو يُستقصى) كما يقول ابن حيّان (4) فأثر الخطب في المسلمين وتداعوا إلى الجهاد، فتمكّنوا من استرجاعها عام 457 هـ ومُزّق المعتدون بعد أن دام احتلالها تسعة شهور (5) .
__________
(1) اندري جوليان- تاريخ إفريقيا الشمالية- تعريب محمد مزالي، والبشير بن سلامة جـ2 ص111.
(2) الحجي - التاريخ الأندلسي ص328.
(3) عنان- دول الطوائف ص274.
(4) الحجي - التاريخ الأندلسي ص361
(5) الروض المعطار ص41.(32/354)
وتوفي فردلند (فرناندو الأول) ملك قشتالة وليونِ عام 458هـ/1065م بعد أن قسّم دولته بين أولاده الثلاثة، حيث تحارب الأخوة حربا لم يستغلها المسلمون لتفرقهم ولتمكنّ الروح الانهزامية في نفوسهم، وانتصر في هذه الحروب شانجه وهرب أخوه الفونسو (الاذفونش) ولجأ إلى طليطلة عند ملكها يحي بن إسماعيل بن ذي النون الملقب بالمأمون، فقابله بالترّحاب وبالغ في إكرامه، وأنزله داراً مجاورة لقصره، وجعل له داراً أخرى خارت المدينة ذات حدائق تكون متنزّهاً له ولمرافقيه، حيث قضى تسعة شهور درس فيها أحوال المدينة تمهيداً للاستيلاء عليها. وكان الأخ الثالث غرسيه قد لجأ إلى اشبيلية عند بني عباد. واغتيل شانجه عام 465هـ/1072م فاستدعي الفونسو لتولّي الحكم، بعد أن قطع الوعود للمأمون، وأصبح ملكاً لقشتالة وليون وجيليقية باسم الفونسو السادس (الاذفونش عند المسلمين) فتوحدّت أسبانيا النصرانية حيث قضى غرسيه الأخ الثالث بقيّة عمره في السجن لمدة سبعة عشر عاماً (1)
من هذا العرض لأوضاع المغرب والأندلس نرى أن المغرب الإسلامي كان يمر في حركة تغيير شاملة على أسس إسلامية، وعلى يد المرابطين، وتنبعث فيه حياة جديدة، وقوة وثّابة، كالحركة التي شهدها المشرق الإسلامي على يد السلاجقة. في حين كانت الأندلس الِإسلامية تشهد حركة عكسية، حركَة يتوالى فيها تمزّق المسلمين، وتتوالى الانتكاسات، وتسرّبت إلى زعمائهم الروح الانهزامية أمام القوى النّصرانية الصّاعدة الحاقدة على الإسلام وأهله، والتي تجنّدها البابويّة من نصارى أسبانيا وأوربا.
وأمام فقدان المسلمين في الأندلس قوتهم الذاتية تلمّسوا حولهم، فوجدوا القوى الإسلامية في العدوة الأخرى، فاندفعوا للعمل للاتصال بالأخوة، وخاصة بعد قمة الفاجعة الأندلسية- سقوط طليطلة بيد النصارى.
ثالثاًَ: سقوط طليطلة- زلزلة الأندلس الإِسلامية-:
__________
(1) الحجى- التاريخ الأندلسي ص 330.(32/355)
كانت طليطلة من أجلّ المدن الإسلامية وأعظمها خطراً (1) ، ومن- أكبر بلاد الأندلس وأحصنها، حكمها من الطوائف بنو ذي النون الهواري، وأوّلهم الأمير إسماعيل عام 420هـ، ثم تملّك المأمون بعد أبيه عام 435هـ (2) ، فعكف على اللذات والخلاعة، وصادر الرعيّة، وهادن العدوّ، فطمعت فيه الفرنجة بل في الأندلس، وأخذت عدّة حصون، وكان قد استعان بهم على تملّك مدائن الأندلس، وغدر به ملكهم، وأخذه رهينة حتّى أعطاه ما طلب من الحصون، وقرّر عليه مالاً كلّ سنة، وعاد ذليلاً مخذولاً وذلك بما قدّمت يداه، إلى أن توفي عام 460هـ (3) مقتولاً بيد القاضي ابن جحّاف، فخلفه القادر بن يحي في الحكم (4) الذي لجأ إلى بلاطه الفونسو السادس، وأقام فيه تسعة شهور، ولاقي الإكرام الزائد، والمجاملات الكثيرة إلى أن غادرها حاكماً للنّصارى، بعد أن ارتبط ببني ذي النون بروابط الصداقة وأعطى العهود والمواثيق.
__________
(1) ياقوت- معجم البلدان جـ4 ص40.
(2) سير أعلام النبلاء جـ18 ص221/ الكامل في التاريخ جـ9 ص288.
(3) نفح الطيب جـ4 ص352.
(4) نفح الطيب جـ4 ص352.(32/356)
أصبح شغل الفونسو الشاّغل الاستيلاء على هذا البلد الذي آواه وأكرمه، وكان قد درس وسائل احتلالها أثناء لجوئه، بل وتذكر بعض الروايات أنه استمع ذات يوم وهو متظاهر بالنوم إلى حديث المأمون مع وزرائه في كيفية الدفاع عن طليطلة إذا هاجمها النصارى، وقد أجاب بعضهم: أن النّصارى لا يستطيعون الاستيلاء عليها وهي المدينة الحصينة إلا إذا أنفقوا سبعة أعوام على الأقلّ في تخريب أحوازها وإنتساف قوتها (1) ، وتمكن الفونسو من الإطلاع على عوراتها (2) . فأخذ بالإغارة على أراضيها وعاث فيها سفكاً وتخريباً، وانتسف مزارعها، بالاتفاق (ياللأسف) مع ابن عباد أمير اشبيلية، وأعظم ملوك الطوائف، الذي تحالف معه وتعهّد بمعاونته بالجند والمرتزقة ضد جميع المسلمين مقابل ألاّ يتعرض لمشروعه في مهاجمة طليطلة، فضحّى المعتمد بمعقل الأندلس المسلمة مقابل وعود خدّاعة، ودفع للادفونش الجزية (3)
__________
(1) دول الطوائف ص391، وهي قصة لا تخلو من الخيال، ولكنها ذات مغزى يرمي إلى تصوير مدى غفلة الأمير، وثقته بأعدائه، وركونه إليهم.
(2) ابن الخطيب- أعمال الأعلام جـ2 ص330.
(3) الذهبي-العبرجـ2 ص338.(32/357)
استمرّ الفونسو في غاراته على أراضي طليطلة دون أن يجد من يردعه، وبعد أن أنهكها تقدّم لحصارها، واستمرّ في حصارها سبع سنوات (1) وارتكب بها وبأهلها الأفاعيل وأُنزلت الآثامٍ، وتمثّلت النزّعة الصّليبيّة واضحة في هذا الحصار، فقد ضمّت القوات النّصرانيّة جنوداً من جميع أسبانيا النّصرانية من قشتاله وليون وارغون، ومتطوعين نصارى من المغامرين من فرنسا وألمانيا وإنكلترا وغيرها من أوربا النصرانية (2) ، تباركهم الكنيسة. في حين بقيت طليطلة المسلمة وحيدة تصارع هذه القوى، وأمراء الطوائف جامدون لا يتحرّكون، وكأن الأمر لا يخصهم، بل ارتمى بعضهم كزعيمهم ابن عباد على اعتاب الفونسو، وتغافلوا عن الحقيقة: (إن النصارى لا يفرّقون بين طليطلة وغيرها من القواعد الإسلامية) ولم يقم بواجب نجدتها إلا المتوكّل على الله عمر بن محمد بن الافطس أمير بطليوس الذي وقف مجاهداً عن الإسلام وأهله كوالده الذي كان قد دعا إلى وحدة الأندلس للوقوف في وجه النصارى، وأنحى باللائمة على ابن عباد الذي مالأ الاذفونش، وبينّ أن سبب تكالب الأفرنج على بلاد المسلمين يكمن في ذنوبهم وتفرّقهمِ (3) ، واستمرّ في جهاده إلى وفاته سنة 470هـ. فكان ابنه المتوكل هذا لا يقلّ عنه جهاداً، وقد ثار أهل طليطلة عام 472 هـ ضد القادر وخلعوه لتعاونه معِ الاذفونش وخياناته، واستدعوا المتوكّل ليتولىّ أمرها، فقبل مكرهاً، وأقام عندهم نحواً من عشرة أشهر ليعود إلى بطليوس حين علم باستعانة القادر بالاذفونش وتقدّمهما نحو طليطلة (4) .
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص353/ العبر جـ2 ص339/ الكامل في التاريخ جـ8 ص138.
(2) عنان- دول الطوائف ص396
(3) انظر رسالته للأذفونش بهذه المعاني/ سير أعلام، النبلاء، ج18 ص595-596 وفيها تظهر عزة المسلم حينما يلجأ إلى الله سبحانه ويستمد منه قوته.
(4) انظر: الحجي- التاريخ الأندلسي ص 337.(32/358)
يئس أهل طليطلة من نجدات المسلمين، ففاوضوا الاذفونش من أجل التّسليم، وكالعادة أعطى لأهلها الأمان لضمان حرّيّاتهم، واحترام شعائر دينهم، وحقوقهم، وحرمة مساجدهم، وكعادته أيضاً نقض هذه العهود بعد شهرين فقط، وحوّل مسجدها الجامع إلى كنيسة، وحطّم المحراب ليقام الهيكل مكانه (1) ،وارتكب بأهلها الأفاعيل وأنزل بها الآثام (2) ،تباركه الكنيسة في ذلك، واتّخذها عاصمة لأسبانيا النّصرانيّة. وكان سقوطها في منتصف المحرم سنة 478هـ.
وأسفر سقوط طليطلة عن نتائج هامة:
فقد اشتدّ طمع النّصارى في بلاد الأندلس الإسلامية، فشنّ الأذفونش الغارات على جميع الأندلس المسلمة، وفاز باستخلاص جميع أقطار ابن ذي النون واستئصالها، وذلك ثمانون منبراً، سوى البُنيّات والقرى المعمورات، وحاز من وادي الحجارة إلى طلبيرة، وفحص اللجّ، وأعمال شنزية كلّها، وتسمّى (بالإمبراطور) أو (الإمبراطور ذي الملتين الإسلامية والنّصرانية) . وطمع في ملوك الطوائف، وعاملهم معاملة الأتباع الأذلاّء (3) ، وتصوّر أنهم غدوا كافّة رهن إشارته، وطوع بنانه، وانّه سيقضي عليهم الواحد بعد الآخر، ورفض جزيتهم وردّها كما فعل مع ابن عباد، ووصفهم بالحمقى الذين تلقبوا بأسماء الخليفة وهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاَ ولا نفعاً (4)
وتسلل اليأس إلى نفوس المسلمين من ملوك الطوائف، وغدت الأصوات اليائسة ترتفع، وفي ذلك يقول عبد الله بن فرج اليحصبي المشهور بابن العسّال أو غيره (5) :
يا أهل أندلس حثّوا مطيّكم
فما المقام بها إلا من الغلط
الثّوب ينسل من أطرافه وأرى
ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط
ونحن بين عدوّ لا يفارقنا
كيف الحياة مع الحيّات في سفط
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص447/ عنان- دول الطوائف ص113.
(2) نفح الطيب جـ4 ص354.
(3) أنظر الحجي- التاريخ الأندلسي ص334-315.
(4) المؤنس ص101.
(5) وتروى الأبيات بأشكال مختلفة بالمعنى نفسه. انظر: نفح الطيب جـ4 ص352.(32/359)
هذا وقد نُظّمت قصائد كثيرة في سقوط طليطلة وغيرها من المدن والحصون يظهر فيها الأسى والحزن.
وأدرك ملوك الطوائف عزلتهم عن أمّتهم، وأنّ النّصارى لا يفرّقون بينهم في المعاملة، وينظرون إليهم نظرتهم الحاقدة إلى المسلمين تحثّهم على ذلك الكنيسة بروحها الصّليبية، فتنادوا للّقاء، وتداعوا للوحدة استجابة أو مسايرة للرأي العام المسلم.
رابعاً: دور العلماء في الدّعوة إلى الوحدة في الأندلس:
للعلماء المسلمين دور كبير في جميع عهود التاريخ الإسلامي، في الدّعوة إلى لمّ الشمل والوحدة، وإلى الجهاد. فمنذ سقوط الدولة العامرية في الأندلس وتفرّقها إلى طوائف، ارتفعت أصوات العلماء بالدّعوة إلى الوحدة، إدراكاً منهم للخطر الذي يتهدّد المسلمين من النّصارى، ومن العلماء الذين قاموا بجهود في هذا المجال:
ابن عبد البر: (أبو عمر يوسف بن عبد الله النّمري) علامة الأندلس والمغرب الكبير (ت عام 463 هـ) عن عمر ناهز الخامسة والتسعين، فقد جلا عن وطنه قرطبة وتجوّل في أنحاء الأندلس فسكن دانية، وبلنسية، وشاطبة وبها توفي. وولي قضاء الأشبونة، وشنترين في مدّة المظفّر بن الأفطس، وكان خلال تنقّله وتدريسه يدعو إلى نبذ التفرّق ولمّ الشّمل (1) .
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان جـ7 ص 67/ سير أعلام النبلاء جـ 18 ص 153-163.(32/360)
وابن حيان: (أبو مروان حيان بن خلف الأموي مولاهم) (1) ، الذي علّق على أحداث الأندلس، وبشكل خاص نكبة بربشتر عام 456هـ، وعلّل أسبابها، وأنحى باللائمة على النّاس والحكّام بما ارتكبوا في جنب الله من ذنوب إهمالهم، بتقصيرهم في الأخذ بالشريعة، وتهاونهم في تنفيذ أوامرها، مما جرّهم إلى حالة الفرقة وأذهبت قوّتهم فقد "أركستهم الذنوب، ووصمتهم العيوب، فليسوا في سبيل الرشد بأتقياء، ولا على معاني الغيّ بأقوياء، نشء من النّاس هامل، يعلّلون نفوسهم، من أوّل الدّلائل على فرط جهلهم بشأنهم وإغزارهم بزمانهم، وبعادهم عن طاعة خالقهم، ورفضهم وصيّة رسوله نبيّهم عليه الصلاة والسلام، وهووهم عن النّظر في عاقبة أمرهم، وغفلتهم عن سدّ ثغرهم، حتى لظلّ عدوّهم السّاعي لإطفاء نورهم، يتبجّح عراض ديارهم، ويستقري بسائط بقاعهم، يقطع كل يوم طرفاً منهم وسرامة، ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صموت عن ذكرهم، لهات عن لبهمّ، ما أن يسمع عندنا في مسجد من مساجدنا، ومحفل من محافلنا، مذكّر بهم أو داع لهم، فضلاً عن نافر إليهم أو مواس لهم، حتى كأن ليسوا منّا، وكأن فتقهم ليس بمفض إلينا، قد بخلنا عليهم بالدّعاء بخلنا بالفناء، عجائب مغربة فاتت التّقدير، وعرضت للتّغيير، ولله عاقبة الأمور واليه المصير".
وقد أوقع ابن حيّان نصيباً كبيراً لهذه الأحوال على أمراء السوء في دول الطّوائف، الذين انحرفوا عن نهج الإسلام، ملوّماً الناس لركونهم إلى أمثال هؤلاء الأمراء.
__________
(1) البيان المغرب جـ3 ص255 نفح الطيب جـ4 ص 452- 453/ الحجي ص 365.(32/361)
وأبو الوليد الباجي: (سليمان بن خلف التجيبي القرطبي (403-474 هـ) الذي جاب أقطار المشرق الإسلامي، فجاور بمكة ثلاثة أعوام، ورحل إلى بغداد ودمشق والموصل، واستغرقت رحلته ثلاثة عشر عاماً، عاد بعدها إلى وطنه فولي المضاء لأماكن متعدّدة، وصنّف التّصانيف الكثيرة (1) ، ودعا إلى الوحدة من تلقاء نفسه أوّلاً، ثم نشط أكثر بعد حادثة بربشتر عام 456 هـ تلك التي نبهت غيارى المسلمين إلى الخطر الكامن وراء هذه الأحداث المؤلمة، ثم عمه المتوكّل بن الأفطس، وشدّ من عضده، بل كلّفه أو وجّهه إلى الجهاد، فأخذت دعوته طريقها الرسمي بذلك.
وابن حزم: (أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد) الوزير الظاهري، الذي تجوّل في الأندلس، داعياً إلى الوحدة، ووجّه النّقد اللاّذع لملوك الطوائف وبين استهتارهم، وما أورثوا الأمة من الوهن والانحدار، ودعا إلى الجهاد، ومن جيد شعره في ذلك:
مناي من الدنيا علوم أبثّها
وأنشرها في كلّ بادٍ وحاضر
دعاء إلى القرآن والسّنن التيِ
تناسى رجال ذكرها في المحاضر
والزم أطراف الثّغور مجاهداًَ
إذا هَيْعة ثارت فأوّل نافر
لألقى حمامي مقبلاً غير مدبر
بسمر العوالي والرّقاق البواتر
كفاحا ًَ مع الكفّار في حومة الوغى
وأكرم موت للفتى قتل كافر
فيا ربّ لا تجعل حمامي بغيرها
ولا تجعلنيّ من قطين المقابر
__________
(1) سير أعلام النبلاء جـ18 ص535- 545/ العبرة جـ2 ص 332/ البداية والنهاية جـ12 ص122.(32/362)
وهناك كثير من العلماء قاموا بدورهم في هذا المجال مثل: حاتم بن محمد الطرابلسي القرطبي المحدّث (ت عام 469 هـ) . وأبو العباس المعذري أحمد بن عمر بن أنس بن دلهات الأندلسي المدلائي (1) . وأبو عبد الله الحميدي محمد بن أبي نصر الميورقي (2) . وأبو المعالي إدريس بن يحي الأشبيلي (3) . والفقيه أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد قاضى الجماعة بقرطبة (4) ، وعبد الله بن غالب المالكي مفتى أهل سبتة (5) . وأبو القاسم المهلب بن أحمد الأسدي الأندلسي قاضي المرية (6) . ومكي بن أبي طالب القيسي (7) . ومحمد بن عبد الله المعافري محدّث قرطبة (8) . وعثمان بن سعيد القرطبي الصيرفي (9) . وعبد الله بن الوليد الأنصاري الأندلسي (10) . وابن العربي أبو محمد عبد الله الأشبيلي والد القاضي أبي بكر (11) .
__________
(1) العبر جـ 2 ص338/ سير18 ص 7-8.
(2) العبر2 ص 359/ شذرات جـ3 ص 392/ سير جـ 19 ص 12- 127/ الكامل في التاريخ جـ8 ص 178/ البداية جـ12 ص 152.
(3) الحجي ص348
(4) الحجي ص 350.
(5) العبر جـ2 ص 269/ شذرات جـ 3 ص 254.
(6) العبر جـ2 ص 272/ شذرات جـ3 ص 255.
(7) العبر جـ2 ص 273/ النجوم الزاهرة جـ5 ص41.
(8) العبر جـ2 ص 275/ شذرات جـ3 ص 263.
(9) العبر جـ2 ص 286/ شذرات جـ2 ص 272/ النجوم الزاهرة جـ5 ص54.
(10) العبر جـ2 ص 292.
(11) سير أعلام النبلاء جـ19 ص130- 131.(32/363)
والطلاعي أبو عبد الأحد بن الفرج القرطبي المالكي مفتي الأندلسي ومحدّثها (1) . وحكم بن محمد أبو العاص الجذامي القرطبي مسند الأندلس (2) . والقاسم بن محمد بن هشام الرعيني السبتي المالكي (3) . وأحمد بن سليمان الباجي (4) . وأبو بكر محمد بن أحمد من أهلَ قرطبة الذي تطوّع محاولاً إزالة الخلافات بين ملوك الطّوائف، وسعى بجمع كلمتهم، وكان من بيت وزارة وجلالة (5) . كما اشترك في ذلك أبو الفتح نصر بن الحسنِ الترني الشاشي التنكتي من علماء المشرق (وتنكت من أعمال الشاش) وقد جاب البلاد محدّثاًَ وتاجراً، وسمع في مصر والشام والأندلس وتوفي سنة 486 هـ (6) .
__________
(1) سير أعلام النبلاء جـ19 ص199- 201
(2) نفسه جـ 17 ص 659.
(3) نفسه جـ18 ص6-7.
(4) نفسه جـ18 ص545-546.
(5) الحجي - تاريخ الأندلس ص349.
(6) سير أعلام النبلاء جـ19 ص90-91.(32/364)
وقد أسفرت جهود العلماء عن تكوين رأي عام لدى المسلمين في الأندلس، يطلب الوحدة، ويلحّ عليها، فاستجاب ملوك وأمراء الطوائف لهذا الِإلحاح وعلى رأسهم المعتمد ابن عباد الذي كان يملك أكثر البلاد الإسلامية الأندلسية، والذي كان يؤدي الضريبة لألفونسو السادس، وكان قد أرسلها كعادته، فردّها عليه الفونسو وأرسل إليه يتهدده ويتوعّده السير إلى مدينة قرطبة وامتلاكها إلا أن يسلّم إليه جميع الحصون التي في الجبل ويبقى السهل للمسلمين (1) . فأسقط في يد المعتمد كما أسقط بيد أمراء الطوائف، فاجتمعوا وتشاوروا، ولكنّهم أدركوا أن الأندلس الإسلامية بأوضاعها المنحلّة، وإغراق أهلها في النّعيم، ليست لديها القدرة على التصدّي للهجَمة الصّليبية القويّة، فبرزت فكرة الاستغاثة بالمرابطين لدى المعتمد الذي قال لابنه: "إن إخواننا وجيراننا ملوك الأندلس، ليس فيهم نفع، ولا يرجى منهم نصرة، ولا حيلة، إن نزل بنا مصاب أو نالنا عدوّ ثقيل، وهو اللّعين الأذفونش، وها هو قد رفع رأسه إلينا، وان نزل علينا بطليطلة ما يرفع عنّا حتى يأخذ اشبيلية".
استنجاد الأندلس الإسلامية بالمرابطين:
__________
(1) الكَامل في التاريخ جـ8 ص138 /سير الأعلام جـ19 ص 58.(32/365)
كانت الظّروف الأندلسية التي بيّناها الحافز لطلب النجدة من مسلمي المغرب. فالفكرة كانت عامة على النّطاق الشّعبي، قبل أن يتبنّاها أمراء الطوائف رسميّا، فقد كان يوسف ابن تاشفن قد أتمّ وحدة المغرب عام 474 هـ تقريباً، ووفد صريخ أهل الأندلس على بلاط مراكش في العام نفسه، ووفد إليه جماعة، وشكوا إليه ما حلّ بهم من عدوان النصارى، وطلبوا إليه النّجدة، والعون، فوعدهم بتحقيق أمنيتهم (1) ، كما كانت سفارة أبي الوليد الباجي إليه قبل هذا التاريخ لأن الباجي توفي عام 474 هـ كما ذكرنا. وكاتبه المتوكل على الله بن الأفطس حاكم بطليوس (2) وأمام استمرار الصريح استعدّ بقواته ليجوز الأندلس، فافتتح سبتة عام 477 هـ، وأخذ يعدّ العدّة وينشيء المراكب والسفن ليعبر فيها (3) . وينتظر الفرصة السّانحة.
وفي سبتة توالت الرسل إليه أكثر من ذي قبل، وازدادت أكثر بعد سقوط طليطلة، فكثرت رسل الأندلس، مجهشين بالبكاء، ناشدين الله والإسلام، مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته، للحثّ على إنقاذهم مما هم فيه، وما يقتضيه واجبه الإسلامي نحو إخوانه. فكان يصغي لقولهم ويستمع إليهم، وترقّ نفسه لهم (4) .
__________
(1) انظر: عنان- دول الطوائف ص 312- 315.
(2) الحجي ص 397/ عنان ص 92.
(3) نفح الطيب جـ4 ص354 عن الروض المعطار.
(4) نفسه جـ4 ص 359- 0 36.(32/366)
ثم تحوّل الأمر بعد استئساد النّصارى على المسلمين وزلزلة طليطلة، فأصبحت الدّعوة للعبور رسميّة، فاتّفقت الأندلس كلّها على ذلك أمراؤها وفقهاؤها وعامّتها (1) . وكان ملوك الطوائف يكرهون إلمام يوسف بجزيرتهم (2) ولكنّهم أمام ضغط النّصارى وتنكّر الفونسو لهم، وخضوعاً للرّأي العامّ الإسلاميّ، استغاثوا بأمير المسلمين، فَعُقِد اجتماع في قرطبة حضره الزعماء والفقهاء وكثير من اَلنّاس، وعلى رأسهم المعتمد بن عباد، اتّخذ فيه قرار الموافقة على استدعاء المرابطين للنّصرة، ثم دعا المعتمد غيره من ملوك الطوائف إلى هذا الأمر، واجتمعوا بالفعل لاتّخاذ ترتيبات عبور وفد إلى العدوة ودعوة الأمير يوسف، وكتبت رسالة بهذا الشأن وقّعها أمراء الأندلس، وأُرسلت من الأندلس مع سفارة خاصّة وتحت إشراف ابن عبّاد، وحملت السفارة التّحف الثّمينة والوعود المغرية للاستغاثة (3) مع الرّسالة. وقد ضمّ الوفد: عبيد الله بن أدهم قاضي قرطبة، وكان أعقل أهل زمانه، ووزير المعتمد أبا بكر بن زيدون، وقاضي المتوكل على الله عمر بن الأفطس أمير بطليوس، وقاضي عبد الله ابن حبوس بن ماكسن الصنهاجي صاحب غرناطة (4) . والتقى الوفد بأمير المسلمين في سبتة، فلبىّ النّداء وقال: "أنا أوّل منتدب لنصرة هذا الدين، ولا يتولى هذا الأمر أحد إلا بنفسي".
__________
(1) دول الطوائف ص 317.
(2) نفح الطيب جـ4 ص 354.
(3) التواتي - مأساة انهيار الوجود العربي بالأندلس ص 287.
(4) الروض المعطار ص 86/ انظر: الحجي- تاريخ الأندلس ص 321.(32/367)
وكانت هناك دعوة للاستنجاد بعرب إفريقيا (بني هلال) (1) ، واستُبْعِد هذا الرّأي، كما ارتفعت بعض الأصوات تعارض الرّأي العامّ في الاستنجاد بالمرابطين تزعّمها عبد الله ابن سكوت والي مالقة، الذي حذّر أمراء الأندلس من المغاربة خوفاً من استئثارهم بالأندلس أرض الخيرات، وقد اشتهر ابن سكوت بمواقفه المشبوهة، ولعلّه هو المدبّر للحركة المضادّة لدخول المرابطين، التّي اتخذت اتِّجاهاًَ خطيراً فيما بعد، وجعلت أمير المسلمين يتشكّك في نوايا أمراء الأندلس. وحذّر أبو الحسن عبيد الله (ولي عهد المعتمد) والده مغبّة الاستنجاد بالمرابطين، وقال له: "يا أبت تُدخِل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا، ويبدّد شملنا". ولكن المعتمد المدرك أبعاد القضية أجابه: "أي بني والله لا يسمع عني أبداً أني أعدت الأندلس دار كفر، ولا تركتها للنّصارى، فتقوم عليّ اللعنة في منابر الإسلام مثل ما قامت على غيري". وقال قولته التي سارت مثلاً: "رعي الجمال خير من رعَي الخنازير"أي أن كونه مأكولاً لابن تاشفين أسيراً يرعى جماله في الصّحراء، خير من كونه ممزّقاً لابن فردلند أسيراً يرعى خنازيره في قشتاله (2) .
ولما فشا في الأندلس عزيمة الاستنجاد بيوسف والاستظهار به، استبشر النّاس وفرحوا بذلك وفتحت لهم أبواب الأمل (3) ، وعمّ المسلمين الفرح.
الشورى:
__________
(1) الكامل في التاريخ جـ 8 ص 141- 142.
(2) نفح الطيب جـ4 ص359/ البيان المغرب جـ4 ص 11/ وفيات الأعيان جـ7 ص 115.
(3) نفح الطيب جـ4 ص 359.(32/368)
جمع يوسف بن تاشفن مجلس شوراه من الفقهاء والأعيان والقادة، واستشارهم في نجدة الأندلس، فأشار عليه كاتبه عبد الرحمن بن أسبط من أهل المريّة، وأوضح له أن معظم أراضي الجزيرة في يد النّصارى، والجزيرة ذاتها وعرة البسائط، تعترضها جبال صعبة المسالك، وهي شبيهة بسجن، يندر على الداخلين إليه الخروج منه.. وقال: "فإذا انتصر عليك الأعداء، فقد يقطع عليك طريق العودة بأيسر أمر". وأضاف: "فنصيحتي أن تُخْطِرَ أمير اشبيلية بأنك لا تستطيع العبور قبل إخلاء حصن الجزيرة، وبذلك تملك موقعاً أمينْاً، تشغله حامية مخلصة، وتبقى في كلِّ وقت على اتّصال دائم بإفريقية". وهذا دليل على الشكّ في نيّة أمراء الطّوائف، فقد عرف عنهم الغدر وعدم التقيّد بالعهود، فاشترط الأمير يوسف تسليم ثغر الجزيرة لضمان سلامة طريقه في الذّهاب وحماية ظهره في الإياب، فوافق المعتمد على ذلك.
الإِعداد للجهاد:
كان ابن تاشفين على استعداد للعبور إلى الأندلس قبل استنجاد ملوك الطّوائف، فجاء الفرصة السّانحة، فاستنفر قواته للجهاد، فاجتمع له نحو من سبعة آلاف فارس، في عدد كثير من الرّجل، وأقبل من بقي من جنده في مدينة مراكش حتى تكامل العدد، وكان قد أعدّ أسطولاً يتألف من مائة سفينة وعدداً من المراكب ليعبر فيها (1) .
__________
(1) نفح الطيب4 ص354(32/369)
وبلغ الأذفونش (الفونسو السادس) استعدادات ابن تاشفن واعتزامه المجاز للأندلس، فأراد أن يجسّ النّبض، فكتب إليه يستحثّه على سرعة القدوم، وأغار علىِ البلاد في تظاهرة عسكرية جرّارة حتى وصل ساحل البحر عند الجزيرة، وكتب من هناك كتاباًَ، كتبه له بعض غواة أدباء المسلمين يغلظ له في القول، ويصف ما معه من القوة والعَدَد والعُدَد وبالغِ في ذلك. فلما وصل الكتاب وقرأه يوسف أمر كاتبه أبا بكر بن القصيرة أن يجيبه، وكان كاتبا مفلقاً، فكتب وأجاد، فلما قرأه على أمير المسلمين. قال: "هذا كتاب طويل، احضر كتاب الأذفونش واكتب في ظهره: "الذي سيكون ستراه"، والسلام على من اتبع هدى، وأردف الكاتب بيت أبي الطيب (المتنبي) :
ولا كتب إلا المشرفية والقنا
ولا رسل إلا الخميس العرمرم
فلما وقف الأذفونش على الكتاب، ارتاع له وأنه بلي برجل لا طاقة له به (1) .
عبور المجاهدين:
عبرت الجيوش الإسلامية المجاز (مضيق جبل طارق) بقصد الجهاد سنة 479 هـ، من سبتة إلى الجزيرة الخضراء تباعاًَ: فكان أوّلها قوةّ من الفرسان بقيادة داود بن عائشة، وآخرها موكب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، يوم الخميس منتصف ربيع الأول عام 479 هـ/30 حزيران 1086 م (2) .
وُيذكر أنّه خلال العبور هبّت ريح عاصف أثارت أمواجاً عالية، فرفع الأمير يوسف يديه إلى السّماء يدعو الله عز ّوجل:
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص 361/ أعمال الأعلام ق 3 ص240.
(2) عنان- دول الطوائف ص219.(32/370)
"اللهم إن كنت تعلم أنّ في جوازنا هذا خيراً وصلاحاً للمسلمين فسهّل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعّبه حتى لا أجوزه". واستجاب الله دعاءه، "فسهّل له المركب، وقرّب المطلب" (1) . وما كاد يطأ بقدميه أرض الأندلس حتى سجد لله شكراً. وتلقّاه المعتمد بن عبّاد في وجوه من دولته، وقدّم إليه الهدايا والتّحف، وتسلّم الأمير قلعة الجزيرة الخضراء باحتفال حضره القضاة والفرسان والمعتمد، كما تسلّم عدّة قلاع وحصون أخرى، قام بإصلاحها، وأعاد تحصينها، أتمّ تحصين، ونظمها حسب رأيه وإستراتيجيته الخاصة، ورتب لها حامية مختارة من جنده لتسهر ِعليها، وشحنها بمقادير عظيمة من الأقوات، والذخائر، والمؤن، لكي تغدو ملاذاً أميناَ، يلتجيء إليه، إذا منيت الحملة بالفشل (2) .
وفشا خبر عبور الأندلس فقوبل بالترحيب وانتعاش الآمال من قِبَل جميع المسلمين في الأندلس، وتحرّكت في نفوسهم روح الجهاد فتوافد إليه المتطوّعة من كلّ مكان، كما جاءته الوفود مرحّبة.
خط سير القوات الإِسلامية إلى الزلاقة:
تحرّك يوسف بالجيش الِإسلامي من الجزيرة الخضراء باتّجاه الشّمال الشّرقي إلى اشبيلية، ولما وصلها نزل بظاهرها، وطلب إليه المعتمد أن يدخل حاضرة ملكه ليستريح فيها أياماً من وعثاء السفر، ومشقّة الطريق، قبل أن يلتقي بعدوه. فأبى يوسف الدّخول وقال:
"إنّما جئت ناوياً جهاد العدو، فحيثما كان العدوّ توجّهت، هلّم (إلى ما جئنا له من الجهاد) ".
__________
(1) دول الطوائف ص 447،319 /الحجي ص403 / التواتي ص291.
(2) دول الطوائف ص320 /التواتي ص291.(32/371)
وأقام بظاهر أشبيلية ثمانية أيام، نظم فيها أموره، فتمّ التخلّص من كلّ ما لا حاجة إليه في ساحة المعركة، وتمّت دراسة الجوّ، والأوضاع والنفوس، وتمّ التئام جيوش المسلمين وأمراء الأندلس التي تقرّر أن تشارك في المعركة المنتَظَرة، وكانت قد سَرَت في مسلمي الأندلس قبل ذلك وخلاله روح جديدة، ذكرّتهم بأيام النّصر التّي سمعوا عنها الكثير، فشارك أمراء الطّوائف بقواتهم، وأعدّوا ما يمكن للمشاركة في البذل والتّضحية. (ولم يبقَ من ملوك الطوائف إلا من بادر أو أعان أو خرج، أو أخرج) (1) . فانضمّ المعتمد بقواته، وبعض قوات بعثها ابن صمادح صاحب المريّة الذي اعتذر عن عدم استطاعته الشّخوص بنفسه بسبب العدوّ الملاصق له بحصن لييط، من عمل لورقه، واعتذر بكبر السن مع الضعف. وساهم عبد الله بن بلكين صاحب غرناطة وأخوه تميم صاحب مالقة، وابن ذي النون، وانضمّ المتوكل بن الأفطس وكان أشدّهم حماساً، وقصدته المتطوّعة من سائر بلاد الأندلس (2) . وكان يوسف خلال هذه الأيام صائم النّهار، وقائم اللّيل، في تهجّد، وتلاوة لآيات كتاب الله الكريم، وقد أكثر من الصّدقات، وأعمال البر، فتملّك نفوس أهل الأندلس، وكسب قلوب جنده بالنّصفة، وإيثار الحقّ، وإنشاء العدل. ووصله أثناء ذلك خبر موت ابنه أبي بكر، (فحيرّه حتى لهمّ بالانصراف عن وجهه. ثم آثر الجهاد، وانفذ مزدَلي (أحد قادته المشاهير) إلى مرّاكش) (3) للقيام بتنظيم الأمور هناك.
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص 362.
(2) الكامل في التاريخ جـ8 ص 142/ أشباخ- تاريخ الأندلس ص 80/ وانظر ما كتبه عبد الله بن بلقين في كتابه التبيان- الحجي ص 404.
(3) انظر: الحجي ص 404، عن الحلة السيراء جـ2 ص 100/ راجع دول الطوائف ص 319 و447.(32/372)
وقام يوسف بتنظيم الجيش للتّحرّك من ظاهر أشبيلية، فجعل القوات الأندلسية لوحدها في المقدمة بقيادة المعتمد بن عباد، لمعرفتها التّامّة بأرض الأندلس، في حين جعل الجيوش المرابطيّة في المؤخرّة، ثمّ أمر بالتّحرّك إلى بطليوس، فتلقّاهم المتوكلّ عمر بن محمد الأفطس بما يجب من الضّيافات والأقوات وبذل المجهود (1) . فأقام الجيش هناك ثلاثة أيام للرِاحة في طرطوشة بالقرب من بطليوس (2) .
Image p (187)
علم أمير المسلمين بتقدّم الجيوش الصّليبية، فأمر الجيش الإسلامي بالتّحرّك، إلى مكان مناسب، اختاره مع القادة ليكون موقع المعركة الفاصلة، وهذا المكان موضع سهليّ من عمل بطليوس وأحوازها على مسافة 12 كم شمالها الشرقي، في العدوة الشمالية للوادي اليانع، وبينه وبين نهر تاجه، تتخلله الأحراش، ويقع على حدود البرتغال الحاليّة (3) ، ويسميه المسلمون (الزلاقة) ، ويسميه الأوروبيون (ساكر الياس) (4) .
وفي هذا المكان وضع أمير المسلمين ترتيباً جديداً للجيش الإسلامي استعداداً للمعركة الفاصلة، فجعل الفرسان المرابطين وعددهم عشرة آلاف في طَليعة الجيش، بقيادة أبي سليمان داود بن عائشة أشهر قادته الكبار، وذلك ليتلقّوا الصدمة الصليبية الأولى.
وجعل قوات الأندلس تليهم، وكانت تؤلف وحدها جيشاً خاصّاً، منفصلاً عن جيوش المرابطين، يقودها المعتمد بن عباد أمير أشبيلية أشهر ملوك الطّوائف.
كما جعل جيشه في المؤخرة، وعلى مسافة كبيرة من جيش الأندلس، وراء أكمة ليوهم العدو أنّ الجيش الذي يواجهه هو الأوّل والثّاني فقط.
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص364.
(2) انظر عن طرطوشة ياقوت جـ4 ص 30 وعن بطليوس: ياقوت جـ4 ص 447/ التواتي ص 294.
(3) عنان- دول الطوائف ص 321.
(4) التواتي ص 295 وانظر الحجي- التاريخ الأندلسي ص 405.(32/373)
وهكذا تحكّم المسلمون في اختيار موقع المعركة، ووضعوا خططهم على أساس ذلك، ونظمّ يوسف الاتّصالات السّريعة بينه كقائد أعلى للجيش وقواد الجيشين بحيث تأتي الأخبار سريعة. وجعل ابن تاشفين المعتمد بن عباد في قلب مقدّمة جيش الأندلس، والمتوكل بن الأفطس في الميمنة، وأهل مشرق الأندلس في الميسرة، وباقي الأندلسيين في السّاقة.
وجعل من جيشه المرابطي كمائن لتفاجيء العدو بعد اصطدامه بفرسان المرابطين وبجيش الأندلس، ولمنع الأندلسيين من الترّاجع أو الفرار، وضرب معسكره وراء ربوته العالية منفصلاً عن مكان القوات الأندلسيّة.
استعداد النّصارى وتحرسهم باتجاه المسلمين:(32/374)
كان الفونسو السادس قد طمع في الأندلس الإسلاميّة، وعتا وتجبرّ، وقطع عهوده مع أمرائها وملوكها، وجاءته بركات البابا، وتدفقت عليه جموع النّصارى الفرسان من مختلف أجزاء أوربا، فعاث في الأندلس الإسلامية فساداً حتى وصل الجزيرة كما ذكرنا، وأعلن تحديه لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين، ثم توجّه بقواته لمحاربة أمير سرقسطة ابن هود، وحاصرها، وألحّ عليها، وقاومت ببسالة. وعندما تأكّدت لديه أنباء عبور المجاهدين، رفع الحصار تاركاً أمر تصفية حسابه مع سرقسطة إلى ما بعد إيقاف هذا الزّحف، وحشد القوات النّصرانيّة من جيليقية، وليون، وبسكونية، واشتوِريش، وقشتالة (1) ، وكاتب ملك اراغون شانجه بن ردمير صاحب بنبلونة وكان مشغولاًَ بمحاصرة طرطوشة، فانضمّ إليه بقواته، وكاتب الكونت برنجار ريموند الذي كان يتأهب لغزو بلنسية فانضم إليه بقواته. وطلب النجدات من أمراء ما وراء البرت فلحق به سيل من الفرسان والمتطوّعين الفرنجة والألمان والإنكليز والإيطاليين، فأصبح جيشه كبيراً متفوّقاًَ في العُدَة والعَدَد والإمكانيات، واتّخذت المعركة شكل الحروب الصّليبيّة، فقد رفع القسّيسون والرّهبان والأساقفة صلبانهم، ونشروا أناجيلهم أمام القوات النّصرانيّة، وباركها البابوات وحثّوا عليها، ووجّهوها، بل تبايع رهبانهم على الموت.
وسار الفونسو بجيشه اللّجب مزهوّاً بتفوّقه في العَدَد والعُدَة، وبلغ به الزّهو وبجيشه أن قال: "بهؤلاء أقاتل الجنّ والإنس، وملائكة السماء". وبلغ به الأمر أن قال: "بهذا الجيش ألقى إله محمد" (2) (صلى الله عليه وسلم) .
__________
(1) تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين ص 80/ انظر الحجي ص 405.
(2) الكامل في التاريخ جـ8 ص 142.(32/375)
تحرك الفونسو باتّجاه المسلمين ليفرض المعركة عليهم في أرضهم بدلا منِ انتظارهم، وكان الجيش الإسلامي قد اختار مكان اللّقاء، ولما أصبح على مسافة 18 ميلا من القوات الإسلامية نزل هَناك. عندئذ أمر أمير المسلمين المعتمد بن عباد التّقدّم إلى سفح جبل أمام الأَذفونش بحيث يتراؤون، فظن الأذفونش أنّ عساكر المسلمين ليس إلا الذي يراه (1) ، فنجحت خطة أمير المسلمين الأوّليّة.
وقام الفونسو بترتيب جيشه، فقسمه إلى قسمين: الأوّل بقيادة الكونت جارسيان والكونت رودريك، وخُصّص لمهاجمة المعتمد بن عباد. والثاني: جناحا الفونسو بقيادة سانشو (شانجة) رامير يز ملك أراغون والكونت ريموند، وقاد الفونسو القلب. وهكذا كانت احتياطات وخطط الفونسو لا تقلّ في أهمّيتها عن خطط أمير المسلمين، وانتظم الجيشان وتصافّا لا يفصل أحدهما عن الآخر إلا فرع صغير من الوادي اليانع هو وادي يبرا (إبرة) (2) .
القوى الإِسلامية والنصرانية المتواجهة:
بلغ عدد الجيش الإسلامي أكثر من عشرين ألفاً، عدا المتطوّعة الذين جاءوا من سائر بلاد الأندلس (3) . وعددهم كبير.
وأما الجيش النصراني فالمقلل يقول: "المختارون أربعون ألف دارع، ولكل واحد أتباع، والنصارى يعجبون ممّن يزعم ذلك ويرون أنهم أكثر من ذلك كله". والمكثر يقول: "إنه كان في ثمانين ألف فارس ومائتي ألف راجل" (4) .
والواقع أن عدد الجيشين الإسلامي والنصراني كبير. وتتفق جميع المصادر أن عدد جيش المسلمين كان أقل من جيش النصارى بكثير، وقد يصل إلى النصف (5) .
المراسلات:
__________
(1) نفسه.
(2) التواتي ص 296
(3) حسن إبراهيم- تاريخ الإسلام جـ4 ص 121.
(4) المؤنس ص 108.
(5) الحجي ص 405.(32/376)
كانت المراسلات وتبادل الكتب بين أمير المسلمين وملك النّصارى قد بدأت قبل دخوله الأندلس، وجميع المراسلات تحمل صيغة التّحدّي، وقبل بدء المعركة أرسل أمير المسلمين كتاباً لألفونسو امتثالا لأحكام السنة المطهرة، يعرض عليه فيه الدّخول في الإسلام أو الجزية، أو المناجزة، ومما جاء فيه (1) : "بلغنا يا اذفونش أنك دعوت إلى الاجتماع بنا، وتمنيّت أن تكون لك سفن تعبر بها البحر إلينا، فقد عبرنا إليك، وقد جمع الله تعالى في هذه السّاحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك": {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ} سورة غافر الآية 50.
واختلفت الرّسل بين الفريقين في تحديد يوم القتال، ووعظ الأمير يوسف وابن عبّاد أصحابهما، وقام الفقهاء والعبّاد يعظون الناس، ويحضّونهم على الصّبر، ويحذّرونهم الفرار.
وجاءهم الطلائع بخبر أن العدّو مشرف عليهم صبيحة يومهم (الأربعاء10 رجب عام 479 هـ) ولكن عاد الفونسو إلى أعمال الخديعة، وعاد النّاس إلى محلاتهم وباتوا ليلتهم (2) . وهذه مناورة من الفونسو لمعرفة الجيش الإسلامي.
يقظة قادة الجيش الإِسلامي:
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص 362/ ابن خلدون جـ6 ص115/ وانظر الحجي ص 406.
(2) انظر: نفح الطيب جـ4 ص364- 365/ الروض المعطار ص90/ الحجي ص406.(32/377)
أذكى المعتمد بن عبّاد عيونه في محلات المرابطين خوفاً عليهم من مكائد الفونسو وكان قد خبره، وهم غرباء لا علم لهم بالبلاد، وجعل المعتمد يتولّى ذلك بنفسه حتى قيل: "أنّ الرّجل من الصّحراويينّ لا يخرج على طرف المحلّة لقضاء أمر أو حاجة، إلا ويجد ابن عباد بنفسه مطيفاً بالمحلّة". واندسّت عيون المسلمين بين جيوش الفونسو، تتعرّف على مخطّطات النّصارى، فتعرّفوا على مخطّطات الفونسو في نيّة الغدر بالمسلمين ومباغتتهم، فقد كتب للمسلمين (يوم الخميس 11 رجب) يقول: "الجمعة لكم، والسبت لليهود، وهم وزراؤنا، وكتابنا، وأكثر خدم العسكر منهم، فلا غنى بنا عنهم، والأحد لنا، فإذا كان ما نريده من الزحف"، أي حدّد أن تكون المعركة يوم الاثنين ينوي بذلك الغدر (1) ، فجاءت العيون إلى يوسف وابن عبّاد وأكّدوا استعداد معسكر النّصارى. وقالوا: "استرقنا السمع فسمعنا الأذفونش يقول لأصحابه: ابن عبّاد مسعر هذه الحروب، وهؤلاء الصّحراوّيون وإن كانوا أهل حفاظ، وذوي بصائر في الحروب، فهم غير عارفين بهذه البلاد، وإنّما قادهم ابن عبّاد، فاقصدوه، واهجموا عليه، واصبروا، فإن انكشف لكم هان عليكم غيره"، فاستحثّ ابن عبّاد يوسف لنصرته، وبات المسلمون ليلتهم على أهبة احتراس وبقوا شاكي السلاح بجميع محلاتهم، خائفين من كيد العدو (2) .
البشرى:
__________
(1) الكامل في التاريخ جـ8 ص142.
(2) نفح الطيب جـ4 ص365/ الروض ص 92.(32/378)
وبعد مضيّ جزء من اللّيل انتبه الفقيه أبو العباس أحمد بن رميلة القرطبي (وكان في محلّة ابن عباد) فرحاً مسروراً يقول: "أنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبّشره بالفتح والشّهادة له في صبيحة غد، وتأهبّ ودعا، ودهن رأسه، وتطّيب، وانتهى ذلك إلى ابن عباد، فبعث إلى يوسف فخبرّه تحقيقاً لما توقّعا من غدر ابن فردلند (1) . وشاع ذلك في عسكر المسلمين كلّه، فشّع في قلوبهم الأمل الكبير بالنّصر، وأعطتهم البشرى معنويات عالية، وتأكّدوا أن المعركة ستكون يوم الجمعة، فاستعدّوا لذلك، فكانت تعبئة نفسية جيّدة.
المعركة الفاصلة:
وصحّ ما توقعه المسلمون ففي السحر من يوم الجمعة 2 1 رجب عام 479 هـ، هاجم الفونسو القوات الإسلامية بجميع قوّته الرّهيبة، هجوماً عامّاً، ظناً منه أن الّذي أمامه هي جميع القوات الإسَلاميّة، فتصدّى له الفرسان العشرة آلاف من المرابطين بقيادة أبي سليمان داود ابن عائشة، وعلى الرغم من عدم قدرتهم على الصمود أمام سيل الفرسان النّصارى، فقد استطاعوا تحطيم حدة وعنف هجمة النصارى، وتكسير موجتهم، بعد أن خسروا كثيراً من الشهداء، وتمّ الترّاجع إلى معسكر قوات الأندلس. واستمرّت صدمة النصارى رغم تكسّر حدّتها شديدة، فتراجعت القوات الأندلسية، ودارت عليهم الدائرة، وثبت ابن عبّاد وأبلى برغم ذلك بلاء حسناً، ثم أرسل كاتبه ابن القصيرة إلى يوسف يستحثه.
ولم يكن يوسف غافلاً، فقد كان يرقب المعركة، من على ربوته، ولمّا تأكّد أن الفونسو اقتحم معسكر الأندلسيين بجميع قواته، أخذ يدفع بعض قواته إلى قلب المعركة أرْسالاً لمساعدة ابن عبّاد، ليساعده على الثّبات، ثم حمل بنفسه بقوّته الاحتياطية إلى محلة الأذفونش من خلف جيش النّصارى، فاقتحمها المسلمون، ودخلوها، وفتكوا فيها، وقتلوا.
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص 365/ الروض المعطار ص 91.(32/379)
ثم أمر أمير المسلمين بضرب الطّبول، وزعقت البوقات، فاهتزّت الأرض، وتجاوبت الجبال والآفاق (1) . ودوّت: "الله أكبر"وأشعل النار في المعسكر القشتالي، فطار لبّ الفونسو، واضطّربت قلوب النّصارى، وعادوا إلى محلّتهم بغضب، فصدموا جيش أمير المسلمين، فأفرج لهم عن محلتهم، ثم كر ّعليهم، فأخرجهم منها، ثم كرّوا عليه فخرج لهم عنها، ولم تزل الكرّات تتوالى في خطة محكمة لأمير المسلمين لإضعاف فرسان النّصارى، وإنهاك رجّالتهم، تمهيداً للقضاء عليهم جميعاً، وفي أثناء ذلك جمع جيش الأندلس شتاته وعادت إليه معنوياته فتحوّل مع الأرْسال المرابطيّة وفرسانهم إلى الهجوم المضادّ، فوقع الجيش الصّليبي بين مطرقة المرابطين وسندان ابن عباد.
وقدّم ابن تاشفين الجمال حيث كان لها نفع عظيم، إذ كانت خيول فرسان النصارى تجفل منها، وتلوي أعناقها عندما تسمع رغاءها، لعدم تعوّدها على رؤيتها. كما كان لقرع الطّبول أثر في تخلخل أفئدة النّصارى. فتوالى استنزاف قوّة النّصارى. ويوسف يحمل بنفسه وهو على فرسه يرغب في الصبر والاستشهاد ويقول بأعلى صوته:
"يا معشر المسلمين، اصبروا لجهاد أعداء الله الكافرين، ومن رزق منكم الشّهادة فله الجنّة، ومن سلم فقد فاز بالأجر العظيم والغنيمة". وتمتّع المسلمون بمعنويّات عالية فقاتلوا قتال من يطلب الشهادة ويتمنّى الموت (2) ، وكانت كلمات يوسف مع بسالته تعمل عملها في إذكاء حماس المسلمين، وقيل إن لصموده وقوته وسرعة حركته، قتلت تحته في هذه المعركة ثلاث أفراس (3) .
__________
(1) انظر: نفح الطيب جـ4 ص 366- 368 عن ابن خلكان جـ6 ص 116 وهو ينتقل بدوره عن كتاب تذكير العاقل وتنبيه الغافل للبياسي.
(2) روض القرطاس ص95.
(3) التواتي ص 297.(32/380)
وأما ابن عباد فقد بذل جهداً مشكوراً، وأثبت كفاءة عالية في هذا اليوم، وصبر فعندما اشتدت صدمة النّصارى وانكشف بعض أصحابه وفيهم ابنه عبد الله، ضُرب على رأسه ضربة فلقت هامته حتى وصلت إلى صدغه، وجُرحت يُمنى يديه، وطُعنَ في أحد جانبيه، وعُقرت تحته ثلاثة أفراس، كلما هلك واحد قُدّم له آخر، وهو يقاسي حياض الموت ويضرب يميناً وشمالاً، وتذكّر في تلك الحالة ابناً له صغيراًَ كان مُغرماً به تركه في أشبيلية عليلاً، وكنيته أبو هاشم فقال (1) :
أبا هاشم هشمتني الشّفار
فلله صبري لذاك الأوار
ذكرت شُخَيْصَك تحت العجاج
فلم يثنني ذكره للفرار
وهكذا اتّبع يوسف في قتاله للنّصارى أسلوب الكرّ والفر ّبالصّفوف المتراصة المتماسكة وهو نظام أربك النّصارى لأنهمّ لم يعهدوه من قبل. وبعد عديد من الكرّات أدرك الأمير تضعضع النّصارى، فعندئذ ضرب ضربته الأخيرة، إذ أمر حشمه السّودان، فترجّل منهم زهاء أربعة آلاف، ودخلوا المعترك بدرق اللمّط، وسيوف الهند، ومزاريق الران، فطعنوا الخيل، فرحت بفرسانها (2) ، وترجّل معهم عدد آخر من الأجناد: فآمّن الله المسلمين وقذف الرّعب في قلوب المشركينِ (3) . وطُحِنوا بين العسكرَيْن المُسْلِمَينْ. ودارت الدّائرة على قوات الفونسو، وجرح جرحاًَ بالغاً، إذِ لصق به عبد أسود طعنهُ في فخذه بخنجر، فتسلّل ومعه حوالي خمسمائة فارس مثخنين جراحاًَ وانسحب من المعركة، وفر ّجيشه، وطورد الفارّون في كلّ مكان، حتى دخل الظّلام فأمر ابن تاشفين بالكفّ عن المطاردة، وتسلّل الفونسو مع جماعته في جنح الظلام فارّاً إلى طليطلة، حيث توفّي أكثرهم في الطّريق، ولم يدخل معه طليطلة إلا حوالي مائة فارس (4) .
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص366.
(2) نفح الطيب جـ4 ص 368/ ابن خلكان جـ6 ص 116.
(3) الحلل الموشية ص 43/ تاريخ المغرب الكبير ص 725.
(4) نفح الطيب جـ4 ص 369/ الروض المعطار ص 93.(32/381)
لقد استمرّت المعركة يوماً واحداً لا غير، حطّم الله شوكة العدو ّالكافر، ونصر المسلمين، وأجزل لديهم نعمه، وأظهر بهم عنايته، وأجمل لديهم صنعه (1) . وكلّ الدلائل (التي بيّناها) تشير أن خطّة أمير المسلمين كانت حسم المعركة بسرعة حتّى وإن كَثُرَت الخسائر، وذلك لاستغلال حماس المسلمين وقبل أن تفتر همة أمراء الطّوائف. وتحقّقت خطّته بأمر الله.
واستشهد عدد كبير من المسلمين بينهم عدد من العلماء الفضلاء وأعيان النّاس. ومن العلماء: ابن رميلة صاحب البشرى، وقد ترجم له ابن بشكوال في الصّلة (2) فوصفه بأنه: "كان كثير الصّدقة وفعل المعروف، واستشهد بالزلاّقة مُقبلاً غير مدبر عام 479 هـ". واستشهد العالم أبو مروان عبد الملك المصمودي قاضي مرّاكش (3) . والفقيه أبو رافع الفضل ولد الِحافظ العالم الأندلسي الفقيه الأديب أبي محمد بن حزم، قضى في معركة الزلاقة شهيداَ (4) .
وهكذا كان العلماء على المقدّمة في كافّة الميادين، حصون الأمة وقادتها، ومثالها، قدوة للمسلمين، مثالاً صافياً نقيّاً دائماً، لا ينزوون عن الأحداث، ويبرزون في صفاء الجود والنّعمة، لا سيّما علماء القرآن الكريم والسنّة المطهرّة، وعلماء الشّريعة، والتّاريخ، والقضاء، لأن العلم إيمان وعمل، وصدارة العلم لها مسئوليتها وتكاليفها، فرحمهم الله وأجزل لهم المثوبة.
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص 367/ أعمال الأعلام جـ3 ص 244.
(2) 68 رقم 144/ وانظر نفح الطيب جـ4 ص 369/ الروض المعطار ص 93.
(3) الروض المعطار ص 94- 95.
(4) وفيات الأعيان جـ3 ص 329/ وقد حدّث عن والده: سير أعلام النبلاء جـ18 ص 186.(32/382)
استولى المسلمون على ما كان مع الجيش النصراني الكبير من مال وسلاح، ودواب، وغيرها. وقد عفّ عنها يوسف بن تاشفين وآثر بها ملوك الأندلس، وعرّفهم أنّ مقصده الجهاد، والأجر العظيم، وما عند الله في ذلك من الثّواب المقيم (1) .] وهذا درس عملي ألقاه عليهم، ولكنهم لم ينظروا إلى أبعاده ومراميه [،. فأحبّوه، واجتمعوا، وكانوا ثلاثةْ عشر ملكاً، فسلّموا عليه (بأمير المسلمين) ، وكان يدعى (الأمير) . وأرسل إلى الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله ببغداد، فأتته الخلع، والأعلام، ولقّبه بأمير المسلمين، وناصر الدين (2) .
وضرب السّكّة من يومئذ وجدّدها، ونقش ديناره: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) ، وتحت ذلك: (أمير المسلمين يوسف بن تاشفين) . وعلى الوجه الآخر: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الآية 85 من سورة آل عمران، وتحت ذلك: (الأمير عبد الله أمير المؤمنين العبِّاسي) . وفي الدائرة: تاريخ ضرب الدينار وموضع سكّه (3) .
نتائج الزلاّقة:
طُيّرت أنباء النّصر الحاسم إلى سائر القواعد الأندلسية، وشاعت أنباؤه في سائر الجنبات، فاستبشر المسلمون بما آتاهم الله من عزيز نصره، وكتب أمير المسلمين رسالة عن الموقعة وتفاصيلها وأوصافها إلى المعز بن باديس صاحب إفريقية، وتجاوبت أصداء النّصر في سائر مدن المغرب وإفريقية، وعمّ الفرح والبشر سائر الناس، فأخرجوا الصدقات، وأعتقوا الرّقاب (4) . فكانت الزّلاّقة يوماً مشهوداً من أيّام الإسلام، محت العار الذي لحق ملوك الأندلس من مذلّة الفونسو السادس لهم. وفيه يقول بعضهم من قصيدة (5) :
لم تعلم الروم إذ جاءت مصممة
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص 369/ الروض المعطار ص 93.
(2) الكامل في التاريخ جـ8 ص 143.
(3) المؤنس ص 109/ وفيات الأعيان جـ7 ص 115/ أعمال الأعلام جـ3 ص251.
(4) انظر عنان- دول الطوائف ص 328.
(5) المؤنس ص 108.(32/383)
يوم العَروُبة أنّ اليوم للعرب
والعرب تسمي الجمعة (العَروُبة) . ويعبّر صاحب الحلل الموشية عن ذلك بقوله (1) :"وكان يوماً لم يُسمع بمثله من اليرموك والقادسية، فياله من فتح، ما كان أعظمه، ويوم كبير ما كان أكرمه، فيوم الزلاقة ثبتت قدم الدين بعد زلاقتها، وعادت ظلمة الحق إلى إشراقها، نفست مخنق الجزيرة بعض التنفس، واعتز ّبها رؤوس الأندلس.."فانتعشت النفوس وقوّت الآمال، فأعادت للوجود الإسلامي اعتباراته، وكان يوشك على الأفول، وأظهرته من جديد في ثوب قشيب رائع، ليواصَل حياته الجهادية مدى قرون أخرى.
وحرّرت الزّلاّقة سرقسطة وحمتها من الوقوع بأيدي القوى الصّليبيّن التي كانت تحاصرها عند نزول قوات المرابطين بالأندلس.
ورفعت من شأن المرابطين وأميرهم يوسف بن تاشفين أمام الرّأي العام الإسلامي، بجهادهم وذبّهم عن ثغور الإسلام، واتجهت أنظار المسلمين إليهم للتخلّص من أمراء الطّوائف، فاتخذ يوسف صورة المنقذ للمسلمين في الأندلس، فمهّد ذلك لإسقاط ملوك الطوائف، وضمّ الأندلس إلى دولة المرابطين في المغرب لحمايتها من هجمات النّصارى.
__________
(1) ص 47، عبد العزيز سالم- المغرب الكبير ص 728.(32/384)
والغريب أن أمير المسلمين لم يستغلّ انتصار المسلمين الحاسم في الزلاقة، فلم يطاردوا عدوّهم، بل لم يحاولوا السّير إلى طليطلة (إلا بعد مدة طويلة) لاستردادها وهي كانت معقد المحنة التي دفعت أمراء الطّوائف للخضوع إلى طلب النّصرة، وقد تفرّق الجيش الإسلامي، فارتدّ أمراء الأندلس كلٌّ إلى بلاده، في حين رحل المعتمد بن عباد إلى أشبيلية ومعه أمير المسلمين، الذي أقام بظاهر أشبيلية ثلاثة أيام، ووردت عليه من المغرب أخبار تقتضي العزم، فسافر وذهب معه ابن عباد يوماً وليلة، فحلف ابن تاشفين وعزم عليه في الرجوع.. فسيّر معه ولده عبد الله إلى أن وصل البحر وعبر إلى المغرب (1) . وقد علّق اشباخ على موقعة الزلاقة فقال (2) : "إن يوسف بن تاشفين لو استطاع أن يستغل نتائج انتصاره في معركة الزلاقة، لكانت أوربا الآن تدين بالإسلام، ولرأينا القرآن يدرس في جامعات موسكو وبرلين ولندن وباريس". ولسنا نحن بصدد لو فإن لو تفتح عمل الشيطان. ولكننا نتساءل: لماذا لم يستغل المسلمون انتصارهم؟!. ولنحاول أن نتلمّس الجواب من بين الأحداث السابقة واللاحقة.
__________
(1) نفح الطيب جـ4 ص370/ الروض المعطار ص 93.
(2) تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين ص 117.(32/385)
إنّ الّذي يتعمّق في تاريخ الأندلس يجد أنّ بذور التّفكّك والانحلال قد أصابت البنية الإسلامية هناك، ولم يعد المسلمون قادرين على الاندفاع في وثبات هادفة مركِّزة، فقد أصبح همَّهم الدّفاع، وفقدوا روح الهجوم والمبادرة والمفاجأة، كما اتّخذ الجهاد صورة غير الصّورة التي كان عليها أيام الفتح الإسلامي الأوّل، فقد اتّصف بكثير من صور اليأس والانتحار، وهكذا فقد الجهاد معنَاه من إزالة الحواجز في طريق الدعوة، وتبليغها ونشرها. وأصبح همّهم الحفاظ على ما هم عليه من رفاهية العيش ومن الانغماس في الملذّات، فإذا اشتدّ الخطر نهضوا بحماس آنيّ ثم يعودون للفتور السّريع مستسلمين مستخذين، وقد أدرك أمير المسلمين ذلك تماماًَ، ولذا خطّط لإنهاء المعركة وحسمها في يوم واحد قبل أن تفز همّة أهل الأندلس، وقبل أن تظهر بين ملوكهم عواطف الأثرة والحسد، لتتغلّب على عوامل الاتّحاد والقوّة، فتكون كارثة على المسلمين. وقد رأينا موقف ابن سكوت وابن المعتمد قبل عبور المجاهدين!. وظهر بعد الزّلاّقة إذ تحالف بعضهم سّراً مع الفونسو السادس أملاً في طرد المرابطين، كما فعل عبد الله بن بلكين بن باديس أمير غرناطة (1) . فوجود ملوك الطوائف كان العامل الأول الذي حال دون استغلال المعركة لصالح الإسلام في أوربا.
ثم إن يوسف أدرك أنّ القوّة التي يقابلها في الأندلس ليست قوى أسبانيا النّصرانية بل قوى أوربا بأكملها تحركهم كنيسة روما فِي حملات صليبِّية لا تهدأ، فوضع استراتيجيته في عدم التّقّدم إلاّ بعد تأمين خط الرّجعة تماماًَ. وهذا ما طبقّه منذ دخوله الأندلس.
__________
(1) التبيان لعبد الله الزيري ص 108.(32/386)
ثم كان ورود خبر وفاة ولده أبي بكر بن عمر وكان قد استخلفه في مراكش وتركه مريضاً بسبتة، فخشي الفوضى في المغرب فقرّر العودة فوراً إلى المغرب ويؤكّد لنا صاحب القرطاس أنّه لولا ذلك المصاب ما عاد يوسف بمثل هذه السّرعة (1)
عاد يوسف إلى المغرب ليبدأ خططاً جديدة، وترك قوات مرابطية للجهاد تقدّر بثلاثة آلاف، رهن تصرف المعتمد بن عباد بقيادة قائده الشجاع سير بن بكر. بعد أن قدم النصح بحرارة لملوك الطوائف بنبذ الفرقة والعمل للوحدة (2) .
__________
(1) عنان- الطوائف ص 329، عن روض القرطاس ص 98.
(2) التبيان- لعبد الله الزيري ص 106، اتهم المستشرقون يوسف بن تاشفين بسوء النية، والطمع في خيرات الأندلس، والقضاء على ملوك الطوائف، من عبارات التقطوها من عبد الواحد المراكشي في المعجب في الصفحات 132، 135، 136، 137 وما بعدها. ومن المعروف أن عبد الواحد أملى كتابه من ذاكرته. وفيما بيّناه خلال هذا البحث ما يدل على هدف يوسف: الجهاد وحماية الإسلام. انظر: مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية جـ2 ص 292 وما بعد.(32/387)
أمّا النّصارى فقد بدأوا بتغيير مخطّطاتهم التي رسمها لهم الفونسو السّادس لقتال المسلمين في الحرب التي دعوها حرب الاسترداد (1) . وأخذت الكنيسة هي التي تضع الخطط وتتابع تنفيذها، واستسلمت أسبانيا النصرانية لأحضان الكنيسة الروّمانيّة المتعصبّة، وخضعت لسياستها الحربيّة، بإقصائها جميع الرهبان الذين قد يزددون في السّير مع ما تحدّده الكنيسة دون قيد أو شرط. ودفعت الآَباء البندكتيين بزعامة الراهب الفرنسي برنار لمحاربة المسلمين، واعتبرت حرب المسلمين مقدّسة يعادل أجر المشارك فيها أجر الّذين دفعتهمٍ إلى قلب العالم الإسلامي في المشرق بعد ذلك. بل إن البابا اسكندر الثاني أصدر مرسوما حرّم فيه على رجالَ الدّين الأسبان المشاركة في الحروب الصليبية في الشّرق، وأكّد أن محاربة المسلمين في أسبانيا تفوق أهمية وقدراً محاربتهم في الشّرق.
__________
(1) درج كثير من المؤرخين المسلمين على تسمية الحرب الصليبية ضد المسلمين في الأندلس: (حرب الاسترداد) كما فعل مؤرخو النصارى، وهذا تعبير خاطيء لأن السلمين عندما فتحوا الأندلس لم يسلبها السكان النصارى أراضيهم ولم يخرجوهم من ديارهم، بل نشروا عقيدة الإسلام فأسلم الناس طوعاً وتسلموا راية الإسلام مع العرب والبربر المسلمين. والنصارى الذين قاموا بالهجوم على مسلمي الأندلس في أكثريتهم من نصارى أوربا، فهم في الحقيقة الذين أخرجوا المسلمين من ديارهم أو أجبروهم على التنصر أو أبادوهم!!.(32/388)
وهكذا تمكّنت الكنيسة من الزّجّ بكثير من نصارى أوربا في صفوف مقاتلة ملوك أسبانيا، بحيث أصبح معينُهم لا ينضب من الرّجال والمال والسّلاح. فاستطاع الفونسو بسرعة مدهشة أن يحشد جيشاً جديداً جاءت إمداداته من فرنسا ونورمندية وألمانية، والفلاندر بروح صليبيّة، ولم يمضِ عام واحد على هزيمته حتى تمكّن من استعادة قواه، وأخذ المبادرة وبدأ بعمليّات الهجوم، ونقل ميدان نشاطه إلى شرق الأندلس، وتحالف مع الكامبيدو، وأنشأ حصن اليدو (الييط) بين مرسية ولورقة، وافر المناعة ضخماً، شحنه بالسلاح والمال والرّجال، وبلغت حاميته ثلاثة عشر ألفاً منهم ألف فارس، بالإضافة إلى أنه ضم جماعات نصرانية التجأوا إليه، واتّخذه النّصارى قاعدة للإغارة على أراضي مرسية والمرية، وبثّوا الرعب والفزع في قلوب المسلمين في تلك الأنحاء، وعجزت القوات الأندلسية عن ردّ عدوانهم، فضجّ أهل تلك الأنحاء وعادت الوفود من أهل الأندلس تترى على أمير المسلمين وخاصة من بلنسية ولورقة ومرسية، فكثر الصريخ، وكثرت رسل الإنجاد والغوث (1) . وتلقىّ الكتب من فقهاء الأندلس وأعيانها، يلحفون في رجاء الإنجاد والغوث لقمع بغي النّصارى والاستيلاء على اليدو مركز بغيهم، وعبر ابن عبّاد بنفسه مع بعض خاصّته والتمس منه العون (2) .
__________
(1) عنان- الطوائف ص 332/ الحلل الموشية ص47 و48.
(2) المغرب الكبير ص 730.(32/389)
جاز أمير المسلمين البحر للمرة الثّانية بقواته في ربيع الأول عام 481 هـ/1088 م وتلقّاه ابن عباد في الجزيرة الخضراء، وبعث بكتبه إلى ملوك الطّوائف ورؤسائهم يستدعيهم جميعاً للجهاد، فوافوه عند حصن لييط، حيث ألقى عليه الحصار، وسلّط عليه المسلمون آلات الحصار الضّخمة، لمدة أربعة أشهر، إلى أن استولى عليه الأمير وخرّبه (1) .
وفي مدّة الحصار الطّويل هذا أحسّ أمير المسلمين بالاستياء لما شهده من أحوال أمراء الطّوائف المشاركين في الحصار، فقد كان الخلاف والتنافر والوقيعة بين أولئك الأمراء الطّامعين، كما وصله خبر تفاهم ابن رشيق أمير مرسية مع ملك قشتالة سراً، وأنه قد دفع إليه جباية مرسية، وأنه يعاون حامية الحصن في الخفاء. وأخذ أمراء الطوائف يتراشقون التّهم أمام يوسف ويحكّمونه في منازعاتهم، حتى ضاق ذرعاً بذلك (2) .
عاد أمير المسلمين إلى المغرب وهو علىٍ يقين أنّ وجود ملوك الطوائف معناه ضياع الإسلام في هذه البلاد، وكان قد ترك جيشاً مجاهداً من المرابطين من أربعة آلاف فارس تحت إمرة داود ابن عائشة ليعمل في منطقة مرسية وبلنسية، وأخذ يعدّ خططه لاستئصال شأفة ملوك الطوائف. وأثناء ذلك بلغه توافقهم لقطع المؤن والمدد عن عساكره ومحلاته التي تركها بالأندلس، فساءه ذلك كثيراً، وبلغه أن بعضهم عاد إلى مصادقة الفونسو ومالأه كعبد الله ابن بلكين، والمعتمد بن عباد نفسه، فشاور الزعماء والفقهاء وأعيان النّاس، وتلقّى فتاوى من فقهاء المغرب والأندلس ومن أكابر فقهاء المشرق بوجوب خلع ملوك الطوائف.
__________
(1) تاريخ إفريقيا الشمالية جـ2 ص 114 في حين تذكر المصادر الأخرى أن أمله خاب في الاستيلاء عليه فآثر الانسحاب، وإن الفونسو خربه بعد ذلك حين قرر إخلاءه بعد فقد أن حاميته حيث لم يجد فيه سوى مائة فارس وألفي راجل عام 482 هـ/ 1089 م/ انظر: عنان- الطوائف ص 338.
(2) انظر: المغرب الكبير جـ2 ص 730.(32/390)
جاز أمير المسلمين إلى الأندلس للمرة الثالثة في أوائلِ عام 483 هـ، واتّسمت حملته بطابع الجهاد، ليتأكد من مواقف ملوك الطوائف، فسار توّاَ إلى طليطلة واجتاح في طريقه أراضي قشتالة، ولم يتقدم أحد من أمراء الطوائف، لمعاونته أو السير معه، وعاث المرابطون في أحواز طليطلة، وخربوا ضياعها، وانتسفوا زروعها، ثم ضربوا حولها الحصار، وبداخلها الفونس وحليفه سانشو، ثم تراجع أمير المسلمين عنها لصعوبة فتحها، وليصفي حسابه مع ملوك الطّوائف، لتوحيد كلمة الأندلس، وتكوين جبهة أندلسية مغربية لمواجهة الأخطار الصليبية.
عاد يوسف إلى المغرب في شهر رمضان عام 483 هـ، وفوّض إلى قائده الكبير سير اللمتوني شئون الأندلس، وتصفية الحساب مع ملوك الطّوائف، حيث أمده عام 484 هـ بأربعة جيوش مرابطيّة لمنازلة الطّوائف. وقام بالمهمة ولم يستثن منهم سوى المستعين بالله أحمد ابن هود صاحب سرقسطة لقيامه بحقّ الجهاد (1) . وكان آخر من استسلم: أشبيلية يوم 21 رجب عام 484 هـ، وسيق ابن عبّاد أسيراًَ ليقضي بقيّة حياته في اغمات (2) . واستراحت الأندلس الإسلامية من ملوكها الضّعاف، وعاشت في ظلّ المرابطين سعيدة في رفاهية، وعلى أحسن حال ودخلت مرحلة جديدة من القوة، وكُتب على المرابطين أن يحملوا راية الجهاد أمام هجمات الصليبية الحاقدة، دون كلل أو ملل في الوقت الذي اشتدّ فيه ساعد النّصارى بما تدفّق عليهم من فرسان الصليبية، واتسع نطاق الحروب الصليبية، فاستولى النورمان على صقلية نهائيا عام 484 هـ (3) .
__________
(1) الحلل الموشية ص 73.
(2) نفح الطيب جـ2 ص 453/ الإحاطة في أخبار غرناطة جـ2 ص 82/ العبرجـ2 ص 358- 359/ الكامل جـ8
ص 177/ المؤنث ص 109/ عنان- الطوائف ص 354.
(3) العبر جـ2 ص 347/ الكامل في التاريخ جـ8 ص 157.(32/391)
وهاجم الفونسو جيّان في الأندلس في جموع صليبية عظيمة عام 485هـ فالتقاه المسلمون فانهزموا، ثم تراجع الناس وثبتوا، ونزل النّصر وكان ملحمة كبيرة قتل فيها خلق كثير من النّصارى (1) .
وهاجم النّصارى بلنسية عام 488 هـ، واستسلمت بعد حصار دام 20 شهراً (2) وأحلّ النصارى بأهلها أنه المحن وامتحُنوا بأفانين البلاء، وقام الكامبيدو بعمليات الحرق والتهجير، فحركت مشاعر المسلمين كما حدث يوم سقوط طليطلة، وقد صور الشعر الأندلسي هذه المأساة، يقول الشاعر البلنسي المعاصر أبو اسحق بن خفاجة (450- 533هـ) (3) :
عاثت بساحتك الظّبا يا دار
ومحا محاسنك البلا والنار
فإذا تردّد في جنابك ناظر
طال اعتبار منك واستعبار
أرض تقاذفت الخطوب بأهلها
وتمخضّت بخرابها الأقدار
كتبت يد الحدثان في عرصاتها
لا أنت أنت ولا الدّيار ديار
وقد سيرّ يوسف جيشاً بقيادة أخيه محمد بن تاشفين لاستعادتها، فانهزم المسلمون أولاً، ثم تمكّنوا من استعادتها عام 495 هـ/1102م بقيادة الأمير المرابطي أبي محمد مزدلي (استشهد بالأندلس عام 508 هـ) (4) .
وفي هذه الفترة تبلغ الحرب الصّليبيّة ذروتها شرقاً وغرباً، فسقطت بيت المقدس (مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين) عام 492 هـ في أيدي الصليبين، ودقّت الأجراس في كلّ أنحاء أوربا فرحاً بذلك (5) ، واستخفّ الطرّب بالبابا باسكال الثاني فكان مرسومه بإعلان الحروب الصليبية في أسبانيا ضد المسلمين (6) .
__________
(1) العبر جـ2 ص349/ الكامل جـ8 ص160.
(2) البيان المغرب جـ7 ص 356/ نفح الطيب جـ4 ص 455/ أعمال الأعلام جـ2 ص 204.
(3) نفح الطيب جـ4 ص 455.
(4) البيان المغرب جـ4 ص 41، 42، 60.
(5) اشباخ - تاريخ الأندلس ص 111.
(6) انظر التواتي ص 422- 424.(32/392)
وعلى ذلك فإن أثر الزّلاّقة في إثارة الحروب الصليبية لا يقلّ عن أثر ملاذكرد. وإثارة الحروب الصليبية هذه دعا النّصارى المعاهدين والذين كانوا يعيشون في ظلّ الحكم الإسلامي بأمن ورفاهية، يقومون بالأعمال التخريبية داخل المجتمعات الإسلامية، فاتصلوا بطرقهم الخاصة بالفونسو يعلنون استعدادهم ليكونوا أدلاء على عورات المسلمين، وأن يقدموا له حوالي 12 ألفا من المقاتلين، وشجّعوه على غزو المسلمين (1) وكانوا عوناً له.
. وتوفي أمير المسلمين عام 500 هـ عن عمر ناهز المائة (2) ، ولم يمنعه السن الكبير من الجهاد والعناية بشئون دولته، والسهر على رعيته، فكان رحمه الله من أهل الخير والاقتداء، وورثه ابنه علي بن يوسف الذي استمر في سيرة أبيه من القيام بالعدل وتولي الجهاد (3) . في الأندلس.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة.
__________
(1) اشباخ ص147/ التواتي ص 604.
(2) العبر جـ2 ص 381/ ابن خلكان جـ7 ص 115 وقيل ابن بضع وثمانون سنة/ سير الأعلام جـ19 ص 254.
(3) المؤنس ص 109.(32/393)
المنهج في البحث
لما كانت الآيات الكريمات تشمل عشر وصايا توضح جانباً عظيما أقامته الشريعة الإسلامية في مبادئها النظرية والتطبيقية، وفيه تحديد الأسس- التي يقوم عليها إصلاح البشرية رأَيت أن لا أخالف المنهج القرآني. في سرد الِوصايا مرقمة حسب تسلسلها في كتاب الله عز وجل وقد جعلت كل وصية عنواناً مستقلاً وتابعت بحث ما تضمنه الوصية من مبادئ وأحكام تحت عناوين جانبية ورأيت أن من تمام البحث التعرض لكل ما يخدم البحث من حيث بيان الغريب. والنظر في الجانب اللغوي مما له علاقة في توضيح المعنى مع الإفادة التامة من أقوال أئمة التفسير واستخدام المصادر وتوثيق المعلومات. والله تعالى أسأل حسن القصد والتمام والبعد عن اللغو والآثام. وأن يوفقنا لحفظ شريعته وخدمة دينه.
بعض ما جاء في فضل هذه الآيات
ما من شك أن كل آية في كتاب الله عز وجل تزخر بالفضيلة، وهي معين يفيض بالخير، ويتدفق بالهداية، ومن ذلك الخير ما حوت هذه الآيات، ومن ذلك النور ما أضاءت به طريق الحائرين حتى تركت لهم جادة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وما في هذه الآيات من نور يشع بالخير والهداية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها هو وصية الله إلى عباده، ووصية محمد صلى الله عليه وسلم إلى أمته.
قال الترمذي رحمه الله:
حدثنا الفضل بن الصباح البغدادي [1] ، حدثنا محمد بن فضيل [2] , وعن داود الأودي [3] عن الشعبي [4] عن علقمة [5] : عن عبد الله [6] قال: "من سره أن ينظر إلى الصحيفة [7] التي عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ هذه الآيات":
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُم} الآية إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [8] . وقال عقبه: هذا حديث حسن غريب [9] .(32/394)
وقال الطبري رحمه الله: حدثنا ابن وكيع [10] قال: ثنا إسحاق الرازي [11] ، عن أبي سفيان [12] ، عن عمرو بن مرة [13] قال: قال الربيع [14] : "ألا أقرأ عليكم صحيفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفل [15] خاتمها؟ فقرأ هذه الآيات {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُم} " [16] .
وقال رحمه الله: حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا جرير [17] ، عن الأعمش [18] ، عن إبراهيم [19] ، عن علقمة [20] قال: "جاء إليه نفر فقالوا: قد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فحدثنا عن الوحي"، فقرأ عليهم هذه الآيات من الأنعام {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا} قالوا: "ليس عن هذا نسألك" [21] قال: "فما عندنا وهي غيره" [22] .
سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه المبايعة عليها:
قال أبو عبد الله الحاكم رحمه الله:
حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار [23] ، حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي [24] ، حدثنا يزيد بن هارون [25] ، أنبأنا سفيان بن حسين [26] ، عن الزهري [27] ، عن أبي إدريس [28] ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يبايعني على هؤلاء الآيات، ثم قرأ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} حتى ختم الآيات الثلاث، فمن وفى فأجره على الله، ومن انتقص أدركه الله بها في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخر إلى الآخرة، كان أمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له" [29] . قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه" [30] . وقد وافقه على هذا الحافظ الذهبي رحمه الله [31] .
صلة الآيات بالكتب السماوية:
قال الطبري رحمه الله:(32/395)
حدثنا محمد بن المثنى [32] ، ومحمد بن بشار [33] قالا: ثنا وهب بن جرير [34] قال: ثنا أبي [35] قال: سمعت يحي بن أيوب [36] يحدث عن يزيد بن أبي حبيب [37] ، عن مرِثد بن عبد الله [38] ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار [39] قال: "سمع كعب الأحبار [40] رجلاً يقرأ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} فقال: والذي نفس كعب بيده، إن هذا لأول شيء في التوراة،- بسم الله الرحمن الرحيم، قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" [41] .
الآيات من محكم القرآن:
قال الطبري رحمه الله:
حدثنا محمد بن الحسين [42] قال: ثنا أحمد بن المفضل [43] قال: ثنا أسباط [44] ، عن السدي [45] قال: "هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم [46] القرآن" [47] .
وقال أبو عبد الله الحاكم رحمه الله:
حدثنا بكر بن محمد الصيرفي [48] بمرو، ثنا عبد الصمد بن الفضل [49] ، ثنا مالك بن إسماعيل النهدي [50] ، ثنا إسرائيل [51] عن أبي إسحاق [52] ، عن عبد الله بن خليفة [53] قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "إن في الأنعام آيات محكمات، هن أم الكتاب، ثم قرأ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الآية"قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" [54] ، ووافقه على هذا الحافظ الذهبي [55] رحمه الله.
مناسبة الآيات لما قبلها:(32/396)
إلتمس علماء التفسير مناسبة للربط بين هذه الآيات وما سبقها، فتحصل من السياق أن الله عز وجل لما بين فساد رأي الكفار وضلالهم فيما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والثمار وأوضح سفههم في ذلك، وأبطل دعواهم بمطالبتهم بالبرهان ولا قدرة ألم عليه. فلله الحجة البالغة. ناسب بعد ذلك أن يوجههم بالأسلوب الحكيم إلى ما يجب عليهم إتباعه من شرع الله عز وجل لا مما تمليه عليهم أهواؤهم، وتسوقهم إليه رغباتهم فيضعوا لأنفسهم قانوناً فيما يحل وما يحرم. بل مرد ذلك إلى العليم الخبير الذي أوضح لهم بِأقوى بيان كمال قدرته عز وجل وشدة عجزهم عن تدبير شئونهم [56] . فقال تعالى موجهاً الأمر إلى عبده ورسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم:
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} .
سؤال وجوابه(32/397)
قال العلماء قد يسأل سائل فيقول: قال الله تعالىِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ ... } الآيات. وعندما نتأمل الآيات نجد عدداً من الأوامر اندرج تحت قوله: (ما حرم) كالإحسان إلى الوالدين، والوفاء في الكيل والميزان، والعدل في القول، والوفاء بالعهد، وإتباع شرع الله وهذه الأشياء مأمور بها وليس منهياً عنها فبم يوجه هذا؟.
والقول في جواب هذا أن أهل العلم لم يغفلوا عن هذا الإشكال من حيث الظاهر وأجابوا بأجوبة عديدة منها:
1- قوله تعالى: {حَرَّمَ رَبُّكُمْ} معناه وصاكم به ربكم فضمن حرَّم معنى وصّى، ويؤيد هذا الفهم ما جاء في آخر الآية قال تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِه} فالتحريم هنا مضمن معنى الوصية، وإذا نظرت في المعنى تجد أن الوصية فيه أعم من التحِريم. فكل تحريم وصية من الله عز وجل إلى عباده، وليس كل وصية تحريما، لأنها تكون بتحريم وبتحليل، وبوجوب وندب، وليس أمراً غريباً أن يراد بالتحريم الوصية، ومن الأساليب عند العرب ذكر اللفظ الخاص وإدارة العموم، أو العكس فتذكر اللفظ العام وتريد به الخاص وبناء على ما تقرر فإن تقدير الكلام: قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم حصل إبدال قوله تعالى: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} منه. وذلك على وجه البيان والتفسير. أي وصاكم أن لا تشركوا به شيئاً ووصاكم بالإحسان إلى الوالدين… الخ. فجمعت الوصية ترك المحرمات وفعل المأمورات. وهذا التوجيه في نظري حسن جداً [57] .(32/398)
2- أن تكون (أن) في قوله تعالى: {أَلاَّ تُشْرِكُوا} تفسيرية لفعل النهي الدال عليه التحريم وفعل الأمر المحذوف، والتقدير: أتل ما حرم عليكم وما أمركم به، فحذف وما أمركم به لدلالة (ما حرم) عليه لأن معنى ما حرم ربكم، ما ينهاكم ربكم عنه، فالمعنى قل تعالوا أتل ما نهاكم ربكم عنه وما أمركم به، ولا مانع من عطف الأمر على النهي والعكس ومن شواهده قول إمرئ القيس: يقولون لا تهلك أساً وتجمل [58]
3- جاز ذلك لجواز عطف الأوامر على النواهي لكونها تفسيراً لها باعتبار لوازمها التي هي النواهي المتعلقة بأضداد ما تعلقت به، فإن الأمر بالشيء مستلزم للنهي عن ضده، بل هو عينه عند البعض، كأن الأوامر ذكرت وقصد لوازمها، فإن عطف الأوامر على النواهي الواقعة بعد (إن) المفسرة لتلاوة المحرمات، مع القطع بأن المأمور به لا يكون محرما دليل وأضح على أن التحريم راجع إلى الأضداد، على الوجه المذكور [59]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أصله من نهاوند، ثقة مات سنة خمس وأربعين ومائة.
[2] ابن غزوان، صدوق، رمي بالتشبع.
[3] ابن يزيد، الأودي، الزعافري، ضعيف، مات سنة إحدى وخمسين ومائة.
[4] عامر بن شراحيل، ثقة مشهور.
[5] ابن قيس، النخعي، ثقة ثبت.
[6] ابن مسعود رضي الله عنه.
[7] لعل في هذه التسمية ما يشير إلى أنها من الصحف المنزلة قبل الإسلام ويأتي البيان إن شاء الله
[8] الآيات من (151-153) من سورة الأنعام.(32/399)
[9] الجامع 5/ 264. قد أشكل هذا المسلك للِإمام الترمذي رحمه الله على العلماء، ويذكر الدكتور نور الدين عنتر وهو صاحب بحث في جامع الترمذي أنه إذا قال: حسن غريب فهو يريد ما كان دون الصحة لكنه ليس بضعيف وهو الحسن لذاته، وقد يريد غرابة السند لا المتن (أنظر تعليقه على مقدمة ابن الصلاح ص 36) . ويؤيد أنه أراد غرابة السند أن الرواية أخرجها البيهقي في شعب للإيمان والطبراني وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردوية كلهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه (الدر المنثور 3/ 54) وهو شبيه بحديث عمر إنما الأعمال بالنيات. فلينظر.
وعلى هذا الفهم فالحديث حسن لذاته عند الترمذي رحمه الله. وإن كان في سنده داود بن يزيد الأودي مجمع على ضعفه (انظر التهذيب 3/ 205) لكنه ضعف محتمل، ولذلك قال ابن عدي رحمه الله: ولم أر في حديثه منكراً يجاوز الحد، وداود وإن كان ليس بالقوي في الحديث، فإنه يكتب حديثه ويقبل إذا روى عنه ثقة. (الكامل 3/948) وتلميذه محمد بن فضيل صدوق، وبقية رجال السند ثقات وتقدم البيان. ويقويه ما يأتي من إيضاح.
[10] سفيان بن وكيع، صدوق، بلي بوراقة، ولم يقبل النصح، فسقط حديثه.
[11] هو ابن سليمان، أبو يحي، ثقة فاضل، مات سنة مائتين.
[12] سعيد بن سنان الشيباني، صدوق له أوهام أخرج له مسلم والأربعة.
[13] الجملي، الأعمى، كان لا يدلس، ثقة، عابد، رمي بإرجاء أثنى عليه الأئمة، وله صفات جميلة (انظر التهذيب 8/102)(32/400)
[14] ابن خثيم بن عائذ الثوري، ثقة عابد، قال له ابن مسعود رضي الله عنه: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك. لكن عمر وبن مرة في غالب ظني أنه لم يسمع منه فإني لم أجده في تلاميذ الربيع، ولا الربيع في شيوخه، ثم إن بين وفاتيهما خمساً وأربعين سنة، والربيع من الثانية، وعمرو من الخامسة وأخرجه الطبري من طريق أخرى عن الربيع غير أنه قال: عن رجل عن الربيع (الطبري 8/ 64) .
[15] أي لم يكسر خاتمها، ومعنى الفل: الكسر. (انظر اللسان 11/ 530 والصحاح 2/ 260) .
[16] الطبري 8/ 64.
[17] ابن عبد الحميد بن قرط، ثقة، صحيح الكتاب.
[18] سليمان بن مهران، ثقة، حافظ، لكنه يدلس.
[19] ابن يزيد النخعي، ثقة، يرسل كثيراً.
[20] ابن قيس ثقة ثبت تقدم. وهو يروى عن ابن مسعود فضل هذه الآيات، فيكون إبراهيم متابعاً لداود الأودي في أصل هذه الرواية.
[21] الذي يظهر لي أنهم أرادوا أن يقص عليهم خبر الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو ماروت عائشة رضي الله عنها لكنهم صرفهم إلى هذا ليرشدهم إلى فضلها وأهميتها وقوله: (ليس عندنا وحي غيره) الضمير يعود على القرآن فلا يفهم أنه نفى ماعدا هذه الآيات.
[22] الطبري 8/64.
[23] نقل السبكي عن الحاكم أنه قال: هو محدث عصره وكان مجاب الدعوة (طبقات الشافعية 2/178) وهذه التزكية من أبي عبد الله الحاكم لشيخه ولها قيمتها لقوة الصلة ومزيد الخبرة رحم الله الجميع.(32/401)
[24] أبو جعفر، قال الخطيب رحمه الله: في حديثه مناكير بأسانيد واضحة، ونقَل عن الحاكم أنه سمع الدار القطني يقول: لا بأس به، ونقل الخطيب تضعيفه عن آخرين. (تاريخ بغداد 3/305) . وأمر الحاكم واضح في هذا فقد أخذ بقول الدارقطني رحمه الله وإن كنت لم أجد هذا في سؤالاته للدار قطني ولا الضعفاء المتروكون له ولعله في كتاب آخر بل الذي في سؤالات البرقاني للدار قطني (متروك) أنظر ص 28 لكن العجيب أن الحافظ الذهبي يوافق الحاكم على صحة الحديث مع أنه لا يرضى عن محمد بن مسلمة حسبما نفهم من ترجمته له (في الميزان 4/41) فهل تبع الحاكم في أخذ يقول الدارقطني أو أنها كبوة ولكل جواد كبوة.
[25] أبو خالد، الواسطي، ثقة متقن.
[26] أبو محمد، الواسطي ثقة في غير الزهري باتفاقهم.
[27] محمد بن مسلم, الفقيه الحافظ, المتفق على جلالته وإتقانه.
[28] الخولاني عائذ بن عبد الله, سمع من كبار الصحابة ,وكان عالم الشام بعد أبي الدرداء.
[29] لاشك أن من المعلوم للمسلم أن الشرك لا يدخل تحت هذا القول فهو مخصوص بقوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك} الآية 48 من النساء وإذا علم فإن قوله هذا أصل مذهب السنة والجماعة لأنه فيما عاد الشرك وقتل النفس على خلاف في الأخير من الكبائر التي يدخل أصحابها تحت مشيئة خلافاً للخوارج القائلين بأن مرتكب الكبيرة مخلد في النار وهو مذهب واضح البطلان.(32/402)
[30] (المستدرك 2/318) وتقدم الكلام عن هذا التعليق (4) والحديث في سنده محمد بن مسلمة الواسطي أقل أحواله الضعف وسفيان ضعيف في الزهري. لكن الحديث أصله في الصحيحين من رواية الزهري, عن أبي إدريس, عن عبادة رضي الله عنه, دون قوله: "من يبايعني على هؤلاء الآيات ثم قرأ- قل تعالوا أتل ما حرم الله عليكم -حتى ختم الآيات الثلاث-". ولينظر (الصحيح مع الفتح 1/64 وصحيح المسلم 3/1333) ولفظ الحاكم أخرجه عبد بن حميد, وابن أبي حاتم, وأبو الشيخ ابن مردوية عن عبادة بن الصامت (الدر المنثور 3/381) .
[31] انظر (التلخيص المستدرك 2/318) .
[32] الزّمن، ثقة، ثبت, وهو قرين محمد بن بشار بندار, وماتا سنة واحدة.
[33] بندار قرين سابقة، ثقة
[34] ابن حازم، ثقة.
[35] جرير بن حازم أبو النضر وهو والد وهب، ثقة، يضعف إدا حدث عن قتادة, وله أوهام إذا حدث من حفظه ولم يحدث في حال اختلاطه.
[36] أبو العباس، الغافقي، صدوق ربما أخطأ روى له الجماعة.
[37] أبو رجاء، المصري، ثقة، فقيه، وكان يرسل.
[38] أبو الخير، المصري: ثقة، فقيه.
[39] كان مميزا يوم الفتح فعد في الصحابة.وعده آخرون في ثقات التابعين. أنظر (أسد الغابة 5/341 والثقات للعجلي ص 318) .
[40] كعب بن ماتع الحميري، من أهل اليمن وسكَن الشام، ثقة مخضرم.(32/403)
[41] الطبري 8/ 64 والإسناد لا يقل عن درجة الحسن فرجاله أئمة كبار وكون يحي بن أيوب في مرتبة صدوق ربما أخطأ لا ينزل بدرجته عن الحسن فإن الجماعة أخرجوا حديثه ومنهم الإمامان البخاري ومسلم ومن كان حوله فقد جاز القنطرة إن شاء الله وثبتت عدالته. ثم إن ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن المنذر أخرجوا عن كعب أنه قال: "أول ما نزل من التوراة عشر آيات هي العشر التي أنزلت في سورة الأنعام" {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم- إلى آخرها} أنظر (الدر المنثور 3/381) قال الشوكاني رحمه الله: هي وصايا العشر التي في التوراة.
أولها أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر, من بيت العبودية, لا يكن لك إله غيري.
ومنها: أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض، التي يعطيك الرب إلهك.
لا تقتل- لا تزن. لا تسرق.
لا تشهد على قريبك شهادة الزور.
ولا تشته بنت قريبك.
ولا تشته إمرأة قريبك.
ولا عبده.ولا أمته.ولا حماره, ولا شيئا لقريبك.
قال رحمه الله: فلعل مراد كعب الأحبار هذا لليهود بهذه الوصايا عناية عظيمة ,وقد كتبها أهل الزبور في آخر زبورهم، وأهل الإنجيل في أول إنجيلهم , وهي مكتوبة في لوحين , وقد تركنا منها ما يتعلق بالسبت (فتح القدير 2/179) قلت معلوم تحريف اليهود للتوراة , ولا يبعد أن يكون اللفظ محرفاً في البعض وعلامته بادية سيما قوله: لا تشهد على قريبك ... الخ، فإن مفهومه جواز ذلك فيما عدا القريب وهذه عقيدتهم المحرفة إستحلال دماء وأموال وأعراض الآخرين وحاشا شرع الله أن يسمح بذلك بل إن كعبا تلا الآيات والله أعلم.
[42] ابن موسى ابن أبي حنين, الكوفي صدوق. انظر (الجرح والتعديل 7/230) .
[43] أبو علي، الحضرِي، شيعي، صدوق، في حفظه شيء روى له مسلم.
[44] ابن نصر الهمداني صدوق، كثير الخطأ.
[45] إسماعيل بن عبد الرحمن، صدوق يهم، رمي بالتشيع ,روى له مسلم.(32/404)
[46] تقول: أحكمت شيء فاستحكم، فصار محكماً, واحتكم الأمر، واستحكم وثق، وإحكام القول إتقانه, بتميز الصدق من الكذب, والحق من الباطل, والهدى من الضلال ,ولذلك وصف الله كتابه العزيز فقال: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} الآية (1) من سورة هود أي أحكمت وفصلت بجميع ما يحتاج إليه من الدلائل على توحيده عز وجل , وإثبات نبوة الأنبياء وختمهم بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم , وبيان شرائع الإسلام. فالقرآن الكريم كله محكم متقن , فمعانيه متفقة وإن اختلفت ألفاظه وهو متشابه في الأحكام والإتقان , متماثلة في الأوامر والنواهي يصدق بعضه على بعضا ويفسر بعضه بعضا، وفيه إحكام خاص وتشابه خاص قال تعالى: {وهو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات وأخر متشابهات} الآية (7) من سورة آل عمران. فالحكم الناسخ ,والحلال , والحرام , والحدود , والفرائض , والوعد , والوعيد , والمتشابه المنسوخ , والكيفية في الأسماء والصفات , وفواتح السور , وهذه الآيات محكمات لما تضمنت من الأوامر والنواهي. (انظر اللسان 12/143)
[47] الطبري 8/64.
[48] لم أقف على ترجمته.
[49] لم أقف على ترجمته.
[50] أبو غسان، ثقة، متقن، صحيح الكتاب.
[51] ابن يونس، بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة التكلم فيه , بلا حجة.
[52] عمرو بن عبد الله، السبيعيِ، مكثر، ثقة، اختلط بأخرة وقد وصفه النسائي وغيره بالتدليس (انظر إتحاف ذوي الرسوخ ص40) لكنه من الطبقة التي توقف فيها جماعة ولم يحتجوا إلا بما صرح فيه بالسماع , وقبلهم آخرون مطلقاً. (المصدر السابق ص 11)
[53] الهمداني , مقبول.
[54] المستدرك 2/317.
[55] التلخيص مع المستدرك 2/317. والغرِيب أن الحافظ الذهبي يقول عن عبد الله بن خليفة: لا يكاد يعرف. (الميزان- 2/414) وتقدمت الإشارة لمثل هذه الملاحظة ص 6.(32/405)
[56] التسهيل2/ 25، الإرشاد 3/ 197، الفتوحات 2/106، القاسمي 6/ 780 الظلال 3/ 420، المجدد 2/ 185.
[57] التسهيل 2/25.
[58] البحر 4/249
[59] الإرشاد 3/198(32/406)
أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر
الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
الجامعة الإسلامية – المدينة المنورة
الوصية الأولى
قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [1] .
البحث اللغوي:
أ- المفردات:
قل: فعل أمر موجه إلى عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
تعالوا: أي أقبلوا وهلموا. وهذا من الخاص الذي صار عاماً. فالأصل فيه أن يقوله من هو في مكان عالٍ لمن هو أسفل منه، ثم كثر واتسع فيه حتى عمَّ [2] .
أتل: من التلاوة والمراد بها القراءة.
حرم: من التحريم وهو المنع، والحرام الشيء الممنوع منه، ويكون المنع بأمور. إما بتسخير إلهي، وإما بمنع قهري، وإما بمنع من جهة العقل، أومن جهة الشرع، أومن جهة من يرتسم أمره، وهو في هذه الآية من جهة القهر بالمنع [3] ، كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [4] .
ب- النحو:
أتل: جواب الأمر، أي إن تأتوني أتل.
ما: في قوله تعالى: {مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} : فيها ثلاثة أقوال.
1- أنها موصولة بمعنى الذي، والعائد محذوف، والتقدير: الذي حرمه، والموصول في محل نصب مفعول به. وهذا هو الأظهر.
2- أنها مصدرية، والتقدير: أتل تحريم ربكم، والتحريم نفسه لا يتلى، وإنما هو مصدر واقع موقع المفعول به، والتقدير: أتل محرم ربكم الذي حرمه هو عز وجل.
3- أنها استفهامية في محل نصب بحرم بعدها، وهي معلقة لأتل، والتقدير: أتل أي شيء حرم ربكم؟ وهذا ضعيف لأنه لا يعلق إلا أفعال القلوب وما حمل عليها [5] .
عليكم: فيها وجهان:(32/407)
1- أن الجار والمجرور متعلق بحرم، وهو اختيار البصريين.
2- أنه متعلق بأتل، وهو اختيار الكوفيين. فالمسألة من باب الإعمال، وقد عرف أن اختيار البصريين إعمال الثاني، واختيار الكوفيين إعمال الأول [6] . ورجح بعض العلماء الأول قالوا: لأنه أنسب بمقام الاعتناء بإيجاب الانتهاء عن المحرمات المذكورة، وهو السر في التعرضِ لعنوان الربوبية معَ الإضافة إلى ضميرهم، فإن تذكيرهم بكونه تعالى رباً لهم، ومالكاً لأمرهم على الإطلاق من أقوى الدواعي إلى انتهائهم عما نهاهم عنه أشد انتهاء، و (أن) في قوله تعالى: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ} مفسرة لفعل التلاوة المعلق بما حرم و (لا) ناهية كما ينبئ عنه عطف ما بعده من الأوامر والنواهي عليه [7] .وقد أطال العلماء نفسر البحث في قوله تعالى {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ} من الناحية النحوية وحرر كل ما ورد في ذلك سليمان بن عمر العجلي الشهير بالجمل رحمه الله [8]
الإيضاح
قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} أمر الله عز وجل نبيه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يبينِ للناس من المحرمات ما يقتضي الحال بيانه، مستخدما لأسلوب الحكيم في ذلك إيذاناً بأن حق العباد اجتناب ما حرم الله ورسوله واتباع شرع الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الأسود والأبيض فيقول لهم صلى الله عليه وسلم: يا من حرموا ما أحلَ الله (تعالوا) وهو أمر من التعالي. ولا يمنع أن يحمل على الأصل تعريضاً لأولئك الذين شرعوا مالم يأذن به الله، بأنهم يا حضيض الجهل والبعد عن المنهج السديد، ولو استجابوا لنداء الله ورسوله لتعالوا وترفعوا إلى ذروة العلم وقنة العزة.
قوله تعالى: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} . هذه أولى الوصايا العشر، وبدأ سبحانه وتعالى هذه الوصايا بتحريم الشرك لأمور ثلاثة كما ظهر لي.(32/408)
1- إن الشرك أكبر الكبائر وأعظم الذنوب قال تعالِى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [9] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} [10] وقال تعالى: { ... إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [11] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر- ثلاثاً-؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين- وجلس وكان متكئا- فقال: ألا وقول الزور ... " [12] الحد يث. ويلاحظ هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الإشراك على غيره من الكبائر مما يشير إلى أنه أعظم الذنوب وأفدحها.
2- أن من حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ولذلك خلقهم قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاِّ لِيَعْبُدُونِ} الآية وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [13] الآية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ أتدري ماحق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم" [14] .(32/409)
إن الإنسان تتحقق إنسانيته بقلبه وروحه، ولا صلاح له إلا بصلاحهما، ولا صلاح لهما إلا بوحدانية الله عز وجل، إله هذا المخلوق الذي أوجده من العلم، وركب أجزاءه ورباه بنعمه، لا إله إلا هو ولا رب سواه، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [15] وقال النبي الكريم: " ... ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" [16] . ولا ريب في ارتباط الروح بالقلب، كما أن بين القلب واللسان ارتباطاً إذ هو المعبر عما في القلب. يقول الشاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاد
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم [17]
والبراءة من الشرك تتحقق بالعلم والعمل بمقتضى العلم، فيعلم العبد أن هذه المخلوقات بجميع أنواعها بقوتها وضعفها ليس فيئها ما تسكن النفس إليه، وتنعم بالتوجه.(32/410)
والاعتماد عليه، إلا الله عز وجل قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [18] الآية. ويتبع العلم العمل بما شرع الله عز وجل قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [19] الآية. فأعلم تعالى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه حرم عليهم أن يشركوا به شيئاً، فشمل ذلك كل مُشرَك به، ومُشرَك فيه، من أنواع العبادة، فإن قوله: (شيئاَ) من النكرات فيعم جميع الأشياء، ولم يبح عز وجل لعباده أن يشركوا به شيئاً، فإن الشرك أظلم الظلم وأقبح القبائح، قال تعالى حكاية عن لقمان عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [20] . ولفظ الشرك يدل على أن المشركين كانوا يعبدون الله عز وجل ولكن يشركون به غيره من الأوثان والصالحين والأصنام، فكانت الدعوة واقعة على ترك عبادة ما سوى الله عز وجل، وإفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، وكانت (لا إله إلا الله) متضمنة لهذا المعنى فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إلى الإقرار بها اعتماد ونطقاً وعما، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: "إنكَ تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فاعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ... " [21] الحد يث. وقال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه …" [22] الحديث. وكان المشركون إذا سئلوا عما يقول لهم محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: يقول "اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم" [23] . وكانوا يعلمون دلالة لا إله إلا الله، ولذلك أنكروا(32/411)
التوحيد قال تعالى حكاية عنهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [24] وحقيقة الشرك أن يعتقد الإنسان في بعض المخلوقات إنها تجلس نفعاً أو تدفع ضررا بتأثير منها. وهذا البلاء عم البشرَية جمعا ولم ينج منه إلا من رحم الله، ومنِ أن الشرك ما يقع فيه الكثير ون اليوم من الاعتقاد فيمن يعظمون من الأولياء، أن آثاراَ عجيبة تصدر عنهم، يزعمون أن ذلك لم يصدر عن أحد منهم إلا لكونه متصفاً بصفة من صفات الكمال، وفاتهم أن الكمال أمر لم يعهد في جنس الإِنسان، بل محله النقص فهو من لوازم العبودية ولاشك، أما الكمال فهو حق لله مختص به دون سواه وأعني بذلك الكمال المطلق، وهم يعنون ذلك فيمن يعظمون حين تصدر منهم أعمال غير(32/412)
عادية. بل زعم غلاتهم أن ذلك لا يحدث إلا لمن خلع الله عليه صفة الألوهية، أومن يفنيه في ذاته، تعالى عما يقولون علواً كبيراً، وهذه عقيدة أهل وحدة الوجود خسئ أصحابها. والأمثلة على شطحات أهل هذا الاعتقاد يطول بيانها، فأنواع خرافاتهم لا تكاد تحصر ولها مظانها، ومن ذلك ما كان يعبر عنه المشركون بقولهم في حجهم: "لبيك اللهم لبيك لا شريك لك- إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك" [25] ويعنون شركاءهم الذين يعاملونهم معاملة العباد مع الله، ومن أصابهم هذا الداء العضال اليوم وإن لم يكن اللفظ الوارد عن مشركي العرب في تلبيتهم ظاهراً في تلبية هؤلاء غير أنه معنى يتجلى في أعمالهم وتصرفاتهم، والشرع لا يبحث إلا عن الأعمال والتصرفات، التي باشرها الناس بنية تعظيم مخلوق من المخلوقات، حتى صار ذلك العمل مظنة للشرك ولازما له في العادة، فالأعمال ترجمة عما في القلوب، ولازم الشيء يعطى حكمه، وقد أقام الشرع العلل الملازمة للمصالح والمفاسد مقامها ونظراً لخطورة هذا الأمر فلا بد من التنبيه على أمور جعلها الله عز وجل في الشريعة المحمدية- على صاحبها أكمل الصلاة وأتم التسليم- مظنات للشرك فنهى عنها، منها:(32/413)
أ- منها أن المشركين كانوا يسجدون للأصنام والنجوم وغيرها من الأوثان فجاء النهي عن السجود لغير الله عز وجل قال تعالى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [26] ولم يكن الإشراك قاصراً على السجود بل يتعده إلى التدبير لأن السجود ناشئ عن التعظيم والتعَظيم ناشئ عن اعتقاد في المعظَّم أنه متصرف في الكون، ولديه القدرة على التدبير، وهذه الخطورة قد يكون منشؤها زعم بعض المتكلمين أن توحيد العبادة حكم من أحكام الله، وهو مما يقع الخلاف فيه باختلاف الأديان لا يطالب بدليل برهاني، وهذا ظاهر الفساد، فلو كان الأمر كذلك، لم يقع الإلزام من الله عز وجل بتفرده بالخلق والتدبير، قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُون أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ. أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ. أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ(32/414)
مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [27] وإن من يمعن النظر في هذه الآيات يجد صواعق محرقة لأوهام الجاهلية في كل زمان ومكان، وحجة دامغة تدك تلك الأفكار الواهية والحق أنهم اعترفوا بتوحيد الخلق والتدبير ولكن في الأمور العظام قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [28] فالتوحيدان متلازمان ولا يجوز الفصل بينهما، ولكنهم لا يعقلون.
2- أنهم كانوا يستعينون بغير الله عز وجل في حوائجهم، من شفاء المريض، وإغناء الفقير، ويقدمون القرابين ويفعلون النذور، لأنهم يتوقعون إنجاح مقاصدهم بذلك، ويتلون أسماءهم رجاء بركتهم، فأوجب الله عليهم أن يقولوا (إياك نعبد وإياك نستعين) في كل يوم وليلة سبع عشره مرة، ونهاهم عن دعوة غيره فقال: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [29] والمراد هنا عموم العبادة، ومنها الدعاء، ومرت الدعاء الاستعانة لقوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [30] .(32/415)
ومنها أنهم كانوا يتخذون أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله عز وجل، وذلك بأنهم كان يعتقدون أن الحلال ما أحله الرهبان، وأن الحرام ما حرموا، فما أباحوا لهم أخذوه، وما حرموه عليهم امتنعوا عنه ويتجلى هذا حين نزل قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [31] فسأل عدي بن حاتم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "كانوا يحلون أشياء فيستحلونها، ويحرمون عليهم أشياء فيحرمونها" [32] والحكم بحلية الشيء أو بتحريمه لا يؤخذ إلا عن الله عز وجل قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [33] فتحديد الأشياء التي يؤاخذ عليها العباد والتي لا يؤاخذون عليها أمر خاص برب العباد، فتكوين أسباب المؤاخذة من عدمها له وحده، ورسم الحدود وتشريع الأوامر والنواهي في كل شأن من صفاته تعالى، قال عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [34] أما نسبة التحليل والتحريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبمعنى أن قوله صلى الله عليه وسلم أمارة قطيعة تدل على تحليل الله وتحريمه، إذ هو المبلغ عن الله عز وجل قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [35] وهو الصادق الأمين خياله قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [36] ونسبة التحليل والتحريم إلى العلماء المجتهدين من أمته صلى الله عليه وسلم تكون بمعنى روايتهم ذلك عن الشرع، وأخذ الحكم من نص الشارع الحكيم، أو استنباطه من كلامه صلى الله(32/416)
عليه وسلم. ومما يجب التنبيه إليه أن الله عز وجل إذا بعث رسولاً، وأيد صدقه بالمعجزات والآيات البينات، وأحل على لسانه بعض ما كان محرماً عند قوم. وحصل من بعض الناس تردد وإحجام عن قبول ما أحلّ، وأصبحت نفسه تميل إلى التحريم، لما كان عليه من الحرمة فلا يخلو هذا المتردد من أحد أمرين:
الأول: أن يكون ما حصل منه تردداً في ثبوت هذه الشريعة فهو كافر بالنبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [37] .
الثاني: أن يكون صدور ذلك منه لاعتقاد وقوع التحريم الأول تحريماً لا يحتمل النسخ، لأنه يعتقد أن الذي حرم ذلك، قد خلع الله عليه خلعة الألوهية، أو صار فانيا في الله عز وجل، أو غير ذلك من الاعتقادات الباطلة، فذلك مشرك بالله عز وجل. إذ أشرك مع الله غيره في هذا الأمر، وأثبت للغير غضباً ورضاً مقدسين، وتحليلاً وتحريماَ مقدسين. وتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
4- أنهم كانوا يتقربون إلى الأصنام والنجوم، إما بإهلال بأسمائهم عند الذبح، وإما بالذبح على الأنصاب المخصوصة لهم، فحرم الله عز وجل ذلك قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا َّمَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب} [38] الآية وقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله" [39] .
5- إنهم كانوا يسمُون السوائب [40] والبحائر [41] تقرباً إلى شركائهم فحرم الله عز وجل ذلك فقال: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} [42] الآية.(32/417)
6- وكانوا يعتقدون في أناس أن أسماءهم مباركة ومعظمة، ويعتقدون أن الحلف بأسمائهم على الكذب يستوجب نقصاً في المالي والأهل، فلا يقدمون على ذلك، ولذلك كانوا يستحلفون الخصوم بأسماء الشركاء بزعمهم، فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، أخرج الإمام النسائي رحمه الله بسنده من طريق مصعب بن سعد قال: "كنا نذكر بعض الأمر وأنا حديث عهد بالجاهلية فحلفت باللاتي والعزى، فقال لي أصحاب رسول الله جمع: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فأتيته فأخبرته فقال لي: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له ثلاث مرات، وتعوذ بالله من الشيطان ثلاث مرات، واتفل عن يسارك ثلاث مرات، ولا تعد له" [43] لما تعاطى الصحابي في قسمه صورة تعظيم الصنم حيث حلف به، أنكر عليه الأصحاب رضي الله عنهم ولما كان ذلك القول يتعلق بالإيمان ظنوه كفراً، ولا ريب أنه رضي الله عنه لم يقصد التعظيم للصنِم غير أن قوله ذلك يتعلقَ بالاعتقاد فكان الإصلاح من النوع الذي يتعلق بالاعتقاد أيضا، فوجهه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى قول لا إله إلا اللَّه، فإنها إصلاح لما قد يخدش الإيمان، مما يجري على اللسان من غير قصد، كقول هذا، الصحابي رضي الله عنه، وينقل الحافظ عن العلماء أنهم قالوا: "يستحب أن يقول لا إله إلا الله" [44] . وفي نظري أن ما وجه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الوجوب لا الاستحباب إذ لا صارف يصرفه عن ذلك، فقول لا إله إلا الله هنا يقوم مقام الكفارة إلا أنها تجدد الوحدانية وتصلح سبق اللسان الذي قد يخدش الاعتقاد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" [45] وقلنا إن الصحابي رضي الله عنه ما قصد ذلك لكونه حديث عهد بجاهلية، لكن شرك في اللفظ دون الاعتقاد، أما من تعمد ذلك فانه يُشك في كفره.(32/418)
7- ومن ذلك قصد مواضع مختصة بشركائهم للتبرك بها، ويكون الحلول بها تقرباً منهم فحرم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" فشد الرحال بقصد العبادة إلى غير هذه المساجد الثلاثة خروج عن الشرع، وإحياء لأمور الجاهلية التي حرمها الإسلام، وما يفعله كثير من المسلمين اليوم عند قبور الأولياء أمر منكر، ومصادم لما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
8- كانوا يسمون أبناءهم عبد العزى وعبد شمس وغير ذلك من الأسماء المشعرة بالعبودية لغير الله عز وجل فأنكر الله عز وجل ذلك وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [46] . ولا يظن بآدم وحواء أنهما أشركا بالله عز وجل، لعصمة آدم عليه السلام ولاسيما بعد قصته مع إبليس لعنه الله، والأثر الوارد من طريق الحسن، عن سمرة بن جندب في ذلك، رده الحافظ ابن كثير رحمه من وجوه:
الأول: أنه من رواية عمر بن إبراهيم البصري [47] وثقة ابن معين [48] وقال فيه أبو حاتم الرازي: "لا يحتج به" [49] .
الثاني: أنه ورد من قول سمرة نفسه ليس مرفوعاً. أخرجه ابن جرير في تفسيره [50] .
الثالث: أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعاً لما عدل عنه [51]
قال ابن جرير رحمه الله: حدثنا ابن وكيع [52] قال: حدثنا سهل بن يوسف [53] ، عن عمرو [54] ، عن الحسن [55] {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} [56] قال: "كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم".(32/419)
حدثنا محمد بن عبد الأعلى [57] قال: حدثنا محمد بن ثور [58] ، عن معمر [59] قال: "قال الحسن: عنى بها ذرية آدم من أشرك منهم بعده".
حدثنا بشر بن معاذ [60] قال: حدثنا يزيد [61] قال: حدثنا سعيد [62] ، عن قتادة [63] قال: "كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصروا" [64] .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه، أنه فسر الآية بذلك، وهو منِ أحسن التفاسير، وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث [65] عنده محفوظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره، ولاسيما مع تقواه لله وورعه، فهذا يدل على أنه موقوف على الصحابي [66] ، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم، مثل كعب [67] أو وهب بن منبه وغيرهما [68] .
وقد علم مما سبق أن الأثر المروي فيِ تفسير الآية لا يصح الاحتجاج به [69] وقد ذكره صاحب تيسير العزيز الحميد [70] تفسيرا للآية فلا يصار إليه والحق في ذلك ما ثبت عن الحسن نفسه كما تقدم بيانه. والآية تدل على تحريم اتخاذ الشركاء. ولم يسلم من هذا بعض المسلمين اليوم. فما أكثر من سمى عبد الولي وعبد الرسول وغير ذلك. وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث أنه غير بعض أسماء أصحابه التي تشعر بالعبودية لغير الله عز وجل أوفيها قبح، وفيما تقدم ذكر صور وأشكال للشرك حرمها الشرع فيجب على المسلم أن يحذرها وأن يحذر منها وعند تدقيق النظر فيما سلف يتبين أن المشركين طوائف كثيرة وكثيرة جداً، تعددت بتعدد الأسباب والوسائل المؤدية إلى ذلك وقد ذكر الفخر الرازي رحمه الله أربع طوائف منهم:(32/420)
ا- طائفة يجعلون الأصنام شركاء لله عز وجل، وإليهم الإشارة بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [71] .
2- طائفة يعبدون الكواكب وهم الذين حكى الله عنهم أن إبراهيم عليه السلام أبطل قولهم بقوله: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [72] .
3 – طائفة حكى الله عنهم أنهم جعلوا لله شركاء الجن قال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ} [73] .
4- طائفة جعلوا لله عز وجل بنين وبنات. وأقام عز وجل الدليل على فساد أقوال هؤلاء [74] . وإذا نظرنا إلى الشرك بالنسبة إلى أقسام التوحيد نجد أن الشرك ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وكل منها قد يكون أكبر وأصغر مطلقا، وقد يكون أكبر بالنسبة إلى ما هو أصغر منه، وقد يكون أصغر بالنسبة إلى ما هو أكبر منه. وبيان ذلك فيما يلي:
القسم الأول الشرك في الربوبية وهو نوعان:
ا- شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك. وهو إنكار لوجود الله عز وجل، وممن يمارس هذا الذنب العظيم الدهريون، والطبائعيون، وإمامهم فيه فرعون هو سابقهم إلى هذا الإلحاد إذ قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [75] . ومن هذا النوع شرك الفلاسفة، القائلين بقدم العالم وأبديته، وأنه لم يكن معدوماَ أصلاً، بل لم يزل ولا يزال، والمخلوقات عندهم جميعا ترجع إلى أسباب ووسائط، اقتضت إيجادها، يسمونها العقول والنفوس [76] ، ومنه أيضاً شرك طائفة وحدة الوجود، مثل ابن عربي [77] ،ابن سبعين [78] والعفيف(32/421)
النعمان [79] ، وابن الفارض [80] ، وغيرهم من أهل الزيغ والإلحاد، الذين ألبسوه حلية الإسلام، ومزجوه بشيء من الحقِ، حتى راج سوقهم ونفقت بضاعتهم، واغتر بها جَهلاؤهم وعوامهم، ومن ذلك أيضاَ شرك من عطل أسماء الرب عز وجل، وهم غلاة الجهمية [81] والقراطمة [82] .
2- شرك من جعل مع الله إلهاً آخر ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته، ومنه شرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة قال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [83] ومنه شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة، ومنه أيضاً شرك الذين يرون أن للكواكب والنجوم تدبيرا لأمر الكون أو زيادة الرزق أو نقصانه، والنجوم خلق من خلق الله لا يجوز أن يعتقد أحد أنها تنفع وتضرمن دون الله، ولذلك أقسم الله بها لصرف الأنظار إلى تدبر عظمة خالقها عز وجل وتدبيره أمرها. قال تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [84] وقال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [85] فأخبر عز وجل بسجود جنس النجم له عز وجل، ولم تخلق النجوم لتُعبد وإنما خلقت لأمور ثلاثة:
الأول: زينة للسماء قال تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [86] وقال عز وجل: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [87] وقال عز وجل: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [88] وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [89] .(32/422)
الثاني: رجوماً للشياطين. قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُو ماً لِلشَّيَاطِينِ} [90] وقال تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} [91] وقال تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} [92]
الثالث: علامات يُهتدي بها. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر} [93] الآية وقال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [94] وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه تعليقاً قال: وقال قتادة:" ... خلق هذه النجوم لثلاث، جعلها زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يِهتدي بها، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف مالا علم له به" [95] . فعجبا لمن يعتقد في النجوم أو ينسب إليها شيئا من أسباب الخير، أو دوافع الشر، بعد هذا البيان المنزل في أشرف الكتب على أصدق الخلق وأكرم الرسل صلى الله عليه وسلم، ومن هذا القسم أيضاً شرك غلاة عباد القبور الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف في قضاء الحاجات بعد الموت، فيفرجون الكربات، ويجلبون الخير ويدفعون الشر، وينصرون من دعاهم ويحفظون من اعتصم بهم ولجأ إليهم وهؤلاء أشركوا في الفعل مع الله غيره، ولا ريب أن هذه من خصائص الربوبية، وكم من هالك في هذا الباب من المسلمين اليوم إذا لم تدركهم هداية الله، ويتحصنوا بالتوبة الصادقة ويلجأوا إلى كتاب الله وسنة رسوله لاستقاء عقيدتهم وتنقية ما علق بصدورهم.
القسم الثاني: الشرك في توحيد الأسماء والصفات وهو نوعان:(32/423)
1- تشبيه صفات الخالق بالمخلوق، كأن يقول: يد كيدي، وسمع كسمعي، وبصر كبصري، واستواء كاستوائي، وهذا يسمى شرك الشبه، وهذا النوع ينافي قول الله عز وجل {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [96] وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [97] .
2- اشتقاق أسماء الآلهة الباطلة من أسماء الإله الحق، كاشتقاق اللات من الإله، والعزى من العزيز، وهذا ما نهى الله عنه في قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [98] . وممن فسر الإلحاد في أسماء الله بالاشتقاق ابن عباس رضي الله عنه. وقال به قتادة رحمه الله [99] .
القسم الثالث: الشرك في توحيد الألوهية والعبادة:
هذا القسم هو الشرك الأعظم وهو شرك الجاهلية وهو نوعان:(32/424)
ا- أن يجعل العبد لله نداً يدعوه كما يدعو الله عز وجل، ويسأله الشفاعة كما يسأل الله تعالى، ويرجوه كما يرجو الله تعالى، ويحبه كما يحب الله تعالى، ويخشاه كما يخشى الله عز وجل، وجملة القول أنه جعل له إلها آخر يعبده كما يعبد الله، فهذا شرك أكبر وهو الذي قال الله عز وجل فيه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [100] . وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [101] وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [102] الآية وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [103] الآيات في هذا المقام كثيرة ولا ريب أن الحجة قائمة على العباد ولو لم يحرم الله ذلك إلا بآية واحدة، فكيف وقد تعددت فيه أدلة التحريم كتاباً وسنة.
2- الشرك الأصغر، كيسير الرياء، والتصنع للمخلوق، وعدم الإخلاص لله عز وجل في العبادة، بل يعمل العبد لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، فله من عمله نصيب ولغيره منه نصيب، والله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، وذكر الإخلاص في كتابه أكثر من عشرين مرة ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [104] الآية وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [105] الآية.(32/425)
ويتبع هذا النوع الشرك بالله عز وجل في الألفاظ كالحلف بغير الله عز وجل، وقول ما شاء الله وشئت، ومالي إلا الله وأنت، وأنا في حسب الله وحسبك، وقد يفضي ذلك إلى الشرك الأكبر بحسب حال قائله ومقصده، والأحاديث الواردة في النهي عن الشرك وبيان أنه أعظم الذنوب كثيرة منها حديث الصحيحين عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق قلت: وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر؟ قال: وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر" [106] وفي بعض الروايات أن الذي قال ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبو ذر، وأنه عليه الصلاة والسلام قال في الثالثة: "وإن رغم أنف أبي ذر" فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث: "وإن رغم أنف أبي ذر" [107] وأخرج الإمام البخاري بسنده من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار" [108] وأخرج الإمام مسلم رحمه الله من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار" [109] . قال عبد الله بن الإمام أحمد [110] حدثني أبي [111] ، ثنا عفان [112] ، ثنا همام [113] ، ثنا عامر الأحول [114] ، عن شهر بن حوشب [115] عن عمرو بن معد يكرب [116] عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني، فإني سأغفر لك ما كان فيك، ولو لقيتني بقراب [117] الأرض خطايا للقيتك بقرابها مغفرة مغفرومغفرة ولو عملت من الخطايا حتى تبلغ عنان [118] السماء ما لم تشرك بي شيئا، ثم استغفرتني غفرت لك وولا أبالي " [119] .(32/426)
ويؤيد هذا من كتاب الله عز وجل قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [120] . وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [121] . وقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [122] الآية. وفيما تقدم بيانه حول هذه الوصية كفاية وغنية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
الأحكام
1- إن المتأمل للأمر الموجه من المولى عز وجل إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم يتضح له أن الله عز وجل كلف رسوله صلى الله عليه وسلم بدعوة العباد إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم ومن ذلك سماعهم لأحكام الله عز وجل وتنفيذها في عباداتهم ومعاملاتهم وفق ما شرع الله. وهذا الذي كلف به رسوله صلى الله عليه وسلم يكلف به المصلحون من أمته ومن سار على نهجه فيجب على من بعده من العلماء أن يبلغوا الناس شريعة الله عز وجل، وأن يبينوا لهم ما حرم الله عليهم وما أحل لهم. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [123] وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [124] .
2- أن الشرك حرام وأنه أعظم الذنوب عند الله عز وجل وقد تقدم البيان.
3- أن التوحيد لا يتحقق إلا بنفي ضده وهو الشرك.(32/427)
ومما تجب الإشارة إليه هنا أنني استفدت التقسيمات التي مرت من كتاب تيسير العزيز الحميد [125] وحرصت على تدوينها منه لما فيها من فائدة عظيمة وبيان في غاية الوضوح فجزى الله مؤلفه العفو والمغفرة والرحمة الواسعة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر الآية (151) من سورة الأنعام.
[2] الكشاف 2 / 78، الإرشاد 3/197.
[3] المفردات 114.
[4] انظر االآية (72) من سورة المائدة.
[5] الفتوحات 2 / 106، 107.
[6] الفتوحات 2/ 106، 107.
[7] الإرشاد 3/198، الروح8/54.
[8] انظر كتابه الفتوحات 2/107،108.
[9] الآية (48) من سورة النساء.
[10] الآية (116) سن سورة النساء.
[11] جزء من الآية (72) من سورة المائدة.
[12] صحيح البخاري مع الفتح 5/261.
[13] الآية (36) من سورة النحل.
[14] صحيح البخاري مع الفتح 13/347.
[15] الآية (16) من سورة ق.
[16] صحيح البخاري مع الفتح 1/126.
[17] البيت لزهير بن أبي سلمي انظر ديوانه ص89.
[18] الآية (22) من سورة الأنبياء.
[19] الآية (19) من سورة محمد.
[20] الآية (13) من سورة لقمان.
[21] صحيح مسلم 1/50.
[22] المصدر السابق 1/51.
[23] انظر جواب أبي سفيان لهرقل (الصحيح مع الفتح 1/32) .
[24] الآية (5) من سورة ص.
[25] صحيح مسلم 2/843.
[26] الآية (37) من سورة فصلت.
[27] الآيات من سورة النمل.
[28] الآية (65) من سورة العنكبوت.
[29] جزء من الآية (18) من سورة الجن.
[30] الآية (41) من سورة الأنعام.
[31] الآية (31) من توبة.
[32] انظر كلام ابن كثير ومادمن عن هذا 2/348.
[33] الآية (116) من النحل.
[34] الآية (59) من يونس.(32/428)
[35] الآية (7) من سورة الحشر.
[36] الآيتان (3، 4) من سورة النجم.
[37] الآية (65) النساء.
[38] الآية (3) من المائة.
[39] صحيح مسلم 1567/3.
[40] جمع سائبة وهي الناقة كانت تسيب إذا ولدت عشر إناث تركت انظر (الصحاح 1/ 634) .
[41] جمع بحيرة وهي بنت السائبة تشق أذنها وتترك (الصحاح 1/72) .
[42] الآية (31) من التوبة.
[43] سنن النسائي 7/7، 8.
[44] فتح الباري 11/536.
[45] سنن الترمذي 4/ 110.
[46] الآيتان (189، 190) من الأعراف.
[47] أنظر ترجمته (الجرح 6/ 98) .
[48] انظر (رواية الدرامي ص 50 رقم 41) .
[49] أنظر (الجرح 6/98) .
[50] الطبري 99/9.
[51] ابن كثير2/274.
[52] سفيان، أسقط حديثه، وتقادم الكلام فيه.
[53] الأنماطي، ثقة، رمي بالقدر، مات سنة تسعين ومائة.
[54] ابن عبيد بن باب، التميمي، معتزلي، كان داعية، مات سنة ثلاث وأربعين ومائة.
[55] ابن أبي الحسن، البصريَ، ثقة، معروف، مات سنة عشر ومائة.
[56] انظر الآية (190) من الأعراف.
[57] الصنعاني ثقة، مات سنة خمس وأربعين ومائتين.
[58] الصنعاني، ثقة مات ستة تسعين ومائة تقريبا.
[59] ابن رشد، ثقة ثبت، مات سنة أربع وخمسين ومائة.
[60] أبو سهل العقدي، صدوق مات سنة بضع وأربعين ومائتين.
[61] ابن زريع البصري ثقة ثبت مات سنة اثنتين وثمانين ومائة.
[62] بن أبي عروبة ثقة حافظ له تصانيف من أثبت الناس قي قتادة.
[63] ابن دعامة رأس الطبقة الرابعة ثقة ثبت مات سنة بضع عشرة ومائة.
[64] الطبري 9/100 – 101.
[65] ما ذكر في التفسير الآية أنه كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد ... الخ.
[66] سمرة بن جندب رضي الله عنه.
[67] كعب الأحبار تقدم وهو والذي بعده كانوا من العلماء اليهود فأسلموا.
[68] ابن كثيبر 2/275.(32/429)
[69] للراغب في زيادة الاطلاع ينظر تحفة الأحوذي 8/460- 466، ابن كثير 2/274، 275.
[70] انظر ص628 وما بعدها. وقد أخرج الأثر الترمذي وقال: حسن غريب. الجامع 5/267.
[71] الآية (74) من الأنعام.
[72] الآية (76) من الأنغام.
[73] الآية (100) من الأنغام.
[74] الرازي 13/ 222.
[75] انظر الآية (23) من الشعراء.
[76] هذا مبني على مذهب الفلاسفة إن العقول والنفوس العلكية عالمة بجميع الأشياء (الذخيرة صح207)
[77] محمد بن على بن محمد بن أحمد به عبد الله، الطائي، الحاتمي، لقبه محي الدين، وكنيته أبو بكر، وشهرته ابن عربي، ويقال له الشيخ الأكبر، ولد في السابع عشر من رمضان سنة ستين وخمسمائة، (560هـ) من غلاة الصوفية،وأحد القائلين بوحدة الوجود.أنظر (النفاق والزندقة ص111) .
[78] عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن سبعين، ولد في سنة أربع عشرة وستمائة (614 هـ) عرف السيمياء - ولبس بها على الأغبياء، صنف في الِإلحاد، وله فيه وفي الزندقة كلام كثير، ومن سيئ قوله، لقد كذب ابن أبي كبشة على نفسه حيث قال. لا نبي بعدي- يعنى رسول الله صلى- وقوله: لقد تحجر ابن آمنة واسعاً بقول. لا نبي بعدي. انظر (النفاق والزنادقة ص (120) .
[79] أبو الربيع، سليمان بن على بن عبد الله بن على العابدي، الكوفي ثم التلمساني، أحد زنادقة الصوفية، ومن عظماء القائلين بالوحدة المطلقة، ومن سيئ قوله: القرآن ليس فيه توحيد، بل كله شرك، ومن اتبع القرآن يصل إلى التوحيد، وكان يقول: نكاح الأم والبنت، والأجنبية واحد- بمعنى أنه لا فرق بين ذات المحرم وغيرها- وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا. حرام علينا فقلنا. حرام عليكم. انظر (النفاق والزندقة ص 132) .(32/430)
[80] عمر بن علي، ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة (576 هـ) أحد القائلين بوحدة الوجود. قال عنه الذهبي رحمه الله: ينعق بالِإلحاد الصريح. له افتراءات وضلال ينوء بحملها، ويبوء بإثمها. انظر (النفاق والزندقة ص 123) .
[81] أتباع الضال المبتدع أبي محرزجهم بن صفوان الراسبي، زرع شراً عظيماً، وهو من الجبرية الخالصة ظهرت بدعته بترمذ، وقتله سالم بر أحوز المارني بمرو، في آخر ملك في أمية، وافق المعتزلة في نفي الصفات الأزلية، وراد عليهم بأشياء انظر (الفرق بين الفرق ص211، والملل والنحل 1/109)
[82] فرقة من غلاة الشيعة يستحلون أموال المسلمين ودماءهم وهم أتباع أبي سعيد الحسر بن حهرام الجنابي، وظهرت هذه الفرقة في جمادى الآخرة من سنة ست وثمانين ومائتين وتوالى شرها على المسلمين. انظر (البداية والنهاية 11/ 81) وما بعدها.
[83] الآية (73) من المائدة.
[84] الآية (75) من الواقعة.
[85] الآية (6) من الرحمن.
[86] الآية (6) من الصافات.
[87] الآية (12) من فصلت.
[88] الآية (5) من الملك.
[89] الآية (16) من الحجر.
[90] الآية (5) من الملك.
[91] الآية (35) من الرحمن
[92] جزء من الآية (9) من الجن.
[93] الآية (97) مر الأنعام.
[94] الآية (16) ص الحل.
[95] الصحيح مع الفتح (6 / هـ 29) .
[96] الآية (74) من النحل.
[97] الآية (11) من الشورى.
[98] الآية (180) من الأعراف.
[99] 1بن كثير 2/269.
[100] الآية (36) من النساء.
[101] الآية (37) من النحل.
[102] الآية (18) من يونس.
[103] الآية (48) من النساء.
[104] الآية (29) من الأعراف.
[105] الآية (5) مر البينة.
[106] انظر (صحيح مسلم 1/94)
[107] انظر (صحيح البخاري مع الفتح 11/ 0 36- ا 36) وقد اختصره في أكثر من موضع(32/431)
[108] انظر (المصدر السابق 8/ 176) .
[109] صحيح مسلم 94/1.
[110] أبو عبد الرحمن، ثقة، مات سنة تسعين ومائتين.
[111] رابع الأئمة، أحمد بن حنبل، ثقة، فقيه حجة، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين.
[112] ابن مسلم، الباهلي، ثقة، كان إذا شك في حرف من الحديث تركه.
[113] ابن يحي، العوذي، ثقة ربما وهم، مات سنة خمس وستين ومائة، أو ما قبلها.
[114] صدوق يخطئ، روى عن الصحابي عائذ بن عمرو مزني، ولم ي دركه.
[115] صدوق كثير الِإرسال والأوهام- لم يدرك عمرو بن معدي كرب- مات سنة اثنتي عشرة ومائة، وعمرو في عهد عثمان.
[116] سقط اسم عمرو من المسند وتصحيحه من الدارميِ 2/ 322، وهو الزبيدي، الفارس المشهور، قدم على رسول الله صلى في وفد زبيد، فأسلم. انظر ترجمته (في الِإصابة مع الاستيعاب (7/ 144) .
[117] مصدر قارب، أي بما يقارب ملأها. (النهاية 4/34)
[118] بالفتح: هو السحاب، الواحدة عنانة (النهاية 3/313) .
[119] المسند 172/5 وأخرجه الدارمي بسنده من طريق شهر ني (الدارمي 2/ 322) وهو منقطع بين شهر وعمر ولكنه يتأيد بما أسلفنا الآيات من كتاب الله العزيز ولا مطلب للصحة بعده.
[120] الآية (53) من الزمر
[121] الآية (135) من آل عمران.
[122] الآية (48) من النساء.
[123] الآية (21) من الأحزاب.
[124] الآية (108) من يوسف.
[125] انظر تيسير العزيز الحميد 43- هـ 4.(32/432)
أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر
الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
الجامعة الإسلامية المدينة المنورة
الوصية الثانية
قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [1] .
المناسبة:
لعل المتأمل في الآيات الكريمة يظهر له أن أعظم الحقوق على الإنسان حق الله عز وجل، ويتمثل في عبادته وحده لا شريك له، وتنفيذ شرعه المبلغ على لسَان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهذا لاشك أنه أمر جلي وواضح، فأعظم النعم نعمة العبودية لله وحده لا شريك له، والله عز وجل هو المؤثر الحقيقي في وجود هذا الإنسان واصطفائه وتكريمه على سائر المخلوقات. ويتلو حق الله ونعمته في العظمة حق الوالَدين فقد جعلها الله سبباً لوجود الولد، وإذا كان الله عز وجل أنعم على العبد ورباه بجميع نعمه فقد سخر الوالدين لخدمته وتربيته ورعايته، ولهما من فضل الشفقة والحفظ من الضياع والهلاك فِي وقت الصغر مالا يقدر قدره إلا الله عز وجل لذلك ثنى الله عز وجل بهذا التكليف تكريماً للوالدين، وتنويهاً بأن حقهما أعظم الحقوق بعد حق الله عز وجل [2] ، ولذلك قرن شكره تعالى بشكرهما قال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [3]
البحث اللغوي:
أ- في النحو: قوله: (إحسانا) نصب على المصدرية، وناصبه فعل مضمر من لفظه تقديره: وأحسنوا إحسانا.
ب- في المفردات: إحساناً: من أحسن وهو أعم أعمال الخير، قال الراغب رحمه الله: الإحسان فوق العدل، وذلك أن العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ماله، والإحسان أن يعطَي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له.
الإيضاح(32/433)
قال تعالِى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} المعنى أن مما وصىّ الله به عباده الإحسان إلى الوالدين إحساناً تاماً، لا يدخرون فيه وسعاً، والأمر بالإحسان إلى الوالدين جاء في أكثر من آية منها قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [4] الآية وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [5] الآية وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [6] الآية وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} [7] الآية. ولا ريب أن هذا التوكيد المستمر يدل على أن الإحسان إلَى الوالدين من أوجب الواجبات في الشريعة الإسلامية وهل جزاء الإحسان الإحسان، وهو يستلزم ترك الإساءة وإن قلت وتضاءلت، فيكون النهي عن العقوق لازمَاً بالأولى، فإنه من المحرم ومن أكبر الكبائر عند الله عز وجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبر بأكبر الكبائر؟ "قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" [8] لذا أكد الكتاب والسنة على الإِحسان إلى الوالدين. قال العلماء: إن (أحسن) يتعدى (بالباء، وبإلي) فيقال: أحسن به، وأحسن إليه، والأول أبلغ ولذلك قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} ولم يقل وأحسن إلى الوالدين، فالإحسان بالوالدين وذي القربى أليق، لأن من أحسنت به هو من يتصل به برك وحسن معاملتَك ويلتصق به مباشرة على مقربة منك وعدم انفصال عنك.
أما من أحسنت إليه، فهو الذي تسدي إليه برك، ولو على بعد أو بالواسطة، إذ هو شيء يساق إليه سوقاً، وقالوا: إن هذه التعدية لم ترد إلا في تعبيرين في مقامين:(32/434)
1 - التعبير بالفعل حكاية عن يوسف عليه السلام وهو قوله لأبيه وإخوته: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [9] .
2- التعبير بالمصدر المفيد للتوكيد والمبالغة في مقام الإِحسان بالوالدين جاء ذلك في أربع سور البقرة والنساء وقد عطف فيهما ذوى القربى على الوالدين بالتبع قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى} [10] الآية وفي النساء قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى} [11] الآية. وفي الأنعام التي نحن بصدد الكلام عنها، وفي الأحقاف [12] هذا لبيان اهتمام الكتاب العزيز بشأن الوالدين وإلا لولم يرد فيه إلا قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} دون توكيد لكفى في الدلالة على عظم عناية الشرع بأمر الوالدين بما تدلى عليه الصيغة والتعدية، فكيف وقد قرنه بعبادته، وجعله ثانيهما في الوصايا، وأكده في سورة الإسراء [13] ، كما قرن شكرهما بشكره في سورة لقمان [14] والأمر بالإحسان إلى الوالدين عام يشمل الأبوين المسلمين، والكافرين إلا إن أمرا بمعصية فلا طاعة لهما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [15] الآية. وقال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [16] الآية. فالآيتان ظاهرتان في عدم طاعة الوالدين في معصية الله وهما آمرتان ببر الوالدين ولو كانا كافرين، يوضح هذا سبب نزول الآيات قال الواحدي [17](32/435)
رحمه الله تعالى: قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وذاك أنه لما أسلم قالت له أمه حمنة: "يا سعد بلغن أنك صبوت، فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح [18] والريح، ولا آكل ولا أشرب، حتى تكفر بمحمد، وترجع إلى ما كنت عليه". وكان أحب ولدها إليها، فأبى سعد رضي الله عنه، وصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب، ولم تستظل بظل، حتى خشي عليها، فأتى سعد النبي صلى الله عليه وسلم وشكا ذلك إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف [19] ، وساق الواحدي رحمه الله القصة بسنده [20] من طريق أبي يعلى [21] قال حدثنا أبو خيثمة. وهو زهير بن حرب شيخ الإمام مسلم الذي أخرج القصة أيضا عنه بسنده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية في ... القصة [22] . وجاء في رواية أن سعدا رضي الله عنه قال لأمه: "لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء، قال فمكثت يوماً وليلة لا تأكل، فأصبحت وقد اشتد جهدها، قال فلما رأيت ذلك قلت: تعلمي والله يا أمه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً، ما تركت ديني هذا لشيء، إن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت" [23] .(32/436)
هذه القصة الثابتة في سبب نزول الآية تؤكد أن طاعة الوالدين الكافرين واجبة في المعروف قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن ذكر سبب النزول: "اقتضت الآية الوصية بالوالدين، والأمر بطاعتهما، ولو كانا كافرين، إلا إذا أمرا بالشرك- أو بمعصية- فتجب معصيتهما في ذلك، ففي الآية بيان ما أجمل في غيرها" [24] ، وقد جاء في كتاب الله عز وجل ما قد يفهم منه معارضة لقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} لاسيما إذا كان الوالدان كافرين، وذلك قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [25] الآية فالنص على الآباء في الآية مشعر بوجوب عدم الموادة للأبوين الكافرين، قال الشيخ محمد الأمين رحمه الله جواباً عن هذا الأمر: "الذي يظهر لي والله تعالى أعلم: أنه لا معارضة بين الآيتين، ووجه الجمع بينهما أن المصاحبة بالمعروف أعم من الموادة، لأن الإنسان يمكنه إسداء المعروف لمن يوده ومن لا يوده، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن الأعم، فكأن الله حذر من الوادة المشعرة بالمحبة والموالاة بالباطن لجميع الكفار، يدخل في ذلك الآباء وغيرهم، وأمر الإنسان بأن لا يفعل لوالديه إلا المعروف، وفعل المعروف لا يستلزم المودة، لأن المودة من أَفعال القلوب، لا من أفعال أن الجوارح، ومما يدل لذلك إذنه صلى الله عليه وسلم لأسماء أن تصل أمها وهي كافرة [26] ، وقال بعض العلماء: إن قصتها سبب لنزول قوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} " [27] الآية.(32/437)
انتهى كلامه رحمه الله [28] . وهو كلام جيد يزول به ما قد يعكر فهم البعض.. وأقول: من العلماء الذين أشار إليهم رحمه الله، الواحدي فإنه أخرج بسنده [29] من طريق أبي يعلى- أنه قال- حدثنا إبراهيم بن الحجاج [30] ، حدثنا عبد الله بن المبارك [31] ، عن مصعب بن ثابت [32] ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير [33] ، عن أبيه [34] قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر [35] بهدايا، ضباب، وسمن، وأقط، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الآية. فأدخلتها منزلها، وقبلت هداياها [36] . وإذا كانت لكتاب الله عز وجل عناية بالوالدين فإن السنة المحمدية لم تغفل أمرهما، فقد كان نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يؤكد على طاعة الوالدين وبرهما، تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب، فمن الأول ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم، أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني " [37] . ويلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله الذي هو من أكبر الحقوق العامة على الإنسان لأن حق الوالدين حق خاص ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لرجل قال له: "أجاهد؟ قال: لك أبَوان؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد" [38] .(32/438)
ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه ويسب أمه" [39] . وما ذكر في الحديث فرد من أفراد العقوق، وإن كان التسبب في لعن الوالدين من الكبائر فالتصريح بلعنهما أشد. وقد فرقت السنة بين حق الأب والأم قال أبو هريرة رضي الله عنه: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من: قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك" [40] . نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال قوله: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر. قال: "وكأن ذلك لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [41] فسوى بينهما في الوصاية وخصَ الأم بالأمور الثلاثة".
قال القرطبي: "المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر، وتقدم في ذلك على حق الحب عند المزاحمة" [42] .
وقال عياض: "وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب، وقيل: يكون برهما سواء. ونقله بعضهم عن مالك. والصواب الأول" [43](32/439)
قال الحافظ ابن حجر: إلى الثاني ذهب بعض الشافعية- أي أنهما في البر سواء- لكن نقل الحارث المحاسبي الإجماع على تفضيل الأم في البر [44] ، وفيه نظر والمنقول عن مالك ليس صريحاً في ذلك، فقد ذكره ابن بطال قال: "سئل مالك، طلبني أبي فمنعتني أمي؟ قال: أطع أباك ولا تعص أمك". قال ابن بطال: هذا يدل على أنه يرى برهما سواء كذا قال، وليست الدلالة على ذلك بواضحة [45] . هذا جزء مما ذكره الحافظ في هذا الموضوع ومن يرغب في الاستيعاب فعليه بمراجعة المصدر وليعلم أن السنة تزخر بالحث على بر الوالدين، ليس في حياتهما فحسب بل بعد موتهما، قال أبو أسيد الساعدي رضي الله عنه: "بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقى من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما" [46] . وكما أن الكتاب العزيز ربط شكر الوالدين بشكر الله عز وجل، كما تقدم بيانه، كذلك السنة النبوية ربطت رضى الوالدين برضى الله عز وجل، وسخطهما بسخطه عز وجل قال الترمذي رحمه الله: حدثنا أبو حفص عمر بن عل [47] ، حدثنا خالد بن الحارث [48] ، حدثنا شعبة [49] ، عن يعلي بن عطاء [50] ، عن أبيه [51] ، عن عبد الله بن عمرو [52] ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رضى الرب من رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد" [53] . وقد أكثرت السنة من التنويه بشأن الوالدين وعظم حقهما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد ذلك في كل مناسبة. ولاشك أن من قصر في حق والديه لا يرجى منه خير للإسلام، ولا للمجتمع، ولا للأمة، جعلنا الله هداة مهتدين، ورزقنا بر الوالدين، والسير على نهج خير المرسلين.
الأحكام
يؤخذ مما تقدم:
1- وجوب طاعة الوالدين، وبرهما، وصيانتهما.(32/440)
2- تحريم عقوق الوالدين، والإساء إليهما.
3- أن حقهما أعظم الحقوق بعد حق الله عز وجل.
4- تحريم طاعتهما فيما حرم الله عز وجل.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الآية (83) من البقرة.
[2] أستفيد هذا التوجيه من الفخر الرازي رحمه الله 13/232.
[3] الآية (14) من لقمان.
[4] الآية (83) من البقرة.
[5] الآية (36) من النساء.
[6] الآية (23) من الإسراء.
[7] الآية (15) من الأحقاف.
[8] صحيح البخاري مع الفتح 11/66.
[9] الآية (100) من يوسف.
[10] الآية (83) من البقرة.
[11] الآية (36) من النساء.
[12] الآية (15) .
[13] الآية (23) .
[14] الآية (14) .
[15] الآية (8) من العنكبوت.
[16] الآية (15) من لقمان.
[17] أبو الحسن على بن أحمد الواحدي.
[18] الشمس.
[19] الآية (15) .
[20] أسباب النزول صر 356.
[21] مسند أبي يعلى 2/116
[22] صحيح مسلم 3/1367 , 4/1877
[23] أسباب النزول ص 356 ,357 وانظر ابن كثير 3/445 والفتح 10/400
24]] الفتح 10/401
[25] الآية (22) من المجادلة.
[26] أخرجه الإمام البخاري بسنده عن أسماء رضي الله عنها قالت:"قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة , أفأصل أمي؟ قال: نعم , صلى أمك" (صحيح مع الفتح 5/233)
[27] ألآية (8) من الممتحنة.
[28] مجلة الجامعة الإسلامية العدد الثاني السنة الرابعة شوال 1391 هـ ص 11-12 وله توجيه في كتابه دفع إيهام الاضطراب ص 292. وانظر كلام الحافظ (الفتح 5/233) .
[29] أسباب النزول ص 450(32/441)
[30] أبو إسحاق البصري ثقة، يهم قليلاً، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين أو بعدها.
[31] المروزي، ثقة ثبت فقيه، جمعت فيه خصال الخير، مات سنة إحدى وثمانين ومائة.
[32] ابن أخي عامر شيخه، لين الحديث، وكان عابدا، مات سنة سبع وخمسين ومائة.
[33] أبو الحارث المدني، ثقة عابد، مات سنة إحدى وعشرين ومائة.
[34] عبد الله بن الزبير بن العوام، أول مولود في الإسلام بالمدينة، ولي الخلافة تسع سنين وقتل في ذي الحجة رضي الله عنه.
[35] زوج الزبير بن العوام، وهي ذات النطاقين، من كبار الصحابة، عاشت مائة سنة.
[36] مسند أبي يعلي. أخرجه الواحدي بسنده من طريق أبي يعلى (الواحدي ص 488) ولم أجده في مسند أبي يعلي. وذكره صاحب مجمع الزوائد 7/126 ولم يعزه. وعزاه السيوطي في الدار المنثور الأبي يعلى.
[37] صحيح البخاريَ مع الفتح 10/ 400.
[38] أخرجه االإمام البخاري بسنده من حديث عبد الله بن عمرو (الصحيح مع الفتح10/403) .
[39] أخرجه الِإَمام البخاري بسنده من حديث عبد الله بن عمرو أيضا (المصدر نفسه) .
[40] أخرجه الِإمام البخاري بسنده من حديث أبي هريرة (الصحيح مع الفتح 10/ 401) .
[41] الآية (14) من لقمان.
[42] نقل هذا عنه الحافظ في الفتح 10/ 401.
[43] المصدر السابق.
[44] أرى والله أعلم أنه يدل على عظم حق الأم في البر لا على التفضل فالأصل برهما جميعا، ولما كانت الأم أحوج لضعف المرأة أكد برها.
[45] الفتح 2/402.
[46] أخرجه أبو داود (5/352) وفي سنده علي بن عبيد مولى أبا أسيد مقبول.وأخرجه ابن ماجة عن شيخه علي بن محمد بسند أبي داود (ابن ماجه 2/1208)
[47] ابن مقدم ,وصف بالتدليس الشديد , انظر إتحاف ذوي الرسوخ ص 41 , مات سنة تسعين ومائة.
[48] أبو عثمان , الهجيمي , ثقة ثبت , مات سنة ست وثمانين ومائة.(32/442)
[49] ابن الحجاج , أمير المؤمنين في الحديث , مات في حدود أربعين ومائة.
[50] العامري , ثقة , مات في سنة عشرين ومائة أو بعدها.
[51] عطاء , العامري ,الطائفي مقبول.
[52] ابن العاص رضي الله عنهما , أحد المكثرين ,وأحد الفقهاء , مات بالطائف.
[53] الجامع 4/310 وقد وقع خطاء (شعبة بن يعلى) والصواب ما أثبته انظر (التحفة 6/25) وأخرجه الحاكم من طريق أخرى عن شعبة 4 / 151.(32/443)
أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر
الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
الجامعة الإسلامية المدينة المنورة
الوصية الثالثة
قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} .
المناسبة:
لعل المناسبة واضحة من السياق وأن الله عز وجل لما قرر في كتابه العزيز واجب الابن تجاه الوالدين أردف عز وجل بالوصية بالأبناء وبيان ما لهم من الحقوق كما أوضح ما عليهم من الواجبات، وهذا تحقيق للموازنة بين الحقوق والواجبات.
البحث اللغوي:
المفردات: الإملاق. فسرت هذه الكلمة بمعان عدة.
1 - أن المراد بالإملاق الفقر. قاله ابن عباس [1] .
2- الإنفاق. وقد سألت امرأة ابن عباس، "أأنفق من مالي ما شئت؟ "قال: "نعم أملقي من مالك ما شئت" [2] . وذكر ابن عطية أن هذا ذكر عن علي رضي الله عنه [3] .
3- الإفساد [4] .
4- وقيل الجوع بلغة لخم. وقيل الإسراف. وفعل أملق يكون قاصراً ومتعدياً،
يقال: أملق الرجل فهو مملق، إذا افتقر. فهذا اللازم، وأملق الدهر ما عنده. وهذا المتعدي [5] .
للإيضاح
قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} الآية. أوصى الرب عز وجل عباده بعدم الإقدام على قتل الأولاد، ذكوراً كانوا أم إناثاً، لأن لفظ الولد يشمل الذكر والأنثى على حد سَواء، وقد كان قتل الأولاد من أعمال الجاهلية ولاسيما البنات فحرم الله ذلك لأي سبب كان قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [6] فالجاهليون كانوا يفعلون ذلك لأسباب عدة منها:(32/444)
أ- الفقر الواقع والحالّ بالوالدين. فقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} يفيد هذا المعنى أي من أجل فقر حالّ بكم، ولذلك قدم رزق الوالدين على الأولاد، لأنهم تابعون لآبائهم في الرزق الحالّ [7] .
2- الفقر المتوقع مستقبلاً يؤيد هذا الفهم قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [8] وهنا قدم رزق الأولاد على الآباء لتعلق رزقهم بالمستقبل وكثيراًَ ما يكون الآباء عاجزين عن الكسب، يحتاجون إلى أن ينفق عليهم فقدم رزق الأولاد في مقام الخوف والخشية من عدم الكسب وقلة الرزق [9] .
3- الخوف من العار، وهذا خاص بالبنات. فقد كانوا يئدون البنات حماية للشرف، وبعداً عن السُّبة، لكنها وسيلة قاسية وظالمة، والغاية في الإسلام لا تبرز الوسيلة.
4- التدين، فقد ينحر الجاهلي ولده تقرباً إلى الآلهة. وقد يستدل له بأن عبد المطلب نذر حين لقي من قريش ما لقي لئن ولد له عشرة أولاد لينحرن أحدهم، لكن ذكر ابن هشام أمرين يدفعان نهوض الاستدلال:
1- أن ابن هشام رحمه الله قال: فيما زعموا والله أعلم. هذه إشارة إلى عدم ثبوت القصة من وجه يعتمد عليه.(32/445)
2- إن النذر كان لله ولم يكن للآلهة كما ورد في القصة [10] . وسواء ثبتت هذه الأسباب أولم تثبت فقد حرم الله عز وجل قتل الأولاد، في كتابه العزيز، وأكدت السنة النبوية المطهرة ذلك التحريم، وحذرت من ذلك العمل الجاهلي أشد التحذير، وقد شرط الله عز وجل في بيعة النساء عدم قتل الأولاد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} [11] الآية ومما جاء في السنة الحديث المتفق عليه واللفظ للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سألت أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الذنب عند الله أكبر؟ قال أن تجعل لله نداً وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" الحديث [12] وفي آخره، قال: ونزلت هذه الآية {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [13] تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن فيما ذكرنا غنية لطالب الحق المستفيد، وفيه عون بإذن الله للباحث المستزيد.
من الأحكام
ا - الوصية تدل على تحريم قتل الأولاد.
2- يفهم منها وجوب الاعتماد على الله عز وجل في طلب الرزق.
3- قال القرطبي رحمه الله: وقد يستدل بهذا من يمنع العزل، لأن الوأد يرفع الموجود، والنسل، والعزل: منع أصل النسل، فتشابها، إلا أن قتل النفوس أعظم وزرا، وأقبح فعلاً، ولذلك قال بعض علمائنا: إنه يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الوأد الخفي" [14] الكراهية لا التحريم [15] والعزل: هو أن يفرغ الرجل ماءه خارج الرحم [16] . وقد اختلف العلماء في حكم العزل [17] .(32/446)
1- الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله يقولون بجواز العزل عن الحرة بإذنها، ويعزل عن الأمة بغير إذنها. واستدلوا على ذلك بحديث أبي سعيد الخدريَ وحديث جابر رضي الله عنهما وما في معناهما [18] .
2- الإمام الشافعي رحمه الله ذهب إلى جواز العزل مطلقا، وبدون إذن.
3- ذهب ابن حزم إلى تحريم العزل مطلقاً مستدلاً بحديث جذامة بنت وهب عند مسلم [19] .
والراجح الجمع بين هذه الأقوال. يحمل المنع على كراهة التنزيه، والجواز على عدم التحريم ولا يعني الجواز عدم وجود الكراهة [20] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر الفتوحات 2/108، وفي الصحاح. الِإملاَق: الافتقار (2/ 512) وانظر اللسان 10/348.
[2] اللسان 10/348.
[3] ابن عطية 6/ 179.
[4] اللسان 10/348.
[5] انظر اللسان 10/348، والفتوحات 2/108.
[6] الآيتان (8، 9) من التكوير.
[7] المعلومات مستفادة من (الروح 8/ 47، والمنار 8/ 124) .
[8] الآية (31) من الِإسراء.
[9] المنار 8/ 124.
[10] ابن هشام 1/98.
[11] الآية (12) من الممتحنة.
[12] الصحيح مع الفتح 8/492.
[13] الآية (68) من الفرقان.
[14] صحيح مسلم 2/1067
[15] القرطبي 7/132
[16] انظر تعريفه عند النووي (في الشرح 3/612) وانظر (الفتح 9/305)
[17] انظر التفصيل (الفتح 9/305-310)
[18] انظر (الصحيح مع الفتح 9/305)
[19] صحيح مسلم 2/1067(32/447)
[20] انظر (الفتح 9/305-310 وشرح النووي 3/612) وقد كان عثمان رضي الله عنه يكره لما فيه من إقلال النسل. (المحلى 10/7) وقد اختلف النقل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (المصدر السابق) وانظر (مصنف عبد الرزاق 7/144 , وسنن سعيد بن منصور 3/2/105 , البيهقي 7/231 ,والمغني 7/23, ومصنف ابن أبي شيبة 2/220-223 , ونيل الأوطار 6/210-222) .(32/448)
أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر
الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
الجامعة الإسلامية المدينة المنورة
الوصية الرابعة
قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن} َ.
المناسبة:
إن المتأمل للوصايا الثلاث الأول يجد فيها عناية وتأكيداً على الطهارة المعنوية، ففي الوصية الأولى أوصى الله عز وجل بطهارة القلب من عبادة غيره، ومن كل شائبة تعكر صفو العقيدة مهما قل شأنها، وفي الوصية الثانية أوصى بطهارة الجوارح من الإساءة إلى الوالدين، وأمر بكبح كل جارحة بالإحسان الزائد على العدل، وفي الوصية الثالثَة أمر بطهارة الجوارح أيضا من صفة ذميمة، مارسها الجاهليون، فأكد الشرع على تحريمها، وأعلن قبحها، فالطهارة الأولى فيها حماية للفرد، والثانية والثالثة فيهما حماية للأسرة، وجاءت الوصية الرابعة شاملة لحماية الفرد والأسرة والمجتمع، فالطهارة المعنوية قاعدة يقوم عليها صلاح الفرد والأسرة والمجتمع ومرتكزها إفراد الله عز وجل بالعبادة.
البحث اللغوي:
أ- النحو: (ما ظهر) منصوب على البدل من الفواحش.
(ما بطن) عطف عليه.
ب- المفردات: الفواحش: جمع فاحشة. وكل شيء جاوز حده فهو فاحش [1] . والفحشاء والفاحشة، ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال [2] . والفاحشة، الزنا. وكل ما يشتد قبحه من الذنوب وكل ما نهى الله عز وجل عنه [3] .
وقد جاء في معنى الفواحش في هذه الآية خمسة أقوال:
1- أن ما ظهر: هو نكاح المحرمات والخمر، وما بطن الزنا. قاله سعيد بن جبير ومجاهد.
2- وقال الضحاك: ما ظهر الخمر، وما بطن الزنا.
3- وقال ابن عباس والحسن والسدي: إن الفواحش الزنا، وما ظهر منه الإعلان به، وما بطن الإستسرار به.(32/449)
4- قال قتادة إنه عام في الفواحش، وظاهرها علانيتها، وباطنها سرها [4] .
5- ذكر الماوردي في تفسير هذه الآية أن ما ظهر، أفعال الجوارح، وما بطن اعتقاد القلوب [5] . والأولى حمل الآية على العموم في هذا، وأنها كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [6] ولا فرق بين الآثام الظاهرة والباطنة لذلك قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} [7] . أي سواء كان ظاهراً أو باطناًَ، فالجزاء واقع لا محالة، مَا لم تقع التوبة، أو يحظ العبد بعفو ربه وكرمه [8] اللهم ارحمنا ووفقنا لصالح الأعمال، وقنا سيئها، ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته.
الإيضاح
قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} .
إن المتأمل لهذا النهي يجد أنه وقع بين نهين:
النهي الأول: قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} .
والنهي الثاني: قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} وهو نهي عن القتل مطلقاً. وقد حاول بعض المفسرين أن يجد علة لذلك، لأننا إذا اعتبرنا المراد بالفواحش الزنا، فإنها بهذا المعنى جناية عظيمة وهي جناية على النسل، وقتل جميع الحقوق المرتبة عليه، فكأن ذلك في حكم قتل الأولاد، وأولاد الزنا في حكم الأموات لاسيما في الحقوق المتعلقة بالنسل، وإذا كان قول النبي صلى الله عليه وسلم في العزل: "ذلك الوأد الخفي" منفراً عن هذه الصفة فلا ريب أن عقوبة الزاني ربما تكون مضاعفة بهذا الاعتبار والله أعلم. وهذا المعنى تلمسه بعض المفسرين [9] .(32/450)
أما إذا اعتبرنا العموم وهو ما نراه في هذا الموضوع فلا تظهر علة للتوسط المذكور وإنما هي محرمات أوصى الله عباده باجتنابها، وإذا كانت الفواحش ما عظم قبحه من الأقوال والأعمال. ولاشك أن تجاوز ما حرم الله من الفواحش وأعظمها الشرك بالله. والخطر كامن في تجاوز الحدود وانتهاك الحرمات أعاذنا الله من ذلك. ولعل التحذير من الاقتراب من الفواحش مبالغة في الزجر عنها لقوة الدواعي إليها، ومعلوم أن الاقتراب من الشهوة المحرمة يدعوا إلى اقترافها ومباشرة ما نهى الله عنه، وكم من إنسان ضعفت نفسه أمام شهوته، وحام حول الحمى فوقع فيه.(32/451)
ومعنى الآية الكريمة: أن ما وصى الله به عباده عدم الاقتراب من الأعمال المؤدية إلى ما حرم الله والابتعاد عن الخصال السيئة التي منها الزنا، واللواط، وقذف المحصنات، ونكاح أزواج الآباء، وكل ما سماه الله عز وجل فاحشة، وجب الابتعاد عنه، فهو مما ثبتت شدة قبحه شرعاً وعقلاً، وقد كان الجاهليون يستقبحون الزنا، ويعدونه أكبر العار، ولاسيما إذا وقع من الحراير [10] ، وكان وقوعه منهن نادرا، وإذا كان الأمر كذلك، فمن شرفهم الله عز وجل بالشرع المحمدي أولى بالعفة والنزاهة، بيد أن ذلك لم يحدث في الجاهلية علناً إلا في الإماء والجواري، فقد كانت المجاهرة منهن، في حوانيت ومواخير تمتاز بأعلام حمر، فيختلف إليَها الأرذلون منهم، أما الأشراف فلا يعلنون ذلك وقد يتخذون الأخدان سراً، قال الإمام الطبري رحمه الله: حدثني المثنى [11] قال: ثنا عبد الله بن صالح [12] ، ثنى معاوية [13] ، عن على بن أبي طلحة [14] ، عن ابن عباسِ قوله: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} قال: "كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساًَ في السر، ويستقبحونه في العلانية، فحرم الله الزنا في السر والعلانية" [15] . قوله تعالى: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} يفهم من هذا القول الكريم أن العبد لابد أن يراقب الله عز وجل ويحذر المحرمات في جميع أحواله وهذا معنى التقوى في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك" الحديث [16] وأصرح من هذا ما أخرجه الدارمي حيث قال: حدثنا أبو نعيم [17] ، ثنا سفيان [18] ، عن حبيب بن أبي ثابت [19] ، عن ميمون بن أبي شبيب [20] ، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيث ما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" [21] . وهذه الأحاديث وما في معناها مع الآية الكريمة تؤكد ارتباط النفس بمراقبة(32/452)
الله عز وجل واستصحاب التقوى في السر والعلانية وهي الصفة المنجية كما أخبر بذلك أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث منجيات خشية الله في السر والعلانية" الحديث [22] . ويكمن الخطر في حالة انفصال المراقبة عن النفس في وقت ما، فمثلاً إذا احترز الإنسان عن المعصية في الظاهر، ولم يحترز عنها في الباطن، علم أن الاحتراز في الظاهر ليس لأجل الله عز وجل، فليست فيه طاعة ولا عبودية لله، وإنما كان الاحتراز خوفاً من مذمّة الناس وذلك باطل، لأن من كانت مذمة الناس عنده أعظم وقعاً على نفسه من عقاب الله عز وجل فإنه يخشى عليه من الكفر، وأي حظر أعظم من أن يعرض الإنسان نفسه لهذا الذنب العظيم، وأي نقمة أشد من سخط الله، نعوذ بالله من التهلكة ونعوذ بالله من سخطه ونقمته.
أما من ترك المعصية ظاهراً وباطناً، فذلك دليل على أنه إنما تركها تعظيماً لحدود الله أن ينتهكها، وتنفيذاً لأمر الله عز وجل بالاجتناب في كل حال، وتحقيقًا لعبوديته لله عز وجل. وخوفًا من عقابه [23] . ولئن كان كتاب الله عز وجل حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن فكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الإمام البخاري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش" الحديث [24] . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ويكفي ورود هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أصحِ الكتب بعد كتاب الله. فحق على كل مسلم بالغ عاقل رشيد أن يجتنب ما حرم الله ظاهراً وباطناً، ويعلم أنه سيقف بين يدي الله عز وجل ويسأل عن هذه الوصية.
الأحكام
من الأحكام المستفادة من هذه الوصية:
1- وجوب الابتعاد عما حرم الله ظاهرا وباطنا.
2- مراقبة الله عز وجل في كل حال خير معين على اجتناب المحرمات.(32/453)
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الصحاح 2/ 225، وانظر اللسان 6/ 325.
[2] الراغب ص 374.
[3] ترتيب القاموس 3/ 425.
[4] الزاد 3/ 148.
[5] الماوردي 1/576.
[6] الآية (23) من الأعراف.
[7] الآية (120) من الأنعام.
[8] وممن ذهب إلى القول بالعموم الطبري 8/ 61 والرازي 13/233.
[9] انظر (الإرشاد 3/ 199) .
[10] ولذلك أنكرت هند بنت عتبة أن تزني في الحرة حين طلب منها المبايعة على غرار ما جاء في آية الأحزاب (ابن كثير4/354) .
[11] المثنى بن إبراهيم الآملي. صرح باسمه كاملاً في الأثر رقم 594 (1/437 النسخة المحققة) ولم أقف عليه مترجما.
[12] كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين.
[13] الحضرمي، قاضي الأندلس، صدوق له أوهام، مات سنة ثمان وخمسين ومائة.
[14] مولى بن العباس. أرسل عن ابن عباس ولم يره، صدوق يخطئ، وهو من رجال مسلم. مات في سنة ثلاث وأربعين ومائة وانظر (ابن معين ص هـ 8) والمصادر التي أحيل عليها.
[15] الطبري 8/ 61 وأخرجه بسنده موقوفاً على الضحاك، ومن طريق أخرى موقوفاً على قتادة.
[16] أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح 4/667، وفي السند ابن لهيعة وليس بقادح لأنه مقرون بالليث بن سعد، وروى عنهما عبد الله بن المبارك. وأخرجه أحمد من طريق ليث وحده (المسند 1/293) .
[17] الفضل بن دكين، من كبار شيوخ البخاري، ثقة ثبت.
[18] الثوري، الحجة، الفقيه، قال البخاري: ما أقل تدليسه. انظر (التبيين ص 27) .
[19] ثقة، فقيه جليل، وصف بكثرة التدليل والإرسال. (المصدر السابق) .
[20] الربعي، صدوق، كثير الإرسال، مات سنة ثلاث وثمانين.
[21] الدارمي 2/231 وانظر المصادر التي أحيل عليها في التعليق.(32/454)
[22] ذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير 3/64.
[23] انظر الرازي 13/233
[24] الصحيح مع الفتح 13/383، وانظر (صحيح مسلم 4/2113) .(32/455)
أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر
الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
الجامعة الإسلامية المدينة المنورة
الوصية الخامسة
قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} .
المناسبة:
قد يتلمس الباحث ما يربط به بين المعاني أو الأوامر أو النواهي، وقد يكون ما يصل إليه أمراً واضحاً يتأيد بالأسلوب والمقام، وقد يكون فيه تكلف وبعد. ولعل الناظر في هذه الوصايا الكريمة يجد أن الله عز وجل حرم قتل القلوب بعبادة غير الله عز وجل، أيَّ نوع كان من أنواع العبادة، وصان بعد ذلك الوالدين وحماهما من جهل الجهلاء، وحماقة السفهاء، فالإساءة إليهما أو إلى أحدهما قتل للراوبط الأسرية، وقضاء على الإحسان الذي أمر الله به، ثم أحكم علاقة الأباء بالأبناء، ورسم حدوداً لا يجوز لأي من الأبوين تجاوزها، وصرح عز وجل بتحريم قتل الأولاد، لأن قتلهم قتل للمجتمعات، وقضاء على تتابع الأجيال، ويدخل في هذا الفساد ارتكاب الزنا فهو يقتل المجتمعات حساً ومعنى. وتلا ذلك النهي عن قتل النفس عامة، وهذا العموم يوحي بتضمن ما سبق، فإن كل قتلٍ فردي إنما يقع على جنس النفس في عمومه، يؤيد هذا الفهم قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ... } [1] الآي ة. فالاعتداء إنما يقع على حق الحياة ذاتها، وعلى النفوس البشرية في عمومها، والآية الكريمة دليل على أن الله عز وجل كفل حرمة النفس ابتداء [2] .
البحث اللغوي:(32/456)
أ- في النحو: قوله: (إلا بالحق) استثناء مفرع ولعله من أحد ثلاثة أمور:
1- من أعم الأحوال، أي لا تقتلوها في حال من الأحوال، إلا حال ملابستكم الحق، الذي هو أمر الشرع بقتلها.
2- أومن أعم الأسباب، أي لا تقتلوها بسبب منِ الأسباب إلا بسبب الحق.
3- أومن أعم المصادر، أي لا تقتلوها قتلاً إلا قتلاًَ كائناً بالحق.
وقد رجح في الفتوحات أن قوله: {إِلا بِالْحَقِّ} مفعول مطلق، أي إلا القتل المتلبس بالحق [3] .
قوله: {ذَلِكُمْ} إشارة إلى الوصايا المتقدمة. والكاف والميم: للخطاب، ولا حظّ لهما من الإعراب.
قوله: {النَّفْسَ} أي جنس نفس الإنسان، فالألف واللام لتعريف الجنس، كقولهم:
أهلك الناس حب الدرهم والدنيا. والله عز وجل يقول: {إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} [4] فالمراد الجنس.
الضمير في قوله: {وَصَّاكُمْ} محله النصب، لأنه ضمير موضوع لمخاطبة الجمع.
وفى وصى ضمير تقديره: هو، فاعل يعود على لفظ الجلالة أي: وصىّ الله تعالى عباده بذلك.
ب- المفردات:
الحق: واحد الحقوق، هو ضد الباطل [5] .
تعقلون: من العقل، والمراد في الآية العلم [6] الذي يستفيده الإنسان من التأمل في هذه الوصايا.
الإيضاح
إن المتأمل للآية الكريمة يجد أن قتل النفس المحرمة من جملة الفواحش، وقد أفرده رب العزة فهو من باب ذكر الخاص بعد العام، وقد أجاب العلماء رحمهم الله عن هذا منهم الإمام الرازي رحمه الله قال: اعلم أن هذا داخل في جملة الفواحش، إلا أنه أفرده تعالى بالذكر، لفائدتين:
1- أن الإفراد بالذكر يدل على التعظيم، والتفخيم كقوله تعالى: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [7] .(32/457)
2- أن الفواحش لا يستثنى منها فلا يقال: لا تقربوا الفواحش إلا بالحق. وهو وارد في القتل فجاء إفراده لفرض الاستثناء أيضا [8] وإذا تدبر الإنسان كتاب الله عز وجل يجد بكثرة ورود النهي عن هذه المنكرات الثلاث متتابعاً، النهي عن الشرك، والنهي عن الزنا، والنهي عن قتل النفس ولعل في هذا توجيهاً للأنظار إلى أن هذه الأمور الثلاثة تشترك في صفة القتل، فإذا نظرنا إلى جريمة الشرك نجد أنها قتل للقلوب وإماتة للفطرة التي فطر الله الناس عليها. فالقلوب التي لا تعيش على التوحيد قلوب ميتة، قد قضي على ما فيها من فطرة يؤيد هذا الفهم قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [9] الآية. فليس المراد موت الأجساد بخروج الأرواح منها، بل المراد موت القلوب بخلوها من نور الحق، وبرهان الشرع، والشرع لا يقوم إلا على اعتقاد سليم وبرهان قويم. وجريمة الزنا قتل للجماعة حساً ومعنىً، فالجماعة التي تشيع فيها الفاحش جماعة ميتة معنوياً من حيث عدم وجود الغيرة التي من أعظم الأسباب في حماية المجتمع من هذا الوباء القاتل ولذلك وصف بها النبي ربه عز وجل فقال: "ما من أحد أغير من الله عز وجل" [10] فإذا قتلت الغيرة في الجماعة استشرى الخطر، وعم البلاء، أما قتلها حساً فإن مصيرها إلى الفناء والدمار لا محالة لاندفاعها خلف هذه الشهوة المحرمة حتى بلغت مستوى الدواب بل هم أضل سبيلا. وقد جاء في بلاغات الإمام مالك عن ابن عباس أنه قال: "… ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم المَوت ... " [11] قال ابن عبد البر: "قد رويناه متصلاً عنه، ومثله لا يقال بالرأي" [12] . ويؤيد قوله هذا أن ابن ماجة قال: حدثنا محمود بن خالد الدمشقي [13] ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب [14] ، عن ابن أبي مالك [15] عن أبيه [16](32/458)
عن عطاء بن أبي رباح [17] ، عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع، التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ... " [18] الحد يث. وله شاهد من حديث ميمونة أخرجه الإمام أحمد رحمه الله [19] . وفي نظري أن هذا الخبر لا يقل عن درجة الحسن لغيره وأنه كما قال ابن عبد البر رحمه الله: "مثله لا يقال بالرأي"، والواقع يؤيده بعد مضي أكثر من ألف وأربعمائة سنة، يظهر الوباء الذي لم يعهد من قبل، ويهدد العالم الذي فشا فيه الزنا ولا ريب أنه الموت الذي ذكره ابن عباس وهوا لطاعون الذي ذكره ابن عمر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو العقاب الذي ذكره الإمام أحمد من حديث ميمونة رضي الله عنها، وهو (الإيدز) [20] كما يسميه عالم الحضارة اليوم، فهل آن الأوان لأبناء الإسلام أن يرجعوا إلى حمى الإسلام فيحتموا به من قتل القلوب والمجتمعات. وجاء النهي الثالث يحرم الاعتداء على جنس النفس البشرية يجعل قتلها بغير حق فاحشة عظيمة وكبيرة، يعاقب الله عليها بأشد العقاب، ولذلك أجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق اعتمادا على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل يخاطب عباده في هذه الوصية بأن لا تقتلوا النفس التي حرم قتلها بالإسلام، أو عقد الذمة، أو العهد، أو الاستئمان، فيدخل في عموم النفس كل أحد إلا الحربي، ففي هذه الوصية حرم قتل النفس عامة. وكذلك في قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} [21] . وأكد على النفس المؤمنة تكريماً لها وتنويها بشأنها(32/459)
وإلا فهي داخلة في العموم قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً} [22] الآية وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [23] . كما نصت السنة المطهرة على تحريم قتل المعاهد، تنويهاً بمبادئ الإسلام، وتربية لأمة الإسلام على حفظ العهود والمواثيق والعهد يشمل الأمرين السابقين، عقد الذمة، والاستَئمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما" [24] . وأخرج الترمذي بسنده من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا من قتل نفسا معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا". قال: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" [25] . وهذا غيض من فيض.
قوله: {إِلا بِالْحَقِّ} .
المراد به ما يبيح قتل النفس التي حرم الله قتلها شرعاً. ومنه المذكور في الأسباب الآتية:
1- النفس بالنفس قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [26] الآية وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [27] .
2- الوقوع في الزنا بعد الإحصان. وقد جاء في كتاب الله عز وجل مما بقي حكمه ونسخت تلاوته "الشيخ والشيخة فَأرجموهما البتة" [28] يعني إذا زنيا فذاك عقابهما وجاء في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم إمرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" [29] .(32/460)
3- المرتد عن الدين، التارك لجماعة المسلمين. كما ورد في الحديث آنفا.
4- المحاربون لشرع الله الذين يسعون بالفساد في الأرض. ومنهم قطاع الطرق، وما يسمون بالإرهابيين اليوم، والساطون على أعراض الناس، ودمائهم، وأموالهم. قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [30] الآية.
ثم إنه تعالى لما بين أحوال هذه الوصايا الخمس أتبع ذلك اللفظ الذي يقرب إلى القلوب القبول فقال: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} لما فيه من الشمول للأمر والنهي، ولما فيه من اللطف والرأفة، كل ذلك ليكون القلب أقرب إلى القبول، ثم أتبعه عز وجل بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ولعل هنا ليست على بابها، أي لكي تعقلوا فوائد هذه الوصايا في الدين والدنيا. ومن تأمل قوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} يجد أن استخدام اسم الإشارة للبعيد له دلالة تنبئ عن عظمة هذه الوصايا وبعد ما ترمي إليه من إصلاح الدين والدنيا، وما فيها من الحكم والأحكام الإلهية التي تضمنت الكمال المطلق في الهداية والتوجيه، وإصلاح الإنسانية في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولما كانت الوصية الخامسة تنهى عن القتل بغير حق فإنه يحسن الكلام عن القتل وأقسامه.
إن الدارس لهذه القضية يجد أن الأكثرين من العلماء يرون القتل أقساماً ثلاثة:
1- العمد 2- شبه العمد 3- الخطأ.(32/461)
وممن يرى هذا التقسيم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ولهما فيه قضاء [31] وبه قال الشعبي، والنخعي، وقتادة، والثوري، والإمام الشافعي، ِ والإمام أحمد، وأهل العراق، وأصحاب الرأي رحم الله الجميع، ونقل عن الإمام مالك رحمه الله أنه أنكر شبه العمد وقال: "ليس في كتاب الله عز وجل إلا العمد، والخَطأ"، فهو لا يعمل بشبه العمد، وجعله من قسم العمد. وحكى عنه مثل قول الجماعة [32] .
ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور ما أخرجه أبو داود وقال: حدثنا سليمان بن حرب [33] ومسدد [34] قالا: حدثنا حماد [35] ، عن خالد [36] ، عن القاسم بن ربيعة [37] ، عن عقبة بن أوس [38] ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "… ألا إن دية الخطأ شبه العمد، ما كان بالسوط والعصا، مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها" [39] . وهذا الحديث الذي لا يقل عن درجة الحسن نص يصد ما نقل عن الإمام مالك رحمه الله من إنكاره شبه العمد، وقد زاد أبو الخطاب قسماًَ رابعاًَ، وسماه (ما أجري مجرى الخطأ) نحو أن ينقلب نائم على شخص فيقتله، أو يقع عليه من علو، ومنه القتل بالسبب، كحفر البئر، ونصل السكين، ومنه قتل غير المكلف، فقد أجري مجرى الخطأ، وإن كان عمداً، لكن هذه الصورة التي ذكرها أبو الخطاب رحمه الله هي عن الأكثرين من قسم الخطأ، لأن صاحبها ليس من أهل القصد الصحيح، ولذلك أعطوه حكم الخطأ لأنه خطأ في الواقع. ويحسن في هذه العجالة إعطاء فكرة مبسطة عن كل قسم.
1- العمد: هو أن يقصد شخص قتل آخر بما يراه قاتلا في العادة كالسيف، والخنجر، والطلقات النارية وغيرها من الأمور القاتلة. وهذا القسم ثبت بكتاب الله عز وجل قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [40] الآية.(32/462)
2- شبه العمد: هو أن يقصد شخص ضرب آخر بما لا يقتل غالباً، إما لقصد العدوان عليه، أو لقصد التأديب له فيسرف فيه، ويتجاوز الحد المعقول في ذلك، كالضرب بالسوط، والعصا، والحجر الصغير ونحو ذلك.
وهذا القسم ثبت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد ذكرنا آنفاً حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن دية الخطأ شبه العمد، ما كان بالسوط، والعصا، مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها" [41] . وقد قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الإمام البَخاري بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة، عبد أو وليدة، وقضى أن دية المرأة على العاقلة" [42] . فاعتبره صلى الله عليه وسلم شبه عمد إذ أوجب الدية على العاقلة، ولو اعتبره عمداً لما حملت العاقلة الدية، لأنها لا تحمل العمد. وقال أبو داود: حدثنا محمد بن يحي بن فارس [43] ، حدثنا محمد بن بكار بن بلال العاملي [44] ، أخبرنا محمد- يعنى ابن راشد [45]- عن سليمان- يعني ابن موسى [46]- عن عمر وبن شعيب [47] ، عن أبيه [48] ، عن جده [49] ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عقل شبه العمد مغلظ، مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه" [50] . فهذه نصوص من السنة صحيحة تثبت شبه العمد، خلافاًَ لما نقل عن الإمام مالك رحمه الله.
3- الخطأ: هو أنٍ يفعل الشخص فعلاً لا يريد به الاعتداء علىِ أحد من البشرِ فيخطئ هدفه ويصيب إنساناً فيقتله، مثاله. أن يرمي صيداً فيصيب إنساناًَ، أو يلقي شيئاًَ فيقع على مارٍ، أو يقود سيارة فيعترضه شخص فيدهسه ونحو ذلك.
والخطأ على قسمين أيضاً:(32/463)
1- أن يفعل الشخص ما يجوز له فعله مما سبقت الإشارة إليه ونحو، فيؤل ذلك إلى إتلاف إنسان حر، مسلماً كان أو كافراً.
2- أن يكون في أرض العدو فيقتل من يظنه كافرا. فيصبح المقتول مسلماً. فهذا قسم من الخطأ وإن كانت الصورة صورة عمد لعدم قصد قتل المسلم. وقد ثبت القتل الخطأ بكتاب الله عز وجل قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [51] الآية. وهذه التقسيمات مستفادة من المغني والشرح الكبير [52] .(32/464)
5- الامتناع عن أداء حق واجب الأداء من حقوق الله عز وجل ومنه الزكاة مثلاً فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يتردد في قتال مانعي الزكاة، بل أخذ ذلك بحزم وشدة، أخرج الإمام البخاري بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكَان أبو بكر رضي الله عنه [53] ، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه [54] : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله". فقال [55] : "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها، قال عمر رضي الله عنه: فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه، فعرفت أنه الحق" [56] . وهذا مما سنه أبو بكر رضي الله عنه ووافقه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسرعان ما شرح الله صدر عمر رضي الله عنه وعرف أنه الحق، ونحن مأمورون بإتباع الخلفاء الراشدين قال أبو داود رحمه الله: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد [57] قال: حدثني خالد بن معدان [58] قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي [59] ، وحجر بن حجر [60] قالا: أتينا العرباض بن سارية [61] ، وهو ممن نزل فيه {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [62] فسلمنا وقلنا: "أتيناك زائرين، وعائدين، ومقتبسين"، فقال العرباض: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون.."فذكر الحديث وفيه "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.." [63] .(32/465)
6- قد يجب قتال غير من سلف ذكرهم. وذلك في أحوال كمن قصد قتل رجل، أو أخذ ماله، أو الاعتداء على عرضه، فيجوز قتله على سبيل الدفاع عن النفس والمال والعرض يؤيد هذا ما أخرجه الإمام البخاري بسنده من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد" [64] وأخرجه الإمام الترمذي وزاد في رواية: "ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح" [65] . قال النووي رحمه الله: "فيه جواز قتل من قصد أخذ المال بغير حق، سواء كان المال قليلاً أو كثيراً، وهو قول الجمهور، وشذ من أوجبه"، قال ابن المنذر: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع إذا أريد ظلماً، بغير تفصيل، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره، وترك القيام عليه. قال ابن بطال: "إنما أدخل البخاري هذه الترجمة في هذه الأبواب ليبين أن للإنسان أن يدفع عن نفسه، وماله ولاشيء عليه، فإنه إذا كان شهيداً إذا قتل في ذلك فلا قود عليه، ولا دية إذا كان هو القاتل" [66] . ويؤيد هذه الأقوال ما أخرجه الإمام مسلم بسنده من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: "أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك"قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله"قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد"قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار" [67] قال الترمذي رحمه الله: "وقد رخص بعض أهل العلم للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله"، وقال ابن المبارك: "يقاتل عن ماله ولو درهمين" [68] . وإذا كان هذا مقابل المال الذي يمكن تعويضه، فلا ريب أنه آكد مقابل النفس والعرض والدين، فإن النفس إذا تلفت لا يمكن تعويضها، والعرض إذا خدش لا يمكن جبره، والدين فوقهما،(32/466)
ولا يليق بالمسلم أن يستسلم ويكون جباناًَ وفي مقابل أعز ما يملك نفسه ودينه وعرضه. فيكون الصائل المعتدي إذا بلغت مقاومته حد قتله فإنه مباح الدم لا قود فيه ولا دية، وهذا هو الحق إن شاء الله. والحاصل أن الأصل في قتل النفس الحرمة، وحله لا يثبت إلا بدليل منفصل كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الأحكام
قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} .
قال الرازي رحمه الله معللاً سبب ختم الآية بهذا: "لأن التكاليف الخمسة المذكورة في الآية (هذه) أمور ظاهرة جلية فوجب تعقلها وتفهمها" [69] .
دلت الوصية الكريمة على تخريم قتل النفس المعصومة بالإسلام أو بعقد الذمة إلا بحق يوجب ذلك. وهذا أمر مجمع عليه بين أمة الإسلام، فإن فعله إنسان متعمداً فسق، وأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه، وتوبته مقبولة في قول أكثر أهل العلم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الآية (32) من المائدة.
[2] هذا المعنى مستفاد من (الظلال 424/3)
[3] انظر (الإرشاد 3/ 199، والفتوحات 2/ 09 1) .
[4] الآية (19) من المعارج.
[5] انظر (الصحاح 1/ 281 واللسان 0 1/ 49. والمفردات ص 341)
[6] انظر (الآية 98 من البقرة) .
[7] انظر (ترتيب القاموس 3/ 277. والمفردات ص 341)
[8] الرازي 13/233.
[9] الآية (122) من الأنعام.
[10] الصحيح مع الفتح 13/383، وصحيح مسلم 4/2113.
[11] الموطأ 2/460.
[12] قاله محمد فؤاد تعليقاً على المصدر السابق. ولا أراه إلا في التمهيد. ولم أقف عليه.
[13] ثقة، مات سنة سبع وأربعين ومائتين.
[14] صدوق يخطئ من رجال البخاري مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.(32/467)
[15] خالد بن يزيد بن عبد الرحمن ضعيف، مع كونه فقيهاً، قد اتهمه ابن معين، مات سنة خمس وثمانين.
[16] يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، صدوق ربما وهم، مات سنة ثلاثين ومائة أو بعدها.
[17] ثقة، كثير الإرسال، مات سنة أربع عشرة ومائة.
[18] ابن ماجه 2/ 1332.
[19] المسند 6/ 333.
[20] وباء هذا العصر نتيجة الخروج عن الآداب الإسلامية. والإنسانية والانحطاط إلى مستوى الحيوان بل أدنى من ذلك وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها 3413 الصادر في يوم السبَت 08/8/1408 هـ أن عدد الإصابات بهذا الوباء والذي تم إبلاغ منظمة الصحة العالمية بها وصل إلى 85273 إصابة في العالم. وما خفي أعظم.
[21] الآية 33 من الإسراء.
[22] الآية (92، 93) من النساء.
[23] الآية (92، 93) من النساء.
[24] الصحيح مع الفتح 12/259.
[25] الجامع 4/ 20.
[26] الآية (45) من المائدة.
[27] الآية (179) من البقرة.
[28] انظر (الموطأ 2/ 824) .
[29] انظر (الصحيح مع الفتح 12/ 201 وصحيح مسلم 3 / 1302) .
[30] الآية (33) من المائدة. ولتمام الفائدة انظر (الرازي 13/233) .
[31] انظر سنن أبي داود 4 /685.
[32] المغني مع الشرح الكبير 9 / 322.
[33] البصري، إمام حافظ ثقة، مات سنة أربع وعشرين ومائتين.
[34] ابن مسرهد، البصري، ثقة، حافظ، أول من صنف المسند مات سنة ثمان وعشرين ومائتين.
[35] ابن زيد، البصري، ثقة، ثبت فقيه، مات سنة تسع وسبعين ومائة.
[36] ابن مهران، الحذاء، ثقة، يرسل، من كبار الخامسة.
[37] ابن جوشن، البصري، ثقة، من الثالثة.
[38] البصري، صدوق من الرابعة.
[39] أبو داود 4/ 711-712.
[40] الآية (93) من النساء.
[41] أخرجه أبو داود 4/ 711-712.
[42] الحديث متفق عليه وهذا لفظ البخاري (الصحيح مع الفتح 12/ 252) .(32/468)
[43] الذهلي، ثقة، حافظ، جليل، مات سنة ثمان وخمسين ومائتين.
[44] صدوق، مات سنة ست عشرة ومائتين.
[45] المكحولى، صدوق يهم، مات بعد ستين ومائة.
[46] الأموي، الأسدق، صدوق فقيه، في حديثه بعض لين، من الخامسة.
[47] ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق، مات سنة ثمان عشرة ومائة.
[48] شعيب بن محمد، صدوق، من الثامنة.
[49] عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
[50] سنن أبي داود 4/ 694.
[51] الآية (92) من النساء.
[52] 9/ 338.
[53] يعني خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[54] مخاطباً أبا بكر رضي الله عنه لما أمر بقتال المرتدين والمانعين للزكاة.
[55] أبو بكر رضي الله عنه،
[56] انظر (الصحيح مع الفتح 3/ 262، 322، 2 1/ 275، 13/ 250،) غير أنه قال (عقالا) ولمزيد الفائدة انظر (البداية والنهاية 6/ 311) .
[57] أبو خالد، الحمصي، ثقة.
[58] أبو عبد الله، الحمصي، ثقة، يرسل كثيرا.
[59] كلاهما مقبول، وتابعهما يحي بن أبي المطاع وهو صدوق، أخرج حديثه ابن ماجة 1 /15 وهو عند الترمذي من طريق السلمي وحده (الجامع 5/ 44) .
[60] كلاهما مقبول، وتابعهما يحي بن أبي المطاع وهو صدوق، أخرج حديثه ابن ماجة 1 /15 وهو عند الترمذي من طريق السلمي وحده (الجامع 5/ 44) .
[61] صحابي من أهل الصفة.
[62] الآية (92) من التوبة.
[63] أبو داود 5 /13-15.
[64] الصحيح مع الفتح 5 /123 وأخرجه الإمام مسلم 1 /125.
[65] الجامع 4 /29-30 وأخرجه أبو داود 5 /128وهو عند النسائي وأبن ماجة.
[66] ذكر هذه النقول الحافظ في الفتح5 /124.
[67] صحيح مسلم 1/124.
[68] الجامع 4/ 29.
[69] الرازي 13/ 235.(32/469)
استِدْرَاكَاتٌ عَلَى كِتَاب تَارِيخِ التّرَاثِ العَرَبِيِّ
فِي كُتُبِ التّفسِيرِ
للدكتور حكمت بشير ياسين
أستاذ مساعد بكلية القرآن الكريم
(القسم الثاني)
كتب القرن الثاني الهجري
13 [1]- تعليقة على تفسير (فسبحان الله) : لأبي حنيفة النعمان بن ثابت التميمي ت 105هـ
منه نسخة في عموجة حسين باشا في إسطنبول في مجموع برقم 454 [2] .
14- التفسير: لأربدة أو أربد التميمي البصري من تلاميذ ابن عباس.
ذكره المزي وقال: صاحب التفسير، "كان يجالس ابن عباس" [3] .
وقال ابن حجر: "راوي التفسير عن ابن عباس" [4] .
15- التفسير: لزائدة بن قدامة أبي الصلت الثقفي الكوفي ت 161 هـ.
ذكره الداوودي وذكر جماعة من شيوخه وتلاميذه المفسرين [5] .
16- تفسير: شيبان بن عبد الرحمن النحوي التميمي ت 164هـ.
ذكره ابن النديم [6] .
وأفاد منه الإمام أحمد في مسنده حيث صرح بذلك [7] .
17- تفسير: هشيم بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي ت 183هـ.
قال الداوودي: "صاحب التفسير الذي يرويه عنه أبو هشام زياد بن أيوب بن زياد البغدادي" [8] .
وهو كما قال فقد ذكر السمعاني أن شيخه أبا الفضل محمد بن علي البخاري المطهري قد سمع هذا التفسير من طريق أيوب بن زياد عن هشيم [9] .
وقد حصل الروداني رواية إجازة هذا التفسير من طريق أيوب بن زياد أيضا [10] .
وذكره ابن النديم [11] وأفاد الحاكم [12] والواحدي [13] بعض الروايات التفسيرية عن هشيم.
18- تفسير ابن سلام: يحي بن سلام التميمي ت 200 هـ.
ذكر سزكين نسخة واحدة [14] وهي النسخة التي ذكرها بروكلمان [15] .
وتوجد خمس نسخ أخرى الأولى في مكتبة حسن حسني عبد الوهاب برقم 18653 تقع في 104 ورقة والباقي في جامع القرويين في فاس [16] .(32/470)
كتب القرن الثالث الهجري
19- تفسير عبد الرزاق بن همام الصنعاني ت 211 هـ.
لم يذكر سزكين نسخة معالي الشيخ حسن آل الشيخ التي أهداها لجامعة الملك سعود ومن هذه النسخة صورة في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى تقع في (242) ورقة [17] .
20- التفسير: سنيد بن داود المصيص ت 220 هـ (أو حسين بن داود) .
قال الداوودي: "وله تفسير رواه عنه محمد بن إسماعيل الصائغ".
روى له ابن ماجة [18] .
وذكره ابن النديم في الفهرست [19] .
وأفاد من تفسيره جمع من الأئمة كالطبري في "تفسيره" [20] وابن عبد البر في "التمهيد" [21] وابن كثير في "تفسيره" [22] والذهبي في "العلو" [23] وابن قيم الجوزية في "إعلام الموقعين" [24] وابن حجر في "الإصابة " [25] والسيوطي في "الإتقان" [26] و"الدر المنثور" [27] .
21- تفسير: عبد الغني بن سعيد الثقفي ت 229 هـ.
قال الداوودي: "صاحب التفسير حدث عنه بكر بن سهل الدمياطي" [28] .
أفاد من تفسيره الحافظ ابن حجر في الإصابة في ثمانية مواضع.
وصرح بأن الطبراني روى عنه في "تفسيره"وأن ابن منده أفاد من "تفسير عبد الغني" [29] .
وأفاد أبو نعيم [30] والواحدي [31] وابن قيم الجوزية [32] والسيوطي [33] عدة روايات تفسيرية له.
22- التفسير: لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ت 235 هـ.
ذكره ابن النديم [34] ، والداوودي [35] ، وحاجي خليفة [36] ، والخطيب البغدادي [37] .
وأفاد منه الحاكم [38] والبيهقي [39] والسيوطي [40] بعض الروايات في التفسير.
23- التفسير: لعثمان بن أبي شيبة بن محمد بن إبراهيم الكوفي ت 239 هـ.
ذكره الخطيب البغدادي [41] وابن النديم [42] والداوودي [43] .
وأفاد الحاكم بعض الروايات التفسيرية في المستدرك كتاب التفسير [44] .(32/471)
24- التفسير: لأبي حفص عمرو بن علي بن بحر بن كثير الصيرفي الفلاّس ت 249 هـ.
قال الداوودي: "صاحب التفسير الذي رواه عنه علي بن إسماعيل بن حماد البزار " [45] . وهو كما قال فقد حصل الحافظ ابن حجر [46] والروداني [47] رواية إجازة هذا التفسير من طريق علي ابن إسماعيل عن المؤلف.
وأفاد البخاري في صحيحه بعض الروايات التفسيرية عن شيخه عمرو بن علي [48] .
25- تفسير: عبد بن حميد الكشي ت 249 هـ.
ذكر سزكين أن ابن حجر اقتبس من هذا التفسير في "الإصابة" [49] ، ولم يذكر القطعة من هذا التفسير في حاشية تفسير ابن أبي حاتم الذي فيه سورتا آل عمران والنساء وهو المجلد الثاني.
وقد أفاد من هذا التفسير الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" [50] و"تغليق التعليق" [51] و"موافقة الخبر الخبر" [52] والسيوطي في "الإتقان" [53] و"الدر المنثور" [54] .
وأفاد منه ابن كثير في تفسيره كثيرا [55] .
وأفاد منه أيضا ابن قيم في "شفاء العليل" [56] .
وذكر هذا التفسير حاجي خليفة والداوودي. [57]
26- تفسير البكري: لأبي الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكري ت نحو 250 هـ.
منه نسخة في رشيد أفندي بالسليمانية اسطنبول برقم 35 [58] .
27- التفسير: لعبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي ت 255 هـ.
ذكره الداوودي وذكر أنه روى عنه أبو داود الترمذي وبقي بن مخلد ومطين [59] .
وكلهم من المفسرين.
وذكره أيضا الخطيب البغدادي [60] .
ويوجد في سننه أكثر من (150) رواية تفسيرية [61] .
28- تفسير: أبي سعيد عبد الله بن سعيد الأشج ت 257 هـ.
حصل على إجازة روايته السمعاني من طريق ابن أبي حاتم الرازي ت 328 هـ فقد ذكره السمعاني في ترجمة شيخه أبي الفضل محمد بن علي البخاري المطهري [62] .
وذكره ابن النديم [63] والداوودي [64] وحاجي خليفة [65] .(32/472)
وأفاد ابن أبي حاتم الرازي من هذا التفسير 224 رواية في المجلد الثاني من تفسير ابن أبي حاتم [66] .
وأفاد أيضا الواحدي في كتابيه "التفسير الوسيط" [67] و"أسباب النزول" [68] .
وهدا التفسير كان عند أحمد بن علي بن يحي بن العباس الأسد اباذي [69] .
29- تفسير العسكري: لأبي محمد الحسن بن علي الهادي العسكري ت 260 هـ.
ذكر سزكين ست نسخ بينما توجد ثمان نسخ أخرى الأولى في المعهد الإسماعيلي بلندن برقم 489 تقع في 702 ورقة، والثانية والثالثة في الوزيري/ يزد برقم 5980 تقع في 264 ورقة وبرقم 10616 في 96 ورقة والرابعة في ملك الوطنية طهران برقم 186 تقع في 171 ورقة والخامسة في مدرسة سبهسالار/ طهران برقم 997 في 293 ورقة، والسادسة في مكتبة الإمام الحكيم العامة/ النجف برقم 837 في 216 ورقة، والسابعة في مكتبة الإمام الحكيم أيضا برقم 1190م في 142 ورقة، والثامنة في دار المخطوطات/ البحرين برقم 407 [70]
30- تفسير: أبي يحي عبد الرحمن بن محمد بن سلم الرازي ت 219 هـ.
ذكره الداوودي وقال: "حدث عنه أبو أحمد العسال وأبو الشيخ والطبراني" [71] . وكذا ذكره الذهبي [72] .
وقد أفاد من تفسيره الإمام الواحدي في أسباب النزول [73] وفي "التفسير الوسيط" [74] وأفاد أيضا أبو الشيخ في تفسيره [75] وأبو نعيم في "صفة الجنة" [76] .
كتب القرن الرابع الهجري
31- التفسير الكبير: لإبراهيم بن إسحاق بن يوسف النيسابوري الأنماطي ت 303 هـ.
ذكره الذهبي [77] والداوودي وذكر أنه سمع إسحاق بن راهويه وعمرو ابن علي [78] ...... وهما من المفسرين.
32- تفسير القرآن:
33- معاني القرآن:
للحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة ت 311 هـ.
ذكرهما ابن خزيمة في "صحيحه"و"كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل" [79] وكلاهما له.(32/473)
34- تفسير القرآن: للحكيم أبي عبد الله محمد بن علي الترمذي ت 320 هـ.
منه نسخة في المكتبة الوطنية بوردور برقم 143 تقع في 134 ورقة كتبت سنة 549 هـ[80] .
35- معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن وجاءت بها السنن والأخبار: لأبي بكر بن عزيز السجستاني ت 330 هـ.
منه نسخة مصورة ميكروفيلم عن نسخة مكتبة الأسكوريال في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى برقم 52 تقع في 167 ورقة [81] .
36- تفسير الكتاب العزيز: لأبي بكر محمد بن أحمد بن محمد الكناني اليمني المعروف بابن الحداد ت 344 هـ.
منه نسخة في الجامعة الأمريكية في بيروت برقم 235 وهي الجزء الثاني من التفسير تقع في 97 ورقة [82] .
37- أحكام القرآن: لأبي الحكم منذر بن سعيد البلوطي الأندلسي ت 355 هـ.
ذكره ياقوت وذكر له أيضا "الناسخ والمنسوخ" [83] .
وذكرها الداوودي وزاد: "تفسير القرآن " [84] .
وحصل على إجازة روايته ابن خير [85] .
وأفاد من تفسيره ابن قيم في كتابيه "مفتاح دار السعادة"ص 12 و1 2 و"طريق الهجرتين وباب السعادتين "ص 344 [86] .
38- أوضح البرهان في مشكلات القرآن: لمحمد بن أبي الحسن النيسابوري ت 355 هـ.
منه نسخة مصورة في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى عن نسخة المكتبة الوطنية بتونس تقع في 37 ورقة برقم 912.
ونسخة أخرى مصورة عن مكتبة دار الكتب المصرية وتقع في 415 ورقة برقم 706 [87] .
39- نكت القرآن الدالة على البيان: لمحمد بن علي بن محمد أبو أحمد الفقيه الكرجي المعروف بالقصاب ت 360 هـ.
منه نسخة في مكتبة مرادملاّ برقم 317 وتقع هذه النسخة في 218 ورقة.
ومنها نسخة مصورة ميكروفيلم في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى [88] .
وقد ذكر الذهبي هذا الكتاب [89] .
45- تفسير القرآن: ينسب إلى محمد بن أحمد بن محمد بن يحي بن مفرج ت 380 هـ.(32/474)
منه نسخة في الوطنية/ باريس برقم 637 تقع في 138 ورقة كتبت في القرن السابع الهجري [90] .
41- تفسير جزء عم: لأبي الحسن علي بن عيسى بن علي النحوي الرماني ت 384 هـ.
منه نسخة في التيمورية/ القاهرة برقم 201 في جزء كتبت سنة 1096هـ[91] .
42- الفرائد المشتملة على فوائد البسملة والحمدلة: لمحمد بن ناصر الدين المعروف بابن الطحان ت 384 هـ.
منه نسخة مصورة ميكروفيلم في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى عن نسخة مكتبة المدرسة الصديقية بحلب برقم 791 [92] .
43- تفسير القرآن: لأبي طالب محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي ت 386 هـ.
منه نسخة في خزانة القرويين/ فاس برقم 937 [93] .
44- الاستغناء في علوم الدين: وهو تفسير الأدفوي أبو بكر محمد بن علي بن أحمد النحوي ت 388 هـ.
ذكر سزكين المجلد الأول فقط في سليم آغا [94] ولكن يوجد في سليم آغا/ اسطنبول ثلاث مجلدات أخرى: المجلد الرابع برقم 564 ويقع في 456 ورقة.
المجلد الخامس برقم 65 ويقع في 456 ورقة.
المجلد السابع برقم 66 ويقع في 456 ورقة [95] .
وتوجد قطعة في تونس ذكرها عبد الله بن عبد الغني كحيلان في رسالته الماجستير:
الأدفوي مفسرا وتحقيق سورة الفاتحة من تفسيره [96] .
45- جامع التأويل في تفسير القرآن: لأبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي ت 395 هـ.
ذكره الداوودي [97] .
وأفاد من تفسيره القرطبي في تفسيره وذكر إسناد المؤلف إلى ابن عباس [98] .
46- تفسير السور الست الأولى من القران الكريم: لابن أبي زمنين محمد بن عبد الله ابن عيسى المري ت 399 هـ.
منه نسختان أو جزءان في خونتا/ مدريد برقم 51 تقع في 144 ورقة والأخرى برقم 52/ 1 تقع في 243 ورقة وكلتاهما كتبتا في القرن العاشر الهجري [99] .
47- تفسير القرآن: لابن حارث أحمد بن محمد من علماء القرن 4 هـ.(32/475)
منه نسخة في الجمعية الآسيوية/ كلكته برقم 49/ AV 600 تقع في 262 ورقة كتبت سنة 1127 هـ[100] .
كتب العقد الأول من القرن الخامس الهجري
48- تفسير القرآن: لابن اللبان محمد بن عبد الله بن أحمد البصري ت 402 هـ.
منه نسخة في السليمانية/ اسطنبول برقم 188 [101] .
49- حقائق التأويل في متشابه التنزيل: للشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين ابن موسى العلوي الحسيني الموسوي ت 406 هـ.
منه نسخة في رضا/ مشهد برقم 3/118 المجلد الخامس ويقع في 201 ورقة كتبت سنة 533 هـ.
وأخرى في التيموريّة/ القاهرة برقم 535 المجلد الأول كتبت سنة 1337 هـ[102] .
وكتب إلي الأستاذ الفاضل سعدي الهاشمي أن الكتاب مطبوع في النجف عام 1355 هـ.
50- تفسير النيسابوري: لأبي القاسم حسن بن محمد بن حبيب بن أيوب ت 406 هـ.
منه نسخة في مدرسة قره مصطفى باشا/ اسطنبول برقم 68 وأخرى في مدرسة مصلى/ اسطنبول برقم 18 وهي المجلد الثاني وأخرى في مهر شاه سلطان/ اسطنبول برقم 31 وهي المجلد الأول تقع في 1824 ورقة [103] .
51- تفسير أبى سعيد الحنفي النيسابوري: لأبي سعيد عبد الله بن محمد بن إبراهيم النيسابوري ت 407 هـ.
منه نسخة في الوطنية/ طهران برقم 20 كتبت سنة 981 هـ[104] .
52- مسائل منثورة من تفسير القران: لابن سلامة أبي القاسم هبة الله بن سلامة ت 410 هـ.
منه نسخة في المسجد الأحمدي بطنطا برقم 8اخ/365ع [105] .
وإلى اللقاء مع كتب القراءات
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هذه الأرقام تتمة لما سبق.
[2] الفهرس الشامل للتراث/ مخطوطات التفسير 1/28.(32/476)
[3] تهذيب الكمال 2/310.
[4] تهذيب التهذيب 1/197 وتغليق التعليق 2/25
[5] طبقات المفسرين 1/ 181
[6] الفهرست ص 36.
[7] انظر على سبيل المثل المسند 2/437 و3/13 و261 و4/29.
[8] طبقات المفسرين 2/353..
[9] التحبير الكبير 2/ 179.
[10] صلة الخلف 1/40.
[11] الفهرست ص 37 و 284.
[12] انظر على سبيل المثال المستدرك 2/ 221.
[13] انظر على سبيل المثال أسباب النزول ص 385.
[14] تأريخ التراث العربي 1/ 91.
[15] تأريخ الأدب العربي 4/10.
[16] الفهرس الشامل للتراث/ مخطوطات التفسير 1/36,35
[17] فهرس علوم القرآن 2/ 89 وقارن مع تأريخ التراث العربي 1/ 184.
[18] طبقات المفسرين 1/215,214.
[19] ص 36.
[20] انظر على سبيل المثال رقم 144 و854 و1688.
[21] انظر على سبيل المثال 10/30 و16/232.
[22] انظر على سبيل المثال 1/126,124 وقد أفاد منه تسع مرات.
[23] انظر ص126.
[24] انظر على سبيل المثال 4/100و 116.
[25] انظر 4/318و 7/336.
[26] 1/100.
[27] 2/653 و675.
[28] طبقات المفسرين 1/ 330.
[29] انظر موارد ابن حجر في الإصابة 2/ 481 والإِصابة 3/ 41 و 1/353.
[30] انظر على سبيل المثال صفة الجنة ص 8 و3 1 و88 و95.
[31] انظر على سبيل المثال أسباب النزول ص 59.
[32] انظر على سبيل المثال الروح ص 153.
[33] انظر على سبيل المثال الدر المنثور 4/ 264.
[34] الفهرست ص 37.
[35] طبقات المفسرين 1/225.
[36] كشف الظنون 1/437.
[37] تاريخ بغداد 10/ 66.
[38] انظر على سبيل المثال المستدرك 2/222، 261، 270.
[39] انظر على سبل المثال إثبات عذاب القبر 228/229.(32/477)
[40] انظر على سبيل المثال الدر المنثور 4/28، 30، 38. والمهذب فيما وقع في القرآن من المعرب ص 97.
[41] تاريخ بغداد 11/ 284
[42] الفهرست ص 285.
[43] طبقات المفسرين 1/384.
[44] انظر على سبيل المثال 2/222، 297.
[45] طبقات المفسرين 2/ 20.
[46] المعجم المفهرس ل 88.
[47] صلة الخلف 1/40.
[48] انظر على سبيل المثال 2/23.
[49] تأريخ التراث العربي 1/217.
[50] انظر على سبيل المثال 3/ 440.
[51] انظر على سبيل المثال 4/169.
[52] انظر على سبيل المثال ص 305 و 344
[53] انظر على سبيل المثال 3/5 و 4/219.
[54] انظر على سبيل المثال 1/ 10 و 11.
[55] انظر على سبيل المثال 1/122,115،7/482,336,113,112.
[56] انظر موارد ابن قيم الجوزية في كتبه ص 32.
[57] طبقات المسفرين 1/374 وكشف الظنون 1/453.
[58] الفهرس الشامل للتراث/ مخطوطات التفسير 1/42.
[59] طبقات المفسرين 1/242- 244.
[60] تأريخ بغداد 10/ 29.
[61] انظر على سبيل المثال 1/3،4،5،6،9،37،39،49،54،55،65،75.
[62] التحبير في المعجم الكبير 2/177،178.
[63] الفهرست ص 37.
[64] طبقات المفسرين 1/235.
[65] كشف الظنون 1/442.
[66] 4/1745 وهو تحت الطبع بتحقيقي.
[67] انظر على سبيل المثال ص 553.
[68] انظر على سبيل المثال ص 85، 86، 103.
[69] انظر تأريخ بغداد 4/326.
[70] الفهرس الشامان للتراث/ مخطوطات التفسير 1/43-46.
[71] طبقات المفسرين ا/ 288.
[72] سير أعلام البلاء 13/ 530.
[73] أنظر على سبيل المثال ص 213.
[74] انظر على سبيل المثال 17 و13 6 و656 و778 و816 و.82 و943.
[75] الإصابة 5/ 444.
[76] أنظر ص 15 و 89.
[77] سير أعلام النبلاء 14/193.
[78] طبقات المفسرين 1/7.(32/478)
[79] انظر مقدمة صحيح ابن خزيمة ص12 ص 14.
[80] الفهرس الشامل للتراث/ مخطوطات التفسير 1/78.
[81] فهرس علوم القرآن 2/302.
[82] الفهرس الشامل للتراث/ مخطوطات التفسير 1/87.
[83] معجم الأدباء 19/ 174- 176.
[84] طبقات المفسرين 2/ 336.
[85] فهرست ما رواه عن شيوخه ص 54.
[86] انظر موارد ابن قيم الجوزية في كتبه ص 32.
[87] فهرس علوم القرآن 2/ 34.
[88] فهرس علوم القرآن 2/332.
[89] سير أعلام النبلاء 16/213.
[90] الفهرس الشامل للتراث/ التفسير 1/116.
[91] الفهرس الشامل للتراث/ التفسير 1/ 120.
[92] فهرس علوم القرآن 2/209.
[93] الفهرس الشامل للتراث/ التفسير 1/ 120.
[94] تاريخ التراث العربي 1/107.
[95] الفهرس الشامل للتراث/ 1/ 121.
[96] ص 3.
[97] طبقات المفسرين 1/ 61.
[98] أحكام القرآن 20/ 204.
[99] الفهرس الشامل للتراث / التفسير 1/ 120- 121.
[100] الفهرس الشامل للتراث/ التفسير 1/ 122.
[101] الفهرس الشامل للتراث/ التفسير 1/127.
[102] الفهرس الشامل للتراث/ التفسير 1/127.
[103] الفهرس الشامل التراث/ التفسير 1/128- 29 1.
[104] الفهرس الشامل للتراث/ التفسير 1/ 129.
[105] الفهرس الشامل للتراث/التفسير 1/129(32/479)
مسائل في النحو أجاب عليها أبو البقاء يعيش بن علي ابن
يعيش الحلبي
قال الشيخ الإِمام الحافظ أبو البقاء يعيش بن علي بن يعيش الحلبي- رحمه الله-:
هذه مسائل وردت علينا من دمشق على يد الشيخ الفقيه العالم الحافظ أبي نصر الدمشقي [1]- رحمه الله- فأمليت ما حضر من الكلام عليها وبالله التوفيق.
المسألة الأولى: كونهُ قائماً.
بماذا يَنتصبُ قائماً، لأنّ المفتقِرةَ لا مَصدَر لها، والتَّامةَ لا عملَ لها في خبرٍ، بل يُرفَع ما بعدها بحقّ الفاعل، فهي بمعنى الحدُوثِ والوقوع.
والجواب: اعلم أنّ كان الناقصةَ مخالفَةٌ لغيرها مِن الأفعال الحقيقية/34/ب إذ كل فعلٍ دالٍ على الحدث الذي أخذ منه، وعلى زمن وجود ذلك الحدث، ولذلك يؤكد بالمصدر، فتقول: ضرب زيَدٌ عمراً ضرباً وقعد خالدٌ قعوداً، وهذا الفعل- أعني- كان إذا كان دالاً على الزمان مجرداً من الحدث وصار الخبر بعده مُغْنياً عما اختُزل من الحدث، ولذلك كانت ناقصةً، ولزم خبرها ولم يسمعْ حذفُهُ مع أن فيه أمرين كل واحد منهما يسوغ الحذف: كونه مفعولاً [2] والمفعول يجوز حذفه وسقوطه من اللفظ، والآخر كونه خبراًَ للمبتدأ في الأصل، وخبر المبتدأ يجوز سقوطه أيضاً إذا كان في اللفظ ما يدل عليه، ومع ذلك لا يجوز سقوطه مع كان لأنه قد صار عوضاًَ من الحدث، ولأجل أن كان يفيد الحدث لا يجوز أن يؤكد بالمصدر، فلا يقال: كان زيدٌ قائماً كوناً كما يقال: قام زيدٌ قياماً، لأن التأكيد تمكين بما أفاده اللفظ الأول، فإذا لم يفد اللفظ حدثاً لا يصح تأكيده بحدثٍ؛ فأما قولهم: كونه قائماً ونحو ذلك فإنما هو كلام محمول على معناه دون لفظه، وذلك أن المصدر يقدر بأن والفعل فكأن التقدير: وإن كان قائماً فانتصاب المصدر ههنا باعتبار الفعل المقدر لا باعتبار المصدر الملفوظ به، فأعربه [3] .(32/480)
المسألة الثانية: قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً} [4] .
(أصحاب الجنة) رفع بالابتداء والخبر (خير) وفيه ضمير يعود على المبتدأ ولم يجمع الخبر مجمع المخبر عنه لأن من مرادة هنا، والتقدير: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً من غيرهم [5] وساغ حذفها لمكان العلم بها، ومن يسوغ حذفها إذا وقعت في الخبر نحو: قوله تعالى: {اللَّهِ أَكْبَرُ} [6] ولا يحسن الحذف/ أ/35 معها إذا كانت صفةً، لأن الصفة تذكر للبيان والإِيضاح فهو بالإسهاب والإكثار أجدر منه بالحذف، وأفعل إذا كانت مشفوعةً بمن كانت في معنى الفعل ويبعد من شبه اسم الفاعل فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث بل يكون بلفظ واحدٍ في الأحوال كلها نحو قولك: زيد أفضل من عمروٍ والزيدان أفضل من خالدٍ، والزيدون أفضل من جعفرٍ، فالمراد أنه يفضلهم ويزيد فضله عليهم فلذلك لم يجمع وإن كان هو الأول في المعنى فأما قول السائلِ: إن الخبر هنا ليس هو الأول غير صحيح بل هو الأول إلا أنه لم يجمع لما ذكرناه، و (مستقراً) هنا نصب على التمييز والفعل له في الحقيقة: وإنما نقل إلى الأول حتى صار الفعل له في اللفظ كما يقال: طبت نفساً والمراد به طابت به نفسي، ولو أضفت وقلت: خير مستقر لم يصح أن يكون خبراً لأنه غير الأول حينئذ فلا يكون خبراً إلا على حذف مضافٍ تقديره: مستقر أصحاب الجنة يومئذ خيرٌ مستقرا، وأصحاب الجنة يومئذ ذوو خير مستقر لابد من ذلك، لأن أفعل لا تضاف إلا إلى شيء هو بعضه وأصحاب الجنة ليسوا من المكان الذي هو مستقر في شيء، ونظير ذلك لو قلت: يوسف أفضل عبد كان من العبيد، ولو نصبت فقلت: أفضل عبد لكان عبيده يفضلون عبيد غيره ولا يكون من العبيد.
فأما الظرف الذي هو (يومئذ) فإنه يتعلق بالخبر الذي هو خير وإن قُدِّمَ عليه.
مسألة الثالثة: عند، وسوى، وغير، وكل، هل يجوز تصغيرهن أو لا؟(32/481)
الجواب: هذه الأسماء لم يسمع تصغيرها والقياس يأباه، أما عند فلا تصغر لعدم تمكنها، ولأن الغرض من تصغير الظروف التقريب كَتُحَيّت وفويق إذا أريد القرب، وعند في غاية القرب فلما دل لفظ مُكَبَّره على مُصَغّرِهِ لم يحتج إلى تصغيرها [7] مع أن التصغير وصف من جهة المعنى ألا ترى أنك إذا قلت: رجيل فمعناه رجل صغير، وإذا كان كذلك فلا يسوغ تصغير عند كما لا يسوغ وصفها.
أما غير فلا تصغر بخلاف مثل فإنها تصغر فيقول: مثيل هذا [8] ولا تقول: عنيدة، وذلك من قبيل أن المماثلة- قد تختلف بأن تقل وتكثر ألا ترى أنك تقول: هذا أكثر مماثلة من هذا، وهذا أقل مماثلةً من هذا، وليست غير كذلك لأن غير اسم لكل ما لم يكن المضاف إليه، فإذا قلت: غيرك فكل من عداك فهو غيرك، وليس في كون غيره معنى يكون أنقص من معنى فتصغر الناقص.
وأما سوى فكغير مع ما في سوى من عدم التمكين وامتناع وصفها.
وأما كل فلا أرى في تصغيرها فائدة وذلك أن كلا اسم لجميع أجزاء الشيء- فهو للعموم، والكثرة والتصغير ينافى هذا المعنى مع أن الشيء إنما يكون صغيراً حقيراً بالإضافة إلى ما له ذلك الاسم وهو أكثر منه، وهذا المعنى مفقود في كل فاعرفه [9] .
المسألة الرابعة: الميم في أنتما.
وذلك أن الميم في أنتما لأي شيء جيء بها وقد حصل بها مجاوزة الواحد بالألف؟(32/482)
الجواب: أن الميم في أنتما وأنتم جيء بها لمجاوزة الواحد وجيء بالألف في التثنية والواو في الجمع، نحو: أنتما، وأنتمو للدلالة على العدد، ولم يكتفوا بدلالة الألف وحدها والواو وحدها، فيقال: أنت وأنتو لئلا تصير الأسماء كأواخر الأفعال، نحو: ضربا وضربوا فزادوا الميم لتكون زيادة الأسماء مخالةً لزيادة الأفعال، وخصوا الأفعال بالزيادة الواحدة والأسماء بالزيادتين لخفة الأسماء وثقل الأفعال وقد يحذفون الواو في صيغة الجمع تخفيفاً، فيقولون: أنتم وغلامكم [10] لثقل الواو مع الأمن من اللبس بالتثنية إذ لو زيدت التثنية لجيء بالألف البتة [11] وذلك لخفة الألف لم يجز حذفها بخلاف الواو فإنه بثقلها تحذف ألا ترى أن من يقول في عضد عضد بالإسكان لا يقول في قَلَمٍ: قَلْمُ بالإسكان لخفة الفتحة وهي من الألف والضمة من الواو.
المسألة الخامسة: المصدر العامل عمل فعله يجوز حذف الفاعل معه في كثيرٍِ من الكلام ولا يجوز حذفه مع الفعل في موضعٍ من المواضع فما الفرق بينهما؟(32/483)
الجواب: إن الفعل لابد له من الفاعل إذا كان خبراً أو مسنداً إليه وبه ينعقد الكلام فحذف الفاعل يخل بفائدة الإسناد وإذا أريد حذف الفاعل أضمر في الفعل. وأما المصدر فإن فاعله من تتمة الاسم وتوضيحاته ولا ينعقد منه مع المصدر كلام، ألا ترى أنك إذا قلت: أعجبني ضرب زيدٍ عمراًَ كان المصدر مع ما بعده من تتمة الاسم بمنزلة ضرب زيدٌ عمراً، وانعقاد الكلام إنما كان بإسناد الإعجاب إليه لا بمجرد المصدر مع معموله، لأن المصدر مع ما أضيف إليه وتعلق به بمنزلة اسمٍ واحدٍ. ولما كان المصدر اسماً غير فعلٍ ولا مشتق من الفعل [12] على سبيلِ الصفة لم يجز إضمار الفاعل فيه كما لم يجز الإضمار في سائر أسماء الأجناس فحينئذٍ تحذف جزماًَ وتنوى ثبوته، نحو قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً} [13] . والمراد أنتم [14] فحذف الفاعل مع المصدر/ كما نبهوا بذلك على استغنائه عن الفاعل لكونه اسماً صريحاً والأسماء في الأصل مكتفية بأنفسها مستغنيةٌ عن غيرها والأفعال ليست كذلك.
المسألة السادسة: إذا قيل كان زيدٌ قائماً؟ كيف الإخبار عن زيدٍ بالذي وبالألف واللام وعن قائم؟
فالجواب: إذا أخبرت عن زيدٍ بقولك: كان زيدٌ قائماً، قلت: الذي كان قائماً زيدٌ، أتيت بضميرِ مرفوعٍ موضع زيد الذي هو اسم كان فاستهتر في كان وأخرت زيداً إلى آخر الكلام وجعلتهَ الخبر عن الموصول، إذ لو قدمته على قائم كنت فاصلاً بين ما هو الصلة والموصول وهو أجنبي من الصلة إذ لا عمل له فيه.
وتقول في الإخبار بالألف واللام أو إلى مدلولها على الخلاف [15] وزيد المخبر.(32/484)
ولو أخبرت عن قائم لقلت: الذي كان زيدٌ إياه قائمٌ وضعت موضع الخبر ضميراً منفصلاً، وإن شئت أتيت به متصلاً، فتقول: الذي كان زيدٌ قائم، وإن شئت الكائنة زيد قائم فتكون الهاء في الكائنة في محل نصب كما تقول: الضاربة زيدٌ فإن/ الهاء في محل نصب وقد منع قوم من الإخبار عن المفعول في هذا الباب، قال ابن السراج هو قبيح [16] لأنه ليس مفعولاً على الحقيقةَ وإضماره متصلاً إنما هو مجاز لأن حقيقة المفعول أن يكون غير الفاعل، نحو: ضرب زيدٌ عمراً، وفي هذا الباب ليست شيئاً غير الفاعل فاعرفه.
المسألة السابعة: إذا قيل يا زيدون، هل هو معرب أو مبني؟ فإن كان معرباً فما وجه رفعه وليس لنا مرفوع في هذا الباب أصلاً ولا جائز أن يكون مبنياًَ مع وجود الواو والنون.
الجواب: إذا ناديت جماعةً هذه أسماؤهم وقصدتهم دون غيرهم صار الاسم معرفةًِ بالقصد لأن تعريف العلمية زال بالجمع وبنى على الضم كما يبني يا رجل إذا قصدت واحداً بهيئته بعينه، نحو قوله [17] :
ويلي عليك وويلي منك يا رجل [18]
.... .... .... ....
وتكون الواو بمنزلة الضمة في المفرد، ونظير ذلك قولك في النفي: لا رجلين في الدار فيكون مبنياً بمنزلة لا رجل فالياء في رجلين كالفتحة في رجل لأن هذه الحروف وسيلة الحركات في الدلالة.
هذا هو مذهب سيبويه في رجلين [19] .
وأبو العباس كان يذهب إلى امتناعه [20] فإنما ذلك لاستبعاد تركيب شيئين، أحدهما مبني لا لأن الياء لا تقوم مقام الفتحة.(32/485)
المسألة الثامنة: قولهم: قيل إن زيداً قائم، الذي يقوم مقام الفاعل لهذا الفعل، لا جائز أن تقام إن وما عملت فيه، لأنه جملةٌ، والجملة لا تكون فاعلةً ولا قائمةً مقامه لإيغالها في التنكير، كيف والفاعل يضمر ولا جائزٌ أن يروح إلى مصدر مبهم [21] ، لأن الفعل دالٌ عليه بلفظه ولا فائدة في الإتيان به وإسناد الفعل إليه لا فائدة فيه إذا كان مستفاداً من لفظ الفعل.
الجواب: اعلم أن قال فعل متعد ولهذا يتصل به الضمير المنصوب فتقول: قيلِ وتصوغِ منه اسم مفعولٍ فتقول مقولٌ، وذلك كله من خصائص التعدي ومفعوله يكون جملةًَ محكيةً، نحو، قولك: زيدٌ عمروٌ منطلقٌ، إذا حكي قول من قالت ذلك، وكذلك سيبويه - رحمه الله-: وإنما تحكي بعد القول ما كان كلاماً لا قولاً [22] .
ومعنى قولنا إنه محكي أن القول غير عاملٍ في لفظه بل في محله وموضعه وإذا كان كذلك فالقول بعد القول في تقدير مصدرٍ منصوبٍ انتصاب المفعول به من حيث كان كلاماً/ فإذا بنيته لما لم يسم فاعله أقمت تلك الجملة المحكية مقام الفاعل لأنها مفعولة ولذلك قيل إنها في مسألتنا محكيةٌ، فهي في تأويل المفرد فقام مقام الفاعل إذا بني لما لم يسم فاعله، ولذلك يجوز تقديم الجملة إذا كانت مفعولة، فتقول: زيد قائمٌ قال زيد، ويمتنع زيدٌ قائمٌ قيل لأن الجملة في موضع الفاعل والفاعل لا يتقدم.
المسألة التاسعة: إنْ وأنْ المخففتان من الثقيلة إذا لم يعملا لم يلزم الإضمار في المفتوحة دون المكسورة وحكمهما واحد في العمل، والمفتوحة إذا وليها لا جاز أن تجعلها المخففة من الثقيلة وتضمر فيها وجاز أن تجعلها ناصبةً للأفعال المستقبلة وتنوى زيادة لا وذلك لا يجوز مع السين وسوف والجميع للتعويض.(32/486)
الجواب: هذا السؤال فيه اضطراب ومقارنات فاسدة إن وأن إذا لم يعملا لم يلزم الإضمار في المفتوحة دون المكسورة وحكمهما واحدٌ ليس بصحيح بل حكمهما يختلف على ما سنبينه.
وقوله: إنَّ المفتوحة إذا وليها لا جاز أن يجعلها المخففة من الثقيلة وجاز أن يجعلها الناصبة للفعل فليس ذلك على الإطلاق ولا لأمرٍ راجعٍ إلى لا؛ بل لما سنذكره إن شاء الله.
اعلم أنَّ إنْ المكسورة إذا خففت بطل عملها ظاهراً وباطناً وذلك أنّ إنْ إنما عملت لشبهها بالفعل من جهة لفظها على أكثر من حرفين، إنّ زيداً لقائم، قال تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [23] هذا هو مذهب أكثر النحويين [24] وبعضُهم يُعمِلهُا مخففةً كما يُعمِلهُا مثقلة [25] ، ويحتج بأنّ حذفَ إحدى النُّونين إنما كان لضربٍ من التّخفِيفِ وما حذف للتخفيف يكون في حكم الثابت الملفوظ به، ألا ترى أنهم يقولونً يقضو الرجل بالسكون، ورضي بالسكون، ولا يردون الياء والواو إلى أصلهما وذلك أن أصل قضو قضى بالياء لأنه من لفظ قضيت ورضي من الواو من الرضوان لم يردوا ذلك الأصل حيث كان حذف هذه الحركات للتخفيف فهو في حكمه الملفوظ به فلذلك أعملها، فَمَنْ يُهمِلها أدخل اللام في خبرها للفصل بينهما وبين إن النافية لأن لفظها قد صار شيئاً واحداً وخُصّت اللام بذلك لأنها كانت تدخلها للتأكيد قبل التخفيف فجاءوا بها بعد التخفيف للإيذان بأنها مخففة من تلك التي كانت هذه اللام تدخل عليها للتأكيد، ومن يعملها لم يحتج إلى الفرق لأن العمل فارقٌ، وأما المفتوحة فإذا خففت فإنه لا يبطل عملها نحو: علمت أن زيداً قائمٌ، وإذا رفع لاسم بعدها كان على إضمار الشأن، نحو قوله [26] :
ُانْ هالكٌ كلُّ مَنْ يْخفى وَينتعلُ
في فتية ٍ كسيوفِ الهندِ قد عَلِمو(32/487)
فالمراد: أنه هالك لأن ضميرَ الشأنِ والحديثِ يفسر بجملة بعده وإنما لم يبطل عملُ المفتوحة كما بطل عمل المكسورة مع أن لفظهما قد نقص أيضاً لأن المفتوحةَ أشدّ طلباً لما بعدها من المكسورة وذلك أنها تقتضي ما بعدها من جهتين: اقتضاء العامل للمعمول والصلة للموصول، والموصولة تقتضي ما بعدها من جهة واحدةٍ فافترق حالهما فلذلك كان القول بأن حكمهما/ واحدٌ تسمّحٌ.
ويقع بعدها الفعل فإذا كان ذلك لزمها العوض، وذلك السن وسوف في الواجب ولا في النفي، نحو: قولك: علمت أن سيقوم زيدٌ وأن سوف يقوم زيدٌ، وأن لا يقوم، كأنهم عوضوها مما لحقها من التخفيف [27] ولإيلائها ما لم يكن يليها فإذا كان قبل أن فعل غير يقيني نحو أن يكون فعل طمعٍ وإشفاق فإنها تكون الناصبة للفعل المستقبل، لأن تلك الأفعال معلقٌ معناها بالمستقبل، والناصبة للفعل تقتضي الاستقبال، فإن كان فعل علم يقين: علمت وتحققت وشببههما فإنها تكون المخففة من الثقيلة وتلزمها العوض نحو: علم أن سيقوم، وتحقق أن لا تذهب، قال تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [28] لأن المخففة من الثقيلة في التأكيد كالمثقلة فناسب أن يكون قبلها فعلٌ يدل على اللزوم والثبات، فإن كان قبلها فعلٌ من أفعال الظن والحسبان نحو: ظننت وحسبت جاز فيها الأمران نحو: حسبت أن لا يخرج بالرفع والنصب وذلك لأن الأفعال فيها طرفٌ من اليقين وطرفٌ من الشك، فالرفع باعتبار اليقين والنصب باعتبار الشك، قال تعالى: {وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [29] بالرفع [30] والنصب [31] على ما قلنا.
ولا يكون مع السين وسوف إلا المخففة من الثقيلة وذلك من قبيل أن الناصبة للفعل تصرف الفعل للمستقبل.(32/488)
والسين وسوف تفعلان ذلك فلم يُجمعْ بينهما كما لا يُجمَعُ بين تعريفين في اسمٍ واحدٍ، فامتِناعُ النصب مع السين وسوف وجوازه مع لا لم يكن لأمرٍ يَرجعُ إلى لا كما ظنّ هذا السائل بل كان لما ذكرنَاه فاعرِفْهُ.
المسألة العاشرة: قال: إذا كانت إنْ بمعنى ما النافية- هل- يجوز إعمالهُا عملَ ما على اللغة الحجازية أم لا؟
الجواب: إنْ النافية لا عمل لها وقد جاءت معملة، وسيبويه لا يرى ذلك، لأنها مشبهة بما [32] وإعمال ما يا القياس ضعيفٌ لعدم اختصاصها بالأسماء وان كذلك غير مختصة، قال تعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَة} [33] {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} [34] وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّه} [35] وإذا كان إعمال ما ضعيف مع أنها أظهر في النفي ويدخل في خبرها الباء التالية النفي كان أن لا يعمل في إن أجدر، وهذا مذهب سيبويه وذهب المبرد [36] إلى جواز إعمالها قياساً على ما.
المسألة الحادية عشرة [37] : إذا قلت: مررت برجل زيد، كيف يخبر عن التاء في مررت وعن زيد وعن الرجل بالذي وبالألف واللام.(32/489)
الجواب: إذا أخبرتَ عن التاء من قولك: مررت برجلٍ زيد، قلت: الذي مر برجل زيد أنا، وبالألف واللام: المار برجل زيد أنا، أزلت ضمير المتكلم وجعلت مكانه ضمير الغيبة يعود إلى الموصول واستتر الضمير في الفعل لكونه مرفوعاً وأخرت تاء المتكلم إلى آخر الكلام ووضعت مكانه ضميراً منفصلا لتعذر المتصل وجعلته الخبر عن الموصول فإن أخبرت عن الرجل فقد اختلف النحويون في الإخبار عن مثله فمنهم من لا يجيز الإخبار عن المبدل منه إلا والبدل معه [38] كما يفعل في النعت فتقول: الذي مررت به رجل زيدٌ، وبالألف واللام: المار به أنا رجل زيد، تجعل الرجل خبراً ثم تبدل زيد منه كما كان في أصل المسألة، وأبرزت الضمير لأنه جرى على غير من هو له، إذ الفعل للمتكلم وقد جرى على اللام. ومنهم من يجيز الإخبار عن المبدل منه دون البدل، فتقول على هذا: الذي مررت به زيد رجل، فتبدل زيد من الاسم المضمر كما كان بدلاً من/ مظهره، والألف واللام: المار به زيد أنا رجل، وأراه جائزاًَ على قبح.
وخالف النعت لأن المضمر لا ينعت ولا ينعت به، فإن أخبرت عن زيد في المسألة بالذي، قلت: الذي مررت برجل به زيد، وبالألف واللام: المار أنا برجل به زيد، قال المازني: وهو قبيحٌ [39] ، ومن أجاز ذلك أجاز زيد ضربت أخاك إياه، ويريد أن البدل فضله، وكما ليس في الكلام [40]- ومتى أسقط استغنى الكلام عنه، وإذا كان كذلك، فلو قلت: الذي مررت برجل، أو المار أنا برجل لكان فاسداً [41] لخلو الصلة عن العائد وهو جائز مع قبحه، لأن البدل ملتبس بالمبدل منه كالمسألة.
المسألة الثانية عشر ة: إذا قيل أحوج ما أنت إليه النحو، هل يكون كلاماً صحيحاً أولا؟
الجواب: هذا كلام فيه اضطرابٌ لا يكاد يصح به النظر فيه، وإن كان ظاهره متصلاً وذلك لأمرين:(32/490)
أحدهما: أن النحو مفعول من حيث أنه محتاج إليه، وأفعل لا يبنى من المفعول [42] ، لا يقال: زيداً أضرب من عمرو، وهو منصوب بمعنى أنه أكثر احتمالاً للضرب، وإنما جاء منه ألفاظٌ يسيرةٌ متأولة، نحو قولهم في المثل: أشغل من ذات النَّحيين [43] ، وأزهى من ديك [44] .
الأمر الثاني: أن ما هاهنا لا تخلو من أن تكون موصولة أو موصوفة وكيف ما كانت فلابد من جملة، تكون صلة أوصفه وليس بعدها هاهنا جملة [45] فإن زدت في المسألة وقلت: أحوج ما أنت محتاج إليه أو مُطّرٌ إليه صح من هذه الجهة الأولى.
المسألة الثالثة عشر ة: ليس ما وزنها، ولم اختصت بلفظ الماضي؟
الجواب: ليس فعل على الصحيح من المذاهب [46] ، ووزنه في الأصل: فعِل بكسر العين وذلك لا يخلو من أن يكون فعَل بفتح العين أو فعِل بكسر العين أو فعُل بضم العين، فأما قوله [47] :
فإن أهجه يَضجَركما ضَجْرَ بازلٌ [48]
فإنما أصله: ضَجرَ وإنما خفف على حد قولهم: كَتِف وكَتْفٌ.
وأما قوله [49] :
وما كل ساعٍ ولو سَلْفَ صَفْقَةٌ [50](32/491)
فأصله: سلَف بفتح اللام لكنه أسكن ضرورةٌ، فالإسكان في المكسورة لغةٌ وفي المفتوحة ضرورةٌ - وإذا كان كذلك فلا يجوز أن يكون ليس فعَل بالفتح إذا لو كان كذلك لبقى على حاله أو انقلب ألفاً لأن المفتوح لا يجوز تسكينه لخفته ألا ترى أنهم لا يقولون في نحو: قَلَم قَلْمٌ كما قالوا في كَتِف كَتْف، ولا يكون فَعُل أيضاً لأن ذلك لم يأت مما عينه أو لامه ياء لما يلزم من انقلاب الياء في المضارع واواً. إذا كان كذلك تعين أن يكون على وزن فَعِل بكسر العين على حد: صيد البعير [51] . والقياس أن يقلب ياؤه ألفاً لتحرك الياء وانفتاح ما قبلها على حد هاب، فيقال: ليس لكنهم قدموا فيه عدم التصرف لشبهه بالحرف النافي، وهو ما، وقيل لتضمنه ما ليس له في الأصل وهو النفي فجمد لذلك، ولم يأت منه مضارع ومعناه نفي ما في الحال كما أن ما كذلك، وإنما خصوا هذا المعنى بلفظ الماضي دون المضارع لأنهم لما أرادوا منه تصرفه للعلة المذكورة قصروه على لفظ الماضي ولم يأتوا بلفظ المضارع، لأن ذلك من دلائل التصرف فنكبوا عنه [52] ونظيره فعل التعجب وعسى ونعم، لما لم يُرَدْ فيه التصرف قصروه على لفظ الماضي فاعرفه- والله تعالى أعلم.
تمت ولله الحمد ظاهراً وباطناً
--------------------------------------------------------------------------------
[1] لم أقف على ترجمة له فيما اطلعت عليه من المراجع وكتب التراجم والطبقات.(32/492)
[2] القول بأن خبر كان مفعول به هو المفهوم من كلام سيبويه، قال في ترجمة الباب: "هذا باب الفعل الذي يتعدى به اسم الفاعل إلى اسم المفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لاسم واحد" ونزل خبر كان منزلة المفعول الثاني في باب ظن وعدم الاقتصار على الفاعل دون المفعول. وقد تابعه المبرد وابن السراج، انظر الكتاب 1/ 21، والمقتضب 3/ 97-98، والأصول 2/ 288-291، والِإنصاف 1/ 441-443، والتبيين 30، والمغني لابن فلاح 1 ق 69.
[3] يشير بهذا إلى شرط إعمال المصدر عمل فعله، وهو أن يحل محله فعل إما مع أن، نحو: سرني إكرام الضيف أي أن أكرم أو مع ما نحو يعجبني بذل المال غداً، أي ما يبذل.. انظر التبصرة 1/ 239، وشرح ابن يعيش 6/ 60، والِإيضاح لابن الحاجب 1/638، وشرح الكافية الشافية 2/012ا.
[4] سورهَ الفرقان آية 24.
[5] هذا البناء على حمل (خيرٍِ) على بابها فيكون التفضيل ليس المستقرين والمقيلين، باعتبار الزمان، والمعنى: أهل الجنة خير مستقراً في الآخرة من المترفين في الدنيا وأحسن فضلاً في الآخرة من أولئك في الدنيا ... أنظر البحر المحيط 6/493.
[6] من آية 72 {ورضوان من الله أكبر} سورة التوبة.
[7] انظر شرح المفصل لابن يعيش 5/138.
[8] من أمثلة سيبويه في الكتاب 2/ 135: وما أقول العرب: هو مثيل هذا وأميثل هذا فإنما أرادوا أن يخبروا أن المشبه حقيرٌ كما أن المشبه به حقيرٌ، وانظر المقتضب 2/ 273 ,والأصول 2/ 61
[9] النص في شرح المفصل 5/138 باختلاف في بعض الجمل والتراكيب.
[10] أشار المصنف إلى هذا التوجيه في شرح المفصل 3/95.(32/493)
[11] البتّة: مصدر مؤكد لا يستعمل إلا بالألف واللام يقال لا أفعله البتة للأمر الذي لا رجعة فيه، ونصبه على المصدر، ولا يكون إلا معرفة عند سيبويه، وسائر البصريين، وذهب الفراء من الكوفيين إلى تنكيره ... انظر: سيبويه 1/ 190 والتنبيه الإيضاح (بتت) واللسان (بتت) .
[12] هذا هو مذهب البصريين، أما الكوفيون فيرون أن الفعل أصل والمصدر مشتق منه، انظر تفاصيل الخلاف في الأصول
لابن السراج 1/137 والِإيضاح للزجاجي 56 والخصائص 1/121,113والإنصاف المسألة (28) والتبيين 143 ,149.
[13] سورة البلد: آية 14.
[14] قدره في شرح المفصل 6/11 بهو.
[15] يريد- والله أعلم- إن الإخبار عن الألف واللام بزيدٍ مثل الذي مع اختلاف في مدلول اللام، نحو: الكائن قائماً زيدٌ، فيؤتى باسم الفاعل من كان الناقصة صلة لأل على القول باسمية أل، وقائما خبر ولاسم مستتر يعود على أل، وزيد خبر أل، والباء بمعنى عن كما هو معروف في هذه المسألة.
[16] في الأصول لابن السراج 2/ 271: فإن أخبرت عن المفعول بالألف واللام قلت: الضاربة أنا زيدٌ وكان حذفها قبيحاً ... وانظر: شرح المفصل للمصنف 3/ 158.
[17] هو الأعشى ميمون بن قيس كما في ديوانه 57، والجمل 153، وشرح عيون الِإعراب 259، والحلل 194، وشرح ابن يعيش على المفصل 1/129.
[18] صدره: قالت هريرة لما جئت زائرها.
والبيت في شرح جمل الزجاجي لابن هشام 333 غير منسوب وويلي في الموضعين مصدر منصوب بفعل من غير لفظ الفعل، ومثله، ويح وويه وويت وويس، وإنما لم يكن له المصادر فعل من لفظها لأن الفاء والعين فيها من حروف العلة. ويصح أن يكون مبتدأ خبره متعلق الجار والمجرور بعده ... انظر: البيان 1/ 95 المصادر السابقة والشاهد قوله (يا رجل) حيث جاء المنادى مبني على الضمة لأنه نكرة مقصرة بعينها.
[19] انظر سيبويه 1/348-347.(32/494)
[20] انظر المقتضب 357 والأصول لابن السراج 1/ 380-381شرح المفصل 1/106.
[21] يريد أنه لا يسند إلى المصدر، لأن حذاق الصنعة من أهل العربية منعوا إسناد الفعل إلى المصدر.
[22] سيبويه 2/62.
[23] سورة الطارق آية 4.
[24] ما ذكره المصنف هو ما عناه سيبويه بقوله: وأما أكثرهم فأدخلوا في حروف الابتداء حين حذفوا كما أدخلوها في حروف الابتداء حين ضموا إليها ما ... انظر: الكتاب 1/283 وشرح ابن يعيش 8/72.
[25] إعمال إن المخففة المكسورة الهمزة ورد في استعمال العرب وأساليبها قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرًا المنطلق، ثم أورد قراءتي نافع وابن كثير لآية هي (111) {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} بتخفيف إن المكسورة ونصب كلا اسماً لها، وبهذه الآية أحتج البصريون على إعمال (إن) المكسورة الهمزة وبالقياس على (لم يك، ولم أبل ولا أدر) ومنع الكوفيون إعمالها لعدم مثبتها الفعل الماضي المبني على الفتحة، وأنكر الكسائي قراءة التخفيف في الآية السابقة بقوله: ما أدرى على أي شيء قرأ (وإن كلا) ووجه الفراء النصب في (كلا) على أنه بالفعل بعد (ليوفينهم) لكنه قال: وهو وجه لا أشتهيه ... انظر الكتاب 283، ومعاني القرآن 2/ 29-30 وإعراب القرآن 2/114 115، وحجة القراءات 350 والكشف 1/ 536-537، والأزهية 35، والإنصاف 1/ 111-115، والتبيين 347-352.
[26] هو الأعشى كما في ديوانه 59 وراية الشطر الثاني فيه (أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل) .
وهو برواية المصنف في الكتاب 1/ 282، 440/123 ومعاني القرآن للأخفش 2/ 299، والمقتضب 3/ 9، والأصول(32/495)
2/ 239، وشرح أبيات سيبويه لابن النحاس 124، وابن السيرافي 2/ 76، والخصائص 2/ 441، والمحتسب 1/2318/103، والمصنف 3/ 129، والأزهية 57، والنكت في تفسير كتاب سيبويه 1/515-516، وأمالي ابن الشجري 2/ 2، والإِنصاف 199، وشرح المفصل لابن يعيش 8/ 74. والفتية جمع فتى وهو الشاب (في فتية) في هنا بمعنى مع، أي مع , أي مع فتية كالسيوف. وجملة (قد علموا) في محل جر صفة لفتية، وفي البيت تشبيه الفتية بالسيوف في مضائهم وعزمهم، أوفي صباحة وجوههم التي تلمع كالسيوف. (أن هالك) سدت مسد مفعولي علم. والشاهد إضمار اسم أن في قوله (أن هالك) لأن أن إذا خففت ووليها ما يقوم بنفسه من مبتدأ أو خبر أو فعل وفاعل حذف اسمها على تقدير ضمير الشأن أو القصة.
[27] أنظر الأزهية 61، مشكل إعراب القرآن 2/ 422، والتبيان 2/ 472.
[28] سورة المزمل آية 20
[29] سورة المائدة آية 71.
[30] الرفع على قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي وعلى هذا الوجه تكون حسب لليقين وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، ولا عوض عما حذف منها، والتقدير: وحسبوا أنه.
[31] وبه قرأ باقي السبعة، وعلى هذا الوجه أن حرف مصدري ينصب الفعل المضارع، وحسب يفيد الشك. انظر الكتاب 1/ 481، وحجة القراءات 233، والكشف 1/416.
[32] انظر الكتاب 1/ 475، والمقتضب 2/ 359، والأزهية 32.
[33] سورة الأنعام آية 148.
[34] سورة يس آية 29.
[35] سورة يوسف آية 40
[36] في المقتضب 2/ 359 إشارة إلى أن غير سيبويه يجيز نصب الخبر بها تشبيها بليس كما فعل في (ما) ورجع هذا القول لأنه لا فصل بينها وبين ما في المعنى، والى هذا القول ذهب جماعة من النحاة منهم ابن السراج في الأصول 1/ 236. ونسب الهروي في الأزهية 33هذا القول للكسائي ... انظر: المحتسب 1/ 270، والمغني لابن فلاح 1/ق87 والبحر المحيط 4/ 444، والجني الداني 229(32/496)
[37] حذفت التاء في الأصل وليس لذلك وجه فوضعنا بين الحاصرتين.
[38] عزا ابن السراج في الأصول 2/ 304 هذا الوجه إلى المازني، ثم قال: وإلى هذا أذهب، وانظر المقتضب 3/ 111، وشرح الكافية 2/42 وشرح جمل الزجاجي 2/505،507.
[39] انظر الأصول 2/ 305.
[40] هذا النص مقلق لا يفهم منه المراد.
[41] أنظر الأصول 2/ 305.
[42] يريد أن اسم التفضيل لا يصاغ من الفعل المبني للمجهول والمسألة خلافية، والجواز مشروط بأمن اللبس. انظر شرح عمدة الحافظ 758.
[43] المثل في امرأة من بني تيم الله بن ثعلبة كانت تبيع السمن في الجاهلية ولها حديث مع خوات الأنصاري قبل إسلامه يستقبح ذكره وبسببه قيل فيها المثل المذكور… انظر: الفاخر في الأمثال 86، وكتاب الأمثال لأبى عبيد 374، وجمهرة الأمثال 1/ 564، ومجمع الأمثال 1/376، والمستقصى 1/196، وفصل المقال 503.
[44] المثل في كتاب الأمثال 360 يردان (من غراب) وجمهرة الأمثال 1/257، ومجمع الأمثال 1/327، والمستقصى 1/151، وفصل المقال 491. وقد تعرض المصنف لهذه المسألة في شرح المفصل 7/94-95.
[45] الذي قدره المصنف هو متعلق الجار والمجرور (إليه) الملحوظ من سياق الكلام ولكن لما غلب أن يكون متعلق الجار والمجرور كائن أو مستقرٌ قدر المصنف (مُحتاج أو مُطّر) لافتقار المعنى إليه.
[46] يشير المصنف إلى الخلاف في فعلية ليس، فقد ذهب أبو علي في المسائل الحلبيات إلى أنها حرف. ونسب هذا القول إلى أبى بكر بن شقير فيكون القول في المسألة قوله ووافقه أبو علي الفارسي، والراجح عند جمهور النحويين أنها فعل بتحملها الضمائر واتصال تاء التأنيث الساكن بها ... انظر: سيبويه 1/21 والمقتضب 4/87،190 والأصول لابن السراج 1/82، والمسائل الحلبيات ق 55-61، والتبيين 308، والمغني لابن فلاح 1ق 68 -69، والجني الداني 459، ومغني اللبيب 325.(32/497)
[47] هو الأخطل التغلبي كما في معجم مقاييس اللغة 3/ 390، والصحاح والتنبيه والإيضاح واللسان (ضجر) .
[48] تمام البيت: من الأدم ديرت صفحتاه وغاربه.
والبيت في المنصف 1/ 21 غير منسوب. الشاهد (ضُجْر) بتسكين الجيم استثقالاً للكسرة
[49] هو الأخطل كما في ديوانه 84 برواية: وما كل مغبون، كما ورد في أدب الكاتب 538، والمنصف 1/21، وشرح أدب الكاتب للجواليقي 386، واللسان (سلف)
[50] تمام البيت: براجع ما قد فاته برداد.
وقد ورد الشاهد غير منسوب في الخصائص 2/338، والمحتسب.1/53، 62، والاقتضاب 405، وشرح ابن يعيش 7/152، وشرح جمل الزجاجي 2/582 ... والشاهد قوله (سلْف) بسكون اللام المفتوحة ضرورة، وعدّهُ ابن جني في المنصف شاذاً لأنه احتمل أن يكون من فعل بكسر العين لكنه فعل غير مستعمل إلا أنه في تقدير المستعمل وإن لم ينطق به.
[51] الصيد: داء يأخذ بأنف البعير فيميل منه رأسه، وهو من أمثلة المصنف في شرح المفصل 7/112، وانظر: التهذيب 12/ 121، والصحاح (صيد) والمخصص 7/ 170، والتبيين 313-314.
[52] في المقتضب 4/87: إذا قلت أليس زيد قائماً غداً أو الآن- أردت ذلك المعنى في يكون قَلَمّا كانت تدل على ما يدل عليه المضارع استغني عن المضارع فيها، ولذلك لم يبن بناء الأفعال من بنات الياء مثل باع، وانظر شرح المفصل لابن يعيش 7/112.(32/498)
العدد 71-72
فهرس المحتويات
1-الوصية السادسة
2- مَوَاردُ الإِمَامِ البَيْهَقِي في كِتَابِهِ: السُّنَنِ الكُبْرَى مَعَ دِرَاسَةٍ نَقْدِيَّةٍ لمنهَجِهِ فيهَا: الدكتور نجم عبد الرحمن خلف
3- الحِيَل: الدكتور محمد المسعودي
4- رسالة في تحَقيق مَعنَى النَّظمِ والصِّيَاغةِ: لابن كمال باشا (ت:940هـ) درَاسَة وَتحقِيق الدكتورْ حَامِدصَادِق قنيبي
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(32/499)
الوصية السادسة
قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (الأنعام: من الآية152) .
المناسبة:
إن الله عز وجل رب العالمين، فهو سبحانه مربي كل مخلوق وراعيه، بكل ما تعنيه كلمة التربية والرعاية، وإذا كانت رعايته شاملة لجميع مخلوقاته، فإنها في حق بني آدم آكد وأشد، لأنه تعالى اصطفي آدم وذريته، وفضلهم على كثير من المخلوقات، لذلك جاءت عناية الرب عز وجل باليتيم الصغير الضعيف الذي لا إدراك له، ولا فهم ولا نضوج، تامة وافية بجميع مقاييس الحفظ والرعاية، نعم جاءت عناية الله في الوقت الذي فقد فيه هذا الصغير من يحوطه من البشر ويرعاه، ويدفع عنه نوائب الدهر وقسوة الحياة، فقررت قاعدة اجتماعية عظيمة، طالما حرمها اليتيم في المجتمعات الجاهلية، قاعدة التكافل الاجتماعي، التي ألقت بالمسئولية على كواهل المسلمين الفرد والجماعة في ذلك سواء. هذا من نظام الإسلام الذي تميز بحفظ الحقوق والواجبات لجميع أفراد الجنس البشري، فكم من يتيم ضاع في المجتمع الجاهلي، لا يجد الساعد الذي يحميه، ولا البيت الذي يؤويه، تنهب أمواله، وتنتهك حرماته، لذلك قيل: "أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام، لهذه الأسباب ولغيرها من المصالح العظيمة أوصى الله عز وجل بالأيتام، وجعل الأمة الإسلامية ذات مسئوليات محددة تقوم بالحقوق والواجبات على مستوى الفرد والجماعة، وأرسى قواعد التكافل الاجتماعي، ونوه بحماية اليتيم في غير ما آية من كتابه العزيز [1] .
البحث اللغوي:
أ- المفردات:
قوله: " ولا تقربوا"
من قربت الشيء أقربه إذا دنوت منه قال تعالى: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} (البقرة: من الآية35) وقال(32/500)
عزوجل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} (الاسراء: من الآية32) وتقدم قوله: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} (الأنعام: من الآية151) كل ما ذكر من هذا الباب. والمراد النهي عن الأسباب الموصلة إلى ما ذكر بغير حق [2] .
اليتيم: أصله الانفراد؛ يقال درة يتيمة، إشارة إلى انقطاع مادتها التي خرجت منها، ويقال: بيت يتيم تشبيهاً بالدرة اليتيمة.
فاليتم في الناس فقدان الأب، والحيوان فقدان الأم. ويجمع على أيتام، كشريف وأشراف، وعلى يتامى، كأسارى. وبه نطق الكتاب الحكيم، وعلى يتمة، من قولهم: يتم فهو ياتم وهو غير مسموع من العرب [3] .
(أشده) :
قال الفراء: "واحدها شَدة في القياس، ولم أسمع لها بواحد"، وقال أبو الهيثم: "واحدة الأنعم نعمة، وواحدة الأشد شدة، والشدة؛ القوة والجلادة. وبلوغ الأشد، مبلغ الرجل الحنكة والمعرفة"، وقيل: "بلغ الرجل الأشد إذا اكتهل، وذكر أنه من نحو سبع عشرة إلى الأربعين، أو ما بين الثلاثين والأربعين" [4] .
وقد تعددت آراء المفسرين في المراد بالأشد على أقوال [5] :
1- أنه بلوغ ثلاث وثلاثين سنة، رواه ابن جبير عن ابن عباس.
2- أنة السن ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
3- أنه أربعون سنة، روي عن عائشة رضي الله عنها.
4- أنه ثماني عشرة سنة، قاله سعيد بن جبير ومقاتل.
5- أنه خمس وعشرون سنة، قاله عكرمة.
6- أنه أربع وثلاثون سنة، قاله سفيان الثوري.
7- أنه ثلاثون سنة، قاله السدي.
8- أنه بلوغ الحلم، قاله زيد بن أسلم والشعبي ويحيى بن يعمر وربيعة ومالك بن أنس.
وذكر الشيخ محمد الأمين رحمه الله: "أن الأشد يتناول البلوغ ويتناول ما ذكر آنفاً وغيره ومن إطلاقه على الخمسين قول الشاعر:
أخو خمسين مجتمع أشدي
ونجذنى [6] مداورة [7] الشئون(33/1)
وقال الألوسي رحمه الله: "وأياً ما كان فهو من الشدة أي القوة أو الارتفاع من شد النهار إذا ارتفع، ومنه قول عنترة:
عهدي به شد النهاركأنما
خضب الليان ورأسه بالعظلم [8]
وقول الآخر:
تطيف به شد النهار ضعينة [9]
طويلة أنقاء اليدين سحوق [10]
والذي يظهر لي والله أعلم أن المراد بالأشد في شأن اليتيم بلوغ الحلم مع حسن التصرف وهو المبين في قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [11] . وبلوغ الحلم هو بلوغ النكاح، لكنه مشروط بإيناس الرشد. فكم من كبير غير رشيد ولا يحسن التصرف وهذا ما رجحه الشوكاني رحمه الله قال: "والأولى في تحقيق بلوغ الأشد، أنه البلوغ إلى سن التكليف مع إيناس الرشد، وهو أن يكون في تصرفاته بماله سالكاً مسلك العقلاء، لا مسلك أهل السفه والتبذير" [12] .واستدل رحمه الله بالآية السابقة.
الإيضاح
يقول تعالى في هذه الوصية: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} (الأنعام: من الآية152) إن مما حرم الله عزوجل على عباده مقاربة مال اليتيم، والدنو منه باتخاذ الأسباب الموصولة إليه بمعنى أنه لا يجوز لمسلم أن يدنو من سبب يؤدي به التصرف في مال اليتيم ومقارفته والمنع موجه لكل من ولي أمر يتيم مباشرة، أو بواسطة وليه أو وصيه القائم على شئونه. وهذا نهي عن جميع التصرفات التي لا تعود بنفع ولا تدفع ضررا.
{إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} (الأنعام: من الآية152) :(33/2)
إلا بالصفة الحسنة وهي العمل الذي يقوم به صلاح ماله وتنميته وحفظه من الضياع، فإن الله عز وجل أباح لكل من يقوم على أمر يتيم أن يتصرف بهذا الشرط في أمواله فيصرفه فيما يعود عليه بالنفع يجتهد في رجحان مصلحته من استثماره، والإنفاق منه على تربيته وتعليمه، وما يصلح به معاشه ومعاده، وهذا باب عظيم من أَبواب الشريعة الإسلامية. ألا ترى أن الرب عز وجل من بالغ حكمته ولطفه بعباده الكافل والمكفول. نهى عن قرب مال اليتيم، لأن النهي عن قرب الشيء أبلغ من النهي عنه؛ لأنه يتضمن النهي عن الأسباب والوسائل المؤدية إليه، والتصرفات التي توقع فيه، والنهي عن قرب الشيء يتضمن أيضاً النهي عن الشبهات التي تحتمل التأويل فيه، فيجد المسلم المتقي إذ يعدها هضماً لحق اليتيم، ولا يقع فيها إلا طامع يرى أنها بالتأويل مما يحل، وهذا باب من الشر يغلق بفهم النهي عن قرب الشيء. فليحذر المسلم مواطن الانزلاق فإن فيها مكامن خطر لا ينجو منها إلا من حفظه الله. والأخذ بالأحوط من أسباب الحفظ والسلامة.
{حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (الأنعام: من الآية152) :(33/3)
هذا القيد غاية لإباحة التصرف في مال اليتيم بما يصلحه، ومن إصلاحه منع اليتيم نفسه منه حتى يكون راشداً في تصريف ماله كغيره من العقلاء. فإن الولي أو الوصي ممكّن شرعاً من منع اليتيم من تبديد ماله وإضاعته، أو الإسراف فيه. فالقيد المذكور غاية لما يفهم من الاستثناء، لا للنهي كأنه قيل: "احفظوا مال اليتيم حتى يبلغ، فإذا بلغ فادفعوا إليه ماله"، كما في قوله عز وجل: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (النساء: من الآية6) وإن مما يجدر التنبيه إليه أن النهي عن قرب مال اليتيم عام فلا يجوز التصرف في ماله بما يفسده من قبل أي أحد ومن وقع في شيء من ذلك فإنه مؤاخذ مهما بعد وإذا كان النهي يتناول الولي والوصي بالدرجة الأولى فهو لغيرهما من باب الأولى، ثم إن على المسلم أن يحذر هذا الأمر أشد الحذر وأن يتعامل مع المسلمين وفق ما شرع الله لاسيما في هذا الزمان الذي عبدت فيه المادة وكثر أتباع الدرهم والدينار ومن تأمل هذه الوصية وما جاء في أمر اليتيم من الآيات يعلم علم اليقين ما في نظام الإسلام من سعادة وحماية لكل فرد؛ إن حماية الأموال تقوم على أساسين هامين في حياة كل فرد:
1- القوة المادية؛ قوة اليد.
2- القوة الفكرية؛ قوة الرشد والعقل، وتدبير الأمور.(33/4)
ومن ألقى نظرة على ما كان عليه المجتمع الجاهلي يجد أن أصحاب الأفكار المادية لا يحترمون إلا القوة ولا يخضعون إلا للأقوياء. ومن هنا نعلم الشرع حينما بالغ في الوصية باليتيم إنما يعطيه الحصانة والحفظ من أي اعتداء. وإذا كانت معاناة اليتيم في ذلك المجتمع بالغة الصعوبة فإنه في هذا العصر عصر الماديات، والأساليب الماكرة الخادعة أحوج ما يكون إلى أن يعيش في ظل الإسلام الذي وفر له الحماية الكافية. لأن اليتيم في غير المجتمع الإسلامي لا يقدر على حماية نفسه وماله إلا إذا بلغ قوة الساعد وحصافة العقل، وكان رشيدا في عقله وأخلاقه وتجاربه ولن يحصل مع هذا على الحماية الكافية لكثرة الغش وأساليب الحيل الماكرة. أما الإسلام فإنه يوفر له الحماية الكاملة من خلال نظامه العام. طالما هو في حاجة إليها، ولا غنى لأحد عنها لكنه عند إيناس الرشد، وبلوغ الحلم، جاز له أن يستقل بنفسه والنظر لها، لمعرفته بما يصلح شأنه، وبصره بوجوه الأخذ والعطاء، لأنه في هذه الحال يزول عنه اسم اليتم ومعناه، من الحجر وغيره، أما إذا بلغ الحلم وهو مستمر في غرارته وسفهه، متماد في جهالته فإنه في هذه الحال يزول عنه اسم اليتم حقيقة، ويبقى عليه حكم الحجر، لقصور فكره عن إدارة شئونه. وعلى أي حال فكم للإسلام من ميزة في هذا الباب وغيره، إن الجاهليين كانوا لا يتحرجون من التصرف في أموال اليتامى، بحق وباطل، فيأخذون أموال اليتامى، ويبدلونها بأموالهم، فيقول الرجل منهم: مائة بمائة، فنهى الله عباده عن ذلك فقال: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [13] . وكانوا يتسلطون على أموال اليتامى؛ بالأكل والانتفاع فنهى الله عباده عن ذلك فقال: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [14] أي لا تضموا أموالهم إلى أموالكم لتنتفعوا بها في الأكل وغيره. وقد توعد الله عز وجل أكلة أموال اليتامى، قال تعالى:(33/5)
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [15] وقد خرج النهي عن الأكل مخرج الغالب؛ وإلا فالإحراق والإغراق وكل إتلاف له محرم شرعاً ولا يدخل في هذا ما أباح الله للولي الفقير أن يأكل بالمعروف [16] ؛ لأن الإباحة مشروطة بأن يكون فقيراً، وأن يأكل بالمعروف.
وقد نوهت السنة النبوية بشأن كافل اليتيم على النهج الذي رسمه الشارع الحكيم فقد جاء في أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وقال بأصيعيه السبابة والوسطى [17] . فأي تكريم أعظم من هذا، وأي ثواب أجزل، وحق لكافل اليتيم أن يبالغ في الحفظ والرعاية، فإنه يحوط من لا يعقل أمر دينه ولا دنياه، فيرشده إلى الخير، ويعلمه أسباب الصلاح والنجاح، ويحسن معاملته وتربيته ويرعى مصالحه، ويدير شئونه بمنتهى الأمانة والإخلاص، فظهرت مناسبة عقد ذلك القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأحكام
1- تحريم الاعتداء على مال اليتيم، وجاء التعبير بالنهي عن القرب مبالغة في الزجر ليشمل كل سبب يجر إلى اعتداء عليه، أو إتلاف له.
2- يستظهر من الوصية أن النهي عام يشمل الأولياء والأوصياء وكافة الناس، وإلا لما تحققت الحماية التي هي مقصود الشارع.
3- إباحة التصرف في مال اليتيم بما يصلحه وينميه، مع الأخذ بالأحوط وعدم المجازفة.
4- وجوب دفع مال اليتيم كاملاً غير منقوص عند بلوغه الحلم وإيناس الرشد منه، وتمكنه من حفظه والتصرف فيه تصرفاً معقولا.
الوصية السابعة
قوله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (الأنعام: من الآية152)
المناسبة:(33/6)
جاءت الوصايا السابقة مؤكدة أن المجتمع السليم لا يقوم إلا على تلك الأسس العظيمة؛ بناء العقيدة النقية، صيانة المجتمع في النفس، والعرض والمال، وهنا تتحدث الوصية عن أمر لا يقل أهمية عما سبق إذ أن أفراد أي مجتمع لابد لهم من تبادل المنافع والسلع
ولا ريب أن إشاعة الثقة بين أفراد المجتمع ونشر بنود العدل على ربوعه لا تتجلى في أسمى معانيها إلا إذا نبعت من عقيدة صحيحة وتجسدت في تعامل نظيف بين أفراده، لذلك جاءت هذه الوصية تؤكد هذا الجانب الهام من جوانب بناء المجتمع السليم، ولقوة الصلة بين العقيدة والمعاملات، اعتنت هذه الوصايا بقضية العقيدة والعبادة وربط المعاملات بها، نقضاً لما كان عليه المجتمع الجاهلي من الفصل بين العقيدة والعبادات، وبين الشرائع والمعاملات، وهذا المبدأ الذي رفضه الإسلام وأماته، يسعى اليوم دعاة الشر والجاهلية إلى إعادته وإحيائه، وهو ما يسمونه بفصل الدين عن الدولة، وذلك مبدأ هدام، وفكرة خطيرة، ونجاحها في المجتمع الإسلامي كفيل بتقويضه وإحياء الجاهلية الأولى على أنقاضه، وليس عندي أدنى شك في أن محاربة تلك الأفكار وبيان فسادها من الجهاد في سبيل الله.
البحث اللغوي:
المفردات:
(أوفوا) : أي أتموا ولا تنقصوه. والوافي الذي بلغ التمام ولم يعتريه نقص [18] .
(الكيل) : المراد: المكيل أي الشيء الذي يكال، وهذا من إطلاق الصفة على الموصوف، والمكيال: أداة الكيل، كالمد والصاع [19] .(33/7)
(الميزان) : المراد: الموزون من إطلاق اسم المحل على الحال. فالميزان آلة الوزن مثل (الكيلو) و (الجرام) وبهذه المناسبة يحسن أن نذكر حديثاً أخرجه أبو داود رحمه الله قال: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة [20] ، حدثنا ابن دكين [21] ، حدثنا سفيان [22] ، عن حنظلة [23] ، عن طاووس [24] ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة" ثم [25] هذا الحديث تنوعت أقوال العلماء فيه فذهب بعض العلماء في فكره مذهباً بعيدا إذ فسر هذا الحديث بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بهذا القول أن يضع قاعدة عامة يضبط الناس بها معاملاتهم وزناً وكيلا، فجعل ميزان أهل مكة ومكيال أهل المدينة أساساً لمقادير الأوزان العالمية المتنوعة في البلدان بحسب تنوع الأعراف فيها، ولاريب أن تنوع الأعراف غالباً ما يكون سبباً في الاختلاف لاسيما في المعاملات، ففهم صاحب هذا الرأي أن الحديث الشريف جاء حاسماً لأي اختلاف قد يطرأ مرشداً إلى ما يحدد المقدار مما يكال ويوزن وذلك بالرجوع إلى ميزان أهل مكة، ومكيال أهل المدينة فتخضع جميع مقادير الموازين العالمية عند الاختلاف لمقدار ميزان أهل مكة، فتخضع جميع مقادير المكاييل العالمية لمقدار مكيال المدينة. والحق أن من ذهب إلى هذا الفهم وأول الحديث الشريف عليه قد أبعد النجعة ولم يحالفه الصواب. إذ أن ما عليه أكثر الفقهاء وعلماء الأمصار خلاف هذا الفهم، ولأن الشريعة الإسلامية لم تغفل العرف وجعلت له دوراً في حل كثير من القضايا وبيان ذلك لو أن رجلاً أقَر لرجل بموزون أو مكيل لكن وقع بينهما خلاف في المقدار، فإن الشرع في هذه الحال يعطي العرف دوره في حل هذا الاختلاف وذلك بأن يحكم في تحديد المقدار بما تعارف عليه أهل البلد الذي تم فيه التعامل وهو حكم لا غبار عليه. والأمر الهام الذي جاء الحديث الشريف ليعطي فيه قاعدة شرعية هو نوع واحد من الموزون ذلك النوع(33/8)
هو الذهب والفضة لأن هذا النوع يتعلق به حكم شرعي، هو وجوب الزكاة، أو عدمه. بخلاف غيره مما يتعلق بمعاش الناس، وما يتعاملون به في البيع والشراء، ولما كان المضروب من الذهب والفضة. يختلف باختلاف الأمصار [26] ويتعلق به الحكم الشرعي تدخلت السنة المطهرة لتضع قاعدة تحدد مقداراً ترجع إليه الأمة في تحديد ما يجب شرعا، فجعلت ميزان أهل مكة مرجعاً يحسم اختلاف الناس في الذهب والفضة خاصة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "والمكيال مكيال أهل المدينة" أراد به نوعاً خاصاً وهو الصاع الذي يتعلق به حكم شرعي فبه تقدر زكاة الحبوب، وصدقة الفطر، وتقدر النفقات، وحكم الأمة في هذه الأمور واحد وإن تعددت البلدان ونأت بهم الديار، وتنوع المكاييل بحسب تنوع الأعراف، فلكل بلد
عرفه في ما يكال [27] ويوزن، لكنه مقيد بنوع خاص يرجع فيه إلى ميزان مكة وهو الذهب والفضة. وإلى مكيال المدينة وهو الصاع للوفاء بالحكم الشرعي [28] .
القسط: المراد به هنا العدل؛ وهو بكسر القاف تقول: أقسط الرجل فهو مقسط؛ ومنه قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} [29] . وقوله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْط} [30] ، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [31] .
ومن معانيه المكيال، وقدره نصف صاع. والحصة والنصيب تقول: تقسطنا الشيء بيننا.
والقسط بفتح القاف؛ المراد به الجور والعدول عن الحق، وإذا أخذ حق غيره وظلم وجار، سمي قاسطا؛ من قسط يقسط بكسر السين قسوطاً قال الله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [32] .
الوسع: المراد به هنا القدرة والطاقة في تحري العدل والوفاء [33] .
الإيضاح(33/9)
هذا المبدأ الاجتماعي الهام قرره رب العزة والجلال في أكثر من موضع في كتابه العزيز ومنها ما نحن بصدد بيانه قال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} [34] . فكأن نبي الهدى والرحمة المبلغ عن الله عز وجل يقول: "ومما أتلوا عليكم أيها المسلمون من وصايا ربكم أن أوفوا الكيل إذا كلتم للناس، أو اكتلتم عليهم لأنفسكم وأوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون، أو لغيركم فيما تبيعون، فليكن كل ذلك وافياً تاماً بالعدل لكم أو عليكم، ولا تكونوا من المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ينقصون الكيل ويبخسون الوزن وهم الذين توعدهم الله عز وجل بالويل والهلاك" [35] . وهذا النهي مفهوم من الأمر بالإيفاء فهو مقابل له ولازم له لأن الإيفاء يستلزم عدم النقص بأي حال من الأحوال والنقص يستلزم عدم الإيفاء. وقد تقدمت الإشارة إلى ما قرره رب العزة والجلال من النهي عن التطفيف في سورة المطففين.(33/10)
وقوله عز وجل: {بِالْقِسْطِ} (الرحمن: من الآية9) فيه لفتة هامة إلى أن الإيفاء لا يكفي أن يكون من طرف واحد بل لابد أن يكون من الجانبين في حالة الأخذ والإعطاء. أي أوفوا مقسطين أو ملابسين للقسط متحرين له، فدل على أنه يجب على الإنسان أن يرضى لغيره ما يرضى لنفسه وهذا ما قررته السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم إذ ثبت عنه أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" [36] . وقد تواتر الأمر بإيفاء الكيل والميزان وكل كلام الله عز وجل متواتر فقال: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [37] وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [38] . ومن يتأمل كتاب الله عز وجل يجد أن الله عز وجل قد قص على هذه الأمة فيما قص من أنباء الأمم لتحصل لنا العبرة ويكمل الوعظ بما حدث لتلك الأمم ومن ذلك أنه عز وجل أهلك قوم شعيب ودمر مساكنهم وأبادهم بما كان من ظلمهم وفسادهم، وكان أمره عز وجل جزاء وفاقا لتكبرهم وعنادهم، طففوا الكيل وعموا وصموا عن سماع الحق فكان عاقبة ذلك الخسران المبين ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، بلى إنهم موقوفون وعلى أعمالهم محاسبون ومجزيون الجزاء الأوفى. وحينما يتأمل الناظر في هذه الآيات قد يظهر له أن إيفاء الكيل والميزان هو القسط عينه فيتساءل عن فائدة هذا التكرار. والجواب عن ذلك أن في هذا التعبير لفتة ظريفة وهي أن يعلم المعطي أن الواجب عليه أن يؤدي الحق لصاحبه كاملاً غير منقوص، فلا يطمع في استبقاء شيء منه وإن قل، وليعلم الآخذ أن له أن يأخذ حقه كاملاً من غير طمع في الزيادة وإن قلت وهذا عين القسط وتمام الإيفاء [39] .
قوله تعالى: {لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [40] .(33/11)
هذه الجملة الكريمة مستأنفه كشف الله بها غمة عظيمة، وهون ما قد يجيش في نفس المسلم الورع فقد يتوهم أن الإيفاء واجب على التحقيق لاسيما وقد أردف بقوله: {بِالْقِسْط} (الرحمن: من الآية9) فيظن أن المراد كمال الإيفاء المطلق بحيث لا يزيد على ما يستحقه صاحب الحق أدنى زيادة، ولا ينقص منه أقل القليل، ولا ريب أن تحقيق هذا صعب جداً ولا يمكن الوفاء على هذا النحو، لتحقيق الوفاء بالقسط أمر دقيق جداً ولا يتحقق في كل مكيل وموزون إلا بآلات بالغة في الحساسية ودقة الوزن والكيل إلا أن يكون ذلك بموازين الذهب التي تضبط الوزن بأقل ما يمكن وزنه أو بأجهزة (الكمبيوتر) البالغة الدقة وهذا فيه عنت وحرج على الأمة الإسلامية ولا يمكن أن تتوفر هذه الموازين لكل فرد من المسلمين وإن وجدت في عصر ما خلت منها عصور، فكانت رحمة العليم الخبير بشئون عباده تجلّل عباده توسعة عليهم ورفعاً للحرج، وليزيل ما قد يرد على صدور الأتقياء منهم من هواجس فقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [41] وهنا يفهم المسلم أن الله عز وجل لا يكلف عبدا إلا ما يسعه فعله، بأن يؤدي ما كلف من غير عسر ولا حرج، فهولا يكلف من يشتري أو يبيع أنواع الحبوب والفواكه وغيرها من الأقوات أن يكون كيله ووزنه على ما تقدم من الوصف في الدقة والكمال بحيث لا يزيد حبة ولا ينقص مثقالا، بل هو مكلف أن يكون كيله ووزنه منضبطا في بيعه وشرائه على حد سواء وعلى القدر الذي تعارف الناس ويكون معتقداً أنه أوفى الناس حقوقهم ولم يتطرق الظلم إلى معاملاته بزيادة أو نقص يعتد به عرفا، ويبرز هذا المنهج جليا للناظر، أنه قاعدة في اليسر عظيمة، وأساس في رفع الحرج عن هذه الأمة، فحصر التكليف بما في وسع المكلف غاية في التيسير، والبعد عن المؤاخذة فيما يقابل ذلك، وهذا من أعظم مقاصد الدين الإسلامي الذي جاء به محمدصلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فهلا نبذ المسلمون(33/12)
حاكمون ومحكومون القوانين الوضعية، واستناروا بسرج الحق والهداية لتستقيم أمور معاملاتهم، وتسود الثقة والأمانة فيما بينهم، وليكونوا قدوة لغيرهم من الأمم في الخير، وحجة على المطففين والمفسدين، وما فسدت أمور المسلمين في عصر من العصور، وقلت ثقتهم بأنفسهم، واحتلت ثقتهم بالأجانب مكاناً رفيعاً من أنفسهم إلا بسبب البعد عن منهج الله، والخضوع للقوانين المستوردة فأعرضوا عما أوصاهم به العليم الخبير وحثهم على التمسك به البشير النذير.
الأحكام
1- وجوب بذل الجهد في إيفاء الحقوق على أتم ما يمكن.
2- يفهم من الأمر بالإيفاء تحريم النقص ويتأيد هذا الفهم بقوله تعالى: { ... فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ} [42] .
3- أن من تحرى الحق واجتهد في الوصول إليه ولم يصبه فلا لوم عليه ولا عقاب ويتأيد هذا الفهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر" [43] .
4- جواز الاجتهاد في الأحكام والآية الكريمة أصل في ذلك وحديث معاذ رضي الله عنه يؤيد هذا الفهم [44] .
الوصية الثامنة
قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} (الأنعام: من الآية152) .
المناسبة:(33/13)
إن المتأمل في الوصية السابقة وهي الأمر بالإيفاء وتحري الكمال في أداء الحقوق وأخذها، قد يرى مناسبة للربط بين الوصيتين؛ وهي أن إيفاء الحقوق لا يقوم إلا على ركيزة أساسية في المجتمع المسلم، وهي مبدأ العدالة في الحقوق والواجبات، المتعلقة بسائر المعاملات التجارية وغيرها، لكنه خص المعاملات التجارية في الوصية السابقة، ثم أردف بالأمر بالعدل والتزام الإنصاف في المعاملات القولية، الشاملة للشهادات والأمور القضائية، وغيرها مما يتعلق بإظهار الحق وإشهاره بين أفراد المجتمع المسلم، مع قطع النظر عن أي مؤثر آخر يخرج عن التزام المنهج السوي في الجهر بالحق وإيصاله إلى ذويه، حتى ولو كان من المؤثرات رابطة النسب أو وشائج القربى فليس لها وزن في مقابل الإنصاف والتخلق بهذه الخلة العالية الرفيعة. وفي نظري أن الوصيتين هنا من باب عطف العام على الخاص.
البحث اللغوي:
العدل: ما قام في النفس أنه مستقيم. وهو ضد الجور. وفي أسماء الله عز وجل العدل؛ وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، وهو في الأصل مصدر سمي به، فوضع موضع العادل، وهو أبلغ منه، لأنه جعل المسمى نفسه عدلا. والعدل: الحكم بالحق، يقال: هو يقضي بالحق ويعدل، وهو حكم عادل، ذو معدلة في حكمه [45] .
القربى: القرابة والقربى: الدنو في النسب، والقربى في الرحم، وفي التنزيل العزيز: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [46] وأقارب الرجل، وأقربوه؛ عشيرته الأدنون. وفي التنزيل العزيز: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [47] وجاء في التفسير أنه لما نزلت [48] هذه الآية صعد الصفا، ونادى الأقرب فالأقرب، فخذاً فخذاً [49] .
الإيضاح(33/14)
لما قرر عز وجل أهمية الإيفاء وخصه بوصية تنويهاً بشأنه العظيم في إصلاح المجتمع فهذا النوع من التعامل الاجتماعي من أبرز ما يحصل به الاحتكاك بين أفراد المجتمع في حياتهم اليومية نوه سبحانه بالأساس الذي يقوم عليه أمر إيفاء الحقوق وهو العدل في كل شأن من شئون الحياة، ولعل ذكر القول هنا دون غيره إشارة إلى أن القول والتخاطب هو العامل الرئيسي في المعاملات، فأراد رب العزة والجلال أن يقرر أن وسيلة التعامل هذه يجب أن تكون مبنية على الأساس الذي يحفظ الحقوق وهو العدل فكما أن العدل واجب في الأفعال كالأوزان والمكاييل، فهو كذلك واجب في الأقوال التي تبنى عليها المعاملات بين أفراد المجتمع، لأن العدل أساس عظيم تصلح به شئون البشرية جمعاء، فالعدل أساس المدنيات، وركن تقوم عليه حضارة الأمة، وبه يشمخ البناء، وتعلو صروح الفضيلة في المجتمع، وهو أساس دوام الملك، والمحور الذي يرتكز عليه النظام الإنساني في كل ما يتعلق بحياة هذا المخلوق، فيقرر الرب سبحانه وتعالى أنه لا يجوز لمؤمن أَن ينتهك حمى العدل محاباة لقرابة، فضلاً عن المصالح الدنيوية التي تعادي منهج العدل وتنابذه، ونجد نبي الهدى صلى الله عليه وسلم يؤكد أن من الصفات المنجية تحقق العدل لدى المسلم على كل حال فيقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث منجيات؛ خشية الله تعالى في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى …" الحديث [50] . وقد فصل الله عز وجل هذا الأمر الموجز في آيتين مدنيتين فقال وهو أصدق القائلين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [51] والثانية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ(33/15)
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [52] . وهذه الآية الكريمة نصت على معنى الحديث الآنف الذكر ولو رغبنا في التعرض لنفحات الخير والحصول على الأدب الرفيع الذي أمر به الرب الكريم في هاتين الآيتين لطالت بنا الوقفة غير أني أذكر تحليلاً لطيفا للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله قال: القوام هو المبالغ في القيام بالشيء، وهو الإتيان به مقوما تاماً لا نقص فيه ولا عوج، وقد حذف هنا ما أمرنا بالمبالغة في القيام به فكان عاماً شاملا لجميع ما أخذ علينا الميثاق به من التكاليف حتى المباحات، أي كونوا من أصحاب الهمم العالية، وأهل الإتقان، والإخلاص لله تعالى في كل عمل تعملونه، من أمر دينكم أو أمر دنياكم.
ومعنى الإخلاص لله في أعمال الدنيا: أن تكون بنية صالحة، بأن يريد العامل بعمله خيرا، والتزام الحق من غير شائبة اعتداء على حق أحد، أو إيقاع ضرر به. ومنطلق هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنية" [53] . والشهادة بالقسط معروفة، وهي أن تكون بالعدل بدون محاباة مشهود له، ولا مشهود عليه، لا لقرابته وولائه، ولا لماله وجاهه، ولا لفقره ومسكنته، فالشهادة هنا عبارة عن إظهار الحق للحاكم ليحكم به، أو إظهاره بالحكم به، أو الإقرار لصاحبه.- وهذا عين العدل في القول -.(33/16)
والقسط: هو ميزان الحقوق، متى وقعت فيه المحاباة والجور- لأي سبب أو علة من العلل- زالت الثقة من الناس، وانتشرت المفاسد وضروب العدوان بينهم، وتقطعت الروابط الإجتماعية، وصار بأسهم بينهم شديد [54] . والشيخ رشيد رضا رحمه الله سبقه الإمام الرازي رحمه الله إلى الحديث عن هذه الشمولية فقال: "واعلم أنه يدخل تحت قوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} (الأنعام: من الآية152) وكل ما يتصل بالقول، فيدخل فيه ما يقول المرء في الدعوة إلى الدين، وتقرير الدلائل عليه، بأن يذكر الدليل ملخصاً عن الحشو والزيادة، بألفاظ مفهومة معتادة، قريبة من الأفهام، ويدخل فيه أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واقعاً على وجه العدل، من غير زيادة في الإيذاء والإيحاش، ومن غير نقصان عن القدر الواجب، ويدخل في الحكايات التي يذكرها الرجل حتى لا يزيد فيها ولا ينقص منها، ومن جملتها تبليغ الرسالات عن الناس، فإنه يجب أن يؤديها من غير زيادة ولا نقصان [55] فما أجملها من شمولية في القول، وما أوضحها من شمولية في الفهم، وما أسعد من تخلق بها.
الأحكام
1- وجوب تحري العدل وصدق القول في كل شأن ومن ذلك القول في المعاملات، والشهادات، والأحكام، والأخبار، وغير ذلك ففي الحديث: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" [56] .
2- تحريم المحاباة وأنها من الأعمال الرخيصة والمنافية لما أمر الله به. وتقدم بيان ذلك في الوصية وما في معناها من الكتاب والسنة.
الوصية التاسعة
قوله تعالى: {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام: من الآية152) .
المناسبة:(33/17)
من خلال التدبر لما تقدم من الوصايا نجدها فصلت ما يجب للمسلم من الحقوق، وما عليه من الواجبات، فأرست بذلك قواعد ثابتة لبناء الأمة بناء يناسب ما أوجدها الله عز وجل من أجله؛ وهو إقامة العدل في الأرض، يإشاعة المساواة بين بني الإنسان، وقد جاءت هذه الوصية بعد ذلك البيان واضعة خاتم العقد بين العبد وربه عز وجل على ما تقدم
تقريره، فيكون ذلك ميثاقاً موثقاً بعهد الله سبحانه وتعالى، الذي عهد إلى عباده العمل بتلك الوصايا، وأخذ عليهم الميثاق الذي يسألون عنه في يوم يندم فيه من فرط، وجاءت هذه الوصية خاصة بالأمر بالوفاء بالعهد، لأن عهد الله شامل لكل ما تقدم وهو بمثابة الخاتم الذي توثق به العقود.
البحث اللغوي:
العهد: كل ما عوهد الله عليه، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد.- والمراد به هنا - كل ما أمر الله به في هذه الآيات ونهى عنه- فقد عهد إلى عباده فعل المأمور وترك المحذور-.
أوفوا: وفي بعهده، يفي وفاء، وأوفى، إذا أتم ولم ينقص. وهو ضد الغدر [57] . ووفي وأوفى بمعنى وقد جمعها طفيل الغنوي في بيت واحد في قوله:
أما ابن طوق فقد أوفى بذمته
كما وفى بقلاص النجم حاديها [58]
وصى: من الوصية، وهي من الله عز وجل: ما عهد إلى العباد أن يعملوه، من فعل خير، أو ترك شر، فهي بمعنى فرض (ذلكم وصاكم به) أي أمركم به وفرضه عليكم [59] .
تذكرون: الذكر والذكرى والتذكر؛ خلاف النسيان. وفهمي لهذا أن قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام: من الآية152) أي أوصيتكم بذلك وفصلته لكم لتستمر ذكراه في أذهانكم، فلا تقعوا فيما يخالفه ويناقضه، ففي اللفظ تحذير من الغفلة التي كثيراً ما يقع فيها الإنسان.(33/18)
والتذكر: تذكر ما أنسيته، وذكرت الشيء بعد النسيان، وذكرته بلساني، وبقلبي، وتذكرته، وأذكرته غيري، وذكرته بمعنى [60] وفيها معنى الاتعاظ والاعتبار فإذا حصل هذا للعبد فهو عين التذكر، والله أعلم.
القراءات:
قال الرازي رحمه الله: قرأ حمزة، والكسائي، وحفص، عن عاصم (تذكرون) مخففة، من الذكر، والباقون: بتشديد الذال، في كل القرآن، وهما بمعنى واحد [61] .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: " ... وليس هما بمعنى واحد كما قيل، فإن الصيغ من المادة الواحدة تعطى معاني خاصة، ويتجوز في بعضها ما لا يصح في بعض، فالذكر في الأصل يطلق على إخطار معنى الشيء، أو خطوره في الذهن، ويسمى ذكر القلب، وعلى النطق باللفظ الدال عليه، ويسمى ذكر اللسان، ويستعمل مجازا بمعنى الصيت والشرف، ويفسر به قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِك} [62] . ويطلق بمعنى العلم وبه يسمى القرآن، دون غيره من الكتب الإلهية (ذكرا) ومنه قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [63] .
وأما التذكر: فمعناه تكلف ذكر الشيء في القلب، أو التدرج فيه بفعله المرة بعد المرة ويطلق على الاتعاظ، ومنه قوله تعالى: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ} [64] وقوله: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [65] والشواهد عليه في الذكر كثيرة. ومثله الإدكار؛ قال تعالى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [66] وهو افتعال من الذكر، الافتعال يقرب من التفعل…
وحكمة القراءتين؛ إفادة المعاني التي تدلان عليها، من باب الإيجاز البليغ [67] .
الإيضاح(33/19)
مما تقدم بيانه يتضح لنا أن تلك الأوامر والنواهي، وتلك الأسس الاجتماعية، ما هي إلا أجزاء بنود عقد أقامه الرب سبحانه وتعالى بينه وبين عباده، ويتمثل ذلك العقد في القيام بتلك الأوامر والنواهي فعلا وتركا، والعهد شامل لكل ما عهده الله إلى الناس كافة على ألسنة الرسل، فطلب من هذه الأمة الوفاء بما عهد إليها فقال: {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} (الأنعام: من الآية152) فالوفاء بما تقدم وبكل عهد بين العبد وربه مطلوب شرعاً، وهذا معلوم لكل من استخدم ما آتاه الله من عقل، وفطرة سليمة، والوفاء بالعهد يشمل أيضاً ما يعاهد الناس عليه بعضهم بعضاً، مما ليس فيه مخالفة لشرع الله عز وجل، ومما يدل على شمولية العهد قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [68] وقال: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [69] وقال: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُم} [70] وقال: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ} [71] وقال في صفات المؤمنين: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [72] فكل ما عهد به الله عز وجل إلى عباده، وكل ما شرعه للناس، فهو من عهده عز وجل إليهم، وكل من آمن برسول من رسل الله، فقد عاهد الله على الإيمان به والاتباع له، ويتجلى ذلك في السمع والطاعة، وامتثال الأمر بالفعل، والنهي بالترك.(33/20)
ولا ريب أن ما يلتزمه الإنسان من عمل البر بنذر، أو يمين يعقدها، فإن ذلك عهد عاهد ربه عليه، يجب الوفاء به وعدم الوفاء ليس من خلق المسلم، لذلك وصف الله به المنافقين فقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [73] ومما تجدر الإشارة إليه، أن كل من عاهد إماماً [74] على السمع والطاعة فيما هو معروف، أو عاهد غيره على القيام بعمل يتفق مع الشرع، أنه يجب الوفاء به، وبه تطالب شريعة الله عز وجل، وكذلك ما يرم من اتفاقات ومعاهدات بين الدول يجب الوفاء بها وعدم الإخلال بشيء منها ما لم تكن مخالفة لشرع الله عز وجل. وللاهتمام بهذا المبدأ الشامل العظيم جاء تقديم معمول الفعل (أوفوا) عليه، وهو أسلوب عربي يظهر عند إرادة لفت النظر إلى أهمية الأمر المتكلم عنه، وللدلالة على إرادة حصر الوفاء بالعهد في كل عهد يرضي الله عز وجل ويوافق شرعه، ويخرج ما لا يرضيه سبحانه من العهود؛ كنذر الحرام، والحلف على إتيانه، وما يقع بين الدول من عهود لا ترضي الله عز وجل ولا تتفق مع شرعه، وغير ذلك مما فيه إضرار بمصالح المسلمين. وقد عظّمت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، وجعلت الإخلال به من صفات المنافقين؛ من ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" [75] . وهذا غيض من فيض.
قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام: من الآية152) .(33/21)
الإشارة إلى ما تقدم من الوصايا، وما فيها من الأمر والنهي، وتلك الوصايا لا ريب أن من تدبرها وتذكرها أدرك ما فيها من عظيم النفع في الدنيا والآخرة، فجاء هذا القول الكريم مشيراً إليها ليتم الأمر بتذكرها وتدبر معانيها فقال: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام: من الآية152) أي لتتذكروا ما فيها من الأوامر فتبادروا إلى عملها، وتعلموا ما فيها من النواهي فتسارعوا إلى تركها واجتنابها وبذلك تشاع الفضيلة في المجتمع المسلم ويبادر الناس زرافات ووحدانا إلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر وإذا حصل التذكر بالقلب، حصل التذكير باللسان والتواصي بالخير، ويحصل بذلك الاتعاظ لمن أدركته الغفلة، أو ألهته شواغل الحياة.
وتجدر الإشارة إلى أن الرازي رحمه الله سجل جواب سؤال محتمل الورود فقال: "فإن قيل: فما السبب في جعل خاتمة الآية الأولى بقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الأنعام: من الآية151) وخاتمة هذه الآية بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} (الأنعام: من الآية152) ؟ "قلنا: لأن التكاليف الخمسة في الآية الأولى ظاهرة جلية، فوجب تعقلها وتفهمها، وأما التكاليف الأربعة المذكورة في الآية فأمور خفية غامضة، لابد من الاجتهاد والفكر، حتى يقف على موضع الاعتدال، فلهذا السبب قال: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [76] . وللألوسي رحمه الله رأي قال فيه: "ويمكن أن يقال: إن أكثر التكاليف الأول أدي بصيغة النهي، وهو في معنى المنع، والمرء حريص على ما منع، فناسب أن يعلل الإيصاء بذلك؛ بما فيه إيماء إلى معنى المنع والحبس، وهذا بخلاف التكاليف الأخر، فإن أكثرها قد أدي بصيغة الأمر، وليس المنع فيه ظاهرا، كما في النهي، فيكون تأكيدا، والمبالغة فيه ليستمر عليه، ويتذكر إذا نسي [77] .
الأحكام
1- وجوب الوفاء بجميع العهود والمواثيق الشرعية وما يوافقها.(33/22)
2- أن وجوب الوفاء ينحصر فيما يتفق مع الشرع ويحرم الوفاء بما فيه معصية ومخالفة للشرع.
3- يفهم من الأمر بالوفاء تحريم نقيضه وأنه ليس من صفات المؤمنين. والله أعلم.
الوصية العاشرة
قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام:153) .
المناسبة:
بعد سياق ما تقدم وتوجيه المسلم إلى العمل بما جاء من الأوامر، وترك ما نهى الله عز وجل عنه، وحصل بذلك البيان الشافي، والإرشاد الكافي، من خلال تلك الوصايا، واتضح طريق الحق، ناسب ختم ذلك بالإشارة إلى أن تلك المجموعة من الأوامر، والنواهي، تلك الوصايا العظيمة تمثل صراط الله المستقيم، الذي يوصل سالكه إلى جنة الله ورضوانه، وأن من فرط في شيء منها فعلاً أو تركاً، فقد تنكب صراط الله، وابتعد عنه، واتجه نحو هوة سحيقة تهوي به في نار جهنم، فليتق الله كل مسلم، ولينظر في الأمر، فما بعد الحق إلا الضلال.
البحث اللغوي:
أ- في النحو: (مستقيماً) نصب على الحال [78] .
(فتفرق بكم) نصب بإضمار (إن) بعد الفاء في جواب النهي [79] . والأصل (فتتفرق) فحذفت إحدى التاءين، والباء للتعدية، أي فتفرقكم حسب تفرقها- وهذا أبلغ من تفرقكم، كما قيل: من أن ذهب به لما فيه من الدلالة على الاستصحاب أبلغ من أذهبه [80] .
ب- المفرد ات:
مستقيماً: أي مستوياً قويماً لا عوج فيه.
الصراط: الطريق المستقيم.
ومنه قول الشاعر:
أكر على الحروريين مهري
وأحملهم على وضح الطريق [81]
ويقال: سراط: الطريق المستسهل، وأصله من سرطت الطعام، وزردته، ابتلعته فقيل: سراط تصوراً أنه يبتلع سالكه، وقد قيل: قتل أرضاً عالمها، وقتلت أرض جاهلها. وعلى النظرين قال أبو تمام:(33/23)
دعته الفيافي بعد ما كان حقبة
دعاها إذا ما لمزن ينهل ساكبه [82]
السبل: مفردها سبيل، وهي الطريق وما وضح منه [83] ، ويستعمل (السبيل) لكل ما يتوصل به إلى شيء خيراً كان أو شرا [84] . قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [85] ، وقال عز وجل: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [86] . وله معان أخر [87] .
التقوى: عرفها بعض العلماء، بأنها جعل النفس في وقاية مما يخاف ... وأنها في تعارف الشرع: حفظ النفس مما يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك المباحات - لما ورد- الحلال بين، والحرام بين [88] ...
القراءات:
قال الرازي: "قرأ ابن عامر {وأنْ هذا} بفتح الألف وسكون النون. وقرأ حمزة والكسائي (وإِنَّ) بكسر الألف وتشديد النون".
أما قراءة ابن عامر: فأصلها {وَأَنَّه هَذَا صِرَاطِي} (الأنعام: من الآية153) والهاء ضمير الشأن والحديث، وعلى هذا الشرط تخفف.
قال الأعشى:
في فتية كسيوف الهند قد علموا
أن هالك كل من يحفى وينتعل
أي: قد علموا أنه.
وأما كسر (إِن) وتشديد النون. فالتقدير: أتل ما حرم. وأتل {وَإنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} (الأنعام: من الآية153) بمعنى أقول. وقال الفراء: "تكسر (إن) إذا نويت الاستئناف".
وأما فتح (أن) فقال الفراء: " ... وتفتحها من وقوع (أتل) عليها- يعني وأتل عليكم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} (الأنعام: من الآية153) ، وإن شئت جعلها خفضاً تريد (ذلكم وصاكم به) بـ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} ".
قال أبو علي: "من فتح (أن) فقياس قول سيبويه، أنه حملها على (فاتبعوه) والتقدير: لأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، كقوله: {أنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [89] قال سيبويه: لأن هذه أمتكم. وقال في قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [90] ولأن المساجد لله".(33/24)
واعلم أن القراء أجمعوا على سكون (الياء) من {صراطي} غير ابن عامر فإنه فتحها.
وقرأ ابن كثير، وابن عامر {سراطي} بالسين، وحمزة- قرأ- بين الصاد والزاي، - وقرأ- الباقون بالصاد صافية، وكلها لغات [91] .
قال الزمخشري: "قرأ الأعمش {وهذا صراطي} وفي مصحف عبد الله {وهذا صراط ربكم} وفي مصحف أبي {وهذا صراط ربك} [92] .
الإيضاح
لما أوضح تبارك وتعالى فيما مضى من الآيات ما وصى به عباده ذكر سبحانه وتعالى في نهاية هذه الوصايا قولا أجمل فيه ما تقدم تفصيله، فقوله جل ذكره: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} (الأنعام: من الآية153) يدخل فيه كل ما أمر الله به ونهى عنه، فالشريعة جملة وتفصيلا هي صراط الله المستقيم، ومن المعلوم أن ما تقدم من الوصايا جملة من الأوامر والنواهي تدخل تحت هذا العموم؛ الذي يتناول كل ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الدعوة إلى الحق، وبيان دين الإسلام، فهو بدون شك المنهج القويم، وصراط الله المستقيم، الذي كلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الإنس والجن إلى اتباعه، والعمل به جملة وتفصيلا، ونهاهم عن العدول عنه، فمن عدل عنه وقع في الضلالات، وأحاطت به المهلكات، ومما تجدر الإشارة إليه هنا التنبيه على الإضافة في قوله: صراطي هل الصراط مضافا إلى الله عز وجل، أو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. نقول جوابا عن هذا التساؤل:
يجوز الأمران فإن كانت الإضافة إلى الرب عز وجل فباعتباره الشارع سبحانه وتعالى فهو الآمر الكريم، والناهي الحكيم.(33/25)
وإن كانت الإضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فباعتباره سالك المنهج القويم، الداعي إلى النعيم المقيم وهذا ما قرره العلماء وقالوا: "قد يضاف إلى الدعاة إليه والسالكين له من النبيين [93] وغيرهم كما في قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [94] . وعلى هذا فيكون المعنى ومما أتلو عليكم من وصايا رب العزة والجلال أن تعلموا أن القرآن الذي أدعوكم إلى العمل به والدعوة إليه وأن ما تضمن من أوامر ونواهي هو الطريق القويم الذي يصل سالكه إلى مرضاة الله وأن ذلك المنهج الذي أسير عليه، فهو الشرع النقي، والمورد العذب، والمشرب السائغ، ومما أتلو عليكم أن تعلموا أن ما أوصاكم الله به في هذه السورة العظيمة ما هو إلا جملة من الأوامر والنواهي التي ضمها كتاب الله العظيم الواجب عليكم العمل بما فيه جملة وتفصيلا، إن هذا القرآن الذي آمركم به وأدعوكم إليه فيه حياتكم، وبه رقيكم، وهو سفينة نجاتكم، فمن أحل حلاله، وحرم حرامه، وعمل بمحكمه، وآمن بمتشابهه فقد سلك صراط الله المستقيم المنتهي بسالكه إلى مرضاة الله عز وجل، إنه سبيل ظاهر الاستقامة، لا يضل سالكه، ولا يهتدي تاركه، فاتبعوه وحده، ولا تتبعوا الطرق التي تخالفه، فتذهب بكم فتصبحوا فرقاً ضالة تنتهي إلى الهلكة والضياع، فما بعد الحق إلا الضلال، ومن ترك النور عاش في الظلمات، لأن ما بعث الله به رسله من نوح أول الرسل إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق، وهو لا يتعدد، فالطريق الموصل إلى الله عز وجل واحد ما بعث به رسله وأنزل به كتبه، لا يصل إلى الله أحد إلا من هذه الطريق، ولو أتى الناس من كل طريق واستفتحوا من كل باب، فالطريق عليهم مسدودة، والأبواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد، فإنه متصل بالله، موصل إلى الله [95] . وتأكيداً لما سبق بيانه جاءت السنة النبوية تزيد الأمر شرحاً وتجليه بالرسم البياني بعد بيان القول يقول ابن ماجه رحمه(33/26)
الله:
حدثنا أبو سعيد، عبد الله بن سعيد [96] ، ثنا أبو خالد الأحمر [97] قال: سمعت مجالداً [98] يذكر عن الشعبي [99] ، عن جابر بن عبد الله قال:
"كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً، وخط خطين عن يمينه، وخطين عن يساره [100] ، ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال: هذا سبيل الله [101] ، ثم تلا هذه الآية {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [102] ". فالسبل التي حذر الله عز وجل منها ونبه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الوسيلة الإيضاحية زيادة في تحذير الأمة من الزيغ واتباع الهوى، وتلك السبل تعم اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، وسائر أهل الملل، وجميع أصحاب البدع والضلالات، من أهل الأهواء، والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل، والخوض في الكلام [103] . هذه كلها عرضة للزلل، ومظنة لسوء المعتقد [104] . وهذا ما فهمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم أجمعين قال الطبري رحمه الله: حدثني محمد بن عبد الأعلى [105] قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبان [106] ، أن رجلاً قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: "تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جوادّ، وعن يساره جوادّ، وثم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة" [107] ثم قرأ ابن مسعود {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما} (الأنعام: من الآية153) . ويزيد حرص ابن مسعود رضي الله عنه على دعوة الأمة المحمدية إلى الخير وتحذيرها من الشر، ويوضح رضي الله عنه أنه لا تتم السلامة لأحد إلا بنور العلم وضياء الكتاب والسنة وهو الإِسلام الذي فسر به الصراط المستقيم في حديث النواس بن سمعان الآتي:(33/27)
قال الدارمي رحمه الله: أخبرنا أبو المغيرة [108] ، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير [109] ، عن أبي قلابة [110] قال: قال عبد الله بن مسعود:
"تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله، ألا وإياكم والتنطع [111] ، والتعمق [112] ، والبدع [113] ، وعليكم بالعتيق [114] " [115] والرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين كثيرة في هذا الباب وإنما أردنا الدلالة عليها بما ذكرنا. وتبعهم من بعدهم من حملة الخير والهدى التابعون فهذا الدارمي رحمه الله يقول:
أخبرنا مخلد بن خالد بن مالك [116] ، أخبرنا النضر بن شميل [117] ، عن ابن عون [118] ، عن ابن سيرين [119] قال:
"كانوا [120] يرون أنه على الطريق ما كان على الأثر" [121] . ولا ريب أن الأثر المذكور هو شرع الله عز وجل الذي جاء به نبي الهدى والرحمة وهو صراط الله المستقيم الذي سار عليه معلمو الإنسانية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتجدر بنا الإشارة – ونحن نختم هذه الجولة من معايشة آيات من كتاب الله - أن نذكر القارئ الكريم بأن الآية فيها من الأمور التي تظهر للمتأمل ما يلي:
1- إن الله عز وجل قد جمع في هذه الوصية بين الأمر باتباع سبيل الحق، والنهي عن سبيل الضلال المقابلة له.
2- أنه عزوجل كرر لفظ الوصية في هذه الآية فقال: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} (الأنعام: من الآية151) لمزيد التوكيد والاهتمام بها، فيا لها من وصية عظم الله شأنها، وقوى برهانها، وجعلها نورا لمن عمل بها، وحجة على من لم يستظل بظلها.
3- في الآية الكريمة التنبيه على أن كل ما كان حقاً فهو واحد، ولا يلزم منه أن يقال: إن كل ما كان واحدا فهو حق، فإذا كان الحق واحداً، كان كل ما سواه باطلا، وما سوى الحق أشياء كثيرة، فيجب الحكم بأن كل كثير باطل، ولكن لا يلزم أن يكون كل باطل كثير [122] .(33/28)
4- الأمر بلزوم جماعة المسلمين لأن اتباع صراط الله المستقيم يستلزم ذلك.
5- النهي عن الفرقة والإختلاف، فقوله: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} (الأنعام: من الآية153) دال على ذلك ويؤيده قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِه} (الشورى: من الآية13) .
{إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [123] . وهذا نهي عن التفرق فغنما هلك من هلك بسبب الفرقة وكثرة الجدل، والخصومات في دين الله عز وجل [124] .
ولا ريب أن من يتابع أحوال المسلمين اليوم وما هم فيه من الفرقة والخلاف يعتريه قلق شديد علىمصير مئات الملايين من أبناء الأمة الإسلامية إذا لم يعتصموا بحبل الله المتين الكتاب والسنة. والأخطار محدقة بهم، ودعاة الهدم والضلال يزدادون يوما بعد يوم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يصور الأمور لأمته أبدع تصوير ويجليها بضرب الأمثال، ويدلل عليها بإقامة المثال، قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثني أبي، ثنا الحسن بن سوار أبو العلاء [125] ، ثنا ليث يعني ابن سعد [126] ، عن معاوية بن صالح [127] ، أن عبد الرحمن بن جبير [128] حدثه، عن أبيه [129] ، عن النواس بن سمعان [130] الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(33/29)
"ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا (ولا تتفرقوا) [131] وداع يدعو من جوف الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران حدود الله تعالى، والأبواب المفتحة محارم الله تعالى، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله عز وجل، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم" [132] . فلو تأمل المسلمون كتاب ربهم ودرسوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم لما كثر دعاة الضلال، ولما قويت دعوات الطوائف أعداء الأمة المحمدية الذين لا يفتئون يفتون في عضد الوحدة الإسلامية، ولما تفتحت أبواب البدع، والخرافات، وتنوعت أشكال الشعارات المزيفة، التي أصبح لها الأثر البالغ في غواية الشباب، وشحن الأفكار باتباع الأهواء، والإنزلاق في الشهوات بجميع أصنافها دون أدنى نظرة لما يحل وما يحرم، فلسان حال الكثيرين اليوم يقول: إن الغاية تبرر الوسيلة، وإذا كنا نتحدث عما حل بالمسلمين اليوم وقلوبنا تنزف أسى وحسرة، لا نملك إلا أن نصرخ بالصوت العالي الجهور، ونقول: أيها المسلمون عودوا إلى كتاب ربكم لتعود عزتكم فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين [133] ، عودوا إلى سنة نبيكم تعود لكم استقامتكم وتتحقق سلامتكم قال أبوداود رحمه الله: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم [134] ، حدثنا ثور بن يزيد قال: حدثني خالد بن معدان قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي [135] ، وحجر بن حجر [136] قالا: أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [137] فسلمنا وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: "صلى بنا رسوله الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل(33/30)
علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله؛ كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال:
"أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً [138] ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء [139] المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ [140] ، وإياكم ومحدثات [141] الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" [142] . فكما أرشدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى التمسك بسنته أمرنا الله عز وجل بأخذ كل ما أمر به صلى الله عليه وسلم، وترك كل ما نهى عنه قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [143] وحذر جل شأنه من مخالفة نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِه أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [144] فالهرب الهرب من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنجاة النجاة، بالتمسك بهدية والسير على طريقه وصحابته ففي ذلك التجارة الرابحة، ويلحظ النابه أن محور دعوته صلى الله عليه وسلم بعد توحيد الله تحذير الأمة من الأهواء والبدع وإرشادهم إلى الأخذ بالأمر المستقيم فكان يوصي بلزوم السنة إلى أن فارق الدنيا ففي رواية ابن ماجه لحديث العرباض أنه صلى الله عليه وسلم قال: "تركتكم على البيضاء [145] ، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين ... " -وقال في آخره: "فإنما المؤمن كالجمل الأنف [146] ، حيثما قيد انقاد" [147] ، هذا ما أوصى به نبي الهدى أمته وتواصى بالتمسك به أصحابه من بعده، قال الدارمي رحمه الله: أخبرنا الحكم بن المبارك [148] ، أنا عمر بن يحيى [149] قال سمعت أبي [150] ، يحدث عن أبيه [151] قال: "كنا نجلس على باب عبد(33/31)
الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن؟ قلنا: لا. فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه [152] جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمرا أنكرته [153] ، ولم أر والحمد لله إلا خيرا، قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه، قال: "رأيت في المسجد قوماً حلقا [154] جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة". قال: "فماذا قلت لهم؟ "قال: "ما قات لهم شيئا انتظار رأيك وانتظار أمرك" [155] ، قال: "أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم"، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: "ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ "قالوا: "يا أبا عبد الرحمن حصى [156] نعد به التكبير والتهليل والتسبيح". قال: "فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن لكم أن لا يضيع من حسناتكم شيء ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم [157] ؛ هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل [158] ، وأوانيه لم تكسر [159] ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة [160] محمد؟! أو مفتتحو باب ضلالة؟ ". قالوا: "والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير". قال: "وكم من مريد للخير لن يصيبه [161] ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم [162] ، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم"، ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: "رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج" [163] . فهذه المقولة عن ابن مسعود إن لم يصح سندها فمعناها صحيح ولها من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة، وكلام التابعين الشواهد التي لا تحصر، وما رفعه ابن مسعود رضي الله عنه إلى رسول الله(33/32)
صلى الله عليه وسلم أمر ثابت في الصحيحين من حديث أبي سعيد وغيره، انظر (الصحيح مع الفتح 13/415) وكذلك (صحيح مسلم 2/740…) ، وإنما المقدمة هي التي في النفس منها شيء، من حيث النسبة لأمو ر في السند والمتن. وقد نقل القرطبي رحمه الله كلام ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة، وينهى عن البدعة عبادة" [164] . وهذه أقوال [165] جماعة ممن تلا أصحاب رسول الله.
قال مجاهد رحمه الله: "لا أدري أي النعمتين علي أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء".
وقال الشعبي رحمه الله: "إنما سموا أصحاب الأهواء لأنهم يهوون في النار" [166] .
وقال الفضيل بن عياض: "من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه".
وقال سفيان الثوري رحمه الله: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها" [167] .
وقال الأوزاعي رحمه الله: "قال إبليس لأوليائه: من أي شيء تأتون بني آدم؟ فقالوا: من كل شيء، قال: فهل تأتونهم من قبل الاستغفار؟ قالوا: هيهات؛ ذلك شيء قرن بالتوحيد، قال: لأبثن فيهم شيئاً لا يستغفرون الله منه. قال: فبث فيهم الأهواء" [168] .
وقال أبو العالية رحمه الله: "عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه، قبل أن يفترقوا" [169] .
قال عاصم الأحول: "فحدثت به الحسن فقال: قد نصحك والله وصدقك".
سأل رجل عمر بن عبد العزيز رحمه الله عن شيء من أهل الأهواء والبدع فقال:"
عليك بدين الأعراب والغلام في الكتاب [170] ، وأله عما سوى ذلك. قال الدارمي رحمه الله:(33/33)
حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن [171] قال: حدثنا أسد بن موسى [172] قال: حدثنا حماد ابن دليل [173] قال: سمعت سفيان الثوري [174] يحدثنا عن النضر. ورواه أبو داود أيضا بالسند العالي قال: حدثنا محمد بن كثير [175] قال: حدثنا سفيان قال: "كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القَدَر، فكتب [176] ؛ أوصيك بتقوى الله والاقتصاد [177] في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم،وترك ما أحدث المحدثون، بعد ما جرت به سنته، وكفوا مئونته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك - بإذن الله - عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها [178] ، أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم [179] ما في خلافها من الخطأ، والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كَفّوا [180] ، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه [181] لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: - إنما حدث بعدهم - (فـ) ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مَقْصِر [182] ، وما فوقهم من مجسر [183] ، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح [184] عنهم أقوام فعلوا، وإنهم بين ذلك [185] لعلى هدى مستقيم ... الخ" [186] . ونقل القرطبي رحمه الله عن سهل بن عبد الله التستري [187] قوله: "عليكم بالاقتداء بالأثر والسنة، فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله ذموه، ونفروا عنه، وتبرؤا منه، وأذلوه، وأهانوه ... لا يحدث أحدكم بدعة حتى يحدث له إبليس عبادة، فيتعبد بها ثم يحدث له بدعة، فإذا نطق بالبدعة ودعا الناس إليها نزع منه تلك الخدمة) [188] وهذا غيض من فيض، فنحذر إخواننا المسلمين من خطر الابتداع ومرافقة المبتدعين(33/34)
وإذا ثبت لنا أن رجلا ما يدعو إلى بدعة أو يحبذها. فعلينا مجانبته، والتحذير من مجالسته، فإنه جليس سوء ونافخ كير إما أن يحرق عقيدتك وإما أن تجد منه قولاً باطلاً لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، إن المروجين للبدع اليوم كثر وهم أئمة في مظاهرهم، وهيئاتهم، ولكنهم مضلون [189] في بواطنهم وأفكارهم، فانصبوا لهم موازين الكتاب والسنة، وانفوا خبث أقوالهم بصوارم الأدلة، تكونوا من الفرقة الناجية التي عضت على الكتاب والسنة بالنواجذ، وإياكم والميل لصاحب بدعة أو مجالسته فإن ذلك يعرضكم للعقوبة فالله عز وجل يقول: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [190] وقد بينت آية النساء وهي مدنية عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمر الله به قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [191] فالله عز وجل ألحق من جالس هذه الطوائف بهم في الحكم، والعبرة أيها القارئ الكريم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهذا ما فهمه جلة من علماء المسلمين وأئمتهم منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وعبد الله بن المبارك حين حكموا بموجب هذه الآية وما في معناها في مجالسي أهل البدع، وأدبوهم على المعاشرة والمخالطة، وقالوا فيمن شأنه مجالسة أهل البدع: "ينهى عن مجالستهم فإن انتهى وإلا ألحق بهم، وقد نفذ هذا عملياً الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله وحكم بالحد على مجالسي شربة الخمر وتلا {إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} (النساء: من الآية(33/35)
140) قيل له: فإنه (أي المجلس) يقول: "إني أجالسهم لأباينهم، وأرد عليهم". قال: "ينهى عن مجالستهم فإن لم ينته ألحق بهم" [192] . ولا ريب أن من طرق هذا الموضوع ورام البيان وقصد الاستيعاب، فإنه يجد ما ذكرناه هنا قطرة من بحر، وإنما قصدنا لفت لنظر وربما كفت الإشارة عن صريح العبارة.
قوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام: من الآية153) .
تقدم في الوصية التاسعة هذا القول الكريم ولم يكن تكراره هنا عبثا فقد جل كلام الله عن العيب والنقص فله الكمال المطلق، لكنه لمزيد من التوكيد أعاد اللفظ تنويها بقدر تلك الوصايا، وتنبيها على عظيم شأنها عند الله عز وجل، وحثا لعباده على تدبرها والتمسك بها، فيالها من وصية حوت الخير كله فكانت واضحة الأسلوب، جلية المقصد، أنارت الطريق للسالكين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هذا ما تيسر بحثه في هذه الآيات ونسأل الله الهدى والتقى، والنية الخالصة فهو حسبنا ونعم الوكيل.
خاتمة البحث(33/36)
أقول: إن الإسلام جاء منقذا للبشرية، فأذاب الفوارق، وركز على الحقوق والواجبات، وبناء المجتمع النقي المترابط، وجعل لذلك البناء نظاماً دقيقاً، ومنهجاً أوضح من الشمس، وأمده بمصدرين الكتاب والسنة، وجعلهما معينين لا ينضبان على مر الدهر وتعاقب الأزمان، فلما تلقاهما الدارسون على يدي نبي الهدى والرحمة برغبة صادقة، وحب مكين نالوا من فهمهما الحظ الوافر، وطبقوا ما فهموا في أعمال مخلصة، كان عصرهم تاريخا مجيدا للمجتمع الإسلامي الصحيح، الذي بنيت أسس حضارته الرفيعة على أنبل القيم، وأثبت المبادئ، فقام على ذلك نظام الحكم المثالي، وتجلت الحياة الإنسانية في أبهى صورها، وقامت الدولة الإسلامية على أمثل الأساليب، وكان المجتمع الإسلامي يصدّر الحضارة الراقية والمثل السامية إلى أمم الجهل والتخلف، وكان الهدف من ذلك التصدير إسعاد البشرية جماعة وفرادى في الدنيا والآخرة، وأصبحت الحضارة الإسلامية بشتى مجالاتها تنادي بما فيه فلاح الإنسانية قاطبة في الحال والمآل.
اللهم إنا نسألك حسن العمل، وحسن الخاتمة والفوز بالجنة، والنجاة من النار، ونسألك اللهم لذة النظر إلى وجهك الكريم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
حرر في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتم ذلك ليلة السابع عشر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعمائة وألف. 17/4/1408هـ.
المصادر والمراجع
المصحف الشريف.
إتحاف ذوي ال رسول/ حماد بن محمد الأنصاري/ ط. الأولى 1406 هـ/ مكتبة المعلا بالكويت.
أحكام القرآن / أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي 543هـ/ تحقيق البجاوي/ دار المعرفة.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم/ أبو السعود محمد بن محمد العمادي 651هـ/ دار إحياء التراث.
أسد الغابة في معرفة الصحابة/ أبو الحسن علي بن أبي الكرم ابن لأثير/ طهران.(33/37)
أسباب نزول القرآن / أبو الحسن علي بن الواحدي 487 هـ/ ط. الثانية 1404هـ/ دار القبلة.
الإصابة في تمييز الصحابة/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 852 هـ/ ط. الأولى 1396 هـ/ مكتبة الكليات االأزهرية.
البحر المحيط/ محمد بن يوسف أبو حيان 754 هـ/ ط. الثانية 1403 هـ/ دار الكتب بيروت.
البداية والنهاية/ إسماعيل بن كثير الدمشقي 774 هـ/ ط. الثالثة 1978 م/ مكتبة المعارف بيروت.
تاريخ ابن معين (تحقيق د. أحمد نور سيف) / يحيى بن معين 233 هـ/ ط. الأولى 1399 هـ/ مركز البحث العلمي.
تاريخ بغداد/ الخطيب البغدادي 463 هـ/ دار الكتاب العربي.
تاريخ الدارمي (تحقيق د. أحمد نور سيف) / سعبد بن عثمان الدارمي 280 هـ/ ط 14000 هـ/ مركز البحث العلمي بمكة.
التاريخ الكبير/ محمد بن إسماعيل البخاري 236 هـ/ المكتبة الإسلامية.
التبيين لأسماء المدلسين/ سبط بن العجمي/ ط. الأولى 1406 هـ/ دار الكتب العلمية.
تحفة الأحوذي/ محمد بن عبد الرحمن المباكفوري/ المكتبة السلفية بالمدينة.
ترتيب القاموس المحيط/ الطاهر أحمد الزاوي/ ط. الثانية 1378 هـ/ عيسى الحلبي.
تفسير القرآن العظيم/ إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي 741هـ/ ط. الثالثة 1376 هـ/ المكتبة التجارية.
تفسير القرآن الحكيم (المنار) / محمد رشيد رضا/ ط. الثانية/ دار المعرفة.
التفسير الكبير/ فخر الدين محمد بن ضباء الدين عمر الرازي 604 هـ/ ط. الثالثة 405 اهـ/ دار الفكر.
التسهيل لعلوم التنزيل/ محمد بن أحمد بن جزي الكلبي 741 هـ/ ط. الثانية 393 اهـ/ دار الكتاب العربي.
تقريب التهذيب/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 852هـ/ ط. الأولى 1393 هـ/ دار الكتب باكستان.
تلخيص الذهبي للمستدرك/ محمد بن أحمد الذهبي 748 هـ/ مكتب المطبوعات.
تهذيب التهذيب/ أحمد بن علي بن حجر 852 هـ/ ط. الأولى 1325 هـ/ دائرة المعارف.(33/38)
تيسير العزيز الحميد/ سليمان بن عبد الله بن محمد 233 هـ/ ط. الثانية 1390هـ/ المكتب الإسلامي.
التيسير في أحاديث التفسير/ محمد المكي الناصري/ ط. الأولى 1405 هـ/ دار الغرب الإسلامي.
الثقات/ محمد بن حبان التميمي 354 هـ/ ط. الأولى 1393 هـ/ دائرة المعارف.
جامع البيان في تفسير القرآن/ محمد بن جرير الطبري 310 هـ/ ط. الأولى 1323 هـ/ دار المعرفة.
الجامع الصحيح (سنن الترمذي) / محمد بن عيسى الترمذي 279 هـ/ ط. الثانية 398 اهـ/ مصطفى البابي الحلبي.
الجامع لأحكام القرآن/ محمد بن أحمد القرطبي 671هـ/ ط 0 387 1 هـ/ دار الكتاب العربي بالقاهرة.
الجرح والتعديل/ عبد الرحمن بن أبي حاتم 327 هـ/ ط. الأولى 271 1 هـ/ مجلس دائرة المعارف.
حلية الأولياء/ أحمد بن عبد الله الأصبهاني 0 43 هـ/ ط. الثانية 387 1 هـ/ دار الكتاب العربي.
دفع إيهام الاضطراب/ محمد الأمين الجكني الشنقيطي/ ط. 1386 هـ/ مطبعة المدني.
الدر المنثور/ جلال الدين السيوطي 911 هـ/ دار المعرفة.
الذخيرة/ علاء الدين بن علي الطوسي 887 هـ/ ط. الأولى/ دائرة المعارف.
روح المعاني/ محمود الألوسي 1275 هـ/ دائرة إحياء التراث..
زاد المسير في علم التفسير/ عبد الرحمن بن الجوزي 597 هـ/ ط. الأولى 1384 هـ/ المكتب الإسلامي.
سنن أبي داود/ سليمان بن الأشعث 275 هـ/ ط. الأولى 88 13 هـ/ محمد علي السيد.
سنن ابن ماجة/ محمد بن يزيد القزويني 275 هـ/ ط. محمد فؤاد/ عيسى الحلبي.
سنن الدارمي/ محمد بن عبد الرحمن الدارمي 255 هـ/ ط 13860 هـ/ عبد الله هاشم.
سنن سعيد بن منصور/ سعيد بن منصور الخراساني 227 هـ/ ط. الأولى1405 هـ/ دار الكتب العلمية.
سنن النسائي/ أحمد بن شعيب الأزدي 303 هـ/ ط. الأولى 1406 هـ/ مكتب المطبوعات.(33/39)
السنن الكبرى/ أحمد بن الحس!! ن البيهقي 458 هـ/ ط. الأولى 1344 هـ/ مجلس دائرة المعارف.
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم (سيرة ابن هشام) / عبد الملك بن هشام 218 هـ/ ط. 1383هـ/ مكتبة محمد علي صبيح.
شرح النووي على مسلم/ يحيى بن شرف الدين النووي 676 هـ/ مطبعة الشعب.
صحيح البخاري/ محمد بن إسماعيل البخاري 256 هـ/ ترتيب محمد فؤاد 1380 هـ/ السلفية.
صحيح الجامع الصغير/ محمد ناصر الدين الألباني/ ط. الثالثة 1402 هـ/ المكتب الإسلامي.
صحيح مسلم/ محمد بن الحجاج القشيري 261هـ/ ط. الأولى 1374 هـ/ عيسى الحلبي.
الصحاح في اللغة والعلوم/ للجوهري/ ط. الأولى 1974 م/ دار الحضارة.
الطبقات الكبرى/ محمد بن سعد بن منيع الهاشمي 230 هـ/ ط 13850 هـ/ دار صادر.
عمدة التفسير/ إسماعيل بن كثير 774 هـ/ تحقيق أحمد شاكر.
فتح القدير/ محمد بن علي الشوكاني 1250 هـ/ ط. الثانية 1383 هـ/ مصطفى البابي الحلبي.
فتح الباري/ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 852 هـ/ ط. 1380هـ/ السلفية.
الفتوحات الإلهية/ سليمان بن عمر العجلي 1204 هـ/ عيسى البابي الحلبي.
في ظلال القرآن/ سيد قطب/ ط. السابعة 391 اهـ/ دار إحياء التراث.
الكشاف عن حقائق التنزيل/ محمود بن عمر الزمخشري 538 هـ/ ط. الأولى 1397 هـ/ دار الفكر.
لسان العرب/ محمد بن مكرم بن منظور 711 هـ/ دار صادر.
مجمع الزوائد/ علي بن أبي بكر الهيثمي 857 هـ/ ط. الثالثة 1402 هـ/ دار الكتاب العربي.
محاسن التأويل/ محمد جمال الدين القاسمي 332 1 هـ/ ط. الثانية 398 1 هـ/ دار الفكر.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ عبد الحق بن غالب بن عطية 546 هـ/ المجلس العلمي بفاس.
المحلى/ علي بن أحمد بن حزم 456 هـ/ ط. الثانية 1395 هـ/ المكتب التجاري.(33/40)
المستدرك على الصحيحين/ محمد بن عبد الله الحاكم 405 هـ/ مكتب المطبوعات.
المسند/ أحمد بن حنبل الشيباني 241 هـ/ المكتب الإسلامي.
مسند أبي يعلى الموصلي/ أحمد بن علي بن المثنى 357 هـ/ ط. الأولى 1404 هـ/ دار المأمون.
المصنف/ عبد الرزاق بن همام الصنعاني 211 هـ/ ط. الأولى 1390 هـ/ المجلس العلمي.
المصنف في الأحاديث والآثار/ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة 235 هـ/ الدار السلفية بالهند.
معالم السنن/ حمد بن محمد الخطابي 388 هـ/ ط. الأولى 1388 هـ مع سنن أبى داود.
المغني/ محمد بن أحمد بن قدامة / ط. 1388هـ/ مكتبة القاهرة.
مفردات غريب القرآن/ الحسين بن محمد الراغب 502 هـ/ تحقيق الكيلاني/ دار المعرفة.
الملل والنحل/ علي بن أحمد بن حزم/ ط. الثانية 1395 هـ/ دار المعرفة.
الموطأ/ مالك بن أنس 179 هـ/ ترتيب محمد فؤاد/ دار إحياء التراث.
ميزان الاعتدال/ محمد بن أحمد الذهبي 748 هـ/ ط. الأولى 1382 هـ/ عيسى البابي الحلبى.
النفاق والزندقة/ د. عطية بن عتيق الزهراني/ رسالة ماجستير (لم تطبع) .
النكت والعيون/ علي بن حبيب الماوردي 455 هـ/ تحقيق خضر محمد خضر/ وزارة الأوقاف بالكويت.
النهاية في غريب الحديث/ المبارك بن محمد الجزري 606هـ/ ط. الأولى 1383 هـ/ عيسى البابي الحلبي.
نيل الأوطار/ محمد بن علي الشوكاني 1250 هـ/ مصطفى البابي الحلبي.
المراجع
جريدة الشرق الأوسط.
مجلة الجامعة الإسلامية.
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------(33/41)
[1] منها: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} (البقرة: من الآية220) . وقوله: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} (النساء: من الآية2) . وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} (النساء: من الآية10) .
[2] ولتمام الفائدة انظر: اللسان 1/663.
[3] ولمزيد العلم انظر: المفردات 550 واللسان 12/645 مع ملاحظة أن اليتم في الناس مقيد بمن لم يبلغ الحلم.
[4] انظر: اللسان 3/235.
[5] الزاد 3/149.
[6] رجل منجذّ: مجرب أحكمته الأمور. والبيت لسحيم بن وثيل. وفي أضواء البيان: أثيل (الصحاح 2/542) (أضواء البيان: 2/279) .
[7] كالمعالجة: أي معالجة الأمور وتصريفها، أكسبني ذلك حكمة ونباهة. (انظر الصحاح 1/423) .
[8] بكسر العين واللام، وسكون الظاء المعجمة؛ صبغ أحمر، وقيل: هو الوسمة، شجر له ورق يختضب به.
[9] أي مضعونة وهي الناقة. ومعنى سحوق: طويلة. (الصحاح 1/571) (وانظر الروح 8/49) .
[10] أي مضعونة وهي الناقة. ومعنى سحوق: طويلة. (الصحاح 1/571) (وانظر الروح 8/49) .
[11] الآية (6) من النساء.
[12] فتح القدير 2/79.
[13] الآية 2 من النساء.
[14] الآية 2 من النساء.
[15] الآية 10 من النساء.
[16] لمزيد العلم انظر: الروح 8/45، المنار 8/190، الأحكام 308.
[17] الصحيح مع الفتح 10/436.
[18] لمزيد الفائدة انظر: المفردات 528 واللسان 15/399.
[19] للفائدة انظر اللسان 11/604.
[20] عثمان بن محمد نسب إلى جده الأبعد، ثقة حافظ له أوهام.
[21] الفضل بن دكين عمرو بن حماد، ثقة ثبت.
[22] ابن سعيد الثوري، ثقة، إمام، حجة، ربما دلس.(33/42)
[23] ابن أبي سفيان، الجمحي، ثقة، حجة.
[24] ابن كيسان، اليماني، ثقة، فقيه، فاضل.
[25] السنن لأبي داود 3/633.
[26] منها: البغلي. وهو ثمانية دوانيق.
ومنها: الطبري: وهو أربعة دوانيق.
ومنها: الخوارزمي نسبة إلى خوارزم.
ومنها: الدرهم الوزان، وهو من دراهم الإسلام الجائز بين الناس في عامة البلدان. وهو ستة دوانيق، وهو نقد أهل مكة، ووزنهم الجائز بينهم.
ومما تجدر الإشارة إليه أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالدراهم عداً وقت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا أن عائشة رضي الله عنها قالت لبريرة في شأن ثمنها: "إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة فعلت". فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الوزن في الدراهم والدنانير، وجعل العيار وزن أهل مكة، دون ما يتفاوت وزنه منها في سائر البلدان. لمزيد العلم انظر: معالم السنن مع سنن أبي داود 3/633-636.
[27] قال الخطابي رحمه الله: "وللناس صيعان مختلفة، فصاع أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي (3/1 5) وصاع أهل البيت - فيما يذكره زعماء الشيعة - تسعة أرطال وثلث (3/1 9) وصاع أهل العراق ثمانية أرطال؛ وهو صاع الحجاج الذي سعر به على أهل الأسواق، ولما ولي خالد بن عبد الله القسري العراق ضاعف الصاع فبلغ به ستة عشر رطلا. فإذا جاء باب المعاملات حملنا - كل صاع على عرف بلده - وإذا جاءت الشريعة وأحكامها فهو صاع المدينة"معالم السنن 3/ 636.
[28] هذا ملخص ما ذكر الخطابي رحمه الله المصدر السابق 3/633.
[29] الآية 4 من سورة يونس.
[30] الآية 9 من سورة الرحمن.
[31] الآية 42 من سورة المائدة.
[32] الآية 15 من سورة الجن. ولمزيد العلم انظر: المفردات ص 403 والصحاح 2/306.(33/43)
[33] للتوسع في المعنى انظر: الصحاح 2/688 واللسان 8/ 392 والمفردات ص 403 والرازي 13/234.
[34] الآية 152 من سورة الأنعام.
[35] انظر سورة المطففين.
[36] أخرجه الإمام البخاري انظر (الصحيح مع الفتح 1/57) .
[37] الآية 35 الإسراء.
[38] الآية 9 من سورة الرحمن.
[39] الرازي 13/234.
[40] الآية 152 من سورة الأنعام.
[41] الآية 286 من سورة البقرة.
[42] الآية 85 من سورة الأعراف.
[43] أخرجه الإمام البخاري الصحيح مع الفتح 13/318.
[44] أخرجه أبو داود (السنن 4/ 18) وفيه كلام.
[45] اللسان 11/ 430.
[46] الآية 36 من سورة النساء.
[47] الآية 214 من سورة الشعراء.
[48] ابن كثير 3/149.
[49] اللسان 1/667، وانظر صحيح مسلم 1/192 رقم 350.
[50] حققه محدث هذا الزمان الشيخ الألباني وحكم له بالحسن صحيح الجامع الصغير 3/ 65.
[51] الآية 135 من سورة النساء.
[52] الآية 8 من المائدة.
[53] أخرجه البخاري وغيره الصحيح مع الفتح 1/135، 5/160.
[54] تفسير المنار 5/273.
[55] الرازي 3/ 235.
[56] الصحيح مع الفتح 10/507.
[57] اللسان 3/ 311، 15/398.
[58] اللسان 3/ 311، 15/398.
[59] لمزيد المعرفة انظر: اللسان 15/ 394 ... والمنار 8/ 188، 189.
[60] اللسان 15/ 309.
[61] الرازي 13/ 235.
[62] الآية 44 من سورة الزخرف.
[63] الآية 7 من سورة الأنبياء.
[64] الآية 13 من سورة غافر.
[65] الآية 10 من سورة الأعلى.
[66] الآية 15 من سورة القمر.
[67] المنار 8/ 193.
[68] الآية 113من سورة طه.
[69] الآية 60 من سورة يس.
[70] الآية 91 من سورة النحل.
[71] الآية 100 من سورة البقرة.(33/44)
[72] الآية 177 من سورة البقرة.
[73] الآية 73 من سورة التوبة.
[74] أردت بالإمام رأس الدولة الحاكم الشرعي وهو التعبير الإسلامي.
[75] الصحيح مع الفتح 1/89.
[76] الرازي 13/235.
[77] الألوسي 8/49.
[78] الفتوحات 2/ 110.
[79] الفتوحات 2/ 110.
[80] الإرشاد 3/ 200.
[81] اللسان 7/ 340.
[82] المفردات 180، 230.
[83] اللسان 11/319.
[84] المفردات ص 530، 531.
[85] الآية 125 النحل.
[86] الآية 55 الأنعام.
[87] اللسان 11/319.
[88] الحديث في البخاري ومسلم، وانظر: لفظ البخاري الصحيح مع الفتح 1/126.
[89] الآية 52 المؤمنون.
[90] الآية 18 الجن.
[91] الرازي 14/2. وانظر أقوال الفراء (معاني القرآن 1/364) .
[92] الزمخشري 3/ 80.
[93] الألوسي 5/50.
[94] الآية 7 من الفاتحة.
[95] التفسير القيم ص 14. 15.
[96] الأشج، ثقة، مات سنة سبع وخمسين ومائتين.
[97] سليمان بن حيان، الأزدي، صدوق يخطىء، مات سنة تسعين ومائة.
[98] ابن سعيد بن عمير، ليس بالقوي مات سنة أربع وأربعين ومائة. وقد وقع خطأ في السند في تفسير ابن كثير 2/ 190 فذكر بدله (مجاهد) والصواب (مجالد) .
[99] عامر بن شراحيل.
[100] لعل، صورته هكذا. ــــــ
[101] أخرجه ابن ماجه 1/6 وبسنده أخرجه الإمام أحمد، وكذلك من طريق أخرى عن ابن مسعود (المسند 3/397، 1/465) وبه أخرجه الحاكم (المستدرك2/318) وابن حبان (1/ 167) .
[102] الآية 153 من الأنعام.
[103] انظر (القرطبي7/238) .
[104] انظر (ابن عطية 6/ 185) .
[105] الصنعاني، ثقة، مات سنة خمس وأربعين ومائتين.
[106] ابن عثمان بن عفان، ثقة، مات سنة خمس ومائة.(33/45)
[107] الطبري 8/ 65.
[108] عبد القدوس بن الحجاج الخولاني، ثقة، مات سنة ثنتي عشرة ومائتين.
[109] ثقة، ثبت، مدلس، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
[110] عبد الله بن زيد الجرمي، ثقة، كثير الإرسال.
[111] هما كلمتان مترادفتان ومعناهما هنا. التشدد والغلو في الكلام ولمزيد الفائدة انظر (اللسان 8/357، 10/ 271) .
[112] هما كلمتان مترادفتان ومعناهما هنا. التشدد والغلو في الكلام ولمزيد الفائدة انظر (اللسان 8/357، 10/ 271) .
[113] جمع بدعة وهي كل ما خالف أصول الشريعة من الأقوال والأعمال. وانظر (اللسان 8/ 6) .
[114] القديم، أي الأمر الأول النهاية 3/ 179.
[115] أخرجه الدارمي السنن 1/ 50.
[116] هكذا في النسختين ولم أقف عليه ولعل الصواب مخلد بن مالك الجمال، فهو شيخ الدارمي، وتلميذ النضر، ثقة مات سنة إحدى وأربعين ومائتين.
[117] ثقة، ثبت، مات سنة أربع ومائتين.
[118] عبد الله بن عون بن أرطبان، ثقة، ثبت، مات سنة خمسين ومائة.
[119] محمد بن سيرين، ثقة، ثبت، عابد، مات سنة عشر ومائة.
[120] أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. (يرون أنه) يعني المسلم يكون على طريق الحق ما دام يلتزم بالأثر.
[121] أخرجه الدارمي السنن 1/50.
[122] الرازي 3/14. وانظر تعليق أحمد شاكر رحمه الله عمدة التفسير 5/22.
[123] الآية 13 من الشورى.
[124] انظر كلام ابن كثير 2/190.
[125] صدوق، مات سنة ست عشرة ومائتين.
[126] المصري، أبو الحارث، ثقة، ثبت، فقيه، مات سنة خمس وسبعين ومائة.
[127] قاضي الأندلس، صدوق له أوهامروى له مسلم، مات سنة ثمان خمسين ومائة.
[128] ابن نفير، ثقة، مات سنة ثمان عشرة ومائة.
[129] جبير بن نفير، ثقة، جليل، ولأبيه صحبة، مات سنة ثمانين.(33/46)
[130] صحابي، قيل وفد على النبي صلى الله عليه وسلم. انظر (أسد الغابة 5/45) .
[131] في المسند (تتفرجو) وصوابه ما أثبتناه.
[132] المسند 4/182.
[133] إقرأ الآية 8 من (سورة المنافقين) .
[134] ثقة، كثير التدليس، ولا يضر هنا لأنه صرح بالتحديث.
[135] مقبول مات سنة عشر ومائة.
[136] مقبول أيضاً.
[137] الآية 192 التوبة.
[138] أي وإن ولي عليكم عبد حبشي. ففيه الأمر بطاعة ولي الأمر ما أقام الدين وحكم بالشريعة.
[139] هم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم أجمعين وعن كافة أصحاب رسوله الكريم.
[140] النواجذ أقصى الأضراس، أو هي الأنياب، أو التي تلي الأنياب، أو هي الأضراس كلها. (ترتيب القاموس 4/327) .
[141] جمع محدثة- بالفتح- وهي ما لم يكن معروفاً في كتاب ولا سنة ولا إجماع. (النهاية 1/ 351) .
[142] سنن أبى داود 5/13 وأخرجه الترمذي من طريق أخرى عن خالد وقال: هذا حديث حسن صحيح (الجامع 5/ 44) .
[143] الآية 7 الحشر.
[144] الآية 63 النور.
[145] شبه منهجه صلى الله عليه وسلم بالجادة الواضحة؛ الطريق الأبلج الذي لا يضل سالكه.
[146] شبه انقياد المؤمن للحق عند سماعه بالجمل الذي يخزم أنفه فينقاد لصاحبه، فالجمل الأنف هو الذي يشتكي أنفه من الوجع (الصحاح1/ 54) .
[147] ابن ماجة 1/16 وتقدم أنه عند أبي داود والترمذي.
[148] الخاشتي، صدوق ربما وهم، مات سنة عشر ومائتين.
[149] هكذا عند الدارمي. والصواب عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة بن الحارث، الكوفي، ذكره الحافظ في (اللسان4/378) وقال: قال ابن معين: "حديثه ليس بشيء، قد رأيته". ولم أقف عليه في تاريخ ابن معين، وسبق الحافظ إلى نقل هذه العبارة الحافظ الذهبي (الميزان 3/ 293) .(33/47)
[150] يحيى بن عمرو بن سلمة، لم يذكره أبو حاتم بجرح ولا تعديل (الجرح والتعديل 9/176) .
[151] عمرو بن سلمة بن الحارث، الهمداني، لم يذكره البخاري بجرح ولا تعديل (التاريخ 6/337) ومثله ابن أبي حاتم (الجرح والتعديل 6/ 235) . وذكره ابن حبان في (الثقات 5/ 172) وذكره الحافظ وقال: قال ابن أبي حاتم عن أبيه: "أخطأ في عمرو بن سلمة حيث جمع بينهما، ذاك جرمي، وهذا همداني". ثم قال: "وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة ... "الخ (التهذيب 8/42) ولي على هذا ملاحظتان: الأولى: ما خطىء فيه البخاري ليس وارداً فقد أفرد كل منهما بترجمة (التاريخ 6/313، 337) والثانية: أن المذكور في طبقات ابن سعد غير هذا (الطبقات 6/ 171) ومن هنا والله أعلم وقع الخطأ في التقريب حيث قال: ثقة (التقريب 260) .
[152] إن صحت هذه الرواية فالقيام هنا ليس من باب التعظيم الذي ثبت النهي عنه. إنما هو من باب الاستعداد للمشي إلى الصلاة.
[153] هذه المقولة تدل على عدم ثبوت الرواية والله أعلم، لأنه ليس من المعقول أن يذهب أبو موسى إلى المسجد للصلاة ثم خرج منه وهو يعرف فضل المبادرة إلى المسجد والسبق إلى الصلاة. ثم ليس من المعقول أن يرى منكراً ثم يقول ما رأيت إلا خيرا، ثم لا ينكر ذلك ويذهب ليأخذ رأي ابن مسعود أينكر أم لا؟. وقد كان أصحاب رسول الله أكثر الناس التزاماً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا رأي عنّ لي في المسألة. وانظر ما في تعليق (3، 6) وتعليق (2) الآتي.
[154] بكسر الحاء، وفتح اللام، جمع الحلقة، مثل قصعة، وقصع، وهي الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب (النهاية 1/426) .
[155] على فرض صحة هذه الرواية فتوقف أبي موسى عن المبادرة فى الإنكار إنما كان تعقلاً لا سيما وأن العمل مشروع لكن بغير هذه الصورة.
[156] جمع حصاة، وهي الأحجار الصغيرة. انظر (النهاية 1/398) .(33/48)
[157] باقتراف البدع، واتباع الأهواء، يؤيد هذا حديث ((تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)) .
[158] كناية عن قرب موته صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يطل عليهم العهد، بل هم حديثوا عهد بهدى.
[159] كناية عن قرب موته صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يطل عليهم العهد، بل هم حديثوا عهد بهدى.
[160] هذه جملة توبيخ وإنكار، لأن من يزعم أنه جاء بأهدى من ذلك فهو كافر، فأراد ابن مسعود رضي الله عنه أن يوبخهم على ذلك ويحقر ما فعلوا.
[161] إذا كان داعية هواه أو اجتهاده المحض، لكن من أراد الخير مستنيرا بالكتاب والسنة فإنه لا يعدم ذلك.
[162] يريد به حديث.
[163] الدارمي 1/ 61.
[164] انظر القرطبي 7/ 141.
[165] انظر القرطبي 7/ 141.
[166] لعله أخذ هذا من قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} الآية 23 الجاثية. فإن مقتضى حال من هذه صفاته أن يكون من أهل النار.
[167] صدق والله فإن المعصية إذا تعمدها أو وقع فيها عن جهل بأمرها فإن كانت الصفة الأولى ندم وتاب، وإن كانت الثانية وأتضح له الحكم فيها تاب بعد علمه بالحكم وصاحبه الندم على ذلك، أما أصحاب البدع فهم يتقربون إلى الله عز وجل بتلك البدع زينها لهم الشيطان واستحسنتها أهواؤهم ودفعتهم إليها رغباتهم فهي ظلمات بعضها فوق بعض، وإن قدرت السلامة لأحد منهم بالتوبة فقليل ما هم بل المشاهد من المبتدعين أنهم زادوا فرقة في الفرق التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبغضون أهل السنة،، يذمون الدعاة إلى الهدى، وصنفهم كما ذكر بعض العلماء لم يكن في الأمم السابقة.(33/49)
[168] الأهواء المحرمة كثيرة منها ما يتعلق بالأمور الشخصية، ومنها ما يتعلق بالنواحي الاقتصادية، ومنها ما يكون تعلقه بأمور المجتمع، وهذه كلها قد تكون لها دوافع قوية، وشبهات توقع فيها فلا تقع منها التوبة إلا نادراً لكن الأهواء المحرمة والتي نكاد نجزم بعدم التوبة منها ما كان باعثه حب التقرب إلى الله عز وجل فهو أمر جد خطير إذا لم يكن له أصل من كتاب ولا سنة، وكم من مريد للخير لا يناله.
[169] يريد ما كان عليه رسول الله وأصحابه، وإنما حصلت الفرقة بعدهم.
[170] يريد به من كانوا على الفطرة تقبل قلتم الحق وفي ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة ".
[171] صاحب الشافعي، ثقة، مات سنة سبعين ومائتين.
[172] صدوق يغرب، وفيه نصب، مات سنة اثنتين عشرة ومائتين.
[173] صدوق، نقموا عليه الرأي.
[174] الإمام، الحجة.
[175] العبدي، ثقة، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين.
[176] عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو الخليفة العادل حتى قيل: إنه خامس الخلفاء الراشدين.
[177] المراد أن يكون المرء بين ذلك قواما، فلا يقصر في حق الله عز وجل ولا يغلو فيكون مجانباً للإفراط والتفريط.
[178] أي على أنها محدثة وليست من الهدي المحمدي.
[179] لم يقل محمد بن كثير في روايته: (من قد علم) .
[180] أي امتنعوا عما يخالف السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
[181] من البدع والأهواء.
[182] بفتح الميم، وسكون القاف، وكسر الصاد، أي لا يرضى المسلم بأقل مما وصلوا إليه من الفضل تقول: رضي بمقصر مما كان يحاول، دون ما طلب. (انظر اللسان 5/98) . وفي نظري أن الدعاس أخطأ في تعليقه على هذه اللفظة.(33/50)
[183] الذي في السنن ((محسر)) وفي نظري أنه خطأ صوابه ما أثبت أعلاه، من الجسارة أي لا يتطاول عليهم ويطلب المزيد على ما جاؤا به فإنهم أكرم الناس بعد رسول الله وأكمل الناس بعده صلى الله عليه وسلم. (انظر اللسان 4/136) .
[184] أي أبعدوا في طلب المزيد على ما جاء عن الصحابة فوقعوا في الغلو انظر (الصحاح2/48) .
[185] بين المقصر والمجسر (بين الإفراط والتفريط) .
[186] أخرجه أبو داود 5/18 واستفاده القرطبي 7/ 139.
[187] انظر شيئا من أقواله رحمه الله في الحلية10/189.
[188] ذكره القرطبي 10/ 189.
[189] انظر حديثاً في هذا قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح (الجامع 4/ 504) .
[190] الآية 168 الأنعام.
[191] الآية 140 النساء.
[192] انظر ما نقله القرطبي 7/137-142.(33/51)
مَوَاردُ الإِمَامِ البَيْهَقِي في كِتَابِهِ:
السُّنَنِ الكُبْرَى مَعَ دِرَاسَةٍ نَقْدِيَّةٍ لمنهَجِهِ فيهَا
الدكتور نجم عبد الرحمن خلف
أستاذ مساعد بالجامعة الإسلامية
القسم الأول
موارد البيهقي في "السنن الكبرى"
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وآله الأطهار، وصحبه الأخيار، والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد: فقد قمتُ بجمع موارد الإمام البيهقي في "السنن الكبرى"وحرصت على الاستقصاء في هذه المحاولة، وكانت الغاية من ذلك معرفة طبيعة هذه المصادر ومقدار قيمتها العلمية، باعتبار أنّ أصالة هذه الموارد تؤكد أصالة العمل وجدواه.
وكان من أهداف هذه المحاولة - أيضا - التأكد من منهجية التكامل المعرفي في عمل البيهقي، ومقدار استيعابه للمواد العلمية السابقة له. كما أردت أن أتبين كيفية استخدام البيهقي لها، وطبيعة تعامله معها من حيث التبني والمتابعة أو النقد والمراجعة.
وسوف أحتفظ بملاحظاتي حول منهج البيهقي في تعامله مع موارده، وطبيعة هذه الموارد، وقيمتها العلمية، وأقوم بتسجيلها إثر سردها وبيانها، حتى تكون هذه التصورات أقرب إلى الوضوح والبيان.
أسماء موارد البيهقي في "السنن الكبرى":(33/52)
رغم حرصي على تتبع كافة موارد البيهقي في "السنن الكبرى"فإنني وجدت هذا الأمر يتطلب عمل سنين متواصلة حتى يخرج بالصورة الدقيقة الشاملة. فإنّ موارد البيهقي قسمان: قسم شفوي تلقاه من أفواه مشايخه بالسماع المتصل. وقسم آخر مدوّن ومحرر في مصنفات تلقى معظمه بالسماع – أيضا - من أصحاب هذه المصنفات، أو ممن سمعها منهم. وبعض هذه المصنفات تَحَمّلَها بطريق الإِجازة أو المكاتبة، أو الوجادة. وعملية التمييز بين المورد الشفوي والمحرر أمر دقيق، وهو يتطلب دراسة متأنية لأسانيد الكتاب من هذه الوجهة. وإذا علمنا أنَّ في الكتاب ما يزيد على ثلاثين ألف إسناد أدركنا مشقة هذا السبيل، ولذلك فإني اكتفيت بما صرح به البيهقي نفسه من أسماء هذه الموارد، وعمدت إلى دراسة خُمْس أسانيد الكتاب أو أكثر، وتمكّنت من معرفة ما يقرب من ضعف ما صرح به البيهقي من المَوارد. وأقمت هذا التحديد لنوعية هذه الموارد على البحث والاستقصاء والتحري. فقمت بدراسة هذا النوع من المرويات، وفحصت أسانيدها، وطبيعة مادتها، وقابلت ما أمكن من موادها مع ما توفر لدي من أصولها المطبوعة، وبقي لدي مثل هذا الكم أو أكثر لم أتمكن من الوقوف على مرجح يمكنني من الجزم بتحديد المورد على وجه الدقة. فآثرت العدول عنها.
ومما لا أشك فيه أنَّ موارد الإمام البيهقي تبلغ أضعاف ما ذكرناه ههنا، وقد بلغت عندنا (169) مورداً. ولعلَّ الله تعالى يهيئ لي من الظروف - في الأيام القابلة - التي تعينني على إنجاز هذا العمل بشكله الدقيق الوافي.
أما منهجي في سرد هذه الموارد فسأقوم بتقسيمها حسب مواضيعها، وإذا تماثل عنوان المورد ككتب الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها فإني عند ذلك أرتبها حسب الأقدمية التاريخية.
كما سأقوم بتوثيق هذه الموارد بعزوها إلى مواضعها من "السنن الكبرى"من غير استيعاب لهذا العزو، فأكتفي بذكر نماذج من هذه المواضع حسب ما يقتضي الحال.
أولا: علوم القرآن:(33/53)
1- أحكام القرآن للشافعي محمد بن إدريس (ت 204 هـ) .
2- تفسير السدي لأبي محمد إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة (ت 28 اهـ) وهو من المصنفات التي فقدت.
3- تفسير مقاتل بن سليمان (ت 150هـ) .
ثانيا: الحديث وعلومه:
أ-كتب الصحاح:
4- صحيح البخاري (الجامع الصحيح) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ) .
5-صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 هـ) .
6-صحيح أحمد بن سلمة أبي الفضل النيسابوري البزار (ت 286 هـ) .
7-صحيح ابن خزيمة لمحمد بن إسحاق النيسابوري (ت 311 هـ) .
8- صحيح أبي عوانة ليعقوب بن إسحاق الاسفراييني (ت 316 هـ) .
9- صحيح أبي بكر الإسماعيلي أحمد بن إبراهيم (ت 371 هـ) .
ب- كتب ((السنن)) :
10- السنن لابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز الرومي (ت 150 هـ) .
11- سنن أبي العباس الأموي الوليد بن مسلم الدمشقي (ت 194 هـ) .
12- سنن سعيد بن منصور أبي عثمان المروزي (ت 227 هـ) .
13- سنن حرملة بن يحيى أبي عبد الله التجيبي المصري (ت 243 هـ) .
14- سنن أبي داود السجستاني سليمان بن الأشعث (ت 275 هـ) .
15- سنن الترمذي (جامع الترمذي) لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 هـ) .
16- سنن أبي مسلم الكجي إبراهيم بن عبد الله (ت 292 هـ) .
17- سنن أبي محمد يوسف بن يعقوب البصري ثم البغدادي (ت 297 هـ) .
18- سنن المصري لأبي الحسن علي بن محمد المصري.
19- سنن النسائي أحمد بن شعيب (ت 303 هـ) .
20- سنن الطحاوي (معاني السنن والآثار لأبي جعفر أحمد بن محمد الأزدي (ت 321 هـ) .
21- سنن الدارقطني لأبي الحسن علي بن عمر البغدادي (ت 385 هـ) .
ج- كتب المسانيد:
22- مسند أبي حنيفة النعمان بن ثابت (ت 150هـ) .
23- مسند ابن وهب عبد الله بن وهب المصري (ت 197هـ) .
24- مسند الشافعي (ت 204 هـ) الذي خرجه ابن مطر محمد بن جعفر بن محمد المطري العدل النيسابوري الحافظ (ت 360 هـ) .(33/54)
25- مسند أبي داود الطيالسي سليمان بن داود الجارود البصري (ت 204 هـ) .
26- مسند الحميدي عبد الله بن الزبير المكي (ت 219 هـ) .
27- مسند مسدد بن مسرهد البصري (ت 228 هـ) .
28- مسند علي بن الجعد بن عبيد الجوهري البغدادي (ت 230 هـ) .
29- مسند أبي بكر بن أبي شيبة عبد الله بن محمد (ت 235 هـ) .
30- مسند إسحاق بن راهويه، إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي (ت 238 هـ) .
31- مسند عثمان بن أبي شيبة، عثمان بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (ت 239 هـ) .
32- مسند أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ) .
33- مسند العدني محمد بن يحيى بن أبي عمر الداروردي (ت 243 هـ) .
34- مسند أحمد بن منيع البغوي (ت 244 هـ) .
35- المسند الكبير المعلل ليعقوب بن شيبة البصري (ت262 هـ) .
قال الذهبي: "هو صاحب المسند الكبير الذي ما صنّف مسند أحسن منه، ولكنه لم يتمه".
وقال الكتاني: "ولو تمَّ لكان في مائتي مجلد ".
36- مسند أبي عمرو أحمد بن حازم بن أبي عزرة الغفاري الكوفي الحافظ (ت 276 هـ) .
37- المسند الكبير للدارمي عثمان بن سعيد الحافظ (ت 280هـ) .
38- مسند أبي الحسن البغوي علي بن عبد العزيز (ت 286 هـ) .
39- مسند الحسن بن سفيان الشيباني محدث خراسان (ت 303 هـ) .
40- مسند أبي يعلى الموصلي أحمد بن علي بن المثنى التميمي (ت 307 هـ) .
41- ومسند الصفار أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الحافظ المتوفى بعد (340 هـ) .
د- الكتب والمصنفات والمعاجم والفوائد الحديثية:
مرتبة حسب حروف المعجم في عمومها، وعند التشابه في عناوينها أرتبها حسب الأقدمية في التاريخ.
42- الأدب المفرد للبخاري (ت 256 هـ) .
43- أمالي حديث الأعمش للباغندي محمد بن محمد بن سليمان الواسطي، ثم البغدادي (ت 312 هـ) .
44- أمالي أبي عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن البيع النيسابوري (ت 405 هـ) .
يبدو أنه كبير الحجم، فقد قال البيهقي: "كذا وجدته في العاشر من (الأمالي) ".(33/55)
45- إملاء أبي الحسن بن بشران علي بن محمد بن عبد الله الأموي (ت 415 هـ) .
46- الترغيب والترهيب لابن زنجويه حميد بن مخلد (ت 248 هـ) .
47- جامع الثوري سفيان بن سعيد (ت 161 هـ) .
48- حديث شعبة للحاكم (ت 405 هـ) .
49- حديث الأوزاعي- عبد الرحمن بن عمرو (ت 157هـ) - لأبي عبد الله السوسي.
50- صحيفة هَمّام بن منبه الصنعاني (ت 132 هـ) .
51- صحيفة سهيل بن أبي صالح المدني (توفي في خلافة المنصور) .
52- العلل لابن المديني علي بن عبد الله البصري (ت 234 هـ) .
53- العلل لأحمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ) .
54- علل حديث الزهري للذهلي محمد بن يحيى (ت 258 هـ) .
55- العلل الكبير للترمذي محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 هـ) .
56- العلل لأبي يحيى الساجي زكريا بن يحيى الضبي (ت 357 هـ) . [59]
57- العلل للدارقطني أبي الحسن جملي بن عمر (ت 385 هـ) .
58- الفوائد لأبي الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي (ت 401هـ) .
59- زيادات الفوائد للحاكم (ت 405 هـ) .
60- الفوائد للحاكم (ت 405 هـ) .
61- الفوائد الكبير للحاكم (ت 405 هـ) .
62- الفوائد الكبير لأبي العباس الأصم (ت 346 هـ) للحاكم (ت 405 هـ) ولعله والذي قبله واحد.
63- فوائد النسخ للحاكم (ت 405 هـ) .
64- فوائد أبي زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد النيسابوري (ت 414 هـ) .
65- فوائد أبي عمرو بن حمدان بن أيوب بن موسى.
66- كتاب زيد بن جدعان القرشي في الحديث (ت 129 هـ) .
67- كتاب الجهاد لابن المبارك عبد الله بن المبارك المروزي (ت 181 هـ) .
68- كتاب عيسى بن شعيب البصري الضرير (ت في حدود المائتين) .
69- كتاب الأدب لحميد بن مخلد بن زنجويه (ت 248 هـ) .
70-كتاب ذم الملاهي وغيره من مصنفات ابن أبي الدنيا عبد الله بن محمد بن عبيد البغدادي (ت 281 هـ) .
71- كتاب أبي طاهر الفقيه محمد بن محمد بن محمش (ت 410 هـ) .
72- المراسيل لأبي داود السجستاني سليمان بن الأشعث (ت 275 هـ) .(33/56)
73- المستدرك على الصحيحن للحاكم (ت 405 هـ) .
74- مشيخة يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277 هـ) .
75- مصنف عبد الرزاق بن هَمَّام الصنعاني (ت ا 21 هـ) .
76- مصنف ابن أبي شيبة عبد الله بن محمد الكوفي (ت 235 هـ) .
77- معالم السنن والآثار للخطابي حمد بن محمد بن إبراهيم (ت 388 هـ) .
78- المعجم الأوسط للطبراني سليمان بن أحمد (ت 360 هـ) .
79- المعجم الكبير. له أيضاً.
80- معرفة السنن والآثار لأبي سليمان الخَطَّابي حمد بن محمد (ت 388 هـ) .
81- المنتقى لابن الجارود عبد الله بن علي النيسابوري (ت 306 هـ) .
82- الموطأ لمالك بن أنس الأصبحي (ت 179 هـ) .
83- الموطأ لعبدان بن محمد بن عيسى المروزي الحافظ (ت 293 هـ) .
84- كتاب العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب النسائي البغدادي (ت 234 هـ) .
83- غريب الحديث لأبي سليمان الخطابي (ت 388 هـ) .
84- غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 222 هـ) .
87- غرائب الشيوخ للحاكم (ت 403 هـ) .
88- المفردات والوحدان لمسلم بن الحجاج (ت 261 هـ) .
89- معرفة علوم الحديث للحاكم (ت 405 هـ) .
90- الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 222 هـ) .
ثالثا: كتب الفقه وأصوله:
مرتبة على حروف المعجم في شكلها العام، وعند تماثل العنوان أذكرها حسب الأقدمية التاريخية.
91- اختلاف العراقيين للشافعي (ت 204 هـ) .
92- اختلاف مالك والشافعي لأبي سعيد بن أبي عمرو محمد بن موسى الفقيه الصيرفي (ت421 هـ) .
93- الإملاء للشافعي (ت 204 هـ) .
94- تحريم الجمع. له أيضاً.
95- التلخيص في الفروع لأبي العباس أحمد بن محمد بن يعقوب بن القاص الطبري (ت 335 هـ) .
96- الجامع الكبير للمزني إبراهيم بن أحمد المروزي (ت 340 هـ) .
97- جلود النمور لأبي شيخ الهنائي (ت 369 هـ) .
98- الخلافيات لابن المنذر محمد بن إبراهيم (ت 318 هـ) .
99- الدِّيات لوكيع بن الجراح (ت 97 اهـ) .(33/57)
100- ذم المسكر لابن أبي الدنيا عبد الله بن محمد (ت ا 28 هـ) .
101- الرسالة للشافعي (ت 204 هـ) .
102- شرح المزني لأبي إسحاق المروزي إبراهيم بن أحمد (ت 340 هـ) .
103- القراءة خلف الإِمام للبخاري (ت 256 هـ) .
104- القراءة خلف الإمام لابن خزيمة محمد بن إسحاق (ت 311 هـ) .
105- كتاب في الفرائض لزيد بن ثابت (ت 45 هـ) .
106- كتاب الصلاة لعبد الله بن المبارك المروزي (ت 181 هـ) .
107- كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى لأبي يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم (ت 182 هـ) .
108- كتاب الخراج ليحيى بن آدم الأحول (ت 203 هـ) .
109- الكتاب القديم للشافعي (ت 204 هـ) والمقصود به فتاوى الإمام الشافعي في العراق. والجديد هو فتاواه في مصر.
110- كتاب المناسك للشافعي (ت 204 هـ) .
111- كتاب الرد للحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى (ت 219 هـ) .
112- كتاب رفع اليدين في الصلاة للبخاري محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ) .
113- كتاب الأحكام للصبغي أحمد بن إسحاق النيسابوري (ت 342 هـ) .
114- المبسوط للشيباني محمد بن الحسن (ت 189 هـ) .
115- المبسوط للشافعي (ت 204 هـ) .
116- مختصر البويطي "كتاب البويطي"يوسف بن يحيى القرشي (ت 231 هـ) .
117- مختصر المزني عن الشافعي للمزني إسماعيل بن يحيى (ت 264 هـ) .
118- مختصر المختصر لابن خزيمة محمد بن إسحاق (ت 311 هـ) .
119- المسائل المصنفة له أيضاً، وهو في مائة جزء.
120- مختصر الحج.
رابعا: كتب التواريخ والأنساب والمناقب والجرح والتعديل.
تواريخ الرواة:
121- تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي (ت 280 هـ) عن يحيى بن معين (ت 233 هـ) .
122- تاريخ يحيى بن معين انظر: "السؤالات".
123- تاريخ البخاري الكبير (ت 256 هـ) .
124- تاريخ نيسابور للحاكم (ت 405 هـ) .
125- كتاب التاريخ على السنين للحسن بن عثمان الزيادي (ت 243 هـ) .
126- المعرفة والتاريخ للفسوي يعقوب بن سفيان (ت 277 هـ) .(33/58)
ب- الكنى والأسماء والمؤتلف والمختلف:
127- الكنى لمسلم بن الحجاج (ت 261 هـ) .
128- الكنى للدولابي محمد بن أحمد الرازي (ت 315 هـ) .
129- الأسماء والكنى للحاكم الكبير محمد بن محمد النيسابوري (ت 378 هـ) .
130- المؤتلف والمختلف في أسماء الرجال لعبد الغني بن سعيد الأزدي المصري (ت 409 هـ) .
ج- الأنساب:
131- الجمهرة في نسب قريش لأبي عبد الله مصعب بن عبد الله الزُبيري (ت 236 هـ) .
132- كتاب قريش للزبير بن بكار القرشي (ت 256 هـ) .
133- كتاب النسب لأبي محمد الحسن بن محمد الحسيني العلوي (ت 358 هـ) .
د- المناقب:
134- فضائل الصحابة ليعقوب بن سفيان (ت 277 هـ) .
135مناقب الشافعي لأبي الحسن العاصمي محمد بن الحسين بن إبراهيم الابري (ت 363 هـ) .
هـ- الجرح والتعديل والسؤالات:
136- أقوال أبي حاتم الرازي في الرجال لمحمد بن إدريس (ت 275 هـ) .
137- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد الرازي (ت 327 هـ) .
138- الضعفاء والمتروكون للنسائي بن أحمد بن شعيب (ت 303 هـ) .
139- الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني (ت 365 هـ) .
140- سؤالات عباس الدوري (ت 1 27 هـ) ليحيى بن معين (ت 233 هـ) .
141- سؤالات عثمان الدارمي (ت 280 هـ) ليحبى بن معين. انظر: تاريخ عثمان الدارمي.
142- سؤالات (مسائل) أبي داود (ت275 هـ) لأحمد بن حنبل (ت 241 هـ) .
و المعاجم، والصحابة، وغيرها:
143- معجم شيوخ ابن الأعرابي سعيد بن أحمد بن محمد (ت 340 هـ) .
144- معرفة الصحابة لابن مندة محمد بن إسحاق (ت 395 هـ) .
143- ما رواه الكبير عن الصغير من المحدثين من الأفراد للباغندي محمد بن محمد بن سليمان (ت 312 هـ) .
ز- كتب المغازي والسير:
146- مغازي عروة بن الزبير بن العوام الأسدي (ت 94 هـ) .
147- مغازي ابن شهاب الزهري محمد بن مسلم بن شهاب (ت 124هـ) .(33/59)
148- مغازي أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن الأسدي (ت131 هـ) عن عروة بن الزبير. وهو من الكتب التي فقدت، ولم تبق منه إلا ما حفظته لنا بعض المصادر التي اقتبست منه.
149- مغازي ابن عقبة موسى بن عقبة الأسدي (ت 141هـ) .
مفقود- أيضاً - وقد احتفظت لنا بعض المصادر بنسبة لا بأس بها من نصوصه.
150- مغازي ابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يسار المدني (ت 150 هـ) .
151- مغازي الواقدي محمد بن عمر بن واقد (ت 207 هـ) .
152- مغازي الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري (ت 405 هـ) .
خامسا: كتب الرقاق واللّغة:
153- منهاج الدين في شُعب الإيمان لأبي عبد الله الحليمي الحسن بن الحسن بن محمد (ت 403 هـ) . وأحياناً يسميه "شعب الإيمان".
154- كتاب اللّغات ليحيى بن زياد الفراء (ت 207 هـ) .
155- كتاب الأصمعي عبد الملك بن قريب (ت 216 هـ) .
سادسا: بعض المصادر التي استعملها البيهقي ولم أتمكن من تحديدها:
156- أحد مصنفات علي بن المديني (ت 234 هـ) .
137- أحد مصنفات يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277 هـ) .
158- أحد مصنفات أبي عبد الله البوشنجي محمد بن إبراهيم (ت 291 هـ) . وقد كان إماماً في اللغة والأدب والحديث والفقه.
159 - أحد مصنفات اابغوي الكبير عبد الله بن محمد بن عبد العزيز (ت 317 هـ) .
165- أحد مصنفات أبي الشيخ ابن حيان عبد الله بن محمد الأصبهاني (ت 269 هـ) .
161- مختصر الربيع بن سليمان المرادي (ت 270 هـ) اختصر به أحد مصنفات الشافعي.
سابعا: وقد اعتمد الإمام البيهقي على معظم مصنفات الإمام الشافعي إنْ لم يكن جميعها، فإنّ له عناية كبيرة بها، ودراية وافرة بمادتها وهو كثير النقل عنه في "السنن الكبرى".
وغيرها من مصنفاته. وقد ذكرت المصادر بأنّ مؤلفات الشافعي تصل إلى (140) مؤلفاً. ذكر ابن النديم (119) منها، وأفاد د. سزكين بأنّ هناك قائمة أخرى ترجع إلى البيهقي توجد في كتاب "توالي التأسيس "لابن حجر العسقلاني ص 78.(33/60)
وكان من ضمن موارد البيهقي مصنفاته الخاصة، فقد كان يعزو إليها، وينقل عنها، ويحيل عليها، ومن جملة ما صرح به من هذه المصنفات:
162- الأسماء والصفات.
163- الجامع لشعب الإيمان.
164- الخلافيات.
165- الدعوات.
166- المبسوط.
167- المدخل إلى السنن الكبرى.
168- معرفة السنن والآثار.
القسم الثاني
دراسة نقدية لمنهج البيهقي في موارد "السنن الكبرى"
من أبرز ملامح هذه الموارد أنها جاءت بمجموعها مسندة. وقد درج البيهقي على الاقتباس منها باستعمال الطريق الشرعي إليها، وهو الإسناد. وإن معظم أسانيد هذه الموارد مدونة عندي بسلسلتها التي تربط البيهقي بأصحابها.
وقد يستعمل البيهقي أكثر من طريق ليؤدي ما تحمله من هذه الموارد بالطريق المسند.
فبالنسبة لسنن أبي داود السجستاني فإنه اقتبس منه بواسطة ثلاثة طرق، وهي:
طريق أبي بكر بن داسة. وهو الطريق الذي اعتمد عليه البيهقي، واعتنى به، واقتبس منه في السنن ألفي رواية إلا قليلا، وهي الرواية المشهورة في بلاد المغرب. ثم طريق أبي علي اللؤلؤي، وهو الطريق الذي طبعت السنن على أساسه، وهي آخر ما أملاه أبو داود من نسخ كتابه، وهي الرواية المعروفة بالمشرق. وهي تقارب رواية ابن داسة، وليس بينهما اختلاف إلا من حيث الترتيب، والثالثة طريق أبي سعيد بن الأعرابي، وهذه لم يرو عنها البيهقي إلا نادراً وذلك لنقصها عن سائر الروايات. وعلى العموم فإنَّ الإمام البيهقي قد استعمل هذه الطرق الثلاثة في اقتباسه من "سنن أبي داود". وكذا صنع في"مسند عبد الله بن وهب"، و "سنن الدارقطني".
وقد يستعمل أكثر من ذلك، كما صنع في"المسند الكبير"للدارمي فإنه رواه من خمسة طرق. بل بلغ عدد طرقه التي استعملها في الاقتباس من "مسند الصفار"ستة طرق، وهي:
أ- روايته عن أبي الحسن بن عبدان- عنه.
ب- روايته عن أبي الحسن بن بشران- عنه.
جـ- روايته عن أبي الحسين القطان - عنه.
د- روايته عن أبي علي الروذباري - عنه.(33/61)
هـ- روايته عن أبي محمد السكري - عنه.
و روايته عن الحاكم – عنه.
وقد بلغت عنايته ببعض مصادر الجرح والتعديل أن استعمل للاقتباس منها ثمانية طرق، كما حصل هذا في تاريخ يحيى بن معين في نقد الرواة. فإنه استعمل في الرواية عنه الطرق التالية:
أ- الحاكم عن الأصم عن الدوري عنه.
- أبو طاهر الفقيه وأبو سعيد الصيرفي عن الأصبم عن الدوري عنه. وهذه طرق رواية الدوري.
ب- الحاكم والسلمي والأشناني كلهم عن أبي الحسن الطرائفي عن الدارمي عنه.
- والحاكم عن أبي النضر الفقيه عن الدارمي عنه.
- والحاكم عن أبي الحسن بن عبدوس عن الدارمي عنه. وهذه طرق رواية الدارمي.
ج- أبو سعيد بن عبدوس عن أبي محمد يحيى بن منصور عن الحسن بن سفيان عنه. وهذه رواية الحسن ابن سفيان.
د- الحاكم عن المزكي عن أبي سعيد محمد بن هارون عن جعفر الطيالسي عنه.
وهذه رواية جعفر الطيالسي.
هـ- الحاكم عن أبي الحسن الكشاني عن عمر بن محمد بن بجير عن العباس الخلال عنه. وهذا الطريق من أسانيد البيهقي العالية.
وقد يستمل نسختين خطيتين أو أكثر من هذه الموارد فيقابل بينهما، ويختار النسخ الموثقة منها. كما صنع ذلك في "المسند الكبير"للصفار و"مسند أبي داود الطيالسي"، و"سنن أبي داود السجستاني".
وظهرت وفرة موارده في سائر المسائل التي بحثها في كتابه فنراه مثلاً ينقل عن "تاريخ ابن معين"روايتين مهمتين، وهما رواية "الدّوري"و"الدارمي"، ويقتبس من "سؤالات"أبي حاتم الرازي لأحمد بن حنبل، و"الكامل"لابن عدي، كل ذلك في معالجة حديث واحد.
أما من حيث قيمة هذه الموارد، ومقدار أصالتها فهو أمر ظاهر يلحظه الدارس من خلال هذه القائمة التي اشتملت على أمهات كتب السنة، وما يلتحق بها. والتي يغلب عليها طابع الأصالة والتخصص، فإنّ معظمها وضع في القرن الثالث الهجري، ومصنف في قائمة الأمهات من كتب الحديث.(33/62)
وإنّ من أبرز ما تأكد لدي - من خلال هذه الدراسة - حضور التكامل المعرفي في عمل البيهقي، فقد تمكن من استيعاب الكثير من المواد العلمية التي دوّنها السابقون له من الأئمة في مصنفاتهم، أو تناقلوها بينهم بالسماع الشفوي من غير تدوين في كتاب مصنف. ومن شواهد ذلك ما وجدناه في وفرة موارده الحديثية التي تنتظم رقعة واسعة من الزمن وما أنتج فيه من الآثار العلمية وتبدأ من منتصف القرن الثاني إلى الربع الأول من القرن الخامس الهجري.
وقد تميز أسلوب البيهقي في التعامل مع هذه الموارد بالإِضافة المعرفية، فقد حرص على أن يجعل كتابه مشتملاً على إضافات هامة في ميدان "السنن"ثم منْ حيث الكَمّ والكيف على السواء. فجاء "سننه الكبير"موسوعة جامعة لكثير مما تقدم من الأخبار والآثار الصالحة للاحتجاج. وكان من ثمار هذا التكامل في العمل والحرص على منهج الإضافة المعرفية أن احتفظت لنا هذه "السنن الكبرى"بمجموعة هامة من المصنفات التي تعتبر اليوم في حكم الضائع المفقود من تراثنا الواسع. ومن جملة هذه التصانيف كتاب "الفرائض"لزيد بن ثابت (ت 44 هـ) الذي اعتمد عليه الإمامان مالك والشافعي فيما كتباه من الفرائض. فقد احتفظ لنا البيهقي في "السنن"بأخبار كثيرة منه.(33/63)
وأفرد قسماً خاصاً لزيد بن ثابت ومكانته الممتازة، وكتابه الفرائض. ويتضح من الأخبار أنَّ هذه الرسالة عدت عند التابعين مصدراً لا غنى عنه في موضوع المواريث. وتدلنا القطع الباقية عند البيهقي على أنَّ أبا الزناد كان يملك كتاب الفرائض لزيد بن ثابت برواية خارجة بن زيد. انظر: "السنن"6/213، 225، 226، 227، 229، 231، 232، ولاسيما الصفحات 234، 236، 238،245، 250. وإلى جانب تلك المواضع يبدو أَنَّ البيهقي احتفظ أيضاً بنصوص أخرى من كتاب الفرائض لزيد. وقد روى خارجة بن زيد إلى جانب هذا رسالة أبيه في الميراث، وهِي تلك الرسالة التي وجهت إلى معاوية بن أبي سفيان، ووصلت إلينا قطع منها- أيضا- عند البيهقي: الصفحات: 247، 248، 249.
وقد صنع مثل ذلك في "كتاب الخراج"ليحيى بن آدم، وهو من الكتب الهامة. فاقتبس منه (19) رواية بصورة متتابعة، وفي موضع واحد، أخرجها جميعاً في "باب السواد".
كما احتفظ لنا البيهقي بنصوص من "تفسير السدي"إسماعيل بن عبد الرحمن (ت 128هـ) المفقود، ومقتبسات من أقوال علي بن المديني (ت 234 هـ) في الجرح والتعديل، وأبي حاتم الرازي (ت 277 هـ) . وهناك قطع كبيرة من مقتبساته في مادة العقيدة، ونوادر العلماء وأخطاء تأويلاتهم، والقراءات، وأخرى في تاريخ تدوين السنة وتطور ذلك، وهي نصوص هامة في هذا الموضوع لقدمها ودلالاتها.
وقد حفظ لنا البيهقيُّ نصوصاً هامة أخرى عن طريق السماع الشخصي من كبار مشايخه، فسجَّل لنا جملة منها، قد لا نجدها في مصنَّف مدوَّن.(33/64)
ومن مظاهر التوسع المعرفي والإضافة إليها استيعاب البيهقي لمواد جملة كبيرة من موارده الهامة مع القيام بنقدها، وإلحاق الشواهد والمتابعات بها - إنْ كانت هذه الموارد قد اشترطت الصحة في منهجها كالصحيحين والمستخرجات عليهما - وإن لم تشترط ذلك قام بإضافة التقويمات النقدية المناسبة لكل نص من نصوصها في الغالب الأعم من منهجه. فنراه قد اقتبس من الصحيحين ما يربو على (7000) حديث من طريقه وأسانيده الخاصة به، أي إنه استوفى مجموع متون الصحيحين في كتابه. وكذا بالنسبة لسنن أبي داود الذي اقتبس منه ما يقرب من ألفي حديث، ومسند ابن وهب الذي اقتبس منه (1313) رواية، واقتبس من "سنن الدارقطني" (758) رواية، وموطأ مالك (386) رواية، وسنن ابن الأعرابي (642) رواية، ومسند الصفار (1407) من الروايات، وسنن الشافعي وغيرها من مصنفاته (1704) من الروايات، والكامل لابن عدي (348) اقتباساً، وغير ذلك من الاقتباسات الكثيرة، وهذه الأرقام لا تعتبر نهائية في مقدار ما اقتبس البيهقي من هذه الموارد في حدود "السنن الكبرى"فإنما ذكرتُ حصيلة ما رواه عن شيخ واحد ممن أكثر عنه في الاقتباس من أحد هذه الموارد، وهناك الكثير منها قد تلقَّاه عن أكثر من طريق، ولو جمعنا هذه الطرق لقفز العدد الجملي إلى أكثر من ذلك بكثير.(33/65)
أما استعمال المنهج النقدي في التعامل مع هذه الموارد فهو من الوفرة والوضوح بحيث يجعله من أساسيات منهج البيهقي في التعامل مع موارده. وقد أثمر ذلك الآلاف من الملاحظات والأحكام النقدية في المتون والأسانيد، ولا حاجة إلى إعادة ما ذكرناه في مواضع أخرى من هذه الدراسة، فقد تحدثنا عنه في المبحث السابق كما أفردنا باباً مستقلاً لدراسة صناعته النقدية أشبعنا فيه الحديث عن هذا الجانب الهام. كما أن الانطباع تمثلت في كثرة كتب الجرح والتعديل، وتواريخ الرجال، وسؤالات المحدثين لكبار النقاد عن مراتب الرواة. الذي يتكوّن عند الدارس من خلال نظره في قائمة الموارد هو مقدار عناية البيهقي بموارد النقد، التي تمثلت في كثرة كتب الجرح والتعديل، وتواريخ الرجال، وسؤالات المحدثين لكبار النقاد عن مراتب الرواة.
والبيهقي بشكل عام يقارن بين موارده، ويرجح الأقوى منها ولا يتابع أحداً مهما عظم شأنه إلا بعد التوثق واليقين، فهو الذي أفرد باباً مستقلاً في "مدخل السنن"ينصح فيه بترك تقليد أمثاله من أهل العلم حتى يعلم علمهم. وهو يتحوّط من خطأ الثقات لخطورته، كتحوّطه من الضعفاء، فإنه يقول مُحَذِّراَ: "فقد يزل الصدوق. وقد يزل القلم، ويخطئ السمع، ويخون الحفظ".
وامتاز عمك البيهقي في الاقتباس من "الموارد"بالدقة في النقل، فكان لا يُورد نصّاً إلا مشفوعاً بإسناده، وبهذا جاءت جميع اقتباساته مميزة محددة، معروفة بدايتها ونهايتها من غير تداخل بين الاقتباسات.(33/66)
وقد استعمل صيغاً علمية محدّده عند الأداء والاقتباس "كحدثنا وأخبرنا"في حالة السماع، فإذا تحمَّلَ قسماً من الكتاب بالسماع وتحمَّل ما تبقّى بطريقة أخرى نبّه على ذلك، وغاير بين الصيغتين فيقول في الأولى: "حدثنا"، ويقول في الثانية مثلاً: "أنبأنيه شيخنا أبو عبد الله الحافظ في (المستدرك) - فيما لم يُقْرأ عليه- إجازة". أو يقول في المكاتبة: "أنبأني أبو نصر بن قتادة، وكتبه لي بخطه". وفي حالة التحمل بالوجَادة يميز ذلك بقوله: "ورأيت في (كتاب العلل) لأبي عيسى الترمذي". أو يقول: "قَال أبو عيسى الترمذي في (كتاب العلل) "، وهذا هو التعبير الذي يكثر من استعماله في الاقتباس من الموارد التي أخذها بالوجادة، وأحياناً يقول في التعبير عنها: "بلغني".
ومما تجدر الإشارة إليه ما ذكره الإمام الذهبي في معرض حديثه عن موارد البيهقي
بشكل عام فقال: "وبورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة، ولم يكن عنده (سنن النسائي) ولا (سنن ابن ماجة) ، ولا (جامع أبي عيسى) ، بلى عنده عن الحاكم وقر بعير أو نحو ذلك، وعنده (سنن أبي داود) عاليا". وقد تابع الذهبيَّ جمعٌ من المؤرخين في ترديد هذه المسألة، منهم السبكيُّ والصفدي، وزاد الصفدي: "بأنَّ دائرته في الحديث ليست كبيرة".
وهذه المقالة غريبة جداً، والأغرب منها صدورها عن الحافظ المحقق الإِمام الذهبي، الذي هو أدرى الناس بموارد البيهقي وسعتها باعتباره قام بتهذيب السنن الكبرى وغيرها من كتب البيهقي. ولكن لا بأس من أن نناقشها بالدليل والمنطق فلعلّ الذهبي قد قالها قديماً وذلك قبل أن يعرف موارد البيهقي بشكل دقيق.(33/67)
وأحبُّ أنْ أقولَ أولاً: إنَّ عدم توفر بضع كتب من الأمهات لا يقدح في سعة دائرته، وكثرة موارده، فقد تكون مواد هذه الكتب قد توفرت لديه من طرق أخرى في مصنفات مختلفة وبأسانيد أعلى فيستعيض بها عن تلك. وهذا الكلام ينطبق تماماً على قضيتنا، فقد توفر للبيهقي صحيح البخاري، ومسلم، وصحيح أحمد بن سلمة، وابن خزيمة، وأبي عوانة، وأبي بكر الإسماعيلي، وسنن أبي داود السجستاني، وسنن ابن جريج، والوليد بن مسلم الأموي، وسعيد بن منصور، وحرملة المصري، والكَجي، ويوسف البغدادي، وعلي المصري، والدارقطني، وعشرون مسنداً من المسانيد الجامعة الحافلة وغير ذلك من المعاجم والمصنفات. إلا أنني ذكرت هذه الصحاح والسنن بأسمائها باعتبارها مرتبة على نظام الكتاب والباب.
ولو أننا استثنينا "سنن ابن ماجة"لِقِلَّةِ خطورته، وضعف العديد من أحاديثه. أقول: لو أننا استثنينا هذه السنن لبقيت الشبهة محصورة في حدود كتابين هامين من الكتب الستة وهما: "سنن النسائي"و"جامع الترمذي". فإن هذين الكتابين لم يحصل البيهقي على حق الرواية والتحديث عنهما لأسباب نجهلها، ولعلّه لم يتمكن من سماعهما بإسناد عال فعَدَلَ عنهما لوجود مادتهما في بقية الكتب الموسَّعة التي تربو على المائة، والتي يملك حق روايتها بصورة شرعية. وليس معنى ذلك أن نقول كما قال الإمامُ الذهبيُّ: "ولم يكن عنده "سنن النسائي"، ولا"سنن 000" إلا إذا قصدنا بذلك أنه لا يملك حق رواية هذه الكتب لعدم سماعه لها من حَمَلَتها. والسبب في ذلك أن هذين الكتابين "سنن النسائي"و"جامِع الترمذي"موجودان عنده بالفعل. وكان يستعملها بطريق "الوجادة"غالباً، وأحيانا يروى عنهما بالإسناد المتصل. وهاك أدلة ذلك:
1-سنن النسائي:
- قال البيهقي: "لفظ حديث ابن ناجية. وفي رواية النسائي…".
- وقال:"وبلغني عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه قال: هذا حديث ... ".(33/68)
- وقال: "وأخرجه أبو عبد الرحمن النسائي في (كتاب السنن) من حديث سفيان بن عيينة هكذا في (مسح الرأس مرتين) " وهنا ذكر عزوه إلى السنن صراحة.
- وقال: "ورواه أبو عبد الرحمن النسائي عن عبيد الله بن سعيد عن عبد الله بن الحارث المخزومي، فقال في الأول: (والعشاء حين غاب الشفق) . وقال في الثاني: قال عبد الله بن الحارث، ثم قال (في العشاء أرى إلى ثلث اللّيل) ".
وبالرغم من صراحة هذه الشواهد في دخول "سنن النسائي"في جملة موارد البيهقي إلا أنه من الضروري أنّ أنبّه هنا إلى أَنَّ الإمام البيهقي قد تحمل قسما من هذه السنن عن طريق شيخه أبي عبد الله الحاكم، واستعمل بعضاً من هذه المرويات بإسناده عن الحاكم إلى النسائي في "سننه"وهاك شواهد ذلك:
- قال البيهقي: "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو علي الحسين بن علي الحافظ، أنبأنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب الفقيه بمصر…"وساق الحديث.
وهذه صور إسناد البيهقي إلى "سنن النسائي":
أ- الحاكم عن أبي علي الحسين بن علي الحافظ عنه.
ب- الحاكم عن أبي محمد جعفر بن محمد بن الحارث عنه.
ج- الحاكم عن عبد الله بن جعفر الفارسي عنه.
2- جامع أبي عيسى الترمذي:
- قال البيهقي: "رواه أبو عيسى الترمذي في (كتابه) …".
- وقال: "رواه أبو عيسى الترمذي عن ... وقال في الحديث: "ثم توضأ ونضح فرجه بالماء" (1) .
- وقال: "وقال أبو عيسى الترمذي - فيما بلغني عنه -: هذا حديث حسن غريب، وهذا أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى".
وقد يخرج البيهقي الحديث عن طريق الترمذي بالضبط إلا أنه يصرّ على روايته من طريقه الخاص، فإنه في حديث "لا وصية لوارث" أخرجه من ثلاثة طرق بأسانيده الخاصة، وقد أخرجه الترمذي وابن ماجة من طريقيهما، بيد أنّ البيهقي استقلّ برواية هذه الأسانيد من طريقه المتميّز.(33/69)
وما ذكرناه آنفاً بالنسبة لسنن النسائي يصلح أيضاً لجامع الترمذي، فقد تحمَّل البيهقي قسماً من كتاب الترمذي عن طريق شيخه الحاكم، وصورة إسناده إلى الترمذي ما يلي:
- الحاكم عن أبي العباس المحبوبي عنه.
ومن الجدير بالذكر أنَّ الإمام البيهقي حدَّث عن شيخه الحاكم في كتاب "السنن الكبرى"وحده (8491) رواية، فأمكنه عن طريق الحاكم أن يتحمل العديد من أمهات كتب السنة بأسانيد عالية.
وفي ختام هذه المناقشة نقول: لقد كان عند البيهقي سنن النسائي وجامع الترمذي خلافاً لمن نفى ذلك من العلماء. وأن كتاب "السنن الكبرى"من خلال ما رأينا يعتبر موسوعة جامعة في الحديث الشريف، وآثار الصحابة والتابعين، ويصدق عليه المثل العربي القديم: "كُلُّ الصَّيْدِ في حَوْفِ الْفَرَا".
قائمة المصادر والمراجع
البيهقي: أحمد بن الحسين (ت 458 هـ) :
- إثبات عذاب القبر، تحقيق د. شرف محمود القضاة- دار الفرقان- عمان، ط الأولى سنة 1403 هـ.
- دلائل النبوة. تحقيق د. عبد المعطي قلعجي- دار الكتب العلمية- بيروت. ط الأولى سنة 1405هـ.
- السنن الكبرى. دار المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن- الهند، ط الأولى سنة 1343 هـ.
- المدخل إلى السنن الكبرى. تحقيق د. محمد ضياء الرحمن الأعظمى- دار الخلفاء للكتاب الِإسلامي- الكويت، ط (1) سنة 1405 هـ.
- معرفة السنن والآثار. تحقيق السيد أحمد صقر- طبع بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة سنة 1969 م.* حاجي خليفة: مصطفى بن عبد الله (ت 1067هـ) :
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، المطبعة الإسلامية بطهران، وعنها دار الفكر- بيروت سنة 1402 هـ.
الحاكم: أبوعبد الله محمد بن عبد الله (ت 405 هـ) :
- المستدرك. حيدر آباد الدّكن- الهند، سنة 1334 هـ.
ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني (ت 852 هـ) :
- تهذيب التهذيب. حيدر آباد- الدكن- الهند سنة 1325 هـ.
الدارقطني: علي بن عمر (ت 385 هـ) :(33/70)
- سنن الدارقطني. تحقيق عبد الله هاشم يماني، دار المحاسن- القاهرة سنة 1386 هـ.
الدارمي: عثمان بن سعيد (ت 280 هـ) :
- تاريخ الدارمي عن ابن معين. تحقيق د. أحمد نور سيف، دار المأمون للتراث- بيروت.
أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ) :
- سنن أبي داود. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء السنة النبوية- القاهرة.
الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ) :
- تذكرة الحفاظ، تصحيح عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، حيدر آباد- الهند، سنة 1374 هـ.
- سير النبلاء. تحقيق جماعة من الفضلاء تحت إشراف المحدث شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة- بيروت. ط الثانية سنة1402 هـ.
- المهذب في اختصار السنن الكبرى. تحقيق حامد إبراهيم، ومحمد حسين العقبي، نشره زكريا على يوسف، مطبعة الإمام- القاهرة. الزركلي: خير الدين (ت 1396 هـ) :
- الأعلام لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، دار العلم للملايين- بيروت، ط (5) سنة 1980م. الزمخشري: محمود بن عمر (ت 538 هـ) :
- المستقصى في أمثال العرب، طبع في الهند، سنة 1962م.
السبكي: عبد الوهاب بن تقي الدين (ت 771 هـ) :
- طبقات الشافعية الكبرى. تحقيق عبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحي، طبعة عيسى الحلبي- القاهرة. سنة 1964-1976 م.
د. فؤاد سزكين:
- تاريخ التراث العربي. ترجمة د. محمود فهمي حجازي، د. عزم مصطفى، د. سعيد عبد الرحيم. وقام بصنع فهارسه عبد الفتاح محمد الحلو. جامعة محمد بن سعود، الرياض 1403 هـ.
السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) :
- طبقات الحفاظ. تحقيق محمد علي عمر، ط الاستقلال. ونشره وهبة بالقاهرة سنة 1393هـ.
الشافعي: محمد بن إدريس (ت 204 هـ) :
- الأم. طبعة بيروت، الثانية.
الصفدي: خليل بن آيبك (ت 764 هـ) :
- الوافي بالوفيات. تحقيق جماعة من المستشرقين والعرب، نشره الألمان.
أبو عبيد: القاسم بن سلام (ت 224 هـ) :(33/71)
- الأمثال. تحقيق د. عبد المجيد قطامش، دار المأمون للتراث- بيروت، ط (1) سنة 1400 هـ
- غريب الحديث. طبع بعناية د. محمد خان، دار المعارف العثمانية بالهند، صورة عنها- بيروت 1396 هـ.
ابن عدي: عبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365 هـ) :
- الكامل في الضعفاء، تحقيق وضبط ومراجعة لجنة من المختصين بإشراف الناشر، ط الثانية 1405 هـ، دار الفكر- بيروت.
العسكري: الحسن بن عبد الله (ت 395 هـ) :
- جمهرة الأمثال. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، د. عبد المجيد قطامش، القاهرة 1964م.
العمري: أ. د. كرم ضياء:
- موارد الخطيب في تاريخ بغداد، دار القلم- بيروت، ط (1) سنة 1395 هـ.
الكتاني: محمد بن جعفر (ت 1345 هـ) :
- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة قدم له ووضع فهارسه محمد المنتصر بن محمد الزمزمي، دار الفكر- دمشق. ط (3) سنة 1383 هـ.
مالك: مالك بن أنس الأصبحي (ت 179هـ) :
- الموطأ. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى الحلبي- القاهرة. ط (1) .
محي الدين: محمد محي الدين عبد الحميد:
- مقدمة سنن أبي داود، دار إحياء السنة النبوية- القاهرة.
ابن معين: يحى بن معين (ت 233 هـ) :
- تاريخ يحمى بن معين. تحقيق د. أحمد محمد نور سيف، الهيئة المصرية للكتاب، ط (1) سنة 1399 هـ.
الميداني: أحمد بن محمد بن أحمد (ت 518 هـ) :
- مجمع الأمثال. تحقيق محمد محمي الدين عبد الحميد، القاهرة 959 ام.
خلف: د. نجم عبد الرحمن خلف:
- الصناعة الحديثية في السنن الكبرى للإمام البيهقي. أطروحة دكتوراه، نوقشت في الجامعة التونسية- الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين. (تحت الطبع) .
---
(1) انظر البيهقي السنن الكبرى: 7/140.
(2) المصدر السابق: 7/ 171.
(3) انظر د. سزكين تاريخ التراث العربي: 1/77.
(4) انظر البيهقي السنن الكبرى: 7/ 171. وانظر د. سزكين تاريخ التراث: 1/85.(33/72)
(1) انظر البيهقي السنن الكبرى: 4/223، 265.6/ 75.7/ 171، 187. 8/21. وهذه الشواهد والتي تليها إنما هي تمثل نماذج من مرويات الإمام البيهقي عن هذين الكتابين، أما بخصوص استعماله لهما كموردين هامين من مصادر التوثيق فإنه استقصاهما جميعا، فقد بلغت مروياته عنها في السنن الكبرى في إطار التوثيق والتخريج قرابة (7000) رواية.
(2) المصدر السابق: 2/197، 294، 413، 4/233، 308،5/198، 278، 357، 6/ 172، 310، 7/ 1 6، 210، 9/309.
(3) المصدر السابق: 3/ 0 25. وانظر الكتاني الرسالة المستطرفة: 28.
(4) المصدر السابق: 1/ 30، 81، 100، 340، 3/ 34، 279، 414. 5/ 289. 8/ 75.9/ 285 10/137.
(5) انظر البيهقي السنن الكبرى: 2/66، 93،141، 213، 3/392، 4/19، 29، 207، 248.
10/ 290 مكرر.
(6) المصدر السابق: 3/ 232، 242، 255 مكرر، 258، 266، 267، 272، 276، 282، 283، 284 مكرر، 296، 298، 304، 308، 318، 337، 341، 7/2، 7، 8، 32، 33، 42، 54، 55، 61، 63. 8/18، 27، 28 مكرر، 53.
(7) المصدر السابق: 2/ 184، 227.
(8) المصدر السابق: 1/228 أخرج عنه في هذا الموضع أربع روايات متتالية، وانظر د. سزكين تاريخ التراث: 2/98.
(9) المصدر السابق: 2/153، 155، 3/11، 206، 4/156، 6/98، 8/37، 64، 65، 69، 71.
(10) المصدر السابق: 7/ 227.(33/73)
(1) لقد استعمل الإمام البيهقي سنن أبي داود استعمالا واسعا جدا فأخرج منه في سننه الكبرى ما يقرب من ألفي حديث خلاف ما كان يستعمله من العزو والتخريج والمقارنة بأحاديث من سنن أبي داود، وسيأتي تفصيل ذلك بعد الانتهاء من معجم الموارد هذا. وانظر أيضاً (الملحق الثالث) من هذه الدراسة، ترجمة أبي علي الروذباري الفقيه. وانظر على سبيل المثال: 1/3مكرر، 4، 7، 61، 89، 98، 333، 334، 335، 349، 355، 383، 2/317، 4/19، 23 1، 35 1، 136، 181، 219، 221، 302، 5/93، 131، 137، 164، 222، 322، 6/6، 11، 14، 29 مكرر، 88، 174، 179، 182، 313، 344، 7/68، 99، 109، 211، 232، 238، 9/ 110، 270، 299، 326، 333، 335 مكرر ثلاثا، 343،10/ 3، 22، 23، 29، 61، 84، 112، 167، 203 مكرر، 204، 219، 291، 312، 345.
(2) المصدر السابق: 1/161، 2/380، 4/ 5، 38، 7/184، 9/ 256، 10/150.
(3) المصدر السابق:10 / 144، 295 وانظر الرسالة المستطرفة: 34.
(4) المصدر السابق: 1/ 34، 94 مكرر، 2/ 15، 16، 20، 25، 44، 56، 62، 64، 66، 97، 101، 103، 105، 109، 110، 123 مكرر. 8/10، 9/ 174، 176، 10/ 67 مكرر. 76، 78، 84، 86 93، 94، 96 مكرر، 111،123،245.
(5) البيهقي السنن الكبرى: 5/ 290 وهذا الاقتباس في الجزء الثالث من سنن المصري كما صرح بذلك البيهقي. 7/195، 266، 430، 8/6، 53.
(6) المصدر السابق: 1/63، 373، 4/26، 354، 5/324، 6/370، 7/ 183، 8/ 298.
(7) المصدر السابق: 9/301.
(8) لقد اعتمد البيهقي على سنن الدارقطني اعتمادا كبيراً، واقتبس منه المئات من الأحاديث. انظر على سبيل المثال: 2/ 29، 138، 3/173، 5/290، 7/137، 155، 327، 332، 360، 369 مكرر ثلاثا 378، 383، 386 مكرر، 397، 398، 405، 410 مكرر، 411، 448، 465، 8/30، 31، 33، 34، 35، 36، 46، 49، 9/335.
(9) المصدر السابق: 1/290، 2/159.(33/74)
(1) البيهقي السنن الكبرى: 1/243، 2/ 144، 3/115، 4/3،10، 39، 84، 6/100، 178، 181، 182، 318 مكرر، 469، 7/41، 44، 46، 49، 61، 266، 270، 280، 374، 423، 464، 2669/ 266.
(2) المصدر السابق: 3/ 362.
(3) المصدر السابق: 1/ 375، 402، 3/ 82، 233، 392.
(4) المصدر السابق: 1/ 261، 2/ 24، 203، 246، 461، 463، 5/ 65، 192، 8/ 15، 65، 10/308.
(5) المصدر السابق: 2/157، 158، 247، 5/243.
(6) المصدر السابق: 7/ 8.
(7) المصدر السابق: 8/ 66.
(8) المصدر السابق: 8/304، 10/ 258، وانظر معرفة السنن والآثار: 1/ 354، 349.
(9) المصدر السابق: 10/ 314، وانظر الرسالة المستطرفة: 66.
(10) البيهقي السنن الكبرى: 1/87، 415، 2/136، 230، 4/90، 190، 10/308.
(11) المصدر السابق: 1/ 90، 2/ 139، 164.
(12) المصدر السابق: 3/ 282، 4/12، 6/ 183، 258.
(13) المصدر السابق: 2/ 28، 77- 78، 80-81.
(14) الكتاني الرسالة المستطرفة ص 69.وقد فقد هذا المسند الكبير ولم يبق منه إلا مسند "عمر بن الخطاب"في خمس وعشرين ورقة. انظر د. سزكين تاريخ التراث العربي 1/ 279.
(15) المصدر السابق: 4/ 357.
(16) المصدر السابق: 1/157، 2/19، 78، 80-81، 271، 273، 6/105، 126 مكرر، 133، 7/52، 105،108، 130، 182، 258، 266، 283، 284، 303، 305، 356، 376، 385، 383، 427، 466، 8/ 4، 36، 39، 46، 64، 9/37.
(17) المصدر السابق: 5/ 12.
(18) البيهقي السنن الكبرى 4/22، 6/ 277 ثلاث روايات، 8/ 9، 12، 27، 36، 37، 38.
(19) المصدر السابق: 3/248، 315، 391، 404، 4/158، 161، 199، 6/104، 213، 227 مكرر، 233،237،8/53.(33/75)
(1) المصدر السابق:6/177 مكرر، 7/ 259، 260، 261، 262، 270مكرر 277، 283، 284، 285، 287، 290 مكرر، 306، 7 35، 310، 319، 336، 369 مكرر، 373، 380، 406، 416، 418، 421، 440، 8/ 2، 6، 8، 10، 20، 22، 23، 25، 27، 42، 46، 48، 52، 70.
(2) المصدر السابق: 5/ 186.
(3) المصدر السابق: 2/ 253.
(4) المصدر السابق: 2/ 271، 3/ 355.
(5) المصدر السابق: 3/43.
(6) البيهقي السنن الكبرى10/91 ويظهر أن هذا الكتاب كبير كذلك، فقد قال البيهقي: ... فذكره بإسناده نحوه في التاسع من (الإملاء) .
(7) المصدر السابق: 1/ 222. وانظر: الرسالة المستطرفة ص 57.
(8) المصدر السابق: 1/ 36، 79، 183، 225، 318، 347، 396، 2/117، 133، 191، 243، 256، 5 / 49-50، 93، 146، 322، 6/277 خمس روايات، 279 روايتان، 7/117، 436،10/73، 274،344.
(9) المصدر السابق: 1/ 319، 2/ 58.
(10) المصدر السابق: 2/473.
(11) المصدر السابق: 1/ 239 وقارن بكتاب المهذب للسنن الكبرى للذهبي: 1/248رقم 876.
(12) المصدر السابق: 1/ 69، 2/ 96،187، 4/67، 119، 183.
المصدر السابق: 2/482، 4/23، 5/220، 7/425، 9/ 274 مكرر، 10/108، 279.
البيهقي السنن الكبرى: 2/140، 6/204، 207، 8/37، 76، 298.
انظر د. سزكين تاريخ التراث: 1/261، وأسماء الكتاني في الرسالة المستطرفة ص110 (أحاديث الزهري) ، أما البيهقي فقد أطلق عليه: (كتاب العلل) . انظر السنن الكبرى: 5/142، وانظر: المصدر السابق:3/193، 4/168، 6/334، 343.(33/76)
وقد استعمله الإمام البيهقي استعمالاً واسعاً يظهر من كثرة اقتباساته منه في السنن الكبرى والتي تعد بالمئات. انظر (المصدر السابق) : 1/43، 89، 121، 161، 192، 192، 237، 245، 275، 276، 278، 301- 302، 339، 341، 371،391، 439، 456، 488، 2/58، 240، 3/328، 4/ 79، 88، 113، 126 مكرر، 173، 226، 239، 280، 5/12، 43، 79، 128، 183، 327، 325، 6/14، 8/157، 188، 212، 8/43، 239، 9/256، 271، 275، 10/258، 289، 293، 325.
المصدر السابق: 8/ 88.
(1) المصدر السابق: 2/40، 46، 51، 138، 147، 163، 164، 165، 174، 177، 214، 279، 5/294.
(2) المصدر السابق: 1/35.
(3) المصدر السابق: 2/ 192، 473.
(4) المصدر السابق: 1/29، 2/473، 4/114، وقد أسماه في 1/29: فوائد الطوسي والفاكهي معاً للحاكم واستعمله في دلائل النبوة وصرح باسمه: 7/223.
(5) المصدر السابق: 2/ 233، 479.
(6) المصدر السابق: 2/58، 233، 3/355، 5/45 وأسماه في هذا الموضع فوائد أبي العباس: 9/246.
(7) المصدر السابق: 1/ 242-243.
(8) المصدر السابق: 5/325.
(9) المصدر السابق: 10/46.
(10) المصدر السابق: 6/205 وانظر ابن حجر تهذيب التهذيب: 7/323، د سزكين تاريخ التراث 1/137- 138
(11) المصدر السابق: 6/ 334، 336، 340، 347.
(12) المصدر السابق: 1/ 40، 41.
(13) البيهقي السنن الكبرى: 9/310. وأسماه الكتاني في الرسالة المستطرفة ص 57.
(14) المصدر السابق: 5/68، 6/101، 8/232، 352، 306 مكرر. 10/212 مكرر، 214، 215 مكرر، 216، 217، 220، 221، 222، 223، ست روايات، 224. وللإمام البيهقي اهتمام وافر بمصنفات ابن أبي الدنيا تجلى ذلك واضحاً في كتبه دلائل النبوة وشعب الإيمان والزهد الكبير.
(15) المصدر السابق: 2/16.(33/77)
(1) وقد أوشك البيهقي أن يودع هذا الكتاب برمته في السنن الكبرى من كثرة ما كان يقتبس منه. انظر: المصدر السابق 1/152، 199، 2/317، 3/130، 199، 398، 410، 411، 2/14، 21، 84، 94، 118، 150،5/52، 59، 144، 169، 176، 342، 6/35، 51، 212، 276، 328، 7/87، 137، 275، 353، 8/127، 130، 9/ 85، 133، 240، 297، 346، 10/18، 41، 112، 125 مكرر، 201، 317.
(2) المصدر السابق: 2/281، 318، 355، 4/212، 297، 6/51، 279، 322، 7/87، 109مكرر، 140، 9/95. وهو يصرح به عند الاقتباس منه في أغلب مصنفاته. انظر: إثبات عذاب القبر ص 59.
(3) المصدر السابق: 2/114-115.
(4) المصدر السابق: 1/396، 2/141، 171، 191، 3/103، 4/173، 5/ 223، 6/139، 140مكرر، 192، 197، 206.
(5) المصدر السابق: 3/282.
(6) البيهقي السنن الكبرى: 6/12، 252، 487، 10/12، 255.
المصدر السابق: 3/412، 4/57، 164، 337، 6/134، 7/172.
المصدر السابق: 7/ 172، 195، 205، 309، 432، 450، 467، 468.
(7) المصدر السابق: 5/ 343، وانظر: الرسالة المستطرفة ص 44.
(8) المصدر السابق: 4/154.
(9) المصدر السابق: 1/ 36، 245، 294، 333، 403، 2/277، 333، 484، 485، 4/81، 202، 205، 5/212، 230، 6/30، 185، 7/ 369، 9/237، 10/10، 182.
وقد اعتنى الإمام البيهقي بحديث الإمام مالك في خارج الموطأ، واستعملها في موارده، وينص على ذلك بقوله: رواه مالك بن أنس خارج الموطأ. انظر: المصدر السابق: 3/45.
(10) المصدر السابق: 2/161، وانظر السيوطي طبقات الحفاظ ص 298- 299.
(11) المصدر السابق: 2/186، وانظر الكتاني الرسالة المستطرفة ص 36.
(12) المصدر السابق: 7/ 283.(33/78)
(1) البيهقي السنن الكبرى: 2/93، 108، 235، 242، 243، 385، 436، 439، 3/213، 235، 4/117، 273، 5/35، 184، 211، 221، 290، 6/58، 81، 105، 283، 7/4، 22، 191، 193، 237، 244، 295، 312، 330، 364، 418، 440، 481، 8/ 9، 31، 44، 51، 104، 9/74، 199، 258، 294 مكرر، 314، 334، 348، 350،10/166، 177، 217، 220، 229، 248.
ويظهر من هذه الأرقام وغيرها- مما استثنيناها اختصاراً- مدى توسع البيهقي في استعمال هذا المصدر الهام في بيان غرائب المتون.
(2) المصدر السابق: 6/140 عدة مرويات.
(3) المصدر السابق: 3/ 209.
(4) المصدر السابق: 10/ 282.
(5) المصدر السابق: 4/ 230.
(6) البيهقي السنن الكبرى: 5/322 قال البيهقي: وهو فيما أجاز لي أبو عبد الله الحافظ روايته عنه عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين.
وهذا الكتاب قد اشتمل على ملاحظات على كتاب أبي يوسف اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى وهو مدرج في كتاب الأم. انظر النسخة المطبوعة من الأم: 7/87-150 طبعة القاهرة 1321- 1326 هـ. وانظر د. سزكين تاريخ التراث 3/ 185.
(7) المصدر السابق: 5/ 212.
(8) المصدر السابق: 2/175، 191، 257، 5/85، 212، 7/140.
(9) المصدر السابق: 7/ 145.
(10) المصدر السابق:7/36. قال حاجي خليفة: وهو أجمع كتاب في فنه في الأصول والفروع على صغر حجمه، وخفة محمله. (كشف الظنون) : 1/ 479.
(11) المصدر السابق: 6/71.
(12) المصدر السابق: 1/ 22،3/77. وقد تصحف في المطبوعة إلى الحباني. وانظر تاريخ خليفة: 2/ 495.
(13) البيهقي السنن الكبرى: 3/ 331، 8/116، 243.
(14) المصدر السابق: 8/ 74.
المصدر السابق: 8/ 301- 302، 306 مكرر. والكتاب سيصدر هذا الشهر- إن شاء الله- بتحقيقنا. عن دار الراية بالرياض. ويمكن مقارنة هذه المواضع بأرقام النصوص في الأصل، وهي 31، 32، 41.
(15) المصدر السابق: 5/ 345.(33/79)
(1) المصدر السابق: 9/ 298، وانظر الزركلي الأعلام: 1/ 28.
(2) المصدر السابق: 2/163، وانظر د. سزكين تاريخ التراث: 1/258- 259.
(3) المصدر السابق: 2/170.
(4) المصدر السابق: 6/213، 225، 226، 227، 229، 231، 232، 234، 236، 238، 245، 247، 248، 249، 250.
(5) المصدر السابق: 2/160.
(6) المصدر السابق: 1/ 290 0 انظر د. سزكين تاريخ التراث: 3/247.
(7) المصدر السابق: السنن الكبرى 9/133، 134، 135. وقد اقتبس منه في هذه الصفحات الثلاث تسع عشرة رواية، وانظر د. سزكين تاريخ التراث 3/250- 251، أ. د. العمري موارد الخطيب: 218.
(8) المصدر السابق: 7/344، 10/260.
(9) المصدر السابق: 5/219، 221.
(10) المصدر السابق: 1/13، 2/159،، 167، 169، 170، 172، 203، 259، 267.
(11) المصدر السابق: 2/ 75، وانظر د. سزكين تاريخ التراث: 1/258.
(12) المصدر السابق: 1/330، 382.
(13) المصدر السابق: 10/292.
(14) المصدر السابق: 2/49، 4/362، 5/72، 8/178، 10/9، 286.
(15) المصدر السابق: 2/49، 271، 4/154، 6/61، 136.
(16) المصدر السابق: 9/301.
(17) المصدر السابق: 1/434، 3/ 324. وانظر الذهبي سير النبلاء: 14/382.
(18) المصدر السابق: 1/418- 419، 421. وانظر الذهبي سير النبلاء:14/376.
(19) انظر الذهبي سير النبلاء: 14/376.
(20) انظر البيهقي السنن الكبرى: 5/212
(21) البيهقي السنن الكبرى: 7/108، 130، 182، 224. وقارن 7/105 بالمطبوعة من تاريخ الدارمي 46، 116.
(22) المصدر السابق: 1/36، 95، 98، 388، 2/ 29، 117، 158، 166، 215، 217، 240، 462، 469، 473، 3/61، 77، 318، 344، 4/262، 5/140، 248، 7/47، 244، 261، 341، 8/259، 270، 9/198، 211.
(23) المصدر السابق: 2/175، 3/33، 154
(24) المصدر السابق: 10/293، وانظر د. سزكين تاريخ التراث: 2/144.(33/80)
(1) المصدر السابق: 3/352، انظر د. سزكين تاريخ التراث: 2/150- 151. وقد طبع الكتاب بتحقيق أ. د. أكرم ضياء العمري. وطبعته الثانية على وشك الصدور عن مكتبة الدار بالمدينة، وهي طبعة عالية في الدقة والنقاء، وِتشتمل على إضافات وافرة. وقد بذل فيها أستاذنا الدكتور أكرم العمري جهداً جاهداً وقد رأيته يقف أمام الكلمة المشكلة وقتاً طويلاً يقلب فيها الوجوه، ثم أراه بعد هذا العناء يرسمها كما هي عندما لا يجد ما يقطع بتوجيهها تورعا.
(2) البيهقي السنن الكبرى: 2/97.
(3) المصدر السابق: 6/70.
(4) المصدر السابق: 4/163..
(5) المصدر السابق:10/248. وانظر د. سزكين تاريخ التراث: 1/460.
(6) المصدر السابق: 6/105، وانظر د. سزكين تاريخ التراث: 2/57-58.
(7) المصدر السابق: 6/371، وانظر د. سزكين تاريخ التراث: 2/147وما بعدها.
(8) المصدر السابق: 7/12، 41، 82 لم يذكره د. سزكين.
(9) البيهقي السنن الكبرى 6/ 206، 208 مكرر، 210، 211 مكرر. ولم يصرح البيهقي باسمه إلا أنّ جميع هذه المواضع أخرجها البيهقي بسند واحد إلى الإمام يعقوب بن سفيان من طريق أبي الحسين القطان عن عبد الله بن جعفر عنه. ولما كان طبيعة هذه النصوص تتضمن فضائل بعض الصحابة باستثناء نص واحد مرفوع يتعلق بالفرائض. وصلته وثيقة بزيد بن ثابت - كما بدا لي - لذلك جنحت إلى أن هذه القطعة مقتبسة من هذا الكتاب.
(10) المصدر السابق: 6/141. وانظر د. سزكين تاريخ التراث: 3/182.
(11) المصدر السابق: 4/90، 6/ 183، 8/10، 64.
(12) المصدر السابق: 1/ 135، 2، 201/201.
(13) المصدر السابق: 1/302، 3/331، 4/259، 8/298، 305، 10/ 274.
(14) المصدر السابق: 2/ 139، 365، 3/ 236، 278، 281، 309، 318، 319، 331، 405، 262، 8/216، 10/276.(33/81)
وقد اقتبس الإمام البيهقي من هذا الكتاب معظمه، واستعمله استعمالا واسعا. وانظر مثلاً: 1/6، 20، 96، 147، 235، 250، 357، وراجع الملحق الثالث من هذه الدراسة للتوسع.
(*) هناك الكثير من كتب الجرح والتعديل التي اقتبس منها الإمام البيهقي في السنن الكبرى، إلا، أننا عدلنا عنها لعدم تصريح البيهقي بالأصل المنقول عنه، كما أن وجود مثل هذه الأقوال النقدية يمكن أن يقع في الكتب المعللة لهؤلاء النقاد مما جعلني في تحرج من الجزم في تحديد المصدر المقتبس منه. وأكتفي بهذه الإشارة في التنبيه إلى ذلك.
ومن هؤلاء النقاد الذين احتفظت السنن الكبرى بأقوالهم في الجرح والتعديل:
أبو داود السجستاني، أبو داود الطيالسي، أبو زرعة الرازي، أبو علي الحافظ، ابن خزيمة، ابن المبارك، ابن المديني، ابن مهدي، إبراهيم الحربي، الجوزجاني، أحمد بن حنبل، الترمذي، الحاكم، الحميدي، الدارقطني، الدارمي، الشافعي، شعبة، عبد الرزاق الصنعاني، عمرو الفلاس، مالك، الذهلي، مسلم، موسى بن هارون، يحيى القطان، يعقوب بن سفيان. وغيرهم من الأئمة.
وقد ذكرنا نتفاً من هذه المواضع في الملحق الثالث، من هذه الدراسة. والذي أفردناه لمعجم مواضع الصناعة الحديثية في السنن الكبرى. انظر لطفاً حرف النون منه: النقاد الذين اعتمد البيهقي أقوالهم في السنن الكبرى.
(1) البيهقي السنن الكبرى: 1/376، 3/301، 5/73، 6/95، 7/106، 107، وفي هذا الموضع سماه تاريخ يحيى بن معين، وكذا في 1/207، 241، 318، 369، 376، 396، 418.
وقد اقتبس الإمام البيهقي من أقوال يحيى بن معين الكثير منها، وأخرجها من طرق متعددة عنه. من ذلك طريق الدوري، والدارمي المذكورين، وكذا من طريق جعفر الطيالسي عنه (7/106) ، والعباس بن الوليد الخلال عنه (2/469) ، والحسن بن سفيان عنه (7/110) ، وأبي داود السجستاني عنه (2/477) .
(2) المصدر السابق: 4/49.
(3) المصدر السابق: 8/64.(33/82)
(1) المصدر السابق: 1/40، 2/495، 6/204، 7/277.
(2) المصدر السابق: 4/349.
(3) البيهقي السنن الكبرى: 2/366.
(4) المصدر السابق: 6/369 ثلاث روايات.
(5) المصدر السابق: 2/366، 6/56، 256، 207، 367، 368، 369، 7/40، 9/31، 32، 54، 194.
(6) انظر د. سزكين تاريخ التراث: 2/82. وقد نشر د. محمد مصطفى الأعظمي هذه الاقتباسات.
(7) انظر البيهقي السنن الكبرى: 6/55-56، 164، 205، 7/41، 9/31، 205.
(8) انظر د. سزكين تاريخ التراث: 2/85-86.
(9) انظر البيهقي السنن الكبرى: 1/89، 6/56، 322، 330، 365، 371، 7/ 41، 8/31، 32، 9/31،
54، 88، 95، 120.
(10) المصدر السابق: 1/89، 381، 2/102،252، 5/37، 6/369، 9/82، 88.
(11) المصدر السابق: 1/206. لعله كتاب المغازي والسرايا من كتاب المستدرك على الصحيحين وإن كان منهج البيهقي كما ظهر لي من خلال الدراسة دقيقاً في البيان والعزو. ومع كل هذا فقد قمت باستعراض كتاب المغازي في المستدرك فلم أعثر فيه على هذا النص. "ورأيت أن الإمام الحاكم أخرجه في كتاب معرفة الصحابة" من المستدرك: 3/111"بيد أنه من طريق آخر غير طريق البيهقي لا السنن وهذا يعزز ميلنا إلى أنه كتاب مستقل بعنوان المغازي ". والله أعلم.
(12) البيهقي السنن الكبرى: 1/150، 9/357.
(13) انظر المصدر السابق: 10/220.
(14) المصدر السابق: 7/312.
(15) المصدر السابق: 7/285، 8/106.
(16) المصدر السابق: 10/308.
(17) المصدر السابق: 4/29 ثلاث روايات، 36، 38 مكرر، 42، 44، 49، 51، 56، 5/239،، 6/122، 168، 242 مكرر، 247، 248، 255، 365-366، 369، 7/6، 7، 8/22، 31. وللإمام يعقوب الفسوي الكثير من المصنفات منها: التاريخ، ومعجم الشيوخ، وكتاب السنة، وكتاب البر والصلة، وكتاب الزوال. انظر أ. د. العمري موارد الخطيب: 132.(33/83)
(1) البيهقي السنن الكبرى 2/180، 195، 3/176. وانظر الذهبي تذكرة الحفاظ: 2/144.
(2) المصدر السابق:1/36، 6/235، 7/8، 370، 377، 389.
وله مصنفات عدة منها: شرح السنة، الجزء الكبير، معجم الصحابة، معرفة الصحابة. وانظر الرسالة المستطرفة: 89، 127، 136.
(3) المصدر السابق: 1/404- 406، 3/368، 125، 150، 154، 254، 7/205، 237، 249، 250، 338، 339، 367، 389، 390، 396، 8/43 مكرر، 45، 50، 58، 63، 67، 75. وانظر مؤلفاته عند د. سزكين تاريخ التراث: 1/404-406.
(4) المصدر السابق: 4/154، 6/61.
(5) انظر د. سزكين تاريخ التراث: 3/183-184، وانظر (السنن الكبرى) 3/169، 4/123.
(6) المصدر السابق: 3/346.
(7) المصدر السابق: 7/285.
المصدر السابق: 2/265، 428، 3/203، 6/57.
(8) المصدر السابق: 1/78.
(9) المصدر السابق: 2/191، 9/286.
(10) المصدر السابق: 3/207.
(11) المصدر السابق: 7/283.
(12) استقر النقاد من المحدثين على اعتبار الإسناد شرطا في قبول الرواية. شريطة أن يكون إسنادا مقبولا. وكان البعض يشترط البينة مع الإسناد ليؤكد سماعه ويثبته، ولهذا وقع التمييز عندهم بين المسموعات والوجادات، أما في القرون المتأخرة فقد مضى عصر الرواية، واستقر الأصل على جواز الأخذ من الكتب الموثقة مباشرة، والتحديث بها، باعتبار أن التخوف من الدخيل والخلط والغلط قد ذهب وزال بحفظ الأصول.
(13) انظر: مقدمة سنن أبي داود للأستاذ محمد محي الدين عبد الحميد 1/9.
(14) انظر: البيهقي السنن الكبرى 7/283، 336، 406.
(15) انظر: المصدر السابق: 7/370، 0290، 411.
(16) انظر المصدر السابق: 7/276.
(17) انظر المصدر السابق: 7/306، 370، 421.
(18) انظر المصدر السابق: 7/325، 417، 418، 440، 8/70.
(19) انظر المصدر السابق: 7/ 166، 211،304،316، 366.
(20) انظر المصدر السابق: 7/107، 241، 369، 444، 8/76.(33/84)
(1) انظر المصدر السابق: 3/301.
(2) انظر البيهقي السنن الكبرى: 7/105، 108، 334.
(3) انظر المصدر السابق: 7/130.
(4) انظر المصدر السابق: 7/182.
(5) انظر المصدر السابق: 7/110.
(6) انظر المصدر السابق: 7/106.
(7) المصدر السابق: 2/ 469.
(8) انظر المصدر السابق: 2/577. وانظر الذهبي سير النبلاء: 18/165.
(9) انظر: البيهقي السنن الكبرى: 9/228.
(10) انظر المصدر السابق: 3/292.
(11) انظر المصدر السابق: 2/ 471، 3/355، 7/109.
(12) انظر المصدر السابق: 7/ 105-107، وانظر أيضاً: 1/167-168.
(13) د. سزكين تاريخ التراث: 3/6-7 وانظر أيضاً: 3/16.
(14) انظر بيانات عن مادته العلمية عند أ. د. العمري موارد الخطيب: 218.
(15) انظر د. سزكين تاريخ التراث: 3/250-251. وقد حققه الشيخ أحمد شاكر، وطبع بالقاهرة سنة 1347هـ، وترجم إلى اللغة الإنجليزية.
(16) انظر البيهقي السنن الكبرى: 9/133-135.
(17) انظر د. سزكين تاريخ التراث: 1/77.
(18) انظر البيهقي السنن الكبرى: 3/2-3، 3/17، 10/202-209 وخصوصاً 206، 207.
(19) انظر المصدر السابق: 10/211.
(20) انظر المصدر السابق: 2/363-385.
(21) انظر المصدر السابق: 4/86 5/85، 89، 93، 134، 9/343، 357، 10/ 281.
(22) انظر البيهقي السنن الكبرى: 2/74، 368.
(23) انظر منهج السنن وخصائصها.
(24) انظر. الباب الرابع، ونقد الموارد في الملحق الثاني من هذه الدراسة.
(25) انظر البيهقي السنن الكبرى: 2/439، 3/34، 283.
(26) انظر المصدر السابق: 1/158،-159، 10/56.
(27) انظر البيهقي المدخل إلى السنن الكبرى: 207-211.
(28) البيهقي معرفة السنن والآثار: 1/41.
(29) البيهقي السنن الكبرى: 10/12 ومثلها في 10/40، 193.
(30) المصدر السابق: 10/167.
(31) المصدر السابق: 5/324- 323.(33/85)
(1) المصدر السابق: 1/43، 161، 276، 456، 4/88، 126، 280، 5/12، 43، 239، 6/14، 7/188،
212، 8/43، 239، 9/236، 10/208، 289، 293، 320.
(2) المصدر السابق: 1/89، 130، 158.
(3) الذهبي سير النبلاء: 18/ 165، وانظر تذكرة الحفاظ: 3/1132.
(4) انظر السبكي طبقات الشافعية: 3/3.
(5) انظر الصفدي الوافي بالوفيات: 5/354.
(6) انظر قائمة الموارد.
(7) الذهبي سير النبلاء: 18/ 165.
(8) البيهقي السنن الكبرى: 7/183.
(9) المصدر السابق: 8/298. وقد تبين لي من خلال دراسة منهج البيهقي في الأداء أنه يستعمل صيغة "بلغني في الوِجادات وبهذا يكون سنن النسائي والترمذي كلاهما موجدان عنده بيد أنه لم يتمكن من سماعهما أو أنه عدل لأسباب تحدثنا عنها آنفاً".
(10) المصدر السابق: 1/ 63.
(11) المصدر السابق: 1/ 373.
(12) المصدر السابق: 4/ 354.
(13) المصدر السابق: 4/26، 5/ 324، 7/ 183.
(14) المصدر السابق: 7/183.
(15) المصدر السابق: 4/26، 6/ 370.
(16) المصدر السابق: 4/38.
(17) المصدر السابق:10/161 وشاهد آخر في9/256.
(18) المصدر السابق: 10/100.
(19) المصدر السابق: 4/5، 7/184.
(20) المصدر السابق: 6/264-265.
(21) البيهقي السنن الكبرى: 2/ 380.
أبو عبيد كتاب الأمثال: 35، العسكري جمهرة الأمثال: 2/162، الزمخشري: المستقصى في أمثال العرب، الميداني مجمع الأمثال: 2/ 224.(33/86)
الحِيَل
الدكتور محمد المسعودي
أستاذ مساعد في كلية الشريعة
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله عن الصحابة والتابعين وعمن تبع نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الفقه درة الإسلام، وثروة أمة الإيمان، ولا يعرف قدره إلا أهله، وهو ذروة سنام العلوم، وتاج العلماء، من حصل عليه وعمل به فقد أخذ بحظي الدنيا والآخرة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " [1] ، وناهيك بقوله لابن عباس: "اللهم فقهه في الدين" [2] .
والفقه يحتوي على قواعد كلية ترد إليه جزئيات كثيرة من مسائل الفقه، ويحتوي على مسائل متناثرة، وبه من دقيق المسائل وعويصها ما يعرفه أهل الفقه والفضل، ولقد عنى به الفقهاء عناية فائقة ففتقوا مسائله، وخرجوها على أصول أصحابهم، وفرضوا فرضيات وقع بعضها، وسيقع البعض الآخر، لأن الحوادث لا تتناهى، نظراً لاتساع دائرة الحياة، وتمدن البشر، واتساع مداركهم واختراعاتهم.
ومن مسائل الفقه التي تعد من أدقه فهماً مسائل الحيل، لا أستبق الأحداث، ولكنني إن شاء الله سأسلط الضوء عليها بتوضيح غامضها، وكشف حقائقها.
ولقد كانت البادرة الأولى أنني ألقيت جزءاً منها محاضرة في القاعة الكبرى بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وحصل مالم أتوقعه من الإقبال والحضور من طلبة العلم الذين زادوني همة وألحوا عليَّ بإكمال الجزء المتبقي من الحيل، حيث أشرت إلى الحيل المحظورة وصورها، وضاق وقت المحاضرة عن الحيل الجائزة وصورها.(33/87)
ولما وجدت حرصهم ومتابعتهم لهذا الموضوع قررت الاستجابة، ولم يكن لي إلا أن أخوض غماره مرة أخرى بإكمال باقيه، وارتقاء مراميه، وأن أجلي غموضه، وأميط لثامه، وها أنا أبين طريقة عرضي لهذا الموضوع:
1- فندت هذا الموضوع وجعلته في مقدمة وتمهيد وسبعة فصول.
2- حاولت جاهدا أن أسهل أسلوب هذا الموضوع الشائك حتى يتيسر ويسهل تناوله لأكثر طلبة العلم.
3- دعمته بالاستدلال الكافي من الكتاب والسنة.
4- ضربت له الشواهد والأمثلة حتى يتضح المقال بالمثال ولم أشأ أن أجعله مستفيضاً في ضرب الأمثلة والشواهد طلبا للاختصار، وتحقيقاً لهدفي منه وهو الإبانة عن هذا الموضوع الشائق الشائك المبتكر إن كان المقصود بالابتكار إخراج عمل عصري جديد، لم يعمل بصفة الاستقلالية، ولم يفرد له بحث مستقل على هذا المنوال، من التوسط في المقال، مع إيفاء الموضوع حقه بالمثال، وإلا فالابتكار بمعنى عدم السبق في التأليف أمر يكاد يكون مستحيلا، فنحن خلف لسلف نقتدي لنهتدي، ونتبع ولا نبتدع، وما ترك الأول للآخر شيئاً، وقد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [3] .
وليست أمور الشرع جارية على ناموس العلوم الكونية من علوم الآلات وعلوم الطب والفيزياء والكيمياء والتجارب الحسية الخاضعة للابتكار والاختراع.
وأخيرا أرجو من إخواني إتحافي بملاحظاتهم القيمة فالمؤمن مرآة أخيه، وما كان من صواب في هذا البحث فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله لذنبي كله وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
تمهيد
الحمد لله الذي أنار عقول المؤمنين، وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، الذي أنار الله به دياجير الظلام وختم به دين الإسلام.
أما بعد:(33/88)
فإن من أشد الضروريات التي طالب بها رب العزة والجلال، أن نعبده وحده ولانشرك به شيئا وبين توحيده في أفعاله وأفعال عباده وأسمائه وصفاته مما يجب الإيمان به والتسليم له.
ثم ألزمنا بمأمورات، ونهانا عن محظورات، وفرض لنا فرائض، وسنَّ لنا سنناً وبهذا تكامل العقد وانتظم وتجانس الدين وانسجم، وتمت كلمة ربك الحسنى وأصبح لدين الإسلام الطريقة المثلى في تحقيق الأمن والسعادة وما يحتاجه أي إنسان في حياته، وما ينجيه في دنياه وأخراه.
وهذه النعمة ألا وهي نعمة الإسلام، التي امتن الله بها علينا كما قال تعالى: {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [4] توجب علينا الشكر لمنعمها وتقتضي منا العمل على تطبيقها في سائر حياتنا، ثم حملها للناس دعوة وجهاداً في سبيل الله عز وجل.
ويوم كان الإسلام عزيز الجانب مهيب الصولة والجولة تفجرت ينابيع العلم وتدفقت مناهله، وهكذا سنة الله في الأرض، حتى العلم يقوى بقوة الإسلام ويضعف بضعفه.
لقد كان مصدر العلم ولا زال ولن يزال إن شاء الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهما المنبعان الأساسيان الخالدان، ويليهما من مصادر وأصول التشريع الإجماع وهو راجع إليهما، ثم استصحاب الحال ودليل العقل، وهذه الأربعة متفق عليها.
وهناك أصول أربعة مختلف فيها وهي: شرع من قبلنا، إذا لم يصرح شرعنا بنسخه، والثاني قول الصحابي إذا لم يظهر له مخالف، والثالث الاستحسان، والرابع المصلحة المرسلة.(33/89)
ومجمل القول أن مصادر التشريع وأدلة الأحكام إما أصلية، وهي الكتاب والسنة والإجماع، وإما تابعة وهي: استصحاب الحال ودليل العقل وقلنا إنه تابع لأنه إبقاء لما كان على ما كان من الإثبات أو النفي، ط والقياس، وشرع من قبلنا إذا لم يصرح شرعنا بنسخه، وقول الصحابي إذا لم يظهر له مخالف، والاستحسان، والمصلحة المر سلة وسد الذرائع. والعرف؛ وسنعطي لمحة موجزة عن هذه الأدلة أصلية كانت أو تبعية تمهيدا للدخول في صلب الموضوع الذي نريده لأن عليها يبني الفقيه فقهه ويلجأ إليها عند حدوث الوقائع والمشكلات فأقول وبالله التوفيق:
المصدر الأول: وهو القرآن الكريم: كلام الله تعالى المعجز في لفظه ومعناه الذي نزل به جبريل الأمين على قلب سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين وهو مابين دفتي المصحف المنقول إلينا نقلا متواترا لا زيادة فيه ولا نقصان {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً} [5] {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [6] وهذا القرآن هو أساس الدين ومصدر التشريع وحجة الله البالغة في كل عصر ومصر، تلقاه عنه أصحابه رضوان الله عليهم، تلاوة له، وحفظاً ودراسة لمعانيه، وعملا بما فيه.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: " حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عَشر آيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل جميعاً "وهكذا استمر نقله وحفظ المسلمين له جيلا بعد جيل من غير تحريف أو تبديل.
المصدر الثاني: السنة المطهرة وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وهذا تقسيم لها من حيث ذاتها أو من حيث هي.
وأما أقسامها من حيث الرواية فهي على قسمين:
1- الحديث المتصل وهو ما اتصل سنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسقط أحد رواته.(33/90)
2- الحديث الغير متصل وهو ما أسقط منه راو فأكثر ويسمى في اصطلاح الأصوليين بالمرسل سواء سقط منه الصحابي أو غير الصحابي، وأما في اصطلاح المحدثين فالمرسل ما سقط منه الصحابي فقط، وأما ما سقط منه غير الصحابي فيسمونه المنقطع.
وأما الحديث المتصل فهو على ضربين:
أحدهما: الحديث المتواتر وهو الذي يرويه جمع عن جمع يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب، وذلك من أول السند إلى منتهاه.
مثل حديث " إنما الأعمال بالنيات " وحديث "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".
ثانيهما: حديث الآحاد أو خبر الواحد، وهو الذي يرويه واحد أو اثنان من أول السند إلى منتهاه، فرواته لا يبلغون حد التواتر في الطبقات الثلاث، أعني طبقة الصحابة وطبقة التابعين وطبقة تابعي التابعين وإن بلغوا حد التواتر فيما بعد، لأن السنة قد دونت بعد عصر تابعي التابعين وأصبحت الأخبار معلومة بهذا التدوين.
وغالب الأحاديث الواردة من هذا الباب، وزاد الحنفية ضرباً ثالثاً وهو المشهور وهو فوق خبر الآحاد ودون المتواتر وهو الذي لم يبلغ رواته عن الرسول صلى الله عليه وسلم حد التواتر ولكنهم يبلغونه فيما بعد فإذا روى الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أو اثنان من الصحابة ثم رواه عنهم جمع من التابعين يمتنع اتفاقهم على الكذب وهكذا حتى نهاية السند في عصر التدوين، فهذا الحديث يسمى مشهورا عند الحنفية والمعول عليه في الشهرة هو الطبقة الثانية أو الثالثة من الرواة أي التابعون أو تابعوا التابعين.(33/91)
وليس المقام مقام التفصيل في كل من الأنواع المتقدمة وشروط العمل بها ومدى حجتها فمكانه في مظانه أن علمي الحديث والأصول ولكنه الإجمال وبيان العناية التي أولتها هذه الأمة الإسلامية هذه السنة المطهرة حيث حفظوها وكتبوها ورواها كل عن الآخر حتى جاء بعضها متواتراً باللفظ والمعنى أو بالمعنى فقط متصلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من خصائص ومزايا وكمال هذه الشريعة وحدها فنقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال خصَّ الله به المسلمين دون سائر الملل [7] .
ثالثها: وأما الإجماع لغةً فهو الاتفاق والعزم وفي اصطلاح الأصوليين: اتفاق مجتهدي العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بعد وفاته على أمر من أمور الدين.
فقد انقطع التشريع والوحي بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم واتسعت رقعة الدولة الإسلامية وجدت حوادث ونوازل لم تكن من قبل أملتها الظروف التي نحياها والاتصالات بالأمم الأخرى وما هم عليه من عادات وتقاليد فاقتضى ذلك أن يجتهد الصحابة فمن بعدهم في تلك الوقائع فإن اتفقوا على أمر منها عدَّ ذلك إجماعاً وإن اختلفوا فذلك هو غالب الأحكام ولكل مجتهد نصيب [8] .
رابعها: وأما استصحاب الحال ودليل العقل فمعناه إبقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل الذي يغيره.
فإذا ثبت حكم معين في الزمن الماضي فإنه يظل ثابتاً حتى يقوم دليل عليه بنفيه وإذا انتفى هذا الحكم بقي منفياً حتى يقوم دليل على ثبوته.
واستصحاب الحال أربعة أنواع:
1- النفي الأصلي أو براءة ذمة.
2- استصحاب الدليل مالم يرد مغير.
3- استصحاب الحكم مالم يرد مغير.
4- استصحاب حال الإجماع إلى مسألة موضع خلاف.
فمثال الأول: وهو براءة الذمة أو النفي الأصلي أن الإنسان مباح له أن يفعل كل شيء حتى يأتي الرسل ويحصل التبليغ، والعقل دليل للنفي، والأحكام الشرعية تدرك بالسمع.(33/92)
ومثال النوع الثاني: وهو استصحاب دليل الشرع مالم يرد المغير فكاستصحاب العموم إلى أن يرد تخصيص واستصحاب النص إلى أن يرد النسخ.
ومثال النوع الثالث: وهو استصحاب الحكم مالم يرد مغير كاستصحاب الملك الثابت حتى يأتي المغير بالدفع، وشغل الذمة بالاتلاف حتى يأتي الإبراء.
ومثال النوع الرابع: وهو استصحاب حال الإجماع إلى مسألة موضع خلاف أن يقول في المتيمم إذا رأى الماء في أثناء الصلاة: الإجماع منعقد على صحة صلاته ودوامها فنحن نستصحب ذلك حتى يأتي دليل يزيلنا عنه.
وهذا النوع ليس بحجة في قول الأكثرية، لأن الإجماع في المثال السابق إنما دل على دوام الصلاة حال العدم. فأما مع الوجود في أثناء الصلاة فهو مختلف فيه ولا إجماع مع الاختلاف لأن حقيقة الإجماع الاتفاق ولا اتفاق هنا [9] .
خامسها: القياس وقد عرفه علماء الأصول بأنه إلحاق فرع بأصل لعلة جامعة بينهما في الحكم كإلحاق الأرز بالبر في الحكم وهو تحريم الربا لجامع الكيل أو الطعم أو الاقتيات والادخار وإلحاق النبيذ بالخمر في التحريم لجامع الإسكار.
ومن أدلة جوازه قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [10] ، وقوله صلى الله عليه وسلم للخثعمية: "أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته قالت نعم قال فدين الله أحق بالقضاء " [11] .
وللقياس مباحث جليلة تراجع في مظانها من كتب الأصول.
سادسها: شرع من قبلنا إذا لم يصرح شرعنا بنسخه وهو من الأصول المختلف فيها وقد حصل الإتفاق على أن ما أمرنا الله باتباعه من هذه الأحكام في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يكون ملزماً لنا لا بطريق الشرائع السابقة بل بالنص الوارد في شريعتنا، مثاله شرعية الصوم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [12] .(33/93)
كما حصل اتفاق الأصوليين أيضاً على أن ما نهانا عن اتباعه مما في الشرائع السابقة لا يجوز لنا اتباعه، لأن النهي عنه يعد نسخاً صريحاً بالاتفاق، ولا يجوز العمل بالمنسوخ، مثاله حل الأطعمة التي كانت محرمة على اليهود لهذه الأمة المحمدية قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [13] .
وأما الأحكام التي ورد ذكرها في القرآن الكريم أو السنة المطهرة دون أن نؤمر باتباعها أو ننهى عنها فهذا هو مثار النزاع ومحط الخلاف بين علماء الأصول، وهذا ما أحيل القارىء الكريم عليه بكتب الأصول [14] .
سابعها: قول الصحابي إذا لم يظهر له مخالف: وهو من الأصول المختلف فيها أيضاً فقد ذهب مالك والشافعي في القديم وبعض الحنفية والراجح عند الحنابلة إلى أنه حجة يقدم على القياس ويخصص به العموم وقال الشافعي في الجديد وأبو الخطاب من الحنابلة وعامة المتكلمين أنه ليس بحجة ولكل وجهة [15] .
ثامنها: الاستحسان وللعلماء في الأخذ بالإستحسان وتفسيره أقوال ليس هذا مجالها، والصحيح من أقوالهم أنه لا يراد به الاستحسان العقلي المجرد من الدليل، وإنما المراد به العدول بحكم مسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص فيكون هذا بمثابة تخصيص الدليل بدليل أقوى في نظر المجتهد.
ومن أمثلة ذلك:
1- أن يتيمم فاقد الماء لكل صلاة استحسانا والقياس أن التراب بمنزلة الماء فلا يتيمم حتى يحدث.
2- ومنه مسألة ما يسمى بالاستصناع وذلك كأن تتعاقد مثلا مع شخص على بناء بيت أو صنع سيارة أو حياكة ثوب، فالمعقود عليه معدوم وقت العقد ولا يصح بيع الشيء المعدوم فكان القياس عدم جواز هذا العقد، ولكنهم أجازوه استحساناً لتيسير المعاملات وجرى عرف الأمة على التعامل به [16] .(33/94)
تاسعها: المصلحة المرسلة: ونصوص الشريعة العامة تدل عليها كقوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ} [17] {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [18] .
والمصلحة المرسلة هي جلب منفعة أو دفع مضرة لم يشهد لها الشرع بإبطال ولا باعتبار معين، ومثلوا لذلك بجمع القرآن في عهد أبي بكر، عندما استشرى القتل في القراء بعد وقعة اليمامة، ومثلوا كذلك بتترس الكفار بجماعة من أسرى المسلمين، فإننا لو رميناهم قتلنا مسلماً معصوماً وهذا لا عهد به في الشرع، ولو تركناهم تسلطوا على سائر المسلمين بالغلبة فقتلوهم ولاشك أن حفظ جميع المسلمين أقرب إلى مقصود الشارع وإن أدى إلى قتل القلة من المسلمين الأسارى فهذه مصلحة ضرورية ليس لها أصل معين في نص أو قياس.
وقد قسم الأصوليون المصلحة إلى ثلاثة أقسام:
1- مصلحة ضرورية وهي ما لابد منها في مصالح الدين والدنيا وهي على خمسة أضرب، حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ العقل.
2- مصلحة حاجية وهي ما احتاج إليها المكلفون مع عدم الضرورة الملجئة إليها بل من باب رفع الحرج والمشقة ومن أمثلتها الرخص التي شرعت في باب العبادات كقصرِ الصلاة، والفطر في السفر، وفي العادات إباحة ما زاد على الضرورة من اقتناء الطيبات مأكلاً ومشرباً وملبساً ومركباً، وفي المعاملات بالقراض والمساقاة والسلم، وفي الجنايات بالحكم باللوث وتحميل الدية على العاقلة.
3- مصالحة تحسينية وتسمى أيضاً كمالية وهي مانزلت عن حد الحاجة وعُدَّ تحصيلها من باب محاسن الأخلاق وكريم العادات.
ومثالها أخذ الزينة في الصلاة والتقرب إلى الله بنوافل الطاعات [19] .
عاشراً: سد الذرائع وسنفرد لها كلاماً مستقلاً وشرحاً مختصراً في موضوعنا "الحيل "للعلاقة الوثيقة بينهما.(33/95)
الحادي عشر: العرف وهو دليل من أدلة الشرع حيث لا يوجد النص، أو يصادمه ما هو أقوى منه من أدلة الأحكام الأخرى.
والمراد بالعرف ما تعارف الناس عليه واعتادوه ولذلك قيل "العادة محكمة "، وذلك كما لو حلف لا يدخل بيتاً فإنه لا يحنث بدخول المسجد لأنه وإن سُمي بيتاً في اللغة فإنه لا يسمى بيتاً في العرف وكذلك لو حلف لا يأكل لحماً لا يحنث بأكل السمك والخلاصة أن ما تعارف الناس عليه من أوجه المعاملات والتصرفات يحكم بصحته طالما أنه لم يخالف دليلاً شرعياً معتبراً [20] .
هذه هي أصول الأحكام وأدلة الشرع التي يبنى عليها الفقيه فقهه، ويلجأ إليها عند وقوع الحوادث والمشكلات وحيث إن موضوع الحيل من أدق الموضوعات، ويتطلب من أراد أن يبحر في عبابه أن يجيد فيه السباحة، وأن يكون من ربانه؛ لذلك كان لزاماً عليَّ أن أعطي هذه المقدمة الضافية المختصرة في الأدلة الشرعية لتعين المطلع على هذا الموضوع فهي أدوات لفهمه، ووسيلة لإيضاح غموضه، ولعلي ألقي الضوء على جانب من جوانب الفقه، جانب حارت فيه العقول وتباينت فيه الأفهام ما بين مجيز له ومانع، هذا الجانب هو جانب الحيل في الشريعة الإسلامية كما أرجو أن أوفق في موضوع شائق شائك تكبدت مصاعبه ومتاعبه لأجلي غموضه وأميط لثامه، ولأجل العلاقة الوطيدة بنا الحيل وسد الذرائع والاشتباه الحاصل بينهما في كثير من المواضع أحببت أن أبين بياناً مختصراً شافياً يزال فيه الالتباس وتتضح به أوجه الافتراق وأوجه الاجتماع بين هاتين القاعدتين قاعدة الحيل وقاعدة سد الذرائع فلنشرع في المقصود بعد بذل المجهود سائلين العون من المعبود.
سد الذرائع:
الذريعة لغة هي الوسيلة إلى الشيء، والجمع الذرائع قال ابن منظور: الذريعة جمل يختل به الصيد يمشى الصياد إلى جنبه فيستتر به ويرمي الصيد إذا أمكنه [21] .(33/96)
وأما شرعاً فهي الشيء الذي أصله الحل لكنه يفضي إلى المحرم أو ما استخدم كوسيلة للمحرم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الذريعة ما كان وسيلة وطريقاً إلى الشيء لكن صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم ولو تجردت عن ذلك الإفضاء لم يكن لها مفسدة " [22] .
الفرق بين الذريعة والحيلة:
الذريعة والحيلة قد تجتمعان وقد تفترقان، فالحيلة تجتمع مع الذريعة عند القصد وكل منهما تفترق عن الأخرى فيما عدا ذلك؛ فالذرائع والحيل قاعدتان متشابهتان، والكلام فيهما متداخل ولأجل هذا التداخل نلاحظ أن من كتب عنهما كابن تيمية وابن االقيم يتكلم عن أحدهما أثناء الكلام على الأخرى ويستدل لأحدهما بأدلة الأخرى فابن تيمية مثلاً اعتبر الذريعة إن كان إِفضاؤها إلى المحرم بقصد فاعلها من باب الحيل، وعلى تقسيمه توجد ذريعة ليست حيلة وحيلة ليست ذريعة، وذريعة هي حيلة، قال رحمه الله فصارت الأقسام ثلاثة:
1- ما هو ذريعة وهو مما يحتال به كالجمع بين البيع والسلف، وكشراء البائع السلعة من مشتريها بأقل ثمن تارة وبأكثر أخرى، وكالاعتياض في ثمن الربوي بربوي لا يباع بالأول نسأ، وكقرض بني آدم.
2- ما هو ذريعة لا يحتال بها كسب الأوثان فإنه ذريعة إلى سب الله تعالى وكذلك سب الرجل والد غيره فإنه ذريعة إلى أن يسب والده وأن هذا لا يقصدهما مؤمن.
3- ما يحتال به من المباحات في الأصل كبيع النصاب في أثناء الحول فراراً من الزكاة وكإغلاء الثمن لإسقاط الشفعة [23] .
وابن القيم والشاطبي تحدثا عن المقاصد ثم عرضا لسد الذرائع ومنها إلى الحيل لأن الأمور بمقاصدها والذريعة والحيلة يرتبطان بالقصد [24] .
أما شواهد قاعدة سد الذرائع فأكثر من أن تحصى ومنها:
1- قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [25] .(33/97)
دلت هذه الآية على عدم سب آلهة المشركين مع أن سبها قربة لكن لما كانت وسيلة إلى سب الله منعوا من ذلك.
2- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [26] ووجه الدلالة أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا راعنا قصدهم الخير، لكن لما كان اليهود يقصدون فاعلاً من الرعونة سد باب هذه الكلمة إلى غيرها مما لا يحتمل غير المراد.
هذه شواهد من الكتاب، وأما السنة فمنها:
1) ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه؛ فقيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه [27] .
2) ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكف عن قتل المنافقين خشية أن يقول الناس إن محمداً يقتل أصحابه [28] .
3) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك، وأمر بتسويتها ونهى عن الصلاة إليها أو عندها، وعن إيقاد المصابيح عليها وما ذلك إلا لئلا تكون ذريعة إلى الشرك فيعبد أصحابها من دون الله [29] .
والشواهد كثيرة على قاعدة سد الذرائع وإنما القصد البيان والاختصار، وقد ضرب شيخ الإسلام ابن تيميه ثلاثين مثالاً، واستشهد لها ابن القيم بتسعة وتسعين دليلاً [30] .
وبالجملة فقاعدة سد الذرائع ربع الشريعة كما قال غير واحد من الأئمة؛ وذلك لأن المحرمات قسمان: مفاسد وذرائع موصلة إليها، وكذلك القربات نوعان: مصالح وذرائع موصلة إليها فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام ربع الدين.
الفصل الأول
تعريف الحيل:(33/98)
قال ابن منظور: "الحول: الحيلة والقوة، قال ابن سيده: الحوْلُ والحيْلُ والحَوِلُ والحِيَلَةُ والحَويلُ والمحَالةُ والاحْتِيال والتَّحوُّل والتحيُّل كل ذلك: الحِذقُ وجودة النظر، والقدرة على دقة التصَرف، والحِيَل والحِوَل جمع حيلة، ورجل حُوَل وحُوَلَة مثل هُمَزَة، وحُولة وحُوَّل وحَوَاليّ وحُواليّ وحَوَلْوَل: مُحْتال شديد الاحتيال " [31] .
وقال الجرجاني: "الحيلة اسم من الاحتيال وهي التي تحَوِّل المرء عما يكرهه إلى ما يحبه" [32] .
وقال الجوهري: "الحيلة بالكسر والاسم الاحتيال وهو من الواو وكذلك الحَيْلُ والحَولُ يقال: لا حيل ولا قوة لغة فى حول"، قال الفراء: "هو أحْيلُ منك أي أكثر حيلة- وما أحْيلَهُ لغة في ما أحْوَلَهُ"، قال أبو زيد: "يقال ماله حِيلَةٌ ولا مَحَالَةٌ ولا احْتِيالٌ ولا مِحالٌ بمعنى واحد-".
وقال أبو البقاء: "الحيلة من التحول لأن بها يتحول فاعلها من حال إلى حال بنوع تدبير ولطف يحيل به الشيء عن ظاهره" [33] .
وقال الراغب الأصفهاني في غريب القرآن: "والحيلة ما يتوصل بها إلى حالة ما في خفية وكذا الحويلة وأكثر استعماها فيما في تعاطيه خبث وقد تستعمل فيما فيه حكمة، وهذا قيل في وصف الله عز وجل: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (الرعد: من الآية13) أي الوصول في خفية إلى الناس إلى ما فيه حكمه وعلى هذا النحو وصف بالمكر والكيد لا على وجه المذموم تعالى الله عن القبيح".
ومما تقدم علم أن الحيلة قد تكون مصدر بمعنى الاحتيال.
وقد تكون اسماً لما به الاحتيال.
الفصل الثاني
إطلاقات الحيلة:
تطلق الحيلة على عدة معان نوجزها فيما يأتي:(33/99)
1) تطلق الحيلة ويراد بها الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف، لأن فاعلها يتحول بها من حال إلى، وكل من حاول الوصول إلى أمر أو الخلاص منه فيما يحاول به حيلة يتوصل بها إليه، وهي بهذا المعنى لا تشعر بمدح ولا ذم ولا تتقيد بخفاء أو ظهور في وسيلتها أو غايتها.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: "إن مباشرة الأسباب حيلة على حصول مسبباتها فالأكل والشرب واللبس والسفر حيلة على المقصود منه، والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومباحها كلها حيل على حصول المقصود عليه، والأسباب المحرمة كلها حيل على حصول مقاصدها منها " [34] .
2) ثم غلب إطلاقها في العرف اللغوي على ما يكون من الطرق الخفية التي يتوصل
بها إلى بلوغ المراد بحيث لا يفطن لها إلا بنوع من الذكاء، وإلى هذا المعنى أشار الراغب الأصفهاني: "والحيلة ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية".
وهذا الاستعمال أخص من وصفها في أصل اللغة فقد اشترط فيها الخفاء هنا في حين لم يشترط في الإطلاق الأول خفاءً أو ظهوراً.
3) وتطلق الحيلة على الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى الغرض المذموم شرعاً أو عقلاً أو عادة، وإلى هذا المعنى أشار الراغب الأصفهاني فقال: وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث.
وهذا الإطلاق هو الغالب عليها في عرف الناس أيضاً فإنهم يقولون فلان من أرباب الحيل، ولا تعاملوه فإنه محتال، وفلان يعلم الناس الحيل، ولا يريدون بها إلا المعنى المذموم.
4) تطلق الحيلة في عرف الفقهاء والمحدثين غالباً على الحيل المذمومة شرعاً وهى الطرق والوسائل الخفية التي تستحل بها المحارم وتسقط بها الواجبات ظاهراً، وكل حيلة تتضمن إسقاط حق لله تعالى أو أو لآدمي فهي من هذا القبيل، كحيل اليهود التي من أجلها لعنهم الله تعالى.(33/100)
5) وربما أطلقها بعض الفقهاء على المخارج من المضايق بوجه شرعي ويوجد هذا عند فقهاء الحنفية بكثرة قال الحموي في الأشباه والنظائر: "الحيل جمع حيلة، وهي الحذق وجودة النظر والمراد بها هنا ما يكون مخلصاً شرعياً لمن ابتلى بحادثة دينية ولكون المخلص من ذلك لا يدرك إلا بالحذق وجودة النظر أطلق عليه لفظ الحيلة " [35] .
قلت: وهذا الاستعمال قليل وإن جاز شرعاً وساغ في اللغة ولهذا قال الراغب الأصفهاني: "وقد تستعمل فيما فيه حكمة ".
الموازنة بين الإطلاقات المتقدمة:
الإطلاق الأول هو أعم الإطلاقات الخمسة حيث لم تقيد فيه الحيلة بخفاء أو ظهور، ولا بمدح أو ذم إذ هي كما مرَّ بك: التصرف الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال.
ويليه في العموم الإطلاق الثاني وهو ما يتوصل به إلى المقصود بالطرق الخفية.
ويليه في العموم الإطلاق الثالث وهو ما يتوصل به إلى المقاصد المذمومة بالطرق الخفية.
وأخص مما تقدم الإطلاق الرابع وهو إطلاقها على الحيل المذمومة شرعاً كما هو عرف الفقهاء والمحدثين في الغالب حيث عرفوها بأنها ما يتوصل بها إلى استحلال المحرمات وإسقاط الواجبات وتعطيل مقاصد الشرع من الوسائل التي ظاهرها الحل شرعاً وباطنها إسقاط الحكم.
وأخص من الإطلاق الرابع الإطلاق الخامس وهو إطلاقها على مالم يذم شرعاً.
وقد صنف بعض الفقهاء وخاصة فقهاء الحنفية في هذا النوع من الحيل وعرفوها بأنها المخارج من المآزق بما لا يتعارض ومقاصد الشريعة.
إذا علم هذا فإن الحيل تدخل الحكم الشرعي عموماً، تكليفاً أو وضعاً وما يندرج تحتها من أقسام كالواجب والمحرم والسبب والرخصة وغيرها.
وبيان ذلك أن الحيلة جنس يدخل تحته التوصل إلى فعل الواجب وترك المحرم وفعل المندوب وترك المكروه، وتخليص الحق، ونصرة المظلوم وقمع الظالم.(33/101)
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: "وإذا قسمت الحيلة باعتبارها لغة انقسمت إلى الأحكام الخمسة فإن مباشرة الأسباب الواجبة حيلة على حصول مسبباتها، فالأكل وما شابهه والسفر الواجب حيلة على المقصود منه، والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومباحها كلها حيلة على حصول المقصود عليه، والأسباب المحرمة كلها حيلة على حصول مقاصدها منها وليس كلامنا في الحيلة بهذا الاعتبار العام الذي هو مورد التقسيم إلى مباح ومحظور، فالحيلة جنس تحته التوصل إلى فعل الواجب وترك المحرم وتخليص الحق ونصر المظلوم وقهر الظالم وعقوبة المعتدي، وتحته التوصل إلى استحلال المحرم وإبطال الحقوق، وإسقاط الواجبات وَلمَّا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل " غلب استعمال الحيل في عرف الفقهاء على النوع المذموم، وكما يذم الناس أرباب الحيل فإنهم يذمون أيضا العاجز الذي لا حيلة له لعجزه وجهله بطرق تحصيل مصالحه، فالأول ماكر مخادع، والثاني عاجز مفرط، والممدوح غيرهما وهو من له خبرة بطرق الخير والشر خفيها وظاهرها فيحسن التوصل إلى مقاصده المحمودة التي يحبها الله ورسوله بأنواع الحيل ويعرف طرق الشر الظاهرة والخفية التي يتوصل بها إلى خداعه والمكر به فيحترز منها ولا يفعلها ولا يدل عليها، وهذه كانت حال سادات الصحابة رضي الله عنهم فإنهم كانوا أَبرَّ الناس قلوباً، وأعلم الناس بطرق الشر ووجوه الخداع، وأتقى لله من أن يرتكبوا منها شيئاً، أو يدخلوه في الدين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لست بخب ولا يخدعني الخبُّ "، وكان حذيفة أعلم الناس بالشر والفتن، وكان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكان هو يسأله عن الشر، والقلب السليم ليس هو الجاهل بالشر الذي لا يعرفه بل الذي يعرفه ولا يريده بل يريد الخير والبر " [36] .
ألفاظ بمعنى الحيلة:(33/102)
هناك ألفاظ بمعنى الحيلة تستعمل لغة وعرفاً ومنها المكر والخديعة والكيد، فهي ألفاظ متقاربة أو مترادفة تطلق في أصل اللغة على كل فعل يقصد منه فاعله خلاف ما يقتضيه الظاهر وعلى كل فعل يوصل إلى المقصود وليس له ظاهر وباطن ولكن الذهن لا يلتفت عادة إلى أنه يوصل.
ومثال ذلك ما رواه الإمام الشافعي في مسنده عن عروة بن الزبير قال: "ابتاع عبد الله بن جعفر بيعاً فقال علي رضي الله عنه: لآتين عثمان فلأحجرن عليك فأعلم ذلك عبد الله بن جعفر الزبير فقال: أنا شريكك في بيعتك فأتى علي عثمان وقال: تعال احجر علي هذا؛ فقال الزبير: أنا شريكه فقال عثمان: أحجر على رجل شريكه الزبير" [37] .
فمشاركة الزبير لعبد الله بن جعفر في الصفقة منعت عثمان من الحجر عليه.
لأن الزبير معروف بحسن التصرف وإدارة المال فكان أن اتخذ هذه الحيلة لمنع الحجر وليس لها ظاهر وباطن، ولكن الذهن لا يلتفت عادة إلى هذه الحيلة.
وأكثر ما تستعمل هذه الألفاظ (المكر والخديعة والكيد) في الفعل المذموم وهو الأشهر عند الناس وذلك بأن يقصد فاعله إنزال مكروه بمن لا يستحقه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "الخديعة في النار " [38] أي تؤدي بفاعلها إلى النار.(33/103)
وقد تستعمل تلك الألفاظ في الفعل المحمود وذلك بأن يقصد فاعله إلى استدراج غيره لما فيه مصلحته كما يفعل بالصبي أو المريض إذا امتنع من فعل ما فيه مصلحته كشرب الدواء ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة " [39] فهذا أمر بالخداع عند لقاء الأعداء لأنه يقصر أمد الحرب ويوفر المال والجهد، ولكون المكر والخديعة والكيد ضربين: حسناً وسيئاً قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [40] ، وقوله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُوراً اسْتِكْبَاراً فِي الأرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ} [41] {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأرْضَ} [42] فخصَّ في الآيات السيء من المكر تنبيهاً على جواز المكر الحسن ووصف نفسه تعالى بالمكر الحسن فقال: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [43] .
ووصف نفسه بالخداع الحسن فقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [44] وبالكيد الحسن فقال: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ الله} [45] .(33/104)
وعلى ذلك الاستدراج والإملاء والاستهزاء منه تعالى كما في قوله: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [46] والمعنى في ذلك كله إمهال الله للعبد الجاحد وتمكينه من أعراض الدنيا حتى يغتر ويؤخذ بذنبه، لذلك قيل "من وسع عليه في دنياه من أهل الفسق ولم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله "، قال الإمام الراغب في كتابه "الذريعة إلى مكارم الشريعة": "وهذه ألفاظ لولا أن الباري تعالى أطلقها في مواضع مخصوصة قاصداً بها معاني صحيحة لما تجاسر بشر عرف الله تعالى أن يخطر ذلك بباله فضلا عن أن يجريه في مقاله وإن قصد بها المعنى الصحيح تنزيها له وتعظيماً فيجب أن تتلى في القرآن حيثما وردت ولا يتعدى بها " [47] .
الفصل الثالث
ضابط الحيل الجائزة وغير الجائزة:
قبل أن نتطرق إلى هذا الضابط، ننظر في أصل معنى الحيلة لغة فإنها سلوك طريق يفضي إلى المقصود على وجه فيه حذق ومهارة وجودة نظر، ولا نستطيع أن نحرمها بإطلاق حينئذ ولا أن نحلها بإطلاق ولا أن نحمدها بإطلاق ولا أن نذمها بإطلاق، لذا وجب النظر في ضابط عام يميز بين ما يجوز من الحيل في نظر الشارع وما لا يجوز فنقول:
ضابط الحيل الجائزة: كل طريق مشروع يترتب على سلوكه تحقيق مقاصد الشارع من فعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه وإقامة الحق وقمع الباطل فهذا جائز مشروع.
وضابط الحيل غير الجائزة: كل طريق يترتب عليه إبطال مقاصد الشارع أو العبث بها من إسقاط للواجبات وارتكاب للمحرمات وقلب الحق باطلا والباطل حقا فهذا محظور يذم فاعله ومعلمه.
وبين النوعين الجائز وغير الجائز من الفرق ما بين النور والظلام والحق والباطل والعدل والظلم والبر والإثم.(33/105)
وقد أجمل الشاطبي في كتابه الفريد في بابه ما ذكرناه فقال: "لا يمكن إقامة دليل في الشريعة على إبطال كل حيلة كما أنه لا يقوم دليل على تصحيح كل حيلة، وإنما يبطل منها ما كان مضاداً لقصد الشارع خاصة وهو الذي يتفق عليه جميع أهل الإسلام، ويقع الاختلاف في المسائل التي تتعارض فيها الأدلة " [48] .
الفصل ال ر ابع
في كيفية معرفة مقاصد الشارع:
سبق وأن قدمنا أن الحيل الجائزة هي التي لا تناقض مقاصد الشارع والحيل المحظورة هي التي تناقض مقاصد الشارع، وحينئذ لابد من إعطاء الفهم الصحيح والبيان الكافي لبيان الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة هذه المقاصد حتى نستطيع أن نعطي كل حيلة ما يناسبها من الحكم.
وإليك ملخص ما قاله الشاطبى في كتابه الموافقات في هذا الصدد قال: "الراسخون من أهل العلم على أن مقاصد الشارع تعرف من ألفاظ النصوص ومعانيها النظرية جميعاً فينبغي أن ينظر إلى الألفاظ على وجه لا يخل بالمعنى وإلى المعاني على وجه لا يخل بالألفاظ لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض ".
ومن زعم أن مقاصد الشارع لا تؤخذ إلا من ألفاظ النصوص وظواهرها كالظاهرية أو لا تؤخذ إلا من المعاني النظرية. وإن عادت على الظواهر والنصوص بالتعطيل والإلغاء كما هو رأي المتعمقين في القياس المقدمين له على النصوص، من زعم هذا أو ذاك فقد غلا في جانب الإفراط والتفريط ونظر إلى جانب من الشريعة دون جانب، وذلك بُعْدٌ عن الصراط المستقيم.
فالصواب الذي عليه أكثر العلماء اعتبار الأمرين جميعاً على وجه لا يخل فيه المعنى النظري بالنص، ولا النص بالمعنى النظري وعلى هذا المذهب وحده الاعتماد في تقرير الجهات التي يعرف بها مقاصد الشارع فنقول وبالله التوفيق.
إن مقاصد الشارع تعرف من جهات:(33/106)
أحدها: الأمر والنهي الواردان عن الشارع فالأمر يقتضي حصول المأمور به من المكلف، فوقوعه عند وجود الأمر به مقصود للشارع، وعدم إيقاعه مخالف لمقصوده وكذلك النهي يقتضي الكف عن الفعل المنهي عنه. فعدم وقوع الفعل المنهي عنه مقصود للشارع وإيقاعه مخالف لمقصوده.
فهذا وجه ظاهر عام لمن اعتبر مجرد الأمر والنهي من غير نظر إلى علة ولمن اعتبر العلل والمصالح.
الجهة الثانية: اعتبار علل الأمر والنهي ولماذا أمر الشارع بهذا الفعل، ولماذا نهى عن الفعل الآخر؟ ثم العلة إما أن تكون معلومة أو لا؛ فإن كانت غير معلومة فلابد من التوقف عن القطع على الشارع أنه قصد كذا وكذا حتى يدل دليل على ذلك القصد، وإن كانت العلة معلومة اتبعت، فحيث وجدت وجد مقتضى الأمر والنهي من قصد الشارع إلى إيقاع الفعل في الأمر، وعدم إيقاعه في النهي كالنكاح لمصلحة التناسل والبيع لمصلحة الانتفاع بالمعقود عليه والحدود لمصلحة الازدجار، وتعرف العلة هنا بمسالكها المقررة في أصول الفقه، فإذا تعينت علم أن مقصود الشارع ما اقتضته تلك العلل من الفعل أو عدمه.
ويغلب على باب العبادات جهة التعبد، وعلى باب العادات جهة الالتفات إلى المعاني، والعكس في البابين قليل، ومن أجل هذا لم يلتفت مالك رحمه الله في إزالة الأنجاس ورفع الأحداث إلى مجرد النظافة حتى اشترط الماء المطلق فيهما، واشترط لرفع الأَحداث النية وإن حصلت النظافة بدونها، ومنع من إقامة غير التكبير والتسليم في الصلاة مقامهما، ومنع من إخراج القيم في الزكاة، واقتصد على مجرد العدد في الكفارات، إلى غير ذلك من المسائل التي تقتضي الإقتصار على عين المنصوص عليه أو ما ماثله، وغلَّب في باب العادات المعنى فقال فيها بقاعدة المصالح المرسلة، والاستحسان الذي قال فيه إنه تسعة أعشار العلم إلى ما يتبع ذلك.(33/107)
الجهة الثالثة: إن للشارع في شرع العبادات والعادات مقاصد أصلية ومقاصد تابعة وقد دلنا تتبع النصوص وظواهرها وإشاراتها واستقراء معانيها النظرية أن الشارع لم يشرع من الأسباب العادية والعبادية الموصلة إلى المقاصد التابعة إلا ما عاد من تلك المقاصد على المقاصد الأصلية بالتوثيق والإحكام والتقوية والربط، فاستدللنا بذلك على أن ما كان من تلك الأسباب كذلك مما لم ينص عليه فهو موافق لمقاصد الشارع، وما كان منها مؤديا إلى إبطال المقاصد الأصلية منها وإزالتها فهو مناقض لمقاصد الشارع.
فالتسبب إلى تلك المقاصد التابعة مشروع في الأول وغير مشروع في الثاني.
ومثال ذلك: النكاح فإنه مشروع للتناسل بالقصد الأول ويليه طلب السكن والازدواج والتعاون على المصالح الدنيوية والأخروية من الاستمتاع بالحلال والنظر إلى ما خلق الله من المحاسن في النساء والتجمل بمال المرأة أو قيامها عليه وعلى أولاده منها أو من غيرها أو إخوته والتحفظ من الوقوع في المحظور من شهوة الفرج ونظر العين والازدياد من الشكر بمزيد النعم من الله على العبد وما أشبه ذلك فجميع هذا مقصود الشارع من شرع النكاح بالقصد الثاني، فمنه منصوص عليه أو مشار إليه، ومنه ما علم بدليل آخر، ومسلك استقرىء من ذلك المنصوص… فحاصل الجهة الثالثة التي يعرف بها مقاصد الشارع أن المقاصد التابعة للمقاصد الأصلية على ثلاثة أقسام:
1- ما يقتضي تأكيد المقاصد الأصلية وتوثيقها وتقوية الرغبة فيها فلا شك أنه مقصود للشارع، فالقصد إلى التسبب إليه بالسبب المشروع موافق لقصد الشارع فيضخ.
2- ما يقتضي زوال المقاصد الأصلية عيناً فلا (شك) أيضاً من أن القصد لها مخالف لمقصد الشارع عيناً فلا يصح التسبب بإطلاق، ولا فرق في القسمين بين العبادات والعادات.(33/108)
3- ما لا يقتضي تأكيداً ولا توثيقاً ولكنه مع ذلك لا يقتضي رفع المقاصد الأصلية ولا إزالتها عيناً فهذا لا يصح في العبادات، وأما صحته في العادات فللنظر فيه مجال؛ فمن قال بالصحة نظر إلى أنه يجوز حصول الربط والتوثيق بعد التسبب، ومن قال بعدم الصحة نظر إلى أنه لا يقتضي تأكيد المقاصد الأصلية، وقصد الشارع التأكيد فلا يكون ذلك التسبب موافقاً لقصد الشارع فلا يصح.
الجهة الرابعة: مما يعرف به مقاصد الشارع السكوت عن شرع الحكم مع قيام المعنى المقتضي له، فإن ذلك يدل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان موجودا قبل فإذا زاد زائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فيرد عليه ما أحدث، أي يعتبر من قبيل "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وبيان ذلك أن سكوت الشارع عن الحكم على ضربين:
أحدهما: أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقرر لأجله كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها.
وما أحدثه السلف الصالح راجع إلى هذا القسم كجمع المصحف وتدوين العلم، وما شابه ذلك مما لم يجر له ذكر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من نوازل زمانه. ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعاً بلا إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل.(33/109)
ثانيهما: أن يسكت عنه الشارع وموجبه المقتضي له قائم فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان فالسكوت في هذا الضرب كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد ولا ينقص لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجوداً ثم لم يشرع له الحكم كان ذلك صريحاً في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة، ومخالفة لما قصده الشارع إِذْ فُهِمَ من قصده الوقوف عند ما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه.(33/110)
ومن أمثلة هذا الضرب: سجود الشكر في مذهب مالك فقد سئل مالك - رحمه الله - عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله عز وجل شكراً، فقال: "لا يفعل، ليس هذا مما مضى من أمر الناس "قيل له إن أبا بكر الصديق فيما يذكرون سجد يوم اليمامة شكراً لله أفسمعت ذلك؟ قال: "ما سمعت ذلك، فأنا أرى أن قد كذبوا على أبي بكر وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول هذا شيء لم أسمع له خلافاً "، فقيل له: إنما نسألك لنعلم رأيك فنرد ذلك به، فقال: "نأتيك بشيء آخر أيضا لم تسمعه مني قد فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بعده، أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا؟ إذا جاءك مثل هذا مما قد كان للناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم فيه شيء فعليك بذلك، لأنه لو كان لذكر، لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم، فهل سمعت أن أحداً منهم سجد، فهذا إجماع إذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه"؛ هذا تمام الرواية ذكرها في العتبية من سماع أشهب وابن نافع قال ابن رشد: "واستدلاله على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل صحيح، إذ لا يصح أن تتوفر دواعي المسلمين على عدم نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ قال: وهذا أصل من الأصول وعليه يأتي إسقاط الزكاة عن الخضر والبقول مع وجوبها فيها بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر " أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجه.(33/111)
لأنا نَزَّلْنَا تَرْكَ نَقْل أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة منها كالسنة القائمة في أن لا زكاة فيها، فكذلك ننزل ترك نقل السجود عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشكر كالسنة القائمة في أن لا سجود فيه. والمقصود من المسألة توجيه مالك لها من حيث أنها بدعة لا توجيه أنها بدعة على الإِطلاق، وإلا فقد وردت أحاديث في سجوده صلى الله عليه وسلم شكراً، ذكرها صاحب منتقى الأخبار وترجم عليها باب سجدة الشكر ولعلها لم تبلغ مالكاً أو بلغته ولم تصح عنده، وعلى هذا النحو جرى بعضهم في تحريم نكاح المحلل وأنه بدعة منكرة من حيث إنه وجد في زمانه عليه الصلاة والسلام المعنى المقتضي للتخفيف والترخيص للزوجين بإجازة التحليل ليتراجعا كما كان أول مرة، وأنه كما لم يشرع ذلك مع حرص امرأة رفاعة على رجوعها إليه، دل على أن التحليل ليس بمشروع لها ولا لغيرها وهو أصل صحيح، إذا اعتبر وضح به الفرق بين ما هو من البدع وما ليس منها؛ والله أعلم [49] .
الفصل الخامس
أقسام الحيل:
تنقسم الحيل إلى قسمين:
القسم الأول: الحيل الجائزة: وهي ما كان المقصود منها جائزاً شرعاً من إثبات حق أو رفع باطل وهذا القسم يتنوع باعتبار الطرق المفضية إليه إلى نوعين:
النوع الأول: أن تكون الحيلة جائزة موضوعة لذلك المقصود شرعاً، ومن أمثلة ذلك:
ما إذا خافت المرأة أن يغيرها زوجها بالزواج عليها- فالحيلة في منع هذا الأذى أن تشترط هي أو وليُّها في العقد أنه متى تزوج عليها فأمرها بيدها- إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته.(33/112)
ومن أمثلته أيضاً المعاريض التي يقصد بها جلب مصلحة أو دفع مفسدة فإن فيها مندوحة عن الكذب وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من المشركين وهو في نفر من أصحابه، فقال المشركون: ممن أنتم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: أحياء اليمن كثير فلعلهم منهم وانصرفوا [50] ، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احملني فقال: ما عندي إلا ولد الناقة فقال: ما أصنع بولد الناقة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل يلد الإبلَ إلا النوقُ [51] ؟ وكقول الخليل: "هذه أختي " [52] ، وقول الصديق: "هادٍ يهديني السبيل " [53] ، وقد رأت امرأة عبد الله بن رواحة عبد الله على جارية له، فذهبت وجاءت بسكين فصادفته وقد قضى حاجته، فقالت: لو وجدتك على الحال التي كنت عليها لوجأتك فأنكر، فقالت: فاقرأ إن كنت صادقاً فقال:
شهدت بأن وعد الله حق
وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف
وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة كرام
ملائكة الإله مسومينا
فقالت: آمنت بالله وكذبت بصري فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم ينكر عليه [54] .
وهذا تحيل من عبد الله بن رواحة بإظهار القراءة لما أوهم أنه قرآن ليتخلص من مكروه الغيرة.
وهذا النوع من الحيل لا ارتياب في حله.
النوع الثاني: أن تكون الحيلة جائزة ولكنها لم توضع بالقصد الأول لذلك المقصود شرعاً.(33/113)
ومن أمثلة هذا النوع أن ينكح المرأة ليعتز بأهلها أو ليستعين بمالها، أو بجمالها فيما لا يغضب الله فإن المقصود جائز ولكن النكاح لم يوضع لذلك شرعاً على وجه القصد، وإنما وضع بالقصد الأول لطلب النسل وعفة الزوجين عما حرم الله والمساكنة والازدواج وقد يستتبع المعاونة والنصرة فإذا نكح المرأة لما لا ينتفع به، أو لأهلها ينصرونه مثلا جاز ذلك النكاح لأن هذا المقصود لا يتنافى مع مقاصد النكاح الأصلية، بل ربما كان موثقاً لها وعلى ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " [55] .
القسم الثاني من الحيل: الحيل المحظورة: وهي ما كان المقصود منها محرماً محظوراً وهذا القسم يتنوع إلى ثلاثة أنواع.(33/114)
النوع الأول: أن تكون الحيلة محرمة في نفسها كالاحتيال على فسخ النكاح بالردة، وقد أجاد ابن القيم في هذا الصدد فقال: الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى ما هو محرم في نفسه بحيث لا يحل بمثل ذلك السبب بحال فمتى كان المقصود بها محرما في نفسه فهي حرام باتفاق المسلمين، وذلك كالحيل على أخذ أموال الناس وظلمهم في نفوسهم وسفك دمائهم وإبطال حقوقهم وإفساد ذات البين، وهي من جنس حيل الشياطين على إغواء بني آدم بكل طريق، وهم يتحيلون عليهم ليوقعوهم في واحدة من ستة ولابد، فيتحيلون عليهم بكل طريق أن يوقعوهم في الكفر والنفاق على اختلاف أنواعه، فإذا عملت حيلهم في ذلك قرت عيونهم، فإن عجزت حيلهم عن من صحت فطرته وتلاها شاهد الإيمان من ربه بالوحي الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم أعملوا الحيلة في إلقائه في البدعة على اختلاف أنواعها وقبول القلب لها وتهيئته واستعداده فإن تمت حيلهم كان ذلك أحب إليهم من المعصية وإن كانت كبيرة، ثم ينظرون في حال من استجاب لهم إلى البدعة فإن كان مطاعا في الناس أمروه بالزهد والتعبد ومحاسن الأخلاق والشيم، ثم أطاروا له الثناء بين الناس ليصطادوا عليه الجهال ومن لا علم عنده بالسنة، وإن لم يكن كذلك جعلوا بدعته عوناً له على ظلمه أهل السنة وأذاهم والنيل منهم وزينوا له إن هذا انتصار لما هم عليه من الحق، فإن أعجزتهم هذه الحيلة ومنَّ الله على العبد بتحكيم السنة ومعرفتها والتمييز بينها وبين البدعة ألقوه في الكبائر وزينوا له فعلها بكل طريق وقالوا له أنت على السنة وفساق أهل السنة أولياء الله وعبَّاد أهل البدعة أعداء الله، وقبور فساق أهل السنة روضة من رياض الجنة وقبور عبَّاد أهل البدعة حفرة من حفر النار، والتمسك بالسنة يكفر الكبائر كما أن مخالفة السنة تحبط الحسنات وأهل السنة إن قعدت بهم أعمالهم قامت بهم عقائدهم، وأهل البدع إذا قامت بهم أعمالهم قعدت بهم عقائدهم، وأهل السنة هم الذين(33/115)
أحسنوا الظن بربهم إذ وصفوه بما وصف به نفسه ووصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوه بكل كمال وجلال، ونزهوه عن كل نقص، والله تعالى عند ظن عبده به، وأهل البدع هم الذين يظنون بربهم ظن السوء، إذ يعطلونه عن صفات كماله وينزهونه عنها، وإذا عطلوه عنها لزم اتصافه بأضدادها ضرورة ولهذا قال الله تعالى في حق من أنكر صفة واحدة من صفاته وهي صفة العلم ببعض الجزيئات {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (فصلت:23) وأخبر عن الظانين بالله ظن السوء أن عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعَدَّ لهم جهنم وساءت مصيرا فلم يتوعد بالعقاب أحداً عظم ممن ظن به ظن السوء، وأنت لا تظن به ظن السوء فمالك وللعقاب، وأمثال هذا من الحق الذي يجعلونه وصلة لهم وحيلة إلى الاستهانة بالكبائر وأخذه إلا من نفسه.
وهذه حيلة لا ينجو منها إلا الراسخ في العلم، العارف بأسماء الله وصفاته فإنه كلما كان بالله أعرف كان له أشد خشية وكلما كان به أجهل كان أشد غروراً به وأقل خشية. فإن أعجزتهم هذه الحيلة وعظم وقار الله في قلب العبد هوَّنوا عليه الصغائر وقالوا له أنها تقع مكفرة باجتناب الكبائر حتى كأنها لم تكن وربما منَّوه أنه إذا تاب منها - كبائر كانت أو صغائر- كتبت له مكان كل سيئة حسنة.(33/116)
فيقولون له كثر منها ما استطعت ثم أربح مكان كل سيئه حسنة بالتوبة، ولو قبل الموت بساعة، فإن أعجزتهم هذه الحيلة وخلص الله عبده منها نقلوه إلى الفضول من أنواع المباحات والتوسع فيها، وقالوا له قد كان لداود مائة امرأة إلا واحدة ثم أراد تكميلها بالمائة، وكان لسليمان ابنه مائة امرأة، وكان للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان من الأموال ما هو معروف وكان لعبد الله بن المبارك والليث بن سعد من الدنيا وسعة المال ما لا يجهل وينسوه ما كان لهؤلاء من الفضل، وأنهم لم ينقطعوا عن الله بدنياهم، بل ساروا إليه فكانت طريقا لهم إلى الله، فإن أعجزتهم هذه الحيلة- بأن تفتح بصيرة قلب العبد حتى كأنه يشاهد بها الآخرة وما أعده الله فيها لأهل طاعته وأهل معصيته فأخذ حذره وتأهب للقاء ربه …
واستقصر مدة هذه الحياة الدنيا وحياته الدنيوية في جنب الحياة الباقية الدائمة- نقلوه إلى الطاعات المفضولة الصغيرة ليشغلوه بها عن الطاعات الفاضلة الكثيرة الثواب فيعمل حيلته في تركه كل طاعة كبيرة إلى ما هو دونها، فيعمل حيلته في تفويت الفضيلة عليه، فإن أعجزتهم هذه الحيلة - وهيهات – لم يبق لهم إلا حيلة واحدة وهي تسليط أهل الباطل والبدع والظلمة عليه يؤذونه وينفرون الناس عنه، ويمنعوهم من الاقتداء به ليفوتوا عليه مصلحة الدعوة إلى الله- وعليهم مصلحة الإجابة [56] .
النوع الثاني: من أقسام الحيل: أن تكون الحيلة مباحة تفضي إلى المقصود المحظور كما تفضي إلى غيره من المقاصد الحسنة كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس التي حرم الله.
ومثل من يسافر إلى الخارج لكي يرتكب محارم الله تعالى، فيصير السفر حراما تحريماً قطعياً ونظيره كثير.(33/117)
النوع الثالث: أن تكون الحيلة مباحة شرعت لغير هذا المقصود المحظور، فيتخذها المحتال وسيلة إليه، ومن أمثلة ذلك الفرار من الزكاة ببيع النصاب أو هبته أو استبداله قبيل حولان الحول، وهذا النوع هو محل الاشتباه وموضع الزلل وهو المقصود الأول لنا من الكلام على الحيل المحرمة، ولم نتكلم على غيرها من الحيل التي ظهر تحريمها إلا من باب تتميم الفائدة فقط، مع ما يتبعه من الفوائد الأخرى.
وهذا النوع - أعني ما كان المقصود منه محرماً والوسيلة مباحة لم تشرع له - حرام من جهتين: من جهة الغاية والمقصود، ومن جهة الوسيلة والطريق، أما من جهة الغاية فلأن المحتال قصد به إباحة ما حرم الله وإسقاط ما أوجبه، وأما من جهة الوسيلة فلأنه اتخذ آيات الله هزواً وقصد بالسبب ما لم يشرع له، بل قصد ضده فقد ضادَّ الشارع في الغاية والوسيلة والحكمة جميعاً.
وهذا النوع من الحيل على عدة أضرب:
الضرب الأول: الاحتيال لحل ما هو حرام في الحال كالحيل الربوية، وحيلة التحليل، والحيل الربوية نوعان:
1- أن يضم العاقدان في العقد المحرم إلى العوضين أو إلى أحدهما عوضاً ليس بمقصود ليتخلصا به من التحريم ظاهراً، مثل أن يتعاقدا على بيع ربوي بجنسه متفاضلا ولأجل أن يتخلصا من التحريم في زعمهما يضمان إلى العوضين أو إلى أحدهما شيئاً آخر من غير الجنس، كأن يتعاقدا على بيع ألف دينار بألفي دينار ثم يضمان إلى كل من العوضين أو إلى أحدهما ثوباً أو منديلاً لا غرض فيه لواحد منهما إلا أن يتخلصا من حرمة الربا ظاهراً، فمتى كان المقصود بيع ربوي بجنسه متفاضلاً حرمت المسألة عند مالك والشافعي وأحمد ومتقدمي الكوفيين وهو الذي تدل عليه السنة.(33/118)
2- أن يضم العاقدان إلى العقد المحرم عقداً ليس بمقصود ليتخلصا به من التحريم أيضاً في زعمهما ومثاله أن يتواطآ على أن يقرضه ألفاً بألف ومائتين، ولأجل أن يتخلصا من التحريم بزعمهما يبيعه المقرض سلعة لا غرض للمقترض فيها بألف ومائتين إلى أجل ثم يبيع المقترض هذه السلعة بعينها إلى المقرض بألف حالة، أو يبيعها المقترض لثالث أجنبي قد فهم غرضهما بألف حالة، ثم يبيعها الثالث للمقترض بنفس الثمن وهو الألف، فآل ذلك في الصورتين إلى أن أقرضه ألفاً حالة ليردها إليه بعد الأجل ألفاً ومائتين ولكن في قالب تصرف جائز ظاهرا.
الضرب الثاني: الاحتيال على حل ما انعقد سبب تحريمه وهو صائر إلى التحريم كما إذا علق الطلاق بشرط كدخولها الدار مثلا، ثم أراد منع وقوع الطلاق عند الشرط، فخالعها لتدخل الدار وهي على غير عصمته فلا يقع الطلاق بعد ذلك إذا عادت إليه بعقد جديد ودخلت الدار، لأن التعليق غير قائم حينئذٍ.
الضرب الثالث: الاحتيال على إسقاط ما هو واجب في الحال كالاحتيال على إسقاط الإنفاق الواجب عليه، وأداء الدين الواجب، بأن يملك ماله لزوجته أو ولده فيصير معسراً فلا يجب عليه الانفاق ولا أداء الدين، وكمن يدخل عليه رمضان ولا يريد صومه، فيسافر ولا غرض له من السفر سوى الفطر.
الضرب الرابع: الاحتيال على إسقاط سبب وجود ما لم يجب، ولكنه صائر إلى الوجوب فيحتال حتى يمنع الوجوب، كالاحتيال على إسقاط الزكاة قبيل الحول بتمليكه ماله لبعض أهله، ثم استرجاعه بعد ذلك، وكالاحتيال على إسقاط حق الشفعة التي شرعت دفعاً للضرر عن الشريك أو الجار قبل وجوبها، فإن السبب قائم وهو الشركة أو الجوار ولكنه لا يقتضي حكمه إلا بالشرط وهو البيع فالبيع هنا كحولان الحول في الزكاة فيعمد المحتال إلى إزالة الشرط بحيلة ليمنع اقتضاء السبب حكمه.
الفصل السادس
أمثلة للحيل المحظورة(33/119)
بعد الكلام والتفصيل المتقدم أحب أن أسوق بعض الأمثلة على الحيل المحظورة والحيل الجائزة كي يتضح المقال بضرب المثال ويحسن الفهم الكامل للحيل وصورها المتعددة، وسأبدأ بالحيل المحظورة مستدلا لتحريمها من الكتاب والسنة والإجماع
فأما الكتاب فمنه أولا: قال الله تعالى في أول سورة البقرة في وصف المنافقين الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [57] وهذا وأمثاله كثير مما ذم الله به المنافقين في كثير من السور المدنية كسورة البقرة والنساء والتوبة والمنافقون وقد سئل القرطبي عن حكمة كفه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين مع علمهم بأعيان بعضهم فأجاب بأجوبة أمثلها ما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: "أكره أن يتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه " [58] ومعنى هذا أنه كف عن قتلهم خشية أن يقع بسبب ذلك تنفير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ولا يعلمون حكمة قتله لهم وأن قتله إنما هو على الكفر، فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم، فيقولون إن محمداً يقتل أصحابه، وهذا كما كان يعطي المؤلفة قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم تأليفاً لهم ولغيرهم ولأن ولايته المنافقين وحسن معاشرتهم ربما أدت إلى استمالتهم فيما بعد ونزعوا عما هم فيه من النفاق.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "إنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن فيها نفاق بل كان من الناس من يظهر الكفر ويخفي الإيمان لضعف المؤمنين وقوة المشركين " إلى آخر ما قاله فليتأمل في موضعه [59] .(33/120)
والشاهد من الآيات على ذم الحيل أن النفاق حيلة ظاهرها الإيمان والتسليم وباطنها الكفر والتكذيب، والمقصود من هذه الحيلة إحراز دمائهم وأموالهم ومشاركة المسلمين فيما قد يحصلون عليه من المغانم وإيذاء المؤمنات وإذاعة أسرارهم إلى الكافرين وقد توعد الله المنافقين بالعذاب الأليم، وأخبر أنهم يخادعونه وما يخدعون إلا أنفسهم ويمكرون به وما يمكرون إلا بأنفسهم وأنهم فيما قالوا وفعلوا غير صادقين فلهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون، فهذه الحيلة هي رأس الحيل المحرمة ظاهرها الطاعة وباطنها المعصية.
ثانياً: وقال تعالى في سورة البقرة في قصة أصحاب السبت {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [60] .(33/121)
وقد فصل الله تعالى هذه القصة في سورة الأعراف فقال: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [61] ، وخلاصة هذه القصة ما ذكره المفسرون سلفاً وخلفاً أن الله أمر اليهود أن يكون عيدهم الجمعة من كل أسبوع على ما هو ثابت في شريعتنا فأبوا إلا السبت فأجيبوا إلى ما طلبوا وأمروا أن يتفرغوا فيه للعبادة وحرم الله عليهم صيد السمك فيه، ثم ابتلاهم الله سبحانه فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً، ظاهرة على وجه الماء فإذا كان يوم الأحد لزمن سفل اليحر فلم ير منهن شيء حتى يكون يوم السبت الذي بعده وهكذا كما قال الله تعالى: {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} (أعراف: من الآية163) ، وقد مكثوا مدة لا يصيدونها في ذلك اليوم كما أمرهم الله، ثم اشتهتها أنفسهم فاحتالوا للاصطياد في السبت بصورة الاصطياد في غيره بشتى الحيل التي ظاهرها الامتثال وباطنها التمرد والعصيان، حتى إذا فشا فيهم ذلك المنكر علانية نصحهم أحبارهم ورهبانهم وأبلغوا في النصح فلم يقبلوا منهم فانقسم هؤلاء الناصحون إلى فرقتين: فرقة كفت عن النهي لعلمها بحال القوم ويأسها من هدايتهم، وفرقة استمرت على نهيهم وتذكيرهم حماسة في دين الله وحرصاً(33/122)
على هداية المعتدين حتى قالت لهم الطائفة التي نهت وكفت عن النهي {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} (لأعراف: من الآية164) وهو سؤال استفسار فأجابت الطائفة التي استمرت على التذكير بما حكاه الله عنها {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (لأعراف: من الآية164) ومع ذلك لم يجدهم التذكير نفعاً واستمروا على الاعتداء {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} (لأعراف: من الآية165) وهم الطائفتان التي نصحت وكفت والتي نصحت ولم تكف عن النصح: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (لأعراف: من الآية165) وذلك العذاب البئيس هو مسخهم قردة فانظر رحمك الله إلى حيل اليهود وخداعهم فهذا دال على أن الأعمال بمقاصدها وحقائقها دون صورها وظواهرها، ودال على أن كل حيلة يترتب عليها العبث بفرع من فروع الشريعة فضلا عن أصل من أصولها محرمة أشد التحريم وأن صاحبها معرض لأن يعاقب بمثل هذه العقوبة الشنيعة ولهذا قال تعالى في قصتهم مهدداً كل من يأتي بعدهم ويتبع آثارهم {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة:66) أي جعلنا هذه المسخة الشنيعة التي مسخناهم إياها عقوبة لما تقدمها من ذنوبهم التي واقعوها، ولما يأتي بعدها من أمثال ذنوبهم أن يعمل بها عامل فَيُمْسَخ كما مسخوا، وموعظة للمتقين إلى يوم القيامة [62] .
ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ارتكاب ما فعلته اليهود من استحلال محارم الله بالحيل.(33/123)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ثم مما يقضى منه العجب أن هذه الحيلة التي احتالها أصحاب السبت في الصيد قد استحلها طوائف من المفتين، حتى تعدى ذلك إلى بعض الحنابلة، فقالوا: إن الرجل إذا نصب شبكة أو شَصَّاَ قبل أن يُحْرم، ليقع فيه الصيد بعد إحرامه، ثم أخذه بعد حله لم يحرم ذلك، وهذه بعينها حيلة أصحاب السبت، وفي ذلك تصديق قوله سبحانه: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} (التوبة: من الآية69) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن! " وهو حديث صحيح [63] .
ثالثاً: وقال الله تعالى في النهي عن المضارة بين الزوجين: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [64] .(33/124)
ووجه الدلالة من الآية على تحريم الحيل أن الله تعالى حرم على المرأة إن كانت حاملا أن تكتم حملها، وإن كانت حائضاً أن تكتم حيضها، كذا فسر ابن عمر والحسن ومجاهد قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنّ} (البقرة: من الآية228) وكن يكتمن الحمل لئلا يشفق الرجل على الولد فيراجعها، ويكتمن الحيض لإطالة أمد العدة فيُلْزمن الرجل من الإنفاق عليهن ما لا يلزمه شرعاً، وقد اعتبر الشارع قول المرأة في الحيض والحمل، لأن هذا أمر لا يعلم إلا من طريقها، ويتعذر إقامة البينة عليه غالباً، فالآية دلت على تحريم الحيل الآتية:
1- أن تقول المطلقة حضت وهي لم تحض، لتذهب بحق الزوج في الرجعة.
2- أن تقول المطلقة لم أحض وهي قد حاضت، لِتُلْزمه من النفقة ما لا يلزمه كما هو شائع في عصرنا، أو لتُغْر الزوج بالمهلة، في الرجعة حتى تنقضي العدة فينقطع حقه فيها.
3- وكذلك يحرم عَلى الحامل أن تكتم الحمل لتُغْر الزوج بانفساح أمد المراجعة حتى تلد فيتعذر عليه مراجعتها.
4- كما يحرم عليها أيضاً أن تكتم الحمل لتلحق الولد بغيره، كما كان الأمر قبل الإسلام، قال قتادة: كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحق الولد بالزوج الجديد ففي ذلك نزلت الآية.
فهذه كلها طرق خفية من قبل الذهن لا يلتفت إليها عادة، ويتوصل بها إلى مضارة الزوج.
كما دل قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} (البقرة: من الآية228) أن الرجل إنما يباح له المراجعة ما دامت المرأة في العدة إن أراد معاشرة المرأة بالمعروف، فإن أراد بالمراجعة مضارة الزوجة فلا يباح له ذلك بل يحرم عليه ذلك كما يدل عليه مفهوم الشرط في الآية.(33/125)
وتقرير كون المراجعة للمضارة حيلة أنها تصرف شرعي جعله الله من حق الزوج ما دامت العدة باقية، فظاهر المراجع المتحيل إرادة العشرة بالمعروف، وباطنه المضارة للزوجة، وهو أن يترك المرأة لا يؤويها إليه، ولا يدعها تبين بانقضاء العدة فتتزوج غيره، وقد يقصد من ذلك أيضاً تطويل العدة عليها، فظاهرها مشروع، وباطنها محظور، فرتب الله الحكم وهو التحريم رتبه على الباطن دون الظاهر، فدل ذلك على أن العقود المشروعة إذا اتخذت وسيلة إلى غير ما شرعت له مما حرم الله كان ذلك حراما، وكذلك إذا اتخذت ذريعة لإسقاط ما أوجبه الله تعالى حقاً له أو لعباده.
رابعاً: وقال الله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (البقرة:229) {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ الله وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [65] .
دل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان} (البقرة: من الآية229) الآية أنه يحرم الطلاق والرجعة للمضارة كأن يريد بذلك عضلها عن الزواج، أو تطويل العدة عليها، أو إلجائها إلى أن تفتدي نفسها منه بشيء من المال من غير أن يكون هناك نشوز منها أو فاحشة أو ما شابه ذلك فيفعل ذلك حيلة منه إلى ارتكاب المحظور بسبب مشروع في الظاهر فيحرم السبب تحريماً للوسائل.(33/126)
ودل قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ الله} (البقرة: من الآية229) على أنه يحرم على الرجل أن يضار زوجته بدون وجه حق ليحتال بذلك على أن تخالعه بمال فما أخذ من مال فهو حرام.
كما دل قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة: من الآية229) على أن الخلع المسموح به شرعاً هو فيما إذا خافا ألا يقيما حدود الله، فإذا كرهت المرأة المقام مع زوجها فلا جناح عليها أن تبذل له مالا ليفارقها، ومن الحيلة أن يتخذ الخلع حيلة على حل اليمين كما أفتى به بعض الفقهاء بناء على أن الخلع فسخ لا طلاق، وصورته: أن يقول الرجل مثلا لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق، فلأجل أن تدخل الدار ولا يقع عليها الطلاق يخالعها ثم تدخل الدار وهي مخالعة، فيحصل المحلوف عليه وهي خارجة عن عصمته، ثم يعقد عليها من جديد، هذا بناء على أن الخلع فسخ لا طلاق.(33/127)
وإليك ما قاله ابن القيم رحمه الله في هذا الصدد: "ومن الحيل الباطلة الحيلة على التخلص من الحنث بالخلع ثم يفعل المحلوف عليه في حال البينونة، ثم يعود إلىِ النكاح، وهذه الحيلة باطلة شرعاً، وباطلة على أصول أئمة الأمصار، أما بطلانها شرعا فإن هذا خلع لم يشرعه الله ولا رسوله، وهو تعالى لم يمكن الزوج من فسخ النكاح متى شاء، فإنه لازم، وإنما مكنه من الطلاق، ولم يجعل له فسخه إلا عند التشاجر والتباغض إذا خافا أن لا يقيما حدود الله، فشرع لهما التخلص بالافتداء، وبذلك جاءت السنة، ولم يقع في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أصحابه قط خلع حيلة، ولا في زمن التابعين، ولا تابعيهم، ولا نص عليه أحد من الأئمة الأربعة وجعله طريقاً للتخلص من الحنث، وهذا من كمال فقههم رضي الله عنهم، فإن الخلع إنما جعله الشارع مقتضيا للبينونة ليحصل مقصود المرأة من الافتداء من زوجها، وإنما يكون ذلك مقصودها إذا قصدت أن تفارقه على وجه لا يكون له عليها سبيل، فإذا حصل هذا ثم فعل المحلوف عليه وقع وليست زوجته فلا يحنث، وهذا إنما حصل تبعاً للبينونة التابعة لقصدهما، فإذا خالعها ليفعل المحلوف عليه لم يكن قصدهما البينونة، بل حل اليمين، وحل اليمين إنما يحصل تبعاً للبينونة لا أنه المقصود بالخلع الذي شرعه الله ورسوله، وأما خلع الحيلة فجاءت البينونة فيه لأجل حل اليمين، وحل اليمين جاء لأجل البينونة، فليس عقد الخلع بمقصود في نفسه للرجل ولا للمرأة، والله تعالى لا يشرع عقداً لا يقصد واحد من المتعاقدين حقيقته، وإنما يقصدان به ضد ما شرعه الله له، فإنه شرع لتخلص المرأة من الزوج، والمتحيل يفعله لبقاء النكاح، فالشارع شرعه لقطع النكاح، والمتحيل يفعله لدوام النكاح " [66] .(33/128)
ودل قوله أيضاً: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (البقرة: من الآية230) ، على تحريم نكاح التحليل، وهو أن يتزوج بشرط أنه إذا أحلها طلقها، أو ينويه بقلبه، أو يتفقا عليه قبل العقد، أي سواء اقترن الشرط بالعقد أو تقدم عليه، ونكاح التحليل حيلة ظاهرها النكاح المشروع وباطنها السفاح المحظور وهو المقصود للمرأة ولزوجها الأول والثاني، ولهذا لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له، وسمى المحلل تيساً مستعاراً، وقال خليفته الثاني رضي الله عَنه: لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما، وهو مشهور محفوظ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد أطال رحمه الله في هذا الصدد فليراجع كلامه فهو مفيد سديد [67] .(33/129)
خامساً: وقال تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [68] .
ووجه الدلالة منها على تحريم الحيل أن الله تبارك وتعالى عاقبهم بتحريق بستانهم لما عزموا حرمان المساكين من حقوقهم المشروعة في الزكاة بحيلة تمنع من إفضاء السبب إلى حكمه، حيث أضمروا وأقسموا أن يجذوا ثمار بستانهم في آخر الليل حيث لا يراهم أحد ولا ينقص منه شيء بسبب الصدقة، فيكون حصادهم وقت الجذاذ في وقت ليس فيه فقراء فلا يلزمهم التصدق عليهم لعدم وجودهم وقت الجذاذ.(33/130)
وقد ذكر المفسرون أن أصحاب الجنة هؤلاء كانوا بأرض اليمن قريباً من صنعاء، وكانت هذه الجنة لرجل يؤدي حق الله فيها ويطعم الفقراء والمساكين، فلما مات قال بنوه: "إن كان أبونا لأحمق حين يطعم منها الفقراء والمساكين، فلما طاب ثمارها، ودنا قطافها أقسموا ليقطعن ثمارها في وقت يغفل عنه المساكين، وهو آخر الليل وأول النهار حتى لا ينقص من ثمارها شيء بسبب الصدقة "، ثم دار بينهم الحوار المبين في السورة، وحصل لهم العقاب بسبب قصدهم السيء.
وقد سئل قتادة عن أصحاب الجنة أهم من أهل الجنة أن من أهل النار؟ فقال: "لقد كلفتني تعباً "، وعن الحسن: قول أصحاب الجنة: {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} (القلم: من الآية32) لا أدري إيماناً كان ذلك منهم، أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة، فتوقف في أمرهم، والأكثرون على أنهم تابوا وأخلصوا [69] .
هذه طائفة من الآيات الدالة على تحريم الحيل المحرمة التي تناقض مقاصد الشارع تنبئك عن بقية الآيات التي بمعناها.
وأما الأحاديث الدالة على تحريم هذا النوع من الحيل فإليك طرفاً منها:
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " [70] .
دل هذا الحديث على أن الأعداد بمقاصدها، وأن العقود بحقائقها، فمن نوى بعقد البيع الربا وقع في الربا، ولا يخلصه من الإثم صورة البيع، ومن نوى بعقد النكاح التحليل كان محللا، ودخل في الوعيد على ذلك باللعن، ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح، وهكذا، وقد ترجم البخاري في كتاب الحيل على هذا الحديث "باب في كتاب الحيل وأن لكل امرئ ما نوع في الأيمان وغيرها ".(33/131)
قال ابن حجر: "قال ابن المنير: اتسع البخاري في الاستنباط، والمشهور عند النظار حمل الحديث على العبادات، فحمله البخاري عليها وعلى المعاملات، وتبع مالكاً في القول بسد الذرائع واعتبار المقاصد، قال: والاستدلال بهذا الحديث على سد الذرائع وإبطال التحيل من أقوى الأدلة، ووجه التعميم أن المحذوف المقدر "الاعتبار"، فمعنى الاعتبار في العبادات إجزاؤها وبيان مراتبها، وفي المعاملات وكذلك الأيمان الرد إلى القصد " [71] .
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك " [72] .وفي لفظ: "اليمين على نية المستحلف " [73] .
وظاهر هذا الحديث أن اليمين على نية المحلوف له ظالماً أو مظلوماً، وهو يعارض حديث: " إنما الأعمال بالنيات "، فإنه يفيد بعمومه أن الأيمان - وهي من الأعمال - على نية الحالف ظالماً أو مظلوماً، ويدفع التعارض بما رُوي عن إبراهيم النخعي أنه قال: "إذا كان المستحلف ظالماً فالنية نية الحالف، وإذا كان المستحلف مظلوما فالنية نية الذي استحلف " ذكره عنه الترمذي، وكذا البخاري تعليقا بصيغة الجزم في كتاب الإكراه من صحيحه، قال الحافظ في الفتح: وصله محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عنه بلفظ: "إذا استحلف الرجل وهو مظلوم فاليمين على ما نوى وعلى ماروى، وإذا كان ظالماً فاليمين على نية من استحلفه " [74] .
وإلى مثل هذا ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وجمهور العلماء [75] .
قال ابن العربي المالكي في شرح الترمذي: "وما رُوي لنا التفطن بحقيقة الحال عن أحد قبل إبراهيم النخعي، وهذا بديع من الفقه " [76] .
فهذا الحديث يدل على أن التحايل في الأيمان بالمعاريض والتورية ليقطع حق أحد لا يجوز بحال من الأحوال، ولا يبرئه من الله الذي لا تخفى عليه خافية، وهو حانث في يمينه، مأخوذ بظلمه.(33/132)
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " رواه الإمام أبو عبد الله بن بطة قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم حدثنا الحسن بن الصباح الزعفراني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن عمر، هذا إسناد جيد يصحح مثله الترمذي وغيره ويحسنه تارة، وأحمد بن محمد بن مسلم المذكور مشهور ثقة، ذكره الخطيب في تاريخه كذلك، وسائر رجال الإسناد أشهر من أن يحتاج إلى وصفهم " [77] .
وقال ابن كثير: "وهذا إسناد جيد، وأحمد بن محمد بن مسلم هذا وثقه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي، وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح " [78] .
قلت: وهذا الحديث نص صريح في أن الاحتيال إلى محارم الله بأدنى الحيل حرام، وأن ذلك من شأن عمل اليهود الذين لعنهم الله في كتابه وعلى لسان رسوله ومسخهم قردة وخنازير، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من صنيعهم لئلا يصيبهم ما أصابهم، وإنما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم وشبههم بذلك، لأنهم بيت المكر والخداع والخبث والغدر من قديم الزمان إلى يومنا هذا، فهم البلاء والداء العضال في كل أمة، وهم أصحاب حيلة السبت والشحوم وغيرهما من الحيل.
وقد كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتفننون بأنواع الحيل للكيد له ولأصحابه فرد الله كيدهم في نحورهم فمن ذلك:
أ- أن بني النضير احتالوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إلى جنب جدار بيت من بيوتهم، فصعدوا إلى السطح ليلقوا عليه رحى، فنزل عليه الوحي فرجع إلى المدينة وحاصرهم وأجلاهم كما في سورة الحشر [79] .(33/133)
ب- أنهم مكروا به بعد غزوة بدر بإرسال رئيسهم وشاعرهم كعب بن الأشرف إلى مكة يحرض قريشاً ويندب قتلاهم، ثم رجع إلى المدينة يشبب بنساء المؤمنين، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فقتله، وكفى الله المؤمنين شره [80] .
ج- أن بني قريظة خانوه ونقضوا ما بينه وبينهم من عهود يوم الخندق كما حكاه الله تعالى في سورة الأحزاب من قوله: {وَرَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا} (الأحزاب: من الآية25) وهم قريش وغطفان {بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} (الأحزاب: من الآية25) ، {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب} (الأحزاب: من الآية26) وهم بنو قريظة {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} (الأحزاب: من الآية26) من حصونهم {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ} (الأحزاب: من الآية26) وهم الرجال {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} (الأحزاب: من الآية26) وهم النساء والأطفال {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} (الأحزاب:27) [81] .
د- إنهم مكروا به وسحروه حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله، كما فعل لبيد بن الأعصم اليهودي ذلك به [82] .
هـ- إنهم مكروا به بوضع السم له حتى يقتلوه فأعلمه الله تعالى ونجاه، كما ثبت في الصحيحين أن يهودية سمته صلى الله عليه وسلم في شاة فأكل منها لقمة ثم لفظها وأكل معه بشر بن البراء رضي الله عنه فمات منها، وعفا عنها ولم يعاقبها كرماً منه وشرفاً [83] .(33/134)
وهذا وأمثاله مما يعلم من أخلاق اليهود وطباعهم الشريرة، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته في الحديث الذي نحن بصدده، ومعنى قوله "بأدنى الحيل "أي بأسهلها فمثلا من طلقِ امرأته ثلاثا صعب عليه بالطريق الشرعي أن ترجع ولا يكون ذلك إلا بعد أن تنكح زوجا غيره نكاح رغبة ثم قد يطلقها الثاني من غير مواطئة أو يموت عنها وهو نادر قليل، وقد لا يطلق ولا يموت وهو الكثير الغالب لكن إذا لجأ إلى الحيلة ترجع بأدنى وأبسط وأسهل الحيل فيعطي أحد التيوس المستعارة مبلغا زهيدا في سبيل رجوعها إليه بعد نكاح الثاني.
وكذلك من أراد أن يقرض ألفا بألف وخمسمائة فمن أدنى الحيل أن يقرضه ألفا إلا درهماً ويبيعه سلعة حقيرة تساوي درهماً بخمسمائة درهم، وهكذا التحايل على الحرام ميسور بأسهل الطرق وأدناها.
4- وقد ناسب الكلام أن نورد الأحاديث الواردة فى نكاح التحليل فهي من أدلة تحريم الحيل من ذلك:
أ- روى الإمام أحمد والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له ".
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب
وعثمان بن عفان وعبْد الله بن عمر وغيرهم، وهو قول الفقهاء من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق [84] .
ب- روى ابن ماجة قال: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري حدثنا أبي قال: سمعت الليث بن سعد يقول قال لي أبو مصعب مشرح بن عاهان قال عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له " [85] .(33/135)
وفي إسناده عثمان بن صالح ومشرح بن عاهان، وقد أنكروا على عثمان تفرده بروايته عن الليث وليس بالمشهور من أصحابه، كما ضعف بعضهم مشرح بن عاهان، وهذا طعن مردود، فإن عثمان بن صالح هذا ثقة روى عنه البخاري في صحيحه، وروى عنه ابن معين وأبو حاتم الرازي وقال: "شيخ صالح سليم الناحية "، قيل له: "كان يلقن "، قال: "لا "، ومن كان بهذه المثابة ما يتفرد به حجة، وإنما الشاذ ما خالف به الثقات لا ما انفرد به عنهم فكيف إذا تابعه مثل أبي صالح وهو كاتب الليث وأكثر الناس حديثا عنه وهو ثقة أيضا وإن كان وقع في حديثه بعض غلط، وأما مشرح بن عاهان فقال فيه ابن معين: "ثقة "، وقال الإمام أحمد: "هو معروف "، فثبت أن هذا الحديث جيد وإسناده حسن [86] .
قال ابن القيم بعد سرد روايات الصحابة الأربعة علي بن أبي طالب وابن مسعود وأبي هريرة وعقبة بن عامر رضي الله عنهم أجمعين، في تحريم هذا النكاح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله، فهؤلاء الأربعة من سادات الصحابة قد شهدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعنة أصحاب التحليل، وهم المحلل والمحلل له، وهذا إما خبر عن الله فهو خبر صدق، وإما
دعاء فهو دعاء مستجاب قطعا، وهذا يفيد أنه من الكبائر الملعون فاعلها، ولا فرق عند أهل المدينة وأهل الحديث وفقهائهم بين اشتراط ذلك بالقول أو بالتواطؤ والقصد، فإن المقصود في العقود عندهم معتبرة والأعمال بالنيات، والشرط المتواطأ عليه الذي دخل عليه المتعاقدان كالملفوظ عندهم، والألفاظ لا تراد لعينها، بل للدلالة على المعاني فإذا ظهرت المعاني والمقاصد فلا عبرة بالألفاظ؛ لأنها وسائل وقد تحققت غاياتها فترتبت عليها أحكامها " [87] .(33/136)
ج- روى وكيع بن الجراح عن أبي غسان المدني عن عمر بن نافع عن أبيه أن رجلا سأل ابن عمر عمن طلق امرأته ثلاثا فتزوجها هذا السائل عن غير مؤامرة منه لتحل لمطلقها، قال ابن عمر: "لا إلا نكاح رغبة، كنا نعده سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم "
قال ابن تيمية: "وهذا الإسناد جيد رجاله مشاهير ثقات، وهو نص في أن التحليل المكتوم كانوا يعدونه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحا " [88] .
قلت: والحديث أخرجه الحاكم من طريق ابن أبي مريم حدثنا أبو غسان بالسند السابق وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [89] .
د- روى أبو سفيان الجوزجاني حدثنا ابن أبي مريم أنبأنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن أبي داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن المحلل فقال: "لا إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة، ولا استهزاء بكتاب الله، ثم يذوق العسيلة ".(33/137)
وإسناده جيد إلا إبراهيم بن إسماعيل فقد اختلف فيه، وثقه بعضهم، وضعفه البعض، قال ابن عدي: هو صالح في باب الرواية ويكتب حديثه على ضعفه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الذي قاله ابن عدي عدل من القول فإن في الرجل ضعفا لا محالة، وضعفه إنما هو من جهة الحفظ وعدم الإتقان لا من جهة التهمة، وله عدة أحاديث بهذا الإسناد، روى عنه الترمذي وابن ماجه، فمثل هذا يكتب حديثه للاعتبار به، وقد جاء حديث مرسل يوافق هذا؛ قال أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حميد بن عبد الرحمن عن موسى بن أبي الفرات عن عمرو بن دينار أنه سئل عن رجل طلق امرأته ثلاثا فجاء رجل من أهل القرية بغير علمه ولا علمها، فأخرج شيئا من ماله فتزوجها ليحللها له، فقال: لا، ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مثل ذلك فقال: "لا حتى ينكحها مرتغبا لنفسه، حتى يتزوجها مرتغبا لنفسه، فإذا فعل ذلك لم تحل له حتى تذوق العسيلة "، وهذا المرسل حجة، لأن الذي أرسله احتج به، ولولا ثبوته عنده لما جاز أن يحتج به من غير أن يسنده … " [90] . هذا وقد ساق شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى جملة من أحاديث التحليل وجمعا طرفا منها ومن الآثار الواردة عن الصحابة في تحريم نكاح التحليل فليتأمل فهو مفيد سديد وقد ضربا فيه بسهم وافر من التشديد والتشنيع وإيضاح صوره [91] .
وجملة القول أن نكاح التحليل محرم باطل بأدلة الشرع المتضافرة والعلة فيه ظاهرة وهو أنه حيلة على ارتكاب محارم الله بشتى صوره وأضربه الثلاث وهي:
1- أن يتزوجها بقصد الإحلال للأول من غير أن يكون هناك مواطأة عرفية أو لفظية.
2- أن يتزوجها بقصد الإحلال للأول مع المواطأة اللفظية في صلب العقد أو قبله.
3- أن يتزوجها بقصد الإحلال للأول من غير أن يحصل بينهما اشتراط على ذلك لفظا لا متقدما ولا مقارنا للعقد بل يدل الحال وتقوم القرائن على ذلك فهذا قائم مقام الاشتراط اللفظي.(33/138)
5- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة " رواه أحمد والبخاري ضمن حديث طويل كتبه أبو بكر رضي الله عنه إلى أنس حين وجهه إلى البحرين [92] .
قلت: هذا الحديث اختلف العلماء في تفسيره على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب مالك إلى أن معناه أن يكون للنفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة ثلاث شياة على كل واحد منهم شاة فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة، أو يكون للخلطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليها ثلاث شياة فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد منهما إلا شاة واحدة، فنهى عن ذلك، وعليه فهو خطاب للمالك [93] .
القول الثاني: وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن معنى قوله: "لا يجمع بين متفرق " أن يكون لرجل عشرون شاة وللآخر مثلها فيجمع الساعي بينها ويقول هي لواحد ويأخذ عليه شاة فنهى عن ذلك، وعلى ذلك فيكون الخطاب للساعي.
ومعنى قوله: "ولا يفرق بين مجتمع "أن يكون لرجل مائة وعشرون شاة فالواجب منها شاة واحدة فلا يجوز للساعي أن يفرقها أربعين أربعين ويقول هي لثلاثة نفر فيأخذ عليها ثلاث شياة، ويحتمل عندهم أن يكون الخطاب للمالك نص على ذلك صاحب المحيط من الحنفية وعزاه لأبى يوسف كما نبه عليه العيني في شرحه للبخاري [94] .
وعليه فتفسر الجملة الأولى من الحديث: أن يكون لرجل أربعون شاة ولأخويه لكل واحد منهما أربعون فيقول أحدهم للساعي: كلها لي حتى لا يأخذ منها كلها إلا شاة واحدة فنهوا عن ذلك.
وتفسير الجملة الثانية: أن يكون لرجل ثمانون شاة فإذا جاء الساعي قال هي بيني وبين إخوتي لكل واحد عشرون فلا يأخذ من واحد منهم زكاة، فنهوا عن ذلك لما فيه من الإضرار بالفقراء بالتنقيص من الأول وبالحرمان في الثاني.(33/139)
القول الثالث: وذهب الشافعي وأحمد إلى أن الخطاب في الحديث لرب المال من جهة وللساعي من جهة، فأمر كل واحد منهما ألا يحدث شيئا من الجمع والتفرق خشية الصدقة، ومعنى قوله "خشية الصدقة " أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل، والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر، ولما كان الخطاب محتملا للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الحمل على الآخر فحمل عليهما [95] .
قلت: وهذا الحديث صريح في تحريم الحيلة لإسقاط الزكاة أو تخفيفها بالجمع أو التفريق وذلك بإجماع الأئمة على اختلاف تفسيراتهم للحديث.
6- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "البيع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله " رواه أحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجة وحسنه الترمذي [96] .
قلت: هذا الحديث يدل على أن البائع والمشتري إذا انعقد بينهما البيع بالإيجاب والقبول ثم بدا لأحدهما أن يفسخ البيع فله ذلك ما داما في مجلس العقد مجتمعين لم يتفرقا عنه، فإن تفرقا أو أحدهما نفذ البيع ولزم.
هذا الذي ذكرناه هو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال المالكية والحنفية: يلزم العقد بالإيجاب والقبول ولا خيار للمتبايعين [97] .(33/140)
والأحاديث الصحيحة ترد عليهم، وليس لهم عنها جواب سديد، فإنهم ما بين مؤول لها على خلاف ظاهرها أو معارض لها بنص عام أو مطلق، وليس المقام هنا مقام بسط هذه المسألة، ولكن تقرير أن هذا حق أعطاه الشارع للمتبايعين مادام في مجلس العقد، ولا يجوز إسقاط هذا الحق، والحكمة فيه ظاهرة وهو أنه قد يتعجل أحدهما في البيع والشراء فيقدم عليه بلا ترو ولا تبصر فأعطاه الشارع هذا الحق ليتدارك ما عسى أن يكون قد غاب عنه، فإذا عمد أحدهما إلى مفارقة صاحبه قاصداً إسقاط حقه في خيار الفسخ فقد ضاد الشارع في تشريعه، وسعى في مضارة أخيه المسلم، لذلك حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا الصنيع بقوله: "ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله "، وهذه المفارقة تعتبر في الحقيقة حيلة على إسقاط خيار المجلس، ووجه كونها حيلة أن ظاهرها المفارقة لقضاء مصالحه وباطنها الإضرار بأخيه المسلم فلم ينظر الشارع إلى ظاهر هذه الوسيلة ولكنه نظر إلى حقيقتها فحرمها.
7- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر " [98] .
اعلم أولا أن الفقهاء مختلفون في العمل بحديث التصرية، فقد أخذ الجمهور بحديث التصرية وعملوا به، وخالفهم الحنفية فلم يعملوا بهذا الحديث [99] .
ثم اختلف الذين أخذوا بالحديث هل يتعين التمر أم لا؟
فقال كثير منهم: يتعين، وقال بعضهم: لا يتعين بل يخرج من غالب قوت أهل البلد ولا يختص ذلك بالتمر، وهذا كما قال ابن القيم رحمه الله أقرب إلى قواعد الشريعة وإلا فكيف يكلف من قوتهم السمك أو الذرة أو الأرز أن يدفعوا تمرا ولا يجدونه، وأما حكمة التقييد بصاع من تمر فلأنه كان غالب قوت أهل المدينة والعرب عموما [100] .
وكان رد الحنفية لحديث المصراة لسببين:(33/141)
أحدهما: أنه من رواية أبي هريرة وهو غير فقيه فيما يزعمون، وأجاب الجمهور عن هذا بأن الحديث قد جاء من رواية ابن عمر من طريقين رواه أبو داود بطريق والطبراني بآخر، ومن رواية أنس أخرجه أبو يعلى.
ومن رواية عمرو بن عوف أخرجه البيهقي في الخلافيات، وقد ثبت عن ابن مسعود موقوفا عليه كما في صحيح البخاري، والموقوف في مثل ذلك له حكم الرفع لتصريحهم بأنه مخالف للقياس، والموقوف المخالف للقياس مرفوع حكما.
وابن مسعود من أجلاء الفقهاء بالاتفاق، وقولهم أبو هريرة غير فقيه قول ساقط فقد ذكروه في فقهاء الصحابة وذكروا أنه كان يفتي في عهدهم ومن تتبع كتب الحديث يجده حقا بلا ريب، على أن المدار في قبول الحديث إنما هو على حفظ الراوي وأمانته، وأبو هريرة أحفظ الصحابة للحديث على الإطلاق، وقد دعا له صلى الله عليه وسلم بالحفظ فكان أجود الرواة حفظا، وأوثقهم نقلا، فالطعن في روايته من ضعف العلم والإيمان.
ثانيهما: أنه يخالف أصول الشريعة كما يخالف القياس الجلي من وجوه:
1- منها أنه تضمن رد البيع بلا عيب ولا خلف في صفة.
2- ومنها أنه معارض بحديث "الخراج بالضمان "فاللبن الذي يحدث عند المشتري غير مضمون عليه وقد ضمنه إياه.
3- ومنها أن اللبن من ذوات الأمثال وقد ضمنه إياه بغير مثله.
4- ومنها أنه إذا تعذر التضمين بالمثل كان الضمان بالقيمة والتمر ليس بمثل ولا قيمة.
5- ومنها أن المال المضمون إنما يضمن بقدره في القلة والكثرة وقد قدر الضمان هاهنا بصاع القليل والكثير.(33/142)
ورد ذلك كله بأن الحديث موافق لأصل الشريعة وقواعدها، ولو خالفها لكان أصلا بنفسه، وكما أن غيره أصل بنفسه، وأصول الشرع لا يضرب بعضها ببعض كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يضرب كتاب الله بعضه ببعض، بل يجب اتباعها كلها، ويقر كل أصل منها على مكانه وموضعه، فإنها كلها من عند الله الذي أتقن شرعه وخلقه، وما عدا هذا فهو الخطأ الصريح هذا جواب إجمالي عن اعتراضاتهم.
وأما الجواب عن تفاصيلها فقولهم (أولا) أنه تضمن الرد من غير عيب ولا فوات صفة مردود بأنه ليس في أصول الشريعة المتلقاة عن صاحب الشرع ما يدل على انحصار الرد في هذين الأمرين بل أصول الشريعة توجب الرد بغير هذين وهو الرد بالتدليس والغش فإنه هو، ولا الخلف في الصفة من باب واحد فإن البائع يظهر صفة المبيع تارة بقوله وتارة بفعله فإذا ظهر للمشتري أنه على صفة ثم بان بخلافها كان قد غشه ودلس عليه فكان له الخيار بين الإمساك والفسخ، ولو لم تأت الشريعة بذلك لكان هو محض القياس ومقتضى العدل، فإن المشتري إنما يبذل له فيها ما بذل، فإلزامه المبيع مع التدليس والغش من أعظم الظلم الذي تتنزه عنه الشريعة، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الخيار للركبان إذا تلقوا واشترى منهم قبل أن يهبطوا السوق ويعلموا السعر، وليس ههنا عيب ولا خلف في صفة ولكن فيه نوع تدليس وغش.(33/143)
وقولهم (ثانيا) إنه معارض بحديث "الخراج بالضمان " فهذا الحديث وإن أخرجه أصحاب السنن عن عائشة مرفوعا فحديث المصراة أصح منه باتفاق أئمة الحديث قاطبة، فكيف يعارض به، مع أنه لا تعارض بينهما بحمد الله، فإن الخراج اسم للغلة مثل كسب العبد وأجرة الدابة ونحو ذلك، وأما الولد واللبن فلا يسمى خراجا، وغاية ما في الباب قياسه عليه بجامع كونهما من الفوائد، وهو من أفسد القياس فإن الكسب الحادث وهو الغلة لم يكن موجودا حال البيع، وإنما حدث بعد القبض، وأما اللبن ههنا فإنه كان موجودا حال العقد فهو جزء من المعقود عليه، والشارع لم يجعل الصاع عوضا عن اللبن الحادث بعد البيع وإنما هو عوض عن اللبن الموجود وقت العقد في الضرع، فضمانه هو محض العدل والقياس.
وقولهم (ثالثا) أنه مضمون بغير جنسه وبمقدار واحد في القليل والكثير جوابه أن تضمينه بغير جنسه في غاية العدل لأنه لا يمكن تضمينه بمثله البتة فإن اللبن في الضرع محفوظ غير معرض للفساد، فإذا حلب صار عرضة لحمضه وفساده، فلو ضمن اللبن الذي كان في الضرع بلبن محلوب في الإناء كان ظلما تتنزه الشريعة عنه، وأيضا فإن اللبن الحادث بعد العقد اختلط باللبن الموجود وقت العقد فلم يعرف مقداره حتى يوجب نظيره على المشتري، فقد يكون أقل منه أو أكثر فيفضي إلى الربا وأقل الأقسام أن نجهل المساواة.(33/144)
وأيضا فلو وكلناه إلى تقديرهما أو تقدير أحدهما لكثر النزاع والخصام بينهما فحسم الشارع الحكيم صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله النزاع وقدره بحد لا يتعديانه قطعا للخصومة، وفصلا، للمنازعة، وكان تقديره بالتمر أقرب إلى الأشياء إلى اللبن فإنه قوت أهل المدينة كما أن اللبن كان قوتاً لهم، وهو مكيل كما أن اللبن مكيل وأيضا فكلاهما يقتات به بلا صنعة ولا علاج بخلاف الحنطة والشعير والأرز، فالتمر أقرب الأجناس التي كانوا يقتاتون لها إلى اللبن، فإن قيل فأنتم توجبون صاع التمر في كل مكان سواء كان قوتا لهم أو لم يكن، فالجواب أن هذا من مسائل النزاع وموارد الاجتهاد فمن الناس من يوجب ذلك ومنهم من يوجب في كل بلد صاع عن قوتهم وهذا القول الثاني أقرب إلى قواعد الشريعة كما قدمنا ذلك.
قرر ذلك كله ابن القيم وكذلك الخطابي في معالم السنن وابن دقيق العيد في شرح العمدة والحافظ في الفتح وابن العربي في شرح الترمذي وغيرهم، وقد ذكروه بأبسط من هذا.
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر أن الكل مجمعون على أن التصرية حرام، وغش وخداع، غاية الأمر أن الإمام أبا حنيفة وصاحبيه محمدا وأبا يوسف في المشهور عنه يقولون ليس للمشتري رد المصراة بخيار العيب لأنه وجد ما يمنع الرد وهو الزيادة المنفصلة وأما الرجوع بالنقصان ففيه روايتان عن أبي حنيفة، في رواية شرح الطحاوي يرجع على البائع بالنقصان في الثمن لتعذر الرد، وفي رواية الأسرار لا يرجع بالنقصان لأن اجتماع اللبن وجمعه لا يكون عيبا أفاده العيني في شرح البخاري [101] ، وأجابوا عن الحديث بما سمعت، وقد علمت أنها حجج غير ناهضة فلا نترك السنة الثابتة بمثلها.(33/145)
ووجه الدلالة من حديث التصرية على تحريم الحيل أن التصرية حبس اللبن في ضرع الناقة أو البقرة أو الشاة عدة أيام حتى يمتلأ باللبن، فإذا عُرضَتْ بهذا الشكل زادت رغبة الناس فيها لظنهم أن كثرة لبنها وكبر ضرعها أمر جبلي، ولا ريب أن هذه حيلة ظاهرها أن كثرة اللبن من أصل الخلقة وباطنها الكذب والخداع والتغرير بالمشتري ليغالي في ثمنها، وقد جاءت الشريعة باعتبار المقاصد في العقوبات فأهملت الصورة ونظر إلى المعنى، فإن حبس اللبن مدة معلومة أمر مباح ما لم يتضرر الحيوان لكن لما اتخذ وسيلة إلى أكل أموال الناس بالباطل صار حراما بهذا القصد.
ولا فرق في الشرع بين من عرَّض وخادع بالقول أو بالفعل، والتصرية نوع من التعريض بالفعل تضمن الغش والخداع.
وأما التعريض بالقول فمثاله ماحكاه ابن تيمية في إقامة الدليل قال: "وقد حكى عن بعض المحتالين أنه كان إذا استوصف السلعة عرَّض في كلامه، مثل أن يقال له: كيف الجمل؟ يقول: احمل ما شئت وينوي على الحيل، ويقال له: كم نحلب؟ فيقول: في أي إناء شئت، فيقول: كيف سيره؟ فيقول: الريح لا تلحق فإذا قبض المشتري ذلك فلا يجد شيئا من تلك الأوصاف، فيقول: ما كذبتك " [102] .
8- حيلة العينة وإليك طرفاً من الأحاديث الواردة فيها:
أولا: عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ضَنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم " [103] .
قلت: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند قال: أنبأنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن عطاء بن رباح عن ابن عمر.
قال ابن حجر في بلوغ المرام: "ورجاله ثقات وصححه ابن القطان، اه " [104] .(33/146)
ورواه أبو داود من طريق حيوة بن شريح عن إسحاق أبي عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "قال المنذري في مختصر السنن: "في إسناده إسحاق بن أسيد أبو عبد الرحمن الخراساني نزيل مصر لا يحتج بحديثه، وفيه أيضا عطاء الخراساني وفيه مقال، اه ".
وقال ابن تيمية بعد أن ذكر هذا الحديث بروايتيه عند أحمد وأبي داود على الترتيب ما لفظه: "وهذان إسنادان حسنان أحدهما يشد الآخر ويقويه، فأما رجال الأول فأئمة مشاهير لكن يخاف أن لا يكون الأعمش سمعه من عطاء، وأن عطاء لم يسمعه من ابن عمر.
والإسناد الثاني: يبين أن للحديث أصلا محفوظا عن ابن عمر، فإن عطاء الخراساني ثقة مشهور، وحيوة بن شريح كذلك وأفضل، وأما إسحاق أبو عبد الرحمن فشيخ روى عنه أئمة المصريين مثل حيوة بن شريح والليث بن سعد ويحيى بن أيوب وغيرهم. قال: وقد روينا من طريق ثالث من حديث السري بن سهل الجندسابوري بإسناد مشهور إليه حدثنا عبد الله بن رشيد حدثنا عبد الرحمن بن محمد عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال: لقد أتى علينا زمان وما منا رجل يرى أنه أحق بديناره وبدرهمه من أخيه المسلم، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتركوا الجهاد، واتبعوا أذناب البقر، أدخل الله عليهم ذلا لا ينزعه حتى يتوبوا ويراجعوا دينهم " وهذا يبين أن للحديث أصلا عن عطاء، اه [105] .
والحديث يدل على تحريم بيع العينة، وأنه من الكبائر، كما يدل على أن ما ذكر قبلها وبعدها كذلك لأنه قد جعل ذلك خروجا عن الدين، ورتب عليه الذل والصغار حتى يحدثوا توبة ويراجعوا دينهم.
ويرد على دلالة الحديث على التحريم أمران:(33/147)
أولهما: أنه قرن العينة بالأخذ بأذناب البقر، والاشتغال بالزرع، وذلك غير محرم.
والثاني: أنه توعد على ذلك بالذل وهو لا يدل على التحريم.
ويدفع هذا بأن الأول غير مسلم إذ الحديث محمول على الاشتغال بالزرع على وجه يؤدي إلى التهاون في أمر الجهاد وذلك من أكبر الكبائر.
والثاني غير مسلم أيضا لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فطلب أسباب العزة وتجنب أسباب الذلة من لوازم الإيمان ومقتضياته، والتوعد بالذل ظاهر ظهورا بينا في التحريم، وهو لا يكون إلا لذنب عظيم، لذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاعل لما يوجب المذلة من الأمور المذكورة في الحديث بمنزلة الخارج عن الدين الناكص على عقبه.
ثانيا: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم وامرأة أخرى، فقالت لها أم ولد زيد: "إني بعت من زيد غلاماً بثمانمائة درهم نسيئة، واشتريته بستمائة نقدا "، فقالت: "أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، بئس ما اشتريت، وبئس ما شريت ".(33/148)
قال عبد الهادي: "إسناده جيد "، وعزاه في منتقى الأخبار إلى الدارقطني أيضا ورواه حرب الكرماني من حديث إسرائيل حدثني أبو إسحاق عن جدته العالية (يعني جدة إسرائيل فإنه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، والعالية امرأة أبي إسحاق وجدة إسرائيل بن يونس) قالت: دخلتُ على عائشة في نسوة فقالت: "ما حاجتكن "، فكان أول من سألها أم محبة فقالت: "يا أم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم؟ "، قالت: " نعم "، قالت: "فإني بعته جارية بثمانمائة درهم إلى العطاء، وأنه أراد بيعها فابتعتها بستمائة درهم نقدا، فأقبلت عليها وهي غضبى "فقالت: " بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيد أنه قد أبطل جهاده إلا أن يتوب "، وأفحمت صاحبتنا فلم تتكلم طويلا، ثم أنه سهل عليها، فقالت: "يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي فتلت عليها {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله} (البقرة: من الآية275) .(33/149)
قال الشوكاني في نيل الأوطار: "فيه دليل على أنه لا يجوز لمن باع شيئا بثمنه نسيئة أن يشتريه من المشتري بدون ذلك الثمن نقدا قبل قبض الثمن الأول، أما إذا كان المقصود التحيل لأخذ النقد في الحال ورد أكثر منه بعد أمد فلا شك أن ذلك من الربا المحرم الذي لا ينفع في تحليله الحيل الباطلة قال: والصورة المذكورة هي صورة ببع العينة قال: وليس في حديث الباب - يريد به حديث عائشة رضى الله عنها - ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا البيع، ولكن تصريح عائشة بأن هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنها قد علمت تحريم ذلك بنص عن الشارع، إما على جهة العموم كالأحاديث القاضية بتحريم الربا الشامل لمثل هذه الصورة، أو على جهة الخصوص كحديث العينة، ولا ينبغي أن يظن بها أنها قالت المقالة من دون أن تعلم بدليل يدل على التحريم، لأن مخالفة الصحابي لصحابي آخر لا يكون من الموجبات للإحباط، اه " [106] .
وقال الإمام القرافي رحمه الله في الفرق الرابع والتسعين بعد المائة من كتابه (الفروق) : "وهذا التغليظ العظيم لا تقوله رضى الله عنها إلا عن توقيف، فتكون هذه الذرائع واجبة المنع وهو المطلوب.
فإن قيل زيد بن أرقم من خيار الصحابة والصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول وسادة أتقياء.
فكيف يليق به فعل ما يقال فيه ذلك؟ الجواب: قال صاحب المقدمات أبو الوليد بن رشد: هذه المبايعة كانت بين أم ولد زيد بن أرقم ومولاته قبل العتق، فيتخرج قول عائشة رضي الله عنها على تحريم الربا بين السيد وعبده مع القول بتحريم هذه الذرائع، ولعل زيد بن أرقم لا يعتقد تحريم الربا بين السيد وعبده، قال: ولا يحل لمسلم أن يعتقد في زيد أنه واطأ أم ولده على شراء الذهب بالذهب متفاضلا إلى أجل.(33/150)
فإن قيل: إذا قلنا بالتحريم على رأى عائشة رضي الله عنها فما معنى إحباط الجهاد، وإحباط الأعمال لا يكون إلا بالشرك.
الجواب: أن الإحباط إحباطان: إحباط إسقاط، وهو إحباط الكفر للأعمال الصالحة، فلا يفيد شيء منها معه.
وإحباط موازنة، وهو وزن العمل الصالح بالسيء، فإن رجح الشيء فأمه هاويه أو الصالح فهو في عيشة راضية، كلاهما معتبر غير أنه يعتبر أحدهما بالآخر، ومع الكفر لا عبرة البتة بالأعمال الصالحة فالإحباط في الأثر إحباط موازنة.
بقي سؤال وهو: كيف يحيط هذا الفعل جملة ثواب الجهاد؟ قلت: له معنيان:
أحدهما: أن المراد المبالغة في الانكار لا الحقيقة.
ثانيهما: أن مجموع الثواب المتحصل من الجهاد ليس باقيا بعد هذه السيئة، بل بعضه فيكون الإحباط في المجموع من حيث هو مجموع. وظاهر الإحباط والتوبة أنه معصية إما بترك التعلم لحال هذا العقد قبل القدوم عليه لأنه اجتهد فيه ورأت أن اجتهاده مما يجب نقضه وعدم إقراره فلا يكون حجة له، أو هو ممن يقتدى به فخشيت أن يقتدي به الناس فينفتح باب الربا بسببه، فيكون ذلك في صحيفته فيعظم الإحباط في حقه.
ومن هذا الباب في الإحباط قوله عليه الصلاة والسلام: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " أي بالموازنة، اهـ[107] .
نقض مطاعن ابن حزم في حديث عائشة:
وقد طعن ابن حزم في حديث عائشة هذا حيث قال في المحلى [108] : "فأما خبر امرأة أبي سفيان ففاسد جدا لوجوه:
أولها: أن امرأة أبي سفيان مجهولة الحال.
الثاني: أن امرأة أبي سفيان لم تسمعه من أم المؤمنين عائشة، وإنما روته عن امرأة أبي السفر، وهي التي باعت من زيد وهي أم ولد زيد، وهي في الجهالة أشد وأقوى من امرأة أبي إسحاق، ويدل لذلك ما رواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته قالت: سمعت امرأة أبي السفر تقول: سألت عائشة أم المؤمنين وذكرت القصة.(33/151)
الثالث: أنه لا يمكن أن تقول عائشة: أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب، وزيد لم يفته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غزوتان فقط أحد وبدر، وأنفق من قبل الفتح وقاتل، وشهد بيعة الرضوان تحت الشجرة بالحديبية، ونزل فيه القرآن: {لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة} (الفتح: من الآية18) فو الله ما يبطل هذا كله ذنب من الذنوب غير الردة عن الإسلام فقط وقد أعاذه الله تعالى برضاه عنه.
الرابع: لو صح أن زيدا أتى أعظم الذنوب من الربا الصريح وهو لا يدري أنه حرام لكان مأجورا في ذلك أجرا واحدا غير آثم، فكيف يظن بأم المؤمنين إبطال جهاد زيد بن أرقم في شيء عمله مجتهدا فيه.
قال: فهذه أربعة أوجه في بطلان هذا الخبر، ثم لو صح ما كان لهم حجة لأن قول عائشة ليس أولى من قول زيد، وإن كانت أفضل منه إذا تنازعا، انتهى كلامه باختصار.(33/152)
وقد مربك من الآثار، وأقوال العلماء، ما ينقض هذه الشبهة التي أوردها ابن حزم على حديث عائشة، وجاء في إقامة الدليل لابن تيمية، وفي إعلام الموقعين لابن القيم، ما تنهار به هذه الشبهة أيضا ولا بأس أن نذكر لك خلاصة ما قاله هذان الإمامان الجليلان في هذا الموضوع: (حديث عائشة وأم ولد زيد بن أرقم حديث في إسناده شعبة، وإذا كان شعبة في إسناده حديث فاشدد يديك به، فمن جعل شعبة بينه وبين الله فقد استوثق لدينه، -وأيضا فهذه امرأة أبي إسحاق وهو أحد أئمة الإسلام الكبار وهو أعلم بامرأته وبعدالتها، فلم يكن ليروي عنها سنة يحرم بها على الأمة وهي عنده غير ثقة ولا يتكلم فيها بكلمة، بل يحابيها في دين الله، هذا لا يظن بمن هو دون أبي سفيان- وأيضا فإن هذه امرأة من التابعين قد دخلت على عائشة وسمعت منها وروت عنها، ولا يعرف أحد قدح فيها بكلمة، وأيضا فإن كلاً من الكذب والفسق لم يكن ظاهرا في التابعين بحيث ترد به روايتهم، وأيضا فإن هذه المرأة معروفة واسمها العالية وهي جدة إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وامرأة أبي إسحاق، وقد حملا عنها هذه السنة، وإسرائيل أعلم بجدته، وأبو إسحاق أعلم بامرأته، وأيضا فلم يعرف أحد قط من التابعين أنكر على العالية هذا الحديث ولا قدح فيها من أجله، ويستحيل في العادة أن تروي حديثا باطلا ويشتهر في الأمة ولا ينكره عليها منكر.
وأيضا فإن في الحديث قصة.(33/153)
والحديث عند الحفاظ إذا كان فيه قصة دلهم على أنه محفوظ، وأيضا فهذا الحديث إذا انضم إلى تلك الأحاديث والآثار التي تفيد تحريم هذا البيع أفادت بمجموعها الظن الغالب إن لم تفد اليقين، وأيضا فلو لم يأت في هذه المسألة أثر لكان محض القياس ومصالح العباد وحكمة الشريعة تفيد تحريم هذا البيع، فإنه ربا مستحل بأدنى الحيل، فكيف يليق بالشريعة الكاملة التي لعنت آكل الربا وموكله، وبالغت في تحريمه، وآذنت صاحبه بحرب من الله ورسوله، أن تبيحه بأدنى الحيل مع استواء المفسدة، ولولا أن عند أم المؤمنين رضي الله عنها علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستريب فيه ولا تشك بتحريم مسألة العينة لما أقدمت على الحكم بإبطال جهاد رجل من الصحابة باجتهادها لكن عذر زيد أنه لم يعلم أن هذا محرم، ولهذا أمرت بإبلاغه، فمن بلغه التحريم وتبين له ذلك ثم أصر عليه لزمه هذا الحكم.
ومعلوم أن هذا لو كان مما يسوغ فيه الاجتهاد لم يكن إثما، فضلا عن أن يكون من الكبائر، فلما قطعت بأنه من الكبائر وأمرت بإبلاغه ذلك علم أنها علمت أن هذا لا يسوغ فيه الاجتهاد وما ذاك إلا عن علم وإلا فالاجتهاد لا يبطل الاجتهاد، ولا يحكم ببطلان عمل المسلم المجتهد بمخالفته لاجتهاد نظيره، والصحابة - ولاسيما أم المؤمنين - أعلم بالله ورسوله وأفقه في دينه من ذلك، وأيضا فإن الصحابة كعائشة وابن عباس وأنس أفتوا بتحريم ذلك البيع وغلظوا فيه في أوقات مختلفة، ولم يبلغنا أن أحداً من الصحابة، بل ولا من التابعين رخص في ذلك، بل عامة التابعين من أهل المدينة والكوفة وغيرهم على تحريم ذلك، فيكون حجة، بل إجماعا.(33/154)
فإن قيل: فزيد بن أرقم قد خالف عائشة ومن ذكرتم، فغاية الأمر أنها مسألة ذات قولين للصحابة، وهي مما يسوغ فيها الاجتهاد، فالجواب: أن زيدا لم يقل قط أن هذا حلال ولا أفتى بها يوما، ومذهب الرجل لا يؤخذ من فعله، إذ لعله فعله ناسيا أو ذاهلا أو متأولا أو ذنبا يستغفر الله منه ويتوب أو يصر عليه وله حسنات تقاومه.
وإذا كان الفعل محتملا لهذه الوجوه وغيرها لم يجز أن ينسب لأجله اعتقاد حل هذا إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه، لاسيما وأم ولده إنما دخلت على عائشة تستفتيها، وقد رجعت عن هذا العقد إلى رأس مالها كما تقدم، فعلما أنهما لم يكونا على بصيرة منه، وقول السائلة لعائشة: أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي ثم تلاوة عائشة عليها {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (البقرة: من الآية275) دليل بين على أن التغليظ إنما جاء لأجل جهالة الأجل كما قيل، فإن هذه الآية إنما هي في التأنيب على الربا، وفي هذا دليل على بطلان العقد الأول إذا قصد به التوسل إلى الثاني وهذا هو الصحيح من مذهبنا وغيره، وأيضا فبيع العينة إنما يقع غالبا من مضطر إليها وإلا فالمستغني عنها لا يشغل ذمته بألف وخمسمائة في مقابل ألف بلا ضرورة وحاجة تدعو إلى ذلك، وقد روى أبو داود عن صالح بن رستم عن شيخ من بني تميم قال: خطبنا علي أو قال قال علي رضي الله عنه "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر، وعن بيع الثمرة قبل أن تدرك "، ورواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور مبسوطا قال: "قال علي سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤثر بذلك، قال الله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (البقرة: من الآية237) وينهد الأشرار ويستذل الأخيار، ويبايع المضطرين، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الضطر، وعن بيع الغرر، وبيع الثمرة قبل أن تطعم ".(33/155)
وهذا وإن كان في راويه جهالة فله شاهد من وجه آخر رواه سعيد قال: حدثنا هشيم عن كوثر بن حكيم عن مكحول قال بلغي عن حذيفة رضي الله عنه أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن بعد زمانكم هذا زمانا عضوضا يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤثر بذلك، قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سبأ: من الآية39) وينهد شرار خلق الله يبايعون كل مضطر، ألا إن بيع المضطر حرام، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره، إن كان عندك خير فعد به على أخيك ولا تزده هلاكا إلى هلاكه"، وهذا الإسناد وإن لم تثبت به حجة فهو يعضد الأول، مع أنه خبر صدق، بل هو من دلائل النبوة، فإن عامة العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نفقة يضن بها عليه الموسر بالقرض، حتى يرجع عليه في المائة ما أحب، وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهي العينة، وإن باعها لغيره فهي التورق، وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو محلل الربا والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون وقد اختلف السلف في كراهة التورق، وكان عمر بن عبد العزيز يكرهه، ويقول: "التورق أخية الربا "، وعن الإمام أحمد فيه روايتان منصوصتان، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر، وأما القسمان الآخران فلا يشك في تحريمهما إن كانا عن احتيال وتواطؤ لفظي أو عرفي؛ والله أعلم" [109] . اهـ.
ثالثا: ومن الأحاديث الدالة على تحريم العينة ما رواه الإمام أبو عبد الله بن بطة بإسناده إلى الأوزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع " يعني العينة.(33/156)
وقد انضم إلى هذا الحديث المرسل آثار عن الصحابة تقويه، منها: عن أنس بن مالك أنه سئل عن العينة فقال: "إن الله لا يخدع هذا مما حرم الله ورسوله"، وعن ابن سيرين قال: قال ابن عباس: "اتقوا هذه العينة، لا تبع دراهم بدراهم وبينهما حريرة"رواهما محمد بن عبد الله الكوفي المعروف بمطين في كتاب البيوع وفي رواية عن ابن عباس. فقال: "دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة" ذكره القاضي أبو يعلى الحنبلي وغيره وفي لفظ عن ابن عباس أنه سئل عن العينة يعني بيع الحريرة فقال، إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله ورسوله، والصحابي إذا قال حرم الله ورسوله أو أوجب الله ورسوله ونحو هذا فإن حكمه حكم ما لو روى لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على التحريم والإيجاب، ليس في ذلك إلا خلاف شاذ، لأن رواية الحديث بالمعنى جائزة وهو أعلم بمعنى ما سمع، فلا يقدم على القول بمثل ذلك إلا بعد التثبت، واحتمال الوهم احتمال مرجوح كاحتمال غلط السمع أو نسيان القلب.(33/157)
وهذه الآثار إذا انضمت إلى مرسل الأوزاعي تجعله صالحا للاحتجاج به وإن لم يكن عليه وحده الاعتماد، ومن المعلوم أن العينة عند مستحلها إنما يسميها بيعا، وفي هذا الحديث والآثار الشاهدة له بيان أنها ربا لا بيع، فإن الأمة لم يستحل أحد منها الربا الصريح، وإنما استحل باسم البيع وصورته، ومن الواضح أن الربا لم يحرم لمجرد صورته ولفظه، وإنما حرم لحقيقته ومعناه ومقصوده، وهى قائمة في الحيل الربوية كقيامها في صريحه سواء، والمتعاقدان يعلمان ذلك من أنفسهما، ويعلمه من شاهد حالهما، والله يعلم أن قصدهما نفس الربا، لكنما توصلا إليه بعقد غير مقصود وسمياه باسم مستعار، فإن الله سبحانه حرم الربا لما فيه من ضرر المحتاج، وتعريضه للفقر الدائم، والدين اللازم، وتولد ذلك وزيادته إلى غاية تجتاحه متاعه، وتسلبه أثاثه، كما هو الواقع في الشاهد، فمن تمام حكمة الشريعة الكاملة المتضمنة لمصالح العباد تحريمه وتحريم الذرائع الموصلة إليه كما حرم التفرق في الصرف قبل القبض، وأن يبيعه درهما بدرهم إلى أجل وإن لم يكن هناك زيادة، فكيف يظن بالشارع مع كمال علمه وحكمته أن يبيح الحيل والمكر على حصول هذه المفسدة ووقوعها متضاعفة بصورة عقد يتوصلان به إليها.
وأنت إذا تأملت الحيل المتضمنة لتحليل ما حرم الله سبحانه وتعالى، وإسقاط ما أوجبه، وجدت الأمر فيها كذلك، ووجدت المفسدة الناشئة منها أعظم من المحرمات الباقية
على صورها وأسمائها، والوجدان شاهد بذلك، فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها، مع تضمنه لمخادعة الله ورسوله، ونسبة المكر والخداع والغش والنفاق، إلى شرعه ودينه، وأنه يحرم الشيء لمفسدة ثم يبيحه لأعظم منها، ولهذا قال أيوب السختياني " يخادعون الله كما يخدعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون " [110] .(33/158)
9- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمراً أن فلانا باع خمراً، فقال: قاتل الله فلانا، ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها " [111] .
وجه الدلالة من الحديث على تحريم الحيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن اليهود كما في الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما [112] ، وذلك لاستحلالهم ما حرم الله عليهم بحيلة ظاهرها أنهم انتفعوا بالشحم فجملوه وقصدوا بذلك أن يزول عنه اسم الشحم ثم انتفعوا بثمنه بعد ذلك لا بما أذيب من الشحم وصار ودكا لئلا يحصل الانتفاع بما كان أصله حراما مبالغة منهم في البعد عن الحرام بطريق الحيلة، ومع خروجهم بهذه الحيلة من ظاهر التحريم من هذين الوجهين فقد لعنهم الله عز وجل ولعنهم رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا الاستحلال نظرا إلى المقصود الذي أرادوه، فإن ما حكمه التحريم لا يختلف المائع منه عن الجامد، والبدل يأخذ حكم المبدل.
قال الخطابي في معالم السنن: "في هذا الحديث بيان بطلان كل حيلة يحتال بها للتوصل إلى المحرم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه " [113] .
وقال ابن حجر في الفتح: " وفيه إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم " [114] .
ويكفي هذا القدر من الأحاديث الدالة على تحريم الحيل، فقصدنا ضرب الأمثلة والشواهد، وليس قصدنا في بحثنا هذا الاستقصاء فهذا بحر واسع يصعب غوره، ويطول وأما الإجماع فقد أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على تحريم الحيل، وتقرير هذا الإجماع من عدة وجهه:(33/159)
أحدها: أن المقتضي لهذه الحيل كان موجودا في عهدهم ولم يعملوا بها ولم يدلوا أحدا عليها فعلم أنها لم تكن عندهم من الدين في شيء، إذ لو كانت مشروعة ما استغنى عنها القوم لأنهم أهل حرث وتجارة فلو كانت البيوع الربوية وما شاكلها مشروعة لعملوا بها وأفتوا الناس بجوازها، وكذلك الطلاق الثلاث كان واقعا في عهدهم وكان المطلقون والمطلقات يندمون ويتمنون الرجوع إلى بعضهم كما في قصة امرأة رفاعة القرظي فلو كان الحل يثبت بنكاح التحليل لأوشك أن يدلوا عليه فكيف وقد شددوا فيه حتى سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحلل التيس المستعار.
وهكذا سائر الحيل كانت أسبابها قائمة، ودواعيها متوافرة ولم يفعلوها فدل ذلك على أنها لم تكن من الدين بإجماع منهم.
الوجه الثاني: أن الكتب المصنفة في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتاوى الصحابة والتابعين وقضاياهم ليس فيها عن أحد منهم أنه عمل بشيء من هذه الحيل أو أفتى بها، ولو عملوا أو أفتوا به لنقل إلينا كما نقل لنا غيره.
والذين صنفوا في الحيل من المتأخرين حرصوا كثيرا على خبر أو أثر يستندون إليه في ذلك فلم يجدوا شيئا من ذلك إلا ما حكى من المعاريض القولية والفعلية التي لا تدل إلى ما ذهبوا إليه من الحيل المناقضة لمقاصد الشارع، فإن تلك المعاريض إما كتم عن المخاطب ما أراد معرفته أو إفهام له بخلاف ما في نفسه، مع أنه صادق فيما عناه، والمخاطب ضل في تعرف الطريق إلى مقصوده، فكيف وما عناه الصادق في قوله يخدم مصلحة شرعية.
الوجه الثالث: ومع أنهم لم يفتوا بشيء من هذه الحيل، ولم يعملوا بها مع قيام المقتضي لها والرغبة إليها لو كانت جائزة، فقد أفتوا بتحريمها وإنكارِها في قضايا متعددة، وقصص مشهورة، وأمصار متباينة فدل ذلك أن إنكارها كان مشهورا بينهم.(33/160)
فقد خطب عمر بالناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما " [115] وأقره الصحابة على ذلك، بل أفتى بذلك أيضا عثمان وعلي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن المرأة لا تحل بنكاح التحليل.
وأفتى ابن عباس وأنس وعائشة بتحريم مسألة العينة وإفساد العقد بها وأنها خداع لله والرسول؛ لأن ظاهرها البيع وباطنها الربا.
فكان هذا قولهم في التحليل، والإهداء للمقترض، والعينة وغير ذلك مما تقدم طرف منه ومن أراد المزيد فعليه مراجعة إقامة الدليل لابن تيمية، وإعلام الموقعين، وإغاثة اللهفان لابن القيم وغيرها.
الفصل السابع
أمثلة للحيل الجائزة:
علمت مما تقدم ضوابط الحيل المحظورة وهي ما ناقض مصلحة شرعية أو هدم أصلاً شرعياً، فإذا كانت الحيلة لا تهدم أصلاً ولا تناقض مصلحة من الشرع فهي غير داخلة في النهي، وربما حصل خلاف بين بعض الفقهاء في بعض مسائل من الحيل مما لم يتضح فيه دليل أنه من النوع المحظور أو النوع المباح فاختلفت آراؤهم وتباينت أنظارهم لذلك.
فالضابط العام في الحيل الجائز ما كان المقصود بها إحياء حق أو دفع ظلم أو فعل واجب أوترك محرم، أو إحقاق حق، أو إبطال باطل، ونحو ذلك مما يحقق مقاصد الشارع. وإليك مسائل مختارة من الحيل الجائزة ومن أدلتها وشواهدها من الكتاب والسنة:
أولا: الكتاب:
1- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [116] .(33/161)
قلت: في الآية الكريمة دليل على تحريم الفرار من الزحف على غير المتحرف أو المتحيز، وأنه من كبائر الذنوب كما جاء في الحديث، قال العلماء: هذا إذا لم يكن العدو أكثر من الضعف، لقوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ} [117] ، أما إذا كانوا أكثر فالثبات مستحب والفرار جائز فليست الآية باقية على عمومها، قال الشافعي رحمه الله: "إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا ولا يستوجبون السخط عندي من الله لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة " [118] .
ووجه دلالة الآية على الحيلة أن كلا من التحرف والتحيز حيلة ظاهرها الهزيمة والفرار وباطنها والمقصود منها التمكن من الكفار على أبلغ وجه، وذلك إما بالكر بعد الفر، وإما بتقوية الانحياز إلى الفئة الأخرى حتى يكون النصر أرجى.
وهذه حيلة جائزة مشروعة، بل واجبة إذا رؤي منها أنها تدفع الهزيمة وتحقق النصر على الأعداء ولما يترتب عليها من إعلاء كلمة الله، وتقوية المسلمين، وإذلال المشركين.
وهذه الحيلة من باب المعاريض في الفعل، كما أن قوله صلى الله عليه وسلم لطلائع المشركين وقد سألوا عن المسلمين: ممن أنتم، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: "نحن من ماء "فتدافع القوم وقالوا: أحياء اليمن كثير، من باب المعاريض في القول، وكلاهما جائز، بل واجبان إذا ترتب عليهما دفع ظلم عن الإسلام والمسلمين، وحد الحيلة منطبق عليها تمام الانطباق، فإنها إظهار فعل لغير مقصود أو إظهار قوله لغير مقصوده، بحيث يتوهم الناظر أو السامع غير ما يقصده الفاعل أو القائل.
ثم إن ضروب الحيل والخداع في الحرب معروفة قديما ولا تكاد تنحصر، والآية وإن اقتصرت على التحرف والتحيز لفظا(33/162)
لكنها تتسع لغيرهما معنى بطريق القياس والدلالة، ويؤيد ذلك ما ورد في السنة عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحرب خدعة " [119] .
2- وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى الله أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ الله عَفُوّاً غَفُوراً} [120] .(33/163)
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى دين الله سرا وعلانية، بالحكمة والموعظة الحسنة، فما كان من كفار قريش- وقد توارثوا ما كان عليه آباؤهم من الأباطيل جيلا بعد جيل- إلا أن يتفننوا في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيذاء من آمنوا به، بكل وسيلة حتى أنهم ما كانوا يسمحون لهم بإقامة شعائر الله علانية، وأخيرا دبروا مكيدة لقتله صلى الله عليه وسلم، فأطلعه الله عليها، وأمره أن يهاجر إلى المدينة هو ومن آمن معه، حتى يستطيعوا إقامة شعائر الله، ودعوة الناس إلى دينه، من غير أن ينالهم من الظلم والاضطهاد ما كان يفعله معهم كفار قريش بمكة ففعل صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به، ومن هذا العهد كانت الهجرة من مكة إلى المدينة فريضة على كل مسلم ليكون آمنا على نفسه، حرا في إقامة شعائر دينه، وليكون ظهيرا للنبي صلى الله عليه وسلم على الكفار، وليتلقى أحكام الدين عند نزولها، فكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتسلل خفية إلى المدينة لئلا يناله اضطهاد، ومنهم من يكتم إيمانه، ويخفي إسلامه، ليتمكن من الهجرة بدون أن يمسوا بعذاب، ومنهم قوي شجاع يظهر إيمانه وهجرته ولا يبالي بما يناله من الأذى وأليم العقاب، وهؤلاء جميعا لهم من الله فضل كبير وثواب عظيم.(33/164)
وبقي بمكة لم يهاجر فريقان، فريق كان أهله وماله ووطنه وقرابته أحب إليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فأخلد إلى المقام بمكة بين المشركين، وقعد عن الهجرة لنصرة المسلمين، وعاش بين المشركين يكثر سوادهم، ولا يستطيع أن يقوم بما يطلبه الدين منه على وجهه، وفريق كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ولكنه ضعيف مستضعف، لا يقدرون على الأذى الذي ينالهم من المشركين، ولا يستطيعون إلى الهجرة حيلة، ولا يهتدون سبيلا، فأنزل الله في هذين الفريقين {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} (النساء: من الآية97) .
يتوعد الفريق الأول بجهنم وبئس المصير، ويعذر الفريق الثاني، وأنه لا لوم عليه ولا تقصير.
والمعنى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} أي تقبض أرواحهم عند حضور آجالهم {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} بالمقام مع الكفار، والإخلال بشعائر الدين، وترك الهجرة إلى المسلمين، وتكثير سواد المشركين عليهم يوم بدر، على ما روى البخاري عن ابن عباس: أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل، فأنزل الله تعالى الآية..(33/165)
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أنه كان قوم بمكة قد أسلموا، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} قالت لهم الملائكة عند قبض أرواحهم موبخين لهم على ما كان منهم: فيم كنتم، أي في أي شيء كنتم من أمر دينكم، يعنون بذلك أنهم لم يكونوا على شيء منه، وإلا لهاجروا لنصرته، وإقامة شعائره، وتلقي أحكامه، ولم يقيموا بين المشركين يكثرون سوادهم على المؤمنين، ويظاهرونهم عليهم {قَالُوا} أي الظالمون أنفسهم للملائكة معتذرين عما كان منهم {كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} أي لم نكن على شيء من ديننا لاستضعاف الكفار لنا بمالهم من الحمل والطول، فكانوا يرغموننا على ما فعلنا.(33/166)
فرد الملائكة هذا العذر عليهم و {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} (النساء: من الآية97) أي كان لكم مندوحة عما فعلتموه مكرهين، بمفارقة أرضهم إلى أرض أخرى، تستطيعون فيها إقامة دينكم، ونصرة إخوانكم، كما فعل غيركم، ولكنكم اثاقلتم إلى الأرض، ورضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (النساء: من الآية97"ثم استثنى الله سبحانه من هذا الوعيد أصحاب الأعذار الحقيقية فقال: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} (النساء: من الآية98) المراهقين أو الصغار وتكليفهم عبارة عن تكليف أوليائهم بإخراجهم من أرض الكفر إلى أرض الإسلام {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (النساء: من الآية98) ضاقت بهم الحيل كلها، فلم يستطيعوا سلوك واحدة منها، وعميت عليهم الطرق جميعها، فلم يهتدوا إلى طريق منها، والجملة حال من المستضعفين، والاستثناء منقطع {فَأُولَئِكَ عَسَى الله أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} (النساء: من الآية99) في تركهم الهجرة، إذ لم يتركوها اختيارا ولا إيثاراً منهم لدار الكفر على دار الإسلام، ولكن للعجز الذي هم فيه، ومع ذلك كله فقد نزلهم منزلة المذنبين حيث عبر بكلمة (عسى) التي لا تفيد الجزم بمدخولها وضعا، وبالعفو المشعر بوجود الذنب، حتى لكأنه لا يجوز لأحد من الناس على أي حال، وفي أي عذر، أن يتخلف عن الهجرة، ولا أن يقعد عنها، ولا يخفى ما في هذا التعبير من قطع طماعية الذين يقعدون عنها، ويعتذرون بغير العذر عن تركها {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} أي شأنه ذلك لأصحاب الأعذار الصحيحة ولمن تاب بعد ظلمه.
الشاهد من الآيات:(33/167)
دلت الآيات على الوعيد الشديد، والعذاب الأليم، لمن ترك الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل فتح مكة وهو قادر عليها، بوسيلة ظاهرة أو خفية، يؤخذ هذا من الآية الأولى صراحة، ومن الآية الثانية دلالة، لأنه قيد المستضعفين الذين عذرهم بالقعود عن الهجرة بأنهم {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} (النساء: من الآية98 (وهو شرط في حصول العفو والمغفرة لهم، وإلا لتناولهم الوعيد في الآية قبلها، كما هو ظاهر.
والوعيد على ترك الشيء بالعذاب الشديد فرع عن وجوبه، وتحتم فعله، ومن هنا يثبت أن سلوك الطرق الخفيف إذا تعذرت الطرق الظاهرة أو تعسرت إلى الهجرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة محتومة، وفريضة مكتوبة، وهي حيلة مقصودها نصرة الله ورسوله، وإقامة شعائر دينه، على أتم وجه وأكمله، وتلقى أحكامه، ووسيلتها مشروعة، ومن أمثلتها الفرار من المشركين خفية، أو التظاهر بالكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان حتى يكون حرا في الانتقال من مكان إلى مكان، أو أن يريهم أنه يريد بذهابه إلى المدينة كشف أسرار المؤمنين، والتجسس عليهم، أو أن يوهمهم أنه يريد مقصدا قريبا فإذا أذنوا له لاذ بالفرار إلى المدينة، وما إلى ذلك، وهذه الوسائل واجبة إذا توقفت الهجرة عليها.
وبالتأمل في هذه الحيلة التي دلت الآية على وجوبها - بالطريق السابق - نرى أنه ليس فيها إبطال حق لله أو للعبد، وإنما هي مكيدة ومخادعة لأعداء الله، ويترتب عليها من الفوائد الدينية والدنيوية ما لا يحصى، ويقاس عليها كل حيلة في معناها كالهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام لمثال هذا المقصد، والهجرة من أرض المعاصي والبدع إذا لم تنجح فيهم الموعظة الحسنة إلى أرض تقام فيها السنة، وتحترم فيها شعائر الإسلام.(33/168)
3- وقال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِالله مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ َلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [121] .
قلت: في هذه الآية دلالة واضحة على التحيل لدفع الأذى عن النفس ولو أدى ذلك إلى التلفظ بالكفر، فقد عذب عمار بن ياسر أشد تعذيب حتى أن المشركين ليضعون على صدره الحجر الكبير الذي يلتظى من شدة الحرارة في الرمضاء المحرقة فيجتمع عليه ثقل الحجر وحرارته من أعلى، وشدة حرارة البطحاء من تحته، كل ذلك منزوع الثياب، وبالغوا في تعذيبه ذات يوم حتى يذكر محمد بشر وآلهتهم بخير، فنطق بما أرادوا مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان، ولما أطلقوه ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً، وشكا وشرح ما وقع فيه وما وقع له، فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: كيف تجد قلبك، قال: مطمئنا بالإيمان، فقال: "إن عادوا فعد "، وفي ذلك نزلت هاتان الآيتان [122] .
فالنطق بكلمة الكفر على الوجه المتقدم حيلة على دفع الأذى عن النفس، ظاهرها الكفر، وباطنها الإيمان وقصد دفع الضرر.
ولقد أفادتنا الشريعة الغراء من خلال نصوصها المتعددة أن عقود المكره وأقواله ملغاة مهدرة لا تترتب عليها آثارها الشرعية، ولا تنفذ هذه التصرفات لانعدام الرضا.(33/169)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " عقود المكره وأقواله مثل بيعه وقرضه ورهنه ونكاحه وطلاقه ورجعته ويمينه ونذره وشهادته وحكمه وإقراره وردته وغير ذلك من أقواله كلها منه ملغاة مهدرة، وأكثر ذلك مجمع عليه، وقد دل على بعضه القرآن في مثل قوله تعالى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ} ، وقوله سبحانه {إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (آل عمران: من الآية28) والحديث المأثور: "عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " أي إكراه إلى ما في ذلك من آثار الصحابة " [123] .
ثانياً: السنة:
1- عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود عليه الصلاة والسلام، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا - يرحمك الله - هو ابنها، فقضى به للصغرى، قال: أبو هريرة: "والله إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ، ما كنا نقول إلا المدية " [124] .
قلت: أصح الأقوال عندي ما قاله القرطبي رحمه الله قال: "والذي ينبغي أن يقال أن داود عليه السلام إنما قضى للكبرى لسبب اقتضى عنده ترجيح قولها، ولم يذكر في الحديث تعيينه، إذ لم تدع حاجة إليه، فيمكن أن يقال إن الولد الباقي كان في يد الكبرى، وعجزت الصغرى عن إقامة البينة فقضى به للكبرى إبقاء لما كان على ما كان " [125] .(33/170)
والشاهد من الحديث لما نحن بصدده أن نبي الله سليمان عليه السلام استخرج الحق في هذه الحادثة بحيلة لطيفة أظهرت ما في نفس الأمر، حيث دعا بالسكين ليشقه بينهما ظاهراً، ولم يعزم على ذلك في الباطن، وإنما أراد كشف الحقيقة، فتوصل إلى مراده وتيقن أن الولد للصغرى لجزعها عليه، وعظيم شفقتها، ولم يلتفت إلى قولها أنه ابن للكبرى، لأنه علم أنها آثرت حياته، لأنه ابنها رحمة به وشفقة عليه، ولم تأبه الكبرى به ولم تتأثر من كلامه، قال القرطبي رحمه الله: "وفي الحديث من الفقه استعمال الحكام الحيل التي تستخرج بها الحقوق، وذلك يكون عن قوة الذكاء والفطنة وممارسة أحوال الخلق، وقد يكون في أهل التقوى فراسة دينية، وتوسمات نورانية، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " [126] .
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في صلاته فلينصرف، فإن كان في صلاة جماعة فليأخذ بأنفه ولينصرف " [127] .
قلت: هذا الحديث يدل على أن خروج الريح من الدبر في الصلاة مفسد لها، وأن المصلي إذا خرج منه ريح يجب عليه قطع الصلاة فورا، ويحرم عليه الاستمرار فيها، لكونه على غير طهارة، ولا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ.
ولما كان خروج الريح أمراً يستحى منه، ويعرض صاحبه لغمز الناس وقالتهم، لاسيما إذا حصل منه أثناء صلاة الجماعة، لذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مخلص حسن وحيلة لطيفة، وهو أن ينصرف من الصلاة واضعاً يده على أنفه ليوهم الناس أن به رعافا ومن أجله خرج من الصلاة، وذلك حتى لا يأخذه الخجل ويسول له الشيطان المضي في صلاته استحياء من الناس فيأثم مع بطلان صلاته.
ولا يدخل هذا في باب الكذب أو الرياء، وإنما هو من باب الأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح، والتورية عنه بأحسن المعاريض الفعلية وألطفها، وحفظ عرضه من الناس والسلامة من قالتهم.(33/171)
3- عن سويد بن حنظلة قال: "خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له، فتحرج القوم أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي فَخُلِّي عنه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: أنت أبرهم وأصدقهم، صدقت: المسلم أخو المسلم " [128] .
4- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ كبير يعرف، ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف، قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل " [129] .
هذان الحديثان من المعاريض القولية، فالتعريض كلام له وجهان ظاهر وباطن، والذي حصل من سويد بن حنظلة وأبي بكر رضي الله عنهما من هذا القبيل، وهو نوع من الحيل التي يترتب عليها صون الدماء وعزة الإسلام وبيان ذلك:
أن قول سويد: "هو أخي " له وجهان، ظاهر وهو أخوة النسب وهي التي فهمها السامع، ومن أجلها ترك وائل بن حجر رضي الله عنه، ووجه باطن هو أخوة الإسلام وهي التي خفيت على السامع وقصدها القائل وحلف عليها، ومن هنا حصل البر في يمينه.
فإن قلت: أليس حديث حنظلة هذا مخالفاً لما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة مرفوعاً: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك " وفي رواية: " اليمن على نية المستحلف " وهنا في حديث حنظلة روعي في اليمين نية الحالف، فالجواب: أن حديث أبي هريرة محمول على المستحلف المظلوم، وحديث حنظلة محمول على المستحلف الظالم، وقد جاء عن إبراهيم النخعي ما يؤيد هذا التوفيق، وإليه ذهب أبوحنيفة وأحمد وجمهور العلماء، وتقدمت الإشارة إلى هذا سابقا.
وكذلك قول أبي بكر رضي الله عنه "هذا الرجل يهديني السبيل "ظاهره طريق السفر وهو الذي يتبادر إلى ذهن السامع ولا يذهب ذهنه إلى غيره، وباطنه الطريق الحق وهو دين الإسلام.(33/172)
فاستخدم رضي الله عنه التورية القولية حتى لا يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ما كان من هذا القبيل مما فيه نصرة الإسلام، وعون أهل الحق فهو من الحيل الجائزة بل الواجبة أحيانا، وهو من محاسن هذه الشريعة الغراء.
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، ثنتان منهن في ذات الله عز وجل قوله: {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} ، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} ، وقال: بينما هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن هذا رجل معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة، فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأُخِذَ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله، ثم تناولها الثانية فأخِذَ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأطلق، فدعا بعض حجبته فقال: إنك لم تأتني بإنسان إنما أتيتني بشيطان، فأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده مهيم؟ قالت: رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره، وأخدم هاجر، قال أبو هريرة: تلك أمكم يا بني ماء السماء " [130] .
وهذا الحديث فيه إشكال بسيط، وذلك أن العقل يقطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقاً به ليعلم صدق ما جاء به عن الله، ولا ثقة مع تجويزه الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه.
والجواب عن ذلك: أن المراد بالكذب في الحديث المعاريض التي ظاهرها الكذب وباطنها الصدق، وأطلق عليها لفظ الكذب لكونها على خلاف المتبادر من اللفظ عند السامع لكنه إذا تأملها لم تكن كذباً، وإنما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عما صدر عنه بالكذبات ولم يعبر بالمعاريض ليؤكد المدح بما يشبه الذم كقول القائل:(33/173)
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
كأنه قال: لم يصدر عن إبراهيم كذب قط وإن كذب فهو هذه المعاريض الثلاثة التي جادل بها دين الله.
وأما توجيه التعريض في الكذبات الثلاث فبيانه ما يلي:
الأولى: أشار الله إليها في كتابه الكريم بقوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [131] ، وهذه الآية سيقت في معرض توبيخ إبراهيم عليه السلام لقومه على ما يعبدون من الآلهة الباطلة، ولها معنيان ظاهر وباطن، فأما الظاهر فهو غير مراد وهو الذي فهمه قومه، وهو أنه عليه السلام نظر نظرة في النجوم ليتعرف من أنباء الغيب ما قدر له في المستقبل من خير أو شر، بناء على معتقداتهم الفاسدة أنه يستدل بها على ذلك فكانت نتيجة ظاهر ما رآه أن قال: إني سقيم، أي قرب أن يلحق بي مرض شديد يمنعني من الخروج معكم لذلك لا أستطيع مغادرة مكاني، وباطنه أنه نظر في النجوم نظرة متدبر ومعتبر على ما هو اللائق بمقام أنبياء الله وغيرهِم من صالحي المؤمنين، فقال: إني سقيم القلب من شرككم بالله واتخاذكم الأصنام أرباباً من دون الله، والباعث له على هذا التعريض حتى ينصرفوا عنه فيخلوا بآلهتهم فيحطمها، وقد تم له ما أراد، قال تعالى: {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَالله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [132] .
فكان ذلك حيلة على هدم الطواغيت وإعلاء كلمة الله.(33/174)
الثانية: أنهم لما دلهم على الله بالبراهين ولم يستمعوا له وأعرضوا عزم على الكيد لأصنامهم فقال: {وَتَالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [133] ، وهذا القول {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُم هذا} ظاهره إسناد التحطيم إلى الصنم الكبير على أنه هو الذي حطم أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، وهذا هو المفهوم الظاهر لأول مرة، وباطنه التوبيخ والتهكم والاستهزاء، والباعث له على ذلك أن يضطرهم إلى أن يسألوا آلهتهم عمن فعل بها التحطيم فلا تستطيع جواباً، فيتبين لهم أنهم على الباطن ببرهان عملي سديد، وهذا ما وقع منهم بالفعل لكن غلبت عليهم شقاوتهم قال تعالى: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله أَفَلا تَعْقِلُونَ} [134] .(33/175)
الثالثة: قوله عن زوجته سارة وقد سأله الجبار عنها " هذه أختي "ظاهره أخوة النسب، وهي التي فهمها الجبار ولم يفهم غيرها، وباطنه أخوة الدين وهي التي أرادها الخليل عليه السلام، والباعث لإبراهيم عليه السلام على هذا التعريض مع أن ذلك الجبار يريد اغتصابها أختا كانت أو زوجة أنه كان من عادة الجبار أن يقتل زوج من يغتصبها لغيرته منه، ولا يقتل أخاها لضعف غيرته منه، فلذلك قالت إبراهيم "أختي "لينجو من القتل وفي نجاته إعلاء لكلمة الله وتبليغ رسالته للناس.
ولا يرتاب أحد في أن الكذب المحض في مثل هذه المواقف الثلاثة جائز بل واجب، ولكنه لم يلجأ إليه ليعلو مقامه، وقوة فطنته وذكائه، وإنما لجأ إلى المعاريض، وهي أنه لطيفة من الحيل الجائزة التي يترتب عليها إعلاء كلمة الله، ونصرة الإسلام والمسلمين.
6- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحرب خدعة " [135] .
قلت: اتفق الفقهاء على جواز خداع الكفار في الحرب إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز، كما يدل أيضاً على تحذير المؤمن من خداع الكفار لئلا تكون الغلبة عليهم.
والخدعة في الحرب من قبيل الحيل التي يحتال بها لعزة الإسلام والمسلمين ولها أضرب متعددة وأساليب متنوعة، بل أصبحت حديثاً من أشد الأَسلحة فتكاً في الدفاع أو في الهجوم، ومن أمثلة الخداع في الحرب: التورية في الغزو، روى الشيخان عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً، وعدواً كثيراً فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم " الحديث [136] .(33/176)
ومن أمثلته أيضاً ما فعله نعيم بن مسعود من إلقاء العداوة والبغضاء بين مشركي العرب وبين اليهود في غزوة الخندق وكان ذلك من أسباب الظفر والنصر، ثم أرسل الله على المشركين ريحاً فرقت ما بقي من أمرهم [137] .
ومن أمثلته أيضاً ما حصل من محمد بن مسلمة من تلطفه لعدو الله كعب بن الأشرف اليهودي وقتله على غرة وكفى الله المؤمنين شره [138] .
ومن ذلك أيضاً قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق اليهودي قتله عبد الله بن عتيك رضي الله عنه بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم [139] .
هذه نماذج وشواهد من دلالة الآيات القرآنية والسنة النبوية على الحيل التي لا تناقض مقاصد الشارع وأنها جائزة، بل تصل إلى درجة الوجوب إذا كان متعلقها واجباً.
ومن الحيل الفقهية، والمخارج الشرعية التي ذكرها الفقهاء في كتبهم ما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابيه "إعلام الموقعين"و"إغاثة اللهفان"، فقد ذكر في إعلام الموقعين مائة وسبعة عشر مثالا للحيل الجائزة، وذكر في إغاثة اللهفان ثمانين مثالا للحيل الجائزة، ولا داعي لتكرارها هنا بجملتها، وإنما أحيل القارئ إليها لتمعنها وتدبرها، وإنما كان قصدي هنا الإشارة إلى أن باب الحيل باب واسع، منه الجائز ومنه غير الجائز، وقد مضت الضوابط والأدلة والشواهد على كلا النوعين، وهذا الذي كتبته مختصر من العلم نافع، لا يستغني عنه طالب العلم، ولا يسع القاضي جهله، به تتبين مقاصد الشارع وأسرارها، وبه يعلم الفرق بين ما اشتبه على الناس من مسائل الحيل.
كما أود الإشارة أيضاً إلى كتابين عظيمين أيضاً في هذا الباب أحدهما "إقامة الدليل في إبطال التحليل" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
والآخر "الأذكياء"لابن الجوزي رحمه الله حيث أفردها بأبواب خاصة، وأكتفي بذكرهما عن غيرهما.(33/177)
كما أثر عن السلف من الحيل التي لا تناقض مقاصد الشارع مالا يحصى، وهي في بابها تحتاج إلى مؤلف خاص بها فلتراجع في مظانها من الكتب التي أشرت إليها آنفاً.
هذا ما أحببت بيانه وتوضيحه لأولي الألباب، الذين يمسكون بالكتاب، من أهل العلم والطلاب، والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرفع به ذكري، ويحط به وزري، وعلى الله التكلان، وهو المستعان، وبه الاعتصام من كل شيطان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] صحيح البخاري جـ 9ص110.
[2] صحيح البخاري جـ1ص42.
[3] الآية 3 من سورة المائدة.
[4] الآية رقم 17 من سورة الحجرات.
[5] الآية رقم 87 من سورة النساء.
[6] الآية رقم 9 من سورة الحجر.
[7] انظر مقدمة ابن الصلاح بكاملها.
[8] روضة الناظر ص67.
[9] روضة الناظر ص79-80.
[10] الآية 2 من سورة الحشر.
[11] روضة الناظر ص145.
[12] سورة البقرة آية 183.
[13] الانعام آية 146.
[14] أصول البزدوي مبحث النسخ، المغني في أصول الفقه للخبازي، المعتمد لأبي الحسين البصري، شرح البدخشي، أصول الشاشي كلها في مباحث النسخ.
[15] روضة الناظر ص84.
[16] نظرية المصلحة للدكتورحسين حامد حسان في مباحث الاستحسان عند الأئمة الأربعة، وروضة الناظرص83.
[17] الآية 185 من سورة البقرة.
[18] الآية 6 من سورة المائدة.
[19] نظرية المصلحة د/ حسين حامد، وروضة الناظرص86، شفاء الغليل ص211.
[20] الأشباه والنظائر للسيوطى ص89-101.
[21] لسان العرب جـ 1ص 5 106.
[22] الفتاوى الكبرى جـ3 ص 256.(33/178)
[23] الفتاوى الكبرى جـ3 ص 257.
[24] انظر: إعلام الموقعين المجلد الثالث والرابع في مسائل العبرة في العقود بالمقاصد والنيات وسد الذرائع والحيل، وانظر: الموافقات الجزء الثاني كتاب المقاصد.
[25] الآية 108 من سورة الأنعام.
[26] الآية 104 من سورة البقرة.
[27] صحيح البخاري جـ8 ص 3.
[28] صحيح البخاري جـ4 ص 192، صحيح مسلم جـ8 ص 19.
[29] صحيح البخاري جـ2 ص98.
[30] الفتاوى الكبرى جـ3 ص258-264، إعلام الموقعين جـ3 ص 137-159.
[31] لسان العرب جـ 1 ص 759.
[32] التعريفات للجرجاني ص 94.
[33] الصحاح للجوهري جـ 4 ص 1681-1682.
[34] إعلام الموقعين جـ3 ص 241.
[35] غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر جـ4 ص219.
[36] إعلام الموقعين جـ3 ص241-242.
[37] مسند الشافعي ص384.
[38] صحيح البخاري جـ3 ص 75.
[39] صحيح البخاري جـ4 ص 66، صحيح مسلم جـ5 ص143.
[40] الآية رقم 10 من سورة فاطر.
[41] الآية رقم 42 من سورة فاطر.
[42] الآية رقم 45 من سورة النحل.
[43] الآية رقم 54 من سورة آل عمران.
[44] الآية رقم 142 من سورة السماء.
[45] الآية رقم 76 من سورة يوسف.
[46] الآية رقم 44 من سورة القلم.
[47] الذريعة ص 351.
[48] الموافقات جـ2 ص 337.
[49] ملخص ما قاله الشاطبي بتصرف من جـ2 ص391-414.
[50] إقامة الدليل ص165، إعلام الموقعين جـ3 ص 191.
[51] سنن أبي داود جـ4 ص 300، سنن الترمذي جـ4 ص 358 وقال: حديث حسن صحيح غريب.
[52] صحيح البخاري جـ7 ص 6، صحيح مسلم جـ7 ص 98.
[53] صحيح البخاري جـ5 ص 69.
[54] إقامة الدليل ص205.
[55] صحيح مسلم بشرح النووي جـ10ص51.
[56] إعلام الموقعين جـ3 ص 328-221.
[57] الآية من 8-10 من سورة البقرة.(33/179)
[58] صحيح البخاري جـ6ص 175، صحيح مسلم جـ8 ص 19.
[59] مختصر تفسير ابن كثير جـ 1ص 33.
[60] الآية 65 من سورة البقرة.
[61] لآية 163 من سورة الأعراف.
[62] انظر تفسير القرطبي جـ 1ص 439 وجـ7 ص304.
[63] إقامة الدليل ص 120-121.
[64] الآية 228 من سورة البقرة.
[65] الآية من 229-.23 من سورة البقرة.
[66] إعلام الموقعين جـ3 ص280.
[67] انظر الفتاوى الكبرى جـ3 ص326 وما قبلها وما بعدها فى نكاح التحليل، وانظر كذلك منار لسبيل جـ2 ص 173.
[68] الآية من 17-33 من سورة القلم.
[69] تفسير القرطبي جـ 18ص 2- 5، زاد المسير جـ 8 ص 271-273. فتح القدير جـ 3 ص 271-273
[70] صحيح البخاري جـ1 ص 2، صحيح مسلم جـ 6 ص 48.
[71] فتح الباري جـ 13 ص 327.
[72] صحيح مسلم جـ 5 ص 87.
[73] صحيح مسلم جـ 5 ص87.
[74] فتح الباري جـ12 ص 325.
[75] المرجع السابق.
[76] شرح الترمذي.
[77] الفتاوى الكبرى جـ3 ص 123.
[78] تفسير ابن كثير جـ 2 ص 58.
[79] تفسير القرطبي جـ 18ص 2- 5.
[80] الآية 25-27 من سورة الأحزاب، وانظر تفسير القرطبي جـ 14 ص10-161.
الآية 25 - 27 من سورة الأحزاب، [81] وانظر تفسير القرطبي جـ 14 ص10-161.
[82] انظر صحيح البخاري جـ 7 ص 154.
[83] انظر صحيح البخاري جـ 3 ص 178.
[84] الفتح الرباني جـ 16ص 194، سنن الترمذي جـ 3 ص 429.
[85] سنن ابن ماجه جـ 1 ص 622.
[86] بتصرف واختصار ودقة من الفتاوى الكبرى جـ 3 ص 277-278.
[87] زاد المعاد جـ4 ص 11، وأعلام الموقعين جـ 3 ص 43-47.
[88] الفتاوى الكبرى جـ3 ص 325.
[89] المستدرك جـ 2 ص 199.
[90] الفتاوى الكبرى جـ 3 ص 324.(33/180)
[91] انظر الفتاوى الكبرى المجلد الثالث، وأعلام الموقعين أيضا المجلد الثالث، وإغاثة اللهفان المجلد الأول.
[92] الفتح الرباني جـ 7 ص 208، وصحيح البخاري جـ2 ص 124.
[93] انظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري جـ 9 ص 10، فتح القدير جـ 1ص 496.
[94] فتح الباري جـ 12 ص314، كتاب الزكاة من الحاوي الكبير للماوردي جـ 1 ص 529 تحقيق ودراسة د/ ياسين ناصر محمود الخطيب.
[95] المغني جـ2 ص 459-460.
[96] سنن الترمذي ص3 ص550، وقال: حديث حسن، الفتح الرباني جـ 15 ص 38، سنن النسائي جـ 7 ص252، سنن أبي داود جـ 3 ص 273.
[97] انظر: المغني جـ 3 ص 482، قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي المالكي ص305، شرح فتح القدير جـ5 ص 122.
[98] صحيح البخاري جـ3 ص 76، صحيح مسلم جـ5 ص 6.
[99] انظر: المغني جـ4 ص 102، بدائع الصنائع جـ7 ص3318-3319.
[100] إعلام الموقعين جـ3 ص 13.
[101] جـ11 ص 272.
[102] إقامة الدليل لابن تيمية ص 237.
[103] المسند جـ 15ص 44، أبو داود جـ3 ص 275.
[104] بلوغ المرام ص 172.
[105] إقامة الدليل ص 133.
[106] جـ 5 ص175.
[107] الفروق جـ 3 ص 267-268.
[108] المحلى جـ 9 ص 49-50.
[109] بتصرف من إقامة الدليل ص 135-138، وإعلام الموقعين جـ 3 ص 166-170.
[110] انظر إقامة الدليل ص134، إعلام الموقعين جـ 3 ص 166.
[111] صحيح البخاري جـ3 ص 91، صحيح مسلم جـ 3 ص 41.
[112] الفتح الرباني جـ15 ص 27.
[113] معالم السنن جـ3 ص 133.
[114] فتح الباري جـ 4 ص282.
[115] إقامة الدليل ص 246.
[116] الآية من 15-16 من سورة الأنفال.
[117] الآية 66 من سورة الأنفال.
[118] الأم جـ 4 ص 92.
[119] صحيح البخاري جـ4 ص 66، صحيح مسلم جـ5 ص 143.(33/181)
[120] الآيات: 97،98، 99 من سورة النساء.
[121] الآية من 106-107 من سورة النحل.
[122] زاد المسير جـ 4 ص495.
[123] إقامة الدليل ص 147-148.
[124]- صحيح البخاري جـ 4 ص 170، صحيح مسلم جـ 5 ص133.
[125] تفسير القرطبي جـ 11ص 313.
[126] تفسير القرطبي جـ 11 ص 314.
[127] سنن ابن ماجه جـ 1 ص 386 قال في مجمع الزوائد: ((إسناده صحيح ورجاله ثقات)) .
[128] سنن أبي داود جـ3 ص 224.
[129] صحيح البخاري جـ5 ص 69.
[130] صحيح البخاري جـ7 ص 6، صحيح مسلم جـ 7 ص 98.
[131] الآية 88 من سورة الصافات.
[132] الآية من 90-96 من سورة الصافات.
[133] الآية من 57-63 من سورة الأنبياء.
[134] الآية من 63-67 من سورة الأنبياء.
[135] صحيح البخاري جـ 4 ص 67، صحيح مسلم جـ 5 ص134.
[136] صحيح البخاري جـ 6 ص 4، صحيح مسلم جـ 8 ص 112.
[137] زاد المعاد جـ2 ص 291-292.
[138] انظر تفاصيل القصة في فتح الباري جـ 6 ص 98، وكتب السير والمغازي.
[139] انظر تفاصيل القصة في فتح الباري جـ7 ص 242، وكتب السير المغازي.(33/182)
رسالة في تحَقيق مَعنَى النَّظمِ والصِّيَاغةِ
لابن كمال باشا (ت:940هـ)
درَاسَة وَتحقِيق
الدكتورْ حَامِدصَادِق قنيبي
قسم الدراسات الإسلامية والعربية
جامعة الملك فهد للبترول والعادن - الظهران
المحتويات
رسالة في تحقيق معنى النظم والصياغة
لابن كمال باشا (ت 940 هـ)
أولا: السيرة الذاتية لابن كمال باشا.
ثانيا: القراءة التقويمية وخطة التحقيق.
ثالثا: تحقيق الرسالة.
ثبت المصادر
الخلاصة
عاش ابن كمال (940 هـ) ، صاحب هذه الرسالة في عصر هيمنت فيه النزعة الفلسفية وتفريعاتها المنطقية الجافة على الدرس البلاغي اللغوي بتأثير مدرسة أبي يعقوب السّكاكي (ت 626 هـ) وشرّاحها.
ويدعو ابن كمال في هذه الرسالة إلى تجديد اتجاه عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) ، وفيها يُلقى الضوء على جوانب من نظرية النظم، ويجلو قيمة الصياغة الفنية في إطار النظرة الشمولية لمعاني النحو والتجربة الشعورية بعيداً عن التزويق أو الزخرفة المصطنعة. وهي من منظور نقدي معاصر جديرة بالاهتمام.
أولا: السيرة الذاتية لابن كمال باشا
ابن كمال باشا، شمس الدين أحمد [1]
(873-940هـ / 1468-1534م)
من علماء الترك المستعربين، بل هو واحد من أكبر المدققين. اسمه: شمس الدين أحمد بن سليمان بن كمال باشا، الشهير بابن كمال باشا [2] . نشأ في بيت علم وفضل ومكانة عالية.(33/183)
فجده لأبيه (كمال باشا) من أمراء الدولة العثمانية، كان ذا حظوة لدى سلاطينها، إذ كان مربيا لبايزيد الثاني (ولي العهد آنذاك) ، ثم صار (نشانجى) [3] الديوان السلطاني [4] . وكان عالما ومن تلاميذه [5] التفتازاني [6] والشريف الجرجاني [7] . وكذلك كان والده (سليمان بك ابن كمال باشا) [8] ، فقد كان من قادة عساكر السلطان محمد الثاني الفاتح وحامل لواء (أماسيا amasya) في فتح القسطنطينية عام 857 هـ/1453 م. وصار بعد الفتح وكيلاً لجند السلطان برتبة (صوباشي) [9] ، أي منصب من تتوفر فيه الكفاية لضبط البلد من جهة السلطان [10] .
في ظل هذه الأسرة المنعمة نشأ صاحبنا (ابن كمال باشا) ، وقد حُبِّبَ إليه العلم والترقي فيه فأكب في شبابه على نهل المعرفة ليلا ونهارا. ثم انتظم في سلك الجيش، وخرج سنة 887 هـ في سفر مع الوزير (إبراهيم بن خليل باشا) ، وكان معهم الأمير (أحمد بك بن أورنوس) وهو المقدّم على سائر الأمراء آنذاك، وبينما هم في مجلسهم ذات يوم إذ دخل عليهم رجل من العلماء رثّ الهيئة فجلس في صدر المجلس، مما أثار استغراب ابن كمال باشا، وتساءل عن هذا (الرجل) الذي تقدم على مجلس الأمير، فقيل له: إنه رجل من أهل العلم يُقال له (الملا لطفي) .. فكانت هذه الحادثة نقطة تحول في حياة (ابن كمال) إذ تأكد له من يومها أنه لن يبلغ المراتب العالية إلا إذا اشتغل بالعلم الشريف، وكان له ما أراد، أما أصل الحكاية فلنستمع إلى ابن كمال يرويها بلسانه إذ يقول [11] :(33/184)
".. كنت واقفا على قدمي قدّام الوزير المزبور. والأمير المذكور عنده جالس إذ جاء رجل من العلماء رث الهيئة دنيء اللباس فجلس فوق الأمير المذكور، ولم يمنعه أحد عن ذلك فتحيرت في هذا. فقلت لبعض رفقائي: مَنْ هذا الذي جلس فوق هذا الأمير؟ فقال: هو رجل عالم مدّرس بمدرسة (فلبا filibe) يقال له: المولى لطفي. قلت: كم وظيفته؟ فقال: ثلاثون درهما. قلت: فكيف يتصدّر هذا الأمير ومنصبه [12] هذا المقدار؟ قال رفيقي: إن العلماء معظمون لعلمهم، ولو تأخّر لم يرض بذلك ولا الوزير، قال رحمه الله تعالى: فتفكرت في نفسي فقلت: إني لا أبلغ مرتبة الأمير المذكور في الإمارة، وإني لو اشتغلت بالعلم يمكن أن أبلغ مرتبة العالم المذكور، فنويت أن أشتغل بالعلم الشريف ".
بعد هذه الحادثة وَقَرَ في نفس ابن كمال باشا أن يسلك طريق العلم الشريف، فترك الجيش ولازم المولى لطفي في مدرسة (دار الحديث) بأدرنة، وقرأ عليه (حواشي شرح المطالع) ، وقد سبق له قراءة (مبادئ العلوم) في صدر شبابه. ومن شيوخه الذين تلقّى العلم على أيديهم [13] :
ا- المولى القسطلاني، مصلح الدين مصطفى
2- المولى خطيب زاده، محيي الدين محمد
3- المولى معروف زاده، سنان الدين يوسف.
وفي سنة 911 هـ[14] صار (ابن كمال باشا) مدّرسا بمدرسة (علي بك) في أدرنة، وقد طلب منه السلطان بايزيد الثاني أن يكتب تاريخ العثمانيين.
وفي سنة 917 هـ[15] ولي التدريس بمدرسة (أسكوب) في اليونان. ثم رجع في سنة 918 هـ إلى المدرسة الحلبية بأدرنة. ثم صار مدرسا بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، وبعدها بإحدى المدارس الثمان [16] إلى أن أصبح مدرسا لمدرسة السلطان بايزيد الثاني.
وفي سنة 922 هـ صار قاضيا لأدرنة، وفي السنة نفسها جعله السلطان سليم الأول [17] (قاضي عسكر الأناضول) [18] ، ثم عزل من هذا المنصب سنة 925 هـ، وعينّ رئيساً لدار الحديث بأدرنة.(33/185)
وكان - رحمه الله- حسن المنظر، حافظ الآداب، لطيف الصحبة إذا جلس مع الأحباب، كريم الشأن، عظيم المكان، قليل المقال، كثير التفكير في كل حال، وهذه بعض شمائله.
وفي عام 932 هـ وبعد وفاة علاء الدين الجمالي صار ابن كمال باشا شيخ الإسلام (مفتي الخلافة العلمية العثمانية) ، ولم يزل في منصب الإفتاء إلى أن توفي يوم الجمعة الثاني من شوال 940 هـ، الموافق 17 من نيسان 1534م في عهد سليمان القانوني [19] .
ودفن في (باب أدرنة) بالآستانة في زاوية (محمود جلبي) وقيل في تاريخ موته (ارتحل العلم بالكمال) ، وكُتب على قبره (هذا مقام أحمد) ، وعلى أكفانه (هي آخر ملابسه) ، وكلّها
تتضمن تاريخ وفاته. وكان يقول - رحمه الله - وهو يحتضر: (يا أحد نجنا مما نخاف) فحسبت بعد موته فكانت تاريخاً لوفاته أيضا بحساب الجُمَّل.
(*) - مكانته العلمية:
تكشف مؤلفاته عن شخصيته الموسوعية، ويعتبر بحق من أكابر العلماء العثمانيين. ومصنفاته في: الدين، والآداب، واللغة وله في تاريخ العثمانيين كتاب كبير ومهم، فضلا عن مئات الرسائل والمقالات والمقطوعات الشعرية.
لقد أثبت مكانته الرفيعة في كلّ العلوم التي تناولها، ولقد قرظّه العلماء وأثنوا عليه بما هو أهله، فقد قال عنه طاش كبرى زاده [20] :
"كان يشتغل بالعلم ليلا ونهارا ولم يفتر قلمه، وصنف رسائل كثيرة في المباحث المهمة والغامضة… وكان صاحب أخلاق حميدة حسنة وأدب تام وعقل وافر، وتقرير حسن ملخص، وله تحرير مقبول جدا لإيجازه مع وضوح دلالته على المراد. وبالجملة أنسى [21]- رحمه الله تعالى - ذكر السلف بين الناس، وأحيا رباع العلم بعد الاندراس، وكان في العلم جبلا راسخا وطودا شامخا، وكان من مفردات الدنيا، ومنبعا للمعارف العليا. روّح الله تعالى روحه، وزاد في غرف الجنان فتوحه ".(33/186)
وابن كمال باشا عند العثمانيين يشبه جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) عند العرب، فكلاهما زينة العصر. اتفقا في كثرة التأليف والجمع، ولقد أثنى علماء القاهرة على ابن كمال باشا عند زيارته مصر عام 923 هـ في صحبة السلطان سليم الأول "ياوز "فقد أثبت شخصيته من خلال الجدل والمناقشة، وقد جعله اللكنوي من أصحاب الترجيح المقلدين القادرين على تفضيل بعض الروايات على بعض [22] ، وقد عقد مقارنة بينه وبين السيوطي فقال [23] :
"كان ابن كمال مساويا للسيوطي في كثرة التأليف وسعة الاطلاع في الأدب والأصول، ولكن لا يساويه في فنون الحديث، فالسيوطي أوسع نظرا وأدق فكرا في هذه الفنون منه، بل من جميع معاصريه، وأظن أنه لا يوجد مثله بعده، وأما صاحب الترجمة (ابن كمال) فبضاعته
في الحديث مزجاة كما لا يخفى على من طالع تصانيفهما فشتان ما بينهما كتفاوت السماء والأرض وما بينهما… ولكن ابن كمال باشا عندي أدق من السيوطي، وأحسن فهما على أنهما كانا جمال ذلك العصر "، وقوله (كتفاوت السماء والأرض وما بينهما) ... مبالغة في عمومها، والأصح أنهما نظيران تشابها في كثير من فروع المعرفة، غير أن ابن كمال تميز في إجادته التامة للغات العربية والتركية والفارسية الأمر الذي جعله يقف على أسرارها ويؤلف في فقهها المقارن، فضلا على أنه عاش طيلة حياته رجل سياسة وقضاء. بينما يظل السيوطي متفرداً في علوم الحديث.
(*) - مؤلفات ابن كمال باشا:
تذكر الموسوعة التركية أن مجموع تصانيف ابن كمال باشا قد بلغت (209) مصنفات، يمكن إدراجها تحت رؤوس الموضوعات التالية:
1- تفسير القرآن الكريم وعلومه 12 مصنفا
2- الحديث الشريف وعلومه 8 مصنفات
3- الفقه والشريعة 43 مصنفا
4- الفلسفة 50 مصنفا
5- الآداب 22 مصنفا
6- المنطق 8 مصنفات
7- التصوف مصنفان
8- الأخلاق مصنفان
9- علوم العربية ونحوها 21 مصنفا(33/187)
10- مصنفات باللغة الفارسية 9 مصنفات
11- مصنفات في موضوعات متنوعة 32 مصنفا
ولقد عدد طاش كبرى زاده من مؤلفاته [24] :
".. كان عدد رسائله قريبا من مائة رسالة، وله من التصانيف تفسير لطيف حسن قريب من التمام، وقد اخترمته المنية ولم يكمله. وله حواش على الكشاف. وله شرح بعض الهداية. وله كتاب في الفقه (متن) . وشرح سماه بالإصلاح والإيضاح. وله كتاب في الأصول (متن) . وشرح أيضا سماه تغيير التنقيح [25] . وله كتاب في علم الكلام (متن) وشرح أيضا. وله حواش على التلويح [26] . وله حواش على التهافت للمولى خوجه زاده [27] . وهذا ما شاع بين الناس. وأما ما بقي في المسودة فأكثر مما ذكر، وله يد طولى في الإنشاء والنظم بالفارسية والتركية. وقد صنف كتابا بالفارسية على منوال كتاب (كلستان) سماه بنكارستان. وصنف كتابا في تواريخ آل عثمان بالتركية ".
ثانيا: القراءة التقويمية
موضوع هذه الرسالة (في تحقيق معنى النظم والصياغة) ، ومصطلح النظم والصياغة يقابل في الدرس الحديث الصورة البلاغية. وابن كمال في هذه الدراسة يلتقي مع الشيخ عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) ، بل لا نعدو الحقيقة إذا قلنا أنه يكشف عن بعض الجوانب الغامضة في آراء (شيخه) كما يحب أن يدعوه. وهو ينحو باللائمة على مدرسة السكاكي وما خلّفته من جمود كان له الأثر السلبي في الدرس البلاغي النقدي.(33/188)
والنظم والصياغة عند ابن كمال هما الوعاء الذي يختزن التجربة الشعورية عند الأديب، فهما ليسا زينة عارضة تطرأ على المعنى الأصلي بقدر ما هما جسر لتحقيق الصورة الفنية الموحية، يقول ابن كمال/ س 95 أ/: "اعلم أن أساس البلاغة وقاعدة الفصاحة نظم الكلام، لا بمعنى ضمّ بعضها إلى بعض كيف جاء واتفق، بل بمعنى ترتيبها على حسب ترتيب المعاني في النفس، فهو إذاً نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، ولهذا كان عند أرباب هذه الصناعة نظيراً للنسج والوشي والصياغة وما أشبه ذلك. مما يوجب اعتبار الأجزاء بعضها مع بعض حتى يكون لِوَضْع كل منها حيث وُضِع علّة تقتضي كونه هناك وحتى لو وضع مكان غيره لم يصلح ".
وحتى يؤكد ما يذهب إليه يعمد إلى النقل عن عبد القاهر الجرجاني، فهما متفقان على أن عملية الصياغة إنما هي محصلة ما يحدثه السياق من صور وأحاسيس وفكر وصوت تكوّن في مجموعها الصورة الأدبية. يقول الجرجاني (الدلائل، ص 37- طبعة المنار) : "… فإذا وجب لمعنى أن يكون أولا في النفس وجب للفظ الدال عليه أن يكون مثله أولا في النطق، فأما أن تتصور في الألفاظ أن تكون المقصودة قبل المعاني بالنظم والترتيب، وأن يكون الفكر في النظم الذي يتواصفه البلغاء فكرا في نظم الألفاظ، أو أن تحتاج بعد ترتيب المعاني إلى فكر تستأنفه لأن تجيء بالألفاظ على نسقها، فباطل من الظنّ، ووهم يتخيل إلى من لا يوفي النظر حقه. وكيف تكون مفكرا في نظم الألفاظ وأنت لا تعقل لها أوصافا وأحوالا إذا عرفتها عرفت أن حقها أن تنظم على وجه كذا؟ ".(33/189)
لقد شغلت قضية اللفظ والمعنى جهود النقاد العرب. وقد نصب الجرجاني همّه لرفض الثنائية بينهما وتابعه في هذا الاتجاه ابن كمال. فاللفظ يعانق المعنى فإذا وجب للمعنى أن يكون أولا في النص وجب للفظ الدّال عليه أن يكون مثله لا النطق. وهذا الاتجاه لا يخرج عما انتهى إليه الدرس الحديث، يقول طه حسين (خصام ونقد، ص 87) : "إن من أعسر العسر أن تفصل بين صورة الأدب ومادته، فالأدب يوشك ألا يخضع لهذا النوع من التحليل الذي يعمد إليه العلماء وأصحاب الكيمياء منهم خاصة، فإذا عمد النقاد إلى تحليله فهم يقاربون ولا يحققون.. إن اللغة صورة الأدب وإن المعاني هي مادته وهذا كلام مقارب لا تحقيق فيه فكثير من النقاد القدماء خاصة، تصوروا أن المعاني تشبه الأجسام قبل أن تلبس الثياب، ونعرف الثياب قبل أن تسبغ على الأجسام ونستطيع أن نحقق الفصل بينهما، ولكننا لا نعرف المعاني المجردة التي تتخذ ثيابها من الألفاظ ولا نعرف الألفاظ الفارغة التي تنتظر المعاني لتلبسها، وإنما نعرف الألفاظ والمعاني ممتزجة متحدة، لا تستطيع أن تنفصل ولا أن تفترق ".
وفي الرسالة دعوة إلى وحدة علوم اللغة، فعلم المعاني بمعناه العام الذي يضم البيان وإن اشتهر ضمه إلى علوم البلاغة فهو ليس إلا دراسة لغوية تدخل في إطار النحو بمعناه الدقيق، لأن علم المعاني يعنى بدراسة الجملة وما يكون فيها من حذف أو ذكر، أو تعريف أو تنكير، أو تقديم أو تأخير، أو قصر أو وصل، أو إيجاز أو إطناب. ولابن كمال دراسة قائمة بذاتها لتأكيد هذه الصلة، يقول فيها:/مخطوط لدى الباحث/ ".. ويشارك النحوي في البحث عن المركبات إلا أنّ النحوي يبحث عنها من جهة هيئاتها التركيبية صحة وفسادا، ودلالة تلك الهيئات على معانيها الوضعية على وجه السداد. وصاحب المعاني(33/190)
يبحث عنها من جهة حسن النظم المعبّر عنه بالفصاحة في التركيب.. ومرجع تلك الفصاحة إلى الخلو من التعقيد. فما يبحث عنه في علم النحو من جهة الصحة والفساد يبحث عنه في علم المعاني من جهة الحسن والقبح، وهذا معنى كون عِلم المعاني تمام علم النحو ".
ولقد سبق أن أشرنا إلى أن ابن كمال مجدد لدعوة عبد القاهر الجرجاني في الدرس اللغوي المبينة على النظرة الشمولية… فهو- مثلا- يساوي بين مصطلحي الفصاحة والبلاغة. وتقوم نظرية النظم عند عبد القاهر على عدم المفاضلة بين اللفظ والمعنى، ومن ثَمّ بين الفصاحة والبلاغة ففي دلائل الإعجاز (ص 183- طبعة المنار) نقرأ: "يصحُّ التعبير عن المعنى بلفظين مختلفين، ثم يكون لأحدهما مزية على الآخر، وأن أحدهما فصيح، والآخر غير فصيح.. "، وإنما تتحقق الفصاحة عنده بعد التأليف وصوغ العبارة، لأن الكلمة في حال إفرادها لا تفضل غيرها وإنما يظهر التمايز في إطار السياق وحسن الأداء، وتمام المعنى. يقول/ الدلائل، ص 31/: "وهل تجد أحداً يقول: هذه اللفظة فصيحة، إلا وهو يعتبر مكانها من النظم، وحسن ملاءمة معناها لمعنى جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها؟ وهل قالوا لفظة متمكنة ومقبولة، وفي خلافه: قلقة ونابية ومستكرهة، إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من معنييهما، وبالقلق والنبوّ عن سوء التلاؤم، وأن الأولى لم تَلِقْ بالثانية في معناها، وأن السابقة لم تصلح أن تكون لفقاً للتالية في مؤدّاها؟.. ".(33/191)
وإذا كان علم النحو يعنى بالجمل من حيث صحة التراكيب لتحقيق الاتصال بين الناس فإنه- أي علم النحو- لا يقوم كيانه دون أن يرفد من علم الصرف بالمواد الأولية، والتي يمكن أن توصف بأنها خطوات ممهدة أو وسائل لتحقيق الغاية. فنحن نتعلم من علم الصرف حالات الاسم مفردا أو مثنى أو جمعا، ثم نوظف هذه المعرفة في تركيب العبارات والجمل وفق مقتضيات علم النحو دون إخلال بأساسيات العلوم الأخرى المساندة. وهكذا يبدو اعتماد العلمين على بعضهما كما لو كانا كلا متكاملا.
وابن كمال في معالجته هذه القضية يدرك الرابطة الوثيقة بين علوم اللغة، يقول في هذه الرسالة:/ س 99 أ/: ".. وبهذا التفصيل تبين أن مرادهم من المعاني التي يضيفون إليها عبارة (الصياغة) المعاني الأول. وقد نبهت فيما سبق على صياغتها على نحوين: أحدهما ما يكون بالتصرف في النظم بلا اتّساع وتجوز في الكلام. والآخر ما يكون بنحو من الاتساع والتجوز فيه مع قطع النظر عن حال النظم ".
ثم ينتهي إلى القول/ س 99 ب/: "ومن هنا انكشف لك سرّ وهو أن الاختلاف في كيفية الدلالة غير منحصر في طريق المجاز والكناية كما توهمه صاحب المفتاح حيث قال: انصباب علم البيان إلى التعرض للمجاز والكناية بناء على ما قدمه من أن التفاوت في الدلالة إنما يكون بالدلالة العقلية وذلك بالطريقين المذكورين لأن قوله (يَسُبني) في الوجهين المزبورين على حقيقته. والتفاوت المذكور في الدلالة مرجعه إلى المعنى النحوي، لا إلى المعنى اللغوي. فافهم هذا السر الدقيق، فإنه بالحفظ حقيق ".
على أنه فيما يكشف عنه من سر مسبوق بما قاله الجرجاني -سلفه- حيث يقول في (الدلائل، ص 240) : ".. ومرادهم من النظم في أمثال هذا المقام توخي معاني النحو فيما بين الكلام حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام، والنظم بهذا المعنى، أسُّ البلاغة، وأمّ الإعجاز ".(33/192)
ولعل هذه الرسالة في مضمونها جاءت مكملة لما سبق لابن كمال دراسته في مجموعة من الرسائل في هذا الباب وهي: (الكلمة المفردة) و (اللفظ قد يوضع لقيد) و (المزايا والخواص) و (مشاركة صاحب المعاني اللغوي في البحث عن مفردات الألفاظ المستعملة في كلام العرب) [28] .
ويدعو ابن كمال في دراساته هذه إلى تجديد الدرس اللغوي وإحياء آراء عبد القاهر الجرجاني، والتي ليس بينها وبين المعاصرة فاصل كبير، وهي تأتي في زمن هيمن فيه (مفتاح العلوم) لأبي يعقوب السكاكي (ت 626 هـ) ، ونظمه، وشروحه، وتلخيصاته.. فكانت محاولة للخروج من التأثر بالمنطق والفلسفة والعلوم العقلية إلى فهم روح البلاغة، وإثراء الإحساس في تذوق النص الأدبي، ووضع البلاغة والنحو وضعا سليما في خدمة اللسان العربي. وإنما تقوم اللغة بمجموعة العلاقات بين الدلالات ورموز المعاني المتمثلة في الألفاظ لأداء ما في النفس.
وليس للفظ المفرد أهمية ذاتية مهما بلغ من انسجام في حروفه، وحسن وقعه وجرسه، وإنما تبدو أهميته حين ينتظم مع غيره، ويتلاءم مع ما يجاوره ويتوافق معه.. والأداء العربي لا يمكن أن يتحقق إلا لمن كان عارفا بالطرائق الصحيحة في القول، متمرسا بالأساليب العربية الرفيعة، مزودا بالمعرفة النحوية عن طريق الذوق والمعايشة لما تزخر به العربية من روائع القول.
وصف نسختي المخطوط
اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسختين في المكتبة السليمانية باستانبول.(33/193)
الأولى: نسخة المكتبة السليمانية (رقم 1045) ، وقد رمزت لها بالحرف (س) ، وجعلتها بمثابة النسخة الأم إذ عزوت إليها في الدراسة دون النسخة الأخرى. وهي قريبة العهد بحياة المؤلف، إذ كان تاريخ نسخها في سنة 991 هـ. وهي بخط تعليق، ولا تخلو من تحريف وتصحيف. وتقع ضمن مجموع بدءاً من الورقة (95 ب) إلى (99 ب) . والصفحة الواحدة منها (19) سطرا، وقياس كتابتها (61 /122 ملم) . وتمتاز النسخة بأنها خزائنية دونت في خاتمة المجموع وقفية السلطان هكذا:
"وقف السلطان الأسعد الأحمد وتخليد الخاقان الأمجد الأكمل الصارف همته الجليلة نحو الحرب، المعرب عن معالي الحسنات السلطان ابن السلطان أبو الفتوح والمغازي محمود خان ابن السلطان مصطفى خان رزقه الله أطول الأعمار وطول الآماد، وجعل وقت خلافته العلية أبعد الآماد. وأنا الفقير لله سبحانه وتعالى مصطفى طاهر المفتش بالحرمين الشريفين المحرمين. غفر له ". وجاء في الورقة (147) : "وقع الفارغ من تحرير الرسائل للعلامة ابن كمال باشا في أواخر جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وتسعماية على يد أحقر الورى محمد بن حسن بسبيري زاده ".
أما النسخة الثانية، فهي نسخة "بغداد وهبى" (رقم 2041) ، وقد رمزت لها بالحرف (ع) ، وهي نسخة جيدة، وخطها تعليق جميل، ونص الرسالة يقع في الورقات (208 ب إلى 211 ب) ، والصفحة الواحدة منها (21) سطرا، وقياس كتابتها (56/130 ملم) . والمجموع كتبه (أبو السعود) وفي الصفحة الأخيرة ترجمة موجزة للمؤلف جاء فيها: "هذه الرسائل للمولى العلامة أستاذ أرباب الفضائل أحمد بن سليمان بن كمال باشا رحمه الله تعالى. من أكابر العلماء وأفاضل الفضلاء، جمع جميع العلوم، وتفرد في كلّها سراجا منيرا يهتدي بمناره الروم.. ".(33/194)
وقد كانت خطتي في تحقيق هذه الرسالة إثبات الفروق بين النسختين. كما قمت بمراجعة النصوص على مصادر ابن كمال حيثما وُجد المطبوع منها. ولم أر ضرورة إلى التعريف بالأعلام لأنها مشهورة في حقل الاختصاص، وهي قليلة على العموم.
ثالثا: تحقيق الرسالة. .
"رسالة في تحقيق معنى النظم والصياغة " [29]
بسم الله الرحمن الرحيم [30]
باسمه سبحانه [31] ، الحمد لوليه [32] ، والصلاة على نبيه [33] . وبعد؛ فهذه رسالة رتبناها في تحقيق معنى النظم والصياغة عند أرباب البلاغة وأصحاب البراعة، فنقول ومن الله التوفيق، وبيده أزمة التحقيق: اعلم أن أساس البلاغة وقاعدة الفصاحة نظم الكلام، لا بمعنى ضم بعضها إلى بعض كيف جاء واتفق، بل بمعنى ترتيبها حسب ترتيب المعاني في النفس، فهو إذاً نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، لهذا كان عند أرباب هذه الصناعة [34] نظيرا للنسج والوشي الصياغة وما أشبه ذلك. مما يوجب اعتبار الأجزاء بعضها مع بعض حتى يكون لوضع كل منها [35] حيث وضع علة تقتضي كونه هناك، وحتى لو وضع في مكان غيره لم يصلح [36] .(33/195)
وإذا تحققت هذا فاعلم أن نظم أجزاء الكلام مع قطع النظر عن الدلالة بمعانيها الوضعية على معان أُخر ضرب من القصور فيستعار له من [37] الصياغة بدون اعتبار ما في المعنى من الاتساع والتَّجوُّز على ما أفصح /س96أ/ عنه [38] الشيخ [39] حيث قال في دلائل الإعجاز [40] : "واعلم أنّ مَثَل واضع اللغة مثل من يأخذ قطعاً من الذهب أو [41] الفضة فيذيب [42] بعضها بعضا في بعض حتى تصير قطعة واحدة. وذلك أنك إذا قلت: "ضرب زيد عَمْرا يوم الجمعة ضرباً شديداً تأديباً له "فإنك تحصل من مجموع هذه الكَلِم [43] على مفهوم هو معنى واحد/ع209أ/، لا عدة معان كما يتوهمه [44] الناس [45] . وهو إثباتك [46] زيدا فاعلا ضربا لعمرو في وقت كذا وعلى صفة كذا لغرض كذا. ولهذا نقول إنه كلام واحد [47] وإذا عرفت هذا فبيت (بشار) [48] إذا تأملته وجدته كالحلقة [49] المفرغة التي لا تقبل [50] التقسيم، ورأيته قد صنع في الكَلِم التي فيه ما يصنعه الصانع [51] حين يأخذ كِسَراً [52] من الذهب فيذيبها ثم يصبها في قالب ويخرجها لك سِوارا، أو خلخالا. وأنت إذا حاولت قطع بعض ألفاظ البيت عن بعض كنت كمن يكسر الحلقة ويفصم السوار [53] . وذلك أنه لم يرد أن يشبّه النقع بالليل على حدة، والأسياف بالكواكب على حِدة [54] ، ولكنه أراد أن يشبه النقع والأسياف تجول فيه بالليل في حال ما تكدر [55] الكواكب وتتهاوى فيه. فالمفهوم من الجميع مفهوم واحد. والبيت من أوله إلى أخره كلام واحد " [56] . والبيت هذا [57] :
كأن مُثارَ النَّقع فوق رؤوسنا
وأسْيافَنا، ليل تَهَاوى كواكبه
ومراد صاحب المفتاح من الصياغة /س 96ب/ حيث قال [58] : "مثل ما يسبق إلى فهمك من تركيب (إن زيدا منطلقٌ) إذا سمعته عن العارف بصياغة الكلام.. "هذه الصياغة المستعارة للنظم. ولذلك أضافها إلى الكلام دون المعاني كما أضافها إليها في موضع آخر على ما تقف عليه بإذن الله تعالى.(33/196)
وقد تستعار الصياغة لترتيب المعاني وإحداث الصورة فيها كما هو الظاهر من كلام الشيخ حيث قال في كتابه المذكور سابقا [59] : "واعلم أن قولنا (الصورة) إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا فلما رأينا البينونة بين آحاد الأجناس /ع 209ب/ تكون [60] من جهة الصورة، فكان تبين [61] إنسان من إنسان، وفرس من فرس، بخصوصية تكون [62] في صورة هذا لا تكون [63] في صورة ذاك. وكذلك الأمر في المصنوعات، وكان تبين [64] خاتم من خاتم، وسوار من سوار بذلك، ثم وجدنا بين المعنى في أحد البيتين [65] ، وبينه في الآخر بينونة في عقولنا وفرقا، عبرنا عن ذلك الفرق وتلك البينونة بأن قلنا: للمعنى في هذا صورة غير صورته في ذلك، وليس العبارة عن ذلك بالصورة شيئا نحن ابتدأناه فينكره منكر، بل هو مستعمل في كلام العلماء، ويكفيك قول الجاحظ: "إنما الشعر صياغة [66] وضرب من التصوير "انتهى كلامه.
وهذا المعنى من الصياغة أيضا لا يتوقف على الاتساع /س 97أ/ والتجوز، بل يتحقق بهما تارة، وبمجرد التصرف في النظم أخرى. صرَّح الشيخ بذلك، حيث قال [67] : "جملة الأمر أنَّ صورَ المعاني لا تتغير [68] بنقلها من لفظ إلى لفظ حتى يكون هناك اتساع ومجاز، وحتى لا يراد من الألفاظ ظواهر ما وضعت له في اللغة، ولكن يشار إلى معان أخر.
واعلم أن هذا كذلك ما دام النظم واحدا، فأما إذا تغيَّر النظم فلا بد حينئذ من أن تتغير [69] صورة المعنى على ما مضى من البيان في [70] مسائل التقديم والتأخير "إلى هنا كلامه.(33/197)
إلا أنه في الغالب يكون بنوع من الأتساع والتجوز، ولذلك قال الجاحظ: وإنما الشعر صياغة، ولم يقل: وإنما الكلام صياغة؛ فإن الشعر كالعلم لما اتُّسع فيه وتجوّز من الكلام، وإلا فحقه التعميم كما فصله [71] الشيخ، حيث قال [72] : "ومعلوم أم سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة، وأن سبيل المعنى /ع 210أ/ الذي يعبر عنه سبيل الشيء [73] الذي يقع التصوير والصوغ فيه، كالفضة والذهب، يصاغ منها خاتم أو سوار " انتهى كلامه [74] .
ومراد صاحب المفتاح من الصياغة حيث قال [75] : وإذا تحققت أن علم المعاني والبيان هو معرفة خواص تراكيب الكلام. ومعرفة صياغات المعاني هذه الصياغة المستعارة لتصوير المعاني، ولذلك أضافها إليه [76] كما أن مراد الجاحظ أيضا هي ما نبه عليه الشيخ فيما نقلناه عنه سابقا.
وإذ قد وقفت على أن مراد الجاحظ من /س 98أ/ التصوير الذي عبر عنه بالصياغة، تصوير المعاني [77] بترتيبها الذهني، لا تصوير الألفاظ بتركيبها الخارجي، فقد عرفت أن من قال [78] في شرح القول المنقول عن صاحب المفتاح أولا [79] : يشبه تأليف الكلام بترتيب كلماته متناسبة الدلالات على حسب الأغراض المقصودة منه بصياغة الحلي [80] ، ومنه قول الجاحظ: أن الشعر صياغة وضرب من التصوير لم يصب [81] في قوله.
ومنه قول الجاحظ: وإذا تحققت أن الصياغة المستعملة في عرف أهل هذه الصناعة تستعمل تارة لما في نظم الكلام
وتأليفه من أحداث الهيئة، وأخرى [82] لما في معنى [83] الكلام وترتيبه من أحداث الصورة [84] . فاعلم [85] أنه لا دخل لعلم البيان في الصياغة بالمعنى الأول؛ فإن علم المعاني مستقل [86] في بيان ما يتعلق بها، وكذا الحال في الصياغة(33/198)
بالمعنى الثاني إن لم يكن فيه تأثير للتوسع والتجوز؛ وإن كان فيها تأثير لهما فلعلم البيان فيها شركة مع علم المعاني، والحظ الوافر للثاني، ضرورة أن الأول [87] منه بمنزلة الغصن [88] من الدوحة [89] ، وقد فرغنا من تحقيق هذا في بعض تعليقاتنا [90] .
وبهذا التفصيل تبين فساد ما قيل [91] في شرح القول /ع 210ب/ المنقول عن صاحب المفتاح ثانيا [92] ، أي علمت حقيقة أن علم المعاني هو معرفة خواص تراكيب الكلام، وأن علم البيان معرفة صياغات المعاني، أي تصويراتها بالصور المختلفة وإيرادها بالطرق [93] المتفاوتة على ما قال /س 98أ/ الجاحظ: إن الشعر صياغة وضرب من التصوير، حيث مبناه على اختصاص معرفة الصياغة بالمعنى الثاني بعلم البيان.
بقي هنا شيء لا بد من التنبيه عليه، وهو أن المعاني المعتبرة عند أرباب هذه الصناعة ثلاثة أنواع:
الأول: معاني النحو التي كان النظم الذي هو الأصل فيها عبارة عن توخي تلك المعاني على ما [94] صرح به الشيخ في مواضع من دلائل الإعجاز، منها قوله [95] : "إذا كان لا يكون النظم شيئا [96] غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم، كان من أعجب العجب أن يزعم زاعم أنه [97] يطلب المزية في النظم ثم لا يطلبها في معاني النحو وأحكامه ".
انتهى كلامه، ولذلك، أي ولكون المعتبر في النظم هذه المعاني دون خصوصيات [98] الألفاظ فقد تتبدل [99] الألفاظ [100] ولا يتغير المعنى، وقد يتغير النظم ولا تغيُّر [101] في الألفاظ. أما الأول فظاهر من اشتراك الكلامين كقولك: (جاء زيد، وذهب عمرو) [102] في نظم مخصوص. وأما الثاني فلأنك إذا جعلت المبتدأ خبرا، والخبر مبتدأ في نحو قولك: (الذي جاء زيد) يتغير النظم ولا تتغير الألفاظ، وكذا إذا جعلت الصفة حالا أو العكس [103] ، واعتبر هذا في نحو قوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني [104](33/199)
والمراد من المعني المذكورة في أول الرسالة هذا النوع. دل على ذلك الشيخ، وملوم علم الضرورة أن يكون للفظة تعلق /ع211أ/ بلفظة أخرى من غير أن يعتبر حال معنى / 98ب/ هذه مع معنى تلك، ويراعى هناك أمر يتصل أحدهما بالأخرى كمراعاة (نبك) [105] جوابا للأمر.
والنوع الثاني [106] : من الأنواع المذكورة: المعاني الوضعية المعبر عنها في عُرفهم بالمعاني الأولى. د
والثالث منها: المعاني المقصودة في المقام، والأغراض التي سيق لأجلها الكلام المعبر عنها بالمعاني الثواني، قال الشيخ بعد التفصيل المشبع في الفرق بين هذين النوعين [107] : "وإذا عرفت هذه الجملة فهنا عبارة مختصرة وهي أن نقول: المعنى، ومعنى المعنى. نعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ، والذي تصل إليه بغير واسطة، وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى، ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى آخر، كالذي فسرت لك ". ثم قال بعد التمثيل والتوضيح [108] : "فالمعاني الأول المفهومة من أنفس الألفاظ، وهي المعارض والوشي والحلي وأشباه ذلك، والمعاني الثواني التي يومأ إليها بتلك المعاني هي تكسي تلك المعارض وتزين بذلك الوشي والحلي "انتهى كلامه. وهنا نكتة، وهي أن الوشي من الثياب يكون وشيا كان على اللابس أو كان قد خلع وترك غير ملبوس، وكذلك الحلي يكون حليا بحالها أن تلبس، وهذه المعاني التي دلوا بها على معان ثوان يكون وشيا وحليا ما دامت لباسا لتلك المعاني؛ فإذا خلعت عنها ونظر إليها منزوعة منها لم يكن وشيا ولا حليا. ولو قلت: (فصلان فلان مهزولة) وأنت لا تكني بذلك عن [109] غيره وأمثاله [110] للضيافة /س 99أ/ لم يكن من معنى الوشي /ع 211ب/ والحلي في شيء [111] .
وبهذا التفصيل تبين أنّ مرادهم من المعاني التي يضيفون إليها عبارة (الصياغة)(33/200)
المعاني الأُول. وقد نبهت فيما سبق على صياغتها على نحوين: أحدهما ما يكون بالتصرف في النظم بلا اتساع وتجوز في الكلام. والآخر ما يكون بنحو [112] من الاتساع والتجوز [113] فيه مع قطع النظر عن حال النظم.
فإن قلتَ: هل تختلف [114] دلالة المعاني الأُول في كلام مخصوص مركب من مواد معينة، على العاني الثواني بلا اتساع وتجوّز فيه لا من جهة المادة، ولا من جمة الهيئة..؟
قلتُ: نعم إذا تغير النظم وحال [115] المواد [116] على حالها - على ما نقلناه عن الشيخ فيما تقدم.
فإن قلتَ: هلا تتغير حينئذ صورة الكلام الحاصلة بحسب النظم..؟
قلتُ: بلى إلا أن هذا التغيير لا يؤثر في الدلالة ولا يخرجها عن حد الوضع إلى حد العقل [117] .
فإن قلتَ: هل [118] يحصل بمجرد تغير النظم اختلاف في كيفية دلالة المعاني الأُول على المعاني الثواني.
قلتُ: نعم، ألا ترى أن (يسبُني) في قوله [119] :
ولقد أمر على اللئيم يسبني
حال كونه صفة أظهر دلالة على المعنى [120] المقصود، وهو التمدح بالوقار منه حال كونه حالاً؟ ولقد أفصح عن هذا من قال [121] : ".. المرجح للوصفية على الحالية، إن جعله وصفا، أي لئيم عادته [122] المستمرة (يسبني) أفيد في المعنى /س 99ب/ على الوقار "انتهى كلامه.
ومن هنا انكشف سر وهو أن الاختلاف في كيفية الدلالة غير منحصر [123] في طريق المجاز والكناية كما توهمه صاحب المفتاح حيث قال [124] : انصباب علم البيان إلى التعرض للمجاز والكناية بناء على ما قدمه من أن التفاوت في الدلالة إنما يكون بالدلالة [125] العقلية. وذلك بالطريقين المذكورين لأن قوله (يسبني) في الوجهين المزبورين على حقيقته. والتفاوت المذكور في الدلالة مرجعه إلى المعنى النحوي، لا إلى المعنى اللغوي. فافهم هذا السر الدقيق [126] ، فإنه بالحفظ حقيق.(33/201)
والحمد لله على التمام، والصلاة والسلام على سيد الأنام، وعلى آله الكرام.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] مصادر ترجمته: هدية العارفين 1/141، كشف الظنون 1/41، الشقائق النعمانية 226-228، عقود الجوهر 1/217، الموسوعة التركية 561-566.
[2] يحلو لبعض الدارسين تسميته بـ/ كمال باشا أوغلو، أو كمال باشا زاده. على أن (أوغلو) كلمة تركية تعني ابن، و (زاده) كلمة فارسية تعني ابن أيضا. ولكننا نؤثر تسميته بابن كمال باشا كما كان يحلو أن يُسمي نفسه بذلك.
[3] تشانجى، أي: الذي يختم المراسيم والمكاتيب بختم ((السيد العظيم)) المعروف بطغراء السلطان.
[4] عاش عهدي السلطانين محمد الثاني الفاتح ابن مراد (855-886هـ / 1450-1481 م) ، وبايزيد الثاني ابن محمد الفاتح (886-918هـ/1481- 1512م) .
[5] انظر: الشقائق النعمانية ص 215.
[6] التفتازاني، هو مسعود بن عبد الله التفتازاني، الملقب بسعد الدين (ت 791 هـ) ، العلامة الأصولي المفسر المتكلم المحدث البلاغي الأديب. له مصنفات في علوم شتى منها: التلويح في كشف حقائق التنقيح في الأصول، وحاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب في الأصول، والمطول الذي وضعه شرحا لتلخيص المفتاح للسكاكي، وله حاشية على الكشاف ولم يتم (ترجمته: بغية الوعاة ص 391، الفوائد البهية ص 136-137، الأعلام 13/113-114، أبجد العلوم (3/56) .(33/202)
[7] الشريف الجرجاني، هو علي بن محمد بن علي (ت 816هـ) ، من كبار العلماء بالعربية، كان بينه وبين التفتازاني مباحثات ومحاورات في مجلس تيمورلنك. من مصنفاته: التعريفات، وشرح مواقف الإيجي، والحوشي على المطول للتفتازاني، وشرح على حاشية القاضي العضد. على مختصر المنتهى، وشرح القسم الثالث من المفتاح، وحاشية على الكشاف ولم يتم (ترجمته: الفوائد البهية ص 125-137، الأعلام 5/159-160، أبجد العلوم 3/56) .
[8] أما أمه فهي ابنة محمد محيي الدين كوبلي kupeli-oglu mehmed، وكان جدها (سنان باشا يوسف ضياء الدين) من العلماء.
[9] انظر: الشقائق النعمانية ص215. بالإضافة إلى شهرة الفاتح كقائد عسكري طموح، فلقد كان شاعرا محبا للعلم والعلماء وكان يجيد عدة لغات شرقية وأوربية وله ديوان شعر بالتركية مطبوع.
[10] انظر: معجم صفصافى ص471.
[11] الشقائق النعمانية ص 226.
[12] كذا في الأصل ولعل المقصود: مرتبه أو وظيفته.
[13] انظر: طاش كبرى زاده، الشقائق النعمانية بذيل وفيات الأعيان ج2م2ص592.
[14] انظر المرجع السابق ص 593.
[15] انظر المرجع السابق ص 393-594.
[16] أنشأها السلطان محمد الفاتح، وتعرف هذه المدارس بمدارس الصحن الثمان، وهي للتعليم العالي المتكامل في مرافقه وخدماته لطلاب العلم أشبه ما يكون بالمدينة الجامعية.
[17] هو تاسع السلاطين العثمانيين (918-926 هـ/1512-1520م) ، الملقب بـ/ ((ياوز)) ، أي القاطع. وفي عهده تم التغلب على سورية ومصر إثر واقعة مرج دابق.
[18] ((قاضي عسكر)) أو ((قاضيعس كر)) : كان لقبا علميا كبيراً في الدولة العثمانية، فقد كانت الدولة العثمانية مقسمة إلى منطقتين كبيرتين من هذه الوجهة هي الأناضول والرومليّ (أي بلاد الروم) وكان يعين على كلّ منهما قاض للعسكر (عن معجم صفصافي 236) ، وهذا يشبه منصب قاضي القضاة عند العرب.(33/203)
[19] هو سليمان الأول (1520-1566م) عاشر السلاطين العثمانيين، وعهده هو العهد الذهبي في تاريخ الدولة العثمانية إذ ازدهرت العلوم والفنون والآداب، واستبحر العمران، وارتقت الدولة في جميع مرافقها.
[20] الشقائق النعمانية 227.
[21] كذا في الأصل. ولعله من الأفضل أن يقال: أحيا ذكر السلف.
[22] الفوائد البهية في تراجم الحنفية 21.
[23] المصدر السابق 22.
[24] الشقائق النعمانية 227.
[25] عنوانه ((تغيير التنقيح (بالتنقيح)) ) - وتنقيح الأصول لعبد الله بن مسعود البخاري الحنفي المتوفى سنة 727 هـ (عن حاجي خليفة، كشف الظنون 1/ 499) .
[26] هو كتاب ((التلويح في كشف حقائق التنقيح)) لسعد الدين التفتازاني. المطبعة الخيرية بالقاهرة 1304 هـ.
[27] انظر: الطبقات السنية في تراجم الحنفية لتقي الدين عبد القادر التميمي (ت 1005هـ) ، تحقيق عبد الفتاح الحلو. القاهرة، 1970م. الجزء الأول ص 411.
[28] حقق الباحث بعض هذه الرسائل، وقد أفاد منها في تحقيق هذه الرسالة ودراستها.
[29] تختلف النسختان في عنوان الرسالة، ع: رسالة شريفة في تحقيق معنى النظم والصياغة للعلامة الرومي الشهير بكمال باشا زاده رحمه الله تعالى. س: هذه رسالة مرتبة في تحقيق معنى النظم والصياغة لبن كمال باشا.
[30] الزيادة من س.
[31] اختلاف في الديباجة س: أما بعد حمد الله والصلاة والسلام على نبي الله، أما بعد.. (قابل بدلائل الإعجاز، صفحة 93،الطبعة 1969م)
[32] سابقه
[33] سابقه
[34] الصناعة: علم متعلق بكيفية العمل سواء حصل بمزاولة العمل أو بدونها (عن المفتاح) .
[35] س: منهما، تحريف.(33/204)
[36] يقول عبد القادر الجرجاني (الدلائل، ص2) : ((وليس النظم سوى تعليق الكلم بعضها ببعض، وجعل بعضها بسبب من بعض. والكلام ثلاث: اسم، وفعل، وحرف. وللتعليق فيما بينهما طرق معلومة ... ومختصر كل الأمر أنه لا يكون كلام من جزء واحد، ولابد من مسند، ومسند إليه)) . ويقول (ص39) : ((..الفظ تبع للمعنى في النظم، وإن الكلم تترتب معانيها في النفس، وإنها لو خلت من معانيها حتى تتجرد أصواتا وأصداء حروف لما وقع في ضمير، ولا هجس في خاطر: أن يجب فيها ترتيب ونظم، وأن يجعل لها أمكنة ومنازل، وأن يجب النطق بهذه قبل النطق بتلك))
[37] من: سقط من (س) .
[38] عنه: سقط من (س) .
[39] الشيخ: يعني عبد القاهر الجرجاني (ت471) .
[40] عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص388 (ط الخفاجي 1980) .
[41] س: و، تحريف.
[42] ع: فيذهب، تحريف.
[43] في نسختي المخطوط: (فإن السامع يحصل من مجموع الكلم كلها) وقد تصرف ابن كمال في النص المنقول عن الدلائل دون إخلال بالمعني.
[44] ع: يتوهم.
[45] ما بعده تصرف من ابن كمال في النص المنقول عن (الدلائل) ولكن المعنى لم يتغير.
[46] س: اتيانك.
[47] واحد: سقط من (ع) .
[48] انظر الآتي.
[49] س، كحلق، تحريف.
[50] س، يقبل.
[51] س، حتى، تصحيف.
[52] (كسرا) : بكسر الكاف وفتح السين، والكِسرَ جمع الكسرة (بكسر الكاف وسكون السين) : القطعة من الشيء المكسور.
[53] السوار، سقط من (س) .
[54] (والأسياف بالكواكب على حدة) ، سقط من (ع) .
[55] تكر، أي: تتهاوى.
[56] س: إلى هنا كلامه.(33/205)
[57] البيت لبشار بن برد (من الطويل) . وهو مثل تطبيقي جيد لنظرية النظم عند الشيخ عبد القاهر الجرجاني، وعند ابن كمال باشا الذي جدد خطاه. وفي النص المنقول تأكيد على أن العلاقات القائمة بين دلالات الألفاظ هي التي يتعلق بها الفكر، وبذلك لا يتصور وقوع قصد منا إلى معنى الكلمة دون أن نريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى ترد معها. والشاعر لا يريد هنا أن يعلمنا بمعاني الألفاظ المفردة. فهو كالصائغ الذي يأخذ قطعا من الذهب فيسكبها في قالب واحد. ولقد عمد إلى ترابط المعاني المجازية والنحوية في سياق ليشكل الصورة العامة في مفهوم وهو في مجموعة معنى واحد. ويزيد الجرجاني الأمر إيضاحا فيقول في الموضع نفسه: ((جعل (مُثال النقّع) اسم (كأن) وجعل الظرف الذي هو (فوق رؤوسنا) معمولا (لمثار) ومعلقا به. وأشرك (الأسياف) في (كأن) بعطفه على (مثار) . ثم بأن قال: ليل تهاوي كواكبه) خبرا لكان. فانظر هل ترى شيئا كان التحاد به غير ما عددناه، وهل تعرف له موجبا سواه؟))
[58] مفتاح العلوم للسكاكي، ص161 (طبعة دار الكتب العلمية، سنة1983) ، وتكملة قول السكاكي: ((.. من أن يكون مقصودا به نفي الشك، أو رد الإنكار، أو من تركيب (زيد منطلق) من أنه يلزم مجرد القصد إلى الخبار..))
[59] دلائل الإعجاز، ص462 (طبعة الخفاجي1980م)
[60] س: يكون، تصحيف.
[61] الدلائل المطبوع: بين.
[62] س: يكون، تصحيف.
[63] س: يكون، تصحيف.
[64] الدلائل المطبوع: بين.
[65] س: التباين، تحريف. والبيتان، هما بيتين. على أن عبد القاهر الجرجاني قدم لهذه الفقرة بفصل عقده للموازنة بين المعنى المتحد واللفظ المتعدد، ومن ذلك قول البحتري:
وأحب آفاق البلاد إلى فتى
أرض ينال بها كريم المطلب
مع قول المتنبي:
وكل امرئ يولي الجميل مُّحَبَّبٌ
وكلُّ مكان يُنبِتُ العِزَّ طيب(33/206)
إن الصورة عند عبد القاهر الجرجاني – يتابعه ابن كمال في ذلك – تعني الصياغة أو النظم. ويظهر السياق القيمة الفنية للصياغة بمقدار ما يحقق الارتباط العضوي بين المعاني الحقيقة أو النحوية، وبين المعاني المجازية من استعارة وتمثيل وتشبيه..وغيرها. وليست المعاني البلاغية منفصلة عن النظم بل هي جزء منه. والفرق بين صورة شعرية وأخرى - اتحاء المعنى - إنما يرجع إلى خصوصية في الصياغة أو النظم، وإن أي تغير في ترتيب الألفاظ يتبعه تغير في الصورة (انظر الدلائل 205،279) والخلاصة فإن الصورة عنده هي الصياغة الفنية للمعنى، أو هي نظم الكلمات داخل سياق لغوي متفاعل لا ينفصل فيه الشكل عن المضمون.
[66] في نسخ الدلائل المطبوعة: صناعة.
[67] الدلائل، ص175 (طبعة المنار) .
[68] ع: تغير، تصحيف.
[69] ع، س: بتغير، تصحيف.
[70] في، زيادة من (ع) .
[71] ع، س: فعله، تصحيف.
[72] الدلائل، ص167 (طبعة المنار) .
[73] الشيء، سقط من (ع) و (س) .
[74] وتكملة كلام الجرجاني ... فكما أن محالا إذ أنت أردت النظر في صور الخاتم وفي جودة العمل ورداءته أن تنظر إلى الفضة الحاملة لتلك الصورة أو الذهب الذي وقع فيه العمل وتلك الصفة - كذلك محال إذا أردت أن تعرف مكان الفضل والمزية في الكلام أن تنظر في مجرد معناه. وكما لو فضلنا خاتما على خاتم بأن تكون فضة هذا أجود أوفصه أنفس، لم يكن ذلك تفضيلا له من حيث هو شعر وكلام، وهذا قاطع فعرفه – وهذا النص فيه تأكيد لرفض ثنائية الفظ والمعنى عند مدرسة الجرجاني. والصورة عنده تعني الصياغة، وكلاهما مرادف للنظم حيث تبدو أصالة العمل الأدبي في إطار السياق الفني.(33/207)
[75] انظر: مفتاح العلوم للسكاكي، ص 161 (طبعة دار الكتب العلمية) وقد تصرف ابن كمال فيما نقله عن السكاكي، فعلم المعاني عنده هو: ((تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره)) وأما علم البيان فهو: ((معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه، وبالنقصان ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطابقته الكلام لتمام المراد منه)) .
ومن الواضح أن ابن كمال يرفض ما ذهب إليه السكاكي من حيث إن علم البيان لا يبحث في الدلالة من حيث الوضوح وعدمه، بل من حيث التذاذ النفس بها، لكونها متصرفة فيها، ولها مدخل منها. فليس قولنا: إنه كثير الرماد، مثل قولنا: كثير الضيافة لما يكون كل منهما صورة في النفس (انظر: الدلائل ص 174) .
[76] أي لتصوير المعنى.
[77] س: المعنى.
[78] في حاشية (س) : قائله السيد الشريف (الشريف الجرجاني، علي بن محمد ت816هـ) وقد سبقت ترجمته (انظر ص7) .
[79] إشارة إلى ما سبق إثباته (ومراد صاحب المفتاح من الصياغة حيث قال: ((مثل ما سبق إلى فهمك من تركيب (إن زيدا منطلق) إذا سمعته عن العارف بصياغة الكلام ...
[80] الحلي: بضم الحاء وكسر اللام وياء مشدّدة: ما يتزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة.
[81] يعني السيد الشريف أيضا، ومن المعروف أن السيد الشريف قد شرح القسم الثالث من (المفتاح) .
[82] ع: كما، تحريف.
[83] المعنى: سقط من (ع) .
[84] ع: الصور.
[85] ع: فيما علم، تحريف.
[86] س: مستعمل، تحريف.
[87] أي علم البيان.
[88] س: النقص، التحريف.
[89] س: الدرجة، تحريف.(33/208)
[90] من المؤكد أن ابن كمال يسير على خطى عبد القاهر الجرجاني، وهو يجدد دعوته في الدرس اللغوي المبني على النظرة الشمولية، وقد بنى نظرية النظم على أساس عدم التفرقة بين اللفظ والمعنى (انظر: الدلائل ص 183) والصورة الجمالية عنده أجزاء يكمل بعضها بعضاً وهي تستمد قيمتها من النظم وتكسب فضيلتها من السياق. وفي رسالة ابن كمال المسماة (مشاركة صاحب المعنى اللغوي في البحث عن مفردات الألفاظ) تأكيد لما سبق، يقول/ ورقة 17 من مخطوط السليمانية رقم 1043/: ((ويشارك النحوي في البحث عن المركبات إلا أن النحوي يبحث عنها من جهة هيئاتها التركيبية صحة وفساداً، ودلالة تلك الهيئات على معانيها الوضعية على وجه السداد. وصاحب المعاني يبحث عنها من جهة حسن النظم المعبر عنه بالفصاحة في التركيب وقبحه، ومرجع تلك الفصاحة إلى الخلو من التعقيد فما يبحث عنه في علم النحو من جهة الصحة والفساد يبحث عنه فيعلم المعاني من جهة الحسن والقبح. وهذا معنى كون علم المعاني تمام علم النحو)) .
قابل بما ورد في المثل السائر لابن الأثير (1/39) مع الأخذ بعين الاعتبار أن مباحث علوم البلاغة متداخلة عنده كالجرجاني، فالبلاغة ترادف البيان، والبيان يتسع ليشمل المعاني والبديع.
[91] في حاشية (س) : قائله الفاضل التفتزاني وقلده الفاضل الشريف.
[92] انظر: ما ذكرناه في حاشية (47) .
[93] س: بالطرائق.
[94] ما: سقط من (ع) .
[95] انظر مثلا: فصل (كون النظم يتوخى معاني النحو) ص 240 من (الدلائل) - طبعة المنار. ومواطن كثيرة من دلائل الإعجاز، ففي ص55 ((واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء منها)) .
[96] ع: عن، تحريف.
[97] س: إن، تحريف.
[98] س: خصوصات، تحريف.(33/209)
[99] ع: يتبدل، تصحيف.
[100] الألفاظ، سقط من (ع) .
[101] س: يتغير، تصحيف.
[102] جاء، سقط من (ع) .
[103] قابل بما ورد في (الدلائل) ص137و227 (طبعة المنار) .
[104] هذا صدر بيت من الكامل، وقد نسب إلى عميرة بن جابر الحنفي وعجزه
فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لاَ يعنيني
(والشاهد فيه: قوله (اللئيم يسبني) حيث وقعت الجملة، وهي يسبني نعتاً للمعرفة وهو قوله اللئيم، وإنما ساغ ذلك لأنه – وإن كان معرفة في اللفظ – نكرة في المعنى؛ لأن (أل) المقترنة به جنسية، وزعم ابن عقيل أنه يجوز في هذا البيت أن تكون الجملة حالاً كالأصل في الجمل الواقعة بعد المعارف، والمعنى يأبى ذلك، فإن الشاعر لم يقصد أنه يمر على اللئيم الذي من ديدنه وشيمته وسجيته أنه يقع فيه) –أوضح المسالك بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد (شاهد 393) وانظر: 1/406 كتاب سيبويه.
[105] إشارة إلى مطلع معلقة امرئ القيس:
قفا نبكي من ذكر حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وانظر: (الدلائل) ص 304، طبعة المنار، وفيه (أن الفكر لا يتعلق إلا إذا توخينا إمكانات النحو في تركيب البيت وهو ما صنعه امرئ القيس من كون (نبك) جوابا للأمر، وكون من معدية إلى (ذكرى) وكون ذكرى مضافة إلى (حبيب) وكون منزل (منزل) معطوفاً على حبيب ... وجملة الأمر: أن لا يكون هناك إيداع في شيء حتى يكون هناك قصد إلى صورة وضعة، وإن لم يقدم ما قدم، ولم يؤخر ما أخر، وبدئ بالذي ثني به أو ثني بالذي ثلث به، لم تحصل الصورة الأدبية) .(33/210)
[106] س: والثاني من الأنواع المذكورة. والمعاني الأول، مصطلح أطلقه الجرجاني. ويقصدبه: المدلول المباشر للكلمة أو العبارة، وهو المدلول المفهوم من مجرد الصوت المسموع، أو ما عرف لدى اللغويين بالمعنى الوصفي. أو المعاني الثواني، أي ما يعقل الدلالة الأولوية للمعنى في الجملة بحيث يؤدي إلى فهم معنى آخر، ومدار هذا المعنى على الكتابة والاستعارة والتشبيه والتمثيل (انظر: الدلائل، ص174، طبعة المنار) .
[107] المرجع السابق، الموضع نفسه.
[108] المرجع السابق، الموضع نفسه.
[109] ع: من.
[110] س، ع: وأمهاتها.
[111] قابل بالآتي نقلا عن الدلائل
وما يك فيّ من عيب فإني جبان الكلب مهزول الفيصل
((أراد أن يذكر نفسه بالقرى والضيافة فكنى عن ذلك بجبن الكلب وهزال الفيصل وترك أن يصرح فيقول: قد عرف أن جنابي مألوف وكلبي مؤدب لا يهر في وجوه من يغشاني من الأضياف وإني أنحر السمان من إبلي وأدع فصالها هزلي)) .
[112] س: بتجوز، تحريف.
[113] التجوز: سقط من (س) .
[114] ع، س: يختلف.
[115] حال: سقط من (ع) .
[116] ع: والمواد.
[117] س: العقل، تصحيف.
[118] ع: بل، تحريف.
[119] انظر: تعليقنا رقم (76) من هذه الدراسة.
[120] المعنى: سقط من (س) .
[121] في حاشية المخطوط: قائله السيد الشريف الفاضل.
[122] ع: عادة.
[123] س: منحصرة.
[124] انظر: مفتاح العلوم للسكاكي، ص161. وانظر: ما سبق من تعليقنا حول هذه المسألة، رقم (47) .
[125] س: بادلالات.(33/211)
[126] وهكذا يكشف ابن كمال، في هذا الجزء من الرسالة، عن منهجه في الدرس البلاغي النقدي. فهو مجدد لاتجاه عبد القاهر الجرجاني صاحب نظرية النظم التي قوامها: ((واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله)) (الدلائل –طبعة المنار – ص55) ..أما ابن كمال فيقول: ((ومرادهم من النظم في أمثال هذا المقام توخي معاني النحو فيما بين الكلام حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام – والنظم بهذا المعنى أسّ البلاغة، وأم الإعجاز)) ... ويقول: ((وإذا تحققت ما ذكرناه فقد ظهر عندك أن التراكيب الخالية عن الفصاحة ساقطة عن نظر صاحب المعاني دون النحوي، وكذا ساقطة التراكيب التي لاحظ من الخواص الخطابية. ومن هنا تبين أن موضوع علم النحو أوسع دائرة من موضوع علم المعاني رغم أن البحث فيهما عن المركبات على الإطلاق، إلا أن النحوي ينظر إلى هيئاتها التركيبية وتأديتها المعاني الأصلية. وصاحب المعاني ينظر إلى إفادتها المعاني المغايرة لأصل المعنى)) .
/ عن مخطط لابن كمال بعنوان: صاحب المعاني يشارك الغوي في البحث عن مفردات الألفاظ../.(33/212)
العدد 73-74
فهرس المحتويات
1- استدراكات على كتاب تاريخ التراث العربي في كتب التفسير: للدكتور حكمت بشير ياسين
2- عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد في إعراب الحديث: تأليف: جلال الدين السيوطي؛ تحقيق: الدكتور حسن موسى الشاعر
3- رسائل لم يحملها البريد: للشيخ عبد الرؤوف اللبدي
4- قضية الحداثة: الدكتور عبد الباسط بدر
5- ألفية ابن مالك: منهجها وشروحها: للأستاذ الدكتور غريب عبد المجيد نافع
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(33/213)
استدراكات على كتاب تاريخ التراث العربي في كتب التفسير
للدكتور حكمت بشير ياسين
أستاذ مساعد بكلية القرآن الكريم
(3)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى من اهتدى بهديه ودعا بدعوته إلى يوم الدين ... وبعد:
فهذا القسم الثالث من (استدراكات على كتاب تاريخ التراث العربي) ، وفيه كتب التجويد والقراءات، وقد رتبتها حسب السنين كصنيع الأستاذ سزكين وبالله أستعين.
كتب القرن الثاني الهجري
1- الوقف والابتداء:
لضرار بن صرد بن سليمان التميمي الكوفي المقرئ ت 129 هـ ذكره ابن النديم
2- تقييد الأمثلة:
لأبى عمرو بن العلاء التميمي المازني البصري ت 154 هـ أحد القرَّاء السبعة منه نسخة في الخزانة العامة في الرباط/ المغرب برقم د - 1371 ضمن مجموع من ورقة 208 أ - 223 ب. ونسخة أخرى في الخزانة العلمية الصبيحية برقم 9/254 تقع في (17) صفحة بخط مغربي نسخي مدموج ملون.
3- الوقف والابتداء:
لحمزة بن حبيب بن عمارة الزيات أبي عمارة الكوفي المقرئ أحد القرَّاء السبعة ت 156 هـ ذكره ابن النديم.
4- وقف التمام:
لنافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم القارئ المدني أحد القرَّاء السبعة ت 169 هـ والكتاب ذكره ابن النديم وهو من الكتب التي حصل على إجازتها الخطيب البغدادي
5- القراءات:
لعباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد الأنصاري الواقفي ت 186 هـ وقد قرئ هذا الكتاب على ابن عدي.
قال ابن عدي: "قرأ علينا إبراهيم بن عليّ العمري بالموصل عن عبد الغفار بن عبد الله الموصلي، عن العباس بن الفضل الأنصاري قراءاته التي صنفها بكتاب كبير وفيه حديث صالح مما يرويه، وقد أنكرت في رواياته أحاديث معدودة وهو مع ضعفه يكتب حديثه".
6- الوقف والابتداء الكبير والوقف والابتداء الصغير:
لمحمد بن أبي سارة الكوفي الرؤاسي أبي جعفر النحوي ت 187 هـ قال ابن النديم: "وهو أول من وضع من الكوفيين كتابا في النحو".(33/214)
قال ثعلب: "كان الرؤاسي أستاذ الكسائي والفراء"
7- (1) اختلاف مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة:
لعلي بن حمزة بن عبد الله الأسدي الكوفي الكسائي أحد القرّاء السبعة ت 189 هـ.
وله أيضا:
8- (2) الآثار في القراءات:
وهو غير كتاب قراءة القرآن فقد وجدت عدّة روايات مرفوعة ينقلها أبو عمر حفص بن عمر الدوري في كتابه قراءات النبي صلى الله عليه وسلم عن الكسائي وأظن أنّ هذه الروايات نقلها من كتاب نسخة الكسائي وذكر الذهبي كتابا له باسم القراءات فلعلّه الكتاب المذكور (معرفة القراء الكبار 1/ 127)
ومن الجدير بالذكر أن أبا عمر حفص روى عن أبي عمرو بن العلاء والكسائي وهما من القراء السبعة.
9- (3) الوقف والابتداء:
0ا- (4) قراءة الكسائي:
وهو أحد القرّاء السبعة منه نسخة مصوَّرة في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى عن نسخة مكتبة سوهاج بمصر تقع في 22 ورقة برقم 829.
11- (5) العدد واختلافهم فيه:
12- (6) الهجاء:
13- (7) مقطوع القرآن وموصوله:
14- (8) الحروف:
15- (9) الهاءات:
16- هجاء السنّة:
للغازى بن قيس الأندلسي ت 199 هـ دوّن فيه روايته عن أهل المدينة.
كتب القرن الثالث الهجري
17- الوقف والابتداء:
ليحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي اليزيدي المقرئ ت 202.
18- وقف التمام:
ليعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله الحضرمي البصري أحد القراء العشرة ت 205هـ.
19- (1) اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف:
20- (2) الوقف والابتداء:
كلاهما ليحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي أبو زكريا الفراء النحوي ت 207 هـ (1) .
21-وقف التمام:
لسعيد بن مسعدة البلخي النحوي البصري المعروف بالأخفش ت 215 هـ.. وله أيضا كتاب الواحد والجمع في القرآن (2) .
22- أرجوزة حول تلاوة القران (بغير عنوان)(33/215)
لقالون أبي موسى: عيسى بن مينا بن وردان الأنصاري قارئ المدينة ت 220 هـ وقد ذكر سزكين المنظومة في رواية قالون نسخة التيمورية فقط وتوجد نسخة أخرى في ألمانيا مكتبة غوتا برقم 561 وعدد ورقاتها (16) ورقة.
23- كتاب فيه حروف عاصم
لعمرو بن الصباح البغدادي ت 221 هـ.
أفاد منه ابن الباذش في كتابه الإقناع في القراءات السبع.
24- عدد آي القرآن:
لأبي عبيد: القاسم بن سلام البغدادي ت 224 هـ.
25- الوقف والابتداء.
لخلف بن هشام البزار الأسدي أحد القراء العشرة ت 229 هـ.
26- القراءات (1) :
لمحمد بن سعدان الكوفي النحوي المقرئ الضرير أبي جعفر ت 231 هـ.
قال الذهبي: "صَنّف في العربية والقرآن".
27- جامع في القراءات:
28- الحروف: وقد يكون نفس الجامع السابق، وكلاهما لسليمان بن داود أبي الربيع الزهراني ت 234 هـ
29- وقف التمام:
لروح بن عبد المؤمن أبي الحسن الهذلي المقرئ النحوي ت 234 هـ.
30- الوقف والابتداء:
لعبد الله بن يحي بن المبارك العدوي البغدادي المعروف باليزيدى المقرئ ت 237 هـ.
31- رسم المصحف:
لأبى المنذر: نصير بن يوسف النحوي ت 240 هـ
قال الذهبي: "كان من الأئمة الحذّاق لاسيما في رسم المصحف وله فيه تصنيف.
32- الوقف والابتداء:
لأبي عمر: حفص بن عمر بن عبد العزيز الدوري البغدادي ت 240 هـ.
33- القراءات:
لمحمد بن يزيد بن محمد بن كثير الرفاعي ت 242 هـ ذكره الخطيب البغدادي قال:
"حدثنا عليّ بن الحسن حدثنا طلحة بن محمد بن جعفر..... وله كتاب في القراءات، قرأ علينا ابن صاعد أكثره". أفاد منه ابن الباذش في كتابه الإقناع في القراءات السبع
34- (1) القراءات:
35- (2) الإدغام:
36- (3) الهجاء:
ثلاثتهم لسهل بن محمد أبى حاتم السجستاني الجشمي النحوي المقرئ ت 248 أو 250 أو 255 هـ.
ولأبي حاتم أيضا.
37- (4) اختلاف المصاحف ومنه نسخة في ألمانيا/ برلين رقم 450/ الرابع/ 3.
38- (5) النقط.
39- (6) الإدغام:(33/216)
40- القراءات:
لإسحاق بن البهلول التنوخي ت 252 هـ ذكره الخطيب البغدادي.
41- الجامع في القراءات:
لابن رزين التميمي الرازي ثم الأصبهاني المقرئ ت 523 هـ ذكره الذهبي وذكر كتابين آخرين في العدد وفي الرسم ولم يذكر عنوانيهما.
42- (1) القراءات الخمس:
لأحمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل أنطاكية المتوفى سنة 258 هـ قال حاجي خليفة: "جمع كتابا في القراءات الخمس من كل مصر واحد".
وله أيضا:
43- (2) الجامع:
أفاد منه ابن الباذش في كتابه الإقناع في القراءات السبع.
44- (3) المختصر:
أفاد منه ابن الباذش في كتابه الإقناع في القراءات السبع.
45- (1) القراءات:
46- (2) آداب القراءة:
كلاهما لأبي محمد: عبد الله بن مسلم بن قتيبة ت 276 هـ ذكرهما الأستاذ سيد صقر في تقديمه لكتاب تأويل مشكل القرآن. وكلاهما مفقود.
47- رسالة في الوقف اللازم في القرآن الكريم:
لحسن بن وهب ت نحو 280 هـ
منه نسخة في مكتبة أوقاف الموصل برقم 13/ 20 مخطوطات المدرسة الإسلامية ضمن مجموع.
48- الوقف والابتداء:
لابن أبي الدنيا: عبد الله بن محمد بن عبيد ت 281 هـ.
49- الوقف والابتداء: (1)
لأحمد بن داود- الدينوري- أبي حنيفة المفسِّر ت 281 أو 282 هـ.
50- احتجاج القراءات:
لمحمد بن يزيد المبرد ت 285 هـ
ذكره ابن النديم.
51- القراءات:
لمحمد بن عيسى البياضي ت 294 هـ ذكره الخطيب البغدادي.
كتب القرن الرابع الهجري
52- احتجاج القراء في القراءة:
لشمس الدين: محمد بن السري المعروف بابن السراج النحوي المصري ت 316 هـ.
ذكره ياقوت الحموي وحاجي خليفة. وذكره الحموي مختصرا: بعنوان احتجاج القراء. وذكره السيوطي بعنوان: احتجاج القراءة.
53- القراءات:
لعبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني ت 316 هـ ذكره الزركلي (2) .
علما بأن سزكين سرد جلّ مصنفاته المخطوطة والمفقودة إلا هذا الكتاب.
54- شرح على الفرق بين الظاء والضاد:(33/217)
لابن دريد: محمد بن دريد الأزدي ت 321 هـ
منه نسخة في مكتبة تكلي أوغلو أنطاليا في تركيا برقم 2504 من ورقة رقم 14 ب- 33 ب كتبت في سنة 618 هـ.
55- (1) قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
56- (2) القراءات الكبير:
57- (3) القراءات الصغير:
58- (4) الياءات:
59- (5) الهاءات:
خمستهم لأحمد بن موسى بن العباس المعروف بابن مجاهد ت 324 هـ.
0 6- وله أيضا (6) كتاب المكيين أفاد منه ابن الباذش في الإقناع 1/ 363.
61- القراءات:
لأبي بكر: محمد بن أحمد بن عمر الداجوني ت 324 هـ.
62- قصيدة ابن خاقان في حسن أداء القران:
للخاقاني أبي مزاحم: موسى بن عبيد الله بن يحيى البغدادي ت 325 هـ.
ذكر سزكين عدة نسخ إلا أنه لم يذكر النسخ التالية:
- نسخة السعيدية في حيدر آباد برقم (69) 61 تجويد (20) ورقة كتبت في القرن الثالث عشر الهجري بعنوان: قصيدة في التجويد.
- نسختا الأزهرية في القاهرة برقم (192) 16230 وبرقم (274، 22281) .
الأولى من 31- 36 ورقة ضمن مجموع والثانية أيضا ضمن مجموع من 68- 70 بعنوان: "القصيدة الخاقانية ".
- نسخة جامعة أم القرى برقم (72/ 6) .
63- (1) الإيضاح في الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل:
لابن الأنباري: أبي بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار ت 328 هـ.
ذكره سزكين بإشارته إلى بروكلمان وحينما رجعت إلى بروكلمان وجدت أنه ذكر ست نسخ ولم يذكر النسخ التالية:
- تشستربتى/ دبلن برقم 4802 تقع في (139) ورقة وأخرى برقم 127.
- مكتبة الجامع الكبير في صنعاء برقم 178 تفسير تقع في (260) ورقة.
- الظاهرية/ دمشق برقم (325) علوم القرآن تقع في (198) ورقة نسخت في القرن الخامس الهجري.
- متحف طوبقابوسراي اسطنبول برقم 631A 164 تقع في (186) ورقة نسخت في القرن الخامس أيضا.
- العباسية في البصرة برقم (0 34) ب- 45 تقع في (272) ورقة نسخت في سنة
- البلدية/الأسكندرية برقم (3600- ح) القراءات والتجويد نسخت سنة 575هـ.(33/218)
- الظاهرية/دمشق برقم (324) علوم القرآن ضمن مجموع من (10- 218) ورقة كتبت في القرن السادس الهجري.
- جامعة ييل نيوهافن برقم 584- 121 تقع في (36) ورقة وأخرى برقم 585 L - 595 تقع في (122) ورقة.
- الأحمدية في حلب برقم 153 تقع بمجلد واحد (159) ورقة نسخت في سنة 719 هـ.
- حاجى بشير آغا في مكتبة السليمانية/ اسطنبول برقم (5) من ورقة (270- 374 أ) كتبت في القرن العاشر الهجري.
- تونك - الهند برقم (27) القراءات والتجويد تقع في (197) ورقة.
- دار الكتب في صوفيا برقم OP 3337 تقع في (216) ورقة ناقصة من الآخر.
- مصطفي أفندي/ السليمانية في اسطنبول برقم (7)
- فيض الله أفندي الوطنية/ اسطنبول برقم (13) تقع في (166) ورقة.
- كوبرلي زاده (محمد باشا) اسطنبول برقم (11) مجلد واحد.
ولابن الأنبارى أيضا:
64- (2) الهاءات في كتاب الله:
أشار إليه بروكلمان ولم يذكر نسخهُ ومنه نسخة في تشستربيتى/ دبلن برقم 2/365 من ورقة (16- 19 أ) كتبت في القرن السابع الهجري.
ونسخة أخرى في المكتبة الوطنية/ باريس برقم (651/2) من ورقة 67- 69 وهي قطعة كتبت سنة 882 هـ. ولم يذكر سزكين هذا الكتاب.
65- (3) كتاب فيه مرسوم الخط: لم يذكره بروكلمان ولا سزكين (1)
منه نسخة في رامبور/ الهند برقم (279) رسم الخط القرآن/ 4510 M من ورقة 56-60ب كتبت نحو سنة 833 هـ.
66- (4) كتاب ما رسم فيه من المقطوع والموصول: لم يذكراه أيضا.
منه نسخة في رامبور برقم (385) رسم خط القرآن/ 8495 M من ورقة 15 ب- 27 أ- كتبت في القرن الثاني عشر الهجري.
67- (5) الهجاء: كساب قه لم يذكراه. ذكره ياقوت والسيوطي (2) .
68- (6) الرد على من خالف مصحف عثمان:
اقتبس منه القرطبي في تفسيره.
69- (1) قراءة علي:
70- (2) ما خالف فيه ابن كثير أبا عمرو:
71- (3) انفراداته (لأنه تفرد بقراءات مخالفة) :
72- (4) شواذ القراءات:
73- (5) اختلاف القراء:(33/219)
لمحمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت أبى الحسن ابن شنبوذ ت 328 هـ.
ذكرها ياقوت والزركلي (1) .
74- (1) رسالة فيما لا يجوز الوقف عليه في القرآن:
لأبي منصور: محمد بن محمد بن محمود السمرقندي الماتريدي ت 333 هـ.
ذكر سزكين عدة نسخ لكن لم يذكر النسخ التالية:
- نسخة رامبور/ الهند برقم (280 التجويد 14137 D من ورقة 86 أ- 89 ب نسخت في القرن الثاني عشر الهجري، ونسخة أخرى بنفس رامبور برقم (281 التجويد) 8946 M من ورقة رقم 16 أ- 17 ب كتبت أيضا في القرن الثاني عشر الهجري.
- نسخة جامعة الرياض برقم 2861 م/ 2 تقع في خمس ورقات بعنوان أوقاف الكفر وهي المواضع التي يكفر من يقف عليها عمدا في قراءة القرآن ونسخة أخرى بأربع ورقات بعنوان بيان أوقاف الكفر.... بنفس الجامعة.
- الظاهرية/ دمشق برقم 1011 ضمن مجموع في علوم القرآن من ورقه 34- 37 أكتبت في سنة 1307 هـ بعنوان: مالا يجوز عليه الوقف.
نسختا دار الكتب/ القاهرة برقم 384 والأخرى برقم 609 مجاميع وكلتاهما بعنوان: رسالة فيما لا يجوز الوقف عليه.
وللسمرقندي الماتريدي أيضا.
75- (2) الوقوف المفروضة: ولم يذكره سزكين:
منه نسختان في جامعة الرياض برقم 2861 م/ 3 و 2861 م/ 1.
76- القطع والائتناف:
لأبي جعفر: أحمد بن إسماعيل المرادي المصري ت 338 هـ
أشار إليه سزكين ولم يذكر نُسَخه وقد سرد بروكلمان مصنفات النحاس إلا هذا الكتاب
ومنه النسخ التالية:
- كوبريلي (محمد باشا) اسطنبول برقم 22 وتقع في جزأين الأول: من ا- 133. والثاني من 134- 255 كتبت سنة 553 هـ.
- دار الكتب/ القاهرة برقم 19829 ب تقع في (340) صفحة نسخت في سنة 761 هـ.
- متحف طوبقابوسراي/ اسطنبول برقم 1633 A 165 تقع في (224) ورقة نسخت في سنة 782 هـ.
- عارف حكمت/ المدينة المنورة برقم (71) 39/ 223 تقع في (458) صفحة نسخت عام 824 هـ.
77- القراءات الثمان:(33/220)
لأبى إسحاق: إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي المقرئ ت 339 هـ ذكره الذهبي.
78 - (1) شواذ السبعة:
79 - (2) قراءة حفص:
80 - (3) قراءة حمزة الكبير:
81 - (4) قراءة الأعمش:
82 - (5) قراءة الكسائي (1) :
83 - (6) البيان والفصل:
لأبى طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبى هاشم البزار البغدادي ت 349 هـ.
وذكر ابن الجزري الأخير، وقد أفاد منه ابن الباذش (2) .
84- احتجاج القراء في القراءة:
لابن مقسم: محمد بن حسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي النحوي 341 هـ. وأظنه الآتي برقم (90)
85- القراءات:
لأبي بكر: أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة البغدادي المقرئ ت 350 هـ.
85م - قراءة حمزة:
لأبي محمد: عبد العزيز بن محمد بن الواثق البغدادي ت 350 هـ.
86 - (1) الجامع في القراءات:
أفاد منه الأهوازي (3) .
87- (2) المعجم الكبر في أسماء القراء وقراءاتهم:
كلاهما لأبي بكر: محمد بن الحسن النقاش المفسر ت 351 هـ.
قال الخطيب البغدادي: "وله تصانيف في القراءات".
88 - (1) قراءة الكسائي:
89- (2) قراءة حمزة:
لأبى عيسى: بكار بن أحمد بن بكار البغدادي ت 352 هـ.
90- (1) الصحاح في القراءات:
لابن مقسم: محمد بن الحسن المقرئ البغدادي ت 354 هـ.
ورد ذكره في إيضاح المكنون
وله أيضا الكتب التالية:
91- (2) المصاحف:
ذكره ياقوت والسيوطي (4) وابن النديم.
92- (3) الوقف والابتداء:
- ذكره ابن النديم وياقوت (5) والسيوطي (6) وحاجي خليفة.
93- (4) الانتصار لقراء الأمصار:
ذكره ياقوت والسيوطي (7) .
94- (5) اللطائف في جمع هجاء المصاحف:
ذكره ياقوت والسيوطي (8) وحاجى خليفة وسماه: اللطائف في جمع همز المصاحف.
95- (6) الاحتجاج في القراءات:
ذكره ابن النديم وياقوت (9) والسيوطي (10) .
96- (1) المحبّر في القراءات:
97- (2) المفيد في شواذ القراءات:(33/221)
كلاهما لأبي بكر: محمد بن عبد الله بن أشته الأصبهاني ت 360 هـ. حصل ابن خير الإشبيلي على إجازة رواية المحبر وذكر إسناده إلى المؤلف.
قال ابن الجزري: وكتابه المحبر كتاب جليل يدلّ على عظم مقداره وله كتاب المفيد في الشاذ وله أيضا:
98- (3) المصاحف:
أفاد منه السيوطي في الإتقان في عدة مواضع.
99- (1) السبعة الأصغر في القراءات:
100- (2) السبعة الأوسط:
101- (3) السبعة الأكبر:
ثلاثتهم لأبي بكر: محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقرئ ت 362 هـ.
102- الحجة في القراءات:
لأبى الحسن المنبجي المقرئ ت 366 هـ.
ذكره الذهبي.
103- (1) إعراب القراءات السبع وعللها:
لأبي عبد الله: الحسين بن أحمد بن خالويه ت 370 هـ.
منه نسخة مصورة عن مكتبة مراد ملا برقم 85 باستنبول في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم 879/ ف تقع في (325) ورقة كتبت بخط نسخي سنة 600 هـ وهى في جزأين نسخ الأول: أبو القاسم: أحمد بن فرامرز بن سروين الأبهري. ونسخ الثاني: صديق بن عمر بن محمد بن الحسن وعليها مقابلة. وله أيضا:
104- (2) البديع في القراءات السبع:
ومنه نسخة مصورة على الميكروفيلم بمركز البحث العلمي في جامعة أم القرى برقم 23 قراءات عن نسخة تثستربتى.
كتبت بخط كوفي ممتاز في القرن الرابع الهجري تقريبا في (105) ورقة، ونسخة أخرى مصورة بالمركز نفسه مصورة عن مكتبة الأسكوريال بإسبانيا برقم 936.
105- رسالة في وقف القرآن:
لأبى الحسن: على بن محمد بن إسماعيل التميمي الشافعي الأنطاكي ت 377 هـ.
- منه نسخة في العبدلية بجامع الزيتونة/ تونس برقم 421/ 43 مجموع تقع في (19) ورقة.
- ونسخة أخرى في المكتبة الوطنية/ تونس برقم 4203/ 1 ضمن مجموع به (12) رسالة يقع في (173) ورقة.
106- القراءات الثمانية:
لأبي طاهر محمد بن الحسن بن على الأنطاكي المقرئ ت 377 هـ.
ذكره الذهبي، وجزم بوفاته ابن العماد.
107- التذكرة في القراءات السبع:(33/222)
لأبى الحسن طاهر بن أحمد النحوي ت 380 هـ.
108- (1) الاستعاذة بحججها (1) :
109- (2) مذهب حمزة في الهمزة في الوقف (2) :
110- (3) طبقات القراء (3) :
111- (4) المدات (4) :
112- (5) آيات القرآن (5) :
113- (6) غرائب القراءات (6) :
114- (7) وقوف القرآن (7) :
115- (8) اختلاف عدد السور (8) :
116- (9) قراءة عبد الله بن عمرو (9) :
117- (10) الوقف والابتداء (10) :
118- (11) المقطع (أو المقاطع) والمبادئ (11) :
كلها لأبي بكر: أحمد بن الحسين بن مهران النيسابوري ت 381 هـ.
119- القراءات:
لأبى الحسن: علي بن عمر الدارقطنى المتوفي سنة 385 هـ ذكره حاجي خليفة ثم قال:
"جمع الأصول في أبواب عقدها أول الكتاب وصار القراء بعده يسلكون طريقته في التأليف.
120- القراءات السبع عند الأئمة السبعة:
لأبي أحمد: عبد الله بن الحسين بن حسنون المقرئ السامري ت 386 هـ.
وقد حصل أبو بكر: محمد بن خير الإشبيلي على إجازة روايته وذكر إسناده إلى المؤلف.
وترجم له سزكين وذكر له كتاب اللغات في القرآن فقط.
121- المفصح في القراءات:
لعبد الله بن محمد الأسدي ت 387 هـ.
ذكره حاجي خليفة.
122- (1) الياءات:
أفاد منه ابنُ الباذش في كتابه الإقناع.
123- (2) الإرشاد في معرفة مذاهب القراء السبعة وشرح أصولهم:
124- (3) إكمال الفائدة في القراءات السبع:
125- (4) التهذيب لاختلاف نافع في رواية ورش وأبي عمرو بن العلاء في رواية اليزيدي، واختلاف ورش وقالون عن نافع.
أربعتهم لأبي الطيب: عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون المقرئ ت 389 هـ.
وقد حصل أبو بكر محمد بن خير الأموي الإشبيلي على إجازة رواية هذه الكتب.
وقد ترجم سزكين للمؤلف وذكر له كتابين غير هذه الكتب. أما بروكلمان فذكر ثلاثة كتب غير المذكورة.
126- مختصر الجامع في القراءات العشر:
لأبى معشر الطبري ت 393 هـ.(33/223)
منه نسخة مصورة ميكروفيلم في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى عن نسخة الأزهرية برقم 606وتقع في 128 ورقة. كذا ورد بهذا العنوان ومن الجدير بالذكر أن الجامع في القراءات العشر لأبي معشر نفسه وقد حققه الزميل د. محمد سيدي محمد الأمين ونال به درجة الدكتوراه من جامعة أم القرى، ولعلهما كتاب واحد: الجامع.
127- الاستبصار:
لإبراهيم بن أحمد بن إسحاق الطبري المالكي البغدادي ت 393 هـ.
رآه ابن الجزري فقال: "وقفت له على كتاب في القراءات سماه الاستبصار أحسن فيه التحقيق".
128- نكات القرآن:
لعبد الله بن أحمد المقرئ ت 395 هـ.
منه نسخة مصورة في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى عن نسخة تشستربتي برقم 785 وتقع في 269 ورقة.
129- الكشف والبيان عن هاءات القرآن:
لأحمد بن على المقرئ الهمداني ت 398 هـ.
منه نسخة مصورة في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى عن نسخة دار الكتب المصرية برقم 826 وتقع في (12) ورقة (1) .
130- وقوف النبي صلى الله عليه وسلم:
لأبي عبد الله: محمد بن عيسى البريلي الأندلسي ت400هـ منه نسخة في رامبور/الهند برقم 330 التجويد 6274 د من 1 أ- 2 أكتبت في القرن الثالث عشر الهجري.
كتب القرن الخامس الهجري
131- منشأ القراءات في القراءات الثمان:
لفارس بن أحمد الحمصي ت 401 هـ
ذكره حاجي خليفة. والذهبي.
132- القراءات:
لمحمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي ت 402 هـ ذكره الزركلي (2) .
وقد ذكر سزكين كتابا واحدا بعنوان: تاريخ الكوفة فقط. علما بأن له كتباً أخرى بعنوان: التحف والطرف وروضة الأخبار.
133- قراءة حمزة:
لأبي الفرج: الهيثم بن أحمد بن محمد بن سلمة القرشي الدمشقي المعروف بابن الصباغ ت 403 هـ.
134- (1) المنتهى في الخمسة عشر:
قال ابن الجزرى: "يشتمل على مائتين وخمسين رواية، وقد قرأه ابن الجزري على شيوخه، وأفاد منه ابن الباذش (3) .
135- (2) تهذيب الأداء في القراءات السبع:(33/224)
ذكره الذهبي وابن الجزري (1) والزركلي (2) .
كلاهما لأبي الفضل محمد بن جعفر بن عبد الكريم الخزاعي الجرجاني ت 408هـ.
136- معاني القراءات:
لأحمد بن قاسم بن عيسى اللخمي الأقليشي الأندلسي ت 410 هـ.
137- التبصرة في القراءات السبع:
ذكر بروكلمان نسخة واحدة بينما ذكر د/ أحمد حسن فرحات ست نسخ.
138- الرعاية في تجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة:
ذكر بروكلمان ست نسخ فقط بينما ورد في الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط (22) نسخة (3) .
وكلاهما لمكي بن أبي طالب القيسي ت 437 هـ.
139- (1) منتخب حجة أبي على الفارسي: ثلاثون جزءا.
140- (2) الموجز في القراءات: جزءان.
141- (3) التنبيه على أصول قراءة نافع وذكر الاختلاف عنه: جزءان.
142- (4) الانتصاف فيما رده على أبي بكر الأدفوي وزعم أنه غلط فيه في كتاب الإِبانة: ثلاثة أجزاء.
143- (5) الرسالة إلى أصحاب الأنطاكي في تصحيح المَد لِوَرْش: جزءان.
144- (6) كلاّ وبلى في القرآن: جزءان.
145- (7) الاختلاف في عدد الأعشار: جزء واحد.
146- (8) الاختلاف بين قالون وأبى عمرو: جزء.
147- (9) الاختلاف بين قالون وابن كثير: جزء.
148- (10) الاختلاف بين قالون وابن عامر: جزء.
149- (11) الاختلاف بين قالون وعاصم: جزء.
150- (12) شرح رواية الأعشى عن أبى بكر عن عاصم: جزء.
151- (13) شرح الإِدغام الكبير في المخرج: جزء.
152- (14) اختصار الألفات: جزء.
153- (15) شرح الفرق لحمزة وهشام: جزء.
154- (16) شرح اختلاف العلماء في الوقف على قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} جزء.
155- (17) الاختلاف بين أبى عمرو وحمزة: جزء.
156- (18) اختصار الإدغام الكبير على الف با، تا، ثا: جزء.
157- (19) اتفاق القراء: جزء.
158- (20) اختلاف القراء في ياءات الإضافة وفي الزوائد: جزء.
159- (21) اختصار الوقف على كلاّ وبلى ونعم: جزء.(33/225)
160- (22) منع الوقف على قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى} جزء.
161- (23) التذكرة لاختلاف القراء السبعة: جزء.
162- (24) إصلاح ما أغفله ابن سرة في قراءات شاذة: جزء.
163- (25) وجوه كشف اللبس التي لبس بها أصحاب الأنطاكي في المد لورش.
164- (26) فرش الحروف المدغمة: جزءان.
165- (27) شرح التمام والوقف: أربعة أجزاء.
وهذه الكتب كلها لمكي بن أبى طالب القيس ى ت 413 هـ. ذكرها القفطي ضمن ثبت تصانيف مكي ومعظم هذه الكتب في عداد المفقود. وتوجد نسخة من كتاب الوقف على "كلا"و"بلى"في دار الكتب المصرية ملحقة بكتاب الرعاية لتجويد القراءة تحت رقم (207) . تفسير تيمور. ونسخة ثانية باسم شرح "كلا"و"بلى"و"نعم"والوقف على كل واحدة منها وذكر معانيها ذكرتها الفهارس المصورة لمعهد المخطوطات في الجامعة العربية وهي مصورة عن نسخة كتبت سنة 826 هـ بخط نسخ حسن كتبها أبو الوفاء علي بن إبراهيم بن عمران الصابوني تحت رقم مدينة (116) (2) في 20 ورقة مقاس 14/ 18.5.
ذكر هاتين النسختين د/ أحمد حسن فرحات ثم عقب بقوله: "إلا أننا رجعنا إلى معهد المخطوطات لنرى هذه النسخة فوجدنا وعاءها فارغا يدل على أن النسخة فقدت". إهـ.
وقد ذكر أيضا ثلاث نسخ لكتاب اختصار الوقف على "كلا"و"بلى"و"نعم": الأولى في السليمانية والثانية في دار الكتاب المصرية، والثالثة ضمن مجموع في المكتبة الوطنية بتونس تحت رقم (8769) .
وقد ذكر آية الله الشيخ آغا بزرك الطهراني في استدراكاته على كشف الظنون نسخة بعنوان: اختلافات القراء بخط قديم جدا في الخزانة الغروية. وذكر أخرى بعنوان: اختلاف القراء على ترتيب السُّور من الفاتحة إلى الناس وبين أنَّها نسخة عتيقة في مكتبة الحاج ميرزا محمد حسين الشهرستاني...... .(33/226)
وكتاب التفسير الذي مرَّ برقم (3) وكتاب المنتخب الذي مرَّ برقم (1) وكتاب التذكرة برقم (23) حصل على إجازة روايتها وحدث بها الإمام ابن خير الإشبيلي حيث ذكر إجازته بإسناده إلى مكي.
166- (28) الوقف:
وهي رائية في أبيات (131) على مقرئ الإمام نافع: لمكي أيضا. ومنها نسخة في الخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع برقم 672 (1371) من ورقة 225 أ- 229 ب كتبت في سنة 1312 هـ.
167- (29) رسالة فيما خالف فيه قالون ورشا فيما روي عن نافع:
منه نسخة في الخزانة العامة بالرباط بقلم مغربي ضمن مجموعة برقم 283 تقع في 17 ورقة.
168- الكافي في القراءات السبع:
لأبى محمد: إسماعيل بن أحمد السرخسي الهروي ت 414 هـ.
قال ابن الصلاح: "رأيته وهو في عدة مجلدات، وهو كتاب ممتع يشتمل على علم كثير في مجلدات".
169- المجتبى في القراءات:
لأبى القاسم: عبد الجبار بن أحمد الطرسوسي ت 420 هـ ذكره الذهبي.
170- الواضح في القراءات السبع:
لأبي الحسين: أحمد بن رضوان بن محمد بن جالينوس الصيدلاني البغدادي المقرئ ت 423 هـ ورد ذكره في إيضاح المكنون.
171- قراءات النبي صلى الله عليه وسلم:
لأبي نعيم: أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني ت 430 هـ حصل على إجازة روايته أبو علي الحسن بن أحمد الحداد ت 515 هـ. فقد ذكره السمعاني ضمن ثبت مسموعات أبي علي الحداد.
172- (1) بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات وكثرة الطرق والروايات:
لأبى العباس: أحمد بن عمار المهدوي المقرئ ت 430 هـ خط نسخ واضح نسخه علي بن عبد الله بن محمد الغزي سنة 859 هـ (4) ورقات. نسخة ميكروفيلمية مصورة عن النسخة المحفوظة بمكتبة تشستربتي. وصورتها محفوظة في مكتبة مركز البحث العلمي في جامعة أم القرى برقم 26 مجاميع القراءات.وله أيضا:
173- (2) التيسير في القراءات:
ذكره حاجى خليفة وقال: ذكره الجعبري وقال: له التيسير (التيسيران) الكبير والصغير.
174- (3) الكفاية في شرح مقارئ الهداية:(33/227)
حصل على إجازة روايته ابن خير الإشبيلي (1) .
175- (4) الموضح في تعليل وجوه القراءات:
منه نسخة في الخزانة العامة بالرباط كتبت سنة 563 هـ بحلب تقع في 145 ورقة برقم 139. ولم يذكر بروكلمان هذه النسخة.
176- الروضة في القراءات الإحدى عشرة:
للحسن بن محمد بن إبراهيم أبي علي البغدادي المالكي نزيل مصر ت 438 هـ.
منه نسخة بمكتبة الحرمين بمكة تقع في (189) ورقة ومنه نسخة في تشستربتي برقم 4795.
177- المفيد في القراءات:
لأبي نصر أحمد بن مسرور بن عبد الوهاب الخباز البغدادي ت 442 هـ. ذكره ابن الجزري (2) .
178- (1) تاريخ طبقات القراء والمقرئين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين إلى عصر مؤلفه وجامعه على حروف المعجم:
الشيخ الحافظ المقرئ أبو عمرو: عثمان بن سعيد الداني ت 444 هـ. وقد حصل على إجازة روايته أبو بكر: محمد بن خير الإشبيلي (3) . وأفاد منه ابن الباذش في الإقناع 1/ 566.
179- (2) تبصرة المبتدى وتذكرة المنتهى في القراءات:
منه نسخة ميكروفيلمية مصورة عن نسخة الظاهرية في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى برقم 32 مجاميع/ القراءات. بخط معتاد (66) ورقة.
وللداني كتب أخرى ذكرها أبو بكر محمد بن خير الإشبيلي ثم ذكر إجازته وإسناده إلى الداني وهي:
180- (3) المحتوى على الشاذ من القراءات:
قال ابن الجزري: "مجلد".
181- (4) التنبيه على مذهب أبي عمرو بن العلاء في الإمالة والفتح بالعلل:
182- (15 تذكير الحافظ لتراجم القراء والنظائر منها:
183- (6) إيجاز البيان عن أصول قراءة ورش عن نافع:
قال ابن الجزري مجلد. ذكره بروكلمان ناقصا باسم الإيجاز والبيان.
184- (7) الإيضاح في الهمزتين:
185- (8) المسألة الستينية وهي مسألة من الهمز:
186- (9) الياءات:
قال ابن الجزري مجلد- (غاية النهاية 1/ 505) .
187- (10) الاقتصاد في القراءات السبع: (4)
188- (11) التعريف في القراءات:(33/228)
منه نسخة محفوظة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 1532 خط معتاد غير معروف ناسخه في (8) ورقات ومن هذه النسخة صورة ميكروفيلمية محفوظة بمكتبة البحث العلمي بجامعة أم القرى.
189- (12) التلخيص لأصول قراءة نافع بن عبد الرحمن.
190- (13) الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات وعقد الديانات بالتجويد والدلالات.
وقد حصل إجازة روايتها الإشبيلي أيضا ومنه نسخة مصورة في مخطوطات جامعة الدول العربية (الفهرس 2/10) .
191- (14) جامع البيان في القراءات السبع:
ذكره حاجي خليفة وقال: وهو أحسن مصنفاته يشتمل على نيف وخمسمائة رواية وطريق. وقيل: إنه جمع فيه كل ما يعلمه في هذا العلم وأفاد منه ابن الباذش في الإقناع 1/ 556 ومنه ثلاث نسخ: الأولى: تركية في نور عثمانية برقم 62. والثانية: مصرية في دار الكتب برقم 3 قراءات. والثالثة: هندية في خدا بخش رقم 110.
192- (15) البيان في عدد آي القرآن: منه صورة ميكروفيلم في جامعة أم القرى:
عن مكتبة الأحقاف باليمن برقم 939.
193- (16) فائدة الهمزتين إذا كانتا في كلمتين:
منه نسخة مخطوطة في جامعة الإمام محمد بن سعود برقم 1073 مجموع (ورقتان) نسخت بخط نسخي بقلم: علي بن إسماعيل المصري سنة 1271 هـ. وأظنه نفس الكتاب المتقدم بعنوان: الإيضاح في الهمزتين. وسماه ابن الجزري: "مذاهب القراء في الهمزتين بمجلد".
194- (17) التمهيد لاختلاف قراءة نافع: مجلد.
195- (18) الإمالات: مجلد.
196- (19) الراآت لورش: مجلد.
197- (20) المكتفي في الوقف والابتداء:
ذكر بروكلمان (11) نسخة بينما سرد محقق هذا الكتاب د/ يوسف المرغلي (28) نسخة وقد أفاد وأجاد بوصفها وأماكن وجودها.
198- (21) الاهتداء في الوقف والابتداء:
أوله: "الحمد لله منزل الكتاب العزيز على أحسن تأليف.. "يوجد منه نسخة مخطوطة في المكتبة الأزهرية بالقاهرة ضمن مجموع رقم (276) 22283.(33/229)
199- (22) باب اختصار القول في (كلا وبلى ونعم) في الوقف:
توجد منه نسخة في الجامع الكبير بصنعاء برقم 1590 من ص 180-184.
200- (23) تقييد في فوائد مخارج الحروف والمد والإدغام والإظهار:
منه نسخة- في تطوان- المغرب برقم 11/881 م من ورقة 327-333.
201- (24) رسالة في تلاوة القرآن:
منه نسخة في خونتا مدريد برقم 12/ 1 من ورقة 1-157 نسخت في القرن العاشر.
202- (25) فائدة في أقسام الوقف القبيح:
منه نسخة في جامعة الإمام محمد بن سعود/ الرياض ضمن مجموع برقم 1073 ثلاث ورقات من (33 ب- 35 أ) رقم الحفظ نسخت بقلم علي بن إسماعيل المصري في سنة 1271 هـ.
203- (26) فائدة في مخارج الحروف وأصنافها:
نفس المعلومات السابقة من ورقة (36 أ- 37 ب) .
204- (27) الفرق بين الضاد والظاء في كتاب الله:
منه نسخة في المكتبة الوطنية بمدريد برقم 450 تقع في (22) ورقة.
205- (28) مخارج الحروف:
منه نسخة في المكتبة الوطنية- باريس برقم 610/ 4 يقع في ورقة واحدة نسخت في سنة 970 هـ.
206- (29) الموضح لمذاهب القراء واختلافهم في الفتح والإمالة:
منه نسخة في الأزهرية القاهرة برقم (103-7661) ضمن مجموع من ورقة 23- 73 كتب سنة 836 هـ.
207- (30) الإشارة بلطيف العبارة في القراءات المأثورات بالروايات المشهورات:
من نسخة في مكتبة البلدية بالإسكندرية برقم 1807 وصورتها بجامعة أم القرى.
انتهى القسم الثالث ويليه القسم الرابع إن شاء الله
فهرس المراجع
- الإتقان في علوم القرآن - للسيوطي ت 911 هـ. تحقيق محمد إبراهيم ط 3 سنة 1405 هـ دار التراث- القاهرة.
- الأعلام للزركلي- دار العلم للملايين- لبنان ط 5 سنة 1400 هـ.
- إعلام الموقعين عن رب العالمين- ابن قيم الجوزية ت 751 هـ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد- بدون طبعة ولا تاريخ.(33/230)
- الإقناع في القراءات السبع- ابن الباذش ت 540 هـ تحقيق عبد المجيد قطامش نشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى ط 1 سنة 1403 هـ.
- الإمام أبو عمرو الداني وكتابه جامع البيان في القراءات السبع- د. عبد المهيمن طحان- مكتبة المنارة مكة المكرمة ط 1 سنة 1408هـ.
- إنباه الرواة على أنباه النحاة- الوزير القفطي ت 624 هـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- دار الفكر العربي- القاهرة ومؤسسة الكتب الثقافية بيروت ط 1 سنة 1406 هـ
بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة- السيوطي ت 911 هـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار الفكر- ط 2 سنة 1399 هـ
- تاريخ بغداد- للخطيب البغدادي ت 493 هـ نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.
- تاريخ الأدب العربي- لكارل بروكلمان- ترجمة د. عبد الحليم النجار- دار المعارف- مصر ط 4
- تاريخ التراث العربي- لفؤاد سزكين- طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ط 2 سنة 1402هـ
- التحبير الكبير في المعجم الكبير- للسمعاني ت 562 هـ تحقيق منيرة ناجي سالم- مطبعة الإِرشاد- بغداد سنة 1395 هـ
- تذكرة الحفاظ للذهبي ت 748 هـ طبعة الهند
- ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي عياض ت 544 هـ تحقيق د. أحمد بكير- منشورات دار مكتبة الحياة- بيروت سنة 1387 هـ
- الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ومحدثها- يوسف العشي مطبعة الترقي- دمشق سنة 1366 هـ
- دراسات تاريخية. أ. د. أكرم ضياء العمري- طبع المجلس العلمي بالجامعة الإِسلامية في المدينة المنورة
- سير أعلام النبلاء- للذهبي- مؤسسه الرسالة بيروت ط 1
- طبقات المفسرين- للداوودي ت 945 هـ دار الكتب العلمية لبنان ط1 سنة 1403 هـ
- غاية النهاية في طبقات القراء- ابن الجزري ت 833 هـ نشر ج. برجستراسر- دار الكتب العلمية ط 2 سنة 1400 هـ
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني طبعة دار الفكر- بيروت.(33/231)
- فهارس الخزانة الحسينية بالقصر الملكي بالرباط/ المجلد السادس تصنيف محمد العربي الخطابي مطبعة النجاح الجديدة سنة 1407 هـ الدار البيضاء.
- فهرس التفسير وعلوم القرآن- إعداد فراج عطا سالم- مركز البحث العلمي- جامعة الملك عبد العزيز كلية الشريعة سابقا والآن جامعة أم القرى.
- فهرس جامعة أم القرى- نشر عمادة شؤون المكتبات ط اسنة 1403 هـ
- فهرس الخزانة العلمية الصبيحية بسلا. د. محمد حجي منشورات معهد المخطوطات العربية - الكويت ط 1 سنة 1406 هـ
- الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط- مخطوطات التجويد- الجزء الأولى ومخطوطات التفسير الجزءان الأول والثاني المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية/ الأردن.
- فهرس علوم القرآن- مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى- إعداد قسم الفهرسة ط 1 سنة 1406 هـ.
- فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في الموصل- وزارة الأوقاف- العراق سنة 1397 هـ.
- الفهرست لابن النديم ت 385 هـ تحقيق رضا تجدد طبعة طهران سنة 1391 هـ.
- فهرست ما رواه عن شيوخه- ابن خير الإشبيلي الأموي ت 575 هـ منشورات دار الآفاق الحديثة- بيروت ط 2 سنة 1399 هـ.
- فهرست المخطوطات والمصورات في جامعة الإِمام محمد بن سعود الإسلامية الجزء الثاني- التفسير وعلوم القرآن- مطابع جامعة الإمام نفسها سنة 1402 هـ
- قراءات النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عمر حفص بن عمر الدوري ت 246 هـ بتحقيقي مكتبة الدار بالمدينة المنورة ط 1 سنة 1408 هـ.
- الكامل في ضعفاء الرجال- لابن عدي ت 365 هـ- مطبعة دار الفكر بيروت ط 1 سنة 1404 هـ.
- الكتب التي أوردها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد- مقال للأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري طبع ضمن دراسات تاريخية طبعة المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية ط 1 سنة 1403 هـ.
- كشف الظنون- حاجي خليفة- دار الفكر بيروت.(33/232)
- مجموعة مختارة لمخطوطات عربية نادرة من مكتبات عامة في المغرب- عالم الكتب- بيروت ط 1 سنة 1407 هـ.
- المحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني ت 444 هـ طبع بدمشق سنة 1960 هـ.
- معجم الأدباء- ياقوت ط 3 دار الفكر- سنة 1400 هـ.
- معجم الدراسات القرآنية د/ إبتسام مرهون الصفار- ط جامعة الموصل.
- معجم مصنفات القرآن الكريم د/ علي شواخ إسحاق- منشورات دار الرفاعي- الرياض ط 1 سنة 1407 هـ.
- معرفة القراء الكبار- الذهبي تحقيق بشار عواد وشعيب الأرناؤوط وصالح مهدي- مؤسسة الرسالة ط 1 سنة 1404 هـ
- المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار- للداني ت 444 هـ تحقيق محمد دهمان- دار الفكر- مصورة عن ط 1 سنة 1940- دمشق.
- مكي بن أبي طالب وتفسير القرآن د/ أحمد حسن فرحات- دار الفرقان عمان ط اسنة 1404 هـ
- منار الهدى في الوقف والابتداء- الأشموني ط الحلبي- القاهرة.
- موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد. أ. د. أكرم ضياء العمري دار طيبة، الرياض ط 2 سنة 1405.
---
(1) الفهرست ص 38 وانظر:: ترجمته في غاية النهاية 1/ 338.
(2) انظر:: الفهرس الشامل للتراث/ التجويد 1/ 7.
(3) فهرس الخزانة العلمية الصبيحية ص44.
(4) الفهرست ص 38، وانظر:: ترجمته في معرفة القراء الكبار 1/ 111 مع الهامش.
(5) الفهرست ص 39.
(6) الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ومحدثها ليوسف العش ص 95.
وانظر: ترجمته في معرفة القراء الكبار 1/ 107 مع الهامش.
(7) الكامل في ضعفاء الرجال ص 1665.
(8) انظر: الفهرست ص 71 وكشف الظنون 2/ 1470، وانظر: بغية الوعاة 1/ 109 والأعلام للزركلي 6/ 271.
(9) انظر: الفهرست ص 71 وكشف الظنون 2/ 1470، وانظر: بغية الوعاة 1/ 109 والأعلام للزركلي 6/ 271.
الفهرست ص 38.
انظر: ترجمته في معرفة القراء الكبار 1/ 120 مع الهامش حيث ترجم له جمع غفير من المؤرخين.(33/233)
انظر:: تاريخ بغداد 11/ 403 أفدت هذا الموضع من موارد الخطيب البغدادي للأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري وكذا المواضع التي نقلناها من الخطيب البغدادي.
(1) وقد دفع للطبع بتحقيقي والناشر: مكتبة الدار.
(2) انظر: منار الهدى ص 6.
(3) فهرس علوم القرآن 2/ 218.
(4) انظر: معرفة القراء الكبار 1/ 127 والفهرست ص 33.
(5) انظر: المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ص 22.
(6) انظر: المصدر السابق وعن ترجمته انظر: ترتيب المدارك 3/ 114و115 والديباج المذهب 2/ 136 مع هامشه حيث ترجم له آخرون.
(7) الفهرست ص 73 و 74 ومعجم الأدباء20/ 31.
(8) انظر: ترجمته في معرفة القراء الكبار 1/ 151 مع الهامش حيث ترجم له جمع غفير من المؤرخين.
(9) الفهرست ص 39.
(10) انظر: ترجمته في معرفة القراء الكبار 1/ 157 مع الهامش.
(11) الفهرست ص 38 و 73 ومعجم الأدباء0 2/ 3 1 و 4 1 وإنباء الرواة 4/ 1 2.
(12) الفهرست ص 38 و 73 ومعجم الأدباء0 2/ 3 1 و 4 1 وإنباء الرواة 4/ 1 2.
(13) انظر: ترجمته في إنباء الرواة 4/ 7- 22 وقد ترجم له القفطي ترجمة حافلة.
وانظر: هامشه حيث ترجم للفراء جمع من المؤرخين.
(14) الفهرست ص 58 وانظر: إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون 4/ 714.
(15) انظر: ترجمته في بغية الوعاة 1/ 590.
(16) انظر: الإتقان 1/ 10.
(17) انظر: الفهرست الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط علوم القرآن: مخطوطات التجويد 1/ 11.
(18) انظر: ترجمته في غاية النهاية 1/ 601.
(19) انظر: 1/122.
(20) انظر: الفهرست ص 78 و 38.
(21) انظر: الفهرست ص 78 و 38.
(22) ذكر سزكين كتبه ولكن لم يذكر هذا الكتاب، (تاريخ التراث العربي 1/ 39)
وللتوسع في ترجمته راجع معرفة القراء الكبار 1/ 258 مع الهامش.
(23) الفهرست ص 87 وتاريخ بغداد 5/ 324 نقلا من الموارد.
(24) معرفة القراء الكبار 1/ 217 مع الهامش(33/234)
(1) ذكره أبو عمرو الداني في طبقات القراء (انظر: سير أعلام النبلاء10/ 676)
ذكره الخطيب البغدادي في ترجمة محمد بن حماد الدباغ. وذكر أن محمداً هذا كان عنده كتاب الحروف لأبى الربيع الزهراني (تاريخ بغداد 2/ 273)
(2) انظر: ترجمته في سير أعلام النبلاء10/ 676 مع الهامش.
(3) الفهرست ص 39.
(4) انظر: ترجمته في معرفة القراء الكبار 1/ 214 مع الهامش.
(5) الفهرست ص 38.
(6) غاية النهاية 1/ 463.
معرفة القراء الكبار 1/ 213 و 214 مع الهامش.
(7) الفهرست ص 38.
(8) تاريخ بغداد 3/ 376.
1 / 224.
(9) انظر: ترجمته وكتبه في الفهرست ص 64 وإنباه الرواة 2/ 58- 64 مع الهامش بالنسبة للمصادر الأخرى لترجمته. وانظر: معجم الأدباء11/ 265 والفهرست ص 64 وكشف الظنون 2/ 1449.
(10) انظر: الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط علوم القرآن/ رسم المصاحف ص 2.
(11) انظر: المحكم في نقط المصاحف ص 9.
(12) انظر: الفهرست ص 64.
(13) تاريخ بغداد 6/ 367.
معرفة القراء الكبار 1/ 223- 224.
كشف الظنون 2/ 1449 وانظر: ترجمته في معرفة القراء الكبار 1/ 207 وغاية النهاية 1/ 42.
انظر: على سبيل المثال 1/ 299.
انظر: على سبيل المثال 1/ 299 و 344 و 345.
انظر: ص 28 وانظر: الديباج المذهب 1/ 162.
(14) فهرست مخطوطات مكتبة الأوقات العامة في الموصل 2/ 91.
(15) ذكره وترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء13/ 397- 404 وساق جلّ مصنفاته ومنها هذا الكتاب.
(16) انظر: منار الهدى ص 6.
(17) انظر: ترجمته في طبقات المفسرين للداوودي 1/ 42 مع الهامش.
(18) الفهرست ص 65.
(19) تاريخ بغداد 2/ 401.
معجم الأدباء 18/ 200.
كشف الظنون 1/ 15 و 2/ 1318.
بغية الوعاة 1/ 110.
(20) الأعلام 4/ 91.
(21) تاريخ التراث العربي 1/ 344 و 345.(33/235)
(1) انظر: الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط علوم القرآن/ مخطوطات التجويد 1/ 15.
(2) انظر: الفهرست لابن النديم ص 34.
(3) انظر: كشف الظنون 2/ 1449.
(4) انظر: الفهرس الشامل للتراث/ التجويد/ 1/ 16 و 17.
(5) انظر: فهرس جامعة أم القرى ص 33.
(6) انظر: تاريخ الأدب العربي 2/ 215- 216 وتاريخ التراث العربي 1/ 53.
(7) انظر: الفهرس الشامل للتراث/ علوم القرآن/ التجويد 1/ 18- 22 وقد حقق هذا الكتاب محيى الدين عبد الرحمن رمضان وطبعه بدمشق بنثر مجمع اللغة العربية بدمشق وقد اطلع المحقق على خمس عشرة نسخة من مجموع ثلاث وعشرين نسخة حسب ما ورد في المصدر السابق. وقد وصف المحقق النسخ وصفا دقيقا ومفيدا.
(8) انظر: الفهرس الشامل للتراث/ التجويد 1/ 22 وقارن مع تاريخ الأدب العربي 2/ 216.
(9) انظر: تاريخ الأدب العربي 2/ 215- 216 وتاريخ التراث العربي 1/ 53.
(10) انظر: الفهرس الشامل للتراث/ علوم القرآن/ رسم المصاحف ص 3.
(11) انظر: تاريخ الأدب العربي 2/ 215- 216 وتاريخ التراث العربي 1/ 53.
(12) انظر: الفهرس الشامل للتراث/ علوم القرآن/ رسم المصاحف ص 3.
(13) معجم الأدباء18/ 313.
(14) بغية الوعاة 1/ 214.
(15) انظر: على سبيل المثال 1/ 5، 60، 81، 83.
(16) معجم الأدباء17/ 170.
(17) الأعلام 5/ 309 مع هامشه حيث ترجم له آخرون.
(18) انظر: تاريخ التراث العربي المجلد الأول الجزء الرابع ص 42.
(19) الفهرس الشامل للتراث/ التجويد 1/ 22- 24.
(20) نفس المصدر السابق 1/ 25.
(21) تاريخ التراث العربي 1/ 53 وتاريخ الأدب العربي 2/ 275 و276.
(22) انظر: الفهرس الشامل للتراث/ علوم القرآن/ التجويد ص 26. وقد حقق هذا الكتاب على النسخ المذكورة د. أحمد خطاب العمر- جامعة الموصل- مطبعة العاني بغداد سنة 1398 هـ.
(23) معرفة القراء الكبار 1/ 287-288.(33/236)
(1) انظر: إيضاح المكنون 4/ 307 و221.
(2) غاية النهاية 1/ 475- 477.
(3) الإقناع في القراءات السبع 1/ 339.
(4) انظر: كشف الظنون 1/ 15.
(5) انظر: إيضاح المكنون 4/ 321.
(6) انظر: إيضاح المكنون 4/ 221.
(7) انظر: الإقناع في القراءات السبع 2/ 792.
(8) لأعلام 6/ 81.
(9) تاريخ بغداد 2/ 1 20 وانظر: ترجمته في معرفة القراء الكبار 1/ 294- 298.
(10) انظر: إيضاح المكنون 4/ 221.
(11) 4/64
(12) معجم الأدباء18/ 153.
(13) بغية الوعاة 1/ 90.
(14) الفهرست ص 36.
(15) الفهرست ص 36.
(16) معجم الأدباء18/ 153.
(17) بغية الوعاة 1/ 89 و 90.
(18) كشف الظنون 2/ 1470.
(19) معجم الأدباء18/ 153.
(20) بغية الوعاة 1/ 90.
(21) معجم الادباء18/ 153.
(22) بغية الوعاة 1/ 90
(23) كشف الظنون 2/ 1553.
(24) الفهرست ص 36.
(25) معجم الأدباء18/ 153.
(26) بغية الوعاة 1/ 90.
(27) فهرست ما رواه عن شيوخه ص 24.
(28) غاية النهاية 2/ 184 وانظر: الأعلام 6/ 224.
(29) انظر: على سبيل المثال 1/ 61 و 69 و 76 و 24 1 و 49 1 و 167 و 170.
(30) انظر: كشف الظنون 4/ 302 وانظر: ترجمته في معرفة القراء الكبار 1/ 306 مع الهامش حيث ترجم له جمع كثير من المؤرخين ولكن الذهبي ذكر تاريخ وفاته سنة 354 هـ فيكون على هذا ابن مقسم المتقدم برقم 90 والله اعلم (انظر: المصدر السابق) .
(31) معرفة القراء الكبار 1/ 336.
(32) فهرست المخطوطات والمصورات لجامعة الإمام محمد بن سعود قسم المصاحف والتجويد والقراءات 1/ 37.
(33) فهرس المصورات الميكروفيلمية بمركز البحث العلمي في جامعة أم القرى القسم الثاني القراءات ص/ 215.
(34) فهرس علوم القران 2/ 40.
(35) انظر: الفهرس الشامل للتراث/ علوم القرآن/ التجويد ص/ 27.
(36) معرفة القراء الكبار 1/ 345.
(37) شذرات الذهب 3/ 90.(33/237)
(1) كشف الظنون 1/ 392.
(2) انظر: غاية النهاية 1/49.
(3) انظر: غاية النهاية 1/49
(4) انظر: غاية النهاية1/49.
(5) انظر: غاية النهاية1/49.
(6) انظر: الأعلام 1/ 115.
(7) انظر: الأعلام 1/ 115.
(8) انظر: معجم الأدباء3/ 13 و 14.
(9) انظر: معجم الأدباء3/ 13 و 14.
(10) انظر: معجم الأدباء3/ 13 و 14.
(11) انظر: معجم الأدباء3/ 13 و 14.
(12) انظر: معجم الأدباء3/ 13 و 14.
(13) انظر: ترجمته في الكتب السابقة.
(14) كشف الظنون 2/ 1449.
(15) فهرست ما رواه عن شيوخه ص/ 27 و28.
(16) تاريخ التراث العربي 1/ 105.
(17) كشف الظنون 2/ 1774.
(18) 1/547
(19) فهرست ما رواه عن شيوخه ص/ 25-27.
(20) تاريخ التراث العربي 1/ 47.
(21) تاريخ الأدب العربي 4/ 6.
(22) فهرس علوم القران 2/ 292.
(23) غاية النهاية 1/ 6.
(24) فهرس علوم القران 2/ 231.
(25) فهرس علوم القران 2/ 246.
(26) انظر: الفهرس الشامل للترات/ علوم القرآن/ التجويد 1/ 28.
(27) كشف الظنون 2/ 1861.
(28) معرفة القراء الكبار 1/ 379.
(29) الأعلام 6/ 71.
(30) تاريخ التراث العربي المجلد اجزء2 ص 220.
(31) الاعلام 6/ 71.
(32) معرفة القراء الكبار 1/ 378.
(33) غاية النهاية 2/ 109.
(34) النشر في القراءات العشر 1/ 93.
(35) انظر: على سبيل المثال: الإقناع في القراءات السبع 1/ 206 و 300
(36) معرفة كبار القراء1/ 380.
(37) غاية النهاية 2/ 109.
(38) الأعلام 6/ 71.
(39) انظر: غاية النهاية 1/ 97.
(40) انظر: مكي بن أبى طالب وتفسير القرآن ص/ 117 و 118.
(41) قسم علوم القرآن- مخطوطات التجويد 1/ 35- 39.
(42) هذا الكتاب هو نفس الكتاب السابق برقم (5) من كتب المؤلف.
(43) إنباه الرواه 3/ 315- 318.
(44) مكي بن أبى طالب وتفسير القرآن ص/ 121 و 122.(33/238)
(1) انظر: ذيل هدية العارفين ص/ 12 مع المصدر السابق ص/ 121.
(2) فهرست ما رواه عن شيوخه ص/ 41.
(3) الفهرس الشامل- مخطوطات التجويد 1/ 40.
(4) مجموعه مختارة لمخطوطات عربية نادرة من مكتبات عامة والمغرب ص 16.
(5) كشف الظنون 2/ 1379.
(6) معرفة القراء الكبار 1/ 382.
1 / 699.
(7) انظر: التحبير في المعجم الكبير 1/ 179 و 181.
(8) فهرس المصورات الميكروفيلمية بمركز البحث العلمي القسم الثاني القراءات ص 216.
(9) كشف الظنون 1/ 520.
(10) فهرست ما رواه عن شيوخه ص 43.
(11) مجموعة محتارة لمخطوطات عربية نادرة من مكتبات عامة والمغرب ص 20.
(12) معجم مصنفات القرآن الكريم 4/ 82.
(13) غاية النهاية 1/137-138.
(14) فهرسة ما رواه عن شيوخه ص 72 وذكره ابن الجزري بأنه في أربعة أسفار (غاية النهاية 1/ 505) .
(15) فهرس المصورات الميكروفيلمية بمركز البحث العلمي القسم الثاني القراءات ص 218.
(16) ذكره أبن الجزرى بعنوان: المحتوى في القراءات الشواذ. (نفس المصدر السابق) .
(17) غاية النهاية 1/ 505 وورد بلفظ: إيجاد البيان بالدال وهو تصحيف. وانظر: معرفة القراء الكبار 1/ 408.
(18) فهرسة ما رواه عن شيوخه ص 29 وانظر: معجم الأدباء 12/123 ومعرفة القراء الكبار 1/ 408.
(19) فهرس المصورات الميكروفيلمية بمركز البحث العلمي في جامعة أم القرى- القسم الثاني القراءات ص 222.
(20) فهرست ما رواه عن شيخه ص 40 و 41.
(21) انظر: معجم الدراسات القرآنية ص 460.
(22) كشف الظنون 1/538.
(23) الإمام أبو عمرو الداني وكتابه جامع البيان في القراءات السبع ص 71-75.
(24) فهرس علوم القرآن بمركز البحث العلمي 2/ 56 و122.
(25) فهرست المخطوطات والمصورات: المصاحف والقراءات 1/ 128.
(26) غاية النهاية 1/ 505.
(27) غاية النهاية 1/ 505.
(28) نفس الكتاب من ص 105- 112.(33/239)
(1) نفس المصدر السابق ص 37.
(2) الفهرس الشامل للتراث/ مخطوطات التجويد 1/ 41.
(3) نفس المصدر السابق 1/ 42.
(4) فهرست المخطوطات والمصورات في جامعة الإمام محمد بن سعود 1/127 و128.
(5) فهرست المخطوطات والمصورات في جامعة الإمام محمد بن سعود 1/127 و128.
(6) الفهرس الشامل للتراث- مخطوطات التجويد 1/45-51.
(7) الفهرس الشامل للتراث- مخطوطات التجويد 1/45-51.
(8) الفهرس الشامل للتراث- مخطوطات التجويد 1/45-51.
(9) انظر: معجم الدراسات القرآنية ص 461.
(10) فهرس علوم القرآن 2/ 23.(33/240)
عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد في إعراب الحديث
تأليف جلال الدين السيوطي
تحقيق الدكتور حسن موسى الشاعر
أستاذ مشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة
-5-
[تابع- مسند أنس بن مالك- رضي الله عنه]
101- حديث "مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعمِّداً فَلْيَتبَوّأ مَقْعَدَهُ مِن النّار" (1)
قال في النهاية: "تكَررت هذه اللفظة في الحديث ومعناها لينزل منزله من النار.
يقال: بوّأه الله منزلا، أي أسكنه إياه، وتبوأت منزلا اتخذته". ا. هـ.
وقال الخطّابي: "لفظهُ أمر ومعناه الخبر، كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً} . يريد أن الله يبوّئه مقعده من النار.
وقال ابن بطّال: "هو بمعنى الدعاء أي بوأه الله".
وقال الطيبي: "الأمر بالتبوّؤ تهكم وتغليظ".
وقال الكرماني: "يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته بأن يكون معناه: من كذب فليأمر نفسه بالتبوّؤ ويلزم عليه. قال: "فلقوله "فليتبوأ "توجيهات أربعة".
قال الحافظ ابن حجر: "وأولها أولاها"
قال الطيبي: "فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه، أي كما أنه قصد في الكذب التعمد، فليقصد في جزائه التبوّؤ ".
102 حديث (لا يُؤْمِنُ أحدكم حتى أكون أَحَبَّ إليه مِنْ وَلَدِه ووالِده والناسِ أجمعين) .
قال الكرماني: "أحبّ "أفعل التفضيل بمعنى المفعول: وهو مع كثرته على خلاف القياس، إذ القياس أن يكون بمعنى الفاعل، وفصل بينه وبين معموله بقوله "إليه"، لأن الممتنع الفصل بأجنبي، مع أن الظرف يتوسع فيه".
103 حديث (سُئِلَ عَنْ وَقْتِ صَلاةِ الصُّبْحِ فأَمَرَ بلالا حينَ طَلَعَ الفَجْرُ فَأَقامَ الصَّلاةَ، ثم أسفر الغدَ) (2) .
قال أبو البقاء: "هو منصوب على الظرف، أي أسفر بالصلاة في الغد".
104 حديث (بُعثتُ أنا والساعةَ كهاتين) .(33/241)
قال أبو البقاء: "لا يجوز فيه إلا النصب، والواو فيه بمعنى مع، والمراد به المقاربة، ولو رفع لفسد المعنى، [لأنه كان يكون تقديره: بُعثتُ أنا وبعثت الساعة، وهذا فاسد في المعنى] إذ لا يقال بُعثت الساعة، ولا في الوقوع لأنها لم توجد بعد". انتهى.
وفي حديث آخر (بُعِثْتُ والسّاعةَ كهاتين) (1) .
قال ابن السِّيد في مسائله: "النصب والرفع جائزان في "الساعة"؛ النصب على تأويل مع، والرفع بالعطف على الضمير في "بُعِثَت"والنصب فيه أحسن، لأن المضمر المرفوع يقبح العطف عليه حتى يؤكد. ألا ترى أنه يقبح أن تقول: قمتُ وزيد. وهذا مشهور عند النحويين تغني شهرته عن الإطالة فيه".
وقال القاضي عياض في الحديث الأول: "الأحسن رفع الساعة عطفاً على ما لم يسمّ فاعله في "بُعثتُ"، ويجوز النصب على المفعول معه، أي بعثت مع الساعة، كقولهم: جاء البردُ والطيالسةَ (2) ، أو على فعل مضمر يدلّ عليه الحال، أي فأعدّوا الطيالسة (3) . ويقدّر هنا فانتظروا الساعة".
وقال القرطبى: "قد اختار بعضهم النصب بناءً على التشبيه، أي إن التشبيه وقع بملاصقة الأصبعين واتصالهما، واختار آخرون الرفع بناء على أن التشبيه وقع بالتفاوت الذي بين رؤوسهما ".
وقوله: "كهاتين"حال، أي مقترنين.
قال القرطبي: "فعلى النصب يقع التشبيه بالضم، وعلى الرفع يحتمل هذا ويحتمل أن يقع بالتقارب الذي بينهما في الطول".
105 حديث (فَلَمَّا نَظَرُوا إلَيْه قالُوا: مُحَمّدٌ والخَميس) .
قال في النهاية: ""محمدٌ"خبر مبتدأ محذوف، أي هذا محمد".
وقال الكرماني: "أي جاء محمد".
وقال الزركشي: "والخميس"بالرفع عطفاً على محمد، وبالنصب على المفعول معه".
106 – حديث (جاءَ أَعْرابيٌّ فَبال في المسْجِدِ، فقال الصَّحابةُ: مَهْ مَهْ) (4) .(33/242)
قال الجوهري: "هي كلمة مبنيَّة على السكون، وهي اسم سمي به الفعل، والمعنى اكفف. يقال مَهْمَهْتُه إذا زجرتُه، فإن وصلت نوّنت فقلت: مَهٍ مَهٍ " (1) .
وقال الداودي: "أصل هذه الكلمة ما هذا، كالإنكار، فطرحوا بعض اللفظ فقالوا
"مه "، فصّيروا الكلمتين كلمة".
107- حديث "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وَجَدَ حَلاوةَ الإيمان".
قال الكرماني: ""ثلاث"مبتدأ. وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض من المضاف إليه، فالتقدير ثلاث خصال، أو لأنه صفة موصوف محذوف، وهو مبتدأ بالحقيقة أي خصال ثلاث، أو لأن الجملة الشرطية صفة، والخبر على هذا التقدير هو "أن يكون"، إذ على التقديرين الأولين الشرطية خبر، و"أن يكون "هو بدل من ثلاث أو بيان.
فأما "مَنْ"فهو مبتدأ، والشرط والجزاء معاً خبره، أو الشرط فقط على اختلاف فيه.
و"مَنْ"إما شرطية وإما موصولة متضمنة لمعنى الشرط، و"وجد"بمعنى أصاب، ولهذا عُدّي لمفعول واحد.
وقوله "كنّ "أي حصلن، فهي تامة.
وقوله "أن يكون الله ورسوله أحب إليه": "أحبَّ"منصوب خبر "يكون". فإن قلت: لِم ما ثنّي "أحب"حتى يطابق خبر "يكون"اسمها؟ قلت "أفَعْلَ"إذا استعمل بـ "مِنْ "فهو مفرد مذكر لا غير، ولا تجوز المطابقة.
وقوله "وأن يحبّ المرء"بنصب "المرءَ"لأنه مفعول، وفاعله الضمير الراجع إلى "مَنْ ".
و"لا يحبه إلا للهِ"جملة حالية تحتمل بياناً لهيئة الفاعل أو المفعول، أوكليهما معاً.
قوله "أن يعود في الكفر"فإن قلت: المشهور عاد إليه معدَّى بكلمة الانتهاء لا بآلة الظرف. قلت: قد ضمّن فيه معنى الاستقرار، كأنه قال: يعود مستقراً فيه". انتهى.
108 – حديث "إذا جاء أحَدُكُم الصلاةَ فلْيمْض على هَيْئَتِه، فلْيُصلِّ ما أدرك ولْيقْضِ ما سُبِقه".
قال أبو البقاء: "هكذا ضبطوه على ما لم يسمَّ فاعله، والوجه فيه أنه أراد سُبِق به، فحذف حرف الجر، وعدّي الفعل بنفسه، وهو كثير في اللغة".(33/243)
109 - حديث "ما مِنْ مُسْلِم يغرسُ غرساً أو يَزْرَعُ زَرْعاً فيأكل منه إنسان أو طيرٌ أو بهيمةٌ إلا كانت له صدقة".
قال الطيبي: "الرواية برفع "صدقة"على أن "كانت"تامة".
110- حديث "ما أعددت لها مِنْ كبير عملٍ صلاةٍ ولا صَوْم" (1) .
قال أبو البقاء: "يروونه بالجر على البدل من "عمل"، أو من "كبير"".
111- حديث "إنَّ الله تعالى لَغنيٌّ أنْ يُعذِّبَ هذا نَفْسه".
قلت: هو على تقدير عن.
112 – حديث "يا أَنْجَشَة رُويدَكَ سَوْقَكَ بالقَوارير".
قال أبو البقاء: "الوجه النصب برُويد، والتقدير: أمهل سوقَك، والكاف حرف للخطاب وليست اسماً و"رويد"يتعدّى إلى مفعول واحد".
وقال ابن مالك في توضيحه: ""رويد"هنا اسم فعل بمعنى أرود، أي أمهل، والكاف المتصلة به حرف خطاب، وفتحة داله بنائية. ولك أن تجعل "رويد"مصدراً مضافاً إلى الكاف، ناصباً "سوقك"وفتحة داله على هذا إعرابية".
وقال النووي: ""رويدك"منصوب على الصفة لمصدر محذوف أي [سُقْ] سوقاً رويداً، ومعناه الأمر بالرفق [بهن] ، و"سَوْقك"منصوب بإسقاط الجارِّ، أي ارفق في سوقك بالقوارير".
وقال الأندلسي في شرح المفصل: "تلحق الكاف "رويد"إذا كان اسم فعل، وإذا كان مصدراً، لما فيها من معنى الأمر في هذين الوجهين، والكاف في الأمر حرف خطاب بمنزلتها في "ذاك"وإنما دخلت لتبيّن من تعني إذا خفت اللبس بمن لا تعني؛ وتحذفها إذا لم تخف لبسا".
وذهب بعض النحويين إلى أن هذه الكاف في موضع رفع، ومنهم من قال هي في موضعِ نصب. والقولان باطلان، أما الأول فلأن الكاف لو كانت فاعلة لما جاز حذفها، وأيضا فإن جميع هذه الأسماء التي في معنى الأمر، لا يبرز منها الفاعل نحو: حَذار زيداً. وأما الثاني فلأن "إرواد"الذي هو الأصل لا يتعدّى إلا إلى واحد، ولو كانت الكاف منصوبة لكنت عديته إلى مفعولين.(33/244)
ثم الذي يدلّ على أن الكاف لا موضع لها من الإِعراب أصلاً أنها لو كان لها محل لكنت تؤكدّها فتقول رويدك نفسُك، بالرفع إن كانت مرفوعة، وبالنصب إن كانت منصوبة، وبالجرّ إن كانت مجرورة. وحيث لم يجز ذلك دلّ على أنها حرف.
وإن كان "رُوَيد"مصدراً وأضفته إلى الكاف، فالكاف هنا اسم لأنك تقيم الظاهر مقامه، فتقول: رُويدَك، مثل: رُويدَ زَيْدٍ، لأن المصدر يضاف، فعلى هذا الوجه تقول رُويدَك نفسِك، فتؤكد الكاف لأنه اسم، ويجوز أن ترفع التأكيد على أن تجعله للضمير المرفوع.
وأما قول العرب: رُويدَك نَفْسَك، في الأمر، فإن الكاف حرف خطاب، و"نفسك"مفعول. انتهى.
113 - حديث "ما مِنْ رجل مُسْلم يموتُ له ثلاثةٌ مِنْ وَلَدِه لم يَبْلُغوا الحِنْثَ إلا أدْخَلَ الله عزّ وجَلَّ أبوَيْهمُ الجَنّةَ بفضْل رحمتِه إياهم".
قال أبو البقاء: ""من"زائدة، و"رجل"مبتدأ: [وما بعده] ، إلى قوله "لم يبلغوا الحنث"صفة للمبتدأ. والخبر قوله "إلا أدخل الله أبويهم الجنة". فإن قيل الخبر هنا جملة وليس فيها ضمير يعود منها إلى المبتدأ، فالجواب: إن الرجل المسلم الذي هو المبتدأ هو أحد أبوي المولود، وهو المذكور في خبر المبتدأ، فقد وضع الظاهر موضع المضمر لغرض، وهو إضافة الأم إليه، فهو كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (1) (2) .
وقال الحافظ ابن حجر: "الضمير في "رحمته"راجع إلى الله. وفي "إياهم"إلى الأولاد، أي بفضل رحمة الله للأولاد".
وقال ابن التين: "قيل إن الضمير في "رحمته"للأب في قوله "ما من رجل مسلم"لكونه كان يرحمهم في الدنيا، فيجازى بالرحمة في الآخرة".
قال ابن حجر: "والأوّل أولى، ويؤيده أن في رواية ابن ماجة "بفضل رحمة الله إياهم".(33/245)
وقال الكرماني: الظاهر أن المراد بقوله "إياهم"جنس المسلم الذي مات أولاده، لا الأولاد، أي بفضل رحمة الله لمن مات لهم. قال: وإنما جمع باعتبار أنه نكرة في سياق النفي يفيد العموم".
وقال ابن حجر: "وهذا الذي زعم أنه ظاهر ليس بظاهر، بل في غير هذه الطريق ما يدلّ على أن الضمير للأولاد؛ ففي حديث عمرو بن عبْسة (1) عند الطبراني "إلا ادْخَلَهُ الله بِرَحْمتِه هو وإياهُم الجنّة".
وفي حديث أبي ثعلبة الأشجعي (2) عنده "أَدْخَلَهُ الله الجنَّةَ بفَضْل رحمتِه إياهما". قاله بعد قوله "مَنْ ماتَ لَهُ وَلَدان"فوضح بذلك أن الضمير في قوله "إياهَم"للأولاد لا للآباء.
114 - حديث "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا فاسْتَسْقى، فَحَلبْنا لَه شاةً لنا ثُمّ شُبْتُه مِنْ ماءِ بِئْرِنا" (3) .
قال الكرماني: "فإن قلت استعمل هنا بـ "مِنْ "وروي في موضع آخر بالباء. قلت: المعنيان صحيحان، وقد يقوم حرف الجرّ مقام أخيه".
قوله: "ثم قال: الأَيْمَنون الأَيْمَنون".
قال الزركشي: "كذا بالرفع بتقدير مبتدأ مضمر، أي المقدّم".
115- حديث "وإنْ وَجَدْناهُ لَبَحْرا ".
قال الخطابي: ""إنْ "هنا نافية، واللام في "لبحرا"بمعنى إلا، أي ما وجدناه إلا بحرا، والعرب تقول: إنْ زيدٌ لعاقلٌ، أى ما زيدٌ إلا عاقل، والبحر من نعوت الخيل. قال الأصمعي: فرسٌ بحر إذا كان واسع الجري".
قلت: هذا الذي أعربه الخطابي مذهب كوفي، وذلك لأنه أخذ عن ثعلب، وهو من أئمة الكوفيين. والبصريون يقولون في هذا: إنّ "إنْ"مخففة من الثقيلة، واللام لام الابتداء دخلت للفرق بين "إنْ"المخففة و"إنْ"النافية (4)
قال أبو حيان: "الكوفيون يرون أنّ "إنْ"هي النافية، واللام بمعنى إلا وهذا باطل، لأن اللام لا تعرف في كلامهم بمعنى إلا".(33/246)
وقال ابن مالك: "قولهم إن اللام بمعنى "إلا"دعوى لا دليل عليها، ولو كانت بمعنى "إلا"لكان استعمالها بعد غير "إنْ"من حروف النفي أولى، لأنها أنصّ على النفي من "إنْ"، فكان يقال: لم يقمْ لزيدٌ، ولن يقعدَ لعمروٌ، بمعنى لم يقمْ إلا زيدٌ، ولن يقعد إلا عمرو. وفي عدم استعمال ذلك دليل على أن اللام لم يقصد بها إيجاب، وإنما قصد بها التوكيد كما قصد مع التشديد".
116- حديث "إذا أَقْرَضَ أَحَدُكُم قَرْضاً فأَهْدى إليه أو حَمَلَهُ فلا يَقْبَلْها".
قال الطيبي: "القَرْض"اسم للمصدر، والمصدر في الحقيقة الإقراض، ويجوز أن يكون هاهنا بمعنى المقروض، فيكون مفعولا ثانياً لأقرض، والأوّل مقدّر كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} والضمير الفاعل في "فأهدى"عائد إلى المفعول المقَدّر. والضمير في "لا يقبلها"راجع إلى مصدر أهدى.
وقوله "فأهدى"عطف على الشرط، وجوابه "فلا".
117 – حديث "هذا جَبَلٌ يُحبُّنا ونُحِبُّه".
قال الأندلسي: "قال سيبويه: حدثنا يونس أن العرب تقول "هذا أنت تقول كذا". لم يُرد بقوله "هذا أنت"أن يعرفه بنفسه، ولكنه أراد أن ينبهه، كأنه قال: الحاضر عندنا أنت، والحاضر القائل كذا وكذا [أنت] ".
قال السيرافي: "وقولهم "هذا زيدٌ يفعل كذا": "يفعل"في موضع الحال عند البصريين، هذا زيدٌ فاعلاً. وعند الكوفين هو منصوب على أنه خبر هذا". انتهى.
وفي حديث الشفاعة: "هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون". وفي حديث النحر: "هذا يومٌ يُشتهى فيه اللحم" (1)
وقوله: "اللهمّ إنَّي أحرّم ما بين جبليها مثل ما حرّم به إبراهيم مكة" قال الكرماني: فإن قلت لفظ "به"زائد. قلت: لا، بل "مثل"منصوب بنزع الخافض، أي أحرّم بمثل ما حرّم به، أو معناه أحرّم بهذا اللفظ وهو"أحرّم"مثل ما حرّم به إبراهيم".
118 – حديث "مِنَ السُّنَّةِ إذا تَزوَّجَ البِكرَ أقَام عِنْدَها سَبْعاً".(33/247)
قال الطيبي: "يجوز أن يكون قوله "من السنة"خبراً، وما بعده في تأويل المبتدأ، أي من السنة إقامة الرجل عند البكر إذا تزوجها سبعاً".
119 – حديث "قوموا إلى جَنَّةٍ عَرْضُها السماوات والأرض".
قال الطيبي: "عدّاه بـ "إلى"لإرادة معنى المسارعة، كما في قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (1)
120 – حديث "لم يُصَدَّقْ نَبِيّ من الأنبياء ما صدقت".
قال الطيبي: ""ما"فيه مصدرية".
121 - حديث "قولُ أُمّ حارثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حارثة منيّ فإنْ يكُ في الجَنَّةِ اصبر ْوأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع" (2) .
قال ابن مالك: "حقّ الفعل إذا دخلت عليه "إنْ"وكان ماضياً بالوضع، أو بمقارنته "لم"أن ينصرف إلى الاستقبال نحو {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُم} {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا} (3) . وإن كان قبل دخول "إنْ"صالحاً للحال والاستقبال تخلّص له بدخولها، نحو {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (4) . وقد يراد المضيّ بما دخلت عليه "إنْ"فلا يتأثر بها، ويستوي في ذلك الماضي بالوضع نحو {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} والمضارع نحو {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} (5) . ومنه "فإن يكُ في الجنةِ أصْبرْ وأحْتسِب". والأصل "يكون"ثم جزم فصار "يكنْ"ثم حذف نونه لكثرة الاستعمال فصار "يكُ".(33/248)
وهذا الحذف جائز لا واجب. ولذلك جاء الوجهان في كتاب الله نحو {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1) {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً} . ولو ولي الكاف ساكن عادت النون نحو {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} ولوجوب عود النون قبل الساكن لم يجئ الفعلان في الحديث المذكوِر بالحذف، بل حذفت نون الأول لعدم ساكن بعده، وثبتت نون الثاني لإيلائه ساكنا. ولا يستصحب الحذف قبل ساكن إلا في ضرورة، كقول الشاعر:
فَإنْ لَمْ تَكُ المِرْآةُ أبْدَتْ وَسامَةً
فَقدْ أَبْدتِ المِرْآةُ جَبْهَةَ ضَيْغَم (2)
و"ترى"من قول أم حارثة "وإن تكن الأخرى ترى ما أَصنع"مضارع راء بمعنى رأى، والكلام عليه كالكلام على قول أبي جهل "متى يراك الناس". وكما جُوّز رفع "يراك"لإهمال "متى"وتشبيهها بـ "إذا"، كذلك يجوز رفع "يرى"لأنه جواب، والجواب قد يرفع، وإن كان الشرط مجزوم اللفظ، كقراءة طلحة بن سليمان {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} (3) وكقول الراجز:
إنّك إنْ يُصْرَعْ أخوُكَ تصْرَعُ" (4) . انتهى.
وقوله: "أصابهُ سَهْم غَرْب".
يروى بالإضافة وعدمها على الصفة لسهم، ونظيره من ذلك "غرّة عبد أو أمة" و"برد حِبَرة" و"حلة سِيَراء" (5) .
قوله: "أوَ هَبِلْتِ أوَ جَنَّةٌ واحدةٌ هي؟ ".
قال الرافعي في تاريخ قزوين: "الواو فيهما مفتوحة، وهي واو الابتداء دخلت عليها همزة الاستفهام، الأولى على التوبيخ، والثانية على الإنكار".
قوله: "إنها جنان".
قال الطيبي: "هو ضمير مبهم تفسيره ما بعده، ويجوز أن يكون الضمير للشأن".
122 – حديث "كتابُ الله القِصاصُ" (6) .(33/249)
قال الزركشي: "مرفوعان على الابتداء والخبر. ويجوز نصبهما على وجهين أحدهما: أنه مما وضع فيه المصدر موضع الفعل، أي كتب الله القصاص، كقوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} . والثاني: أنه إغراء، ويكون القصاص بدلا، أو منصوباً بفعل، أو مرفوعاً خبرِ مبتدأ محذوف. ولا يجوز هذا الوجه في الآية، أعني يمتنع أن يكون "كتاب الله"منصوباً بـ "عليكم"المتأخر عنه.
123 – حديث "فكُنّا نَراهُ يَمْشي بَين أظهرنا رَجُلاً مِنْ أَهْل الجنَّة".
قال النووي: "روي "رجلا"و"رجلٌ"وكلاهما صحيح، الأوّل على البدل من الهاء في نراه، والثاني على الاستئناف".
124 – حديث "إنّ حَقاً على الله أَنْ لا يرتَفعَ شيءٌ مِن الدُّنيا إلا وَضَعه" (1) .
قال الطيبي: ""على الله"متعلق بـ "حقاً"، و"أنْ لا يرتفع"خبر إنّ، و"أَنْ"مصدرية فتكون معرفة والاسم نكرة من باب القلب، أي إن عدم الارتفاع حقّ على الله. ويمكن أن يقال "على الله"صفة "حقاً"أي حقاً ثابتاً على الله تعالى".
125 – حديث "انْطَلِقُوا باسمِ الله وبِالله على مِلَّةِ رَسولِ الله" (2) .
قال الطيبي: "ليس الجارَّان متعلقين بالفعل، بل هما حالان، كأنه قال انطلقوا متبركين باسم الله مستعينين بالله ثابتين على ملة رسول الله".
126 – حديث "هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون [ما لا يفعلون] " (3) .
قال الطيبي: "الذين"بدل من قوله "خطباء"، ويجوز أن يكون صفة له، لأنه لا توقيت فيه على عكس قوله:
ولقد أمرُّ على اللئيم يَسُبُّني.
ويجوز أن يكون منصوباً على الذم وهو الأوجه.
127 - حديث "إنَّ الله لا يَظْلِمُ مؤمِناً حَسَنَة يُعطَى بها في الدنيا ويُجْزَى بها في الآخرة".(33/250)
قال الطيبي: "لا يظلم"أي لا ينقص، وهو يتعدى إلى مفعولين أحدهما: "مؤمناً"والآخر "حسنة". والباء في قوله "يعطى بها"إن حملت على السببية فيحتاج إلى مقدر أي يعطي بسببها حسنة، وإن حملت على البدل فلا. وأما الباء في "يجزى بها"فهي للسببية".
قوله (وأمّا الكافرُ فَيُطْعَمُ بحَسَناتِه) قال: "اعلم أن "أما"التفصيلية تقتضي التعدد لفظاً أو تقديرا، وقرينتها هنا الكلام السابق، والقرينتان واردتان على التقابل، فيقدر في كلّ من القرينتين ما يقابل الأخرى".
128 – حديث "دَخَلَ رَجُلٌ والنبي صلى الله عليه وسلم مُتِّكِيٌ بَين ظَهرانَيْهم".
قال في الفائق: "يقال أقام فلان بين أظهر قومه، وبين ظهرانيهم، أي بينهم، وإقحام لفظ الظهر ليدل على أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم، والاستناد إليهم، وكأن معنى التثنية فيه أن ظهراً منهم قدّامه وآخر وراءه، فهو مكنوف من جانبيه. هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا، وإن لم يكن مكنوفا. وأما زيادة الألف والنون بعد التثنية فإنما هي للتأكيد، كما تزاد في نحو"نفساني"في النسبة إلى النفس، ونحوه".
وقال القاضي عياض: "قال الأصمعي: العرب تقول "نحنُ بَيْنَ ظَهْرَيْكُم"على لفظ الاثنين، و"ظهرانيْكم". قال الخليل: أي بينكم. قال غيره: والعرب تضع الاثنين موضع الجمع".
وقال الكرماني: "النون مفتوحة لا غير".
قوله (قال: اللهمّ نَعَمْ) .
قال الكرماني: "الجواب هو "نعم"، وذكر لفظ "اللهمّ"للتبرك، وكأنه استشهد بالله في ذلك تأكيداً لصدقه".
وقال المُطَرِّزي في المعرب: "قد يؤتي بـ"اللهم"توكيداً للجواب، ودليلاً على الندرة".
وقال الطيبي: "قد يؤتى بـ "اللهمّ"قبل "إلا"إذا كان المستثنى عزيزاً نادراً، وكان قصدهم الاستظهار بمشيئة الله في إثبات كونه ووجوده، أي إنه بلغ من الندرة حدّ الشذوذ". وقوله (أنشدك بالله) .
أي أسألك بالله.(33/251)
129 – حديث "عُرِضَتْ علىَّ أجور أمتي حتى القذاةُ يخرجها الرجلُ من المسجد".
قال الشيخ ولي الدين العراقي: ""القذاةُ"بالرفع عطفاً على قوله "أجور أمتي". ويجوز فيه الجر بتقدير: حتى أجرِ القذاةِ، ثمِ حذف المضاف وأبقى المضاف إليه على إعرابه. ويجوز فيه النصب بتقدير: حتى رأيت القذاة".
وقال الطيبي: "لابدّ هنا من تقدير مضاف، أي أجور أعمال أمتي وأجر القذاة، أو أجر إخراج القذاة. ويحتمل الجرّ و"حتى"بمعنى إلى. وحينئذ التقدير: إلى أجر إخراج القذاة. و"يخرجها من المسجد"جملة مستأنفة للبيان. والرفع عطفاً على أجور، والتقدير ما مرَّ. و"حتى"يحتمل أن تكون هي الداخلة على الجملة فحينئذ التقدير: حتى أجر القذاة يخرجها. على الابتداء والخبر".
130- حديث "شَهدْتُ وليمَتَيْن مِنْ نِساءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أطعمنا خُبزاً ولا لحماً. قلت: فمه؟ قال: الحَيْس (1) " (2) .
قال أبو البقاء: "أراد "فما"ولكنه حذف الألف وجعل الهاء بدلا منها، كما قالوا "هنه"في "هنا". ولا يقال إنه حذف الألف لكونه استفهاما كما حذفت في قوله تعالى: {مِمَّ خُلِقَ} (3) لأن ذلك إنما يجيء في المجرور، فأما المنصوب والمرفوع فلا".
131- حديث "لقد اخفتُ في الله وما يُخافُ أَحد".
قال الطيبي: ""أخفت"ماضي مجهول من أخاف بمعنى خوّف. وقوله "وما يُخاف أحد"حال، أي خُوّفت في دين الله وحدي. وقوله: "ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين ليلة ويوم"تأكيد للشمول، أي ثلاثون يوماً وليلة متواترات لا ينقص منها شيء من الزمان".
132- حديث "أما إنَّ كُلَّ بناء وبَالٌ على صاحِبه إلا ما لا إلا ما لا".
قال الحافظ أبو الفضل العراقي: "يعني إلا ما لابدَّ منه".
133- حديث "الدجّال، وإنَّ بين عَيْنَيْه مكتوب كافر" وفي نسخة "مكتوباً كافر".(33/252)
قال ابن مالك في توضيحه: "إِذا رفع "مكتوب"جعل اسم إنّ محذوفاً، وما بعد ذلك جملة من مبتدأ وخبر في موضع رفع خبراَ لإنّ، والاسم المحذوف إما ضمير الشأن وإما ضمير عائد على الدجّال. ونظيره - إن كان المحذوف ضمير الشأن - قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الرِوايات: "وإنّ لنفسك حقّ " (1) وقوله صلى الله عليه وسلم - بنقل من يوثق بنقله -: "إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون" (2) ، وقول بعض العرب: "إنّ بك زيدٌ مأخوذ". رواه سيبويه عن الخليل. ومنه قول رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "لعلّ نزعها عرق" أي لعلَّها. ونظائره في الشعر كثيرة.
وإذا كان الضمير ضمير الدّجال فنظيره رواية الأخفش: "إنّ بك مأخوذ أخواك"والتقدير: إنّك بك مأخوذ أخواك، ونظيره من الشعر قوله:
فليتَ دفعتَ الهمَّ عنّي ساعة
فبتنا على ما خيّلتْ ناعِمَي بالِ (3)
أراد فليتك. ومثله قول الآخر:
فلو كُنْتُ ضَبيّاً عَرَفتَ قَرابَتي
ولكنَّ زنْجيٌ عَظيمُ المشافِر (4)
أراد: ولكنك زنجي. ويروِى "ولكن زنجياً"على حذف الخبر. ومن روى "مكتوباً"فيحتمل أن يكون اسم إن محذوفاً على ما تقررّ في رواية الرفع، و"كافر"مبتدأ، وخبره "بين عينيه "و"مكتوبا"حال، أو يجعل "مكتوبا"اسم إنّ و"بين عينيه"خبرا و"كافر"خبر مبتدأ، والتقدير: هو كافر. ويجوز رفع "كافر"وجعله ساداً مسدّ خبر إنّ، كما يقال: إن قائماً الزيدان. وهذا مما انفرد به الأخفش ". انتهى.
134- حديث "هل مِنْ أَحَدٍ يَمشي على الماء إلا ابْتَلَّتْ قَدَماه".
قال الطيبي: "استثناء من أعمّ عام الأحوال، تقديره: يمشي في حال من الأحوال
إلا في حال ابتلال قدميه".
135- حديث "مَنْ عالَ جاريتن حتّى تَبْلُغا جاء يَوْمَ القيامة أنا وهو كهاتين".(33/253)
قال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق: "في الكلام تقديم وتأخير، فإن في "جاء"ضميراً يعود إلى "مَنْ". وقوله "هو"تأكيد له وقوله "أنا"معطوف عليه. وتقديره: هو وأنا، ثم قدّم إما لكونه صلى الله عليه وسلم أصلا في تلك الخصلة، أو قدّم في الذكر لشرفه".
قلت: ليس هذا الإعراب بسديد لأن تقديم المعطوف على المعطوف عليه لا يجوز، والأولى أن يجعل "أنا"مبتدأ، و"هو"معطوف عليه، و"كهاتين"الخبر. والجملة حالية بدون الواو نحو: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} (1) .
136- حديث "إنّ رَجُلاً قال: يارسول الله كيف يحشرُ الكافر على وَجْهه يَوْمَ القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادرٌ على أن يُمشيه على وجهه يوم القيامة" (2) .
قال الطيبي: "قادر"مرفوع على أنه خبر "الذي"واسم "ليس"ضمير الشأن".
137- حديث "لِكُلِّ أمة أمينٌ وإنَّ أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة".
قال القاضي: "هو بالرفع على النداء، والأفصح أن يكون منصوباً على الاختصاص".
138- حديث "قول سُراقة: يانَبِيَّ الله مُرْنِي بِمَ شِئْت".
قال ابن مالك: "فيه شاهد على إجراء "ما"الموصولة مجرى "ما"الاستفهامية في حذف ألفها إذا جُرّت، لكن بشرط كون الصلة "شاء"وفاعلها".
139 – حديث "لا تُشَدِّدوا على أَنْفُسِكُم فَيُشدِّدَ الله عليكم".
قال الطيبي: ""فيشدّد"نُصِبَ على جواب النهي. والفاء في قوله "فإن قوماً"سبب للفعل المنهي المسبب عنه الشدّة. والفاء في قوله "فتلك بقاياهم"للتعقيب. و"تلك"إشارة إلى ما في الذهن من تصوّر جماعة باقية من أولئك المشددين. و"الخبر"بيان له. كما في قوله تعالى: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِك} (3) ".
140- حديث "أَصْبَحَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم عَروساً" (4) .
قال الزركشي: ""العروس"نعت يستوي فيه الرجل والمرأة، يقع عليهما مدّة بناء الرجل بها".(33/254)
141- حديث "قال النبي صلى الله عليه وسلم يوْمَ بَدر: مَنْ يَنْظُرُ ما فَعَلَ أبو جهل؟ فانْطَلَقَ ابن مسعودٍ فَوجَدَهُ قد ضَربه ابنا عفراءَ حتى بَرَد، فأخذَ بِلحْيته فقال: أَنْتَ أبا جهل؟ " (1) .
قال الزركشي: "كذا الرواية في البخاري من رواية زهير، وهو يصح على النداء، أي أنت المقتول الذليل يا أبا جهل، على جهة التقريع والتوبيخ".
قال القاضي: "أو على لغة القصر في الأب، ويكون خبر المبتدأ".
وقال الداودي: "يحتمل معنيين أحدهما: أن يكون استعمل اللحن ليغيظ أبا جهل كالمصغر له، أو يريد أعني أبا جهل".
وردّهما السفاقسي (2) لأن تغييظه في مثل هذه الحالة لا معنى له، ثم النصب بإضمار "أعني" إنما يكون إذا تكررت النعوت.
قال الزركشي: "ولا يردّان، أما الأول فإنه أبلغ في التهكم. وأما الثاني فليس التكرار شرطاً في القطع عند جمهور النحويين، وإن أوهمته عبارة ابن مالك في كتبه".
قال القاضي: "ورواه الحُميدي (3) : "أنت أبو جهل"وكذا ذكره البخاري من رواية يونس".
142- حديث "مَنْ أجوَدُ جُوداً".
قال الطيبي (4) : "مَنْ"الاستفهامية مبتدأ. و"أجود"خبره، و"جودا"تمييز مزال عن الأصل. وفيه وجهان: أحدهما: أن "أجود"أفْعَل من الجودة، أي أحسن جودا وأبلغه. والثاني: أنه من الجود الكرم، أي من الذي جوده أجود، فيكون إسنادا مجازياً، كما في قولك: جِدْ جدَةً.
وقوله: "الله أجودُ جوداً ثم أنا أجود بني آدم، وأجوده من بعدي رجل علم عِلْماً فنشره" الضمير في "أجوده"راجع إلى بني آدم، على تأويل الإنسان أو للجود.
143- حديث أُحد، قوله "لا تشرفْ يُصيبُكَ سَهم".
قال الزركشي: "كذا لهم بالرفع، وهو الصواب. وعند الأصيلي "يُصبْكَ"بالجزم، وخطّؤوه، وهو قلب للمعنى إذ لا يستقيم أن تقول: إن لا تشرف يصبك، ولكن جوّزه الكوفيون"
قوله (تَنْقُزان القِرَب) .(33/255)
بضم القاف. قال القاضي عياض: "ضبطه الشيوخ، بنصب الباء، وفيه بُعد، إلا على تقدير نزع الخافض أي بالقرب. وقيل صوابه بالرفع على الابتداء، كأنه قال: والقِرَبُ على متونهما. وروي "تُنْقِزان"بضم التاء وكسر القاف، ويستقيم على هذا نصب "القِرَب"أي إنهما لسرعتهما في السيّر تتحرك القرب على ظهورهما وتضطرب".
144- حديث "أَقْر قَوْمَكَ السَّلامَ فَإنَّهم ما علمتُ أعِفَّةٌ صُبُر".
قال أبو البقاء: "أعفة"مرفوع، خبر إنّ. وفي "ما"وجهان أحدهما: هي مصدرية، والتقدير إنهم في علمي أعفّة. والثاني: زمانية تقديره إنهم مدّة علمي فيهم أعفة. ولا يجوز النصب بـ"علمت"لأنه لا يبقى لـ"إنّ"خبر".
145- حديث "هذا أَوَّلُ طَعامٍ أَكَلَهُ أَبوكِ مِنْ ثلاثةِ أَيَّام" (1) .
قال أبو البقاء: "هكذا في هذه الرواية. ودخول "من"لابتداء غاية الزمان جائز عند الكوفيين ومنعه أكثر البصريين". قال: "والأقوى عندي مذهب الكوفيين". قال: "وفي بعض الروايات "منذ ثلاث"وهذا لا خلاف في جوازه". انتهى.
وقال ابن مالك في شرح التسهيل: "هذا الحديث من الأدلة على استعمال "من"لابتداء غاية الزمان. وكذا قوله في حديث الاستسقاء: "فمُطِرنا مِنْ جُمعةٍ إلى جمعة" وقول أنس: "فلم أَزَلْ أحبُّ الدُّباءَ من يومئذٍ" وقول عائشة: "لم يجلسْ عندي من يومِ قيل فيَّ ما قيل". وكلّها في صحيح البخاري". انتهى.
146 - حديث نكاح زينب، قوله "فلما رأَيْتُها عَظمَتْ في صَدْري حتَّى ما أستطيع أَنْ أَنْظُرَ إليها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها" (2) .
قال أبو البقاء: "أنَّ"بالفتح، وتقديره لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها" (3) .
147 - حديث "أنه صلى الله عليه وسلم رمى الجَمْرةَ ثُمَّ نَحَرَ البُدْن، والحَجَّامُ جالس، ثم حَلَق أَحدَ شقيه الأيمنَ".
قال أبو البقاء: "الأيمن"بالنصب بدل من "أحد"، أو على إضمار أعني. والرفع جائز على تقدير هو الأيمن".(33/256)
148 - حديث الجمل "فلما نَظَر الجَمَلُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ نَحْوَهُ حتى خَرَّ ساجداً بين يديه، فأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِناصيته أذلّ ما كانت قط حتى أدخله في العمل" (1) . فيه استعمال "قط "غير مسبوقة بنفي، وقد كثر ذلك في الحديث.
وقال ابن مالك في التوضيح: "في حديث حارثة بن وهب "صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن أكثر ما كنا قط"، فيه استعمال "قط"غير مسبوقة بنفي، وهو مما خفي على كثير من النحويين، لأن المعهود استعمالها لاستغراق الزمان الماضي بعد نفي نحو: ما فعلت ذلك قط، وقد جاءت في هذا الحديث دون نفي، وله نظائر". انتهى.
وفي حديث جابر "ما من صاحبِ إبلٍ لا يَفْعَلُ فيها حقَّها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط" (2) . وفي حديث سمرة بن جندب في صلاة الكسوف "فقام بنا كأطولِ ما قام بنا في صلاةٍ قط، ثم ركع كأطول ما ركعَ بنا في صلاة قط، ثم سجَدَ بنا كأطولِ ما سجد بنا في صلاة قط" (3) .
149 - حديث "أصابت الناس سنَةٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال الأبذي في شرح الجزولية: "إطلاق السّنة على عام القحط من باب العَلَم بالغلبة. ومثله في حديث سعد "وسألتُه أن لا يُهلك أمتي بالسنة فأعطانيها"
قوله (فادع الله يَغِثْنا) .
قال الزركشي: "بفتح الياء وبالجزم على الجواب، ومنهم من ضمّ الياء ورفع الفعل، من الإغاثة والغوث وهو الإجابة. وروى في الموطأ "يَغيثُنا"بفتح الياء وبالرفع. وعلى هذا فجواب الأمر محذوف أيَ يُحْيِك ويُحْيِ الناس".
وقوله "اللهمّ اسقنا" يجوز فيه قطع الهمزة ووصلها، لأنه ورد في القرآن ثلاثياً ورباعياً.
قوله (ما نرى في السماء من سحاب ولا قَزَعةً) .
قال الزركشي: "بالنصب والجر".
قوله (فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد) .
قال الكرماني: "مِنْ"إما بمعنى في، وإما تبعيضية ".
قوله (والذي يليه حتى الجمعةُ الأخرى) .(33/257)
قال الكرماني: "هوَ مثل "أكلتُ السمكة حتى رأسُِها، في جواز الحركات الثلاث في مدخولها، وجاء عليها الروايات".
قوله (وساَل الوادي قناة) .
قال الكرماني: " [قَناةُ] علم لبقعة غير منصرف مرفوع بأنه بدل عن الوادي. وفي بعض الروايات "قناةً"، بالنصب والتنوين، فهو بمعنى البئر المحفورة، أي سال الوادي مثل القناة. وفي بعضها "وادي قناة"بإضافة الوادي إليها".
وقال الرضيّ الشاطبي (1) : "الفقهاء يقولونه بالنصب والتنوين، يتوهمونه قناة من القنوات، وليس كذلك"
وقال الطيبي: "قناة"نصب على الحال أو المصدر، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أي مثل القناة أو سيلان القناة في الدوام والاستمرار والقوة والمقدار".
قوله (ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يخطب) .
قال الزركشي: "كذا بنصب قائماً على الحال من "يخطب". ويروى بالرفع على الخبر".
قوله "اللهمَّ حَوالَيْنا".
قال الزركشي: "هو ظرف متعلق بمحذوف، أي أمطر حوالينا ".
وقال الكرماني: "هو ظرف، أي أمطر في الأماكن التي في حولنا ولا تمطر علينا".
وقال الحافظ ابن حجر: "فيه حذف تقديره: اجعل أو أمطر".
وقال الطيبي: "حوله وحوليه وحواليه بمعنى، وإنما أوثر "حوالينا"لمراعاة الازدواج مع قوله علينا، نحو {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ} (2) " (3) .
قوله (ولا علينا) .
قال الطيبي: "عطف جملة على جملة، أي أمطر حوالينا ولا تمطر علينا. ولو لم تكن الواو لكان حالا". قال: "وفي إدخال الواو هنا معنى لطيف، وذلك أنه لو أسقطها كان مستقيا للآكام وما معها فقط، ودخول الواو ويقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر، فليست الواو مخلصة للعطف، ولكنها للتعليل، وهو كقولهم "تجوعُ الحُرَّةُ ولا تأكلُ بثَدْيَيها"، فإن الجوع ليس مقصوداً لعينه، ولكن لكونه مانعاً عن الرضاع بأجرة، إذ كانوا يكرهون ذلك".
قوله (قال فَأَقْلَعَتْ) .(33/258)
قال الكرماني: "فإن قلت: فما وجه تأنيث الفعل؟ قلت: تأنيثه إما باعتبار السحابة، أو باعتبار السحاب".
قوله (فادع الله يَحْبسها عنا) .
قال ابن مالك: "يجوز في "يحبسها"الجزم على جعله جواباً للدعاء، لأن المعنى إن تدعه يحبسْها، وهو أجود، والرفع على الاستئناف أي فهو يحبسُها والنصب على إضمار "أَنْ "كأنه قال ادع الله أن يحبسَها، ومثله قراءة الأعمش (1) {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (2) وقول بعض العرب "خذ اللّصَّ قبلَ يأخذَك (3) " (4) .
وقال الطيبي: "الضمير فيه للسحاب فإنها جمع سحابة".
قوله "اللهمّ أغِثنا".
قال القرطبي: "كذا رويناه بالهمزة، وهي للتعدية، ومعناه هب لنا غيثاً. وقال بعضهم: صوابه "غِثنا"لأنه من "غاث". قال وأما "أغثنا"فإنه من الإغاثة وليس من طلب الغيث". قال القرطبي: "والصواب الأول".
150 – حديث "أنّ رجلا قال يارسول الله: متى الساعةُ قائمة".
قال الزركشي: "يجوز في "قائمة"الرفع والنصب".
151- حديث "لا يتمنَّينَّ أَحَدُكُم الموتَ لِضُرٍّ نَزَلَ به، فإنْ كان لابُدَّ مُتمنّياً".
قال الكرماني: "قوله "لابدّ"حال، وتقديره: إن كان أحدكم فاعلا حالة كونه لابدّ له من ذلك".
152 - حديث "إذا تقرَّبَ إليَّ العَبْدُ شِبراً تَقرَّبتُ إليه ذِراعاً، وإذا تَقَرّب إليَّ ذِراعاً تَقَرّبت منه باعاً" (5) .
قال الكرماني: "فإن قلت استعمل التقربّ أولاً بـ "إلى"، وثانياً بمن، فما الفرقُ بينهما؟ قلت: الأصل "مِنْ"واستعمالها بـ "إلى"لقصد معنى الانتهاء، والصلات تختلف بحسب المقصود".
153- حديث "لا تقومُ السَّاعَةُ على أحدٍ يقولُ الله الله ".
قال النووي: "هو برفع اسم الله تعالى. وقد يغلط فيه بعض الناس فلا يرفعه".(33/259)
وقال القرطبي: "صوابه بالنصب، وكذلك قيدناه عن محققي من لقيناه، ووجهه أن هذا مثل قول العرب: "الأسدَ الأسدَ"و"الجدارَ الجدارَ"إذا حذروا من الأسد المفترس والجدار المائل. وهو منصوب بفعل مضمر تقديره احذر. وقد قيده بعضهم "الله الله "بالرفع على الابتداء وحذف الخبر، وفيه بعد". انتهى.
154- حديث "نَهى عن بَيْعِ الثِّمارِ حتّى تُزْهي، قيل: وما تُزهي؟ ".
قال الطيبي: "يجوز أن يكون "تزهي"حكاية قول الرسول صلى الله عليه وسلم. أي ما معنى قولك "حتى تزهي"؟ أو وضع الفعل موضع المصدر، أي قيِل ما الزهو، ونحوه قول الشاعر:
وقالوا ما تشاءُ فقُلْتُ ألهو
155- حديث "نَهى عن بَيْعِ الحَبِّ حتَى يفرك".
قال البيهقي (1) في سننه (2) : "إن كان بخفض الراء على إضافة الإفراك إلى الحب وافق رواية من قال: "حتى يشتد". وإن كان بفتح الراء ورفع الياء على إضافة الفرك إلى ما لم يسمّ فاعلُه خالف رواية من قال فيه: "حتى يشتد"واقتضى تنقيته عن السنبل حتى يجوز بيعه. قال: "ولم أر أحداً من محدّثي زماننا ضبط ذلك، والأشبه أن يكون "يَفرِك"بخفض الراء [لموافقة] معنى من قال فيه:"حتى يشتد".
قوله: "أرأيت إنْ مَنَعَ الله الثَمرةَ، بِمَ يأخُذُ أَحدُكُم مالَ أخيه؟ ".
قال الكرماني: "أرأيت"في معنى أخبرني. وفيه نوعان من التصرّف: إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار، وإطلاق الاستفهام وإرادة الأمر".(33/260)
وقال أبو حيان: "كون "أرأيت"بمعنى أخبرني نصَّ عليه سيبويه وغيره، وهو تفسير معنى لا تفسير إعراب، لأن أخبرني يتعدّى بعن، و"أرأيت"يتعدّى بنفسه لمفعول صريح، وإلى جملة استفهامية هي في موضع المفعول الثاني، ويقع بعده جملة الشرط، ويتنازع هو وفعل الشرط في ما بعده، فأعمل الثاني على رأي البصريين، وحذف مفعول "أرأيت"الأول، ومفعوله الثاني هو جملة الاستفهام، وربط هذه الجملة الاستفهامية بالمفعول المحذوف في "أرأيت"مقدّر، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، تقديره فأخبروني". انتهى.
وقال الطيبي: "أرأيت"معناه أخبرني من إطلاق السبب على المسبّب، لأن مشاهدة الأشياء طريق إلى الإخبار عنها، والهمزة فيه مقرّرة، أي قد رأيت ذلك فأخبرني به".
قوله: "بمَ يأخُذُ أحَدُكُم".
قال الطيبي: "مثل قولهم "فيمَ"و"علامَ"و"حتّامَ"في حذف الألف عند دخول حرف الجر على ما الاستفهامية. ولما كانت ما الاستفهامية متضمنة للهمزة، ولها صدر الكلام ينبغي أن يقدّر أبم يأخذ، والهمزة للإنكار، فالمعنى لا ينبغي أن يأخذ أحدكم مال أخيه عفواً.
156 - حديث "إن رجلاً جاء إلى الصلاة وقد حَفَزَه النَّفس، فقال: الله أَكْبر، الحمدُ للهِ حَمْداً كثيراً طيبّاً".
قال البيضاوي: "حمداً"نصب بفعل مضمر دلّ عليه الحمد، ويحتمل أن يكون بدلا منه جارياً على محلّه. و"طيبّاً"وصف له".
وقوله: "لم يقُل بأساً".
قال الطيبي: "يجوز أن يكون مفعولا به، أي لم يتفوَّه بما يؤخذ عليه، أو مفعولا مطلقاً، أي لم يقل قولا يشدّد عليه. و (أيُّهم يرفعُها) : مبتدأ وخبر في موضع نصب، أي يبتدرونها ويستعجلونها أيهم يرفعها".
157 - حديث "مُرَّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم بجنازة فأَثْنَوا عليها خيراً، فقال: وَجَبَتْ، ثم مُرَّ بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: وجَبَتْ، فقيل: يا رسول الله، قلت لهذا وجَبَتْ ولهذا وجَبَتْ. قال: شهادةُ القوم، المؤمنون شُهداءُ الله في الأرض".(33/261)
قال الكرماني: "شهادةُ القوم"مبتدأ، وخبره محذوف، أي موجبة شرعاً أو معرفة لثبوتها. وروي بالنصب، أي وجبت بشهادتهم".
وقال عياض: "ضبطه بعضهم "شهادةُ"بالرفع، على خبر مبتدأ مضمر، أي هي، ثم استأنف الكلام فقال "القومُ المؤمنون شهداءُ الله في الأرض". وضبطه بعضهم "شهادة القوم"على الإضافة، فـ"المؤمنون"رفع بالابتداء، و"شهداءُ"خبره. و"القوم"خفض بالإضافة. و"شهادة"على هذا خبر مبتدأ محذوف، أي سبب قولي هذا شهادة القوم. ورواه بعضهم "المؤمنين"نعت للقوم، ويكون "شهداء"على هذا خبر مبتدأ محذوف أي هم شهداء الله. ويصح نصب "شهادة"بمعنى من أجل شهادة القوم. ومن روى "القومُ"مرفوعاً كان مبتدأ، و"المؤمنون"وصفهم".انتهى.
وقال السُهيلي (1) : "إن كانت الرواية بتنوين الشهادة فهو على إضمار المبتدأ، أي هي شهادة، و"القوم"رفع بالابتداء، و"المؤمنون"نعت له أو بدل، وما بعده خبر. وفي هذا ضعف لأن المعهود من كلام النبوة حذف المنعوت نحو "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" و"المؤمنون هينون لينون" و"المؤمنُ غِرٌّ كريم". لأن الحكم متعلّق بالصفة فلا معنى للموصوف".
قال: "ويحتمل وجهاً آخر، وهو أن يرتفع "القوم"بالشهادة لأنها مصدر، ويرتفع "المؤمنون"بالابتداء، إذ قد أجازوا إعمال المصدر عمل الفعل، فلا بُعد في عمله هنا في القومِ منوّنا، كما تقول: يعجبني ضربٌ زيدٌ عمراً. ويحتمل وجهاً ثالثاً، وهو أن يكون "القوم"فاعلا بإضمار فعل، كأنه قال هذه شهادة، ثم قال "القوم"أي شهد القوم". انتهى.
158 - حديث سؤال القبر، قوله: "إنَّ العَبْدَ إذا وُضِعَ في قَبْرِه".
قال الطيبي: "شرط، "أتاه"جزاؤه، والجملة خبر إنَّ. و"إنّه (2) ليسمع قرع نعالهم"(33/262)
إما حال، بحذف الواو، كأحد الوجهين في قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّة} أي ووجوههم، ونحو: كلّمته فوهُ إلىِ فيّ، ذكره شارح اللباب. أو يكون جواباً للشرط على إضمار الفاء، فيكون "أتاه"حالاَ من فاعل "يسمع"و"قد"مقدّرة. ويحتمل أن يكون "إذا"ظرفاً محضاً، وقوله "إنّه"تأكيد لقوله "إن العبد"كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيع} في أحد الوجهين.
قوله " فيُقْعِدانه ".
قال التوربشتي (1) : "في حديث البراء (2) "فيُجْلِسانِه" وهو أولى اللفظين بالاختيار، لأن الفصحاء إنما يستعملون القعود في مقابلة القيام، فيقولون القيام والقعود، ولا تسمعهم يقولون القيام والجلوس، يقال قعد الرجل عن قيامه، وجلس عن ضجعه واستلقائه. وحكي أن النضر بن شميل (3) دخل على المأمون عند مقدمه مرو، فمثل وسلّم، فقال له المأمون: اجلس، فقال: يا أمير المؤمنين: أمضطجع فأجلس؟ قال: فكيف أقول؟ قال: قُل اقعد. فعلى هذا المختار من الروايتين هو الإجلاس، لما أشرنا إليه من دقيق المعنى وفصيح الكلام، وهو الأحقّ والأجدر ببلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولعلّ من روى "فيقعدانه"ظن أن اللفظين ينزلان من المعنى منزلة واحدة. ومن هذا الوجه أنكر كثير من السلف رواية الحديث بالمعنى، خشية أن يزلّ في الألفاظ المشتركة فيذهب عن المعنى المراد جانباً". انتهى
قوله: "قد بَدَّلَكَ الله بهِ مَقْعَداً في الجنَّة".
فيه دخول الباء على المتروك، واشتهر أنه المعروف لغة.
[رأي أبي حيان في دخول الباء على المتروك](33/263)
قال أبو حيان في شرح التسهيل: "هذه المسألة غلط فيها كثير من المصنفين في العلوم، ومن الشعراء، فيدخلون الباء على مالا يصح دخولها عليه في لسان العرب، وينصبون ما تدخل عليه في لسان العرب، ففي المنهاج لأبي زكريا النووي: "ولو أبدل ضادا بظاء لم يصحّ في الأصحّ". يعني في قوله: {وَلا الضَّالِّينَ} (1) ، ولو جرى كلامه على اللسان العربي لقال: "ولو أبدل ظاء بضاد"أي جعل بدل الضاد ظاء، فالمنصوب هو الذي يصير عوضا، وما دخلت عليه الباء هو الذي يكون معوَّضاً منه.
وهذا جار في هذه المادة من أَبْدَل وبدَّل وتبدَّل، المنصوب هو المعوّض الحاصل، وما دخلت عليه الباء هو المعوّض منه الذاهب. فإذا قلت: أبدلتُ ديناراً بدرهمٍ، فمعناه اعتضتُ ديناراً عوض الدرهم، فالدينار هو الحاصل المعوّض، والدرهم هو الخارج عنك المعوّض منه. وهذا عكس ما يفهم العامة، وكثير ممّن يعاني العلوم. وعلى ما ذكرناه جاء كلام العرب، قال الشاعر:
تَضْحَكُ منيّ أُخْتُ ذاتِ النِّحْييَن (2) .
أبْدَلَكِ الله بلوْنٍ لَوْنين
سَوادَ وَجْهٍ وَبيَاضَ عينين
ألا ترى كيف أدخل على المعوَّض منه الباء، وهو قوله "بلونٍ"ونصب "لونين"وهو المعوّض. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ} (3) . وقال تعالى: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ} وقال تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} (4) وقال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} (5) أي يستبدل بكم قوما غيركم. وقال تعالى: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا} تقديره: أن يبدلنا بها خيراً منها، فحذف "بها"أي بالجنة التي طيف بها. وقال تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً} أي يبدلهما به.
وعلى هذا نظم علماء الشعراء، قال أبو تمام (6) :(33/264)
تبدَّلَ غاشيهِ بريم مُسَلِّمٍ
تَردَّى رداءَ الحُسْنِ وَشْيا مُنَمْنَما
وبالحَلْي إنْ قامت ترُّنمَ فوقها
حماما إذا لاقى حماماً ترنَّما
وبِالخَدْلَةِ السّاقِ المخدَّمةِ الشَّوى
قَلائصُ يَتْلُون العَبَنَّى المُخَدَّما (1)
وقد يجوز حذف حرف الجر لدلالة المعنى على العوض والمعوّض منه، قال تعالى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} أي بسيئاتهم حسنات. وقال تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} (2) أي بغير الأرض.
وقد يقع موقع الباء التي تدخل على المعوّض منه "بعد"وهي دالّة على سبق المعوّض منه وذهابه بالعوض، قال الشاعر:
وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامياً بَعْدَ
صِحَّةٍ لَعلَّ منايانا تَحوَّلْنَ أبْؤُسا
معناه: وبدّلت قرحاً دامياً بعد صحة أي عُوّضت بدل الصحة قرحاً.
وأصل أبدل وبدّل أن يتعدّى لاثنين منصوبين ولثالث بالباء، ألا ترى كيف صرّح بذلك في قوله:
أَبدلكِ الله بلَونٍ لَوْنينْ
وفي قوله: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} (3)
وقد جرت عادة النحويين أن يقولوا: "أبدلت كذا بكذا"ولا يذكرون المفعول الأوّل، وأيضا فليس المعنى عليه، لأنك إذا قلت: أبدلت هذا الحرف بهذا الحرف، لا يريدون أبدلتك هذا الحرف بهذا الحرف، على أنه لا يبعد أن يكون أصله هكذا، ثم حذف المفعول الأوّل، وكثر حذفه في اصطلاحهم حتى صار نسياً لا يراد معناه بوجه. انتهى.
[رسالة الإمام ابن لبّ الغرناطي في مسألة تعيين محل دخول الباء]
وقد ألف في هذه المسألة الإمام أبو سعيد فرج بن قاسم بن لُبَ الغرناطي رسالة حسنة، ولا بأس بإيرادها هنا لتستفاد، قال:(33/265)
الحمد لله الذي جعل العلوم الشرعية مناهل صافيةً تورد، ومصابيح نيِّرةً توقد، وقيّض لها حملة مجالسها عليهم تُعقد، وأحاديثها لديهم تنشد، وزيفها لديهم ينقد، وضالتها عليهم تنشد، والصلاة والسلام على نبيِّه ورسوله أفضل صلاة تامة، وأزكى سلام سرمديّ مؤبَّد.
وبعد فإني سئلت عن مسألة تعيين محل دخول الباء من مفعولي بدَّل وأبدل وما يراجع إليهما في المادّة. وكان الذي حمل السائل على السؤال عن ذلك أنه سمع بعض علماء اللسان ينكر مثل قول القائل: فعمّا قليل يبدّل العُسْرُ باليُسْر، يزعم أنه لحن، خارج عن كلام العرب، وأن صواب الكلام يبدّل اليُسر بِالعسر، أَي يجعل اليُسر بديل العُسْرِ وعِوَضه. قال: فإنما تدخل الباء بعد هذا الفعل أبدا على المتروك، ويجرّد الحاصل منها، فهو الذي يقام مقام الفاعل على اللزوم. فصوّبت للسائل ذلك المقال، وأنكرت ذلك الإنكار. فسألني تقييد المسألة ببسط وبيان، فقلت في الجواب، والله سبحانه المستعان:
إن لأفعال هذه المادة في الاستعمال أربعة أوجه:
أحدها: أن يقصد بالتبديل أو الإبدال تغيير الشيء بنقله وتحويله، فيتعدى إلى اسمين منقول ومنقول إليه، ومحل دخول الباء في هذا الوجه إنما هو العوض الحاصل، ويجرّد المتروك لأنه المغيّر، فإنما تريد أخلفت هذا بذاك ونسخته به، وعلى هذا يصح ما أنكره المنكر. قال ثعلب: "التبديل تغيير الصورة إلى غيرها"
وقال الفراء: "كل ما غيّر عن حاله فهو مبدَّل، وقد يجوز التخفيف"
وقال ابن النحاس: "بدّلت خاتمي أي غيّرته"
وقال الزمخشري في قوله تعالىِ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} : "التبديل هو التغيير، كقولك: بدّلتُ الحلْقة خاتما، إذا أذبتها وسويتها خاتما، فنقلتها من شكل إلى شكل، قال: فهو تغيير في الصفات. قال: وقد يكون في الذوات كقولك: بدّلتُ الدراهم دنانير".(33/266)
وقال في قوله تعالى: {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً} : "كأنهم غّيروا شكرها الواجب عليهم إلى الكفر، لما وضعوا الكفر مكانه".
ومما يدخل تحت ترجمة التغيير قوله تعالى: {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} {لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} {أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} .
ومما جاء من هذا مع دخول الباء على الحاصل قول حبيب:
بِسَيْبِ ابب العبّاسِ بُدّلَ ازلُنا
بخفْضٍ، وصِرْنا بَعْدَ جَزْرٍ إلى مَدِّ
فأدخل الباء على الحاصل حين رفع المتروك. ومنه قول أبي الطيّب:
أبْلَى الأجِلَّةَ مُهْري عند غيرِكُمُ
وبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسطاطِ والرَّسَنُ
يقول: طال مقامي عند غيركم لأنه أكرمني، ولم يسأم مثواي عنده، حتى بلي جُلُّ مهري بطول مكثه على ظهره، وتعوّض منزل الفسطاط من عذاره ورسنه.
وقوله أيضا من قصيدة يمدح بها كافورا، وكان أسود:
مَنْ لبيضِ المُلوكِ أنْ تُبْدل اللو
نَ بِلَوْنِ الأستاذ والَسَحْناءِ
يقولَ: من للبيض من الملوك أن يُبدلوا ألوانهم بلون هذا الممدوح وسحنائه.
ومنه قول المعرّي:
يقولُ إنَّ زماناً يَسْتقيدُ لهم
حتى يُبَدَّل من بُؤْسٍ بنعماءِ
أي حتى يعوَّض من هذه بهذه. وقد يدخل هذا البيت في الوجه الثالث بعد هذا بتقدير حتى يبدلهم
ومن هذا الوجه البيت الواقع في السِّير، وقصيدة عديّ بن زيد العبّادي وهو قوله:
وبُدِّلَ الفَيْجُ بالزُّرافةِ والـ
أيامُ جُوْنٌ جَمٌّ عَجائِبُها
وذلك أن الفيج في البيت هو المنفرد في مشيه، والزّرافة الجماعة، يعني بها الكتائب التي ذكر في القصيدة قبل هذا في قوله:(33/267)
ساقتْ إليها الأسبابُ جُنْدَ بني الـ
أحرار فُرسانُها مواكبُها
حتى رآها الأقوالُ من طَرَفِ الـ
مَنْقَلِ مُخْضرَّةً كتائِبُها
ويريد بالفيج سيف بن ذي يزن الحميرى، لأنه خرج بنفسه حتى قدم على قيصر فشكا إليه حال أهل اليمن، فلم يشكه، فأتى النعمان فذهب معه فأدخله على كسرى فشكا إليه، فأصحبه جيشا، كما ذكر صاحب السيَّر. فبدَّل الواحد بالجماعة.
وإنْ أراد بالفيج معنى الرسول، كما قال بعض اللغويين، فإن سيفاً كان رسول أهل اليمن.
ثم قد يأتي محل الباء مجرداً منصوباً وهو كثير، كقوله تعالى: {يَوْمَ تُبدَّلُ الأرْضُ غَير الأرْض} وكقوله: {بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرا} وقوله: {فأولئك يُبدِّلُ الله سَيّئاتِهم حَسنَات} .
قال الغزنوي في الآية الأولى: "غير"مفعول ثانٍ، أو يقدر بغير الأرض.
وقد كثر هذا في استعمال النحاة، في كلام سيبويه وغيره. قال سيبويه: مصليق ومصاليق، أبدلوا السن صادا. وقال في لغة من يقول في الفصد الفزد: إِن تحركت الصّاد لم تبدل فهذا مثل الآية: {ويَومَ تُبدَّلُ الأرْض} لكنه حذف الثاني اختصارا. وهو قد يحذف كما قيل في قوله تعالى: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} قال مكي: "أن يبدّل دينكم بما أتاكم به". وفي قوله تعالى: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} قال الغزنوي: أي أمثالهم ممن يكفر النعم بمن يشكرها. وهو أحد وجهي الآية.
الوجه الثاني:
أن يقصد بالتبديل أو الإبدال جعل شيء مكان شيء وبدلا منه. فأصل الاستعمال في هذا الوجه تجريد الحاصل ودخول الباء على المتروك، لأنك تريد جعلت هذا بديل هذا وعوضاً منه. فمن هذا قول امرىء القيس (1) :
سَنُبْدِلُ إنْ أبْدلْتِ بالودّ آخَرَا
وقول معن بن أوس:
وكنتُ إذا ما صاحبٌ رامُ ظنّةً
وبدل سُوءاً بالذي كان يفْعلُ
قلبتُ لَهُ ظهْر المِجَنِّ ولَمْ أدُمْ
على ذاك إلا ريثما أتحوّلُ(33/268)
والغالب على هذا الوجه في الاستعمال جرّ المتروك بمن، فتقول: أبدلت كذا من كذا. وعليه جرت عادة النحويين في باب البدل. أو يأتي بـ "مكان"أو "بعد"كقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} وقوله: {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ} . وقد يحذف اختصاراً كقوله تعالى: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} على أحد الوجهين فيها، أي أهلكناهم وجئنا بأمثالهم في الخلق غير عاصين، فالتقدير بدّلنا منهم أمثالهم.
الوجه الثالث:
أن ترد البنية مؤدّية معنى أعطى مُعطَى شيئا عوض شيء، وذلك المعطى هو محل تعاقب العوضين، فيطلب الفعل ثلاثة يتعدى إليها، إلى الآذن المأخوذ منه بنفسه، والى المعطى المأخوذ كذلك، وإلى المتروك بالباء. كقوله تعالى: {وبَدَّلْناهُمْ بِجنَّتيْهم جنَّتين} (1) ، وكقول القائل:
أبْدلكِ الله بلوْنٍ لَوْنينْ
سوادَ وَجْهٍ وبَياضَ عَيْنين
وقام مقام الباء في هَذا ما يؤدي معناها كقوله تعالى: {وليُبدِّلنَّهم مِنْ بَعْد خَوْفِهم أمْنا} . ومنه قول القائل: وبُدّلتُ قرْحا دامياً بعد صحّةٍ
وقد تحذف الباء مع محلها اختصاراً لفهم المعنى، كقوله تعالى: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا} . أي أن يبدلنا بها خيراً منها.
وقد يضمّن الفعل في هذا الوجه معنى النقل والتحويل، فيتعدى تعدّيه، ومنه قول حبيب بعد قوله:
بسيب أبي العباس............... البيت المتقدم.
غَنِيتُ بهِ عَمَّنْ سِواهُ وبُدِّلتْ
عِجافاً ركابي عن سُعَيْدٍ إلى سَعْدِ
أي نقلَت عن هذا إلى هذا. ولا يمتنع في هذا الوجه أن تقول: بدّلتك من كذا بكذا.
فتدخل الباء على العوض الحاصل، أي جعلتك تتعّوض كما سيأتي في مثل: تَعَوَّضَ بالحِجارة مِنْ حُجورِ.
وقد تقدم الكلام في بيت المعري:
حتى تبَّدل مِنْ بُؤسٍ بِنَعْماءِ
الوجه الرابع:(33/269)
أن يقصد معنى التعوض أو الاستعاضة، فيكون المعنى أخذت كذا عن كذا أو استخذته، فيتعدى الفعل في هذا الوجه إلى شيئين ينصب أحدهما وهو الحاصل المأخوذ، ويجرّ المتروك بالباء وهو المأخوذ عنه. كقوله تعالى: {ومَنْ يتَبدَّل الكُفْرَ بالإِيمان} (1) أي يتعوض، وكقوله: {ولا أنْ تبدَّلَ بهنَّ مِنْ أزواج} (2) و"من"زائدة دخلت على المنصوب. وكقوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} أي تستعيضون.
وقد يغني عن الباء ما يؤدي معناها، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} وقد تحذف مع مجرورها، كقوله تعالى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} (3) أي بكم. وربما جرّ الحاصل بالباء والمتروك بمن عند قصد التعوّض، ومنه قول المعري:
إذا الفتى ذَمَّ عَيْشاً في شَبيبتِه
فما يقولُ إذا عَصْرُ الشَّباب مضى
وقد تعوَّضْتُ مِنْ كُلً بمشبهه
فما وجدت لأيّامِ الصبا عوضا
ومنه قول القائل يرثي ابناً صغيراً.
تعوّضَ بالحجارَةِ مِنْ حُجُور
وبانَ عن الُّترْيبِ إلى الُّترابِ
ومن أبيات الحماسة:
وهَلْ هي إلا مِثْلُ عِرْسٍ تبَدّلتْ
على رَغْمِها مِنْ هاشمٍ في مُحارب
يعني أنها نكحت في هاشم وفارقتهم فنكحت في محارب.
وجاء بـ"في"في موضع الباء لمقاربة ما بينهما، والفعل في هذا الوجه مطاوع الفعل في الوجه الذي قبله. تقول: أبدلت الشيء بالشيء، فتبدَّله.
فهذه أربعة أوجه على أربعة مقاصد، تتعيّن الباء في المقصد الأوّل المعوّض الحاصل، ويجوز دخولها عليه في بعض المواضع في الثالث والرابع على ما ظهر من التفصيل.
ثم قد يمكن ردّ ما ذكر من أمثلة الباء في الوجه الثاني إلى الوجه الثالث بحذف المفعول الأول، كأنه قال في بيت امرىء القيس: سنبدل محلك من نفوسنا إن أبدلت موضعنا من نفسك. وكأنه قال في بيت معن بن أوس:
وبدَّلَ سُوءاً بالذي كان يَفْعَلُ(33/270)
ومما يحتمل التنزيل على الوجهين الأول والثاني قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} . قال الزمخشري: أي وضعوا مكان "حطة"قولا غيرها. فأشار معنى الوجه الثاني. كما قال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} . وقال الغزنوي: "قولا"مفعول ثانٍ، أو قالوا قولا. فأرشد بجعله مفعولا ثانيا إلى كونه داخلا في الوجه الأولّ، بحذف أول المفعولين اختصاراً. ويكون هذا الثاني على إضمار الباء أو دونها، أي بدّلوا القول الذيِ أمروا به بقول غيره، أو بدّلوا القول قولا غيره، كما قال تعالى: {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً} .
وأرشد بجعله على إضمار فعل والقول إلى أنهما كلامان بتفصيل بعد إجمال، أي بدّلوا وغيّروا قالوا قولا غير الذي قيل لهم. فإن اطرد التأويل فيما يجد من أمثلة الباء في الوجه الثاني خرج ذلك عن مداخل الباء.
ثم يتعلق بهذه الأوجه مسألة في الإبدال والتبديل بالنظر إلى افتراقهما أو اتفاقهما في المعنى. وقد فرّق ثعلب بينهما فقال: الإبدال: تنحية جوهرة واستئناف أخرى. وأنشد لأبي النجم:
عَزْلَ الأَمير لِلأْمير المُبْدَلَ
قال: ألا تراه نحّى جسماً وجعل مكانه آخر. والتبديل: تغيير الصورة إلى غيرها والجوهرة بعينها وهو نحو قول الفرّاء، قال في التفسير بدّلت معناه غيّرت، وكل ما غيّر عن حاله فهو مبدَّل، بالتشديد، وقد يجوز بالتخفيف، وليس بالوجه. وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت أبدلته، كقولك: أبدل هذا الدرهم، أي أعطني مكانه، وبدّلْ جائز فهما متقاربان.
قال الفارسي: "بدّل وأبدل متقارِبان كنزّل وأنزل. وقال في تفرقة من فرَّق ليست بشيء. قال تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} فالخوف ليس بقائم في حال الأمان، يريد على قراءة التثقيل. وقد تأوّلها الفراء على معنى: يجعل سبيل الخوف أمنا.(33/271)
وقال الزمخشري في قوله تعالى: {بدَّلوا نِعْمةَ اللهِ كُفْراً} أي شُكْر نعمة الله لما وضعوا الكفر مكان الشكر الذي وجب عليهم، فكأنهم غيّروا الشكر إلى الكفر وبدّلوه تبديلا. يعني إنّ ما يقوم مقام الشيء بأن يجعل محله كأنه هو بضرب من التغيير.
وذكر المطرّز عن ثعلب عن سلمة بن عاصم النحوي عن الفراء: أبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذا مكانه. وبدّلت الخاتم [بالحلقة] ، إذا أذبته وسويته [حلقة] ، وبدّلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتماً. قال ثعلب: وحقيقته أن بدّلت إذا غيّرت الصورة إلى صورة غيرها والجوهرة بعينها. وأبدلت إذا نحيت الجوهرة وجعلت مكانها جوهرة أخرى، ومنه قوله:
نحَّى السَّديس وانْتحى لِلْمعدلِ
عَزْلَ الأمير للأمير المُبْدَلِ
قال: ألا ترى أنه قد نحّى جسما وجعل مكانه جسماً غيره.
قال المطرّز: عرضت الكلام على المّبرد فاستحسنه. وقال لي: قد بقيت لي عليه فاصلة أخرى على أحمد بن يحي. قلت: وماهي؟ أعزّك الله. قال: هي أن العرب قد جعلت بدّلت بمعنى أبدلت، وهو قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [ألا ترى أنه قد أزال السيئات وجعل مكانها حسنات] . قال: وأما شرط أحمد بن يحي فهو معنى قوله تعالى: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} . فهذه [هي] الجوهرة بعينها، وتبديلها تغيير صورتها إلى غيرها، لأنها كانت ناعمة فاسودّت بالعذاب فردّت صورة جلودهم الأولى كلما نضجت تلك الصورة، فالجوهرة واحدة والصور مختلفة.
وفي كلام الفراء في ما مثّل به دخول الباء على الحاصل، وتوجّه الفعل على المتروك، كما جعله أبو النجم مبدلا.
انتهى الكلام على أقسام المسألة، والحمد لله وحده.
وقد وقفت على فصل في هذا الغرض لأثير الدين أبي حيّان مجتلب من شرحه لتسهيل ابن مالك، رأيت تقييده هنا، وبيان ما فيه، بحول الله تعالى.
وساق كلام أبي حيان الذي قدّمته أوّل الحديث برّمته، ثم قال:(33/272)
[ردّ ابن لُب على كلام أبى حيان]
وقد اجتمعت فيه أشياء جملة: التهجّم بالتخطئة، وعدم اطراد العلة، والقصور في الاطلاع، وخلط الأقسام في الاستدلال، والتناقض في المقال.
أما التخطئة بالتهجم فلأنه غلّط كثيراً من المصنفين في العلوم والشعراء وهم في ذلك على صواب.
وأما انكسار العلة فلأنه جعل علة دخول الباء كون المحل معوضاً منه ذاهبا، وعلة التجرد منها كونه عوضا حاصلا، وقد ظهر مما تقدم نقلا من كلام الأئمة وسماعا من كلام العرب أن التبديل يكون بمعنى التغيير، وبمعنى القلب والتحويل. ومن المعلوم أن المغير والمحّول إنما هو المعوض منه الذاهب، وقد سلفت شواهد ذلك. وكيف يطرد له ذلك في مثل قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} وإنما معناه تحول هذه الأرض إلى غيرها، أو تغير حالها. ومثل ذلك قول جرير:
أبُدِّلَ الليلُ لا تَسْري كواكِبُه
أمْ طالَ حتى حَسِبْتُ النَّجْم حَيْرانا
أي أبدّل الليل غير الليل، لأنه قد عاد له بقوله: "أم طال"أي أم بقي لكنه طال.
وأما القصور في الاطلاع فلأنه لم يقف على كلام الأئمة في معنى التغيير والقلب على شهرته وكثرة شواهده. وقد استشهد بطريقته بنظم بعض علماء الشعر كأبيات حبيب، وغابت منه شواهد القرآن، ومن شعر حبيب وأبي الطيب والمعري وغيرهم ما هو كثير صريح في خلاف قوله.
وأما خلطه الأقسام فلأنه جعل أبدل وبدّل وتبدل واستبدل المتوجه على العوض خاصة. وعليهما مع محلهما الذي تعاقبا عليه، كلّ ذلك على سواء في التعدي الذي وصفه. وقد ظهر في التقييد بون ما بين بدّل وأبدل وسائر الأبنية سماعاً من العرب، ونقلا من كلام علماء اللسان. وكذلك البون الذي بين بدّل وأبدل متوجهن على العوضين خاصة، أو عليهما مع محلهما.(33/273)
وتأمل هنا كلام الزمخشري في قوله تعالى: {وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} قال: وقيل هو أن يعطي رديئا ويأخذ جيدا. وعن السُّدّي أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة، يعني الوصي في مال اليتيم. قال: وهذا ليس بتبدّل إنما هو تبديل، يقول: إن المعنى على هذا القول لا تبدلوا خبيثكم بطيب اليتامى. والآية إنما فيها التبديل. وقد يتضمن معنى الأخذ لما يأخذ بما يترك، والوصيّ لم يأخذ الخبيث إنما أخذ الطيب.
وفي هذا الكلام من الزمخشري تسليم دخول الباء مع التبديل على المأخوذ الحاصل. وأردت الفرق بين التبدل والتبديل في ذلك، ولم يتفق للمقيد مثال من السماع في محل النزاع إلا آية. آخر كلامه، وهي حجة لخصومه.
وأما التناقض فلأنه ساق كلامه على التزام دخول الباء على العوض الذاهب وتجريد الحاصل، ثم ختمه بقوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} وقال: أي بغير الأرض، جاعلاً الآية من القبيل الذي ذكر، وألزم فيها ما التزم، وهي على العكس من قوله، وصريحة في مخالفة رأيه، وشاهدة على تقديرِه للباء لصحة مذهب من صرّح بتخطئته. وليتأمل مأخذه في الآية: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} حيث جعل المفعولين مذكورين على سقوط الباء من "قول"وهو المفعول الثاني عنده، و"غير"هو الأول، فإنه مأخذ بعيد. وقد مرّ من كلام غيره فيها ما هو جلّي ظاهر. وهكذا طريقته في تقدير الآية: {يُبدِّلُ الله يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} أي بسيئاتهم، فإنه مع كونه على مخالفة مقتضى الآية الأخرى: {يوْم تُبدَّلُ الأرْضُ} مخالف لكلام الأئمة واستعمالهم، ودعوى وضع الشيء غير موضعه.(33/274)
فليتأمل أيضا عدم استبعاده في إبدال الحروف بعضها من بعض أن يكون الأصل: أبدلتك هذا الحرف بهذا الحرف، وإنه لبعيد. والذي لا يبعد في ذلك الغرض أن يقدر أبدلت الكلمة هذا الحرف في هذا الآخر، لأن الكلمة هي محل التعاقب، وهذا الوجه الذي أشار إليه هو الذي طرقت احتماله إلى ما جاء من بدّل أو أبدل مع الباء داخلة على العوض الذاهب في الوجه الثاني كما سبق.
وهنا انتهى القول في المسألة، والحمد لله وحده.
[رجع السيوطي إلى حديث سؤال القبر]
قوله (فذكر لنا أنه يُفسحُ له في قبره سبعون ذراعاً)
قلت: كذا في الرواية "سبعون"بالواو، على أنه النائب عن الفاعل. قال الشيخ بهاء الدين في التعليقة: "إذا اجتمع فضلات وليس فيها مفعول مُسَرَّح، اختلف النحاة فيها، فمنهم من قال: يجوز إقامة أيها شئت على السواء، ومنهم من قال برجحان بعضها. ثم اختلفوا؛ فقال المغاربة وبعض المشارقة المصدر المختص أرجح، وعللوه بأن الفعل وصل إليه بنفسه، ولا كذلك المفعول المقيد". وقال ابن معط: "المفعول المقيد أولى ثم بعده المصدر. ثم لم يتعرضوا لما بعد ذلك. والذي ظهر لي أن الأولى إقامة المفعول المقيد، ثم ظرف المكان، ثم ظرف الزمان، ثم المصدر المختص. وذلك المفعول المقيد لا يحتاج إلى مجاز في كونه مفعولا به، وغيره يحتاج إلى التوسّع فيه بجعله مفعولا، فكان المفعول المقيد أولى من غيره لذلك". انتهى.
وقال الطيبي: "الأصل يفسح له قبره مقدار سبعين ذراعاً، فجعل القبر ظرفاً للسبعين، وأسند الفعل إلى سبعين مبالغة".
قوله (فيقال له: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْت) .
قال أبو البقاء: "لا درَيت "بفتح الراء لا غير، من دَرى يدري، مثل رمى يرمي". انتهى.
وقال الخطابي: "قوله "ولا تليت"هكذا يرويه المحدثون، وهو غلط، والصواب "ولا ائتَلَيْت"على وزن افتعلت، من قولك ما ألوت هذا الأمر، أي ما استطعته".(33/275)
وقال صاحب الفائق: "معناه ولا اتَّبعت الناس بأن تقول شيئا يقولونه، وقيل لا قرأت، فقلبت الواو ياء للمزاوجة "
وقال ابن بطال: "الكلمة من بنات الواو، لأنها من تلاوة القرآن، لكنها لما كانت مع "دريت"تكلم بها بالياء ليزدوج الكلام، ومعناه الدعاء عليه، أي لا كنت داريا ولا تاليا". وقال ابن بري: "من روى "تليت"فأصله "ائتليت"بالهمز، فحذفت تخفيفا، فذهبت همزة الوصل، وسهلت لمزاوجة "دريت".
وقال الطيبي: "يجوز أن يكون من قولهم: تلا فلان تلو غير عاقل، إذا عمل عمل الجهّال، أي لا علمت ولا جهلت، يعني هلكت فخرجت من القبيلين".
وقال الجوهرى: "اتْلَت الناقةُ إذا تلاها ولدها. ومنه قولهم: لا دريت ولا أتْليت، يدعو عليه بأن لا تُتْلى إبله، أي لا يكون لها أولاد".
وقال الأزهرى: "يروى "ولا ائْتليْت "يدعو عليه".
وفي فتح الباري: "قال ثعلب "ولا تليت"أصله تلوت، أي لا فهمت ولا قرأت القرآن. والمعنى لا دريت ولا اتبعت من يدري. وإنما قاله بالياء لمؤاخاة "دريت".
وقال ابن السكيت: "قوله "ولا تليت"إتباع ولا معنى له. وقيل صوابه "ولا ائْتَليْت "بزيادة همزة قبل المثناة بوزن افتعلت [من قولهم: ما ألوت أي ما استطعت، حكى ذلك عن الأصمعي] وبه جزم الخطابي.
وقال الفرّاء: "أي قصّرت، كأنه قيل: لا دريت ولا قصّرت في طلب الدراية، ثم أنت لا تدري".
وقال الأزهري: "الألو"يكون بمعنى الجهد، وبمعنى التقصير، وبمعنى الاستطاعة"
وحكى ابن قتيبة (1) [عن يونس بن حبيب] أن صواب الرواية "ولا أتليت "بزيادة ألف وتسكين المثناة، كأنه يدعو عليه بأن لا يكون له من يتبعه، وهو من الإتلاء. يقال: ما أتْلت إبله أي لم تلد أولاداً يتبعونها. وقال: قول الأصمعي أشبه بالمعنى، أي لا دريت ولا استطعت أن تدري
قوله (يَسْمعُها مَنْ يليه غيرَ الثقلين) .
قال الطيبي: "غير"منصوب على الاستثناء".
159- حديث (اعتدلوا في السجود ولا يَبْسُط أحدُكم ذراعيه انبساط الكلب) .(33/276)
قال القرطبي: "هو مصدر على غير حدّه، وفعله ينبسط، لكن لما كان انبسط من بسط جاء المصدر عليه، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} (1) "
وقال الكرماني: " أي لا يبسط فينبسط انبساط الكلب، مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} . وقال بعضهم انبسط بمعنى بسط، كقوله اقتطع وقطع".
وروي "ولا ينبسط".
160- حديث (جاء رَجُلٌ فقال: يارسول الله إني أصبتُ حدّاً فأقِمْهُ عليّ) (2) .
قال الطيبي: "فإن قلت: ما الفرق بين معنى "على"في قوله "فأقمه عليّ"و"في"في قوله "فأقمْ فيّ كتاب الله"؟ قلت: الضمير في قوله "فأقمه"يرجع إلى الحد، فحسن لذلك معنى الاستعلاء. و"كتاب الله"في قوله "فأقمْ فيّ كتاب الله"يراد به الحكم، فهو يوجب "في"بمعنى الاستقرار فيه، وكونه ظرفا مستقرا فيه أحكام الله ... "
161- حديث (ليس في الخَضْراوات صَدَقة) .
قال ابن فلاح في المغني: "فَعْلاء أفعْل نحو حمراء وصفراء لا يجمع بالألف والتاء، كما لم يجمع مذكرّها بالواو والنون، لأن المؤنث تابع للمذكر في الجواز والمنع، ولأن الصفة ثقيلة لكونها مشتقة من الفعل، وهذا الجمع ثقيل، فجمعها يوجب زيادة في الثقل، فلذلك رفض جمعها. قال: وأما "الخضراوات"في هذا الحديث فإنه كالاسم، إذ كان صفة غالبة لا يذكر معها الموصوف". انتهى.
وقال ابن الأثير في النهاية: "قياس ما كان على هذا الوزن من الصفات أن لا يجمع هذا الجمع، وإنما يجمع به ما كان اسماً لا صفة نحو: صحراء وخنفساء. قال: وإنما جمع هذا الجمع لأنه قد صار اسماً لهذه البقول لا صفة. تقول العرب لهذه البقول "الخضراء"لا تريد لونها. قال: ومنه الحديث "أتي بقدر فيها خَضِرات" بكسر الضاد، أي بقول، واحدها خضِرَة".(33/277)
وقال الرضي: "أجاز ابن كيسان جمع فَعْلاء أفْعل وفَعْلى فَعْلان بالألف والتاء، ومنعه الجمهور. فإن غلبت الاسمية على أحدهما جاز اتفاقا كقوله عليه السلام: "ليس في الخضراوات صدقة".
162- حديث (اطلبوا العلم ولو بالصين) .
قال الرضي: "قد تدخل الواو على أن المدلول على جوابها بما تقدم، ولا تدخل إلا إذا كان ضد الشرط المذكور أولى بذلك المقدّم، الذي هو كالعوض عن الجزاء من ذلك الشرط، كقولك: أكرمه وإنْ شتمني. فالشتم بعيد من إكرامك الشاتم، وضدّه وهو المدح أولى بالإكرام. وكذلكَ قوله "اطلبوا العلم ولو بالصين". والظاهر أن الواو الداخلة على كلمة الشرط في مثله اعتراضية. ونعني بالجملة الاعتراضية ما يتوسط بين أجزاء الكلام متعلقاً به معنى مستأنفاً لفظاً على طريق الالتفات، كقوله:
فأنت طلاقٌ - والطلاقُ أَليَّة-
وقوله:
يرى كُلَّ مَنْ فيها- وحاشاكَ- فانيا(33/278)