8 - السفسطة
السفسطة اتجاه فكرى نشأ فى بلاد اليونان، قبل الميلاد بخمسة قرون نتيجة العجز الذى أصاب الفلسفة والدين والسياسة يومئذ ..
لقد عجزت الفلسفة عن تفسير الكون، وتعددت الآراء فى النشأة الأولى هل هى من ماء أو تراب، أو هواء أو نار .. إلخ.
وعجز الدين الوثنى السائد فى بلاد اليونان عن تلبية الفطرة الإنسانية، وكان لكل ظاهرة كونية أو إنسانية إله يعبد ويقدس من دون الله تعالى.
وعجزت السياسة، فنشأت الحروب والمنازعات بين بلاد اليونان.
والسفسطة كانت تعنى- فى ابتداء الأمر- تعلم قواعد البلاغة ودراسة التاريخ وفنون الطبيعة ومعرفة الحقوق والواجبات، ثم اقتصرت على فن الجدل والحرص على الغلبة دون التزام بالحق والفضيلة، وأصبحت مرادفة لكلمتى التضليل والخداع.
ومن أشهر زعمائهم فى العصر اليونانى القديم- بروتاجوراس (480 ق م- 410 ق م)، ومحور فلسفته أن الإنسان مقياس كل شيء، وهو الذى يقرر وجود الأشياء أو عدم وجودها.
وجاء بعده "جورجياس " وحاول أن يثبت ثلاث قضايا خطيرة، هى:
1 - لاشيء موجود لأنه متغير.
2 - وإن وجد شيء لا يمكن أن يعلم لأن الحواس مختلفة.
3 - وإذا أمكن أن يعرف فلا يمكن إيصاله للغير لأن طريق الحواس ذاتى.
وقد ناقش سقراط (ت 399 ق م) السوفسطائيين بمنهجه فى التهكم والتوليد الذى أراد به الوصول إلى حقائق الأشياء. وتابع الخطو أفلاطون (ت 347 ق م) وقاد حملة واسعة على الفكر السوفسطائى، وألف مجموعة محاورات مثل: محاورة بروتاجوراس، ومحاورة جورجياس، ومحاورة هيبياس، ومحاورة السوفسطائى ..
وظهرت السفسطة فى عصور تالية، وعرفت باسم حركة الشكاك، ووقف الفيلسوف الفرنسى مونتانى (1532 - 1592م) على أعتاب الفلسفة الأوروبية الحديثة ليعلن أن العلم القديم قد سقط، فلِمَ لا يسقط العلم الجديد كذلك وإذا كان الجهل المطبق بداية العلم فإن جهل العالم هو النهاية، وآن آلات العلم عاجزة عن توفير اليقين، وستظل كذلك وقد جعل الإمام ابن حزم الأندلسى (384 - 456 هـ) السوفسطائيين ثلاثة أصناف:
1 - صنف نفى الحقائق جملة.
2 - صنف شكُّوا فيها.
3 - صنف قالوا هى حق عند مَنْ عنده حق، وهى باطل عند مَنْ هى عنده باطل .. ورد عليهم ابن حزم بأن حس العقل شاهد بالفرق بين ما يخيل إلى النائم وبين ما يدركه المستيقظ، وخاطبهم قائلا: قولكم أنه لا حقيقة للأشياء أحق هو أم باطل؟! فإن قالوا هو حق أثبتوا حقيقة ما، وإن قالوا ليس هو حقا أقروا ببطلان قولهم، وكفّوا خصومهم أمرهم. ونحن نؤكد أن الحياة قائمة على حقائق الأشياء المعلومة بيقين، وأن العقل الإذسانى فى كفالة الشرع الصحيح جدير بكشف النواميس وممارسة التجربة واستنتاج الحقائق عمارة للكون وتواصلا للحضارات.
أ. د/ محمد سيد أحمد المسير
__________
المراجع
1 - الفِصَل فى الملل والأهواء والنحل للإمام ابن حزم، تحقيق د. محمد إبراهيم نصر، د. عبد الرحمن عميرة. ط عكاظ سنة 1402 هـ.
2 - الموسوعة الفلسفية المختصر- نقلها عن الإنجليزية الأستاذ فؤاد كامل وآخرون، وراجعها د. زكى نجيب محمود- دار القلم- بيروت. .(1/346)
9 - السَّكينة
لغةً: فعيلة من السكون. ومن معانيها. الطمأنينة والاستقرار، والهدوء والوداعة والأمن، والرزانة والوقار.
واصطلاحاً: فقد أخبر الله- عز وجل فى القرآن الكريم عن إنزالها على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المؤمنين فى مواضع القلق والاضطراب كيوم الهجرة، إذ هو وصاحبه فى الغار، والعدوُّ فوق رؤوسهم، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما، وكيوم حنين، حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار ... وكيوم الحديبية، حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم، ودخولهم تحت شروطهم التى لا تحتملها النفوس ... ".
ومن مواريث هذه السَّكينة أنها إذا نزلت على القلب أو نزلت فيه فإنه يطمئن بها، ويزول عنه ما يجده من الهِّم والحزن، أو ما يشعر به من الاضطراب والخوف والفزع. وفى ذلك يقول الله تعالى: {لقد رضى الله عن المؤمنين، إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم مافى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم، وأثابهم فتحا قريبا} (الفتح 18).
وبهذه السكينة التى تتنزل على القلب يزداد إيمانا وثقة ويقينا. وفى هذا المعنى يقول الله تعالى: {هو الذى أتزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما} (الفتح4) ويؤدى ذلك كله إلى انشراح القلب وانفساحه، ويصبح مُهَيَّأ لنزول الإلهامات الإلهية عليه، فيلهمه الله الحق والفرقان، ويمتلئ القلب حكمة ونورا، وينطق لسانه بالخير والصواب وقد وصف بمثل ذلك عمر
ابن الخطاب - رضي الله عنه - الذى قال عنه على بن أبى طالب - رضي الله عنه - " ... وما نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ... " (مسند أحمد1/ 106).
وعُمَر هو الذى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه " لقد كان فيمن قبلكم من الأمم مُحَدَّثون، فإن يكن فى أمتى أحد فإنه عمر" (رواه البخارى4/ 200) وكذلك قال عنه - صلى الله عليه وسلم - " إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمروقلبه" (مسند أحمد 2/ 53).
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصى بالسكينة، وخاصة فى المواطن التى تتطلب حضور القلب وخشوعه، وجمع الخواطر والهمة. كالذهاب إلى الصلاة، وعند أداء مناسك الحج، والقيام بأعباء الجهاد، ونحو ذلك من العبادات، وكان الحادى ينشد بين يديه، فى منصرفه من خيبر:
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبَّت الأقدام إن لاقينا
وبيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن السكينة تتنزل عند قراءة القرآن والاجتماع على مدارسته، كما ذكر أنها من أعظم هدايا الله تعالى إلى عبده المؤمن. ومما جاء فى ذلك قوله "ما ازداد عبد علما إلا ازداد قصدا، ولا قلد الله عبدا قلادة خيرا من سكينة، (سنن الدرامى: 1/ 107).
وقد عنى الصوفية بالحديث عن السكينة، وجعلوها منزلا من منازل السلوك إلى الله تعالى. وهى- عندهم- من منازل المواهب لا من منازل المكاسب وعرِّفها الحكيم الترمذى بأنها: سكون القلب وطمأنينته إلى الواردات التى من الله لأوليائه، وهى دليل الولاية، كما أن المعجزات دليل النبوة وعرفها القاشانى بأنها: عبارة عما تجده. النفس من الطمأنينة عند نزول الغيب. وأضاف الجرجاني إلى ذلك أنها نور فى القلب يسكن. إلى شاهده، أنها من مبادئ عين اليقين.
وكان الهروى الأنصارى من أكثرهم حديثا عنها، وبيانا لأقسامها ومراتبها فى كتابه
"منازل السائرين ".
أ. د/ عبد الحميد مدكور
__________
المراجع
1 - التعريفات للشريف الجرجانى، الحلبى، 1938 م.
2 - طائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام لعبد الرزاق القاشانى، دار الكتب المصرية بالقاهرة جـ1 2/ 1996 م
3 - مدارج السالكين، بين منازل اياك نعبد، واياك نستعين، لابن قيم الجوزية، مطبعة السنة المحمدية جـ1 2/ 1956 م.
4 - معرفة الأسرار للحكيم الترمزى دار النهضة العربية 1977 م.
5 - المفردات فى غريب القران الكريم للراغب الأصفهانى، الأنجلو المصرية 1970م.
كما يمكن الرجوع إلى كتب الصحاح من الحديث النبوى كالبخارى ومسلم والتزمذى فى أبواب الصلاة والحج والجهاد والمناقب، وفضائل القرآن لاستخلاص الأحاديث النبوية عن السكينة منها.(1/347)
10 - السلاجقة
يطلق مصطلح السلاجقة على مؤسسى الدولة السلجوقية وهى من أهم الدول الإسلامية التي ظهرت على مسرح التاريخ لأنها وجهت سير الأحداث فى المنطقة المعروفة الآن بالشرق الأوسط واشتبكت فى قتال مع الغرب النصرانى ممثلا فى الدولة الرومانية الأمر الذي أدى إلى قيام الحروب الصليبية مما كان له أثره فى تاريخ الشرق والغرب على السواء، وهم مجموعة من القبائل التركية تنتمى فى الأصل إلى طائفة (الأوغوز) استقرت فى إقليم ما وراء النهر في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجريين بعد أن أسلمت وحسن إسلامها، ثم انتقلت بعد سنوات قليلة إلى خراسان وكونت جيشا قويا تمكنت به من دخول مدينة نيسابور فى عام (429 هـ 1027م) فأعلن زعيمها طغرل بك قيام دولة السلاجقة ونادى بنفسه سلطانا على هذه الدولة، ولقد نقل العرب المسلمون إلى أهل تلك البلاد نعمة الإسلام مما ساعد على انتشار الإسلام فى تلك البلاد. وأدى إلى امتزاج الدماء وإلى انتشار اللغة العريية- لغة الدين الحنيف- التى نزل بها القرآن الكريم وقيلت بها الأحاديث النبوية الشريفة، وصار تعلمها لازما لكل مسلم غيرعربى حتى يستطيع تعلم أصول دينه. وكان إسلام الترك نقطة تحول فى تاريخهم فقد أزال الحاجز بينهم وبين المسلمين، كما أزال الحاجز بينهم وبين التاريخ العالمى، فيّسر لهم العيش فى حياة المسلمين والدخول فى خدمة خلفاء المسلمين وسلاطينهم وأمرائهم وقوادهم، ثم واتتهم الفرصة لإقامة دولة تركية مسلمة مجاهدة. وكان قيام دولة السلاجقة حدثا بارزا فى تاريخ إيران والعراق بخاصة، وفى تاريخ العالم الإسلامى بعامة، وكانت موقعة (داندا نقان) (431 هـ 1029م) من المواقع الحاسمة الفاصلة فى تاريخ كل من الغزنويين والسلاجقة لأنها كانت موجهة لتاريخ كل من الدولتين، ولقد أدى انتصار السلاجقة إلى ظفرهم بمغانم كثيرة مادية ومعنوية، فأحكموا بعدها سيطرتهم على خراسان وما وراء النهر، وظفروا باعتراف الخليفة العباسى وقيام دولتهم وأخذوا يستعدون لبسط سلطانهم على إيران والعراق (آسيا الصغرى والشام).
وكانت دولة السلاجقة عند وفاة طغرل بك (455 هـ- 1063م) دولة قوية راسخة الأركان وكان التنازع على العرش بين أفراد البيت السلجوقى والتنازع على الوزارة بين كبار رجال الدولة مشكلتين تظهران عقب وفاة كل سلطان تقريبا. ثم أخذت الأوضاع تستقر فى الدولة السلجوقية فى أوائل عام (457 هـ 1064م) وأخذ السلطان آلب أرسلان بمعاونة وزيره (نظام الملك) يرتفع ببناء الدولة وحدد أهداف السلاجقة القريبة والبعيدة وإتفقا على أن تكون أهدافهم القريبة هي تثبيت سلطانهم فى إيران والعراق وأن تكون أهدافهم البعيدة هى بسط نفوذهم على مناطق جديدة حتى. تتسع رقعة دولتهم ورجح السلطان والوزير أن تكون المناطق النصرانية المجاورة لإيران كبلاد الروم بهدف نشر الإسلام فيها، مما رفع من قدر السلاجقة وأكسبهم حب المسلمين جميعا وكانت موقعة (ملاذكرد) فى (465 هـ 1070 م)، نقطة تحول فى تاريخ غرب آسيا بخاصة، وفى التاريخ الإسلامى عامة لأنها يسرت القضاء على دولة الروم وعلى أكثر أجزاء منطقة آسيا الصغرى، مما ساعد على القضاء على دولة الروم نفسها بعد ذلك على أيدى العثمانيين والتطلع لفتح مصر وإسقاط الخلافة الشيعية. وقد جدد مصرع أآلب أرسلان) (465 هـ 1072م) النزاع على عرش السلاجقة بين أفراد البيت السلجوقي، غير أن (ملكشاه ابن آلب أرسلان عمل على توسع رقعة الدولة، وتنبيت أقدامها حتى شمل سلطانها بلاد الشام وجزءاَ كبيراً من بلاد الروم وصار لها فروع حتى كرمان والشام ومنطقة آسيا الصغرى، ولقد عين أحد أفراد البيت السلجوقى الأقوياء وهو (سليمان بن قتلمش بن إسرائيل) واليا على بلاد الروم ومؤسسا لفرع جديد من فروع الدولة عرف فى التاريخ باسم سلاجقة الروم، غير أن الدولة السلجوقية برغم بلوغها أوج قوتها لم تسلم ان مواجهة مشاكل مختلفة كان لها أكبر الأثر فى مستقبل هذه الدولة ومن بين هذه المشاكل ظهور الإسماعيلية فى إيران ومصرع الوزير نظام الملك، وموت السلطان ملكشاه.
أ. د/ عزة الصاوى
__________
المراجع
1 - إيران والعراق فى العصر السلجوقى- ا. د. عبدالنعيم حسنين:، دار الكتاب المصرى، القاهرة،1982 م.
2 - الكامل فى التاريخ- ابن الأثير: على بن أحمد بن الكرم- جـ8،9 طبعة القاهرة
3 - الآثار الباقية عن القرون الحالية- البيرونى أبو الريحان مسد بن احمد- طبع ليبزيج 1878 م و1879 م.
4 - تاريخ الإسلام: الحافظ شمس الدين أبو عبد لله الذهبى- طبع حيدر اباد الدين 1337هـ -الدكن.
5 - تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافى والاجتماعي- دكتور حسن إبراهيم حسن جـ3 - ط3 - القاهرة- 1955 م.
6 - دائرة المعارف الإسلامية (مادة السلاجقة).(1/348)
11 - السَّلف
لغة: السلف هو الماضى، وهو كل من تقدم.
اصطلاحا: هو العصر الذهبى الذى يمثل نقاء الفهم والتطبيق للمرجعية الفكرية والدينية، قبل ظهور المذاهب التى وفدت بعد الفتوحات وأدخلت الفلسفات غير الإسلامية على فهم السلف الصالح للإسلام، والسلف أيضا هو كل عمل صالح قدمه الإنسان.
وفى القرآن الكريم يرد مصطلح السلف بمعنى: الماضى، {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} البقرة:275.
{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} النساء:22.
هذا المعنى نجده فى الحديث النبوى الشريف، ففى مسند الإمام أحمد، عن فاطمة الزهراء، رضى الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لها فى مرض موته: ( ... ولا أراه إلا قد حضر أجلى ... إنك أول أهل بيتى لحوقا بى، ونعم السلف أنا لك) وعن ابن عباس رضى الله عنهما لما ماتت زينب، ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله: (الحقى بسلفنا الصالح الخير عثمان بن مظعون).
والسلف فى اصطلاح المال والتجارة، هو: إقراض الأموال قرضا حسنا، أى لا منفعة فيه للمقرض بالدنيا ... وبهذا المعنى ورد فى الحديث النبوى، فعن السائب بن أبى السائبه انه كان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام، فى التجارة فلما كان يوم الفتح جاء فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (مرحبا بأخى وشريكى -كان لا يدارى ولا يمارى- يا سائب قد كنت تعمل أعمالا فى الجاهلية لا تقبل منك، وهى اليوم تقبل منك كان ذا سلفا وصلة} (رواه الإمام أحمد).
ولما كان كل ماض هو سلف، فلقد شاع إطلاقا هذا المصطلح معرفا -السلف- على الجيل المؤسس الذى أقام الدين وطبق منهاج الإسلام جيل الصحابة الذين عاشوا بمصر فقد تنزل الوحى فيهم، وتلقوا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم البيان النبوى للبلاغ القرآنى، وحولوا جميع ذلك إلى واقع حياتى معين فعدوا لذلك السلف الصالح، بتعميم وإطلاق ... ثم انضم إليهم فى زمرة السلف من اهتدى بهديهم وعمل بسنتهم من التابعين وتابع التابعين، فالسلف: هو كل من يقلد ويقتدى أثره فى الدين.
وبعد السلف والتابعين والأئمة العظام للمذاهب الكبرى من تابعى التابعين، يأتى الخلف الذين يلونهم فى التسلسل الزمنى ... وبعد الخلف تأتى أجيال المتأخرين.
أ. د/محمد عمارة
__________
مراجع الاستزادة:
1 - عقائد السلف للأئمة أحمد بن حنبل، وابن قتيبة، وعثمان الدارى جمعها ونشرها د. على سامى النشار، ود. عمار الطالبى، طبعة الإسكندرية 1971م.
2 - الكليات لأبى البقاء الكفوى تحقيق د. عدنان درويش ومحمد المصرى طبعة دمشق 1982م.
3 - تيارات الفكر الإسلامى للدكتور/محمد عمارة، طبعة دار الشروق 1998م(1/349)
12 - السلفية
لغة: نسبة إلى السلف، والسلف هو الماضى، والسالف: المتقدم (لسان العرب).
وفى القرآن الكريم: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} البقرة:275.
واصطلاحا: هى الرجوع فى الأحكام الشرعية إلى منابع الاسلام الأولى، أى الكتاب والسنة، مع إهدار ما سواهما.
ومع وضوح هذا التعريف للسلفية، تعددت فصائل تيارها فى تراثنا وفكرنا الإسلامى، فكل السلفيين يعودون فى فهم الدين إلى الكتاب والسنة، لكن منهم فصيلا يقف فى الفهم عند ظواهرالنصوص، ومنهم من يعمل العقل فى الفهم، ومن الذين يعملون العقل: مسرف فى التأويل، أو متوسط، أو مقتصد.
ومن السلفيين: أهل جمود وتقليد، ومنهم أهل التجديد، الذين يعودون إلى المنابع لاستلهامها فى الاجتهاد لواقعهم الجديد.
ومن السلفيين من سلفهم -ماضيهم- فكر عصر الازدهار الحضارى والخلق والإبداع، ومنهم من سلفهم -ماضيهم- فكرعصر التراجع الحضارى والتقليد والجمود.
ومن السلفيين مقلدون لكل التراث، دونما تمييز بين الفكر وبين التجارب، ودونما تمييز فى الفكر بين الثوابت وبين المتغيرات، ومنهم مستلهمون لثوابت التراث، مع الاسترشاد بتجارب ومتغيرات التاريخ.
ومن السلفيين من يعيشون فى الماضى، ومنهم من يوازن بين السلف الماضى وبين الحاضر والمعاصر.
وهذا التنوع الذى يقترب أحيانا من درجة التناقض، فى مناهج فصائل السلفية، هو الذى أحاط مضامين هذا المصطلح، وخاصة فى فكرنا المعاصر بكثيرمن الغموض، وسوء الفهم، بل وسوء الظن أيضا.
ومن أشهر المدارس الفكرية التى حاولت الاستئثار، فى تراثنا، بمصطلح السلفية هى مدرسة أهل الحديث التى هالها الوافد اليونانى فلسفة ومنطقا وأفزعتها عقلانية اليونان المنفلتة من النقل الدينى، فاعتصمت بالنصوص، مقدمة ظواهرها، بل وحتى ضعيفها على الرأى والقياس والتأويل وغيرها من ثمرات النظر العقلى، وهى المدرسة التى انعقدت زعامتها للإمام أحمد بن حنبل (164 - 241هـ/780 - 855م) حتى ليحسبها البعض كل السلفية، بينما هى فى الحقيقة واحدة من فصائل هذا الاتجاه.
وفى منهاج هذه المدرسة يعلو النص على غيره، بل ويكاد أن ينفرد بالحجية، فالنص، وفتوى الصحابة، والمختار من فتوى الصحابة عند اختلافهم، والحديث المرسل والضعيف، ثم القياس للضروة هى الأصول الخمسة التى حددها الإمام أحمد بن حنبل أركانا لمنهج هذه المدرسة رافضا بذلك الرأى، والقياس، والتأويل، والذوق، والعقل، والسببية فى الفكر الدينى.
وعن هذا المنهج النصوصى "للسلفية النصوصية" -كما صاغه الإمام أحمد بن حنبل- يقول واحد من أعلامها هو الإمام ابن القيم الجوزية (691 - 751هـ/1292 - 1350م):
الأصل الأول: النصوص فإذا وجد النص أفتى به ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه، كائنا من كان ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف.
الأصل الثانى: ما أفتى به الصحابة فإنه إذا وجد لبعضهم فتوى، لا يعرف له مخالف منهم فيها، لم يعدها إلى غيرها ولم يقدم عليها عملا ولا رأيا ولا قياسا.
الأصل الثالث: إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها، ولم يجزم بقول.
الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف، إذا لم يكن فى الباب شىء يدفعه، وهو الذى رجحه -أى الحديث الضعيف- على القياس.
الأصل الخامس: القياس للضروة، فإذا لم يكن عنده فى المسألة نص، ولا قول الصحابة، أو واحد منهم، ولا آثر مرسل أو ضعيف، عدل إلى القياس، فاستعمله للضرورة.
وعن المنهاج التجديدي لهذه السلفية العقلانية يعبر الإمام محمد عبده (1265 - 1323هـ/1849 - 1905م) عندما قال: لقد ارتفع صوتى بالدعوة إلى تحرير العقل من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة، قبل ظهور الخلاف، والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، واعتباره من ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لترد من شططه، وتقل من خلطه وخبطه، لتتم حكمة الله فى حفظ نظام العالم الإنسانى، وأنه على هذا الوجه يعد صديقا للعلم، باعثا على البحث فى أسرار الكون، داعيا إلى احترام الحقائق الثابتة، مطالبا بالتعويل عليها فى أدبا النفس وإصلاح العمل.
ففى منهاج هذه السلفية العقلانية تآخى النص والعقل، وتزامل العلم والدين، وتآزرت السلفية والتجديد.
أ. د/محمد عمارة
__________
مراجع الاستزادة:
1 - عقائد السلف للإمام أحمد بن حنبل وآخرين تحقيق د/على سامى النشار ود/عمار طالبى، ط الإسكندرية 1971م.
2 - إعلام الموقعين لابن القيم، ط بيروت سنة 1973م.
3 - الأعمال الكاملة للإمام/محمد عبده، دراسة وتحقيق د/محمد عمارة، ط دار الشروق القاهرة 1993م.
4 - تيارات الفكر الإسلاص د/محمد عمارة، ط دار الشروق القاهرة 1998م(1/350)
13 - السلفيون
لغة: هم الذين يحتذون حذو السلف، الذين سلفوا، أى سبقوا ومضوا.
واصطلاحا: يدخل فى إطار السلفيين أغلب تيارات الفكر ومذاهبه ومدارسه بدرجات متفاوتة ومعان متمايزة، لأن لها ماضيا ومرجعية ونموذجا ترجع إليه وتنتسب له وتحتذيه وتستصحب ثوابته ومناهجه، وذلك إذا استثنينا تيار الحداثة بالمعنى الغربى، والتى يقيم أصحابه قطيعة معرفية مع الموروث.
وإذا كان السلف هو الماضى فكلنا سلفيون.
لكن السلفيين أنواع:
فمن السلفيين من يقلد السلف، وهؤلاء هم أهل الجمود والتقليد.
ومن السلفيين من يرجع إلى السلف، فيجتهد فى ميراثهم وتراثهم، مميزا فيه الثوابت عن المتغيرات والصالح للاستصحاب والاستلهام عن ما تجاوزته الوقائع المتغيرة، والعادات المتبدلة، والأعراف المختلفة، والمصالح المستجدة.
ومن السلفيين من يستلهم من فقه السلف ما يتطلبه فقه الواقع الجديد.
ومن السلفيين من يهاجر من واقعه المعيش إلى واقع السلف الذى تجاوزه الزمان، وإلى تجاربهم التى طوتها القرون.
ومن السلفيين من سلفه عصر الازدهار والإبداع فى تاريخنا الحضارى.
ومن السلفيين من سلفه عصر الركاكة والتراجع فى مسيرتنا الحضارية.
ومن السلفيين من سلفه تراثنا وحضارتنا وثقافتنا الوطنية والقومية والإسلامية.
ومن السلفيين من سلفه تراث الآخر الحضارى ومذاهبه وتياراته الفلسفية والاجتماعية، وبهذا المعنى يمكن إدخال الليبراليين الذين يحتذون حذو الليبرالية الغربية، والماركسيين اللذين يحتذون حذو الماركسية الغربية، وأمثالهم من المتغربين فى عداد السلفيين الذين أصبح الموروث والماضى الغربى سلفا لهم يحتذونه أحيانا مع قدر من التحوير، وأحيانا بجمود وتقليد.
ومن السلفيين من سلفه المذاهب والتيارات النصية الحرفية فى تراثنا.
ومن السلفيين من سلفه تيارات العقلانية فى تراثنا أو النزعات الصوفية فى موروثنا الحضارى.
ومن السلفيين من سلفه مذهب تراثى بعينه يتعصب له ولا يتعداه.
ومن السلفيين من مرجعيته تراث الأمة، على اختلاف مذاهبها، يحتضنها جميعا، ويعتز بها، ويتخير منها.
ولكن مع صدق وصلاحية إدخال أغلب تيارات الفكر تحت مصطلح السلفيين، إلا أن هذا المصطلح قد ادعاه واشتهر به وكاد يحتكره أولئك الذين غلبوا النص، وفى أحيان كثيرة ظاهر النص على الرأى والقياس وغيرهما من سبل وآليات النظر العقلى، فوقفوا عند الرواية أكثرمن وقوفهم عند الدراية، وحرموا الاشتغال بعلم الكلام فضلا عن الفلسفات الوافدة على حضارة الإسلام، وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم أحيانا أهل الحديث، لاشتغالهم بصناعة المأثور وعلوم الرواية، ورفضهم علوم النظرالعقلى.
وإمام هذه المدرسة هو أبو عبد الله أحمد ابن حنبل (164 - 241هـ /780 - 855م) وفيها نجد أبرز الأئمة الذين اشتغلوا بصناعة الرواية وعلومها، من أمثال: ابن راهويه (238هـ/852م) وإمام علم الجرح والتعديل، وأصحاب الصحاح والجوامع والمسانيد: البخارى (256هـ/870م)، وأبو داود (275هـ/888م)، والدارمى (280هـ/893م)، والطبرانى (360هـ/971م)، والبيهقى (458هـ/1066م) إلخ ... ولقد تطورت هذه المدرسة فى مرحلة ابن تيمية (661 - 728هـ/1263 - 1328م) وابن قيم الجوزية (691 - 751هـ/1292 - 1350م) فضمت إلى المأثور بعضا من أدوات النظر العقلى، وإن ظلت الغلبة والأولوية عندها للنصوص والمأثورات.
وعن هذا المنهاج يعبر ابن القيم، فيقول: "إن النصوص محيطة بأحكام الحوادث، ولم يحلنا الله ولا رسوله على رأى ولا قياس، وإن الشريعة لم تخوجنا إلى قياس قط، وإن فيها غنية عن كل رأى وقياس وسياسة واستحسان، ولكن ذلك مشروط بفهم يؤتيه الله عبده فيها".
فلقد ظل النص وحده هو المرجع عند هؤلاء السلفيين، لكن التطور قد أصاب هذا المنهاج النصى -فى مرحلة ابن تيمية وابن القيم- فحدث إعمال الفهم والعقل فى النصوص، دون الاكتفاء بالوقوف عند ظواهر هذه النصوص.
ولقد كان غلو هؤلاء السلفيين فى الانحياز إلى النص وحده، ثمرة لعوامل كثيرة، منها: مخافة غلو مضاد انحاز أهله -وهم فلاسفة العقلانية اليونانية من المشائيين- إلى عقلانية غير مضبوطة بالنص الدينى، وأيضا النزعة الصوفية الباطنية الإشراقية، التى انحازت إلى الذوق والحدس، دونما ضابط من النص ولا من العقل.
ولأن هذه النزعات جميعها -النصية منها والعقلانية والباطنية- قد شابها قدر، كثير أو قليل، من الغلو، فلقد ظلت عاجزة عن استقطاب جمهور الأمة، وانحاز هذا الجمهور إلى النزعة الوسطية فى السلفية، تلك التى جمعت بين النقل والعقل ووازنت بينهما، وهى الأشعرية التى أسسها إمامها أبو الحسن الأشعرى: على بن إسماعيل (260 - 324هـ/874 - 936م) ففى هذه المدرسة من مدارس السلفيين اجتمع النقل والمأثور مع النظر العقلى والاشتغال بعلم الكلام -الذى حرم السلفيون النصيون الاشتغال به- مع علم أصول الفقه، الذى يمثل فلسفة العقلانية الإسلامية فى التشريع.
ثم تطورت هذه المدرسة -بعد مرحلة التأسيس- على يد كوكبة من أئمتها، فى مقدمتهم الباقلانى: أبو بكر محمد بن أبى الطيب (453هـ-1013م) وإمام الحرمين الجوينى: أبو المعالى عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف (419 - 478هـ/1028 - 1085م) وحجة الإسلام أبو حامد الغزالى (450 - 505هـ/1058 - 1111م).
وعلى امتداد تاريخ الحضارة الإسلامية، ظلت هذه الصورة وهذه الموازنة ملحوظة فى مدارس ومذاهب السلفيين، فالنزعة النصية تمثلها فى عصرنا الحديث وواقعنا المعاصر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1115 - 1206هـ/1702 - 1792م) المسماة بالوهابية، بينما لا تزال الأشعرية، الممثلة للعقلانية، النصية، تستقطب جمهور المسلمين.
أ. د/محمد عمارة
__________
مراجع الاستزادة:
1 - عقائد السلف للإمام أحمد بن حنبل، وإبن قتيبة، وعثمان الدارمى، جمعها ونشرها د/على سامى النشار ود/عمار الطالبى، ط الإسكندرية 1971م.
2 - إعلام الموقعين لابن القيم ط بيروت 1973م.
3 - مقالات الإسلاميين للأشعرى، تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد، ط القاهرة 1969م.
4 - تيارات الفكرالإسلامى د/محمد عمارة، ط دار الشروق القاهرة 1998م(1/351)
14 - السلوك
السلوك الإنسانى- فى الإسلام- مرتبط بالعقيدة الصحيحة، فالأخلاق والعبادات والمعاملات وأفعال الخير كلها إنما تتقبل من المرء ويثاب عليها فى الآخرة إذا انطلقت من إيمان صحيح وقامت على عقيدة صادقة ودفع إليها يقين بلقاء الله تعالى.
والعقيدة حدد القرآن أصولها فى قوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك رينا وإليك المصير} (البقرة 285).
وقسم الفقهاء السلوك الإنسانى إلى قسمين:
1 - سلوك مع الله تعالى ويسمى العبادات، وهى الصلاة والزكاة والصيام والحج
2 - سلوك مع الناس ويسمى المعاملات وهى البيوع والأقضية والشهادات والنكاح والحدود.
وجاء علماء الكلام وبحثوا علاقة العمل بالإيمان، فذهب فريق منهم إلى أن الإيمان تصديق بالقلب وأن العمل شرط كمال للإيمان، لأن البيان القرآنى عطف العمل على الإيمان فى مثل قوله تعالى: {إن اللذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا} (الكهف 107)
والعطف يقتضى المغايرة .. وذهب فريق آخر إلى أن الإيمان يشمل التصديق والعمل معا، وفَقْدُ أحدهما يؤدى إلى فقد الإيمان استدلالاً بالحديث الصحيح المتفق عليه: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ". وبين الفريقين مجادلات ومناقشات مكانها فى كتب علم الكلام.
واهتم المتصوفة بالسلوك، وحفلت كتبهم بما يسمى معارج القدس ومدارج السالكين ومنازل السائرين.
وعلى سبيل المثال فإن الإمام أبا حامد الغزالى (450 - 505هـ) فى كتابه "إحياء علوم الدين " شرح علم طريق الآخرة وما درج عليه السلف الصالح للوصول إلى رضوان الله عز وجل، وساق أربعة جوانب تشمل السلوك الإنسانى كله، وقدم آداب كل جانب ودقائق السنن وأسرار التشريع .. وهذه الجوانب هى:
1 - العبادات وذكر فيها قواعد العقائد وأسرار الطهارة والصلاة والزكاة والحج وآداب تلاوة القرآن، والأذكار والدعوات ..
2 - العادات وذكر فيها آداب الأكل والنكاح وأحكام الكسب وآداب الصحبة والمعاشرة مع الخلق، وآداب السفر والسماع والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ..
3 - المهلكات وشرح فيها عجائب القلب ورياضة النفس وآفات شهوتى الفرج والبطن وآفات الغضب والحقد والحسد والغرور والكبر ..
4 - المنجيات وبسط القول فى كل خلق محمود ورتب المنجيات هكذا:
التوبة، والصبر، والشكر، والخوف، والرجاء، والفقر، والزهد، والتوحيد والتوكل، والمحبة والشوق، والأنس والرضا، والنية والصدق، والإخلاص والمراقبة والتفكر وذكر الموت.
أ. د/ محمد سيد أحمد المسير
__________
المراجع
1 - إحياء علوم الدين للإمام أبى حامد الغزالى.
2 - - الرعاية لحقوق الله للحارث المحاسبى، تحقيق د/ عبد الحليم محمود
3 - قوت القلوب لأبى طالب المكى.(1/352)
15 - السَّماع
لغةً السِّمْعُ: حسُّ الأذن. وقال ثعلب: معناه خَلا له، فلم يشتغل بغيره وقد سَمعَه سَمْعا، وقال ابن السكيت السَّمْعُ: سَمْعُ الإنسان وغيره (كما فى اللسان) (1).
واصطلاحًا: عند علماء الحديث يقصد به سماع الأحاديث فى حال تحملها، والسماع أهم وسيلة من وسائل تحمل الحديث وأدائه أداء صحيحا لأن طالب العلم إذا سمع الحديث من الشيخ فإنه يضبطه ضبطاً دقيقا وهو أرفع درجات أنواع الرواية (2)، ومن ثَمَّ عابوا على من يأخذون الحديث من الكتب، لأنه عرضة لعدم ضبطه فى التحمل وفى الأداء، وسموا ذلك "وجَادة" أى وجد كتباً فأخذ منها المرويات، واعتبروا ذلك من باب المنقطع والمرسل (3).
وقد اتخذت الشروط التى تجعل السماع محققا لما يهدف إليه من صيانة الحديث وأدائه أداء صحيحاً.
وأهم شروطه هو التمييزوالوعى حال التحمل، وقد اشترط بعضهم سنا معينا لذلك كحد أدنى للسماع، ولكن المرجع الأساسى هو الوعى الكامل لما يسمع سواء أكان السامع صغيرا أو كبيرا.
قال ابن الصلاح: "والذى ينبغى أن يعتبر فى كل صغير حاله على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب، ورَدا للجواب، ونحو ذلك- صححنا سماعه وإن كان دون خمس، وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه، وإن كان ابن خمس، بل ابن خمسين " (4)
وسئل الإمام أحمد: متى يجوز سماع الصبى للحديث؟ فقال: إذا عقل وضبط (5)، وهذا يدل على أن السماع لم يكن مجرد وسيلة، وإنما كان مُسهما فى ضبط الحديث. وينقسم السماع إلى إملاء من الشيخ أو تحديث من حفظه (6)، والتلميذ غالبا ما يكون فى يده كتاب الشيخ نقله قبل السماع، وفى بعض الأوقات يكون حافظا لحديث الشيخ فيسمعه من غير كتاب فى يده.
وهكذا كان السماع مصاحبا للكتاب فى معظم الأحيان، وفى هذا زيادة فائقة فى توثيق السنة ونقلها نقلاً صحيحا.
وهناك وسيلة أخرى لتحمل الحديث هى أيضا من السماع، وإن كان أصحاب الحديث قد اختاروا لها مصطلحاً آخر، وهى العرض على الشيخ، أو القراءة على الشيخ، وفيها يسمع الشيخ من أحد التلاميذ، فالتلميذ يقرأ والشيخ يسمع، يقول ابن الصلاح فى هذا الوجه من وجوه التحمل: "من أقسام الأخذ والتحمل القراءة على الشيخ، وأكثر المحدثين يسمونها عرضاً، وسواء كنت أنت القارئ أو قرأ غيرك وأنت تسمع وقرأت من كتاب أو من حفظك، أو كان الشيخ يحفظ ما يُقرأ عليه أولا يحفظ، لكن يمسك أصله هو أوثقة غيره" (7).
وهنا أيضا يبدو الكتاب أوضح من الطريقة الأولى فى مصاحبتها مما يعطى توثيقاً كبيراً فى تحمل السنة بها، وكما قلنا: إن هذه الطريقة سماع فى حقيقتها وتؤدى الهدف نفسه، ولهذا فقد رأينا بعض العلماء يجيز لمن تحمَّل الأحاديث بها أن يقول عند الأداء: "حدثنا " و" سمعتُ" (8).
وممن زوى عنه أنه يجيز"حدثنا": مالك، ومنصور بن المعتمر، وعطاء بن أبى رباح، وأبو حنيفة، والزهرى، وزفر بن الحارث، والأوزاعى وغيرهم رحمهم الله.
وممن أجاز أن يقول القارئ على الشيخ: "سمعتُ" عند الأداء: سفيان الثورى وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى (9).
ومما يدل على أن هذه الطريقة سماع أن الذين اشترطوا السماع لم يفصلوا فى كون هذا السماع قراءة من الشيخ أو سماعا منه أى"عَرضا".
وأفضل السماع ما كان إملاء من الشيخ، لأن فيه التُؤدة، ومصاحبة الكتابة، ولهذا كثر الراغبون فى هذا اللون، وكثرة الراغبين فى هذا قد تؤدى إلى تفويت فائدته، لأنه قد لايصل صوت الشيخ إلى كل التلاميذ الموجودين، ولهذا اتخذ الشيوخ مُستملين يبلغون عنهم ما يروون، بحيث يسمع جميع الحاضرين والمستملين يقول ابن الصلاح: ويستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث، فإنه من أعلى مراتب الراوين، والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواها، وليتخذ مستمليا يبلغ عنه إذا كثر الجمع، فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك، وممن رُوِي عنه ذلك: مالك، وشعبة، ووكيع، وأبو عاصم، ويزيد بن هارون " (10).
واشترطوا فى هذا المستملى أن يكون مُحَصَّلأ، متيقظا، جهورى الصوت، وأن يكون على موضح مرتفع، وأن يتبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف (11).
ولما كان السماع بالمعنى الذى ذكرناه هو أهم وسيلة لتحمل السنة وأدائها أداء صحيحاً فقد حرص المحدثون على أن يسجلوا على الكتب والمصنفات الحديثية فى أولها أو فى آخرها أو فى حواشيها من سمعوا هذه الكتب ومن قرأوها على الشيوخ وتواريخ ذلك، ومن سمعها جميعها، ومن سمع بعضها، وسميت هذه بالسماعات، وكان ذلك حتى لا يدعى مُدَّعِ أنه سمع هذه الكتب أو أحاديث منها وهو لم يسمع.
وسجلوا أيضا من كتبوا هذه "السماعات "وعرفوا خطوطهم، واعتبروا أن كل تغيير فى خطوط هذه السماعات أو إضافات لها مما يفسد هذه السماعات، ويتهم من يثبت عليه ذلك أو يدعى السماع وهو لم يسمع بأنه كذاب أو سارق للأحاديث، وهذا يطعن فى عدالته، وبالتالى فى روايته (12).وهذا قليل من كثير اتُّخذَت فيه الحَيطَة فى صيانة السنة وروايتها على وجهها الصحيح دون تحريف، سواء أكان هذا التحريف عن عمد أو غير عمد.
أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب
__________
المراجع
1 - - لسان العرب لابن منظور، مادة (سمع) 8/ 162 طبعة دار صادر، بيروت.
2 - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص 69 القاضى عياض- المكتبة العتيقة- تونس 1389 هـ/ 1970 م
3 - - مقدمة ابن الصلاح (ص 58 3) ط " 2 " د ار المعارف- مصر، الجرح والتعديل 3/ 673 (لابن أبى حاتم- حيدر اباد- الهند- 1372 هـ/ 1952 م، العلل ومعرفة الرجال 1/ 140
4 - مقدمة ابن الصلاح ص 315.
5 - - المصدر السابق ص 314.
6 - الإلماع ص 69 القاضى عياض- ط" 1 " د ار التراث- القاهرة- 1389/ 0 97 1 م
7 - مقدمة ابن الصلاح ص318 - 319.
8 - الإلماع ص 70 - 71.
9 - - المحدث الفاصل ص 422
10 - - مقدمة ابن الصلاح ص 424
11 - المصدر السابق ص 425
2 ا- المصدر السابق ص 386 - 387(1/353)
16 - السمع
لغة: هو حسنُّ الأذن (1)
واصطلاحا: هو قوة فى الأذن تدرك بها الأصوات وفى التنزيل {إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} (ق37) (2)
ويطلق السمع على الأذن وقد يأتى بمعنى الإجابة كما فى الحديث (سمع الله لمن حمده) أى أجاب حمده وتقبله، ومنها الدعاء المأثور"اللهم إنى أعوذ بك من دعاء لا يسمع " أى لا يستجاب، ولا يعتد به، كأنه غير مسموع.
ومن أسماء الله الحسنى السميع، وصفة السمع بالنسبة لله عز وجل هى صفة وجودية أزلية قائمة بذاته تعالى، تكشف لله المسموعات الموجودة، وهى ليست بأذن وجارحة تسمع المخلوقات، فالله تعالى منزه عن ذلك، إنه يسمع كل شيء فى هذا الوجود، إنه يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء فى الليلة الظلماء.
قال تعالى: {قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير} (المجادلة 1).
وقال لموسى وهارون: {إننى معكما أسمع وأرى} (طه 46)
وفى السنة نجد مارواه أبو موسى الأشعرى - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلنا لا نصعد شرفا أولا نعلو ولا نهبط فى واد إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير، ودنا منّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم ما تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا بصيرا، إن الذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك من كنوز الجنة: لاحول ولا قوة إلا بالله) (رواه البخارى).
والدليل العقلى على ثبوت المسمع له تعالى، أنه تعالى لو لم يتصف بصفة السمع لاتّصف بضدها وهو الصمم وهذا نقص، والنقص محال، فاستحال عليه الضد ووجب اتصافه بصفة السمع. والسمع من أهم حواس الإنسان وأشرفها حتى من البصر كما عليه أكثر الفقهاء، إذ هو المدرك لخطاب الشرع الذى به التكليف، ولأنه يدرك به من سائر الجهات وفى كل الأحوال، هو أول حاسة تعمل فى حواس الإنسان منذ ولادته، ويمكن أن تعمل والإنسان نائم، لذا فقد جاء فى حال أهل الكهف قوله تعالى {فضرينا على اذانهم فى الكهف سنين عددا} (الكهف11) فيشترط فيمن يتصدى لأمر مهم من أمور المسلمين العامة كالإمامة والقضاء أن يكون سميعا، فلا يجوز أن يتم تنصيب إمام أصم، ولا تعيين قاضي لا يسمع.
ومما يدخل تحت باب السمع ما يسمى بالسمعيات وهى الأمور التى يخبرنا بها الشرع مثل أشراط الساعة وعذاب القبر والبعث، والأمور التى تكون بعد البعث كالحساب والكتب والصراط والشفاعة والحوض والجن والنار والملائكة، فهذه السمعيات كلف الشارع عز وجل الناس التصديق بها بقلوبهم واعتقادها فى أنفسهم مع الإقرار بها بألسنتهم، وهى عقائد إيمانية تقررت فى الدين، ومتى أخلّ أحد بواحدة منها لم يكن مؤمنا فعندما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميع عن الإيمان قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره (الحديث كاملاً رواه مسلم فى صحيحه فى كتاب الإيمان عن عمر بن الخطاب).
ويدخل تحت باب السمع السماع وهو ضرب من الغناء والتغبيرأي الغناء بذكر الغابرة، وهى الآخرة، والمغبّرون قوم يغبَّرون بذكر الله تعالى بدعاء وتضرع، وقد أطلق عليهم هذا الاسم لتزهيدهم الناس فى الفانية (اى الدنيا) وترغيبهم فى الباقية (أى الآخرة).وقد كرهه الشافعى لأنه يلهى عن ذكرالله وعن القرآن، وقال فيه ابن تيمية: إنه من أمثل أنواع السماع، ومع ذلك كرهه الأئمة فكيف بغيره، ولقد تحدث عن السماع كثيرمن الصوفية فى كتبهم كالقشيرى والغزالى والطوسى.
(هيئة التحرير)
1 - لسان العرب لابن منظور مادة (سمع) (1) صادر. بيروت
2 - التعريفات للجرجانى، ط، البابى الحلبى
__________
المراجع
1 - المنهج الإسلامى فى العقائد والأخلاق د/ عبد العزيز سيف النصر وآخرون ط مطبوعات جامعة الأزهر، 1977 م.
2 - دراسات فى العقيدة الإسلامية والأخلاقية د/ عبد المعطى بيومى وضياء الدين الكردى ط مطبوعات جامعة الأزهر د. ت
3 - كتاب السماع لابن القيسرانى- تحقيق أبو الوفا المراغى -ط- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
4 - العقيدة الإسلامية والأخلاق د/ محمود مزروعة وأخران -ط - مطبوعات جامعة الأزهر د. ت.
5 - النهج الجديد فى شرح جوهرة التوحيد د/ نشأت ضيف- ط- مؤسسة المنار / د، ت
6 - مجموع الفتاوى لابن تيمية ط الرياض 11/ 298
7 - الرسالة القشيرية: للإمام القشيرى تحقيق د/ عبد الحليم محمود وزميله ط دار الكتب الحديثة.(1/354)
17 - السنة
السنة النبوية: هى أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته. والمراد بحجيتها: قبولها، واعتقاد أنها وحى من الله تعالى، وأنها جزء من الرسالة التى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغها.
والناس أمام حجية السنة وعدم حجيتها أنواع:
الأول: مسلمون مذعنون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملتزمون بقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} النساء:65. وبقوله تعالى {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر} الأحزاب:21. وبقوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر:7. وبقوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} النساء:80. والطاعة عند هؤلاء واجبة فيما أمر به وجوبا، وواجبة الابتعاد فيما نهى عنه تحريما، ومستحبة فيما أمر به استحبابا، ومكروهة فيما نهى عنه تنزيها، ومباحة الفعل والترك فيما أذن بطرفيه، الفعل والترك.
الثانى: هناك من الناس من يقف أمام حجية السنة على طرف النقيض من النوع الأول، يردون السنة كلها، وينكرونها جملة وتفصيلا، وينكرون أنها وحى من عند الله، وأنها من جملة الرسالة، وقريب من هؤلاء من يعترف بأنها وحى لكنه يتشكك فى ثبوتها كلها، وصدورها عن محمد صلى الله عليه وسلم لعدم قدرته على الفصل بين صحيحها وضعيفها، فيردها ككل، ويدعى إمكان الاكتفاء بالقرآن الكريم.
وهذان النوعان فى حاجة إلى دراسة ووعى علمى ودينى، أو الرجوع إلى أهل الذكر والاختصاص، وشأنهم فى ذلك شأن المريض الذى لا يميز بين الأدوية، ما ينفع منها، وما يضر، فيظن أن الحكمة فى ترك الدواء، كل الدواء.
ومشكلة العصر فى تشكيك بعض المسلمين في السنة، بل بعض علماء المسلمين من بنى جلدتنا، ويتكلمون لغتنا، بل ويحملون مؤهلاتنا وشهاداتنا، لكنهم بهدف أو بآخر يتنصلون من بعضها، وفى الرد عليهم رد على غيرهم من الطاعنين أو المغرضين أو الشاكين، وهم يقسمون السنة إلى تشريعية وغير تشريعية، فيقول أحدهم: ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم ودون فى كتب الحديث من أقواله وأفعاله وتقريراته على أقسام:
أحدها: ما سبيله سبيل الحاجة البشرية كالأكل والشرب، والنوم، والمساواة فى البيع والشراء.
ثانيها: ما سبيله سبيل التجارب والعادة الشخصية والاجتماعية، كالذى ورد فى شئون الزراعة، والطب، وطول اللباس وقصره.
ثالثها: ما سبيله التدبير الإنسانى أخذا من الظروف الخاصة، كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية، وكل ما نقل من هذه الأنواع الثلاثة ليس شرعا، يتعلق طلب الفعل والترك، وانما هو من الشئون البشرية التى ليس مسلك الرسول فيها تشريعا ولا مصدر تشريع (1).
ثم يقول: ومن هنا نجد أن كثيرا مما نقل عنه صور بأنه شرع أو دين أو سنة أو مندوب، وهو لم يكن فى الحقيقة صادرا على وجه التشريع أصلا (2).
فهذا القول ينفى التشريع بأحكامه الأريعة (الوجوب، والندب، والحرمة، والكراهة) عن جميع أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم الواردة فى هذه الأمور الثلأثة، ولو تتبعنا ما ورد فى الأكل والشرب كمثال لوجدنا منه ما هو واجبه، وما هو محرم، وما هو مندوب، وما هو مكروه
فأحاديث: صيد الكلب، وحل السمك، والجراد الميت، وتحريم كل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من الطير، تحرم أشياء، وتبيح أشياء فكيف لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم فيها مشرعا؟
والله تعالى يقول عنه: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الأعراف:157.
ويقول الآخر: فما دام الرسول كان يجتهد، وما دام هذا الاجتهاد قد شمل الكثير من أنواع المعاملات، أفلا يجوز لمن يأتى بعده أن يدلى فى الموضوع باجتهاده أيضا؟ هادفا إلى تحقيق المصلحة، ولو أدى اجتهاده إلى غير ما قرره الرسول باجتهاده (3).
وهذه الشبهات من أخطر ما يوجه إلى السنة من تحطيم، فشبهتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر من الناس، وهذا حق، لكن بشريته لم تلغ رسالته فى وقت من الأوقات فهو بشر رسول في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، إن جعله رسولا فى قول دون قول، وفي فعل دون فعل؟
يلغى الأمر بالاقتداء به، وينفى مراقبة الله له فى وقت من الأوقات، وفى قول من الأقوأل، وفى فعل من الأفعال.
كيف تفلت بعض أفعال محمد صلى الله عليه وسلم من مراقبة الله، وكل مؤمن وغير مؤمن مراقب محاسب على ما يفعل، وهو يزيد عن البشر بالوحى والرؤية فى المنام وفي الإلهام، وبجبريل -عليه السلام- ومأمور بالاقتداء به فى أفعاله والعمل بأقواله.
لقد حوسب وعوتب على أنه امتنع عن طعام يحبه، إرضاء لأزواجه، فنزل فيه قرآن يتلى: {يا أيها النبى لم تحرم ما أحلا لله لك تبتغى مرضات أزواجك} التحريم:1.
ولقد حوسب وعوتب على عوارض انفعالاته، وتجهم وجهه فى ملاقاة أعمى لا يراه، ولا يتاثر بعبوسه، فنزل فيه قرآن يتلى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} عبس:1 - 2.
بل لقد عوتب وحوسب على خلجات قلبه، ودواخل نفسه، فنزل فيه قرآن يتلى: {وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} الأحزاب:37.
أليست كل هذه الأفعال قد صدرت بصفته البشرية؟ لكنها خضعت لرقابة الوحى، وتوجيه الوحى، ولكل فعل من أفعال المكلفين حكم عند الله، لأنه إما أن يكون مرضيا عنه من الله تعالى، وإما أن يكون غير مرضى عنه، ويستحيل أن يفعل محمد صلى الله عليه وسلم فعلا لا يرضى عنه الله، وينزل جبريل المرة بعد المرة فلا يعدله، ولا يوجهه، فنزول جبريل بعد صدور حكم له صلى الله عليه وسلم أو فعل، وعدم اعتراضه عليه، إقرار وتقرير من الله تعالى، وهو شرع لا يسند إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه يسند إلى الله تعالى.
وكان الصحابة يؤمنون بذلك، ويقتدون بأفعاله على أنها شرع الله حتى فيما هو من الأمور البشرية، لبس نعله فى الصلاة، فلبسوا نعالهم، فلما خلع نعله لسبب لا يعلمونه، خلعوا نعالهم، فلما قضى صلاته، قال لهم: (ما حملكم على إلقاء نعالكم، قالوا رأيناك ألقيت نعلك، فألقينا نعالنا، قال: إن جبريل أتانى فأخبرنى أن فيها قذرا أوأذى) (4) ونزل ضيفا على أبى أيوب الأنصارى، فتكلفوا له طعاما، فيها ثوم، فكره أكله فتوقف الصحابة عن أكله، فقال لهم: (كلوا، فإنى لست كأحدكم إنى أخاف أن أوذى صاحبى) (5).
وقدم إليه الضب في طعامه فكره أكله، فقيل له: أحرام هو؟ قال: (لا ولكن نفسى تعافه، فأكلوه بعد أن توقفوا) (6).
إن الذين ينفون التشريع عن فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى الأكل والشرب يسوون بين أكله وشربه صلى الله عليه وسلم وبين أكل وشرب أبى جهل وأبى لهب، فالكل عندهم صادر عن الجبلة والعادة والطبيعة والبشرية وما هكذا يفهم الإسلام والله المستعان.
أ. د/موسى شاهين لاشين
__________
الهامش:
1 - الإسلام عقيدة وشريعة، للشيخ محمود شلتوت، ص508 وما بعدها.
2 - السابق نفسه.
3 - السنة والتشريع للدكتور/عبد المنعم النمر، ص47.
4 - أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب الصلاة فى النعال.
5 - اللفظ لابن خزيمة وابن حبان والأصل فى البخارى.
6 - أخرجه البخارى فى كتاب الصيد والذبائح باب الضب(1/355)
18 - السَّنَد
لغةً: ما استندت إليه من حائط أو غيره، ومُعتَمَد الإنسان، أو هو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل (1).
واصطلاحاً: هو الطريق الموصل للمتن، أو هم رواة الحديث الذين رووه كل واحد عن الآخر حتى يبلغوا متنه، سواء كان هذا للمتن مرفوعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو موقوفا على غيره من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم. والصلة واضحة بين المعنى اللغوى والمعنى الاصطلاحى.
وإسناد الحديث: روايته بالإسناد وهم الرواة، وقد يطلق الإسناد ويراد به السند، قال ابن جماعة: المحدثون يستعملون السند والإسناد لشىء واحد (2).
ورواية حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسناده من أهم وسائل صيانته وأدائه أداءً صحيحا: لأنه بالإسناد يمكن تبيين حالة الرواة هل هم عدول ضابطون فيقبل حديثهم، أو غير عدول ضابطين، فلا يقبل؟ وهل هناك اتصال وثيق بين الرواة بعضهم وبعض، بمعنى أن كل واحد منهم قد سمع من الآخرة فيكون حديثهم صحيحاً، أو لم يسمع، فيكون انقطاعاً يحول دون صحة الحديث؟
ولما كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هى المصدر الثانى من مصادر التشريع، وكانت صحتها تتوقف على الإسناد كما سبق بيانه، فقد اكتسب الإسناد أهمية كبرى، واعتبر من الذِّين، قال عبدالله بن المبارك "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"، كما يقول "بيننا وبين القوم القوائم " يعنى الإسناد (3).
ويحث محمد بن سيرين على تسمية من يؤخذ منهم الحديث، أى رواة الإسناد، والحذر من الأخذ عن غير العدول الضابطين، فيقول: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم. (4)
كما يبين ابن سيرين أن الاهتمام بالإسناد إنما نشأ بعد الفتنة، والخوف على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُدَسَّ فيه ما ليس منه أو يحرف، قال "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمَّا وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ". (5)
وقامت علوم لخدمة الإسناد حتى يحقق الهدف المَرجُوَّ منه، ومنها علم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، وعلم طبقات الرواة، وعلم علل الحديث، وغيرها.
ودرجة الحديث تتوقف على صفات الإسناد فصفات إسناد الحديث الصحيح: أن يكون متصلاً والرواة فيه عدول ضابطون، وأن يكون خاليًا من الشذوذ والعلة (6)، وان كان الشذوذ والعلة قد يرجعان إلى المتن فى بعض الأحيان.
وصفات إسناد الحديث الحسن: هى نفسها صفات الحديث الصحيح، غير أن ضبط بعض الرواة يقل عن تمامه فى الحديث الصحيح (7).
وصفات إسناد الحديث الضعيف: هى اختلاف صفة من الصفات السابقة، كأن يكون بعض رواته غير عدل ولكنه غير كذاب، أو سيئ الحفظ، أو منقطعاً أو فيه شذوذ، أو علة. ويتنوع الانقطاع فى الإسناد، فتارة يكون في أوله، وتارة يكون فى وسطه، وتارة يكون فى آخره، وبالتالى تتنوع الأحاديث الضعيفة لهذا السبب، ويطلق على كل نوع من الانقطاع مصطلح خاص، كالمرسل، والمنقطع، والُمعضَل، والمدلَّس، والبلاغ، والمعلّق (8).
أما الحديث الموضوع: فما كان فى إسناده كذِّاب.
وهناك تقسيم أخر للإسناد، وهو الإسناد العالى والإسناد النازل (9)، والإسناد العالى هو قلة الوسائط فى السند، أو قدم سماع الراوى، أو قدم وفاته، والإسناد النازل هو كثرة الوسائط فيه، وكما يقول ابن الصلاح .. "العلو يبعد السند من الخلل لأن كل رجل من رجاله يحتمل أن يقع الخلل من جهته سهوًا أو عمدًاه ففى قلتهم قلة جهات الخلل، وفى كثرتهم كثرة جهات الخلل، وهذا جلىَّ واضح " (10)
ولميزة العلو هذه استُحبَّت الرحلة فى طلب الحديث، ولا يكتفى كثير من المحدّثين بأن يحدثه علماء بلده عن شيوخ أحياء، بل يرحل إلى هؤلاء الشيوخ، وتنتفي هذه الواسطة، وهكذا، فتعلو الأسانيد.
وكان للرحلة هدف آخر أسمى، وهو قوة الإسناد، والاطمئنان التام إليه، قال الحاكم "وقد رحل فى طلب الإسناد غير واحد من الصحابة، وساق حديث خروج أبى أيوب الأنصارى عن المدينة إلى عقبة ابن عامر بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسولا الله - صلى الله عليه وسلم - (11).
ونحب أن ننوه إلى ماهو بَدهىُّ فى تاريخ العلوم الإسلامية، وهو أنه ليست السنة فقط هى التى نقلت بالأسانيد، وإنما كل العلوم الإسلامية نقلت كذلك، ابتداء من القرآن الكريم الذى نقل بأسانيد القراء جيلا بعد جيل، مع كونه نُقل متواترًا. وانتهاء بكل العلوم ويتجلى ذلك فى مخطوطات تلك العلوم، وهذا ما تمتاز به العلوم الإسلامية عن تراث الأمم الأخرى، وكما يقول ابن الصلاح "أصل الإسناد أولاً خِصَّيصة من خصائص هذه الأمة، وسنة بالغة من السنن المؤكدة) (12).
وبهذه الخِصَّيصة حفظ الله تعالى للأمة الإسلامية دينها، فلم يُحَرَّف كما حُرَّفت الرسالات السابقة، وصدق الله عزوجل حيث يقول {إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون} (الحجر 9).
أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب
__________
المراجع
1 - تاج العروس مادة (سند)
2 - تدريب الراوى- حلال الدين السيوطى 1/ 42 دار الفكر- بيروت-
3 - مقدمة صحيح مسلم- مع شرح النووى 1/ 15طبعة د ار الشعب- القاهرة) -
4 - المصدر السابق 1/ 14
5 - المصدر السابق 1/ 15
6 - مقدمة ابن الصلاح- ص151دار المعارف- مصر- ط"2"
7 - نزهة النطر ابن حجر العسقلانى ص 29 مكتبة ابن تيمية- مصر1411 هـ- 0 199 م-
8 - المصدر السابق ص36 - 40
9 - الإرشاد للنووى 2/ 530 مكتبة الإيمان بالمدينة المنورة- ط"1" 1408 هـ- 1987 م-
10 - مقدمة ابن الصلاح ص 440
11 - معرفة علوم الحديث للحاكم ص 7 - 8المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ط 1 -
12 - مقدمة ابن الصلاح ص437(1/356)
19 - السنوسية
اصطلاحا: هى إحدى الحركات الإصلاحية فكريا وثقافيا وسياسيا، والتى لعبت دورا كبيرا فى الحياة السياسية بأفريقيا، وبخاصة ليبيا.
وقد عدّها بعض من المؤرخين طريقة من طرق الصوفية، ولعل ذلك لخروج طرق صوفية من تحت عباءتها. وتنسب هذه الحركة إلى مؤسسها محمد بن على السنوسى بن العربى، وهو من سلالة الأدارسة الذين يتصل نسبهم بعلى بن أبى طالب - رضي الله عنه - وقد ولد فى الثانى والعشرين من ديسمبر سنة 1798م فى بلدة مستغانم بالجزائر. وفى ذلك الوقت كانت البلاد العربية تابعة للخلافة العثمانية ممثلة فى الأتراك العثمانيين، والذين كانوا عسكريين فقط، فلم يبذلوا جهدا يذكر فى ترقية الحياة الاجتماعية والثقافية عند المسلمين، وكانوا يقنعون من الوالى بأن يدفع لهم ما التزم به من مال، مما أدى إلى انتشار الجهل والتخلف الفكرى فى البلاد الخاضعة لتركيا. إضافة إلى ذلك، لم تستمر الانتصارات العسكرية، حيث انقلب ميزان القوى، وبدأت الهزائم تتوالى على تركيا والبلاد العربية التابعة لها من القرن السابع عشر، وتجمعت دول أوروبا عليها مما ولّد إحساسا بالخسارة سياسيا وثقافيا كان هو الباعث والمحفز لظهور حركات إصلاحية فى شتى البلاد العربية، فظهرت فى اليمن الحركة الزيدية، وفى مصر حركة على بك الكبير وفى فلسطين حركة الزعيم البدوى ضاهر العمر، وفى لبنان حركة الأمير فخر الدين وحركة الشهابيين، إضافة إلى حركة جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده التى انتشرت فى عدة أقطار عربية.
ولم يكن السنوسى بمعزل عن هذا كله، فقد طاف البلاد العربية متعلما ومتابعا لما يحدث، فرحل إلى فاس حيث التحق بجامعة القرويين، وكذا إلى مصر حيث تعلم بالأزهر الشريف، ثم رحل إلى الحجاز وتعلم منهم، وبعد هذا التطواف تولد لديه الإحساس العميق بحاجة الدعوة الإسلامية إلى الإصلاح، فراح يعمل على وضع خطة لتنفيذ ذلك.
وكان أهم عُمُد خطته الإصلاحية ما يلى:
1 - ليست هناك حدود تقسم العالم الإسلامى، فالحركة الإصلاحية يلزم أن تكون شاملة لكل أقطاره.
2 - يجب أن تكون الحركات الإصلاحية سياسية وفكرية فى نفس الوقت، فكلاهما مكمل للآخر.
3 - يجب أن تعنى الحركة الإصلاحية بنشر الإسلام وبخاصة فى اللادينيين، وذلك فى مواجهة حركة التبشير المسيحية.
4 - الاعتماد على الكتاب والسنة والانتفاع بالمذاهب المختلفة فيما يناسب المسلمين وييسر حياتهم، مع تنقية الإسلام من بدع أهل الأهواء.
5 - يجب آن تتخلى الطرق الصوفية عن الزهد والخمول والاستجداء الذى كان يغلب على طابعها لأنه ليس من الإسلام فى شيء. ولتحقيق هذه الخطة أنشأ عدة زوايا كمراكز دينية وثقافية واجتماعية وعسكرية، وهى عبارة عن فناء واسع تحيط به مرافقه ممثلة فى مسجد ومسكن الشيخ ومكان للضيافة وحجرات لسكنى الطلاب ومحل لإيواء اللاجئين إلى الزاوية، وبه بئر ومخزن للأمتعة، وتكون فى مكان حصين أو نحوه ليسهل الدفاع عنها، كما يكون موقعها بحيث يسهل الاتصال بينها وبين غيرها من الزوايا، ويقوم عليها "مقدّم " يكون هو الشيخ والقيم عليها يتولى أمور الناحية، ويفصل فى الخصومات بين أهلها وسائر الشئون الاقتصادية، ولكل زاوية شيخ يقيم الصلاة ويقوم على تعليم الأولاد ومباشرة عقود النكاح وسائر الأشياء الشرعية. ويشرف على إدارة الزوايا جماعة تسمى (الخواص) وهم الذين بلغوا درجة عالية فى العلم والمعرفة.
ولقد تنقل السنوسى من الحجاز إلى مصر ثم إلى طرابلس سنة1840هـ حيث استقر بها
وأنشأ مركز دعوته سنة 1843م فى الزاوية البيضاء بالجبل الأخضر ثم نقله سنة 1856م
إلى واحة الجغبوب. وأنشأ فيها مدرسة دينية بها مكتبة تضم ثمانية آلاف مجلد، وكان
يشرف عليها إشرافا مباشرا.
ولنشاط السنوسى ونشاط أتباعه انتشرت الزوايا فى نواحى برقة وطرابلس ووادى،
وكان لها أكبر الأثر فى نشر الإسلام والحفاظ على ثوابته وأصوله. ولما توفى السنوسى
سنة 1859م خلفه ابنه المهدى، والذى نقل مركز الدعوة من الجغبوب إلى الكفرة
سنة 1895م، وكان نشيطا فى دعوته حتى إنه عند وفاته سنة 1902م كان
للسنوسية 136 زاوية. وخلف المهدى ابن عمه السيد أحمد الشريف، الذى وجد نفسه فى
ظروف استعمارية حملته على أن يخوض غمار الحرب ضد الفرنسيين، ثم ضد
الزحف الإيطالى على ليبيا، إلا أنه اعتزل زعامة السنوسية سنة 1918م إثر الهجوم
على مصر.
وآلت زعامة السنوسية إلى السيد إدريس الذى تولى ملك ليبيا، حيث أصبحت السنوسية قوة دولية يعترف بها، إلى أن هبّت ثورة الفاتح وعزلته سنة 1969م.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - ليبيا فى الماضى والحاضر د/ حسن سليمان.
2 - شمال افريقية سيد العريان وآخرون.
3 - المغرب العربى د/ صلاح العقاد.
4 - تاريخ الفتع العربى فى ليبيا -الطاهر! حمد الزاوى
5 - السنوسية دين ودولة د/ محمد فؤاد شكرى
6 - موسوعة التاريخ الإسلامى د/ أحمد شلبى
7 - أفريقية الإسلأمية د/ عبد الرحمن زكى.(1/357)
20 - سؤال القبر
اصطلاحا: هو سؤال الملكين منكر ونكير للميت بعد دفنه فى قبره.
وهو من الغيبيات التى يجب على المسلم الإيمان بأن أول ما ينزل بالميت بعد موته سؤال الملكين فى القبر، وبأن الله يرد عليه روحه وسمعه وبصره، ثم يسأله الملكان عن ربه ودينه ونبيه، فإما أن ينعم وأما أن يعذب حسب حسن إجابته أو سوئها، وقد ورد فى ذلك أحاديث كثيرة بلغت حد الشهرة والتواتر المعنوى منها:
"استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل" (رواه أبو داود).
وحينما تفارق روح الإنسان جسده، ويوضع فى قبره، يكون قد ودَّع الحياة الدنيا، ولم يعد يملك إلا ما كان يعمله فى الدنيا، ويبقى وحيدا، لا معين ولا نصير. وفى القبر يكون أول مواقف الحساب، وأول حادث يواجهه الإنسان بعد دفنه هو سؤال الملكين له فى القبر، ويودع الله فيه نوعا من الحياة، بها يستطيع، فهم السؤال والإجابة عليه.
وقد قيل: إنه ورد فيه قوله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} (إبراهيم (27). فالقول الثابت فى الحياة الدنيا هى كلمة التوحيد، وفى الآخرة أى القبر حين يسألون عن ربهم ودينهم ونبيهم فيوفقون فى الإجابة على ذلك، فعن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سئل فى القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله"
] يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة [.
وليس السؤال فى القبر للروح وحدها، كما قال ابن حزم وابن هبيرة، وأفسد منه قول من قال: إنه للبدن بلا روح، والأحاديث الصحيحة ترد القولين. وكذلك عذاب القبر ونعيمه يكون للنفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والإجماع، تنعم النفس وتعذب مفردة عن البدن ومتصلة به. واتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان بعد موته قُبِرَ أم لم يُقْبَرْ يسأل عن أعماله، وجوزى بالخَير خيرا، وبالشر شرا، وأن النعيم أو العذاب على النفس والبدن معا. ولم ينازع أحد من جمهور المسلمين فى سؤال القبر أو فى تسمية الملكين اللذين يأتيان ويسألانه- منكر ونكير- إلا بعضا من المعتزلة كالجبائى والبلخى. ولكن القاضى عبد الجبار المعتزلى يقرر أنه يجب الإيمان والإقرار بسؤال القبر، وأن الله يبعث إلى الميت ملكين يقال لأحدهما منكر، والآخر نكير، وإنهما يسألان الميت ثم يعذبانه، أو يبشرانه على حسب ما وردت به الأخبار، لأن ذلك مما لا يهتدى اليه من جهة العقل، وإنما الطريق اليه السمع فوجب قبولها. ومما جاء فى صفة الملكين وصفة سؤالهما ما رواه معمر عن عمر بن دينار وعن سعد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: كيف بك يا عمرإذ جاءك منكر ونكير وإذ مت وانطلق بك قومك وقاسوا ثلاثة أذرع وشبرا فى ذراع وشبر ثم غسلوك وكفنوك وحنطوك ثم احتملوك فوضعوك فيه ثم أهالوا عليك التراب فإذا انصرفوا عنك أتاك فتانا القبر منكر ونكير أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يجران شعورهما ومرزبة من حديد لو اجتمع عليها أهل الأرض لم يقلوها؟ فقال عمريا رسول الله، أفرقنا فحق لنا أن نبعث على ما نحن عليه أو قال يا رسول الله أيرجع إلىّ عقلى، قال: نعم. قال عمر إذا أكفيكهما والله لئن سألانى سألتهما فأقول لهما: أنا ربى الله فمن ربكما أنتما؟ ومن ذلك الوصف أيضا ما رواه أبو هريرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قبر الميت او قال أحدكم آتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكروالآخر النكير فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له فى قبره سبعون ذراعا فى سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلى فأخبرهم فيقولان نم كنومة العروس الذى لا يوقظه إلا أحب أهله إليه يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقا قال سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله لا أدرى فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمى عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، رواه الترمذى وابن حيان فى صحيحه.
ومما تقدم يستفاد أن لأهل القبور حياة يدركون بها أثر النعيم والعذاب، ولو تفتتت أجسادهم، وأما كيفية تنعيمهم أو تعذيبهم فأمرها غيبى لا تعرف حقيقتها، وحال الميت فى ذلك كحال النائم يرى الملاذ، ولا يرى من بجواره شيئا.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - دراسات فى العقيدة الإسلامية والأخلاق د/ عبد المعطى بيومى، ص 100 وما بعدها، التذكرة ص 165،164
2 - شرح العقيدة الطحاوية ص 579 والعقائد الإسلامية- سيد سابق ص 0 31
3 - العقائد ص 209
4 - شرح المواقف الإيجى 8/ 317،التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبى،،ص 147.
5 - شرح الأصول الخمسة ص734 تحقيق د/ عبد الكريم عثمان- مكتبة وهبة- ط 1 سنة 1065م
6 - السنن الكبرى للبيهقى ص 116 - 118(1/358)
21 - السورة
لغة: المنزلة، وقيل: مخصوصة بالرفعة (الدرجة) والسورة من البناء: ما طال وحسن، وقيل: هى العلامة كما فى مختار الصحاح (1).
واصطلاحا: قرآن يشتمل على آى ذوات فاتحة وخاتمة، وأقلها: ثلاث آيات وهى سورة الكوثر، وقيل: الطائفة المسماة باسم خاص بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم.
والسورة تشتمل على آيات، والآية: قرآن مركب من جمل ولو تقديرا، ذو مبدء ومقطع، مندرج فى سورة، وأصلها العلامة، ومنه قوله تعالى: {إن آية ملكه} البقرة:248، لأنها علامة للفضل والصدق، أو الجماعة لأنها جماعة كلمة.
وقيل السورة: هى طائفة من القرآن، منقطعة عما قبلها وما بعدها، ليس بينها شبه بما سواها.
والحكمة فى تقطيع القرآن سورا هى الحكمة ذاتها فى تقطيع السور آيات معدودات، لكل آية حد ومطلع، حتى تكون كل سورة، بل كل آية فنا مستقلا وقرآنا معتبرا.
وسورت السور طوالا وقصارا وأوساطا: تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز، بل قصارها كطوالها، ولهذا -أيضا- حكمة فى التدرج فى تعليم الصبيان القرآن الكريم.
وسور القرآن قد يكون لها اسم واحد وهو الأكثر، وقد يكون لها اسمان: كسورة البقرة فانه يقال لها: فسطاط القرآن لعظمها وبهائها، وآل عمران يقال لها فى التوراة: طيبة، والنحل تسمى سورة النعم لما عدد الله فيها من النعم على عبادء، والجاثية تسمى الشريعة، ومحمد تسمى القتال.
وقد يكون لها ثلاثة أسماء: كالمائدة فإنها تسمى العقود والمنفذة، وكغافر فتسمى الطول والمؤمن.
وقد يكون لها أكثر من ذلك: كسورة براءة فهى التوبة، والفاضحة، والحافرة لأنها حفرت عن قلوب المنافقين، والعذاب، والمشقشقة، والمبعثرة، وكسورة الفاتحة فإنها: أم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثانىء والحمد، وقد ذكر لها بضعة وعشرون اسما.
واختصاص كل سورة بما سميت به مقصود: فالعرب تراعى فى الكثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون فى الشىء من خلق أو صفة تخصه، أو تكون معه أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرائى للمسمى وعلى ذلك جرت أسماء سور الكتاب العزيز كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم، لقرينة ذكر قصة البقرة المذكورة فيها، وسورة النساء سميت بذلك لما تردد فيها من كثير من أحكام النساء، وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها، وهكذا فى بقية السور.
وعدد سور القرآن الكريم أربع عشرة ومائة سورة، افتتحها سبحانه وتعالي بعشرة أنواع من الكلام، لا يخرج شىء من السور عنها، وهى:
1 - الاستفتاح بالثناء، مثل: الحمد لله، وتبارك، وسبحان، وسبح، ويسبح لله.
2 - الاستفتاح بحروف التهجى: مثل الم، المص، الر، وذلك فى ست وعشرين سورة.
3 - الاستفتاح بالنداء، وذلك فى عشرين سورة، مثل: مفتتح النساء، والمائدة والأحزاب.
4 - الاستفتاح بالجمل الخبرية، فى ثلاث وعشرين سورة، مثل، مفتتح النحل والأنبياء.
5 - الاستفتاح بالقسم، وذلك فى خمس عشرة سورة، مثل: مفتتح الضحى والليل والشمس.
6 - الاستفتاح بالشرط، فى سبع سور، مثل: مفتتح التكوير والانفطار والانشقاق.
7 - الاستفتاح بالأمر، فى ست سور، مثل: مفتتح الجن والأعلى والإخلاص والمعوذتين.
8 - الاستفتاح بالاستفهام، فى ست سور، مثل: الإنسان والنبأ والغاشية والفيل.
9 - الاستفتاح بالدعاء، فى ثلاث سور وهى المطففين، والهمزة، والمسد.
10 - الاستفتاح بالتعليل، فى موضع واحد، لإيلاف قريش.
وهذه الافتتاحات فيها من الحسن وبراعة الاستهلال ما فيها.
وخواتم السور مثل فواتحها فى الحسن، لأنها آخر ما يقرع الأسماع، ولهذا تضمنت جملة من المعانى البديعة مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى يرتفع معه تشوف النفس إلى ما يذكر بعد.
ومن أوضحه خاتمة سورة إبراهيم {هذا بلاغ للناس ولينذروا به .. } (آية 52) والأحقاف {بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} (آية35) وأول سورة نزلت فى القرآن "اقرأ" ثم "نوح"، وآخرما نزل {إذا جاء نصرالله والفتح} النصر:1.
وكل سور القرآن الكريم بدأت بالبسملة إلا سورة التوبة، وسورة النمل بدأت بالبسملة ووجدت البسملة فى آية منها فى قوله تعالى: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} النمل:30.
أ. د/عبدالصبور مرزوق
__________
الهامش:
1 - مختار الصحاح، مادة (سور) ص320.
مراجع الاستزادة:
1 - البرهان فى علوم القرآن للزركشى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، طبعة عيسى الحلبى وشركاه 1975م، 1/ 163:181.
2 - الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى وبهامشه إعجاز القران للباقلانى، المكتبة الثقافية بيروت 1973م الجزء الأول.
3 - الموسوعة الفقهية بالكويت 25/ 387 وما بعدها(1/359)
22 - السياحة
لغة: "الذهاب فى الأرض للعبادة والترهب "، ومنه "المسيح ابن مريم - عليه السلام - الذى "كان يذهب فى الأرض، فأينما أدركه الليل صفَّ قدميه، وصلى حتى الصباح " (1) (لسان العرب، مادة: س. ى، والسياحة بهذا المعنى غيرمفضلة فى شريعة الإسلام بل ربما ورد النهى عنها أخذاً من حديث أبى أمامة: أن رجلاً قال: يارسول الله ائذن لى فى السياحة، فقال: " إن سياحة أمتى الجهاد فى سبيل الله" وأيضا قياساً على منع التبتل فى حديث ابن مظعون، وجمهور المفسرين على أن المراد من " السائحين " فى قوله تعالى: {التائبون العابدون الحامدون السائحون} (التوبة 112) هم الصائمون، ويقول الزّجّاج: "السائحون فى قول أهل التفسيرواللغة جميعا: الصائمون ". وفيما يقول القرطبى: هم الصائمون أو المهاجرون أو المسافرون لطلب العلم، أو الجائلون بأفكارهم فى عالم الملكوت.
والمفسرون- من شيوخ التصوف كالقشيرى وابن عجيبة- يُوَسَّعون مفهوم "السياحة" فى الآية السابقة ليشمل ما قاله غيرهم من المفسرين، وليشمل السفر من أجل زيارة المشايخ، وأيضا السياحة بالمعنى الصوفى، وهى "السفر فى الأرض على جهة الاعتبار طلبا للاستبصار"، ويقصدون بها سياحة السالك ومفارقته الأوطان لتصفية القلب بالعبادة والذكر والتفكر. ومُجمل ما تشير إليه مصنفاتهم فى هذه المسألة أنهم- غالبا- ما يتكلمون عن السياحة فى باب السفر" وأسراره، ولعل اختيارهم لعنوان "السفر" بدلا من السياحة" راجع إلى الآثار الواردة فى الترغيب عنها، لكن تاريخ الصوفية يطلعنا على "شيوخ " اختاروا السياحة منهجا ثابتا فى تحصيل علومهم وأذواقهم الإلهية. ويُعدّ "ذو النون المصرى" (ت 245 هـ- تقريبا) من أوائل من مارس السياحة بهذا المعنى، وسيرته حافلة بلقاءات- يصعب حصرها- مع الزهاد والعُبّاد والوالهين من المنقطعين فى الزوايا والبرارى والجبّانات والمغارات ورؤوس الجبال، من القيروان غربا إلى مكة شرقا، ومن اليمن جنوبا إلى جبال لبنان وجبال أنطاكية شمالا، حتى قال فيه ابن عريى: "لم أرَ فى الجماعة أكثر سياحة واجتماعا بأولياء الله من ذى النون المصرى".
لكننا نرى تقييما آخر للسياحة عند الشيخ الأكبر: محيى الدين بن عربى، الذى يعلل رغبة البعض من أهل الله فى السياحة بسبب "الاٌنس " الحاصل من مخالطة الشبيه " من الناس. وهو ميل طبيعى تصعب مقاومته. وهذا الأُنس فى حقيقته ليس الا وحشة من الحق.
والسياحة هى الوسيلة التى يعتدل بها الآمر ليكون الأُنس بالله والوحشة من الخلق، ورغم ان الشيخ يعدَّد كثيرا من فضائل السياحة الصوفية، إلا أنه يفضل السكون والاستقرار على السياحة وقطع المسافات. ويستلهم فى مذهبه هذا قوله تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم} (الحديد 4)، ويرى ان معنى التوكل هو السكون تحت مجارى الأقدار، والسياحة مبادرة أو مبادأة قادحة فى تجريد التوكل، ويقول: إنه ذاق الأمرين. وو صل إلى أن سكون الاستقرار أقوى فى تحصيل المعارف الالهية من السياحة، وأن " من رَّجح ترك السفر فقد أصاب فى النظر، وقَصَد عَيْن الخبر" وفى النهاية يتساءل: إذا كان الله جليس الذاكر فإلى أين يرحل؟
أ. د/ أحمد الطيب
1 - لسان العرب، لابن منظور، مادة (سيح) دار صادر بيروت
__________
المراجع
1 - شعب الإيمان، البهيقى، باب الجهاد جـ4/ 384 تحقيق أبى هاجر دار الكتب العلمية بيروت، 1410هـ-1990م
2 - تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (الآية 112 من سورة التوبة 2/ 400 مكتبة مصر، بدون تاريخ
3 - لطائف الإشارات، القشيرى،2/ 67 تحقيق ابراهيم السيوفى الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1 98 1 م
4 - البحر المديد فى تفسير القران المجيد، ابن عجيبة 2/ 433، تحقيق أحمد سلامة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1419 هـ- 1996 م
5 - الفتوحات المكية، ابن عربى 2/ 293 - 295،دار صادر، بيروت. بدون تاريخ(1/360)
23 - السياسة
لغة: مصدرللفعل "ساس" أى رأس وقاد، والسياسة: القيام على الشىء بما يصلحه ... والوالى يسوس رعيته، كما فى اللسان (1). وسست الرعية سياسة، أى ملكت أمرهم، كما فى الصحاح (2). وفى الحديث الشريف: "كان بنو إسرائيل يسوسهم أنبياؤهم " أى يتولون أمورهم كما يفعل الأمراء، الولاة بالرعية.
والمعنى الاصطلاحى للسياسة حتى اليوم يتفق وتدبير أمور الرعية فى الداخل والخارج، وفى التوصيف الغربى (3) فإن السياسة هى مجموعة القرارات المترابطة المتفق عليها بقصد التوصل إلى نتائج وأهداف محددة على المستوى العام أو المستوى الشخصى.
وينظر إلى السياسة غالبا باعتبارها تمثل التعامل والتفاعل بين الأفراد والعوامل، التى تحدث نتيجة تحديد المواقع والمصالح، التى يمكن تحقيقها والقرارات المصاحبة لذلك، إلا أن اللفظ اتخذ فى الإسلام طابعا دينيا، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن صاحب رسالة دينية فقط إنما كان رئيسا للجماعة الإسلامية الناشئة، التى وضع أساسها بمقتضى الصحيفة التى آخى فيها بين المهاجرين والأنصار، والتى يمكن أن يطلق عليها "دستور المدينة" إذ تضمنت تنظيما واضحا للعلاقات بين أعضاء المجتمع الإسلامى، بينهم ورياسة هذه الجماعة، وبينهم وبين من يخالفونهم فى الدين.
وتعتبر الصحيفة نقلة نوعية من المنظور السياسى، حيث تضمنت من المعانى-على خلفية عالميةالإسلام- عناصر بالغة الدلالة من حيث العلاقات الدولية، فقد تضمنت إطارا لدول متعاونة على كل ما عرف خيره تتحمل مسئوليتها فرادى وجماعات فى عمارة الأرض (4) وعدم الإفساد وأنه لا إكراه فى الدين، وبرّ من يخالفنا ما لم يعتد علينا فى ديارنا أو ديننا، وأن الخلق كلهم عيال الله، وأن الحوار والتفاوض فى السياسة أمران واردان.
وجاء ذلك فى إطار ما حفل به القرآن الكريم من معان سامية ينبغى أن تسود البشر لإصلاح أمورهم فى دنياهم وأخراهم، بما فى ذلك تأكيده على قيم العدل والمساواة والتعاون والسلام بين البشر -وهى قيم ينبغى أن تكون لها السيادة فى العلاقات السياسية الدولية- أتى بها الإسلام وسبق غيره بقرون عديدة.
وعالمية الإسلام تكسب التوجهات الإسلامية بعدها العالمى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} الفرقان:1، وقد أمر الإسلام بالتعايش والتعارف {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} الحجرات:13، وأمر بالعدل {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} المائدة:8.
ويعتبر الإسلام أن السلام هو السياسة الإسلامية الأصيلة التى تمارس داخل المجتمع الاسلامى فى علاقاته مع مخالفيه (5) وهو يفرق فى هذا الصدد بين الذين يسالمون المسلمين والذين يقاتلونهم، والاختلاف ليس سبيلا للحرب بل إنه كامن فى طبيعة الحياة، والسلام لا يعنى الاستسلام للمعتدين، وحتى فى حالة الحرب فلها سياستها وآدابها، والإسلام يدعو إلى التعايش والحوار كمنهاج لممارسة السياسة، وفى ظلها تنمو العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها من أوجه العلاقات التى تتم فى إطار السياسة الدولية.
أما التنافس والتدافع فى المصالح والأمور السياسية فلا يعنى بالضرورة تصارعا وقتالا، إنما يعتبر ذلك من سنن الحياة التى تحقق التوازن والتداول فى إطار الفهم السليم لمقاصد الشريعة {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزير} الحج:40.
وقد عرف النظام الإسلامى أسلوب كتابة المعاهدات، وسبق اتفاقيات جنيف التى عقدت عام 1949م فى حماية ضحايا الحرب وأسراها، وحظر أعمال الثأر والانتقام ضد العدو.
ولقد كان إنشاء الدولة الإسلامية فى المدينة، وامتداد نفوذها بالتدريج فى معظم أجزاء شبه جزيرة العرب فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ثمرة مجهودات كبيرة حربية وتشريعية وسياسية، وكانت حصيلة النشاط السياسى والدبلوماسى مجموعة كبيرة من الرسائل والصكوك والمعاهدات التى تحدد العلاقات السياسية على أسانيدها من القرآن والسنة النبوية.
السفير/نبيل محمد بدر
__________
الهامش:
1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت مادة (سوس).
2 - الصحاح للجوهري، مادة (سوس).
3 - Political and lagal by walter Raymond
4- الإسلام والنظام العالمى الجديد، د. حامد بن أحمد الرفاعى، المقدمة.
5 - مفهوم التعايش فى الإسلام، د. عباس الجرارى.
مراجع الاستزادة:
1 - عالم الإسلام، د. حسين مؤنس.
2 - الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار الغربى، د. محمد البهى(1/361)
24 - السيَّرَة
السيرة لغة: السنة والطريقة، والحالة التى يكون عليها الإنسان، وهى من الفعل: سار يسير، والمصدر: سَيْر، وسِيرة، وتسيْار، وتسار، وتِسيرة.
واصطلاحا: السيرة النبوية هى السجل الدقيق الكامل لحياة النبى محمد - صلى الله عليه وسلم -، منذ مولده يوم الاثنين، الثانى عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل (570ميلادية). إلى وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، يوم الاثنين الثانى عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة هجرية، الثامن من شهر يونية 632 م.
كذلك تقدم إلينا السيرة النبوية- فى إحاطة شاملة- يوميات الدعوة الإسلامية فى عصر النبوة، بمرحلتيها: الأولى فى مكة المكرمة قبل الهجرة، والثانية فى المدينة النبوية بعد الهجرة. ولما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المثل الأعلى للمسلمين أجمعين، كما قال تعالى: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب 21). فقد حرص أصحابه الكرام أشد الحرص على استيعاب وحفظ كل ما سمعوه منه وما شهدوه معه، ونقل صورة كاملة عنه إلى الجيل التالى من المسلمين- وهم التابعون- وذلك تحقيقا للاقتداء به وترسُّم خطاه، فكان حال هؤلاء التابعين كأنهم يشاهدون النبى - صلى الله عليه وسلم - بأعينهم، ويسمعونه بآذانهم، ويشهدون معه الوقائع والمواقف التى مرت به وبأصحابه إبان عصر النبوة.
ومما لا ريب فيه أن حُفاظ الصحابة- وهم ينقلون هذه الصورة الحية إلى تلاميذهم التابعين- كانوا يعتقدون أنه أمر واجب يلزمهم القيام به أداء لحق الدعوة إلى الإسلام عليهم، وكذلك التزم بهذا الواجب وقام به أولئك التابعون نحو الجيل التالى لهم وهم تابعو التابعين، وهكذا حتى وصلت إلينا هذه السيرة العطرة كاملة غير منقوصة، تحفل بها بعض ُسور القرآن الكريم، وتحتشد لها كتب الحديث والتفسير، والمغازى، والشمائل ودلائل النبوة، والتاريخ والطبقات، وموسوعات الفقه، والأدب العربى.
إن القرآن الكريم، ومعه كل ذلك التراث الإسلامى الحافل قد وعى سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، ومعاملته مع الله ومع الناس، ومظاهر الإبداع فى خَلْقه وخُلُقه، وفى حبه ورأفته، وفى دعائه وابتهاله، وفى منطقه وحكمته، ومعالجته لمختلف الأمور، وفى اجتماع الكمال البشرى فى شخصيته. بل ليس هناك أدنى مبالغة إذا قلنا: إنه ليس فى الدنيا إنسان كامل تحدث التاريخ عن سيرته وحياته على التفصيل كما تحدث عن تفاصيل حياة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -
ولا شك فى أن دراسة السيرة النبوية تحقق لدارسيها أهدافا ذات أهمية بالغة، منها: الوقوف على التطبيق العملى لأحكام الإسلام التى اشتملت عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فى شتى مجالات الحياة. كما أننا نقف بدراستها على دلائل نبوته ومعجزاته - صلى الله عليه وسلم - فيزيد إيماننا وتقوى عقيدتنا. كذلك فإن معرفة ما حفلت به السيرة النبوية من مواقف إيمانية للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فى سبيل إعلاء كلمة الله، تقوَّى عزائم المؤمنين، وتثبتهم فى معركة الدفاع عن الدين والحق. وتغمر قلوبهم بالطمأنينة. وفى دراسة السيرة معرفة المثل الأعلى للإنسان الكامل الذى تجسّده شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
إن دارس هذه السيرة يحصل على قدر عظيم من المعرفة الصحيحة بعلوم الإسلام. من حديث، وتفسير، وعقيد ة، وشريعة، وأخلاق، وتربية، واجتماع، وسياسة، وغيرها. كذلك يتعرف دارس السيرة النبوية غلى تطور الدعوة الإسلامية فى عصر النبوة. وما عاناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فى سبيل نشر الإسلام، وما واجههم من مشكلات وعقبات. وكيف تغلبوا عليها. كما أن المعجزات التى أجراها الله سبحانه على يدى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تُفهم جيدا الا فى ضوء معرفة وقائع السيرة التى حدثت خلالها تلك المعجزات .. وثمة أمور أخرى يستمد الإنسان معرفتها من خلال دراسته للسيرة النبوية لا نطيل بذكرها.
ويبقى أن نلم- فى إيجاز- بأهم مصادر السيرة النبوية لتتم الفائدة من هذا التعريف.
وأول هذه المصادر هو القران الكريم- لا خلاف على ذلك- بل هو المصدر الرئيسى لسيرة النبى - صلى الله عليه وسلم -: إذ هو نص قطعى الثبوت. لأنه أصح كتاب عرفه البشر على الإطلاق ـ ولكي يمكن الإفادة من كتاب الله فى معرفة السيرة. فلابد من الرجوع إلى كتب التفسير وفى طليعتها: تفسير الطبرى. وتفسير ابن الجوزى، وتفسير ابن كثير.
ثم كتب الحديث النبوى وهى الموسوعات التى عنيت بجمع أقوال النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخَلقية والخُلُقية. كما تناولت سيرته. ومغازيه وـ وسراياه. وبعوثه. ومكاتباته وفضائل أصحابه وأزواجه - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذلك من موضوعات السيرة النبوية. وفى مقدمة هذه الكتب: صحيحا البخارى ومسلم، والمستدرك للحاكم النيسابورى،. وكتب السنن الأربعة لآبي داود، والترمذى، وأبن ماجه، والنسائى، والسنن الكبرى للبيهقى. ومسند الإمام أحمد. وموسوعات اخرى لا نطيل بذكرها.
ويلحق بكتب الحديث مصنفات أخرى. مثل: كتاب الشمائل للترمذى، وكتاب أخلاق النبى - صلى الله عليه وسلم - وآدابه لأبى الشيخ الأصبهانى، ودلائل النبوة لأبى نعيم الآصبهانى، ودلائل النبوة للبيهقى.
وكتب المغازى والسير، التى وضعها أصحابها خصيصاً لعرض السيرة النبوية على جهة التفصيل ومن أهمها: سيرة ابن إسحاق، التى هذبها ابن هشام، ومغازى الواقدى.
والسيرة النبوية لابن سعد، وجوامع السيرة لابن حزم، والسيرة النبوية للذهبى، والسيرة النبوية لابن كثير، وزاد المعاد لابن القيم.
ثم كتب التاريخ الإسلامى التى أفردت مساحة كبيرة لعرض السيرة النبوية، مثل: تاريخ خليفة بن خياط، والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان، وتاريخ المدينة لعمر بن شبَّة، وتاريخ الطبرى، والكامل لابن الأثير، وتواريخ أخرى عديدة لا يتسع المقام لذكرها. إننا ننبه إلى أن ما سبق ذكره من مصادر السيرة- يمثل مع كثيرغيره مما لم نذكره من المصادر- الأساس الذى استمد منه، وبنى عليه كل من كتب فى سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - بعدئذ من القدامى والمحدثين ..
أ. د/ محمد جبر أبو سعدة
__________
المراجع
1 - الجامع الصحيح للبخارى- دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت- 1411 هـ/ 1991م.
2 - (دلائل النبوة) للبيهقى- بتحقيق د. عبد المعطى. قلعه جى. دار الكتب العلمية- بيروت 1405 هـ/ 1985 م
3 - سنن الترمذى للترمذى- بتحقيق أحمد محمد شاكر .. ط- البابى الحلبى بمصر 1356 هـ/ 1937 م
4 - جوامع السيرة- لابن حزم بتحقيق إحسان عباس وزميله. دار المعارف بمصر.5
5 - السنن- لأبى داود: نشر دار الحديث- بيروت 1388هـ /1969م
7 - الطبقات الكبرى- لابن سعد: دار صادر بيروت 1388هـ / 1968م
7 - تاريخ الأمم والملوك- للطبرى: بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- طبع دار المعارف بمصر 1396 هـ/ 1976 م
8 - جامع البيان عن تأويل آى القرآن (تفسير الطبرى) - للطبرى: مطبعة مصطفى البابى الحلبى. مصر.
9 - الدرر فى اختصار المغازى والسير- لابن عبد البر: بتحقيق شوقى ضيف. القاهرة 1386 هـ/ 1966 م.
10 - السيرة النبوية الصحيحة. العمرى: د/ أكرم ضياء: مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة 13 4 1 هـ/ 993 1 م.
11 - زاد المعاد فى هدى خير العباد. لابن قيم الجوزية: بتحقيق شعيب الأرنؤوط وزميله. مؤسسة الرسالة- بيروت 1410 هـ/ 1990 م.
12 - الجامع الصحيح- للإمام مسلم: دار الفكر- بيروت- لبنان.
13 - السيرة النبوية- لابن هشام: بتحقيق مصطفى السقا وآخرين مطبعة البابى الحلبى- 1375 هـ/ 1955 م.
4 1 - كتاب المغازى- للواقدى: بتحقيق مارسدن جونز. دار المعارف بمصر (1385 هـ/ 965 1 م.
15 - سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد الإمام الصالحى: ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة.(1/362)
25 - سيرة ذاتية
لغةً: السيرة: السُّنَّةُ والطريقة والحالة التى يكون عليها الإنسان وغيرُه وهى مأخوذة من مادة سار: اى مشى وسلك أو ذهب فى الأرض. وهى مرادف لكلمة ترجمة التى تدل على تاريخ حياة إنسان.
واصطلاحاً: يطلق مصطلح السيرة على العمل الأدبى الذى يقوم فيه مؤلفه بسرد قصة حياته، ويرى مؤرخو الأدب أن اقدم عمل أدبى من هذا الطراز كان هو كتاب (اعترافات) الذي كتبه القديس المسيحى القديس أوغسطينوس (400 م) وفيه يقص جهاده الروحى وما حققه من انتصارات على نفسه، وقد عرفت الحضارة العربية تجارب بارزة ومبكرة للسير الذاتية. منها كتاب "أسامة بن منقذ" الاعتبار.
وتتيح السيرة الذاتية للقارئ الفرصة لدراسة وقراءة حياة الشخصيات المتميزة،. كما تتضمن بالضرورة وصفا مباشرا ودقيقا لبعض الحوادث التاريخية وملامح الحياة (بكل صورها) فى الفترة التى عاش فيها صاحب السيرة، حتى إن كثيرا من وقائع التاريخ (العام والقومى) بل والحياة الاجتماعية والفعلية، لا يمكن استخلاصها إلا من السير الذاتية. ومع أن بعض الذين يكتبون سيرهم الذاتية يعمدون إلى استغلالها فى تبرير بعض رؤاهم ومواقفهم. إلا أن الدراسة الواعية تستطيع بالطبع استخلاص الحقائق واكتشاف الأكاذيب من ركام النظرات الذاتية. وقد ساعدت وسائل الإعلام فى العصر الحديث على آن تجعل من كتابة السيرة الذاتية مصدر عائد مادى كبير لرجال السياسة والمجتمع الذين يتطلع العامة الى معرفة أسرارهم وممارستهم للحياة، خاصة مع تزايد تيارات الحديث عن الأسرار الشخصية والحميمية وكسر الأسرار للحياة الخاصة.
وتختلف السيرة الذاتية عن السيرة بمعناها العام أو ما يسميه بعض النقاد السيرة الغيرية وهو كتابة قصة حياة الشخص بواسطة كاتب آخر، سواء كان هذا الآخر معاصرا لصاحب السيرة أو غير معاصر، وسواء التقى به أولم يلتق وسواء كان صاحب السيرة على قيد الحياة أم فارقها، وينبغى على كاتب السيرة آن يسعى إلى جمع أكبر قدر من المعلومات عن حياة من يكتب عنه، وإن لم يستلزم هذا أن يضمن ما يكتبه من سيرة كل هذه المعلومات، وتتمثل براعته ومقدرته وتفوقه فى القدرة على تقديم صورة متكاملة أقرب إلى الصدق التام وإلى الحقيقة، ومع هذا فإن بعض الكتاب المتميزين يفرضون ذاتهم على السيرة التى يتولون كتابتها.
ولم تصبح السيرة فنا قائما بذاته فى أوروبا إلا فى القرن السابع عشر، وقد اشتهر فى هذا الفن جيمس بوزويل بكتابه "حياة صموئيل جونسون)، وعد بمثابة أعظم السير فى القرن الثامن عشر، وقد ازدهر فن السيرة فى أوروبا فى القرن العشرين على يد أندريه موروا وإميل لودفيج، وقد ألف بلورتارك "سير متوازية لنبلاء الإغريق والرومان " فاعتبر رائد فن السيرة فى الآداب الأوروبية، ورتبت فيه السير أزواجا، كل زوج منها يتحدث عن علم يونانى وآخررومانى مع مقارنة بين السيرتين.
وقد عنى الكتاب المسلمون بفن السيرة منذ مرحلة مبكرة، وأقدم آثارهم فى هذا الفن هو سيرة ابن إسحاق التى كتب فيها سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - " المغازى والسير"، وقد كتبه بأمر وتشجيع من الخليفة العباسى المنصور، وعليه عول "ابن هشام " فى سيرته المشهورة.
ومن أشهر كتب السير العربية: "وفيات الأعيان " لابن خلكان، ومعجم الأدباء" لياقوت الحموى وفى العصر الحديث ألف الدكتور محمد حسين هيكل "حياة محمد" ووضع عباس محمود العقاد "عبقرية عمر" و"عبقرية خالد".
ومن أشهر كتب السير الذاتية المعاصرة سيرة غاندى "قصة تجاربى مع الحقيقة"
وقد ترجمها منير البعلبكى، و" الأيام" لطه حسين.
أ. د/ محمد الجوادى
__________
المراجع
1 - التراجم والسير /عبد الغنى حسن، سلسلة نوابغ الفكر العربى
2 - سيرة ذاتية /عبد الحميد جودة السحار.
3 - القصة القصيرة الطاهر أحمد مكى، دار النهضة العربية.(1/363)
1 - الشر
لغة: فعله شرَّ يشر ويشُر بكسر الشين وضمها، وهو نقيض الخير ولا يقالَ ضده لآن الضدين لا يجتمعان وقد يرتفعان معا، وهذا هو شأن الخير والشر. فلا يجتمعان ولا يرتفعان معا، وجمعه شرور وقوم أشرار.
واصطلاحاً: الشر صفة أخلاقية للفعل الذى يقع على خلاف الطبع، وهو عدم ملاءمة الشيء لطبعه.
وعرّفه المعتزلة (فرقة كلامية) بأنه الضرر القبيح وما يؤدى إليه ويقابله الخير وهو النفع الحسن وما يؤدى إليه.
وعند أهل السنة هو الفعل العارى عن الحكمة (أى العبث) أو هو وضع الشىء فى غير موضعه اللائق به، ولا ينسب الشر إلى الله تعالى لا إلى أفعاله ولا إلى أقواله. لآن أفعاله كلها لحكمة مقصودة وليست عارية من الحكمة قال تعالى {ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت} (الملك 3) (أى قصور أو تقصير) وفى الحديث الشريف: (الخيربيديك والشر ليس إليك) وفى القرآن الكريم: {قل أعوذ برب الفلق. من شرما خلق} (الفلق 1. 2) فأضاف الشر إلى المخلوق ولم يضفه إلى الخالق. وعند المعتزلة أن الله لا يخلق الشر ولا يريده لأن الشر قبيح وإرادة الشر قبيحة والله منزه عن إرادة القبيح. وهو فعل للإنسان مخلوق له ومحاسب عليه.
والأشاعرة يرون ان الشر والخير كليهما مخلوقان لله لأنهم يعرِّفون الشر بأنه فعل الغير فى غير ملكه والله تعالى يفعل فى ملكه ما يشاء، وعند السلف أن الشر مخلوق لله مفعول للعبد والله تعالى لا يوصف بمفعولات العبد وإنما يوصف العبد بفعله، ولما كان الشر فعلا للعبد فينسب إليه ولا ينسب إلى الله.
وقضاء الله تعالى وقدره لا يحملان الشر للإنسان حتى وإن أصابه الضرر من قضاء الله وقدره لأن كل ضرر يصيب العبد من متعلقات القضاء والقدر لا يصح أن يسمى شرا إلا على سبيل التجوز فى الاستعمال اللغوى لأن قضاء الله كله خير حيث يضع كل شيء فى موضعه اللائق من حيث الحكمة الإلهية علم ذلك من علمه وجهله من جهله.
ويقسم الفلاسفة الشر إلى أنواع:
1 - شر أخلاقى كالكذب والظلم والخيانة والإنسان مسئول عنه لأنه الكاذب والظالم والخائن.
2 - شر طبيعى كالزلازل والأمراض والكوارث الطبيعية مما لا دخل للإنسان فيه، وهذا النوع إذا نظرت إليه بالنسبة إلى فاعله كان خيرا لآن للفاعل فى ذلك- وهو الله- حكمة- مقصودة- وخفاؤها على الإنسان لا يلغيها وإذا نظرت إليه بالنسبة للمحل المنفعل فإن الشارع يسميها ضررا وقد يسميها الإنسان شرا تجوزا فى الاستعمال. لكن الشرع لا يسمى ذلك شرا لأن الشرهو الفعل العارى عن الحكمة، ومحال أن يكون فعل الله عاريا عن الحكمة.
3 - شر ميتافيزيقى: وهو نقصان كل شيء عن كماله، والفلاسفة يعرفون الشر بأنه عدم الخير أو عدم الكمال، وقد يكون الشر أمرا وجوديا مثل انشغال القلب بالتفكير فى فعل الشر، وقد يكون أمرا عدمياً مثل فراغ القلب من التفكير فى فعل الخير، أو عدم التفكير فى فعل الخير، والشر العدمى سبب فى الشر الوجودى وعدم انشغال القلب بالتفكير فى فعل الخير يسمى شر النفس، وانشغال القلب بالتفكير فى فعل الشر يسمى سيئات الأعمال كما فى الحديث الصحيح .. نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. والشر كله ظلم لأنه وضع الشيء فى غير موضعه، والفعل الإلهى لا يوصف إلا بالخير فعقوبة السارق والزانى والقاتل خير من جهة فاعلها- وهو الله- لأن ذلك وضع للشيء فى موضعه لكنها بالنسبة للمحل المنفعل (الإنسان) قد توصف بأنها شر لعدم ملاءمتها لطبعه فيحدث الألم المنافى للذة، والله تعالى لم يخلق شرا محضا لا خير فيه من جميع الوجوه لأن حكمته تعالى تأبى ذلك، ولأنه سبحانه ميزه بالخير فلا يضاف إليه الشر لا خلقا ولا فعلا وإنما يضاف إلى المحل المنفعل به فيكون شرا من جهة المنفعل خيرا من جهة الفاعل، لما له فى ذلك من الحكمة وأفعاله سبحانه إيجاد وإمداد وعداد، فالإيجاد خير من الإعدام، وامداد الموجود بالوجود خير من عدم إمداده، وإعداده للوجود خير من منعه.
فصارت كلٌّ خيرا وسببا للخير.
أ. د/ محمد السيد الجليند
__________
المراجع
1 - لسان العرب لابن منظور: مادة شر.
2 - الصحاح للجوهرى: مادة شر.
3 - التعريفات للجرجانى: مادة شر.
4 - المبين للآمدى: مادة شر.
5 - المعجم الفلسفى مادة شر.
6 - المغنى للقاضى عبد الجبار (خلق الأفعال)
7 - شفاء العليل لابن القيم.
8 - مقالات الإسلاميين للأشعرى.
9 - رسالة الحسنة والسيئة لابن تيمية.
10 - شرح العقيدة الطحاوية بتحقيق (أحمد شاكر) ص 172 - 175.
11 - قضية الخير والشر فى الفكر الإسلامى. د. محمد السيد الجليند.(1/364)
2 - الشُرطة
لغة: الخير؛ لأن شرطة كل شىء خياره، وقيل أشراط الشىء أوائله، منه أشراط الساعة، وقيل: الأشراط: الأشراف (لسان العرب).
اصطلاحا: هم نخبة السلطان من جنده، وهم المكلفون بالمحافظة على الأمن الداخلى بمنع وقوع الجرائم، والقبض على الجناة، وعمل التحريات اللازمة، وتنفيذ العقوبة التى يحكم بها القضاة، وإقامة الحدود.
ويطلق على واحد الشرطة شرطى، وعلى جماعة الشرطة شرط وشرطية، وصاحب الشرطة هو رئيسهم وقائدهم، وربما سمى أيضا عامل الشرطة، ومتولى الشرطة، وولى الشرطة.
وقد يسند إليه أيضا القيام بأعمال أخرى، مثل: بعض أعمال الحسبة، والإشراف على الأحباس، والمساعدة فى تحصيل الأموال، وإصدار الدنانير، وإطفاء الحرائق.
وقد عرف العالم الإسلامى إلى جانبه شرطة الأمن الداخلى أنواعا أخرى من الشرطة، مثل: الشرطة النهرية، وشرطة الخميس، وشرطة الجيش، والشرطة الخاصة.
وقد تبلورت اختصاصات صاحب الشرطة على مدى العصور الإسلامية، فظهرت وظيفة صاحب الشرطة فى خلافة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه الذى نُظِّمت الشرطة فى عهده، ووضحت مهمة الشرطة فى العصر الأموى، وزاد تنسيقها فى العصر العباسى إذ صار لكل مدينة شرطة خاصة تخضع لرئيسها: صاحب شرطة هذه المدينة، وكان صاحب الشرطة يتخذ نائبا ومساعدين يسمون الأعوان، وكان الشرط يتخذون أعلاما خاصة، ويلبسون زيا خاصا بهم، ويحملون مطارد وترسة تحمل كتابات لباسم صاحب الشرطة، ويحملون فى الليل الفوانيس، ويصحبون معهم كلاب الحراسة.
وكان تعيين صاحب الشرطة من اختصاص الوالى أو الأمير؛ ومن ثم كان عزل الوالى يتبعه فى معظم الأحيان عزل صاحب الشرطة، وكان الوالى يختار لهذه الوظيفة من بين أبنائه أو أقاربه، وكان صاحب الشرطة يخلف الوالى فى السلطة إذا غاب فى الحج أو الحرب أو غير ذلك، كما كان ينيبه عنه كثيرا فى إمامة الصلاة، وأحيانا كان يولى الإمارة، وعرف صاحب الشرطة فى الدول الإسلامية التى تفرعت من الخلافة العباسية.
ومنذ عصر الولاة فى مصر كانت وظيفة صاحب الشرطة من أكبر الوظائف وأهمها، وكانت تسمى فى عصر الولاة بخلافة الفسطاط، لأنه كان ينوب عن الوالى، غير أن هذه الصيغة اختفت منذ عصر الطولونيين.
وفى عصر الولاة كان صاحب الشرطة يقيم فى الفسطاط مع الوالى، وعندما آسست العسكر وجدت شرطتان: شرطة الفسطاط؛ وكانت تسمى الشرطة السفلى، وشرطة العسكر وكانت تسمى الشرطة العليا، وكانت الشرطة العليا تقيم فى دار تقع قريبا من جامع ابن طولون، وكانت دار الشرطة تعرف باسم الشرطة، وظل نظام الشرطتين -العليا والسفلى- معروفا فى العصر الفاطمى، غير أن صاحب الشرطة العليا كان يقيم فى القاهرة، وكان يسمى أيضا باسم حاكم القاهرة، واختفت صيغة صاحب الشرطة فى عصر المماليك، وصار من يتولى مهامها يسمى الوالى أو وإلى القاهرة أو وإلى المدينة أو صاحب العسس.
وعرفت الشرطة وصاحبها فى العالم الإسلامى خارج مصر شرقا وغربا، وعظم أمر صاحب الشرطة بخاصة فى الأندلس فى دولة بنس أمية، وانقسمت الشرطة إلى شرطتين: شرطة كبرى، وشرطة صغرى، وكانت مهمة الشرط الكبرى: النظر فى أمر الخاصة، وربما سمى صاحب الشرطة الكبرى باسم صاحب الشرطة العليا، أما صاحب الشرطة الصغرى فكان مخصصا للنظر فى أمر العامة، وفى أواخر العصر الإسلامى فى الأندلس صار صاحب الشرطة يسمى صاحب المدينة، وعند العامة يعرف بصاحب الليل، كما عرف أيضا باسم الحاكم.
وعرفت وظيفة صاحب الشرطة فى عصر الموحدين فى تونس، وكان ضمن من يجلسون بين يدى السلطان.
أ. د/حسن الباشا
__________
مراجع الاستزادة:
1 - صبح الأعشى فى صناعة الإنشا، للقلقشندى.
2 - معيد النعم ومبيد النقم للسبكى.
3 - الشرطة، أحمد ممدوح حمدى.
4 - الفنون الإسلامية والوظائف، د/حسن الباشا(1/365)
3 - شرع من قبلنا
لغة: الشرع عبادة عن البيان والأظهار يقال: شرع الله كذا أى جعله طريقا ومذهبا، ومنه المشرعة (لسان العرب) (1).
وإصطلاحا: يراد بشرع من قبلنا. (2) الأحكام التى شرعها الله تعالى للأمم السابقة وجاء بها الأنبياء السابقون، وكلف بها من كانوا قبل الشريعة المحمدية كشريعة إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام.
وهذا الموضوع يمثل مدى صلة الشريعة الإسلامية بالديانات والشرائع السابقة، فمن القضايا المعروفة أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث فى سن الأربعين سنة 611 م، وأن شريعته صلى الله عليه وسلم خاتمة الشرائع، وقد أخبر القرآن الكريم والسنة الشريفة عن قصص الأنبياء السابقين وبعض الأحكام التشريعية فى شرائعهم، فهل أحكام شرائع الأمم السابقة كاليهودية والنصرانية نطالب بالعمل بها؟ (3).
والكلام فى هذا الموضوع يتطلب بحث أمرين:
أولهما (4): هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة متعبدا بشريعة سابقة، لأنه إذا كان متعبدا بشرع سابق، ولم ينسخ فى شريعته بعد نزولها فيكون ذلك مشروعا فى حقنا كمسلمين.
ثانيهما: هل النبى عليه الصلاة والسلام وأمته بعد البعثة متعبدون بشرع نبى سابق؟ وللاجابة على هذا نقول: إن تعبده صلى الله عليه وسلم بشريعة سابقة من ناحية الجواز العقلى لا مانع منه إذ لا دليل على استحالته، أما من ناحية الوقوع العقلى والجواز الشرعى فهو محل خلاف بين الأصوليين سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها، فليراجع فى كتبهم.
وأعلم أن شرائع من قبلنا على أربعة أقسام (5):
1 - الأحكام التى لم يرد لها ذكر فى شريعتنا لا فى الكتاب ولا فى السنة، فهذه الأحكام لا تكون مشرعا لنا بلا خلاف.
2 - الأحكام التى نسختها شريعتنا مثل:
تحريم أكل ذى الظفر، وتحريم الشحوم التى تكون فى بطن الحيوان محيطة بالكرش (6).
وتحريم الغنائم، فهذه أيضا ليست شرعا لنا بالاتفاق، بل منسوخة فى حقنا.
3 - الأحكام التى أقرتها شريعتنا فلا نزاع فى أننا متعبدون لها؛ لأنها شريعتنا، لورود التشريع الخاص فيها، الصياد (7) والاضحية (8) وغيرها.
4 - الأحكام التى علم قبولها بطريق صحيح، ولم يرد عليها ناسخ، ولكن لم تقرر فى شريعتنا كالتى قصها الله سبحانه فى كتابه، أو وردت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من غير إنكار ولا إقرار لها، مثل آية القصاص فى شريعة اليهود (9)، وهذا النوع هو محل النزاع والخلاف بين الفقهاء.
أ. د/على جمعه محمد
__________
الهامش:
1 - لسان العرب لابن منظور، ط دار المعارف (شرع)، التعريفات للجرجانى (ص111) مصطفى الحلبى وشركاه 1938 م، المعجم الوسيط (1/ 479) دار المعارف.
2 - القاموس القويم فى إصطلاحا الأصوليين للدكتور/محمد حامد عثمان (ص225) دار الحديث طبعة أولى 1966م.
3 - أصول الفقه الإسلامى للدكتور وهبه الزحيلى 2/ 838 دار الفكر طبعة أولى 1986م.
4 - المرجع السابق نفس الصفحة.
5 - انظر: الاجتهاد فيما لا نص فيه للدكتور الطيب خضرى السيد (2/ 135)،وما بعدها، مكتبة الحرمين بالرياض 1983م، تيسير أصول الفقه لمحمد أنور السيد خشانى (ص161) طبعة كراتشى بباكستان سنة 1990م.
6 - أى فى قوله تعالى {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما أختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيم وإنا لصادقون} الانعام:146.
7 - أى فى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة:183.
8 - حيث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت شريعة إبراهيم عليه السلام رواه ابن ماجه رقم 3127.
9 - أى فى قوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} المائدة:45.
مراجع الاستزادة:
1 - البحر المحيط للاركشى (6/ 36 وما بعدها) طبعة وزارة الأوقاف بالكويت 1990م.
2 - الحاصل من الموصول للأوموى، تحقيؤ عبد السلام ابوناجى (2/ 932) منشورات جامعة قاريونس بنغازى بليبيا.
3 - شرح المحلى على جمع الجوامع (2/ 352)، الحلبى وشركاه(1/366)
4 - الشرك
اصطلاحا: هو ادعاء وجود شريك لله. فى ملكه أو فى صفاته، أو فى أفعاله، أو هو عبادة معبود آخر مع الله.
ونقيض الشرك هو: " " التوحيد"، وهو. اعتقاد أن الله واحد فى ذاته وفى صفاته، وفى أفعاله. وقد أقام القرآن الكريم عدة أدلة على وحدانية الله، منها قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} (الأنبياء 22)، وكذلك آيات سورة النمل التى تختتم كل واحدة منها بقوله تعالى: {أإله مع الله} (النمل 60 - 64).
ولقد اهتمت السور المكية- بصفة خاصة - بإثبات عقيدتين أساسيتين فى الإسلام:
أولاهما: وحدانية الله تعالى، ووجوب إفراده وحده بالعبادة، ولذلك تكررت عبارة واحدة على السنة جمع من الرسل- (نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام) وهى] يا قوم اعبدو الله مالكم من إله غيره [فى سورة) الأعراف)، وفى سورة "هود" وفى سورة "المؤمنون" ثم هذه العبارة الجامعة .. {ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى اليه أنه لا إله الا أنا فاعبدون} (الانبياء25).
أما العقيدة الثانية: فهىعقيدة الإيمان باليوم الآخر، فالسور المكية تمتلىء بالأدلة على وقوع البعث بعد الموت ووصف اليوم الآخر وما فيه من حشر وسؤال أن ونعيم وعذاب.
وقد وردت كلمة الشرك وما يشتق منها فى القرآن الكريم نحوا من (184) مرة، فالقرآن الكريم فى آياته يجادل المشركين ويهددهم بالعذاب يوم القيامة (القصص 62 - 64) ويؤكد لهم ان معبوداتهم لا تملك لهم نفعا ولا ضراً ولن تغنى عنهم شيئا (الأنعام 94) وبذلك يبطل دعواهم أنها تشفع لهم عند الله، حيث قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (الزمر 3)، وانظر أيضا. (يونس18)، (الروم 13)، (الزمر 38) - كما ينذرهم القرآن الكريم بأنهم سيكونون هم وما يعبدون من دون الله وقود جهنم (الأنبياء98، وما بعدها)، بل إن هؤلاء الذين يعبدونهم من دون الله سينقلبون عليهم يوم القيامة، ويتبرأون من عبادتهم لهم، ويكونون عليهم ضدا (سورة مريم 82)، (يونس28 وما بعدها) - ويحرم القرآن على المؤمنين أن يتزوجوا من المشركات حتى يؤمن، كما يحرم عليهم آن يزوجوا بناتهم من المشركين حتى يؤمنوا (البقرة 221)، وقد نص القرآن الكريم صراحة على آن المشركين هم أشد الناس عدأوة للذين آمنوا- هم واليهود- {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} (المائدة 82) - كما لا يحل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى (التوبة- 113)
وقد أعلن النبى - صلى الله عليه وسلم - براءته من المشركين- (التوبة 3) - وينص القرآن الكريم على أن الله تعالى يغفرجميع الذنوب لمن يشاء من عباده - ما عدا الشرك- فإنه لا يغفره إلا بالرجوع عنه والدخول فى الإسلام: {إن الله لا يغفرأن يشرك به ويغفرما دون ذلك لمن يشاء} (النساء 48،116).
وقد وصف القرآن الكريم الشرك بأنه ظلم عظيم (لقمان 13) ومع أنه أمر الإنسان بطاعة والديه فى كثير من آياته، إلا أنه نهاه عن طاعتهما إذا طلبا منه أن يشرك بالله: {وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما} (القمان15). ومع ذلك يأمره بأن يصاحبهما- رغم شركهما- بالمعروف.
وقد سألت "أم حبيبة" بنت أبى سفيان- زوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أبيها، وكان لا يزال مشركا. وقد قدم لزيارتها- هل يباح لها. أن تكرمه؟ فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك وهناك أنواع أخرى من الشرك- غير اتخاذ شريك لله فى العبادة- ويطلق على هذه الأنواع اسم "الشرك الأصغر" أو "الشرك الخفى"- وفيها يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - " اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى فى أمتى من دبيب النمل " فقال من شاء الله أن يقول: وكيف وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه" (أخرجه أحمد فى مسنده) وعن أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - عنه قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - ونحن نتذاكر المسيخ الدجال، فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندى من المسيخ الدجال؟ قلنا: بلى، قال: الشرك الخفى، أن يقوم الرجل يصلى فيزين صلاته لما يرى من نظر الناس، (رواه ابن ماجه) كما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر- قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء- يقول الله عز وجل للمرائين يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: "اذهبوا إلى الذين كنتم
تراء ون فى الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟ " (أخرجه أحمد فى مسند هـ) وإنما جعل الرياء فى العبادة نوعا من الشرك الخفى لأن المرائى قد قصد بعبادته شيئا آخر سوى الله، فكأنه جعل شريكا لله. كما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " التطير، نوعا من الشرك، فقال: "الطيرة شرك، ولكن الله يذهبه بالتوكل " فقدر التطيرشركا بالله فى جلب النفع أو دفع الضر، ولكنه ليس شركا حقيقيا، لأنه يذهب بالتوكل على الله- وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذى وقال: حديث حسن صحيح.
وقد يقع التباس بين الشرك والكفر- غير أن الكفر "أعم من الشرك ". فهو وصف لجميع الذين لا يؤمنون بالله إيمانا يتفق مع ما جاءت به العقيدة الإسلامية، كما يوصف به جميع الذين رفضوا الدين الذى جاءتهم به أنبياؤهم- وعلى هذا تشمل كلمة الكفر "اليهود والنصارى وأمثالهم ممن انحرفوا بعقيدة التوحيد، كما تشمل أيضا المشركين الذين أشركوا مع الله غيره فى عبادته- يقول الله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من آهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تآتيهم البينة} (البينة 1) ويقول {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم} (البينة 6). وإنما دخلت "الباء" فى قوله تعالى: {لا تشرك بالله} ونحوه: لآن معناه لا تعدل به غيره فتجعله شريكا له، وفى قوله: {والذين هم به مشركون} أى أنهم عبدوا الله وعبدوا معه الشيطان- أى أطاعوه- فصاروا بذلك مشركين، وفى حديث تلبية الجاهلية-: " لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك " يريدون أن "الصنم " وما يملكه ويختص به والنذور التى تقدم إليه كلها ملك لله وحده- ومع ذلك لم ينفعهم طوافهم ولا تلبيتهم ولا قولهم فى الصنم "هو لك" ولا قولهم "تملكه وما ملك "- مع تسميتهم الصنم شريكا- بل حبط عملهم بهذه التسمية، ولم يصح لهم التوحيد مع الاستثناء ولا نفعتهم معذرتهم بقولهم] ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى [.
أ. د/ صفوت حامد مبارك
__________
المراجع
1 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ط دار الكتب.
2 - روح المعانى للألوسى.
1 - دائرة المعارف الإسلامية- المجلد الثالث عشر ص 218.
2 - لسان العرب لابن منظور- مادة (شرك)(1/367)
5 - الشركات
لغة: هى عقد بين اثنين أو أكثر للقيام بعمل مشترك، وهو معنى قريب من المعنى الاصطلاحى فى القانون التجارى، وفى الشريعة الإسلامية (لسان العرب).
واصطلاحا: اتفاق بين اثنين أو أكثر بقصد القيام بنشاط اقتصادى معين ابتغاء الربح.
ويشجع الإسلام قيام الشركات، فيقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (أنا مع الشريكين ما لم يختلفا) كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسهم كشريك فى نوع معين من الشركات، هو شركة المضاربة حيث قدمت السيدة خديجة رضى الله عنها مالا، وقدم هو عمله فى هذه الشركة، ولازال هذا النشاط يعد من أهم الأنشطة للشركات الآن، ومن تطبيقاته: شركات المزارعة، وشركات الاستصناع، كذلك فهو نظام شائع فى التجارة بمختلف فروعها فى الدول الإسلامية، وغير الإسلامية على السواء.
هذا ويحفل الفقه الإسلامى بدراسات تتصل بمجموعات الشركات، ومن أهم الشركات التى اهتم بها الفقه الإسلامى:
- شركات الأعمال:
وهى شركات تقوم بين أصحاب المهن المتماثلة أو المتكاملة لأداء الأعمال للمهن التى يحترفونها، وهى شركات قامت أساسا للحفاظ على تقاليد المهن الراسخة، ومنع الدخلاء الذين لا يحترمون هذه التقاليد.
- شركات الذمم:
وتتميز هذه الشركات بأن الشركاء فيها لا يدفعون رأس مال وتقوم أساسا على شراء سلع بالأجل يتجرون فيها جميعا، ثم يقتسمون الربح بنسبة ما يتحمله كل منهم فى ثمن السلع المشتراة.
- شركات القراض:
وهى تجمع شخصا أو أشخاصا يقدمون رؤوس أموال، بالإضافة إلى لشخص أو أشخاص يقدمون العمل، ويقوم أصحاب الحصص بنشاط اقتصادى واحد أو متعدد حسب الاتفاق، ويوزعون الربح بينهم حسب الاتفاق.
وهى نوع من شركات المضاربة.
كما يشجع الإسلام قيام أية شركات أخرى لتنفيذ تعاليم الإسلام فى تشجيع المبادرات الفردية على العمل والإنتاج لتكوين المؤمن القوى القادر، وذلك طالما توافرت لها الشروط الآتية:
1 - عدم التعامل فى أى أشياء محرمة مثل الاتجار فى الخمر أو فى لحوم الخنزير أو فى اللحوم غير المذبوحة وفقا للشريعة.
2 - عدم التعامل بالفائدة أخذ أو عطاء؛ لذا فمن المتفق عليه ضرورة إلغاء أحكام الفائدة من نماذج إقامة الشركات التى تصدرها بعض الدول، وكذلك شطب القانون المنظم لاصدار السندات، لأن السند دين على الشركة يتم الوفاء به بعد مدة مع سداد فوائد منصوص عليها فيها.
3 - أن يؤدى قيام الشركة إلى تعظيم الإنتاج وزيادة الموارد؟ لأن فلسفة الشركة هى القيام بأعمال مفيدة يعجز عنها الفرد العادى، أو ضم جهود متعددة إلى بعضها البعض فينتج من هذا الضم القيام بأعمال ضخمة.
والمثال النموذجى لذلك هو شركات المساهمة التى تقوم على تجميع الأموال أساسا من عدد كبير من الأشخاص فى أسواق المال، ويختار أصحاب الأسهم من يقومون بإدارة الشركة ويراقبون أعمالهم، ويملكون تغييرهم.
أما الشركات ذات المسئولية المحدودة، فتختلف عن شركات المساهمة فى انها لا تصدر أسهما، وإنما تتم المشاركة عن طريق حصص يساهم فيها الأشخاص وغير قابلة للتداولة مثل الأسهم، كما تحدد قوانين مختلف الدول حدا أدنى لرأس المال وحدا أقصى لعدد الشركاء فى هذا النوع من الشركات.
كذلك توجد "شركات أشخاص " يعتبر عامل الشخص هو الأساس فيها، منها شركات التضامن، وشركات التوصية البسيطة، وشركات التوصية بالأسهم، ورؤوس أموالها تكون بسيطة فى الغالب، كما أن وفاة أى شريك أو خروجه من الشركة ينهيها.
د/جعفر عبد السلام
__________
مراجع الاستزادة:
1 - مؤلفات الشركات التجارية د/على حسن يونس.
2 - مؤلف الشركات بين الشريعة، والقانون، الشيخ عبدالعزيز الخياط، طبعة عمان 1995م.
3 - مطبوعات مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى "القوانين الاقتصادية من منظور إسلامى" ط 1994م(1/368)
6 - الشريعة
لغة: الموضع الذى ينحدر إلى الماء منه، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: ما شرعه الله لعباده من الدين، مثل الصوم والصلاة والحج .. وغير ذلك، وإنما سمى شريعة لأنه يقصد ويلجأ إليه، كما يلجأ إلى الماء عند العطش، ومنه قوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها} الجاثية:18، وقوله تعالى {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة:48 والشرع والتشريع هو ما يسن من الأحكام (2).
والشرائع السماوية تستمد أحكامها من عدة مصادرة فالشريعة الموسوية تستمد أحكامها أساسا من كتاب الله تعالى المنزل على سيدنا موسى بن عمران عليه السلام والمسمى بالتوراة، ثم زاد علماؤهم ما كتبه رجال الدين اليهوديى على امتداد قرون متطاولة، والذى جمع فيما بعد فيما سمى بالتلمود، على الرغم من اعتراضات كثيرة حوله.
كما أن الشريعة العيسوية تستمد أكامها من كتابى الإنجيل والتوراة معا.
أما الشريعة الإسلامية، فإنها تستمد أحكامها من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية الشريفة، ومن إجماع العلماء على حكم من الأحكام فى عصر من العصور بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم؛ مثل الإجماع على مبايعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه بالخلافة، ومن القياس فى إثباته حكم فرعى قياسا على حكم أصلى لعلة جامعة بينهما؛ مثل إثبات جريمة إتلاف مال اليتيم بالحرق قياسا على حرمة إتلافه بالأكل، الثابت بالقرآن الكريم؛ بجامع الإتلاف فى كل.
بالإضافة إلى مجموعة من الأدلة المختلف فيها مثل: الاستحسان، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، والبراءة الأصلية، والعرف المستقر، وقول الصحابى؛ حيث لم يخالف نصا شرعيا، ولم يوجد ما يخالفه من قول صحابى آخر، وشرع من قبلنا؛ إذا لم يرد فى شرعنا ما ينسخه (3).
وقد أجمع العلماء على أن الشرائع السماوية متفقة على أمرين:
1 - الأمور الاعتقادية، من حيث الإقرار بوجود إله خالق رازق محى مميت موجد لهذا العالم، وواضع لنواميسه، ومرسل للرسل وما يحملون من شرائع.
2 - الدعوة إلى مكارم الأخلاق، مثل الوفاء بالعهود والعقود، والإخلاص فى الأقوال والأفعال، وأداء الأمانات .. وغير ذلك مما تدعوا إليه هذه الشرائع.
لكنها تختلف من حيث الأحكام العملية فى العبادات، والمعاملات، والأقضية
والشهادات، وجزاء الجنايات، ونظم المواريث؛ فلكل شريعة أحكامها الخاصة بها (4).
ومن خصائص الشريعة الإسلامية أنها:
1 - إلهية المصدر.
2 - محفوظة عن التبديل والتغير.
3 - شاملة لكل شئون الحياة، حيث تعايش الإنسان جنينا، وطفلا، وشابا، وشيخا، ثم تكرمه ميتا، وتنظم انتقال تركته إلى من بعده.
4 - حاكمة على كل تصرف من تصرفات الإنسان فى هذه المراحل كلها، بالوجوب، أو الحرمة، أو الكراهة، أو الندب، أو الاباحة، وفى كل مجالات الحياة من عملية، وعقائدية، وأخلاقية.
5 - واقعية، حيث راعت كل جوانب الإنسان البدنية، والروحية الفردية، والجماعية، كما راعت التدرج فى مجال التربية.
6 - صلاحيتها لكل زمان ومكان.
ومن أهدافها: حفظ الضروات الخمس، وهى: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال إلى جانب مراعاتها رفع الحرج والمشقة فى مجال الحاجيات؛ كشريعة القراض، والمساقاة، والسلم، ونحو ذلك من التصرفات التى تشتد الحاجة إليها، مع الأخذ بما يليق فى جانبه التحسينات كالطهارات، وستر العورات، وأخذ أنواع الزينة، وآداب الأكل، وهكذا جاءت شريعة كاملة وافية بكل حاجات البشر فى كل زمان ومكان (5).
أ. د/أحمد على طه ريان
__________
الهامش:
1 - لسان العرب لابن منظور مادة (شرع) طبعة دار المعارف.
2 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص5984، طبعة الشعب.
3 - أصول الفقه للشيخ محمد أبو زهرة ص305 - 307 بتصرف، دار الفكر العربى، الفكر السامى فى تاريخ الفقة الإسلامى بتصرف ط1 مصر للطباعة.
4 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص2208، حاشية الإمام أحمد الصاوى على تفسير الجلالين 4/ 66 ط الحلبى 1941م.
5 - تاريخ التشريع الإسلامى للدكتورة/نعمات محمد الهانس ص2 - 22 بتصرف، الموفقات للشاطبى، 2/ 8 - 10 بتصرف ط2 دار المعرفة بيروت.
مراجع الاستزادة:
1 - أصول الفقه للشيخ/محمد الخضرى بك ط المكتبة التجارية بمصر 1969م.
2 - علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامى للشيخ/أحمد إبراهيم بك، ط دار الأنصار بمصر.
3 - المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية للدكتور/عبدالكريم زيدان، ط مؤسسة الرسالة بيروت(1/369)
7 - شعب أبي طالب
الشَّعب لغة: ما انفرج بين جبلين، قال الجوهرى: الشُّعب والشَّعب الطرق فى الجبل، والجمع شعاب.
أبو طالب: هو أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشى، عم الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -
شعب أبى طالب: هو الشعب الذى أوى إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنو هاشم، لما تحالفت قريش على بنى هاشم وكتبوا الصحيفة. وذلك بعد ست سنوات من مبعثه. وهوجزء من شعب أبى يوسف وكان لعبد المطلب، فقسمه بين بنيه حين ضعف بصره، وقيل بل كله، إذ كان النبى - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ حظ أبيه، وكان هذا الشعب منزل بنى هاشم ومساكنهم.
وكان كفار قريش لما رأوا هجرة بعض المسلمين إلى أرض الحبشة، وحمية قوم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذب عمه عنه، وأن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - يفشو فى القبائل وبين ظهرانيهم حتى أسلم عمه حمزة بن عبدالمطلب، أجمعوا أمرهم ومكرهم على أن لاتبايع قريش أحدا من بنى هاشم ولاتناكحهم ولاتعاملهم ولاتكلمهم أو يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقتلوه، وكتبوا بذلك صحيفة، كتبها منصوربن عكرمة بن عامربن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وختمت الصحيفة بأربعين خاتما، وقيل: ختمت بثمانين خاتما- وعلقوها فى جوف الكعبة.
فجمع أبو طالب بنى هاشم وبنى عبد المطلب فى شعبه، وكانوا أربعين رجلاً مؤمنهم وكافرهم ما خلا أبا لهب وأبا سفيان، فظاهراهم عليه فحلف أبو طالب لئن شاكت محمدا شوكة لآتين عليكم يا بنى هاشم، وحصَّن الشعب، وكان يحرسه بالليل والنهار.
فأقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعه جميع بنى هاشم وبنى المطلب فى الشعب ثلاث سنين، حتى أنفق رسول الله ماله وكذا أبو طالب، "وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها وصاروا إلى حد الضر والفاقة.
وكان أبو جهل والعاص بن وائل والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبى معيط يخرجون إلى الطرقات، فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بنى هاشم شيئا ويحذرونه من النهب، وكان أبو العاص بن الربيع، وهو ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجئ بالعير ليلا، عليها البر والتمر إلى باب الشعب ثم يصيح بها، فحمد النبى - صلى الله عليه وسلم - فعله.
ثم نزل جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها اسما هو لله إلا أثبتته، ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه أبا طالب بذلك، فقال: أربك أخبرك بهذا؟ قال: نعم، فوالله ما يدخل عليك أحد.
فخرج أبو طالب إلى قريش فقال: يا معشر قريش إن ابن أخى أخبرنى بكذا وكذا، فهلموا إلى صحيفتكم فإن كان كما قال ابن أخى فانتهوا عن قطيعتنا وانزلوا عما فيها، وإن يكن كاذبا دفعته إليكم، فأتوا بها وفكوا الخواتيم فإذا فيها: باسمك اللهم. فقال لهم أبو طالب: اتقوا الله، وكفوا عما أنتم عليه، فسكتوا أو تفرقوا، فاجتمع سبعة نفر من قريش على نقضها، وهم: مطعم بن أبن عدى، وزهير بن أمية المخزومى، وهشام بن عمرو، وأبو البخترى بن هشام، وزمعة بن الأسود وآخرون. فخرج بنو هاشم من الشعب، بنصر من الله، وانتهى الحصار.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - أخبار مكة للأزرقى. مطابع دار الثقافة- مكة المكرمة ط 4 - 1403 هـ/ 1983م.
2 - معجم البلدان ياقوت الحموى- دار الكتب العلمية- بيروت ط 14101 هـ/ 1990 م.
3 - سيرة ابن هشام- تحقيق د/ محمد فهمى السرجانى- دار الفكر العربى.
4 - مناقب آل أبى طالب للمازندانى- تحقيق د/ يوسف البقاعى- دار الأضواء ط 2،1412هـ/ 1991 م(1/370)
8 - الشعوبية
لغة: كلمة منسوبة للشعوب، فهى بذلك لا تفرق بين شعب وآخر من حيث الرفعة أو الضعة، وإنما تدعو للمساواة وهى بهذا المعنى متفقة مع الفكر الإسلامى الذى يرى أنه لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى إلا بالتقوى فالمفاضلة تكون بين الأفراد حسب أعمالهم، وليست بين الجماعات والشعوب، وجدى الحال على ذلك فى صدر الإسلام، فبلال الحبشى وصهيب الرومى، وسلمان الفارسى كانوا من خيرة الصحابة، وعندما غضب أبو ذر الغفارى على عبد له، وقال له يا ابن السوداء، صاح به الرسول صلى الله عليه وسلم إنك إمرؤ فيك جاهلية، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح (1).
وبدأ الإسلام يتسع على يد العرب، ويضم أقواما لهم فى التاريخ مكان مجيد، وجاء العصر الأموى الذى كان يعتمد على سيوف العرب فى فتوحاته وتوسعه، وظهرت روح جديدة لايقرها الإسلام وهى الفرق بين العرب والموالى، وفى أيسر تعريف للموالى أنهم المسلمون من غير العرب، وأحس العرب بتفوق جنسهم الذى كان منه الخلفاء والأمراء والكتاب والشعراء والفقهاء، وافتخر العرب بجنسهم ولم يساووا بين العرب والموالى وبخاصة من الفرس.
ومن هنا بدأ للشعوبية معنى جديد فى التاريخ يرمى إلى التعصب لغير العرب، واعتبارهم بتاريخهم العظيم أسمى من العرب، وقاد يهود فارس هذا الإتجاه.
وساعد على ذلك أن الدولة العباسية قامت بسيوف فارسية، وأن مفكرى الفرس اهتموا بالتفوق فى مجالات الأدب والشعر والتفسير والفكر، وذلك ضمن لهم التفوق فى المجال السياسى والفكرى، فأصبح الخلفاء يعترفون بفضلهم، وأصبح منهم العديد من الوزراء والأدباء والسفراء والمفسرين والمؤرخين.
وبدءوا بحاضرهم وماضيهم يعدون أنفسهم أسمى من العرب، وهذا هو المعنى الذى آل إليه معنى الشعوبية فأصبح للشعوبية معنى مزدوج هو الحط من الجنس العربى، والنيل من الدين الإسلامى، ووسيلتها لذلك التعصب لرفع شأن غير العرب وبخاصة الفرس والتفاخر بأمجادمم، ورقى حضارتهم، وما يتبع ذلك من تصغير شأن العرب والهجوم عليهم، ووصفهم بأحقر الأوصاف.
ويصور الجاحظ حركة الشعوبية وأهدافها بقوله: إن عامة من ارتاب فى الإسلام كانت الشعوبية أساس ارتيابهم فلا تزال الشعوبية تنتقل بأهلها من وضع إلى وضع حتى ينسلخوا من الإسلام لأنه نزل على نبى عربي، وكان العرب حمله أوائه عندما نزل (2).
ويلاحظ أن الفرس حاولوا أن يشركوا الأجناس غير العربية فى حركتهم الشعوبية فاستعانوا بأجناس وحضارات مختلفة ضد العرب، وتنفيذا لذلك راحوا يمجدون حضارة الفراعنة وحضارة الفينقيين والهند، ولكن ذلك لم يخدع هذه الشعوب، فإن هؤلاء ربحوا عقائديا وثقافيا وسياسيا بالاسلام فرفضوا أن ينضموا للفكر الشعوبى وتمسكوا بالفكر الإسلامى الذى يسوى بين البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم، والذى يدعو إلى التعاون بين الشعوب الإسلامية لخدمة الجميع.
وبقى الفرس وحدهم فى هذا المضمار، وقد وضعوا بعض الأحاديث التى نسبوها للرسول صلوات الله وسلامه عليه والتى تعلى من قدرهم.
واشترك بعض الشعراء الفرس فى هذا المجال فنظموا القصائد التى يهاجمون فيها العرب، ومن ذلك ما قاله أحدهم:
همو راضة الدنيا وسادة أهلها * إذا افتخروا لإراضة الشاه والإبل وقال آخر:
ولست تبارك إيوان كسرى * لتوضح أو لحومل فالدخول.
ووجد اليهود الفرس فرصتهم فى هذا المجال ليهاجموا الإسلام ورسول الإسلام فقالوا: منا العديد من الأنبياء والمرسلين وليس هناك أنبياء من العرب سوى ثلاثة هم هود وصالح ومحمد، ونسوا أن كثرة الأنبياء فيهم كانت لكثرة زيفهم وضلالهم، فأرسل الله لهم العديد من الأنبياء لإصلاح شأنهم ولكن بدون جدوى، وطعن اليهود الفرس فى إسماعيل الجد الأعلى للرسول صلوات الله وسلامه عليه فقالوا إنه ابن جارية (هاجر)، أما إسحق جدهم فإن حرة (سارة).
وهكذا خلق اليهود والفرس هذه النفرة للتفريق بين المسلمين، مع أن الإسلام لا ينظر إلى أصول الناس أو ثرائهم أو ألوانهم، وإنما ينظر إلى تقواهم وأعمالهم قال تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات:13.
والآية تذكر الناس بوحدة المنشأ، وتقرر أن تقسيم الناس إلى قبائل وضع طبيعى ناتج عن تعدد الأولاد والأحفاد، ولكن يهدف للتعارف لا للتفرقة، كما تؤكد الآية أن التفاضل لا يتخذ أساسه أصول الناس بألوانهم وأخباسهم، بل ينظر إلى عمق الإيمان وما يقدمه الناس من العمل الصالح.
أ. د/أحمد شلبي
__________
الهامش:
1 - صحيح البخارى باب الأخلاق.
2 - البيان والتبيين (1/ 1043).
مراجع الاستزادة:
1 - كتب الجاحظ وبخاصة البيان والتبيين.
2 - الشعوبية للدكتور نبيه حجاب رسالة دكتوراة نشرت(1/371)
9 - الشعوذة
لغة: الشعوذة خفة فى اليد وأخذ كالسحر، يُرى الشيء بغيرماعليه أصله فى رأى العين، ورجل مشعوِذ ومشعوَذ.
والشعوذة: السرعة، وقيل هى الخفة فى كل أمر، والشعوذى رسول الأمراء فى مهماتهم على البريد وهومشتق منه لسرعته وقال الليث: الشعوذة والشعوذى مستعمل وليس من كلام أهل البادية (1).
واصطلاحا: كل أمر مموّه باطل لاحقيقة له ولاثبات (2).
وقيل الشعوذة حيل ومخرقة وتهويل وإيهام ليس لها حقائق أولها حقائق لكن لطف مأخذها، ولو كشف أمرها لعلم أنها أفعال معتادة يمكن لمن عرفها أن يفعل مثلها. والشعوذة أو الشعبذة ضرب من السحر قائم على التمائم والتعاويذ والأحجبة والطلاسم.
وتكثر الشعوذة لدى الشعوب والأمم المتأخرة فى ميدان المدنية، حيث تشغل الشعوذة والسحر المحل الأول من مجهوداتها العقلية والروحية، فنجد أن بعض الأفارقة تكثر لديهم التمائم والطلاسم، ويعزون لها أمورا خارقة للعادة تحفظ من الحسد، وتشفى من الأمراض، وتجلب الرزق، وتوجب المحبة والانعطاف، فإذا بدا لأحدهم أن طلسما أخطأ غرضا ولم يأت بالنتيجة المنتظرة منه لا يشك إطلاقا فى قوة الطلسم ولا يزيد على أن يبدله بسواه معتقدا فيه العقيدة التى كانت عنده لسابقه.
ومازالت الشعوذة عند كثير من الأمم مثل أهل التبت، فقد أقرّت العقيدة البوذية السحر والشعوذة وكذلك لدى الهنود والاستراليين، وهناك من يسمون بالروحانيين الذين يقومون بأعمال تدخل تحت باب الشعوذة من قيامهم بما يسمى تحضير الأرواح والاستعانة على ذلك بأجهزة وآلات تحقق لهم أهدافهم وينخدع بها كثير من الناس.
ومن هنا فتجب محاربة هذه الأشياء التى هى سهم مسموم قاتل موجّه لتدمير أمتنا لقطع وريدها وإفساد عقيدتها، وتدمير قيمها، لتصبح هشيما تذروه الرياح، فلابد من كشف حقيقة المشعوذين وأباطيلهم وتعريتها.
الحكم الشرعى: جعلت الشريعة السحر والشعوذة والطلسمات بابا واحدا محظورا، لأن الفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا فى ديننا الذى فيه صلاح آخرتنا، أو فى معاشنا الذى فيه صلاح دنيانا، وما لا يهمنا فى شيء منهما، فإن كان فيه ضرر أو نوع ضرر كالحاصل من السحر والشعوذة والطلسمات والنجامة التى فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير، فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور الى غير خالقها وهو المولى عز وجل فمن هنا تبدو حرمة هذه الأمور التى يجب
الابتعاد عنها قربة الى الله تعالى، ولو من باب: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. والله اعلم.
(هيئة التحرير)
1 - لسان العرب لابن منظور مادة (شعوذ)
2 - أحكام القرآن/ الجصاص (1/ 43)
__________
المراجع
1 - مقدمة ابن خلدون - ط - دار الشعب.
2 - دائرة معارف القرن العشرين/ محمد فريد وجدى.
3 - حصوننا مهددة من الداخل/ د. محمد محمد حسين القاهرة 1985م
4 - الكشاف الفريد عن معاول الهدم ونقائض التوحيد/ خالد محمد على -ط- قطر 1985م
5 - دائرة المعارف للبستانى.(1/372)
10 - الشفاعة
لغة: من الفعل شفع يشفع شفاعة، وتشفع بمعنى طلب ورجا، ومنه الشفيع والشافع، وجمعه شفعاء وقد يجمع بالواو والنون جمعا مذكرا فيقال شافعون ومنه استشفع لفلان على فلان وتشفَّع له، وتشفع إليه فشفعه فيه وشفعه له.
وفى القرآن الكريم: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} (النساء85).
والشفاعة طلب ورجاء من الشفيع فى حاجة يسألها لغيره عند الغير. وفى الحديث: "إذا بلغ الحد السلطان فلعن الله الشافع والمشفع"
واصطلاحا: عند علماء أصول الدين هى سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يتجاوز عن ذنوب أمته بمغفرتها، والشفاعة هى خصوصية اختص الله بها نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - دون سائر الأنبياء والرسل، قال - صلى الله عليه وسلم -: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء، أحلت لى الغنائم ولم تحل لنبى قبلى، وجعلت لى الأرض مسجدا وتربتها طهورا فأيما امرؤ أدركته الصلاة فليصل، ونصرت بالرعب، وأعطيت الشفاعة، وكان كل نبى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"
والشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وأحاديث الشفاعة كثيرة الورود فى كتب الأحاديث الصحيحة وفى كتب السنن، وفى القرآن الكريم: {من ذا الذى يشفع عنده إلا بأذنه} (البقرة 255) وجمهور المفسرين أنه لم يؤذن لأحد فى الشفاعة من الأنبياء إلا لمحمد - صلى الله عليه وسلم -. فهى أصل من أصول الإيمان، ومنكرها كافر بإجماع أهل السنة والجماعة.
لم يشذ إجماع المسلمين عليها إلا طائفة من الخوارج وبعض رجالات المعتزلة لأنهم قاسوا شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته على شفاعة الإنسان للإنسان فى الدنيا.
والشفاعة أنواع ومراتب:
1 - الشفاعة العظمى يوم الموقف، وهى خاصة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لحديث الشفاعة الطويل الوارد فى البخارى ومسلم، وفيه:
أن الناس يهرعون إلى الأنبياء جميعا طلبا لشفاعتهم من الله من هول الموقف فيهرعرن إلى آدم وإبراهيم وموسى وعيسى وكلهم يقول: لسنا لها. ثم يجيئون إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول: أنالها أنالها .. الحديث.
2 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فى أقوام استوت حسناتهم وسيئاتهم فيشفع لهم ليدخلوا الجنة.
3 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فى أقوام قد أمر بهم ليدخلوا النار. فيشفع لهم فيدخلون الجنة
4 - شفاعته فى أقوام يدخلون الجنة بغير حساب.
5 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فى أن يؤذن لجميع أمته المؤمنين به فى أن يدخلوا الجنة.
6 - شفاعته فى تخفيف العذاب عمن يستحقه. كشفاعته فى عمه أبى طالب.
7 - شفاعته فى رفع درجات بعض المؤمنين. وقد وافق المعتزلة على هذا النوع فقط من بين أنواع الشفاعة المذكورة.
8 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكبائر من أمته، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى." وقد أنكر ذلك الخوارج والمعتزلة.
وقد يشارك الملائكة والنبيون والمؤمنون فى هذا النوع من الشفاعة فإن المؤمنين يشفع بعضهم لبعض كما فى الحديث: إن للشهيد عند الله سبع خصال، وذكرمنها: أن يشفع فى سبعين إنسان من أقاربه. وفى القرآن الكريم {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} (الطور 21) وقد اختلف المحققون فى منكر الشفاعة والراجح عندهم أنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، لأنها ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع. فمن أنكر فقد أنكر ما هو ثابت بالنصوص القطعية ومن هنا قالوا بكفره.
أ. د/ محمد السيد الجليند
__________
المراجع
1 - لسان العرب لابن منظور: مادة شفع دار صادر بيروت.
2 - الصحاح للجوهرى: مادة شفع.
3 - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشرى: مادة شفع دار الريان للتراث القاهرة - دار الكتاب العربى بيروت.
4 - التعريفات للجرجانى: مادة شفاعة ط الحلبى القاهرة.
5 - العقيدة الطحاوية لأبى الغد الحنفى: تحقيق أحمد شاكر.
6 - مقالات الإسلاميين للأشعرى: ط محمد محيى الدين عبد الحميد.
7 - الفرق بين الفرق للبغدادى.
8 - التمهيد فى أصول الدين للباقلانى.
9 - اللمع للأشعرى.
10 - الإبانة فى أصول الديانة للأشعرى.
11 - أصول أهل السنة والجماعة (رسالة أهل الثغر للأشعرى).(1/373)
11 - الشفعة
لغة: الزيادة، وهو أن يشفعك فيما تطلب حى نضمه إلى ما عندك فتزيده، أى أنه كان، واحدا فضم إليه مازاده وشفعه به، ويسمى صاحبها شفيعا، كما فى اللسان (1).
وفى القرآن الكريم {والشفع والوتر} الفجر:3، والمختار فى تفسيرها هو ما قاله ابن عباس رضى الله عنهما وعدد كبير من التابعين: أن المراد من الشفع فى الآية هو الخلق قال الله تعالى: {ومن كل شىء خلقهنا زوجين} الذاريات:49، الكفر، والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلال، والنور والظلمة، والليل والنهار، والحروالبرد، والشمس والقمر، والصيف والشتاء، والسماء، والأرض، والجن والإنس.
والوتر: هو الله تعالى قال جل ثناؤه: {قل هوالله أحدالله الصمد} الإخلاص:1 - 2،وقال النبى صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين أسما والله وتر يحب الوتر) (2).
واصطلاحا: عرفها الفقهاء؛ بأنها حق تملك قهرى يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض، وقد قيل فى الحكمة من تشريعها؛ إنها لدفع ضرر مؤنة القسمة أو استحداث المرافق كالمصعد والمنور والبالوعة وغيرها مما يحتاج إليه فى نصيبه الذى آل إليه؛ وقيل: إنها لدفع ضرر الشركة، مع شريك جديد لم تعرف معاملته ومجاورته.
وأركانها: الشقص المشقوع فيه، والشريك القديم الطالب للشفعة، والمشترى لجديد للشقص، والصيغة، وهى الإيجاب والقبول بلفظ دال على عقد الشفعة.
وفى الحديث الشريف: عن جابر رضى الله عنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فى كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به) (رواه مسلم) (3).
فبين هذا الحديث الشريف سبب الشفعة وما يجب على الشريك الذى يريد بيع نصيبه من إخطار شريكه برغبته فى البيع، بينما آخرج البخارى هذا الحديث بلفظ (قضى النبى صلى الله عليه وسلم بالشفعة فى كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) (رواه البخارى) (4) حيث دلت هذه الزيادة على الأمد الذى انتهى عنده حق طلب الشفعة وهو حصول القسمة ووضع الحدود بين الأنصياء وتصريف الطرق بينها.
ومذهب جهود العلماء أن الشفعة تثبت فيما لم يقسم فى العقارات؛ وهى الأرض وما اتصل بها من بناء وأشجار، فإذا حصلت القصمة ووقعت الحدود فلا شفعة، وقد نقل هذا عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان.
وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبدالعزيز، والزهرى، ويحيى الأنصارى، وأبى الزناد، والأوزاعى، ومالك، والشا فعى، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبى ثور، رضى الله عنهم أجمعين.
وقال أبو حنيفة والثورى: تثبت الشفعة بالجوار الملاصق ولو من جانب واحد، واستدلا بحديث أبى رافع عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجار أحق بسقيه) (أخرجه البخارى، والشافعى، وأحمد، وأبو داود، والنسائى وأصحها رواية البخارى) (5).
ويبطل حق الشفيع بعد علمه ببيع نصيب شريكه من أجنبى وسكوته بما يظن منه أنه غير راغب فى المطالبة بالشفعة، ويثبت ذلك بقرائن الأحوال.
أ. د/أحمد على طه
__________
الهامش:
1 - لسان العرب لابن منظور مادة (شفع) طبعة دار المعارف.
2 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص 723، ط الشعب.
3 - صحيح مسلم 11/ 46، مع شرحه للإمام النووى.
4 - صحيع البخارى 6/ 59، مع فتح البارى طبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1909م.
5 - صحيح البخارى 3/ 109، مطبعة صبيح القاهرة.
مراجع الاستزادة:
1 - حاشية ابن عابدين على الدر المختار 6/ 220،221 دار الفكر بيروت.
2 - شرح النووى على صحيح مسلم 11/ 46 ط دار الفكر بيروت.
3 - مغنى المحتاج 2/ 296 - 308 دار إحياء التراث العربى بيروت(1/374)
12 - الشهادة
لغة: تعنى الخبر القاطع، وشهد كعلم وكرم، وشهده "كسمعه " شهودا حضره فهو شاهد والجمع شهود وشهد.
والشهيد- وتكسر شينه- الشاهد والأمين فى شهادته، والذى لا يغيب عن علمه شيء، والقتيل فى سبيل الله لأن ملائكة الرحمة تشهده والجمع شهداء (1)
واصطلاحاً: الشهادة ذات وظائف مختلفة، ومعان متعددة، تعنى"التوحيد " أى شهادة ألاّ إله إلا الله، وحين تذكر بصيغة التثنية- أى الشهادتين- فإنها تعنى: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وهى بذلك باب الدخول إلى الإسلام والإيمان بالله ربَّا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا.
وقد ورد هذا المعنى فى قوله تعالى] قل أى شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم [) الأنعام 19) 0 أى أن أعظم شهادة فى إثبات إنى رسول الله أن الله شهيد على ذلك.
والعلم بالغيب والشهادة صفة خص الله سبحانه وتعالى بها نفسه، فهو وحده "عالم الغيب والشهادة"، وقد جات هذه الخاصية الإلهية فى عدد من آيات الكتاب العزيز، ويجيء ذكرها مقرونا كل مرة بشأن من شئون الألوهية، فيقول عز وجل: {قوله الحق وله الملك يوم ينفخ فى الصور عالم الغيب والشهادة} (الأنعام 73).
أى أنه سبحانه يعلم ماغاب من حواسكم وما تشاهدونه. وقوله عز وجل: {ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} (التوبة 94) 0 أى الذى لا تخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها. وقوله عز وجل: {عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون} (المؤمنون 92). ومن نعم الله وأفضاله على الملائكة وعلى أولى العلم من عباده تكريمهم فى مجال الشهادة، فيذكرهم مقرونين بذاته العليّة أنهم يشهدون معه أنه "لا إله إلا هو وأن الدين عند الله الإسلام " وذلك فى قوله عز وجل {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم. إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} (آل عمران 18 - 19). فشهادة الله سبحانه وتعالى بوحدانيته هى إيجاد ما يدل على وحدانيته فى العالم وفى نفوسنا وشهادة الملائكة بذلك هى إظهارهم أفعالا يؤمرون بها، وشهادة أولى العلم اطلاعهم على تلك الحكم وإقرارهم بذلك، وهذه الشهادة تختص بأهل العلم، طبقا لما ذهب إلية أكثر المفسرين- وعلى هذا نبه بقوله عز وجل:} إنما يخشى الله من عباده العلماء {(فاطر 28).
وأداء الشهادة واجب فى الإسلام، بل إن أداءها أقرب إلى أن يكون فرضا منه أن يكون واجبا، ففى أدائها إنصاف المظلوم مثلما أنها تثبت الحقوق لأصحابها، فضلا عن كونها أداة للفصل بين الدائن والمدين وبين أصحاب الخصومات، وفى هذه المواقف يؤكد القرآن الكريم على حتمية أدائها وذلك فى قوله عز وجل} ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون {(البقرة 140).
وفى آية أخرى من سورة البقرة يرد النص القاطع بتأثيم كاتم الشهادة، وذلك فى قوله عز وجل:} ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه {(البقرة 283). وتحتل شهادة "الوصية"، مكانة متينة فى مجتمع المسلمين من منطلق أن الوصية واجبة التنفيذ، والوصية لا تكون إلا فى مجال الخيرات، ومن هنا كان قول الرحمن الرحيم} يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين {(المائدة 106).
وتمضى الآيات متتابعة فى إصدار الأحكام الإلهية فى شأن تثبيت الوصية على الوجه السليم الذى لا تشوبه شائبة، وفى ذلك يقول الله عز وجل:} ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أق ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدى القوم الفاسقين {(المائدة 108).
وإذا كانت الشهادة فى الإسلام من الخطورة بحيث احتلت مكانة بارزة فى كتاب الله وفى حديث رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الاهتمام بالشهود- وهم من يقومون بأداء الشهادة- أمر جليل الخطر، فليس كل إنسان مؤهلا لأداء الشهادة.
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما يراد من الشهادة معرفة الحق" (2) ومن منطلق هذا الهدف النبيل جاء فى السنة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردَّ شهادة الخائن والخائنة وذى الغمر- ذى الشحناء- على أخيه، ورد شهادة القانع- القانع هو الأجير التابع مثل الأجير الخاص- لأهل البيت وأجازها لغيرهم (3). وعن سليمان بن موسى بإسناده، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تجوز شهادة خائن ولا زان ولا زانية ولا ذى غمر على أخيه ". (4) وتبلغ الدقة فى اختيار الشاهد: الحدود التى قد تبدو غير ذات خطر، ولكن خطورة الشهادة التى على صلاحها يشيع العدل فى المجتمع جعلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول- والرواية لأبى هريرة- "لا تجوز شهادة بدوى على صاحب قرية".
ويقتدى عمر بن الخطاب نهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فى شأن أن يكون الشاهد مؤهلا للشهادة الصالحة، وليس به ما يعيب شهادته حيال أحد طرفى القضية التى يدلى بشهادته فيها. يقول عمر فى "رسالة القضاء" الشهيرة التى بعث بها إلى أبى موسى الأشعرى حين ولاه قضاء البصرة فى إحدى فقراتها فى شأن الشهود: "المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا فى حد، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا فى ولاء أو نسب) (5).
إن عمر يقرر أن المسلمين جميعا أكفاء فى الشهادة، غير أن بعضا منهم لا تجوز شهادته، الفريق الأول هم الذين أقيمت عليهم الحدود لطعنهم فى أعراض المحصنات، والفريق الثانى ممن لا تجوز شهادتهم هم الذين عرف عنهم أنهم يشهدون زورا، والفريق الثالث من يظن بهم أن ثمت صلة تربط بين الواحد منهم وبين أحد طرفى النزاع مثل صلة القربى أو الرق أو ما شاكل ذلك.
ومن الذين ينطبق عليهم الاستثناء فى أداء الشهادة كاملة النساء، ذلك أن "شهادة المرأة مثل نصف
شهادة الرجل " طبقا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الذى مر بنا (6). وقد أورد القرآن الكريم شهادة المرأة على هذا النهج فى قوله تعالى:} واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى {(البقرة 282).
ثمة نوع آخر من الشهادة يكون الإدلاء بها على جانب من الدقة بالنظر إلى الحرج الذى يقع فيه الشاهد لأنه فى حالتنا هذه يكون واحدا من الأزواج الذين يرمون زوجاتهم بالخيانة الزوجية، وليس لديه شهداء طبقا لطبيعة تطبيق هذا النوع من الحدود، وفى مثل تلك الحالة يكون على الزوج أن يشهد أمام القاضى أربع شهادات بالله أى أربع مرات أنه صادق فى رميه إيّاها بالزنا، ثم يزيد شهادة خامسة بأن يدعو على نفسه باستحقاق لعنة الله ان كان من الكاذبين. وبذلك تكون الزوجة مستحقة عقوبة الزنا وهى الرجم حتى الموت، وفى هذه الحالة لا يدفع عنها عقوبة الحد إلا أن تشهد فى مقابل شهادة زوجها أربع شهادات إنه لكاذب فى اتهامه إياها، ثم تزيد شهادة خامسة بالدعوة على نفسها أنها تستحق غضب الله إن كان زوجها صادقا فى اتهامه إياها، فإذا تم ذلك قام القاضى بالتفريق بينهما.
لقد أورد القرآن الكريم هذه الشهادات من الطرفين تفصيلا فى نطاق من الإعجاز
الربانى فى قوله تعالى} والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين {(النور 6 - 7) ثم يكون للزوجة أن تقوم بمثل صنيع زوجها من الإدلاء بخمس شهادات على النحو الذى سبق الاستشهاد به فى الآيتين السابقتين.
ومن الشهادات التى ألف المسلمون سماعها، شهادة براءة يوسف - عليه السلام - من اتهام امرأة العزيز له بمحاولة الاعتداء عليها، وقيام أحد أقربائها بتوضيح البرهان الذى برأه من كيدها وذلك فى قوله عز وجل:} وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك {إلى قوله تعالى:} فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم {(يوسف 23 - 28).
ومن القضايا التى تنال اهتمام المسلمين كل عام رؤية هلال شهر رمضان التى تصح أصلا بالشهادة، وهى هنا بمعنى الحضور والرؤية بالعين، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" والرؤية تحتاج إلى شهادة من مسلمين بالغين سليمى الإبصار، وهؤلاء يؤدون الشهادة لدى ولى الأمر بأنهم رأوا الهلال، ولا نريد هنا أن نذهب مذاهب المحدثين فى تأويل الرؤية فليس هذا مجالها، وإنما المطلوب فى هذا المقام شهود عدول يؤدون الشهادة بأنهم رأوا هلال رمضان.
لعل هذا الذى أوردناه فى "الشهادة" لا يعفى من ذكر شهادات أخرى مثل شهادة الزواج وهى غير وثيقة الزواج، وشهادة توكيل العروس لمن اختارته وكيلا لها فى إتمام إجراءات الزواج.
وهناك مصطلح بلفظ الشهادة، وهذه الشهادة هنا تعنى وثيقة، مثل شهادات الميلاد، والوفاة والملكية، وإبراء الذمة، وحسن السير والسلوك، وشهادة النسب الشريف، والشهادات الدراسية التى تبدأ بشهادة الإبتدائية، وتنتهى بشهادة الدكتوراه وغير ذلك كثير. والحق أن مصطلح التسمية فى تلك الأمثلة ينبغى أن يتغير، وأن تستعمل التسمية التى تدل على حقيقة هذه الحالات وهى الوثيقة.
أ. د/ مصطفى الشكعة
__________
المراجع
1 - القاموس المحيط- لمجد الدين الفيروز أبادى ط. مصطفى البابى الحلبى 1955م مادة "شهد"
2 - صحيح البخارى، أحكام 21
3 - سنن أبى داود باب من ترد شهادته، كتاب الأقضية03600
4 - المصدر السابق03601
5 - تاريخ الطبرى 4/ 253ومعالم الحضارة الإسلامية للدكتور مصطفى الشكعة ص 73 ط. دار العلم للملايين
6 - صحيح مسلم، باب الإيمان، 0132(1/375)
13 - شهود يهوه jehovah ,s Witnesses
يرجع إنشاء جماعة شهود يهوه إلى سنة 1872 م فى ولاية بنسلفانيا الأمريكية (1). على يد القس تشارلز راسل charles T .Russel الذى ولد على المذهب البروتستانتى سنة 1852 ولكنه رفض تعاليم كنيسته وهو فى السادسة عشرة من عمره، والتحق بكنيسة "الأدفنتست " التى يعرف أتباعها بالسبتيين، والنهائيين لأنهم يعتقدون باقتراب نهاية العالم (2).
ولقد عرفت شهود يهوه فى أول عهدها بالظهور باسم "جمعية العالم الجديد" ثم غيرت اسمها إلى "الدارسون الصادقون للإنجيل " ثم تحولت إلى اسم ثالث هو "أتباع راسل " نسبة إلى مؤسسها ثم استقرت على اسمها الحالى "شهود يهوه " وكان ذلك سنة 1931 م عندما اتخذوا لأنفسهم مقرا فى حى بروكلين فى نيويورك (3). وكان الهدف من التسمية فى صيغتها الأخيرة أنهم يعتنقون الشهادة التى تقول بأن "يهوه " هو الإله الأعظم خالق الكون (4) ..
على أن الشيء الجدير بالذكر أن راسل Russel مؤسس الجمعية لم يلبث أن خرج على المذهب الأدفنتستى وانصرف إلى العكوف على التوراة قراءة وتأويلا وانتهى إلى أن عليه رسالة إيمانية واجبة الأداء تتمثل فى رفض جميع الديانات، ودحض وافتراءات الديانات القائمة مثل الكاثوليكية والبروتستانتية وتضليلاتها" (هـ) .. كما شرع فى إقامة نظام دينى مختلف أسسه على تفسيره الذاتى للتوراة، وسجل المبادئ التى انتهى إليها فى عدد من المجلدات تلقفتها "الماسونية" ووجدت فيها أداة لزلزلة المذاهب المسيحية المشهورة، وتولت طباعتها ونشرها سنة 881 ام فى سبعة مجلدات تحت عنوان "بحوث كتابية".
واستطاع راسل بعد إعلان مذهبه أن يؤسس مجلة ناطقة باسمه سنة 884 ام وجعل اسمها "مجلة برج صهيون للمراقبة" ثم ما لبث بعد اثنى عشر عاما أن حذف اسم صهيون من العنوان فصار عنوانها الذى استقرت عليه حتى الآن ((برج المراقبة Watch Tower))
ولما مات راسل سنة 1916 م خلفه فى قيادة حركته "جوزف فردرك رذرفورد" j.f. Rutherford وكان أكثر انحرافا من سلفه، فساد أخلاق وخراب ذمة واختلاق أكاذيب، فحكم عليه بالسجن عشرين عاما، وكان قد أعلن الحرب على الكنائس والمساجد ومع ذلك كان يلقب بالمسيح الثالث مثلما كان يلقب أستاذه بالمسيح الثانى.
وبعد موت فورد سنة 942 ام عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاما، خلفه فى قيادة الشهود " ناثان هومر نور Nathan H. Knorr الذي نظم المدرسة التى أنشئت فى بر وكلين بعد الحرب العالمية الثانية، كما أنشأ مبنى كبيرا ليطبع فيه مجلتى برج المراقبة، و: استيقظوا awake، وكانت تعاليمه تقضى برفض تقسيم الكتاب المقدس إلى "العهد القد يم " و "العهد الجديد" كما كان أشد عداوة للأديان وسخرية بها وبخاصة الكثلكة والإسلام (6) ..
وكان ناثان قبل موته قد شارك فى توسيع هيئة أمناء الجمعية بمقرها الرئيسى فى بروكلين بعد أن كانت قد تفرقت فى جماعات متعددة، وفى سنة 989ام صار كل فرد من الأمناء الاثنى عشر قد تفرغ للعمل بالجمعية وكرس كل وقته للعمل بها (7)
ومن المظاهر البارزة فى طبيعة تفكير "شهود يهوه " وعقيدتهم صلتهم الوثيقة بدولة إسرائيل الحديثة الصنع، وإيمانهم الذى لا يحده حدود بالصهيونية، فإنهم ينفردون بهذا السلوك المنحرف دون غيرهم من سائر شعوب الأرض وجميع الملل والمذاهب، إنهم يقررون فى صلب عقيدتهم "أن كلمة صهيون تطلق على جماعة الله والهيئة التى نظمها يهوه القدير حسب قصده " (8). كما يعتقدون "أن الأمة الإسرائيلية والمنظمة بعهد من الله هى رمز إلى صهيون الحقيقية التى اختارها الله سكنا له، والتى من جمالها أشرق نوره " (9) .. وفى إلحاح شديد على تأكيد هويتهم الصهيونية يقول شهود يهوه فى المصدر نفسه ((إن لفظة صهيون تطلق على شعب الله على الأرض، لأنهم من صهيون التى هى هبة الله وجمعيته ". (10) ثم يعودون لتأكيد تأييدهم الأعمى لإسرائيل بتسميتهم إياها "مملكة الرب الرمزية (11)
وتضم عقيدة "شهود يهوه" الكثير من الأعاجيب التى كثيرا ما يصطدم بعضها ببعض ففى الوقت الذى يمجدون فيه" يهوه " ويوحدونه، يقولون يهوه هو الإله الحى الحقيقى الوحيد"، يؤكدون أن له شهودا على الأرض قبل آلاف السنين من مجيء المسيح، وإن "يهوه " الأب، وابنه الأول اسمه "لوغس "، وابنه الثانى اسمه "لوسيفر (12).
ومن معتقدات "شهود يهوه " أن عقيدتهم مستمدة من التوراة وحدها دون أى مصدر آخر بما فى ذلك الكتب الدينية المسيحية الأخرى (13) وقد سلف القول إنهم يفرقون بين العهد القديم والعهد الجديد الذى لا يعترفون به "وشهود يهوه " لا يؤمنون بعقيدة التثليث التى هى الرمز المعرفى للمسيحية ويعتقدون التوحيد المطلق ليهوه "الكائن الأسمى" وهم ينكرون أن المسيح قد صلب ويعتبرون الصلب من الشعائر الوثنية وأن عيسى قد ربط على عمود واحد قائم من الخشب (14). وهم يحرمون نقل الدم من إنسان لآخر ولو أدى ذلك إلى هلاك المريض (15).
ومن عقائد "شهود يهوه " التى تتسم بالقسوة، إيمانهم بمعركة "هرمجدون " وقد افاضت كتبهم- وبخاصة كتاب الخلاص الذى أفرد لها ستين صفحة- فى وصف قسوتها ووحشيتها، وملايين الأرواح التى سوف تزهق بها، وأنواع العذاب التى ستحل بمن لا يعتقد عقيدتهم. وإن كان الواقع يستبعد حدوثها، فقد جاء فى كتبهم أنها ستقع سنة 1918، 1920، 1925، 1941م، وقد مرت هذه السنوات ولم تحدث المعركة الموعودة مما دفع بعض أتباعهم إلى الخروج على عقيدتهم.
ومرة أخرى اعتقد "شهود يهوه "طبقا لما ورد فى كتبهم أن سنة 1975م توافق مرور ستة آلاف سنة على خلق آدم فى جنة عدن وترجموا هذا التاريخ إلى سنة 4024 ق م، ومن ثم اعتقدوا أن سنة 1975 م هى التاريخ المحدد لنشوب معركة "هر مجدون " الوحشية (16)، ولكن تلك السنة قد مرت بسلام ومضى الآن على انقضائها ربع قرن من الزمان ولم يشهد أحد للمعركة "المنتظرة" أثرا ولا توقعا.
أ. د. مصطفى الشكعة
__________
المراجع
1 - lexicon universal Encyclopedia, lexicon publication, new york, ny
2- كتاب شهود يهوه لأبى إسلام أحمد عبد الله، ط بيت الحكمة القاهرة ص 15.
3 - watchtower bible and tract society .p.2
4-jehovah 's witnesses official web site :who are they?
5- كتاب شهود يهوه ص 18.
6 - المصدر السابق، ص 33.
7 - watch tower bible ,page 13
8-Jehovah's witnesses official web site: ways they use to tell you
9- كتاب الخلاص - إصدار جمعية شهود يهوه ص111 عن مزمور 137/ 1 - 3.
10 - المصدر السابق عن مزمور 132/ 50،13/ 2
11 - المصدر نفسه ص 301.
12 - Jehovahs witnesses Official web site gods personal name in ancient hebrew
13-Jehovah'S Witesses site : chapter , who are they ?
14- watchtower bible of tract society page 6
15- المصدر السابق ص 504.
16 - المصدر نفسه ص 9.(1/376)
14 - الشورى
اصطلاحا: يقصد بها النظام الذى يجب أن يطبق فى الدول الإسلامية وهو يعنى أن الحاكم ولى الأمر، وكل من ولي ولاية عامة يجب أن يستطلع رأى المسلمين فيما يعرض عليه من مهام.
وقد وصف الله سبحانه وتعالى المسلمين بالشورى} وأمرهم شورى بينهم {(138). وهناك سورة كاملة فى القرآن الكريم تحمل اسم الشورى. كما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بمشاورة أصحابه فى سورة آل عمران حيث يقول جل شأنه} فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر {، (أل عمران 159).
ولا شك أن الشورى تحقق أهدافا إسلامية عديدة، منها إحساس المسلمين بأنهم يديرون شئونهم والاستفادة برأى النخبة فيما يهم أمرهم، لذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشاور أصحابه، وكثيرا ما نزل على رأى بعضهم حتى وإن خالف رأيه، كما حدث فى اختيار مكان غزوة بدر، وكما حدث فى اختيار المكان الذى يحارب منه المسلمون فى غزوة أحد، وكذا فى طريق معاملة الأسرى بعد غزوة بدر، وفى كثيرمن شئون الحكم والإدارة والحرب.
وتعتبر الشورى من أهم الأسس التى يقوم عليها نظام الحكم فى الإسلام، وهى تقابل بشكل أو بآخر، النظام الديمقراطى الذى يطبق فى الدول الغربية، وإن ظل النظام الإسلامى يختلف اختلافا بينا عن النظام الغربى.
فأهل الشورى فى الإسلام هم النخبة المتميزة عقلا وبلاء فى خدمة الدين الحنيف، ومن لديهم القدرة على فهم الأحداث وحل مشكلات المسلمين، وهذه النخبة يطلق عليها اصطلاحا "أهل الحل والعقد " وهم يختارون الخليفة أو ولى الأمر، ويقومون بالاجتهاد معه لحسم المشكلات وقد وصف الله سبحانه وتعالى دورهم المكمل لدور الخليفة أو ولى الأمر بقوله:} وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم {
(النساء 83). فأهل الشورى هم رأس المجتمع الإسلامى، والفئة القادرة على الاجتهاد، وتقدير مصالح الأمة، لذا فمنهم ركن ركين من أركان نظام الشورى. وهم يختلفون عن هؤلاء الذين لهم حق الانتخاب والترشيح وفقأ للأنظمة الحديثة، إذ عادة ما يكتفى القانون فى المرشح إجادة القراءة والكتابة فحسب، وهو شرط لا يجعل مثل هذا الشخص يقدر على تصريف الأمور، ووقاية الحكومة، والإسهام فى وضع التشريعات.
ولا يستبعد النظام الإسلامى بقية أفراد الشعب من المشاركة فى تسيير أمور الدولة، ويعطيهم جميعا الحق فى "البيعة" وهو حق يجعل الخليفة غير شرعى إذا لم يبايعه المسلمون، ولكل المسلمين رقابة الحاكم المسلم وتقويمه ونصحه إن رأوا فيه أى اعوجاج، كما كان ولاة الأمور والخلفاء يطلبون دائما من المسلمين.
ولم ينص القرآن الكريم ولا سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أساليب معينة لممارسة الشورى , ومن ثم فقد ترك الباب واسعا للمسلمين ليقرروا الأسلوب الأمثل بالنسبة لكل زمان ومكان.
واتجه بعض العلماء والفقهاء إلى أنه طالما أن الشورى واجبة، فإن كل ما يوصل إليها يأخذ حكمها أى الوجوب، وبالتالى فإذا كان يصعب جمع علماء الأمة وحكمائها فى مكان واحد لمشاورتهم، فإن الأخذ بالنظام النيابى، أى تمثيل الأمة فى مجلس منتخب من الشعب يقبله الإسلام طالما لم يوجد وسيلة أخرى تحقق الشورى.
كذلك نجد من قال إن لولى الأمر- بعد المشاورة- أن يتخذ القرار المناسب وهو رأى مرجوح، إذ ما أهمية الشورى إن لم تكن نتيجتها ملزمة؟ إننا مع ضرورة تطبيق الشورى فى الدولة الإسلامية والالتزام بنتيجتها.
أ. د/ جعفر عبد السلام
__________
المراجع
1 - بين الشورى والديمقراطية جعفر عبد السلام بحث منشور بمجلة " الجامعة الإسلامية " التى تصدرها رابطة الجامعات الإسلامية، العدد 32 سنة 1999 م.
2 - فقه الشورى والاستشارة، توفيق الشاوى دار الوفاء للطباعة والنشر المنصورة 1992 م.
3 - نظام الحكم فى الإسلام محمد عبد الله العربى، دار الفكر، بيروت 1968 م.
4 - مبدأ الشورى فى الإسلام عبد الحميد متولى، القاهرة 1972 م.(1/377)
15 - الشوقيات
اصطلاحا: هى ديوان أمير الشعراء أحمد شوقى.
تتكون الشوقيات من أربعة مجلدات وكتب مقدمة الديوان الأديب الكبير الدكتور محمد حسين هيكل.
وقد طبع الديوان طبعة أولى بمطبعة الآداب والمؤيد سنة 1888 م إلى 1889 م فى جزء واحد صغير الحجم.
ثم أعاد طبعه سنة 1911م ولم يضف إليه شيئا.
قسمت الشوقيات إلى أربعة أجزاء فطبع الجزء الأول سنة 1926 م ولم يضف إليه شيئا.
ثم طبع الجزء الثانى سنة 930ام.
وبعد موت شوقى طبع الجزء الثالث الخاص بالمراثى سنة 936ام. ثم طبع الجزء الرابع سنة 943ام.
المقدمة تحدث فيها الدكتور "محمد حسين هيكل " عن عبقرية شوقى الشعرية، ثم تحدث عن الحملة الفرنسية على مصر، التى فتحت باب الثقافة الغربية أمام مصر فأرسلت مصر بعثات متعددة فى شتى العلوم والفنون والآداب.
ثم تحدث عن ضعف الدولة العثمانية الذى كان سببا فى ضعف المسلمين.
ثم تحدث عن عطف المصريين على الدولة العثمانية، وكان المصريون يريدون الاستقلال عن الدولة العثمانية ولكن هذا لم يتم فى حينه.
وسط هذه العوامل السياسية والاجتماعية وجد شوقى , وولد (باب إسماعيل) وشب فى جواره ونشأ فى حماه، فكان طبيعيا أن تتأثر نفسه بالبيئة الاجتماعية والسياسية، وقد تأثر شوقى بحياة القصور التى هذبت نفسه، ونظمت حياته، وشوقى خلق ليكون شاعرا، والشاعر يتأثر أضعاف ما يتأثر سائر الناس هـ لذلك كان لكل هذه العوامل أثر باد فى شعره، وفى حياته ومع أن شوقى درس فى فرنسا، وتأثر بالوسط الأوروبى وبالحياة الأوروبية، وبالشعر الأوروبى تأثرا كبيرا، فقد ظل تأثره بالبيئة التى سبقت ظاهرا فى حياته وفى شعره هـ كما ظل تأثره بالبيئة الأوروبية ظاهرا فيهما كذلك.
وإنك لتكاد تشعر حين مراجعة أجزاء الشوقيات أنك أمام رجلين مختلفين جد الاختلاف لا صلة بين أحدهما بالآخر، إلا أن كليهما شاعر مطبوع يصل من الشعر إلى أسمى درجاته، وأن كليهما مصرى يبلغ حبه لمصر حدا لا نهاية له.
الجزء الأول: ويجمع إحدى وستين قصيدة فى السياسة والتاريخ والاجتماع، ومن أبرز قصائده كبار الحوادث فى وادى النيل وقصيدة ولد الهدى، وقصيدة ذكرى المولد- سلو قلبى.
الجزء الثانى: يتحدث عن الوصف، والنسيب، وفيه متفرقات مختلفة. تحدث عن الوصف فى ست وثلاثين قصيدة، ثم تحدث عن النسيب فى أربع وثلاثين قصيدة أما المتفرقات فتصل إلى ست عشرة قصيدة منها الحديث عن لبنان، وعن توت عنخ آمون، ومنها قصيدته التى قالها فى مهرجان تكريمه سنة 927ام.
الجزء الثالث: فى المراثى: رثى فيه العظماء فى مصر والعالم العربى فى ستين قصيدة، تختلف طولا وقصرا حسبما تجود موهبته.
الجزء الرابع: يتناول فيه متفرقات فى السياسة والتاريخ والاجتماع: منها ثمان وثلاثين قصيدة فى الاجتماع، ومنها فى الخصوصيات خمس وخمسون قصيدة، على لسان الحيوان يرمز بها إلى أشياء خاصة، وهذا القصص قد أخذه عن لافوتين أديب فرنسا الكبير، ثم قال فى الخصوصيات اثنتين وعشرين قصيدة، وكلها عظة وعبرة. ومن مشتملات الجزء الرابع من الشوقيات (ديوان الأطفال)، ويشمل عشر قصائد، ثم تحدث عن شعر الصبا فى ثمانى قصائد.
وأخيرا كتب محجوبياته وهى عن الدكتور محجوب ثابت وهى أربع مقطوعات شعرية كلها فكاهة ومرح.
أ. د/ محمد سلام
__________
المراجع
1 - مقدمة ديوان شوقى، دكتور / محمد حسين هيكل، ج1،. التجارية الكبرى، 1970 م.
2 - الشوقيات، شرح الدكتور / أحمد الحوفى، ج1، دار نهضة مصر للطبع والنشر - القاهرة، 1979 م.(1/378)
16 - الشيخ
اصطلاحا: هو من استبانت فيه السِّنُّ، وظهر عليه الشيب، ومن جاوز الخمسين من عمره والجمع أشياخ، وشيوخ، وشيخة، ومشيخة، ومشيوخاء، ومشايخ، والمؤنث شيخة. قال تعالى} قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير {(القصص 23).
والشيخ هو العالم المحقق، النحرير، المدرس، المحدث، المفسر، الفقيه، الأصولى النحوى، اللغوى، المنطقى، المؤرخ الرياضى، صاحب الحلقة والأمالى، وهو الإمام، والخطيب، والمقرئ، والواعظ والداعية إلى الله تعالى، الآمر بالمعروف والناهى عن المنكر، وهو الصوفى المتعبد الزاهد، الذى أخلص لله تعالى عمله وقوله وجهاده. والشيخ: الرئيس أو الزعيم، ويحدد تلك الرئاسة أو الزعامة ما يضاف إليها مثل: شيخ القراء: قراء القرآن الكريم.
وشيخ المحدثين: علماء الحديث النبوى الشريف.
وشيخ المفسرين: علماء القرآن الكريم قراءة وتفسيرا.
وشيخ الفقهاء: علماء الفقه على المذاهب السنية الأربعة.
وشيخ اللغويين والنحاة: علماء اللغة العربية وقواعدها وأصولها.
وشيخ الأصوليين والمناطقة والمتكلمين: علماء الأصول والمنطق والكلام.
وشيخ المؤرخين: علماء التاريخ.
وشيخ الرياضيين: علماء الرياضة.
وشيخ الأطباء: علماء الطب.
وشيخ الأدباء: علماء الأدب العربى شعرا ونثرا.
وشيخ مذهب من المذاهب الأربعة: الشافعى أو المالكى أو الحنفى أو الحنبلى. وشيخ أحد الأروقة فى الأزهر كرواق المغاربة ورواق الأتراك.
ويرأس هؤلاء الشيوخ الذين تقدم ذكرهم شيخ الشيوخ، وشيخ الأزهر والإسلام، وشيخ الإسلام والمسلمين، وهو فى مصر شيخ الأزهر وأحيانا أعلم علمائه، وقاضى القضاة، وفى استانبول المفتى الأعظم.
وشيخ البلد: وهو زعيم مصر، وأعظم مماليكها ورئيس الحزب المسيطر فيها إبان عصر الخلافة العثمانية.
وشيخ العرب: زعيم قبيلة أو عدد من القبائل العربية البدوية ذات السطوة والنفوذ.
وشيخ البكرية: زعيم أسرة استمدت شرفها من انتسابها إلى أبى بكر الصديق - رضي الله عنه - وظهر لها نفوذه قوى فى مصر فى العصر العثمانى.
وشيخ السادات: زعيم أسرة استمدت شرفها من انتسابها إلى على بن أبى طالب - رضي الله عنه -، وظهر لها نفوذ وقوة فى مصر فى العصر العثمانى.
وشيخ الصوفية فى قُطْرٍ أو فى بلدة.
وشيخ طريقة صوفية واحدة كالخلوتية والشاذلية والرفاعية.
أ. د/ عبد الجواد صابر إسماعيل
__________
المراجع
1 - اللطائف النورية فى المنح الدمنهورية مخطوطة بمكتبة رفاعة الطهطاوى بسوهاج.
2 - تاريخ الملوك العثمانية والوزراء الصدور ومشايخ الإسلام والقبودانات، أحمد عرابى مخطوطة بمكتبة رفاعة الطهطاوى بسوهاج.
3 - ريحانة الآلبا وزهرة الحياة الدنيا، أحمد بن محمد بن عمر الخفاجى، المولى شهاب الدين - تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، جزءان، طبع عيسى البابى الحلبى بالقاهرة 1386 هـ / 1967 م.
4 - شذرات الذهب فى أخبار من ذهب، عبد الحى بن العماد الحنبلى، ثمانية أجزاء، طبع دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت الأولى 1399 هـ /1979 م.(1/379)
17 - شيخ الأزهر
يرى بعض المؤرخين أن هذا المنصب قد بدأ فى منتصف القرن السابع عشر الميلادى فى اجتماع عقده باشا مصر. إذ لم يجر النظام على أن يعين شيخ للأزهر تعيينا رسميا منذ أنشئ إلى أواخر القرن الحادى عشر الهجرى.
وكان النظام المتبع قبل ذلك، أن شئون الجامع الأزهر ترجع غالبا إلى ولى الأمر سواء مباشرة، أو بطريق غير مباشر فيما يتعلق بإصلاحه وعمارته. ثم أخذت وظيفة "خطيب الجامع الأزهر " تنمو من حيث الأهمية حتى أنها كانت تسند إلى رجال من أصحاب المناصب الدينية الرفيعة كأكابر القضاة وعلماء المذاهب الفقهية الأربعة.
وقد أصبح لشيخ الجامع الأزهر وعلمائه نفوذ خاص فهم يعتبرون ممثلى الأمة فى معنى من المعانى.
ولذلك قام مشايخ الأزهر بواجبهم تجاه الدعوة الإسلامية والعلم الشرعى الشريف، وقاموا على خدمة الإسلام والمسلمين. فكان كل واحد منهم مضرب المثل فى التفانى والفهم والعلم والعمل وكان هذا المنصب يعطى لصاحبه سمات خاصة كما نرى فى صفحات التاريخ المصرى، أمثال الشيخ عبد الله الشرقاوى الذى امتاز بالنضال الوطنى والوقوف فى وجه الحملة الفرنسية مما جعل نابليون يصدر قرارا بتأليف ديوان يحكم مدينة القاهرة برئاسة الشيخ الشرقاوى. كذلك الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى الذى امتاز بالنشاط والكفاح العلمى والوعى القومى. حيث استطاع أن يقوم بإصلاحات جديدة فى الأزهر أرضت جميع الناس. وأصدر مجلة ثقافية باسم "نور الإسلام " ثم تغير اسمها فيما بعد إلى مجلة"الأزهر"، ومنذ تولى الشيخ مصطفى المراغى أصبح يطلق على شيخ الأزهر لقب الإمام الأكبر. وأول شيخ معروف لنا هو الشيخ محمد عبد الله الخرشى المالكى المتوفى سنة 1101هـ / 1690م، ويبلغ عدد من تولى المشيخة حتى الآن سبعة وأربعون شيخا. ويشغلها الآن الإمام الأكبر دكتور: محمد سيد طنطاوى.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع:
1 - موسوعة التاريخ الإسلامى والحضارة الإسلامية د/ أحمد شلبى ج4 طبعة دار النهضة العربية القاهرة.
2 - مساجد مصر وأولياؤها الصالحون د/ سعاد ماهر 1/ 181 - 184 طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1971 م(1/380)
18 - الشيطان
لغة: الشطن: مصدر شطنه يشطنه شطنا خالفه عن وجهه ونيته. والشاطن: الخبيث والشيطان: فيعال من شطن إذا بَعُدَ فيمن جعل النون أصلاً، وقولهم الشياطين دليل على ذلك وهو جمع شيطان، وقيل: الشيطان فعلان من شاط يشيط، إذا هلك واحترق، وهذا فيمن جعل النون زائدة (1).
واصطلاحا: الشيطان من نسل إبليس اللعين أبو الشياطين وأصلهم الأول. فبين الجن والشيطان عموم وخصوص من حيث القوة والحيل فكل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان.
ولهذا قال الأزهرى: هو من حيث العموم: العصى الأبى الممتلئ شرا ومكرا، أو المتمادى فى الطغيان الممتد إلى العصيان (2).
وقال الزجاج، فى قوله تعالى:} طلعها كأنه رؤوس الشياطين {(الصافات 65) وجهه أن الشيء إذا استقبح شبه بالشياطين، فيقال كأنه وجه شيطان، فالشيطان لا يرى، ولكنه يستشعر أنه أقبح ما يكون من الأشياء. وقدرة الشيطان تكمن فى العوذ والوسوسة، وليس للشيطان قدرة على زوال أحد من مكان إلى مكان. وإنما بالزلل الذى به يكون السبب فى زوال الإنسان من مكان إلى مكان بذنبه (3). ولذلك يقول تعالى} فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه {(البقرة 36). وللشيطان قدرة على التطور والتشكل فى صور الإنس والبهائم، فيتصورون فى صور الحيات، والعقارب، وفى صور الإبل، والبقر، والغنم، والخيل، والبغال، والحمير، وفى صور الطير، وفى صور بنى آدم كما أتى الشيطان قريشا فى صورة (سراقة بن مالك).
وإذا كانت الملائكة جند الله الذين يمثلون الخير والفلاح، فإن إبليس ومن معه من الشياطين هم أعداء الله الذين يمثلون الشر، والفساد، فأعمال الملائكة والشياطين على طرفى النقيض. فالشيطان أعماله تتجه كلها دائما إلى التمرد وإلى التفريق والتمزيق والتخريب والتدمير، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، ووصل ما أمر الله به أن يقطع، فما من شرفى الأرض، ولا فساد فى الوجود إلا ولهم به صلة.
وهم الذين زينوا للأمم السابقة سوء العمل، وحسنوا لهم الكفر والمعاصى، ودعوهم إلى تكذيب الرسل ومخالفة أوامر الله، ولا تزال هذه أعمالهم. يقول تعالى: (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم {، (النحل 63). ولهذا نجد القرآن الكريم قد ذكر لفظ:
(الشياطين، والشيطان، وشيطانا، وشياطينهم) حوالى ثمانيا وثمانين مرة.
وذكر عياض المجاشعى - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال ذات يوم فى خطبته: "ألا إن ربى أمرنى أن أعلمكم ما جهلتم مما علمنى يومى هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإنى خلقت عبادى حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطانا ... ".
وفى حديث سبرة بن فاكه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "إن الشيطان قعد لابن آدم بطرق فقعد له بطريق الإسلام فقال أتسلم وتترك دينك ودين آبائك؟ فعصاه وأسلم، تم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر؟ أتدع أرضك وسماءك؟ فعصاه وهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال أتجاهد، وهو تلف النفس والمال، فتقاتل، فتقتلى فتنكح نساؤك ويقسم مالك؟ فعصاه وجاهد، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" فمن فعل ذلك، فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة ".
والشيطان لا يتمكن من نفس الإنسان إلا إذا أعرض عن هداية الله، وخرج عن المنهج المرسوم. فإذا أعرض الإنسان عن الطريق المرسوم له عاقبه الله بتمكين الشيطان منه، فيوجهه وجهة الشر والفساد فى كل قول وفى كل فعل:} ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون. حتى إذا جاءنا قال ياليت بينى وبينك بعد المشرقين فبئس القرين. ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم فى العذاب مشتركون {(الزخرف 36 - 39).
إن الشيطان يمثل الشر فى الأرض ويعمل دائبا على تدمير حياة الإنسان بزحزحته عن هداية الله، وإبعاده عن منهج الحق والرشاد.
لهذا حذرنا الله تعالى من كيده، وأخبرنا بعداوته، ودعانا إلى مقاومته بكل وسيلة حتى يضعف سلطانه، وتخف شروره وآثامه، فقال تعالى:} إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير {(فاطر 6). وقد قص علينا من عداوته لأبينا آدم - عليه السلام - ما فيه العظة البالغة، فقد استطاع أن يغريه بالأكل من الشجرة، وأن يخرجه من الجنة بكذبه وخداعه قال تعالى:} يا بنى آدم لايفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون {(الأعراف 27).
وبين تعالى للإنسان ما أخذه الشيطان على نفسه منذ خصومته لآدم، حيث قال تعالى:} قال أرءيتك هذا الذى كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا. قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادى ليس لك عليهم سلطان {
(الإسراء62 - 65).
والإيمان يفيض على النفس إشراقا، ويملأ القلوب نورا، وإذا أشرقت النفس واستنار القلب انمحى كل ما يوسوس به الشيطان. قال تعالى} فإذا قرأت القرأن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه. والذين هم به مشركون {(النحل 98 - 100)
إلا أن نوازع الخير ودواعيه تيقظت فى قلب آدم وحواء، وعلما أنه خدعهما فتغلبت هذه النوازع والدواعى على وسوسة الشيطان وحظه من النفس، فتابا إلى الله، وأنابا قائلين:} ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين {
(الأعراف 23).
والإنسان بمقتضى خلافته عن الله فى الأرض فى معركة مع الشيطان الذى يحاول أن يصرفه عن تنمية قواه العليا من جانب، ويضعف من روح المقاومة بطريق الخداع والإغراء والتزيين من جانب آخر. ومن ثم كان واجبا على الإنسان أن يحذر مكايد الشيطان ويعرف أساليبه التى يتخذها، ليصرف الإنسان عن وظيفته الأولى فى هذه الحياة، فإذا زلت به قدم، أو تورط فى الإثم، أو جانب صوابا، أو مارس شرا، أو اقترف معصية، أو ارتكب فجورا فأمامه السبيل الذى رسمه له أبوه آدم من التوبة، واستئناف حياة أزكى وأطهر.
والشيطان ينتهز فرصة ضعف النفس ومرضها فيهجم عليها محاولا إفسادها.
ولا خلاص منه إلا إذا صحت النفس من أمراضها، التى هى المداخل الحقيقية للشيطان، وأمراض النفس كثيرة ومتعددة منها: (الضعف واليأس، القنوط، الفخر، الظلم، العجلة، البخل، الريبة، الغفلة، الكذب، الجزع، حب المال، الافتتان بالدنيا .. إلخ).
فحينما يكون ذكر الله والاستعاذة به من الشيطان، والتبرى من الحول والقوة، وإسلام الوجه لقيوم السموات والأرض مما يقوى من معنويات الإنسان ويرفع من مستواه الروحى، حتى يصل الإنسان إلى درجة يخاف فيها الشيطان منه كما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "يابن الخطاب ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " (رواه البخارى ومسلم)
ومن الأشياء التى تدل على قدرة الله عز وجل على خلق المتضادات والمتقابلات. خلق الشيطان رمز الشر على الأرض فى مقابل الملائكة رمز الخير، كذلك ظهور أسمائه القهرية فى مقابل أسمائه المتضمنة عفوه ومغفرته وقد أشار النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا بقوله: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم " (رواه مسلم).
(هيئه التحرير)
1 - لسان العرب لابن منظور، مادة (شطن) 13/ 238 طبعة دار صادر بيروت.
2 - الكليات لأبى البقاء 3/ 55،82.
3 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى 1/ 311، 312 طبعة دار الثقافة، القاهرة، 1981 م.
__________
المراجع
1 - تلبيس إبليس لابن الجوزى - طبعة مكتبة المتنبى، القاهرة.
2 - العقائد الإسلامية لسيد سابق. طبعة الفتح للإعلام العربى، 1992.
3 - صيد الخاطر لابن الجوزى - تحقيق السيد محمد سيد، وسيد إبراهيم - طبعة دار الحديث القاهرة، 1996.
4 - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم، المكتبة القيمة بالقاهرة.
5 - وقاية الإنسان من الجن والشيطان، وحيد عبد السلام بالى - مكتبة الصحابة بجدة، مكتبة التابعين بالقاهرة.
6 - عداوة الشيطان لبنى الإنسان. د. عبد الحكم عبد اللطيف - مكتبة الدار العربية للكتاب بالقاهرة.(1/381)
19 - الشيعة
لغة: القوم الذين يجتمعون على الأمر .. والفرقة من الناس .. وأتباع الرجل وأنصاره .. وهى من المشايعة، أى المطاوعة والمتابعة .. وجمع الشيعة: شيع، وجمع الجمع: أشياع.
واصطلاحا: اشتهرت كلمة الشيعة- للدلالة على الفرقة: أو الفرق- الذين يتولون ويشايعون الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وآل بيته، حتى صار مصطلح الشيعة اسما خاصا بهم.
ولقد بدأت شيعة علىّ والتشيع له فى صورة أولية، تمثلت فى الميل إليه، وتمنى تقديمه فى ترتيب تولى الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك من قبل بعض بنى هاشم، ونفر من الصحابة، يذكر فيهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسى، وأبو ذر الغفارى .. أما المعيار الفارق الذى يميز الشيعة- كفرقة من الفرق الإسلامية- فلقد تجاوز الميل إلى على التفضيل له وتقديمه فى الترتيب بين الخلفاء الراشدين .. وأصبح هذا المعيار .. فى مذهب الشيعة- هو دعوى وعقيدة أن إمامة على بن أبى طالب والأئمة من بنيه إنما هى "بالنص والوصية والتعيين " أى النص الإلهى والوصية الدينية، التى بلغها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأمة، كما بلغ أصول الدين .. فهى عندهم، المرادة بقول الله سبحانه وتعالى:} يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسا لته {(المائدة 67).
فكل من عدا الشيعة- من الفرق الإسلامية- قد قالوا إن الإمامة والخلافة طريقها الشورى والاختيار والبيعة من الأمة أو نوابها .. بينما انفردت الشيعة- بفرقها المتعددة- بادعاء أن الإمامة سبيلها "النص والوصية والتعيين "، فهى شأن دينى سماوى، وهى من أمهات العقائد الدينية، ولا مدخل للأمة أو الشورى فيها.
والشيعة قد قاسوا " الإمامة" على " النبوة" فجعلوها كالنبوة- اصطفاء إلهيا، لا اختيارا بشريا، وجعلوا للإمام العصمة التى للأنبياء، بل ورفعوا مكانتها على مكانة النبوة، لأن النبوة عندهم، "لطف خاص" أى انتهى دورها - بينما الإمامة " لطف إلهى عام " لأنها مستمرة بأداء رسالة النبوة، بعد انتهاء طور النبوات .. حتى ليقول الإمام آية الله الخمينى - عن علو مقام الأئمة على الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين: "إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبى مرسل " ..
ولقد انعكست هذه العقيدة، التى ميزت نظرية الإمامة عند الشيعة .. ، والتى ميزت الشيعة عمن عداها من الفرق الإسلامية، انعكست على صفات الإمام عندهم، وعلى السلطات التى اختصوه بها ..
وباستقراء المصادر الأصلية، التى كتبت فى نظرية الإمامة- من قبل مختلف الفرق الإسلامية .. وفى مقدمتها المصادر الشيعية. لا نجد ذكرا ولا مجرد إشارة لعقيدة "النص والوصية" قبل عصر إمامهم السادس- الصادق أبو عبد الله جعفر بن محمد (80 - 48 1 هـ 699 - 765 م) وأقدم عناوين المؤلفات التى كتبت فى الإمامة- والتى أحصاها ابن النديم (438 هـ 1047 مـ) فى (الفهرست) - والتى أشارت إلى فكرة "الوصية" بالإمامة، منسوب إلى عالمهم هشام بن الحكم (190 هـ 805 مـ) .. فمن مؤلفاته (كتاب الوصية والرد على من أنكرها) ..
ويشهد لهذه الحقيقة- حقيقة الظهور المتأخر لعقيدة الشيعة فى "النص والوصية والتعيين "- خلو تاريخ الصراع على الإمامة قبل ذلك التاريخ من أية إشارة للاحتجاج بهذه العقيدة فى ذلك الصراع ..
فلقد اختلف المسلمون حول من يتولى الخلافة- عقب وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى سقيفة بنى ساعدة ولم يذكر أحد من الفرقاء الذين اختلفوا أن هناك نصا وتعيينا لمن يليها .. وتأخرت بيعة على بن أبى طالب لأبى بكر الصديق عدة أشهر. ثم بايع، ولم يؤثر عنه- فى ذلك التاريخ- تعليل لتأخر بيعته بأن هناك نصا يعينه هو للخلافة بدلا من الصديق .. ثم شارك علىّ فى شورى البيعة لكل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، دون أن يشير إلى أن هناك نصا إلهيا ووصية نبوية باختصاصه هو دون غيره، بالإمامة والخلافة وبعد مقتل عثمان، عقدت البيعة بالخلافة لعلى بن أبى طالب، وتلقاها وتولاها هو بالبيعة، ولم يؤثر عنه أنه قال لمبايعيه: لست فى حاجة إلى بيعتكم، لأن هناك نصا على إمامتى، يخرجها عن الشورى والاختيار والبيعة .. بل إن كتاب "نهج البلاغة "، والذى جمعه الشيعة- بواسطة إمامهم "الشريف الرضى" 359 - 406 هـ 970 - 1015 م" - باعتباره خطب ومراسلات وأحاديث وحكم الإمام على بن أبى طالب، لا أثر فيه لإشارة- مجرد إشارة- إلى عقيدة "النص والتعيين " .. الأمر الذى يجعل استقراء التاريخ، واستقراء الفكر من صدر الإسلام إلى عصر جعفر الصادق، شاهدا على أن هذه العقيدة- التى ميزت الشيعة كفرقة، بالمعنى الاصطلاحى للتشيع- لم تظهر قبل تأليف هشام بن الحكم فيها، وتبنى الشيعة للاعتقاد بها منذ ذلك التاريخ.
وإذا كانت الشيعة- على اختلاف فرقهم- معتدلين كانوا أم غلاة- قد اتفقوا على نظرية "النص والوصية والتعيين " الإلهى لإمامة على بن أبى طالب، خليفة ووصيا وإماما بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم قد اختلفوا إلى فرق متعددة، بعد هذه العقيدة التى جعلوها أهم عقائد الإيمان الدينى، يَكْفُر- فى نظرهم- من جحدها.
فالشيعة الأثنى عشرية- وهم أغلبية الشيعة المعاصرين- يقولون إن عليا قد أوصى
بالإمامة لابنه الحسن، الذى أوصى بها إلى أخيه الحسين .. وهكذا استمرت فى أبناء على من فاطمة الزهراء حتى إمامهم الثانى عشر ولقد سموا بالاثنى عشرية لقولهم بإمامة هؤلاء الأئمة الاثنى عشر:
1 - أبو الحسن، على بن أبى طالب " المرتضى" .. - 23 ق هـ- 40 هـ 600 - 661 م)
2 - أبو محمد، الحسن بن على- "الزكى" 3 - 50 هـ 624 - 670 م ".
1 - أبو عبد الله، الحسين بن على- "سيد الشهداء"- 4 - 1 6 هـ 625 - 0 68 م
4 - أبو محمد، على بن الحسين- (زين العابدين) - "38 - 94 هـ 658 - 2 71
5 - أبو جعفر، محمد بن على- "الباقر"- 57 - 4 1 اهـ 676 - 732 م.
6 - أبو عبد الله، جعفر بن محمد- "الصادق " 80 - 48 1 هـ 699 - 765 م.
1 - أبو إبراهيم، موسى بن جعفر- "الكاظم " 28 1 - 83 1 هـ 5 4 7 - 799 م
8 - أبو الحسن، على بن موسى- "الرضا"- 53 1 - 3 0 2 هـ 0 77 - 818 م.
2 - أبو جعفر، محمد بن على- "الجواد"- 95 1 - 220 هـ 1 81 - 835 م.
3 - أبو الحسن، على بن محمد- "الهادى"- 4 1 2 - 4 25 هـ 829 - 68 8 م.
11 - أبو محمد، الحسن بن على- "العسكرى" - 232 - 0 36 هـ 846 - 873 م.
12 - أبو القاسم، محمد بن الحسن- " المهد ى" 256 - … هـ 870 - ... م الذى اختفى فى سرداب بمدينة "سامراء"- من أرض العراق ولا يزال فى " الغيبة"- فهو " المهدى"، والذى ينتظرون ظهوره، ويدعون الله أن يعجل فرجه، ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا- وعنه ينوب، فى عصور غيبته العلماء المجتهدون.
أما الشيعة "الكيسانية"، فإنهم لم يحصروا الإمامة فى أبناء فاطمة الزهراء، وإنما قالوا إنها انتقلت من الإمام على إلى ابنه محمد بن الحنفية (21 - 81 هـ 642 - 700 م).
أما الإسماعيلية- وهم من الباطنية الغلاة .. حتى فى نظر الاثنى عشرية- ويوجد منهم فى عصرنا: البهرة .. وا لنصيريون .. والدروز - فلقد اتفقوا مع الاثنى عشرية على تسلسل الإمامة من على حتى جعفر الصادق، ثم جعلوها- بعد الصادق- لابنه إسماعيل (143 هـ- 760 م) .. وليس لابنه موسى الكاظم، كما قالت الاثنى عشرية، ثم انفرد الإسماعيلية- منذ إسماعيل- بسلسلة خاصة بهم فى الإمامة.
أما الشيعة الزيدية- أتباع زيد بن على بن الحسين (79 - 22اهـ 698 - 0 74 م) فلقد تميزوا بالاعتدال الذى اقترب بهم من فكر أهل السنة، فقالوا فى عقيدة " النص ": إن النص لم يكن على "ذات، الإمام، وإنما كان على صفاته "، وأن هذا "النص " لم يتعد ثلاثة من هؤلاء الأئمة، هم: على والحسن والحسين .. والإمامة بعدهم لمن يجتمع فيه شروط الإمام من أبناء فاطمة- وهى شروط لا أثر فيها لغلو الفرق الشيعية الأخرى ..
ولأن الشيعة- فيما عدا الزيدية- قد قاسوا " الإمامة " على " النبوة"، وليس على " الإمارة .. والولاية، كما صنع أهل السنة، فلقد أضفوا على الإمام صفات فاقت حتى صفات الأنبياء ... فهو عندهم- معصوم فى كل شيء .. بينما الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله- .. وروح القدس "الذى حمل النبى به النبوة، قد انتقل بعد النبى إلى الإمام وهو يعلم- بالعلم اللدنى .. كل ما يريد علمه "بالقوة القدسية الإلهامية، بلا توقف، ولا ترتيب مقدمات ولا تلقين معلم، تنجلى فى نفسه المعلومات كما تنجلى المرئيات فى المرآة الصافية .. " حتى ليستطيع علم كل العلوم والحديث بجميع اللغات، والكتابة بكل الحروف، دون معلم ولا مدرسة ولا كتاب ولا كُتّاب ( .. فالأئمة- كما يقولون- لم يتربوا على أحد، ولم يتعلموا على يد معلم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد، حتى القراءة والكتابة. ولم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ على يد أستاذ فى شيء من الأشياء، مع مالهم من منزلة علمية لا تجارى، وما سئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه فى وقته، ولم تمر على ألسنتهم كلمة لا أدرى"، ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمل، أو نحو ذلك .. "! ..
وهى صورة تعلو على صورة الرسل أولى العزم، الذى كان خاتمهم - صلى الله عليه وسلم -، يسأل فينتظر- أحيانا- وحى السماء .. والذى قال لصحابته: "أنتم أعلم بشئون دنياكم " ..
ولعصمة الإمام عند الشيعة .. ولأن كل الأمة- برأيهم- يمكن أن تجتمع على ضلال، كان الإمام وحده مصدر الشريعة، والحجة والقيم حتى على الدين والقرآن ..
أما سلطات الإمام عندهم فهى كل سلطات الرسول، التى هى كل سلطات الله المفوضة إلى الرسول، ولذلك، فإن الراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله .. وللإمام كل الدنيا- وبعبارتهم "فإن الدنيا كلها للإمام، على وجه الملك، وأنه أولى بها من الذين هى فى أيديهم ".
وغير عقيدة الإمامة- بما فيها من "النص والوصية والتعيين " .. وصفات الإمام .. وسلطاته- انفردت الشيعة بعقائد .. منها:
* التقية: أى إظهار الإنسان غير ما يبطن، اتقاء لضرر محقق الوقوع .. وهى عندهم دين، يروون فيه عن جعفر الصادق: التقية دينى ودين آبائى .. ومن لا تقية له لا دين له "!
* والرجعة: وتعنى- عندهم- أن الله سيعيد إلى الحياة، قبل قيام الساعة- وعند قيام المهدى- قوما قد توفاهم، فى صورهم التى كانوا عليها قبل موتهم، وفى مقدمتهم أكثر المظلومين من آل البيت، وأكثر الظالمين لهم وبعد أن يعز المظلومين ويذل الظالمين يتوفاهم ثانية.
ثم، إن الشيعة، بعد ذلك باستثناء الباطنية الغلاة- يتفقون مع العديد من الفرق الإسلامية الأخرى فى ثوابت العقائد الإسلامية وشعائر وعبادات الإسلام .. فهم جزء من الأمة الإسلامية. ولو أنهم جعلوا الإمامة- كما فعل أهل السنة- من الفروع، وليس من أصول وأمهات العقائد، لكان الخلاف بينهم وبين أهل السنة مجرد تنوع فى المذهب الفقهى- المذهب الجعفرى- الذى لا تزيد الاختلافات بينه وبين مذاهب الفقه السنيّة عن الاختلافات التى بين المذاهب السنية ذاتها.
ولأن عقيدة الشيعة، فى الإمامة والإمام، هى " حلم مثالى"، أفرزته معاناة الاضطهاد من قبل السلطة البشرية- فى الدولة الأموية
- فلقد ظل هذا "الحلم "مستعصيا على التطبيق حتى عندما حكم الشيعة فى إيران عقب إسقاط النظام الشاهنشاهى سنة 979ام .. فلقد استمر الحكم بالمؤسسات الشورية، والنظام النيابى، الدستورى وسلطة الأمة والرأى العام .. ولم يطرأ على هذا النظام الديمقراطى- مع المرجعية الإسلامية - إلا منصب "ولاية الفقيه " .. الذى هو محل خلاف بين مراجع الشيعة .. والذى تنبئ المساجلات الدائرة حوله عن أنه فى طريقه إلى الزوال ...
أما التوزيع الجغرافى للشيعة الإمامية، فهو فى إيران والعراق ولبنان وأذربيجان وأفغانستان، والإسماعيلية فى الهند وباكستان وتركيا وسوريا ولبنان.، أما شيعة اليمن فهم من الزيدية.
وإذا كان تعداد الأمة الإسلامية يبلغ الأن مليارا وثلث المليار-0 1,384,800,00 - فإن نسبة أهل السنة تبلغ 90% من هذا التعداد، والباقى شيعة- بفرقها المختلفة- وخوارج وإباضيون؟.
أ. د/ محمد عمارة
__________
المراجع
1 - مقالات الإسلاميين للأشعرى، ط، دار النهضة المصرية.
2 - الملل والنحل: للشهر ستانى - تحقيق: محمد سيد كيلانى، ط، مصطفى البابى الحلبى.
3 - دعوة التقريب تاريخ ووثائق، جمعه وأعده: عبد الله محمد تقى القمى. ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1991 م.(1/382)
1 - الصابئة
لغة: صبأ الرجل بمعنى ترك دينه فهو صابىء.
واصطلاحها: الصابئة قوم يعبدون الكواكب أو الملائكة أو لا دين لهم، أو هم قوم يوحدون الله وليس لهم كتاب ولا نبى ولا طقوس للعبادة. وهذا المعنى يقتبس مما تدل عليه الآية الكريمة: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} البقرة:62.
والصابئة نوعان تبعا لإشارات القرآن الكريم، وأقوال المفكرين المسلمين:
النوع الأول: يذكر بعضهم أنهم من أهل الكتاب بدليل ارتباط ذكرهم باليهود والنصارى فى بعض الآيات.
النوع الثانى: ويعدهم من الوثنيين وهم صابئة حران، وهؤلاء يقولون بوسائط بين الله والعالم، وهى التى تدير الكون، وتفيض على الوجود، وهم يمنعون تعدد الزوجات، ويحرمون الطلاق والختان، ويحرصون على تطهير أنفسهم من دنس الشهوات، ويصلون ثلاث صلوات فى اليوم. والصابئة الحرانيون خدموا الإسلام عن طريق الترجمة، وكان منهم الرياضيون والوزراء مثل: ثابته بن قرة، وابن سنان. وكان لهم نشاط فكرى فى بغداد فى عهد أبى إسحاق الصابى وزير الطائع والمطيع، ثم ضعف شأنهم.
ومن أشهر علمائهم ثابت بن قرة (901م) وقد برع فى الرياضة والفلك وكان من كبار المترجمين من اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية، وترجم أو اشترك فى ترجمة كتب أرشميدس وإقليدس وجالينوس، ومن مؤلفاته الطبية كتاب "الذخيرة".
وقد نبغ من أبنائه إبراهيم، وسنان وسنان خدم الخليفتين المقتدر والقاهر، وأشرف على إنشاء البيمارستان الذى عرف باسم والدة المقتدر، وله تصانيف فى الفلسفة وعلم الهيئة.
ومن أشهر أدباء الصابئة الصابى الحرانى إبراهيم بن هلال (994م)، كان من أدباء العصر، ودرس الرياضة والفلسفة والفلك والأدب، وتولى ديوان الرسائل والمظالم سنة (960م)، سجن عدة مرات، وكان شاعرا مجيدا له ديوان، واشتهر بالرسائل الديوانية التى حوت صورا طيبة من الألفاظ الجزلة والتعبير السهل.
أ. د/أحمد شلبى
__________
مراجع الاستزادة:
1 - المحاسن والأضدادالجاحظ القاهرة 1932م.
2 - الديوان أبو نواس تحقيق الأستاذ محمود كامل سنة 1939م.
3 - ضحى الإسلام أحمد أمين القاهرة ط2(1/383)
2 - الصبر
لغة: حبس النفس عن الجزع.
واصطلاحا: ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله.
وقد وصف الله المؤمنين بالصبر، فقال تعالى: {والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم} الرعد:22، فهو ليس استسلاما للذل والمهانة وليس سلبية فى مواجهة الباطل، بل ضبط النفس والتحمل فى سبيل أداء ما يجب على المرء أداؤه ابتغاء وجه الله؛ إذ يصبر رب الأسرة فى رعاية أسرته وتوجيهها، والموظف فى أداء وظيفته، والقاضى فى سبيل تحرى العدل، والحاكم فى سبيل إحقاق الحق، وإقرار الطمأنينة والأمن، والفرد فى سبيل سيطرة حكمته على هواه، والأم فى سبيل رعاية أولادها، وسلامة صحتهم وعقولهم ... إلخ.
ويتطلب الصبر قدرة على الاحتمال وضبط النفس، وإيمانا بالغاية والهدف، كما يتطلب ممارسة على السيطرة على هوى النفس وانفعالاتها، وعلى الرجوع إلى العقل والتروى فى مواجهة الشدائد والأزمات، ولهذا وردت فى القرآن الكريم آيات كثيرة تحث عليه، منها قوله تعالى: {واصبرعلى ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} لقمان:17.
بل إنه قرن بالصلاة والمرابطة فى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبروالصلاة إن الله مع الصابرين} البقرة:153، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} آل عمران:200.
أ. د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1 - لسان العرب لابن منظور.
2 - التعريفات للجرجانى.
3 - من مفاهيم القرآن فى العقيدة والسلوك د/محمد البهى القاهرة سنة 1973م.
4 - الإسلام دين ودنيا د/محمد شامة القاهرة سنة 1988م(1/384)
3 - الصحابة
اصطلاحا: هم هؤلاء الأعلام الذين عرفوا من أحوال النبى صلى الله عليه وسلم ما جعلهم يهرعون إليه ويضعون مقاليدهم بين يديه ينغمسون فى فيضه الذى بهر منهم الأبصار وأزال عنهم الأكدار، وصيرهم أهلا لمجالسته ومحادثته ومرافقته ومخالطته، حتى آثروه على أنفسهم وأموالهم وأزواجهم وأولادهم، وبلغ من محبتهم له وإيثارهم الموت فى سبيله أن هان عليهم اقتحام المنية كراهة أن يجدوه فى موقف مؤذ أو كربة يغض من قدره.
ولما للصحابة من الفضل العظيم فإن الله تعالى ذكرهم فيما أنزل من الكتب؛ حتى لا يذهب ذكرهم ولا تمحى من رؤوس القبائل والشعوب مآثرهم فقال: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} الفتح:29.
وقال تعالى {والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} الواقعة:10 - 14.
ثم قال تعالى: فى سورة الواقعة أيضا {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} الواقعة:35 - 40.
ويتضح من الآيات السابقة، وما يجرى فى فلكها، أن الصحابة درجات بعضها فوق بعض، فالسابقون الأولون الذين أسلموا وجوههم إلى الله، ولبوا مناديه إلى الإيمان، وكل من على سطح هذه المعمورة مخالف لهم هم كبار الصحابة الذين اصطنعهم سيدهم بنفسه، ورباهم تحت سمعه وبصره عبر ثلاث عشرة سنة قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مكة، وقال فيهم ورحى الحرب دائرة فى بدر (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الأرض) (1)، وقال أيضا (الله الله فى أصحابى، فلو أن أحدكم تصدق بمثل أحد ذهبا ما ساوى مده ولا نصيفه) رواه البخارى (3).
يلى هؤلاء السابقين من المهاجرين، السابقون من الأنصار وهم الذين بايعوا النبى صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة على أن يمنعوه من الأسود والأحمر، والإنس والجن.
يقول تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} التوبة:100.
وما سوى الصحابة الكبار طبقات بعضها أفضل من بعض، فالذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا أفضل من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، يقول تعالى {لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير} الحديد:10.
وواضح من الآية السابقة وما يشبهها أن الله تعالى قد جعل لأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مقياسا تقاس به أقدارهم وميزانا توزن به منازلهم ومراتبهم، فالسابقون الأولون من المهاجرين هم الكبار الذين لا يسمو إليهم غيرهم، ومن عداهم من الصحابة الكرام متفاوتون تبعا لأعمالهم فى نصرة الإسلام، وجهادهم تحت ألويته وراياته، فأفضلهم الذين شهدوا بدرا ودافعوا عن النبى صلى الله عليه وسلم ودينه فيها.
ويليهم من شهد أحدا والخندق، وهكذا حتى غروة تبوك.
وهناك عدة ثوابت تعم الصحابة، منها:
1 - الصحابة كلهم عدول، لا يجوز تجريحهم ولا تعديل البعض منهم دون البعض.
2 - الصحابة كالنجوم يهدون الحائر، ويرشدون الضال، وفيهم يقول النبى صلى الله عليه وسلم (أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) (3).
3 - الصحابة لم يذكرهم الله تعالى فى كتابه إلا وأثنى عليهم وأجزل الأجر والمثوبة لهم، ولم يفرق بين فرد منهم وفرد ولا بين طائفة وطائفة.
وفيهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيرالقرون قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) (رواه البخارى) (4).
أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1 - تاريخ الرسول والملوك للطبرى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط دار المعارف، القاهرة 2/ 477.
2 - صحيح البخارى ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 6/ 89.
3 - لسان الميزان لابن حجر العسقلانى، ط مؤسسة الأعلمى للمطبوعات بيروت لبنان 2/ 118.
4 - صحيح البخارى 6/ 75(1/385)
4 - الصحابى
اصطلاحا: هو من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الإسلام (1).
ويشمل هذا التعريف كذلك:
1 - من رأى النبى صلى الله عليه وسلم قبل البلوغ؛ فإنه إن كان قد بلغ سن التمييز فهو صحابى، وإلا فإن صحبته باعتبار رؤية النبى في صلى الله عليه وسلم له، وهو تابعى من حيث الرواية.
2 - المرتد العائد للإسلام؛ فهو صحابى وإن لم ير النبى صلى الله عليه وسلم مرة أخرى.
ويخرج منه: من رأى النبى صلى الله عليه وسلم وهو ميت؛ فليس بصحابى.
ويلاحظ فى هذا التعريف أنه لم يشترط فيمن يستحق لقب الصحابى وقتا، ولا عملا ما: فمن لقى النبى صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة فهو صحابى، زادت تلك الساعة أو قلت، والأمر كذلك فيمن غزا معه ومن لم يغز، ومن روى عنه ومن لم يرو؛ فهذا اللقب الكريم لا ينزعه عمن حمله إلا عودته إلى الكفر وإصراره عليه، وهذا هو التعريف الذى اختاره وقال به الإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى، وهو المتفق عليه.
وهناك من العلماء من اشترط فى الصحابى أن يكون قد صحب النبى صلى الله عليه وسلم عامين، أو غزا معه غروتين (2)، ومنهم من يرى أن الصحابى هو من تحقق فيه شرط من أربعة:
1 - طول المجالسة.
2 - حفظ الرواية.
3 - الغرو مع النبى صلى الله عليه وسلم.
4 - الاستشهاد بين يديه.
وقد وصف الإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى هذه الشروط بأنها من الشواذ.
أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1 - الإصابة لابن حجر العسقلانى، ط دار الفكر بيروت لبنان 1398هـ 1978م 1/ 7.
2 - أسد الغابة لابن الأثير، ط دار الشعب 1/ 18(1/386)
5 - الصَّحَاح
لغة: صَحَّحَ أزال خطأه أو عَيْبَه يقال: صحَّحَ الخبر وصحَّحَ الكتاب والصّحَاحُ: الصَّحيحُ (1).
واصطلاحاً: هى كتب الحديث التى كان من شرطها الحديث الصحيح دون غيره، وعلى رأس هذه الكتب الصحيحان اللذان أُفردَ لهما تعريفُُ فى هذه الموسوعة، ومن هذه الكتب:
1 - المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابورى (ت 405 هـ)، وذلك أن صاحبى الصحيحين لم يستوعبا الصحيح، وإنما انتخبا منه، فتتبع الحاكم ما كان على شرطهما وما صح عندهما لم يخرجاه، وهو كما قال ابن الصلاح: "كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شىء كثير"وقال العلماء: إنه متساهل فى التصحيح، ولكن لخص الذهبى مستدركه، وتعقب بعض الأحاديث بالضعف، وعلى هذا فما اتفقا على تصحيحه يكون أحرى بالقبول والصحة (2).
2 - صحيح ابن حبان (ت 354 هـ) وسماه "التقاسيم والأنواع " وقد رتبه بعض المتأخرين على أبواب وسماه: "الإحسان فى تقريب ابن حبان " (3) ويقدمه العلماء على كتاب الحاكم، إذ هو أقل تساهلاً منه (4) وقد استخرج أبو الحسن الهيثمى زوائده على الصحيحين (5).
3 - صحيح ابن خزيمة، وهو أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان، لشدة تحريه حتى إنه يتوقف فى التصحيح لأدنى كلام فى الإسناد (6).
4 - المُوَطَّأ، فكل ما فيه من الأحاديث المسندة صحيح ما عدا أربعة أحاديث لم يهتد العلماء إلى صحتها (7).
5 - المستخرجات على الصحيحين، وهى أن يأتى المصنف إلى الكتاب فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع فى شيخه أو من فوقه، كالمستخرج للإسماعيلى على البخارى، ولأبى عوانة على مسلم (8).
6 - ومن هذه الكتب التى جُردت للصحيح: "السنن الصحاح " لسعيد بن السكن، و "المنتقى" لابن الجارود، والمنتقى لقاسم بن أصبغ.
ومما تجدر الإشارة إليه أن كثيرا من كتب الحديث غير هذه الكتب تحتوى على الكثير من الصحيح، ولكنه مختلط بغيره، وهذا كالسنن الأربع: أبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجه.
أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط (ص 527).
2 - طبع الكتاب بحيدر آباد، الدكن بالهند، وعلى هامشه تلخيص الذهبى
3 - رتبه الأمير علاء الدين بن بلبان (ت 739 هـ) وقد طبع أكثر من طبعة، وآخر طبعة محققة، حققها شعيب الأرنؤوط- مؤسسة الرسالة- بيروت.
4 - تدريب الراوى (1/ 108) (جلال الدين السيوطى- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف- دار الفكر- بيروت).
5 - فى كتاب موارد الظمآن وقد طبع الكتاب فى المكتبة السلفية فى مصر.
6 - تدريب الراوى (1/ 109) وقد طبع جزء منه بتحقيق د/ محمد الأعظمى- المكتب الإسلامى- بيروت.
7 - طبع له أكثر من رواية وأشهرها رواية يحيى بن يحيى الليثى، ورواية محمد بن الحسن الشيبانى (أولهما فى مكتبة عيسى البابى الحلبى- وثانيهما بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة)
8 - طبعت أجزاء من مستخرج أبى عوانة ومستخرج أبى نعيم.(1/387)
6 - الصحة
اصطلاحاً: تطور تعريف الصحة مع ارتقاء المستويات الاقتصادية والاجتماعية حتى أصبح كل ما من شأنه سلامة البدن (الجسم) والنفس والتوافق الاجتماعى.
وقد حرصت التعاليم الإسلامية على التنبيه على أهمية الصحة ففى الحديث الشريف: (المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير).
وفى حديث آخر ينصح الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحد صحابته (إن لبدنك عليك حقاً) بعد ما قال (إن لنفسك عليك حقاً).
وقد أصبح من المتعارف عليه الآن أن الصحة الجيدة مطلوبة للمجتمع كما هى مندوبة للفرد. فهى تمكن الناس من الاستمتاع بحياتهم وإنجاز ما يفيدهم ويفيد المجتمع بالتالى، ولهذا السبب تدخل المستويات الصحية فى المعايير التى يقاس بها التقدم وفى معايير التنمية البشرية.
وقد بلور الطب فكره فى أنه لابد لكافة أجزاء الجسم من العمل مع بعضها البعض بصورة صحيحة من أجل المحافظة على صحة البدن، ومن مقومات الحياة الصحية الرئيسية: الغذاء الصحيح، الرياضة، الراحة، النوم، النظافة، الرعاية الصحية، ورعاية الإنسان.
وتلعب الصحة النفسية دوراً مهما فى سلوكيات الناس ومشاعرهم، وأولئك الذين يتمتعون بأقدار معقولة من الثبات الانفعالى يستطيعون تحقيق قدر أكبر من السعادة؛ لأنهم يتقبلون أنفسهم علماً بأوجه الضعف وأوجه القوة على حد سواء، ويظلون أيضاً على صلة بالواقع، كما يتمكنون من التعامل الرشيد مع الضغوط ودواعى الإحباط، كما يستطيعون التصرف دون الاعتماد على المؤثرات الخارجية وردود الأفعال.
وفى المجتمعات المعاصرة تتولى وزارات متخصصة بالصحة المسئولية عن توفير عدد كبير من الخدمات الصحية، وقد تنامى الاهتمام المؤسسى بالرعاية الصحية الأولية والثانوية والمتقدمة، ويشمل هذا توفير الوسائل الكفيلة بمنع الأمراض، والسيطرة عليها، والتحكم فى الأوبئة، وتنفيذ برامج للتطعيم وللفحوص الروتينية، فضلاً عن إجراءات الحجر الصحى والتوعية الصحية. وتتولى مؤسسات عديدة الإسهام فى تقديم الرعاية الصحية.
وقد نشأت منظمة الصحة العالمية كإحدى منظمات الأمم المتحدة ولا تزال تعمل من أجل رفع المستوى الصحى فى كافة أنحاء العالم، وقد كان شعارها فى العقدين الماضيين "الصحة للجميع بحلول عام 2000 م"، وقد نجحت السلطات الصحية بالفعل فى استئصال بعض الأمراض كالجدرى، وفى تقليل مخاطر أمراض كثيرة أخرى.
أ. د/ محمد الجوادى
__________
المراجع:
1 - دائرة معارف القرن العشرين. محمد فريد وجدى5/ 659 - 673. المكتبة العلمية الجديدة.
3 - الطب عند القدماء المصريين. د/ بول غوليونجى.
3 - الموجز فى الطب. لابن النفيس، ط، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.(1/388)
7 - الصحوة
لغة: من الصحو، وهو ذهاب الغيم وارتفاع النهار، وذهاب السكر، وترك الباطل. (كما فى اللسان) (1).
واصطلاحا: اليقظة، تصيب الفرد أو الأمة، بعد سنة وغفلة وتخلف وتراجع.
ويشيع إطلاقها -فى واقعنا المعاصر- على نزوع أمتنا إلى النهضة الإسلامية، بعد عصر التراجع الحضارى، الذى امتد تحت حكم العسكر المماليك والسلطنة العثمانية، وهى صحوة تجاهد على صعيدين، وفى جبهتين:
1 - صعيد وجبهة التخلف الذاتى الموروث عن حقبة التراجع الحضارى.
2 - وصعيد وجبهة التحديات الغربية، التى تريد تهميش دور الأمة الإسلامية، وإلحاقها بالتبعية للغرب، ليتأبد استغلال الغرب وهيمنته على عالم الإسلام.
ووصف هذه الصحوة بالإسلامية، إنما يأتى تمييزا لها عن مشاريع النهوض التى اختار أصحابها المذاهب والفلسفات الغربية مرجعية لدعوات النهوض، ونماذج التحديث التى يبشرون بها ليبرالية، أو اشتراكية أو قومية.
فالصحوة الإسلامية: هى ذلك التيار العريض المتعدد الفصائل والمستويات الذى يسعى إلى تجديد الدين الإسلامى لتتجدد به دنيا المسلمين.
ولما كانت سنة الله سبحانه وتعالى فى مسارات الأمم والحضارات، هى سنة الدورات التى تتداول فيها الأمم والحضارات فترات وحقب التقدم والتراجع، والصعود والهبوط، والنهوض والركود، والحياة والموت، وهى السنة التى أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} آل عمران:140، {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} محمد:38، {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} البقرة:251، والتى بينها حديت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى قال فيه (لا يلبث الجور بعدى إلا قليلا حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شىء ذهب من العدل مثله، حتى يولد فى الجور من لم يعرف غيره، ثم يأتى الله تبارك وتعالى بالعدل، فكلما جاء من العدل شىء ذهب من الجور مثله، حتى يولد فى العدل من لا يعرف غيره) (رواه أحمد).
فإذا كانت سنة الدورات هى التى تحكم مسارات الأمم والحضارات، فإن هذه السنة تقتضى الصحوة، واليقظة، والتجديد، خروجا من مراحل ودورات الغفلة، والتراجع، والجمود، فصحوة التجديد هى الأخرى سنة من سنن الله فى الاجتماع الإنسانى وفى مسارات الحضارات، وعن هذه الحقيقة ينبىء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى قال فيه (يبعثا الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (رواه أبو داود).
وإذا كانت الحضارات الإنسانية هى مواضعات بشرية وإبداعات مدنية، لا توصف بالخلود ولا بالإطلاق، ومن ثم يجوز عليها الموت وإخلاء الطريق لحضارات أخرى وارثة لأممها وشعوبها وتاريخها، بمعنى أن سنة الصحوة والتجديد قد تأتى فى صورة تداول الحضارات، لا بعثها وتجددها، فإن الحضارة الإسلامية -وأيضا اللغة العربية- مع أنهما مواضعات بشرية وإبداعات إنسانية، هما استثناء من مصيرموت وفناء الحضارات واللغات، وذلك لارتباطهما بالمطلق الدينى، وهو الإسلام الخالد والخاتم، والقرآن الكريم الذى تعهد الله بحفظه بلسان عربى مبين.
ولذلك، كانت الصحوة وكان التجديد سنة مطردة وقانونا لازما فى مسار الحضارة الإسلامية، يقودها إلى النهوض بعد كل ركود، وهذا هو الذى جعل حضارتنا الإسلامية -ومعها اللغة العربية- أطول الحضارات المعاصرة عمرا، وأرسخها قدما على درب النهوض من العثرات، وأكثرها استعصاء على فقدان الهوية والخصوصية، لارتباط ذلك فيها بالمطلق الدينى والخالد الإلهى، فهى إبداع مدنى بشرى، حفز إليه وصبغه وحدد معاييره الوضع الإلهى -المتمثل فى وحى الله ونبأ السماء العظيم- وتلك خصوصية لحضارتنا الإسلامية تفردت بها دون كل الحضارات.
وإذا كانت الحقبة المملوكية العثمانية، قد مثلت مرحلة التراجع فى مسيرة حضارتنا الإسلامية، فإن بواكير الصحوة الإسلامية قد بدأت فى بلادنا منذ أكثرمن قرنين من الزمان، وفى استطاعة المؤرخ لهذه الصحوة أن يتخذ من نداء الشيخ حسن العطار (1180 - 1250هـ/1711 - 1835م) أواخر القرن الثامن عشر الميلادى علامة على مرحلة التبلور لبواكير هذه الصحوة، ذلك النداء الذى قال فيه هذا الشيخ الرائد: إن بلادنا لابدأن تتغيز ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها.
ولقد كان تلاميذ الشيخ حسن العطار وفى طليعتهم الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى (1216 - 1290هـ/1801 - 1873م) الذين سعوا إلى تجديد "الذات الإسلامية" بالاحياء، وإلى الاستفادة من علوم المدنية الغربية -علوم الواقع والتمدن المدنى- بالتفاعل، وليس بالمحاكاة والتقليد هم طلائع وجذور الصحوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة.
فلما حدث وعاجل المد الاستعمارى الغربى مشروع النهضة الذى قاده محمد على باشا الكبير (1184 - 1265هـ/1770 - 1846م).
والذى جسد إلى حد كبير فكر هذه الصحوة تسلم ريادة هذه الصحوة تيار الجامعة الإسلامية، الذى تبلور -شعبيا- عبر العالم الإسلامى حول جمال الدين الأفغانى (1254 - 1265هـ/1770 - 1849م) والذى كان الإمام محمد عبده المهندس الأول لمشروعه الفكرى النهوضى، والذى حملته إلى العالم الإسلامى -على امتداد أربعين عاما- مجلة (المنار) التى رأس تحريرها الإمام محمد رشيد رضا (1282 - 1354هـ/1865 - 1935م)، ثم أسلم أمانة هذه الصحوة إلى الحركات والتنظيمات الإسلامية الحديثة -سواء منها تنظيمات الصفوة أو التنظيمات الجماهيرية- تلك التى نشأت عقب عموم بلوى الاستعمار الغريى للعالم الإسلامى إبان الحرب الاستعمارية العالمية الأولى (1332 - 1336هـ/1914 - 1918م) وبعد إسقاط الخلافة الإسلامية (1342هـ)، ولأن هذه الصحوة كانت تواجه جناحى المأزق الحضارى: التخلف الموروث، والزحف الاستعمارى الغربى، ولأنها قد سعت إلى الإحياء والتجديد الدينى، لبلورة معالم المشروع النهضوى العصرى، فى مواجهة الجمود والتقليد اللذين أوجدا "الفراغ الفكرى" فى بلادنا، وهو الفراغ الذى سعى الاستعمار الغربى إلى ملئه بنموذجه الحضارى الوضعى العلمانى، فلقد كان تركيز
هذه الصحوة على تجديد دين الإسلام لتتجدد به -وليس بالنموذج الغربى- دنيا المسلمين.
وهذه الحقيقة هى التى جعلت رفاعة الطهطاوى يدعو إلى إحياء الشريعة الإسلامية بالاجتهاد الجديد، وإلى تقنين فقه معاملاتها، ليحكم -بدلا من القانون الوضعى الفرنسى- حركة الاجتماع والاقتصاد والسياسة فى بلادنا "لأن بحر هذه الشريعة الغراء، على تفرع مشارعه، لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقى والرى، ولقد انطلق الأفغانى من ذات الموقف -إسلامية الصحوة- فرفض أن نبدأ صحوتنا من حيث انتهى المشروع الغربى العلمانى، قائلا: "إنه لا ملجئ للشرقى فى بدايته أن يقف موقف الغربى فى نهايته" فالتمدن الغربى هو فى الحقيقة تمدن للبلاد التى نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير الاجتماع الإنسانى، والإسلام هو السبب المفرد لسعادة الإنسان، ومن طلب إصلاح الأمة بوسيلة سوى هذه، فقد ركب بها شططا، ولا يزيدها إلا نحسا، ولا يكسبها إلا تعسا.
وعلى هذا الدرب فى إسلامية الصحوة سار الإمام محمد عبده، الذى قال: "إن الإسلام دين وشرع، وهو لم يدع ما لقيصر لقيصر وإنما كان من شأنه أن يحاسب قيصرعلى ماله، ويأخذ على يديه فى عمله " فهو كمال للشخص.
ولم تتكف هذه الصحوة عند حدود الفكر والدعوة وإنما سلكت سبيل التنظيم، لإبلاغ الرسالة، واستمرارية الدعوة، فعرفت مسيرتها تنظيمات: الحزب الوطنى الحر وجمعية العروة الوثقى وجمعية أم القرى، فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، كما عرفت الحزب الوطنى الذى قاده مصطفى كامل (1291 - 1326هـ/1874 - 1908م) فى العقد الأول من القرن العشرين وهو الحزب الذى جمع فى دوائر الانتماء بين الوطنية وبين الجامعة الإسلامية.
وليس صحيحا ما يظنه البعض من أن الصحوة الإسلامية قد تمثلت فقط فى الحركات والتنظيمات الإسلامية، فأوسع وأعرض فصائل الصحوة الإسلامية هو التيار الشعبى، المستمسك بالهوية الإسلامية، وفى مقدمة مؤسسات الصحوة الإسلامية الأزهر الشريف، الذى ظل يرعى علوم الشريعة والعربية ويحرس الوجدان الإسلامى للأمة عبر تاريخها الطويل.
فلقد سعى على هذا الطريق العديد من أعلام الفقه والقانون، وكان الدكتور عبدالرازق السنهورى باشا (1313 - 1391هـ/1895 - 1971م) واحدا منهم، جعل هذه المهمة مشروع حياته، تأليفا وتطبيقا، مؤكدا أن دول الشرق لا يمكن أن تجتمع على شىء واحد غير الإسلام، فالإسلام بالشرق والشرق بالإسلام.
وإذا كانت العقود الأخيرة قد شهدت تعاظم الصحوات الدينية، فى مختلف الديانات، بعد أن فشلت مشاريع النهوض والتحديث اللادينية، فإن تعاظم الصحوة الإسلامية يستند إلى خصيصة إسلامية، ينفرد بها الإسلام عن غيره من الديانات، هى منهاجه الشامل، الذى يجعله بديلا حضاريا، وليس مجرد عقائد وعبادات.
وهكذا ارتبطت الصحوة الإسلامية بحلم الأمة فى النهوض، والانعتاق من أسر التخلف الموروث، ومن الهيمنة الاستعمارية والحضارية الغربية، منذ فجر هذه الصحوة وحتى الآن.
أ. د/محمد عمارة
__________
الهامش:
1 - لسان العرب، ابن منظور دار صادر بيروت ط3 14/ 452.
مراجع الاستزادة:
1 - الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف د/يوسف القرضاوى قطر سنة 1402هـ.
2 - نظرات فى مسيرة العمل الإسلامى عمر عبيد حسنة قطر سنة1405هـ.
3 - حول إعادة تشكيل العقل المسلم د/عماد الدين خليل قطر سنة 1403هـ(1/389)
8 - الصحيحان
لغةً: الصحيحُ: السليم من العيوب والأمراض. ومن الأقوال: ما يعتمد عليه. والصحيح من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: الحديث المرفوع المتصل بنقل عَدْلٍ ضابط فى التحرى والأداء سالماً (1) من شذوذ وعلة.
واصطلاحاً: يطلق مصطلح الصحيحين على صحيحى البخارى ومسلم، وهما الكتابان اللذان تلقتهما الأمة بالقبول، واعتبرا أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل (2) فى رواية السنة المشرفة.
وسمى البخارى كتابه "الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه " (3).
ويعد صحيح البخارى مرحلة هامة من مراحل تطور علم الحديث رواية، إذ كانت المؤلفات فى هذا العلم قبله لا تفرد الحديث الصحيح بالتأليف، باستثناء موطأ الإمام مالك.
والذى دفع البخارى إلى ذلك هو استطالة الأسانيد، وكثرة طرق الحديث وبالتالى كثرت الأحاديث بما فيها من صحيح وضعيف، وأصبح من العسير تمييز هذا من ذاك. فوفر ذلك الإمام البخارى فى كتابه، وقد أعلن هذا المحدث الكبير ابن راهويه فى مجلس من مجالسه العلمية الذى كان يضم الإمام البخارى. قال: "لو جمعتم كتابا مختصراً لصحيح سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال البخارى: فوقع فى قلبى، فأخذت فى جمع الجامع الصحيح " (4).
واشترط البخارى ألا يدخل فى كتابه إلا أصح ما ورد من الحديث، ولهذا ترك الكثير من الصحيح (5)، واشترط بالإضافة إلى الشروط العامة للحديث الصحيح: طول ملازمة الراوى لشيخه، لأن ذلك أدعى إلى حفظه وضبطه للحديث الذى يرويه، كما اشترط أن يثبت عنده تاريخيا لقاء الراوى بشيخه وسماعه منه الحديث الذى يرويه عنه بصيغة تحتمل السماع وعدمه (6).
وهذه الشروط إنما تنطبق على الأحاديث المسندة فى الكتاب دون المعلقة التى قد تكون على شرطه، وقد لا تكون.
وقد رتب الإمام البخارى كتابه، على أبواب الفقه والعقائد، والتفسير والآداب، كل مجموعة من الأبواب ينتظمها موضوع واحد جعلها كتابا يضم معنى هذه الأبواب.
وترجم البخارى لهذه الأبواب بتراجم تضمنت الكثير مما يستنبط من الأحاديث من أحكام فقهيه، ولهذا قيل بحق: فقه البخارى فى تراجمه.
أما صحيح مسلم (204 هـ- 261 هـ) فاسم كتابه: "المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (7).
يقول عنه مسلم: "ما وضعت شيئا فى كتابى هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئاً إلا بحجة" (8)، ويقول: "ليس كل شيء عندى صحيح وضعته ههنا- يعنى فى كتابه الصحيح- إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه " (9).
وأتى صحيح مسلم فى المرتبة الثانية بعد البخارى- على رأى الجمهور- لأنه لم يشترط ما اشترطه البخارى من ملازمة الراوى لشيخه، وثبوت اللقاء فيما عبر عنه الرواة بعبارة تحتمل السماع وعدمه، واكتفى مسلم بالشروط العامة للصحيح، لكن هذا لا يمنع أن مسلما انتخب أحاديثه من أصح الأحاديث، قال: "إنما أخرجت هذا الحديث من الصحيح ليكون مجموعا عندى، وعند من يكتبه عنى، ولا يرتاب فى صحته " (10).
ورتب مسلم كتابه ترتيبا على الموضوعات كما فعل البخارى، ولكنه لم يضع تراجم لأبوابه، وجرده للصحيح فلم يدخل فيه كثيرا من التعليقات التى قد لا تكون على شرطه، كما أنه قد امتاز بجمع روايات الحديث فى مكان واحد على عكس البخارى الذى فرق الروايات فى الكتاب، لتفيد من الناحية الفقهية، أما صنيع مسلم فيفيد من الناحية الحديثية.
أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط ص 527.
2 - شرح مسلم للنووى 1/ 10 دار الشعب- مصر
3 - مقدمة ابن الصلاح ص 167 بتحقيق بنت الشاطىء- دار المعارف- ط (2) مصر.
4 - هدى السارى (مقدمة فتح البارى) ص 5، دار الكتاب الجديد- لبنان.
5 - مقدمة ابن الصلاح ص 162.
6 - شروط الأئمة الخمسة ص 61 أبو بكر الحازمى- مكتبة عاطف- بالقاهرة.
7 - فهرسة ابن خير ص 98 - مكتبة الخانجى بالقاهرة.
8 - تذكرة الحفاظ 2/ 560 شمس الدين أبو عبد الله الذهبى- حيدر آباد- الهند.
9 - مقدمة ابن الصلاح ص 162.
10 - شرح مسلم للنووى.(1/390)
9 - صحيفة المدينة
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمل حين هجرته إلى المدنية أن يستميل اليهود الذين بالمدينة إلى دينه، لأنهم أهل كتاب قد بشر بنبوته، وهم إن لم يستجيبوا لدينه، ويدخلوا فيه فلا أقل من أن يسالموه، ولا يكونوا مثل كفار مكة الذين اعترضوا دعوته، وحالوا دون نشرها بين الناس.
وكان اليهود من جهتهم يطمعون فى أن يستطيعوا بحيلهم ومكرهم من استمالة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، واحتواء دينه فى دينهم، فأظهروا له المسالمة فى أوائل هجرته، وهم يضمرون فى أنفسهم له ولدينه العداوة والبغضاء.
فلبسوا للمسلمين ثياب النفاق وخالطوهم وتبسطوا معهم، وبدوا لهم كأنهم قد قاربوا من دينهم، ورضوا عن شعائره بينهم (1).
وأعلن الكثير منهم الإسلام نفاقا، ودخلوا المسجد وأدوا الشعائر مع المسلمين، وهم يظنون أنهم يخادعون الله ورسوله وهو خادعهم.
ونتج عن هذه المعايشة السلمية التى كانت بين المسلمين واليهود والطوائف المشركة الأخرى التى كانت فى المدينة غير المسلمين واليهود أن قام رسول صلى الله عليه وسلم بكتابة صحفية تكون بمثابة دستور بين هذه الطوائف يحكمها ويحفظ حق كل طائفة منها، فى أداء شعائرها بحرية تامة، على أن تؤدى كل طائفة واجبات التعايش السلمى مع جيرانها فى البلد الواحد، فلا تساعد الأعداء عليها ولا تحالفهم ولا تجيرهم.
واعترفت هذه الصحيفة بأن المدينة المنورة قد أصبحت دولة صغرى لها كيانها وقوانينها.
وأن النبى صلى الله عليه وسلم رئيس تلك الدولة وهو يجمع فى يديه السلطتين الروحية والسياسية.
وقد أورد ابن هشام نصوص هذه الصحيفة فعدد أسماء القبائل التى التزمت بها، ومنه نقتبس بعض السطور:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبى صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف (وعدد الرسول صلى الله عليه وسلم وسلم قبائل المؤمنين على هذا النمط، ثم قال: وإنه لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ظلم أو أثم، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنا فى كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن، وإن ذمة الله واحدة (2).
ثم اتجهت الصحيفة للحديث عن اليهود فقالت: وإن اليهود يتفقون ما داموا محاريين، وإن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وإن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عوف (وعد على هذا النمط قبائل اليهود) ثم استمرت الصحيفة تقول: وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدثا أواشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل والى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن البر دون الإثم، وان الله على أصدق ما فى هذه الصحيفة وأبره " وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وخلاصة هذه الصحيفة:
1 - أن للجماعة شخصية دينية وسياسية ومن حقها أن تعاقب المفسد وتؤمن المطيع.
2 - أن الحرية الدينية مكفولة للجميع.
3 - على سكان المدينة من مسلمين وغير مسلمين أن يتعاونوا ماديا وأدبيا وعسكريا، وعليهم أن يردوا متساندين أى اعتداء قد يوجه لمدينتهم.
4 - الرسول صلوات الله وسلامه عليه هو الرئيس الأعلى لسكان المدينة، وتعرض عليه القضايا الكبرى وحالات الخلاف بين الأفراد ليفصل فيها.
وعلى الرغم من موقف المسلمين السمح كان اليهود غيرمخلصين لما جاء فى هذه الصحيفة، ويبدو أنهم قبلوها ريثما يدبرون أمرهم كما هو معروف من دراسة مواقفهم من المسلمين بعد ذلك (4).
أ. د/أحمد شلبى
__________
الهامش:
1 - سيرة النبى العربى محمد التاجى، 1/ 382 - 383.
2 - سيرة ابن هشام، 2/ 106.
3 - سيرة ابن هشام، 2/ 108.
4 - موسوعة التاريخ الإسلامى، دكتور أحمد شلبى، 1/ 286(1/391)
10 - صحيفة المقاطعة
لما رأت قريش أن المسلمين الذين هاجروا للحبشة وجدوا بها ملاذا آمنا طيبا، وأن عمر بن الخطاب دخل الإسلام هو وحمزة وقوى بهما المسلمون، اجتمعت قريش لتدبر أمرها، واتفقوا على أن يكتبوا صحيفة يتعاقدون فيها ضد بنى المطلب على ألا يزوجوهم أو يتزوجوا منهم، ولا يبيعون لهم، ولا يبتاعون منهم، وأن يقاطعوهم، وكتبوا هذه الصحيفة، وتعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة فى جوف الكعبة، وكان كاتب الصحيفة هو منصور بن عكرمة بن عامر، ويقال إنه النضر بن الحارث، وقد دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فشلت يده.
وإزاء ذلك انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبى طالب ودخلوا معه فى شعبه، وخرج من بنى هاشم أبو لهب (عبدالعزى بن عبد المطلب).
وقد عانى المسلمون من هذه المقاطعة أشد عناء، ومسهم الضر الشديد على الجوع والحرمان، وقد استمرت هذه المقاطعة حوالى ثلاث سنوات.
انتهاء المقاطعة:
وكان من بين المشركين نفر عارضوا استمرار المقاطعة، إذ أحسوا بالضر الذى يعيش فيه بنو هاشم وبنو المطلب، فمشوا فى نقض الصحيفة، ومن هؤلاء هشام بن عمرو بن الحارث، وأبو البخترى العاص بن هشام، والمطعم بن عدى، وزهير بن أبى أمية، وزمعة بن الأسود، وذهب زهير بن أبى أمية إلى البيت الحرام فطاف سبعا ثم صاح قائلا: يا أهل مكة، أناكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى؟
والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة، وعارض أبوجهل هذا الاتجاه، ولكن جانب الخير كان أقوى.
ويروى ابن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى طالب: (إن الله سلطد الأرضة على هذه الصحيفة فلحستها ولم تدع بها إلا اسم الله جل وعلا)، فخرج أبو طالب إلى القوم وصاح: يا معشر قريش إن ابن أخى أخبرنى أن الأرضة لحست كلمات المقاطعة فإن كان الأمر كما قال ابن أخى فانتهوا عن قطيعتنا، وإن يكن كاذبا فإنى أسلمه لكم، فقال القوم: رضينا، وتعاقدوا على ذلك وذهبوا للصحيفة فإذا هى كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
وانتهت بذلك صحيفة المقاطعة، وإن كان كيد قريش للمسلمين لم ينته، مما جعل المسلمين يلجأون للهجرة إلى المدينة المنورة.
أ. د/أحمد شلبى
__________
مراجع الاستزادة:
1 - السيرة النبوية ابن هشام 2/ 3،17،19.
2 - السيرة النبوية أحمد شلبى الجزءالأول من موسوعة التاريخ الإسلامى(1/392)
11 - الصدر الأعظم
لغة: الصدرهو أعلى مقدم كل شىء وأوله، والأعظم صيغة أفعل التفضيل من عظيم، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: هو نائب السلطان ورئيس الوزراء فى الباب العالى، ورئيس ولاة الولايات العثمانية فى آسيا وأفريقيا وأوربا.
وقد استحق هذا اللقب لأنه كان يتصدر مجلس الباب العالى، ويرأس الحكومة العثمانية وما اشتملت عليه من المؤسسات المختلفة، كما كان يقود المعارك وحده، أو فى معية السلطان، ولم يكن يساويه أو يفوقه غير شيخ الإسلام "المفتى الأعظم " ولم يكن هذا المنصب عثمانيا وحسب، وإنما كان إسلاميا يتقلده أصحاب الكفاءة من سائر الجنسيات.
ومدة ولايته تتراوح غالبا بين تسعة أشهر وسبعة أعوام، وبعد عزله أو اعتزاله كان يتولى حكم مصر والمجر غالبا، لأنهما أهم ولايات الدولة العثمانية.
وأول من تولى هذا المنصب هو خليل باشا، ابن على باشا، فى سلطنة مراد الثانى (2) وقيل بل علاء الدين باشا (3).
وقد بقى هذا المنصب قائما حتى انتهى نظام السلطنة والخلافة العثمانية، وآل الحكم إلى تركيا الحديثة تحت قيادة كمال أتاتورك سنة 1344هـ-1925م.
أ. د/عبد العزيز غنيم عبد القادر
__________
الهامش:
1 - لسان العرب لابن منظور مادة (صدر)، ومادة (عظم) مطبعة دار المعارف.
2 - جامع الدول لأحمد دده بن لطف الله مخطوط بمكتبة نور عثمانية، باستامبول 2/ 247،214،314،393،451.
3 - تاريخ الملوك العثمانية والوزراء الصدور ومشايخ الإسلام لأحمد عرابى مخطوط بمكتبة رفاعة الطهطاوى سوهاج ص5 - 15(1/393)
12 - الصدق
لغة: ضد الكذب، يقال: هو رجل صدق، وصديق صدق أى صادق الرجولة والصداقة لا يخون صدق يصدق صدقا، صدقا، فى وعده أو وعيده: أنفذه وصدقه: قبل قوله والمصدق: هو الذى يصدقك فى حديثك والصديق: الدائم التصديق، وهو أيضا الذى يصدق قوله بالعمل.
واصطلاحا: هو من الصفات الحميدة فى الإنسان، بل إنه من أفضل الصفات الإنسانية على الإطلاق، ذلك أن من يتحلى بالصدق فى القول وفى العمل، فهو لبنه صالحة فى بناء المجتمع الإنسانى، لأن الصدق من أهم الدعائم التى تستقيم بها حياة الفرد، وتصلح بها العلاقات الاجتماعية، وتقوى بها الروابط بين الناس فى المجتمع، ولذا حث الإسلام عليه، ووعد الصادقين جنات النعيم، فقد ورد مدح الصادقين فى القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة، منها قوله تعالى: {ليجزى الله الصادقين بصدقهم} الأحزاب:24، وقوله: {قل أؤنبئكم بخيرمن ذلكم، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفرلنا ذنوبنا وقنا عذابا النار الصابرين والصادقين ... } آل عمران:15 - 17.
كما ورد أن الصدق من صفات هؤلاء الذين سينعمون بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فقال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، لهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها أبدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفورالعظيم} المائدة:119.
كذلك ورد فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو المسلمين إلى التحلى بالصدق فى القول والعمل، فقد روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من أفتى بغيرعلم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشاربعلم وهو يعلم أن الرشد فى غيره فقد خانه) رواه أبو داود.
فالصدق صفة مطلوبة، وفضيلة يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، فإن لم يفعل ذلك، كان جزاؤه النار وبئس المصير، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) (رواه البخارى).
وكما حث الإسلام المسلمين على الالتزام بالصدق فى القول، ووعد من التزم به جزاء فى الدنيا والآخرة، كذلك أمرهم بالصدق فى العمل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) أى أن يكون صادقا فيما يقوم به من عمل فى جميع المجالات سواء كانت دينية أم دنيوية.
أ. د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1 - لسان العرب لابن منظور.
2 - الإسلام كما ينبغى أن نعرفه د/محمد شامة القاهرة سنة 1983م.
3 - صحيح البخارى.
4 - سنن أبى داود(1/394)
13 - صدقة الفطر
لغة: الصدقة ما يعطى على وجه القربى لله تعالى لا المكرمة (1).
والفطر (2): نقيض الصوم، وقد أفطر وفطر وأفطره وفطره تفطيرا.
وشرعا: صدقة واجبة يقدمها المسلمون إلى المحتاجين بمناسبة عيد الفطر.
وهى تسمى زكاة الفطر، وزكاة الفطرة، فمن قال: زكاة الفطر أوجبها بدخول الفطر، ومن قال: زكاة الفطرة أوجبها على الفطرة، والفطرة الخلقة، قال الله تعالى: {فطرت الله التى فطر الناس عليها} الروم:30، أى خلقته التى جبل الناس عليها (3).
ولهذا فهى واجبة على المسلمين إجماعا على الحر والعبد، الذكر والأنثى، الصغير والكبير.
والأصل فيها أحاديث كثيرة، منها ما ورد عن ابن عباس (4) قال: (فرض رسول صلى الله عليه وسلم زكاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات).
وحيث ثبت وجوبها فهى فرض كزكوات الأموال، وقال أبوحنيفة: هى واجبة وليست فرضا كالوتر، بناء على أصله فى الفرق بين الواجبه والفرض وهذا الخلاف إذا قدر كان خلافا فى العبارة وفاقا فى المعنى، والخلاف فى العبارة مع الوفاق فى المعنى غير مؤثر.
ومقدارها على كل مسلم صاع من تمر أو من شعير، كصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ورد فى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم (5).
ووقتها قبل صلاة العيد، على خلاف بين الفقهاء فى جوازها فى أيام رمضان (6).
أ. د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، دار المعارف ط2 1972م 1/ 511، لسان العرب لابن منظور، دار المعارف 4/ 2419.
2 - لسان العرب لابن منظور 5/ 3435 المعجم الوسيط2/ 664.
3 - انظر الحاوى الكبير للماوردى تحقيق محمود مطرجى وآخرين، ط دار الفكر 1994 م 4/ 376.
4 - أخرجه أبو داود فى الزكاة (1609)، وابن ماجه (1827) والدار قطنى 2/ 138.
5 - أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الزكاة، باب كم يؤدى فى صدقة الفطر، أرقام من 1611،1616.
6 - مختصر اختلاف العلماء للطحاوى، اختصار أبى بكر الجصاص، تحقيق/عبدالله نذير أحمد دار البشائر الإسلامية ط1 سنة 1995م ص476.
مراجع الاستزادة:
1 - الكافى لابن عبد البر المالكى مكتبة الرياض الحديثة ط1 1978 م 1/ 320 وما بعدها.
2 - مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر لشيخ زادة، طبعة دار سعادة سنة 1327هـ 1/ 226.
3 - الكافى فى فقه الإمام أحمد بن حنبل لابن قدامة، المكتب الإسلامى ط2 1979م 1/ 316(1/395)
14 - الصّراط
لغة: الطريق (1). وفى التنزيل العزيز} ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله {(الأعراف 86) وفى اللسان "الصراط، السراط الزراط: الطريق " (2)
واصطلاحا: هو فى الشرع "جسر ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون حتى الكفار خلافا للحليمى، حيث ذهب إلى أنهم لا يمرون عليه ولعله أراد الطائفة التى ترمى فى جهنم من الموقف بلا صراط " (3). وفى "المواقف " "واعلم أن الصراط جسر ممدود على ظهر جهنم يعبر عليه المؤمن وغير المؤمن)، (4).
ويقول ابن قدامة: "والصراط حق يجوزه الأبرار ويزل عنه الفجار" (5).
وفى الفقه الأكبر للإمام الشافعى "وأما الصراط فقنطرة ممدودة على جهنم " (6).
وفى الحديث الصحيح "ويضرب الصراط بين ظهرى جهنم فأكون أنا وأمتى أول من
يجيز" (7).
ويقول النووى: وفى هذا إثبات الصراط ومذهب أهل الحق إثباته، وقد أجمع السلف على إثباته، وهو جسر على متن جهنم يمر عليه الناس كلهم، فالمؤمنون ينجون على حسب حالهم، أى منازلهم، والآخرون يسقطون فيها" (8).
وفى تحفة المريد "وفي بعض الروايات أنه أدق من الشعرة وحَدَّ من السيف، وهو المشهور ... ثم يقول: وقال بعضهم: إنه يضيق ويتسع بحسب ضيق النور وانتشاره، فعرض صراط كل أحد بقدر انتشار نوره، فإن كل إنسان لا يتعداه إلى غيره، فلا يمشى أحد فى نور أحد ومن هنا كان دقيقا فى حق قوم، عريضا فى حق آخرين .. " (9).
وصدق الله إذ يقول:} وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا.
ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا {(مريم 71،72).
أ. د. حسن عبد الرؤوف محمد
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية1/ 512 دار المعارف الطبعة الثانية.
2 - لسان العرب، ابن منظور. مادة (صراط).
3 - تحفة المريد على جوهرة التوحيد، للشيخ إبراهيم البيجورى ص212 طبعة المعاهد الأزهرية.
4 - المواقف، لعضد الدين الإيجى ص 383مكتبة المتنبى القاهرة.
5 - الاعتقاد لابن قدامة هدية مجلة الأزهر ربيع الآخر 1407 هـ ص 33.
6 - الفقه الأكبر، للإمام الشافعى هدية مجلة الأزهر جمادى الأولى 6 0 4 1 هـ ص 66.
7 - صحيح مسلم بشرح النووى 3/ 20دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
8 - السابق 3/ 20
9 - تحفة المريد على جوهرة التوحيد ص 212 - 213.(1/396)
15 - الصعاليك
لغة: الصعلوك يقصد به الفقير .. من " صعلك فلانا: أفقره .. والتصعلك: الفقر وصعاليك العرب ذؤبانها .. وصعلك البقل الدواب .. سمنها .. وتصعلكت الإبل: طرحت أوبارها .. وتصعلك الرجل: افتقر .. وصعاليك العرب فتاكها (1).
ولم تقف اللفظة فى الجاهلية عند مدلولها اللغوى الخاص .. وإنما أخذت تدل على من يتجرد للغارات وقطع الطريق ..
واصطلاحا: هم طائفة من الشعراء اشتهروا بالعدو والإغارة على القبائل للنهب (2) وهم أيضا شبان فقراء أمثال "عروة بن الورد" و "تأبط شرا" و "السليك بن السلكة" ويطلق عليهم- كما أوردنا: ذؤبان العرب .. لأنهم كانوا يختطفون المال .. كما تخطفه الذئاب .. كما كان يطلق عليهم أيضا: العدائين .. لأنهم كانوا مشهورين بسرعة العدو فى السلب والنهب .. ولكنهم كانوا مع فقرهم نبلاء .. ومن نبلهم أنهم كانوا لا يهجمون إلا على الأشحاء والبخلاء من الأغنياء .. فإذا وجدوا غنيا كريما تركوه .. وإن وجدوا غنيا شحيحا هاجموه (3).
وقد كانوا على ثلاث مجموعات:
1 - الخلعاء الشذاذ .. الذين خلعتهم قبائلهم لكثرة جرائرهم .. مثل حاجز الأسدى المتوفى سنة (570 م) كان يسبق الخيل.
2 - أبناء الحبشيات السود .. ممن نبذهم آباؤهم .. ولم يلحقوهم بهم لعار ولادتهم .. فسموا هم وأضرابهم باسم " أغربة العرب " .. لأنهم كانوا يشاركون أمهاتهم فى السواد.
3 - ولم يكن أفراد هذه المجموعة من الخلعاء ولا من أبناء الإماء الحبشيات وإنما كانوا من الذين احترفوا الصعلكة احترافا (4).
وقد كانت أكثر المناطق عرضة لإغارتهم .. مناطق الخب .. حيث كانوا يرصدون طرق القوافل التجارية .. وقوافل الحجاج القاصدة إلى مكة .. وكانوا ينتشرون حولها فى جبال السراة .. كما كانوا ينتشرون بالقرب من الطائف والمدينة .. وأطراف اليمن الشمالية (5).
وتتميز أشعارهم بأنها تمتلئ بصيحات الفقر والجوع، وتموج أنفسهم بالثورة العارمة على الأغنياء والأشحاء .. وأنهم يمتازون بالشجاعة والصبر عند البأس .. وشدة المراس .. وتضرب بهم الأمثال فى شدة العدو. وتروى عنهم أقاصيص كثيرة فى هذا الجانب .. وكانوا يحسنون ركوب الخيل .. والإغارة عليها (6).
وفى أشعارهم يتغنون بمغامراتهم .. وعندهم غير قليل من الترفع والشعور بالكرامة فى الحياة .. ونجد عروة بن الورد يعبر عن مثالية خلقية رفيعة .. تصل إلى نظام يشبه نظام الفروسية .. وهى فى حقيقتها تقوم على السلب والنهب .. وعروة هذا يسمى "عروة الصعاليك" لأنه كان كالرئيس عليهم- يجمعهم ويقوم بأمرهم .. وكان لشعره تأثير فى نفوس قبيلته (7).
أ. د/ صفوت زيد
__________
المراجع
1 - لسان العرب- مادة (صعلك) لابن منظور 4/ 2452. والمعجم الوسيط مجمع اللغة العربية.
2 - تاريخ آداب اللغة العربية- جورجى زيدان 1/ 141دار الهلال. والعصر الجاهلى د. شوقى ضيف 375.
3 - الصعلكة والفنون فى الإسلام. أحمد أمين 18 - 19 طبعة دار المعارف إبريل 1952م.
4 - تاريخ آداب اللغة العربية 1/ 141
5 - العصر الجاهلى د. شوقى ضيف 376.
6 - السابق 375 - 387.
7 - انظر التكافل الاجتماعى فى شعر شعراء الصعاليك .. من كتاب دراسات ونصوص فى الأدب العربى د. محمد مصطفى هدارة 47 - 65 دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية 1985 م.
مراجع الاستزادة:
1 - الشعر والشعراء. لابن قتيبة ط دار المعرفة.
2 - خزانة الأدب. للبغدادى(1/397)
16 - الصفاء
لغة: الصفو والصفاء نقيض الكدر (1). والصفاء: الخلوص من الشوب (2). وصفاء الذهن هو عبارة عن استعداد النفس لاستخراج المطلوب بلا تعب وبلا تشويش (3). وأما من اتصف بالصفاء عن كدر الغيرية فهم الصفوة.
واصطلاحا: الصفاء عند الصوفية لفظ يطلقونه ويريدون به البعد عن المذمومات، وإماتة الشهوات، فالصفاء مرآة القلب الطاهرة التى عليها الحقائق بعد التخلص من آفات العادة والطبع الرديء.
والصفاء عدم الركون لطلبات النفس من الفتوحات والكشوفات والتجليات وإنما طهارة النفس بلا ملاحظة واهتمام، فانشغال العبد بصفائه واهتمامه بتنقية قلبه إنما هو جفاء أى بعد عن الصفاء، لأنه فى هذه الحالة يكون مريدا للأحوال والمقامات، راغبا فى الكمالات، وهذا انشغال برؤية العقل عن الطاعات والموجبات فملاحظة ما صفا بالصفاء جفاء.
وبذلك يصل إلى درجة عليا من الصفاء وهو صفاء الصفاء، أى يشاهد الحق بالحق ولا يكون هناك حاجز حسى أو مادى أو علة وسبب فى الاتصال بالله، لأنه هنا يكون قد وصل بعد مفارقة الطبع والعادة والفعل والعمل (4).
أ. د. على جمعة محمد
1 - لسان العرب لابن منظور 4/ 2468دار المعارف- التوقيف على مهمات التعاريف لمحمد عبد الرؤوف المناوى تحقيق د/محمد رضوان الداية ص 457 دار الفكر المعاصر، الطبعة الأولى، 1999 م.
2 - التعريفات للجرجانى ص 17 1 مصطفى الحلبى 1938م.
3 - التعريفات للجرجانى ص 117 - التوقيف على مهمات التعاريف، المناوى، ص 458.
4 - انظر اللمع للشيخ أبى نصر سراج الدين الطوسى ص 414، 415 طبعة لجنة نشر التراث الصوفى تحقيق د/عبد الحليم محمود.
__________
المراجع
1 - جامع العلوم الملقب بدستور العلماء لعبد النبى بن عبد الرسول الأحمد نكرى 2/ 287 طبعة الهند الثانية 985 1 م.
2 - كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 4/ 869 طبعة خياط بيروت.
3 - معجم الفاظ الصوفية للدكتور حسن الشرقاوى ص 0 9 1 مؤسسة مختار للنشر والتوزيع بالقاهرة، الطبعة الأولى 987 1 م.(1/398)
17 - الصفات
لغة: جمع صفة، وهى الاسم الدال على بعض أحوال الذات وذلك نحو طويل وقصير وعاقل وأحمق وغيرها.
واصطلاحا: الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذى يعرف بها.
والمصدر الأول لأسماء الله وصفاته هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف:180.
ومشكلة الأسماء والصفات تحتل مركزا وثقلا كبيرين فى مؤلفات الفلاسفة والمتكلمين المسلمين.
ويندرج تناول مشكلة صفات الله عز وجل تحت باب التوحيد خاصة عند المعتزلة والأشاعرة ومن تابعهم من الفلاسفة المسلمين.
ويقسم المعتزلة الصفات المنسوبة لله تعالى إلى قسمين:
أحدهما: صفات الذات، وتعرف بأنها الصفات التى لا تنفك عنها الذات وهى خمس صفات: الوجود والحياة والقدرة والعلم والإرادة
والثانى: صفاته الأفعال وهى كل ما تعلق بالجوارح أو الحواس التى لا تنسب إلى الله عز وجل إلا على سبيل المجاز.
أما بالنسبة للإنسان فهى تكون على وجه الحقيقة ولا يجوز وصفه تعالى بعكس صفات الذات ولا صفات الأفعال التى تليق بذاته، أما صفات الأفعال الأخرى فيمكن وصفه تعالى بأضدادها مثل المحيى والمميت، والرحيم والمنتقم، والعاطى والمانع أما صفة العدل فلا يجوز وصفه تعالى بأضدادها، وكذلك صفة الكمال والجمال والإحسان وما إلى ذلك مما لا يتصور ضدها فيه تعالى.
لم ينكرأحد المسلمين ثبوت صفات الجلال لله عز وجل، وإنما وقع الخلاف فى كيفية نسبتها إلى ذاته بحيث لا توحى بالتعدد أو التغير فى ذاته تعالى.
وقد حرصت المعتزلة على عدم إشراك أى مع الله فى صفة القدم ونتج عن ذلك تقارب فى الآراء بين المعتزلة أنفسهم وبينهم وبين الفرق الأخرى من جانبه آخر. وعرف فى هذا المجال ما يسمى بنظرية المعانى التى قال بها معمر بن عياد السلمى (320هـ) وأبو على الجبائى (303هـ-924م) وأخد بها الأشاعرة. كما عرفت نظرية الأحوال التى قال بها أبو هاشم عبد السلام الجبائى (321هـ-941م). ومضمون نظرية المعانى أن الصفات عبارة عن معان قائمة بالذات لا ينتج عن قيامها بالذات لا تعددا ولا تغيرا.
أما الأحوال فتعنى أن الذات الإلهية تكون على حال ثم تكون على حال أخرى، فتكون تارة على حال عالمة ثم على حال قادرة ثم أخرى مريدة وهكذا، وقد قوبلت هذه النظرية بنقد شديد من كثير من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من متكلمى أهل السنة والفلاسفة.
أما أول محاولة جادة لتفسير علاقة الصفات بالذات الإلهية فقد قام بها أبو الهذيل العلاف المعتزلى (227هـ-842م) حيث روى عنه أنه كان يقول بأن الله قادر بقدرة ليست هى هو ولا هى غيره، وكذا فى سائر الصفات فأثبت له تعالى حق القدرة ولكنه لم يستطع بيان علاقة القدرة أو أية صفة أخرى من صفات الذات بذاته تعالى فقال بما يتناقض مع نفسه، فهذه القدرة ليست هى هو ولا هى غيره ماذا تكون إذن؟!
وكانت هذه المقولة سببا فى اتهام المعتزلة بأنهم نفوا الصفات عن الله عز وجل وأنهم مُعَطِّلة وكان من المعتزلة من يذهب إلى القول بضد الصفة لإثباتها لذاته تعالى، فنفى، العجز يتضمن الوصف بالقدرة، ونفى الجهل عنه تعالى يعنى إثبات صفة العلم لله تعالى، وهكذا فى باقى صفات الذات ومن هنا جاء وصفهم من قبل متكلمى أهل السنة بأنهم نفوا الصفات عن الله عزوجل.
أما أشد أنواع الجدل فقد دار حول الصفات التشبيهية مثل تفسير اليد والوجه والاستواء وما شابه ذلك. حيث توقف أهل السنة والجماعة عن الخوض فيها، وآمنوا بها كما جاءت فى القرآن الكريم دون السؤال عن الكيف.
أما المعتزلة فقد لجأوا فى تفسير ذلك إلى ما عرف بقياس الغائب على الشاهد، وفسروها أحيانا بأنها منسوبة لله عزوجل على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة، ففسروا الوجه بالوجود واليد بالقدرة والرؤية (رؤية البارى عز وجل فى الآخرة) على أنها تكون بالروح لا بحاسة البصر، وقد اختلف معهم فى هذه الطريقة أيضا متكلمو السنة.
ويرى أبو الحسن الأشعرى أن إثبات الصفة عن طريق نص ضدها حسبما كان يذهب إليه إبراهيم بن سيار النظام (235هـ-850م) قد دخل الفكرالاسلامى عن طريق الفلسفة اليونانية ومن تأثر بها من المسلمين. وقد أيد أبو حامد الغزالى ما ذهب اليه أبو الحسن الأشعرى فى حق الفلاسفة لنفيهم الصفات بحجة أن إثباتها يؤدى إلى التعدد فى الذات الإلهية.
وكذلك يرفض ابن رشد تفسيرالمعتزلة للصفات وعلاقتها بالذات ويدلل على بطلانه وتناقضه مع ذاته ثم جاء ابن تيمية (728هـ) ليرد على المعتزلة والأشاعرة والفلاسفة ويضع حدا للخوض فى هذه المسألة وإثبات استحالة القطع فيها عن طريق العقل.
أ. د/السيد محمد الشاهد
__________
مراجع الاستزادة:
1 - التعريفات للشريف الجرجانى لبنان 1985م.
2 - المحيط بالتكليف للقاضى عبدالجبار الهمذانى جمع الحسن بن متويه تحقيق عمر السيد عزمى القاهرة د. ت.
3 - مقالات الإسلاميين، لأبى الحسن الأشعرى تحقيق هيلموت زيتر اسطنبول 1929م.
4 - الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد تحقيق محمود قاسم القاهرة 1964م.
5 - درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية تحقيق محمد رشاد سالم الرياض 1402هـ 1982م.
6 - الملل والنحل للشهر ستانى(1/399)
18 - الصفويون
ينسب الصفويون إلى جدهم الأعلى الشيخ صفى الدين الذى ينتسب فيما يقال إلى الإمام موسى الكاظم، فالأسرة بذلك من أولاد الإمام الحسين ومن ذرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد اتجهت هذه الأسرة اتجاها صوفيا فأصبح لها مريدون وأتباع فى موطنهم الأصلى "الأردبيل " ولما كثر هؤلاء الأتباع خافهم حاكم المنطقة فطردهم، فلجأوا إلى ديار بكر فأصبحوا فى رعاية حسن أوزون، وتزوج زعيمهم بنت حسن أوزون، وقاد جيوشه، وكان إسماعيل الصفوى- الشاه إسماعيل فيما بعد- ثمرة هذا الزواج، وقد استطاع إسماعيل أن يجمع أشتات أسرته وأن يجمع أشتات أتباعه، وبعد أن كان رجل دين أصبح قائدا عسكريا، واستطاع أن يعود إلى بلاده، وأن يبدأ فى تكوين مملكة كان لها شأن كبير فى التاريخ.
وحدث الصراع بين أمراء الآق قوينلو والصفويين القوة الجديدة التى قامت فى بلاد فارس، واتجهت هذه القوة إلى الاستيلاء على كل ما بأيدى الآق قوينلو ببلاد فارس والعراق وقد بدأ الصراع بين القوتين، إلا أن كفة الصفويين كانت ترجح دائما، وبخاصة أن ظهورهم بدأ فى فترة كان الخلاف واضحا بين أفراد أسرة الآق قوينلو، ومراحل هذا الصراع كما يلى:
1 - سنة 906 هـ عقب مقتل محمدى ميرزا عقدت معاهدة بين المنتصرين ألوند ومراد، بمقتضاها أصبحت أذربيجان وديار بكر إلى ألوند وأصبحت العراق وفارس لمراد.
2 - سنة 907 هـ انتهز الشاه إسماعيل الصفوى فرصة الخلاف والانشقاق فهاجم ألوند فى أذربيجان واضطره للفرار إلى بغداد ثم إلى ديار بكر وتوفى سنة 910 هـ.
3 - سنة 908 ص انثنى الشاه إسماعيل إلى مراد فالتقى به فى معركة بالقرب من همذان هزمه فيها شر هزيمة، وأرغمه على الفرار إلى بغداد.
4 - سنة 914 هـ هاجم الشاه إسماعيل بغداد فاضطر مراد وحاكم بغداد (باديك) إلى الفرار إلى مصركما سبق القول، وسقطت بغداد فى يد الصفويين وتعتبر سنة 914 هـ/508 1م تاريخا لانقراض دولة الآق قوينلو، وأصبحت العراق تابعة للصفويين وقد تحقق لإسماعيل الصفوى ما أراد، فأسس الأسرة الصفوية، ثم أخذ حكمه يتسع حتى امتد من جيحون إلى خليج البصرة ومن أفغانستان إلى الفرات، واستولى على بغداد سنة 914 هـ كما ذكرنا من قبل، وأصبحت العراق ولاية تابعة لملك الصفويين الفسيح. وتبعية العراق لبلاد فارس حدث خطير من الناحية الحضارية، فقد أصبح العراق بذلك تابعا لدولة مسلمة شيعية، بعد أن ظل عدة قرون تحت حكم جماعات أقرب للوثنية، وبهذا بدأ الطابع الإسلامى الحقيقى يعود إلى العراق هذا من الجانب الدينى إلا أن الصفويين حاولوا من جانب آخر أن يتجهوا بالعراق اتجاها فارسيا، بحيث يشمل اللغة والتقاليد، وكان هذا الاتجاه على وشك أن يعيد العراق إلى الفارسية كما كانت عليه قبل الإسلام، لولا الزحف العثمانى على العراق.
ولما كان الصفويون شيعة فقد اتجهوا باهتمامهم إلى مناصرة التشيع ونشره بالعراق، وقد بدأ الشاه إسماعيل بذلك، فإنه عقب فتح بغداد أسرع بزيارة العراق، ووفد له شيعة العراق فأكرم وفادتهم، وزار كربلاء والنجف فى إجلال ظاهر، وشيد بناية فخمة على قبر موسى الكاظم، وانثنى إلى قبور أئمة السنة فهدمها وقتل جماعة من السنيين. وبذلك أحيا الصراع الطائفى الذى عرفه العراق بين السنة والشيعة منذ العهد الأول للإسلام: والولاة الصفويون لبغداد هم:
1 - لالا حسين (أول وال فارسى) 914 هـ
2 - قثعرز سلطان 921 هـ.
3 - ثورة ذى الفقار نخود 930 هـ.
4 - محمد خان بن شرف الدين 936 هـ
5 - تكلو محمد خان 940 هـ- 941 هـ.
وكان هناك حاكم عربى للبصرة، ولكنه كان يدفع إتاوة سنوية إلى الشاه وندب الشاه أحد الخانات ليحكم الموصل.
وكان عهد الصفويين بالعراق عهد استقرار نسبى، وقد تقاطر التجار الفرس إلى بغداد وسكنوها، وبدأ النشاط الاقتصادى يأخذ طريقه، ولكن فترة الصفويين بالعراق كانت قصيرة، حيث امتدت حدود الأتراك العثمانيين حتى تاخمت حدود الصفويين، وكان الخلاف الطائفى بين أهل السنة والشيعة حادا فاستلزم صراعا بين القوتين الكبيرتين وامتد الصراع إلى بغداد، ورجحت فيه كفة الأتراك العثمانيين، إلا أن الحكم الصفوى استطاع أن يعود مرة أخرى سنة 623 1م وكان ذلك فى عهد الشاه عباس الذى شجعه على أطماعه ضعف الدولة العثمانية، وقد حاصر الشاه بغداد حصارا طويلا، مما دفع أهلها الجائعين إلى أن يأكلوا لحوم البشر، وفى وسط هذه الأزمة الطاحنة حدثت حوادث مفزعة بين أهل السنة والشيعة، فقد صلب أهل بغداد الفرس الشيعيين وألقوا برؤوسهم إلى المحاصرين وعلقوا أجسامهم على الأسوار، وانتقاما لذلك قضى جنود الشاه عباس عندما استولوا على بغداد على أهل السنة قضاء تاما، ولم يدعوا أثرا لأبنية بغداد الشاهقة، حتى جامع أبى حنيفة وعبد القادر الجيلانى أصبحا أنقاضا.
لكن كان عمر هذا النصر الصفوى قصيرا، إذ استطاع ا. لسلطان العثمانى مراد الرابع استعادة بغداد لآخر مرة سنة 638 1م وأوقع بالجيش الشيعى مثل ما أوقعه الشيعة بأهل السنة من دمار، ثم تم الصلح مع الصفويين وتم تثبيت الحدود بين الدولتين. وأصبحت العراق جزءا من الإمبراطورية العثمانية.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - السلوك فى معرفة الدول والملوك للمقريزى.
2 - دول الإسلام للذهبى.
3 - تاريخ اليعقوبى لليعقوبى.
4 - عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان للعينى طبعة الهينة العامة للكتاب.
5 - الإسلام والحضارة العربية محمد محمود على.
6 - البلاد العربية والدولة العثمانية ساطع الحصرى.
7 - تاريخ دول الإسلام رزق الله الصدفى.(1/400)
19 - الصَّقَالِبة
يطلق مصطلح الصقالبة (السٌّلاف) على أمة مرجعها أصل واحد، وقد أكثر من ذكرها مؤرخو اليونان والرومان والعرب، ولكن أكثر أقوالهم مبهمة لا تدل دلالة صريحة على أصل مرجعها، وتوزعها فى بلاد أوروبا وآسيا، ومن مؤرخى العرب من جعلها فئة قليلة، ومنهم من توسع فنسب إليها بلادا وأمما لم تكن منها.
قال ياقوت الحموى: "الصقالبة جيل حمر الألوان صهب الشعور يتاخمون بلاد الخور فى أعالى جبال الروم " وقال أيضا: الصقالبة بلاد بين بلغار وقسطنطينية. وقال المسعودى: الصقالبة أجناس مختلفة ومساكنهم فى المغرب وبينهم حروب، ولهم ملوك، فمنهم من ينقاد إلى دين النصرانية، ومنهم من لا كتاب له ولا شريعة.
وجعل المسعودى الترك من الصقالبة قال: وهذا الجيش (أى الترك)، أحسن الصقالبة صورا وأكثرهم عددا وأشدهم بأسا.
وقال ابن خلدون: الصقالبة إخوة الخزر والترك. ولا يخفى ما فى هذا الإجمال من الإبهام والغموض.
ولكل المؤرخين عذرهم لأن هذه الأمم لم تبلغ فى أيامهم شأنا يدونه التاريخ، فإنهم أخذوا ما أخذوه مما التقطوه من أفواه الناس، أو نقلوه عن تواريخ اليونان الذين لم يكن لعهدهم منزلة كبرى لهذه الأمم، غير أن الدراسات الحديثة أكدت أنهم شعوب كانت تسكن بين جبال الأورال والبحر الأدريانى فى أوروبا الشرقية والوسطى، ويتكلمون بلغات تنتمى إلى العائلة- الهند وأوروبا- ويقسمون عادة إلى ثلاثة أقسام كبرى: صقالبة الغرب ويشملون البولنديين، والتشيكيين والسلوفاكيين، وعناصر أخرى صغيرة فى شرقى ألمانيا.
وصقالبة الشرق: وهم (الروس الكبار)، والأوكرانيون (الروس الصغار) البلورسيون (الروس البيض).
وصقالبة الجنوب ويضمون الصربيين والكرواتيين والسلوفينيين والمقدونيين والبلغاريين.
وينقسم الصقالبة ثقافيا إلى مجموعتين رئيسيتين: الأولى ترتبط بالكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، والأخرى بكنيسة الروم الكاثوليكية. ويذكر أن الصقالبة اسم يطلق على جميع الأسرى الذين كانت تأتى بهم الجيوش الألمانية من حملاتها من جميع البلاد الأوروبية ثم يبيعونهم إلى الأندلس، وهم لا يزالون بعد فى شرخ الشباب، ولكنهم سرعان ما بدأوا يتحدثون باللغة العربية، ثم أسلموا وقد أثرى بعضهم وامتلك الضياع الواسعة، بل كان لهم عبيدهم الخاصون بهم، وتثقفت عقولهم بفضل اتصالهم بالحضارة الأندلسية الزاهرة، وكان منهم علماء مشاهير وشعراء.
وفى راوية الأبار والمقرى أن أحدهم وهو حبيب الصقلبى، صنف فى عهد هشام الثانى كتابا أشاد فيه بفضائل أدباء الصقالبة من الأندلسيين، وكان عنوان الكتاب " الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضائل الصقالبة ".
وكان الصقالبة فى الأندلس لهم دور بارز فى السياسة يتناسب وازدياد عددهم حتى أنهم كونوا طبقة اجتماعية تشبه إلى حد ما طبقة المماليك الأتراك فى المشرق الإسلامى. وقد استخدم الخلفاء الأمويون فى الأندلس هؤلاء الصقالبة للحد من نفوذ الأرستقراطية العربية فى الحكم، وإضعاف سيطرة الجند من العرب والبربر، وقد استمر الصقالبة يقومون بدور مهم فى سياسة الدولة الأموية، ويتدخلون فى إقامة الخلفاء وعزلهم حتى احتضار الدولة، إذ شاركوا فى المؤتمرات التى قامت فى قرطبة وغيرها من مدن الأندلس. ومن أشهر أمرائهم (أبو الجيش مجاهد العامرى الصقلبى) الذى استطاع بقوة أسطوله أن يضم جزر البليار إلى ملكه فى 405 هـ/014 1م ومن ثم اتخذها قاعدة انطلق منها أسطوله لغزو جزر البحر المتوسط. ولاشك أن هؤلاء الصقالبة قد تركوا أثرا حضاريا فى الأندلس لا يمكن إغفاله، فهم وإن كانوا قد فقدوا كل صلة ببلادهم الأصلية، واعتنقوا الإسلام، وأتقنوا
اللغة العربية، فإنهم برغم ذلك قد جلبوا معهم بعض العادات الاجتماعية، والتقاليد الثقافية، والفنون الشعبية، والمفردات اللغوية التى تعلموها فى صغرهم.
كذلك اشتهر منهم الأدباء والشعراء الذين ظهرت فى كتاباتهم اتجاهات شعوبية تغلب العجم على العرب. ومع ذلك فإن هؤلاء الصقالبة قد لعبوا دورا سياسيا وثقافيا فى تاريخ أسبانيا الإسلامية. ويبدو أن ابن الكلبى هو أول من لاحظ العلاقة بين الصقالبة وشعوب العرب، ولقد استعير اللفظ التركى الحديث (سلاو) من الاستعمال العلمى الأوروبى الحديث، والراجح أن استعارته كانت من الفرنسية، وأبرز معالم للتاريخ الصقلبى ظهور روسيا الموحدة من عدة دول منفصلة، وكانت الدعوة للجامعة السلافية من أقوى ما اعتمدت عليه روسيا فى توسعها.
أ. د/عزة الصاوى
__________
المراجع
1 - الموسوعة العربية الميسرة: محمد شفيق غربال، القاهرة، 1965 م.
2 - دائرة المعارف الإسلامية: أحمد الشنتاوى وآخرين المجلد الرابع عشر.
3 - مروج الذهب المسعودى طبعة باريس (الفهرس).
4 - معجم البلدان ياقوت الحموى مادة (صقالبة).
5 - البيان المغرب، ابن عذاره طبعة دوزى ص 276 وما بعدها.
6 - دائرة المعارف: البستانى المجلد العاشر.
7 - نفح الطيب المقرى 1/ 88، 92، 2/ 57.
8 - تكملة الصلة ابن الأبار طبعة codera رقم 89.
9 - تاريخ الشعوب الإسلامية كارل بروكلمان مادة (صقالبة).
10 - موسوعة الشروق: المجلد الأول القاهرة 1994 م.(1/401)
20 - الصلاة
لغة: الدعاء، لقوله تعالى: {وصل عليهم} التوبة:103، أى ادع لهم. (1).
واصطلاحا: قال الجمهور (2): هى أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة.
وعند الأحناف هى عبارة عن الأركان المعهودة والأفعال المخصوصة (3) وعليه فإذا ورد فى الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق بها، انصرف بظاهره إلى الصلاة الشرعية.
والصلاة مفروضة شرعا، دل على فرضيتها الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فآيات كثيرة منها: قوله تعالى فى غير موضع من القرآن: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} البقرة:110.
وأما السنة: فأحاديث كثيرة منها: ما رواه ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) (متفق عليه) (4).
وأما الاجماع: فقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا على وجوب خمس صلوات فى اليوم والليلة (5).
والصلوات المكتوبات خمس فى اليوم والليلة، وهى: الظهر، أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء أربع ركعات، والصبح ركعتان.
ولا خلاف بين المسلمين فى وجوبها، ولا يجب غيرها إلا لعارض من نذر، وذلك لما رواه أنس بن مالك قال: (فرضت على النبى صلى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسرى به خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودى يا محمد، إنه لا يبدل القول لدى، وإن لك بهذه الخمس خمسين) (6).
والصلاة أفضل أركان الإسلام بعد الإيمان، وهى أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة (7).
والصلوات المكتوبات معلومة من الدين بالضرورة، فمنكرها كافر، حيث إن تارك الصلاة حالين:
الأولى: أن يتركها جحودا لفرضيتها، وفى هذه الحالة أجمع العلماء على أنه كافر مرتد يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل كفرا.
الثانية: أن يترك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا، وفى حكم هذه الحالة اختلف الفقهاء، فذهب المالكية والشافعية ورواية عن أحمد إلى أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا لا كفرا. أى أن حكمه بعد الموت حكم المسلم، فيغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
وذهب الإمام أحمد فى الرواية الثانية وهى أرجح الروايتين عنه، وعبد الله بن المبارك، وابن راهويه، وهو وجه عند الشافعية إلى أن حكم المتكاسل عن الصلاة يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل كفرا. وذهب أبو حنيفة والإمام المزنى إلى أنه لا يكفر ولا يقتل، بل يعزر ويحبس حتى يصلى (8).
وللصلاة شروط يجب توافرها، وهى نوعان: شروط وجوب، وشروط صحة.
أولا: شروط الوجوب، هى:
1 - الإسلام: فتجب الصلاة على كل مسلم، ذكرا أو أنثى، ولا تجب على الكافر ولكن يعاقب على تركها فى الآخرة، لتمكنه من فعلها بالإسلام.
2 - العقل: فلا تجب الصلاة على المجنون باتفاق الفقهاء.
3 - البلوغ: اتفق على أن البلوغ شرط لوجوب الصلاة، فلا تجب على الصبى حتى يبلغ، ولكنه يؤمر بها تعليما له عندما يبلغ سبع سنوات، ويضرب على تركها إذا بلغ عشر سنوات.
ثانيا: شروط الصحة، هى:
(أ) طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة الحقيقية.
(ب) الطهارة من الحدث، وتكون بالوضوء، أو الغسل، أو التيمم.
(ب) العلم بدخول وقت الصلاة، فلا تصح الصلاة إذا أديت قبل دخول وقتها.
(د) ستر العورة، فتبطل الصلاة مع كشف العورة للقادر على سترها، ولو كان منفردا فى مكان مظلم، والعورة من الذكر ما بين السرة والركبة، ومن الأنثى جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين.
(هـ) استقبال القبلة، فيجب على المصلى أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام (9).
أقوال الصلاة وأفعالها تنقسم إلى أركان وسنن، فالأركان هى التى لا تصح الصلاة بدونها، والسنن تصح الصلاة بدونها على خلاف بين الفقهاء.
نكتفى بذكر الأركان إجمالا، أما تفصيلها ومعرفة السنن فيرجع إليها فى كتاب الصلاة من كتب المذاهب.
والأركان هى: النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام للقإدر عليه، وقراءة الفاتحة، وآيات من القرآن، والركوع، والرفع من الركوع والاعتدال، والسجود، والرفع من السجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فى الأركان، والجلوس الأخير، والتشهد الأخير، والسلام، وترتيب أركان الصلاة (10).
أ. د/على مرعى
__________
الهامش:
1 - المصباح المنير مادة (صلى).
2 - مواهب الجليل للحطاب ط دارالفكر ط2، 1398هـ-1978م 1/ 377، مغنى المحتاج للشربينى الخطيب، ط مصطفى الحلبى 1325هـ 1933م كشاف القتاع 1/ 221 مكتبة النصر الحديثة الرياض 1/ 120.
3 - البناية على الهداية للعينى، ط دار الفكر، 1/ 779.
4 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكانى، ط دار الحديث 1/ 286.
5 - البناية على الهداية 1/ 779، مواهب الجليل 1/ 379، مغنى المحتاج 1/ 121، المغنى لابن قدامة، ط عالم الكتب بيروت 1/ 369.
6 - نيل الأوطار 1/ 287.
7 - قليوبى وعميرة حاشيتان على شرح الجلال المحلى على المنهاج، ط دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى 1/ 110.
8 - حاشية ابن عابدين، ط مصطفى الحلبى، ط2، 1386هـ /1966م 1/ 352، مواهب الجليل 1/ 379، مغنى المحتاج 1/ 327، كشف القناع 1/ 227، البناية على الهداية 1/ 779، نيل الأوطار 1/ 293.
9 - حاشية ابن عابدين 1/ 370 ومابعدها، بدائع الصنائع للكاسانى 1/ 333، وما بعدها ط الناشر زكريا على يوسف، مواهب الجليل 1/ 421، أسنى المطالب شرح روض الطالب للشيخ زكريا الأنصارى 1/ 121 وما بعدها، ط دار الكتاب الإسلامى بالقاهرة، كشاف القناع 1/ 222 وما بعدها.
10 - حاشية الدسوقى على الشرح الكيير 1/ 331 ومابعدها، ط عيسى الحلبى "دار إحياء الكتب العربية" مغنى المحتاج 1/ 148 وما بعدها، كشاف القناع 1/ 313 وما بعدها. وتجدر الإشارة إلى أن الحنفية لهم رأى خاص بهم فى أركان الصلاة، وعلى أى حال لا تخرج الصلاة به عن شكلها المعهود فى فقة المذاهب الأخرى- فيراجع شرح فتح القدير للكمال بن الهمام 1/ 192 ومابعدها ط المكتبة التجارية الكبرى - مصطفى محمد(1/402)
21 - صلاة القصر
لغة: قصر من الصلاة وقصر من الشىء على كذا: لم يجاوز به إلى غيره، والسفر قطع المسافة كما فى الصحاح (1).
واصطلاحا: أن تصير الصلاة الرباعية ركعتين فى السفر (2).
والصلاة التى تقصر هى: الظهر والعصر والعشاء، أما الصبح والمغرب فلا قصر فيهما؛ لأن الالتزام بأحكام الصلاة أمر تعبدى.
وقد ثبتته مشروعية القصر بالكتاب والسنة، قال تعالى {واذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} النساء:101، وجاء فى صحيح مسلم (3) عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال: (صحبت النبى صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد فى السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك).
وبالنسبة إلى حكم صلاة القصر: ذهب الحنفية إلى وجوب قصر الصلاة (4)، لقول السيدة عائشة رضى الله عنها (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر) (5) ولا يعلم ذلك إلا توقيفا.
وذهب غير الحنفية إلى جواز قصر الصلاة، فقالوا: والمسافر له القصر وله الإتمام، وذلك لما ورد عن يعلى عن أبيه أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء:101، فقد أمن الناس، قال: عجبت بما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته) (رواه مسلم) (6).
والقصر والإتمام فى السفر سواء، وإن كنا نرى أن الأولى هو قصر الصلاة مراعاة للخلاف الواقع بين الفقهاء فى حكم قصر الصلاة.
ومسافة السفر التى تبيح قصر الصلاة فقد حددها الحنفية بثلاثة أيام سيرا على الأقدام، وعند غيرهم بيومين، ولا فرق فى ذلك بين أن تقطع هذه المسافة سيرا على الأقدام أو تقطع بالوسائل العصرية فى ساعة واحدة، لأن العبرة فى ذلك بقطع المسافة المبيحة للسفر (7).
واختلف الفقهاء فى مدة الإقامة التى ترفع حكم القصر:
1 - فذهب المالكية والشافعية إلى أن إقامة أربع أيام صحاح تقطع حكم القصر، لأن المسافر يعتبر مقيما.
2 - وذهب الحنفية إلى اعتبار الإنسان مقيما إن كانت المدة خمسة عشر يوما، ويبدأ المسافر قصر الصلاة من حين مجاوزة حدود إقامته، وتنتهى بنية الإقامة، ويظل المسافر يقصر الصلاة مادام على نية سفر، حتى وإن طالت المدة، لأن العبرة بنية السفر، ومادام قد نوى قطع السفر فإنه لا يجوز له قصر الصلاة بعد ذلك.
وإذا كان الإنسان يعيش فى بلدة، وانتقل إلى بلدة أخرى وأقام بها إقامة دائمة، فإن البلدة الأولى لا تكون له دار إقامة، فإذا سافر إلى بلدته الأولى التى تركها جاز له قصر الصلاة بها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة قصر الصلاة بها، وكما نعلم جميعا أن مكة هى الموطن الأصلى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بعد أن انتقل إلى المدينة صارت المدينة له وطنا: ولهذا قصر الصلاة بمكة، وأمر أهل مكة بإتمام صلاتهم، وهذا معناه أن العبرة بالإقامة الدائمة فى مكان معين، وليست العبرة بمحل الميلاد أو وجود الأقارب.
وعلى المسافر أن يعلم أنه لا يجوز له أن يأتم بمقيم، فإن اقتدى بمقيم فعليه أن يتم صلاته تابعة لصلاة الإمام عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه) (رواه مسلم) (8).
ولكن يجوز للمقيم ان يأتم بالمسافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا يا أهل مكة صلاتكم فإنا قوم سفر) (رواه الترمذى) (9).
أ. د/صبرى عبدالرؤوف محمد عبدالقوى
__________
الهامش:
1 - مختار الصحاح، محمد بن أبى بكر الرازى، المطبعة الأميرية، القاهرة 1338هـ/1930م.
2 - الشرح الكبير، أحمد الدردير، وحاشية الدسوقى عليه، طبعة مصطفى محمد 1/ 362.
3 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابورى، مطبعة عيسى الحلبى، القاهرة 1/ 481.
4 - الاخنيار لتعليل المختار، عبدالله بن محمود بن مردود الموصلى، مطابع الشعب القاهرة 1/ 198.
5 - صحيح مسلم 1/ 478.
6 - صحيح مسلم 1/ 478.
7 - بدائع الصنائع، علاء الدين أبوبكر بن مسعود بن أحمد الكاسانى، ط1، 1/ 94.
8 - صحيح مسلم 1/ 309.
9 - سنن الترمذى، محمد بن عيسى بن سورة الترمذى، مطبعة الحلبى، القاهرة 2/ 430.
مراجع الاستزادة:
1 - مغنى المحتاج، محمد بن أحمد الشربينى، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 1377هـ/1958م.
2 - كشاف القناع، منصور بن يونس البهوتى، مكتبة النصر الحديثة، الرياض(1/403)
22 - صلة الأرحام
لغة: وصل الشيء وصلا وصلة: ضمَّه به وجمعه ولأمه، ووصل رحمه: أحسن إلى الأقربين إليه من ذوى النسب والأصهار، وعطف عليهم، ورفق بهم، وراعى أحوالهم، والصلة العطية، والجائزة، والزاد.
والرحم لغة: القرابة أو أسبابها (يذكر ويؤنث). والجمع: أرحام، وذوو الأرحام: الأقارب الذين ليسوا من العصبة، ولا من ذوى الفروض: كبنات الأخوة، وبنات الأعمام. كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: غير الفرضيين منهم- يراد بهم عند الإطلاق الأقارب (2) غير أنه فى فروع بعض المذاهب بين الأرحام والأقارب عموم وخصوص مطلق، فمثلا لا تدخل قرابة الأم فى الوقف على القرابة عند الحنابلة، بينما لو وقف على ذوى رحمه يدخل الأقارب من الجهتين، وهم عند أهل الفرائض أخص من ذلك، ويراد بهم "من ليسوا بذوى سهم ولا عصبة ذكورا أو إناثا "، والأرحام وذوو الأرحام بمعنى واحد على لسان الفقهاء. والصلة هى ما يعد به الإنسان واصلا، قال ابن حجر الهيثمى "الصلة إيصال نوع من الإحسان " (3).
وصلة الرحم بالنسبة للأبوين وغيرهما واجبة عند الحنفية، والمالكية، والحنابله (4) وهو ما يصوبه النووى من الشافعية، ودليل الوجوب قول الله سبحانه} واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، {(النساء1). وقوله ?: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" (رواه البخارى).
وفصل الشافعية بين الأبوين وغيرهما، فاتفقوا مع غيرهم على وجوب بر الوالدين وأن عقوقهما كبيرة، وذهبوا إلى أن صلة غيرهما من الأقارب سنة، على أن الشافعية صرحوا بأن ابتداء فعل المعروف مع الأقارب سنة، وأن قطعه بعد حصوله كبيرة (5).
وللعلماء فى الرحم التى يطلب وصلها رأيان:
الأول: أن الصلة خاصة بالرحم المحرم دون غيره، وهو قول للحنفية وغير المشهور عند المالكية، وهو قول أبى الخطاب من الحنابلة. قالوا: لأنها لو وجبت لجميع الأقارب لوجب صلة جميع بنى آدم، وذلك متعذر، فلم يكن بد من ضبط ذلك بقرابة تجب صلتها وإكرامها، ويحرم قطعها وتلك قرابة لرحم المحرم. وقد قال رسول الله ?: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على بنت أخيها، فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ". الثانى: أن الصلة تطلب لكل قريب محرما كان أو غيره، وهو قول للحنفية، لم يخصصها أحد منهم بالرحم المحرم. وقد ذهب فقهاء الحنفية والشافعية إلى أن درجات الصلة تتفاوت بالنسبة للأقارب فهى فى الوالدين أشد من المحارم، وفيهم أشد من غيرهم.
وليس المراد بالصلة أن تصلهم إن وصلوك، لأن هذا مكافأة، بل أن تصلهم وإن قطعوك (6)
فقد روى البخارى وغيره " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها".
وتحصل صلة الأرحام بأمور عديدة منها:
1 - الزيارة، والمعاونة، وقضاء الحوائج، وا لسلام.
2 - وتحصل الصلة بالكتابة إن كان غائبا، نص على ذلك الحنفية والمالكية والشافعية، وهذا فى غير الأبوين.
3 - وكذلك المال للأقارب، فإنه يعتبر صلة لهم، لقوله ?: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذى الرحم ثنتان: صدقة وصلة، وظاهر عبارة الحنفية، والشافعية أن الغنى لا تحصل صلته بالزيارة لقريبه المحتاج إن كان قادرا على بذل المال له، ويدخل فى الصلة جميع الإحسان مما تتأتى به الصلة (7).
ومن فضائل صلة الرحم:
1 - البركة فى الرزق، لحديث رسول الله ?: (من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه).
2 - رضا الله سبحانه وتعالى لأنه أمر بصلة الرحم، وإدخال السرور على الأرحام.
3 - زيادة المروءة وزيادة الأجر بعد الموت، لأنهم يدعون له بعد موته، كلما ذكروا إحسانه (8).
وقطع الرحم المأمور بوصلها حرام باتفاق، لقول الله سبحانه} والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار {(الرعد 25).
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط مادة رحم 1/ 347، ومادة وصل 2/ 1079، مجمع اللغة العربية، - دار المعارف القاهرة.
2 - كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 2/ 589.
3 - البحر الرائق 8/ 8 0 5، حاشية ابن عابدين 5/ 439، نهاية المحتاج 5/ 419.
4 - حاشية ابن عابدين 5/ 264
5 - حاشية البجيرمى على الخطيب3/ 229 وما بعدها.
6 - حاشية ابن عابدين 5/ 264.
7 - كشاف القناع 4/ 252.
8 - حاشية ابن عابدين 5/ 264.(1/404)
23 - الصلح
لغة: اسم من الصلاح وهو التوفيق، وأصلحت بين القوم: أى وفقت قال الراغب: الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس، فهو قطع المنازعة (1).
وشرعا: هو الانتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه، فهذا التعريف يشير إلى أنه قد يكون الصلح عن المنازعة بعد وقوعها، كما أنه يكون أيضا عند خوف المنازعة واحتماك وقوعها وقاية منها (2).
والصلح مشروع بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: قوله تعالى: {لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} النساء:114، وقوله تعالى: {والصلح خير} النساء:128، فالله تعالى وصفه الصلح بالخيرية، ولا يوصف بها إلا ما كان مشروعا ومأذونا فيه.
وأما السنة: فبما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (الصلح جائز بين المسلمين) (3) فالحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح.
وأما الإجماع: فقد أجمع الفقهاء على مشروعية الصلح فى الجملة، وإن كان هناك خلاف فى بعض الصور (4).
أما عن درجة المشروعية: فالأصل أنه مندوب، ومع ذلك فقد يكون واجبا عند تعين مصلحة، وقد يكون حراما أو مكروها عند استلزامه مفسدة يجب درؤها، أو يترجح جانب المفسدة (5).
وللصلح أنواع خمسة:
(أ) الصلح بين أهل العدل وأهل البغى.
(ب) الصلح بين الزوجين عند خوف الشقاق.
(ج) الصلح بين المتخاصمين فى غير مال كالجنايات العمدية.
(د) الصلح بين المسلمين والكفار.
(هـ) الصلح بين المتخاصمين فى الأموال.
وهذا الأخير قد أفرد له الفقهاء بابا فى كتب الفقه (6).
ويجوز للقاضى أن يرد الخصوم إلى الصلح إن طمع فى الصلح منهم، وإلا فلا يردهم، بل ينفذ القضاء فيهم، لأنه لا فائدة فى الرد (7).
وعقد الصلح ليس عقدا مستقلأ بذاته، بل هو متفرع عن غيره، بمعنى أنه تسرى عليه أحكام أقرب العقود إليه شبها بحسب المضمون، فالصلح عن مال بمال يعتبرفى حكم البيع، والصلح عن مال بمنفعة يعد في حكم الإجارة، والصلح عن نقد بنقد له حكم الصرف وهكذا. ويترتب على ذلك أنه تجرى على الصلح أحكام العقد الذى تشابه معه أواعتبر به، فتراعى فيه شروطه ومتطلباته، وذلك لأن العبرة للمعانى دون الصور (8).
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للصلح أركانا ثلاثة:
1 - الصيغة (الإيجاب والقبول).
2 - والعاقدان.
3 - والمحل (المصالح به والمصالح عنه).
وللصلح أقسام نوجزها فيما يلى، ومن أراد الأستزادة فليرجع إلى التفصيل فى كتب الفقهاء.
فالصلح إما أن يكون بين المدعى والمدعى عليه، وإما أن يكون بين المدعى والأجنبى المتوسط.
كما ينقسم الصلح بنوعيه إلى ثلاثة أقسام: صلح عن الإقرار، وصلح عن الإنكار، وصلح عن السكوت.
(أ) فالصلح مع إقرار المدعى عليه جائز باتفاق الفقهاء، وهو ضربان: صلح عن الأعيان وصلح عن الديون، والصلح عن الأعيان نوعان: صلح الحطيطة، وصلح المعاوضة والصلح عن الديون نوعان: صلح
إسقاص وإبراء، وصلح معاوضة (9).
(ب) وأما الصلح مع إنكار المدعى عليه فقد اختلف الفقهاء فى جوازه على قولين:
القول الأول: أن الصلح على الإنكار جائز، بشرص أن يعتقد المدعى أن له الحق، والمدعى عليه يعتقد أن لا حق عليه، فيتصالحان قطعا للخصومة والنزاع.
وبهذا قال الحنفية والمالكية والحنابلة (10).
والقول الثانى: أن الصلح على الإنكار باطل وبهذا قال الشافعية وابن أبى ليلى (11).
(ج) وأما الصلح مع سكوت المدعى عليه، كما إذا ادعى شخص على آخر شيئا، فسكت المدعى عليه دون أن ينكر أو يقر، ثم صالح عنه وهذا النوع اعتبره الفقهاء فى حكم الصلح عن الإنكار، وبالتالى ففيه القولان السابقان (12).
8 - وقد بين الفقهاء أنه يترتب على انعقاد الصلح حصول البراءة عن الدعوى، ووقوع الملك فى بدل الصلح للمدعى، وفى المصالح به للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك، كما أن الصلح يعتبربأقرب العقود إليه، فما كان فى معنى البيع أو الإجارة أخذ حكمه؛ ذلك أن العبرة فى العقود للمقاصد والمعانى دون الألفاظ والمبانى.
كما أن الصلح من العقود اللازمة، فإذا انعقد صحيحا خاليا من العيوب، فإنه لا يملك أحد المتعاقدين فسخه أو الرجوع عنه بمفرده (13).
أما عن شروط الصلح وسائر تفصيلات أحكامه وفروعها، فيرجع إليها فى كتب الفقه على نحو ما ذكرت من مراجع.
أ. د/على مرعى
__________
الهامش:
1 - المصباح المنير للفيومى مادة (صلح)، المفردات فى غريب القرآن ص 420، ط1 الأنجلو المصرية.
2 - مواهب الجليل للحطاب 5/ 79، ط دار الفكر، أسنى المطالب للأنصارى 2/ 215، ط دار الكتاب الإسلامى بالقاهرة.
3 - الحديث أخرجه أبو داود فى سننه سنن أبى داود، ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر، 3/ 304 (باب الصلح).
4 - بدائع الصنائع للكاسانى، ط مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الأولى سنة 1328هـ سنة 1910م 6/ 40 أسنى المطالب شرح روض الطالب 2/ 214، المبدع شرح المقنع، ط المكتب الإسلامى 4/ 278.
5 - مواهب الجليل للحطاب 5/ 80، حاشية العدوى على شرح الخرشى 6/ 2، ط المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق سنة 1317هـ، أعلام الموقعين 1/ 108، 109.
6 - كشاف القناع للبهوتى 3/ 390،391 ط مكتبة النصر الحديثة بالرياض، نهاية المحتاج 4/ 371 ط مصطفى الحلبى، أسنى المطالب 2/ 214.
7 - بدائع الصنائع 7/ 13.
8 - تبيين الحقائق للزيلعى 5/ 31،33 ط دار المعرفة للطباعة والنشر، روضة الطالبين 4/ 193،196 ط المكتب الإسلامى، شرح الخرشى 6/ 2 - 4 كشاف القناع 3/ 394،395.
9 - مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 2/ 308، ط دار إحياء التراث العربى بيروت كفاية الأخيار للحصنى 1/ 514 ط المكتبة العصرية بيروت كفاية الطالب الربانى وحاشية العدوى عليه 2/ 324 ط دار إحياء الكتاب العربى عيسى الحلبى، كشاف القناع 3/ 388.
10 - البدائع 6/ 40، شرح الخرشى 6/ 4، كشاف القناع 3/ 394.
11 - روضة الطالبين 4/ 198، البدائع 6/ 40.
12 - المراجع السابقة.
13 - بدائع الصنائع 6/ 53، شرح منتهى الإرادات ط مطبعة أنصار السنة المحمدية سنه 1366هـ سنة 1947م 2/ 263(1/405)
24 - صلح الحديبية
اصطلاحا: هو الصلح الذى تم بين قريش وبين النبى صلى الله عليه وسلم وألف وأربعمائة من الصحابة، فى وادى الحديبية، فى شهر ذى القعدة من العام السادس للهجرة الموافق لسنة ستمائة وسبع وعشرين ميلادية، بعد مفاوضات شاقة وظروف صعبة، وقد تم الصلح بينهما على شروط أربعة هى:
1 - أن توضع الحرب عن الناس عشر سنين.
2 - أن من أراد الدخول فى عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل فيه، ومن أراد الدخول فى عهد قريش دخل فيه.
3 - أن يعيد محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة من أتاه مسلما من غير إذن مواليه، ولا تفعل كذلك قريش.
4 - أن يعود محمد صلى الله عليه وسلم عامه هذا، ويأتى فى العام المقبل، فيقيم فى مكة ثلاثة أيام تخليها قريش له، وليس معه سوى سلاح المسافر، وهو السيوف فى الأغماد (1).
وقد اعترض الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه على الشرطين الثالث والرابع، واشتد حتى قال له الصديق: الزم غرزك، فإنى أشهد أنه رسول الله، وأن الله لا يضيعه.
كذلك اعترض على بن أبى طالب رضى الله عنه على ما أصرعليه سهيل بن عمرو عند كتابة الصلح من كتابة باسمك اللهم بدلا من البسملة، وكتابة اسم محمد وأبيه بدلا من محمد رسول الله (2)، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ما سيجنيه من المكاسب للإسلام من وراء هذا الصلح ما لا يعلمه غيره، فقد أجاب سهيلا إلى ما أراده.
ولما جاء وقت الحلق والتقصير لم يستجب المسلمون؛ على أساس أنهم لم يدخلوا المسجد الحرام كما وعدهم النبى صلى الله عليه وسلم، فدخل النبى صلى الله عليه وسلم على أم سلمة أم المؤمنين وأخبرها الخبر، فأشارت عليه أن يكون هو البادىء بالحلق، فإن الناس لن يخالفوه، وكان الأمر كما توقعت.
وقد سمى هذا الصلح فتحا مبينا من قبل الله عز وجل، ونزلت فى تسجيل أحداثه سورة تحمل هذا الاسم (سورة الفتح)، وذلك لعدة أسباب، منها:
1 - اعتراف قريش بالإسلام، والسماع للمسلمين بزيارة البيت وأداء المناسك للحج.
2 - إتاحة الفرصة أمام القبائل لإرسال بعوثها إلى المدينة لزيارة النبى صلى الله عليه وسلم والاستماع لما يدعو إليه.
3 - إرسال النبى صلى الله عليه وسلم الكتب والرسل لدعوة الحكام فى كل مكان إلى الدخول فى الإسلام هم ورعاياهم (3).
أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1 - السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق طه عبدالرؤوف سعد، ط مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة 1974م 3/ 203.
2 - زاد المعاد لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وعبدالقادر الأرنؤوط مؤسسة الرسالة ط25 بيروت لبنان 1412هـ-1991م 3/ 294.
3 - إمتاع الأسماع للمقريزى، تحقيق محمد عبدالحميد النميسى" دار الأنصار ط1 القاهرة 1401هـ/1981م 1/ 234(1/406)
25 - الصليبيون
الصليبيون: هم الذين شنوا حملات عسكرية أوروبية على الشرق الإسلامى فى القرن الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر الميلادى بحجة استخلاص الأراضى المقدسة من أيدى المسلمين.
وسموا بذلك لاتخاذهم الصليب شعارا لهم، ورسمه على ملابسهم وراياتهم، محاولة منهم فى إصباغ حملاتهم بالصبغة الدينية، ولكن الحقيقة أن الدين لم يكن السبب الوحيد، ولا السبب المهم لها.
فهناك أسباب ودوافع وراء هذه الحروب منها:
1 - الأسباب التاريخية: فالحروب الصليبية هى فصل من فصول الصراع بين الشرق والغرب، ذلك الصراع الذى بدأ بحرب طروادة وفارس فى الأزمنة الغابرة، وانتهى بالتوسع الاستعمارى الأوروبى فى العصر الحديث فهى حلقة من هذه السلسلة.
وهذا الصراع بين الشرق والغرب يهدأ ويثور كالبركان فى هدوئه وثورته. فلما جاء القرن الحادى عشر اشتد غليان البركان، فثار متخذا الصليب هذه المرة أداة له أو مظهرا لغليانه.
2 - الأسباب الدينية: كان الشرق هو المهد الحقيقى لدين المسيح - عليه السلام -، ولكن المسيحية ترعرعت فى أوروبا، وانتشرت من خلال كنائس أوروبا وجامعاتها، وكانت هناك أديان تزاحم المسيحية فى عصورها المختلفة مثل: اليهودية والبوذية والكنفوشيوسية والإسلام.
ولكن الإسلام كان هو الدين الوحيد الذى انتشر بقوة جارفة، مقتحما على أوروبا المسيحية أبوابها من الغرب عن طريق الأندلس، ومن الشرق عن طريق القسطنطينية التى دق المسلمون أبوابها منذ العهد الأموى، كل هذا جعل أوروبا تناصب الإسلام العداء.
فضلا عن ذلك فإن سقوط الخلافة الأموية بالأندلس، وما تبع ذلك من هزائم وقعت بالمسلمين فى الميدان الغربى، شجع أوروبا لأن تضرب ضربتها من جهة الشرق، لتدمير قوى المسلمين، ووقف أى محاولات ترمى إلى مساعدة المسلمين لإخوانهم بالأندلس، أو مد يد العون لهم، ليستردوا قوتهم مرة أخرى، وواكب كل ذلك يقظة دينية مسيحية فى أوروبا آنذاك جعلت من أهدافها الاستيلاء على الأماكن المقدسة فى فلسطين، لتتولى الكنيسة البابوية بروما حماية هذه الأماكن المقدسة وإدارتها.
3 - الأسباب التجارية: وهى من الأسباب عظيمة الشأن فى هذا المقام، حيث إن التجار بالساحل الشمالى للبحر المتوسط فى البندقية، وجنوه، وبيزا، أرادوا امتلاك بعض الموانئ على الساحل الشرقى والجنوبى للبحر المتوسط، لتكون هذه الموانئ مركزا لتجارة الغرب فى الشرق، ولتتصل تجارة أوروبا عن طريق هذه المنافذ بالخطوط التجارية بالشرق، لذلك فقد بذل هؤلاء التجار المال والسلاح للتشجيع على الحروب الصليبية.
كل هذه الأسباب تتصل بصورة مباشرة بالصليبيين، لكن هناك أسباب تتصل بالجبهة الإسلامية فى هذه الحروب منها:
1 - حالة الضعف التى أصابت العالم الإسلامى بذهاب شوكة السلاجقة وتفككهم إلى دويلات تنازعت فيما بينها.
2 - ترنح الخلافة الفاطمية، وما حدث فيها من اضطراب وفوضى فى عهد الحاكم بأمر الله، ولم يصلح من جاء بعده هذه الأمور وإعادتها إلى نصابها نتيجة لتولى الصبية الصغار للخلافة، مما جعل زمام الأمور فى يد الوزراء.
3 - النزاع بين الفاطميين والسلاجقة على بلاد الشام، وكان الفاطميون على مذهب الشيعة، والسلاجقة على مذهب أهل السنة، فسعى كل فريق منهم إلى الإيقاع بالآخر، فنشبت بينهم الحروب التى أنهكت قواهم وأضعفتهم.
ولقد شن الصليبيون على الشرق الإسلامى سبع حملات:
الحملة الأولى (1097 - 1099م)
الحملة الثانية (1147 - 149 1م)
الحملة الثالثة (1188 - 192 1م)
الحملة الرابعة (1202 - 204 1م)
الحملة الخامسة (1218 - 221 1م)
الحملة السادسة (228 1 - 229 1م)
الحملة السابعة (1248 - 250 1م)
ولم تحقق هذه الحملات العسكرية أهدافها المرجوة التى حاول بها الصليبيون السيطرة على الشرق الإسلامى، وذلك للأسباب التالية التى يراها المؤرخون ومنها:
1 - سياسة الكنيسة التى كانت تضع مصلحتها فوق كل مصلحة، ولم يكن يهمها النصر، بقدر ما يهمها ما تجنيه من نتائجه.
2 - اهتمام أمراء الإقطاع بمصالحهم الخاصة، وتكوين إمارات يحكمونها ويورثونها لأولادهم، أكثر من اهتمامهم بالصالح العام الأوروبى والمسيحى فلم يكن الصليب سوى وسيلة للتغرير بالجماهير كأنه غطاء يخفون به أطماعهم الشخصية، ولكن اتضح الأمر لكثير من المسيحيين فقلل من حماستهم للحرب.
3 - عقد التجار الأوروبيون معاهدات تجارية مع المسلمين إذ كان الهدف الاقتصادى أهم باعث لديهم، فلما رأوا أهدافهم تتحقق بلا حروب وبطريق المعاهدات آثروا السلامة، وخذلوا ذويهم المسيحيين.
4 - زحف التتار على العالم الإسلامى فى مطلع القرن الثالث عشر، وما فعلوه من تدمير للحضارة الإسلامية، جعل أوروبا تجد فى زحف التتار تحقيقا لأهدافها دون بذل أى جهد من جانبها، لذا لم يقدموا مزيدا من العون للصليبيين.
5 - تجمع المسلمين من مختلف الأنحاء لمواجهة الصليبيين حيث اتضح للصليبيين أنهم ليسوا فقط أمام مصر وسوريا بل أمام القوى الإسلامية من مختلف البقاع، فقد أظهر المسلمون حماسا لم يكن فى حسبان الصليبيين، فلم يكد المسلمون يهزمون فى الشوط الأول من هذه الحروب، حتى تناسوا الى حد كبير ما بينهم من خصومات، وتجمعت كلمتهم لاستعادة الأرض التى افتقدوها، لذا مال المصريون إلى نور الدين زنكى، ورحبوا بالقائد السلطان صلاح الدين، وتغلب الصالح العام على المصالح الخاصة، ووقفت الجماهير تنصر من يعمل على تجميع الكلمة، وتخذل من يسعى لمصالح ذاتية.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - موسوعة التاريخ الإسلامى- د/ أحمد شلبى جـ 5 - ط مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، سنة 1979م ط 4.
2 - الإسلام والحضارة الغربية د/ محمد كرد على.
3 - حضارة العرب- جوستاف لوبون.
4 - الحروب الصليبية- وليم الصورى- ترجمة د/ حسن حبشى (سلسلة تاريخ المصريين عدد68 - 69).
5 - الحركة الصليبية: صفحة مشرفة فى تاريخ الجهاد الإسلامى فى العصور الوسطى- د/ سعيد عبد الفتاح عاشور- ط الأنجلو المصرية- ط خامسة سنة 1993م ج 1 وج 2.
6 - دائرة المعارف- بطرس البستانى- ط دار المعرفة بيروت ج 11.(1/407)
26 - الصناعة
لغة: صنع الشىء صنعا: عمله. كما فى اللسان (1)
واصطلاحا: هى كل نشاط للإنسان يتفاعل فيه مع البيئة المحيطة ليطوعها لاحتياجاته، ويصنع منها عالم أشيائه.
انظر إلى الإبل كيف خلقت! يأخذ الإنسان من ألبانها، ويصنع منه أنواعا من الجبن ومن الدهن. ويأخذ أصوافها، ويصنع منه أنواعا من الثياب. ويأخذ جلودها ويصنع منها ما يشاء من اللباس، ومن الخيام ومن الأحذية. ويأخذ لحومها ويصنع منها ما يشاء من لحوم مجففة ومصنعة، لذة للآكلين.
وانظر إلى الجبال كيف نصبت! يأخذ الإنسان من صخورها مواد فلزية وغير فلزية، يستخرجها ليصنع منها أدوات لحربه وسلمه. وقبل هيمنة الصناعة الغربية على العالم كان التطور الصناعى يمضى بمعدلات بطيئة، أهم ما يميزها التوازن البيئى والحفاظ على بيئتنا نظيفة متجددة.
وكانت محاولات الإنسان التصنيعية تأخذ حقبا من الدهر من قبل أن تستقر فى وعاء الأمم التقنى، وخلال هذا الزمن الممتد للتجربة والخطأ يصحح الإنسان طرائق الصناعة حتى تتوافق مع احتياجاته وتتناغم مع البيئة المحيطة، وتحقق التوازن الراشد بين احتياجات الإنسان وبين الحفاظ على الكون المحيط.
والصناعة وما فيها من أفكار وحيل هى وليدة علوم عصرها صحيح أن العلم والتكنولوجيا ليسا سواء، ولكنهما زوجان متمايزان متكاملان، والتكنولوجيا المتقدمة تستدعى علوما متقدمة.
ولذلك ففى العصر الحديث، وعندما حدثت طفرة فى العلوم تابعتها طفرة فى الصناعة، ومع هذه الطفرة الصناعية وما صاحبها من اقتصاد من ورائه مؤسسات ضخمة، أصبح الهاجس البيئى لا يلتفت إليه.
ولأول مرة فى تاريخ الإنسانية تصبح المخلفات الصناعية مصدر تهديد للحياة على وجه الأرض، تنذر بفنائها، وأصبح الإنسان لكى يأخذ دواء يستشفى به لابد أن يقرأ صفحات عن الآثار الجانبية لهذا الدواء، وربما قتلت الآثار الجانبية المريض الذى ظنها شفاء فإذا هى سم قاتل. ولأن وسائل الاتصالات والمواصلات ربطت الأرض من أطرافها وسهلت مهمة الأقوياء فى فرض منتجاتهم فى أسواق أقوام آخرين، فإن هذا الأمر قد أدى بكثير من الشعوب إلى أن تهمل صناعات بسيطة نظيفة عاشت بها مئات القرون، وتلهث وراء صناعات لا تملك من إمكانياتها إلا بيع ثرواتها الطبيعية؛ من أجل خطوط إنتاج لمنتجات لم يكن لها بها سابق عهد، إنما عملت الآلة الإعلامية الجبارة على تزيين هذه المنتجات للناس، وإغوائهم باستخدامها فى الطعام، والشراب، واللباس، والسكن، وكل نواحى الحياة.
وكثيرا ما أنبه إلى ضرورة دراسة طيف التنمية دراسة دقيقة، ولقد قسمت الطيف إلى ثلاثة ألوان تنموية:
1 - تنمية البقاء.
2 - وتنمية النماء.
3 - وتنمية السبق.
وتنمية البقاء: هى أن يعيش الناس بما كان يعيش به الناس لملايين السنين، وحتى منتصف هذا القرن. لقد تمخضت حياتنا من قديم عن مجموعة من الصناعات البسيطة النافعة والنظيفة. عندنا صناعة للخبز، وصناعة للألبان، وصناعات زراعية، وصناعات للبناء .. إلخ نملكها، ونستطيع توثيقها قبل فوات الأوان. إن إحدى الشركات الأمريكية استجلبت صانعا مصريا وضع لها توصيفا دقيقا لصناعة الجبن الدمياطى، ثم طرحته بالأسواق بنفس الاسم، وسجلته كاختراع أمريكى، ويمكن لهذه الشركة أن تقاضينا إذا نافسناها فى الأسواق. فى مصر كانت عندنا صناعات يدوية للقطن والكتان غزلا ونسيجا وحياكة. إن الميكنة لا تضيف جمالا ولا قوة إلى المنتجات، وإنما يظل العمل اليدوى، والمنتجات اليدوية تتمتع بالقوة والجمال. أهدانى أخ جزائرى عباءة جميلة مصنوعة من صوف الخراف، وقال لى: هذه العباءة صنعتها أمى غزلا ونسيجا وحياكة، وكنا فى زمن الثورة الجزائرية يعيش المجاهدون على هذه الصناعات، التى كانت تصنعها أمهاتنا فى قلب الصحارى بعيدا عن ظلمة المستعمرين، وكان نشيدنا القومى يبدأ بهذا البيت فى تحية العلم:
"يا نسيج الأمهات فى الليالى الحالكات ... علمى ... علمى ... " وما زلت أستخدم هذه العباءة منذ ثلاثين عاما.
أما تنمية النماء: فيتصل بها بعض الاختيارات النافعة من الصناعة الحديثة. ونحن والحمد لله ما زلنا فى أول الطريق بالنسبة لعمليات التصنيع العربية، ويمكننا عمل اختيارات راشدة، ويتصل بهذا بعض الصناعات الحربية التى لابد منها فى مواجهة الأخطار المحدقة بأقطارنا.
ثم فى النهاية تنمية السبق: وفيها لا بد أن نبحث عن مجال نسبق فيه غيرنا أو أن تكون لنا فيه قدرة على السبق. وفى بلد كمصر نملك أمرين: الآثار والسياحة من ناحية، وكرسى الدراسات العربية والإسلامية من ناحية أخرى وفى رأيى أن الصناعات المتعلقة بالأمرين يمكننا أن نسبق بها غيرنا ثقافة، واقتصادا.
ولابد أن أذكر أن الابتكار الصناعى يأتى وحيا وإلهاما، وبالطبع لابد للمتلقى لهذا الوحى أن يتهيأ له التهيؤ المناسب. وهذا درس القرآن فى سورة هود} وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. واصنع الفلك بأعيننا ووحينا. ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون {(هود 36 - 37). فالدرس هنا أن الابتكار والإبداع- وهو من الوحى والإلهام- يحتاج إلى حماية ورعاية من فوق المخترع والمبدع ... هو درس للذين يحرصون أوديتنا الصناعية ... لا تدعوها للرياح تذروها، ولكن ارعوها حق رعايتها، واحموها من كل مفسد لا يؤمن بيوم الحساب.
أ. د/ سيد دسوقى حسن
1 - لسان العرب طبعة دار المعارف مادة (صنع).
__________
المراجع
1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية، مجمع اللغة العربية.
2 - الحياة العلمية فى الدولة الإسلامية محمد الحسينى عبد العزيز- وكالة المطبوعات بالكويت.
3 - أعلام المهندسين فى الإسلام- أحمد تيمور- مطابع دار الكتاب العربى سنة 1957 م.
4 - تاريخ العلم ودور العلماء العرب فى تقدمه د./ عبد الحليم منتصر- دار المعارف سنة 1980 م(1/408)
27 - الصهيونية
لغة: الصهيونية نسبة إلى صهيون التى ذكرت فى أسفار العهد القديم ( O.T) أكثر من مائة مرة، وهو اسم عبرى أطلق أولا على إحدى ربوات مدينة القدس .. وكثيرا ما تطلق كلمة صهيون ويراد بها القدس، كما تطلق على كنيسة اليهود وجماعاتهم وأمتهم عامة (1).
واصطلاحا: هى حركة قومية مسئولة عن إنشاء دولة إسرائيل الحديثة كوطن قومى لليهود، ومع أنها تنسب إلى تيودر هرتزل th. herzl وجماعات القرن التاسع عشر فإنها ترجع إلى بداية عصر الشتات اليهودى: Diaspora حيث تتحدث أسفارهم عن عودة المطرودين المنفيين إلى بابل على يد بختنصر وبعد تقويض مملكة إسرائيل عام 721 ق. م.
وقد تميز تاريخ اليهود بتواتر ظهور مسحاء كذبة pseudo يزعمون قدرتهم على إعادة اليهود إلى صهيون مثل سيتاى زئيفى. s.zevi. وأسرة ناسى Nasi - الإيطالية الذين أذن لهم العثمانيون فى تكوين جماعة يهودية بالخليل. وحتى سنة 1791م - عام تحرير اليهود وانعتاقهم خلال الثورة الفرنسية، كان ينقص اليهود الأساس المحرك لنجاح الصهيونية، وفى القرن التاسع عشر، ومع تصاعد الشعور القومى فى أوروبا- ألهم موسى هس M. hess وديفيد لوزاتو وآخرين لبذل جهودهم لإحياء وبعث الشعور القومى لدى يهود الجيتو ghetto وقدم كل من موسى مونتفيورى، وإدموند روتشلد، وموسى هيرس- المساعدات المالية، ورسمت ونفذت برامج عديدة للعودة إلى فلسطين ... وفى سنة 897 1م عقد المؤتمر الصهيونى العالمى فى بازل بسويسرا برئاسة تيودور هرتزل، حيث انبثقت حركة سياسية عالمية. ونلاحظ أنه على الرغم من معارضة بعض اليهود لفكرة العودة إلى فلسطين، واعتراض بعضهم على رفض اليهود اقتراح بريطانيا بإنشاء الوطن القومى لليهود فى أوغندا- على الرغم من ذلك فإن الحركة الصهيونية قد نجحت، وحصلت فعلا على وعد بلفور 917 1م وموافقة عصبة الأمم سنة 922 1م، على الانتداب البريطانى على فلسطين لكى تحقق وعدها للصهيونية، وقد وقع عنف متزايد بين اليهود المستوطنين المهاجرين والفلسطينيين (كانت نسبة اليهود لا تتجاوز 6% من عدد السكان فى فلسطين) وأخيرا أقرت الأمم المتحدة تقسيم أرض فلسطين بين اليهود والعرب، ثم أعلنت دولة إسرائيل فى 14/ 5/1948م. هذا حديث الكاتب اليهودى شاول فريدمان (2).
أما الصهيونية- فى الواقع واعتمادا على ما جاء فى كتبهم وتلمودهم- فهى أفكار وطموحات وأحلام يهودية لتأسيس مملكة صهيون العالمية لكى تبسط نفوذها على فلسطين وما حولها أولا، ثم لتفرض نفوذها الباطن أو الظاهر على العالم بأسره فهى طموحات استعمارية استيطانية تتمثل فى:
1 - إنهاك المنطقة العربية، وتفتيت وحدتها، واستهلاك طاقاتها ومواردها، وشغلها بإسرائيل بحيث لا تقوم لها قائمة تجعلها تفكر يوما ما فى الثأر لنفسها من الغرب الذى استعمرها وسلبها حريتها وسيادتها ونهب مواردها.
2 - وبهذا تظل المنطقة العربية الإسلامية منطقة نفوذ وهيمنة غربية دائمةسياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا.
3 - الحيلولة دون قيام الإسلام بدوره الحضارى التحريرى والتنويرى فى العالم.
4 - تخليص المجتمعات الغربية من مشاكل اليهود المزمنة وترحيلها وتوطينها فى العالم العربى.
فالصهيونية- وإن كانت فى الأصل أفكارا وطموحات يهودية خبيثة- فإن الغرب قد وظفها لحسابه بعد أن أعاد صياغتها ووضعها فى برنامج تنفيذى، واصطنع لها- على عينه- زعماء، وهيأ بها كل وسائل النجاح السياسى والعسكرى والاقتصادى، بدءا من مؤتمر بازل، ووعد بلفور، والانتداب، واضطهاد اليهود وحرق بعضهم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين، إلى قرار التقسيم، إلى إنشاء الدولة الإسرائيلية على جثث العرب مسلمين ومسيحيين.
الصهيونية إذا صناعة غربية خالصة؛ لأن اليهود يعلمون- من أسفارهم المقدسة- أن إلههم قد قضى عليهم بالنفى والشتات بعد تدمير دولتهم وتخريب هيكلهم، بسبب عنادهم وإلحادهم وإفسادهم فى الأرض. وأكدت ذلك النصوص القرآنية كقوله تعالى:} وقطعناهم فى الأرض أمما {(الأعراف 168)، وقوله تعالى في سورة الأعراف أيضا (آية 167)} وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، إن ربك لسريع العقاب {.
ومن تصاريف القدر أن يتم تشتيت اليهود، وطردهم من فلسطين بشكل نهائى على يد الغرب الرومانى وبأمر من الإمبراطور هادريان فى القرن الأول للميلاد، فالغرب هو الذى طردهم وشتتهم وخّرب هيكلهم، واستمر شتاتهم زهاء ألفى سنة، ثم تغيرت ظروف المنطقة، وتبدلت استراتيجيات الغرب، فبعث فى نفوس اليهود ذكرياتها الجميلة وأحلامهم الحميمة فى العودة إلى صهيون، فاستبدل بالذكريات والأحلام والتطلعات اليهودية خطة سياسية عسكرية لإنشاء دولة لإسرائيل تحت سمعه وبصره، موظفا خصائص الشخصية اليهودية التى يتفق عليها القرآن الكريم مع بقية الوحى فى أسفار العهدين، المتمثلة فى الفساد والإفساد} ويسعون فى الأرض فسادا {(المائدة 33)، إلى بذر الفتن والمؤامرات وإيقاد نيران الحروب} كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله {(المائدة 64) إلى نقض العهود والمواثيق} أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم {(البقرة100)} ثم ينقضون عهدهم فى كل مرة {(الأنفال 56) إلى التحريف والتبديل والتزييف
} يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون {(آل عمران 78)} يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون {(البقرة 75)، إلى قساوة القلوب وفظاظتها (وقالوا قلوبنا غلف، (البقرة 88)} فيما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية {(المائدة 13)، إلى الجبن والخساسة} قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون {(المائدة 24).
وبعد فهذه هى الصهيونية العالمية المتآمرة مع الغرب الصليبى العنصرى الاستعمارى فى حلف أسود شيطانى، لكن سنة الله القاضية} إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم {
(الرعد 11) تجعلنا نرى الضوء فى نهاية النفق} فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا {
(الإسراء 104).} والله غالب على أمره {(يوسف 21).
أ. د/ محمد عبد الله الشرقاوى
1 ـ قاموس الكتاب المقدس، القاهرة، 1986م.
2 ـ saul. S . friedman, arb: zionism (grolisr engc. U. s.a. 1994.
وانظر _ david vital , orlgins 07 zionism, 1975.
وانظر w. lagueur, ahitary 07 zionism 1972.
3 ـ د. محمد عبدالله الشرقاوى، مقارنة الأديان، دار الجيل بيروت، 1994م
__________
المراجع
1ـ israel cohen , ashort hiskory of zionism, 1951.
2 ـ israel cohen ,tneodor herzl of political zionism , 1959.
3 ـ روجيه جارودى: ملف إسرائيل، دار الشروق بالقاهرة
4ـ أرنولد توينبى: فلسطين جريمة ودفاع، بيروت 1961م
5ـ برتوكولات حكماء صهيون، دار التراث بالقاهرة(1/409)
28 - الصورة
اصطلاحا: من المتقابلات: فيقال المادة والصورة ولا ينفك أحدهما عن الآخر وهما متلازمان تلازم الجوهر والعرض.
وصورة الشيء ما تبقى فى الذهن بعد غياب شخصه، وصورة الشيء ما به يحصل الشيء فى الواقع بعد أن كان حاصلا فى الذهن بالقوة.
والصورة الجسمية جوهر بسيط متصل لا وجود لمحله بدونه، قابل للأبعاد الثلاثة (الطول- العرض- السمك) المدركة من الجسم فى بادئ النظر.
وقيل: الصورة هى الجوهر الممتد فى الأبعاد كلها، المدرك فى بادئ النظر ومنه الصورة النوعية وهى جوهر بسيط لا يتم وجوده بالفعل دون وجود ما حل به كالنفس بالنسبة للجسم، فهى صورته.
والصورة كمال أول للمادة من حيث هى قوة صرفه، وهى ما يعطى الهيولى الوجود بالفعل فى ماهية معينة كالنفس للبدن والصورة اسم مشترك يطلق على معان؛ على النوع، وعلى كل ماهية لشيء كيف كان، وعلى الكمال الذى يستكمل النوع استكمالاته الثوانى، وعلى الحقيقة التى تقوم المحل الذى لها، وعلى الحقيقة التى تقوم النوع.
فإذا قيلت على النوع كان حد الصورة:
المقول على كثيرين فى جواب ما هو، وإذا قيلت على الماهية كان معناها كل موجود فى شيء لا كجزء منه ولا يصح قوامه بدونه كيف كان، وإذا قيلت على ما به يستكمل النوع يكون معناها الموجود فى الشيء لا كجزء منه ولا يصح قوامه بدونه ولأجله وجد الشيء كالعلوم والفضائل الإنسانية بالنسبة للإنسان. وإذا قيلت على الحقيقة المقومة للمحل يكون معناها: الموجود فى الشيء لا كجزء منه ولا يصح وجوده مفارقا له لكن وجوده ما هو فيه بالفعل خاصا به هو مثل صورة النار فى هيولى النار.
وإذا قليت على الحقيقة المقومة للنوع يكون معناها: الموجود فى الشيء لا كجزء منه ولا يصح قوامه بدونه مفارقا له ويصح قوام ما فيه دونه إلا أن النوع الطبيعى سيحصل به. كصورة الإنسانية والحيوانية فى الجسم الطبيعى الموضوع له، وكصورة الكمال الفارق مثل النفس فحده أنه جزء غير جسمانى مفارق يتميز به، ومنها المنطق الصورى وموضوعه: العلاقات الكائنة بين أطراف القياس.
وصورة المعرفة ما تدركه النفس الباطنة والحس الظاهر معا، لكن الحس الظاهر يدرك ويؤدى مدركاته إلى النفس.
الصورة الجوهرية: كل معنى يوجد فى جسم طبيعى ويكون من المعانى المقومة للماهية فإنه يسمى صورة جوهرية كالزوايا الثلاثية للمثلث.
صورة مادية: علة المادة فى إخراجها من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل.
أ. د محمد السيد الجليند
__________
المراجع
1 - رسالة الحدود لابن سينا.
2 - رسالة الحدود للكندى
3 - النجاة لابن سينا.
4 - تلخيص ما بعد الطبيعة لابن رشد.
5 - التعريفات للجرجانى.
6 - أسلس الاقتباس للطوسى.
7 - المعجم الفلسفى ط مجمع اللغة العربية.
8 - المعجم الفلسفى جـ 2. د./ مراد وهبة.
9 - الإشارات والتشبيهات لابن سينا.(1/410)
29 - الصوم
لغة: الإمساك عن الفعل مطلقا (1).
واصطلاحا: هو فى الشرع الإمساك عن الأكل والشرب من الفجر إلى غروب الشمس، مع نية من أهله (2).
وحكمه الشرعى الوجوب، وقد ثبت وجوبه بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى} يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام {(البقرة 182) وأما السنة فقوله ?: بنى الإسلام على خمس، وذكر منها الصوم (3) والإجماع قائم على وجوبه. والصيام يثبت بأحد أمرين: أحدهما رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان بعد غروب الشمس على المعتمد من آراء الفقهاء، والثانى إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما إن لم ير الهلال ليلة الثلاثين سواء كانت السماء صافية أو بها غيم.
وشروط وجوبه: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والعلم بالوجوب.
وشروط الاداء: الصحة والسلامة من المرض، والإقامة لقوله تعالى:} فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر {(البقرة 184). وخلو المرأة من الحيض والنفاس.
وأركانه: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
والنية، وصفتها ما يلى:
(أ) الجزم: فلو نوى ليلة الشك الصيام غدا إن كان من رمضان فلا يصح.
(ب) التبييت: وهو أن يبيت النية من الليل لقوله ? " لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر" (4).
(ج) التعيين: فلا يكفى مطلق الصوم، بل لابد أن ينوى صيام الغد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى.
(د) تجديد النية لكل يوم خلافا لمالك (5) وأحمد فى رواية (6) حيث يكتفى عندهم بنية واحدة.
ومفسدات الصيام كا لآتى:
(أ) إدخال عين من الظاهر إلى الباطن عمدا سواء كان الداخل مطعوما أو لا، بشرط أن يكون الداخل من المنافذ المفتوحة أو الواسعة، وأن يكون الداخل مما يمكن الاحتراز عنه، فإن كان مما لا يمكن الاحتراز عنه كالغبار ونحوه، فلا يفسد الصيام، وأن يكون الصائم ذاكرا لصيامه، فإن كان ناسيا فلا يفسد الصيام، وأن يكون مختارا غير مكره على إفساد صيامه.
(ب) الجماع فى نهار رمضان عمدا سواء حصل الإنزال أو لا (7).
وأما ما يفسد الصيام ويوجب القضاء فهو:
(أ) أن يتناول مالا يؤكل فى العادة كالحبوب النيئة، أو الثمار الفجة كالسفرجل ونحوه.
(ب) تعمد إنزال المنى بلا جماع كالتقبيل، أو اللمس ونحو ذلك.
(ج) تناول الأشياء التى تعطى عن طريق الأنف بالشم بشرط أن تصل إلى الدماغ، أو إلى الحلق، وذلك كالبخور أو بخار القدر ونحوهما.
(د) التقصير فى حفظ الصوم، وذلك كما لو أفطر ظانا أن الشمس قد غربت، ثم تبين له أن الشمس لم تغرب.
وأما ما يوجب القضاء والكفارة فهو:
1 - الجماع عمدا مختارا بشرط إدخال فرج الرجل فى فرج المرأة.
2 - الأكل والشرب طائعا عامدا بغير خطأ ولا نسيان، وأن ينوى الصيام ليلا، ولا يطرأ عليه عذر شرعى يبيح له الإفطار كالمرض (8).
ويبيح الإفطار للصائم ما يلى:
1 - المرض إذا كان غير قادر على الصوم، أو يخاف الهلاك من المرض، أو الضعف، أو يخاف تأخر الشفاء، أو يخاف فساد عضو من الأعضاء.
2 - السفر بشرط أن يكون السفر مما تقصر فيه الصلاة، وأن لا يكون السفر فى معصية، وأن يجاوز محل إقامته وما يتصل بها من البناء، وأن لا يعزم الإقامة خلال سفره أربعة أيام أو أكثر خلال سفره.
3 - الحمل والرضاع، بشرط أن تخاف الحامل أو المرضع على نفسها أو على ولدها المرض، أو تخاف على نفسها أو ولدها الضرر أو الهلاك وإطلاق لفظ الحامل يتناول كل حمل ولو من زنى، وكذا المرضع حتى ولو كانت مستأجرة.
4 - الشيخوخة: وهى فناء القوة، أو الإشراف على الفناء، أو كان مريضا لا يرجى برؤه.
5 - إرهاق الجوع والعطش الشديد، بشرط أن يخاف على نفسه الهلاك بغلبة الظن، لا بالوهم، أو يخاف ذهاب بعض الحواس، وذلك كأرباب المهن الشاقة كالمحترف المحتاج إلى نفقته كالخباز أو الحصاد ونحوهما.
6 - الخوف من الضعف عن لقاء العدو سواء كان اللقاء واقعا بالفعل، أو كان متوقعا (9).
أ. د/ يحيى أبو بكر
1 - لسان لعرب مادة: صوم
2 - كشاف القناع 2/ 319.
3 - أخرجه البخارى كتاب الصوم 1/ 402.
4 - أخرجه أبو داود 2/ 823.
5 - القوانين الفقهية لابن جزى المالكى ص/80.
6 - الإنصاف3/ 295.
7 - يراجع تبيين الحقائق 1/ 325، القوانين الفقهية ص/0 8، روضة الطالبين 3/ 356، كشاف القناع 2/ 320.
8 - بدائع الصنائع 2/ 96، حاشية الدسوقى 1/ 529، روضة الطالبين 2/ 1 36، كشاف القناع2/ 326.
9 - الدر المختار2/ 98، القوانين الفقهية ص/81، المجموع 6/ 320، الإنصاف 2/ 229،300
__________
المراجع
1 - الإنصاف فى معرفة الراجح من الخلاف للعلامة على بن سليمان المرداوى ط السنة المحمدية عام1376 هـ.
2 - بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى نشر دار الكتاب العربى- بيروت ط ثالثة 2 0 4 1 هـ- 982 1 م.
3 - تبيين الحقائق بشرح كنز الدقائق للعلامة عثمان بن على الزيلعى ط دار المعرفة- بيروت.
4 - حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعلامة شمس الدين محمد بن أحمد الدسوقى ط عيسى الحلبى.
5 - الدر المختار للعلامة علاء الدين الحصكفى بهامش- در المختار ط دار إحياء التراث العربى ط ثانية 7 0 4 1 هـ- 987 1 م.
6 - روضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام يحيى بن شرف الدين النووى ط المكتب الإسلامى بيروت ط ثانية 1405 هـ- 1985 م.
7 - سنن أبى داود للإمام سليمان بن الأشعث الأزدى ط دار إحياء التراث العربى- بيروت- ت/ محمد محيى الدين عبد الحميد.
8 - صحيح البخارى للإمام محمد بن اسماعيل البخارى نشر دار بن كثير- بيروت 1407 هـ / مصطفى ديب البغا.
9 - القوانين الفقهية لمحمد بن أحمد بن جزى ط دار العلم للملايين- بيروت.
10 - كشاف القناع للعلامة منصور بن يونس البهوتى ط دار الفكر بيروت.
11 - لسان العرب- لابن منظور ط دار المعارف ت/ عبد الله على، محمد حسب الله، هاشم محمد الشاذلى.
12 - المجموع شرح المهذب للإمام يحيى بن شرف الدين النووى ط مكتبة الإرشاد، دار الفكر- بيروت.(1/411)
30 - الصيدلة
لغة: الصيدلانى، فارسى معرب، والجمع صيادلة كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: فن علمى يبحث فى أصول الأدوية سواء كانت نباتية أو حيوانية أو أدوية مصنعة كيميائيا، من حيث تركيبها وتحضيرها ومعرفة خواصها الكيميائية والطبيعية، وتأثيرها فى علاج الأمراض والوقاية منها، كما تختص الصيدلة بكيفية استحضار الأدوية المركبة من هذه الأصول.
ويدل المصطلح العربى "صيدلى" أو "صيدلانى" -طبقا لما ذهب إليه العالم المسلم البيرونى- على المحترف بجمع الأدوية على أحد صورها واختيار الأجود من أنواعها مفردة أو مركبة؛ لاستعمالها فى علاج الأمراض.
ويرى البيرونى أن كلمة "صيدلانى" تعريب لكلمة "جندولانى" بقلب الجيم صادا، وكلمة "جندن "و" صندل " تدل على أفواه الطيب العطر، وقد تنسب كلمة "صيدلانى" أيضا إلى "الصندل " وفى كلتا الحالتين فإن المصطلح يدل على أن "الصيدلى" هو الشخص الذى يجمع الأعشاب النافعة للتطبيب.
ولقد عرف الإنسان الدواء منذ فجر التاريخ، حيث اهتدى الإنسان البدائى بالفطرة إلى اكتشاف الدواء الذى يسكن آلامه ويعالج مرضه، فقد استعمل الكحول والأفيون لتسكين الآلام، كما استخدم "السنكونا " لعلاج الملاريا، ونبات عرق الذهب لعلاج الدوسنتريا.
وتعتبر الحضارة المصرية القديمة من أعرق الحضارات التى زخرت بالكثير من العلوم الطبية، والتى كان لها الفضل فى اكتشاف بعض الأدوية التى لا يزال يستعمل عدد منها حتى الآن، وتشهد بعض البرديات التى يرجع تابخها إلى (1600) سنة قبل الميلاد، على أن قدماء المصريين قد توصلوا إلى علاج أمراض عديدة ومتنوعة، حيث تزخر البرديات الطبية بما يزيد عن (700) وصفة علاجية تشمل طريقة تحضير الدواء، وكيفية إعطائه للمريض، منها استعمال الحنظل والزعتر والزعفران والثوم والبصل وزيت الزيتون والسمسم والقرنفل، وغير ذلك مما يدل على أنهم قد برعوا فى مجال الطب والصيدلة.
وقد توصل الهنود فى القرن السادس قبل الميلاد إلى الوقاية من مرض الجدرى باستعمال وسيلة التطعيم، وعلاج بعض الأمراض باستعمال النباتات والأدوية الطبيعية، كما كانوا يعتقدون فى العلاج بالسحر.
كما توصل أيضا قدماء اليونانيين إلى علاج بعض الأمراض باستعمال الأدوية الطبيعية والنباتات، كما كانوا يعتقدون كذلك فى العلاج بالسحر.
ولقد استطاع العالم اليونانى أبقراط (460 - 377 ق م) وأتباعه أن يحرروا الطب من الخرافات والخزعبلات، وأوصى أبقراط بالوقاية من الأمراض وعلاجها بتناول الغذاء الأمثل والتعرض للهواء النقى وتدليك الجسم، كما أوصى باستعمال الأدوية المسهلة والحقن الشرجية وبعض الأدوية فى علاج الأمراض.
وفى العصر الرومانى انتقل التراث الطبى من اليونان إلى روما، ويعتبر العالم جالينوس -وهو يونانى المنشأ- من أشهر علماء الطب والصيدلة فى العصر الرومانى، حيث كان له أبلغ الأثر فى تقدم الصيدلة، فهو أول من أدخل المستحضرات الدوائية المركبة فى مجال الصيدلة، وأول من حضر صبغة الأفيون ومستحضرات بعض النباتات الطبية، التى أطلق عليها فيما بعد اسم "الجالينات".
ولقد كان للإسلام أبلغ الأثر فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة، حيث حث المسلمين على طلب العلم وتكريم العلماء، ولقد شهد العالم الإسلامى مولد أول مدرسة للصيدلة، وبذلك استقل مبحث الصيدلة عن مبحث الطب، ويشهد لعلماء العصر الإسلامى ببراعتهم فى فن تحضير الدواء، وكان المسلمون هم أول من أنشأوا صيدليات لبيع الدواء.
ولقد أسهم الأطباء والصيادلة العرب والمسلمون إسهاما كبيرا فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة فى مختلف دول العالم بما قدموه من دراسات ومؤلفات، مما كان له أثر كبير فى تطورها، وكانت تعد من أهم المراجع الطبية والصيدلية فى أوروبا إلى ما بعد القرن السابع عشر.
ولقد شهد العصر الحديث تطورا مذهلا فى علوم الصيدلة، حيث شيدت آلاف الأدوية الكيميائية، واكتشفت الآثار الطبية العديد من الأدوية الطبيعية، كما تنوعت وتقدمت وسائل العلاج الدوائى، وتحضير الأدوية والمركبات الصيدلية، كما شهد هذا العصرتقدما علميا وتقنيا فى الصناعات الدوائية ودراسات وبحوث الصيدلة.
أ. د/عز الدين الدنشارى
__________
الهامش:
1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر بيروت، 11/ 378.
مراجع الاستزادة:
1 - تاريخ الصيدلة والعقاقير فى العهد القديم والعصر الوسيط، د/جورج شحاتة قنواتى، دار المعارف القاهرة.
2 - التثقيف الدوائى، د/عبدالرحمن عقل، ود/عز الدين الدنشارى، عمادة شئون المكتبات، جامعة الملك سعود الرياض 1408هـ/1987م.
3 - الدواء وصحة المجتمع، د/عز الدين سعيد الدنشارى، ود/عبدالله محمد البكيرى، مكتبة التربية العربى لدول الخليج الرياض(1/412)
31 - الصيرفة
لغة: مشتقة من الصرف، وهو صرف الذهب والفضة فى الميزان، أى فضل الدرهم على الدرهم، والدينار على الدينار، لأن كل واحد منهما يصرف عن قيمة صاحبه، ويقال بين الدرهمين صرف أى فضل لجودة فضة أحدهما، والصرف أيضا بيع الذهب بالفضة، ويقال صرفت الدراهم بالدنانير (كما فى اللسان). (1)
واصطلاحا: وظيفة من وظائف كتاب الأموال فى الدول الإسلامية.
والصراف والصريف والصيرفى هو الذى كان يتولى قبض الأموال وصرفها ونقدها، والجمع صيارف وصيارفة، وقد يجمع شخص واحد مهمة الصيرفى والجابى.
ونظرا لأهمية وظيفة الصيرفة ألفت كتب لإرشاد الصيارفة، منها:
كتاب "المختار فى كشف الأسرار" للجويرى، وهو من علماء النصف الأول من القرن الهجرى، وقد تناول هذا الكتاب كشف أسرار الغش والتدليس فى الصناعات، وعنى بصفة خاصة بأعمال الصيارف.
كتاب "الباهر فى الحيل والشعبذة" لأحمد بن عبدالملك الأندلسى. واهتم الكتاب بتنبيه الصيارفة إلى تجنب التصرفات المخالفة للشرع، فحذرهم السباكى مثلا من خلط أموال الناس بعضها ببعض، وعدم بيع النقدين بالآخر نسيئة، بل نقدا، وذكرهم أيضا بأن من حق الصيرفى معرفة عقد الصرف، وألزم بضمان ما يتلف فى يده من النقد للغير. ومن الأمورالتى لفت السباكى نظر الصيرفى إليها انه إذا سلم صبى درهما إلى صيرفى لينقده لم يحل للصيرفى رده إليه، وإنما يرده إلى وليه.
ومن الملاحظ أن كثيرين من اليهود والنصارى مارسوا الصيرفة فى مصر فى العصر الإسلامى، وأثروا منها ثراء كبيرا، وحصلوا عن طريقها على كثير من النفوذ.
وحدد ديوان الإنشاء فى عصر المماليك ألقابا الصيارف من اليهود والنصارى، وذكر أنها تصدر "بالشيخ" كما كانوا يتخذون ألقابا مضافة إلى الدولة مثل ولى الدولة وشمس الدولة، وربما قيل: الشيخ الشمسى للتفخيم.
وكان الصيرفى إذا أسلم أضيف لقبه إلى الدين بدلا من الدولة، فيقال مثلا شمس الدين، وإذا كان لقبه لا ينالب الإضافة إلى الدين نعت بلقب قريب، مثلا الشيخ السعيد، قد يقال له سعد الدين.
هذا .. واشتهر بعض الأعلام بلقب الصيرفى مما يرجح اشتغالهم بهذه الوظيفة، أو انتسابهم إلى من اشتغل بها، ومن أمثلة هؤلاء: الصيرفى على بن بندار الصوفى والصيرفى عمرو بن عدى، والشيخ أبو القاسم على بن منجب الصيرفى الكاتب، مؤلف كتاب "قانون ديوان الرسائل" وشهرته ابن الصيرفى، وقد ورد اسمه بمسجد مهدم بقرية الحصن.
وقد وصلتنا بعض شواهد قبور تشتمل على أسماء مصحوبة بهذه الوظيفة، منها: شاهد رخام من ترابانى مؤرخ ربيع الأول سنة 474هـ باسم سيدة الأهل بنت عبدالعزيز الصيرفى من أهل مازر.
شاهد حجر جيرى مؤرخ آخر رجب سنة 583هـ من جبانة باب الشاغور بدمشق باسم الحاج أبو المكارم بن جامع بن على الصيرفى.
هذا ويطلق حاليا فى مصروغيرها من البلاد العربية على شركات تغيير العملات أو استبدالها شركات الصرافة.
أ. د/حسن الباشا
__________
الهامش:
1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت ط3، 9/ 189.
مراجع الاستزادة:
1 - الفنوق الإسلامية والوظانف، أ. د/حسن باشا القاهرة 1966م.
2 - النظم الإسلامية، د/حسن إبراهيم حسن، القاهرة 1939م.
3 - قانون ديوان الرسائل، ابن الصيرفى، مصر1905م.
4 - قوانين الدواوين، ابن مماتى، القاهرة 1943م.
5 - معيد النعم ومبيد النقم السبكى.
6 - صبح الأعشى فى صناعة الإنشا، القلقشندى(1/413)
1 - الضرر
لغة: اسم من الضر، وهو نقص يدخل على الأعيان، فهو ضد النفع، وهو النقصان يقول الأزهرى: "كل ما كان سوء حال وفقر وشدة فى بدن فهو ضر بالضم، وما كان ضد النفع فهو بفتحها (1).
واصطلاحا: هو إلحاق مفسدة بالغير (2).
والضرر قد يكون بالقول: كرجوع الشاهدين عن شهادتهما بعد القضاء، وقبض المدعى للمال، فلا يفسخ الحكم، ويضمنان ما أتلفاه على المحكوم عليه، وقد يكون الضرر ناشئا عن الفعل كتمزيق الثياب، وقطع الأشجار (3).
وقد يكون بالقول والفعل كما سبق.
وقد يكون بالترك، ومثاله امرأة تصرع أحيانا، فتحتاج إلى حفظها، فإن لم يحفظها الزوج حتى ألقت بنفسها من شاهق، فعليه ضمانها (4).
والأصل أن سائر أنواع الضرر حرام إلا ما قام الدليل على إباحته، وتزداد حرمته كلما زادت شدته، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة، منها:
قوله تعالى {لا تضار والدة بولدها} البقرة:233، وقوله تعالى {ولا تمسهكوهن ضرارا لتعتدوا} البقرة:231.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا ضر ولا ضرار" (5). فهذا الحديث يشمل كل أنواع الضرر؛ لأن النكرة فى سياق النفى تعم، ومعناه أنه لا يجوز شرعا إلحاق ضرر أو ضرار بالنفس أو بالغير إلا بموجب خاص.
وتجدر الإشارة إلى أن الضرر يباح استثناء فى أحوال منها: إدخال الضرر على أحد يستحقه لكونه تعدى حدود الله، فيعاقب بقدر جريمته، ومنها ارتكاب الضرر فى حالة الضرورة، أو ارتكاب ضرر أخف تجنبا لضرر أشد إلى غيرذلك.
وهناك قواعد فقهية ضابطة لأحكام الضرر، تناولها الفقهاء وفصلوها وبينوا أحكامها، وسنذكرها إجمالا ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتب القواعد.
فمن هذه القواعد: "الضرر يزال " فيبنى على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه مثل الرد بالعيب، والخيار بأنواعه، والحجر والشفعة، وقسمة الجبر وغير ذلك (6) ويتفرع عن هذه القاعدة قاعدتان:
الأولى: الضروات تبيح المحظورات وبناء عليها يجوز أكل الميتة للمضطر.
الثانية: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، ويتفرع عليها أنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق (7).
وهناك قواعد تقيد من تلك القاعدة العامة -الضرر يزال- من هذه القواعد:
"الضررلا يزال بمثله " ذلك أن الضرر مهما كان واجب الإزالة، فإزالته إما بلا ضرر أصلا أو بضرر أخف، أما إذا كان الضرر لا يزال إلا بضرر مثله أو أشد فلا يجوز. ومن أمثلتها: ما لوهدد المسلم بالقتل إذا لم يقتل جاره المسلم، فإنه لا يجوز له فعل ذلك، بخلاف ما لو أكرهه على أكل ماله.
ومن هذه القواعد آيضا: "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضررالعام ". وهذه القاعدة مقيدة لقاعدة "الضرر لا يزال بمثله ". أى لا يزال الضرر بالضرر إلا إذا كان آحدهما عاما والآخر خاصا، فيتحمل حينئذ الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
ومن هذه القواعد أيضا: "الضرر الأشد يزال بالأخف " أو بمعنى آخر " يختار أهون الشرين " ومن أمثلتها: جواز شق بطن الميتة لإخراج الولد إذا كانت ترجى حياته (8).
ويجوز شرعا ترك الواجب وذلك إذا تعين طريقا لدفع الضرر، وذلك كالفطر فى نهار رمضان، وترك ركعتين من الصلاة الرباعية لدفع ضرورة السفر.
كما قد يفعل المحرم دفعا للضرر، كأكل الميتة فإنه حرام، ولكنه يجوز فى حال الاضطرار دفعا لضرر التلف. أما إذا أمكن تحصيل الواجب، أو ترك المحرم مع دفع الضرر بطريق آخر من المندوبات أو المكروهات فلا يتعين ترك الواجب ولا فعل المحرم (9).
ويجب على كل مسلم محاولة دفع الضررعن غيره، فيجب قطع الصلاة لإغاثة ملهوف وغريق وحريق (10).
فينقذه من كل ما يعرضه للهلاك. فإن كان الشخص قادرا على ذلك دون غيره وجبت عليه، الإغاثة وجوبا عينيا، أما إذا كان هناك من يقدر على ذلك، كان الوجوب عليه كفائيا، وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء.
وإنما اختلفوا فى تضمين من امتنع عن دفع الضرر عن المضطر مع القدرة على ذلك.
فذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا يلزمه الضمان، وقد أساء؛ لأنه لم يهلكه ولم يكن سببا فى هلاكه، كما لولم يعلم بحاله.
بينما ذهب المالكية وأبو الخطاب من الحنابلة إلى أن الممتنع مع القدرة يلزمه الضمان، لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه، فيضمنه كما لو منعه الطعام والشراب (11).
أ. د/على مرعى
__________
الهامش:
1 - المصباح المنير، القاموس المحيط مادة (ضرر).
2 - فتح المبين لشرح الأربعين النووية لابن حجر الهيثمى ط1 العامرة الشرقية فى القاهرة 1322هـ ص211.
3 - تبيين الحقائق للزيلعى ط دار المعرفة بيروت، 4/ 244.
4 - حاشية الرملى على جامع الفصولين 2/ 81، حاشية ابن عابدين ط المطبعة الأميرية ببولاق، الطبعة الثالتة 5/ 127.
5 - الحديث أخرجه الحاكم فى المستدرك، والسيوطى فى الجامع الصغيرفيض القدير للمناوى 6/ 431.
6 - الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى ط دار الكتب العلمية بيروت ص85.
7 - الأشباه والنظائر لابن نجيم ص85 وما بعدها، والأشباه والنظائر للسيوطى وما بعدها ط دار إجياء الكتب العربية عيسى الحلبى ص92.
8 - الأشباه والنظائر لابن نجيم ص87 وما بعدها وللاستزادة يراجع أيضا الأشباه والنظائر للسيوطى والموافقات للإمام الشاطبى.
9 - الفروق للقرافى ط عالم الكتب بيروت، 2/ 123.
10 - الدار المختار للحصكفى مع حاشية ابن عابدين ط المطبعة الأميرية ببولاق مصر 1/ 459.
11 - بدائع الصنائع للكاسانى ط مطبعة الجمالية الطبعة الأولى 1348هـ 1910م، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ط المطبعة الأزهرية بمصر 1934م 2/ 112، 4/ 242، مغنى المحتاج للشربينى الخطيب ط مصطفى الحلبى 4/ 5، المغنى لابن قدامة ط علم الكتب 7/ 515، 8/ 202(1/414)
2 - الضمان
لغة: له عدة معان: منها الكفالة، فنقول: ضمنته الشئ ضمانا إذا كفله.
ومنها الالتزام، فتقول: ضمنت المال، إذا التزمته.
ومنها التغريم، تقول ضمنته الشىء تضمينا إذا غرمته (1).
واصطلاحا: يطلق على المعانى التالية:
(أ) يطلق على كفالة النفس، وكفالة المال عند جمهور الفقهاء.
(ب) كما يطلق على غرامة المتلفات والمغصوبات والمتعيبات والتغيرات الطارئة.
(ج) كما يطلق على ضمان المال والتزامه سواء كان بعقد وبغيرعقد.
(د) كما يطلق على وضع اليد على المال، بغير حق أو بحق.
وقد عرف الفقهاء الضمان بتعريفات كثيرة نقتصرعلى اثنين منها:
الأول: التزام دين أو إحضار عين أو بدن (2).
الثانى: شغل ذمة أخرى بالحق (3).
والضمان جائز شرعا، حفظا للحقوق، ورعاية للعهود، وجبرا للضرر، دلت على ذلك نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة ومن ذلك:
(أ) قوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} يوسف:72، فزعيم: أى ضامن، فقد ضمن يوسف رضى الله عنه لمن جاء بسقاء الملك قدرما يحمله البعيرمن الطعام.
(ب) ما رواه أنس رضى الله عنه قال: أهدت بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم إلى النبى طعاما فى قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها، فقال النبى صلى الله عليه وسلم (طعام بطعام، وإناء بإناء) (4).
(ب) ما رواه سمرة بن جندب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (على اليد ما أخذت حتى تؤدى) (5) أى ضمانه.
ولكى يتحقق الضمان شرعا، ويجب على من التزم به، لابد من توافر ثلاثة أركان هى:
التعدى، الضرر، علاقة السببية بين التعدى والضرر " الافضاء".
- فالتعدى: هو مخالفة ما حده الشرع أو العرف، فيشمل التعدى: المجاوزة، والتقصير، والإهمال، وقلة الاحتراز، كما يشمل العمد والخطأ (6).
- أما الضرر: فهو إلحاق مفسدة بالغير، وهذا يشمل الإتلاف والإفساد. والضرر قد يكون ناشئا عن القول أو الفعل، كما أنه قد يكون بالقول والفعل أو بالترك. (7).
- أما علاقة السببية: فيشترط أن يكون التعدى مفضيا إلى الضرر، سواء كان بالمباشرة أو بالتسبب، ويشترط أيضا أن لا يتخلل بين السبب وبين الضرر فعل فاعل مختار، فإذا وجد هذا الفاعل الأجنبى فإنه يضاف الضمان إليه، وينقطع التعدى عن الضرر (8).
وللضمان أسباب، ذكر الشافعية والحنابلة أنها قد تكون:
(أ) العقد: كالمبيع، والثمن المعين قبل القبض، والسلم فى عقد البيع.
(ب) اليد: مؤتمنة كانت كالوديعة والشركة، فى حالة حصول التعدى، أو غير مؤتمنة كالشراء الفاسد.
(ج) الإتلاف: سواء كان للنفس أو المال (9).
أما المالكية فقد ذكروا أن أسباب الضمان هى:
(أ) الإتلاف مباشرة؛ كإحراق الثوب.
(ب) التسبب فى الإتلاف: كحفر بئر فى موضع لم يؤذن فيه فيترتب عليه فى العادة إتلاف.
(ج) وضع اليد غير المؤتمنة: ويندرج فيها يد الغاصب، والبائع يضمن المبيع الذى يتعلق به حق توفيته قبل القبض (10).
والأمانات يجب تسليمها بذاتها، وآداؤها فور طلبها، لقوله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} النساء:58. وتضمن الأمانات فى حالة التعدى، وإلا فلا ضمان فيها.
أما المضمونات فتضمن بالإتلاف وبالتلف ولوكان سماويا (11).
هذا وأحكام الضمان كثيرة ومتفرعة فى سائر أبواب الفقه، فيرجع إليها لمن أراد الاستزادة من سائر كتب المذاهب.
أ. د/على مرعى
__________
الهامش:
1 - المصباح المنير مادة (ضمن)، القاموس المحيط مادة (ضمن).
2 - حاشية القليوبى على شرح المحلى للمنهاج، ط عيسى الحلبى، 2/ 323.
3 - جواهر الإكليل للآبى، شرح مختصر خليل، ط دار المعرفة بيروت، 2/ 109.
4 - الحديث أخرجه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذى 3/ 631 كتاب البيوع ط مصطفى الحلبى.
5 - الحديث أخرجه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذى 3/ 557، تلخيص الحبير لابن حجر، ط دار المعرفة 3/ 53.
6 - جامع الفصولين 2/ 122 ومابعدها، تكملة فتح القدير لقاضى زادة، ط إحياء التراث العربى 9/ 245.
7 - تبين الحقائق، للزيلعى 4/ 244 ط دار المعرفة بيروت، حاشية الرملى على جامع الفصولين 2/ 81.
8 - مجمع الضمانات، ط المطبعة الخيرية بمصر الطبعة الأولى 1308هـ ص146.
9 - الأشباه والنظائر للسيوطى، ص390 ط عيسى الحلبى، القواعد لابن رجب ط مكتبة الخانجى الطبعة الأولى 1352هـ- 1933م، ص204.
10 - الفروق للقرافى 4/ 27 الفرق 217، 2/ 206 الفرق 111، ط عالم الكتب بيروت.
11 - حاشية ابن عابدين 4/ 526 وما بعدها، ط المطبعة الأميرية ببولاق مصر، جواهر الإكليل 2/ 140، المهذب للشيرازى 1/ 366 ط عيسى الحلبى(1/415)
3 - الضمير
لغة: هو ما دل على متكلم كـ "أنا" أو مخاطب كـ "أنت " أو غائب كـ "هو" ومنه البارز والمستتر، فالبارز "قمت " أما المستتر فهو كالمقدر نحو قولك "قم " كما فى اللسان.
ولم يرد هذا اللفظ فى القرآن الكريم ولا فى السنة المطهرة ولم أجد كذلك لفظا قرآنيا يشترك مع هذا اللفظ فى الأصل سوى لفظ "ضامر" وهو ما جاء فى قوله تعالى: {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} الحج:27.
واصطلاحا: فيعرف الضمير بأنه خاصية يصدر بها الإنسان أحكاما مباشرة على القيم الأخلاقية لأعمال معينة، فإن تعلق فيما لم يقع بعد فقد يكون أمرا بالفعل أو نهيا عنه.
وقد عنى به من الفلاسفة أصحاب المدرسة الحدسية، واعتبروه قوة فطرية يميز بها الإنسان بين الخير والشر تلقائيا دون خبرة مسبقة أو توجهيه من الآخرين، أما أصحاب المدرسة الطبيعية (المادية) فقد أرجعوا أحكام الضمير إلى التجربة أى الخبرة السابقة وربطوا قيمة الفعل الأخلاقى بنتائجه دون غيرها.
أما فى الفكر الإسلامى فيستخدم لفظ الضمير، بالمعنى اللغوى فى الدرجة الأولى.
أما المعنى الاصطلاحى للضمير فيعبر عنه بلفظ النفس اللوامة وهو المصطلح القرآنى المأخوذ من قوله تعالى {ولا أقسم بالنفس اللوامة} القيامة:2، حيث تقوم النفس اللوامة بمحاسبة الإنسان عما بدر منه، فى هذا المعنى يقول الحسن البصرى ت: (110هـ) فى النفس اللوامة: إن المؤمن والله لا نراه إلا لائما لنفسه، ما أردت بكلمتى؟ ما أردت بأكلتى؟ ما أردت بحديث نفسى؟ وإن الفاجر يمضى قدما لا يعاتب نفسه.
أما ابن جرير الطبرى فيعرف النفس اللوامة بأنها: التى تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات.
بذلك يتفق المعنى المقصود بالنفس اللوامة فى القرآن الكريم مع المعنى المقصود بلفظ "الضمير" فى الاصطلاح فى الفكر الحديث.
فالمقصود من كلا المصطلحين أنه جهاز مراقبة ومحاسبة داخل الإنسان السوى، يقيم ويقوم أعماله السابقة واللاحقة ويصدر عليها حكما أخلاقيا بالخير أوالشر.
وللشاعر المصرى المعروف "المنفلوطى" قصيدة بعنوان " الضمير" نشرت ضمن ديوانه الشعرى (ديوان أتى النصر).
أ. د/السيد محمد الشاهد
__________
مراجع الاستزادة:
1 - شرح قطر الندى وبل الصدى محمد محى الدين عبدالحميد دار الفكر مصر د. ت.
2 - المعجم الفلسفى مجمع اللغة العربية القاهرة سنة 1379هـ.
3 - تفسير القرآن العظيم للحافظ أبى الفداء ابن كثير دار المعرفة بيروت لبنان 1403هـ-1983م(1/416)
4 - الضوء
لقد تقدم العلم بقدر كبير نحو تجلية ماهية الضوء، فقد استنتج أينشتين أن الضوء إشعاع، والإشعاع هو صورة من صور الطاقة، والطاقة لها كتلة، والكتلة (وهى مادة الكون) تتأثر بقوة الجاذبية. وتكون نتيجة ذلك أن الضوء المار خلال الكون يجب أن ينجذب إلى الأجرام السماوية المختلفة، كما لو كان كوكبا صغيرا يتحرك بسرعة الضوء وبمعنى آخر إذا كان للضوء كتلة فيجب أن ينثنى بعيدا عن مسيره كلما حدث أن قرب من جرم سماوى. واقترح أينشتين تجربة ضخمة لتحقيق نظريته، فقد كان من المتوقع حدوث كسوف للشمس فى مايو سنة1919 م عندما يمر القمر بين الأرض والشمس، وينتج عن ذلك أن تعتم السماء فى وقت النهار، وترى النجوم القريبة من الشمس بوضوح، فإذا كانت النظرية صحيحة، فإن تلك النجوم لا تظهر فى مواقعها الطبيعية لكنها يجب أن تظهر مزاحة قليلا نتيجة جذب الشمس للضوء المنبعث منها أثناء مروره بالشمس، ويجب أن تبين الصور الفوتوغرافية للنجوم التى يبدو أنها قريبة قربا مباشرا من الشمس إزاحة هذه النجوم عن مواقعها الطبيعية. وبعد عدة محاولات قام الفلكيون بها للتثبت من صحة هذه الظاهرة، إلا أنهم رأوا أن أينشتين كان محقا، حيث ظهرت النجوم بعد تجارب عديدة فى مواقعها الحقيقية، وأن الضوء له كتلة، وله وزن.
إننا نرى الأشياء من حولنا ونميز بين الألوان بوساطة الضوء الذى يدخل أعيننا، ونستطيع القول: إنه مهما تكن حقيقة الضوء، فنحن نستطيع رؤية ضوء صغير منه فقط .. وإحدى خصائص الضوء هى طول موجته، حيث يتكون الضوء الأبيض من مزيج من أطوال الموجات تتراوح ما بين حوالى 0.00008سم (الأحمر) و 0.00004 سم (البنفسجى). ويسمى هذا المدى "بالطيف المنظور" ولا ترى العين البشرية الضوء الذى طول موجته يزيد أو يقل عن هذا المدى. ويقع الضوء (الأحمر) فى المنطقة التى يزيد فيها طول الموجة قليلا على 0.00008. سم. وينبعث هذا النوع من الضوء غير المنظور من جميع الأشياء الساخنة. ومن الممكن التقاط صور دون استخدام أى ضوء منظور، وذلك باستخدام ألواح فوتوغرافية حساسة للضوء تحت الأحمر. وكل ما يلزم للإضاءة فى هذه الحالة هو جسم ساخن مثل المكواة، تنعكس الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من المكواة من المنظر المراد تصويره، وتدخل فى آلة التصوير حيث تكون الصورة على الفيلم الحساس للأشعة تحت الحمراء، فالأشعة تحت الحمراء مثل الضوء العادى تنعكس وتتجمع بوساطة عدسات آلة التصوير وتسقط من مكان لآخر. ويدلنا العلماء على أن الألوان ناتجة من تفسير الإحساس الواصل إلى المخ عندما يستقبل موجة ذات تردد معين، وإذا زاد التردد عند حد ما، فإننا ندخل ضمن نطاق تردد الأمواج الضوئية المرئية التى لها نفس طبيعة الأمواج اللاسلكية، فلها أيضا تردد وطول موجى تماما، كموجات اللاسلكى بالتليفزيون والرادار.
ويطلق العلماء على هذه المجموعة من الأمواج اسم "الطيف الكهرومغناطيسى" أو للاختصار اسم "الطيف ".
وتذيع محطات الإرسال العادية بتردد يكون عادة حوالى مليون اهتزازة فى الثانية، فى حين أن الضوء ينتقل بموجات متوسط ترددها 6 ملايين اهتزازة فى الثانية.
ويمكن تشبيه العين بجهاز الاستقبال اللاسلكى حيث يمكنها أن تميز بين تردد الأشعة المختلفة، حيث إن تردد اللون البنفسجى حوالى 7,5 ملايين مليون اهتزازة، فى الثانية، تليه الألوان الأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالى، وأخيرا اللون الأحمر الذى يبلغ تردد موجاته 4 ملايين مليون اهتزازة فى الثانية.
وحقيقة الأمر أنه لا توجد فواصل محددة تفصل بين انتهاء لون وبداية لون آخر، إنم يحدث التغير بالتدريج، أى أن هناك استمراراً بين الألوان. وعندما تسقط الأشعة على عين بشرية، فإن الأشعة تصطدم بأجسام مخروطية دقيقة فى نهاية العين، حيث تستطيع بها أن تميز بين الألوان المختلفة التردد، إذ إن هناك أجساما مخروطية حساسة للون الأحمر، وأخرى للأخضر، وثالثة للأزرق والبنفسجى، فإذا استقبلت العين أشعة حمراء ذات أربعة ملايين مليون اهتزازة فى الثانية، فإن الأجسام الخاصة باللون الأحمر هى التى ترسل تيارا عصبيا إلى المخ، الذى يعطينا الإحساس بالأحمر.
وكذلك إذا استقبلت العين أمواجا ذات تردد خمسة ملايين مليون اهتزازة فى الثانية، فإنها تثير الإحساس باللون الأخضر بنفس الطريقة.
ونفس الشيء يحدث للونين الأزرق والبنفسجى وغيرهما، لذلك تسمى هذه الألوان الثلاثة باسم الألوان الأساسية. وإذا وصل إلى العين لونان: أخضر وأحمر معا، فإن العين تنقل الإحساس بكليهما فى نفس الوقت، ويحدث الإحساس باللون الأصفر. وبهذه الطريقة يمكن لنا أن نرى عددا لا نهائيا من الألوان. وضوء الشمس العادى ما هو إلا مزيج من ألوان الطيف، إذا استطعت أن تمزجها بنفس النسبة لأحسست باللون الأبيض.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع:
1 - آفاق العلم.- د. سيد رمضان هدارة نشرته مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر.
2 - العلم بين يديك فى تجارب ... د. محمد صابر سليم نشرته مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر.
3 - كنوز العلم فى أسئلة وأجوبة .. وليم فرجارا.(1/417)
1 - الطِّب
اصطلاحًا: هو وسيلة شفاء المرض، بمعرفة أسراره ومداواته.
وقد كان إنسان ما قبل التاريخ يؤمن بأن الأمراض تحدث نتيجة غضب الآلهة، أو بسبب ما أسماه بالأرواح الشريرة، ومن ثمَّ أصبح شفاء المرض من وظائف الكُهَّان ورجال الدين .. وفى مصر القديمة كان الأطباء المصريون القدماء هم رجال الدين الذين توحى إليهم الآلهة بأسرار الشفاء، وكان هؤلاء يتخصصون فى الأمراض المختلفة، وقد طَبقت شهرتهم الآفاق، حتى سجل التاريخ أن الملوك سعوا إليهم من أنحاء الدنيا القديمة لاستشارتهم.
ويذهب المؤرخون إلى أن أول طبيب فى العالم أطلق عليه اسم "طبيب " كان هو المصرى "إيمحتب"، وهو الذى تتخذ. جامعة القاهرة من تمثاله شعاراً لها، وقد أظهرت البرديات الطبية أن الأطباء المصريين القدامى أحرزوا تقدما هائلا فى العلوم الطبية، وبخاصة فى الجراحات، ويعتقد أن أولى الجراحات فى العالم كانت نشر الجمجمة، وهى العملية التى كانت تجرى لتخفيف الضغط على المخ، وقد وجدت بقايا جماجم يرجع عمرها إلى عشرة آلاف سنة. وقد تفوَّق المصريون القدماء فى علاج كسور العظام، على سبيل المثال، كما قام الصينيون القدماء بتطوير الطب وفق معتقداتهم القائلة بأن قوتين من قوى الحياة تجريان فى الجسم وتتحكمان فيه، ولا يظهر المرض إلا إذا اختل التوازن بين هاتين القوَّتين، ومازالت هذه الفكرة القائمة فى العلاج بالإبر الصينية، التى يعتقد أن الوخز بها فى أماكن معينة- تسيطر على هاتين القوتين- يعيد الاتزان المفقود إلى الجسم، ولا يزال الأطباء الصينيون- وغيرهم- يمارسون الوخز بالإبر حتى الآن.
وفى القرن الخامس قبل الميلاد وضع "أبقراط " ما يعتبر بمثابة الأساس العلمى للطب بدراسة المريض والمرض، وقد أثبت أبقراط أن الأمراض ترجع إلى أسباب طبيعية مادية لا إلى أسباب دينية، وقد أنشأ مدرسته الطبية الشهيرة بجزيرة قو الإغريقية، وإلى أبقراط يرجع الفضل فى وضع أخلاقيات الطب الحديث التى يبلورها قسم أبقراط الذى ما يزال يحتفظ بمكانته إلى اليوم.
وفى روما مارس الطبيب الإغريقى "جالينوس " الطب أثناء القرن الثانى بعد الميلاد، وهو أول من وضع النظريات الطبية التى تعتمد على التجارب العلمية، وقد ظلت هذه النظريات- رغم خطأ معظمها- بمثابة الدليل الذى يسترشد به الأطباء قرونا طويلة، وقد تأثر الأطباء العرب المسلمون بجالنيوس وشرحوا أفكاره وعدلوا بعضها واكتشفوا أوجه الخطأ فيها، وتطور الطب على أيديهم تطورا عظيما، على حين ظل الطب فى العصور الوسطى الأوروبية بمعزل تام عن الممارسة المباشرة للطب، وكان أطباء العصور الوسطى يمارسون الطب كالفلسفة بمعزل تام عن الممارسة الإكلينيكية التى نعرفها اليوم، وكانوا يعتمدون على الكتب القديمة وفحص البول لتشخيص الأمراض على حين تركوا الجراحة للحلاقين، والولادة للقابلات، وتركيب الأدوية للصيادلة.
أما فى العالم الإسلامى فقد لمعت نجوم عدد من الأطباء الكبار الذين أسهموا فى تقدم العلوم الطبية تقدما ملحوظا، وقد وصف أبو بكر الرازى الحصبة والجديرى وصفا دقيقا، كما وضع ابن سينا موسوعة طبية كبيرة ظلت المرجع الأساسى فى الطب لقرون متصلة، وطور الزهراوى أدوات جراحية كثيرة، واستمر الأطباء المسلمون فى الإيمان بأهمية التجربة وفى ممارستها، كما طور الأطباء المسلمون استخدام عقاقير طبية كثيرة من مصادر نباتية.
وفى القرن السادس عشر قام الطبيب الإيطالى فيزاليوس بتشريح عدد كبير من الجثث، ووضع أول كتاب تعليمى عن تشريح جسم الإنسان، وفى القرن السابع عشر نبغ الطبيب الإنجليزى توماس سيدنهام، وقد اتجه إلى الدراسة الإكلينيكية للأمراض والمرضى، وعنى عناية خاصة بالحميات دون اعتماد على الكتب المتوافرة، وكان يلقب بأبقراط الإنجليزى.
وتوحدت الجراحة والطب فى القرن الثامن عشر، وكان جون هنتر مؤسس الأسلوب العلمى فى الجراحة، مجرّبا لا يهدأ فى العمليات الجراحية، وكوّن مجموعة من الأطباء سميت "الجراحين المفكرين " وقضى هؤلاء أوقاتا طويلة فى حجرات التشريح لتعلم تركيب جسم الإنسان وأساليب الجراحة.
كذلك كان الجراح العسكرى الفرنسى "امبرواز باريه " أول من طور أساليب الجراحة الحديثة، ولهذا يسمى أبو الجراحة الحديثة.
وفى نهاية القرن الثامن عشر (1796 م) اكتشف الطبيب الإنجليزى "إدوار جينر" أن بإمكانه توفير المناعة ضد مرض الجديرى- وهو مرض معد جدا- وذلك عن طريق التطعيم بمصل مستخرج من جراثيم مرض الجدرى (وهو مرض قريب الصلة بالجديرى وإن كان محدود الضرر إذا ماقورن به).
وكان تقدم المجهر (الميكروسكوب) وكشف علاقة البكتريا بالأمراض سبباً فى تحويل طب القرن التاسع عشر إلى علم معملى، وأصبحت للدراسات المعملية أدوار كبيرة فى تشخيص الأمراض وفى بحوث علاجها.
وقد تمكن الكيميائى الفرنسى "لويس باستير" من إثبات وجود ميكروبات دقيقة جدا ولا ترى بالعين المجردة تتسبب فى الإصابة بالأمراض وتسمى الجراثيم، كما توصل الطبيب الألمانى "روبرت كوخ " إلى أسلوب تحديد نوع الجراثيم التى تتسبب فى كل مرض من الأمراض. وقد ساعدت هذه الاكتشافات الجراحين فى تعقيم الجروح بالمطهرات، ومكافحة الإصابة بالعدوى عن طريق الغسل بالماء والمطهرات فيما قبل كل عملية.
كما حفل القرن التاسع عشر بعدة اكتشافات مهمة كان لها أثرها فى تقدم الطب. وقد اكتشفت مادتا الإثير والكلورفورم وهما مادتان تقتلان الإحساس بالألم أثناء العمليات الجراحية، ومن هنا تطور التخدير تطورا كبيرا، ومن ثمَّ أمكن ممارسة عمليات جراحية فى أجزاء متعددة من الجسم. وحفل القرن العشرون بمظاهر عديدة لثورة طبية أفادت من ثمار التقدم العلمى الكبير الذى تفجر طوال هذا القرن، فقد تم اكتشاف الأشعة السينية (أشعة ×) واستخدمها الأطباء فى تصوير الأجزاء غير الظاهرة (المرئية) من الجسم، والإفادة من هذه الصور فى تشخيص العلل المختلفة.
كما أثبت عدد من علماء الطب أهمية الفيتامينات، ومن ثم أمكن التغلب على بعض أمراض سوء التغذية منذ العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين
وكان اكتشاف المضادات الحيوية بمثابة ثورة كبرى مكنت من مكافحة كثيرمن صور العدوى، والقضاء على كثير من الأمراض.
وتوالت الاكتشافات التى ساعدت على تجويد الأداء الطبى والارتفاع بكفاءته، فعلى سبيل المثال أدى اكتشاف مجموعات الدم إلى جعل عمليات نقل الدم أكثر أماناً، كما تطورت وسائل الجراحة والتخدير، وتطورت العقارات الطبية نفسها بصورة غير مسبوقة.
وبدأ الطب فى زراعة الأعضاء كالقلب والكبد والكلى، وَوُجهت هذه العمليات بالفشل عندما رفض الجهاز المناعى لبعض المرضى تقبل الأعضاء المزروعة، حتى تم اكتشاف عقار لمقاومة رفض الجسم للعضو المزروع (1978م)
ويتجه الطب إلى تطوير وسائل جراحية للتغلب على أمراض كانت تعد باطنية، وأصبح من الممكن التغلب جراحيا على آثار الأزمات القلبية والاحتساء القلبى الحاد، والانضمامات الرئوية، وسكتات الدماغ.
ويولى الطب الآن عناية شديدة بالتوترات العصبية والنظم الغذائية التى تتسبب فى مضاعفة الإصابة بأمراض القلب والسكتات المخية الوعائية.
وقد تم توظيف كثيرمن التطبيقات التكنولوجية لأفكار هندسية وعلمية لخدمة أغراض التشخيص، وبرز هذا فى التصوير بالموجات فوق الصوتية، وبالرنين المغناطيسى، والفحوص المقطعية المبرمجة بأجهزة الكمبيوتر.
ولابد من الاعتراف بأن ميكنة الطب كانت بمثابة خطوة تقدمية كبيرة إذ هيأت للطب المعاصر عدد كبير من الآلات والماكينات التى تساعد على ممارسة الطب على وجه أفضل، ولكنها لا تغنيه عن الصفات والمهارات الإنسانية التى لابد من توافرها بدرجات عالية فى الأطباء.
أ. د/ محمد الجوادى
__________
المراجع
1 - معجم المصطلحات الفنية والعلمية- مجمع اللغة العربية- القاهرة.
2 - قاموس القرآن الكريم. معجم الطب، مؤسسة الكويت للتقدم العلمى. 997 1م.
3 - الموجز فى الطب لابن النفيس- تحقيق/ عبد الكريم الغرباوى- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
4 - تاريخ الطب العراقى- لعبد الحميد الدعلوجى- طبعة- بغداد سنة 1967م
5 - الحاوى فى الطَب لأبى بكر الرازى- مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية- بحيدر آباد الدكن سنة 1955 م.
6 - تاريخ الطب والصيدلة عند العرب د/ سامى حمارنة- القاهرة سنة 967 ام(1/418)
2 - الطَّبَقات
لغة: الطَّبَقة جمعها الطَّبَقات من المصدر طبقه الذى تؤول أكثر معانيه إلى تماثل شيئين إذا وضع أحدهما على الآخر ساواه وكانا على حذوٍ واحد، فقيل منه "تطابق الشيئان " إذا تساويا وتماثلا.
واصطلاحا: تقسيم إسلامى أصيل، وهو قد يبدو أقدم تقسيم زمنى وُجِدَ فى التفكير التاريخى الإسلامى. ولم يكن هذا التقسيم نتيجة مؤثرات خارجية ولكنه جاء نتيجة طبيعية لفكرة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالتابعين .. إلخ التى تطَّورت فى أوائل القرن الثانى الهجرى بالارتباط بنقد علم الحديث للإسناد (الجرح والتعديل). يؤيد ذلك حديث أورده البخارى نصه "خيرأمتى قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ".
ويظهر هذا المفهوم بوضوح فى كتب الإمام ابن حبان البُستىّ المتوفى سنة 354 هـ/ 965 م حيث قَسَّم الرواة فى كتابيه "الَّثقات " و "مشاهير علماء الأمصار" إلى ثلاث طبقات، هم: الصحابة، والتابعون، وأتباع التابعين، فصارت الطبقة هنا تعنى جيلا.
واخترع المحدثون التنظيم على الطبقات لخدمة دراسة الحديث النبوى الشريف ومعرفة إسناد الحديث ونقده، فهو الذى يؤدى إلى معرفة ما إذا كان الحديث متصلا، أو ما فى السند من إرسال أو انقطاع، أو عضل أو تدليس، أو اتفاق فى الأسماء مع اختلاف فى الطبقة.
وأول الكتب التى وصلت إلينا فى هذا الفن هى كتاب "الطبقات الكبرى" لمحمد بن سعد كاتب الواقدى المتوفى سنة 230 هـ/845 م، وكتاب "الطبقات " لخليفة بن خياط المتوفى سنة 240 هـ/854 م، ويمثل هذان الكتابان تطوراً هاما فى الكتابة التاريخية، وإن كانا يبينان لنا أنها لم تزل مرتبطة ارتباطا وثيقا بعلم الحديث، خاصة وأن موادهما جمعت فى المقام الأول بغرض نقد الحديث.
ولكن كتاب ابن سعد سبقه مؤلفات أخرى لم تصل إلينا مثل: " طبقات أهل العلم والجهل " لواصل بن عطاء المتوفى سنة 131هـ/748 م و" طبقات الفقهاء والمحدثين " و "كتاب من روى عن النبى وأصحابه " للهيثم ابن عدىّ المتوفى سنة 207 هـ/823 م و "الطبقات" للواقدى.
وقد تأثر بهذا النوع من التأليف نقاد الأدب، فكتب محمد بن سلام الجُمَحى كتابه "طبقات فحول الشعراء" ولكنه لم يقصد المعنى الذى يتبادر إلى الأذهان وإنما عنى بلفظ "طَبَقة" المذهب والمنهج " خاصة وأن من المعانى المختلفة لكلمة " طبقة " فى لسان العرب " الأحوال والمذاهب "، أى أنه قسمَّ الشعراء فى كتابه عشرة مذاهب أو عشرة مناهج من مذاهب الشعر ومناهجه.
وهكذا كانت بواكير التأليف فى فن الطبقات والتراجم كتب طبقات علماء الحديث، ثم أخذت فى الظهور كتب طبقات الفقهاء والشعراء والكتاب والوزراء والأطباء والحكماء والفلاسفة ... إلخ.
ويُعد كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادى المتوفى سنة 463 هـ/ 1071م أول كتاب فى التراجم جمع جميع هذه الفروع معا، رغم اهتمامه فى الأساس بالترجمة لرجال الحديث.
أما أول كتاب حرص مؤلفه على الترجمة لمجموعات مختلفة من الشخصيات الهامة التى لعبت دوراً بارزاً فى مختلف مجالات الأنشطة العلمية فى كل أنحاء العالم الإسلامى فكتاب "وفيات الأعيان " لابن خلَّكان المتوفى فى سنة 681 هـ/1282م، وإن كنا نجد أساس هذا النوع من التراجم فى النمط الجديد لكتابة الحوليات الذى بدأه أبو الفرج بن الجوزىّ المتوفى سنة 597 هـ/ 1201م عندما ألحق فى نهاية ذكره للحوادث التاريخية فى كل عام فى كتابه "المنتظم " تراجم من مات فى هذه السنة على اختلاف تخصصاتهم، وقد استمر هذا النوع من كتابة التراجم على النظام الحَولى وخاصة عند زكى الدين المنذرى المتوفى سنة 656 هـ/1258م فى كتابه "التكملة لوفيات النَّقَلَة"وعند الذهبى المتوفى سنة 748 هـ/1347م فى كتابه "تاريخ الإسلام " و "العبر فى خير من عبر" و "سير أعلام النبلاء".
وابتداء من القرن الثامن أخذ المؤلفون فى ترتيب الوفيات على القرون وتخصيص مؤلفات لوفيات كل قرن مرتبة على حروف المعجم، كان أسبقهم أبو شامة المقدسى المتوفى سنة 665هـ /1267م بكتابه "الذيل على الروضتين " أو " تراجم رجال القرنين السادس والسابع "، ثم تبعه ابن حجر العسقلانى بكتابه "الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة " وشمس الدين السخاوى بكتابه "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع " ..
وكان المؤهل الرئيسى لإدراج اسم شخص فى كتب الطبقات والتراجم هو مدى إسهامه فى أحد المظاهر الثقافية أو الفكرية المختلفة للمجتمع الإسلامى، على أن من أكبر عيوب التنظيم على الطبقات صعوبة العثور على الترجمة لغير المتمرسين بهذا الفن تمرسًا جيدا، فضلا عن عدم وجود تقسيم موحد للطبقة عند المؤلفين. ولكن عندما توفرت للمؤلفين مادة كافية لضبط تاريخ المواليد والوفيات إزداد عدد المؤلفين الذين ينظمون كتبهم الرجالية على الوفيات (الوفيات لابن رافع السلامى وشذرات الذهب لابن العماد) وإن أصبح الترتيب على حروف المعجم هو الأكثر شيوعا مثل "الوافى بالوفيات " للصفدى المتوفى سنة 763 هـ ومؤلفات ابن حجر والسخاوى السابق الإشارة إليها.
وفى فترة انتشار كتب "الطبقات " شمل هذا النوع جميع الفنون والعلوم (الأطباء، والفقهاء، والقراء، والنحويين، واللغويين، والمفسرين، والأدباء، والشعراء)، وإذ اكانت "الطبقات الكبرى" لابن سعد هى أول ما وصل إلينا من هذا النوع من المشرق الإسلامى، فإن كتاب "طبقات الأطباء والحكماء" لابن جلجل الأندلسى المتوفى بعد سنة 377 هـ/984 م هو أول كتاب وصل إلينا فى هذا الموضوع من المغرب الإسلامى.
وعادة ماتفيدنا هذه النوعية من الكتب فى التعرف على بدايات كل فن أو علم منها وتطوره من خلال دراسة رجاله وما أضافوه لهذا العلم أو الفن، فكتب التراجم والطبقات هى السجل الحافل للأنشطة الثقافية والدينية والعلمية للأمة الإسلامية، بالإضافة إلى ما تمدنا به من معلومات عن الحياتين الاقتصادية والاجتماعية من خلال العلاقات التى نستخرجها من مادة هذه التراجم. وأحصى لنا حاجى خليفة فى كتابه "كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون " أسماء الكتب المؤلفة فى فن الطبقات.
د/ أيمن فؤاد سيد
__________
المراجع
1 - الطبقات الكبرى ابن سعد.
2 - عجائب الآثار فى التراجم والأخبار تحقيق حسن محمد جوهر، عمر الدسوقى، السيد إبراهيم سالم
(7/ 434). (طبعة أولى لجنة البيان العربى القاهرة 1386 هـ/966 1 م
3 - ببليوجرافيا- روزنتال، فرانز، علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة صالح أحمد العلى (133 - 135)، بيروت- مؤسسة الرسالة1983 م.
4 - مقدمة سير أعلام النبلاء للذهبى بشار عواد معروف (97 - 9 0 1.). بيروت- مؤسسة الرسالة 981 1 م.
5 - مقدمة طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحى، تحقيق محمود محمد شاكر القاهرة- مطبعة المدنى 974 1 م.
65 - 69.
6 - "حاشية على مفهوم محمود شاكر لنظرية ابن سلام النقدية، مجلة معهد المخطوطات العربية 42/ 1 (1998م) 122 - 140
7 - Gibb, H.A.R.” Islamic biographical literature” in Historians of the Middle East, ed. By B. Lewis and P.M. Holt, London1962, pp. 54-58; Ibrahim Hafsi, “ Rechenches sur le grnre Tabaqat dans la litterature arale”, Arabica 23 (1976), pp. 227-265, 24 (1977), pp.1-41, 150-186; al-Qadi, W., “Biographical Dictionaries. Inner Structure and Cultural Significance” in The Book in the Islamic World: The Written Word and Communication in the Middle East, Albany. N.Y. 1995, PP. 93-122.(1/419)
3 - الطرق الصوفية
لغة: الطرق جمع طريق وهو السبيل، وطريقة الرّجُل: مذهبه.
يقال: مازال فلان على طريقة واحدة أى على حالة واحدة، والطريقة الحال. والصوفية: نسبة إلى الصوف، وهو للغنم كالشعر للمعز والوبر للإبل.
واصطلاحا: طرق مخصوصة ووسائل منتخبة فى السلوك، تشتمل على مجموعة قواعد ورسوم مقصودة ينشدها السالك ويستهدفها فى رياضته بما يؤدى إلى تصفية قلبه وتحصيل صفات الكمال والقوى الروحية للوصول إلى معرفة الله تعالى.
"وقد اختلف العلماء فى تعريف الصوفى، ويذكر السهروردى ضابطا يجمع جل معانيها، فيقول الصوفى هو الذى يكون دائم التصفية، لا يزال يصفى الأوقات عن شوب الأكدار: بتصفية القلب عن شوب النفس، ويعينه على كل هذه التصفية دوام الافتقار إلى مولاه، فبدوام الافتقار ينقى من الكدر، وكلما تحركت نفسه وظهرت بصفة من صفاتها أدركها ببصيرته النافذة وفر منها إلى ربه " (1). وتتخذ الطرق الصوفية صورا شتى: فإما أن تكون فردية أو تتخذ صورة الأخوة الدينية، أو تتخذ صورة التقليد والتبعية الصارمة للشيخ الهادى أو الأستاذ المرشد أو صورة المنهج المبتكر والتأمل الذاتى والتجربة الشخصية المستقلة، وتختلف هذه الصور تبعا لمقدار ثقافة السالك ونضجه واستعداداته النفسية، فكما يقول ابن خلدون: إن "الطرق إلى الله تعالى عدد أنفاس الخلائق وإن كل واحد فى نفسه طريق، فكل سالك يليق به من التربية ما لايليق بغيره، والواردات والمواهب، والعلوم والإلقاءات والعوارض فى السلوك تختلف بحسب الأشخاص والأحوال والبدايات والنهايات والقوة والضعف، وسبيل سلوكهم غير متفق " (2).
إلا أن سبيل الوصول عند القوم في عمومه واحد، وهو "العلم بكيفية تطهير القلب من الخبائث والمكدرات، بالكف عن الشهوات، وإخماد القوى البشرية بقطع جميع العلائق البدنية، والاقتداء بالأنبياء صلوات الله عليهم- فى جميع أحوالهم، فبقدر ما يتجلى من القلب ويحاذى به شطر الحق تتلألأ فيه حقائق الوجود" (3). وهذه هى
الرياضة والمجاهدات.
والصوفى السالك وهو فى طريقه إلى التماس الحقيقة لابد أن يتخذ لنفسه هاديا، شيخا أو مرشدا، قد خبر المجاهدات، وقطع بها طريق الله، وتجلت له الأنوار، فهو يعرف أحوالها ويدرج المريد فى عقباتها حتى تتاح له الرحمة الربانية، ويحصل له الكشف والاطلاع.
وهذه التبعية من السالك للشيخ أمر لازم عند الصوفية: لأن النقل وحده لايفضى بالسالك إلى مطلوبه، لأن مدارك هذه الطريقة ليست من قبيل المتعارف من العلوم الكسبية والصنائع، وإنما من مدارك وجدانية إلهامية، فلا يدرك تمييزها بالمعارف الكسبية بل تحتاج إلى الشيخ الذى يميزها بالعيان والشفاه.
ولكل طريق من هذه الطرق مقاماته يتدرج فيها السالك وكذا الأحوال النفسية المصاحبة لها، وتتفاوت الطرق فى ذكر المقامات ووصف الأحوال، وقد كانت فى بداية النمو الداخلى لحركة التصوف بسيطة فقد عدها الجنيد البغدادى أربعة مقامات وهى اتوبة تحل الإصرار، وخوف يزيل الغرة، ورجاء مزعج إلى طريق الخيرات، ومراقبة الله فى خواطر القلوب. وعدها الطوسى سبعة مقامات وهى التوبة والورع، والزهدُ والفقر، والصبر والتوكل والرضا، وجعل الأحوال عشرة، وهى المراقبة والقرب والمحبة والخوف والرجاء والشوق والأنس والطمأنينة والمشاهدة واليقين. فى حين إن هذه المقامات والأحوال سرعان ما تضاعفت عند غيرهم حتى وصلت إلى مائة مقام، وروى أن بعض الشيوخ ذكروا لها ألف حالة.
وقد انعقد إجماع شيوخ الصوفية على ضرورة التزام المريد المطلق فى أثناء رياضته بأحكام الشريعة الظاهرة، والعمل بالتكاليف الدينية المكتوبة فقالوا: الطرق إلى الله تعالى كثيرة، وأصح الطرق وأعمرها وأبعدها عن الشبه اتباع القرآن والسنة قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية. وكان الجنيد يقول: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا لمن اقتفى أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتبع سنته ولزم طريقته (4).
وادعى بعض المنتسبين إلى الصوفية إسقاط التكاليف الدينية والتنكر لها، إلا أنهم قوبلوا بالرفض المطلق من شيوخ الصوفية، فكان التسترى يقول " أصول طريقتنا سبعة: التمسك بالكتاب والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، وتجنب المعاصى، ولزوم التوبة، وأداء الحقوق " (5).
وقد كان للطرق الصوفية دور مهم فى نشر الإسلام، خاصة بأفريقيا، ومن هذه الطرق:
1 - الطريقة القادرية: ومؤسسها الشيخ عبدالقادر الجيلانى، والذى ولد بجيلان 488 هـ 1095م، وقد انتشرت طريقته فى العراق واليمن والصومال والهند وتركيا ومصر والمغرب.
2 - الطريقة البكائية: وهى من الطرق التى تفرعت عن الطريقة القادرية، ومؤسسها أحمد البكاى فى نهاية القرن الخامس عشر، وقد ازدهرت بأفريقيا حتى 1850م
3 - الطريقة التيجانية: مؤسسها أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار، وهو فقيه مغربى ولد 1150هـ 1737م وقد اتخذ من فاس مقرا له، وأطلق على مريديه الأحباب.
4 - الطريقة الخلوتية: وتنسب إلى كريم الدين الخلوتى المصرى وقد توفى 1578م وعنها خرجت الطريقة التيجانية.
(هيئة التحرير)
1ـ عوارف المعارف للسهروردى ص 65.
2 - شفاء السائل لتهذيب المسائل لابن خلدون ص 87.
3 - إحياء علوم الدين للغزالى ص 198.
4 - طبقات الصوفية للسلمى ص 115.
5 - الرسالة القشيري ص 12.
__________
المراجع
1 - اللمع لأبى نصر السراج الطوسى. تحقيق د/ عبدالحليم محمود، وطه عبد الباقى سرور- دار الكتب الحديثة- مصر 1960 م.
2 - التعرف لمذهب أهل التصوف- للكلاباذى- تحقيق محمود أمين النواوى- القاهرة 1969 م.
3 - الرسالة القشيرية- للقشيرى- مكتبة محمد على صبيح 1957 م.
4 - إحياء علوم الدين للغزالى- دار إحياء الكتب العربية 1957 م.
5 - عوارف المعارف للسهروردى. د ار الكتاب العربى- بيروت 1966 م.
6 - طبقات الصوفية لأبى عبدالرحمن السلمى- تحقيق نور الدين شريبة القاهرة.
7 - الحياة الروحية فى الإسلام د/ محمد مصطفى حلمى- المطبعة الثقافية القاهرة 1970 م.
8 - موسوعة التاريخ الإسلامى د/ احمد شلبى، مكتبة النهضة المصرية.
9 - فى التصوف الإسلامى وتاريخه. نيكلسون ترجمة د/ أبو العلا عفيفى القاهرة 1947 م.
10 - تاريخ الطرق الصوفية فى القرن التاسع عشر تأليف فريد رى يونج- ترجمة عبدالحميد فهمى الجمال- الهينة المصرية العامة للكتاب 1995 م.
11 - السلسبيل المعين فى الطرائق الأربعين، للسيد محمد بن السيد- الإدريسى، مطبعة المعاهد بالجمالية- القاهرة.
12 - المنهل الروى الرائق فى اسانيد العلوم وأصول الطرائق للسنوسى مطبعة حجازى القاهرة 1373هـ / 1954م.(1/420)
4 - الطريقة المولوية
المولوية طريقة صوفية تنسب إلى مؤسسها مولانا جلال الدين الرومى.
مركزها مدينة "قونية" بتركيا.
مؤسسها هو محمد جلال الدين محمد بن حسين بهاء الدين البلخى القونوى، المولود فى بلخ (من أعمال خراسان) عام 604هـ - 1207م الذى ينتهى نسبه إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه واشتهر والده بلقب سلطان العلماء، عاش مولانا جلال الدين عهد اضطرابات وحروب من فتنة جنكيز خان حتى الحروب الصليبية، وما صاحب ذلك من مظاهر القتل والتخريب ومن جانب آخر ظهرت عدة فرق ومذاهب مختلفة مثل المعتزلة، والمشبهة، والمرجئة والخوارج، فرأى مولانا ضرورة ظهور دعوة تهدف إلى الحفاظ على الإسلام فى النفوس، وحث المسلمين على التماسك والحفاظ على وحدتهم، ومن هنا ظهرت الطريقة المولوية، خاصة وأن مولانا كان قد تتلمذ على يد العارف العالم "شمس الدين التبريزى" الذى حول مسار مولانا جلال من علم القال إلى علم الحال والخلوة والذكر قام شمس الدين تبريزى بتدريب مولانا جلال على أصول التوحيد الصوفى مع الاحتفاظ بالثقافة الشرعية.
اشتهرت الطريقة المولوية بما يعرف بالرقص الدائرى لمدة ساعات طويلة يدور الراقصون حول مركز الدائرة التى يقف فيها الشيخ، ويندمجون فى مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحى فيتخلصون من المشاعر النفسانية ويستغرقون فى وجد كامل يبعدهم عن العالم المادى ويأخذهم إلى الوجود الإلهى كما يرون.
اشتهرت الطريقة المولوية بالنغم الموسيقى عن طريق الناى، وكان مولانا يرى فيه وسيلة للجذب الإلهى، ويعتبره أكثر الآلآت الموسيقية ارتباطا بعازفه، ويشبه انينه بأنين الإنسان للحنين إلى الرجوع إلى أصله السماوى فى عالم الأزل.
كان آخر ملهم لمولانا جلال مؤسس المولوية مريده وتلميذه "حسام الدين جلبى" الذى أحبه مولانا كثيرا ووصفه بأنه مفتاح خزائن الفرس، "وبايزيد الوقت، وجنيد الزمان "، ووصفه أنه نوره (أى نور مولانا)، وبصره، وسنده، ومعتمده.
اشتهرت المولوية بكتاب المثنوى الذى ألفه مولانا، بناء على طلب مريده حسام الدين وكان أشهر كتبه على الإطلاق، واشتهرت الطريقة المولوية بتسامحها الواضح مع أهل الذمة ومع غير المسلمين أيا كان معتقدهم وعرقهم كما يقول: عرق كنت كرديا أو روميا أو تركيا لابد أن تتعلم لغة من لغة لهم وقوله "إن كنت مؤمنا أو كافرا .. بوذيا أو مجوسيا .. فتعالى أكينا".
وعندما توفى مولانا فى ديسمبر عام 1273م شيعه مريدوه فى الطريقة من كل جنس وملة ودين، وكان الحاخامات يقرؤون التوراة والمسيحيون يقرؤون الإنجيل جنبا إلى جنب مع المسلمين دفن مولانا جلال فى مسجده المسمى بالقبة الخضراء فى قونية بجوار والده بهاء الدين.
ويعد كتاب المثنوى أشهر أعمال مولانا جلال الدين مؤسس المولوية، وهو كتابا شعرى يضم 26 الف بيت شعر مزدوج ويشتمل على275 قصة وكلها مستقاة من القرآن الكريم وقصص الأنبياء ويعض قصص ألف ليلة وليلة وبعض نوادر جحا وطبعت فى ستة أجزاء.
يصف مولانا جلال كتابه المثنوى بأنه إلهام ربانى، وفتح روحانى من معانى الكتاب والسنة كتب المثنوى بالفارسية وترجم إلى عدة لغات منها العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية والألمانية.
وظهر فى المولوية مدى تأثر مولانا جلال الدين مؤسس المولوية بالعديد من كبار المتصوفين أمثال الغزالى، محى الدين بن عربى، شهاب الدين السهروردى، وفريد الدين العطار، ويحيى بن معاذ، وأبو يزيد البسطامى، والحلاج، والشبلى وإبراهيم بن أدهم وغيرهم.
أثرمولانا جلال الدين أيضا فى علماء كثيرين، مثل كمال الدين الخوارزمى وإسماعيل الأنقروى، وعبد العلى محمد بن نظام، وعبدالعزيز آل جواهر، والشاعر إقبال، وغيرهم. كما أثر فى العديد من المستشرقين أمثال جورج روزن الألمانى، وسير جيمس رد هاوس الانجليزى، ورينولد نيكلسون الإنجليزى أيضا.
من أشهر العلماء المعاصرين لجلال الدين العالم أوحد الدين الكرمانى، وبهاء الدين زكريا، نجم الدين الرازى، ومحي الدين بن عربى، وصدر الدين القونوى، وأبو الحسن الشاذلى، وعزيز الدين النسفى.
لقيت المولوية عناية فائقة من علماء المسلمين والمستشرقين، وذلك لجمع مؤسسها بين الصوفية والشريعة متمشيا مع القرآن والسنة.
خلف مولانا جلال فى الطريقة حسام الدين جلبى الذى نصبه رسميا قبل وفاته بإحدى عشرة سنة.
اتخذت الطريقة الشكل المتماسك بفضل الحلقات التى كان يقيمها مولانا لمريديه وتلاميذه. ومن خلال الطريقة كان مولانا يهاجم الأراء الفلسفية المتناقضة مع الإسلام وكانت استدلالاته جميعها مستقاة من القرآن والسنة.
لاتزال الطريقة المولوية مستمرة حتى يومنا هذا فى مركزها الرئيسى فى قونية. ويوجد لها مراكز أخرى فى استنابول، وغاليبولى، وحلب، ورغم منع الحكومة التركية كل مظاهر التصوف إلا أن الجهات الرسمية فى تركيا تستخدم مراسم المولوية كجزء من الفولكلور التركى.
ويحضر جلسات ذكر المولوية كل من يريد من كل الأجناس ومع كل الأديان ويلقى الجميع تسامحا ملحوظا من المولويين.
أ. د/هدى درويش
__________
مراجع الاستزادة:
1 - مثنوى، مولانا جلال الرومى، إبراهيم الدسوقى شتا، الزهراء للإعلام العربى القاهرة 1992م.
2 - جلال الدين الرومى، المثنوى، شرح المثنوى، شرح المثنوى المسمى بالمنهج القوى للشيخ يوسف بن أحمد المولوى، ستة أجزاء، بدون تاريخ غير معلوم مكان النشر.
3 - تاريخ الأدب التركى، حسين مجيب المصرى مطبعة الفكرة، القاهرة 1952م.
4 - فصول من المثنوى لجلال الدين الرومى، عبدالوهاب عزام القاهرة 1946م.
5 - جلال الدين الرومى بين الصوفية وعلماء الكلام عناية الله إبلاغ الأفغانى الدار المصرية اللبنانية 1987م.
1 - Ethem Ruhi Figlaii، mezhepler ve trikatlar Ansiklopedisi، Istanbul 1987.
2- Hasan Kucuk، tarikatlar ve Turkler uzerindek Muset tesirler، Istanbul 1976.
3- Mustafa Kara، tekkeler ve zaviyeler، Istanbul 1977.
4- Mustafa Kara،Tasavvuf ve tarikatlar tarihi، Istanbul 1985.
5- Mustafa Kara، Osmanlilarda tasavuf ve tarikatlar، Osmanli Ansiklopedisi، Istanbul، c،I ،s. 203
6- Mevlana guldestesi، Konya Buyuk sehir Belediyes، Konya 1993(1/421)
5 - الطفولة
لغة: يطلق الطفل على المولود مطلقا. واصطلاحا: هى المرحلة التى لم يبلغ فيها الطفل قدرة الاكتفاء الذاتى بنفسه من حيث البلوغ والنضح العقلى.
وقد اختلف فى تحديد هذه المرحلة، وإن كان قد اتفق على بدايتها، فهى تبدأ بمرحلة ما قبل ميلاد الطفل، وهو لم يزل بعد جنينا، ثم مرحلة الطفولة المبكرة وتمتد حتى نهاية السنة الخامسة من العمر وقيل: السادسة أو السابعة على الأكثر. وهناك من قصرها حتى الثالثة.
تتم مرحلة الدراسة المبكرة من سن خمس سنوات إلى الحادية عشرة أو الثانية عشرة.
ثم مرحلة الدراسة من سن الحادية عشرة إلى الرابعة عشرة ثم مرحلة الشباب المبكر من الرابعة عشرة إلى السابعة عشرة أو الثامنة عشرة.
ويضيف الدكتور مسعد عويس إلى ما سبق مرحلة الحضانة وهى من سن الثالثة إلى سن السادسة حيث يقصر مرحلة الطفولة المبكرة من سن الثالثة.
فى حين تقسم "أنا فرويد" مرحلة الطفولة إلى ثلاثة أقسام:
1 - مرحلة الطفولة المبكرة والتى تمتد حتى نهاية السنة الخامسة من العمر.
2 - مرحلة الكمون وتستمر إلى أوائل دور المراهقة أى نحو الحادية عشرة أو الثالثة عشرة.
3 - مرحلة البلوغ والتى تمتد إلى حياة الرشد ..
حقوق الطفل:
ورد ذكر الطفل فى القرآن الكريم أربع مرات، إلا أن عنايته بالطفل شغلت قسما كبيرا من آياته، فقد اهتم الدين الإسلامى الحنيف بالطفل ووضع له حقوقا منذ أربعة عشر قرنا توفر الرعاية والحماية منذ وجوده فى رحم أمه كما كفل الإسلام للطفل حق الحياة وحق التغذية وحق الحب بكل صوره وأشكاله، وحق العدل فى المعاملة بينه وبين إخوته وحق الحماية من الظلم وحق التعليم وحق التوجيه التربوى والمهنى.
ولعل أول حق قرره الإسلام للطفل هو حق الوجود بقول تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} (الأنعام 151) وكتب الخسران على من قتل ولده {قد خسر الذين قتلوا أولإدهم سفها بغير علم} (الأنعام 140). وهذا الحق كفله الإسلام أيضا لأطفال المشركين فى حالة الحرب فنهى عن قتل النساء والأطفال.
كما كفل الإسلام حق الطفل فى التسمية، وفى الوضح الإجتماعى بأن تكون له أسرة مستقلة. هذا ولم يترك الإسلام حقا للطفل إلا وأكد عليه. كحقه فى الرضاعة يقول تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} (البقرة 233).
كما قرر الإسلام كيفية معاملة الطفل بحب ورعاية، والعدل فى معاملة الأبناء والمساواة بينهم فى الحقوق من ذلك ما روى عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنى نحلت ابنى هذا بستانا أو قال حائطا كان لى، فقال: رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فارجعه (رواه مسلم).
وشملت حقوق الطفل فى الإسلام والحرية واللعب لما فى ذلك من أثر فى بناء ونضج الطفل اجتماعيا واتزانه انفعاليا وتنشيطه ذهنيا كما أنه وسيلة للتعلم.
كذلك حق الأمن مطلقا وبخاصة فى أسرته كأول حصن له فلا يكون مسرحا لنزاع الوالدين وشقاقهما فيكون أداة لكل منهما فى ترسيخ ذلك النزاع مما يعرضة" للخوف والقلق وعدم الأمان يقول تعالى {لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده} (البقرة 233)
ولم يغفل الإسلام كذلك حق الطفل اليتيم بقول تعالى {فأما اليتيم فلا تقهر} (الضحى 9).
هذا وقد ساهم علماء المسلمين من خلال القرآن الكريم والسنة وسيرة الصحابة فى وضع برامج متكاملة للتريية ورعاية الطفل فى جميع مراحلها.
من هؤلاء الإمام الغزالى الذى ضمن كتابه:" إحياء علوم الدين" بابا بعنوان: بيان الطريق فى رياضة الصبيان فى أول نشوئهم، ووجه تأديبهم، وتحسين أخلاقهم، وفيه عدة أشياء تجب مراعاتها فى تتشئة الطفل:
1 - تشجيع الأطفال على ممارسة الخلق الجميل والتمتع بالعقل المحمود.
2 - عدم ذكر أخطاء الأطفال عند حدوث الخطأ فى أول مرة وعند عقابهم فيجب أن يكون فى السر دون العلانية.
3 - توضيح آثار الأخطاء والاستمرار فيها للأطفال حتى يتجنبوها.
4 - المحافظة على شعور الأطفال وبخاصة أمام الآخرين واحترام إنسانيتهم.
5 - أن يكون أسلوب التوجيه فى التطبع الإجتماعى سرا.
6 - عدم الإكثار من معاتبة الأطفال لأن ذلك يأتى بنتيجة عكسية.
7 - تعليم الأطفال وتعويدهم على أداء الأعمال علانية دون إخفائها.
8 - أن يعَّود الأطفال القيام بخدمة أسرتهم وكل جماعة ينتسبون إليها.
9 - تعليم الأطفال وتشجيعهم على الصدق فى الأقوال والأخلاص فى الأعمال لمرضاة الله سبحانه وتعالى.
10 - إنماء الاعتزاز بالنفس فى غير غرور مع التواضع.
11 - تعليم الطفل عدم البصق والتمخط والتثاؤب بحضور الغير والاعتدال فى الكلام وحسن الاستماع.
12 - تعليم الطفل إعطاء المحتاجين لما فى العطاء من خير والأخذ من ذل
13 - عدم تعويده النوم بالنهار لأنه يورث الكسل.
14 - الاهتمام بالتريية الرياضية والترويح عن النفس بعد تعب الدراسة.
15 - مراعاة تعليمه آداب الطعام من الأكل بيمينه، وذكر اسم الله وحمده، وأن يأكل مما يليه مع المحافظة على نظافة يديه وثوبه.
16 - تعويده لبس ما يناسبه من ثياب، وما يتفق منها وتعاليم الإسلام والأدب العام.
وفى العصر الحديث شرعت القوانين فى البلاد الإسلامية لحماية حقوق الطفل وهى فى مجموعها تستلهم أسسها من القرآن الكريم والسنة والنبوية.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - حقوق الطفل فى الإسلام نظرة تربوية- حسن إبراهيم عبد العال مجلة كلية العلوم الإجتماعية ص 414 - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد السادس 1202هـ، 1982 م.
2 - أحكام الأولاد فى الإسلام- زكريا أحمد البرى الدار القومية للطباعة والنشر 1384 هـ، 1964 م.
3 - إحياء علوم الدين، للغزالىْ 3/ 67 - 68عيسى البابى الحلبى وشركاه مصر.
4 - المقدمة ابن خلدون ص 508 ط دار الشعب.
5 - أبحاث إعادة بناء الإنسان المصرى- التقرير الثالث التنشئة الاجتماعية واحتياجات الطفولة- جامعة الإسكندرية1973 م.
6 - التربية الإسلامية وفلاسفتها محمد عطية الإبراشى ط 2 عيسى البابى الحلبى وشركاه مصر 1969م.
7 - حقوق الطفل فى القانون المصرى د/ نبيلة إسماعيل رسلان- الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998 م.(1/422)
6 - الطَّلاق
لغة: الحل ورفع القيد، وأصله: طُلّقت المرأة تطلق فهى طالق بدون هاء، وروى بالهاء طالقة. إذا بانت من زوجها (1).
وشرعا: رفع قيد النكاح فى الحال أو المآل بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه (2).
والأصل فى الطلاق: أنه ملك الزوج وحده. وقد يقوم به غيره بإنابته، كما فى الوكالة والتفويض، أو بدون إنابة كالقاضى فى بعض الأحوال.
اتفق الفقهاء على أصل مشروعية الطلاق. واستدلوا على ذلك بأدلة، منها:
1 - قوله تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} (البقرة 229).
2 - قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " (3).
3 - إجماع المسلمين من زمن النبى - صلى الله عليه وسلم - على مشروعيته.
لكن الفقهاء اختلفوا فى الحكم الأصلى للطلاق: فذهب الجمهور إلى أن الأصل فى الطلاق الإباحة أوقد يخرج عنها فى أحوال، وذهب آخرون إلى أن الأصل فيه الحظر ويخرج عن الحظر فى أحوال، على كل فالفقهاء متفقون فى النهاية على أنه تعترية الأحكام الخمسة فيكون
واجبا أو مندوبا أو مباحا كما يكون مكروها أو حراما.
وذلك بحسب الظروف والأحوال على ما يلى:
1 - فيكون واجبا كالُمولى إذا أبى الفيئة إلى زوجته بعد والتربص على مذهب الجمهور. ولقوله تعالى: {للذين يؤلونَ من نسائهم تربص أربعة أشهر} (البقرة 226).
أما الحنفية: فإنهم يوقعون الفرقة بانتهاء المدة حكمًا، وكطلاق الحكمين فى الشقاق إذا تعذر عليهما التوفيق بيت الزوجين ورأيا الطلاق، عند من يقول بالتفريق لذلك.
2 - ويكون مندوبا إليه إذا فرطت الزوجة فى حقوق الله الواجبة عليها، مثل الصلاة ونحوها، وكذلك يندب الطلاق للزوج إذا طلبت زوجته ذلك للشقاق.
3 - ويكون مباحا عند الحاجة إليه لدفع سوء خلق المرأة وسوء عشرتها، أو لأنه لا يحبها.
4 - ويكون مكروها إذا لم يكن ثمة داع إليه مما تقدم، وقيل: هو حرام فى هذه الحالة، لما فيه من الإضرار بالزوجة من غير داع إليه.
5 - ويكون حراما وهو الطلاق فى الحيض، أو فى طهر جامعها فيه وهو الطلاق البدعى.
حكمة تشريع الطلاق: ما قد يوجد فى حياة الزوجين الهانئين ما يثير بينهما القلاقل والشقاق كمرض أحدهما أو عجزه، وربما كان ذلك بسبب عناصر خارجة عن الزوجين أصلا كالأهل والجيران، وربما كان سبب ذلك انصراف القلب وتغيره، فيبدأ بنصح الزوجين وارشادهما إلى الصبر والاحتمال، وبخاصة إذا كان التقصير من الزوجة.
قال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} (النساء19)
إلا أن هذا الصبر قد لا يتيسر للزوجين آو لا يستطيعانه، فربما كانت أسباب الشقاق فوق الاحتمال، فإما أن يأمر الشرع بالإبقاء على الزوجية مع استمرار الشقاق الذى قد يتضاعف وينتج عنه فتنة، أو جريمة، أو تقصير فى حقوق الله تعالى، أو على الأقل تفويت الحكمة التى من أجلها شرع النكاح، وهى المودة والآلفة والنسل الصالح، وإما أن يأذن بالطلاق والفراق، وهو ما اتجه إليه التشريع الإسلامى، وبذلك علم أن الطلاق قد يتمحض طريقا لإنهاء الشقاق والخلاف بين الزوجين، قال تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما} (النساء130).
أ. د/ مصطفى الشكعة
__________
المراجع
1 - المصباح المنير 2/ 376، مختار الصحاح ص 396، المعجم الوسيط 2/ 563
2 - حاشية ابن عابدين 3/ 414 وما بعدها، الشرح الكبير للدردير 2/ 347 المغنى لابن قدامة 10/ 323 وما بعدها، مغنى المحتاج 3/ 279.
3 - أخرجه أبو داود فى كتاب "الطلاق" باب: فى كراهية الطلاق أبى داود 2/ 261(1/423)
7 - طلب العلم
من نعم الله على خلقه أنه ميزهم بالعلم. وجعل للإنسان قدرة على التعلم لم يجعلها لأى مخلوق آخر، حتى الملائكة المقربين. والعلم هو الأساس فى تقدم الإنسان ورقيه وبالعلم حقق الإنسان إنجازات بشرية هائلة لم يكن يحلم بها خاصة فى النصف الثانى من القرن العشرين حتى الآن.
ولاشك أن الفارق بين مجتمع متقدم وآخر متخلف. هو فرق مهم بين من حاز على أكبر قدر من العلوم، ويسير فى حياته وفقا للمنهج العلمى. ومن لازال يتخبط فى اتباع أى منهج. ومازال يعتمد على الخرافات والأوهام بعيدا عما أعطاه الله له من قدرات لا يريد أن يستخدمها. لذلك فرض الله على خلقه أن يتعلموا. وأعطاهم القدرة منذ خلقهم على هذا التعلم، ووصل العلماء إلى أن التعلم من فروض الكفاية فى المجتمعات الإسلامية. لذا نضج العلم نضوجًا كبيرا فى العصور الوسطى وفى مختلف أرجاء الدولة الاسلامية
ولاشك أن علوم الدين لها أهمية كبرى فى الإسلام، لأن "من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين" كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذا فرض القرآن الكريم على المسلمين تعلم أصول دينهم والاجتهاد لبذل الجهد فى استخراج الأحكام الكلية من أدلتها التفصيلية. بقول سبحانه وتعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} (التوبة 122).
كما يعلم الله سبحانه وتعالى المسلمين بأن يلجأوا إلى العلماء والفقهاء إن غم عليهم أمر من الأمور. يقول سبحانه وتعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (النساء83).
وإذا كانت هذه الآيات تتصل بعلوم الفقه والأصول فإن القرآن الكريم يوجه المسلمين إلى التعمق فى الخلق وشئونه مما يقودهم إلى تعلم العلوم المتصلة بالحياة وبالبيئة وبالكون بشكل عام. يقول سبحانه وتعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت إلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت} (الغاشية 17 - 20).
أ. د/ جعفر عبد السلام
__________
المراجع
1 - حول التأصيل الإسلامى للعلوم الاجتماعية / محمد قطب- دار الشروق، القاهرة 1998م.
2 - تهافت التهافت / ابن رشد – طبعة لندن 1967م.
3 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، دار المعارف(1/424)
8 - الطّهَارة
لغة: هى النظافة والخلوص من الأدناس، حسية كانت كالأدنالس أو معنوية كالعيوب، يقال: تطهر بالماء، وهم قوم يتطهرون: أى يتنزهون عن العيب (1).
وشرعا: هى عبارة عن غسل أعضاء، مخصوصة بصفة مخصوصة (2).
وعُرّفت أيضا بأنها: زوال حدث أو خبث، أو رفع الحدث، أو إزالة النجس، أو ما فى معناهما أو على صورتهما (3).
وتنقسم الطهارة إلى قسمين: طهارة من الحدث، وطهارة من النجس، أى حكمية وحقيقية.
والأولى منهما، وهى الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر شرعت بقوله تعالى {يا آيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} (المائدة 6).
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - " لاتقبل صلاة بغير طهور" (4).
والثانية منهما: وهى طهارة الجسد والثوب والمكان الذى يصلى عليه من النجس شرعت بقوله تعالى {وثيابك فطهر} (المدثر 4)، وقوله تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} (المائدة 6)، وقوله تعالى {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود} (البقرة 125).
والطهارة من ذلك كله من شروط صحة الصلاة (5). وقد اتفق الفقهاء على أن التطهير من النجاسة لا يحتاج إلى نية، فليست النية بشرط فى طهارة الخبث، ويطهر محل النجاسة بغسله بلا نية، لأن الطهارة عن النجاسة من باب التروك فلم تفتقر إلى النية. وقال فى العناية: الماء طهور بطبعه. فإذا لاقى النجسَ طهّره قصدَ المستعمل ذلك أو لا، كالثوب النجس (6).
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - مختار الصحاح، ص 398، المصباح المنير 2/ 379.
2 - التعريفات للجرجانى ص123 ط الحلبى.
3 - حاشية الطحطاوى على مراقى الفلاح ص11، كفاية الأخيار للحصنى 11/ 6، مغنى المحتاج 1/ 16، كشاف القناع 1/ 24.
4 - أخرجه مسلم فى كتاب: الطهارة (باب وجوب الطهارة للصلاة) صحيح مسلم بشرح النووى 3/ 102.
5 - الهداية وشروحها 1/ 168 وما بعدها، الشرح الكبير بها حاشية الدسوقى 1/ 23،200المهذب للشيرازى1/ 66 وما بعدها، كشاف القناع 1/ 288.
6 - العناية على الهداية 1/ 28.(1/425)
9 - الطورانية
اصطلاحا: تنسب الطورانية إلى هضبة طوران الواقعة فى آسيا الوسطى، حيث كانت تعيش الأقوام التركية قبل نزوحها غربا إلى خراسان وما وراء النهر.
وقد قام (ضيا كوك آلب)، الأب الروحى للقوميين الأتراك بنشر منظومته الشهيرة (طوران) سنة 1911م وفيها طرح فكرة الوحدة الطورانية. ومؤداها: "أن وطن الترك ليس الدولة العثمانية أو الأناضول وإنما هو (طوران) ثم دعى إلى الاهتمام برقى العنصر التركى أولا. إذ إن وحدة العنصر هى الباقية: فالدين لم يقض على الفوارق العنصرية.
وبعد هزيمة الدولة العثمانية فى حرب طرابلس سنة 1911م وحرب البلقان سنة 1912م. راجت مثل هذه الدعاوى العنصرية وتبناها السياسيون، فأصبح (ضيا كوك آلب) عضوا بارزا فى الاتحاد والترقى ويبدو أن تبنى جماعة الاتحاد والترقى لهذه النزعة جاء كرد فعل لظهور الدعوة إلى القومية العربية آنذاك فى الشام. حيث ظهرت مؤلفات تدعو إلى القومية منها ما نشره نجيب عاذورى سنة1324هـ بعنوان (يقظة الأمة) وما نشره عبد الرحمن الكواكبى بعنوان (أم القرى).
وقد تبنى بعض الأتراك فكرة اللامركزية التى اتخذها حزب (الحرية والائتلاف) المعارض شعارا له.
وقد أدت هذه الدعوة إلى هزيمة تركيا فى الحرب العالمية الأولى وأدركوا أن مغالاتهم وتطرفهم أدى بدوره إلى وقوعهم فى كثير من الأخطاء السياسية. فراجعوا حساباتهم. وتخلوا عن مواقفهم فى كثير من الأمور منها:
1 - تخلى (ضيا كوك آلب) عن دعوته الطورانية، وظهر ذلك من خلال مقالات كتبها فى مجلة (يكى مجموعة) أى بمعنى: المجلة الجديدة وجاء ذلك رداً على مجلة (تورك يوردى) المغالية فى قوميتها.
وقد وضح وجهة نظره التى تهدف إلى "تقييم المبادئ فى إطار الظروف والأحداث السياسية وعرف القومية من وجهة نظره بأنها "الدعوة إلى النهوض بمستوى تركيا الحضارى وأن الوحدة السياسية بين العناصر التركية أى الطورانية أمر بعيد المنال، أما عن الإسلام: " فهو دين وعقيدة للأتراك ولا يمكنهم التخلى عنه ".
وقد ردد هذه الأفكار ثانية فى كتابة (التركية والإسلامية والعصرنة) واعترف بأن صفة الإسلام هى التى تميز الأتراك عن غيرهم من الأمم، ولكن ينبغى أن تترجم معانى القرآن وكذلك الآذان والأدعية إلى التركية حتى يكون الدين ملكا لكل تركى مسلم.
ثم نادى بان تنحصر العصرنة فى نقل العلوم والتقنية فقط من الغرب: إذ إن محاولة اللحاق بركب الحضارة الغربية لا يعنى تقليد العادات والتقاليد الأوروبية.
ثم جاء فى كتابه (أسس القومية التركية) لينفى صفة العنصرية عن دعوته قائلا بأن القومية فى التاريخ إنما تعنى الإحساس بالانتماء إلى تراث الأتراك جميعا، وليس تراث عشيرة (فابى) التى ينتمى إليها العثمانيون
بداية ظهور القومية التركية:
وفكرة القومية التركية ظهرت من خلال أن الأبحاث التاريخية التى بدأت تتبع مواطن الأتراك الأوائل بالتنقيب فى المصادر الصينية. وبدأت هذه الأبحاث فى القرن الثانى عشر الهجرى. وزاد الاهتمام بها حين استطاع المستشرق الدانماركى (بروفيسوف طومسون) آن يقرأ كتابات آورخون فى آوا خر القرن الثالث عشر الهجرى التاسع عشر الميلادى ثم جاء عالم مجرى يدعى (فامبرى) يرتدى زى الدراويش المتصوفة ويتحدث التركية ليجوب تركيا والتركستان ويصل فى رحلته إلى الصين ثم عاد إلى أستانبول وأخذ يتحدث مع المثقفين الأتراك عن صفاء العنصر التركى فى أقاصى آسيا وتعبيره لهم عن إعجابه به.
وفى نفس الفترة تقريبا أصدر عالم لغويات روسى يدعى (رادولف) قاموسا للتركية والألمانية كتب عليه المعجم التركى وأعقب ذلك ظهور كتاب (مدخل لتاريخ آسيا) لليهودى (ليون كاهن) الذى اتصل بجماعة الشبيبة العثمانية فى باريس.
وكان لأعمال المستشرقين الأثر الكبير فى إحساس الأتراك بقوميتهم. كما أوعزوا إليهم فكرة أنهم أتراك قبل أن يكونوا عثمانيين أو مسلمين. وسرعان ما آتت جهود المستشرقين ثمارها إذ قام أحمد وفيق باشا سنة 1876م بإصدار قاموس يسمى لهجة عثمانى تناول فى مقدمته اللغة التركية وجذورها. ثم كتب سليمان باشا (تاريخ عالم) مردداً فيه ما ذكره الباحثون الغربيون عن الأصول التركية، ورغم ذلك لم تظهر كلمة تركى فى أى من هذه المؤلفات وذلك لآن سياسة السلطان عبد الحميد لم تكن لتسمح بفصل ما هو تركى عما هو عثمانى.
الدعوات السلفية:
أثارت هذه الحركات ردّ فعل شديد فى الأوساط العثمانية مما جعل المصلحون ينادون بضرورة العودة إلى المبادئ الإسلامية كشرط للإصلاح الاجتماعى والسياسى والأمثلة على ذلك عديدة تمثلت فى الدعوات السلفية سواء فى داخل الأناضول أو فى الولايات العثمانية الأخرى مثل دعوة الشيخ محمد قاضى زاده، ودعوة الشيخ سعيد النورسى.
وتمثلت الدعوة الإسلامية فى نقطتين:
الأولى: أنه لا يأتى الإصلاح الاجتماعى والاقتصادى والسياسى إلا بالعودة إلى المبادئ الإسلامية.
الثانية: إيقاظ الشعور لدى المسلمين فى تركيا وغيرها حتى يتحد المسلمون صفاًّ
أمام القوى الاستعمارية. ومثل شعر محمد عاكف شعر الدعوة الإسلامية بكل خصائصه، إلا أن الشاعر قد تنباً بأن هذه الفوضى ستكون تربة صالحة لبذور الشقاق والفتنة فى تركيا.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - تاريخ الحضارة الإسلامية، بارتولد حمزة طاهر، القاهرة 1966 م.
2 - فى الأدب العربى والتركى، حسين مجيب المصرى، القاهرة 1962 م.
3 - الأدب التركى الإسلامى، د. محمد عبد اللطيف هريدى- نشرته إدارة الثقافة والنشر بالجامعة- القاهرة 1987 م.
4 - معالم الأدب التركى الحديث- كنعان آفيوز، ترجمة د. محمد هريدى وآخرون، القاهرة 1982 م.
5 - دراسات فى الأدب والتاريخ التركى المصرى- ندوة علمية، طبعة دار الفكر العربى القاهرة 1985 م.(1/426)
10 - الطُّولُونِيَّة (الطُّولونيُّون)
أسرة حاكمة تولت حكم مصر فى الفترة بين سنتى 254هـ-868م،292هـ-905م تنسب إلى مؤسسها الوالى التركى أحمد بن طولون نشأ ابن طولون فى سامراء (سُرّ من رأى) التى شيدها بالعراق الخليفة المعتصم بالله سنة 222هـ/836م ليقيم فيها جنوده وأتباعه من الأتراك لتحاشى التنافسن بينهم وبين أهل بغداد وقد أثرت هذه النشأة كثيرا فى حياة ابن طولون.
ونشأ مع استيلاء الأتراك على مقاليد السلطة فى سامراء نوع من الإقطاع الإدارى، بلغ أوجه فى زمن الخليفة المعتمد وشقيقه الموفق طلحة، فقد تطلب تحقيق السيطرة على الجيش التركى الجديد كسبا لولاء أكثر قادته قوة، فعين كل واحد من هؤلاء القادة واليا على ولاية، وفضل بعضهم البقاء فى سامراء وإيفاد من ينوب عنه من صغار الضباط الموالين له مصحوبا ببعض قواته لإدارة الولاية وحمل عائدها إليه.
وتصادف أن منح الخليفة المعتز ولاية مصر إلى القائد التركى باكباك الذى عهد بها إلى غلامه أحمد بن طولون سنة 254هـ-868م وكان ابن طولون من الأتراك الطُغزغُز شابا طموحا فى الرابعة والثلاثين من عمره، وكان مدركا تماما للصعوبات والمشاكل التى كانت تمر بها الخلافة العباسية فى العراق (الحركات الانفصالية فى الولايات الشرقية وبداية ثورة الزنج) ووجد فى ذلك فرصة مواتية لإعلان استقلاله بمصر بعد أن تخلص من منافسه القوى متولى الخراج أحمد بن المدبر الذى سيره إلى الشام.
وترجع أهمية الدولة الطولونية التى أسسها فى مصرأحمد بن طولون، إلى أنه لأول مرة من خلالها تحاول مصر أن تكون ولاية مستقلة، ولكن طموحات ابن طولون لم تدفعه أبعد من تأسيس أسرة حاكمة تتوارث الحكم فى مصر وتعترف بالسيادة الاسمية للخلافة العباسية، فلم تكن لابن طولون أية أهداف استراتيجية مماثلة لتلك التى حملت الفاطميين بعد ذلك بقرن على تأسيس مدينة القاهرة.
وعلى ذلك فإن دار الإمارة بمدينة العسكر، العاصمة العباسية، لم تعد تناسب طموحات الحاكم الجديد الذى أخذ يبحثه عن مقر جديد يجعله عاصمة لدولته فوقع اختياره على الفضاء الممتد شمال شرق العسكر عند سفح المقطم تحت الشرف الذى كانت تقوم عليه حينئذ قبة الهواء وحيث أقام صلاح الدين بعد ثلاثة قرون قلعة الجبل، ليشيد مدينة "القطائع ".
إن تأسيس هذه المدينة وتطورها يذكرنا تماما بمدينة سامراء (سر من رأى) العراقية، فمثلما كان الحال فى سامراء قسمت المدينة فى مصر إلى عدد من القطع يسكن فيها عبيد ابن طولون وعساكره وغلمانه وجعلت كل قطيعة لطائفة، فكانت بمنزلة الحارات التى قسمت إليها القاهرة فيما بعد.
وقد بدأ ابن طولون فى عام 256هـ-870م ببناء "القصر" و "الميدان " الذى كان يضرب فيه بالصوالجة، وتقدم إلى أصحابه وغلمانه وأتباعه أن يختطوا لأنفسهم حوله، فاختطوا وبنوا حتى اتصل البناء جنوبا بعمارة الفسطاط، وكانت مساحة القطائع ميلا فى ميل.
كان موقع القصر الذى شيده ابن طولون هو الميدان السلطانى تحت قلعة الجبل فيما بعد، وكان "الميدان" فيما بين القصر والجامع الذى شهر باسم "جامح ابن طولون ". فهذا الجامع هو الأثر الذى خلد اسم ابن طولون والذى بقى وحده من مدينة القطائع بعد أن خربها جنود العباسيين سنة 229هـ-904م وفعل فيها الاهمال فعله، وقد فرغ من بنائه وافتتح للصلاة فى رمضان سنة 526هـ-مايو879م. ويعد هذا الجامع أقدم جوامع مصر الإسلامية المحتفظة بتفاصيلها المعمارية وتخطيطها الأصلى، بنى على طراز جامع سامراء فى العراق مع مئذنته الفريدة، وأصبح تخطيطه هو النموذج الذى أثر فيما بعد فى تخطيط وبناء المساجد الجامعة فى مصر الإسلامية، حتى جامع المؤيد شيخ الذى بنى سنة 818هـ-1415م. كما أنه يعد نقطة تحول هامة فى تاريخ العمارة الإسلامية، لأنه بنى من مواد جديدة تماما وليس من أنقاض الكنائس والمعابد القديمة، حيث أستخدم فى بناء عقوده ودعائمه الآجر بدلا من استخدام الرخام حتى يتمكن من مقاومة الحريق.
عمل ابن طولون بعد استقرار أمره فى مصر على مد نفوذه إلى بلاد الشام، فقد كان يعلم تماما أن أى خطر يمكن أن تتعرض له مصر لن يأتى إلا من الشام، وأن السلطة المركزية فى العراق لو فكرت فى مناؤاته فستسلك إليه طريق الشام. ودفعه إلى ذلك أيضا حرصه على أن يقوم بدور بارز فى السياسة الإسلامية المعاصرة، فحصل ابن طولون على ولاية الثغور الشامية وأصبحت له بذلك صفة المدافع عن حدود الشام حامى دار الإسلام من الخطر البيزنطى.
وبلغت الدولة الطولونية أوج عظمتها فى عهد خمارويه بن أحمد بن طولون وخليفته فى حكم مصر، الذى بلغ فى إضفاء مظاهر البذخ والأبهة على عاصمته، وقد ترك لنا المقريزى فى الخطط، وصفا تفصيليا للأعمال التى قام بها خمارويه، والتى استغل فيها العائد الكبير الذى كانت تدره عليه مصر والذى كان هو المستفيد الوحيد منه.
وإذا كانت فترة حكم خمارؤيه 270:282هـ-884:895م تمثل فترة ازدهار الدولة فإنها حملت فى طياتها عوامل تداعيها، فقد قادت النفقات الباهظة التى أنفقها خماروته -خاصة عند زفاف ابنته قطر الندى إلى الخليفة العباسى المعتمد- مالية الدولة إلى الإفلاس. وظهرت نتيجة ذلك فى أعقاب وفاته المفاجئة سنة 282هـ-895م فلم يخلف ولدا بالغا يخلفه فى حكم مصر، فكان الانهيار المالى وثورة الجنود عوامل أسهمت فى وضع نهاية للحكم الطولونى حيث أرسل العباسيون جيشا بقيادة محمد بن سليمان الكاتب سنة 292هـ-905م وضع نهاية لاستقلال الطولونيين وأعاد مصر ولاية عباسية من جديد.
أ. د/أيمن فؤاد سيد
__________
مراجع الاستزادة:
1 - سيرة أحمد بن طولون البلوى: (تحقيق محمد كرد على)، دمشق 1358هـ.
2 - المغرب فى حلى المغرب ابن سعيد: (تحقيق زكى محمد حسن وآخرون) القاهرة 1953م 73 - 146.
3 - المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار، المقريزى: القاهرة 1853، 1:313 - 326، 2:265 - 269.
4 - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، ابن تغرى بردى القاهرة 1929 - 1956، 3:1 - 143.
5 - الفن الإسلامى فى مصر، زكى محمد حسن القاهرة 1937.
6 - مصر فى عصر الطولونيين، سيدة إسماعيل الكاشف وحسن أحمد محمود القاهرة 1960.
7 - أحمد بن طولون، سيدة إسماعيل الكاشف القاهرة1965.
8 - حضارة مصر الإسلامية فى العصر الطولونى، حسن أحمد محمود القاهرة د. ت.
Corbett، E.R.، "The life and work of Ahmed ibn Tulun" JRAS (1891)، pp. 527-562؛ Hassan، Z.M.، Les tulunides، - صلى الله عليه وسلم - ` tude de l'Egypte musulmene a` la fin du ix'sie`cle 868-905، Paris 1933، ed. El.2rt. Ahmed b. Tulun I، pp.287-88(1/427)
1 - الظاهرية
الظاهرية: مذهب من المذاهب الفقهية البائدة تتسب إلى أبى سليمان داود بن على ابن خلف الأصبهانى المعروف بالظاهرى، ولد بالكوفة سنة 202 هـ. وأخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبى ثور وغيرهما.
وكان أكثر الناس تعصبا للشافعى وصنف فى فضائله والثناء عليه كتابين، وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد، ثم انتحل لنفسه مذهبا خاصا أساسه العمل بظاهر الكتاب والسنة ما لم يدل دليل منهما أو من الإجماع على أنه يراد به غير الظاهر، فإن لم يوجد نص عمل بالإجماع ورفض القياس رفضا باتا وقال: إن فى عمومات النصوص من الكتاب والسنة ما يفى بكل جواب.
صنف داود كثيرا من الكتب منها كتبه فى أبواب الفقه ومنها فى الأصول كتاب إبطال التقليد، وكتاب إبطال القياس، وكتاب خبر الواحد وكتاب الخبر الموجب للعلم، وكتاب الحجة، وكتاب الخصوص والعموم، وكتاب المفسر والمجمل وغير ذلك من الكتب، وقد انتهت إليه رئاسة العلم فى بغداد.
وممن أخذ عنه وسار على مذهبه ابنه محمد وكان فاضلا صنف كثيرا من الكتب، ومن متبعى داود والمؤلفين على مذهبه أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلس توفى سنة 324هـ.
وقد استمر مذهب داود متبعا إلى منتصف القرن الخامس الهجرى ثم اضمحل، وله آراء خالف فيها الجمهور نتجت من ترك القياس والعمل بظاهر الكتاب والسنة، ومن يطلع على كتاب "المحلى" لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى المتوفى سنه 456هـ. يرى فيه كثيرا من تلك المسائل، وصار إلى مذهب أهل الظاهر ومهر فيه باجتهاد زعمه فى أقوالهم، وخالف إمامهم داود.
وفى طبقات الشافعية لابن السبكى هل يعتد بخلاف الظاهرية فى الفروع أم لا؟ وحكى فى ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: اعتباره مطلقا وهو الصحيح. والثانى: عدم اعتباره مطلقا ونسبه الأستاذ أبو إسحاق إلى الجمهور.
والثالث: اعتباره إلا فيما خالف القياس الجلىّ.
وحكى ابن السبكى عن والده أن داود لا ينكر القياس الجلى وانما ينكر الخفى فقط.
قال عنه الذهبى: داود بن على بصير بالفقه، عالم بالقرآن، حافظ للأثر، رأس فى معرفة الخلاف من أوعية العلم، له ذكاء خارق، وفيه دين متين، وكذلك فى فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر وذكاء قوى. وقال ابن خلدون: ثم أنكر القياس طائفة من العلماء وأبطلوا العمل به وهم الظاهرية وجعلوا المدارك كلها منحصرة فى النصوص والإجماع وردوا القياس الجلىّ والعلة المنصوصة إلى النص، لأن النص على العلة نص على الحكم فى جميع محالها، ثم درس مذهب أهل الظاهر بدروس أئمته أنكار الجمهور على منتحله.
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - تاريخ التشريع الإسلامى، للشيخ محمد الخضرى ص 195 وما بعدها.
2 - سير أعلام النبلاء13/ 107 وما بعدها
3 - مقدمة ابن خلدون ص 446 وما بعدها.(1/428)
2 - الظن
لغة: هو التردد الراجح بين طرفى الاعتقاد غير الجازم وجمعه ظنون وأظانين. وقد يوضع موضع العلم.
واصطلاحا: هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، ويستعمل فى اليقين والشك وقيل، الظن أحد طرفى الشك بصفة الرجحان.
وقد ورد لفظ الظن بالمعنى السابق أكثر من ستين مرة، إضافة إلى ثمانى مرات بمعنى اليقين فى مثل قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون} البقرة:46، وكذلك فى قوله تعالى: {إنى ظننت أنى ملاق حسابيه} الحاقة:20.
استخدم لفظ الظن فى الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام بالمعنى الغالب فى آيات القرآن الكريم ومقابلا للعلم أو الحق طبقا لما ورد فى قوله تعالى: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لايغنى من الحق شيئا} يونس:36.
والظن درجة من درجات العلم الذى لا يصل إلى درجة اليقين. وقد قسم المفكرون المسلمون العلوم إلى علوم ظنية، وعلوم يقينية. فالعلوم الظنية: هى العلوم التى يحصلها الإنسان بإدراكاته الحسية والعقلية.
أما العلوم اليقينية فهى العلوم التى يأتى بها الوحى كما ورد فى قوله تعالى {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} الكهف:65.
أما فى الحديث الشريف فقد ورد هذا اللفظ عدة مرات معظمها بمعنى الظن أو الاعتقاد الراجح وبعضها الآخر يتضمن اليقين، كما ورد فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وهما فى الغار: (ما ظنك بأثنين الله ثالثهما) (البخارى فى تفسير سورة التوبة). وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث القدسى: (أنا عند ظن عبدى بى إن خيرا فخير وإن شرا فشر) وفى رواية آخرى: (فليظن بى مايشاء) (البخارى فى التوحيد ومسلم فى التوبة). أما فيما يفيد الاعتقاد الراجح فى مقابل اليقين فقد ورد عن عروة بن الزبيرعن عائشة رضى الله عنها فى تفسيرقوله تعالى {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جأءهم نصرنا} يوسف:110 قالت عائشة: "كذبوا، قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت: أجل، لعمرى لقد استيقنوا بذلك فقلت لها: وظنوا أنهم كذبوا، فقالت: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها" (انظر البخارى فى تفسير سورة يوسف الآية 110).
وقد ورد الظن مرادفا للشك فى بعض الأحاديث النبوية الشريفة، فى مثل قوله صلى الله عليه وسلم لمن شك فى عدد الركعات التى صلاها: ( ... فشككت فى ثلاث أو أريع وأكبر ظنك على أربع تشهدت) (انظر سنن الدرامى باب الصلاة).
وقد استخدم "الظن " للدلاله على أولى مراحل العلم فى إطار مايسمى بنظرية المعرفة الإسلامية، فتعرف مرحلة "الظن" بأنها تكون حينما تتعادل دلالات الإثبات مع دلالات النفى. أما المرحلة التى تلى مرحلة "الظن " فهى مرحلة "غلبة الظن " وتأتى هذه المرحلة بعد البحث والتمحيص فى أدلة النفى وأدلة الاثبات، فترجح إحدى الكفتين دونما دليل قطعى يقينى فيبقى هناك مجال للنظر.
وفى الفقه تعتبر"مظنة" الحرج والمشقة الوصف المناسب الملائم للجمع بين الصلاتين عند المطر والسفر.
ويعبر بعض الفقهاء، كما يروى عن الإمام أبى حنيفة النعمان، عن هذه المرحلة بالمقولة المشهورة عنه، مذهبنا صحيح يحتمل الخطأ، ومذهب الآخر خطا يحتمل الصواب وتلى مرحلة غلبة الظن مرحلة تسمى مرحلة "التصديق "ويعتمد فيها على الثقة فى صدق القائل ثم تأتى مرحلة "الإيمان " الذى ينبنى على التصديق بالخبر على شرط الثقة ثم مرحلة "حق اليقين" وهو التصديق التام بالخبر عن طريق كمال الثقة فى مصدر الخبر، كما ورد فى قوله تعالى: {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم} الحاقة:49 - 52، وتلى هذه المرحلة مرحلة "علم اليقين " عندما يجتمع صدق مصدر الخبر مع القوة الاقناعية بالبراهين العقلية مثلما ورد فى قوله تعالى {كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لوتعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين} التكاثر:3 - 7.
وتمثل الآية رقم 7 من سورة التكاثر {ثم لترونها عين اليقين} المرحلة القصوى من مراحل العلم حيث تجتمع كل شروط المراحل السابقة مع المشاهدة العينية لموضوع المعرفة.
أما فى علم الكلام فقد فصل القاضى عبدالجبار الحديث فى هذا الموضوع حيث قرر أن النظر العقلى لايولد الشك أو الظن، وهو يفرق بين لفظى الشك والظن.
أ. د/السيد محمد الشاهد
__________
مراجع الاستزادة:
1 - القاموس المحيط محمد بن يعقوب الفيروزأبادى مؤسسة الحلبى -مصر د. ت.
2 - التعريفات للشريف الجرجانى لبنان 1985م.
3 - صحيح البخارى دار الجيل تقديم أحمد شاكر بيروت د. ت.
4 - سنن الدارمى طبعة دمشق 1349هـ.
5 - المغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبدالجبار الهمزان تحقيق إبراهيم مدكور القاهرة د. ت(1/429)
3 - الظهار
لغة: مأخوذ من الظهر، لأن صورته الأصلية أن يقول الرجل لزوجته: أنت على كظهر أمى. قيل إنما خص ذلك بذكر الظهر لأن الظهر من الدابة موضع الركوب والمرأة مركوبة وقت الغشيان فركوب الأم مستعار من ركوب الدابة ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذى هو ممتنع وهو استعارة فكأنه قال: ركوبك للنكاح حرام عَلىَّ (1).
واصطلاحا: هو تشبيه الرجل زوجته، أو جزءاً شائعا منها أو جزءاً يعبر به عنها بامرأة محرمة عليه تحريما مؤبدا، أو بجزء منها يحرم عليه النظر إليه كالظهر والبطن وا لفخذ (2).
مشروعية أحكام الظهار: كان الناس قبل الإسلام إذا غضب الرجل على زوجته لأمر من الأمور ولم يرد أن تتزوج بغيره قال لها: أنت علىَّ كظهر أمى، فتحرم عليه تحريما مؤبدا لا تحل له بحال، وتبقى كالمعلقة لا هى بالمتزوجة ولا بالمطلقة.
واستمروا على ذلك فى صدر الإسلام حتى غضب أوس بن الصامت على زوجته خولة بنت ثعلبة فقال لها: أنت علىَّ كظهر أمى فذهبت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ما صنع زوجها فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما أراك إلا قد حرمت عليه "، فقالت أشكو إلى الله فاقتى ووجدى (3)
فنزل قول الله تعالى: {قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله} (المجادلة 1).
الظهار محرم ولا يعتبر طلاقا، وصرح بعض الفقهاء بأنه من الكبائر لكونه منكرا من القول وزورا، لقوله تعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمهاتُهُم إن أُمَّهاُتهُمْ إلا اللائى ولدْنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإنَّ الله لعفو غفور} (المجادلة 2).
أثر الظهار: إذا تحقق الظهار وتوافرت شروطه ترتب عليه الآثار الآتية:
(أ) حرمة المعاشرة الزوجية قبل التكفير عن الظهار، وهذه الحرمة تشمل حرمة الوطء ودواعيه من تقبيل أو لمس أو مباشرة فيما دون الفرج، لقوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا} (المجادلة 3).
(ب) للمرأة الحق فى مطالبة الزوج بالوطء وعليها أن تمنع الزوج من الوطء حتى يكفر، فإن امتنع عن التكفير كان لها أن ترفع الأمر إلى القاضى وعلى القاضى أن يأمر بالتكفير، فإن امتنع أجبره بما يملك من وسائل التأديب حتى يكفر أو يطلق وهذا عند الحنفية لأن الزوج قد أضر بزوجته بتحريمها عليه بالظهار حيث منعها حقها فى الوطء مع قيام الزواج بينهما (4).
وعند المالكية: على القاضى أن يأمر الزوج بالطلاق فإن امتنع طلق القاضى عليه فى الحال طلاقا رجعيا، فإن قدر الزوج على الكفارة قبل انقضاء العدة كفر وراجعها (5).
(ج) وجوب الكفارة على المظاهر قبل وطء المظاهر منها ودواعى الوطء وخصال كفارة الظهار ثلاثة، وهى واجبة على الترتيب:
1 - عتق رقبة.
2 - صيام شهرين متتابعين.
3 - إطعام ستين مسكينا.
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - المصباح المنير 2/ 388
2 - مغنى المحتاج 3/ 353، فتح القدير على الهداية 4/ 85 وما بعدها، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير2/ 439، كشاف القناع هـ/ 368.
3 - أخرجه أبو داود فى، كتاب الطلاق، باب فى الظهار، سنن أبى داود 2/ 273 وأخرجه ابن ماجة فى كتاب الطلاق "باب الظهار" سنن ابن ماجة1/ 666 -
4ـ بدائع الصنائع3/ 234.
5ـ حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/ 33(1/430)
1 - العادات الشعبية
لغة: العادات جمع عادة، والعادة: كل ما اعتيد حتى صار يفعل من غير جهد، والعادة: الحالة تتكرر على نهج واحد (1).
والشعبية نسبة إلى شعب، والشعب: الجماعة الكبيرة ترجع لأب واحد، وهو أوسع من القبيلة، والشعب: الجماعة من الناس تخضع لنظام اجتماعى واحد وتتكلم لسانا واحدا كما فى الوسيط (2).
واصطلاحا: يقصد بالعادات الشعبية أو السنن Folkways السلوك المكتسب الذى يشترك فيه أفراد شعب معين، وهى معايير ذات قيمة اجتماعية، من شأنها أن تثير رد فعل فى المجتمع، يتمثل فى الفزع والاستهجان والاستياء، الأمر الذى يبرر توقيع جزاءات على المخالف الذى يعتدى على حرمتها.
والعادات الشعبية يتلقنها الفرد من الآخرين بحسب المقتضيات والمناسبات الاجتماعية، ولذا فهى تختلف عن العادات الفردية التى يكتسبها الفرد وفقا لحاجته، مما يعنى أنها لا تقوم الا كعلاقة اجتماعية، تعمل على الانسجام مع مثيلاتها، نتيجة للتكرار الدائم لبعض الأفعال التى تصدر عن عدد كبير من أفراد المجتمع فى مواقف معينة فتبدو العادات الشعبية من ثم ذات صبغة جمعية تنمو تلقائيا، وتظهر بالتدريج حتى تتمكن من النفوس، وتصبح أشبه بالدستور غير المكتوب الذى يتمتع بقوة الإلزام.
وهناك غير قليل من التداخل بين هذا المصطلح ومصطلحات العرف، والعادة المستحدثة، والتقليد، وما إلى ذلك من الممارسات الاجتماعية التى لا تخضع إلى التقنين.
ولعل أهم ما يميز العادات الشعبية أنها تلب دورا هاما فى بقاء المجتمع الإنسانى واستمراره عن طريق تحديدها لأنماط الفعل وقواعد السلوك واللياقة، كما أنها كثيرا ما تقاوم العادات المستحدثة خاصة تلك التى تكون تعبيرا عن نزوات الساعة، إضافة إلى أنها مكملة للقانون وتمهد لظهوره، وإن اختلفت عنه من حيث التلقائية فى الظهوروالسرعة فى الجزاء.
ومع ذلك فلم يعد مصطلح العادات الشعبية مما يتوافق مع المجتمعات التى قطعت شوطا بعيدا فى التغير الاجتماعى والثقافى، ولكنها تلب دورا كبيرا فى تلك المجتمعات التى تتسم بالبساطة، وإن كان من المهم القول مع ذلك بأن هناك بعض هذه العادات التى تبدو منافعها وصلاحيتها، مما يلزم معه وضعها فى دائرة البحث للتعريف الأعمق بها وبإيجابياتها وسلبياتها؛ لما لها من أهمية فى تنظيم الحياة الاجتماعية، على اعتبار أن السنن هى آخر الأمرالمناهج العامة التى تتخذ كطريقة للمعيشة، مما يوجد ضميرا عاما يربط الجماعة بمقاييس واحدة فيما يجوز وما لا يجوز، وهو ما يوجد فى النهاية ذلك الحياء الذى وصفه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه شعبة من الإيمان، الذى من بين وظائفه توحيد العادات العامة، وإسباغ طريقة للحياة يمارسها الجميع بشكل واحد،،وهو ما يكسب الحياة الإسلامية قدرة خاصة على التحمل وعلى المقاومة، باعتبار أن توحد العادات يؤدى إلى توحد الفهم والقضاء على المنازعات، نظرا لمعرفة الجميع مقدما بما يجب فعله فى مختلف المناسبات.
أ. د/محمود أبوزيد
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، مادة (عود) 2/ 658.
2 - المصدر السابق، مادة (شعب) 1/ 503(1/431)
2 - العاطفة
لغة: من عطف: مال، وعطف عليه: أشفق ورحم. والعاطفة: الشفقة، وجمعها: عواطف (1).
واصطلاحا: لفظ مشترك له عدة تعريفات منها:
1 - استعداد نفسى ينزع بصاحبه إلى الشعور بانفعالات وجدانية معينة، والقيام بسلوك خاص حيال فكرة أو شيء (2).
2 - العاطفة انفعال ناشئ عن أسباب معنوية، لا عن أسباب عضوية.
3 - هى الميول الخيرية دون الميول الأنانية والنفعية. فالعطوف من الرجال هو الذى يحمى الضعفاء، والعطوف من النساء هى المحبة لزوجها، وهو مذهب "روسو" وآدم سميث و" جاكوبى"، ويسمى مذهب العاطفة فى الأخلاق، وقوامه الشعور بالغيرية، أى بحب الآخرين، وطريقته المعروفة الحدسية.
4 - وقد تطلق العاطفة على اللذات والآلام، وعلى غريزة حفظ البقاء، والمشاركة الوجدانية والحب والكبرياء، والتواضع، والمنازع الخلقية والاجتماعية والدينية والجمالية والعقلية (3).
وإذا كان من المألوف أن ينزع المرء بعاطفته إلى المشاركة الوجدانية، فإنه أيضا ينزع بها إلى "الكشف عن الحقيقة". غير أن الحقيقة التى نكشف عنها بعاطفتنا لا تصبح حجة عند غيرنا، إلا إذا حصل لهم من الكشف مثل ما حصل لنا.
وعند "كوزان " أن العاطفة مصدر الانفعالات، وهى لهذا تقابل العقل (4). والعاطفى Sentimental هو المنسوب إلى العاطفة، ولاسيما عاطفة الحب. ويجوز أن نقول "التربية العاطفية" و" السياسة العاطفية"، وهى ضد السياسة الواقعية.
والعاطفى من البشر: هو الذى يتغذى بالعواطف، أو يتبع عواطفه فى علاقاته الإنسانية، أو يفضل إظهار عواطفه على سترها.
ويكون المقصود بالعواطف هنا "العواطف العذبة" وهى المصحوبة بالذكريات العذبة والأحلام الجميلة (5).
وقد اهتم "صوفية الإسلام، بموضوع العاطفة لأن التصوف علم القلوب، وما يفيض به القلب من شعور وإحساس هو الأساس فى سلوكهم.
ولذا كان هناك شبَه قِوىّ بين أدب الصوفية المسلمين وأدب الرومانتيكيين من الأوروبيين؛ لأن كلا الفريقين كان يمجد العاطفة، ويتخذ منها هاديا فى السلوك.
بل كانوا يرون جميعا أن العاطفة أصدق من العقل، وأن الفكرة العميقة نابعة من عاطفة عميقة (6). وكل ذلك يخفف عن الإنسان وطأة الحياة المادية، ولاسيما تلك المادية التى ألقت بظلال ثقيلة على كل مناحى الحياة فى عصرنا هذا (7).
هذا وإن العاطفة واحدة بين الرجل والمرأة، فليس للرجل عاطفة تختلف عن المرأة
أو العكس، فهى قاسم مشترك بين الطرفين، مثلما يحدث ذلك فى الكتابة والإبداع الأدبى وغير ذلك (8).
أ. د / عبد اللطيف محمد العبد
__________
المراجع
1 - مختار الصحاح "عطف ".
2 - المعجم الوجيز- لمجمع اللغة العربية بالقاهرة- مادة "عطف ".
3 - المعجم الفلسفى، د. جميل صليبا: 2ـ43 - 44، ط، 1971 م. دار الكتاب اللبنانى- بيروت.
4 - المعجم الفلسفى، د. مراد وهبة ص 0 26. ط3، 1979م. دار الثقافة الجديدة بالقاهرة.
5 - المعجم الفلسفى، د. جميل صليبا: السابق- 44:2.
6 - ليلى والمجنون فى الأدبين العربى والفارسى د. محمد غنيمي هلال:- ص 240 - 241 "دون تاريخ " مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة.
7 - انظر بصفة عامة: الحياة الروحية فى الإسلام. د. محمد مصطفى حلمى. ط 954 1م عيسى االبابى الحلبى بالقاهرة.
8ـ انظر بصفة عامة عاطفة الاختلاف، قراءة فى كتابات نسوية- د. شيرين ابوالنجا: ط 1998 م الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة.(1/432)
3 - العالَم
اصطلاحا: هو مشتق من العلم والعلامة، وهو ما ِسوَى الله من الموجودات، والعالَم اسم لكل ما وجوده ليس من ذاته، بل يحتاج إلى صانع يوجده، وينقسم العالَم إلى جسمانى وروحانى، كما ينقسم المعنى إلى عام وخاص، فالعالم يضم:
العالم الجسمانى: وهو مجموعة الموجودات من الأجسام الطبيعية، التى توجد فى الزمان والمكان، وهو هذه الأشكال المتعددة للمادة، والعالم بهذا المعنى مجمل الأشياء والظواهر والعلائق القائمة بين تلك الأشياء وتلك الظواهر.
والعالم المادى هو العالم الذى نعيش فيه وندرسه، وتكون العلوم الطبيعية ميدان المعرفة الخاص به، حيث المناهج التى تزن، وتقيس، وتكرر التجربة، وتبحث عن قوانين مبنية عليه.
وقد يختلط مصطلح العالَم مع مصطلح الكون، ولكن بينهما اختلافا دقيقا، فالعالَم هو عالم الناس، العالم الطبيعى، وعالم العلاقات بين الظواهر، أما الكون فهو أشمل، ومرادف للوجود المطلق العام، وقد يطلق على وجود العالم من حيث هو عالم، أو على العالم من جهة ما هو ذو نظام محكم، وتشمل المادة وغير المادة.
وهذا العالَم المحسوس منشأ لجميع الأفراد، وفيه تفهم حقيقته، وفيه الانفصال والاتصال، والتحيز، والمغايرة، والاتفاق، والاختلاف وقد ظهر قديما بين مفكرى الإسلام خلافا حول قِدَم العالم وحدوثه، ذهب أغلب الفلاسفة إلى أنه قديم، وذهب المتكلمون إلى أنه حادث، لكن ابن رشد يرى أن هذا الخلاف فى مفهوم العالَم يجب ألا يؤدى إلى أن المذاهب تتباعد حتى يكفر بعضها بعضا.
ويضم العالم الروحانى، الموجودات غير المادية، مثل عالم الأرواح والروحانيات، لأنها وجدت بأمر الحق بلا واسطة، وأحيانا يسمى هذا العالَم عند الصوفية بعالم الأمر، عالم الملكوت، عالم الغيب.
وقد تناول مفكرو الإسلام العالَم بالدراسة، ووصفوا العالَم المادى، وغير المادى، فأشاروا إلى أن العالَم المادى هو ما حواه السطح الظاهر، ويقال على جمله مؤلفة من أشياء مختلفة تنقسم إلى ثقيل وخفيف، وشكله كرة، ويتكون من عناصر بسيطة، وأجسام مركبة من هذه العناصر، وهذا العالَم يسمى عندهم بعالم الملك.، وهو أيضا عالَم الشهادة، عالَم المعرفة بالحس والمشاهدة الحسية. فهو الأرض بما عليها ومن عليها، عالَم الأعيان، عالَم الخلق حيث التغير والنقص والشر والفساد، وهو عالمَ الشهادة. كما يسمى عندهم بعالَم الكون والفساد، لأن الأجسام التى تشكل أجزاء هذا العالَم تتكون ثم تفسد، وهذا العالَم فى مقابل العالَم العلوى، أى عالمَ الأفلاك وما فيه مَن العقول والنفوس والأجرام. وعالَم الأمر عندهم ضد عالَم الخلق.
ويوضع العالم الأرضى فى منزلة دنيا، فالعالَم هو الدنيا ذات المرتبة الفانية، وهى الدار التى يقدم فيها الإنسان عمله، لينتقل إلى دار أخرى هى دار البقاء ليجازى عن هذا العمل.
وتوجد تفسيرات أخرى للعالم قدمها مفكرون وصوفية، فقد فرق إخوان الصفا- إحدى الجماعات الفكرية- بين العالَم الأكبر والعالَم الأصغر الأول هو عالَم الموجودات، والأصغر هو الإنسان، وعقدوا مقارنة بين الاثنين، فالجبال فى الطبيعة تشابه الرأس فى الإنسان، والأنهار فى الطبيعة تقابل عروق الدم فى الإنسان.
والآن يستخدم مصطلح العالمَ الأكبر إشارة إلى عالمَ الموجودات، وذلك فى مقابل المصطلح الأصغر وهو الذرة والنواة. وللصوفية تفسيراتهم للعالَم، فالعالَم عندهم هو الظل الثانى، ولا وجود لهذا العالَم عندهم، فالعالم صورة الحق، وقد تكلم الصوفية عن مفاهيم أخرى للعالم، فقالوا: عالم الجبروت، أى عالم الأسماء والصفات الإلهية، وعالم الأمر أى عالم الغيب، وعالَم الخلق وهو عالم الأجسام- والعالَم الكبير عندهم هو ما فوق السماء والصغير هو ما تحتها. وقيل: الكبير ملكوت السموات والصغير ملكوت الأرض. وأحيانا يطلقون اسم العالم الكبير على القلب، والصغير على النفس، أو قالوا كما ذهب إخوان الصفا- إن العالَم الكبير هو عالم السماء والأرض، والعالَم الصغير هو الإنسان.
والمعنى الخاص للعالَم يطلق على أجناس معينة، كما نقول عالم الإنسان، أو عالَم القيم، وعالم الأدب وعالم السياسة، وعالم المقال، وعالم المعقولات، ومن هنا قالوا: إن معنى العالَم هو الجملة، وهى جملة المعانى أو الأجناس والأنواع التى تدخل فى تأليف الحكم أو الاستدلال. وهذه العوالم كثيرة، قال الغزالى: "والعوالم كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى"
أ. د/ منى أحمد أبو زيد
__________
المراجع
1 - التعريفات، للجرجانى، تحقيق إبراهيم الإبيارى – دار الكتاب العربى بيروت سنة 1405 هـ / 1985م.
2 - اصطلاحات الصوفية، الكاشانى تحقيق د. عبد العال شاهين، دار المنار سنة 1413هـ، 1992م.
3 - المعجم الفلسفى د. جميل صليبا –ج2 مادة (العالم) ومادة (الكون) دار الكتاب اللبنانى بيروت.
4 - الموسوعة الفلسفية العربية، معهد الإنماء العربى جـ1، مادة العالم – كتاب د. على زيعور – بيروت ط1 سنة 1986م.(1/433)
4 - عام الحزن
هو العام العاشرمن بعثة النبى صلى الله عليه وسلم وسمى بعام الحزن لأنه كان من المظنون بعد انتهاء المقاطعة الجائرة، التى كانت قريش قد ضربتها على النبى صلى الله عليه وسلم ومن انحاز إليه أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا بين أحب الناس إليه وآثرهم عنده، وهما عمه أبوطالب وزوجه خديجة رضى الله عنها إلا أنهما قد توفيا فى هذا العام، وبوفاتهما وفقد الرسول صلى الله عليه وسلم لهما سمى هذا العام بعام الحزن.
فقد مات عمه أبو طالب، وليس يدرى إلا الله كم كان وجده عليه (1)، إذ كان له خير نصير، يدرأ عنه الأعداء، ويجمع من حوله الأقرباء، ويمكنه من العمل لدينه، على الرغم من وعيد المشركين وتهديد قريش أجمعين، وكان إذا أذاه قومه قال صلى الله عليه وسلم (والله ما أصابنى هذا إلا بعد موت أبى طالب) (2).
ثم جاءت وفاة السيدة خديجة رضى الله عنها بعد أيام من وفاة عمه، فانفطر فؤاده صلى الله عليه وسلم واشتدت لوعته، فقد كانت له نعم العشير والنصير مدة خمس وعشرين سنة، فلم يسمع منها كلمة تؤذيه، ولا رأى منها نظرة تؤلمه، جاءها خائفا يرجف فؤاده فتلقته باسمة، واستقبلته راضية، ومازالت به حتى أعادت الأمن إلى نفسه، وعندما أمره ربه أن يدعو إلى دينه كانت أول من دخل فيه، ولما قاطعته قريش أبت إلا أن تدخل معه شعب أبى طالب، وكان إذا اشتد عليه قومه وقفت إلى جانبه تربت على صدره، وتمسح الأسى عن قلبه، حتى يشتد عزمه ويعود إليه نشاطه.
وليس يدرى إلا الله كيف استطاع النبى صلى الله عليه وسلم احتمال فقد عمه ثم زوجه، ولا كيف احتمل أن يرى زوجه وهو يدخلها قبرها.
مفتقدا نصرتهما له، ومواساتهما إياه، من أجل هذا اعتكف صلى الله عليه وسلم فى داره وسمى هذا العام الذى فقدهما فيه عام الحزن (3).
أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1 - تاريخ اليعقوبى لأحمد بن أبى يعقوب 2/ 35 ط دار صادر بيروت لبنان.
2 - الكامل فى التاريخ لابن الأتير تحقيق الشيخ/عبدالوهاب النجار 2/ 63 ط1 سنة 1349هـ المطبعة المنيرية القاهرة.
3 - إمتاع الأسماع للمقريزى 1/ 49 ط1 1401هـ-1981 م دار الأنصار القاهرة(1/434)
5 - عام الوفود
اصطلاحا: هو العام التاسع أو العاشر الهجرى، على اختلاف فى تحديده، لأن العامين قد شهدا وفود القبائل إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وإن كانت فى الأول أكثر منها فى الثانى (1).
والحق أن حركة الوفود كانت سابقة على عام الوفود، فلم يكن العام التاسع الهجرى هو الذى بدأت فيه الوفود انطلاقها إلى المدينة، وإنما كان بداية ذلك إثر صلح الحديبية، حيث انطلقت إلى النبى صلى الله عليه وسلم وفود دوس ومزينة وبنى سعد، وإنما عُدّ العام التاسع أو العاشر الهجرى باعتبار الكثرة.
وقد بلغت هذه الوفود واحدا وثلاثين، أقبلت إلى المدينة تخطب ود النبى صلى الله عليه وسلم وتعلن إسلامها بين يديه، ومن الأسباب التى من أجلها توافدت تلك الوفود إلى المدينة المنورة، وكثرث فى العامين المذكورين؛ أن قريشا قد أسلمت فور فتح مكة، وتحطمت الأصنام القائمة حول الكعبة، وتلتها ثقيف، وبات العرب أمام أمرين للعناد؛ إما أن يهجروا البيت الحرام فلا يحجون إليه ولا يعتمرون، وهو ما لا قدرة لهم عليه، وإما أن يواصلوا الحرب، وهو ما لا رغبة لهم فيه، خاصة وأن الجيش الإسلامى عاد من تبوك بعد إرهاب أقوى دول الأرض، وهى الروم، والقبائل المنتصرة على تخوم الشام.
وإن تعجب فعجب أن القبائل الآن تحج إلى النبى صلى الله عليه وسلم طالبة رضاه، معلنة اعتناقها لدينه، وقد كان يأتيها قبل هجرته فى مواسم الحج والعمرة يدعوها إلى دينه فتأبى، ويطلب منها الحماية حتى يبلغ آمنا رسالة ربه فترفض (2).
وعلى كل حال فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يستمع لكل وفد ويجيبه إلى ما يريده فى إطار الشرع:
ساًله ممثلو ثقيفه ألا يعشروا، ولا يحشروا، ولا يولى عليهم غيرهم، وأن ترفع الصلاة عنهم، ولا يهدم صنمهم إلا بعد ثلاث سنين، فأجابهم إلى الثلاثة الأولى دون الرابع والخامس (3).
ومن الوفود من كان يتجاوز حدوده، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل معه بما يردعه وينهنه من غروره.
أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1 - السيرة النبوية لابن كثير 2/ 299، تحقيق/أحمد عبدالشافى، ط دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
2 - إمتاع الأسماع للمقريزى 1/ 22 - 33 تحقيق محمد عبدالحميد النميسى، ط1، دار الأنصار، القاهرة 1401هـ-1981م.
3 - عيون الأثر فى فنون المغازى والشمائل والسير لابن سيد الناس 2/ 272، مكتبة القدس، القاهرة 1406هـ-1986م(1/435)
6 - العامة
لغة: عمَّ الشىء عموما: شمل، والعام: الشامل وهو خلاف الخاص، والعامة من الناس: خلاف الخاصة والجمع عوام، كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: يدل بوجه عام على معنى الجمهور الذى يشير فى الكتابات الحديثة إلى معنى الشعب، ومن ثم فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بنظرية المعرفة وبخاصة ما إذا كانت هذه المعرفة بمجالاتها وبأمورها المنوعة هى معرفة إجمالية للكافة والعامة، وما قد يترادف مع هذا من مصطلحات أخرى مثل الرعية، والسواد الأعظم، والأهالى، والعباد، والمؤمنين، أم أن بها من الأمور الدقيقة والتفصيلية ما يعتبر وقفا على الخاصة.
وهو يتردد كثيرا ضمن المصطلحات الأساسية فى نظرية الحكم الإسلامية سواء ما تعلق منها بإطار الحكم فى عموميته، أو ما تعلق بطبيعة المادة البشرية للحكم أى المحكومين.
ولا جدال فى أن باب الاجتهاد مفتوح أمام كل القادرين، ولكن هناك من يرى أن من الأمور اللازمة لضبط المصالح العامة ما يتصف بالخصوصية، التى تباعد بينها وبين العوام أو العامة، وعلى قمة هذه الأمور نظرية الإمامة الإسلامية، وخاصة ما تعلق بمسألة تمييز الإمام وتنصيبه، حيث يرى البعض أنه فرض على خاصة الأمة، بمعنى أنه ليس ضرويا ولا هو بالشرط اللازم اشتراك العامة واتفاقها، لأنها مهمة المؤهلين لإنجازها.
وربما كان الإمام الغزالى هو صاحب الصوت الأعلى الذى أكد هذا التمييز، فالأمة أو القاعدة الشعبية فى الإسلام تتألف من قوى شعبية هى الأمناء من العلماء، ثم سائر القاعدة من عوام المسلمين، والأولون عليهم واجب الشورى، والمساهمة فى الحكم، والقيام بالدعوة، وإقامة الشريعة والدين، بينما على الباقين واجب النصرة والنصح والطاعة فهو يقول "وإنما حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعايشهم ويتركوا العلم للعلماء" كما يقول "اعلم أن لكل صناعة أهلا يعرف قدرها ومن أهدى نفائس صنعه إلى غير أربابها فقد ظلمها" (2).
ومصداق ذلك قوله فى "أنه ليس مهما لجميع المسلمين بل لطائفة منهم مخصوصين ".
ولكن التضامن الإسلامى ينشأ بالأكثر، فضلا عن وحدة الإيمان، بسبب آخر هو فرض الكفاية أى الواجب الذى لا يكلف القيام به أحد بعينه، ولكنه تكليف على المسلمين جميعا.
وبذلك تبدو قضية الإمامة فرض عامة الأمة وواجبها، حتى بلغ الأمر حد القول بانعدام الإمامة ما لم يحصل الإجماع من الأمة على من ينصب إماما، وعلى ما نجد بصفة خاصة لدى أصحاب الطريقة المعروفة فى فقه الخلافة بطريقة العامة.
وأيا ما كان الرأى فإن التضامن الإسلامى خاصة فى ظروف المجتمع المتغير المعاصر إنما يحتاج أشد ما يحتاج إلى تضافر الرأى، والثقافه حول أهداف الأمة وغاياتها، وفى ظنى أن هذا مما يوجب المشاركة فى إبداء الرأى وتمحيصه، وما الشورى ذاتها والتى تعتبر أساس الحكم الصالح إلا فرض كفاية من هذا النوع الأصيل.
أ. د/محمود أبوزيد
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، مادة (عمم) 2/ 652.
مراجع الاستزادة:
1 - إحياء علوم الدين، لأبى حامد الغزالى.
2 - المضنون به على غير أهله، لأبى حامد الغزالى.
3 - مستهل الاقتصاد فى الاعتقاد، لأبى حامد الغزالى(1/436)
7 - العبادة
لغة: الخضوع والتذلل للغير لقصد تعظيمه، ولا يجوز فعل ذلك إلا لله، وتستعمل بمعنى الطاعة (1).
واصطلاحا: ذكروا لها عدة تعريفات متقاربة منها:
1 - هى عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف (2)
2 - هى الطاعة والتذلل، وطريق معبد إذا كان مذللا للسالكين (3).
3 - هى أقصى غاية الخضوع والتذلل (4).
4 - هى اسم لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال والأعمال الظاهرة والباطنة. وللعبادة مميزات:
1 - العبادة لا تصدر إلا عن وحى:
لما كان المقصود من العبادة تهذيب النفس بالتوجه إلى الله والخضوع له والانقياد لأحكامه بالامتثال لأمره؛ فلا تصدر إلا عن طريق الوحى: القرآن الكريم، والسنة النبوية، فقد ورد فى الصحيح: "من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (5).
أما الأمور العادية التى تجرى بين الناس لتنظيم مصالحهم الدنيوية، فالمقصود منها: التوجيه إلى إقامة العدل بينهم، ودفع الضرر، فيجوز فيهما الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص، لتحقيق العدل ودفع الضرر.
2 - اشتراط النية فى العبادات:
لا خلاف بين الفقهاء فى اشتراط النية فى العبادات لحديث: "إنما الأعمال بالنيات " (6). والحكمة فى إيجاب النية فيها: تمييز العبادة عن العادة، ولهذا قالوا: تجب النية فى العبادة التى تلتبس بعادة، فالوضوء والغسل يترددان بين التنظيف والتبرد والعبادة، والإمساك عن المفطرات قد يكون للحمية والتداوى، وقد يكون لعدم الحاجة إليه، وقد يكون للصوم الشرعى، والجلوس فى المسجد يكون للاستراحة ويكون للاعتكاف، ودفع المال للغير قد يكون صدقه تطوع وقد يكون فرض الزكاة؛ فشرعت النية لتمييز العبادة عن غيرها، والصلاة قد تكون فرضا أو نفلا، فشرعت النية لتمييز الفرض عن النفل.
أما التى لا تلتبس بعادة، كالإيمان بالله والخوف والرجاء والآذان والإقامة وخطبة الجمعة، وقراءة القرآن والأذكار فلا تجب فيها النية لأنها متميزة بصورتها (7).
3. هل تدخل النيابة فى العبادات؟
قسم الفقهاء العبادة إلى ثلاثة أقسام:-
1 - عبادة بدنية محضة.
2 - عبادة مالية محضة.
3 - عبادة مترددة بينهما.
فالعبادة البدنية المحضة كالصلاة والصوم والوضوء والغسل، فالأصل فيها امتناع النيابة، إلا ما أخرج بدليل كالصوم عن الميت، لأن المقصود من التكاليف البدنية الابتلاء والمشقة، وهى تحصل بإتعاب النفس والجوارح بالأفعال المخصوصة، وهو أمر لا يتحقق بفعل نائبه، فلم تجزئ النيابة إلا فى ركعتى الطواف تبعا للنسك فى الحج عن الميت أو المعضوب، ولو استناب فيهما وحدهما لم يصح.
أما الصوم عن الميت فيقبل النيابة لحديث ورد فيه عن ابن عباس- رضى الله عنهما: "جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: "يا رسول الله إن أمى ماتت وعليها صوم نذر" أفأصوم عنها؟ فقال: "أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان ذلك يؤدى عنها قالت نعم قال: فصومى عن أمك (8). "
أما العبادات المالية المحضة: كالصدقة والزكاة والكفارات والنذر والأضحية ونحو ذلك فتصح فيها النيابة، لأن الإمام لا يفرقها على المستحقين إلا عن طريق النيابة.
وأما العبادة المترددة بين المالية والبدنية: كالحج عن المعضوب أو الميت فتصح فيها النيابة.
ويجوز للإنسان أن يجعل ثواب ما فعله من عبادة لغيره وهذا محل اتفاق فى العبادات غير البدنية المحضة كالصدقة والدعاء والاستغفار والوقف عن الميت وبناء المسجد عنه والحج عنه.
واختلف العلماء فى العبادات البدنية المحضة كالصلاة وتلاوة القرآن فقال الحنفية والحنابلة: له أن يجعل ثواب عبادته لغيره؛ لأنه وردت أحاديث صحيحة فى الصوم والحج والدعاء وهى عبادات بدنيه. وقال الإمام الشافعى: لا يفعل عن الميت الصلاة عنه قضاء أو غيرها وقراءة القرآن لقوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} (النجم 39) وهو مذهب المالكية، وحكى النووى من الشافعية وجها أن ثواب القراءة يصل إلى الميت (9).
أ. د./ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - المصباح المنير 2/ 389.
2 - تفسير القرآن العظيم، ابن كنير 1/ 25دار الحديث، القاهرة.
3 - الجامع لأحكام القرآن القرطبى 1/ 192.
4 - روائع البيان فى تفسير أيات الأحكام للصابونى 1/ 27.
5 - أخرجه البخارى فى كتاب الصلح "باب اذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود"، فتح البارى بشرح صحيح. . البخارى 5/ 355.
6 - أخرجه البخارى فى كتاب بدء الوحى "باب كيف كان بدء الوحى الى رسول الله " فتح البارى بشرح صحيح البخارى. 1/ 15.
7 - مغنى المحتاج 1/ 47، الأشباه والنظائر للسيوطى ص 12، حاشية ابن عابدين1/ 237كشاف القناع 2/ 260.
8 - أخرجه مسلم فى كتاب الصوم "باب قضاء الصوم عن الميت "صحيح مسلم بشرح النووى8/ 24 وما بعدها.
9 - مغنى المحتاج 3/ 69، حاشية القليوبى على المحلى3/ 175، وما بعدها، جواهر الإكليل 1/ 163(1/437)
8 - العباسيون
العباسيون: هم أبناء عباس (1) بن عبدالمطلب القرشى الهاشمى، عم النبى صلى الله عليه وسلم وكافله بعد أخيه أبى طالب وصاحب السقاية والعمارة.
ولد قبل النبى عليه الصلاة والسلام بسنتين، ودخل فى دينه قبل هجرته إلى المدينة، وكان يكتم إسلامه بناء على توجيه منه صلى الله عليه وسلم، وقد شهد العقبة الثانية ليستوثق لابن أخيه من الأنصار، وشهد معه مشاهدكثيرة، منها: فتح مكة، وغروة حنين، والطائف، وغروة تبوك، وعاش صلى الله عليه وسلم حتى شارك فى دفن الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه، وتوفى سنة اثنتين وثلاثين هجرية ستمائة واثنتين وخمسين ميلادية، وله من العمر ثمان وثمانون سنة، بعد أن أدرك خلافة الشيخين، والشطر الأكبر من خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه الذى صلى عليه وشارك فى دفنه.
والعباس (2) وإن كان أقرب إلى النبى صلى الله عليه وسلم من علىّ كرم الله وجهه، فإنه لم يستشرف للخلافة، لعدم توافر شرطها الأساسى فيه وهو السبق إلى الإسلام، ووقف بجانب على رضى الله عنه يؤيده ويحضه على المطالبة بحقه ونسج على هذا المنوال نفسه أبناؤه العشرة من بعده، وهم:
1 - الفضل، وبه كان يكنى.
2 - عبدالله.
3 - عبيدالله.
4 - قثم.
5 - عبدالرحمن.
6 - معبد.
7 - الحارث.
8 - كثير.
9 - عون.
10 - تمام.
فأطاعوا عليا، وشاركوا فى حكومته ومعاركه التى دارت رحاها بينه وبين معاوية ابن أبى سفيان، ولما مالت كفة الصراع إلى غير صالحه أخذوا يتوجهون إلى الأمويين، ففارقه (3) عبدالله مستقيلا من البصرة، وفارق أخوه عبيدالله ولده الحسن، وآوى إلى معاوية.
ولما تنازل الحسن رضى الله عنه عن الخلافة، ونزل أخوه الحسين على إرادته، اعتقد العباسيون أن حقهم فيها قد سقط، وأنهم وحدهم صاروا أصحاب هذا الحق، فهادنوا الأمويين ونالوا جوائزهم، وفى الوقت نفسه راحوا يعدون أنصارهم للدعوة إليهم وأخذه عنوة من الأمويين وكانوا ينتظرون ثلاث علامات (4)، إحداها: هلاك الطاغية يزيد بن معاوية، والثانية: مجىء العام المكمل للمائة، والثالثة: قتل يزيد ابن أبى مسلم وانتفاض البربر.
ولما تم لهم ما أرادوا أخذوا فى الدعوة إلى أنفسهم وفق برنامج غاية فى الدقة والعمق، فجعلوا للدعوة مراكز ثلاثة: الحميمة، وفيها يقيم الإمام، والكوفة، وفيها يقيم نائبه الأول على العراق، وخراسان، وفيها يقيم نائبه الثانى وأتباعه من الدعاة والنقباء، وكان الاتصال بين هذه المراكز مرتبا ترتيبا دقيقا، إذ تخرج التوجيهات من الإمام فى الحميمة إلى نائبه فى الكوفة، ومنه إلى نائبه الثانى فى خراسان، ولكى لا يخفى على الإمام شىء من أخبار الدعوة وأسرارها فإنه كان يلتقى فى موسم الحج من كل عام بنائبيه فى العراق وخراسان والدعاة السبعين ونقبائهم الاثنى عشر، الذين كان ثمانية منهم من العرب وأربعة من الموالى.
كانت الدعوة فى بدايتها للرضا من أهل البيت، وذلك حتى لا يشغب أبناء فاطمة على العباسيين ويجهضوا دعوتهم قبل أن تبلغ الهدف وتدرك الغاية.
تبقى المراحل التى عبرتها الدعوة حتى أتت أكلها وهى المرحلة السرية: وكانت أطولها فقد بدأت سنة مائة وانتهت سنة مائة وتسع وعشرين.
أما المراحل الخمس الأخرى هى:
1 - الجهرية.
2 - المواجهة المسلحة.
3 - الفتح.
4 - قيام الدولة.
5 - الانتقام.
وقد مرت عبرثلاث سنين ما خلا مرحلة الانتقام فقد استغرقت خلافة السفاح، وهو أول من بويع له بالخلافة من بنى العباس.
وقد حكمت الخلافة العباسية العالم الإسلامى من سنة مائة واثنتين وثلاثين هجرية سبعمائة وتسع وأربعين ميلادية إلى سنة ستمائة وثمان وخمسين هجرية الف ومائتين وستين ميلادية.
حيث سقطت على أيدى المغول، الذين خربوا بغداد، وألقوا ما فى مكتباتها فى دجلة، وحرموا العالم من تراث علمى وفنى، لو أنه بقى لغير وجه الدنيا، وعدل مسار التايخ.
والذى يستعرض إنجازات هذه الخلافة يلاحظ أنها رفعت صرح الحضارة الإسلامية، ونشرت أضواءها شرقا وغربا، ففيها ترجمت إلى العربية ما تفتقت عنه العقول البشرية من الآداب، والعلوم، والفنون، وفيها ازدهرت النهضة الفقهية والمذهبية التى لم ير العالم لها نظيرا من قبل ولا من بعد.
وبعد، فهؤلاء هم العباسيون وهذه هى دولتهم التى رعت الحضارة، ورفعت ألوية المدنية، وأخرجت العالم كله من ظلام الجهل إلى نور العلم.
أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1 - أسد الغابة لابن الأثير 4/ 315 ط دار الشعب.
2 - تاريخ الخلفاء للسيوطى، ص 166، تحقيق أ/محمد محى الدين عبدالحميد، ط السعادة، القاهرة.
3 - تاريخ الرسل والملوك للطبرى 5/ 163 - 164 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط4 دار المعارف القاهرة.
4 - دور العباسيين فى طلب الخلافة أ. د/عبدالعزيز غنيم، ص 22 ط1 دار الوفاء القاهرة 1403هـ-1983م(1/438)
9 - عبدة الشيطان
الحبادة الإبليسية عرفتها البشرية منذ القدم بصور مختلفة وليست مجرد ظاهرة تظهر فى بلاد الغرب أو فى الشرق من حين إلى آخر.
ولكى نلقى الضوء على هذه المسألة من بدايتها نقف أمام قول الحق تبارك وتعالى: {إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خيرمنه خلقتنى من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتى إلى يوم الدين قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} ص:71 - 85.
فى هذه الآيات نرى انطلاق الغواية والصراع بين آدم وذريته وبين إبليس وذريته إلى يوم القيامة.
لكن سير الغواية كان فيما أشارت إليه الآيات: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أوتكونا من الخالدين} الأعراف:19 - 20.
ثم يأتى التعبير القرآنى ليبين نتيجة الغواية: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقرومتاع إلى حين} البقرة:36.
وبعدها تأتى رحمة الله لآدم ولذريته من بعده فى نافذة التوبة: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} البقرة:37.
وبقيت غواية إبليس الذى يترصد لذرية آدم إلى أن تقوم الساعة فى أهم مهام بنى آدم وهى العبادة الحقة لله سبحانه وتعالى والاستخلاف وتعمير الكون.
وانطلقت البشرية فى اتخاذ المعبودات المضلة التى نذكر منها: عبدة الشمس وعبدة الأصنام، وهناك من عبد النار سواء فى الهند أو عند الفرس ومن قدس الأنهار والمياه وعبد الأفعى، وكان القدماء المصريون يقدمون القرابين للنيل من الشابات الجميلات.
كما كانت هناك حيوانات تعبد على أنها آلهة فى ذاتها ولها معابد خاصة مثل العجل "منفيس" والعجل "أبيس" وفى عهد الاغريق دخلت إلى مصر فى عبادة الأبطال من الرجال.
وهناك من عبد الكواكب مثل الصابئة الذين كان لهم أكبر الأثر فى فرقة اليزيدية.
على أن حصر العبادات المختلفة لدى البشرية وغواية إبليس للإنس على مر العصور والحضارات أمر يجل عن الحصر ومن أشهر الطوائف التى عرفت فى العالم الإسلامى هم فرقة "اليزيدية" أو عبدة الشيطان وهم طائفة ينتمى معظمها إلى الجنس الكردى، ويوجد بعض منهم فى إيران ومعظم هذه الطائفة يسكن المدن والقرى ويشتغل بالزراعة إلا أن بعضها لايزال فى طور البداوة ويؤلف قبائل رحالة تدعى "الكوجر".
وترتبط عقيدتهم بطاووس ملك وهو "الشيطان" أو "إبليس" ولهم كتابهم المقدس "مصحف رش" الذى يحتوى على قصة الخلق وعقائد اليزيدية مما حلل أو حرم عليهم.
وعبادة الشيطان مسألة تتجدد وتنمو مع ظهور الفساد والرغبة فى الانطلاق من قيود وضوابط الأديان وهى مسألة تنمو وتزدهر من حين إلى آخر سواء فى بلادنا العربية والإسلامية أو فى الغرب مما يفزع له أصحاب القيم الحريصون المؤمنون بالعقائد والأديان.
وهذه العبادة يوجد لها كنائس ورواد وطقوس من كل لون وفن لإغواء الشباب وتلبية حاجاتهم الغريزية بفنون وطقوس وكهنة وحاخامات يزينون لهم هذه الغواية، وصدق الحق تبارك وتعالى إذ يقول: {يابنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} الأعراف:27.
أ. د/آمنة محمد نصير
__________
مراجع الاستزادة:
1 - عبادة الشيطان أ. د/آمنة نصير، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
2 - الملل والنحل للشهرستانى(1/439)
10 - العثمانيون
العثمانيون نسبة إلى عثمان مؤسس دولتهم التى حكمها 36 سلطانا واستمرت 624 سنة ونيفا ينتسبون إلى قايى من قبائل الغز، ثم شاعت صفة عثمانى على كل مواطن ينتمى إلى دولتهم العثمانية بصرف النظر عن دينه وثقافته وعرقه كونوا إمارة ثغر تابعة لدولة سلاجقة الروم فى الأناضول على حدودها مع الدولة البيزنطية ثم استقل أميرها عثمان عام 699هـ-1299م وأسس إمارته على العلم والفتوحات. وفى عهده برز الشاعر عاشق باشا أول شعراء العثمانيين.
ثم توسع عثمان بالغرو والجهاد على حساب البيزنطيين، ولما مات خلفه ابنه أورخان الذى اتخذ من مدينة بورصة عاصمة سياسية وثقافية. واتبع أورخان سياسة أبيه فى نشر العلم وفى الفتح، ووصل إلى مضيق الدردنيل. ومن أبرز شعراء عصره سليمان جلبى صاحب قصيدة المولد.
وتولى مراد بن أورخان الإمارة العثمانية والتى تمتد بين الأناضول والبلقان، وفى عهده تأسست فرقة الإنكشارية أول جيش نظامى فى العالم، وفتحت أدرنة من أكبر المدن البيزنطية 764هـ-1362م، وظلت عاصمة للعثمانيين حتى عام 857هـ-1453م وأنجب عصره الشاعر نسيمى الذى نشأ فى العراق العثمانى، ونظم بالتركية فى لهجتها الآذرية. وانتصر مراد على تحالف القوى الأوربية ضده فى معركة قوصوه (كوسوفا) إلا أنه استشهد عقبها.
وفى عهد ابنه بايزيد الصاعقة انتهى عهد الإمارة لتتحول رسميا إلى سلطنة الخليفة العباسى فى القاهرة بتنصيبه بايزيد سلطانا على الروم إلا أن هزيمته أمام تيمور لنك فى موقعة أنقرة 805هـ-1402م تسببت فى تفرق الدولة مدة إحدى عشر عاما، بعدها لم ابنه السلطان محمد الأول شمل الدولة من جديد. وهو الذى اعتنى بالتوحيد السياسى وبالمعرفة وظهر فى عهده شيخى الشاعر المجدد صاحب خرنامة آما ثم جاء السلطان مراد الثانى وبعده محمد الثانى الذى لقب بالفاتح لفتحه القسطنطينية (استانبول) عام 857هـ-1453م واتخاذها عاصمة. وبه انتهى رسميا وجود الدولة البيزنطية وبدأ عهد الدولة الحديثة فى أوربا. وبه أيضا بدأ التاربخ الحديث.
واشتهرالفأتح كقائد عسكرى وشاعر وأديب وراع للفنون والأدب، فبالإضافة إليه نفسه كشاعر صاحب ديوان نجد فى عهده العالم آق شمس الدين، الذى عرف الميكروب وكتب عن السرطان، والشاعر أحمد باشا وكذلك سنان باشا رائد النثر التركى العثمانى، والشاعرتين مهرى خاتون وزينب خاتون. وإذا كان الأمير عثمان المؤسس مات عن إمارة تبلغ 800 كم2 فقد توفى الفاتح عن دولة 2.000.000كم2 أى مدى 154 سنة فقط بين الاثنين.
وإذا كانت الفتوحات العثمانية قد توقفت فى عهد بايزيد الثانى ابن الفاتح إلا أن سليم الأول الذى كان شاعرا فى لغته العثمانية وله ديوان بالفارسية وظهر فى عهده العالم اللغوى الفقيه المؤرخ ابن كمال، أعاد سليم حركة الفتوحات مرة أخرى بضمه مصر والبلاد العربية إلى الدولة. وبسليم تحولت الدولة من سلطنة إلى سلطنة وخلافة استمرت حتى عام 1342هـ-1923م تخللها الذروة التى وصلت فيها الدولة على عهد سليمان القانونى عصرها الذهبى من حيث توسع الدولة وسيطرتها على أوربا، ومن حيث الثقافة والفنون والأدب، فالقانونى نفسه كان أول شعراء عصره الذى أنجب فضولى أمير الشعر التركى القديم، ولامعى الشاعر، وخيرالدين باريماروس القائد البحرى، وبيرى رئيس العالم صاحب كتاب البحرية، والمعمار سنان بانى جامع السليمانية فى أدرنة قمة الفن الإسلامى المعمارى، والذى استخدم قبة الجامع التى لا تستند على أعمدة وإنما على أنصاف قباب، ثم أرباع قباب، ثم الجدار وفى ذلك توسعه لمساحة الجامع.
وفى عهد سليمان قضى على نشاط فرسان القديس يوحنا بعد الفتح العثمانى لجزيرة رودوس أما هو نفسه فقد قاد 13 حملة عسكرية بدات بفتح بلغراد وانتهت بحصار قلعة سيكتوار عام 974هـ-1566م والذى مات عن 73 سنة وهو على فرسه يحاصرها، تاركا لابنه سليم الثانى دولة بلغت مساحتها 13.000.000 كم2.
وبعد قرن كامل من الوصول إلى الذروة حكم خلاله عدة سلاطين أبرزهم سليم الثانى، ومراد الثالث، الذى ظهر فى عهده المورخ خوجه سعد الدين، صاحب كتاب تاج التواريخ وأول المؤرخين الرسميين، فتح فيه العثمانيون روسيا ووصلوا إلى مشارف موسكو لكنهم فشلوا فى حصار مدينة فيينا وعندها سقطت عنهم صفة "المنتصرون دائما"، بدأت فترة التوقف التى بدأ فيها العثمانيون فقد أراضيهم لصالح الأوربيين مثل المجر وترانسلفانيا، بموجب معاهدة كارلو فجه فى نهاية القرن الثامن عشر الميلادى، أما فى معاهدة كوجوك قاينارجه بعد ذلك فقد بات واضحا هزيمة العثمانيين أمام روسيا فبدات فترة الانهيار مما جعل الدولة تبدأ مرحلة التجديد لاستعادة القوة، وهى التى بدأت بعبد الحميد الأول، وبرزت فى عهد سليم الثالث صاحب "النظام الجديد" نظرا لإحلاله النظم الأوربية الحديثة محل العثمانية القديمة فى الجيش والإدارة ومظاهر الحياة، مما أثار عليه جنود الإنكشارية فعزلوه وقتلوه.
نشطت الحركة الثقافية فى عهده وترجم عاصم، قاموس برهان قاطع من الفارسية.
ومن علماء عصره خوجه إسحق عالم الهندسة، ومصطفى بهجت عالم الطب جاء بعد محمود الثانى الذى هيأ الدولة لتجديد أوسع على النمط الأوربى مثلما فعل واليه على مصر محمد على باشا، مما سهل على ابنه عبد المجيد إعلان "التنظيمات" رسميا وذلك يعنى إعادة تنظيم شئون الدولة العثمانية على أسس أوربية وجعل الفرنسية لغة الثقافة تولى بعده مراد الخامس ثم عبد الحميد الثانى الذى تولى والدولة فى غاية ضعفها، مما أطمع فيها دول أوربا وبضغط من النخبة الحاكمة كرجال دولة والمثقفة على أسس غربية أعلن قيام النظام النيابى،"مجلس المبعوثان"، إلا أن هذه النخبة دفعت الدولة إلى الحرب العثمانية الروسية رغما عن إرادة السلطان وبنكبة هذه الحرب ألغى السلطان العمل بالنظام النيابى واهتم بالشئون الثقافية والدينية والعلمية طوال عهده 33 عاما وصلت فيه الثقافة والفنون والنظم التعليمية إلى درجة عالية وظهر فى عهده أساطين الأدب والفكر والفن منهم:
نامق كمال، أول دعاة الجامعة الإسلامية، وضيا باشا، وعبدالحق حامد وتوفيق فكرت لكن الجيش بقيادة حزب الاتحاد والترقى أجبر السلطان عبدالحميد على ترك العرش عام 1327هـ-1909م ليحل محله السلطان محمد رشاد بتوجيه الاتحادين الذين أدخلوا الدولة فى حرب البلقان وإيطاليا ثم بمغامرة عسكرية منهم دون علم السلطان والصدر الأعظم أشركوا الدولة فى الحرب العالمية الأولى التى خرجت منها منهارة وقامت على أنقاضها دولة تركيا فى 29 أكتوبر 1342هـ-1923م.
أ. د/محمد حرب
__________
مراجع الاستزادة:
1 - فى أصول التاريخ العثمانى، أحمد عبدالرحيم مصطفى، ط2، القاهرة 1993م.
2 - حقائق الأخبار عن دول البحار، إسماعيل سرهنك، القاهرة1895م.
3 - مصر العثمانية، جرجى زيدان، تحقيق محمد حرب، القاهرة 1994.
4 - حاضر العالم الإسلامى، شكيب أرسلان، ترجمة عجاج نويهض، بيروت، 1973م.
5 - الدولة العثمانية، محمد حرب، الجزء الثامن من موسوعة سفير للتاريخ الإسلامى، القاهرة 1996م.
6 - السلطان عبدالحميد، محمد حرب، دمشق 1990م.
7 - تاريخ الدولة العلمية العثمانية، محمد فريد، القاهرة 1912(1/440)
11 - العُدة
لغة: الاستعداد والتأهب، والعُدة: ما أعددته من مال أو سلاح أو غير ذلك، والجمع
عدد، وأعددته إعدادا هيأته وأحضرته (1).
واصطلاحا: ما يحتاج إليه المجاهدون من الزاد والراحلة والسلاح (2) تعالى {ولو أرادوا الخروج لا عدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين} (التوبة 46).أى (3) لو أرادوا الجهاد لتأهبوا أهبة السفر، فتركهم الاستعداد دليل على إرادتهم التخلف، ولكن كره الله خروجهم معك، فحبسهم عنك وخذلهم، لأنهم قالوا: إن لم يؤذن لنا فى الجلوس أفسدنا وحرضنا على المؤمنين، ويدل على هذا قوله تعالى {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} (التوبة 47).
العُدة أى الاستعداد للحرب: فريضة تلازم فريضة الجهاد، فالحرب بلا عدة إلقاء للنفس إلى التهلكة، والعدة للحرب فى سبيل إعلاء كلمة الله بأنواعها فرض على المسلمين، ويكون ذلك بإعداد السلاح، والتدريب على استعماله وعلى الرمى، لقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} (الأنفال 60) الآية تدل على أن الاستعداد للجهاد بتعلم الفروسية واستعمال الأسلحة فرض كفاية وقد يتعين، وقد ورد لفظ القوة فى الآية الكريمة مطلقا بغير تحديد ولا تقييد، فهو يتسع ليشمل كل عناصر القوة ماديا ومعنويا وما يتقوى به على حرب العدو، وكل ما هو آلة للجهاد فهو من جملة القوة، وقد تركت الآية تحديد القوة المطلوبة، لأنها تتطور تبعا للزمان والمكان، وحتى يلتزم المسلمون. بإعداد ما يناسب ظروفهم من قوة يستطيعون بها إرهاب العدو.
وقد فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القوة بالرمى (ألا إن القوة الرمى) (4) وكرر هذه الجملة ثلاث مرات للتأكيد والترغيب فى تعلمه وإعداد آلات الحرب، وهو أهم فنون القتال حيث إن الرمى أعلى المراتب فى استعمال السلاح.
قال القرطبى (5): إنما فسر القوة بالرمى-
وإن كانت القوة تظهر بإعداد غيره من آلات الحرب- لكون الرمى أشد نكاية فى العدو وأسهل مؤنة، لأنه قد يرمى رأس الكتيبة فيهزم من خلفه.
فيحمل معنى الآية هنا على الاستعداد للقتال بجميع ما يمكن من الآلات كالرمى بالنبل والسيف وتعلم الفروسية، واتفاق الكلمة والثقة بالله، ويشمل فى عصرنا الرمى
بالدبابات والطائرات والغواصات والصواريخ، وإنما ذكرهذا هنا لأنه لم يكن له استعداد تام فى بدر فنبهوا على أن النصر بدون استعداد لا يتأتى فى كل زمان، ودلت الآية على أن وجود القوة الحربية اتقاء بأس العدو. وخص رباط الخيل بالذكر مع أن الأمر بإعداد القوة فى الآية يتناول جميع ما يتقوى به للحرب، لأنها الأدوات التى كانت موجودة عندهم ولو أمرهم بأسباب غير معروفة لديهم ولا يطيقون إعدادها لكان تكليفا بما لا يطاق.
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - المصباح المنير 2/ 396
2 - فتح القدير للشوكانى 2/ 459.
3 - الجامع لأحكام القرآن، القرطبى 4/ 3081
4 - أخرجه مسلم فى كتاب الإمارة "باب فضل الرمى والحث عليه وذم من علمه ثم نسيه " صحيح مسلم بشرح النووى 13/ 64.
5 - تفسير القرطبى 4 وما بعدها، التفسير الكبير للرازى 15/ 185 الطبعة الأولى، أحكام القرآن. . للجصاص4/ 252 وما بعدها(1/441)
12 - العِدَّة
لغة: أيام أقراء المرأة وهى مأخوذة من العد والحساب، وقيل: تربصها المدة الواجبة عليها، والجمع عدد، وهى مأخوذة من العدد لاشتمالها على العدد من الأقراء أو الأشهر غالبا. (1)
وقال الجرجانى: العدة تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهته (2)
واصطلاحا: هى اسم لمدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها. أو للتعبد أو لتفجعها على زوجها (3).
اتفق الفقهاء على مشروعية العدة ووجوبها على المرأة عند وجود سببها، واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة والإجماع:
(أ) أما الكتاب فمنه قول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (البقرة 228) وقوله تعالى: {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} (الطلاق 4) وقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة 234).
(ب) وأما السنة: فمنها: ما ورد عن أم عطية عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت. فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا (4). وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب. العدة فى الجملة (5).
وتجب العدة على المرأة بالفرقة بين الزوجين بعد الدخول بسبب الطلاق أو الموت أو الفسخ أو اللعان، كما تجب بالموت قبل الدخول وبعد عقد النكاح الصحيح.
وأما الخلوة: فقد اختلف الفقهاء فى وجوب العدة بها:
فعند الحنفية والمالكية والحنابلة: تجب العدة على المطلقة بالخلوة الصحيحة فى النكاح الصحيح دون الفاسد. أما الفاسد فلا تجب فيه إلا بالدخول.
وعند الشافعية: أن العدة لا تجب بالخلوة المجردة عن الوطء.
وقد شرعت العدة لمعان وحكم اعتبرها الشارع. منها:
العلم ببراءة الرحم، وأن لا يجتمع ماء الواطئين فكثر فى رحم واحد فتختلط الأنساب وتفسد، ومنها: تعظيم خطر الزواج ورفع قدره وإظهار شرفه، ومنها: تطويل زمان الرجعة للمطلق لعله يندم ويفيء فيصادف زمنا يتمكن فيه من الرجعة، ومنها قضاء حق الزوج وإظهار تأثير فقده فى المنع من التزين والتجمل. ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد، ومنها: الاحتياط لحق الزوج ومصلحة الزوجة وحق الولد والقيام بحق الله الذى أوجبه، ففى العدة أربعة حقوق، وقد أقام الشرع الموت مقام الدخول فى استيفاء المعقود عليه. فليس المقصود من العدة مجرد براءة الرحم بل ذلك من بعض مقاصدها وحكمها (6)
وأنواع العدد فى الشرع ثلاثة:
1ـ عدة القروء.
2 ـ عدة الأشهر.
3 ـ عدة وضع الحمل.
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - المصباح المنير 2/ 396.
2 - التعريفات للجرجانى ص 129.
3 - مغنى المحتاج 3/ 384، بدانع الصنانع 3/ 190 وما بعدها، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/ 468 المغنى لابن قدامة 11/ 194.4 - أخرجه البخارى فى كتاب الحيض "باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، فتح البارى بشرح صحيح البخارى 1/ 492.
5 - المغنى لابن قدامة 11/ 193.
6 - إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 2/ 66(1/442)
13 - العدد
لغة: الإحصاء. (عدَّه): يَعُده حسبه
وأحصاه. (أعتد): صار معدوداً (العديد): المعدود. (أيام عديدة): أى معدودة. (العِدَّة): الجملة من الأشياء.
واصطلاحا: يشير إلى تعداد (أو مجموع) بضعة أشياء، وتسمى الأعداد من هذا النوع أعدادا أصلية. وأحيانا تشير الأعداد إلى مواقع الأشياء فى قائمة مرتبة، فتسمى أعداد ترتيبية.
كانت مجموعة الأعداد الأصلية تحتوى على الأعداد الطبيعية (أى الصحيحة الموجبة فقط)، ثم امتدت لتشمل أنواعا جديدة أمكن تصورها، فأضيفت الأعداد السالبة والصفر، فتكونت مجموعة "الأعداد الصحيحة". ثم أضيفت الكسور، فصار لدينا مجموعة الأعداد الجذرية"، ثم أضيفت الأعداد الصماء، وهى التى لا يمكن كتابتها على هيئة كسور بسيطة، مثل: (2) 1/ 2 (4) 1/ 3، فصار لدينا ما يسمى "الأعداد الحقيقية "، ثم جاءت إضافه مهمة إلى فكرة الأعداد، وهى الأعداد التخيلية (التى تحتوى على (-1) 1/ 2)
والنظام العشرى طريقة مبسطة لكتابة القيم الحقيقية أو التقريبية للأعداد الموجودة فى نظام الأعداد الحقيقية، ومع أن بعض الكسور البسيطة مثل 1/ 3 ليس لها مقابل عشرى، إذ نلاحظ تكرارا لا ينتهى فى الأرقام إلا أن قيمتها معروفة.
مثال آخر 2/ 7 = 00000 285714 و (2857714و).
أما الأعداد الصماء مثل (2) 1/ 2، فنجد أنها إذا وضعت على هيئة كسر عشرى فإن هذا لا ينتهى ولا تتكرر أرقامه، فيكتفى بالتقريب المطلوب.
وألفاظ العدد من ثلاثة إلى تسعة فى اللغة العربية تكون على عكس المعدود فى التذكير والتأنيث سواء كانت مفردة كسبع ليال وثمانية أيام أو مركبة كخمسة عشر بيتا وست عشرة دولة. أو معطوفا عليها. كثلاثة وعشرين كرسيا وأربع وعشرين ناقة.
أما واحد واثنان فهما وفق المعدود فى الأحوال الثلاثة تقول فى المذكر واحد، وأحد عشر. وواحد وثلاثون. واثنان واثنا عشر واثنان وثلاثون. وفى المؤنث واحدة وإحدى عشرة وإحدى وثلاثون واثنتان واثنتا عشرة واثنتان وثلاثون.
وأما مائة وألف فلا يتغير لفظهما فى التذكير والتأنيث. وكذلك ألفاظ العقود كعشرين وأربعين إلا عشرة، فهى على عكس معدودها إن كانت مفردة كعشرة رجال وعشر نسوة، وعلى وفقه إن كانت مركبة كخمسة عشر رجلا وخمس عشرة امرأة.
ثم إذا انتقلنا إلى الإعجاز العددى للقرآن الكريم، الذى يعد دليلا على وجود الموحى ورسالة الموحى إليه، فسيجد كل باحث ودارس فى هذا الكتاب العظيم من أوجه الإعجاز العددى تساويا .. أو تناسبا .. أو توازنا آية جديدة ومعجزة فريدة. ونورد هنا بعضا من هذا الإعجاز فقد ورد لفظ محمد - صلى الله عليه وسلم - مكررا فى القرآن الكريم 4 مرات وهو بذلك يتساوى فى العدد على مرات ذكر روح القدس، وأيضا الملكوت، وكذلك السراج ويتساوى بذلك مع الشريعة بكل مشتقاتها. إذ وردت بلفظ شريعة مرة واحدة فى النص الكريم] ثم جعلنا ك على شريعة من الأمر [
(الجاثية18) كما وردت بلفظ شرع فى النص الشريف: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك} (الشورى13).
ومرة بلفظ شرعوا فى قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}
(الشورى 21) وكذلك بلفظ شرعة فى النص الكريم] لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا [
(المائدة 48). وبذلك يتساوى عدد مرا ت ذكر محمد بعدد مرات ذكر روح القدس، وعدد مرات ذكر الملكوت، وعدد مرات ذكر السراج، وعدد مرات ذكر الشريعة.
هذه مجرد لفتة إعجازية سريعة، تشير إلى محمد والشريعة، وهناك مئات الإشارات العددية الأخرى تنبئ عن أسرار مدهشة تكشف عن توافقات علمية كا لعدد الذرى والعدد الكتلى يقف الإنسان إزاءها ذاهلا.
وتتوالى الأنباء عن محاولات جادة ودراسات فذة لتوسيع رقعة البحث فى الإعجاز العددى للقرآن الكريم فى كل جامعات العالم بأحدث أجهزة العد والحصر.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - المؤسسة الثقافية ص 658، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، مطابع دار الشعب، 1972 م.
2 - الإعجاز العددى للقرآن الكريم، عبد الرزاق نوفل، جـ3 (الطبعة الثانية) 1976.(1/443)
14 - العدم
لغة: العَدَم، العُدْم، العُدُم فقدان الشيء وزواله، يقال: عَدَمه يعدمه عُدْما وعَدَما فهو عَدم، ومنه أعدم الرجل إذا افتقر وأصبح ذا حاجة ورجل معدم يعنى أنه فقير.
واصطلاحا: سلب الوجود عما من شأنه أن يكون موجودا، والعدم يقابله الوجود، وهما نقيضان (ولا يقال ضدان) لا يجتمعان معا، ولا يرتفعان معا عن الشيء الواحد فى زمان واحد ولابد للشيء من واحد منهما، فهو إما أن يكون معدوما أو موجودا.
وقيل: العدم نفى الشيئية عما من شأنه أن يكون شيئا.
العدم ليس بذات موجودة على الإطلاق، ولا معدومة على الإطلاق، بل هو ارتفاع الذات الوجودية بالقوة. هكذا يعرفه ابن سينا، وعند ابن رشد: لا يوجد العدم مطلقا عن الإضافة لأنه ليس هناك عدم مطلق دائما، وإنما يوجد العدم مضافا إلى شيء معدوم، فيقال عدم الخير شر، عدم الحركة سكون.
وعند المعتزلة العدم ذات عارية عن الوجود قبل كون العالم ووجوده بالفعل، والعدم شيء والشيئية صفة ثابتة للعدم، ولذلك هم يقولون بشيئية المعدوم، ويسميها ابن عربى الصوفى الشهير "بالأعيان الثابتة".
ويقصدون به خلو الشيء عن الصفات التى كانت موجودة فيه، أو ليست موجودة بالفعل
لكنها موجودة بالقوة. كالعمى والسكون والموت بالنسبة للإنسان.
والعدمية نظرية نادى بها "فور غياس" وهى تعنى أنه ليس يوجد شيء على الإطلاق وبرهن على ذلك بما يأتى:
1 - لا يوجد شيء على الإطلاق.
2 - إذا كان هناك شيء فالإنسان قاصرعن إدراكه.
3 - إذا أدركه الإنسان فلن يستطيع أن يبلغه لغيره من الناس، كما هو عليه فى نفس الأمر، ولكن كما يحسه هو.
والعدمية نظرية فلسفية تقوم على إنكار القيم الأخلاقية، ويرون أن الأخلاق- القيم الأخلاقية والظواهر الأخلاقية- لا وجود لها فى ذاتها، ولكن المجتمعات هى تخترعها، وليس هناك وجود ذاتى لما يسمى قيمة خلقية، وإنما هناك تفسير إنسانى لظواهر سلوكية. العدم نقص والوجود كمال، عدم كل شيء شر له من وجوده، العدمى خلو الشيء عن صفات كماله.
العدمية نزعة فلسفية تقوم على النفى المطلق للحقائق الثابته على الإطلاق.
أ. د / محمد السيد الجليند
__________
المراجع
1 - النجاة لابن سينا دار الأوقاف الحديثة، بيروت.
2 - تهافت التهافت لابن رشد.
3 - تفسير ما بعد الطبيعة لابن رشد.
4 - شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ..
5 - رسالة الحدود لابن سينا.
6 - التعريفات للجرجانى ط الحلبى.
7 - لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت.
8 - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشرى دار الريان للتراث. القاهرة – دار الكتاب العربى بيروت.
9 - المعجم الفلسفى جـ 2 مجمع اللغة العربية.
10 - المعجم الفلسفى مراد وهبة دار الثقافة.
11 - أساس الاقتباس للطوسى.(1/444)
15 - عذاب القبر
اصطلاحا: من السمعيات التى ورد بها الشرع، ويجب على المسلم الإيمان بها "نعيم القبر وعذابه "- فى حياة تسمى بحياة "البرزخ " وهى ما بين الموت والبعث.
وقد تضافرت الأدلة من القرآن الكريم والسنة وإجماع الأمة علّى أن "القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار"- وهذا حديث نبوى متواتر المعنى- وفى القرآن الكريم يقول الله تعالى فى "آل فرعون" {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} (غافر 46) أى قبل يوم القيامة- وذلك إنما يكون فى القبر، بدليل قوله تعالى عقب ذلك: {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (غافر 46)؛ وفى حق قوم نوح - عليه السلام - {أغرقوا فأدخلوا نارا} (نوح 25) ومعلوم أن الفاء للتعقيب؛ وقوله: {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} (غافر 11) فالإماتة الأولى تقع فى الدنيا، والثانية تقع عند النفخة الأولى فى الصور، والإحياء الأول يكون فى الدنيا قبل الموت، والإحياء الثانى يكون فى حياة البرزخ فى القبر حيث النعيم أو العذاب؛ وقد ترك ما فى الآخر من إحياء لأن القائلين "ربنا .. الخ " يشاهدون ذلك ويعاينونه عند مقالتهم تلك- كما تواتر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - استعاذته من عذاب القبر، والأحاديث فى هذا الباب كثيرة.
وقد أنكر نعيم القبر وعذابه فريق ممن ينتسبون إلى الإسلام ـ وقد نسب ذلك إلى " المعتزلة " ولكن هذا ادعاء باطل فالمعتزلة لا ينكرون نعيم القبر وعذابه، إنما الذى أنكر ذلك هو ضرار بن عمرو ـ وهو ليس من المعتزلة، ولكنه كان يتردد عليهم فنسب إليهم وليس منهم.
والشبهات التى استند إليها المنكرون تتلخص فى أن بعض الناس يموتون ولا يقبرون ـ كمن غرق
فى البحر وأكلته الحيتان، ومن أحرقته النار فصار رمادا ـ فكيف يسأل هؤلاء وكيف ينعمون أو
يعذبون ـ مع أنهم لم يدفنوا فى قبور؛ ومن شبههم أيضا أن المصلوب يبقى مصلوبا أياما بعد
موته من غير أن يظهر عليه أثر للنعيم والعذاب ـ كما أننا لو فتحنا قبر ميت بعد دفنه بفترة من
الزمن لوجدناه على وصفه الذى كان عليه عند دفنه ـ بدون أن يظهر عليه أثر للنعيم أو العذاب
حتى لو وضعنا على صدره ـ عند دفنه ـ حبات من خردل ـ لوجدناها كما هى ـ مما يدل على
أنه لم يتحرك ـ إلى نحو ذلك من شبهات.
ويقال فى الرد على هذه الشبهات:
1ـ أنه إنما سمى بعذاب القبر ونعيمه؛ لأن الغالب على الموتى أنهم يقبرون- ولكن المراد به "حياة البرزخ "- فكل ميت يناله من النعيم والعذاب- فى حياة البرزخ- ما قدر له – وإن لم يدفن فى قبر.
2 - أن ما يخبر به الرسل إما أن يكون مما تشهد له العقول والفطر، وإما أن يكون مما لا تدركه العقول بمفردها- كالغيبيات- التى أخبروا بها عن حياة البرزخ واليوم الآخر وما فيه- وهى أمور لا تحكم العقول بأنها مستحيلة، وإن كانت لا تصل إلى إدراكها بمفردها- غير أنها أمور ممكنة فى ذاتها- أخبر بها الصادق الذى ثبت صدقه بالمعجزة، فتكون حقا لا ينبغى لعاقل أن يمارى فيه- وإذا حكم العقل باستحالة شيء من هذا القبيل فإن ذلك يرجع إما إلى خلل فى حكم العقل، أو كذب فى النقل عن الرسل.
3 - أن دار الدنيا لها أحكامها وقوانينها التى تجرى على الأبدان؛ وأما دار "البرزخ" فلها أحكامها التى تجرى على الأرواح - ونحن نرى مثالا لذلك فى الدنيا- وهو النائم الذى ينعم أو يعذب فى منامه بينما الملاصق له فى سريره لا يرى شيئا من ذلك ولا يحس به؛ مما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وكونه روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار- هو أمر لا يحكم العقل باستحالته، وقد أخبر به الصادق المؤيد بالمعجزة؛ فيكون حقا لا ريب فيه، ولا مستند لمن ينفيه.
هذا وقد اتفق المثبتون لنعيم القبر وعذابه أن الله يعيد إلى الميت فى القبر نوع حياة قدر ما يتلذذ ويتألم- ولكنهم توقفوا فى إعادة الروح إليه- وما يقال من أنه لا حياة بدون الروح فإنما يكون ذلك فى الحياة الكاملة- وهى المصحوبة بالقدرة والفعل الاختيارى- وقد اتفقوا على أن الميت لا يتمتع بذلك.
أ. د/ صفوت حامد مبارك
__________
المراجع
1 - شرح المقاصد لسعد الدين التفنازانى.
2 - الروح لابن القيم.
3 - شرح العقائد النسفية.
4 - شرح العقيدة "الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ط مؤسسة الرسالة بيروت(1/445)
16 - العرش
لغة: الكلمة فى أصل وضعها اللّغوى مأخوذة من اعترش يعترش على العرش إذا علا فوقه، ويقال اعترشت المرأة عريشها إذا اعتلته، وهو مطاوع الفعل عرش، كرفع وارتفع كذلك يقال عرش واعترش، والعرش السقف، والجمع عروش، ومنه قوله تعالى {وهى خاوية على عروشها} (الكهف 42)
أى علّى سقوفها، وقالوا بدت لنا عروش مكة أى سقوف بيوتها لأن أعلى البيت سقفه وتقول العرب: نساء مسكنات فى العرائش أى الهوادج.
واصطلاحا: العرش عند علماء الكلام هو سرير الملك. يقال استوى الملك علّى عرشه إذا امتلك أمره، واستوى علّى عرشه إذا استولى عليه ويقال فلَّ عرشه إذا هلك. والمعتزلة (طائفة من علّماء الكلام) يقولون: {الرحمن على العرش استوى} (طَّه 5) يعنى استولى علّيه وملّك وقهر. ويستدلون على هذا المعنى ببيت من الشعر لا يعلم قائله.
قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق
أما أهل السنة والجماعة وما مضى عليه سلف الأمة فإنهم يقولون] الرحمن على العرش استوى [
أى علا على العرش ورفضوا تأويل المعتزلة أن استوى بمعنى استولى وملك وقهر، لأنه لا يوجد من غالب الله علّى عرشه حتى يقال إن الله استولى على العرش منه.
وقد ورد] الرحمن على العرش استوى [فى ستة مواضع من القرآن الكريم فسرها أهل السنة علّى النحو السابق بأنه العلو، وفسرها المعتزلة ومتأخر والأشاعرة بالاستيلاء. والعرش هو أعلى المخلوقات، محيط بها من جميع جهاتها وهو سقفها وفوقها، فالأرض مستديرة وفوقها سماء الدنيا محيطة بها، وفوقها السماء الثانية (كرية)، محيطة بالسماء الدنيا وبالأرض، ثم السماء الثالثة إلى السماء السابعة، والكرسى فوق الأفلاك جميعها، والعرش فوق الكرسى محيط بالجميع لكون الأرض مستديرة وأعلاها من كل جانب هو جهتها من هذا الجانب، والعرش محيط بالجميع، وهو أعلّى الجميع من كل جهة كما قال تعالى {وسع كرسيه السموات والأرض} (البقرة: 255) وقوله تعالى {والله من ورائهم محيط} (البروج 20).
أ. د/ محمد السيد الجليند
__________
المراجع
1 - الكشاف للزمخشرى تفسير (الرحمن على العرش استوى).
2 - لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت.
3 - أساس البلاغة للزمخشرى.
4 - رسالة عرش الرحمن ما ورد فيه من القرآن لابن تيمية.
5 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/ 136 - 150.
6ـ الفقه الأكبر لأبى حنيفة. صفة العلو على العرش.(1/446)
17 - العَرَض
اصطلاحا: العَرَض: يقابله الجوهر، فى الحد والمعنى، والعرض: ما لا يقوم بنفسه
ولا بد له من جوهر يقوم به، ولا يفترقا وقيل: هو ما يقوم بغيره، ما يقوم فى موضوعه، الموجود الذى يحتاج إلى موضوع يقوم به، كالكون القائم بالجسم المتكون، والبياض القائم بالجسم الأبيض.
وقيل: العَرَض ما ليس داخلا فى تقويم الماهية دخولا ذاتيا، كالقيام والقعود بالنسبة للإنسان، وهو من لوازم الماهية لاينفك عنها كالضاحك بالقوة بالنسبة للإنسان.
وينقسم العَرَض إلى عَرَض ملازم للماهية، ومفارق لها، والملازم للماهية قد يكون ملازما
لها فى الوجود الخارجى، وقد يكون ملازما لها فى العقل فقط، مثال الملازم للماهية الزوجية بالنسبة للاثنين، والزوايا الثلاثة للمثلث، ومثال الملازم للوجود الخارجى السواد بالنسبة للزنجى، وكل عرض لازم للماهية عقلاً يلازمها وجودا، ولا عكس.
وينقسم من جهة أخرى إلى عرض عام وخاص.
فالعرض العام: قول كلى يقال على كثيرين مختلفين فى الحقيقة قولا غير ذاتى فى موضوعه كالسواد والبياض للإنسان.
والعرض الخاص: قول كلى يقال على واحد قولا عرضيا، كالكاتب للإنسان.
وينقسم العرض باعتبار ثالث إلى:
(أ) عرض قارّ الذات: وهو الذى تجتمع أجزاؤه فى الوجود، ولا توجد إلا كذلك، كالسواد القائم بالجسم الأسود
(ب) غير قارّ الذات: وهو الذى لا تجتمع أجزاؤه فى الوجود، كالحركة بالنسبة للجسم المتحرك. والعرض اللازم للماهية: هو ما لا ينفك تصوره عنها، كالكاتب بالقوة للإنسان غير الكاتب؛ فإنها عرض ملازم لماهيته، ويقال لها: عرض بالفعل للإنسان، إذا مارس الكتابة وباشرها واقعا. والعرض المفارق هو ما يجوز تصوره عقلا منفكا عن ماهيته، كحمرة الخجل للإنسان وكصُفْرة الوجه وجلا.
وقد يكون العرض ذاتيا من خواص الماهية، ولكنه ليس داخلا فى تقويمها، كالتعجب بالنسبة للإنسان، وقد يكون لاحقا للماهية، كالحركة اللاحقة للإنسان بما أنه حيوان، وقد يكون العرض لاحقا للماهية بواسطة أمر خارج عنها لاحقة كالضحك اللاحق للإنسان من التعجب، وهناك أعراض غريبة على الماهية لاحقة لها لأمر أعم منها، كحركة الجسم الأبيض بواسطة أنه جسم، فالجسم أعم من الأبيض.
وكالعرض اللاحق للأخص، كالضحك بالنسبة للحيوان، من منطلق أنه إنسان، فهو أخص من الحيوان.
ويكون العرض حاصلا بسبب مُبَاين، كالحرارة العارضة للماء بسبب النار، وهى مباينة بطبعها للنار.
وهناك عوارض مكتسبة بفعل الكائن لا تكون جزاء من ماهيته، ولا تدخل فى تصورها، كالسكر بالنسبة للإنسان؛ فإنه ليس ذاتيا ولازما، ولا لاحقا لماهيته دائما، وإنما هو مكتسب بفعله.
وابن سينا يرى أن العرض اسم مشترك يقع على كثيرين:
1 - فهو يقال لكل موجود فى محل.
2ـ يقال لكل موجود فى موضوع.
3ـ يقال للمعنى المفرد الكلى المحمول على كثيرين حملا غير مقوّم للماهية
4ـ يقال لكل معنى موجود بالشئ، خارج عن ماهيته.
5ـ يقال لكل معنى يحمل على الشئ لأجل وجوده فى آخر يقارنه.
6ـ يقال لكل معنى وجوده فى أول أمره لا يتوقف على تصوره.
أ. د/ محمد السيد الجليند
__________
المراجع
1 - رسالة فى الحدود لابن سينا.
2 - رسالة الحدود للكندى.
3 - النجاة لابن سينا ط دار الآفاق الحديثة بيروت.
4 - أساس الاقتباس للطوسى.
5 - التعريفات للجرجانى ط الحلبى.
6 - المعجم الفلسفى ط مجمع البحوث.
7 - المعجم الفلسفى ط مراد وهبة دار الثقافة.
8 ـ رسائل الكندى الفلسفية.
9 ـ لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت.
10 ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمشخشرى دار الريان للتراث. القاهرة – دار الكتاب العربى بيروت(1/447)
18 - العرف
لغة: المعروف وهو خلاف النكر، والعرف: ما تعارف عليه الناس فى عاداتهم ومعاملاتهم (1).
واصطلاحا (3): هو ما اعتاده الناس وساروا عليه من فعل شاع بينهم، أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص لم يوضع له فى اللغة، ولا يتبادر غيره عند سماع ذلك اللفظ.
فالعرف: ما يعرفه كل أحد، والعادة: ما يتكرر معاودتها مرة بعد أخرى.
والعرف من الأدلة الشرعية عند الفقهاء، وإليه يحتكم فى كثير من أحكام الفقه الفرعية، وخاصة فى أحكام الأيمان والنذور، والطلاق (3).
والعرف منه عملى وقولى (4) فالعرف العملى، قيل: اعتياد الناس بيع المعاطاة من غير وجود صيغة لفظية، وتعارفهم على قسمة المهر فى الزواج إلى مقدم ومؤخر، وتعارفهم على أكل القمح ولحم الضأن.
والعرف القولى، مثل: تعارف الناس إطلاق لفظ "الولد" على الذكر دون الأنثى مع أنه فى الاستعمال اللغوى يطلق عليهما معا، وكذلك تعارفهم على عدم إطلاق لفظ "اللحم" على السمك.
وهناك فرق بين العرف والإجماع (5). إذ الاجماع هو اتفاق مجتهدى الأمة فى أى عصر، وأما العرف فما يعتاده أكثر الناس من العوام والخواص، فلا يشترط فيه الاتفاق ويكون فيه حظ للعوام أيضا بخلاف الإجماع.
والعرف سواء أكان قوليا أم عمليا نوعان (6): عرف عام وعرف خاص، فالأول: ما تعارفه غالبية أهل البلدان فى وقت من الأوقات، مثل: تعارفهم عقد الاستصناع واستعمال لفظ الحرام بمعنى الطلاق لإزالة عقد الزواج.
والثانى وهو العرف الخاص: هو ما يتعارفه أهل بلدة أو إقليم أو طائفة معينة من الناس، كإطلاق الدابة فى عرف أهل العراق على الفرس، وجعل دفاتر التجار حجة فى إثبات الديون.
وينقسم ثانيا إلى عرف صحيح وعرف فاسد، فالأول: ما تعارفه الناس دون أن يحرم حلالا أو يحل حراما كتعارفهم تقديم عربون فى عقد الاستصناع، والثانى ما تعارفه الناس ولكنه يحل حراما أو يحرم حلالا كتعارفهم أكل الربا، واختلاط الناس بعضهم ببعض رجالا ونساء فى الحفلات والأندية العامة.
والأصل فى اعتبار العرف قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} الأعراف:199.
وقول ابن مسعود: إما راه المسلمون حسنا فهو عندالله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ) (7).
أ. د/على جمعه محمد
__________
الهامش:
1 - لسان العرب لابن منظور 4/ 2896 دار المعارف المعجم الوسيط لمجمع الغة العربية 2/ 595 دار المعارف 1972م.
2 - أصول الفقه الإسلامى د/وهبة الزحيلى 2/ 828 دار الفكر 1986م تيسير أصول الفقة د/محمد أنور البدخشانى، ص 158 طبعة كراتش بباكستان 1990م.
3 - انظر المرجعين السابقين نفس الصفحات.
4 - أصول الفقه الإسلامى د/وهبة الزحيلى 2/ 828.
5 - أصول الفقه د/وهبة الزحيلى 2/ 8292 تيسير أصول الفقه ص 158.
6 - انظر المرجعين السابقين الصفحات المذكورة وما بعدها.
7 - هذا الأثر روى موقوفا على ابن مسعود، قال الزيلعى فى نصب الراية عنه غريب مرفوعا، ولم أجده إلا موقوفا على ابن مسعود انظر نصب الراية للزيلعى 4/ 133 المكتبة الإسلامية ط2 1973م.
مراجع الاستزادة:
1 - العرف والعادة فى رأس الفقهاء للأستاذ الدكتور/أحمد فهمى أبو سنة ط2 1992م.
2 - العرف وأثره فى التشريع الإسلامى مصطفى عبد الرحيم أبو عجيلة طبعة المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان طرابلس ليبيا ط1، 1986م.
3 - الاجتهاد فيما لا نص فيه للدكتور الطيب خضرى السيد 2/ 179 وما بعدمكتبة الحرمين بالرياض 1983م(1/448)
19 - العَرُوض
لغة: ذكر الزبيدى فى معجمه تاج العروس أن للفظ العروض أربعة عشر معنى منها: الطريق فى عرض الجبل، والعروض من الكلام فحواه ومعناه، والعروض المكان الذى يعارضك إذا سرت، ويطلق على مكة والمدينة .. والعروض مؤنثة ولا تجمع لأنها اسم جنس (1).
واصطلاحا: له عدة تعريفات نذكر منها:
أنه علم يعرف به وزن الشعر واستقامته من انكساره.
وقيل: هو ميزان الشعر، به يعرف مكسوره من موزونة .. كما أن النحو معيار الكلام، به يعرف معربه من ملحونه.
وقيل: علم وضع لمعرفة شعر العرب .. وبمعرفته يأمن الشاعر على نفسه من إدخال جنس من الشعر علّى جنس .. إذ كان الاشتباه فى أجناس الشعر كثيرا .. وقد وقع فيه جماعة من العرب. (2)
وهذه التعريفات- كما ترى- تختلّف لفظا، وتتحد فى المعنى، ويمكن أن نخرج منها بتعريف واحد يجمعها وهو: العروض: علم بأصول يعرف بها صحيح أوزان الشعر وفاسدها .. وما يعتريها من الزحافات والعلل .. فالعروض: ميزان الشعر. (3)
وقد وضع هذا العلم .. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو الأزدى الفراهيدى
(100 - 170هـ) شيخ "سيبويه " ومصنف كتاب "العين " أول معجم يحصر لغة أمة من الأمم .. مات بالبصرة (4).
وقد ألهمه الله تعالى علم "العروض " فى مكة فسماه به .. تيمنا بها .. وأنه شبهه بالمعانى اللغوية الباقية بجامع مطلق التوصيل فى كل .. لكنه صار حقيقة عرفية فيه .. وحصر فيه أوزان العرب فى خمسة عشر بحرا .. وزاد عليه تلميذه "الأخفش " بحرا آخر .. ثم لم يزد عليهما أحد شيئاً يعتد به. (5).
وموضوعه: الشعر العربى .. من حيث هو موزون بأوزان مخصوصة.
وفائدته: تمييز الشعر من النثر .. وأمن الناظم اختلاط البحور بعضها ببعض لعظيم التشابه ودقة الفروق بينها، والسلامة من كسر الوزن أو الإخلال فيه .. وضمان قراءة الشعر قراءة صحيحة بمقتضى الوزن .. والمعاونة على نظم الشعر بمعرفة السليم الموزون منه من المكسور وزنا. (6)
والعروض اسم يطلق على آخر جزء من النصف الأول من البيت .. وسمى بذلك تشبيها بعارضة الخباء .. وهى الخشبة المعترضة فى وسطه .. وأعاريض الشعر أربع وثلاثون عروضا- استعملتها العرب .. وكثرت أشعارها عليها .. وهى عند بعضهم ثلاث وثلاثون عروضا (7)
أ. د/ صفوت زيد
__________
المراجع
1 - تاج العروس من جواهر القاموس مادة "عرض " تحقيق على شيرى، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لبنان ط 1994م.
2 - الشافى فى العروض والقوافى د. هاشم صالح مناع- دار الفكر العربى بيروت ط ثالثة 1995 م ص12 - 13.
3 - معالم العروض والقافية د. عمر الأسعد ص 11مكتبة العبيكان بالرياض ط3 سنة 1996. وانظر: معجم مصطلحات العروض والقافية. د. محمد على الشوابكة د. أنور أبو سويلم ص177 نشر جامعة مؤتة دار البشير دمشق 1991 م. والوافى فى العروض والقوافى صنعة الخطيب التبريزي تحقيق د. فخر الدين قباوة ص 32ـ 33 … دار الفكر بدمشق ط رابعة 1986م.
4 - ترجمته فى: وفيات الأعيان 2/ 244، وإنباه الرواة 1/ 341، وبغية الوعاة1/ 557 وغيرها.
5 - الإرشاد الشافى وهو الحاشية الكبرى للعلامة السيد محمد الدمنهورى .. ص 19 مطبعة مصطفى البابى الحلبى ط ثانية 1957 م.
6 - السابق نفسه. ومعالم العروض والقافية ص 16 .. والأصول الفنية لأوزان الشعر العربى د. محمد عبد المنعم خفاجى، ود. عبد العزيز شرف ص 20ـ 21 دار الجيل- بيروت ط أولى 1992 م ص 0 2 - 21.
7 - المعيار فى أوزان الأشعار والكافى علم القوافى. لأبى بكر محمد بن عبد الملك بن السراج الشنترينى الأندلسى. تحقيق د. محمد رضوان الداية ص 15 دار الأنوار بيروت ط أولى 1968 م(1/449)
20 - العزيمة
لغة: القصد المؤكد، يقال عزمت على فعل كذا، أى قصدت اليه قصدا مؤكدا (1)، ومنه قوله تعالى: {فنسى ولم نجد له عزما} طه:115.
واصطلاحا: هى الحكم الثابت على وفق الدليل، أو على خلاف الدليل لغير عذر (2).
فالحكم: جنس يشمل الرخصة والعزيمة، ويقصد بالثابت: أنها لابد وأن تكون ثابتة بدليل.
وقوله: "على وفق الدليل" لإخراج الرخصة: فهى حكم مثبت على خلاف الدليل.
أما قوله: "أو على خلاف الدليل لغير عذر" فيقصد به إدخال بعض أنواع العزيمة فى تعريفها، مثل: وجوب الصلاة والزكاة والحج وغيرها من باقى التكاليف، فإنها أحكام شرعت على خلاف الأصل، وهو الأدلة الشرعية، لكن تلك المخالفة ليست لعذر؛ لأن المراد من العذر: الحاجة والمشقة أو الضرورة، وهذه التكاليف لم تشرع للحاجة والمشقة، وإنما شرعت للابتلاء والاختبار.
وفى ضوء هذا التعريف يعلم تنوع العزيمة إلى نوعين:
الأول: أحكام ثابتة على وفق الدليل، مثل: إباحة الأكل والشرب وسائر الطيبات، فإنها تثبت على وفق الدليل الأصلى، إذ الأصل فيها الإباحة.
الثانى: أحكام ثابتة على خلاف الدليل لغير عذر، مثل أحكام سائر التكاليف الشرعية، فإنها تثبت ابتداء على خلاف الدليل الأصلى، إذ الأصل عدم التكليف، لكن بثبوتها ليس لأعذار العباد.
وقد ذهب بعض الأصوليين إلى أنها تشمل الأحكام الخمسة، على الوجه التالى:
1 - الإيجاب: كإيجاب الصيام، والحج، وغير ذلك من الواجبات.
2 - الندب: مثل صلاة ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد صلاة المغرب.
3 - التحريم: مثل تحريم السرقة، والزنا، وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها من المنهيات.
4 - الكراهة: مثل الصلاة فى مرابض الإبل والغنم.
5 - الإباحة: مثل إباحة الأكل والشرب، وغيرهما من كل ما خير الشارع فيه بين الفعل والترك.
والعزيمة تقابل الرخصة.
والرخصة لغة: التيسير، يقال: رخص الشارع فى كذا إذا يسره وسهله.
واصطلاحا: هى أسم لما بنى على أعذار العباد، وهو ما يستباح بعذر مع قيام المحرم (3).
وقال الغزالى: هى ما وسع للمكلف فى فعله لعذر مع قيام السبب المحرم (4).
وبقية تعريفاتها تدور على معنى التيسير لى العباد بسبب ما يعرض لهم من أعذار.
ودليلها من القرآن قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسرولا يريد بكم العسر} البقرة:185.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه" (5).
وقوله صلى الله عليه وسلم "ما بال أقوام يرغبون عما رخص لى فيه" (6).
أ. د/عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1 - القاموس المحيط ط الحلبى سنة 1952م، 4/ 151 "لسان العرب دار صادر 12/ 399، المصباح المنير الأميرية سنة 1909م.
2 - منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوى تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد مطبعة السعادة بمصر سنة 1951م. ص8.
3 - كشف الأسرار 2/ 300.
4 - المستصفى 1/ 63.
5 - رواه الطبرانى فى الكبير 11/ 327، وانظر: فيض القدير.
6 - رواه مسلم من حديث السيدة عائشة.
مراجع الاستزادة:
1 - دراسات فى أصول الفقه د/عبدالفتاح الشيخ دار الاتحاد العربى ط1 سنة 1973م ص44.
2 - الحكم الشرعى عند الأصوليين أ. د/على جمعة محمد دار الهداية، ط1 سنة 1993م، ص79.
3 - البحر المحيط للزركشى دار الكتبى 2/ 29.
4 - شرح الكواكب لابن النجار الحنبلى مكتبة العبيكان 1/ 476.
5 - تيسير التحرير دار الكتب العلمية 2/ 229.
6 - كشف الأسرار لعلاء الدين البخارى 2/ 300(1/450)
21 - العصمة
لغة: عصم إليه عصما: لجأ، وعصم القربة وجعل لها عصاما يشدها به، وعصم الله فلانا: حفظه ومنعه ووقاه من الشر والخطايا، واعتصم به: امتنع به ولجأ، واستعصم طلب العصمة وتأبى وامتنع، ومنه قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} يوسف:32،تأبى وامتنع، واعتصم بالله: امتنع بلطفه من المعصية (1).
واصطلاحا: ملكة إلهية تمنع من فعل المعصية، والميل إليها مع القدرة عليها، وتمنع من خطأ الرسول، أو نسيانه فيما يبلغه عن ربه، ولذلك يجب الإيمان بكل ما يخبر الرسل به عن ألله تعالى، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به.
والعصمة بهذا المعنى ليست لأحد غير الأنبياء صلوات الله عليهم، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر:7.
وقد وردت العصمة فى القرآن الكريم أيضا بمعنى المنع والحفظ، قال تعالى: {والله يعصمك من الناس} المائدة:67. أى يمنعك ويحفظك، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرس فلما نزلت هذه الآية قال: (يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنا الله عز وجل) (2).
والعصمة: المنعة، والعاصم: المانع الحامى، ومنه قول الله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمرالله إلا من رحم} هود:43.
قال الزجاج: وأصل العصمة الحبل وكل ما أمسك شيئا فقد عصما، قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} آل عمران:103،أى تمسكوا بعهد الله، وقال: {ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم} آل عمران:101، أى من يتمسك بحبله وعهده.
والعصمة: عقد النكاح، أو رباط الزوجية يحله الزوج متى شاء، ومنه قوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} الممتحنة:10، أى لا تتمسكوا بعقود نكاحهن، والعصمة أيضا قيد النكاح وهو الأثر المترتب على عقده، وهو حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، وأن يكون استمتاع الزوج بالزوجة على سبيل الملكية لا يشاركه فيه أحد، فللزوج ملك التمتع بالمرأة أى اختصاصه بذلك (3) فالعصمة بهذا المعنى فى يد الزوج، وهى عقدة النكاح، وفى الحديث (ولى عقدة النكاح الزوج) (4).
وللزوج أن ينقل العصمة إلى المرأة إذا اشترطت ذلك، وقبل هذا الشرط منها، أو بأن يخيرها قبل الدخول أو بعده بينه وبين نفسها، فإذا اختارت نفسها فقد طلقت أو يفوضها فى طلاق نفسها منه متى شاءت فتنتقل العصمة إليها، ولها أن تطلق نفسها منه متى أرادت، ولا يسقط ذلك حقه فى أن يطلقها إذا أراد.
أ. د/عبدالرحمن العدوى
__________
الهامش:
1 - لسان العرب لابن منظور 15/ 297 - 302، مختار الصحاح ص437، المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 2/ 105.
2 - تفسير ابن كثير 2/ 79.
3 - حاشية ابن عايدين 3/ 4.
4 - الجامع لأحكام القرأن للقرطبى 3/ 306(1/451)
22 - العفة
لغة: عفَّ عفَّة وعَفافا: كفَّ عما لا يحل ولا يجُمل من قول أو فعل، والعفّة: ترك الشهوات من كل شيء. والتعفف التنزه عن السؤال قال تعالى {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم} (البقرة 273) كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: هيئة للقوة الشهوانية متوسطة بين الفجور الذى هو إفراط هذه القوة، والخمود الذى هو تفريطها (2).
وعرفها مسكويه: العفة وسط بين رذيلتين، وهما الشره، وخمود الشهوة، والشره هو الانهماك فى اللذات والخروج عما ينبغى، وخمود الشهوة هو السكون عن الحركة التى تسلك نحو اللذة الجميلة التى يحتاج إليها البدن فى ضروراته، وهى ما ترخص فيه الشريعة والعقل (3).
وقيل: هى اعتدال الميل إلى اللذة وخضوعها لحكم العقل (4).
ويندرج تحت العفة فضائل كثيرة عند مسكويه منها: الحياء، والدعة، والصبر،
والسخاء، والحرية، والقناعة، والدماثة، والانتظام، وحسن الهدى، والوقار والورع (5).
وكل من جاوز حد الاعتدال فى مأكله ومشربه أو فى فعله وسلوكه أو فى إرضاء رغباته وشهواته لم يكن عفيفا.
والعفة نوعان هما:
(أ) العفة عن المحارم وتشمل كف اللسان عن الأعراض، وضبط الفرج عن الحرام، فقد روى عن النبى) - صلى الله عليه وسلم - أحب العفاف إلى الله عفاف الفرج والبطن). ويتم التحكم فى ضبط الفرج عن طريق:
أولا: غض الطرف عن إثارتها، وكفه عن مساعدتها؛ فإنه القائد المحرك والقائد المهلك.
ثانيا: ترغيبها فى الحلال عوضا واقناعها بالمباح بدلا، فإن الله ما حرم شيئا إلا وأغنى عنه بمباح من جنسه (6). والعاقل من حفظ دينه ومروءته بترك الحرام وحفظ قوته فى الحلال (7). ثالثا: إشعار نفسه بتقوى الله تعالى فى أوامره واتقاؤه فى زواجره.
(ب) العفة عن المآثم وذلك بالكف عن المجاهرة بالظلم وزجر النفس عن الإسرار بالخيانة.
وكان من دعاء النبى - صلى الله عليه وسلم - قوله:"اللهم إنى أسألك الهدى والتقى والعفة والغنى".
(رواه أحمد عن عبد الله بن مسعود).
وأفضل الطرق فى الحياة أن يتمتع الإنسان باللذات الطيبة فى حدود الأخلاق غير متجاوز بذلك الحدود المشروعة لقوله تعالى {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} (الأعراف 32).
فالعفة ليست القضاء على الشهوات والرغبات وإنما الاعتلاء بها، وتهذيبها وفرض
رقابة العقل عليها. (8)
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية 2/ 634 دار المعارف، ط 3
2 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا 2/ 81.
3 - السابق، وانظر مقدمة فى علم الأخلاق- د./ محمود حمدى زقزوق 156 دار الفكر العربى ط 4.
4 - مقدمة فى علم الأخلاق 155
5 - المعجم الفلسفى 2/ 80، مقدمة فى علم الأخلاق 155.
6 - المعجم الفلسفى 2/ 81.
7 - أدب الدنيا والدين على بن محمد بن حبيب البصرى الماوردى- تحقيق مصطفى السقا ص 311 - 315 مطبعة البابى الحلبى- ط هـ.
8 - مقدمة فى علم الأخلاق ص 156
مراجع الاستزادة:
1 - إحياء علوم الدين للغزالى
2 - تهذيب مدارج السالكين لابن القيم(1/452)
23 - العفو
لغة: عفا الأثر عفوا: زال واختفى وعفا عن ذنبه: لم يعاقبه عليه وتجاوز عنه، والعفو: ما زاد على النفقة والحاجة. وفى التنزيل {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} (البقرة 219) والعفو المعروف وخيار كل شيء وأجوده والطيب من الأخلاق والأعمال. قال تعالى {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف 199) 0
واصطلاحا: الصفح عن الذنوب وترك مجازاة المسيء وقال أبو حامد الغزالى: أن يستحق حقا فيسقطه ويبرى عنه من قصاص أو غرامة، وهو غير الحلم وكظم الغيظ.
والعفو: من أسماء الله تعالى على وزن فعول صيغة المبالغة، معناه كثير العفو .. قال ابن جرير فى قوله {إن الله كان عفوا غفورا} (النساء43) إن الله لم يزل عفوا عن ذنوب عباده وترك العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به.
وقد ورد هذا الاسم فى القرآن خمس مرات، ومن آثار الإيمان به:
1 - أن الله سبحانه هو العفو الذى له العفو الشامل، ولا سيما إذا أتى العباد بما يوجب
العفو عنهم من الاستغفار والتوبة؛ فالله يقبل التوبة ويعفو عن السيئات. ولولا كمال عفوه وسعة حلمه سبحانه ما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب ولا عين تطرف {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} (النحل 61) وقد قال النبى - صلى الله عليه وسلم - " ليس أحدا أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله إنهم ليدعون له ولدا وانه ليعافيهم ويرزقهم " (رواه البخارى).
وقال ابن القيم فى النونية:
وهو العفو فعفوه وسع الورى لولاه غارت الأرض بالسكان
2 - أنه تعالى عفو غفور مع قدرته على خلقه وقهره لهم وقد نبه خلقه إلى ذلك {إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا} (النساء 149). أى فاعفوا أنتم أيضا عن الناس، كما أن الله يعفو عنكم ويغفر لكم.
وقد حث الله تعالى عباده على العفو والصفح وقبول الأعذار فمن ذلك {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} (النور22) وقد خاطب الله نبيه بذلك وحثه على قبول العفو فقال {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف 199) ومدح بذلك عبادة المؤمنين {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} (آل عمران 134). وقد قال النبى - رضي الله عنه - " وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا " ولقد كان النبى - صلى الله عليه وسلم - المثل الأعلى للبشر فى العفو والصفح.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية 2/ 634 وما بعدها وانظر معجم ألفاظ القرآن الكريم 2/ 773 وما بعدها.
2 - النهج الأسمى فى شرح أسماء الله الحسنى محمد بن حمد الحمود 2/ 639 مكتبة الإمام الذهبى الكويت.
3 - إحياء علوم الدين للغزالى 3/ 172.
4 - صحيح البخارى كتاب الأدب باب الصبر على الأذى حديث رقم 6099.
5 - شرح النونية لمحمد بن خليل الهراس 2/ 81
6 - شرح النووى على صحيح مسلم 16/ 141.
7 - النهج الأسمى 2/ 639 - 642.
8 - المقصد الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى لأبى حامد الغزالى.
9 - جامع البيان فى تفسير القرآن لابن جرير الطبرى.(1/453)
24 - العقد
لغة: الربط والشد والضمان والعهد. قال الفيروزآبادى: عقد الحبل والبيع والعهد: شده (1).
ويطلق أيضا على الجمع بين أطراف الشيء، يقال: عقد الحبل إذا جمع أحد طرفيه على الآخر وربط بينهما (2).
وقال الفيومى: عقدت البيع ونحوه، وعقدت اليمين وعقَّدتها بالتشديد توكيد، وعاقدته على كذا، وعقدته عليه بمعنى: عاهدته، وعقدة النكاح وغيره: إحكامه وإبرامه والجمع عقود (3). ومنه قوله تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح} (البقرة 235) أى إحكامه، والمعنى: لا تعزموا على عقدة النكاح فى زمان العدة (4).
وعلى ذلك يكون عقدا فى اللغة: كل ما يفيد الالتزام بشيء عملا كان أو تركاً من جانب واحد أو من جانبين لما فى كل ذلك من معنى الربط والتوثيق.
واصطلاحا: فيطلق العقد على معنيين (5): أحدهما خاص وهو الالتزام الصادر من طرفين متقابلين، أو ما يتم به الالتزام من كلام وغيره، مما يقوم مقامه من إشارة أو كتابة أو نحوهما صادرا من شخصين على وجه يترتب عليه أثره الشرعى، أما الالتزامات التى تصدر من طرف واحد كالطلاق المجرد عن المال والوقف والإبراء فلا تسمى عقدا بل تصرفا أو التزاما.
وهذا المعنى هو الشائع المشهور الذى يكاد ينفرد بالاصطلاح حتى إذا أطلقت كلمة العقد تبادر إلى الفهم هذا المعنى.
ثانيهما: عام حيث يشمل العقد ما كان الالتزام فيه من جانبين كالبيع والإجارة والزواج، أو ما يتم الالتزام فيه بإرادة واحدة من غير توقف على شيء آخر كالطلاق المجرد عن المال والعزل من التوكيل واليمين والوقف.
لابد لتصور العقد ووجوده من وجود الأمور الآتية:
أولا: وجود المتعاقدين اللذين يرغبان فى إنشاء العقد وتكوينه ليتوصّلا مثلا إلى أثره المترتب عليه شرعا ويلتزما بحكمه.
ثانيا: الصيغة التى يتكون منها العقد وهى ما يصدر عن المتعاقدين من عبارة كاشفة عن إرادتهما ومظهرة لرغبتهما كأن يقول أحدهما: بعت أو اشتريت أو وهبت أو تزوجت ويقول الآخر قبلت.
ثالثا: محل العقد الذى يقع عليه التعاقد ويكون الالتزام بخصوصه وواقعاً عليه كالسلعة المبيعة فى عقد البيع والمنفعة التى يتملكها المستأجر فى عقد الإجارة، والثمن المتفق عليه.
أما سبب التعاقد: فلم يعتبره الفقهاء ركنا من أركان العقد وإن كانوا قد اعتبروه شرطا لا وجود للعقد بدونه فالعقد يكون موجودًا إذا كان سببه مشروعا: ولا وجود له إذا كان الشارع قد نهى عن التعامل فيه، فاستئجار شخص ما للسرقة، أو للاعتداء على آخر بالضرب باطل لا يترتب عليه أثر، لأن سبب التعاقد منهى عنه شرعا.
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - ترتيب القاموس المحيط3/ 270.
2 - لسان العرب 4/ 3031دار صادر بيروت.
3 - المصباح المنير 2/ 421.
4 - الجامع لأحكام القرآن القرطبى 1/ 1104ط دار الكتب.
5 - النظريات العامة فى الفقه الإسلامى د. عبد المجيد محمود مطلوب، ص 79 وما بعدها(1/454)
25 - العقل
لغة: مأخوذ من عقال البعير إذا عقله صاحبه بالحبل؛ ليمنعه من السير، والعقل فيه معنى المنع؛ لأنه يمنع صاحبه عن العدول عن سواء السبيل، ويسمى فى القرآن بالحجر، وذو الحجر ذو العقل، وأولوا الألباب: أصحاب العقول، وكذلك أولوا النُّهى.
وحذف الحرف الخامس من التفعيلة العروضية "مفاعلتن " يسمى عقلا وهى اللام المتحركة لتصبح التفعيلة مفاعتن. ويسمى البيت معقولا.
واصطلاحا: عند الفلاسفة يطلق على معان كثيرة.
هو جوهر بسيط يدرك الأشياء بحقائقها. جوهر مفارق للمادة فى ذاته مقارن لها فى فعله، وهو النفس الناطقة فى الإنسان المشار إليها "بأنا ".
العقل جوهر لطيف روحانى يتعلق بالبدن تعلق تدبير وتصريف، العقل قوة النفس الناطقة مغاير لها فى الفعل. فالنفس هى الفاعلة والعقل أداة لها فى الفعل بمنزلة السكين بالنسبة لفعل القطع.
وقيل: العقل- النفس- الذهن، أسماء مختلفة لمسمى واحد، وتسمى نفسا لكونها متصرفة فى البدن، وتسمى عقلا لكونها مدركة، وتسمى ذهنا لكونها مستعدة للإدراك.
وقيل العقل قوة تدرك به حقائق الأشياء محلها الرأس وقيل محلها القلب.
ويستعمله الفلاسفة فى:
1 - إدراك العمليات الذهنية التى يتم بها إدراك الأشياء، والبرهنة عليها، لنميز بها بين الصواب والخطأ فى الأقوال والأفعال، والحق والباطل فى الاعتقاد.
2 - يطلق على المبادئ الأولية المؤسسة لليقين البرهانى التى يلتقى عليها العقلاء، بلا خلاف بينهم.
3 - القوة التى يتم بها تجريد المعانى الكلية من المحسوسات الجزئية، ومن شأنها انتزاع الصور من الهيولى وبتصورها مجردة من موادها المحسوسة، ليصح لنا أن نعقل الماهيات المجردة.
وينقسم العقل إلى عقل عملى وعقل نظرى، فالعقل النظرى ينصب على الإدراك والمعرفة أما العقل العملى فيطلق على السلوك الأخلاقى.
وأرسطو يقسم العقل إلى عقل بالفعل وعقل بالقوة، أحدهما فاعل والآخر منفعل ولا غنى لأحدهما عن الآخر.
والعقل الفعال يسميه الفلاسفة بالعقل العاشر آخر سلسلة العقول العشرة (فى نظرية الفيض) وهو عند ابن سينا والفارابى مشرق على ما تحت ملك القمر (العالم) وهو صورة مفارقة بريء عن المادة وعلائقها. والعقل قوة تدرك بها الماهيات المجردة. وتدرك بها المعانى المتقابلة (الوجود والعدم- الجوهر والعرض) وندرك به النسب والإضافات، وتدرك به مباحث عامة فى كل علم كما تدرك به وجودات غير مادية لا تقبل المادة ولا تحل بها أصلا.
والعقل الهيولانى استعداد فطرى محض لإدراك المعقولات ويسمى عقلا بالقوة، لأنه قوة محضة خالية عن الفعل (كفعل الطفل) وسمى هيولانيا، لأنه يشبه النفس فى حال خلوها من الصورة الجسمية.
العقل بالملكة، هو علم بالضروريات واستعداد النفس لاكتسابها. وعند أرسطو هو عقل هيولانى، وقد حصل فيه المقولات الأولى.
العقل بالفعل هو أن تصير النظريات مختزنة بالفعل، بحيث لا يغيب عن المرء إدراكها بالقوة العاقلة، لكثرة تكرارها بحيث تصير ملكة يستحضرها المرء متى شاء من غير صعوبة العقل المستفاد. استحضار (أن تحضر عنده) النظريات التى أدركها بحيث لا تغيب عنه.
والعقل العملى عند ابن رشد هو قوة للنفس هى مبدأ تحريك القوة الشوقية إلى ما يختار من الجزئيات من أجل غاية مظنونة. هو السبب لكل ما هو بالقوة عقل فى أن يصير بالفعل عقلا.
العقل القدسى حال للعقل الهيولانى، يكون مستعدا فيه للاتصال بالعقل الفعال كأنه يعرف كل شيء عن نفسه، ومنه عقل الكل، ويقال لمعنيين: أحدهما جملة العالم، والثانى الجرم الأقصى الذى يقال له جرم الكل، ولحركته حركة الكل، وأما الكل بالاعتبار الثانى فهو العقل الذى هو جوهر مجرد عن المادة من كل الجهات، وهو الذى يحرك الكل على سبيل التشوق لنفسه، ووجوده- أول وجود مستفاد عن الوجود الأول.
العقل الكلى هو المعنى المعقول المقول على كثيرين مختلفين بالعدد من العقول التى لأفراد الناس.
والعقل باعتباره مدركا للماهيات يسمى عقلا نظريا وإذا حكم على الأشياء بأنها خيرأو شر سمى عقلا عمليا.
أ. د/ محمد السيد الجليند
__________
المراجع
1 - رسالة الحدود، للكندى.
2 - رسالة الحدود، لابن سينا.
3 - النجاة، لابن سينا.
4 - تلخيص ما بعد الطبيعة، لابن رشد ..
5 - التعريفات، للجرجانى.
6 - المبين فى شرح معانى الفاظ الحكماء والمتكلمين، للآمدى.
7 - أساس الاقتباس، للطوسى.
8 - لسان العرب، لابن منظور: بيروت - دار صادر.
9 - الكشاف للزمخشرى.
10 - المعجم الفلسفى، ط مجمع اللغة العربية.
11 - المعجم الفلسفى، مراد وهبة.(1/455)
26 - العقيدة
لغة: تدل مادة (عقد) فى مختلف استعمالاتها على معانى التوكيد والتوثيق والإبرام، سواء كان ذلك فى الجانب الحسى: أو الجوانب المعنوية، ومنها قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} (المائدة 89) أى، أقسمتم به مع النية التامة والقصد الكامل، ومنها قوله تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح} (البقرة 235) ومن هنا جاءت كلمة (عقيدة) لتدل على ما يدين الإنسان به، ويعقد عليه القلب والضمير (1).
واصطلاحا: كلمة (عقيدة) تتسع فى المحيط الإسلامى لتدل على "فعل الاعتقاد" نفسه حينا، ولتدل على " محتوى الاعتقاد وموضوعاته " حينا، ولتدل على (العلم) الذى يتكفل ببيان الأمرين جميعا حينا آخر.
فيما يتعلق "بفعل الاعتقاد" نفسه فإن الاعتقاد الصحيح يجب أن يكون مصحوبا بالجزم والتيقن والإذعان، وأن يتخلص من شوائب "الظن " الذى يعنى التردد بين طرفين، ثم الميل إلى الطرف الراجح منهما، ومن شوائب "الشك " الذى يعنى التردد بين طرفين، دون ميل إلى أحدهما، ومن شوائب "الوهم " الذى يعنى أيضا التردد بين طرفين، ثم الميل إلى الطرف المرجوح منهما (2).
وحين يتخلص الاعتقاد الصحيح من هذه الشوائب- بما تعنيه من اهتزاز وارتياب. فإنه يكون مقترنا بإذعان العقل، وسكون النفس، وانشراح الصدر، ومن ثم يصير هذا الاعتقاد باعثا لصاحبه على آداء التكاليف العملية كالصلاة والصيام وغيرها فى طواعية ويسر، كما يكون دافعا لصاحبه على الالتزام الخلقى، والسلوك السوى، مصحوبا بمراقبة الله عز وجل فى السر والعلانية، حتى يبلغ ذلك الاعتقاد بصاحبه إلى مرتبة الإحسان التى عبر عنها قوله (صلى الله عليه وسلم) (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (3).
من أجل ذلك فإن الاعتقاد الصحيح يجب أن يكون مؤسسا على الدليل اليقينى القاطع، سواء كان دليلا إجماليا أو تفصيليا، فالدليل الإجمالى مثلا على وجود الله تعالى، واتصافه بصفات الكمال هو العالم بكل ما فيه من بديع الصنع، ومظاهر الحكمة، ودلائل النظام والاتساق والإحكام، والدليل الإجمالى مثلا على صدق النبى (صلى الله عليه وسلم) فيما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى هو ما أيده الله تعالى به من باهر المعجزات، وأعظمها القرآن الكريم نفسه، وما اشتملت عليه رسالته السامية من هداية البشرية، وما نعمت به فى ظلها من الرفاهية والأمن والسعادة.
ولئن كان الاعتقاد الصحيح مؤسسا على الدليل اليقينى القاطع فهو بالضرورة مطابق للحق وللواقع بلا ريب، وعلى هذه الأسس الثلاثة: أعنى الجزم، والتأسيس على الدليل، والمطابقة للواقع: يترسخ الاعتقاد الصحيح فى الإسلام، ويصير فرقانا بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، وبين الهدى والضلال (4)، كما يصير مرادفا للعلم المأمور به فى قوله تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله) (محمد 19).
أما محتوى الاعتقاد أو "المعتقدات " فتشمل منظومة من العقائد التى تتعلق بجانب الألوهية (وتسمى الإلهيات)، وتشمل مجموعة من العقائد التى تتعلق بالأنبياء عليهم السلام، وتسمى (النبوات) وتشمل أخيرا طائفة من العقائد التى تتعلق بالأمور الغيبية التى ورد بها السمع (أى الكتاب والسنة الصحيحة) وتسمى (السمعيات).
فى جانب الإلهيات يجب على المسلم الاعتقاد بأن الله تعالى منزه عن النقائص التى لا تليق بجلاله وألوهيته، فهو سبحانه منزه عن الاعتماد فى وجوده على غيره، ومنزه عن أن يكون لوجوده بداية، أو نهاية، ومنزه عن أن يكون مماثلا للمخلوقات، ومنزه عن التعدد فى ذاته، وفى صفاته، وفى أفعاله، فلا ذات تماثل ذاته العلية، ولا صفات تشابه صفاته المقدسة، ولا أفعال تماثل أفعاله تعالى، ولقد سمى علماء العقائد هذه الصفات التى تدل على التنزيه بالصفات السلبية.
ومن ناحية أخرى يجب على المسلم- فى جانب الإلهيات أيضا: الاعتقاد بأنه سبحانه متصف بالكماليات العليا التى تليق بجلاله وعظمته، مثل القدرة التامة الشاملة، والإرادة
الكاملة التى تعنى أنه غير مقهور، ولا عاجز، والعلم المحيط الذى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض، وهو سبحانه متصف أيضا بالسمع والبصر والكلام، وغيرها من الصفات التى سماها علماء العقائد: الصفات الثبوتية أو الوجودية ..
وفى جانب النبوات يجب على المسلم الاعتقاد بأن الأنبياء جميعا- عليهم السلام- متصفون بالصدق والعصمة، وتبليغ ما أرسلوا به دون كتمان، ومتصفون أيضا بفطانة الرأى وسداد المسلك، لأنهم قادة البشرية وهداتها إلى الحق والخير والصواب.
وفى جانب السمعيات يجب على المسلم الاعتقاد بكل ما ورد فى القرآن الكريم والسنة الصحيحة من معتقدات: كالملائكة والجن، والروح، والكرسى، والعرش، واللوح، والقلم، وكذلك الإيمان بالقدر، وبعث الموتى من قبورهم، وأحوال الآخرة من الحشر والنشر، والصراط، والميزان، والحوض، والشفاعة، والجنة ودرجاتها، والنار ودركاتها (5).
أما "علم العقيدة"، وهو ما يسمى علم التوحيد، أو علم الكلام، أو علم أصول الدين فهو العلم الذى يتكفل ببيان الجانبين السابقين- الاعتقاد والمعتقدات- معتمدا فى ذلك على العقل والنقل جميعا، ولعل هذا الملحظ هو ما حدا بعلماء العقائد إلى الإصرار على أن تكون معرفة أحكام العقل الثلاثة- الوجوب والاستحالة والجواز- من أهم المهمات لمن يتصدى للبحث فى هذا العلم، بل لقد سماها البعض "قاعدة الدين " (6).
وإذا كان هذا العلم كما يرى بعض علماء العقائد- هو العلم الذى يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه (7) فإن هاتين الوظيفتين- إقامة الحجج ودفع الشبه- لا يمكن النهوض بهما إلا لمن أحكم أصول الشرع وأصول العقل جميعا، ومن أجل هذا المعنى فقد عرفه بعض علماء العقائد بتعريف مشابه، وهو أنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من أدلتها اليقينية" (8).
أ. د./ محمد عبد الفضيل القوصى
__________
المراجع
1 - المصباح المنير، مادة: عقد، ولسان العرب، لابن منظور 3/ 288.
2 - السنوسى: شرح الكبرى: ص 3، وأيضا: شرح العقائد النسفية 1/ 9 - 10.
3 - البخارى: كتاب الإيمان، ومسلم: كتاب الإيمان.
4 - قارن شرح المقاصد للتفتازانى 2/ 194، وتبصرة الأدلة: لأبى المعين النسفى 1/ 43 والشرقاوى على الهد هدى ص 40.
5 - شرح النسفية 1/ 22 - 23 حاشية الأمير على الجوهر، ص 54ـ55.
6 - الإرشاد، الجوينى: ص 12 - 16، والعقيدة النظامية: ص 5.
7 - شرح المواقف: 1/ 34 - 35.
8 - شرح المقاصد. 1/ 5.(1/456)
27 - علامات الترقيم
لغة: العلامات جمع " علامة "، وا لعلامة: ما ينصب فى الطريق فيهتدى به كما فى اللسان (1)، والّرقم والترقيم: تعجيم الكتاب، ورقم الكتاب يرقمه رقما أعجمه وبينه (2).
واصطلاحا: هى علامات توضع بين أجزاء الكلام المكتوب؛ لتمييز بعضه من بعض، أو لتنويع الصوت به عند قراءته (3). واعلم أن علامات الترقيم على غاية كبيرة من الأهمية؛ لأنه كما ظهر من التعريف بها يتميز غرض المتكلم من كلامه، لأن العبارات بوضعها دون هذه العلامات قد يستغلق فهمها على الكثير من أبناء هذا العصر أو يعسر، فلو نظرنا إلى هذه العبارة: زارنى حسن ومحمد وإخوتك غائبون، وجدنا أنها تحتمل معنيين، أحدهما: أن حسنا زارنى، بينما كان محمد وإخوتك غائبين، ثانيهما: أن حسنا ومحمدا زارانى، بينما كان إخوتك غائبين.
ولكن هذا الإبهام يزول بتاتا، إذا فصلنا الكلمات بعضها عن بعض، فللتعبير عن المعنيين السابقين توضع العبارة هكذا:
زارنى حسن، ومحمد وإخوتك غائبون.
زارنى حسن ومحمد، وإخوتك غائبون.
وعلامات الترقيم فى اللغة العربية علامات مستنبطة حديثا، وأول من أمر باستنباطها صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول ملك مصر، فسارع العلماء والمهتمون باللغة العربية ودراساتها إلى تنفيذ أمر مليكهم، وأشهر ما استنبطوه من علامات:
1 - الفصلة، وترسم هكذا،
2 - الوقفة، وترسم هكذا.
3 - النقطتان أو المزدوجة، وترسم هكذا:
4 - علامة الاستفهام، وترسم هكذا؟
5 - علامة الانفعال والتأثر، وترسم هكذا!
6 - القوسان، وترسمان هكذا ()
7 - علامة التنصيص، وترسم هكذا " "
8 - الحاصرتان، وترسمان هكذا []
9 - الشرطة، وترسم هكذا-
10 - علامة الحذف، وترسم هكذا .....
11 - الفصلة المنقوطة، وترسم هكذا؛
12 - السنان، وترسم هكذا ^
ولكل علامة من هذه العلامة سبب فى التسمية باسمها، وطرق استعمال مبينة فى الكتب الخاصة بعلامات الإملاء والترقيم فلتبحث فيه (4).
أ. د/ على جمعة محمد
__________
المراجع
1ـ لسان العرب، لابن منظور دار المعارف 4/ 3084ـ المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية دار المعارف 1972م 2/ 660
2ـ لسان العرب، لابن منظور دار المعارف 3/ 1709
3 - نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم لمصطفى عنانى بك مطبعة حجازى بالقاهرة نشر محمود توفيق، الطبعة الخامسة 1937 م ص 42 - المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية دار المعارف 972 1 م 1/ 366.
4 - رسالة فى الترقيم والحكاية والخطاب والأسلوب النزيه، وضعها محمود أحمد خليل راشد وما بعدها، مطبعة الرشاد بالإسكندرية سنة 1929 م- 1347 هـ- نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم، تأليف مصطفى عنانى بك ص 43 وما بعدها.
5 - الإملاء والترقيم: عبد العليم إبراهيم- مكتبة غريب- القاهرة سنة 1980م(1/457)
28 - العِلَّة
لغة: المرض الشاغل
واصطلاحا:
1 - عند الفلاسفة: كل ما يصدر عنه أمر آخر بالاستقلال أو بوساطة انضمام غيره إليه، وما كان كذلك فهو علة لذلك الأمر، والأمر معلول له، والعلل عندهم إما علة فاعلية أو مادية أو صورية أو غائية، ويطلق عليها فى مجموعها العلة التامة.
2 - عند العروضيين: التغير اللاحق بالأسباب والأوتاد فى الأعاريض والضروب خاصة، لازما لها (والسبب حرفان أحدهما ساكن والآخر متحرك والوتد ثلاثة حروف متحركان وساكن أو متحركان بينهما ساكن، والأعاريض آخر الشطرة الأولى، والضروب آخر الشطرة الأخيرة من البيت).
وحروف العلة عند النحاة هى الواو والألف والياء.
3 - عند الأصوليين: وصف ظاهر منضبط يلزم من وجوده وجود الحكم ويلزم من عدمه عدم الحكم لذاته، ويقصدون بالظاهر ضد الخفى، وبالمنضبط ضد المضطرب.
والعلل العقلية عند الفلاسفة مؤثرات بمعنى أن العلة تقارن المعلول ومن هنا أنكر المتكلمون أن الله علة للعالم كما تقول الفلاسفة حيث يترتب على ذلك القول بِقِدَم العالم وهو ما لا يقبله المسلمون حيث إن القول بِقِدَم العالم يعنى عندهم أن هناك شريكا للخالق فى ِقدَمه وهو سبحانه منزه عن الشريك.
والعلل الشرعية عند الأصوليين معرفات لا مؤثرات، ولذلك يمكن وجود علتين لحكم واحد لأن المعرفات قد تتعدد على المعرَّف الواحد.
فالإسكار علة تحريم الخمر، وذلك لما اشتمل عليه من معنى ذهاب العقل وهو وصف يحسن شرع حكم التحريم عنده حيث إن مراد الله من خلقه العبادة له وعمارة الكون وهما لا يحصلان إلا ممن لديه العقل، والعقل مناط التكليف، وذهاب العقل حكمته، والفرق بين العلة والحكمة أن العلة منضبطة والحكمة قد لا تنضبط.
والعلة ركن من أركان القياس: (وهى الأصل، وحكم الأصل وعلة حكم الأصل، والفرع) ويمكن الوصول إليها عن طريق النص أو الاستنباط، وطرق الوصول إلى العلة تسعة وهى:
1 - النص
2 - الإجماع.
3 - الإيماء
4 - التقسيم والسبر
5 - الكسر
6 - المناسبة
7 - التأثير
8 - الشبه
9 - الد وران
ومن المشهور أن الحكم يدور وجودا وعدما مع علته لا مع حكمته.
أ. د./ على جمعة محمد
__________
المراجع
1 - الأربعين فى أصول الدين. فخر الدين الرازى. الكليات الأزهرية مصر.
2 - الأنوار الساطعة فى العلة الجامعة. رمضان عبد الودود. المطبعة المحمدية مصر
3 - الكافى فى العروض والقوافى. أحمد الدمنهورى، مصطفى الحلبى مصر(1/458)
29 - العلمانية
العلمانية مصطلح ترجم بمصر والمشرق العربى للكلمة الإنجليزية ( SECULARISM) بمعنى: الدنيوى والواقعى، والعالمى .. ذلك لأن العلمانية هى نزعة فلسفية وفكرية وسياسية واجتماعية ترى العالم مكتفيا بذاته، تدبره الأسباب الذاتية المودعة فيه .. فالعالم والواقع والدنيا هى مرجعية التدبير للاجتماع الإنسانى والدولة والحياة، ومن ثم فإن الاجتماع والحياة والدولة ليست فى حاجة إلى مدبر من خارج هذا العالم ومن وراء هذه الطبيعة .. والإنسان مكتف بذاته، يدبر شئونه ويبدع قيمه ونظمه بواسطة العقل والتجربة، وليس فى حاجة إلى شريعة سماوية تحكم هذا التدبير.
فالعلمانية- لذلك- تضبط بفتح العين، لأنها نسبة إلى العالم وهناك فى المغرب العربى من يترجمها بالدنيوية.
ولقد نشأت العلمانية- بأوربا- فى سياق النهضة الحديثة، وكانت من أبرز معالم فلسفة التنوير الوضعى الغربى، التى جابه بها فلاسفة عصر الأنوار- فى القرنين السابع عشر والثامن عشر- سلطة الكنيسة الكاثوليكية بعد أن تجاوزت هذه الكنيسة الحدود التى رسمتها لها النصرانية، وهى خلاص الروح، ومملكة السماء، وترك ما لقيصر لقيصر والاقتصار على ما لله .. لقد تجاوزت الكنيسة- حدود رسالتها واختصاصاتها، فبعد عصور من سيادة نظرية " الّسيْفَين theory of the two swords أى السيف الروحى- أو السلطة الدينية للكنيسة- والسيف الزمنى أى السلطة المدنية للدولة جمعت الكنيسة السلطتين معا فضمت ما لقيصر إلى ما للكنيسة واللاهوت فى ظل نظرية "السيف الواحد" theory of one sword
وتحت حكم "البابوات الأباطرة" أضفت الكنيسة قداسة الدين وثباته على المتغيرات الدنيوية والاجتماعية- أفكارا وعلوما ونظما- فرفضت وحرمت وجرمت كل ما لا وجود له فى الأناجيل، وبذلك دخلت أوربا عصورها المظلمة، الأمر الذى استنفر رد الفعل العلمانى، الذى حرر الدنيا من كل علاقة لها بالدين. ففى مواجهة الكهنوت الكنسى الذى قدس الدنيا وثبتها، وجعل اللاهوت النصرانى المرجع الوحيد للسياسة جاء رد الفعل العلمانى لينزع كل قداسة عن كل شئون الدنيا، وليحرر العالم من سلطان الدين، وليعزل السماء عن الأرض، جاعلا العالم مكتفيا بذاته، والاجتماع والدولة والنظم والفلسفات محكومة بالعقل والتجربة، دونما تدخل من الدين.
ولقد ساعدت الملابسات التى نشأت فيها العلمانية على هزيمة الكنيسة وتراجع اللاهوت النصرانى أمام النزعة العلمانية. وكان التخلف الأوربى شاهدا على فشل الحكم الكنسى الكهنوتى وكانت هذه الملابسات الواقعية والمواريث الدينية والفلسفية- فى أوربا- عونا لانتصار العلمانية على الكنيسة وسلطانها.
ولقد تميز تياران فى إطار فلاسفة العلمانية الأوربية:
أولا: تيار مادى ملحد، طمح إلى تحرير الحياة- كل الحياة- من الإيمان الدينى .. وكانت الماركسية أبرز إفرازات هذا التيار.
ثانيا: تيار مؤمن بوجود خالق للكون والإنسان، لكنه يقف بنطاق عمل هذا الخالق عند مجرد الخلق فيحرر الدولة والسياسة والاجتماع من سلطان الدين، مع بقاء الإيمان الدينى علاقة خاصة وفردية بين الإنسان وبين الله .. ومن فلاسفة هذا التيار "هوبر (588 1 - 679 1م)، ولوك (632 1 - 1716م)، وليبيز (1646 - 1716 م)، وليسينج (1792 - 1871م)، ورسو
(1712 - 778 1م) ".
ولقد ظلت العلمانية خصوصية غربية حتى القرن التاسع عشر، عندما جاءت إلى بلادنا الإسلامية فى ركاب النفوذ الأجنبى والاستعمار الغربى الحديث .. وإذا كانت مصر بحكم موقعها قد مثلت طليعة الأقاليم الشرقية فى التأثر بالفكر الأوروبى ومنه العلمانية فلقد كان وفود العلمانية إليها نموذجا لتسللها من أوربا إلى بلاد الشرق الإسلامى فى ركاب النفوذ الأجنبى والاستعمار الحديث.
فبعد تحطيم النظام الحمائى للصناعة والتجارة الذى أقامه محمد على باشا فى مصر، زاد نفوذ التجار الأجانب، ونشأت على عهد الخديوى سعيد، فى سنة 272 1هـ 1855م أول محكمة تجارية مختلطة بين المصريين والأجانب "مجلس تجار" تسلل إليها القانون الوضعى الفرنسى.
ومع تزايد أعداد الجاليات الأجنبية ونفوذها وخاصة بعد عقد اتفاقية حفر قناة السويس نشأت المحاكم القنصلية لتقضى فى المنازعات الناشئة بين المصريين وبين الأجانب، وقضاتها أجانب ولغاتها أجنبية، وقانونها وضعى علمانى.
ولما زادت فوضى القضاء القنصلى تم إنشاء المحاكم المختلطة بقضاة أجانب ولغة فرنسية وشريعة نابليون.
وبعد أن كان هذا الاختراق فى المحاكم القنصلية ثم المختلطة مقصورا على المنازعات التى يكون أحد طرفيها أجنبيا حدث تعميم لبلوى هذا الاختراق العلمانى فى كل القضاء الأهلى أى فيما عدا المحاكم الشرعية، التى انحصر اختصاصها فى شئون الأسرة والأحوال الشخصية وكان ذلك عقب الاستعمار الإنجليزى لمصر، فيما سمى بالإصلاح القضائى سنة 883 1م.
ولقد استعان الغرب الاستعمارى بنفر من أبناء الأقلية المارونية الذين تربوا فى مدارس الإرساليات التنصيرية بلبنان فى الدعوة إلى نموذجه الحضارى العلمانى، فكان فرح أنطون 874 1 - 922 1م أول دعاة العلمانية فى بلادنا .. ثم تخلّق للعلمانية تيار فكرى بلغ ذروته فى كتاب الشيخ على عبدا لرازق (887 1 - 966 1م) عن (الإسلام وأصول الحكم) الذى صدر سنة 925 1م مصورا الإسلام كالنصرانية دينا لا دولة، ورسالة لا حكما، يدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
وفى مواجهة هذا التسلل العلمانى إلى بلادنا كانت مقاومة تيار الإحياء والتجديد الدينى لعلمانية القانون والنهضة .. فلقد رأى هذا التيار الإحيائى التجديدى فى العلمانية عدوانا على شمولية المنهاج الإسلامى لأنه دين ودولة وجامع بين ما لقيصر وما لله .. ولأن نطاق عمل الذات الإلهية- فى التصور الإسلامى- لا يقف عند مجرد الخلق، وإنما هو سبحانه وتعالى خالق ومدبر للعالم والاجتماع بواسطة الشرائع والرسالات:) لا له الخلق والأمر [(الأعراف 54) {قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له} (الأنعام 162، 163).
فكان رفاعة الطهطاوى (801 1 - 873 1م) أول من انتقد تسلل القانون التجارى لنابليون إلى المجلس التجارى فى الموانىء التجارية، ودعا إلى تقنين فقه المعاملات الإسلامية الوافى بتنظيم المنافع العمومية، لأن بحر الشريعة الغراء لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها.
ونهض القانونى البارز محمد قدرى باشا (821 1 - 888 1م) وهو من تلامذة الطهطاوى بتقصى فقه المعاملات للمذهب الحنفى، ليقدم البديل الإسلامى فى القانون، كجزء من الرفض والمقاومة للقانون الوضعى العلمانى.
ولقد عبر الإمام محمد عبده (849 1 - 905 1م) بلسان مدرسة الإحياء والتجديد الإسلامى عن ضرورة إسلامية النهضة؛ لأن الإسلام على عكس النصرانية منهاج شامل، فهو: كمال للشخص، وأُلفة فى البيت، ونظام للملك، وسبيل الدين لمريد الإصلاح فى المسلمين سبيل لا مندوحة عنها".
ومنذ ذلك التاريخ، ظل التدافع سجالا، فى واقعنا الفكرى والقانونى والسياسى بين دعاة العلمنة لمشروعنا النهضوى وبين دعاة إسلامية هذا المشروع.
وعندما أعادت مصر صياغة قانونها المدنى، الذى وضعه الدكتور عبد الرزاق السنهورى باشا (895 1 - 1971م) والذى طبق عقب إلغاء الامتيازات الأجنبية سنة 948 1م، زادت فى هذا القانون مرجعية الشرعية الإسلامية عنها فى سابقه الذى وضع سنة1883م ولما وضعت مصر دستورها الجديد سنة 971 1م نصت مادته الثانية على أن مبادىء الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للقوانين وفى التعديل، الذى تم الاستفتاء عليه، لهذه المادة سنة 980 1م غدت الشريعة هى المصدر الرئيسى للقوانين، فانفتح بذلك الباب الدستورى أمام المشروع المصرى لأسلمة القانون، ولإجلاء العلمانية عن المواقع التى احتلتها فى بلادنا تحت نفوذ وحراب الاستعمار.
أ. د/ محمد عمارة
__________
المراجع
1 - الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوى: دراسة وتحقيق د. محمد عمارة، ط بيروت سنة 1973 م.
2 - الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده: دراسة وتحقيق د. محمد عمارة. ط دار الشروق. القاهرة 1993 م.
3 - تقويم النيل: لأمين سامى باشا. ط القاهرة 1936 م.
4 - عصر إسماعيل: عبد الرحمن الرافعى. طبعة القاهرة 948 1م.
5 - العلمانية بين الغرب والإسلام: د. محمد عمارة، ط دار الوفاء. القاهرة 1996 م.(1/459)
30 - علم الحديث
لغة: العلم إدراك الشىء بحقيقته، واليقين. (1)
واصطلاحا: يشمل علم الحديث موضوعين رئيسيين: علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية.
1 - علم الحديث رواية: هو العلم الذى يقوم على نقل ما أضيف إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خِلقيّة وخُلُقِيّة نقلا دقيقا محررا (2).
ويرى بعض الباحثين أنه يقوم أيضا على نقل ما أضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم.
فموضوع هذا العلم: هو أقوال النبى (صلى الله عليه وسلم) وأفعاله وتقريراته وصفاته من حيث نقلها نقلا دقيقا، فهو يتناول ضبط كل حديث ونقله.
وفى العناية بعلم الحديث رواية: حفظُ السنة وضبطها والاحتراز عن الخطأ فى نقل ما أضيف إلى النبى (صلى الله عليه وسلم). وبهذا يقدم الحديث إلى الأمة كى تستمد منه أحكامها وتقتدى برسولها، وتؤدى السنة فى الأمة دورها باعتبارها المصدر الثانى من مصادر التشريع الإسلامى.
2 - علم الحديث دراية: هو علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن (3)، وهذه القوانين هى القواعد والأصول التى يتوصل بها إلى معرفة الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وما يتصل بذلك من شروط الرواية، ومعرفة الرواة وأحوالهم، وجرحهم وتعديلهم، وتواريخ الرواة من حيث الولادة والوفاة، والناسخ والمنسوخ، ومختلف الحديث، وغريبه، وغير ذلك من المباحث والأنواع التى تذكر فى هذا العلم، وفى كتبه (4).
فموضوعه: السند والمتن أو الراوى والمروى من حيث القبول والرد والقواعد التى تبين ذلك، وغايته معرفة الصحيح من غيره (5).
ولا يستغنى أحد العلمين عن الآخر، وعلم الحديث رواية لا يجدى ما لم يقترن بعلم الحديث دراية؛ كى يمكن معرفة المقبول من المردود، وقد أطلق علماء الحديث على علم الحديث دراية اسم "مصطلح الحديث " واسم "أصول الحديث ".
والحق أن كل موضوع من موضوعات علم الحديث دراية يستحق أن يطلق عليه علم قائم بذاته، لكثرة ما فيه من مجالات وقواعد، ومن ثم قيل: علم الجرح والتعديل، وعلم الرواة، وعلم مختلف الحديث، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم غريب الحديث .... وهكذا، ولهذا أطلقوا على علم الحديث: علوم الحديث؛ لأن كل موضوع من موضوعاته يستحق أن يكون علما قائما بذاته، يقول الحازمى: "علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تبلغ مائة، كل نوع منها علم مستقل، لو أنفق الطالب فيه عمره ما أدرك نهايته " (6)
وسمى كتاب الحاكم "معرفة علوم الحديث "، وكتاب ابن الصلاح "مقدمة فى علوم الحديث " أو: "علوم الحديث " (7).
وعلم الحديث رواية نشأ فى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) إذ تلقى الصحابة- رضوان الله عليهم- الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورووه إلى من بعدهم.
ونشأ التدوين فى عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعلى سبيل المثال دوَّن عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفته التى رواها حفيده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ودوَّنت صحيفة على بن أبى طالب - رضي الله عنه - وكان عند جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما- صحيفة ... وكثير من الصحابة (8). ثم كثر التدوين حتى بدأ التدوين الشامل فى مصنفات فى عهد عمر بن عبد العزيز، وأُلَفت الكتب فى علوم الحديث دراية وهى التى تصون الروايات وتميزها وتتناول قواعد ذلك.
ونشأت بذور علوم الحديث دراية فى وقت مبكر ومنذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ككيفية الرواية والتثبت فيها وبيان الأخطاء فيها، والجرح والتعديل ... ، ثم ألفت الكتب الخاصة التى تتناول هذه العلوم.
وأول من ألف فى علوم الحديث دراية: أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزى (ت 360 هـ) ألف كتابه " المحدث الفاصل بين الراوى والواعى" (9)، ولكونه أول محاولة لم يستوعب كل أنواع هذه العلوم ومباحثها.
ثم جاء بعده أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابورى (ت 405 هـ) وألف كتابه "معرفة علوم الحديث " (10)، ولكنه لم يهذب الفن كما ينبغى، ولم يرتبه الترتيب المنشود.
ثم جاء الخطيب البغدادى أحمد بن على بن ثابت (392 - 463 هـ) فألف فى قوانين الرواية كتابه " الكفاية فى قوانين الرواية " (11).
ثم جاء القاضى عياض بن موسى اليحصبى (479 - 544 هـ) فألف كتابه " الإلماع فى ضبط الرواية وقوانين السماع " (12).
ثم جاء الحافظ الفقيه أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح الشّهَرزورى فألف كتابه المشهور" علوم الحديث"، ويعرف بمقدمة ابن الصلاح، وقد جمع ابن الصلاح متفرقات هذا الفن من كتب مطولة فى هذا الحجم اللطيف (13).
وقد اعتنى العلماء بكتاب ابن الصلاح وسار فى فلكه جُلّ من ألف بعده فى علوم الحديث.
أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط 2/ 646.
2 - تدريب الراوى، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف- دار الفكر- بيروت 1/ 40.
3 - هكذا عرفه عز الدين بن جماعة (تدريب الراسخ1/ 411).
4 - المصدر السابق 1/ 40 - 41
5 - المصدر السابق 1/ 41.
6 - المصدر السابق 1/ 53.
7 - انظر الصفحة الأولى من مخطوط ابن الصلاح فى أول المطبوعة تحقيق بنت الشاطىء (طبعة دار المعارف- مصر).
8 - دراسات فى الحديث النبوى للأعظمى، ص 92 - 142 نشر جامعة الرياض.
9 - طبع بتحقيق عجاج الخطيب- بيروت- دار الفكر. علم 1 139 هـ/ 1971 م.
10 - طبع بالهند- حيدر آباد الدكن.
11 - طبع أكثر من طبعة فى الهند ومصر
2 1 - طبع فى تونس بتحقيق السيد أحمد صقر عام 1389 هـ/ 1970 م.
13 - طبع اكثر من طبعة أشهرها: طبعة بتحقيق بنت الشاطئ، وطبعة بتحقيق نور الدين عتر ..(1/460)
31 - علم الطبيعة
لغة: الطبيعة السجية، وهى القوة السارية فى الجسم التى بها يصل إلى كماله الطبيعى (لسان العرب).
واصطلاحا: العلم المختص بتفهم الظواهر الطبيعية التى تحدث فى الكون معتمدا على الملاحظات التجريبية والقياسات الكمية.
وأهم أهدافه استنباط القوانين التى تحكم الظواهر الطبيعية لتطوير نظريات يمكن لها أن تتنبأ بنتائج التجارب، وتصاغ القوانين الأساسية لهذه النظريات بلغة الرياضيات التى تمثل الجسر الذى يربط بين النظرية والتجربة.
وعندما يظهر تناقض بين النظرية والتجربة الفيزيقية، تنبثق نظريات جديدة وتجارب جديدة لحل هذا التناقض، وفى هذا دفع للبحث العلمى.
وتنقسم الفيزيقا إلى ستة مجالات، هى:
1 - الميكانيكا التقليدية التى تختص بحركة الأجسام ذات سرعة تقل كثيرا عن سرعة الضوء.
2 - النظرية النسبية التى تصف الجسيمات المتحركة بسرعة تقترب من سرعة الضوء.
3 - الديناميكا الحرارية وتختص بدراسة تغير درجة حرارة الأجسام على التركيب الداخلى للمواد.
4 - الضوء ويتضمن الضوء الفيزيقى والضوء الهندسى والظواهر الضوئية المختلفة، وكذلك علم الليزر الذى ظهر حديثا.
5 - الكهرومغناطيسية وتتضمن النظرية الكهربائية والمغناطيسية والمجالات الكهرومغناطيسية.
6 - ميكانيكا الكم وهى نظرية تختص بسلوك الجسيمات على المستوى بالغ الصغر (دون المجهر).
وتسمى الفيزيقا التى تم تطويرها قبل عام 1900م "الفيزيقا التقليدية".
ومن العلماء الذين أسهموا بجهد كبير فى تطوير هذه الفيزيقا على مر العصور.
كل من العالم العربى المسلم "الحسن بن الهيثم" (357 - 430هـ/965 - 1038م) الذى أنجز معظم أعماله فى مدينة القاهرة، وأهمها نظرية الضوء والتفسير الصحيح لعملية الرؤية، وقد تضمن كتابه "المناظر" بحوثا عديدة تعتبر انقلابا فى علم الضوء.
وترجم هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية بعد وفاته بقرنين من الزمان، وظل هو المرجع الرئيسى لعلم الضوء حتى القرن السابع عشر.
كما أن العالم المصرى القاهرى "ابن يونس" (399هـ/1008م) هو مخترع الرقاص (بندول الساعة) والذى ينسب خطأ للعالم الإيطالى جاليليو (564 - 1642م) الذى أسهم فى تطويرعلم الميكانيكا التقليدية.
وإذا كان العالم الإنجليزى إسحق نيوتن (1642 - 1727م) قد صاغ قانون الجاذبية، وقوانين الحركة الثلاث؛ فإن مفهوم القانون الأول لنيوتن قد ظهر فى أعمال العلماء المسلمين ابن سينا (ت 428هـ-1037م) والرازى (ت 321هـ-924م) وغيرهم.
ومن العلماء المسلمين الذين كان لهم دور كبير فى تقدم علم الفيزيقا "الخازن" القرن السادس الهجرى. القرن الثانى عشر الميلادى) الذى وضع كتابا فى الميكانيكا سماه "ميزان الحكمة" وقد سبق العالم تورشيللى (1608 - 1647م) فى وزنه الهواء، وفى تفسيره بأن حركة الأجسام فى الهواء لها قوة رافعة كالسوائل، كما قام الخازن بقياس كثافة كثير من العناصر والمركبات بدرجة من الدقة لم يصل إليها علماء القرن الثامن عشر كما أوضح أن سقوط الأجسام إلى الأرض ناتج عن قوة تجذب هذه الأجسام فى اتجاه مركز الأرض، وهذا هو قانون الجاذبية الذى ينسب إلى نيوتن.
وبنهاية القرن التاسع عشر بدأت الفيزيقا الحديثة فى الظهور، وسبب ظهورها هو قصور الفيزيقا التقليدية عن تفسير عدد من الظواهر الفيزيقية التى تم كشفها، مثل تفسير حركة الجسيمات بسرعة تقترب من سرعة الضوء، والذى فشلت قوانين نيوتن فى تفسيرها، فظهرت النظرية النسبية للعالم ألبرت أينشتين (1879 - 1955م) لتوضح هذا التفسير، كما توضح أن سرعة الضوء فى أقصى سرعة فى الكون، وكذلك تحدد العلاقة بين الكتلة والطاقة.
وقد فشلت الفيزيقا التقليدية أيضا فى تفسير عدد من الظواهر الفيزيقية مثل سلوك الذرات والجزيئات والأنوية، فظهر علم ميكانيكا الكم على أيدى مجموعة من العلماء منهم نيلزبور (1885 - 1962م) وشرودنجر (1887 - 1961م) وهيزنبرج (1901 - 1976م).
وتعتمد هذه النظرية على مبدأ عدم الحتمية الذى صاغه هيزنبرج، ويتمثل فى استحالة حساب سرعة جسيم مع تحديد مكانه بنفس الدقة، كما تعتمد على اعتبار أن الجسيم الدقيق يمكن أن يسلك سلوك الموجات ومنه ظهرت معادلة شرودنجر الشهيرة التى تصف حركة الجسيمات عن طريق دراسة الموجات المصاحبة لها. وبحل هذه المعادلة يتم التوصل إلى الوصف الدقيق للذرة ومكوناتها، وهى النواة الموجبة والإلكترونات السالبة الشحنة، والتى تتحرك على مسافة بعيدة عن النواة -رغم ارتباطها بها- حتى لا تتلاشى الشحنات، وتتركب النواة من جسيمات البروتون والنيوترون التى تتماسك بقوة هائلة.
وقد ظهرت اشعة الليزر عام 1960 وهى عبارة عن تكبير للضوء ناتج عن إثارة عدد كبير من ذرات عناصر معينة -مثل الهليوم والنيون- والتى عندما تعود إلى حالتها الطبيعية تنطلق هذه الأشعة، واليوم أصبح لها تطبيقات فى معظم فروع العلم والصناعة والطب.
ويمكن تلخيص علم الفيزيقا بأنه يتناول دراسة القوى الأساسية فى الكون وهى كالآتى:
1 - القوى النووية القوية: وهى التى تربط بين دقائق النويات (البروتون والنيوترون).
2 - القوى النووية الضعيفة: وهى القوى الناتجة عن إشعاع الجسيمات الدقيقة (بيتا) والأشعة (جاما) والجسيمات غير الدقيقة (ألفا) من العناصر المشعة مثل (اليورانيوم).
وتستخدم هذه المصادر فى الطب والصناعة.
3 - القوى الكهرومغناطيسية: وهى قوى التجاذب بين الشحنات المتضادة والتنافر بين الشحنات المتشابهة.
4 - القوى التثاقلية: وهى الناتجة عن تجاذب الأجسام مثل الأرض والشمس أو الأرض والقمر، وينتج عنها استقرار الحركات الدورانية للكواكب والتوابع.
ومن العلماء المسلمين الذين أسهموا فى تطوير علم الفيزيقا الحديثة العالم الباكستانى عبد السلام (1926 - 1994م) الذى قام بتوحيد القوى النووية الضعيفة والقوى الكهرومغناطيسية لتصبح مجالا موحدا، وقد نال جائزة نوبل فى الفيزيقا عام 1979م عن نظريته تلك.
والعالم المصرى أحمد زويل الذى نال جائزة نوبل عام 1999م بعد أن اكتشف وحدة قياس جديدة لقياس الزمن المتناهى فى الصغر.
أ. د/على حلمى موسى
__________
مراجع الاستزادة:
1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية، مجمع اللغة العربية القاهرة.
2 - تاريخ العلم ودور العلماء العرب فى تقدمه د/عبدالحليم منتصر دار المعارف سنة 1980م.
3 - الحياة العلمية فى الدولة الإسلامية محمد الحسينى عبدالعزيز وكالة المطبوعات بالكويت.
4 - تقدم العرب فى العلوم والصناعات وأستاذيتهم لأوربة عبدالله بن العباس الجرارى دار الفكر العربى القاهرة سنة 1961م.
5 - فلسفة العلوم الطبيعية "كارل همبل ترجمة د/جلال محمد موسى دار الكتاب المصرى(1/461)
32 - علم الفلك
لغة: المدار الذى يسبح فيه الجرم السماوى.
واصطلاحا: يتناول دراسة المجرات البعيدة والمذنبات، والشهب والنيازك والنجوم والكواكب أو مجموعات النجوم ويبحث فيه الفلكيون عن جوهر الكون مستخدمين أعينهم أو المنظار الثنائى أو التلسكوب أو سفن الفضاء.
ويتميز علم الفلك بأنه العلم الذى ليس له حد يفصل بين الهواة والمحترفين، بل إنه فى أحيان كثيرة تكون لمعلومات الهواة فائدة كبرى للفلكيين فى أبحاثهم.
وبالنظر إلى مجموعات النجوم فى الفضاء، نجد أن كل مجموعة لها حدود ونجوم متألقة ونجوم أقل تألقا ونجم كبير.
والآن يتعرف الفلكيون على 88 مجموعة فى السماء تقع 44 منها فى النصف الشمالى للسماء، و 44 فى النصف الجنوبى.
وعلى مر العصور كان للثقافات المختلفة اهتمامات بمجموعات نجوم خاصة بها.
وللتعرف على هذه المجموعات يجب النظر إلى السماء عندما يكون القمر محاقا، ومع استمرار التحديق فى أى مجموعة نلاحظ حركتها من الشرق إلى الغرب نتيجة لدوران الأرض حول محورها.
وعندما ننظر إلى السماء تظهر لنا على هيئة نصف كرة ولكنها فى الحقيقة كرة كاملة، تسمى القبة السماوية وتحيط بالكرة الأرضية ويظهر لنا القمر والنجوم والكواكب والمجرات وكل ما هو موجود فى الكون كأنه متصل بهذه القبة السماوية. وكما يتم تحديد الأماكن على سطح الأرض بخطوط الطول والعرض يتم تحديد مواقع الأجسام السماوية بعنوان مشابه، وهما خط الطول وزاوية السمت. ونظرا للعدد الهائل للنجوم، فإنه من الصعب جدا إيجاد المسافات بينها، ولكن أقصى ما يمكن عمله هو إيجاد المسافات بين أنواع مميزة من النجوم، أو المسافات التى تفصل بين النجوم فى منطقة صغيرة، فإذا جمعنا هذه البيانات أمكن وضع تصور قريب من الواقع لأبعاد الكون.
وقد بدأ اهتمام الإنسان بعلم الفلك منذ خلقه الله، وقد قام بملاحظة القمر منذ فجر التاريخ وأحيانا كان يقدسه وأحيانا يدرسه، ومنذ عام 1969 بدأ يمشى على سطحه كما قام بجمع عينات من حجارته.
ولقد كان للعرب والمسلمين دور كبير فى تقدم علم الفلك، إذ كانت بعض مسائله مما يطالب المسلم بصرفتها كأوقات الصلاة التى تختلف بحسب الموقع، وتتغير من يوم إلى يوم، وفوق ذلك فاتجاه المسلمين إلى الكعبة فى صلواتهم يستلزم معرفتهم سمت اتجاه القبلة وكذلك هلال رمضان وأحكام الشريعة والصوم.
وبدأ اهتمام العرب والمسلمين بترجمة كتب الفلك فى العصر الأموى بدءا بكتاب عرض مفتاح النجوم المنسوب إلى هرمس الحكيم، ثم بعد ذلك كتاب السند هند الكبير الذى اختصره الخوارزمى (توفى عام 232هـ/846م) فيما بعد وكتاب الأربع مقالات فى صناعة أحكام النجوم لبطليموس الذى نقله أبو يحيى البطريق (توفى عام 200هـ/815م)، وكتاب المجسطى لبطليموس والذى شارك فى شرحه ونقله وإصلاح أغلاطه عدد من الفلكيين العرب مثل النيريزى (توفى عام 310هـ-922م) والبوزجانى (توفى عام 388هـ-998م) والبيرونى (توفى عام 440هـ-1048م) والطوسى (توفى عام 672هـ-1274م) والشيرازى (توفى عام 710هـ-1311م)، ثم بعد ذلك أسهم علماء الفلك العرب بمؤلفاتهم القيمة مثل: "ماشاء الله" الذى ألف فى الإسطرلاب ودوائره النحاسية و"يحيى بن ابى منصور" الذى وضع زيجا (جدولا) فلكيا مع "سند بن على". وفى عهد الخليفة المأمون ألف "موسى بن شاكر" و "أحمد بن عبدالله بن حبش" أزياجا (جداول) فى حركات الكواكب.
وقد قام علماء الفلك فى عهد المأمون بتقدير محيط الأرض وتوصلوا لقيمة تقترب من القيمة الحقيقية، كما وضع البيرونى نظرية بسيطة لتقدير محيط الأرض، ودقق الفلكيون العرب فى حساب طول السنة الشمسية، وأخطأوا فى حسابهم بمقدار دقيقتين و 22 ثانية ويعود سبب الخطا إلى اعتمادهم على أرصاد بطليموس.
وقد توصل البتانى (توفى عام 317هـ/929م) إلى تقدير بعد الشمس عن الأرض بأنه يساوى 1070 مرة، مثل نصف قطر الأرض وهذه النتيجة قريبة من القيمة الحقيقية.
وقد وضع الصوفى (توفى عام 376هـ/986م) جداول دقيقة لبعض النجوم الثوابت، وكان أول من أشار فى عام 964م إلى التجمع النجمى أندروميدا، ووصفه بأنه سحابة صغيرة، وظلت هذه الحقيقة قائمة حتى وضع عالم الفيزيقا المعاصر واينبرج أفكاره عن الثلاث دقائق الأولى فى عمر الكون عام 1977م.
ويمكن تلخيص فضل العرب والمسلمين على علم الفلك، بأنهم نقلوا الكتب الفلكية عن اليونان والفرس والهنود والكلدان والسريان، وصححوا بعض أغلاطها وتوسعوا فيها، وهذا عمل جليل لا سيما إذا عرفنا أن أصول تلك الكتب قد ضاعت، ولم يبق منها غير ترجماتها العربية، وعن هذه الترجمات نقل الأوربيون أصول علم الفلك، كما هى وقد أضاف العرب اكتشافات قطع بها علم الفلك شوطا كبيرا، ويذكر أن نصف أسماء النجوم هى من وضع العرب ولاتزال مستعملة بلفظها العربى فى اللغات الأجنبية. كما يشهد للعرب أنهم جعلوا علم الفلك علما استقرائيا يعتمد على المشاهدات، كما أنهم قد طهروا علم الفلك من أدران التنجيم.
وقد تطور علم الفلك فى عصر النهضة (لقرون 15 - 17) تطورا كبيرا. فقد كان العلماء فى التاريخ القديم (منذ بطليموس فى القرن الثانى الميلادى) يعتبرون أن الأرض مركز العالم، ويقول علماء الغرب أن هذا الاعتقاد ظل سائدا لمدة أربعة عشر قرنا حتى اقترح الفلكى البولندى "كورنيقوس" 1473 - 1543م) أن الأرض والكواكب تدور فى مسارات دائرية حول الشمس، ثم قام الفلكى الدانيمركى "تيكوبراها" (1546 - 1601م) بإجراء قياسات فلكية على مدار عشرين عاما كانت الأساس الذى بنى عليه نموذجا للمجموعة الشمسية.
وبعد ذلك قام الفلكى الألمانى "تبلر" (1571 - 1630م) بوضع قوانينه الثلاثة لشرح الحركة الكوكبية، وفى عام 1929 توصل العالم الأمريكى هارلوشيبلى (1885 - 1972) إلى أن شكل المجرة مفلطح، وتشبه ساعة المعصم، وتحتوى على النجوم والسديم والسحب النجمية، وأن الشمس والكواكب لا تقع فى مركزها، وأن رحلة الضوء من مركز المجرة فى اتجاه حدودها حيث الشمس والنجوم المرئية تبلغ أكثر من خمسين ألف سنة.
وفى عام 1977 نشر عالم الفيزيقا ستيفن واينبرج (1933) الحائز على جائزة نوبل فى الفيزيقا كتابا بعنوان الدقائق الثلاث الأولى يشرح فيه فكرة أصل الكون القائمة على أساس نموذج الانفجار العظيم، المبنى على عدد كبير من نتائج التجارب العملية الفيزيقية المختلفة، كما تعتمد الفكرة على أن الكون فى تمدد مستمر.
وكان الفلكى توماس رايت، قد قال عام 1750م: "منذ أن كانت الخليقة فإن الخالق نفسه يتجلى فى كل ما حولنا فإننا نستطيع أن نقرر أن هناك 170 مليون عالم مسكون فى مجرتنا. فى هذا الخلق الكونى العظيم فإن كارثة عالم مثل عالمنا أو حتى الاختفاء التام لعدد من النظم الكونية قد يكون ممكنا لمؤلف الطبيعة العظيم تماما كإمكانية حدوث حادث لحياة أحدنا".
وقد ذكر العالم الباكستانى محمد عبدالسلام أنه أنهى حديثه عند استلامه جائزة نوبل فى الفيزيقا بالآيتين التاليتين:
قال تعالى: {الذى خلق سبع سماوات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} الملك:3،4.
أ. د/على حلمى موسى
__________
مراجع الاستزادة:
1 - تاريخ الفلك عند العرب د/إمام إبراهيم أححمد.
2 - الجغرافيا الفلكية شفيق عبدالرحمن على، دار الفكر العربى سنة 1397 هـ.
3 - الطبيعة الجوية د/محمد جمال الدين الفندى. الكويت سنة 1977م.
4 - تراث العرب العلمى فى الرياضيات والفلك قدرى حافظ طوقان دار القلم سنة 1963 م القاهرة(1/462)
33 - العِلِّيَّة
لغة: العرض الذى إذا حل فى معروضه يتغير به حاله أى حال معروضه وتطلق على المرض، وعلى السبب.
واصطلاحا: عند الأصوليين عرفها الغزالى بقوله: هى ما أضاف الشارع الحكم إليه وناطه به، ونصبه علامة عليه فقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما .. ) (المائدة 38) جعلت السرقة فيه مناطا لقطع اليد، وقوله (صلى الله عليه وسلم) " القاتل لا يرث " (أخرجه الترمذى) (1) جعل فيه قتل المورث مناطا للحكم وهو حرمان القاتل إرث المقتول.
ومن شروطها عندهم:
1 - أن تكون العلة وصفاً ظاهرا، أى: واضحا يمكن إدراكه والتحقق من وجوده أو عدمه.
2 - أن تكون العلة وصفا منضبطا لا يختلف باختلاف موصوفه.
3 - أن يكون الوصف متعديا غير مقصور على الأصل، فإذا كان مقصورا على الأصل لم يصح القياس لانعدام العلة فى الفرع.
4 - ألا يكون من الأوصاف التى ألغى الشارع اعتبارها، كأن يضيف الشارع الحكم إلى وصف وينوطه ثم تقترن به أوصاف علم بعادة الشرع وموارده ومصادره فى أحكامه أنه لا مدخل لها فى التأثير ككون الذى أفطر فى رمضان بوقاع أهله وأوجب عليه الشارع العتق أعرابيا، فإنا نلحقه كل مكلف أفطر فى رمضان بجماع، وتحذف عن درجة الاعتبار وصف كونه أعرابيا واقع منكوحته فى رمضان معين وفى يوم منه لأنا نعلم من عادة الشارع وموارده ومصادره أن مناط الحكم وقاع مكلف فى رمضان وهو صائم.
والعلل عند أصحاب أصول الفقه نوعان: طردية ومؤثرة، أما الطردية: فهى الوصف الذى اعتبر فيه دوران الحكم معه وجودا فقط عند البعض، ووجودا وعدما عند البعض، فى غير نظر إلى ثبوت أثره فى موضوع بنص أو إجماع.
وعند النحاة هى: ما ينبغى أن يختار المتكلم عند حصوله أمرا يناسبه وذلك الأمر المناسب حكمه وأثره لا بمعنى الموجب فهى ليست عللا موجبة بل نكات يقصد بها نوع رجحان للمستعمل فى محاوراتهم.
وعند الأطباء: العلة هى المرض؟ لأنه بحلوله يتغير به حال الشخص المريض من القوة إلى الضعف.
وعند الحكماء: العلة هى ما يتوقف عليها وجود الشيء ويكون خارجا مؤثرا فيه، والعلة عندهم قسمان:
1 - علة الماهية، وهى ما تقوم بها الماهية من أجزائها وهى إما علة مادية: "ما يوجد الشيء بالقوة"أو علة صورية: "ما يوجد الشيء بالعقل ".
2 - علة الوجود؛ وهى ما يتوقف عليها أنصاف الماهية المتقومة بأجزائها بالوجود الخارجى؛ وهى علة فاعلية "ما يوجد الشىء بسبب " أو علة غائبة "ما يوجد الشيء لأجله ".
والعلة إذا كان المعلول غير محتاج إلى سواها فهى علة تامة وإن لم يكن الأمر كذلك فهى علة ناقصة.
وقد حاول ابن سينا وغيره من فلاسفة الإسلام أن يفسروا الوجود اعتمادا على العلية ويبرهنوا من خلال ذلك على وجود واجب الوجود، وهو الله سبحانه وتعالى، وذلك باعتبار "أن أول ما يتوجب علينا هو إثبات أن أقسام العلل متناهية وأن هناك مبدأ أولا لكل طبقة من تلك الأقسام، وأنها تنتهى كلها إلى مبدأ واحد مباين لكافة الموجودات، وهو الواجب الوجود الواحد ومنه مبدأ وجود لكل موجود،) والشىء الذى يتعلق بالغير بواسطة أحد أنحاء التعلق إنما نحو ممكن الوجود، وليس بواجب الوجود أما الشىء الذى يقع فى بداية السلسلة فيخلو من كافة أنحاء التعلقات ومنزه عن كل أنواع التبعية، وهو واجب الوجود.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - سنن الترمذى- طبع عيسى البابى الحلبى 4/ 425.
مراجع الاستزادة:
1 - التعريفات للجرجانى- دار الكتب العلمية بيروت جـ 1 سنة 1403 هـ، 1983 م.
2 - الموسوعة الفقهية: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية- الكويت.
3 المستصفى- المطبعة الأميرية ببولاق بمصر سنة 1324 هـ.
4 - الإشارات والتنبيهات لابن سيناء- طبع دار الكتب المصرية
5 - الشفاء لابن سينا (الإلهيات) - طبع دار الكتب المصرية.(1/463)
34 - العمارة
لغة: من الإعمار والتعمير، وهى كل ما يبنى على وجه الأرض من مبان (لسان العرب).
واصطلاحا: كل ما يبنى على وجه الأرض بهدف التنمية العمرانية التى تسعى إلى خدمة الفرد والمجتمع، وتستجيب لكافة متطلباته، سكنية وإدارية وثقافية .. الخ. ولا تتعارض مع العقيدة الاسلامية.
وعلى ذلك فليس منها ما يبنى لتخليد الإنسان، كما قال تعالى فى قوم عاد: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} الشعراء:128 - 129.
والعمارة فى الإسلام تشمل كل ما يبنيه المجتمع من مبان على قدر حاجته فيها، وإلا فقد المبنى وضعه الإسلامى، فقد أمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه الناس عند بناء الكوفة بالحجارة ألا يرفعوا بنيانا فوق القدر قالوا وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف ولا يخرجكم عن القصد.
وتمتاز العمارة فى الإسلام بعدة أشياء، منها:
1 - لا تتقيد بشكل، فالشكل يتغير بتغير المكان والزمان حضاريا وبيئيا، أما العقيدة فثابتة ولا يحدها زمان أو مكان.
2 - توفر الخصوصية الشخصية أو الفردية فى الداخل، وتتوافق مع قيم الجماعة من الخارج.
الأمر الذى يضعها فى نظرية عالمية كعالمية الإسلام.
أما ما يطلق عليه جوازا العمارة الإسلامية، فهى تنحصر فيما بنى من تراث فى منطقة محددة من الأرض أطلق عليها العالم الإسلامى، وفى فترة من الزمن أطلق عليها العصر الإسلامى، كما تنحصر فيما يبنى من مبان تحمل بعض العناصر المعمارية المميزة مثل القبة والقبو والعقد مضافة إليها الزخارف الهندسية أو النباتية، وهذا ما يتعارض مع عالمية الإسلام وانتشاره فى بيئات وحضارات مختلفة شرقا وغربا، جنوبا أو شمالا لها خصائصها المعمارية.
وعمارة المسجد لها أصولها الفقهية والإنشائية التى تحرص على توفير الصفاء النفسى خلال أداء الصلاة، كما تحرص على الإقلال من الأعمدة التى تقطع الصفوف باستعمال نظم البناء المتقدمة.
وعمارة المسكن توفر الخصوصية للساكنين ولا تعلو إلى ما هو أكثر من أدوار قليلة تفاديا للخلل الاجتماعى والأمنى، وتبنى المساكن فى مجموعات للجوار يحددها الحديث النبوى الشريف (ألا إن أربعين دارا جار) (رواه الطبرانى) مما ينمى وحدة الجوار والتاخى والتراحم والتكافل بين السكان دون تمييز بين الطبقات، قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات:13.
وللفقراء نصيب من ثمار العمارة فيما يسمى بعمارة الفقراء، والإنفاق على عمارة الفقراء يعتبر من مصارف الزكاة كما جاء فى فتوى د/محمد سيد طنطاوى للجمعية المركزية لإيواء المحتاجين.
د. م/عبدالباقى إبراهيم
__________
مراجع الاستزادة:
1 - أعلام المهندسين فى الإسلام أحمد تيمور مطابع دار الكتاب العربى سنة 1957م.
2 - مساجد مصر وأولياؤها الصالحون د/سعاد ماهرالمجلس الأعلى الإسلامية.
3 - العمارة الفاطمية أحمد فكرى دار المعارف.
4 - المدخل للعمارة الإسلامية أحمد فكرى دار المعارف(1/464)
35 - عمارة الأرض
لغة: عُمر المنزل بأهله كان مسكونا بهم، فهو عامر، وعمَّر الأرض: بنى عليها وأهلها، واستعمره جعله يعمره، والعمارة نقيض الخراب، كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: نسبة إلى التعمير والعمران، بمعنى استمرارية الوظيفة الإنسانية العامة للإنسان، الذى حمل الأمانة عندما استخلفه الله سبحانه وتعالى فى الأرض كى يعمرها ويستخرج ما فيها بجهده وعمله، لتنعم بخيراتها الأجيال اللاحقة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها يقول الله فى كتابه العزيز {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة} البقرة:30، ويقول سبحانه {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} هود:61، كما يقول {ثم جعلناكم خلائف فى الأرض من بعدهم} يونس:14.
ويتضح من هذه الآيات الكريمة كما ذهب الإمام ابن حزم الأندلسى أن حكم الإنسان وخلافته هما حكم من الله -جلت قدرته- الذى حكم وقضى بإستخلاف الإنسان فى إقامة العمران، والنهوض بتكاليفه التى يعمر بها الكون؛ لتتحقق المصلحة الاجتماعية على الوجه المقرر شرعا {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} الشورى:13، وكان الدين بذلك سائدا للعمران، وبين الاثنين تقوم علاقة أشبه ما تكون بالعلاقة الجدلية فى إطار الدين ترقى بالإنسان وبوضعه.
ويقدم الإسلام أروع صورة لعمارة الأرض فى ظل ثقافة التوحيد لله والاستخلاف للإنسان، فى داخل إطار المشروعية العليا الإسلامية، ألا وهى العدل المستمد من التوحيد فلقد شاءت إرادة الخالق عندما خلق الكون وسخره للإنسان {وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا} الجاثية:13، أن يحدد الطريق لإعمار الأرض ضمن إطار من الأحكام:
فهناك الأحكام المتعلقة بالضرورات وهذه ثابتة لا تتغير، والأحكام المتعلقة بالحاجيات كرفع المشقة، وبالتحسينات الملائمة للذوق، وهذه شديدة المرونة على حسب الأحوال، وأرسى بذلك قواعد النظام الاجتماعى فى المجتمع المسلم، ليكون هديا لبنى الإنسان فى كل مكان وزمان.
وليس من شك فى أن عبادة الله هى الأصل والأساس إذ يقول سبحانه وتعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات:56. ولكن العبادة المقصودة بحكم النص القرآنى أن الإنسان العابد لابد أن يكون عاملا منتجا، باعتبار أن العمل الجاد هو السبيل لإسعاد الفرد والجماعة، وفى هذا يقول سبحانه {الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} الحج:41.
كما يقول {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين} القصص:77، ويقول {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} الجمعة:10.
وكما أن الدين دعوة للتراحم والمودة فإنه كذلك دين وسط يدعو للعمل والإنتاج، ليعمر الكون، ويعيش الإنسان فى خير وسعادة عندما يعمر نور الإيمان قلبه، ويحصن نفسه ويهذب أخلاقه، فيحيا فى عمله فالله سبحانه وتعالى يقول {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} التوبة:105 ويقول {ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} المائدة:87، وليس أبلغ من هذا موازنة بين المادة والروح وبين الدين والدنيا، فكما أن الالتزام العام بفروض الكفاية يؤدى إلى التضامن بين أبناء الأمة، كذلك فإن الإنسان بالعمل يكون قدوة للآخرين فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وأن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده) رواه البخارى.
فليس فى الإسلام دعوة إلى الرهبنة أو نكران للمتع الحلال المباحة، وإنما هو دعوة صريحة للعمل الذى يتحقق به الإعمار الذى يعود بالخير على العالمين.
أ. د/محمود أبوزيد
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، مادة (عمر) 2/ 650.
2 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى.
مراجع الاستزادة:
1 - مقدمة ابن خلدون.
2 - حوار فى المعمار الكونى، دار الثقافة، الدوحة، 1407هـ/1987م(1/465)
36 - العمرة
لغة: الزيارة، وقد اعتمر إذا أدى العمرة، وأعمره أعانه على أدائها (1).
واصطلاحا: الطواف بالبيت، والسعى بين الصفا والمروة بإحرام (2).
حكمها:
1 - ذهب المالكية وأكثر الحنفية إلى أن العمرة سنة مؤكدة فى العمر مرة واحدة. وذهب بعض الحنفية إلى أنها واجبة فى العمر مرة واحدة بناء على اصطلاح الحنفية فى الواجب.
والأظهر عند الشافعية، هو المذهب عند الحنابلة: أن العمرة فرض فى العمر مرة واحدة، ونص الإمام أحمد على أن العمرة لا تجب على المكى (2) لأن أركان العمرة معظمها الطواف بالبيت وهم يفعلونه فأجزأ عنهم. واستدل الحنفية والمالكية على سنة العمرة بأدلة منها: ما رواه جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العمرة أواجبة هى؟ قال: لا، وأن تعتمروا هو أفضل. (3) واستدل الشافعية والحنابلة على فرضية العمرة بقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) (البقرة 196) أى: افعلوهما تامين، فيكون النص أمرا بهما فيدل على فريضة الحج والعمرة.
وقد وردت فى فضل العمرة أحاديث كثيرة منها: ما رواه أبو هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (4).
وتؤدى العمرة على ثلاثة أوجه:
(أ) إفراد العمرة: وذلك بأن يحرم بالعمرة أى ينويها ويلبى دون أن يتبعها بحج فى أشهر الحج، أو يحج ثم يعتمر بعد الحج، أو يأتى بأعمال العمرة فى غير أشهر الحج فهذه كلها إفراد للعمرة.
(ب) التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة فى أشهر الحج ويأتى بأعمالها ويتحلل ثم يحج فيكون متمتعا بأداء نسكين فى سفر واحد ويجب عليه هدى التمتع.
(جـ) القِرَان: وهو أن يحرم بالعمرة والحج معا فى إحرام واحد، فيأتى بأفعالهما مجتمعين وتدخل أفعال العمرة فى الحج عند الجمهور، ويجزءه لهما طواف واحد وسعى واحد عندهم ويظل محرما حتى يتحلل بأعمال يوم النحر فى الحج.
ومذهب الحنفية: أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين، طواف وسعى لعمرته وطواف وسعى لحجه، ولا يتحلل بعد أفعال العمرة بل يظل محرما أيضا حتى يتحلل تحلل الحج، وكيفما أدى العمرة على وجه من هذه الوجوه تجزئ عنه (5).
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن أركان العمرة ثلاثة هى: الإحرام والطواف والسعى، وهو مذهب المالكية والحنابلة (6).
والشافعية زادوا ركنا رابعا هو الحلق (7).
ومذهب الحنفية: أن الإحرام شرط للعمرة وركنهما واحد (8) وهو الطواف ويجب فى
العمرة الإحرام من الميقات وتجنب محظورات الإحرام.
أ. د./ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - لسان العرب 4/ 3102.
2 - الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى 2/ 2.
3 - أخرجه الترمذى فى كتاب: الحَجَ باب "ما جاء فى العمرة أواجبة هى أم لا" سنن الترمذى 3/ 270.
4 - أخرجه البخارى فى كتاب: العمرة باب: "وجوب العمرة وفضلها" فتح البارى بشرح صحيح البخارى 3/ 698.
5 - المغنى لابن قدامة 5/ 13وما بعدها.
6 - الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى 2/ 21.
7 - مغنى المحتاج 1/ 513.
8 - بدائع الصنائع، الكاسانى 2/ 227.
مراجع الاستزادة.
1 - كشاف القناع.
2 - المجموع شرح المهذب.
3 - النهاية، لابن الأثير.(1/466)
37 - عموم الرسالة
لغة: الرسالة: ما يرسل، والرسالة: الخطاب، والرسالة: كتاب يشتمل على قليل من المسائل تكون فى موضوع واحد، ورسالة الرسول: ما أُمر بتبليغه عن الله، ودعوته للناس إلى ما أوحى إليه، ويقال: عمَّ الشىء عموما: شمل، والعام: الشامل. كما فى الوسيط (1).
واصطُلاحا: يقصد بعموم الرسالة: رسالة الإسلام التى جاءت عامة لجميع البشر فى كل زمان ومكان، وتشريعه يتسم بالعموم والشمول.
فهى الرسالة التى امتدت طولا حتى شملت آباد الزمن، وامتدت عمقا حتى استوعبت شئون الدنيا والآخرة. والعموم من الخصائص التى تميز بها الإسلام عن كل ما عرفه الناس فى الأديان والفلسفات والمذاهب بكل ما تتضمنه هذه الخاصية من معان وأبعاد.
ومما يدل على عموم رسالة الإسلام:
1 - إنها رسالة الزمن كله فهى رسالة لكل الأزمنة والأجيال، ليست موقوتة بعصر معين أو زمن مخصوص، ينتهى أثرها بانتهائه، كما كان الشأن فى رسالة الأنبياء السابقين على محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد كان كل نبى يبعث لمرحلة زمنية محددة حتى إذا ما انقضت بعث الله نبيا آخر. أما محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو خاتم النبيين ورسالته هى رسالة الخلود التى قدر الله بقاءها إلى أن تقوم الساعة. قال تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} (الأحزاب 40).
كما أن رسالة الإسلام فى جوهرها رسالة كل نبى جاء من عند الله منذ عهد نوح إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) إنها رسالة الزمن كل الزمن قال تعالى {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} (البقرة 285).
2 - رسالة العالم كله فهى غير محدودة بمكان ولا بأمة ولا بشعب ولا بطبقة، إنها الرسالة الشاملة التى تخاطب كل الأمم، وكل الأجناس، وكل الشعوب، وكل الطبقات قال تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء107). وقال {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} (سبأ 28). وقوله - صلى الله عليه وسلم - " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى ... وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة" (رواه البخارى ومسلم).
3 - رسالة الإنسان، حيثُ إنها تخاطب عقله وروحه معا، فالإنسان كل متكامل وكيان واحد، لا تنفصل فيه روح عن مادة، إنه وحدة لا تتجزأ من الجسم والروح والعقل والضمير، فى كل مراحل حياته ووجوده، فهى تصاحب الإنسان طفلا ورجلا وشيخا فى دنياه وفى قبره، ففى الإسلام أحكام تتعلق بكل ذلك فلا توجد مرحلة فى حياته إلا والإسلام له فيها توجيه وتشريع ..
4 - مصادر الأحكام تجعل الشريعة الإسلامية فى غاية القدرة والاستعداد والأهلية للبقاء يحدث شيء جديد إلا وللشريعة حكم فيه، إما بالنص الصريح من الكتاب والسنة أو بالاجتهاد الصحيح والعموم، بحيث لا من القياس والإجماع والاستحسان والمصلحة المرسلة، وبالتالى الناس ومصالحهم.
5 - مكانة المصلحة فى الشريعة الإسلامية؛ فالواقع يدل على الشريعة الإسلامية ما أن شُرعت إلا لتحقيق مصالح العباد فى العاجل ولا تضيق الشريعة بالوقائع الجديدة وبالتالى لا تضيق بحاجاتالآجل، ودرء المفاسد والأضرار عنهم فى العاجل والآجل، ومما يبين مكانة المصلحة فى الشريعة الإسلامية قوله تعالى فى:
(أ) تعليل رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء 107) فالرحمة تتضمن، قَطعا رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، ولا يمكن أن تكون رحمة إذا أُغفلت هذه المصالح.
(ب) تعليل الأحكام فى الشريعة بجلب المصلحة ودرء المفسدة، لإعلام البشر بأن تحقيق المصالح هو مقصود الإسلام، وأن الأحكام ما شُرعت إلا لهذا الغرض. قال تعالى {ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب} (البقرة 179). فالقصاصُ شُرع لتحقيق هذه المصلحة، وهى الحياة للناس بزجر من تسول له نفسه الاعتداء على أرواح الناس.
(ج) تشريع الرخص عند وجود المشقات فى تطبيق الأحكام، إذا كانت هذه المشقات فوق طاقة البشر المعتادة، من ذلك إباحة الفطر فى رمضان للمريض والمسافر.
(د) أحكام الشريعة كلها تحقق وتحفظ مصالح الناس المتعلقة بالضروريات والحاجيات
وا لتحسينات، فبالنسبة للضروريات شرعت العبادات لإقامة الدين وتحقيقه، وشرع الجهاد وعقوبة المرتد لحفظه، وشرع تحريم الخمر لحفظ العقل وبالنسبة للحاجيات شرعت لها الرخص عند المشقة. وفى التحسينات شرعت الطهارة للبدن والثوب. وعلى هذا فكل مصلحة مشروعة حقيقية تظهر، أو مفسدة تطرأ فإن الشريعة الإسلامية تبيح لإيجاد الحكم لتحقيق تلك المصلحة، ودرء هذه المفسدة فى ضوء قواعد الاجتهاد المقررة فى الفقه الإسلامى.
6 - وأحكام الشريعة بشقيها العامة والتفصيلية جاءت على نحو يوافق كل مكان وزمان ويتفق مع عموم رسالة الشريعة الإسلامية وبقائها: فأما القواعد والمبادئ العامة- فقد وردت فى الشريعة- تتضمن أحكاما عامة يمكن بسهولة ويسر تطبيقها فى كل مكان وزمان، وتتسع لتشمل كل مصلحة حقيقية جديدة للناس، ومن هذه القواعد والمبادئ العامة:
(أ) مبدأ الشورى. قال تعالى {وأمرهم شورى بينهم} (الشورى 38). فهذا المبدأ أسمى وأعدل وأحكم قواعد الحكم الصالح بين البشر، فقد جاء بدرجة كافية من العموم والمرونة، بحيث يتسع لكل تنظيم صحيح يوضع لتطبيق هذا المبدأ.
(ب) مبدأ المساواة، فهو من مبادئ الإسلام العظيمة، وله مظاهر كثيرة فى جوانب التشريع الإسلامى، من المساواة أمام القانون، وفى تطبيق الأحكام، ومساواة فى التكاليف.
(ج) مبدأ العدالة فى الإسلام مبدأ بارز يظهر فى الأمر بها والحكم بين الناس بموجبها، وبالالتزام بمقتضاها قال تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} (النساء58). ولاشك أن هذا المبدأ يضمن مصالح الناس، ويتسع لكل تنظيم صحيح يحقق معنى العدالة والمقصود منها.
(د) قاعدة لا ضرر ولا ضرار ومعناها أن الضرر مرفوع بحكم الشريعة؛ أى لا يجوز لأحد إيقاع الضرر بنفسه أو بغيره، كما أن مقابلة الضرر بالضرر لا تجوز؛ لأنه عبث وإفساد لا معنى له، فمن أحرق مال غيره فلا يجوز للغير إحراق مال المعتدى، وإنما له أن يطالبه بالتعويض.
وأما الأحكام التفصيلية فهى كثيرة يطول شرحها وبيانها لإظهار مدى قابليتها للبقاء والاستمرار. فأحكام الشريعة إما أن تتعلق بأمور العقيدة أو بالأخلاق أو بالعبادات أو بالمعاملات، ولنأخذ مثالا على ذلك منها:
فمن أحكام العبادات وجوب الصلاة والصيام ونحو ذلك، ومسائل العبادة من لوازم الإيمان بالله ومقتضاه؛ لأنها تنظيم لعلاقة الفرد بخالقه والوفاء بحق هذا الخالق العظيم. والإنسان لا ينفك عن صفة مخلوقيته لله فى أى دهر من الدهور وفى أى زمن من الأزمان؛ وبالتالى لا يستغنى عن تنظيم علاقته بربه، والعبادات بعد ذلك وسيلة لتزكية النفس وطهارتها وربطها بخالقها ودفعها إلى الخير، ومنعها من الشر.
قال تعالى {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (العنكبوت 45). وفى ذلك تحقيق مصلحة الجماعة فى كل زمان ومكان، ومن ثمَّ فأحكام العبادات لابد منها فى أى مجتمع إنسانى وبالنسبة لكل فرد فى القرن الحادى والعشرين أو فى أى قرن بعده.
(هيئة التحرير)
1 - المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية 1/ 356 - دار المعارف ط 3.
__________
المراجع
1 - أصول الدعوة د/ عبد الكريم زيدان.
2 - الخصائص العامة للإسلام د/ يوسف القرضاوى.
3 - دراسات فى الفكر الإسلامى- د/ عبد الحميد مدكور- مكتبة الزهراء1989 م.(1/467)
38 - عموم اللفظ
لغة: يقال: عمَّ الشىء عموما: شمل، عمَّ القوم بالعطية شملهم، عم الشىء جعله عاما، والعام: الشامل، وهو خلاف الخاص.
ولَفَظَ بالكلام: نطق به، واللفظ: ما يلفظ به من الكلمات، والجمع ألفاظ. كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: العام هو اللفظ الدال على كثيرين، المستغرق فى دلالته لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد (2).
ومعنى أنه بحسب وضع واحد: ليخرج المشترك، لأن اللفظ المشترك يدل على أكثر من معنى بطريق التبادل، مثل العين فإنها تدل على معان مختلفة ولكن بأوضاع مختلفة.
والألفاظ الدالة على العموم كثيرة من أشهرها (3).
1 - لفظ "كل وجميع " وهما يفيدان العموم فيما يضافان إليه، كقوله تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة} (المدثر 38).
2 - المعرف بالإضافة أو بأل الجنسية فى الجموع، كقوله تعالى {حرمت عليكم أمهاتكم.} (النساء23) وكقوله {إن المسلمين والمسلمات} (الأحزاب 35).
3 - أسماء الاستفهام مثل "من "كقوله تعالى (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا) (البقرة 245).
4 - أسماء الشرط، كقوله تعالى {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} (البقرة 272).
5 - الأسماء الموصولة، كقوله تعالى {وأحل لكم ما وراء ذلكم} (النساء24).
6 - النكرة الواردة فى سياق النفى أو النهى أو الشرط كقوله (صلى الله عليه وسلم) " لا وصية لوارث ". وقد اختلف العلماء فيما وضعت له صيغ العموم فقيل:-
(أ) إنها وضعت للاستغراق ما لم يدل دليل على التجوز عن وضعها.
(ب) إنها موضوعة لأقل الجمع.
(جـ) إنها مشترك بين الاستغراق وأقل الجمع وما بينهما، والأول رأى الجمهور. وهو الراجح (4).
والعام ثلاثة أقسام هى:
1 - عام دلالته على العموم قطعية مثل قوله تعالى {وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها} (هود 6).
2 - عام يراد به الخصوص قطعا، لقيام الدليل على أن المراد بهذا العام بعض أفراده، كقوله تعالى {وأقيموا الصلاة} (البقرة 43) فضمير الجماعة فى "أقيموا " من ألفاظ العموم ولكن يراد به بعض المكلفين لا كلهم.
3 - عام مخصوص وهو العام المطلق الذى لم تصحبه قرينة تنفى احتمال تخصيصه، ولا قرينة تنفى دلالته على العموم، كقوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (البقرة 228) فهو قابل للتخصيص بوضع الحامل لحملها.
وقد اختلف الفقهاء فى دلالة العام، أهى قطعية أم ظنية على قولين:
ذهب بعضهم، ومنهم الحنفية إلى أن دلالته على أفراده قطعية ما لم يخصص، فإذا خصص صارت دلالته على ما بقى من أفراده ظنية.
وقال الجمهور إن دلالة العام على شمول جميع أفراده ظنية لا قطعية مثل التخصيص وبعده (6).
وشروط المخصص للعام أن يكون مستقلا، ومقاربا فى الزمان، وفى رتبة العام من حيث الظنية والقطعية (7).
ومن أمثلة التخصيص للعام حديث: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها" خصص العموم الوارد فى قوله تعالى {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} (النساء24).
وقد اشتهر على ألسنة الأصوليين والفقهاء قولهم "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " ويريدون بهذه العبارة:
أن العام يبقى على عمومه وإن كان وروده بسبب خاص كسؤال أو واقعة معينة، فالعبرة بالنصوص وما اشتملت عليه من أحكام، وليست العبرة بالأساليب التى دعت إلى مجىء هذه النصوص، لأن مجىء النص بصيغة العموم يعنى أن الشارع أراد أن يكون حكمه عاما لا خاصا بسببه، ومن أمثلته: آية اللعان؛ وإن نزلت بسبب واقعة معينة، هى قذف هلال بن أمية زوجته، إلا أنها عامة فى جميع الأزواج إذا قذفوا زوجاتهم (8).
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، 2/ 652، 1/ 865 دار المعارف، ط 3، القاهرة.
2 - أصول الفقه، محمد أبو زهرة ص 145 دار الفكر العربى القاهرة.
3 - أصول التشريع الإسلامى، للأستاذ/ على حسب الله ص 271 وما بعدها دار المثقف العربى ط 6، 1982 م.
4 - أصول التشريع الإسلامى ص 273.
5 - الوجيز فى أصول الفقه عبد الكريم زيدان ص 321.
6 - السابق ص 317.
7 - أصول الفقه ص 151.
8 - الوجيز فى أصول الفقه عبد الكريم زيدان ص 324.
مراجع الاستزادة:
1 - إعلام الموقعين لابن قِم الجوزية مطبعة السعادة، مصر.
2 - الموافقات فى أصول الشريعة، لأبى إسحاق الشاطبى مطبعة المكتبة التجارية.(1/468)
39 - العناية
اصطلاحا: هى تأثير الله تعالى فى العالم وتوجيهه نحو غايات معينة بإرادته، وحفظه لنظامه، وإحاطة علمه بالوجود على نحو يكون به على أحسن نظام وأكمله.
يقول ابن سينا: "العناية هى كون الأول عالما بما عليه الوجود من نظام الخير، وعلة لذاته للخير والكمال بحسب الإمكان، وراضيا به على النحو المذكور، فيعقل نظام الخير على الوجه الأبلغ فى الإمكان، فيفيض على أتم تأدية إلى النظام بحسب الإمكان " (1).
وإحاطة علم الله بالكل، وإرادته لما يجب أن يكون عليه الكل، حتى يكون كل شيء على أحسن نظام يحقق به غايته ويخضع لنظام ثابت له قوانينه التى أرادها الله لخيرية نتائجها، تسمى عناية عامة. وتوفيق الله للعبد فى أفعاله يسمى عناية خاصة.
قال ابن سينا: "العناية هى إحاطة علم الأول بالكل، وبالواجب أن يكون عليه الكل، حتى يكون أحسن نظام " (2).
والعناية هى القضاء عند الحكماء (3) وهناك فرق بين العناية والقضاء والقدر، فقضاء الله تعالى عند متكلمى الأشاعرة مثلا هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هى عليه فيما لا يزال، وقدرة إيجاده إياها على قدر مخصوص وتقدير معين معتبر فى ذواتها وأحوالها.
والقضاء عند الفلاسفة عبارة عن علمه تعالى- بما ينبغى أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام، وهو المسمى عندهم بالعناية الأزلية التى هى مبدأ لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها، والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العينى بأسبابها، على الوجه الذى تقرر فى القضاء. وقيل: إن القضاء عبارة عن وجود جميع الموجودات فى العالم العقلى مجتمعة ومجملة على سبيل الإبداع، والقدر عبارة عن وجودها الخارجى فى الأعيان مفصلة واحدا بعد واحد.
أما العناية فهى علم الله تعالى بالموجودات على أحسن النظام والترتيب، وعلى ما يجب أن يكون لكل موجود من الآلات بحيث تترتب عليها جميع الكمالات المطلوبة التى تخصه.
وهذا يعنى أن فى مفهوم العناية تفصيلا، إذ العناية تعلق العلم بالوجه الأصلح والنظام الأكمل الأليق، بخلاف القضاء فإنه العلم بوجود الموجودات جملة (4).
والعناية من أهم الأدلة على وجود الله تعالى وتفرده بالوحدانية، فوجود الكون والعالم الذى نعيش فيه على الوضع الذى هو فيه ملائم لوجود الإنسان والحيوان والنبات، مما يبرهن على أن عناية الله تحيط بمخلوقاته.
فالنظر فى طبيعة الكون الذى نعيش فيه، وما يحتوى عليه من مظاهر وظواهر يرشدنا إلى أن وجود كثير من الكائنات والموجودات كأنما قصد به الإنسان، وذلك لأن هذه الكائنات والموجودات توافق حياته وطبيعته وتلائمها. وليس يمكن أن تكون هذه الملاءمة وليدة المصادفة.
والحق أن العلم الحديث قد أثبت أن هذا الخلق المحكم الذى يحقق غايات محددة لا يمكن أن يصدر إلا عن علم وتدبير وحكمة، فإن وجود الليل والنهار والشمس والقمر والفصول الأربعة والحيوان والنبات والأمطار، كل أولئك يوافق حياة الإنسان، وكأنما خلق من أجله، كما يشهد بذلك الحس، ثم إن الحكمة والعناية تتجليان فى تركيب جسم الإنسان بل فى جسم الحيوان، كما يجزم كثير من العلماء فى العصر الحديث أن هناك عناية بما فى هذا العالم، وأن هذه العناية لا يمكن أن تنسب إلى الاتفاق والمصادفة، يقول ابن رشد: "الطريق التى نبه الكتاب العزيز عليها .. طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها، ولنسمِّ هذا دليل العناية .. إن جميع الموجودات التى ههنا موافقة لوجود الإنسان من قِبَل فاعل قاصد لذلك مريد، إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق ... ولذلك وجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص عن منافع جميع الموجودات " (5).
وما يقرره العقل هنا هو نفس ما يقرره القرآن الكريم وتؤيده آياته من مثل قوله تعالى {ألم نجعل الأرض مهادا، والجبال أوتادا، وخلقناكم أزواجا، وجعلنا نومكم سباتا، وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا، وبنينا فوقكم سبعا شدادا، وجعلنا سراجا وهاجا، وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا، لنخرج به حبا ونباتا، وجنات ألفافا} (النبأ 16:6) ومثل قوله سبحانه {تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا} (الفرقان 61). ومثل قوله جل شأنه {فلينظر الإنسان إلى طعام} (عبس 24)، وغير هذا كثير فى القرآن الكريم.
أ. د./ محفوظ عزام
__________
المراجع
1 - كتاب النجاة ابن سينا: نقحه وقدم له د. ماجد فخرى، دار الآفاق الحديثة، بيروت 1985 ص 230.
2 - كتاب الشفاء ابن سينا: دار الكاتب العربى، القاهرة.
3 - كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 1084 التهانوى طبعة إستنبول.
4 - المصدر السابق 2/ 1234 - 1235.
5 - مناهج الأدلة فى عقائد الملة ابن رشد تقديم وتحقيق د. محمود قاسم، مكتبة الأنجلو، الطبعة الثانية ص 150، 151.(1/469)
40 - العُنْصُر
لغة: الأصل والجنس، ومن ذلك قولنا إن فلانا كريم العنصر.
واصطلاحا:
1 - فى الكيمياء هو أية مادة تتكون من نفس النوع من الذرات، وتتكون المركبات من اتحاد العناصر، وهكذا فإن المواد الكيميائية إما عناصر وإما مركبات.
وتعزف العناصر أيضا بأنها المواد التى لا يمكن تحليلها إلى مواد أبسط منها بالطرق الكيميائية.
والبنية الذرية للعنصر تميزه عن غيره من حيث نقطة الغليان، ونقطة الانصهار، والرائحة، واللون، والصلاد ة، والثقل النوعى. ولكل عنصر رمزه، ورقمه الذرى، ووزنه الذرى.
ويوجد فى الطبيعة (109) عناصر معروفة، منها (91) عنصرا توجد فى صورة طبيعية، أما العناصر الباقية فيجرى تخليقها فى المعامل الذرية بواسطة "معجلات الجسيمات " وهى عناصر غير مستقرة سرعان ما تفنى أو تتحول إلى عناصر أخرى، وقد أذيع مؤخرا الكشف عن ثلاثة عناصر جديدة، ولكل عنصر رمز كيميائى يتكون من حرف أو حرفين، ويتضمن عدد ذراته، فالأكسجين O2 ( أ2) والكربون C ( ك) والهيدروجين H ( يد) .. وهكذا.
وتحتوى نواة ذرة كل عنصر على نفس عدد البروتونات، أما عدد النيوترونات فقد يختلف فى بعض أنوية ذرات نفس العنصر، وتسمى الصور المختلفة للعنصر فى هذه الحالة "نظائر" والنظائر تتفق مع بعضها فى عدد البروتونات ولكنها تختلف فيما بينها فى عدد النيوترونات.
ومن أبرز الإبداعات التى توصل إليها العلم "الجدول الدورى" للعناصر، وقد تطور هذا الجدول الفذ عن الجدول الدورى الأول الذى وضعه العالم الروسى مندليف (1869 م)، وفيه نظمت العناصر حسب الترتيب التصاعدى لأوزانها الذرية، وتنتظم العناصر فى مجموعات، وتتشابه عناصر كل مجموعة فى تفاعلاتها الكيميائية، والهيدروجين هو أخف العناصر جميعا (رقمه الذرى 1) وأكثرها وفرة فى الكون، ويليه الهليوم (رقمه الذرى 2)، أما الليثيوم (رقمه الذرى 3) فمن العناصر النادرة.
ويطلق لفظ عنصر نادر على أى عنصر ينتمى إلى مجموعة من العناصر المعدنية فضية اللون التى يتراوح عددها الذرى بين (58 و 71) وتوجد هذه العناصر فى حالة امتزاج إما مع بعضها البعض، أو مع عناصر أخرى لتكوين مركبات مثل الفوسفات والكربونات. وتستخدم العناصر النادرة فى صناعة الليزر والمغناطيس والفوسفور وشاشات تكبير الأشعة والزجاج والسيراميك، وتستعمل مركباتها الآن على نطاق واسع باعتبارها عوامل مساعدة فى صناعة المنتجات الكيماوية والنفطية، وتقسم العناصر إلى فلزية ولا فلزية.
2 - فى الفلسفة: ومعنى العنصر فى الفلسفة قريب من معناه فى الكيمياء، ولابن سينا مقولة مأثورة: "العنصر اسم للأصل الأول فى الموضوعات، فيقال عنصر للمحل الأول الذى باستحالته يقبل صورا تتنوع بها كائنات عنها .. إما مطلقا وهو الهيولى الأول، وإما بشرط الجسمية وهو المحل الأول من الأجسام التى تكون عنها سائر الأجسام الكائنة بقبول صورتها"وعند ابن سينا أن عنصرا الجسم هما الصورة والمادة.
وللخوارزمى رؤية مماثلة، فهو يعرِّف العنصر بالشىء البسيط الذى منه يتركب المركب، كالحروف يتركب منها الكلام، والواحد يتركب منه العدد، والحجارة والجذوع والقراميد يتركب منها البيت.
والعنصر فى المنطق أحد أفراد النوع أو الصنف، فعناصر الأشياء هى أجزاؤها البسيطة وعناصر اللغة ألفاظها، وعناصر المعرفة مبادئها، وعناصر المثلث خطوطه وزواياه، وعناصر المجتمع أفراده (5).
وكانت العناصر (أو المواد) عند القدماء أربعة: النار والهواء والماء والتراب، وفى اللاتينية أطلق أرسطو مصطلح العنصر الخامس على مادة الأجرام السماوية .. وهو جسم ليس له ضد، فهو لذلك غير متغير، وطبيعته أنه لا يتحرك بغير الحركة المكانية الدائرية.
أ. د/ محمد الجوادى
__________
المراجع
1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية- بالقاهرة.
2 - الصيدلة فى الطب- للبيرونى.
3 - عمدة المحتاج فى علمى الأدوية والعلاج- للرشيدى- القاهرة سنة 282 1 هـ/ سنة 865 1م.
4 - المنطق الوضعى- د./ زكى نجيب محمود- الأنجلو المصرية- ط2 سنة 1965م(1/470)
41 - العهد
لغة: الوصية يقال: عهد إليه إذا أوصاه، والعهد: الأمان والموثق والذمة، ومنه قيل للحربى يدخل بالأمان: ذو عهد ومعاهد، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد (1).
واصطلاحا: لا يخرج المعنى الاصطلاحى عن ذلك.
والوفاء بالعهد واجب شرعا، والأدلة على ذلك كثيرة.
فمن الكتاب، قوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان
بعد توكيدها} النحل:91، وقوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} الإسراء:34، وقد وصف الله تعالى: الذين ينقضون العهد بالخسران، فقال تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه يقطعون ما أمرالله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون} البقرة:27، وأما السنة: فقد نفى النبى صلى الله عليه وسلم الدين عمن لا عهد له، فقال عليه السلام: (لا دين لمن لا عهد له) أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك (2) أضف إلى ذلك التزام الرسول صلى الله عليه وسلم بسائر عهوده وعدم مخالفتها، ومن ذلك وفاؤه بالوثيقة التى عقدها لليهود عندما هاجر إلى المدينة، والتزامه بما اتفق عليه مع المشركين فى صلح الحديبية.
وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقض العهد بالنفاق، ولا شك أن النفاق محرم، فيكون ما أدى إليه، وهو نقض العهد نفاقا محرما فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) (3) فمن الأدلة السابقة يتضح أنه يجب على المؤمن الوفاء بالعهد، سواء كان هذا العهد بين المسلمين أنفسهم، أو كان بين المسلمين وغيرهم ممن عقدوا لهم العهد والأمان.
ويجب على المسلم إتمام مدة العهد إلى معاهده، فيمتنع بذلك عن ظلمه امتثالا لقوله تعالى: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} التوبة:4، واتباعا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ظلم المعاهد بقوله: (من ظلم معاهدا أو انتقصه أوكلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة) (4).
فإذا خالف المسلم ذلك فإنه يكون ناقضا للعهد، وهو من الغدر، وقد شهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغادر، فيما رواه عنه عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما حيث قال عليه السلام: (لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به) 0 (5).
ومع ذلك إذا غدر المعاهد ونقض عهده فللمسلم أن ينبذ العهد، أى ينقض العهد جهرا لا سرا، ويعلم المعاهد بنقض العهد، ثم بعد ذلك يجوز للمسلم أن يخالف العهد وأن يوقع بالمعاهد.
والدليل على ذلك قوله تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} الأنفال:58.
وما رواه عمر بن عبسة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدا ولا يشدنه حتى يمضى أمده أو ينبذ إليهم على سواء) (6).
ومن صور غدر المعاهدين ونقضهم للعهد: قتالهم للمسلمين، أو امتناعهم عن إعطاء الجزية، ومن إجراء حكم الإسلام عليهم، أو من دل أهل الحرب على عورة المسلمين -تجسس عليهم- أو فتن مسلما فى دينه (7).
.... إلخ.
وقد اتفق الفقهاء على أن الحلف بعهد الله يعتبر يمينا، يترتب على الحلف به الآثار التى تترتب على كل يمين من وجوب البر بها، أو الكفارة الواجبة عند الحنث إلا أن الشافعية اشترطوا لاعتبار هذه الصيغة يمينا أن ينوى الحالف بها اليمين، لاستحقاق الله للعهد الذى أخذه على بنى آدم (8).
ويعتبر من صور الوفاء بالعهد، ما يعهد به الحاكم إلى من بعده، كما عهد أبو بكر إلى عمر، وعهد عمر إلى أهل الشورى رضى الله عنهم (9).
أ. د/على مرعى
__________
الهامش:
1 - المصباح المنير والقاموس المحيط مادة (عهد).
2 - مسند الإمام أحمد، ط المطبعة الميمنية بمصر، 3/ 135.
3 - الحديث أخرجه البخارى صحيح البخارى مع شرحه فتح البارى، ط دار المعرفة بيروت، 1/ 89.
4 - الحديث أخرجه أبو داود.
5 - الحديث أخرجه البخارى ومسلم، فتح البارى 5/ 283، مسلم بشرح النووى 12/ 403 باب تحريم الغدر، ط دار السلام بالقاهرة.
6 - الحديث أخرجه أبو داود والترمذى وقال: حديت حسن صحيح، سنن أبى داود ط المكتبة التجارية بمصر 3/ 83، سنن الترمذى، ط مصطفى الحلبى، 3/ 143 زاد المعاد لابن القيم ط دار الريان للتراث، 3/ 327.
7 - شرح الجلال المحلى على المنهاج بهامش قليوبى وعميرة، ط دار إحياء الكتب العربية عيسى الحلبى، 4/ 236.
8 - حاشية ابن عابدين للمارودى، ط دار الكتب العربية مصطفى الحلبى 3/ 58، حاشية الدسوقى مع الشرح الكبير، ط عيسى الحلبى 2/ 127، نهاية المحتاج ط مصطفى الحلبى 8/ 176، مطالب أولى النهى، ط المكتب الإسلامى بيروت 6/ 374، المغنى لابن قدامه، ط النور الإسلامية، 8/ 424،425.
9 - الأحكام السلطانية للماوردى، ط مصطفى الحلبى ص10(1/471)
42 - العواصم الإسلامية
(الحواضر)
اصطلاحا: ظهر هذا المصطلح عندما بدأت حركة الفتوحات الإسلامية الأولى فى شمال جزيرة العرب وغربها، وأحس الفاتحون بحاجتهم إلى الاستقرار فى الأقاليم المفتوحة، فأسسَّوا مدنا جديدة أشبه بالمعسكرات الحربية، اتخذوها عواصم لهذه الأقاليم وأطلقوا عليها " الأمصار"، فكانت الكوفة والبصرة هما أول الأمصار الإسلامية.
وأسست هذه الأمصار، بوجه عام، فى مواضع بعيدة عن عواصم الحكم القديم، فكانت البصرة والكوفة فى العراق بعيدة عن مدائن كسرى، والفسطاط والقيروان فى إفريقيا بعيدة عن الأسكندرية وقرطاجنة، كما أنها كانت قبل كل شىء ذات صفة حربية خالصة، قصد بها أن تكون معسكرات للجند الفاتحين ونقاط ارتكاز استراتيجية ومعقلا يتحصنون به إذا اضطروا للجوء إليها.
وإذا كان الفاتحون قد اضطروا إلى إنشاء مدن جديدة (أمصار) فى جنوب العراق ومصر وإفريقية، فإنهم احتلوا المدن الرومانية التى خلاها البيزنطيون فى سوريا وفلسطين وطوروها وطوعوا منشآتها لتخدم وظائف الإسلام الرئيسية مثل مدينة دمشق عاصمة الأمويين.
ولم يمض جِيلان حتى تحولّت هذه الأمصار إلى مراكز للنشاط الفكرى والحضرى، وأصبحت مراكز جذب للمسلمين الجدد بعد أن استقربها عدد من كبار الصحابة والتابعين.
ومع قيام الخلافة العباسية فى أواسط القرن الثانى الهجرى والخلافة الفاطمية فى مطلع القرن الرابع الهجرى، استعيض عن المعسكرات الحربية بإنشاء مدن ملكية من نمط آخر، محاطة بالأسوار معنّى بمنشآتها يغلب عليها طابع الفخامة اتخذت مقرا للخلفاء، ومن ينوب عنهم (بغداد وسامرا والقاهرة).
ولا تعيننا التواريخ العربية القديمة على رسم صورة صادقة لما كانت عليه المدن الإسلامية فى أول إنشائها ولكن من خلال ما وصل إلينا من معلومات فقد كانت المدينة الإسلامية تجمعات محلية لها كيانها وشخصيتها ومقوماتها المتميزة التى تعطيها وحدتها وتكاملها وطابعها الخاص، وتظهر هذه الشخصية فى كل المدن التى أسست فى ظل الإسلام وتكشف عن وجود روح عامة ثابتة ومستمرة خلال التاريخ الإسلامى كله لا يخطئها المرء فى تنقله من بغداد إلى حلب إلى دمشق وصنعاء والقاهرة وفاس.
فالحياة الإجتماعية فى هذه المدن هى نتاج لتاريخ طويل تمتزج فيه عناصر الإسلام والعروبة بالعناصر المحلية القومية المتمثلة فى العادات والتقاليد المتوارثة، وتميزت المدن الإسلامية بمجموعة من الأبنية والمنشآت، ذات صبغة دينية واجتماعية، أضفت على المدينة شخصيتها بحيث توصف بأنها إسلامية هى: المسجد- دار الإمارة- الأسواق- الحمامات- المصَلّى- المقابر.
فقد كان الجامع والسوق، وفى بعض الأحيان دار الإمارة، هى المركز الجاذب لكل المجموعة السكنية، وكانت دار الإمارة عادة تفتح على المسجد الجامع ليؤم الأمير أو الوالى جموع المصلين. وأحاطت الأسواق بالجامع وجعل لكل طائفة أو صنعة سوق خاص بها. وحول هذا المركز اختطت القبائل والجماعات خططها.
ودائما ما كان خارج المدينة رحبة مكشوفة يجتمع فيها المسلمون للصلاة فى العراء يومى عيد الفطر وعيد الأضحى تعرف بـ "مصلى العيدين".
أما "المقابر، فكانت تقام خارج أسوار المدينة، والأغلب أن تكون بجوار أحد أبوابها.
هذا من الناحية التخطيطية، أما من الناحية التنظيمية والوظيفية فقد نشأت بظهور الإسلام مجموعات من الوظائف ميزت المدينة الإسلامية، حقيقة أن بعضها كان معروفا فى المدن الرومانية، إلا أن تعاليم الإسلام أضفت عليها ثوبا جديدا مثل وظائف الوالى والقاضى وصاحب السوق أو المحتسب وصاحب الشرطة وصاحب المعونة وصاحب العَسَس أو متولى الطوف ليلا.
أما الصورة النموذجية للمدينة الإسلامية فى عصر ازدهارها فكانت تحتوى على:
1ـ حى ملكى أو مدينة ملكية كان يستعاض عنها أحيانا ببناء قلعة تقوم على موضع له طبيعة دفاعية. ويضم هذا الحى أو المدينة الملكية قصور الأفراد والإدارات الحكومية والدواوين وأماكن لسكنى الحرس.
2 - مركز للمدينة يضم المسجد الجامع والمساجد الكبرى والمد ارس الدينية والأسواق المركزية وكثيرا ما كان توزيع الأسواق يتحدد بالنسبة للجامع والمدارس حسب الدور الدينى للسلع التى كانت تباع فيها وموقف الشريعة من تلك السلع.
3 - وتأتى بعد ذلك منطقة الأحياء السكنية التى كانت تعكس الروابط الدينية والحرفية إلى جانب الاستقلال النسبى لكل حي من هذه الأحياء، حيث يميل أبناء الدين الواحد والحرفة الواحدة إلى التجمع معا.
4 - ثم تأتى الضواحى أو الأحياء الخارجية التى كان يقيم بها الوافدون الجدد، وحيث يصرح بممارسة بعض الأعمال والقيام ببعض الصناعات التى قد تلوث جو المدينة.
5 - وأخيرا تأتى أضرحة الأولياء والمدافن التى كانت تقام فى الأغلب وراء أسوار المدينة.
وبعد القرن الخامس الهجرى أصبحت المدارس ودور الحديث ودور القرآن، ثم الأسبلة والكتاتيب إضافة إلى المؤسسات الاقتصادية مثل الوكالات والفنادق والخانات، والمؤسسات ذات الصفة الاجتماعية مثل البيمارستانات وأمثالها هى أحد مميزات المدينة الإسلامية.
أ. د/ أيمن فؤاد سيد
__________
المراجع
1 - المدينة الإسلامية لمحمد عبد الستار عثمان-ص 5 4، 56 سلسلة عالم المعرفة 128 - الكويت 1988م.
2 - الموسوعة العربية الميسرة غربال- المجلد 2.
3 - "المدينة الإسلامية" عدد خاص من مجلة عالم الفكر، المجلد الحادى عشر- العدد الأول (إبريل- يونيه) 1980م
4 - " المدينة الإسلامية والدراسات الحديثة التى تناولتها " المجلة التاريخية المصرية- أيمن فؤاد سيد.(1/472)
1 - الغائية
اصطلاحا: دليل أساسى من أدلة إثبات الألوهية بوجه خاص، والدين بوجه عام، يسميه الفلاسفة الغربيون دليل العلة الغائية، والفلاسفة المسلمون يسمونه دليل الحكمة ودليل النظام. وللقرآن الكريم عناية خاصة بلفت أنظار العقول إليه، وبعضهم يسميه: "دليل القرآن "، إذ كثير من آياته الكريمات تدور حوله ويعنى الدليل الغائى أن النظر فى تركيب العالم يقتضى تحقيق حكمة أو غاية يعمل من أجلها الكون، كما يقتضى إثبات صانع حكيم مدبر لهذا النظام ويعد الفيلسوف الألمانى "كانت " أوضح الأدلة وأقواها فى البرهنة على وجود الله تعالى. والغائية واحدة من العلل الأربع المعروفة فى الفكر الفلسفى، والمأخوذة من النظر فى علاقة "الاحتياج " بين الشيء وغيره، وهى علاقة ضرورية لا تحتاج إلى استدلال: فالمحتاج إليه نسميه علة، والمحتاج يسمى: معلولا، والعلة قد تكون جزءا من المعلول كالخشب بالنسبة للكرسى لن- مثلا-، وتسمى: علة مادية؛ وكالصورة التى يأخذها شكل الكرسى، وتسمى: علة صورية؛ وقد تكون العلة أمرا خارجا عن ذات المعلول، فإن احتاج إليها المعلول فى وجوده سميت: علة فاعلة؛ كالنجار فى مثالنا هذا؛ وإن احتاج إليها كغاية صنع من أجلها سميت: علة غائية؛ وهى تسبق المعلول ذهنا، وتعقبه وجودا .. وقد عرف ابن سينا العلة الغائية بأنها: "التى لأجلها الشىء، أو الفعل، وهى علة بماهيتها لعلية العلة الفاعلية، ومعلولة لها فى الوجود" ومعنى التعريف باختصار: أن الغاية- مطلق غاية- علة باعثة للصانع على صنع الشىء، فهى علة لعلية الفاعل، وهى- فى الوقت نفسه- معلولة لعلية الفاعل باعتبار تشخصها فى غاية معينة كالجلوس، دون النوم، مثلا. ويمثل القول بالغائية المذهب العقلى الصحيح فى تاريخ الفلسفة والتفلسف؛ أولا: لأن التأمل فى ظواهر الكون المحسوسة كاشف عما وراءها من نظام وعناية بالغة، وقاصد بأن فاعلها قاصد- حتما- إلى غاية، وثانيا: لأنه لولا اعتبار الغاية فى الأفعال لاستوى الفعل وعدم الفعل ولما أمكن تصور لماذا يفعل ولماذا لا يفعل، ولأصبحت الأفعال محض صدف واتفاقات، وأصحاب هذا الاتجاه- منذ أرسطو وحتى العصر الحديث- لا يثبتون "الغايات " عللا فى الأفعال فقط بل كثيرا ما يرونها عللا- أحيانا- فى وجود أجزاء من الفاعل، مثل: "الطيران "، فهو وإن كان غاية لأجل وجود الجناحين فى الطائر، فهو- فى الوقت نفسه- علة فى وجود الجناحين؛ إذ لولا الطيران لما كانت حاجة إليهما. والشيء نفسه يقال بالنسبة للعين والرؤية، والأذن وا لسمع، وما إليهما .. والقائلون بالغائية ينفون نفيا قاطعا أى احتمال للصدفة أو العبث أو الاتفاق فى حوادث هذا الكون من الذرة إلى المجرة، ويفردون فى مطولاتهم الفلسفية مقالات بعينها يبطلون فيها القول بالاتفاق (1).
ويقابل أصحاب الغاية القائلون بالآلية البحته فى نظام الكون، وهم الفلاسفة الحسيون بدءا من أنبادقليس وديمقريطس ووصولا إلى الفلسفات المادية والوضعية فى عصرنا هذا "والمحدثون منهم آخذون عن القدماء بدون تغيير، أعنى عن ديمقريطس إمام المذهب المادى، وتابعيه: أبيقور ولوكريس". ويدور فى تراث المتكلمين المسلمين خلاف بين المعتزلة والأشاعرة فى مسألة "الغاية" فى فعل الله تعالى، حيث يذهب المعتزلة إلى أن أفعاله تعالى معللة بالأغراض، ولها غايات، وإلا كانت خالية من الحكمة، وهو عبث مستحيل على الله العليم الحكيم، بينما يذهب الأشاعرة إلى استحالة أن يفعل الله لغرض، وإلا كان الغرض باعثا له على الفعل، فيكون الله محتاجا إليه فى فعله، وهو يستلزم نقص الفاعل واستكماله بغيره، وهذا المعنى يستحيل أن يتصف الله به- ومع أن الأشاعرة يحرصون على تنزيه الأفعال الإلهية من الأغراض، فإنهم فى الوقت نفسه يثبتون الحكمة فى كل فعل إلهى، لكنهم يرفضون تسمية الحكمة غرضا أو باعثا على الفعل، وعندهم أن تقييد الفعل الإلهى بالغرض الباعث نوع من الإيجاب أو الاضطرار، ينافى الإرادة والاختيار فى فعله تعالى. ولابن رشد وابن تيمية وابن القيم وصدر الدين الشيرازى اعتراضات على ما يقوله الأشاعرة فى نفى الغرض. وقد تعقبها شيخ الإسلام مصطفى صبرى، وفندها فى شىء غير قليل من الدقة والعمق.
أ. د/ أحمد محمد الطيب
__________
المراجع
1 - يجب التمييز بين الاتفاق بالمعنى الفلسفى، وهو: وجود فعل دون غاية أو غرض، وبين الاتفاق بالمعنى المنطقى، وهو: عدم اللزوم بين المقدم والتالى فى الشرطيات المتصلة.
مراجع الاستزادة
1 - المعجم الفلسفى، مجمع اللغة العربية، القاهرة 1979م.
2 - التعريفات، للجرجانى ط. الحلبى. 1938م.
3 - إلهيات الشفاء، ابن سينا ط. طهران 1303 هـ.
4 - شرح المواقف، الشريف الجرجانى. الطبعة الأولى. 1325 - 7 0 9 1م.
5 - موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، مصطفى صبرى، دار إحياء التراث العربى، بيروت، 1401 - 1981م.
6 - العقل والوجود، يوسف كرم الطبعة الثالثة، دار المعارف.
7 - الله، للعقاد الطبعة الثامنة، دار المعارف.(1/473)
2 - غار حراء
لغة: بيت منحوت فى الجبل، فإذا اتسع كان كهفا كما فى اللسان (1).
اصطلاحا: هو البيت الذى كان النبى صلى الله عليه وسلم يثحنث فيه الليالى ذوات العدد من رمضان فى الجبل، قبل هبوط الوحى عليه، والذى نزلت فيه الآيات الأولى من القرآن، وكان يسمى حراء فى الجاهلية، ثم سمى جبل النورفى الإسلام.
والسبب فى تغير التسمية هو أن جبريل عليه السلام نزل فيه على محمد صلوات الله وسلامه عليه مخبرا إياه أن الله تعالى قد اختاره خاتما للمرسلين ونبيا للإنس والجن أجمعين، فانبثاق هذا النور منه هو السبب الذى من أجله عدل الناس عن إطلاق لفظة حراء إلى لفظة نور.
يقول العلماء إن العرب فى الجاهلية كانوا يجلون رمضان، ويأوون فيه إلى الكهوف والغيران، لتقديس الله بعيدا عن الناس وما هم منغمسون فيه من شواغل النفس وهموم العيش، ومن أجل هذا كان محمد صلى الله عليه وسلم إذا أقبل رمضان أعدت له زوجه خديجة رضى الله عنها الزاد والماء، وآوى إلى غار حراء، فأقام فيه ما شاء الله مفكرا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شىء، باحثا عن الطريق الذى إذا سلكه خلص الناس من الشرك وهداهم إلى الحق.
وكانت إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الغار تزداد من سنة إلى سنة، حتى إذا لم يبق على اصطفائه سوى ستة أشهر، أخذت تظهر
عليه علامات لم تكن تظهرعليه من قبل (2).
منها:
1 - طول الإقامة فى الغار.
2 - لم يكن يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
3 - لم يكن يمرعلى صخرة ولا شجرة إلا صلت عليه (3).
حتى جاءه الروح الأمين وكان قد بلغ أشده، وبلغ الأربعين من عمره، وأنزل عليه الآيات الأولى من سورة العلق وهى قوله سبحانه: {اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} العلق:1 - 5.
أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1 - لسان العرب لابن منظور، مادة (غور) ط دار المعارف.
2 - صحيح البخارى 1/ 5 ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1414هـ-1994م.
3 - الأكتفاء فى مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 263 لأبى الربيع الكلاعى، تحقيق مصطفى عبد الواحد ط مكتبة الخانجى 1387هـ-1968م القاهرة(1/474)
3 - الغرر
لغة: الخطر، وهو تعريض المرء نفسه أو ماله للهلاك من غير أن يعرف (1) وقال الجرجانى: الغرر ما يكون مجهول العاقبة لا يدرى أيكون أم لا (2).
واصطلاحا: عرف الغرر بتعريفات متعددة وكلها متقاربة نسبيا منها: الغرر ما طوى عنك علمه (3).
الغرر التردد بين أمرين: أحدهما على الغرض، والثانى على خلافه (4).
الغرر ما تردد بين جوازين متضادين الأغلب منهما أخوفهما (5).
الغرر ما تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر، كالآبق متردد بين الحصول وعدمه (6).
وقال ابن تيمية: الغرر ما لا يقدر على تسليمه سواء كان موجودا أو معدوما كبيع البعير الشارد، فإن موجب البيع تسليم المبيع والبائع عاجز عنه، والمشترى إنما يشتريه مخاطرة ومقامرة، فإن أمكنه أخذه كان المشترى قد قمر البائع، وإن لم يمكنه أخذه كان البائع قد قمر المشترى (7).
والخلاصة: أن بيع الغرر هو البيع الذى يتضمن خطرا يلحق أحد المتعاقدين؛ فيؤدى إلى ضياع ماله.
. حكم بيع الغرر: الغرر الذى يتضمن خديعة حرام ومنهى عنه؛ لما رواه أبو هريرة قال: "نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر" (8).
قال النووى: النهى عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع يدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، كبيع الآبق، والمعدوم، والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل، لأنه غرر من غير حاجه تدعو إليه (9).
وقد اتفق العلّماء على أن الغرر ينقسم إلى مؤثر فى البيوع وغير مؤثر، ويشترط فى الغرر حتى يكون مؤثرا أن يكون كثيرا، أما إذا كان يسيرا أو تدعو إليه الضرورة فإنه لا تأثير له على العقد (10).
وقد أجمع العلماء على جواز إجارة الدار وغيرها شهرا مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين، وعكس هذا أجمعوا على بطلان بيع الأجنة فى البطون والطير فى الهواء (11).
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - المصباح المنير 2/ 445.
2 - التعريفات، للجرجانى ص 141ط الحلبى. القاهرة.
3 - فتح القدير على الهداية6/ 136.
4 - حاشية الدسوقى على الشرح الكبير3/ 55.
5 - الحاوى الكبير، للماوردى 5/ 325.
6 - المبدع فى شرح المقنع 4/ 23.
7 - مجموعة فتاوى لابن تيمية. 20/ 296
8 - أخرجه مسلم، فى كتاب: البيوع "باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذى فيه غرر، صحيح مسلم بشرح النووى 10/ 156 وما بعدها.
9 - شرح النووى على صحيح مسلم 10/ 156.
10 - بداية المجتهد 2/ 118.
11 - المجموع شرح المهذب 9/ 280 وما بعدها.(1/475)
4 - الغرور
لغة: كل ما غر الإنسان من مال، أو جاه أو شهوة أو إنسان أو شيطان.
واصطلاحا: هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع (التعريفات للجرجانى) وتجىء مادة "الغرور" بصيغ مختلفة فى القرآن الكريم، لتدل على معان أهمها الانخداع والتعالى المؤدى إلى البطر، ونكران نعم الله على الإنسان، الأمر الذى يحاسب عليه بقوله: {ما غرك بربك الكريم} الانفطار:6، ولأن هذا الموقف مبنى على باطل، كان النهى عن كل أنواع الغرور والاغترار بالدنيا أو بالدين (1).
أما فى السنة الشريفة فيتركز التنبيه على روافد الغرور، وهى الإعجاب بالنفس وهو ظن كاذب بالنفس فى استحقاق منزلة هى غيرمستحقة لها وكذلك الكبر الذى ينبنى على الإعجاب الخادع، ويؤدى إلى الغرور والتعالى وغمط الحق وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه) (2) (لا يدخل الجنة من كان فى قلبة مثقال ذرة من كبر) (3).
وما ذلك إلا لأن الكبر والعظمة صفة الرحمن وحده.
وتبين السنة العلاج حين تدعو إلى التواضع، وإلى أن يعرف الإنسان أصل خلقته ومصيره الذى سيئول إليه.
والربط بين مولدات الغرور وبينه، موضع اهتمام علماء المسلمين الذين كتبوا فى الأخلاق والتربية فمسكويه يقرر أن الغرور جهل من الإنسان بعيوبه وجهل بحقيقة هامة هى أن الفضل مقسوم بين البشرلا يكمل الواحد منهم إلا بفضائل غيره (4).
والماوردى يذكرأن الغرور المبنى على الكبروالإعجاب يضر بصاحبه قبل
غيره لأن غروه يمنعه من أن يستفيد من علم غيره لغروره، ولا يألفه أحد
لتكبره فهو معزول عن مجتمعه ممقوت فيه (5).
أما الأصفهانى فيظهر نقص المغرور لأنه يغتر بما ليس يملك من علم أوعمل أومال ونحو ذلك لأن هذا عطية من الله، والعاقل يشكرولا يغتر، فكيف به إذا استطال أو صلف (اغتر) (6).
أما ابن حزم فيدعو الإنسان المغرور المعجب بما عنده أن يفكر ملئا فى حاله كيف هو وفى النعم التى عنده، من أين أتت؟ وهل هى كاملة دائمة؟ إلى غير ذلك مما يعيد إليه توازنه، والا فمصيبته إلى الأبد (7).
أما الحارث المحاسبى فقد فصل القول فى الكبروالإعجاب والغرور باعتبارها أمراضا نفسية لها خطرها على العقيدة والعبادة وممارسة الحياة، مبينا كيف يكون العلاج وسائله وضوابطه (8).
أ. د/أبواليزيد العجمى
__________
الهامش:
1 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم حرف الغين 496 طبعة دار الفكر المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية القاهرة.
2 - رواه النسائى فى سننه وصححه السيوطى، وأخرجه البزار والطبرانى فى الصغير.
3 - صحيح مسلم حديث 91.
4 - مسكويه تهذيب الأخلاق 166 مكتبة الحياة بيروت.
5 - أدب الدنيا والدين 231.
6 - الذريعة إلى مكارم الشريعة 299 - 301 طبيعة دار الوفاء 1987م.
7 - الأخلاق والسير ومداواة النفوس 199 تحقيق د/الطاهر مكى دار المعارف 1981م.
8 - الحارث المحاسبى الرعاية لحقوق الله 335 - 473 تحقيق عبد القادر عطا دار الكتب العلمية 1405هـ-1985م(1/476)
5 - غريب الحديث
لغة: غريب جمعه غرباء. من غَرُبَ عن وطنه غرابة وغُرْبةً: ابتعد عنه وغَرُبَ الكلام غرابةً: غمض وخفى (1).
واصطلاحا: غريب الحديث هو ما يخفى معناه من المتون؛ لقلة استعماله ودورانه على الألسنه، بحيث يبعد فهمه ولا يظهر إلا بالتنقيب عنه فى كتب اللغة.
ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان أفصح العرب لسانا وأوضحهم بيانا، وكان الصحابة- رضوان الله عليهم- يعرفون أكثر ما يقوله، ولكن نشأت أجيال لا تعرف من اللغة إلا ما تتخاطب به، وجهلت الكثير من الألفاظ ومعانيها فى الحديث وفى غيره ومن هنا كان الغريب فى الحديث. وقد أفرد له علماء الحديث علما خاصا لأهميته، إذ يتوقف على تفسيره التفسير الصحيح والتلفظ الصحيح للكلمة أو العبارة الغريبة، وأهم من ذلك يتوقف عليه فهم المعنى الصحيح وما يترتب عليه من استنباط للأحكام والاستفادة من الحديث، وتتأكد العناية به لمن يروى بالمعنى؛ لأنه لا يستطيع أن يختار من الألفاظ والعبارات ما يؤدى المعنى نفسه إلا إذا كان على فهم صحيح للفظ الأصل (2).
يقول ابن الصلاح مبينا أهميته: هذا فن مهم يقبح جهله بأهل الحديث خاصة، ثم بأهل العلم عامة، والخوض فيه ليس بالهين، والخائض فيه حقيق بالتحرى، جدير بالتوقى (3)
وسئل الإمام أحمد عن حرف من غريب الحديث فقال: "سلوا أصحاب الغريب؛ فإنى أكره أن أتكلم فى قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالظن فأخطئ " (4).
ومن أمثلة التوقى فى تفسير الغريب أنه سئل الأصمعى- وهو من هو فى اللغة- عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " والجار أولى بسقبه " (5)، فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله ولكن العرب تزعم أن السقب: الَّلزيق (6).
ولم يهتم العلماء فى هذا الفن بتفسير الغريب فقط، ولكن تتبعوا التفسيرات التى فْسرت على نحو من الخطأ فبينوا أخطاءها (7).
وإذا كان تفسير الغريب إنما هو بالرجوع إلى أهل اللغة واستعمالاتهم فإن العلماء نبهوا إلى أمر هام وهو أنه قد يريد الشارع من بعض الألفاظ غير ما يستعمله العرب، وهذا يدرك بالقرائن والسياقات.
يقول السخاوى مبينا ذلك: ولا يجوز حمل الألفاظ الغريبة من الشارع على ما وجد فيه أصل كلام العرب (دائما) بل لابد من تتبع كلام الشارع والمعرفة بأنه ليس مراد الشارع من هذه الألفاظ إلا ما فى لغة العرب، وأما إذا وجد فى كلام العرب قرائن بأن مراده من هذه الألفاظ معان اخترعها هو فيحمل عليها ولا يحمل على الموضوعات اللغوية، كما هو فى أكثر الألفاظ الواردة فى كلام الشارع، وهذا هو المسمَّى عند الأصوليين بالحقيقة الشرعية" (8).
وكما ذهب المفسرون للقرآن الكريم إلى تفسير القرآن بالقرآن، كذلك ذهب المحدثون إلى أن أفضل وسيلة لتفسير الغريب فى الحديث هو تفسيره بالقرآن والحديث.
قال ابن الصلاح: "وأقوى ما يعتمد عليه فى تفسير الحديث أن يُظفر به مفسرا فى بعض روايات الحديث "، نحو ما روى فى حديث ابن صَيَّاد أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال له " قد خبَّأْتُ خبيئا لك، فما هو؟ فقال: "الدُّخّ" .. " (9)، قال ابن الصلاح: "فهذا خفى وأعضل، وفسره قوم بما لا يصح "، وفى معرفة علوم الحديث للحاكم أن: "الدُّخُّ " بمعنى الزَّخ الذى هو الجماع وهذا تخليط فاحش يغيظ العالم والمؤمن، وإنما معنى الحديث أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال له: قد أضمرت لك ضميرا فما هو؟ قال: "الدُّخُّ "- بضم الدال - يعنى الدخان، والدُّخُّ هو الدخان فى لغة، إذ فى بعض روايات الحديث ما نصه: ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنى قد خبأت لك خبيئا- وخبأ له} يوم تأتى السماء بدخان مبين {(الدخان 10) فقال ابن صياد: الدُّخُّ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "اخسأ فلن تعدو قدرك " وهذا ثابت صحيح خرَّجه الترمذى وغيره (10).
وقد قام علماء اللغة والحديث خير قيام فى التصنيف فى هذا العلم بما يشبه أن يكون إحصاء لما فى الحديث من الغريب وشرحه وتفسيره، وكمَّل بعضهم بعضا فى هذا المضمار.
ونقتصر فى هذه العجالة بذكر المصنفات الكبرى فى هذا الفن، والتى هى متاحة للمتخصصين الآن حيث طُبعت، ومن الميسور الحصول عليها:
1 - غريب الحديث لأبى عبيد القاسم بن سلام (11) (ت 224 هـ) قال ابن الصلاح فى هذا الكتاب: جمع وأجاد واستقصى، فوقع من أهل العلم بموقع جليل (12).
2 - غريب الحديث لابن قتيبة (ت 276 هـ) وقد تتبع فيه ما فات أبا عبيد (13).
3 - غريب الحديث للخطابى أبى سليمان (ت 388 هـ) وقد تتبع ما فات الكتابين السابقين (14).
قال ابن الصلاح: فهذه الكتب الثلاثة أمهات الكتب المؤلَّفة فى ذلك (15).
4 - الفائق فى غريب الحديث للزمخشرى (ت 583 هـ) (16).
5 - النهاية فى غريب الحديث لابن الأثير (544 - 606 هـ) (17)، وقد بلغ هذا الكتاب النهاية فى هذا الفن الشريف ولم تند عنه إلا أحاديث يسيرة ذكرها السيوطى فى "الدر النثير"، و " التذييل والتذنيب " (18).
أ. د / رفعت فوزى عبد المطلب
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 2/ 672.
3 - النهاية فى غريب الحديث - المقدمة ص 4، ابن الأثير الجزرى- عيسى البابى الحلبى- مصر.
3 - فتح المغيث للسخاوى 4/ 22 مكتبة السنة- مصر- ط (1) 5 1 4 1 هـ/ 1995 م.
4 - مقدمة ابن الصلاح ص 458 طبعة دار المعارف- مصر ط 2.
5 - المصدر السابق ص 458.
6 - رواه البخارى 2/ 128 رقم (2258) 36 كتاب الشفعة، باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، والسقب: القرب والملاصقة صحيح البخارى- طبعة السلفية- مصر.
7 - مقدمة ابن الصلاح ص 458.
8 - سيأتى قريبا مثال على ذلك.
9 - فتح المغيث 4/ 31.
0 1 - هذا الحديث متفق عليه، رواه البخارى فى الجنائز: 1/ 415 - 16 4 رقم 1354 ومسلم فى الفتن 4/ 4 224 رقم 95/ 2930 صحيح مسلم - ترقيم محمد فؤاد عبد الباقى- عيسى البابى الحلبى- مصر.
11 - مقدمة ابن الصلاح ص460.، ورواية الترمذى عنده فى الفتن 4/ 1 0 1 رقم 2249 فقال: هذا حديث صحيح. تحقيق بشار عواد- دار الغرب الإسلامى- بيروت.
12 - طبع هذا الكتاب طبعات عدة، ومنها طبعة مجمع اللغة العربية تحقيق د./ حسين شرف.
13 - مقدمة ابن الصلاح ص 459.
4 1 - وقد طبع هذا الكتاب بالجمهورية العراقية فى ثلائة مجلدات عام 1397 هـ/1977 م.
5 1 - طبع هذا الكتاب بالمملكة العربية السعودية- جامعة أم القرى عام 2 0 4 1 هـ/ 1982 م.
16 - مقدمة ابن الصلاح ص 459.
17 - طبع هذا الكتاب بمصر- مكتبة عيسى البابى الحلبى.
18 - طبع بمصر- مكتبة عيسى البابى الحلبى.(1/477)
6 - غريب القرآن
لغة: يقال غرب الكلام غرابة: غمض وخفى، فهو غريب والجمع غرباء، وهي غريبة، والجمع: غرائب، والغريب: غير المعروف والمألوف كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: ما احتاج إلى البيان أو إلى مزيد منه من ألفاظ القرآن الكريم أو غيره.
وليس المقصود هنا الغرابة بالمعنى الذى عده علماء البلاغة عيبا مخلا بفصاحة الكلمة ذاهبا بفصاحة وبلاغة ما يشتمل عليه من كلام، والذى عرفوه بكون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى، بحيث لا ينتقل ذهن العربى الخالص العروبة إلى معناها بسهولة، أو كونها غير مأنوسة الاستعمال فى
المعنى المراد منها لدى خلص العرب، بحيث يحتاج تخريج الأمر فيها إلى وجه بعيد (2).
لأن فصاحة الكلام فضلا عن بلاغته متوقفة لامحالة على فصاحة كل كلمة منه، والقرآن الكريم قد انتهى من البلاغة إلى حد الإعجاز.
وفى ذلك يقول السعد التفتازانى -يرحمه الله-مدافعا عن اشتمال القرآن على كلمات غير فصيحة فيقول فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح، بل على كلمة غير فصيحة إنما يقود إلى نسبة الجهل أو العجز إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (3).
وترتيبا على ما سبق لا يصح بحال ما رواء المتساهلون من الأخبار المؤذنة بجهالة الجماهير من الصحابة لمعانى بعض ألفاظ القرآن، لأنهم عرب خلص، وما كانت لتفوت الحمية العربية ولا سيما لدى أهلها أعداء الدين والقرآن فى عصره مطعنا يوجهونه إلى القرآن فى مقتل.
نعم قد يجر العجل الذى خلق منه الإنسان إلى عدم تبصر فى سياق أو تدبر فى قرينة تستوجب الحمل على مجاز، فيقع خطأ الفهم من بعضهم حتى يستبين النبى صلى الله عليه وسلم فيبينه له، كقصة عدى بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود (4) وقصة عائشة في الحساب اليسير (5).
وقد يتعنت من سفه نفسه من كفرة العرب تلقاء لفظ من ألفاظ القرآن المجيد فينكر ما فى حقيقته من البيان والهدى، فما يلبث القرآن أن يفضح أمره ببيانه الحاسم أن حقيقة أمر اللفظ معلومة للكافة كقصتهم مع لفظ الرحمن، (6) وقصتهم مع شجرة الزقوم (7).
وقد بدأت أولى خطوات شرح الغريب والحديث عنه مبكرة في العهد المكى لنزول القرآن متمثلة فى بيان القرآن ذاته تارة، وبيان النبى صلى الله عليه وسلم بسنته تارة أخرى، ونتبين من ذلك أن الغريب هنا يراد منه ما احتاج إلى البيان أو إلى مزيد من ألفاظ القرآن الكريم أومن سنة النبى صلى الله عليه وسلم.
ثم اتسعت خطوات الحديث عن الغريب وشرحه بعد عهد النبوة فى عصر الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم، فكلما طال بالناس زمان احتاجوا إلى المزيد من البيان، نظرا لكثرة الفتوحات ودخول الكثير من غير العرب فى الإسلام، واختلاط العرب بهم، حتى سرت اللكنة إلى اللسان العربى،
وذهب من العرب الخلص، وجاء المولدون، بحيث احتاج أكثر ما كان بينا بنفسه إلى البيان، لحصول الجهل به، لا نقول للعامة فقط بل سرى الكثيرمن ذلك إلى بعض الخاصة أيضا.
وهكذا دعت الضرورة إلى تصنيف كتب النحو والصرف والبلاغة ومعاجم اللغة الشارحة لمتنها، والمصنفات الشارحة لفقهها، وكان من بين ذلك بطبيعة الحال، ونظرا لفرط رعاية الأمة بقرآنها أن أفردته المصنفات العديدة فيما يختص بغريب القرآن.
ويضاف إلى هذه الضرورة أن بيان اللفظ القرآنى قد لا يتوقف على معرفة حقيقة اللغة فحسب، بل قد يكون الحمل على الحقيقة اللغوية فيه من أفسد الفسادة أرايت لو حمل حامل لفظ مبصرة فى قوله تعالى {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} الإسراء:59، علي حقيقته ولم ينظر إلى السياق والقرآئن المضطرة اضطرارا للصرف إلى المجازى كم يقع فى الفساد والباطل.
فمن ثم كانت الضرورة -من أكثر من وجه- إلى وضع المصنفات المفردة المختصة بهذا اللون من علوم القرآن، فأفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون كما قال السيوطى (8).
وأمثل ما بأيدى الناس منها اليوم كتاب "المفردات فى غريب القرآن" للحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهانى المتوفى سنة (50هـ/1108م) على ما اختاره الزركلى فى الأعلام.
يقول الراغب في مقدمته عن سبب تصنيفه لكتابه: "وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن: العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معانى ألفاظ القرآن في كونه أوائل لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن فى كونه أول فى بناء ما يريد أن يبنيه، ليس ذلك نافعا فى علم القرآن فقط بل هو نافع فى كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هى لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء فى أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء فى نظمهم ونثرهم، وماعداهما وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لباب الحنطة.
ولمجمع اللغة العربية بمصرمصنف نفيس فى هذا الباب فى مجلدين تحت اسم "معجم ألفاظ القرآن الكريم" استرشد فى طريقة وضع الألفاظ فيه بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
هذا بالإضافة إلى جميع كتب التفسير، فما من كتاب فى التفسير إلا ويعنى صاحبه بشرح الغريب مبسوطا كان المصنف أو متوسطا أو موجزا.
أ. د/إبراهيم عبد الرحمن خليفة
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دارالمعارف، ط3، 2/ 671.
2 - شرح مختصر السعد التفتازانى لتلخيص المفتاح للخطيب القزوينى وحاشية الدسوقى عليه بشرح التلخيص 1/ 83 - 84.
3 - المرجع السابق ص82.
4 - صحيح البخارى، كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة.
5 - المصدر السابق، تفسير سورة الإنشقاق.
6 - تفسير ابن كثير طبعة عيسى الحلبى ص68، وتفسير روح المعانى للألوسى 15/ 191، 19/ 23.
7 - تفسير ابن كثير 4/ 10.
8 - الإتقان فى علوم القرآن، للسيوطى، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم 2/ 3.
9 - مقدمة المفردات للراغب (ح، د، هـ).
مراجع الاستزادة:
1 - البرهان فى علوم القرآن للزركشى.
2 - مباحث فى علوم القرآن، مناع القطان.
3 - علوم القرآن والتفسير د/عبد الله شحاته(1/478)
7 - الغزنويون
اصطلاحا: يقصد بهم جماعة من الأتراك الذين سكنوا الجزء الجنوبى الشرقى من التركستان وهضاب أفغانستان وجبالها، وهى الجهات التى سبق أن فتحها القائد الأموى قتيبة بن مسلم الباهلى سنة 90هـ/709م.
أخذ نفوذ أولئك الأتراك يعلو فى الدولة الإسلامية منذ استخدمهم الخليفة العباسى المعتصم 218هـ/833م فى حرسه الخاص، حتى آل إليهم أخيرا حكم كثير من ولايات الخلافة العباسية.
ونبغ من أولئك الأتراك زعيم يسمى "ألبتكين" أقامه السامانيون الذين أقاموا لهم دولة مستقلة فى ظل الخلافة العباسية حاكما على خراسان، ثم اختلف معهم، فاتجه إلى غزنة فى أقصى بلاد الإسلام شرقا، وأنشأ لنفسه مع إخوانه الأتراك دولة هى المعروفة باسم الدولة الغزنوية وذلك فى سنة 351هـ/962م) وطال عمرها حتى سنة (582هـ/1186م) وامتد سلطانها حتى شمل كل أفغانستان وإقليم البنجابا، وهو حوض نهرالسند بالهند.
وتعد هذه الدولة من دول الفتوح فى الإسلام فاشتهر من حكامها "سبكتكين" (366/ 387هـ) ثم ابنه "محمود" 388 - 421هـ الذى استطاع أن يضيف بجهاده إلى دار الإسلام قدر ما أضاف عمربن الخطاب فى المساحة تقريبا إذ أنه فتح شمال الهند كله بما فى ذلك نهر الكنج إلى مصبه، ووصل بالإسلام إلى سفوح الهملايا شمالا، وتسلق هضبة الدكن جنوبا.
وفى هذه المساحة كلها زالت الوثنية وحلت محلها عبادة الله وقامت المساجد.
وكان "محمود" وافيا لوحدة الإسلام، فاعترف بالتبعية للخليفة العباسى القادر بالله 381 - 422هـ وتلقى منه التفويض وخلع السلطنة، ولقبه الخليفة بلقب الأمير كما عرف "بالغازى" وهو أول من حمل هذه التسمية.
وفى أيام الغازى محمود أصبحت غزنة من العواصم العظام فى دار الإسلام فازدانت بالمساجد السامقة والمبانى الدينية العظيمة.
كما ظهر فى بلاطه العديد من علماء المسلمين مثل أبو الريحان البيرونى الذى صحب الغازى محمود فى حملاته إلى بلاد الهند، وظهر أيضا أبو القاسم الفردوسى وهو الشاعر الإيرانى الكبير مؤلف الشاهنامة.
وقد تفككت هذه الدولة بسبب اتساعها الكبير وقامت فى لاهور شمال الهند دولة جديدة تعرف باسم "دولة الغوريين" وهم منسوبون إلى "الغور" من أقاليم جنوب أفغانستان، وتمكن الغوريون من إخضاع منافسيهم فى شمال شرقى الهند ثم وسعوا حدود بلادهم، وجعلوا عاصمتهم مدينة "دهلى" التى تسمى الآن "دلهى".
وتابع الغوريون مطاردة آخر سلاطين الغزنويين بالهند وهما السلطان خسرو وابنه بهرام شاه الثانى حتى قتلوهما، وبذلك انتهت سيرة الدولة الغزنوية التى عمرت قرنين من الزمان.
أ. د/إبراهيم أحمد العدوى
__________
مراجع الاستزادة:
1 - الكامل فى التاريخ، إبن الأثير، القاهرة 1302هـ.
2 - تاريخ الحضارة الإسلامية، بارتولد ترجمة: حمزة طاهر القاهرة 1933م.
3 - الهند وجيرانها، وول ديورانت، ترجمة زكى نجيب محمود القاهرة 1950م.
4 - حضارة الهند، غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر القاهرة 1948م(1/479)
8 - الغسل
لغة: الغسل بالضم: هو الماء الذى يتطهر به وهو لغة: تمام الطهارة، والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمى ونحو ذلك (1).
واصطلاحا: استعمال ماء طهور فى جميع البدن على وجه مخصوص بشروط وأركان (2).
الغسل مشروع بالكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى} وإن كنتم جنبا فاطهروا {(المائدة 6) وقوله تعالى:} ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن {(البقرة 222) تطهرن: أى اغتسلن.
وأما السنة: فما روته عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومسَّ الختان الختان فقد وجب الغسل (3) والغسل يكون واجبا كغسل الجنابة والحائض، وقد يكون سنة كغسل الجمعة والعيدين.
أسباب وجوب الغسل:
1 - أبى سعيد الخدرى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: "إنما الماء من الماء " (5) ومعناه: يجب الغسل بالماء من خروج المنى ولا فرق فى ذلك بين الرجل والمرأة فى النوم أو اليقظة (4). ودليله: حديث إنزال الماء الدافق وهو المنى.
2 - التقاء الختانين وإن لم ينزل لحديث عائشة المذكور.
3 - الحيض والنفاس، ودليل وجوبه قوله تعالى:} ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله {(البقرة 222) أى إذا اغتسلن، فمنع الزوج من وطئها قبل غسلها فدل على وجوبه عليها، ودليل وجوبه فى النفاس الإجماع.
4 - الموت من موجبات الغسل عند الحنفية وبعض المالكية والشافعية والحنابلة وذهب بعض المالكية إلى سنية غسل الميت (6).
5 - إسلام الكافر ذهب المالكية والحنابلة إلى أن إسلام الكافر موجب للغسل، لما روى أبو هريرة أن ثمامة بن أثال أسلم، فقال النبى (صلى الله عليه وسلم) " اذهبوا به إلى حائط بنى فلان فمروه أن يغتسل، (7).
وذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب الغسل للكافر، لأنه أسلم خلق كثير ولم يأمرهم النبى (صلى الله عليه وسلم) بالغسل (8).
فرائض الغسل:
1 - النية ويكفى رفع نية الحدث الأكبر أو استباحة الصلاة.
2 - تعميم الشعر والبشرة بالماء.
3 - الموالاه اختلف الفقهاء فيها: هل هى من فرائض الغسل أو من سننه؟
4 - الدلك. اختلف الفقهاء فيه هل هو سنة أو فرض.
سنن الغسل:
1 - التسمية.
2 - غسل الكفين.
3 - إزالة الأذى
4 - الوضوء.
5 - البدء باليمنى
6 - البدء بأعلى البدن.
7 - تثليث الغسل.
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - المصباح المنير 2/ 447.
2 - كشاف القناع 1/ 139.
3 - أخرجه مسلم فى كتاب الحيض "باب ما يوجب الغسل " صحيح مسلم بشرح النووى 4/ 41. وما بعدها.
4 - حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 1/ 136، كشاف القناع 1/ 139.
5 - أخرجه مسلم فى كتاب الحيض "باب بيان ان الغسل يجب بالجماع " صحيح مسلم شرح النووى 4/ 38.
6 - حاشية ابن عابدين1/ 112، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 1/ 407، كشاف القناع 1/ 145، مغنى المحتاج1/ 68.
7 - أخرجه أحمد فى المسند2/ 304 وصححه ابن خزيمة 1/ 125.
8 - حاشية ابن عابدين 1/ 113، المجموع شرح المهذب 2/ 152وما بعدها.(1/480)
9 - الغصب
لغة: هو أخذ الشىء قهرا وظلما، فهو غاصب والاغتصاب مثله (1).
واصطلاحا: فقد عرفه أبو حنيفة وأبو يوسف بأنه: إزالة يد المالك عن ماله المتقوم على سبيل المجاهرة والمغالبة بفعل فى المال (2).
وعرفه المالكية بأنه: أخذ مال قهرا تعديا بلا حرابة (3).
وعرفه الشافعية بأنه: الاستيلاء على حق الغير أى على وجه التعدى بغير حق (4). وعرفه الحنابلة بأنه: استيلاء على حق غيره من مال أو اختصاص قهرا بغير حق (5). والغصب حرام: إذا فعله الغاصب عن علّم، لأنه معصية، وقد ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقول الله تعالى:} يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم {(النساء: 29).
وأما السنة فمنها: قوله (صلى الله عليه وسلم): "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا " (6).
وقوله (صلى الله عليه وسلم): "لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه " (7).
وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على تحريم الغصب، وإن لم يبلغ المغصوب نصاب سرقة.
ويلزم الغاصب الإثم إذا علم أنه مال الغير، ورد العين المغصوبة ما دامت قائمة وضمانها إذا هلكت (8).
يستحق الغاصب المؤاخذة فى الآخرة، إذا فعل الغصب عالما أن المغصوب مال الغير، لأن ذلك معصية، وارتكاب المعصية عمدا مُوجب للمؤاخذة، لقوله (صلى الله عليه وسلم): "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين " (9). للمالك المغصوب منه حقوق تقابل ما يلزم الغاصب من الأحكام المذكورة وهى: رد عين المغصوب، والثمار والغلة، والتضمين وحق المالك المغصوب منه فى الهدم والقلع لما أحدثه الغاصب فى ملكه، والجمع بين أخذ القيمة والغلة.
وإذا تلف المغصوب فى يد الغاصب آو نقص أو أتلفه، أو حدث عيب مفسد فيه:
وجب على الغاصب ضمانه بأن يدفع للمالك المغصوب منه مثله إن كان من ذوات المثليات،
فإن لم يقدر الغاصب على المثل أو كان المال قيميا وجب عليه ضمان القيمة (10).
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1ـ المصباح المنير 2/ 448، التعريفات، للجرجانى ص 141.
2 - بدائع الصنائع 7/ 143.
3 - الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى 2/ 442، 459.
4 - السراج الوهاج للغمراوى شرح المنهاج ص 226، مغنى المحتاج 2/ 275.
5 - كشاف القناع 4/ 76.
6 - أخرجه البخارى فى كتاب: العلم" باب: ليبلغ الشاهد الغائب " فتح البارى بشرح صحيح البخارى 1/ 240.
7 - أخرجه الإمام أحمد فى المسند 5/ 72.
8 - مغنى المحتاج 2/ 277، بدائع الصنائع 7/ 48 1.
9 - أخرجه البخارى فى كتاب. المظالم والغصب "باب: إثم من ظلم شينا من الأرض " فتح البارى بشرح صحيح البخارى 5/ 123.
10 - تبيين الحقائق 5/ 333، بداية المجتهد 2/ 238، مغنى المحتاج 2/ 281كشاف القناع 4/ 106 وما بعدها.(1/481)
10 - الغضب
لغة: غضب عليه غضبا سخط عليه وأراد الانتقام منه (1).
واصطلاحا: تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفى للصدر (2).
وتختلف دلالة لفظ الغضب وما تصرف منه فى القرآن الكريم حسب جهته ومصدره، فإذا كان من الله سبحانه كان بمعنى النقمة والعقاب، وإذا كان من البشر فهو هيجان النفس لأمر يتصل بالشخص ذاته، وهو ما يعالج بالعفو والحلم والمغفرة، ويمكن أن ينسى بمرور الوقت، وقد يكون الغضب من أجل حرمة لله تنتهك، فهو هيجان نفس لكنه محمود وينبغى أن يستمر.
وفى السنة الشريفة بيان وتفصيل لأمور تتصل بالغضب الذى هو هيجان النفس.
ففيها أن هذا الغضب نار فى القلب تفقد صاحبها أناته حين تشتعل، وينبغى أن يعالجه صاحبه فورا (ألا وإن الغضب جمرة فى قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمره عينيه، وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بشىء من ذلك فليلصق بالأرض) (3).
وفى السنة بيان أنه (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب) (4)
وفى السنة ما يفيد خطرهذه الحالة النفسية حيث يوصى الرسول صلى الله عليه وسلم ويكرر على سائله الذى قال له: أوصنى، بقوله: لا تغضب وكلما ردد: أوصنى، قال النبى صلى الله عليه وسلم لا تغضب (5).
وفى السنة كذلك أن العلاج هو الحلم والرفق وتذكر الندم الذى يعقب الغضب (6).
وللغضب الذى هو انتصار للنفس، وهيجان من أجلها أسباب كثيرة منها: العجب والافتخار، والزهو، والمراء، والجدال، والاستهزاء بالآخرين، وفى جميعها تبدو شهوة الانتقام، ومن لواحقه الندامة وتوقع العقاب عاجلا أو آجلا، وربما كان سببا لأمراض صعبة، فضلا عن أنه يمنع من التفكير، أو المنطق الصائب (7).
وعلاج الغضب باللجوء إلى تفكير فى الحلم، ومراجعة للنفس فيما أغضبها، وتذكر عفوالله عنا حين نخطىء قال سلطان لحكيم: كيف لى ألا أغضب؟ قال: بأن تكون فى كل وقت ذاكرا أنه يجب أن تطيع لا أن تطاع فقط، وأن تخدم لا أن تخدم فقط، وأن تحتمل لا أن تحتمل فقط، وأن تتحقق أن الله يراك دائما، فإذا فعلت ذلك لم تغضب وإن غضبت كان قليلا (8).
أ. د/أبواليزيد العجمى
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية القاهرة.
2 - التعريفات للجرجانى.
3 - رواه الترمذى.
4 - رواه البخارى كتاب الآداب 76.
5 - رواه البخارى.
6 - رياض الصالحين 291 - 297 طبعة البحوث والإفتاء بالرياض.
7 - تهذيب الأخلاق مسكويه 164، خلق المسلم محمد الغزالى 108 - 112.
8 - الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى 346 بتحقيقنا نشر دار الوفاء 1987م(1/482)
11 - الغلو
لغة: مجاوزة حدالاعتدال، وفى مقابل طرفه هذا طرف آخر هو التفريط أو
التسيب، وكلا طرفى قصد الأمور ذميم.
واصطلاحا: نجد النصوص الشرعية تقرن بين "الغلو" و "التشدد" و "التنطع" وكأنها جميعا مجاوزة حد الاعتدال المطلوب من المسلم أن يلتزم به.
والغلو قديم قدم انحراف الفكر والسلوك حين يتجاوزان حد الاعتدال لسبب أو لآخر.
وفى القرآن الكريم نهى لأهل الكتاب عن الغلو لأنه انحراف عن الحق فى الدين، وقد جاء هذا فى آيتين هما: {يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم، ولا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فآمنوا بالله ورسله، ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد، سبحانه أن يكون له ولد له ما فى السموات وما فى الأرض وكفى بالله وكيلا} النساء:171.
{قل يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غيرالحق، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل} المائدة:77.
وتدل الآيتان على أن الغلو والانحراف كان فى باب العقيدة، فيما يخص الذات الإلهية وصفاتها، وفيما يخص اعتقاد النصارى فى المسيح بما يخرجه عن حقيقته غلوا وتجاوزا (1).
لذا كانت الوسطية إحدى الخصائص العامة للإسلام، وهى إحدى المعالم الأساسية التى ميز الله بها أمته صلى الله عليه وسلم عن غيرها {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} البقرة:143.
فهى أمة العدل والاعتدال التى تشهد فى الدنيا والآخرة على كل انحراف يمينا أو شمالا عن خط الوسط المستقيم (2).
وفى السنة تحذير واضح من الغلو والتنطع والتشدد لمخالفتها وسطية الإسلام
واعتداله.
وفى الوقت ذاته تحفل السنة القولية والعملية بالأمر بالتيسير والرفق والتسامح.
وحسبنا أن نشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط بين الغلو والهلاك وكذا التنطع والتشدد (إياكم والغلو فى الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلوفى الدين) (3) (هلك المتنطعون) (4) (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم، فتلك بقاياهم فى الصوامع والديارات) (رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) (5).
أما التيسير والأمر به فأشهر من أن لا يعلم، فقد عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم معاذا حين شكا أحد الناس أن معاذا يطيل فى الصلاة فقال والمسلمين جميعا (يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا).
وقد وقعت فى تاريخ المسلمين مظاهر غلو بعث عليها فهم معين، أو مبالغة مرذولة، فكان موقف الأمة بيان خطأ أصحاب هذه المظاهر حتى ولو كانت اجتهادا بشكل أو بآخر.
ففى باب العبادات لم يقبل النبى صلى الله عليه وسلم موقف النفر الذى قال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أصلى ولا أنام، وقال الثالث: أنا أعتزل النساء بل بين الرسول الكريم خطأهم وقال: (أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى) (7).
وفى بابا الحكم على الآخرين حين كفر الخوارج مرتكب الكبيرة، ورتب بعضهم على هذا جواز قتله، واعتبر بعضهم ديار مخالفيه ديار كفر، وقفت الأمة منهم علماء وحكاما موقف المحاور لهم، ثم رفض هذه الآراء (8).
وفى باب الغلو فى المعتقدات، حين ألهت السبئية عليا رضى الله عنه، وحين قالت بعض فرق الشيعة بتناسخ الأرواح، والرجعة ونحو هذا، عدهم مؤرخو الفرق من الغلاة الذين حادوا عن العقيدة الحقة (9) وكذلك حين غالى بعض الصوفية فى فهم التوحيد وقالوا بوحدة الوجود، أو الاتحاد، أو الحلول أو وحدة الأديان، هوجموا من الصوفية المعتدلين وقيل إنهم غلطوا فى كذا وكذا (10).
وفى باب الممارسات الحياتية، حين انعزل بعض الزهاد عن الحياة، وسكنوا الكهوف ووقعوا فى رهبانية لا يقبلها الإسلام، نظر إليهم على أنهم سقام الفهم للزهد والتوكل مضطربو السلوك (11).
وأما خطر الغلو فيكمن فى ضرره بالدعوة ووجه الإسلام.
فهومن جهة ينفرعامة الناس حيث لا يطيقه الناس، فينصرفون عن الارتباط
بالجماعة أو الاستمرار فى العبادة، وهو من جهة أخرى أصعب من أن يستمر صاحبه عليه، فيفتر فيفقد مصداقيته أمام من عرفوه.
وهو من جهة ثالثة يضر بالتوازن المطلوب فى شخصية المسلم، أعنى أنه يضيع بعض الحقوق، ولعل هذا هو الذى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعبدالله بن عمرو حين بلغه صوم النهار وقيام الليل باستمرار: (لا تفعل، صم وأفطر وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا .... الحديث) (12).
فإذا أضفنا إلى ما سبق تعصب صاحب الغلو لرأيه وجموده عليه، وعدم اعترافه بالرأى الآخر، والتسرع فى الحكم على الآخرين فى عقائدهم.
أقول: إذا علمنا هذه المظاهر أدركنا خطر الغلو فى الدين بكل مناحيه ومجالاته، وهو خطر يكتوى به صاحبه قبل الآخرين.
أما أسباب الغلو فكثيرة، وحسبنا أن نشير إلى أن هناك أسبابا تتصل بذات
الشخص وأسبابا تتصل بالجو العام.
وعلى رأس ما يتصل به قلة العلم، وما يتفرع عنه من جهل بأدب الحوار، وضوابط الاختلاف وعدم التمكن من روافد الفهم الصحيح للإسلام، وأخذ الإسلام من كتب معينة دون غيرها وتتصل به كذلك الظروف النفسية التى تكون عليها وتأثر بها جمودا، أو زعامة، أو حبا للشهرة ونحو هذا (13).
وهذا ما نبه إليه الشاطبى حين ذكرأن أسباب الابتداع وأخطرها أن يعتقد إنسان فى نفسه أو يعتقد فيه أنه من أهل العلم والاجتهاد فى الدين، وهو لم يبلغ تلك الدرجة (14)
أما ما يتصل بالجو العام، فانتشار الفساد، وغياب العدالة، والتضييق فى الحريات، وعدم الاهتمام بالتربية الحوارية، فكل هذا يحدث رد فعل يتسم بالغلو.
ولاشك أن علاج هذه الظاهرة الخطرة لابد أن تقوم به كل أجهزة التربية والتثقيف من تعليم وإعلام وثقافة ومؤسسة دينية، وكلها على التوازى مع البيت والأسرة.
أ. د/أبواليزيد العجمى
__________
الهامش:
1 - فى ظلال القرآن سيد قطب 5/ 815،937 ط دار الشروق.
2 - الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، د/يوسف القرضاوى، ص24 كتاب الأمة شوال 1402هـ.
3 - رواه أحمد والنسائى وابن ماجه وقال محقق المسند: إسناده صحيح.
4 - رواه مسلم فى صحيحه عن ابن مسعود.
5 - ذكره ابن كثير فى تفسير سورة الحديد.
6 - رواه البخارى.
7 - متفق عليه، وقد ذكرته بمعناه لا بلفظه.
8 - تيارات الفكر الإسلامى، د/محمد عمارة، ص25 ط دار الشروق 1411هـ-1991م.
9 - السابق 356 مكتبة الثقافة العربية 1995م.
10 - فى التصوف الإسلامى، د/أبواليزيد العجمى، د/حسن الشافعى ص115، مكتبة الثقافة العربية 1995م.
11 - الصحوة الإسلامية، د/يوسف القرضاوى، ص28.
12 - رواه البخارى.
13 - مشكلات فى طريق الحياة الإسلامية، محمد الغزالى ص114 كتاب الأمة جمادى الأخرة 1402هـ.
14 - الاعتصام الشاطبى 2/ 173(1/483)
12 - الغناء
اصطلاحا: هو فن من الفنون المتعلقة بالموسيقى.
ويقوم الغناء على التحكم فى الصوت لإخراجه وفقا لنغمة معينة، وعلى إمكانية التحكم فى النفس، الأمر الذى يسمح بأداء جمل طويلة، والتحكم فى الطبقات الصوتية المختلفة والانتقال بينها دون أن يتم ملاحظة ذلك. كما يقوم فى آن واحد على التوافق بين النغم والإيقاع وتطويع الخطاب.
إنه تعبير تلقائى منتشر بين البشر وأنواع كثيرة من الطيور، والدليل على تلقائيته وعالميته انتشاره بين الأطفال وبين مختلف الطبقات الاجتماعية سواء الأمية منها أو غيرها. والغناء على نغمات الموسيقى كان عادة مألوفة عند قدماء المصريين أثناء قيامهم بالعمل.
وقد تغنى بعض الشعوب بلا آلات موسيقية، إلا أن التاريخ لم يعرف وجود شعب بلا غناء ... ولقد انتشر فن الغناء بين كل الشعوب التى على درجة ما من الحياة المنتظمة. لذلك نجد بعض السمات المشتركة فى موسيقى الشعوب والأمم.
والموسيقى الشرقية قائمة على اللحن أساسا وليس على التوزيع الهارمونى، وعادة ما تكون حرة الإيقاع الذى يعتمد على آلة شديدة الوضوح. والسلم الموسيقى الشرقى قائم على الربع تون، وهو يتكون من 24 درجة بدلا من الاثنتى عشرة درجة التى تقوم عليها الموسيقى الغربية- مما يضاعف من ثرائه وإمكانيات تنوع عطائه الفنى. والزخارف النغمية من السمات الواضحة فيها، ويعد الارتجال التلقائى الإبداعى من أهم معالمها. والمعروف أن آلات النقر والعود والرباب والقيثارة والنقارة عربية الأصل ولها تأثير على أصل الموسيقى الغربية، إذ تأثرت الموسيقى الأسبانية بالموسيقيين العرب حتى أصبح لها مذاق خاص يصعب إغفاله. والثابت تاريخيا أن فن الغناء قد انبثق من فن الشعر وقوافيه. بل لقد نهض صرح الغناء العربى بكل عظمته فى مدة لا تزيد عن أربعين عاما فى القرن الهجرى الأول. وتعد هذه الوثبة سباقة فى تاريخ نشأة الفنون وتطورها. ثم عاش هذا الفن أكثر من ألف ومائتى عام فما يغنيه المطربون فى أيامنا من مقامات ومشتقاتها وإيقاعاتها هى نفس المقامات والأوزان التى ضبطها إسحاق الموصلى ضبطا دقيقا آنذاك، والذى كان المغنى والملحن الذى رسخت قواعد التلحين والغناء بعمله وعلمه.
وترجع أولى خطوات تنظيم أو منهجه فن الغناء إلى زرياب الذى غادر بلاط هارون الرشيد فى مطلع القرن التاسع الميلادى ليقيم بقرطبة فى أسبانيا. وكان زرياب يقسم منهجه فى تعليم فن الغناء إلى ثلاثة أقسام: الإيقاع، واللحن، والحليات.
وقد أنشأ ابن سريج صناعة الضرب بالعود وأدخل نغماتها إلى عروض الشعر العربى مما أدى إلى طفرة هائلة فى مقامات الغناء العربى الذى أصبحت له مدرستان فى آن واحد إحداهما فى مكة والأخرى فى المدينة. والثابت تاريخيا أن فن الغناء العربى المتقن قد بزغ كلمح البرق، وارتقى حتى أصبح يتميز على غناء الأمم والحضارات. بل لقد أصبح الغناء فن العرب الثانى بعد فن الشعر ... وبذلك كان الشعر والغناء معا يمثلان بهجة الحياة لديهم. وصار الغناء وازدهاره دليلا على ازدهار الدولة حتى قال ابن خلدون فى مقدمته: "أول ما ينقطع فى الدولة عند انقطاع العمران صناعة الغناء". وتعد الصحوة الثانية لفن الغناء العربى فى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر على يد الشيخ شهاب الدين، بينما يعد الانبعاث الثالث له أيام عبده الحمولى ومحمد عثمان إلى سيد درويش وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب. ويشتمل تراث الغناء العربى القريب على أكثر من ألفى موشح ودور وقصيدة وطقطوقة غير الأغانى المسرحية والشعبية. والصعوبة الأساسية فى الغناء وأدائه لا تكمن فحسب فى ضرورة التمكن من مجالى الصوت والكلمات وإنما يتطلب الأمر الجمع بين جمال الصوت، وجمال النغم، وقوة وتنوع الإيقاع، ومعنى التعبير العاطفى، وقوة ومعنى وجمال وتنوع الأداء بين الآلات.
ويعد أهم كتاب فى الغناء والموسيقى فى المائتى عام الماضية هو كتاب "سفينة الملك ونفيسة الفلك" المعروف باسم "سفينة شهاب" للشيخ شهاب الدين محمد بن إسماعيل (273 1 هـ- 856 1م) ويحتوى هذا الكتاب على مائة من الموشحات بكلماتها ومقاماتها وإيقاعاتها.
أما أول كتاب عن الأصوات والغناء والموسيقى فهو "كتاب النغم " للملحن المغنى يونس الكاتب، الذى شهد أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية، وسبق الأصبهانى بأكثر من مائتى عام.
وقد أثبت الكندى (874 م) أن الغناء فن قائم بذاته وليس فارسيا أو روميا كما قام الإمام أبو حامد الغزالى بتناول قضية تحريم أو إباحة الغناء فى كتاب "أداب السماع والوجد، وهو جزء من كتابه الكبير "إحياء علوم الدين" مستلهما نصوص الآيات والأحاديث، كما استند إلى القياس ليخرج بإباحة الصوت الجميل مدافعا عن حق الإنسان المتدين فى التعبير الفنى، على أن يكون لذلك الفن آدابه وأصوله. فقد أوقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) عائشة وراءه لرؤية رجال الحبشة
يغنون ويلعبون، ويعد هذا نصا صريحا فى أن الغناء ليس بحرام، شريطة أن يكون فنا أصيلا وليس مبتذلا. فالغناء الأصيل فطرة وفن وأدب ... فطرة لا تصنع بالطبع والوجدان وإنما يدرك بهما، وفن لأن له نظما وقواعد وأصولا وأدبا، لأنه أبلغ الوسائل فى التعبير عن نجوى الضمير ...
أ. د / زينب عبد العزيز
__________
المراجع
1ـ إحياء علوم الدين أبو حامد الغزالى مكتبة مصطفى الحلبى 1354 هـ.
2 - تراث الغناء العربى، بين الموصلى وزرياب… وأم كلثوم وعبد الوهاب كمال النجمى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الأعمال الخاصة، 1968 م.
3 - الموسيقى الشرقية والغناء العربى- قسطندى رزق- مكتبة الدار العربية للكتاب، أوراق شرقية، جزءان (13 4 1 هـ 1993 م).
4 - الموسيقى والحضارة: هوجولا يختنتريت، ترجمة د. أحمد حمدى محمود. الهيئة المصرية العامة للكتاب، الألف كتاب الثانى، 1998 م.
5 - the oxford companion to musicly percy A. scholes. Oxford universty press, fndon,
new york, toranto, 1938.(1/484)
13 - الغنائم
لغة: جمع غنيمة، وهى من الغنم، وهو الفوز بالشىء كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: المأخوذة من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة والانتصار، بقتال وركوب خيل ونحوها (2).
وقد شرعها الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، واختصها بها، قال تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} الأنفال:41، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى ...... وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى) رواه البخارى ومسلم (2).
وقد ظهر من هذه الآية الكريمة، ومن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الغنائم تقسم على خمسة أسهم:
1 - سهم منها يقسم على خمسة مصارف هى:
(أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ب) أقاربه صلى الله عليه وسلم من بنى هاشم وبنى المطلب.
(ج) اليتامى.
(د) المساكين.
(هـ) ابن السبيل.
فلكل جهة من هؤلاء الخمسة خمس خمس الغنيمة.
2 - سهم للمشاة من المقاتلين يقسم بينهم.
3 - سهم للفرسان يقسم بينهم.
4، 5 - سهمان للخيول الصحيحة التى يقاتلون عليها.
وقد يعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد المقاتلين شيئا من الغنيمة قبل التقسيم يسمى نفلا، لأنه زيادة على ما يستحقه من التقسيم، لتفوقه فى بعض الأعمال، وتسمى الغنيمة كلها نفلا وأنفالا، لأنها منحة من الله تعالى لهذه الأمة، قال تعالى {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ...... } الأنفال:1، وقد روى أنها فى أول الإسلام كانت للنبى صلى الله عليه وسلم وحده يصنع فيها ما يشاء، ثم نسخ ذلك بآية التقسيم على المقاتلين (3).
وهناك أيضا الرضخ من الغنيمة، وهوعطاء يعطيه الإمام ونائبه لمن حضر القتال ولم يستوف الشروط التى يستحق بها المقاسمة فى الغنيمة كالنساء والصبيان ونحوهم.
وهناك أيضا السلب، وهو ما يكون على العدو المقتول من ملابس وآلات
حربا وما يركبه من فرس، فإن ذلك يكون لقاتله فوق نصيبه من الغنيمة، لحديث (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه) رواه البخارى (4).
ويدخل فى الغنيمة كل ما حصل عليه المسلمون من الكفار، نتيجة قهرهم والانتصار عليهم من أموال منقولة أو أسلحة أو أراض أو فداء للأسرى أو سابقة للمسلمين (5).
والتقسيم على المقاتلين بالنسب السابقة فيكون للأموال المنقولة والأسلحة والفداء، أما ما استرده المسلمون من أموالهم، فترد إلى أصحابها، ولا تدخل فى التقسيم إذا عرفها أصحابها، فإن لم يعرفوها قسمت، وأما الأراضى ففيها خلاف فقيل: بالتقسيم، وقيل: بعدمه، وقيل: الإمام مخير فى الأراضى بين التقسيم، أو يتركها لأهلها بالخراج.
ويجب على أمير الجيش حفظ الغنائم، وتكليف من يقوم بحفظها حتى يقسمها بين أصحابها، وجمهور الفقهاء على أن التقسيم يكون فى محل الغزوة بعد الانتصار وانتهاء الحرب، ليدخل السرور على المقاتلين، إلا إذا كان الموقع غير آمن، فينتقل بهم إلى موقع آخر يكون آمنا، ثم يقسمها عليهم (6)، وفى التعجيل بالتقسيم حكمة أخرى، وهى وقاية الغنيمة من السرقة والفلول.
ويشترط فيمن يستحق الغنيمة شروط وهى:
أن يكون مسلما، بالغا، عاقلا، ذكرا، حرا، صحيحا، وأن يشهد المعركة ولو لم يقاتل فإن اختل شرط أو أكثر من هذه الشروط بأن حضر المعركة صبى أو ذمى .. رضخ له الإمام أى أعطاه نصيبا من المال العام
قبل التقسيم، ولا يبلغ هذا الرضخ قدر سهم من السهام الخمسة التى تقسم عليها الغنيمة.
ويخرج من الغنائم قبل التقسيم: الأسلاب، وأموال المسلمين المعروفة التى استردوها والأراضى على خلاف، وأجرة حفظ الغنيمة، والأرضاخ والأنفال (7) ثم تقسم على مستحقيها كما سبق ويقسم خمس الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته على الأربعة الباقين، أو يعتبر فيئا يعطى منه الغنى والفقيرعلى خلاف بين الفقهاء (8).
أ. د/محمد نبيل غنايم
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة 2/ 664.
2 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 5/ 213.
3 - فتح القدير، الكمال بن الهمام، دار الفكر، ط2، بيروت، ط1، 2/ 309.
4 - صحيح البخارى، 5/ 227.
5 - الأم، للشافعى، دار الفكر، بيروت، 1990 م،8/ 249.
6 - المصدر السابق 4/ 147، وقيل لا تقسم إلا فى دار المسلمين.
7 - وقيل من الأربعة أخماس المغنى، لابن قدامة، مكتبة القاهرة ط1،1969 م، القاهرة 9/ 231.
8 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد، دار ابن حزم، 1995، بيروت، 2/ 754.
مراجع الاستزادة:
1 - الموسوعة الفقهية، الكويت، مطبعة دار الصفوة، سنة 1974، القاهرة(1/485)
14 - الغيب
لغة: الغيب كل ما غاب عنك، والغيابة: الأجمة وهى جماع الشجر يغاب فيها، ويسمى المطمئن من الأرض: الغيب لأنه غاب عن البصر، والغيب: كل ما غاب عن العيون، وغاب على الأمر غيبا وغيابا: كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: الغيب كل ما أخبر به القرآن الكريم والرسول (صلى الله عليه وسلم) مما لا تهتدى به العقول من أشراط الساعة، وعذاب القبر، والحشر؛ والنشر، والصراط، والميزان، والجنة، والنار، والملائكة، والجن والكتب السماوية، وقيل: القضاء والقدر.
والغيب أمر خفى لا يدركه الحس، ولا تقتضيه بديهة العقل، وهو قسمان:
1 - قسم لا دليل عليه لا عقليا ولا سمعيا وهذا هو المعنى بقوله تعالى:} وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو {(الأنعام 59). وفى حديث أبى هريرة رضى الله عنه:
قال النبى: (صلى الله عليه وسلم) " فى خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى ثم تلا: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير) (لقمان 34). وقوله عز وجل:} يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفى عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون {
(الأعراف 187).
2 - وقسم نصب عليه دليل عقلى أو سمعى، كالصانع وصفاته، واليوم الآخر وأهواله، وهو المراد بالغيب فى قوله تعالى} الذين يؤمنون بالغيب {(البقرة 3). قال القرطبى: وهذا هو الإيمان الشرعى المشار إليه فى حديث جبريل - عليه السلام -، حين قال للنبى (صلى الله عليه وسلم): " فأخبرنى عن الإيمان: قال أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت " وقال عبد الله بن مسعود: ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ} الذين يؤمنون بالغيب {.
وفى التنزيل} وما كنا غائبين {(الأعراف 7). وقوله} الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون {(الأنبياء49). فهو سبحانه وتعالى غائب عن الأبصار، غير مرئى فى هذه الدار، غير غائب بالنظر والاستدلال، فهم يؤمنون بأن لهم ربا قادرا يجازى على الأعمال، فهم يخشونه فى سرائرهم وخلواتهم التى يغيبون فيها عن الناس، لعلمهم باطلاعه عليهم، وعلى هذا تتفق الآراء ولا تتعارض، والحمد لله، وقيل: بالغيب أى بضمائرهم وقلوبهم بخلاف المنافقين، وهذا قول حسن. قال الشاعر:
وبالغيب آمنا، وقد كان قومنا يصلون للأوثان قبل محمد.
ومن الإيمان بالغيب الإيمان بالملائكة، الذين لا يعلم حقيقتهم إلا الله، فالملائكة ليسوا كالبشر، بل هم عالم آخر قائم بنفسه ومستقل بذاته، ولهم القدرة على أن يتمثلوا بصورة بشرية وغيرها. والإيمان بالملائكة من البر ومن دلائل الصدق والتقوى، وهذا العالم الغيبى لا يدرك بالحس ولا بالعقل، وسبيل معرفته هو الوحى؛ لأنه غيب من الغيوب. (2)
والله سبحانه هو الذى يعلم الغيب وحده. قال تعالى:} فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين {(يونس 20).
وفى صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها " قالت: من زعم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخبر بما يكون فى غد فقد أعظم على الله الفرية " والله تعالى يقول} قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله {(النمل 65). وقال تعالى:} وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين {(الأنعام 59).
فالله تعالى عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، لا يملكها إلا هو، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه، ولا يكون ذلك إلا من إفاضته على رسله بدليل قوله تعالى:
} وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء {(آل عمران 179). وقوله تعالى:} عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا {(الجن 26، 27). ذكر القرطبى: أنه لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كما فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحى إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم.
فالله سبحانه وتعالى جعل حرسا حول هذا الرسول الذى أطلعه على بعض الغيب المتعلق برسالته، وهذا الحرس من الملائكة والشهب لحفظ هذا الغيب من تلاعب الشياطين. وفى قصة سليمان يبين القرآن أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما استمروا فى عملهم سخرة لسليمان: قال تعالى} فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين {(سبأ 14) (3).
وقد نهى النبى (صلى الله عليه وسلم) عن إتيان العراف والكهان، فقال: "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما، (رواه مسلم). والعراف هو الحازر والمنجم الذى يدعى علم الغيب، وهى من العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذى يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعى معرفتها، وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن بالزجر والطرق والنجوم، وأسباب معتادة فى ذلك، وكلها يطلق عليها اسم الكهانة، والكهانة: ادعاء علم الغيب. قال أبو عمر بن عبد البر فى كتاب الكافى: من المكاسب المجمع على تحريمها: الربا ومهور البغايا، والسحت، والرشوة، وأخذ الأجرة على النياحة، والغناء، وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء.
وقد روى مسلم فى صحيحه عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أناس عن الكهان. فقال: "إنهم ليسوا بشيء" فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيقرها فى أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة.
وروى البخارى عن عائشة أنها سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " إن الملائكة تنزل فى العنان ـ وهو السحاب ـ فتذكر الأمر قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم".
وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى، وينظر فى الكتب، ويزجر بالطير، ممن ارتضاه الله من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه، وفيه استحلال دمه علىّ هذا التنجيم، ولقد أحسن الشاعر حيث قال:
حكم المنجم أن طالع مولدى يقضى على بميتة الغرق
قل للمنجم صبحة الطوفان هل ولد الجميع بكوكب الغرق
(هيئة التحرير)
1 - لسان العرب، ابن منظور، مادة (غيب) 1/ 654دار صادر بيروت. 1955م، دائرة معارف القرن العشرين 7/ 100 محمد فريد وجدى. دار المعرفة بيروت.
2 - العقائد الإسلامية، للشيخ سيد سابق- ص 113 - دار الكتب الحديثة.
3 - السابق ص 121.
__________
المراجع
1 - الجامع لأحكام القرآن. للقرطبى 1/ 163وما بعدها، 7/ 2 - 3 وما بعدها، 19/ 28 وما بعدها- مكتبة السلام العالمية، دار الثقافة- ط 1 سنة 1981م.
2 - تفسير البيضاوى- الآية 159 من سورة الأنعام.(1/486)
15 - الغيبة
لغة: الغيبة أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير أن يحوج إلى ذكره، ولا يبعد المعنى الاصطلاحى عن المعنى اللغوى لمفهوم الغيبة.
وهذا ما وضحه الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله: (أتدرون ما الغيبة، قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) (1).
ومن هنا قيل: واعلم أن من الصدق ما يقوم مقام الكذب فى القبح والمعرة، ويزيد عليه فى الأذى والمضرة، وهى: الغيبة، والنميمة والسعاية (2).
وقد نهى القرآن عن الغيبة، مصورا ممارستها بما ينفر منها، ويظهر خطر الوقوع فيها فقال: {ولا يغتبا بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه
ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} الحجرات:12.
يعنى إذ كنتم تعافون أكل لحم الميت طبعا، فعافوا الغيبة شرعا لأنها أشد وأخطر.
وقد وضحت السنة القولية والعملية خطر الغيبة والنميمة فى سياق بيان خطر الكلمة التى يتفوه بها الإنسان لا يلقى لها بالا فتجره إلى قاع جهنم، وفى سياق أن ريح الغيبة حين يوجد فى الأمة كريح الجيفة النتنة.
ومن أجل أن يتوقى الإنسان إثم هذه الرذيلة نهت السنة عن حضور مجالس يغتاب فيها المسلم (3)، بل لابد من رد غيبة المسلم وإلا فترك هذه المجالس هو اللائق بالمسلم، فهما لقوله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين} القصص:55.
والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما فى الجرح والتعديل والنصيحة.
كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه الرجل الفاجر (ائذنوا له بئس أخو العشيرة) (4).
فالغيبة رذيلة تخالف ما تقرر فى الإسلام من حرمة الإنسان الذى هو أعظم حرمة عند الله من الكعبة، وحرمة دم المسلم وعرضه وماله، كما جاء فى خطبة الوداع وفى أحاديث كثيرة تبين حق المسلم على المسلم، وضرورة
سلامته من لسانه ويده (5).
ثم هى من جهة أخرى تظهر نقصا نفسيا عند مقترفها، فقد قيل: ما وجد عائب إلا كان معيبا، وهى تقطع العلاقات الطيبة، وتفتح باب التعقب والبحث عن العيوب فقد قيل: إن من اغتاب اغتيب ومن عاب عيب، فبحثه عن عيوب الناس يحمل الناس على البحث عن عيوبه (6)
وقيل "لا تعن الناس على عيبك بسوء غيبك".
وقيل "الغيبة رعى اللئام"
فإذا وضح ما أشرنا إليه، كان على المسلم أن ينأى بنفسه من هذا الداء، وأن يتقى الله ويتوب إذا كان قد قارفه والله تواب رحيم.
أ. د/أبواليزيد العجمى
__________
الهامش:
1 - مسلم حديث 2589.
2 - أدب الدنيا والدين الماوردى 257 تحقيق مصطفى السقا دار الكتب العلمية بيروت.
3 - رياض الصالحين 573 طبعة البحوث والإفتاء بالرياض، الغزالى خلق المسلم 77.
4 - تفسير سورة الحجرات ابن كثير.
5 - رياض الصالحين 575 - 579.
6 - الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى، تحقيق د/أبو اليزيد العجمى 282 طبعة دار الوفاء 1987م.
7 - أدب الدنيا والدين الماوردى(1/487)
16 - الغيرة
لغة: الغيرة المصدر من قولك غار الرجل على أهله.
قال ابن سيده: وغار الرجل على امرأته، والمرأة على بعلها تغار غيرة وغيرا، وغارا وغيارا (1) بفصل ابن منظور القول فى الصيغ والاشتقاقات، ويحكى من النثر والشعر ما يؤدى المعنى يقول وهى الحمية والأنفة .... والعرب تقول: أغير من الحمى، أى أنها تلازم المحموم ملازمة الغيور لبعلها (2).
واصطلاحا: الغيرة ثوران الغضب حمية على أكرم الحرم، وأكثر ما تراعى النساء.
وفى أدبيات الفضائل العربية والإسلامية تذكر الغيرة على أنها خلق فطرى كثر فى العرب، وربط بينه وبين الجوار، واتسع نطاقه ليشمل كل حرمة يأنف المسلم أن تمس.
وجعل الله سبحانه هذه القوة فى الإنسان سببا لصيانة الماء وحفظا للإنسان، ولذلك قيل: كل أمة وضعت الغيرة فى رجالها وضعت العفة فى نسائها.
وقد يستعمل ذلك فى صيانة كل ما يلزم الإنسان صيانته فى السياسات الثلاث التى هى سياسة الرجل نفسه، سياسة منزله وأهله، وسياسته مدينته وضيعته، ولذلك قيل: ليست الغيرة ذب الرجل عن امرأته ولكن ذبه عن كل مختص به ... فقد كثرت فى العرب خاصة إن من دخل دار أحدهم والتجأ إلى فنائه ولو كان عدوا فله حرمة وجوار وذمار (3).
لم يرد فى القرآن لفظ الغيرة وإنما جاء فى القرآن لفظ "الحمية" وفى سياق يدل على أنه غيرة يبغضها الله سبحانه، لأنها غضب من أجل باطل، ونعرة كاذبة، لذا وصفت بأنها "حمية الجاهلية" {إذ جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهليه} الفتح:26 (4).
ذلك أن قريشا فى صلح الحديبية رفضت أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يكتب محمد رسول الله قال النبى صلى الله عليه وسلم لعلى ابن أبى طالب: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو: لا ندرى بسم الله الرحمن الرحيم اكتب: بسمك اللهم وحين قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلى اكتب: (محمد رسول الله، قال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك وقال اكتب اسمك واسم أبيك، فقال النبى صلى الله عليه وسلم اكتب: من محمد بن عبد الله) (5).
أما السنة الصحيحة فقد ورد فيها لفظ "الغيرة" بصيغ مختلفة، وفى سياقات
متعددة، نشير إليها فيما يلى:
1 - غيرة فطرية: غيرة الرجال على النساء، إذ يقول سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتى لضربته بالسيف غير مصفح، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغيرمنه والله أغير منى) (6).
ومثله الحديث عن على رضى الله عنه: (ألا تستحيون أو تغارون فإنه بلغنى أن نساءكم يخرجن فى الأسواق يزاحمن العلوج) (7).
غيرة النساء على الرجال، وقد غارت عائشة رضى الله عنها على النبى صلى الله عليه وسلم حين سألها النبى: (أغرت يا عائشة؟ قالت: ومالى ألا يغارمثلى على مثلك؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم أفأخذك شيطانك؟) الحديث (8).
غيرة المرأة على المرأة ضرتها، وقد غارت عائشة رضى الله عنها من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لخديجة بعد وفاتها (9).
وهذه كلها غيرة فطرية ومحمودة شريطة ألا تخرج عن حد الاعتدال كى لا تكون عدوانا على حقوق الآخرين.
2 - غيرة دينية وأخلاقية تكتسب بالتربية وقد ربطت السنة بين غيرة المؤمن وغيرة الله تعالى (إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتى المؤمن ما حرم عليه) (10).
والتربية تعنى بها أن المؤمن يغار إذا انتهكت حرمات الله، وهذا لا يكون إلا إذا ربى على هذا، وعلم مقاصد الشريعة (الحفاظ على العقل، النسل، المال، الدين، العرض) وقد ذكرت السنة أن جزاء غيرة المؤمن فى الآخرة عظيم حيث جاءت بأنه قصر فى الجنة (11).
3 - الغيرة منها ما يحمد ومنها ما يذم ولأن الغيرة حمية وغضب، فكان من اللائق بالمسلم أن يعلم الدوافع والغايات فإذا كانته الدوافع رعاية حق الله، والأهداف إزالة الريب، وتحقيق مقاصد الشرع كانت هى الغيرة التى يحبها الله، وإذا كانت غير ذلك كانت الغيرة التى يبغضها الله سبحانه "إن من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يبغض الله ... فأما الغيرة التى يحب الله فالغيرة فى ريبة، وأما الغيرة التى يبغض الله فالغيرة فى غير ريبة" (12).
بقى أن نشير إلى حقيقتين مهمتين:
الأولى أن التاريخ يحفظ للعرب والمسلمين مواقف كانت الغيرة فيها دفاعا عن الحق، أو حرصا على الكرامة، فغيرة عمرو بن كلثوم حين صاحت أمه واعمراه كانت فى موضعها، وغيرة الصحابة الكرام من أجل دين الله غيرة المعتصم حين استنجدت به المرأة المسلمة قائلة: وا معتصماه، وغيرة صلاح الدين من أجل تحرير القدس، وغيرة جنودنا من أجل تحرير سيناء، هذه كلها نماذج لها ولنظائرها فى التاريخ موقع معلم.
الثانية أن التربية على القيم الدينية والوطنية الحقة أساس صحيح لتكوين الغيرة المحمودة التى تصون المقدس من دين أو عرض أو مال أو وطن، والتى تقف عند حدود الشرع تضبط به البواعث وتحدد به الأهداف، وترشد السلوك كى لا تكون الغيرة نعرة أو حمية جاهلية.
أ. د/أبواليزيد العجمى
__________
الهامش:
1 - ابن منظور لسان العرب المجلد الخاص 41،42 طبعة دار صادر بيروت.
2 - الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى 347، تحقيق أبواليزيد العجمى الطبعة الثانية دار الوفاء مصر 1407هـ/1987م.
4 - أخرجه أحمد رواه مسلم فى صحيحه.
5 - البخارى كتاب النكاح باب الغيرة 107.
6 - مسندأحمد 1/ 133 المكتب الإسلامى.
7 - المسند 6/ 115.
8 - صحيح مسلم فضائل الصحابة 2425.
9 - صحيح مسلم 2761.
10 - مسلم 2395.
11 - مسند أحمد 5/ 445،446(1/488)
1 - الفاطميون
هم أسرة حكمت فى شمال أفريقيا، وأقامت خلافة إسلامية معارضة بها الخلافة العباسية فى بغداد فى أوائل القرن العاشر الميلادى، وهم ينتسبون إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهم شيعة علويون فى نسبهم، إسماعيليون فى مذهبهم، كما يطلق عليهم العبيديون نسبة إلى مؤسس دولتهم عبيد الله المهدى (297 - 322 هـ/909 - 1134م) الذى ولد بالكوفة أو سلمية بسوريا.
وقد تأسست الدولة الفاطمية أول الأمر فى تونس، واتخذت القيروان عاصمة لها، ثم أقام خليفتها الأول أبو محمد عبيد الله المهدى مدينة المهدية، التى تقع على بعد 107 كم جنوب القيروان عاصمة لخلافته (08 3 هـ/ 920 م) (1) وأخضع قبائل صنهاجة بالمغرب الأقصى، وقضى على نفوذ الأدارسة فى فاس، واستولى على الجزائر وتونس وطرابلس ثم برقة، ولكنه فشل فى هجومه على مصر عدة مرات؛ ثم توفى (2).
وبذل الخليفة الثانى أبو القاسم محمد القائم بأمر الله (322ـ 334 هـ/934 - 945 م) غاية همته لتوسيع نطاق دولته، فأرسل أسطولا أغار على شواطئ إيطاليا وفرنسا والأندلس، كما أرسل جيشا إلى مصر هزمه الإخشيديون، ثم صرف بقية حياته فى حرب بعض الخوارج بقيادة أبى يزيد الخارجى الذى ثار عليه؛ بغية انتزاع الملك منه (3).
وفى عهد الخليفه الثالث أبى طاهر إسماعيل المنصور بالله (334 - 1 34 هـ/945 - 952 م) ثم الاستيلاء على صقلية (335 هـ/946 م)، كما تم القضاء على ثورة أبى يزيد الخارجى، ثم أعقبه الخليفة الرابع أبو تميم معدّ المعز لدين الله (1 34 - 365 هـ/952 - 975 م) الذى ولد بالمهدية، واستطاع قائده جوهر الصقلى (ت 381هـ / 992م) أن يفتح فاس وسلجماسة، وانقادت له بلاد الشمال الأفريقى كلها حتى ساحل الأطلس، ماعدا سبتة التى بقيت لبنى أمية (أصحاب الأندلس) ونتيجة لاضطراب أحوال مصر عقب وفاة كافور الإخشيدى، فقد أشار المعز إلى قائده جوهر بالسير إلى مصر لأهميتها السياسية والحربية والاستراتيجية، حيث نجح فى فتحها سنة (358 هـ/969 م) واختط مدينة القاهرة وبها قصر الحاكم، والجامع الأزهر (نسبة إلى فاطمة الزهراء) بالإضافة إلى العديد من المنشآت الإدارية وسماها القاهرة المعزية (4) التى أصبحت عاصمة للخلافة الفاطمية بعد أن دخلها المعز لدين الله بأهله وبيت ماله ورجال دولته. بل وبرفات أجداده (1 36 هـ/1972 م)، حيث ظلت عاصمه للفاطميين إلى انتهاء دولتهم، وباتخاذ القاهرة عاصمة للّخلافة الفاطمية رجحت كفة الفاطميين على العباسيين فى بغداد، وارتفع شأنهم فامتد نطاق حكمهم من البحر الأحمر حتى المحيط الأطلسى ليشمل- فضلا عن الشمال الأفريقى- سوريا وفلسطين واليمن ومكة والنوبة، بل وصل إلى الموصل وكادوا يقتحمون بغداد على الخلافة العباسية، وكان الأسطول الفاطمى يفرض سلطانه على البحر المتوسط، بل ويهدد الشواطئ الجنوبية لأوروبا. (5)
إن الاستقرار السياسى الذى شهدته الخلافة الفاطمية فى مصر فى عهد المعز لدين الله
(1 34 - 365 هـ/952 - 975 م)، والعزيز بالله (365 - 386 هـ/ 975 - 996 م)، والحاكم بأمر الله (386 - 411 هـ/996 - 1020م) نتج عنه ازدهار اقتصادى، وعلمى وعمرانى، حيث عم الرخاء البلاد وانتشرت مظاهر التحضر والازدهار والرخاء المادى الذى بلغ حد الترف بصورة لم تعرفها مصر منذ زمن بعيد، كما ازدهرت الحياة العلمية برعاية خلّفاء الفاطميين ووزرائهم، حيث جلبت نوادر الكتب والمخطوطات فى كل علم وفن، حيث بلغت محتويات "خزانة الكتب " بالقصر مليونا وستمائة ألف كتاب، ونشطت الحركة العلمية لنشر العلم وتدعيم المذهب الشيعى فى الجامع الأزهر الذى عقدت له الزعامة الثقافية والعلمية والدينية، وفى دار العلم (دار الحكمة) التى أنشأها الحاكم بأمر الله (400 هـ/1009م) والتى زودها بمختلف أنواع الكتب لتنافس بيت الحكمة فى بغداد، وبالنساخ والقراء وجميع أدواتهم، وقصدها العلماء فى كافة العلوم، هذا فضلا عن مجالس المناظرة فى قصور الخلفاء، والتى كان يحضرها مشاهير علماء العصر.
وفى العمران شيدت المنشآت الدينية فضلا عن الأزهر- كان جامع الحاكم بأمر الله (403 هـ/1012 م) والجيوشى (498 هـ/1007م) والأقمر (519 هـ/1125م) ومسجد الصالح طلائع (555 هـ/ 160 1م) وغيرها من العمائر والمنشآت المدنية التى تشهد على ما بلغته البلاد من الرقى الفنى. وقد انقسم المجتمع المصرى فى عهد الفاطميين إلى سنى وشيعى، فالسنيون هم المصريون والأتراك والسودانيون؛ أما الشيعة فهم المغاربة حضروا مع الفاطميين، وكانت الإدارة فيهم، وكان الخلفاء متسامحين، فلم يجبروا أحدا على اعتناق المذهب الشيعى الأمر الذى حفظ للمصريين مذهبهم السنى كما اهتم الفاطميون بالاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية بشكل منقطع النظير، وكثير من مظاهر الاحتفالات الدينية السائدة فى مصر الآن ترجع بجذورها إلى أيام الفاطميين فى مصر.
وقد تضافرت عدة عوامل أدت إلى تدهور الفاطميين وضعفهم ثم زوال دولتهم، وذلك منذ عهد الظاهر (أبو الحسن على الظاهر لإعزاز دين الله (411 - 427 هـ/020 1 - 035 1م) ثم المستنصر بالله (أبو تميم) (427 - 487 هـ/ 1035 - 1094 م) منها: الإسراف فى استخدام جند من الأتراك والمغاربة والسودانيين، والتنازع بين طوائفهم، ثم توالى الخلفاء الضعاف الذين تولوا، وهم جميعا أطفال باستثناء الحافظ الذى تولاها وهو شيخ كبير، هذا فضلا عن انتشار المجاعات والأوبئة نتيجة نقص مياه النيل حينا واحتكار التجار أحيانا بالإضافة إلى التهديد الصليبى الذى كان يتطلع إلى السيطرة على مصر. إضافة إلى سيطرة قادة الجند والوزراء. فأصبح الصراع الحقيقى بين الوزراء أنفسهم كما حدث بين طلائع بن رزيك وشاور، وبين شاور وضرغام فاستنجد الأخير بعمورى ملك بيت المقدس، كما استنجد شاور بسلطان حلب نور الدين محمود الذى أرسل قائده أسد الدين شيركوه ومعه ابن أخيه صلاح الدين، حيث نجح شيركوه فى القضاء على ضرغام ثم شاور، وتولى الوزارة فى مصر لآخر خلفاء الفاطميين وهو الخليفة أبو محمد عبد الله العاضد لدين الله (555 - 567 هـ) (1160هـ /1171 م) وبعد وفاة شيركوه خلفه على الوزارة فى مصر صلاح الدين، ولما مات الخليفة العاضد (567 هـ/ 1171م) أزيل شعار الفاطميين وقامت الدولة الأيوبية فى مصر على يد صلاح الدين الذى أعادها إلى المذهب السنى والخلافة العباسية (6).
ظلت الدولة الفاطمية منذ بدء إعلانها فى سنة (297 هـ/909 م) وحتى سنة (567 هـ/ 1171م) مائتين وسبعين عاما تولى الخلافة فيها أربع عشرة خليفة أولهم أبو محمد عبد الله المهدى غير أن الخلافة لم تأت إلى مصر إلا سنة (1 36 هـ/972 م) حين دخلها الخليفة الرابع المعز لدين الله، وبذلك يكون قد تواتر عليها أحد عشر خليفة أولهم المعز وآخرهم العاضد.
أ. د/ السيد محمد الدقن
__________
المراجع
1 - اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، ص 41، 5 4 المقريزى تحقيق د جمال الدين الشيال، دار الفكر القاهرة 1367 هـ، 1948 م.
2 - النجوم الزاهرة: ابن تغرى بردى 2/ 51 - 53 المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر.
3 - تاريخ مصر: ص 211 عمر الإسكندرى، وسفرج.
4 - الكامل فى التاريخ ابن الأثير، 8/ 98 دار صادر بيروت 1399 هـ/ 979 1 م
5 - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار 1/ 0 32، 324 دار صادر بيروت
6 - الأحداث السياسية فى مصر منذ الفتح العربى حتى سقوط الدولة الفاطمية ص 133 د. محمد أحمد حسب الله
0 2 - 567 هـ الطبعة الأولى، دار الفكر العربى، القاهرة، 1995 م.(1/489)
2 - الفاعل
يقسم أرسطو "العلة" التى هى من لواحق الموجود- بما هو موجود- إلى علل أربع: علتين داخلتين فى قوام الشىء المعلول، وهما: المادة والصورة، وعلتين خارجتين عن المعلول هما: الفاعل والغاية التى تبعث على الفعل. ويعرف ابن سينا الفاعل بأنه "العلة التى تفيد وجوداً مباينا لذاتها"، أى تعطى شيئا ما وجودا يخالف وجودها، وهذا هو اصطلاح الفلاسفة الإلهيين فى الفاعل، أما الطبيعيون فالفاعل عندهم هو "مبدأ التحريك فقط "، أى هو الذى يفيد حركة ولا يفيد وجودا، وعليه فلا تسمى "الطبيعة" فاعلاً حقيقيا فى اصطلاح الفلاسفة الإلهيين؛ لأنها لا تفيد الوجود، إذ واهب الوجود ومفيده هو الله تعالى.
وقد يطلق على "الفاعل " العلة المؤثرة. ويختلف المتكلمون والفلاسفة فى سبب احتياج المفعول للفاعل: هل هو وجوده باعتباره فى نفسه أمرا ممكنا، أو وجوده من جهة كونه بعد عدم؟ والاحتمال الأول يعنى أن الإمكان هو علة الحاجة كما يقول الفلاسفة، أما الثانى فيعنى أن الحدوث هو علة الاحتياج، وهو مذهب المتكلمين… وينبه الفلاسفة إلى خطأ المذهب القائل بأن تأثير الفاعل قاصر على حال حدوث الشىء أو وجوده فقط، وبحيث لو أوجده الفاعل فإنه يستغنى عنه فى بقائه واستمرار وجوده. ويضربون مثال لذلك وجود البناء قائماً بعد انتهاء أثر البَنَّاء.
وخطأ هذا المذهب فيما يقول الفلاسفة الإلهيون- هو عدم الانتباه إلى أن تأثير الفاعل إنما هو فى الإيجاد وفى البقاء معا، إذ علة الحاجة- وهى الإمكان- ثابتة ومستمرة بعد الإيجاد، والبَنَّاء فى المثال ليس علة مؤثرة فى بقاء المبنى، بل حركته علة لحركة الأحجار ووضعها فى شكل معين، أما بقاء الشكل فهو معلول لأمر آخر .. ويقول الفلاسفة إن أكثر ما يظن فاعلاً كالأب والزارع والبنَّاء ليس فى الحقيقة عللاً فاعلة للوجود، بل هى معدات وأسباب، أما فاعل الوجود فهو الله تعالى. وربما أشار القرآن الكريم إلى ذلك فى قوله تعالى:} أفرأيتم ما تمنون. أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون {(الواقعة 58 - 59)، ومثله فى نفس السورة أيضا:} أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون {(الواقعة 63 - 64).
ومما تجدر ملاحظته فى الموضوع أن الأشاعرة وإن قالوا بأن "الحدوث" هو علة الحاجة إلى الفاعل فإنهم لا يقولون باستغناء المفعول فى بقائه عن الفاعل، لأنهم يقولون بأن الأعراض لا تبقى زمانين، فهى فى حدوث مستمر، وخلق متجدد لا يتوقف، وهو ما يسمى بتعلّق القبضة" باصطلاح المتأخرين منهم.
والفاعل بمعنى مفيد الوجود منحصر- عند الأشاعرة- فى فاعل واحد مؤثر، هو: الله تعالى. فلا فاعل إلا الله، وينكرون- من ثم- أن يفعل شىء فى شىء، حتى الأسباب، فإنها لا توجد مسبباتها ولا تفعل فيها.
وللفاعل أقسام عديدة، تختلف باختلاف الفاعلية، وهى: الطبع أو المقر أو التسخير أو القصد أو الرضا أو العناية أو التجلى، والحقيق باسم الفاعل. فيما يقول صدر الدين الشيرازى- هو: "مَن يطرد العدم بالكلية عن الشىء، ويزيل الشر والنقص، وهو البارى جل ذكره ".
وصانع العالم فاعل بالطبع فى مذهب الدهرية والطبيعيين، وبالإرادة والاختيار عند المتكلمين، وبالرضا عند الإشراقيين، وبالعناية عند المشائيين، وبالتجلى عند الصوفية.
أ. د/ أحمد الطيب
__________
المراجع
1 - إلهيات الشفاء ابن سينا1/ 518 - 524. ط. طهران 1303 هـ.
2 - تهافت الفلاسفة- الغزالى ص 239 تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، الطبعة الرابعة.
3 - شرح المواقف- الشريف الجرجانى 4: 112، الطبعة الأولى، 1325هـ- 1907م.
4 - رسالة فى الحدوث صدر الدين الشيرازى ص 35 - 36، تحقيق سيد حسين مرسويان، طهران 1378 هـ.(1/490)
3 - فتح مكة
جاء فتح مكة تحقيقا للبشارة التى جاءت فى قوله سبحانه وتعالى فى سورة الفتح: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وماتأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا} آية:1 - 3.
ونزلت هذه السورة الكريمة وهو فى طريق عودته صلى الله عليه وسلم من الحديبية بعد أن عقد مع قريش صلح الحديبية فى العام السادس من
الهجرة فبراير 628م وتبعا لهذا الصلح التحقت خزاعة بالمسلمين، والتحق بنو بكر بقريش، وحدث صراع بين خزاعة وبنى بكر ساعدت قريش بنى بكر وطلبت خزاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم المساعدة بناء على ما جاء فى اتفاق الصلح.
كان الحال فى مكة انذاك مختلفا عن ذى قبل فقد اتسع نفوذ المسلمين شمالا وجنوبا وأحاط بمكة مما هدد تجارة قريش، وأهل مكة أنفسهم أحسوا بالخجل لأن أكثر العرب دخلوا الإسلام ولكن أهله بمكة بقوا على الشرك، ونشأ جيل جديد فى مكة سمع بالإسلام منذ نعومة أظفاره فلم تتعمق عبادة الأصنام فى نفسه.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على دخول مكة دون قتال كما أن أهل المدينة معظمهم هاجروا إليها من مكة، لو حدث قتال سيكون فيه قطع لصلة الأرحام، ولذلك أعد الرسول صلى الله عليه وسلم عدته لفتح مكة دون قتال، فخرج من المدينة سرا بجيش كبير، ولم تحس قريش بهذه الحركة إلا بعد وصول المسلمين إلى مشارف مكة، وكان ذلك فى العاشر من رمضان سنة 8هـ.
وحينئذ خرج أبو سفيان زعيم مكة ليحاول النجاة لأهله فالتقى بالمسلمين فى المكان الذى عسكروا فيه، ورفض الرسول صلى الله عليه وسلم مقابلته أول يوم ليفت فى عضده، وفى صباح اليوم التالى قابله، وفى هذا اللقاء آمن أبو سفيان بالله ورسوله وعاد إلى مكة، بعد أن شاهد عظمة قوات المسلمين، يحمل لأهلها اليأس من المقاومة والأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يطمئنهم على حياتهم وجاء تأكيد الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يبعد كل نزعة إلى الحرب، ويبعد كل متطرف ولو كان من المقربين، فلقد سمع سعد بن عبادة، حامل راية الأنصار يقول: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا" ولما علم الرسول الكريم بهذا قال: (اليوم يوم المرحمة، اليوم أعزالله قريشا).
وجاء تعبير"يوم المرحمة" عن فتح مكة قمة آداب الجهاد فى الإسلام، وتطبيقا عمليا منه عليه السلام بأن الجهاد فى الإسلام يختلف عن كل صور القتال والحرب اختلافا ظاهرا جليا منذ البداية وحتى النهاية.
ثم توج عليه أفضل الصلاة والسلام هذا بالعفو الشامل، الذى مازال التاريخ يردده، ليس فى العالم الإسلامى فحسب، بل وتردده كل الدنيا على مر العصور، حين قال: {يا معشر قريش ماترون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال رسول الله: اذهبوا فأنتم الطلقاء}.
أ. د/إبراهيم أحمد العدوى
__________
مراجع الاستزادة:
1 - السيرة النبوية لابن هشام تحقيق مصطفى السقا إبراهيم الإبيارىعبد الحفيظ شلبى ج4.
2 - الواقدى، كتاب المغازى تحقيق مارسون جونس مطبعة أكسفورد ج2.
3 - الطبرى، تاريخ الرسل والملوك تحقيق أبو الفضل إبراهيم.
4 - تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافى حسن إبراهيم حسن ط9/ 1979 النهضة العربى ج1.
5 - موسوعة التاريخ الإسلامى أحمد شلبى، ج1(1/491)
4 - الفتوة
يرجع تاريخ هذا المصطلح إلى العصر الجاهلى، حيث تغنى شعراؤه بالفتوة، مثل طرفة بن العبد وغيره، وكانوا يعنون بها طائفة من الأخلاق تجتمع فيمن يسمى بالفتى، مثل: الكرم والشجاعة والفروسية والنجدة، إضافة إلى أخلاق سلبية، مثل اللهو ومعاقرة الخمر وما إليها .. ويشتبه مصطلح "الفتوة" بمصطلح "المروءة" من حيث المعنى، وإن كانت الأولى تطلق على الشباب بينما تطلق الثانية على المكتملين من الرجال، وبعض الباحثين يرى أنَّ معنى الفتوة أعم من معنى المروءة، وبعضهم يقول: إنهما لفظان مترادفان.
ولمِّا جاء الإسلام أقر كثيرا من أخلاق الفتوة الجاهلية، ولكن بعدما هذّبها وحوّلها من فضائل فردية أو قبلية إلى أخلاق دينية تطلب من أفراد المجتمع الجديد، ولغايات أسمى من غايات المجتمع الجاهلى. ولذلك أخذ معنى "الفتوة" فى صدر الإسلام منعطفا متميزا، وإن ظل شبيها فى بعض الوجوه بما كان عليه فى الجاهلية؛ فقد بقيت أخلاق الشهامة والكرم وحماية الضعيف كما هى، واندثرت الأخلاق التى تتنافى مع قيم الدين، مثل القبلية واللهو والخمر. وقد استعمل لفظ "الفتى" مفرداً أو مضافاً للمبالغة فى الوصف بالفتوة، فكان يقال: "فتى الفتيان " أو "فتى العرب" أو "شيخ الفتيان " أو "سيد الفتيان " .. ثم طرأت تغيرات جذرية- فى العصور المتأخرة- على مفهوم "الفتوة" نتيجة للتطور السياسى والاجتماعى للدولة الإسلامية، وعاد السلوك الجاهلى- من جديد- سمة بارزة فيمن يتصف بالفتوة، وأصبح اللهو والغناء والسكر والتشبيب بالنساء من أخلاق الفتيان وشمائلهم، كما أصبحت "العيارة" و، الشطارة" و" قطع الطريق " مرادفات للفتوة .. وفى تطور لاحق تحولت الفتوة- فى ظل الحكم التركى- إلى تنظيم حركى شَكَّل خطرا أمنيا وسياسيا ملحوظا، وأصبح للفتوة جمعيات لها لباس وطعام وطريقة حياة خاصة، كما كان لها من بينها "قضاة" يسمى الواحد منهم: "قاضى الفتيان ". ويقول المؤرخون: إنه رغم الانحراف الخلقى الذى ساد حركة الفتيان فى العصور المتأخرة، فإن أخلاق الرجولة مثل: النجدة والإيثار والموت من أجل الغير، وما إلى ذلك، ظلت الطابع العام لهذه الحركة. هذا والمعلومات التاريخية مضطربة اضطرابا شديدا فى وصف "الفتوة" فى عصورها المتأخرة، وبحيث يصعب على الباحث تحديد ملامح أو قسمات مشتركة لحركة الفتوة والفتيان.
أمَّا مصطلح "الفتوة" بالمعنى الصوفى فإنه وإن كان يختلف عن المعنى التاريخى: الجاهلى والعربى، من حيث المنطلق والغاية إلا أنه مرتبط أشد الارتباط بالمعنى الخلقى المستمد من معنى الفتوة، وهو: المروءة. وقد حمل هذا التشابه كثيرا من الباحثين على التفتيش عن علاقة تأثير وتأثر بين الفتوة بالمعنى التاريخى، والفتوة بمعناها الصوفى، واكتشفوا أن الفتوة العربية اتصلت بالتصوف منذ مراحله الأولى، وأن العراق وفارس كانا المهد الأول لظهور مصطلح " الفتوة، بالمعنى الصوفى، وقد روى أن " الحسن البصرى" تسمى بهذا الاسم، وأطلق عليه لقب: " سيد الفتيان "، ورغم أن اسم "الفتوة لم يرد فى القرآن الكريم ولا فى السنة النبوية ولا فى لسان السلف- فيما يقول ابن القيم (1) - فإننا نجد عند شيوخ التصوف ما يشبه اقتباس "منزلة الفتوة" من الآيات الكريمة التى ورد فيها اسم "فتى" و "فتية": فقد افتتح الإمام القشيرى كلامه فى باب "الفتوة" بذكر قوله تعالى:} إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى {(الكهف 13)، وكذلك فعل صاحب منازل السائرين .. ويعد إبراهيم- - عليه السلام - - هو الفتى، على الحقيقة، عند الصوفية، استنادا إلى قوله تعالى:} قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم {(الأنبياء 60)، وفتوته فى كسر الأصنام أنموذج لفتوة الصوفى فى كسر صنم النفس، لكن كمال الفتوة- عندهم- لا يتحقق إلا للنبى - - صلى الله عليه وسلم - - .. وبعض الصوفية- خاصة الشيعة- يقولون: إن آدم وإبراهيم ومحمدا- عليهم الصلاة والسلام- ثم من بعدهم: الإمام على وسلمان الفارسى هم الروّاد الأوائل، للفتوة، وبعضهم يضيف شخصيات تاريخية متأخرة، مثل: صلاح الدين الأيوبى.
وللفتوة تعريفات وتحديدات كثيرة، تختلف باختلاف مشارب الصوفية وأذواقهم (2)، وكلها يهدف إلى الغاية نفسها التى يهدف إليها كل صوفى وهى: صفاء النفس، إلاّ أن أخلاق الفتوة تنهج نهجا أصعب، يتناسب ومشقة تطهير النفس تطهيرا كاملا. ومما قيل فى تعريف "الفتوة"ما جاء فى شرح المنازل من أنها "اسم لمقام القلب الصافى عن صفات النفس"، وأن نوع من زيادة الهدى بعد الإيمان، ويقول الصوفية: إن موسى - عليه السلام - لما سأل ربه عن الفتوة، قال: "أن ترد نفسك إلىّ طاهرة كما قبلتها منى طاهرة".
وخلاصة معنى الفتوة فيما يقول الهروى الأنصارى: "ألا تشهد لك فضلاً ولا ترى لك حقا " وهى على درجات ثلاث: الدرجة الأولى: "ترك الخصومة، والتغافل عن الزلة، ونسيان الأذية" والثانية: "أن تُقرّب من يقصيك، وتُكرم من يؤذيك، وتعتذر إلى من يجنى عليك " والثالثة: التحرر فى السلوك من طلب دليل العقل "فمن طلب نور الحقيقة على قدم الاستدلال لم يحل له دعوى الفتوة"، ويمكن القول بأن " الإيثار" أو "نكران الذات " هو المحور الذى تدور عليه بقية الفضائل الأخلاقية التى يشترطها الصوفية فيمن يمنح لقب "الفتى" .. والفتوة عند الصوفية- من باب الأخلاق، وليست من باب الأحوال ولا المقامات.
أ. د/ أحمد الطيب
1 - مدارج السالكين2:341 - القاهرة 1375 هـ/1956م - ورغم إنكار ابن القيم أن تكون الفتوة مما تكلم فيه السلف، فإنه ينقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن الفتوة فقال: "ترك ما تهوى لما تخشى".
2 - انظر الرسالة القشيرية، للإمام للقشيرى ص 113 - 114 ط. الحلبى 1359 هـ/1940 م
__________
المراجع
1 - الفتوة عند العرب أو أحاديث الفروسية والمتل العليا عمر الدسوقى القاهرة 1959م.
2 - أهل الفتوة والفتيان فى المجتمع الإسلامى / المستشرق ألكساندر خاتشا تريان، بيروت 1998م.
3 - الملامية والصوفية وأهل الفتوة أبو العلا عفيفى، ط. عيسى الحلبى، القاهرة 1364 هـ/1945 م.
4 - شرح منازل السائرين للقاشانى، ط قم- إيران 1413 هـ.(1/492)
5 - الفتوى
لغة: الفتوى هى الجواب عما يُشكل من المساك الشرعية أو القانونية، والجمع: فتاوٍ وفتاوى ويقال أفتى فى المسألة: أبان الحكم فيها، فالإفتاء هو إبانة الأحكام فى المسائل الشرعية أو القانونية أو غيرها مما يتعلق بسؤال السائل، والمفتى: هو من يتصدر للإفتاء والفتوى بين الناس، وهو فقيه تعينه الدولة ليجيب عما يُشكل من المسائل الشرعية والجمع مفتون، ودار الفتوى: هى مكان المفتى، والفتيا هى الفتوى فى المسألة المشكلة (1).
شرعا: لايختلف المعنى الشرعى للفتوى والإفتاء عن هذه المعانى اللغوية، فالفتوى: هى بيان الحكم الشرعى فى مسألة من المسائل مؤيدا بالدليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الاجتهاد.
وهى ضرورية للناس لأنهم لايمكن أن يكونوا جميعا علماء بالأحكام، ولو انقطعوا لتحصيل ذلك حتى يبلغوا مرتبة الاجتهاد، لتعطل العمل وتوقفت الحياة فكان من رحمة الله تعالى بالأمة أن جعل منها علماء ومقالدين وأوجب على العامة من المقلدين أن يستفتوا العلماء فيما يجهلونه فقال: {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} الأنبياء:7.
وأوجب على العلماء أن يفتوهم ويجيبوهم ويبينوا لهم الأحكام فقال صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) (أخرجة أبو داود والترمذى وابن ماجه) (2).
ويجب على العامى أن يتوجه بالسؤال إلى من يثق بعلمه وعدالته فإذا جهل حاله كفاه أن يراه مشهورا بين الناس بذلك، ومع هذا الا تبرأ ذمته بالعمل بفتواه إلا إذا أطمأن قلبه إليها، فإذا كان يعلم أن الأمر فى الواقع على خلاف الفتوى لم يبرأ من الإثم، وإن كان المفتى أعلم العلماء.
وعن مكانة المفتى ومسئوليته يقول الشاطبى، رحمه الله (ت 790هـ): "المفتى قائم فى الأمة مقام النبى صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك أمور:
أحدها: النقل الشرعى فى الحديث: (إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء
لم يورثوا دينارا ولادرهما وإنما ورثوا العلم) (أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه) (3).
الثانى: أنه نائب عنه فى تبليغ الأحكام، بقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب) (4) وقوله: (بلغوا عنى ولو آية) (5).
الثالث: أن المفتى شارع من وجه، لأن ما يبلغه من الشريعة إما منقول من صاحبها وإما مستنبط من المنقول: فالأول: يكون فيه مبلغا، والثانى: يكون فيه قائما مقامه فى إنشاء الأحكام، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع.
وعلى الجملة، فالمفتى مخبر عن الله كالنبى وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبى، ونافذ أمره فى الأمة بمنشور الخلافة كالنبى، ولذلك سموا أولى الأمر، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله فى قوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء:59، والأدلة على هذا المعنى كثيرة (6).
وتحصل الفتوى من المفتى من جهة القول كأن يسأل فيجيب، ومن جهة الفعل كأن يفعل ويقتدى به، ومن جهة الإقرار كأن يرى عملا من شخص فيقره عليه، ولاتصح الفتيا إذا خالفت مقتضى العلم سواء كانت قولا أم فعلا
أم تقريرا.
والمفقى البالغ ذروة الدرجة هو الذى يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال (7).
صفات المفتى:
ينبغى أن يتصف المفتى بخمس صفات نقلها ابن القيم عن الإمام أحمد فقال: "لا ينبغى للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، الثالثة: أن يكون قويا على ماهو فيه وعلى معرفته، الرابعة: الكفايه وإلا مضغه الناس، الخامسة: معرفة الناس" (8).
فإن هذه الخمسة هى دعائم الفتوى وأى شىء انقضى منها ظهر الخلل فى المفتى بحسبه.
واجبات المفتى:
يجب على المفتى أمور منها ما أشار إليه ابن القيم فى كتابه "إعلام الموقعين" قال: "ليس للمفتى الفتوى فى حال غضب شديد، أو جوع مفرط، أو هم مقلق، أو خوف مزعج، أو نعاس غالب، أو شغل مسئول عليه، أو حال
مدافعة الأخبثين، بل متى أحس من نفسه شيئا من ذلك يخرجه عن حال اعتداله، وكمال تثبته وتبينه أمسك عن الفتوى (9).
ومنها أن يتحرى الحكم بما يرضى ربه، ويجعل نصب عينيه قوله سبحانه: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن
بعض ما أنزل الله إليك} المائدة:49.
فلا يصح له أن يعتمد فى فتواه على مجرد وجود الحكم بين أقوال الفقهاء، بل يجب عليه أن يتحرى ماهو أرجح منها تبعا لقوة الدليل (10).
ويجوز لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد أن يفتى بما حفظه من مذاهب الفقهاء المعروفين إذا فهم أصولهم وأحسن التصرف فى تطبيقها، وتتفق الفتوى مع القضاء فى أنه لابد لكل من القاضى والمفتى من أمرين أولهما: فقه الحادثه التى يريد الإفتاء أوالقضاء بها.
ثانيهما: فقه الحكم الشرعى لهذه الحادثة.
ويفترقان فى أمور:
1 - أن الإفتاء أوسع مجالا من القضاء، فيصح الإفتاء من الحر والعبد والرجل والمرأة والبعيد والقريب والأجنبى والصديق، بخلاف القضاء ففيه خلاف فى:
2 - أن القضاء ملزم للخصوم، ونافذ فيهم بخلاف الإفتاء.
3 - أن القضاء بما يخالف فتوى المفتى نافذ ولا يعد نقضا لقضاء سابق بخلاف القضاء بما يخالف قضاء سابقا فلا ينفذ.
4 - المفتى لا يقضى إلا إذا ولى القضاء، ولكن القاضى يفتى بل ويجب عليه الإفتاء إذا تعين له.
أ. د/محمد نبيل غنايم
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية (2/ 673).
2 - سنن أبى داود حديث 3658، سنن الترمذى حديث 3651، سنن ابن ماجه حديث 261.
3 - سنن الترمذى ح 2683، سنن ابى داود ح 3641، سنن ابن ماجه ح 223.
4 - جزء من خطبة الوداع، متفق عليه.
5 - رواه البخارى: 6/ 361.
6 - الموافقات للشاطبى 4/ 162 - 163.
7 - السابق 4/ 163 - 174.
8 - إعلام الموقعين لابن القيم 4/ 199.
9 - السابق 4/ 227.
10 - انظر أصول التشريع الإسلامى على حسب الله ص112(1/493)
6 - الفداء
لغة: فَدَيتهُ فدىّ وفداء وافتديته، وهذا يدل على البذل من النفس والمال لتخليص الآخرين، وقال الشاعر:
فلو كان ميت يفتدى، لفديته * بمالم تكن عنه النفوس تطيب (1).
وإنه لحسن الفدية. والمفاداة: أن يرد أسر اليد ويسترجع منهم من فى أيديهم، كأن يدفع رجلا ويأخذ رجلا.
والفداء: أن يشتريه، يقال: فديته بمالى فداء، وفديته بنفسى. قال تعالى: {وإن يآتوكم أسارى تفادوهم} البقرة:85.
وافتدى: قدم الفدية عن نفسه. يقول الله تعالى فى شأن الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وخصاله، وظلموا غيرهم بالعدوان عليهم: {ولو أن للذين ظلموا ما فى الأرض جميعا ومثله معه لا فتدوا به} الزمر:47، فما يرونه من أهوال القيامة يهون معه أن يقدموا مافى الأرض ومثله لوكانوا يملكونه ولكن يبقى هذا فى دائرة الأمانى ويقول الله تعالى: {يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه} المعارج:11، فإن الله لا يقبل منهم هذا يقول الله تعالى: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به} آل عمران:91.
واصطلاحا: ما يقدم من مال ونحوه لتخليص المفدى. يقول الله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} الصافات:107، أى جعلنا الذبح فداء له، وخلصناه من الذبح.
والفداء والفدية: فيما يقى به الإنسان نفسه من مال يبذله فى عبادة. قصر فيها، ككفارة الصوم، والحلق ولبس المخيط فى الإحرام، فيقول الله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} البقرة:184، ويقول سبحانه: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة:196.
وافتدت: اختلعت. يقول الله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} البقرة:229.
والخلع: طلاق يعوض بلفظ الخلع أو الطلاق أو مافى معناهما، ويجوز الخلع على كثير المال وقليلة (3).
والفدائى: المجاهد فى سبيل الله، مضحيا بنفسه، والفدائية: عمل الفدائى. ويعد هذا المفهوم بهذه الدلالات ثمرة من ثمرات العقيدة الإسلامية والعبادات ومظهرا من مظاهر الأخلاق وحسن المعاملات فى الإسلام، حيث يطهر القلب من الأثرة وحب الذات فيفكر فى غيره من الناس، فإن وجد غيره مكبلا بقيود الرق بذل من ماله ليفك قيده وأسره وإن دعاه الواجب لرفع كلمة الله فى حياة الناس كان فدائيا فى بذل لنفسه وماله وإن اتجه بالتفكير فى نفسه فإنما ينظر إليها نظرة الناقد البصير ليفتديها من عذاب يوم القيامة حتى لاتهلك فيه.
وإن لم تطب الحياة للزوجة مع زوجها كان هذا العطاء منها لزوجها، إنهاء لحياة زوجية غير صالحة.
كما يدل مفهوم الفداء على سبيل المحبة وتقويتها بين الناس عندما يسمع بعضهم من بعض عبارة: (فداك نفسى) أو (فداك أبى وأمى) أو (بأبى أنت وأمى) وقد خوطب النبى صلى الله عليه وسلم بهذه المعانى من أصحابه رضوان الله عليهم.
أ. د/محمد رأفت سعيد
__________
الهامش:
1 - لسان العرب، لابن منظور، مادة (ف. د. ى) 15/ 149.
2 - موسوعة فقه عمر ص302.
مراجع الاستزادة:
1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية الجزء الثانى ط المكتبة العلمية طهران.
2 - كتاب التعريفات للجرجانى ط مكتبة لبنان بيروت.
3 - المفردات فى غريب القرآن للراغب الأصفهانى ط دار المعرفة بيروت تحقيق محمد سيد كيلانى.
4 - موسوعة فقه عمربن الخطاب د/محمد رواس قلعجى ط1 مكتبة الفلاح.
5 - النهاية فى غريب الحديث والأثر، لابن الأثير ج3 ط دار إحياء الكتب العربية(1/494)
7 - الفِراسة
لغة: التثبت والنظر.
واصطلاحاً: عند الصوفية هى مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب.
وكانت الفراسة من علوم العرب ومعارفهم فى الجاهلية، ويقال إن المصريين القدماء كانوا على شىء من علم الفراسة بدليل ما قرؤوه فى بعض أوراق البردى المكتوبة فى عصر العائلة الثانية عشرة (فى نحو القرن العشرين قبل الميلاد).
على أن الفراسة لم تدون وتعتبر علما مستقلا قبل ما كتبه أرسطو الفيلسوف اليونانى فى القرن الرابع قبل الميلاد، وعرف العرب الفراسة فى الجاهلية. حيث كانوا يعتقدون أشياء تعد من قبيل الفراسة كالقيافة والعيافة.
وكانت القيافة عندهم صناعة يستدل بها على معرفة أحوال البشر، ويسمونها قيافة البشر، لأن صاحبها ينظر ألوان الناس وجلودهم، والعيافة هى تتبع آثار الأقدام فى الطرق التى تتشكل بشكل القدم واستنتاج صورة أصحابها.
وقد ترجم علماء العرب كتب الفراسة عن اليونان والرومان، ووضعوه ضمن علوم الطب، وألف فيه بعضهم كتبا مستقلة. وذكره آخرون فى جملة ما كتبوه فى علوم الطب، كالرازى، وابن سينا، وابن رشد، والشافعى، وابن العربى وغيرهم.
ومن أشهر ما وصل إلينا من كتب العرب فى علم الفراسة كتاب "السياسة فى علم الفراسة " لأبى عبد الله شمس الدين محمد ابن أبى طالب الأنصارى، (737 هـ)، وفيه أحكام علم الفراسة منسوبة إلى أصحابها، وكتاب "فى علم الفراسة " لمحمد غرس الدين بن غرس الدين بن محمد بن خليل، خطيب الحرم النبوى، وكتاب "البهجة الأنسية فى علم الفراسة الإنسانية" للعارف بالله زين العابدين محمد العمرى المرصفى، وكتاب "مختصر فى علم الفراسة وغيرها".
وانتشر علم الفراسة فى الأجيال المظلمة، ولم يكتف أصحابه بالاستدلال من الملامح على الأخلاق والقوى، ولكنهم صاروا يتنبأون بالغيب، وخلطوا بين الفراسة والسحر، فأصبحت الفراسة من العلوم الخرافية، ثم عادت فى العصر الحديث ولبست ثوبا جديدا على أثر ظهور العلم الحديث، فنظر فى علم الفراسة بعين العلم الطبيعى المبنى على المشاهدة والاختبار.
والفراسة الحقة من مقامات الإيمان، وقد ذكر فى القرآن قوله تعالى:} إن فى ذلك لآيات للمتوسمين {(الحجر 75)، وقوله تعالى:} تعرفهم بسيماهم {(البقرة 273) وهذا من أثر الفراسة الحقة، قد ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله" (رواه البخارى).
والفراسة نوعان: أولهما يومض فى الفكر بما يشبه الإلهام، وهى فطرية تصقلها التجربة، وهى ما تسمى بالفراسة الشرعية، وهى نور إيمانى ينبسط على القلب حتى يتميز فى نظر صاحبه حال المنظور فيه من غيره ولكل مؤمن منها نصيب، لكن لا يهتدى لحقيقتها إلا من صفا قلبه من الشواغل والشواغب، ومن هنا قيل عنها إنها ملكة لا ينبغ فيها إلا أناس فيهم استعداد خاص لها، ويدل على ذلك أن بعض الناس يمتاز فيها دون الآخرين، وقد تراها فى بعض الناس خلقية دون علم أو درس، لكن لو تعلموا هذا العلم لكانوا من النابغين فيه.
والنوع الثانى من الفراسة: هى صناعة مكتسبة بالخبرة والتدريب، وتقوم على معرفة بواطن الأشخاص بظواهر الحواس، ومن فروعها فراسة الرأس، وفراسة الوجه، وفراسة الكف، وفراسة المشى، وفراسة الخط، وفراسة المقابلة، وهى الحكم على أخلاق الناس بالنظر إلى ما يشابه وجوههم من وجوه الحيوانات، كأن. يقال إن اتساع الصدر يشبه صدر الأسد دليل على الشجاعة وسمى هذا النوع بالفراسة الحكمية.
والفراسة ليست من علم الغيب، فقد أصبح الآن من العلوم الطبيعية التى تدرس أشكال أعضاء الإنسان لتستدل منها على أمزجته، فوجد أن كل جنس من أجناس البشرية له شكل معين من الأعضاء وله مزاج مختلف.
كما أن الفراسة من المعارف الإيمانية، فهى علم نورانى أودعه الله فى قلب عبده المؤمن القريب إليه، المشغول به، والفراسة غير الظن، لأن الظن يخطئ ويصيب حسب طهارة القلب وظلمته، وكثيرا ما يخطئ وقليلا ما يصيب، ولهذا أمرنا الله تعالى باجتناب كثير من الظن، وأخبر أن بعض الظن إثم.
والمتفرس إذا جالس أحدا من الناس اطلع على سره، فهو جاسوس القلب، فالذى ينظر بنور الله ينفذ فى الأشياء، فيرى ما هو مقدر، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فى قمة الفراسة حيث استخلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، كما كانت صاحبة موسى - عليه السلام - صاحبة فراسة حين قالت لأبيها} يا أبت استأجره. إن خير من استأجرت القوى الأمين {(القصص 26) ويرى أئمة الصوفية أن الفراسة موهبة دائمة فى جميع الأوقات يحظى بها الولى، لأنه ينظر بنور الله، ولأن قلبه قد تطهر من الهوى، فلم يعد ينظر ببصره وإنما ببصيرته.
أ. د منى أبو زيد
__________
المراجع
1 - قواعد التصوف أبو العباس "أحمد بن أحمد بن محمد زروق، تحقيق محمد زهرى النجار، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.
2 - التعريفات، الجرجانى تحقيق إبراهيم الإبيارى، دار الكتاب العربى بيروت ط 1 1405هـ / 1985م.
3 - معجم ألفاظ الصوفية د. حسن الشرقاوى مؤسسة مختار، القاهرة ط1 1987م.
4 - المعجم الفلسفى د. عبد المنعم الحفنى، الدار الشرقية، القاهرة. ط 1410هـ / 1990م.
5 - معجم مصطلحات الصوفية د. عبد المنعم الحفنى: مكتبة مدبولى، القاهرة ط1 1400/ 1990م.
6 - اصطلاحات الصوفية الكاشانى تحقيق د. عبد العال شاهين، دار المنار، القاهرة 1413هـ /1992م.
7 - الموسوعة العربية الميسرة، إشراف محمد شفيق غربال، دار نهضة لبنان بيروت. 1980 م/هـ 1401 جـ 2مادة (فراسة).
8 - علم الفراسة الحديث، جرجى زيدان، ضمن الأعمال الكاملة، جـ 17، دار الجيل بيروت1402هـ / 1982م.(1/495)
8 - الفرض
لغة: ما أوجبه الله عزوجل على عباده كما فى الوسيط (1)، وهو ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب تاركه، ويأتى الفرض بمعنى الإلزام أو التقدير كما فى اللسان (2).
واصطلاحا: ذهب جمهور الفقهاء على أنه لا فرق بين الفرض والواجب إلا فى الحج فقط.
وأما الحنفية فإنهم يعرفون الفرض بأنه ما عرف وجوبه بدليل قطعى موجب للعلم والعمل قطعا، أما ما عرف وجوبه بدليل ظنى فإنه يطلق عليه الواجب (3).
وهذا الاختلاف الواقع بين جمهور الفقهاء والحنفية فى المراد بالفرض والواجب خلاف لفظى. لأن الفرض والواجب يدلان على معنى الثبوت والتقدير، وكلاهما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.
وينقسم الفرض باعتبار المكلف به إلى فرض عين وفرض كفاية، وثمة فروق بينهما هى:
1 - فرض العين هو ما يطالب به كل إنسان بعينه ولا يجوز أن يؤديه بدلا منه أحد، ولا يسقط عن المكلف إلا بأداء ما فرض عليه كالصلاة والصيام والزكاة والحج.
أما فرض الكفاية فهو مايطلب حصوله دون النظر إلى فاعله، لكنه يسقط بفعل البعض، ويأثم الكل إن تركوه جميعا، إما إذا قام به البعض ولم يقم به الآخر، فإن من فعله يثاب، وأما تاركه فإنه لايعاقب لسقوطه بفعل الغير، وذلك كصلاة الجنائز، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الثابت بقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} آل عمران:104، وكذلك تعليم الحرف وتعلمها فإنها من فروض الكفاية، لأنه ليس مطلوبا من الناس جميعا تعلم حرفة واحدة.
2 - فرض العين لايمكن أن يتحول إلى فرض كفاية، لأنه متعلق بعين الإنسان ذاته.
أما فرض الكفاية فإنه يتحول من كفاية إلى فرض عين، وذلك إذا تعين، مثال ذلك:
صلاة الجنازة فهى فرض كفاية، ولكن إذا لم يوجد غير مسلم واحد فى المكان الذى مات فيه مسلم تحول فرض الكفاية إلى فرض العين، لعدم وجود من يقوم بالفعل سواه (4).
3 - والفقهاء متفقون على أن فرض العين أقوى من فرض الكفاية، وإن اختلفوا فى أفضلية أحدهما على الآخر، لأن من ترك فرض العين أجبرعلى فعله كما فعل سيدنا أبو بكر رضى الله عنه مع مانعى الزكاة فإنه قاتلهم على تركها، وأجمع الصحابة على فعل أبى بكر دون إنكار.
أما فرض الكفاية فإن الإنسان لا يجبر على فعله إلا إذا تعين فى حقه دون غيره (5).
4 - وفرض العين إذا شرع الإنسان فى فعله، فإن الواجب عليه أن يتم هذا الفعل، إلا إذا طرأ عليه عذر يمنعه من إتمام هذا الفعل، كمن صام نهار رمضان، واشتد به المرض فله أن يقطع الصيام بسبب المرض.
أما فرض الكفاية إذا قام به الإنسان، فله أن يقطعه، ولا يستمر فى أدائه، كمن أراد أن يتعلم حرفة معينة ووجد أن غيره قد قام بتعلم هذه الحرفة، فله أن يقطع هذا الفعل لقيام غيره، ولا إثم عليه (6).
5 - نقل العطار فى حاشيته: إن قطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة مكروه، لأنه لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية، فإذا تزاحم فرض الكفاية وفرض العين فى وقت واحد، وكان الوقت لايسع إلا واحدا منهما، وجب تقديم فرض العين إلا إذا كان له بدل، كما فى سقوط صلاة الجمعة عن إنسان له قريب يمرضه ولايوجد سواه يقوم بتمريضه والنظر فى مصالحه ورعايته.
6 - ونرى أن لفرض الكفاية أمورا تتعلق بها مصالح دينية كصلاة الجنازة وغيرها، ومصالح دنيوية كتعلم الحرف وعلم الطب ونحو ذلك، وهذه الأمور قد قصد الشرع الحكيم تحصيلها لما لها من أثرطيب فى حياة الفرد والمجتمع، وهو فى نفس الوقت لم يكلف آحاد الناس بتحقيق هذه الأمور، وترك الأمر لكل إنسان على حسب رغبته فى تحصيل الخير، وتحقيق النفع العام لنفسه ولأبناء مجتمعه الذى يعيش فيه، وذلك يختلف تماما عن فرض العين الذى كلف الشرع الحكيم كل إنسان بالقيام به، وكلما حقق الإنسان فرض العين وأتى به ممتثلا لأمر ربه عز وجل، كلما نال الأجر والثواب
من الله تعالى، فكان الغرض من فرض العين هو الخضوع والامتثال لأمر رب العالمين، وذلك بخلاف فرض الكفاية فإنه فى الغالب لايتكرر.
د/صبرى عبدالرؤوف محمد
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط3، 1973م، القاهرة، 2/ 708.
2 - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت، مادة (فرض).
3 - أصول الفقة، محمد بن أحمد بن أبى سهل السرخسى أبوبكر، 1/ 110.
4 - مختصر صفوة البيان، للبيضاوى، طبعة الكليات الأزهرية، القاهرة 1/ 23.
5 - المنثور على القواعد، للزركشى، ط1 القاهرة، 3/ 23.
6 - الفروق، للقرافى، طبعة الحلبى، القاهرة 1/ 116.
7 - حاشية العطار على جمع الجوامع، للعطار 1/ 237.
مراجع الاستزادة:
1 - حاشية ابن عابدين(1/496)
9 - الفرض (العقلى)
اصطلاحاً: هو التجويز العقلى، أى الحكم بجواز الشىء.
والفرض العقلى قد يكون مطابقا للواقع أو مخالفا له أو ظنيا. فهو إما انتزاعى، وهو إخراج ما هو موجود فى الشىء بالقوة إلى الفعل، فلا يكون الواقع مخالفا للمفروض. وإما اختراعى وهو اختراع ما ليس بموجود فى الشىء أصلا، فيكون الواقع مخالفا للمفروض.
وإما تجريبى هو مجرد الظن بوقوع الشىء، فإذا أثبتت التجربة حدوثه ثبت الفرض وأصبح بمثابة حقيقة. وكل فرض ينطوى على تجويز، ولا يكون التجويز باطلاً إلا إذا كذبته التجربة أو أثبت العقل تناقضه. وليس معنى الفرض أنك فرضته بالفعل أو تفرضه فى المستقبل، بل إنه إذا صح فرضه صح ما يتلوه.
أ. د/ محمد الجوادى
__________
المراجع
1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية.
2 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا.
3 - المذاهب الفلسفية- سانتلانا- مجموعة محاضرات ألقاها بالجامعة المصرية مجلدان سنة 1910 م- 1911 م.
4 - المنطق وفلسفة العلوم- بول موى- ترجمة د/ فؤاد زكريا- القاهرة سنة 1961 م.(1/497)
10 - الفِرَق
لغة: الفرق: جمع فرقة، وهى الطائفة من الناس تجمعها آراء واحدة تتفق عليها وتعمل على نشرها وتأييدها والدفاع عنها.
واصطلاحا: يقسم الباحثون الفرق الإسلامية إلى قسمين:
1 - فرق سياسية 2 - فرق اعتقادية.
وليس معنى هذا أن الفرق السياسية لا تتناول مسائل اعتقادية- كالخوارج الذين بحثوا مسألة مرتكب الكبيرة وحكمه فى الدنيا والآخرة وعلاقة الإيمان بالعمل وغير ذلك من المسائل الاعتقادية البحته- كما أن الفرق الاعتقادية قد تتناول أموراً سياسية، إذ ليست هناك حدود فاصلّة بين العقيدة والسياسة فى الإسلام. ولكن وصف "الفرقة" بأنها "سياسية " أو " اعتقادية" يعود إلى الأساس الذى قامت عليه، والمنطلق الذى انبثقت منه- عند نشأتها الأولى- سياسيا كان أو اعتقادياً.
وتروى عدة أحاديث نسبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن افتراق الأمة الإسلامية إلى عدة فرق؛ منها الحديث الذى أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه والحاكم وصححه- عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة"، وأخرج الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال. "إن بنى إسرائيل تفرقت على إحدى وسبعين فرقة، فهلكت سبعون فرقة، وخلصت فرقة واحدة، وإن أمتى ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، فتهلك إحدى وسبعون فرقة، وتخلص فرقة. قيل: يا رسول الله من تلك الفرقة؟ قال: الجماعة. الجماعة" وفى راوية للحاكم. "وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين ملة، كلها فى النار إلا ملة واحدة، فقيل له: وما الواحدة قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابى". الأحاديث والروايات متعددة فى هذا الباب- مما يجعلها فى درجة التواتر المعنوى- وليس المراد بالعدد الحصر بل الكناية عن الكثرة.
ومن أهم الفرق السياسية فى الإسلام " الخوارج " "والشيعه؛ وذلك لأن منطلق كلتيهما كان مسألة "الخلافة"، ومن هو أحق الناس بها- كما أن من أهم الفرق الاعتقادية: " المعتزلة " "والأشاعرة " "والماتريدية" والمرجئة" والقدرية" والجبرية" والمجسمة ". هذا بالإضافة إلى "السلف ".
وكانت فرقة "الخوارج " أسبقها إلى الظهور؛ حيث ظهرت فى عهد على بن أبى طالب - رضي الله عنه - بعد قضية "التحكيم". أما فرقة "الشيعة" فمتأخرة عنها- نعم كان هناك أفراد يحبون "عليا" - رضي الله عنه - ويرون أنه كان أولى بالخلافة من "أبى بكر" وعمر" وعثمان، - رضي الله عنهم - ولكن هؤلاء الأفراد لم يأخذوا صورة فرقة ذات كيان متميز ونشاط واضح- إلا بعد ظهور الخوارج- رغم حرارة العاطفة التى كانوا يكنونها لعلى وآل البيت. أما "الثوار" الذين قتلوا الخليفة الثالث "عثمان " - رضي الله عنه - فلم يكونوا من "الشيعة"- حيث لم تكن هذه التسمية قد ظهرت بعد كمصطلح على فرقة تنحاز إلى علىّ ونسله، وترى أنهم أحق بالخلافة- من سائر المسلمين- حتى إنه فى عهد خلافة علىّ - رضي الله عنه - لم يكن مصطلح "الشيعة" خاصا بأنصار "علىّ" بل كان يقال "شيعة علىّ" "وشيعة معاوية" بمعنى أنصار علىّ وأنصار معاوية- ولم تتبلور فرقة "الشيعة " كجماعة لها كيانها المتميز وآراؤها الخاصة بها، ونظامها فى الدعوة إليها والدفاع عنها وتكثير أتباعها، والبحث عن أدلة من الكتاب والسنة تؤيد دعاويها إلا بعد استشهاد الحسين - رضي الله عنه - فى خلافة يزيد بن معاوية، فبرزت فرقة "الشيعة" تنادى بإقامة دولة يكون الحكم فيها مقصورا على نسل "علىّ" - رضي الله عنه -.
أما الفرق الاعتقادية فلم يبدأ ظهورها إلا فى عصر"بنى أمية"- فقد كان المسلمون فى عصر النبى - صلى الله عليه وسلم - وفى عصر الخلافة الراشدة يأخذون عقائدهم من الكتاب والسنة- مكتفين بظواهر هذه النصوص بدون تعمق ولا تأويل، ولم تكن لهم مناقشات فى مسائل العقيدة، بل التسليم المطلق لما يفهمونه من ظواهر النصوص بدون جدل حولها- وكانت سلائقهم العربية الخالصة، وصفاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم، وحرارة إيمانهم تقرُّ بصحة نصوص القرآن الكريم والسنة وأنها كلها من عند الله- تعينهم على اتخاذ هذا الموقف- كما كان استغراق أوقاتهم فى العبادة والجهاد - من أجل الدفاع عن الدين- أثره أيضا فى سلوك هذا المسلك، والنأى بأنفسهم عن الجدل وإثارة المشاكل الاعتقادية.
ولما اتسعت الفتوحات الإسلامية، انضوى تحت لواء دولة الإسلام كثير من أتباع الديانات السابقة- سماوية أو غير سماوية، وعدد من أصحاب الفلسفات القديمة- وكانت لهؤلاء جميعا آراؤهم ومعتقداتهم التى لا تزال آثارها تعشش فى عقولهم وقلوبهم- حتى بعد اعتناق بعضهم للإسلام- نقلوا مشكلاتهم العقدية التى كانت لها فى ديانتهم السابقة ومذاهبهم الفلسفية إلى الساحة الإسلامية- فأخذوا يسألون المسلمين عن الحل الإسلامى لهذه المشكلات- بعضهم بنية حسنة، من أجل نفى شكوكهم وتثبيت يقينهم، والبعض الآخر بقصد خبيث من أجل تشكيك المسلمين فى عقيدتهم.
إضافة إلى أن بعض الذين اعتنقوا الإسلام فى عصر الفتوحات لم يكونوا مخلصين فى اعتناقهم له؛ فالبعض اعتنق انبهارا بقوة الإسلام التى مكنت بدو الجزيرة العربية من سحق دولتى الفرس والروم فى سنوات معدودات؛ والبعض رعبا وخوفا من أن يناله سوء موهوم، والبعض تهربا من دفع "الجزية" والبعض طمعا فى الحصول على كسب مادى أو منصب دنيوى، أو ليكون وجيها فى قومه بتشبهه بالسادة الجدد- ونحو ذلك من الأغراض الدنيوية- وأخطر هؤلاء جميعا أولئك الذين تظاهروا باعتناق الإسلام من أجل الكيد له وتفجيره من الداخل- وكان أكثر أفراد هذا الفريق الأخير من اليهود والفرس المجوس. أخذ هؤلاء جميعا يعملون على تشكيك المسلمين فى عقيدتهم، فيثيرون أسئلة حول القضاء والقدر، وهل الإنسان مسير أو مخير؟ - وعن صفات الله تعالى: هل هى عين الذات أو زائدة على الذات؟ والقرآن هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟ إلى غير ذلك من المسائل التى كانت أساسا لنشأة "علم الكلام " والفرق الاعتقادية: من معتزلة ومرجئة وقدرية وجهمية وأشاعرة وماتريدية وغيرها من الفرق- ولكل فرقة من هذه الفرق اهتماماتها الخاصة ومنهجها فى البحث.
"فالمعتزلة" مثلا يعتمدون أساسا على حكم العقل وأدلته فإذا خالف نصا شرعيا فإنهم يؤولون النص حتى ينسجم مع حكم العقل.
أما "الأشاعرة" فمنهجهم يقوم على الاعتماد على النصوص الشرعية من قرآن وسنة يأخذون منها عقائدهم، ثم يأتون بعد ذلك بالأدلة العقلية ليقوم العقل بتأييد ما ورد فى النص.
فبينما يجعل "المعتزلة " من "العقل " حكما على "النص " يجعل الأشاعرة "العقل " فى خدمة النص " .. أما "الماتريدية" فهم يعتمدون على العقل كالمعتزلة، ولكن فى ضوء النصوص الشرعية- بمعنى أنه إذا خالف النص حكم العقل، فإنهم يقدمون "النص ".
أما السلف " من الفقهاء والمحدثين فإنهم لا يثقون بالعقل فى باب" العقيدة" فهى أمور غيبية لا يستقل العقل بإدراكها، لأنها ليست مجال عمله- وهو المادى المحسوس وما يؤخذ منه- ويعجز العقل تماما عن البحث بمفرده فيما ليس بمادى محسوس- وهو مجال العقيدة- ولذلك يعتمد علماء "السلف " على النصوص الشرعية فقط فى هذا الباب وكان على رأسهم الإمام "أحمد بن حنبل" رحمه الله- ثم فى عصور تاليه الإمام "ابن تيمية" رحمه الله.
أ. د/ صفوت حامد مبارك
__________
المراجع
1 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل، لابن حزم.
2 - الملل والنحل، للشهرستانى.
3 - الفرق بين الفِرق، للبغدادى.
4 - تاريخ المذاهب الإسلامية، للإمام محمد أبى زهرة.(1/498)
11 - الفَسَاد
لغة: مأخوذ من الفعل يفسد إذا ذهب صلاح الشىء، ويستعمل مُضَعَّفا- بالتشديد- يقال: ما فسَّده وما أفسده بمعنى أى شيء ذهب بصلاحه، ولا يأتى منه الفعل المطاوع فلا يقال: انفسد الشىء، ويقال: أفسدتُه وأفسده، ويقال: قوم فُسْدَى، كما قالوا: ساقط وسُقْطِى. وأفسده، واستفسده، وتفاسد القوم بمعنى تدابروا وقطَّعوا الأرحام، واستفسد السلطان رعيته، واستفسد قائده إذا أساء إليه.
والفساد نقيض الصلاح، ولا يقال ضده؛ لأن النقيضين لا يجتمعان فى الأمر الواحد ولا يرتفعان عنه، فكذلك الفساد والصلاح، فلا يكون الشىء فاسدا صالحا فى نفس الوقت، ولا يكون لا فاسدا ولا صالحا، وإنما يكون على أحد الحالين: إما فاسدا وإما صالحا بخلاف الضدين فلا يجتمعان فى الأمر الواحد، وقد يرتفعان عنه، وكذلك الاستفساد والاستصلاح نقيضان، ولا يقال عنهما ضدين.
والفساد يطلق على الجدب والقحط كما فى قوله تعالى:} ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس {(الروم 41) أى أصابها الجدب والقحط، ويقال: فسدت الأرض وأفسدها إذا بارت بانقطاع زرعها، ويقال: إفساد الصبى؛ أن يطأ المرأة وهى مرضعة فيفسد لبنها وفى الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كره عشر خلال ذكر منها:
إفساد الصبى، بأن يطأ المرأة المرضع فإذا حملت فسد لبنها، وكان من ذلك فساد الصبى، وتسمى الغيِلة.
واصطلاحاً: الفساد يقابله الكون فيقال: الكون والفساد، كما يقال: الوجود والعدم، وهو عند الفلاسفة: زوال الصورة التى علّيها المادة بعد أن كانت حاصلة فيها، كزوال صورة الكرسى بأن تتفرق، أجزاؤه المكونة له، والفلاسفة انقسموا إلى فريقين فى تحديد معنى الفساد المقابل للكون.
1 - فريق يرى أن أصل الكون الوحدة، (مادة واحدة) وفسادها تغيير يطرأ على هيئتها وكيفيتها المكونة لها فتتحول صورتها وتتغير.
2 - وفريق يرى أن أصل الكون الكثرة، وفساده تفرق أجزائه المؤلِّفة لجرمه.
وأرسطو يرى أن الهيولى المقابلة للصور المختلفة هى علة فساد الكون، ولذلك عرَّف الفساد بأنه تغير يطرأ على الجوهر الأعلى ليصير جوهرا أدنى.
وعند المتكلمين أن الفساد خروج الشىء من حال الوجود إلى حال العدم دفعة واحدة، لا يسيرا يسيرا، ويقابله الصلاح، وهو خروج الشىء من حال العدم إلى حال الوجود دفعة واحدة.
والفاسد من الأعمال: ما خالف أمر الشارع قاصداً المخالفة، والفاسد من الاعتقاد: ما خالف عقيدة التوحيد قاصداً المخالفة، والفاسد من الأقوال: ما خالف برهان العقل قاصدا المخالفة.
وقد تكرر الفعل "فسد" ومشتقاته فى القرآن الكريم كثيراً، ويقصد به ما خالف أوامر الشرع فى الأعمال والأقوال والاعتقاد، ومنه قوله تعالى:} والله لا يحب المفسدين {(المائدة 64)} ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها {(الأعراف 56).
أ. د/ محمد السيد الجليند
__________
المراجع
1 - لسان العرب، لابن منظور: مادة (فسد).
2 - أساس البلاغة، للزمخشرى: مادة (فسد).
3 - التعريفات، للجرجانى: مادة (فسد).
4 - المعجم الفلسفى (مراد وهبة).
5 - المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين، للآمدى (ت 631 هـ) مادة (فسد).(1/499)
12 - الفُسْطاط
أول عواصم مصر الإسلامية اختطها الفاتح العربى المسلم عمرو بن العاص سنة 20هـ-642م لتكون مقرا لولاة مصر المسلمين. تقع على الجانب الشرقى للنيل فى الفضاء المجاور لحصن بابليون، عند رأس الدلتا فى نقطة التقائها بجنوب الوادى. وقد ظلت العواصم المصرية تدورفى هذا الموقع وتنتقل فيه من موقع إلى آخر (ممفيس، بابليون، ثم العسكر، القطائع، القاهرة) ولكنها لم تخرج عنه إلا فى فترات عابرة فى التاريخ القومى (طيبة - الإسكندرية).
وفى بداية عهدها ضمت الفسطاط مسجدا جامعا يعرف بالجامع العتيق وتاج
الجوامع، وجامع عمرو هو أول جامع ينشأ فى إفريقيا، واختطت القبائل العربية التى تألف منها جيش القائد الفاتح حول الجامع ودار الإمارة، فاختير لكل جماعة "خطة" تنزل بها.
وعندما بنى العباسيون مدينة "العسكر" سنة 132هـ/750م ثم أحمد بن طولون مدينة "القطائع" سنة 254هـ-868م إلى الشمال من "فسطاط عمرو" أصبح مجموع المدن الثلاث يمثل مدينة مصر، الفساط، وأصبح
هذا التجمع العمرانى أكثر وضوحا بعد بناء مدينة "القاهرة" الفاطمية سنة 358هـ-969م.
كانت الفسطاط تنقسم جغرافيا إلى قسمين: "عمل أسفل" و "عمل فوق"، وكان بكل منها مسجد جامع: جامع عمرو فى عمل أسفل وسمى لذلك بـ "الجامع السفلانى" وجامع ابن طولون فى عمل فوق وسمى لذلك بـ "الجامع الفوقانى". كان عمل أسفل يمثل المنطقة الجنوبية الغربية للفسطاط، ورغم
كونه أكثر رطوبة، فإنه كان يحوى أغلب مبانى المدينة الهامة، ففيه كان المسجد الجامع ودار الضرب والأسواق والقياسر، وظل هذا الحى الغربى للمدينة شاهدا على الأحداث الأليمة التى عرفتها الفسطاط طوال تاريخها.
أما الجزء الآخر للمدينة فكان يشمل مساحة كبيرة فى اتجاه الشرق ويمتد حتى المقابر القديمة فى سفح المقطم، وتمثل بركة الحبش الحد الطبيعى الجنوبى لهذا القسم من المدينة حيث توجد اليوم ضاحية القاهرة الجنوبية: البساتين، بينما لم يكن لهذا القسم حد معين؟ ففى ذروة ازدهار ونمو الفسطاط خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة/العاشر والحادى عشر للميلاد كان هذا القسم يمتد إلى ما يلى الخليج المصرى فى منطقة يصعب تحديدها تعادل ميدان السيدة زينب الحالى فيما وراء جبل يشكر، حيث يوجد
منذ القرن الثالث الهجرى/التاسع الميلادى جامع ابن طولون. كان هذا القسم فى الأساس حيا سكنيا رغم حرمانه من المراكز التجارية والحرفية التى كانت مركزة كلها فى القسم الآخر للمدينة القريب من مجرى النيل.
ورغم أن القسم الغربى للمدينة أو عمل أسفل قد دمر أكثر من مرة، إلا أنه كان يعاد بناؤه دائما ولم يفقد أهميته الاقتصادية والتجارية، وظل حتى نهاية العصر المملوكى حيث كان يعتبر المدينة الثانية للإقليم بعد القاهرة بسبب قربه من النيل. أما القسم الشرقى للمدينة أو عمل فوق فقد دمر تماما منذ النصف الثانى للقرن الخامس الهجرى/الحادى عشر الميلادى ولم يعاود سكنه بعد ذلك بسبب الأوبئة والمجاعات والاضطرابات التى اجتاحت مصر كلها فى هذه الفترة.
وبسبب ذلك فقد تخرب القسم الشرقى كله فيما عدا منطقة المشاهد بين المشهد النفيسى وباب زويله التى تمثل الضاحية الجنوبية للقاهرة الفاطمية.
وطوال العصر الفاطمى (358 - 567هـ/969 - 1171م) كانت الفسطاط تعد مدينة مصر الرئيسية ومركز نشاطها الاقتصادى والصناعى والعلمى، بينما كانت القاهرة هى مقر الحكومة الفاطمية ومركز الدولة الإدارى والسياسى والمعقل الرئيسى لنشر الدعوة الإسماعيلية، ويكون مجموع المدينتين العاصمة المصرية فى العصر الفاطمى.
وقرب نهاية العصر الفاطمى اجتاح الفسطاط حريق متعمد فى سنة 564هـ/1168م، بناء على أوامر الوزير شاور السعدى، استمر أكثر من أربعة وخمسين يوما وأتى على أغلب المواضع الواقعة حول جامع عمرو، وعلى المناطق الشمالية الغربية المعروفة بالحقروات، بينما كانت المناطق
الشرقية قد تخربت كلية منذ أزمة منتصف القرن الخامس الهجرى/الحادى عشر الميلادى. ولم يأت عام (572هـ/1176م) إلا وكانت هذه الأقسام قد أعيد بناؤها كما يذكر ابن جبير فى رحلته.
ورغم أن القاهرة فقدت مكانتها كمركز للحكم فى العصرالأيوبى، بعد بناء قلعة الجبل، وأخذت الأنشطة التجارية والحرفية تتسرب إليها، فإن قوة جذب الفسطاط كمركز صناعى واقتصادى ظلت كما هى حتى نهاية القرن السابع الهجرى/الثالث عشر الميلادى، بسبب قربها من مجرى النيل حيث كانت تلتقى عندها طرو التجارة القادمة من الإسكندرية والبحر الأحمر وداخل إفريقيا.
ولكن القاهرة بلغت أقصى ازدهارها كمركز تجارى وعلمى فى العصر المملوكى وخاصة فى زمن الناصر محمد بن قلاوون، وحلت تدريجيا محل الفسطاط التى لم يبق منها فى مطلع القرن التاسع الهجرى/الخامس مجر الميلادى إلا ما بساحل النيل وما جاوره إلى ما يلى جامع عمرو وما قرب منه، ودثرت أكثر خططها القديمة وتغيرت معالمها. ولم تجر أية محاولة للنهوض بالمدينة وإحياء دورها بسبب تحول طاقة التجارة المصرية ابتداء من عصر السلطان برسباى (825 - 742هـ/1421 - 1438م) واعتمادها على تجارة البحر المتوسط بعد أن كانت حتى هذا الوقت تعتمد على تجارة البحر الأحمر عبر الطريق التقليدى (عيذاب - قوص - الفسطاط) وعلى الأخص بعد تخرب ميناء عيذاب نهائيا فى أواسط القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى.
وقد أدى ذلك بالضرورة إلى فقدان الفسطاط لأهميتها الاقتصادية وهجر الناس لها وتخربها نهائيا فى نهاية القرن التاسع الهجرى، وبالطبع لم يكن هذا ممكنا إلا بعد إنشاء ميناء آخر للعاصمة فى طرفها الشمالى الغربى هو ميناء (بولاق) الذى بدأ فى الظهور اعتبارا من سنة 713هـ-1313م ولكنه لم يلعب دورا فى الحياة الاقتصادية للمدينة إلا ابتداء من القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى.
أ. د/أيمن فؤاد سيد
__________
مراجع الاستزادة:
1 - المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار، المقريزى بولاق ق 1853.
2 - جامع عمرو بن العاص بالفسطاط من الناحيتين التاريخية والأثرية، محمود أحمد القاهرة 1938.
3 - حفريات الفسطاط، على بهجت ترجمة محمود عكوش، القاهرة 1928.
4 - منازل الفسطاط كما تكشف عنها حفائر الفسطاط "جمال محرز الندوة الدولية الألفية القاهرة، 323 - 351.
5 - Kubiak، W.، Al-Fustat its foundation and early urlan development، Cairo- AUC 1987.
6- التطور العمرانى لمدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى الآن، أيمن فؤاد سيد القاهرة الدار المصرية اللبنانية 1997(1/500)
13 - الفصاحة
لغة: مصدر "فصُح " بضم الصاد، وهى تنبئ عن الظهور والبيان. يقال: فصُح الصبح، وأفصح إذا ظهر ضوؤه واستبان، وفصح الأعجمى فصاحة إذا جادت لغته، فلا يلحن ولا تشوب لسانه لكنة. وفى القرآن الكريم حكاية عن موسى - عليه السلام -} وأخى هارون هو أفصح منى لسانا {(القصص 34) أى أبين وأظهر منى قولا:
واصطلاحا: مصطلح بلاغى ارتبط فى بداية البحث البلاغى بمصطلح "البلاغة" دون فرق واضح بينهما، حتى جاء "أبو هلال العسكرى" الحسن بن عبد الله بن سهل (ت395 هـ) فتحدث فى كتابه "الصناعتين" عن معناهما، وما بينهما من فروق. وبدأ بالحديث عن البلاغة فبيَّن أنها: إنهاء المعنى إلى قلب السامع فيفهمه، ثم ذكر اختلاف الناس فى الفصاحة على ثلاثة أقوال:
1 - قوم يطلقون الفصاحة على الإظهار والإبانة، وعلى هذا فالفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد لأن كلا منهما يعنى الإبانة عن المعنى والإظهار له.
2 - وقوم يرون أن الفصاحة تمام آلة البيان، وعلّى هذا فهى تختلف عن البلاغة، حيث تكون مقصورة على اللّفظ، دون الآلة تتعلق باللّفظ دون المعنى، والبلاغة هى إنهاء المعنى إلى القلّب فكأنها مقصورة على المعنى.
3 - وقوم يذهبون إلى أن الكلام لا يسمى فصيحا إلا إذا جمع نعوت الجودة من وضوح المعنى، وسهولة اللفظ، وجودة السبك، والبعد عن الاستكراه والتكلف، واتصف مع ذلك بالفخامة وشدة الجزالة، فإذا جمع نعوت الجودة ولم يكن فيه فخامة وفضل جزالة سُمِّى بليغا، ولم يسم فصيحا.
وجاء "الخفاجى" أبو محمد عبد الله بن محمد بن سنان (ت 466 هـ) فتوسع فى الحديث عن الفصاحة، وفرق بينها وبين البلاغة، فجعل الفصاحة مقصورة على الألفاظ، والبلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعانى، فلا توصف الكلمة الواحدة بالبلاغة، وإنما توصف بالفصاحة، وكل كلام بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغا، وجعل للفصاحة شروطا منها ما يوجد فى اللفظة المفردة، ومنها ما يوجد فى الألفاظ المنظومة. فأما التى توجد فى اللفظة المفردة فثمانية شروط:
1 - أن يكون تأليف الكلمة من حروف متباعدة المخارج.
2 - أن يكون لتأليف اللفظة فى السمع حسن ومزية على غيرها.
3 - أن تكون الكلمة غير متوعرة ولا وحشية.
4 - أن تكون الكلمة غير ساقطة ولا عامية.
5 - أن تكون جارية على العرف العربى الصحيح غير شاذة.
6 - ألا تكون قد عبّر بها عن أمر آخر يكره ذكره.
7 - أن تكون معتدلة ليست كثيرة الحروف.
8 - ألا تكون مصغَّرة فى موضع التعظيم ونحوه.
وأما التى توجد فى الألفاظ المؤلفة، فالستة الأولى من شروط الكلمة المفردة، لما لها من علاقة بالكلام المؤلف، وأضاف إليها من الشروط ما يختص بالكلام المنظوم كوضع الألفاظ موضعها، والإيجاز، والوضوح وغير ذلك.
وسار "ابن الأثير" ضياء الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد الكريم (ت 637 هـ) على نهج "الخفاجى، فتوسَّع فى دراسة الفصاحة وناقش بعض شروطه، وأتى بشروط لم يتحدث عنها، وعلى الجملة تعدُّ دراسته شرحا لما ذكره الخفاجى، وتعقيباً على بعض آرائه.
وانتهى الأمر إلى "الخطيب القزوينى" جلال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن (ت 739 هـ) فضبط الحديث عن الفصاحة ونظمه بما لم يسبق إليه، وبيّن أن الفصاحة تقع وصفا للكلمة، وللكلام، وللمتكلم. ففصاحة الكلمة تكون بخلوصها من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفه القياس اللغوى. وفصاحة الكلام تكون بخلوصه من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات، والتعقيد، مع فصاحة مفرداته.
وفصاحة المتكلم هى ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح. ثم تحدث عن البلاغة، وبيّن أنها تقع وصفا للكلام وللمتكلم، ولا تقع وصفا للّكلمة، فبلاغة الكلام هى مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته، وبلاغه المتكلم هى ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ. وعلى هذا فكل بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغا.
وقد شرح الخطيب هذه المقاييس شرحا ضافيا مستعينا بالأمثلة الموضحة لما يقول، فجاءت دراسته للفصاحة والبلاغة خير الدراسات، وملكت زمام الفكر البلاغى وسيطرت عليه.
أ. د/ الشحات أبو ستيت
__________
المراجع
1 - الصناعتين. أبو هلال العسكرى- تحقيق: على محمد البجاوى، ومحمد أبو الفضل إبراهيم- المكتبة العصرية- بيروت- 6 0 4 1 هـ 1986 م
2 - سر الفصاحة: ابن سنان الخفاجى. شرح وتصحيح عبد المتعال الصعيدى. مكتبة محمد على صبيح 1389 هـ/1969 م
3 - المثل السائر فى أدب الكاتب والشاعر. ابن الأثير. تحقيق: د أحمد الحوفى ود/ بدوى طبانة. دار نهضة مصر.
4 - الإيضاح. الخطيب القزوينى. تحقيق د/ محمد عبد المنعم خفاجى- مكتبة الكليات الأزهرية ط 2.
5 - لسان العرب ابن منظور. ط دار المعارف. ط. الأولى.
6 - شروح التلخيص- للتفتازانى والسبكى والمغربى. بطبعة عيسى الحلبى.
7 - المصباح فى المعانى والبيان البديع. بدر الدين بن مالك. تحقيق د. حسنى عبد الجليل. مكتبة الآداب 1989 م.
8 - مقاييس البلاغيين فى فصاحة الكلمة. د/ الشحات محمد أبو ستيت. مطبعة الأمانة 1411 هـ/1991 م(1/501)
14 - الفصحى
لغة: وصف لمؤنث من " فَصُح " يدل على التفضيل، ومادة "فصح " تدور غالبا حول الخلوص والظهور والبيان، قال الراغب: الفَصْحُ خلوص الشىء مما يشوبه، وأصله فى اللبن. يقال: فَصُح اللبن، وأفصح، فهو مفصح وفصيح إذا تعرى من الرغوة. قال نضلة السلمى:
فلم يخشوا فصاحته عليهم وتحت الرغوةِ اللبن الفصيح
أى اللبن الخالص. ومنه استعير: فَصُح الرجل إذا جادت لغته، وأفصح: تكلم بالعربية. وقال تعالى:
} وأخى هارون هو أفصح منى لساناً {(القصص 34) أى أبين وأظهر.
واصطلاحاً: اختلف العلماء فى المراد بالفصيح، فيرى كثيرون أنه ما كثر استعماله على ألسنة العرب الفصحاء. قال الجاربردى: فإن قلت ما يقصد بالفصيح؟ وبأى شىء يعلم أنه غير فصيح وغيره فصيح؟ قلت: أن يكون اللفظ على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم أدور، واستعمالهم لها أكثر.
وقال السيوطى: والمفهوم من كلام "ثعلب " أن مدار الفصاحة فى الكلمة على كثرة استعمال العرب لها. فإنه قال فى أول "فصيحه ": هذا كتاب اختيار الفصيح مما يجرى فى كلام الناس وكتبهم، فمنه ما فيه لغة واحدة والناس على خلافها، فأخبرنا بصواب ذلك، ومنه ما فيه لغتان وثلاث وأكثر من ذلك، فاخترنا أفصحهن، ومنه ما فيه لغتان كثرتا واستعملتا، فلم تكن إحداهما أكثر من الأخرى، فأخبرنا بهما.
والمراد بالفصحاء الموثوق بعربيتهم هم الذين يستشهد بكلامهم من أهل الجاهلّية، والمخضرمين، ومتقدمى الإسلاميين حتى سنة 150 هـ تقريبا، ويختمون عند الأصمعى بإبراهيم بن هرمة فهو آخر من يحتج بشعره عنده.
ويرى بعض اللغويين أن الفصيح لا يخضع لكثرة الاستعمال ولا قلته، وإنما الفصيح ما أفصح عن المعنى واستقام لفظه على القياس، لا ما كثر استعماله، وليس كل ما ترك الفصحاء استعماله بخطأ، فقد يتركون استعمال الفصيح لاستغنائهم بفصيح آخر، أو لعلة غير ذلك.
وقد جمع البلاغيون بين الرأيين، فذكروا أن فصاحة الكلمة تكون بخلوصها من عيوب ثلاثة: تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس، فإن كانت الكلمة متنافرة الحروف مثل: "الهعخع" اسم لنبت، أو غريبة مثل: "تكأكأتم " أى اجتمعتم، أو مخالفة للقياس مثل:"الأجلل " فى الأجلّ، فهى غير فصيحة. ثم قالوا:
وعلامة كون الكلمة فصيحة: أن يكون استعمال العرب الموثوق بعربيتهم لها كثيرا، أو أكثر من استعمالهم ما بمعناها.
والفصيح ليس علّى درجة واحدة، فله رتب متفاوته، فمنه الفصيح والأفصح، ونظير ذلك فى علوم الحديث تفاوت رتب الصحيح، ففيها صحيح وأصح. وكلام اللغويين يشهد بذلك.
ففى "ذيل الفصيح ": وتشديخ النخل- أى شق بسره- أفصح من التشقيح. ومجَّحَ العنبُ إذا بلغ- وطاب- أفصح من مَزَجَ- أى اصفر بعد الخضرة.
وفى "الصحاح ": ضربة لازب أفصح من لازم، وبُهت- بضم الباء- أفصح من بَهُت- بفتح الباء وضم الهاء أو كسرها.
" الصحاح: مادة: لزب، ومادة: بهت ".
ونقل السيوطى عن الجمهرة: البُرُّ أفصح من قولهم: القمح والحنطه. ونقل عن ابن خالويه فى شرح الفصيح: قد أجمع الناس جميعا أن اللغة إذا وردت فى القرآن فهى أفصح مما فى غير القرآن لا خلاف فى ذلك.
وخلاف الفصيح إما ضعيف أو منكر أو متروك. فالضعيف ما انحط عن درجة الفصيح، والمنكر أضعف منه وأقل استعمالا بحيث أنكره بعض أئمة اللغة ولم يعرفه، والمتروك ما كان قديما من اللغات ثم ترك واستعمل غيره. وقد ضرب السيوطى أمثلة لكل ذلك.
وأجمع العلماء والرواة أن قريشاً أفصح العرب ألسنة، وأصفاهم لغة، وكانت مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم، فاجتمع ما تخيروه إلى سلائقهم التى طبعوا عليها فصاروا بذلك أفصح العرب.
وأفصح الخلق على الإطلاق سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروى أصحاب الغريب عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "أنا أفصح العرب" ورووه أيضا بلفظ: " أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أنى من قريش" وروى البيهقى فى شعب الإيمان عن محمد بن إبراهيم التيمى أن رجلا قال: يا رسول الله، ما أفصحك! فما رأينا الذى هو أعربُ منك. قال: حق لى. فإنما أنزل القرآن على بلسان عربى مبين ".
أ. د/ الشحات أبو ستيت
__________
المراجع
1 - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب. عبد القادر البغدادى تحقيق عبد السلام هارون. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1979م.
2 - الإيضاح فى علوم البلاغة. الخطيب القزوينى شرح د محمد خفاجى ط الكليات الأزهرية 2.
3 - ذيل الفصيح. موفق الدين عبد اللطيف البغدادى. شرح د محمد خفاجى ط مكتبة التوحيد 1368 هـ/1949 م.
4 - الصاحبى. أحمد بن فارس تحقيق السيد صقر- ط عيسى الحلبى- القاهرة.
5 - الصحاح. إسماعيل الجوهرى تحقيق أحمد عبد الغفور عطار 1402هـ /1982 م القاهرة.
6 - فصيح ثعلب أبو العباس أحمد بن يحيى. تحقيق د. محمد خفاجى- مكتبة التوحيد 1368هـ/1949م.
7 - المزهر فى علوم اللغة وأنواعها. جلال الدين السيوطى تحقيق محمد أحمد جاد المولى وأخرين دار التراث.
8 - مفتاح العلوم أبو يعقوب السكاكى. تحقيق نعيم زرزور. بيروت.
9 - المفردات فى غريب القرآن، الراغب الأصفهانى. دار المعرفة- بيروت.
10 - لسان العرب ابن منظور- دار المعارف ط 1 - القاهرة.(1/502)
15 - الفضيلة
لغة: الدرجة الرفيعة فى الفضل، والفضل ضد النقص، والفضيلة صفة يوصف بها السلوك الخيّر، وهى آتية بمعنى الزيادة فى الخير أو الإحسان، وكانت تعنى قديما أن فضيلة الشىء هى قوته التى يكون بها امتيازه أو كماله الخاص، كما يقال فضيلة السيف: إحكامه القطع.
وهذا معنى قديم يربط بين فضيلة الشىء وخاصيته.
واصطلاحاً: استعداد ثابت لممارسة الخير، أو أنها استعداد خاص للقيام بواجب معين أو عمل صالح معين.
وتستخدم الفضيلة فى المجال الأخلاقى إذا قصد بها صفات الكمال، وتعنى عادة فعل الخير، وتدخل ضمن موضوعات علم الأخلاق، والفاضل من غلبت فضائله رذائله، والخلق ينقسم إلى فضيلة هى مبدأ لما هو كمال، ورذيلة هى مبدأ لما هو نقصان، وقد يطلق على الفضيلة اسم القيمة الإيجابية، وعلى الرذيلة اسم القيمة السلبية، والقيمة بوجه عام تتجه نحو تحقيقها حسب قواعد معينة دقيقة، ومن هنا قيل إن علم الأخلاق من العلوم المعيارية.
وعلامة الفضيلة عند العرب، شأنها شأن كل فكر أخلاقى آخر، هى استحقاق المدح، مثلما نستدل على الرذيلة بما تثيره من لوم وذم. فالمدح فى الحقيقة هو وصف الموصوف بأخلاق يحمد صاحبها عليها، ويكون نعتا حميداً. وقد امتدح العرب فضائل الجود والسخاء والكرم والإيثار، وذمّوا الرذائل التى تقابلها.
وقد ذكر العرب الفضائل فى الآداب والأمثال والحكم والخواطر والتاريخ الثقافى والاجتماعى على وجه العموم، وفى الفكر الفلسفى والدينى على وجه الخصوص، ومن أشهر المؤلفات التى وضعت لشرح الفضيلة كتاب "سلوك الملوك فى تدبير الممالك "لأحمد بن محمد بن الربيع، وضعه للخليفة المعتصم العباسى، تناول فيه فضائل الإنسان الرئيس الذى يشغل أكمل المراتب الإنسانية. وكتاب "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق " لمسكويه" أوضح فيه الحرص الطبيعى للإنسان على الخيرات طلبا للسعادة بمختلّف أنواعها، وكتاب "ميزان العمل" للغزالى، الذى يصف فيه الفضائل الأخلاقية، وكتاب "أدب الدنيا، والدين للماوردى" وغيرها.
والتخلق والتشبه بالأفاضل ضربان: ضرب محمود، وذلك ما كان على سبيل الارتياض والتدريب، يتحراه صاحبه سرا وجهرا على الوجه الذى ينبغى، وبالمقدار الذى ينبغى، وضرب مذموم، وهو ما يفعله على سبيل الرياء، لا يستهدف صاحبه من ورائه إلا التصنع والرياء فقط.
وقد تتشابه الفضائل مع السجايا والشيم، إلا أن بعض علماء الطب زعموا أن السجايا تابعة لمزاج البدن، فزعموا أن الغضب يكثر بكثرة المرة الصفراء، ويضعف بقلَّتها، وتكثر الحرارة والشجاعة مع وفور الدم وتقل لقلته، وإذا اعتدل مزاج الإنسان اعتدلت أخلاقه، فكانت فضائل، إذا تجاوزت الاعتدال إلى زيادة أو نقصان خرجت عن الفضائل إلى الرذائل.
والفضائل توسط محمود بين رذيلتين مذمومتين، من نقصان فيكون تقصيراً، أو زيادة تكون إسرافاً، فيكون فساد كل فضيلة من طرفيها، فالعقل واسطة بين الدهاء والغباء، والسخاء واسطة بين التقتير والتبذير، والشجاعة واسطة بين الجبن والتهور، والحياء واسطة بين الخلاعة والحصر، والسكينة واسطة بين السخط وضعف الغضب، والحلم واسطة بين إفراط الغضب ومهانة النفس، والعفة واسطة بين الشَّرَه وضعف الشهوة، والتواضع واسطة بين الكبر ودناءة النفس.
ومن هنا ارتبطت الفضيلة بالعدل، لأن العدل نتيجة الفضائل، وهى مقدرة به، وفضيلة الشىء هو اعتداله، ومتى كانت النفس معتدلة كان شوقها نحو تحصيل الفضائل. وسعادة النفس فى كمالها، وتكميلها يكون باكتساب الفضائل كلها وهى وإن كانت كثيرة إلا أنها تجمعها فضائل أساسية. وهناك من رأى أن الفضائل نوعان: مكتسب وفطرى.
الأول: يحتاج إلى زمان وتدرب، وممارسة ويتقوى فيه الإنسان درجة درجة، ويختلف البشر حسب قدرتهم على الأكتساب بحسب اختلاف الطبائع والذكاء والبلادة.
والثانى: فطرى يحصل بفضل إلهى كأن يولد إنسان فيصير من غير تعليم البشر فاضلاً، مثل الأنبياء الذين حصلت لهم المعارف من غير ممارسة أو اكتساب. والفضيلة المكتسبة تأتى بالتدرب والتعود، أما من كان فاضلاً بالفطرة فهو كامل الفضيلة. والعلم ضرورى لاكتساب الفضائل حتى يعلم الإنسان حسنها ويفعلها، ويعلم قبح الرذائل ويجتنبها.
وبعد معرفة أصول الفضائل وحقيقتها وجزاء العمل بها، لابد أن يتعّود الإنسان على فعلها، وتكرار الفعل، حتى تصير هذه الأفعال عادة تصدر عنه بلا روية وتفكير، أى تصير ملكة تصدر عن الإنسان دون تكلف. هنا يسمى المتمتع بها إنساناً فاضلاً لأنه فعل الفضيلة بما يقارب الفطرة. وهناك من رأى أن المقصود بالفضيلة هى الفضيلة الجسمية، وأن يكون المرء صحيح البدن، إلا أن البدن بمثابة الآلة للصانع، والسفينة للربَّان؛ لا تصلح بغير فضائل النفس.
أ. د/ منى أبو زيد
__________
المراجع
1 - كتاب الأخلاق والسير لابن حزم تحقيق ندى توميس، اللجنة الدولية لترجمة الروائع، بيروت 1961 م.
2 - الذريعة إلى مكارم الشريعة- الراغب الأصفهانى، دار الكتب العلمية، بيروت 0 140 هـ/1980 م.
3 - التنبيه على سبيل السعادة- الفارابى، تحقيق د. جعفر آل ياسين، دار المناهل، بيروت 1401 هـ/1985 م.
4 - تسهيل النظر وتعجبل الظفر- الماوردى، تحقيق محمد هلال السرحان، دار النهضة العربية، بيروت 1401،1981م.
5 - تهذيب الأخلاق ابن مسكويه، تحقيق قسطنطين زريق، الجامعة الأمريكية بيروت 1996 م.
6 - الهوامل والشوامل ابن مسكويه مع أبى حيان التوحيدى، تحقيق احمد أمين، والسيد احمد صقر، لجنة التأليف والترجمه والنشر 1370هـ، 1951 م.(1/503)
16 - الفطرة
اصطلاحاً: كلمة "الفطرة" تدل على معنيين رئيسيين هما: الجبلة التى ولد عليها الإنسان والصفة التى يتصف بها كل موجود فى أول زمان خلقته، والمعنى الثانى هو الدين (1).
والمعنى الأول يدور حول عدة معان تتعلق بالخلق والابتداء والاختراع للموجودات التى أحدثها الله تعالى وجبلها على طبيعة أو طبائع خاصة، فقد فطر الله الإنسان على السلامة خلقة وطبعا وبنية، ليس معها كفر ولا إيمان ولا إنكار ولا معرفة (2)، أى أنها خلقة قابلة للإنكار والمعرفة، والكفر والإيمان، ومتهيئة للسعادة والشقاوة وغير ذلك. فهى مجرد جبلة أو استعداد فطرى لقبول الدين (3).
ومن هنا كان لدى النفس الإنسانية استعداد لقبول الخير وقبول الشر، فليست النفس شريرة بطبيعتها، والذى يفلح هو الذى يتوجه بها إلى الخير، يقول سبحانه} ونفس وما سَوّاها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها {(الشمس 7 - 10).
أما المعنى الثانى للفطرة فإنه يدور حول معانٍ عدة تتعلق بالدين والتدين؛ فالفطرة هنا يقصد بها الإيمان بالله عز وجل، والإقرار بمعرفته وربوبيته، والإيمان بدينه وإسلامه؛ فكل إنسان مولود على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين، ولو ترك على هذه الطبيعة لاستمر عليها، ولزمها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنها من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد؛ وكل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به، فلا نوجد أحدا فى هذه الدنيا إلا وهو يقرُّ بأن له صانعا، وإن سماه بغير اسمه، ولو عبد معه غيره (4). وفى هذا الصدد نجد القرآن الكريم يقول:} ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله {(الزمر38).
فإلانسان يقر ويعترف بأن الله تعالى هو رب كل شىء وخالقه، وهذا هو ما يُسمَّى بتوحيد الريوبية، وهو نوع من التوحيد لا نزاع فيه. كما أن الإنسان مفطور على التدين، فالدين فطرته التى قال الله عز وجل عنها:} فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون {(الروم 30)
وقد ذكر القرآن الكريم أن هناك عهدا وميثاقا أقر فيه الإنسان بمعرفة الله تعالى، وهو العهد الذى أخذه الله سبحانه على عباده وهم فى أصلاب آبائهم، حيث مسح ظهر آدم، فأخرج من ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذر، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، فليس أحد إلا وهو يقر بأن له صانعا ومدبرا حكيما؛ يقول تعالى:} وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا {(الأعراف 172 - 173).
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء) (رواه مسلم) (5)
ويقول النبى - صلى الله عليه وسلم - راويا عن ربه: (إنى خلقت عبادى حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما حللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطانا). (6)
وقد قيل: إن الفطرة هى دين الإسلام، وهو المعروف عند عامة السلف وقد أجمع أهل التأويل فى تأويل قول الله عز وجل} فطرت الله التى فطر الناس عليها {على أن فطرة الله دين الله الإسلام (7).
والمقصود به هنا دين التوحيد الذى نزل على كافة الرسل- عليهم الصلاة والسلام- أو الاستعداد لقبول هذا الدين.
وهكذا يتبيَّن من دلالة الكتاب والسنه والآثار واتفاق السلف على أن الخلق مفطورون على دين الله الذى هو معرفته به ومحبته والخضوع له، وأن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها إن لم يحصل ما يعارضه ويقتضى حصول ضده، وأن حصول ذلك فيها لا يقف على وجود شرط بل على انتفاء المانع؛ فإذا لم يوجد فهو لوجود منافيه لا لعدم مقتضيه؛ ولهذا لم يذكر النبى - صلى الله عليه وسلم - لوجود الفطرة شرطا بل ذكر ما يمنع موجبها حيث قال: (فأبواه يهودانه وينصرانه ويُمَجسِّانه) فحصول هذا التهويد والتنصير موقوف على أسباب خارجة عن الفطرة، وحصول الحنيفية والإخلاص ومعرفة الرب والخضوع له لا يتوقف أصله على غير الفطرة وإن توقف كماله وتفصيله على غيرها.
وتعد الفطرة من أهم الأدلة على وجود الله تعالى، فالكون بما فيه مفطور على الاعتراف بوجود الخالق إلا من غلبت عليه الشقاوة والغباوة، ووجود عبادات لبعض الموجودات التى خلقها الله سبحانه تؤكد على صحة القول بالفطرة الدينية.
أ. د/ محفوظ عزام
__________
المراجع
1 - الكليات لأبى البقاء، مادة (فطر)، مؤسسة الرسالة بيروت 9921 م، القاموس المحيط للفيروز أبادى، مادة (فطر) مكتبة التربية، بيروت.
2 - التعريفات للجرجانى ص 147 مطبعة الحلبى 1938 م.
3 - شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم ص 384 الطبعة الأولى، الرياض.
4 - لسان العرب لابن منظور مادة (فطر)، دار لسان العرب، بيروت
5 - صحيح مسلم بشرح النووى، كتاب القدر 4/ 267 المطبعة المصرية، القاهرة
6 - التاج الجامع لأحاديث الرسول للشيخ منصور على ناصف5/ 77، مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 1961م.
7 - شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ص 384.(1/504)
17 - الفقه
لغة: فهم غرض المتكلم من كلامه. وعند الإمام الغزالى والآمدى أنه يطلق على الفهم مطلقا سواء أكان المفهوم دقيقا أم غير ذلك وسواء أكان غرضا للمتكلم أم غير ذلك. وعند الشيرازى وآخرين أنه يطلق على الأشياء الدقيقة فقط. وعند الحسن البصرى هو فهم غرض المتكلم من كلامه فقط. ويقال فَقه بكسر القاف وفتحها أى صار فقيها أى عَالماً بالفقه (علم الدين) وتفقه أى صار عالماً (1).
واصطلاحا: له عدة تعريفات أحدها: أنه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
والثانى: أنه معرفة الأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد.
والثالث: هو الظن فى الأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد. ولأن الأحكام التى طريقها الاجتهاد غاية المجتهد فيها حصول ظن غالب له بما يعتقد منها فالواجب أن يقال الظن ولا يقال العلم ولا المعرفة.
والرابع: هو معرفة جملة غالبة من الأحكام الشرعية، ومؤدى ذلك أن المقصود من الفقه العلم بجميع الأحكام على سبيل الملكة والتهيؤ لمعرفة أى حكم من الأحكام. وعلى هذا فإنه لا يشترط علم المجتهد بجميع الأحكام وإنما يشترط التهيؤ لمعرفة أى حكم من الأحكام. وقيل: هو الإصابة والوقوف على المعنى الخفى الذى يتعلق به الحكم. وهو علم مستنبط بالرأى والاجتهاد ويحتاج فيه إلى النظر والتأمل.
ووردت تعريفات مادة فقه فى القرآن الكريم بالمعنيين اللغوى والاصطلاحى فى مواضع كثيرة منها قوله تعالى على لسان موسى - عليه السلام -:} واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى {(طه 28). وقوله عز وجل:} فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا {(النساء78) وقوله جل وعلا:} وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون {(التوبة 122) وغيرها من الآيات الكريمة.
أ. د/ سعاد صالح
1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 2/ 324 دار المعارف، ط3 لسان العرب، ابن منظور، مادة (فقه)، دار صادر بيروت.
__________
المراجع
(1) الفقه على المذاهب الأربعة الشيخ محمد أبو زهرة، المطابع الأزهرية.
(2) موسوعة الفقه الإسلامى، دار الثقافة الكويت القاهرة.
(3) فقه السنة / السيد سابق طبعة دار التراث العربى. القاهرة(1/505)
18 - فقه اللغة
اصطلاحاً: أطلقت هذه التسمية فى مجال الدراسات العربية القديمة على كل ما يخصُّ الدرس اللغوى، ووضع لها الأوربيون مصطلحاً Philologie وأصل الكلمة مركب من Logost philos أى حب اللغة الذى يدفع إلى علمها أو فقهها.
ويشيع فى مجال الدراسات اللغوية مصطلحان هما: علم اللغة، وفقه اللغة، وقد غلبت التسمية الأولى حديثا على فروع الدراسات اللغوية فى مقابل المصطلح الأجنبى: Linguistique الذى تنضوى تحته عدة مصطلحات دالة على المواد التى يدرسها المتخصصون فيها، كعلم الأصوات Phonetique وعلم الأصوات التشكيلى Phondogie، وعلم الدلالة sémantique الخ:
ولا شك أن كلا المصطلحين: (علم اللغة وفقه اللغة) قديم الاستعمال فى الثقافة العربية، ولم يكن القدماء يفرقون بين مفهومى العبارتين، فقد ورد كلاهما فى عناوين المؤلفات اللغوية مثل: (الصاحبى فى فقه اللغة وسنن العرب فى كلامها) لأحمد بن فارس (ت 385 هـ)، ومثل: (فقه اللغة) لأبى منصور الثعالبى (ت 429 هـ) وهو معدود فى معاجم المعانى، وجاء كذلك كتاب (المزهر فى علوم اللغة وأنواعها)، وهو أحدث من سابقيه ظهورا، فقد ولد السيوطى (سنة 849هـ)، وتوفى سنة (911 هـ)، ويؤخذ من سلوك القدماء تجاه مصطلح فقه اللغة أنهم يقصدون به كل ما يتصل باللغة ماعدا الأصوات والصرف والنحو غالبا، ومن أبرز ما وصل إلينا معبرا عن هذا الاتجاه كتاب (الخصائص) لأبى الفتح عثمان بن جنى
فأما المحدثون فقد ضيقوا مفهوم (فقه اللغة)، حيث تعاملوا من خلال المفهوم الغربى لمصطلح Philologie، وهى كلمة إغريقية تعنى على الترتيب:
1 - معرفة الأدب الجميل ودراسة نصوصه.
2 - دراسة لغة معينة بالتحليل النقدى لنصوصها، وكان الرومان والجرمان فى القرن التاسع عشر يحصلون على شهادات فى النمو والفيلولوجيا.
3 - الدراسة الشكلية للنصوص فى المخطوطات، وهو ما نطلق عليه (تحقيق النصوص).
ولا مانع من أن يقصد مصطلح (فقه اللغة) هذه الأبواب من المعرفة اللغوية والأدبية، فهى داخلة فى مفهوم فقه العربية الشامل لغة ونصا وتحقيقا.
ويعتبر أصحاب المعاجم كالخليل، والأزهرى، وابن دريد، وابن سيده، وابن منظور، والفيروز آبادى وغيرهم من أفقه العلماء باللغة، وكذلك علماء اللغة كسيبويه، والكسائى، والفراء، والأخفش، وابن جنى، وأبى على الفارسى، وغيرهم من أصحاب المصنفات اللغوية.
وعلى نفس الدرب نجد جمهرة مفسرى القرآن، والحديث؛ لأن معالجة نصوصهما تحتاج إلى مستوى من المعرفة الشاملة، وهو ما تميز به علماء السلف الذين رفعوا لواء المعرفة الإسلامية فى كل العصور.
أ. د/ عبد الصبور شاهين
__________
المراجع
1 - الخصائص- ابن جنى، تحقيق محمد على النجار- بيروت عن طبعة دار الكتب المصرية ط 2 (د- ت).
2 - الصاحبى فى فقه اللغة: ابن فارس- تحقيق مصطفى الشويحى- ط بيروت سنة 963 ام.
3 - فصول فى فقه العربية- رمضان عبد التواب- ط 1 سنة 1973م.
4 - فى التطور اللغوى- عبد الصبور شاهين- مكتبة الشباب سنة 981ام
5 - علم اللغة العربية- محمود فهمى حجازى- وكالة المطبوعات- الكويت سنة 1973 م
6 - العربية- يوهان فك- ترجمة عبد الصبور شاهين- ط الكاثوليكية- بيروت سنة 1965 م(1/506)
19 - الفن
تعنى كلمة (الفن) مجمل الوسائل، والمبادىء التى يقوم الإنسان بواسطتها بإنجاز عمل يعبر عن مشاعره وأفكاره، فالعمل الفنى تجسيد لفكرة ما بأحد الأشكال التعبيرية.
والتعبير الفنى قائم بالفطرة الإنسانية منذ بدء الخليقة، فأقدم نموذج عرفة التاريخ هو تمثال لامرأة عارية من الحجر الجيرى، عثر عليه فى النمسا، ويعرف باسم "فينوس ويللندوروف" ويرجع تاريخه إلى خمس وعشرين أو خمس وثلاثين ألف سنة، وهى الفترة التى يطلق عليها العصر الحجرى، أو ما قبل التاريخ، والتى تنتهى مع بدايات التقويم الحالى، فقد كان الفن هو اللغة السائدة بين البشر قبل أن يعرف الإنسان الكتابة ويستخدمها فى التعبير.
والفن وثيق الارتباط بالتقدم الاجتماعى وبالعقل الإنسانى الذى كلما تقدم باتساع معرفته، تأثر نتاجه بنفس هذا التقدم والأتساع.
ومن هنا كان الارتباط للفن بالحضارات إذ أنه يمثل مختلف قيمها ورقيها الفكرى والتعبيرى، وبالتالى أصبح لكل حضارة فنها الذى يحمل سماتها المميزة، لأنه يمثل الشكل الذى أضفاه الإنسان على تطلعاته ومشكلاته عبر مشواره الطويل فى البحث عن المعرفة والسيطرة والتعبير عن أحلامه ومخاوفه، لذلك نجد أن الفن يمثل فى كل مجتمع إنسانى عنصرا أساسيا من العناصر المكونة للعقائد والطقوس، والأعراف الأخلاقيه والاجتماعية، فهو يقع فى مفترق الطرق بين الفكر العلمى والفكر الفطرى، بين عالم الشهادة وعالم الغيب، وبين الواقع والأمل، لذلك لايمكن فهم وإدراك الفن بعيدا عن إطاره الاجتماعى وبيئته الزمانية.
وانطلاقا من ارتباط الفن بالحضارات يتم تقسيم تاريخ الفن وفقا لحقبات تطورها إجمالا، حيث إن التطورالإنسانى لا يخضع للتقويم الدقيق وإنما لمراحل إنجازاته وتآثيرها على المجتمع.
وقد جرى العرف على تقسيم الحضارات بفنونها على النحو التالى:
أوروبا الغربية من عصرما قبل التاريخ إلى الفن السلى.
الشرق القديم، مصر القديمة، كريت، اليونان، الفن الفارسى (وقد ضمت هذه الحقبة عصر جوستينيان ومعركة الايقونات (تحريم التصوير) بين اليهودية والمسيحية) فن الاستب، الفن الأتروسكى، الفن الرومانى، الفن المسيحى القديم، الفن االبيزنطى، الفن الإسلامى، الفن الأوروبى القديم، الفن القوطى، الفن فيما بين القرن الثالث عشروحتى المدرسة التكلفية، الفن الباروكى والروكوكو، من الكلاسيكية الجديدة إلى أواخر القرن التاسع عشر مرورا بمذاهب الانتكائية والرومانسية والواقعية والتأثيرية والرمزية والفن الجديد وما بعد التأثيرية والتعبيرية.
أما الفن فى القرن العشرين فقد بدأ بأزمة انعكست على الفن بفصل الشكل عن المضمون، وعرف هذا الاتجاه بالفن الحديث أو الفن التجريدى، وتنعكس هذه الأزمة على مئات المذاهب الفنية والتيارات التى تشابكت وتكررت بأسماء مختلفة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الحوشية والدادية والتكعيبية والتأليفية والمستقبلية والسريالية واللافن واللاشكل. وفن الكولاج (اللصق) وفن القمامة وفن الخردة وما إلى ذلك.
وينتهى هذا التقسيم الإجمالى للفن بالفنون الشعبية والفن الأفريقى والفن الهندى والفن فى جنوب شرق آسيا وفى الصين وفى كل من فيتنام وكوريا وفى اليابان والفنون فى أوتيانيا، لينتهى بالفن لدى هنود الأمريكتين.
لقد قام الفن الكريتى واليونانى على أسس وانجازات الفن المصرى القديم وكامتداد له. كما يعتبرالفن الإسلامى وحضارته هو همزة الوصل نين العالم القديم والعالم الغرربى الحديث وتميز بتنوع شديد فى أساليبه وتفاصيله وتعرض لمختلف المجالات الفنية سواء أكانت من الفنون الأساسية أو من
الفنون التطبيقية.
ويتسم الفن الإسلامى إجمالا ناتجاهين أساسيين رغم تباعدهما شكلا، وهما الاتجاه القائم على الفنون لممارسة فى الأقطار والحضارات التى امتد إليها الإسلام حيث أثر الإسلام فى تلك الفنون دون إلغائها، والاتجاه القائم على الأشكال المجردة النباتية أو الهندسية، وهو خط جديد مرتبط بالرؤية الكلية للمسلمين للإنسان والكون والحياة، متأثرا بالفلسفة الإسلامية، وبأفكار المتصوفة المسلمين ويمكن تلخيصه بعبارة (المركز فى الإشعاع) إشارة إلى الخالق والمخلوق، وهو كلا يمثل فرقا جوهريا بين المدارس التجريدية
فى الغرب التى تفرض العبث والضياع ولبين التجريد فى الفن الإسلامى القائم على الربط بين الإنسان وخالقه، لأن استبعاد المضمون عن الفن هو فى الواقع استبعاد للوجود الإنسانى برمته.
وأهم ما يميز الفن الإسلامى فى الفنون الأساسية هو: العمارة الدينية المتمثلة فى المساجد والمدارس والأسبلة، وكل ما يتعلق بهذا الجانب، والعمارة المدنية من قصور ومنشأت عامة وأسواق وحمامات ومدافن، والعمارة العسكرية من قلاع وحصون وأسوار. ووصلت براعة الفنان فى النقوش والزخارف التى تكسوها إلى درجة مذهلة سواء فى دقة تناوله ومعالجته الفنية للمواد الصلبة كالرخام والحجز أو فى فن الفسيفساء ولوحاته الجدارية التى وصلت ألوان بعضها إلى تسعة وعشرين لونا مختلفا، وهو رقم غير مسبوق انذاك.
ومن أهم إنجازاف الفن الإسلامى وإسهاماته فن الخط العربى بإمكانيات تشكيلاته اللانهائية، وفن المنمنمات، وفن الكتب والأغلفة، والمصاحف وزخارفها، ويمثل فن الخزف والأوانى ذات البريق المعدنى، وفن الزجاج ملمحا متميزا إلى جانب فن المعادن والعاج والحلى والأحجار الكريمة والنسجيات بمجالاتها المختلفة من سجاد وملبوسات.
أ. د/زينب عبد العزيز
__________
مراجع الاستزادة:
1 - Histoire Del`Art، Larouusse - 2Vol.، 1985.
2- L`Artde Tous Les Temps 2vol.، Sequsia، Bruxelle، 1965.
3- L`Art. An Terres D`islam، Marlbe B. Taylor، lelee De Brouwer 1988(1/507)
20 - الفنون الأدبية الحديثة
1 - القصة: وتتنوع إلى قصة، وأقصوصة، ورواية، ومسرحية.
القصة
وتدور حول حادثة يمكن أن توضع لها حكاية، ولا بد فيها من البناء الفنى، الذى تطرد فيه المواقف مؤسسا بعضها على بعض، ومرتبطا بعضها ببعض، بحيث تنمو شيئا فشيئا حتى تصل إلى أزمة يصل عندها التعقيد إلى غايته، ثم يكون الحل.
- ولابد فيها من وجود الشخصيات- التى يصورها كاتب القصة- أو يدعها تتحدث أحيانا، وذلك فى إطار حياة كل منها وتفكيره وشعوره أو يتصور كل شخصية وينطقها بما يلائمها من القول أو يسند إليها ما يلائمها من القول.
القصة القصيرة:
اصطلاحا: قصة تتخفف من الإطالة- حتى تظهر أحيانا فى صورة الأقصوصة- التى تميل إلى الإيجاز المسرف. وهى تمثل استجابة الفن القصصى لسرعة حركة الحياة الحديثة وتعقدها.
الرواية:
اصطلاحا: عمل فنى فيه تؤدة وأناة، تعرض قطاعات من الحياة والمجتمع الإنسانى. وهى بهذا تميل إلى الطول، وكثرة الأحداث والمواقف وتعقدها، وقد كتبت الرواية لتقرأ، وليقضى فيها الساعات الطوال ويستطيع الكاتب أن يستغل هذه الميزة فيها، فيكتب عن حياة عدد من الشخصيات.
المسرحية:
اصطلاحاً: هى نوع من أنواع الفن القصصى تتميز بأنها كتبت أصلاً للمسرح، أو كتبت وفى ذهن مؤلفها أنها تصلح لكى تمثل.
وكاتب المسرح لا يطمع فى أكثر من فترة زمنية محدودة يقضيها المشاهد معه ولهذا كانت محدودة الزمن ومع ذلك يجد القارئ فيها متعة ويستمتع بها رواد المسرح إذ يمكن أن تعرض على خشبة المسرح.
2 - ترجمة الحياة:
اصطلاحاً: هى الكتابة عن أحد الأشخاص البارزين لجلاء شخصيته، والكشف عن عناصر العظمة فيها، وبيان العوامل التى أثرت فى هذه الشخصية. وترجمة الحياة: عملية فنية، تجمع بين عمل المؤرخ من جهة ارتباطها لسيرة إنسان عاش بينها وبين إنسان عاش فى زمن بعينه، ولكن مثل هذه الكتابات لا تكون نهاية، ويمكن إعادة الكتابة فيها.
فإذا كانت الشخصية قد سبق أن ترجم لها فى أزمان مختلفة، فهناك المبررات التى تجعل من حق الكاتب الترجمة لها من جديد. أما فى حالة الأشخاص الذين لم تسبق ترجمة حياتهم، فمبرر الترجمة لهم واضح، ما دامت الوثائق والشواهد المطلوبة فى متناول يد الكاتب.
والعقاد أول كاتب يكتب لنا ترجمة فنية يتجلى فيها الذكاء والمهارة والخبرة مثل العبقريات.
3 - المقال:
اصطلاحاً: هو فن أدبى ظهر حديثا فى أدبنا العريى مع ظهور الصحافة وهو قريب مما عرف فى الأدب العربى القديم بفن الرسالة.
والمقال يتميز بالقصر، لأنه لا يحاول أن يشمل كل الحقائق والأفكار المتصلة بالموضوع، ولكنه يختار جانبا مهما من الحياة ليتحدث عنه.
والمقال ليس حشوا للمعلومات وليس هدفه أن ينقل المعرفة، بل لابد أن يكون إلى جانب ذلك مشوقا.
والمقال يتنوع إلى مقال أدبى، ومقال علمى، ومقال سياسى، ومقال اجتماعى، ومقال نقدى، إلى غير ذلك من الأنواع ومجاله الصحافة.
أ. د/ محمد سلام
__________
المراجع
1 - أعلام الأدب العربى الحديث واتجاهاتهم الفنية، للدكتور محمد زكى العشماوى- الإسكندرية- ط1 1995م.
2 - المدخل إلى النقد الأدبى، للدكتور محمد غنيمى هلال- مكتبة الأنجلو- ط 3 - 1963م.
3 - الأدب وفنونه، للدكتور عز الدين إسماعيل- دار الفكر العربى- ط 8 - القاهرة- 1955م.(1/508)
21 - الفُؤَاد
لغة: القلب، أو: نياطه، أو: وسطه، أو: حبته وسويداؤه، أو: غشاؤه، وقيل: العقل. فهو إذن وثيق الصلة بالقلب، سواء بمعناه العضوى التركيبى أو بمعناه المعنوى الشامل. وفارغ الفؤاد: من لا هم عنده ولا حزن، قال تعالى:} وأصبح فؤاد أم موسى فارغا {(القصص 10)، أى فارغاً من الخوف والغم، لعلمها أنه لم يغرق بسبب ما تقدم من الوحى إليها.
واصطلاحاً: هو القلب المعنوى للإنسان، أو بعبارة أكثر تجريدا: هو ذلك العضو الذى ترتبط به كل مشاعره وأحاسيسه وإدراكاته. ونحن نعرف أن القلب يستخدم فى القرآن الكريم للدلالة على ما نعرفه الآن فى فهمنا الطبى والنفسى والفلسفى على أنه العقل. وقد وردت كلمة فؤاد ست عشرة مرة فى القرآن الكريم، خمسا مفردة، وإحدى عشرة بالجمع "أفئدة"، وكانت فى سبع مرات معطوفة على السمع والبصر، وذكرت أبصار معطوفة على أفئدة مرة واحدة.
وقد تكرر ورود السمع والبصر والفؤاد بهذا الترتيب فى القرآن، فهى وسائل الإنسان إلى المعرفة، وبها يهتدى الإنسان إلى الحق، ومن ثم فإن عليه أمانة ومسئولية} إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا {(الإسراء36).
ومن الجدير بالذكر أن الإنسان يكتسب هذه الملكات تباعاً، فالسمع يعمل فى الجنين وهو فى رحم الأم، بينما البصر لا يبدأ إلا بعد الميلاد، أما إدراك القيم والنشاط الوجدانى فتالٍ لهما بطبيعة الحال، يقول تعالى:} وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون {(النحل 78)، ويقول} وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون {(السجدة 9) وكذلك (الملك 23).
ويتأكد معنى آخر للفؤاد من استعمال القرآن الكريم لفظ فيما نعبر عنه الآن بالوجدان والبصيرة، كما فى قوله تعالى:} وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك {(هود 120) أى قلبك، وهو هنا القلب المعنوى لا العضلى. وقوله تعالى:} وأفئدتهم هواء {(إبراهيم 43) أى خالية لا تفكر، ويمكن أيضا فهم هذا النص على أنها متأثرة بالأهواء المختلفة.
وورد لفظ " قلب " مفردا، أو مثنى، أو جمعا فى القرآن الكريم (132) مرة. واستعمال "قلب " على المعنى المعنوى والقيمى أو المجازى شائع فى كل اللغات، وهو الجارى أيضا فى المصطلح القرآنى، وأساس ذلك الصلة الوثيقة بين القلب العضلى وبين المشاعر والعواطف والأحاسيس، فأثر الجهازين العصبيين السمبتاوى (الودى) وغير السمبتاوى (اللاودى) على وظيفة القلب معروف، وكذلك أثر الهرمونات والمواد الأخرى التى تبعثها الانفعالات والضغوط والكروب، مما يجعل القلب محلا لكل ذلك ومناطا له.
وعلى هذا المجاز جعل القرآن الكريم قلب الإنسان موضعا للهدى، والتقوى، والطهارة والسكينة، والاطمئنان، والخشوع، والإخبات، واللين، والوجل، والرأفة، والرحمة، والألفة، ووصفه بالسلامة والإنابة، كما جعله موضعا للضلال، والإثم، واللهو، والزيغ، وحمية الجاهلية، والرعب، والريب، والقسوة، والغلظة، والغل، والغيظ، والحسرة، ووصف بالمرض والعمى والطبع والختم والإغفال، وبأن عليه أقفالا وأكنَّة.
ومن المفسرين مَنْ لا يرى التفريق بين القلب العضوى والتركيبى وقلب مجازى معنوى، ويرون أن القلب العضوى العضلى هو ذاته موضع تلّك الأحاسيس والصفات التى ذكرت، وأن القلب دون المخ هو المنوط بتلك الوظائف، ويستشهد هؤلاء بقوله تعالى:} فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور {(الحج 46)، وهو رأى لا يؤيده الواقع الملموس فى العمليات الجراحية التى نزع فيها القلب العضوى تماما واستعيض عنه بمضخة آلية، عرفت باسم القلب الاصطناعى، تعمل بالطاقة، وعاش بها المرضى فترات دون أن يفقدوا تلك المشاعر والأحاسيس والمدارك.
أ. د/ محمد الجوادى
__________
المراجع
1 - قاموس القرآن الكريم. معجم الطب مؤسسة الكويت للتقدم العلمى، 1997 م.
2 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقى.
3 - معجم ألفاظ القرآن الكريم. مجمع اللغة العربية
4 - المعجم الوسيط.(1/509)
22 - الفىء
لغة: مصدر فاء يفىء بمعنى رجع، فالفىء هو الرجوع كما فى المعجم الوسيط (1).
واصطلاحا: ما يرجع من أموال الكافرين إلى المسلمين بدون قتال ولا ركوب خيل، وقد ذكره الله فى كتابه: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شىء قدير} الحشر:16، وذلك مثل الأموال المبعوثة مع رسول إلى إمام المسلمين، والأموال المأخوذة على موادعة أهل الحرب (2) والفرقي بينه وبين الغنيمة من جهتين:
1 - أن الغنيمة تكون بالحرب وإيجاف الخيل، والفىء يكون بدون ذلك.
2 - أن تقسيم الغنيمة يختلف عن تقسيم الفىء، مع أن الجميع من أموال الكافرين.
وقد شرعه الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته قال تعالى {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} الحشر:7، وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وكانت للنبى خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقى يجعله فى الكراع والسلاح.
وقد اختلف الفقهاء فى قسمة الفىء فقال قوم: أن الفىء لجميع المسلمين، الفقير والغنى، وإن الإمام يعطى منه للمقاتلة وللحكام وللولاة، وينفق منه فى النوائب التى تنوب المسلمين، كبناء القناطر وإصلاح المساجد، وغيرذلك، ولا خمس فى شىء منه، وبه قال الجمهور-عدا الشافعى- وهو الثابت عن أبى بكر وعمر (4) وهذا هو المعنى العام للآية الكريمة، حيث بينت أنه لله وللرسول، فما لله فهو لمصالح المسلمين، وما للرسول فهو لنفقته صلى الله عليه وسلم فى حياته، ثم لمصالح المسلمين بعد مماته، وكذلك ذووا القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فلم يبق أحد من المسلمين إلا وله حق فى مال الفىء.
أما الشافعى فيرى أن الفىء يخمس أى يقسم على خمسة أسهم: سهم منها يقسم على المذكورين فى آية الفىء وهم أنفسهم المذكورون فى آية الغنيمة، وأربعة أخماس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتهاد الإمام بعده، ينفق منه على نفسه وعلى عياله ومن يري.
والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قول الشافعى فى القديم: أن الفىء لا يخمس وإنما كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكروا معه فى قوله {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان .. } الحشر:10.
فيكون عاما لجميع المسلمين بناء على اجتهاد الإمام، قال ابن المنذر: ولا نحفظ من أحد قبل الشافعى فى الفىء الخمس كخمس الغنيمة (5) وقد روى أن عمر لما قرأ آية الفىء قال: "استوعبت هذه الآية الناس، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال حق" (6).
وعلى قول الشافعى يقسم الفىء على خمسة أسهم:
الأول: لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله وما فضله جعله فى سائر المصالح.
الثانى: لذوى القربى (بنى هاشم وبنى المطلب).
الثالث: لليتامى.
الرابع: للمساكين.
الخامس: لأبناء السبيل.
والأخماس الأربعة الباقية بعد تقسيم الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى حياته، ولمصالح المسلمين بعد مماته توضع فى بيت المال ويصرف فى مصالح العامة. (7).
والخلاف بين الشافعى والجمهور بسيط لأن كليهما يعود إلى مصالح المسلمين فى حياته وبعد مماته صلى الله عليه وسلم كما رأينا.
وقد ذكر البهوتى من الحنابلة ما يؤكد ذلك فى بيانه لمعنى الفىء وموارده ومصارفه فى الفقرة التالية:
وموارد الفىء عديدة منها:
1 - ما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب كما سبق.
2 - الجزية.
3 - الخراج.
4 - زكاة نصارى تغلب.
5 - عشر مال تجارة الحربى.
6 - نصف العشر من تجارة الذمى.
7 - ما تركه الكافرون فزعا وهربا.
8 - خمس خمس الغنائم.
9 - مال من مات منهم ولا وارث له.
10 - مال المرتد إذا مات على ردته.
ويصرف كل ذلك الفىء فى مصالح المسلمين للآيتين، ولهذا لما قرأ عمر الآيات (7 - 10) من سورة الحشرقال: "هذه استوعبت المسلمين"، وقال: أيضا "ما من أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال نصيب إلا العبيد".
وذكر أحمد الفىء فقال: فيه حق لكل المسلمين، وهو بين الغنى والفقير، ولأن المصالح نفعها عام، والحاجة داعية إلى فعلها تحصيلا لها، ويبدأ بالأهم فالأهم من المصالح العامة (8).
أ. د/محمد نبيل غنايم
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط2،1973م، القاهرة، 2/ 706.
2 - بداية المجتهد، ابن رشد، دار ابن حزم، ط1، بيروت 2/ 776.
3 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة، 5/ 217.
4 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد، دار ابن حزم، 1995، بيروت، 2/ 706.
5 - الموسوعة الفقهية، دار الصفوة، ط1، 1995، القاهره 32/ 230.
6 - المصدر السابق 32/ 231.
7 - الأم، الشافعى، دار الفكر، بيروت 1990م، 4/ 146، 160،162.
8 - كشاف القناع البهوتى، دار الفكر، بيروت 1982، 3/ 100 بتصرف يسير.
مراجع الاستزادة:
1 - فتح القدير، الكمال بن الهمام، دار الفكر، ط2، بيروت 1977 م.
2 - فتح القدير، الشوكانى، دار إحياء التراث العربى، بيروت(1/510)
1 - القافية
اصطلاحاً: هى الحروف التى تبدأ بمتحرك قبل أول ساكنين فى آخر البيت الشعرى وهى إما بعض كلمة أو كلمه، أو كلمة وبعض أخرى أو كلمتان.
علم القافية: هو علم يعرف به أواخر الأبيات الشعرية من حيث ما يعرض لها من حركة وسكون، ولزوم وجواز، وفصيح وقبيح. فهذا العلم يبحث فى حروف القافية وحركاتها، وما يجب لها من لوازم، وما يعرض لها من عيوب.
وقد يتبادر إلى الذهن أن الخليل بن أحمد هو واضع علم القافية كما يعتقد الكثيرون وصرح به بعضهم لكن الصحيح أن علم القافية معروف لدى العرب من قديم الزمان ومنذ العصر الجاهلى.
ووضع العلم يكون باختراع مصطلحاته وأسمائها وطريقته كما فعل الخليل بفن العَروض.
أما القافية فكانت جميع مصطلحاتها معروفة لدى العرب قبل الخليل بقرون.
قد تكون القافية كلمة مثل قول الخنساء:
يذكرنى طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس
فكلمة "شمس" هى القافية أو جزء من كلمة مثل "وانى" من قول شوقى:
دقات قلب المرء قائله له إن الحياة دقائق وثوانى
فالقافية هى "وانى" وهى جزء من كلمة "ثوانى"
وقد تجىء القافية كلمه وبعض أخرى مثل "ةَ الأمل " من قول الشاعر:
الجَد فى الجِد والحرمان فى الكسل فانصب تصب عن قريب غاية الأمل
* وقد تكون كلمتين مثل قول الشاعر:
أبشر بخير عاجل تنسى به ما قد مضى
فالقافية هى "قد مضى" وهى كلمتان.
أ. د/ محمد سلام
__________
المراجع
1 - أهدى سبيل إلى علمى الخليل- الأستاذ محمود مصطفى- الطبعة الحادية عشرة 1972م المكتبة التجارية- مكة المكرمة.
2 - مجلة الحضارةـ بحث عن القافية للدكتور محمد عبد المنعم خفاجى- مجلة علمية ثقافية محكمة تصدر عن دار رابطة الأدب الحديث، فبراير- مارس 1997م- 1417هـ.(1/511)
2 - القانون
اصطلاحاً: هو أحد ضوابط سلوك الإنسان فى حياته، وهو مع قواعد الدين والأخلاق يمثل منظومة لتحديد الحقوق وبيان الواجبات. لذا من المستقر عليه أن القانون يتكون من مجموعة من القواعد العامة المجردة التى تنظم العلاقات الاجتماعية، ولكنه يختلف عن القواعد الأخرى فى أنه ملزم أى يتعين على الأفراد أن ينفذوه، كذلك فإن الدولة تكفل هذا التنفيذ عن طريق جزاءات تفرضها على المخالف.
من هنا نجد أن القانون يتمثل فى قواعد ومبادئ، ومن صفات القاعدة: العموم والتجريد، بمعنى أنها تطبق على كل أفراد الجماعة دون تمييز بين فرد وآخر، كما تطبق على كافه الحالات التى تستدعى لحكمها دون فارق بين حالة وحالة أخرى.
والقانون يرتبط بالمجتمع، بل يرتبط بالسلوك الخارجى للفرد فى الجماعة، ولا يحاسب القانون على مشاعر كامنة فى النفس مهما كانت منحطة وإنما يحاسب على ما يخرج عن الإنسان من أعمال. لذا هو ينظم العلاقات الإجتماعية، ويضبط سلوك الإنسان فى علاقته بالآخرين حتى لا يعتدى أحد على أحد، ولا يظلم أحد أحداً.
ومن الملاحظ هنا أن دائرة ما ينظمه القانون من علاقات تضيق وتتسع وفقا لظروف الزمان والمكان، مع تطور ما يقدم بين الناس من علاقات. لم تعد دائرة العلاقات الإجتماعية كما كانت من قبل تقتصر على عمليات بيع وشراء محدودة وإنما اتسعت الدائرة، وصار الإنسان يمارس تصرفات يوميه، مع وسائل للنقل، ومع مصانع ومتاجر ضخمة ومع أناس من أجناس وجنسيات مختلفة، والقانون يحيط بكل هذه التصرفات ولحكمها مُطوراً لأساليب وتنظيمات تتفق معها. ومن ثم فهناك قانون للعلاقات الخارجية للدول، هو القانون الدولى- كان ينظم سلوك الحكام والملوك أساسا بقواعد تراعى أهميتهم عندما يتعاملون مع غيرهم ولكنه اتسع الآن لينظم البحار والمحيطات والفضاء والأجرام السماوية، وينظم كذلك قواعد المسئولية التى تتحملها الدول من جراء أى أفعال أخرى تصيب بها الغير. كذلك وجدت أجهزة ومنظمات دوليه تختص بتطبيق هذا القانون كالأمم المتحدة وما بها من جهاز تتفيذى هو مجلس الأمن، وجهاز تشريعى هو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجهاز قضائى هو محكمه العدل الدولية. أما ما يحكم العلاقات الداخلية للأفراد، فهو كمٌّ متنوع من القوانين يقف على رأسها القانون المدنى وهو الذى يحكم الفرد ويبين حقوقه وواجباته. نجد فى داخل هذا القانون تنظيماً للملكية، كيف تكتسب وما حقوق الفرد عليها، وكيفية التصرف فيها. ونجده يحكم مختلف العقود التى تتم بين الأشخاص كعقود العمل والإيجار والتأمين والبيع. وهناك القانون التجارى الذى يحكم علاقات التجار، وقواعد التجارة الداخلية والخارجية والأوراق التجارية والبنوك، إلى غير ذلك من أحكام. كما أن من فروع القانون كذلك ما يحكم علاقات الدولة كسلطة ذات سيادة بالأفراد، كالقانون الدستورى والقانون الإدارى والقانون الجنائى، والقانون المالى، وكل هذه الفروع يطلق عليها القانون العام، فى مقابل القانون الخاص والذى يدخل فى دائرته القانون المدنى والتجارى، والقوانين التى تنظم الأحوال الشخصية إلى غيرها.
وأهم صفه تميز القانون عن قواعد السلوك الأخرى كالعادة والأخلاق هى صفة الإلزام المقررة للقواعد والتى تكفلها الدولة بتوقيع جزاء مادى على من يخالف القاعدة. وهذا الجزاء يختلف باختلاف القاعدة التى تخالَف وتتدرج من عقوبة الإعدام التى تفرض على من يقتل نفسا إلى عقوبات المخالفة والتى تفرض غرامة مالية على المخالف. كذلك توجد جزاءات على من يخالف قواعد القانون الإدارى كالفصل من خدمة الحكومة أو الخصم من المرتب.
ويهمنا أن نشير هنا إلى أن الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامى قد تكفلا بالمهمة التى يقوم بها القانون فى النظم الحديثة. ويعالج الفقه الإسلامى كل أنواع البيوع التى عرفت بعد ذلك، كما يعالج العقود الأخرى بتفاصيل واسعة ولا يهمل الفقهاء التعرض لقواعد الملكية والعمل، وإنما يستعمل فقهاء الشريعة مصطلحات أخرى. فعلم السياسة الشرعية يتضمن كافة القواعد والنظم الخاصة بنظام الحكم- أى القواعد الدستورية والإدارية- كما أن الفقه يعالج القانون الجنائى فى فقه عميق يتصل بدراسة الحدود والتعازير. وهناك دراسات وافية عن مصادر إيرادات الدولة وقواعد إنفاقها أى القانون المالى، وهكذا نجد الإسلام عقيدة وشريعة.
ويستخدم مصطلح "القانون الإسلامى" فى الوقت الحاضر ليشمل التنظيمات التى يضعها الإسلام والفقه على الخصوص للمعاملات خاصة فى الأكاديميات والكليات والأماكن التى تدرس الشريعة فى العديد من البلاد الغربية.
أ. د/ جعفر عبد السلام
__________
المراجع
1 - المد خل لدراسة القانون السعودى- جعفر عبد السلام وعبد الناصر العطار وعمر مدنى- دار السعادة القاهرة 1975م.
2 - المدخل لدارسة القانون- حشمت أبو ستيت: دار النهضة القاهرة 1948م.
3 - نظرية القانون- عبد الفتاح عبد الباقى- القاهرة 1960م.
4 - المد خل لدارسة الفقه الإسلامى، محمد سلام مدكور- القاهرة 1958م.(1/512)
3 - القبض
اصطلاحاً: " القبض "- ويقابله " البسط " هما من مصطلحات الصوفية، وهما من " الأحوال " عندهم "والحال " هو معنى يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب ولا اكتساب- من طرب أو حزن أو بسط أو قبض أو شوق أو انزعاج- فالأحوال "مواهب " فى حين أن "المقامات " مكاسب- أى تحصل بالاكتساب. والفرق بين الأحوال والمقامات أن الأحوال صغيرة غير ثابتة، أما المقامات فهى مستقرة.، والقبض " يكون بعد ترقى العبد عن حال الخوف ".
كما أن "البسط " يكون بعد ترقى العبد عن حال "الرجاء".
"والخوف " والرجاء" إنما يتعلقان بالمستقبل، كالخوف من فوت ما يحب أو وقوع ما يكره-وكالرجاء فى الحصول على ما يحب والنجاة مما يكره.
أما " القبض والبسط " فيتعلقان بالوقت الحاضر؛ فصاحب القبض والبسط أسير لوقته الحاضر بوارد غلب عليه فى الحال. ويشبه "القبض " إلى حد ما، ما يعرف فى عصرنا هذا بـ "الاكتئاب"- إلا أنه قد يكون شاملاً لأن الوارد الذى نشأ عنه القبض قد استغرقه تماما؛ وقد يكون غير مستغرق له، فيعبر عنه بأنه "غير مستوف ". وكذلك البسط، فقد يكون "مبسوطا" منشرح الصدر بحيث لا يؤثر فيه شىء من الأشياء، وقد ينشرح صدره لبعض الأشياء دون بعض. وأحيانا لا يعرف سبب القبض؛ فيجد المرء فى قلبه قبضا لا يدرى ما هو سببه، وعليه حينئذ التسليم حتى يمضى ذلك الوقت؛ لأنه لو تكلف نفى هذا القبض بإرادته زاد فى قبضه، بل قد يعد ذلك منه سوء أدب، أما إذا استسلم لما حل به فعن قريب يزول القبض، فالله هو الذى "يقبض ويبسط".
وقد استعاذ شيوخ الصوفية من القبض والبسط- يروى عن "الجنيد" أنه كان يقول: "الخوف من الله يقبضنى، والرجاء فيه يبسطنى، والحقيقة تجمعنى، والحق يفرقنى- إذا قبضنى بالخوف أفنانى عنى، وإذا بسطنى بالرجاء ردّنى علىّ، وإذا جمعنى بالحقيقة أحضرنى، وإذا فرقنى بالحق أشهدنى غيرى، فغطأنى عنه؛ فهو تعالى فى ذلك كله محركى غير ممسكى، وموحشى غير مؤنسى، فأنا بحضورى أذوق طعم وجودى؛ فليته أفنانى عنى فمتعنى، أو غيبنى عنى فروّحنى.
أ. د/ صفوت حامد مبارك
__________
المراجع
1 - الرسالة القشيرية. للإمام القشيرى.
2 - الفتوحات المكية، لمحيى الدين بن عربى.
3 - التعريفات، للجرجانى ط الحلبى(1/513)
4 - القبة
لغة: مفرد قباب، وهى بناء مستدير، أو خيمة صغيرة أعلاها مستدير (كما في اللسان) (1).
واصطلاحا: عنصر إنشائى كروى يغطى مساحة معينة من المبنى ليزيد من ارتفاع فراغها الداخلى.
وقد ظهرت القبة فى المبانى قبلي ظهور الإسلام وبعده، كما ظهرت فى عمارة المسلمين وفى عمارة غير المسلمين، وهى ليست بالضرورة عنصرا مميزا فى العمارة الإسلامية على الرغم من انتشارها فى تراث هذه العمارة.
وقد اشتهرت العمارة البيزنطية باستعمال القباب فى تغطية مساحات كبيرة من المبانى ثم انتقل استعمالها الى العمارة الإسلامية فى تركيا والعراق ومصر والشام.
وتبنى القباب إما بالطوب اللبن أو الحجر أو بنظم الإنشاء الحديدية أو من الخرسانة المسلحة، ومنها ما هومسمط، ومنها ما تفتح فيها النوافذ للإنارة والتهوية.
وينتقل الشكل النصف كروى بالقبة إلى الشكل المربع عن طريق مثلثات كروية تعلوها مقرنصات جصية أو حجرية، وقد تتزايد هذه المقرنصات بإسراف فى بعض المبانى والقصورمثل قصرالحمراء بغرناطة، وقد تختفى كما فى بعض مساجد القاهرة.
وتتخذ القبة أشكالا مختلفة: منها ما هو تام التكور، ومنها ماهو مدبب، ومنها ما هو فى شكل بصلى كما فى العمارة الهندية، ومنها ما هو مخروطى الشكل.
وتزين القباب من الداخل والخارج فى بناء المساجد، وعادة ماتعلو القبة بيت الصلاة فى المساجد أو تعلو قاعات الاحتفالات الكبرى، وأشهر القباب فى تاريخ العمارة الإسلامية:
القبة الخضراء على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبة الصخرة عند المسجد الأقصى الذى بارك الله حوله.
وبناء القباب على الأضرحة والقبور يتنافى مع العقيدة الإسلامية باستثناء قبة المسجد النبوى الشريف.
د. م/عبدالباقى إبراهيم
__________
الهامش:
1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، ط3، مادة (قبب).
مراجع الإستزادة:
1 - مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، د/سعاد ماهر، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
2 - تطور القبة فى العمارة الإسلامية، كمال الدين سامح مجلة كلية الأداب، مج 12(1/514)
5 - القبلة
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامه قبلة. جهة. وأين جهتك؟.
واصطلاحا: التوجه إلى الكعبة فى الصلاة، لأن المسلمين يستقبلونها فى
صلاتهم (1). وقد جعل الله التوجه إليها شرطا يجب على المصلى الإتيان به وإلا بطلت صلاته قال تعالى {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} البقرة:144.
والحاضر بالمسجد الحرام يجب عليه أن يستقبل الكعبة ذاتها والذى يقيم بعيدا عنها عليه أن يستقبل جهتها لأن هذا هو المستطاع له، وقد يسر الله على عبادة كل ما يتصل بعبادتهم فعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وهذا بالنسبة لأهل المدينة ومن جرى مجراهم كأهل الشام والجزيرة والعراق.
وأما أهل مصر فقبلتهم بين الشرق والجنوب، وأما أهل اليمن فالمشرق عن يمين المصلى والمغرب عن يساره، وأهل الهند، المشرق يكون خلف المصلى والمغرب أمامه وهكذا، ويستعان فى معرفة الاتجاه نحو الكعبة فى كل مكان ببيت الإبرة (البوصلة)، وإذا لم يتمكن المصلى من تحديد الاتجاه
الصحيح نحو الكعبة بسبب غيم مثلا فعليه أن يسأل ويجتهد، فإذا فعل ذلك وأخطأ، فلا يعيد صلاته، وإذا تبين الخطأ أثناء الصلاة صار إلى الصواب وهو فى صلاته ولا يقطعها، فعن بن عمر رضى الله عنهما قال: بينما الناس بقباء فى صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ولا يسقط شرط استقبال القبلة الا فى الحالات الآتية:
1 - صلاة النفل للراكب فقبلته حيث اتجهت وسيلة سفره من دابة أو سيارة أو طائرة فعن عامر بن ربيعة قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته حيث توجهت به". رواه البخارى ومسلم، وزاد البخارى: يومى، والترمذى: ولم يكن يضيف فى المكتوبة وعن أحمد ومسلم والترمذى: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على
راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به، وفيه نزلت {فأينما
تولوا فثم وجه الله} البقرة:115.
2 - صلاة المكره والمريض والخائف، إذا عجروا عن استقبال القبلة لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا أمرتكم بأمرفأتوا منه ما استطعتم" وفى قوله تعالى {فإن خفتم فرجالا أوركبانا} البقرة:239.
قال ابن عمر رضى الله عنهما: مستقبلى القبلة، أوغيرمستقبلها. (رواه البخارى).
وإذا كان التوجه إلى القبلة يحقق للأمة هذا التوحد، فإنه يحقق لها. أيضا هذا التواصل مع أنبياء الله ورسله حيث كانوا يتوجهون إلى الكعبة المشرفة، ولذلك لما أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى بيت المقدس كان منه السمع والطاعة وكانت اختبارا للناس فى حسن الاستجابة لأمر الله عز وجل فى سائر الأحوال، وعلى السمع والطاعة من النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
كانت الرغبة مع الرجاء فى أن يحقق الله لهم التوجه إلى أول بيت وضع للناس، فاستجاب الله وحقق الرجاء، وأمر بالتوجه إلى القبلة التى يرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار الحال إلى ماحكاه ابن عباس، وذكره البغوى: "البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة أهل المشرق والمغرب" وهو قول مالك رحمه الله.
وفى الصحيحين عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان
يحب أن يوجه إلى الكعبة" فأنزل الله عز وجل: {نرى تقلب وجهك فى السماء} البقرة:144.
فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس {ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها} البقرة:142.
فقال الله تعالى {قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم} البقرة:142.
أ. د/محمد رأفت سعيد
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط مادة (قبل) 2/ 719.
مراجع الاستزادة:
1 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ط دار الكتب المجلد الأول.
2 - التفسير الكبير للرازى الجزء الرابع.
3 - المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية.
4 - فقه السنةالسيد سابق المجلد الأول.
5 - حدائق الأنوار. للشيبانى، القسم الثانى.
6 - مواهب الجليل من أدلة خليل، الجرء الأول(1/515)
6 - القَدْر
لغة: قَدْر الشىء مبلغه، وهو أن يكون مساوياً لغيره من غير زيادة ولا نقصان (1).
واصطلاحاً: التساوى فى المعيار الشرعى الموجب للماثلة صورة وهو الكيل والوزن.
قال الراغب: (2) القدر والتقدير تبين كمية الشىء، وقوله - صلى الله عليه وسلم - فى الهلال: (فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له) (رواه البخارى ومسلم) (3) أى قدروا عدد الشهر حتى تكملوا ثلاثين يوماً.
أحكام القدر:
1 - القدر المعفوُّ عنه من النجاسة:
رأى الحنفية أن قدر الدرهم وما دونه من النجاسة المغلظة: كالدم والبول والخمر ونحوها معفو عنه، وجازت الصلاة معه.
أما المالكية فيقولون: بالعفو عن قدر درهم من دم وقيح وصديد وسائر النجاسات، لأن الإنسان لا يخلو عنه.
أما الشافعية فقالوا: بالعفو عن اليسير من الدم والقيح ونحوهما مما يعسر الاحتراز عنه.
أما الحنابلة فيقولون: بأنه لا يعفى عن يسير النجاسة ولو لم يدركها الطرف، وإنما يعفى عن يسير الدم وما يتولد منه من القيح والصديد.
2 - قدر النصاب فى الزكاة وقدر الواجب فيها:
واختلف فى قدر النصاب فى أنواع الأموال التى تجب فيها الزكاة كنصاب زكاة الأنعام، ففى الإبل إذا بلغت خمساً: شاة، وفى البقر إذا بلغت ثلاثين: تبيع أو تبيعة، وفى الغنم إذا بلغت أربعين: شاة.
وفى زكاة الذهب إذا بلغ النصاب عشرين مثقالاً والفضة مائتى درهم فالمقدار الواجب فيهما ربع العشر، وعروض التجارة تقوم ثم تعامل معامله الذهب والفضة.
وفى زكاة الزروع والثمار إذا بلغت خمسة أوسق فيها العشر إن سقيت بغير كلفة ونصف العشر إن سقيت بكلفة.
3 - القدر من العلل الربوية:
اتفق الفقهاء على ثبوت الربا فى الأشياء الستة المنصوص عليها (4). فى حديث الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، والتمر بالتمر مثلاً بمثل، والبُر بالبُر مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل، والشعير بالشعير مثلاً بمثل (رواه مسلم).
كما اتفق فقهاء الأمصار على أن حكم الربا غير مقصور على الأشياء الستة وأن فيها معنى ويتعدى الحكم بذلك المعنى إلى غيرها من الأموال.
واتفقوا على أن علة الذهب والفضة واحدة، وعله الأعيان الأربعة واحدة، ثم اختلفوا فى تلك العلة.
فذهب الحنفية إلى أن العلة هى الجنسية والقدر، عرفت الجنسية بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (التمر بالتمر والحنطة بالحنطة) (رواه مسلم).
وعرف القدر بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (مثلاً بمثل) ويعنى بالقدر الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن، فقد بين أن العلة هى الكيل والوزن. وروى عن عبادة وأنس أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعا واحدا، وما كيل فمثل ذلك، فإذا اختلف النوعان فلا بأس به) ووجه التمسك به أنه عليه الصلاة والسلام رتب الحكم على الجنس والقدر، وهذا نص على أنهما علة الحكم، لما عرف أن ترتب الحكم على الاسم المشتق ينبئ عن علّيّه مأخذ الاشتقاق لذلك الحكم، فيكون تقديره: المكيل والموزون مثلاً بمثل بسبب الكيل أو الوزن مع الجنس، والذى يدل عليه حديث أبى سعيد وأبى هريرة: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلاً على خيبر فجاءهم بتمر جنيب. فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال إنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال: فلا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً وقال فى الميزان مثل ذلك) (رواه البخارى) (5) أى فى الموزون، إذ نفس الميزان ليس من أموال الربا، وهو أقوى حجة فى علّيّه القدر، وهو بعمومه يتناول الموزون كله الثمن والمطعوم وغيرهما (6).
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - المصباح المنير مادة (قد ر)، المغرب للمطرزى ص 373.
2 - المفردات فى غريب القرآن، للراغب الأصفهانى.
3 - فتح البارى، لابن حجر 4/ 119 وصحيح مسلم 2/ 950.
4 - المغنى، لابن قدامة 4/ 4 دار هجر القاهرة.
5 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى، لابن حجر 13/ 317.
6 - تبيين الحقائق 4/ 86.(1/516)
7 - القُدْرَة
لغة: اسم من قَدَرت على الشىء أقدر- من باب ضرب- قويت عليه وتمكنت منه (1). والقدرة: صفة.
واصطلاحاً: هى الصفة التى تمكن الحى من الفعل وتركه بالإرادة (2). وقال الراغب: القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فَعْلِ شىء ما، وإذا وصف الله تعالى بها ففى نفى العجز عنه، ومحال أن يوصف غير الله تعالى بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظاً (3). فالقدرة صفة لله تعالى، إلا أن المعتزلة حرَّفت المعنى المفهوم من قوله تعالى:} والله على كل شىء قدير {(البقرة 284) فقالوا: إنه قادر على كل ما هو مقدور له، وأما نفس أفعال العباد، فلا يقدر عليها. وتنازعوا: هل يقدر على مثلها أم لا؟!
أما أهل السنة: فعندهم أن الله على كل شىء قدير، وكل ممكن فهو مندرج فى هذا، وأما المحال لذاته، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصور وجوده، وهذا الأصل هو الإيمان بربوبيته العامة التامة. فإنه لا يؤمن بأنه رب كل شىء إلا من آمن أنه قادر على تلك - الأشياء (4).
القدرة شرط التكليف: يقول الأصوليون: جواز التكليف مبنى على القدرة التى يوجد بها الفعل المأمور به، وهذا شرط فى أداء كل أمر، والأصل فى ذلك قوله تعالى:} لا يكلف الله نفس إلا وسعها {(البقرة 286). أى: طاقتها وقدرتها على أداء الأفعال. وبهذا فقد أُسْقِطَ التكليف عمن لا يقدر على الفعل ولا يطيقه، لأن الوسع هو دون الطاقة فلا يلزم استنفاد الجهد فى آداء الفرض مثل الشيخ الكبير الذى يشق عليه الصوم، وقد يؤدى به إلى ضرر يلحقه فى جسمه وإن لم يخش الموت بفعله.
وقد قسم الحنفية القدرة إلى قدرة ممكنة، وهى مفسرة بسلامة الآلات وصحة الأسباب، وإلى قدرة ميسرة، وهى التى يقدر بها الإنسان على الفعل مع يسر (5).
ما تتحقق به القدرة:
يختلف ما تتحقق به القدرة باختلاف التصرفات، سواء أكان ذلك فى العبادات أم فى المعاملات. فمقياس القدرة فى العبادات تقع فيما يلى:
1 - القدرة على الطهارة المائية: ذهب الفقهاء إلى أن الطهارة بالماء للوضوء أو الغسل تتحقق بما يأتى:
(أ) وجود الماء الكافى للطهارة والفائض عن الحاجة الضرورية وذلك لقوله تعالى:} فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيِّباً {(النساء43).
(ب) إمكان استعمال الماء بنفسه على وجه لا يضره أو استعماله بمساعد ولو بأجر كالعاجز إذا وجد من يوضئه بأجرة فيعتبر قادراً بقدرة الغير. ولذلك إذا لم يتحقق وجود الماء أو المستأجر فينتقل إلى التيمم (6).
2 - القدرة على أداء أركان الصلاة: ذهب الفقهاء إلى أنه تتحقق القدرة على أداء الصلاة بسلامة أعضاء البدن التى يتمكن بها المصلى من الإتيان بالأركان على الوجه الأكمل. وإلا فيعتبر قادراً بما يمكنه الإتيان به ولو بإيماءة برأسه، وذلك لأن الصلاة من العبادات التى لا تسقط عن المكلف إلا لمانع شرعى، كالحيض والجنون المطبق (7).
3 - القدرة على أداء الزكاة: وقد ذهب مالك والشافعى إلى أن القدرة على الأداء شرط لوجوب أداء الزكاة على الفور، وتتحقق هذه القدرة بحضور المال وحضور المستحقين. وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن القدرة على الأداء ليست شرطا لوجوبها، لأن الزكاة عبادة مالية فيثبت وجوبها فى الذمة مع عدم إمكان الأداء، كثبوت الدين فى ذمة المفلس.
4 - القدرة على أداء الحج: اتفق الفقهاء على أن من شروط وجوب الحج الاستطاعة لقوله تعالى:} لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا {(آل عمران 97). والاستطاعة: أى القدرة، وتتحقق بما يلى:
(أ) وجود الزاد والراحلة وهذا يحصل بوجود المال.
(ب) سلامة البدن من الأمراض والعاهات التى تعوق عن الحج، ويعتبر العاجز بنفسه قادراً بقدرة غيره.
(جـ) أمن الطريق، وذلك بأن يكون الإنسان آمنا على نفسه وماله.
(د) وجود محرم بالنسبة للمرأة أو رفقة مأمونة كما يقول بعض الفقهاء.
أما القدرة فى المعاملات فتقع فيما يلى:
1 - القدرة على تسليم المبيع: فذهب الفقهاء إلى أن القدرة على تسليم المبيع شرط من شروط صحة البيع ويتحقق ذلك بأن يكون الإنسان مالكا له متمكناً من التصرف فيه قادراً على تسليمه للمشترى.
2 - القدرة على استيفاء المنفعة فى الإجارة: ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط فى المنفعة لصحة الإجارة القدرة على استيفائها حقيقة أو شرعاً. وذلك بالتمكن فلا تصح إجارة الدابة الفارَّة.
3 - القدرة على أداء الدين: ذهب الفقهاء إلى وجوب أداء الدين عند القدرة على الأداء لقوله تعالى:
} فليؤد الذى أؤتمن أمانته وليتق الله ربه {(البقرة 283). فإذا كان الدين حالا فإنه يجب أداؤه على الفور عند طلبه، أما إذا كان دينا مؤجلاً، فلا يجب أداؤه قبل حلول الأجل.
4 - القدرة على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: فالقدرة أصل تكون فى النفس، وتكون فى البدن، إن احتاج إلى النهى عن المنكر بيده.
5 - القدرة على المحارب: والمحاربون المفسدون فى الأرض جزاؤهم فى قوله تعالى:} إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض {(المائدة 33). وهذه العقوبة ينفذها الحاكم إذا قدر عليهم، وتمكن منهم قبل أن يتوبوا ويأتوا معلنين توبتهم.
6 - القدرة على دفع الضرر عن الغير: فإذا أمكن إنقاذ شخص من الهلاك من جوع ونحوه؛ فإذا امتنع الإنسان عن بذل الطعام الزائد عن حاجته، أو امتنع عن إنقاذ الغريق ونحوه، فإنه يكون آثماً، وقد قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: " أيما رجل مات ضياعاً بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وذمة
رسوله " (8).
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - لسان العرب، لابن منظور مادة (قدرة).
2 - التعريفات، للجرجانى، والكليات، للكفوى 4/ 13.
3 - المفردات فى غريب القرآن، للراغب الأصفهانى.
4 - شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبى العز الدمشقى ص 117
5 - كشف الأسرار (1/ 192،193)، التلويح على التوضيح 1/ 198، ومسلم الثبوت 1/ 135،137. وأحكام القرآن للجصاص 1/ 537، 538.
6 - فتح القدير مع الكفاية والعناية 1/ 117 - 125، وحاشية ابن عابدين1/ 155 - 158،، وكشاف القناع 1/ 162 - 167.
7 - جواهر الإكليل 1/ 55، مغنى المحتاج 1/ 151 - 153.
8 - أورده الموصلى فى الاختيار 4/ 175 ولم يعزه إلى أى مصدر ولم نهتد إلى من أخرجه.(1/517)
8 - القِدَم
لغة: قدم القوم يقدمهم قدما وقدوما: سبقهم، قدم الشىء قدما وقدامة: مضى على وجوده زمن طويل فهو قديم. والقدم: اسم من القديم، يقال وكان ذلك قدما "، والقدم من أسماء الزمان. ومن أسماء الله تعالى المقدم: ومعناه هو الذى يقدم الأشياء ويضعها فى مواضعها فمن استحق التقديم قدمه. والقديم على الإطلاق الله عز وجل، والقدم: نقيض الحدوث. القدم والقدمة: السابقة فى الأمر، ففى التنزيل:} وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم {(يونس 2). أى سابق خير وأثرا حسنا. والقديم: ما توالت على وجوده الأزمنة ومنه قوله:} حتى عاد كالعرجون القديم {(يس 39).
واصطلاحاً: عند المتكلمين: يطلق على عدم أولية الوجود، والقديم: ما لا أول لوجوده أى أن وجوده أزلى لا بداية له، ولم يسبقه عدم، والقدم بهذا المعنى هو الثابت لله عز وجل.
والقدم من الصفات السلبية التى تسلب أى تنفى أى نقص لا يليق بذاته المقدسة، وهذه الصفات هى: "الوحدانية- القدم- البقاء- المخالفة للحوادث- القيام بالنفس". والقدم يعنى أنه سبحانه وتعالى لا أول لوجوده، وأن وجوده سبحانه ليس مسبوقا بشىء، بل ليس مسبوقا بالعدم ذاته، لأنه لو كان مسبوقا بعدم لكانت هناك بداية زمانية لوجوده، لكنه سبحانه قبل الزمان وما الزمان إلا بعض فعله وخلقه.
والقدم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
(أ) قدم زمانى؛ وهو وجود الشيء فى الزمن الممتد فى الأزل اللانهائى، وعلى توالى أزمنة وجود الشىء، فالقديم هو ما توالت على وجوده الأزمنة، وكر عليه الليل والنهار، ومنه قوله:} كالعرجون القديم {(يس 39). وبهذا الاعتبار يقال أساس قديم وبناء قديم.
وإطلاق القدم بهذا المعنى مستحيل فى حق الله تعالى لأن وجوده تعالى ليس زمانيا، ووجوده لم يتغير بالزمان كالحوادث. والزمان من صفات المحدث، فلو كان وجوده تعالى زمانيا لكان حادثا ضرورة.
(ب) قدم إضافى. أى قدم الشىء بالنسبة إلى شىء حادث آخر كقدم الأب بالنسبة للابن.
(جـ) قدم ذاتى، وهو عدم الاحتياج إلى الغير فى الوجود أو عدم افتتاح الوجود أو عدم الأولية للوجود وهو المراد هنا وهو الذى يصح وصف الله تعالى به، وبذلك يكون معنى القدم: عدم أولية الوجود، فوجوده سبحانه لا أول له أى لم يسبق وجوده بعدم، فالأول هو قبل كل شىء بلا بداية، والآخر هو بعد كل شىء بلا نهاية.
وقد ثبت بالدليل أن العالم كله، أرضه وما عليها، وسماءه وما فيها حادث ومخلوق وأنه محتاج إلى مُحْدِث وخالق، وخالق هذا العالم ومحدثه هو الله عز وجل.
وإذا كان ذلك كذلك فالله تعالى يجب أن يكون قديما، وقد ثبت ذلك بالعقل وبالنقل. فمن الأدلة النقلية:
1 - قوله تعالى:} هو الأول والآخر {(الحديد 3). فهو تعالى قبل- كل الأشياء بلا ابتداء، لأنه سبب كل شىء، وهو تعالى آخر كل شىء بلا انتهاء.
2 - وفى الحديث "كان الله ولا شىء معه " أى كان الله تعالى فى الأزل ولا شىء معه فى الأزل، إنه سبحانه وتعالى هو القديم ولا قديم غيره.
3 - روى البخارى فى صحيحه "كان الله ولم يكن شىء قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض، وكتب فى الذكر كل شىء".
4 - وعن أبى هريرة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: اللهم رب السموات والأرض .. اللهم أنت الأول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعدك شىء".
ومن الأدلة العقلية:
1 - ذلك أن الله تعالى لو لم يكن قديما بذاته لكان لوجوده بداية فيكون حادثا وموجودا من عدم، ولو كان حادثا لاحتاج إلى محدث موجد. هذا المحدث يحتاج هو الآخر إلى محدث. وهكذا حتى ينتهى العقل إلى وجود قديم أزلى هو الذى أحدث الكائنات وهو الله.
2 - أنه لو لم يكن قديما لكان حادثا، إذ لا واسطة بين القدم والحدوث فى حق كل موجود، لكن كونه تعالى حادثا محال. إذ لو كان حادثا لاحتاج إلى محدث، واحتياجه إلى محدث باطل، لأنه يؤدى إلى الدور والدور والتسلسل باطل. وإذن فهو تعالى لا يحتاج إلى محدث، وليس حادثا، وإنما هو قديم أزلى.
والدور هو توقف الشىء على ما يتوقف عليه الشىء وهو باطل بالبداهة لأنه يستلزم تقدم الشىء على نفسه بالوجود وهو محال.
3 - والعلم بثبوت هذين الوصفين: قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، مستقر فى الفطرة، فإن الموجودات لابد أن تنتهى إلى واجب الوجود لذاته، قطعا للتسلسل فإننا نشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك، وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة فإن الممتنع لا يوجد، ولا واجبة الوجود بنفسها فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم، وهذه كانت معدومة ثم وجدت فعدمها ينفى وجودها، ووجودها ينفى امتناعها؛ وما كان قابلا للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه} أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون {(الطور 35) أى أحدثوا من غير محدث أم أحدثوا أنفسهم؟ ومعلوم أن الشىء المحدث لا يوجد نفسه، فالممكن الذى ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجودا بنفسه، بل إن حصل ما يوجده، وإلا كان معدوما، وكل ما أمكن وجوده بدلا من عدمه، وعدمه بدلا من وجوده، فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له.
وقد أدخل المتكلمون فى أسماء الله تعالى القديم، وليس هو من الأسماء الحسنى فإن القديم فى لغة العرب التى نزل بها القرآن هو المتقدم على غيره فيقال: هو قديم للعتيق، وهو حديث للجديد، ولا يقال للعرجون "القديم " القديم حتى يبقى إلى حين وجود العرجون الثانى، فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم قال تعالى:} وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم {(الأحقاف11) أى متقدم فى الزمان. وأما إدخال القديم فى أسماء الله تعالى، فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف منهم ابن حزم. ولا ريب أنه كان مستعملا فى نفس التقدم فإن ما تقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره، ولكن أسماء الله تعالى هى الأسماء الحسنى التى تدل على خصوص ما يمدح به، والتقدم فى اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، فلا يكون من الأسماء الحسنى، وجاء الشرع باسمه الأول وهو أحسن من القديم. والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - لسان العرب- ابن منظور 12/ 465 وما بعدها، المعجم الوسيط 2/ 747.
2 - نظرات فى علم الكلام د/ أحمد عبد الخالق ص 52 4 دار الهدى 1982م.
3 - الاقتصاد فى الاعتقاد، للغزالى- تحقيق د/ عبد العزيز سيف النصر ص 102.
4 - المنهج الجديد فى شرح جوهرة عقيدة التوحيد- ص 172.
5 - المنهج الأسمى فى العقائد والأخلاق د/ عبد العزيز سيف النصر ص 61 - 62.
6 - شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبى العز الدمشقى- تحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركى، وشعيب الأرنؤوط 4 ص 75 - 78.
7 - دراسات فى العقيدة الإسلامية والأخلاق د/ عبد المعطى بيومى وأخرون.
8 - فى العقيدة الإسلامية والأخلاق د/ محيى الدين أحمد الصافى وأخرون، ص 34.
9 - رسالة التوحيد للشيخ: محمد عبده ص27 مطبعة محمد على صبيح 1966م.(1/518)
9 - القذف
لغة: الرمى مطلقا، فيقال: قذف بالحجارة قذفا من باب ضرب أى رمى بها، وقذف المحصنة قذفا: رماها بالفاحشة، والقذيفة: القبيحة وهى الشتم. (1).
واصطلاحا: هو الرمى بزنا أو لواط أو شهادة بأحدهما عليه ولم تكمل البينة (2).
واتفق الفقهاء (3) على أن قذف المحصن والمحصنة حرام شرعا، وأنه من الكبائر، والأصل فى تحريمه الكتاب والسنة.
فأما الكتاب فآيات كثيرة منها قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم
يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} النور:4.
وأما السنة فيما رواه أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قال يا رسول الله: وما هن؟ قال: ...... وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" (4) فأمر الرسول باجتنابه واعتباره من الكبائر، وتشديد العقوبة عليه كما فى الآية المطهرة دليل تحريمه.
والقذف على ثلاثة أضرب: صريح وكناية وتعريض، وذلك لأن اللفظ الذى يقع به القذف إما أن يدل بوضعه عليه دون احتمال لمعنى آخر غيره، فهذا هو الصريح، وإما أن يدل بوضعه على القذف مع احتمال لمعنى آخر غيره فهذا هو الكناية، وإما أن لا يدل بوضعه على القذف وإنما يفيد ذلك بقرائن الأحوال، فهذا هو التعريض. (5).
واتفق الفقهاء على وجوب حد القذف بصريح الزنا.
أما فى القذف بلفظ كنائى: كقوله يا فاجر أويا خبيثة فقد اختلف الفقهاء فى موجبه، فذهب الحنفية ورواية عن الإمام أحمد إلى أنه لا يجب به الحد. وذهب المالكية والرواية الثانية عن أحمد، إلى أنه يجب الحد إذا فهم منه القذف، أو دلت القرائن على أن القاذف قصد منها القذف. وذهب الشافعى والخرقى من الحنابلة، وابن المنذر إلى أن القذف بالكناية يجب به الحد إن نوى القاذف بعبارته القذف.
وأما التعريض بالقذف - كأن يقول شخص لآخر ما أنا بزان فالفقهاء فى موجبه على قولين:
الأول: أن ذلك لا يعد قذفا ولا يجب به الحد، وبهذا قال الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد.
الثانى: أن ذلك يعد قذفا يجب به الحد، وإليه ذهب الإمام مالك ورواية عن أحمد. (6).
وإذا ثبت القذف فى حق شخص فإن القاذف يجب عليه حد القذف، وهو ثمانون جلدة إذا كان حرا. ولكن لا يطبق هذا الحد إلا إذا توافرت شروط وجوبه، وهى شروط فى القاذف، وشروط فى المقذوف. أما ما يشترط فى القاذف -فى الجملة- فهو البلوغ، والعقل، والاختيار. ويشترط فى المقذوف أن يكون محصنا، أى يشترط فيه البلوغ والعقل والإسلام والحرية والعفة عن الزنا. (7).
أ. د/محمد شامة
__________
الهامش:
1 - المصباح المنير للفيومى، لسان العرب لابن منظور، القاموس المحيط للفيروزآبادى، مادة "قذف".
2 - كشاف القناع عن متن الإقناع، ط المطبعة العامرة الطبعة الأولى 1319هـ، 4/ 62.
3 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم، ط المطبعة العلمية الطبعة الأولى 1311هـ، 5/ 31. حاشية البنانى على شرح الزرقانى للشيخ محمد البنانى ط المطبعة البهية 1307هـ 8/ 58. المهذب للشيرازى ط مصطفى البابى الحلبى 1343هـ، 2/ 289، كشاف القناع 4/ 62.
4 - الحديث متفق عليه. نيل الأوطار للشوكانى، ط دار الحديث 7/ 252.
5 - مغنى المحتاج ط مصطفى الحلبى 1352هـ، 3/ 369.
6 - يراجع فى مواطن الاتفاق والاختلاف بدائع الصنائع للكاسانى، ط مطبعة الإمام، 7/ 42، 43. حاشية الدسوقى على الشرح الكبير، ط دار إحياء الكتب العربية، 4/ 330 مغنى المحتاج 3/ 368، كشاف القناع 4/ 66، 67، المغنى لابن قدامة مع الشرح الكبير ط مطبعة المنار بمصر ط1 1348هـ، 10/ 212 - 213.
7 - يراجع ذلك فى المراجع السابقة، ففيها تفصيل شاف لسائر أحكام القذف لمن أراد الاستزادة(1/519)
10 - القراءات
لغة: جمع قراءة، وهى مصدر سماعى لقرأ كما فى اللسان. (1) ويراد بها الفعل الذى يفعله القارئ (2) ويراد بها الأثر المترتبه على الفعل، وهو الحروف والكلمات بمعانيها، وهو المقروء، وهما متلازمان.
والمقروء هو القرآن إذا كان القارئ ينطق بكلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فحينئذ تكون القراءة والمقروء والقرآن شيئا واحد (3).
واصطلاحا: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراءة مخالفا به غيره فى النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة فى نطق الحروف أم فى نطق هيئاتها. (4).
وتذكر القراءة والرواية والطريق والوجه، فيراد بالقراءة ما ينسب إلى إمام من السبعة أو العشرة أو الأربعة عشرة أو غيرهم كفتح سين {مرساها} هود:41، لعاصم، والرواية: ما ينسب إلى الراوى عند الإمام كإمالة {مجراها} هود:41، لحفص عن عاصم، والطريق ما ينسبه إلى من دون الراوى كإدغام {إركب معنا} هود:42، من طريق الشاطبية، أو للهاشمى عن حفص عن عاصم (5)، أما الوجه فلا ينسب إلى أحد، إذ هو مخير فيه عند الجميع، كالوقف على {نستعين} الفاتحة:5، بالسكون، أو الروم وهو الإتيان ببعض الحركة، أو الإشمام وهو هنا الإشارة إلى ضمة النون بضم الشفتين من غير صوت. (6).
وإضافة القراءات إلى الشخص إضافة ملازمة واعتناء واختيار من بين القراءات الواردة، حسب ظروفه لا لأنه اخترعها. (7).
وقولهم: قراءة النبى صلى الله عليه وسلم يعنون أن أهل الحديث نقلوها عنه ولم يدونها القراء من طرقهم، وهو اصطلاح للمفسرين ومن تبعهم، وإلا فجميع القراءات المعمول بها قراءة النبى صلى الله عليه وسلم.
وقراءات القرآن: مركب إضافى، والغريب فيه أنه من إضافة الأجزاء المخصوصة إلى الكل. (8).
وقد ظهرت القراءات بعد الهجرة بظهور الأحرف السبعة التى نزل القرآن عليها، إذ هى فروع من الأحرف. وزاد عدد الفروع عن الأحرف لأمرين.
الأول: أن الأحرف كانت تتيح سبع ختمات، ثم تداخلت إذ جاز أن تقرأ سورة البقرة مثلا على حرف وبقية الختمة على غيره، لقوله صلى الله عليه وسلم (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) (9) فنتجت ختمة ثامنة بقراءة ليست على حرف واحد من السبعة ولا خارجة عنها إلى حرف ثامن، وعلى هذا النحو من التركيب الجائز واختلاف مواضعه فى القرآن تكثر القراءات.
الأمر الثانى: أن الأحرف السبعة لغات سبع، واللغة الواحدة تسمح بنطقين أو أكثر فى اللفظ، فتكون القراءات أكثر عددا من اللغات، مثال ذلك لفظ (جبريل) قرئ فى العشر بكسر الجيم والراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم وكسر الراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة وياء مد، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة غير ممدودة.
فالقراءتان الأوليان على لغة لا تهمز كأهل الحجاز، والأخريان على لغة
تهمز كتميم.
والقراءات توقيفية تلقينا أو إذنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى: {وهذا لسان عربى مبين} النحل:103. مع ما عرف من أن لسان العرب نهج منهج تعدد وجوه النطق، وهو مناهج البيان العربى، وبيان القرآن معجز، وقراءاته من محاسن وجوه إعجازه.
ومنها: أن أسانيد القراء على اختلاف قراءاتهم متصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتفصيلها فى الكتب المختصة.
ومنها الأحاديثه المروية فى نحو كتاب المستدرك للحاكم المتضمنة لقراءاته صلى الله عليه وسلم {مالك} بالألف الفاتحة:4، و {ملك} بدونها (10) {وما كان لنبى أن يغل} آل عمران:161، بفتح الياء وضم الغين، وبضم
الياء وفتح الغين {إنه عمل غير صالح} هود:46 (عمل) بفتح الميم والتنوين والرفع، (غير) بالرفع، و (عمل) بفتح اللام وكسر الميم فعلا ماضيا، و (غير) بالنصب (11) و {أيحسب} البلد:5،7 بفتح السين وكسرها، وتواتر فى الأحاديث قراءة البسملة فى الصلاة، وتواتر ترك قراءتها أيضا.
ومنها إجماع أئمة الدين على أن الله تعالى أباح للصحابة رضى الله عنهم القراءة على لغتهم بشرط الأخذ عن النبى صلى الله عليه وسلم ومنها العقل، فإن الضرورة قاضية بقراءة لتبليغ القرآن، ولو كانت واحدة وما عداها ليس من البلاغ النبوى لكانت ملتبسة علينا بغيرها، ومحال أن يلتبس لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بغيره والأمة أحرص ما تكون على متابعته حتى فى عادته التى لا يظهر لهم أن فيها تعبدا، مع خشيتهم الابتداع وائتمارهم بأن يقرءوا كما علموا، وتلاحيهم إذا سمعوا ما لم يسمعوه منه فالقراءات المعمول بها متساوية وتوقيفية. (12).
وتنقسم القراءات -عموما- إلى متواترة، وشاذة. فالمتواترة هى القراءات المعمول بها من طرقها المعينة عن القراء العشرة، المعروفة فى الفن، والشاذة ما عداها فى الفن، والشاذة ما عداها.
أ. د/عبد الغفور محمود مصطفى
__________
الهامش:
1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، ط3، بيروت، مادة (قرأ).
2 - الاقتصاد للغزالى، طبعة السعادة، ط2، 1327هـ، ص52.
3 - القرآن والقراءات والأحرف السبعة، للدكتور عبد الغفور محمود مصطفى، ط1 1997 م، صفحات متفرقة.
4 - مناهل العرفان للزرقانى، عيسى الحلبى، ط2، 1/ 405.
5 - راجع صريح النص للضباع.
6 - راجع نهاية القول المفيد فى علم التجويد، للشيخ محمد مكى نصر.
7 - القرآن والقراءات ص146.
8 - السابق 204.
9 - صحيح البخارى، كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف.
10 - سنن الترمذى وعارضة الأحوذى. لابن العربى، 11/ 51 - 52، والمصاحف 92، 95. عن أنس وأم سلمة.
11 - تحفة الأحوذى.
12 - تنوير الأذهان. للشيخ محمد زكى الدين محمد سند، ط المحروسة سنة 1310هـ، ص24(1/520)
11 - القرآن الكريم
لغة: مصدر للفعل "قرأ" بمعنى تلا، ثم نقل من هذا المعنى المصدرى وجعل اسما لكلام الله تعالى.
واصطلاحا: هو كلام الله تعالى المعجز المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب فى المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته.
وللقرآن الكريم أسماء كثيرة من أشهرها:
(أ) الفرقان: وسمى بذلك لتفرقته بين الحق والباطل، قال تعالى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نديرا} الفرقان:1.
(ب) الكتاب: كما فى قوله تعالى {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} الكهف:1.
(ج) الذكر: كما فى قوله عز وجل {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} الزخرف:44.
(د) التنزيل: كما فى قوله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح
الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربى مبين} الشعراء:192 - 195.
هذه أشهر أسماء القرآن الكريم، وقد ذكر له بعض العلماء أسماء أخرى إلا أنها فى الحقيقة صفات للقرآن الكريم وليست أسماء له.
وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لمقاصد سامية من أهمها:
(أ) المقصد الأول، أن يكون هداية للناس، يهديهم إلى ما يسعدهم فى دنياهم وفى آخرتهم.
وتمتاز هداية القرآن بتمامها وعمومها ووضوحها:
تمتاز بتمامها لأنها اشتملت على جميع ما تحتاج إليه البشرية فى عقائدها وعباداتها ومعاملاتها، وسلوكها، وآدابها، وأخلاقها، ومطالبها الروحية والمادية.
وتمتاز بعمومها، لأنها شملت الإنس والجن فى كل زمان ومكان، لأن رسالة النبى صلى الله عليه وسلم الذى نزل القرآن على قلبه من ربه كانت رحمة للعالمين.
وتمتاز بوضوحها، حيث يدركها الإنسان الذى رسخ فى ألوان العلوم والمعارف، كما يدرك منها الأمى الذى لا يعرف القراءة والكتابة ما ينفعه ويصلحه.
(ب) المقصد الثانى: الذى من أجله أنزل الله تعالى القرآن الكريم أن يكون معجزة ناطقة فى فم الدنيا بصدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه وشاهدة بأن هذا القرآن ليس من كلام مخلوق، وإنما هو من كلام الخالق عز وجل، والدليل الساطع على أن هذا القرآن هو المعجزة الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم التى تحدى الناس جميعا أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فنكصوا على أعقابهم وانقلبوا خاسرين. قال تعالى {وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} البقرة:23 - 24.
وإذا كانا العرب وهم أرسخ الناس قدما فى البلاغة والفصاحة والبيان، قد عجروا عن أن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم، فغيرهم أشد عجزا، ولو أن أحدا أتى بمثل سورة واحدة من القرآن، لنشرها أعداء الإسلام، ولكننا لم نقرأ ولم نسمع بأن أحدا قد أتى بمثل هذه السورة، ومادام الأمر كذلك، فقد ثبت أن هذا القرآن من عند الله: {ولو كان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} النساء:82.
(ج) المقصد الثالث: الذى من أجله أنزل الله القرآن الكريم، هو التقرب إليه سبحانه بتلاوته بمعنى أن قراءة القرآن، ترفع درجات المسلم، وتزيد فى ثوابه وفى تهذيب أخلاقه، وفى تنقية عقيدته وسلوكه ونطقه من كل ما لا يليق.
قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. يرجون تجارة لن تبور} فاطر:29.
وفى الصحيحين عن عاتشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به -أى: يقروه قراءة صحيحة- مع الكرام البررة والذى يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له آجران عند الله تعالى).
وفى صحيح البخارى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
والقول الصحيح: إن أول ما نزل من القرآن، هو صدر سورة "اقرأ" بدليل الأحاديث التى، وردت فى ذلك.
وأما آخر ما نزل من القرآن فهو قوله {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون} البقرة:281.
وهذا هو الرأى الراجح بين المحققين من لعلماء، لأن هذه الآية قد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته بتسع ليال، كما جاء فى بعض الروايات.
أما الآية التى يقول الله تعالى فيها: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة:3. فقد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فى حجة الوداع، وفى السنة لعاشرة من الهجرة، وكان نزولها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأكثر من شهرين. والمراد بإكمال الدين فى الآية الكريمة: إتمام النعمة، وإكمال تشريعاته التى تتعلق بالعبادات والمعاملات وغير ذلك من الأحكام.
ولاشك أن الإسلام فى حجة الوداع، كان قد ظهرتف شوكته، وعلت كلمته.
والقرآن ينقسم إلى مكى ومدنى:
فالقرآن المكى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ولو كان نزوله فى غير مكة.
والقرآن المدنى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة ولو كان نزوله فى غير المدينة.
والسور المكية الخالصة عددها اثنتان وثمانون سورة، والسور المدنية الخالصة عددها عشرون سورة، وهناك اثنتا عشرة سورة منها ما يغلب عليه النزول قبل الهجرة، وبذلك يكون عدد سور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة.
والسور المكية نراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة على وحدانية الله وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن يوم القيامة حق.
أما السور المدنية فنراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة التى تتعلق بسمو الشريعة الإسلامية، فى معاملاتها، وفى عباداتها، وفى تنظيمها للأسرة وللعلاقات بين المسلمين وغيرهم.
ومن المتفق عليه بين المسلمين أن نزول القرآن الكريم على النبى صلى الله عليه وسلم استغرق مدة تزيد على عشرين سنه، وقد ذكر العلماء
حكما وأسرارا لنزول القرآن مفرقا من أهمها:
1 - تثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم وتسليته عما أصابه من قومه عن طريق قصص الأنبياء السابقين.
2 - التدرج فى تربية الأمة دينيا وأخلاقيا وثقافيا واجتماعيا وعقليا.
3 - الإجابة على أسئلة السائلين الذين كانوا يسألون النبى صلى الله عليه وسلم أسئلة معينة، فينزل القرآن بالإجابة عليها.
4 - لفت أنظار المؤمنين إلى ما وقعوا فيه من أخطاء حتى لا يعودوا إليها مرة أخرى.
5 - تيسير حفظ القرآن فقد كان الصحابة كلما نزلت آية أو آيات حفظوها عن النبى صلى الله عليه وسلم.
وأكثر سور القرآن وآياته نزلت للهداية والسعادة الإنسانية فى حاضرها ومستقبلها، ومنه ما نزل لبيان ما هو حق فى أحداث خاصة حدثت بين المسلمين فيما بينهم، أو حدثت بينهم وبين غيرهم، كالآيات التى نزلت فى أعقاب حديث الإفك، الذى أشاعه المنافقون عن السيدة عائشة رضى الله عنها وكالآيات التى نزلت فى أعقاب ما حدث من حاطب بن أبى بلتعة عندما أخبر أهل مكة بأن المسلمين يعدون العدة لفتح مكة.
والتفسير معناه: التوضيح والتبيين لشىء يحتاج إلى ذلك، وقد عرف العلماء علم التفسير للقرآن: بأنه علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى فى كلامه بقدر الطاقة البشرية. ويعد علم التفسيرمن العلوم التى لايستغنى عنها، فعن طريقه يستطيع المسلم أن يعرف ما إشتمل عليه القرآن من هدايات وتوجيهات.
وكتب التفسير للقرآن الكريم كثيرة ومتنوعة، منها القديم ومنها الحديثه، ومنها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الوجيز، ومنها التفسير بالمأثور، كتفسير ابن جرير الطبرى المتوفى سنة 310هـ، وتفسير"الدر المنثور فى
التفسير بالمأثور" للسيوطى المتوفى سنة 911هـ، ومنها تفسير الإمام ابن كثير المتوفى سنة 774هـ، ومنها التفسير بالرأى: كتفسير "البيضاوى" وتفسير الفخر الرازى، وتفسير الكشاف، وتفسير الألوسى وغيرهم. ولكل تفسير من هذه التفاسير مزاياه التى قد لا توجد فى غيره.
أ. د/محمد سيد طنطاوى
__________
مراجع الاستزادة:
1 - البرهان فى علوم القرآن للإمام الزركشى.
2 - الإتقان فى علوم القرآن للإمام السيوطى.
3 - علوم القرآن والتفسير، د/عبدالله شحاته(1/521)
12 - القَرامِطة
القرامطة: فرقة من الشيعة الباطنية المتطرفة، كانوا يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض، وصرح أبو الفرج ابن الجوزى بأنهم فرقة من الزنادقة الملاحدة من الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادِشت ومَزْدَك. ويقال لهم: الإسماعيلية، لانتسابهم- كذباً- إلى إسماعيل بن جعفر الصادق (ت 143هـ/ 760 م). أما تسميتهم بالقرامطة، فهى نسبة إلى حمدان قِرْمِط بن الأشعث البقار، وهو رجل نشيط من دعاة الباطنية- كان فى مشْيِه قرمطة، أى تقارب خُطًى- وكان يعمل فرِّانا فى سواد الكوفة، وكان يدعو إلى إمام من أهل البيت! (1).
إن أول ظهور فعلى للقرامطة على مسرح الأحداث كان فى سنة 286 هـ/899 م، على يد أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى (2). الذى خرج إلى البحرين، فأقام بها تاجرا يبيع الطعام، وانضم إلى دعاة الشيعة بالقطيف وظهر بينهم، حتى تغلب على أمرهم، فاستجابوا له، والتفوا عليه، فصار أميرهم، وانتشر ذكره فى البحرين، وكثر أتباعه، وقويت شوكته جدا، ومن ثم أخذ يعيث فى الأرض فساداً، فقاد أتباعه للإغارة على بلاد هَجر سنة 287 هـ/900 م، فتغلبوا عليها جميعا، وقتلوا مالا يحصى من أهلها، وسَبَوْا، وأفسدوا، فجهز الخليفة إليهم جيشا كثيفا، فتمكن القرامطة من أسرهم جميعا، ثم قتلهم أبو سعيد، وأبقى على حياة قائدهم- العباس ابن عمرو الغَنوى- ثم أطلقه، وقال له: ارجع إلى صاحبك (الخليفة العباسى) فأخبره بما رأيت!؟ (وكان لهذه الوقعة صدى خطير لدى جمهور الناس؛ فهمَّ أهل البصرة بالجلاء عنها هلعا وفزعا من خطر القرامطة القريبين منهم، فهدّأ والى البصرة من روعهم، وقام بتحصين سور المدينة، وتقويته، فعدل الجنابى عن مهاجمتها (3).
استولى القرامطة على البحرين والأحساء، واتخذوا من هجر قاعدة لهجماتهم على بلاد الخلافة العباسية وقوافل الحجاج، وارتكبوا خلالها فظائع وشناعات روعت المسلمين ترويعا شديدا، ومنعت الكثيرين من أداء مناسك الحج فى بعض الأعوام خوفا من التعرض لهجمات القرامطة المفاجئة.
وعلى الرغم من القوة البادية للقرامطة، التى مكنتهم من هزيمة قوات الخلافة فى كثير من المواجهات التى وقعت بين الطرفين، وأتاحت لهم الاستيلاء على بعض البلاد العراقية والحجازية والشامية والمصرية، على الرغم من ذلك فإنه لم يكن للقرامطة دولة بالمعنى الدقيق، إنما كانوا قوة عسكرية غاشمة، تعتمد فى استمرار وجودها على تلك الغارات المباغتة التى تشنها على البلاد المجاورة، أو مهاجمة القوافل- وبخاصة قوافل الحجاج- وتحصل من هذه وتلك على الغنائم والأسلاب، فترجع بها إلى قواعدها فى البحرين والأحساء ومن ثم تساعدها على البقاء إلى حين (4).
وفى عامى 289، 290 هـ/902، 903م، ظهر القرامطة فى بلاد الشام تحت قيادة زكرَوَيه بن مِهْرَوَيْه واجتاحوا من تصدى لهم من قوات العباسيين والطولونيين، وعاثوا فيها فساداً، وقتلوا من أهلها مالا يُحصى كثرة، ونهبوا الأموال، وأحرقوا الديار والأثاث، ثم دارت الدائرة عليهم بعد ذلك حين انطلقت الجيوش العباسية من العراق لقتالهم بقيادة محمد بن سليمان الكاتب والحسين بن حمدان، فانهزم القرامطة، وقُتل منهم خلق كثير، وأُسِرَ عدد كبير، وفر هارباً من بقى منهم- وهم قليل- إلى قواعدهم فى شرق الجزيرة العربية. (5)
ظل أبو سعيد الجنابى على رأس القرامطة نحو خمسة عشر عاماً، حتى قتله خادم له سنة 301 هـ/913 م، فتولى أمرهم ولده: أبو طاهر سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابى، وامتدت ولايته عليهم إلى سنة 332 هـ/944 م. ويُعد أبو طاهر أقوى رؤساء القرامطة، وأطولهم عهداً، وأشدهم خطرا على الخلافة العباسية، وعلى المسلمين فى المنطقة عامة، وحجاج بيت الله الحرام على وجه الخصوص.
وحين آلت إليه قيادة القرامطة، كتب إليه الخليفة العباسى المقتدر رسالة رقيقة، ورغبه فى طاعته، وطلب منه إطلاق الأسرى الذين تحت يده، فأطلقهم، وأكرم رسل الخليفة (6).
وفى عام 311 هـ/923 م انقض القرامطة على مدينة البصرة فنهبوها، وسبوا أهلها، وطلب أبو طاهر الجنابى من الخليفة ضمها إلى ولايته هى والأهواز، فرفض ذلك الطلب، فأغار القرامطة فى العام التالى على الكوفة، واستباحوها ستة أيام، وحملوا ما استطاعوا من أموالها ومتاعها، وعادوا إلى بلادهم، فضج الناس فزعاً منهم، فسير إليهم الخليفة المقتدر جيشا كبيراً، فهزمه أبو طاهر وأتباعه وشتتوه، واستولوا على الرحبة والرقة فى شمال الشام (7).
وفى سنة 315 هـ/927 م، كانت جولة أخرى من القتال بين القرامطة وجيوش الخلافة العباسية انتصر فيها أبو طاهر ورجاله- وكانوا نحو ألفين وسبعمائة مقاتل- على القائد العباسى يوسف بن أبى الساج وعشرات الألوف من الجنود، فى معارك قرب الكوفة والأنبار، حتى اقتربوا من العاصمة بغداد، وقتل القرامطة يومئذ كثيرا من الجند وأسروا الألوف، حتى تعجب الخليفة المقتدر، حين بلغته أخبار هزيمة جيوشه فقال: لعن الله نيفاً وثمانين ألفا يعجزون عن ألفين وسبعمائة!! (8).
أما الذى لا يمكن أن ينساه المسلمون من جرائم أبى طاهر والقرامطة، فهو عدوانهم على بيت الله الحرام وحجاجه فى عام 317 هـ/929 م، حيث اقتحم مكة المكرمة فى سبعمائة من أتباعه، وأعمل القتل فى أهلها وفى الحجيج المحتشدين يوم السابع من ذى الحجة استعدادا للوقوف بعرفات وأداء المناسك، فقتلوا يومئذ نحو ثلاثين ألفا منهم، واقتحم المسجد الحرام، واقتلع الحجر الأسود وباب الكعبة، وأستارها، وردم بئر زمزم بجثث القتلى الذين سفك دماءهم فى المسجد، ووقف على عتبة باب الكعبة، وصاح منتشياً:
(أنا بالله، وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا)
ولم يتمكن أحد من أداء المناسك فى ذلك العام (ثم عاد القرامطة بعد ارتكابهم تلك المجزرة البشعة إلى بلادهم، وظل الحجر الأسود فى حوزتهم، حتى ردوه إلى الكعبة فى عام 339 هـ/ 951 م، وقالوا فى ذلك؟ أخذناه بأمر وأعدناه بأمر!، وهو كلام لا معنى له فى الحقيقة. (9)
ومنذ وفاة أبى طاهر فى عام 332 هـ/944 م، هدأ القرامطة، حتى تولى أمرهم الحسن بن أحمد بن بهرام المعروف بالحسن الأعصم فى سنة 350 هـ/961 م، حيث تجدد نشاطهم مرة أخرى، فاستولوا على بلاد الشام فى عام 357 هـ/968 م. وحتى ذلك التاريخ، كانت علاقات القرامطة بالفاطميين يسودها الود والصداقة فلما أصبح الفاطميون خلفاء مصر سنة 358 هـ/979 م، انقلب عليهم القرامطة، وبدأ صراع مسلح مرير بين الفريقين؛ فأرسل المعز لدين الله الفاطمى جيشا لإخراج القرامطة من الشام فى سنه 360 هـ/971 م بقيادة جعفر ابن فلاح، فهزمه القرامطة، وقُتل جعفر، وزحف الحسن الأعصم بقواته نحو مصر، وحاصر القاهرة عدة أشهر من عام 361 هـ/972 م، لكنه لم يستطع دخولها، فارتد عائداً إلى الشام، ومات بعدئذ فى مدينة الرملة سنة 366 هـ/976 م. (10)
وبعد وفاة الحسن الأعصم صار أمر القرامطة إلى مجلس يضم ستة من شيوخهم يسمى (مجلس الستة) وحينئذ كانت أحوالهم تتجه نحو الضعف والانحلال، ولم يعد يخشى بأسهم أحد، غير أنهم ظلوا مسيطرين على ما تحت أيديهم من بلاد البحرين والأحساء، حتى تلاشى أمرهم، وزالت دولتهم فى نحو عام 375 هـ/985 م. (11)
أ. د/ محمد جبر أبو سعدة
__________
المراجع
1 - الفَرْق بين الفِرِق عبد القاهر البغدادى: ص 169 وما يليها، ابن كثير: البداية والنهاية 14/ 635 - 636.
2 - نسبة إلى جَنابة، وهى بلدة صغيرة على ساحل بحر فارس. معجم البلدان لياقوت الحموى 2/ 192.
3 - تاريخ الأمم والملوك الطبرى: 10/ 75،77 - 78، ابن الأثير: الكامل 7/ 498 - 500، ابن كثير: البداية 14/ 689.
4 - الكامل، ابن الأثير: 7/ 511 - 512،523 530،541، 546، 548، 8/ 143،147،155،160 ومواضع غيرها.
5 - الكامل، ابن الأثير: 8/ 511 وما يليها، ابن كثير: البداية والنهاية 14/ 697.
6 - الكامل، ابن الأثير: 8/ 83 - 84، صلاح الدين الصفدى: الوافى بالوفيات 15/ 363 - 364.
7 - الكامل، ابن الأثير. 8/ 143 - 144، ابن كثير: البداية والنهاية 5/ 15.
8 - الكامل، ابن الأثير: 8/ 170 - 174 ابن كثير: البداية والنهاية15/ 26 - 27.
9 - الكامل، ابن الأثير:8/ 207 - 208 - 486 الذهبى: سير أعلام النبلاء، 15/ 220 - 323.
10 - وفيات الأعيان ابن خلكان:1/ 361،2/ 149، الذهبى: سير أعلام النبلاء16/ 274 - 275.
11 - الكامل، ابن الأثير:9/ 42 - 43.(1/522)
13 - القُرْب
لغة: قرّبه: أدناه،} واقترب الوعد {(الأنبياء97)، وتقارب. والقرابة: القرب فى الرحم، قرب الشىء قربا وقربانا: دنا فهو قريب. وتقرب إلى الله بشىء أى طلب به القربة عند الله تعالى. وقوله فى الحديث "سددوا وقاربوا ": أى اقتصدوا فى الأمور كلها، واتركوا الغلو فيها والتقصير، يقال قارب فلان فى أموره إذا اقتصد.
واصطلاحاً: القرب خلاف البعد. والقربة: ما يتقرب به إلى الله تعالى من أعمال البر.
وقد وردت مشتقات قرب فى القرآن بمعان متعددة منها:
اقترب فى قوله تعالى:} كلا لا تطعه واسجد واقترب {(العلق 19) بمعنى تقرب إلى ربك.
وقربات جمع قربة وهو ما يتقرب به إلى الله. وذلك فى قوله تعالى:} ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم {(التوبة 99). والله قريب أى عليم بأحوال عباده قال تعالى:} وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان {(البقرة 186).
والمقربون ذوو القرب والمكانة من الله قال تعالى:} لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون {(النساء 172) وقوله:} والسابقون السابقون. أولئك المقربون {(الواقعة 10،11)
وأول رتبة فى القرب القرب من طاعته، والاتصاف فى دوام الأوقات بعبادته. وفى الحديث القدسى الذى رواه البخارى "من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدى بشىء أحب إلىَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، ولئن سألنى لأعطينه، ولئن استعاذنى لأعيذنه ". فقرب العبد أولا قرب بإيمانه وتصديقه، ثم قرب بإحسانه وتحقيقه.
وقرب الحق سبحانه وتعالى، ما يخصه اليوم به من العرفان، وفى الآخرة ما يكرمه به من الشهود والعيان، وفيما بين ذلك من وجوه اللطف والامتنان، ولا يكون قرب العبد من الحق إلا ببعده عن الخلق، وهذه من صفات القلوب دون أحكام الظواهر والكون. وقرب الحق سبحانه بالعلم والقدرة عام للكافة، وباللطف والنصرة خاص بالمؤمنين، ثم بخصائص الأنس بالله مختص بالأولياء. قال تعالى:} ونحن أقرب إليه من حبل الوريد {(ق 16)
ومن تحقق بقرب الحق سبحانه وتعالى فأقله دوام مراقبته إياه؛ لأن عليه رقيب التقوى، ثم رقيب الحفظ والوفاء، ثم رقيب الحياء. ولقد قالوا: أوحشك الله من قربه آن من شهودك لقربه، فإن الاستئناس بقربه من سمات العزة،.
فأما القرب بالذات فتعالى الله الملك الحق عنه. فإنه متقدس عن الحدود، مسبوق به، جلت صمديته عن قبول الوصل والفصل. فقرب هو فى ذاته محال، وهو تدانى الذوات. وقرب هو واجب فى نعته؛ وهو قرب بالعلم والرؤية. وقرب هو جائز فى صفته، يخص به من يشاء من عباده، وهو قرب الفضل باللطف.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - لسان العرب ابن منظور 1/ 622 - 668، دار صادر، بيروت.
2 - دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدى، 7/ 734 وما بعدها.
3 - الرسالة القشيرية، للإمام القشيرى، 1/ 236 - 239 تحقيق د/ عبد الحليم محمود. ومحمود بن شريف، دار الكتب الحديثة
4 - معجم ألفاظ القرآن الكريم مجمع اللغة العربية.(1/523)
14 - القرض
لغة: ما تعطيه من المال لِتُقْضَاه، واستقرض منه طلب منه القرض فأقرضه واقترض منه القرض. (1)
وهو مصدر: قرض الشىء يقرضه إذا قطعه، وكأنه شىء قد قطعته من مالك.
واصطلاحا: دفع مال إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله (2).
ثبتت مشروعية القرض بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فبالآيات الكثيرة التى تحث على الإقراض، كقوله تعالى:} من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة {(البقرة 245).
وأما السنة: فما رواه أبو رافع - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضى الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا، فقال: أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء (3).
- وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على جواز القرض (4).
وقد شرع القرض لمراعاة مصالح الناس والتيسير عليهم فى القيام بصنائع المعروف، ولذا يحرم القرض إن لم يكن القصد منه عمل المعروف كتحقيق منفعة للمقرض مثلا.
ولا خلاف بين الفقهاء فى أن الأصل فى القرض فى حق المقرض أنه قربة من القرب لما فيه من إيصال النفع للمقترض، وقضاء حاجته وتفريج كربته وأن حكمه من حيث ذاته الندب، لكن قد يعرض له الوجوب أو الكراهة أو الحرمة أو الإباحة بحسب ما يلابسه أو يفضى إليه إذ للوسائل حكم المقاصد.
وبناء على ذلك: فإن كان المقترض مضطرا، والمقرض مليئا كان إقراضه واجبا، وإن علم المقرض أو غلب على ظنه أن المقترض يصرفه فى معصية أو مكروه كان حراما أو مكروها بحسب الحال لأنه إعانة على معصية ولو اقترض تاجر لا لحاجة، بل ليزيد فى تجارته طمعا فى الربح الحاصل منه كان إقراضه مباحا، حيث إنه لا يشتمل على تنفيس كربة، ليكون مطلوبا شرعا (5).
آما فى حق المقترض فالأصل فيه الإباحة، وذلك لمن علم من نفسه الوفاء بأن كان له مال مرتجى، وعزم على الوفاء منه وإلا لم يجز ما لم يكن مضطرا، فإن كان كذلك وجب فى حقه لدفع الضّر عن نفسه. ولو كان المقرض عالما بعدم قدرته على الوفاء وأعطاه فلا يحرم، لأن المنع كان لحقه وقد أسقط حقه بإعطائه مع علمه بحاله.
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - المصباح المنير2/ 498، مختار الصحاح ص 530
2 - حاشية ابن عابدين 4/ 171، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 3/ 222، تحفة المحتاج 5/ 36 كشاف القناع 3/ 298.
3 - أخرجه مسلم فى كتاب البيوع "باب جواز اقتراض الحيوان واستحباب توفيته خيرا مما عليه " صحيح مسلم بشرح النووى11/ 36.
4 - المغنى لابن قدامة 6/ 429.
5 - المبدع فى شرح المقنع 4/ 204، كشاف القناع 3/ 499، روضة الطالبين 4/ 32، مواهب الجليل 4/ 545(1/524)
15 - قريش
لغة: قرش الشىء، يقْرِشُه أى قطعه وجَمَعَه من ههنا وههنا، وضم بعضَه إلى بعض.
واصطلاحا: أشهر قبائل العرب العدنانية على الإطلاق وسميت هذه القبيلة العربية قريشاً لتجمعهم إلى الحرم المكى، وثمت روايات أخرى عن سبب هذه التسمية، وكلها تدور حول ذلك المعنى اللغوى. والنسبة إلى قريش: قريشى، وقرشى.
ويعرِّف بهم ابن حزم بقوله (وَلَدُ فهربن مالك هم قريش، لا قريش غيرهم، ولا يكون قريشى إلا منهم، ولا من ولد فهر أحد إلا قريشى). وينتمى فهرُ بنُ مالك إلى جده الأعلى (عدنان) على هذا النسق: فِهْر ابن مالك بن النَّضْر بن كِنانَة بن خُرَيْمة بن مُدْرِكة ابن إلياس بن مُضر بن نزار بن مِعَدّ بن عَدْنان.
ويرتبط ذكر قريش فى التاريخ، ومكانتهم بين العرب جميعا بمكة المكرمة، وبيت الله الحرام الذى يقدسه العرب، ويحجون إليه فى كل عام، غير أن هذا الذكر والمكانة إنما يرجعان إلى عهد قريب من ظهور الإسلام، أما قبل ذلك فلم يكن لقريش شأن يكاد يذكر. وفى هذا الصدد يذكر المؤرخون: أن قُصَىَّ بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤَىّ بن غالب بن فهر ... بن عدنان، قصى هذا هو الذى يرجع إليه الفضل فى ظهور قبيلة قريش على مسرح الأحداث فى مكة، واتجاه أنظار العرب إليها، وذلك حين تمكن من جمع شمل أبناء قبيلته وتوحيد صفوفهم، ومن ثم استطاع التغلب على قبيلة خزاعة بعد قتال عنيف، كان النصر فيه لقصى وقريش، ثم عُقد صلح بين الفريقين على أن يتولى قصى أمور مكة والبيت الحرام، فأصبح أول رجل من قريش يدين له أهل مكة جميعا بالسمع والطاعة؛ فتولى حجابة البيت، وسقاية الحجاج ورفادتهم، ورئاسة الندوة واللواء والقيادة، وكان ذلك التطور الكبير فى تاريخ مكة وقريش فى النصف الأول من القرن الخامس الميلادى، أى قبل ظهور الدعوة الإسلامية بما يزيد قليلا عن قرن ونصف قرن من الزمان.
لما استقر الأمر لقصى جمع قريشاً وأمرهم أن يبنوا دورهم داخل مكة إلى جوار الكعبة، بعد أن اتخذ لنفسه دار الندوة، وجعل بابها إلى البيت العتيق. وفى هذه الدار كان كبار رجال قريش يتبادلون الرأى فى أمور السلم والحرب، وفيها تُبرم عقود الزواج، وتُنجز المعاملات، ويرتبط بذلك أنه لا يدخل دار الندوة إلا الرجال الذين بلغوا سِنّ الأربعين، وهم بهذه المثابة يمثلون حكومة مكة، ولذلك التزم الناس بأوامرهم، كما صارت أوامر قصى بن كلاب مطاعة فيما بينهم.
وقبل وفاة زعيم مكة قام بتوزيع وظائف على أبنائه، فأعطى عبد الدار بن قصى حجابة البيت ودار الندوة واللواء، أما عبد مناف بن قصى فأعطاه السقاية والرفادة والقيادة، ونتيجة لذلك ظلت الأوضاع مستقرة بعد وفاة قصى، واستمرت قريش فى إدارة شئون مكة والبيت الحرام والقيام على خدمة الحجيج ورعايتهم.
لقد برز من خلفاء قصى العديد من رجال قريش الذين قاموا بأعمال مهمة أدت إلى ازدهار مكة، ورفعة شأن قبيلتهم بين العرب، ومن أشهرهم: هاشم بن عبد مناف بن قصى، الذى نجح فى عقد الإيلاف لقريش، وتوسيع نطاق التجارة المكية حيث أخرجها من الحدود المحلية إلى دائرة المجال الدولى؛ فأخذ الحلف من قيصر الروم لتجار قريش على أن يدخلوا الشام بتجارتهم ويعودوا منها آمنين، كما أنه هو الذى سَنّ لقريش رحلتى الشتاء إلى اليمن والحبشة، والصيف إلى الشام وغزة وآسيا الصغرى. وتولى بعد أبيه سقاية الحجاج وإطعام فقرائهم، وحفر عدة آبار جديدة ليرتفق بها أهل مكة وحجاج البيت. لقد كان اسمه عمر، ولكن غلب عليه لقب (هاشم)، لأنه هشم الثريد لقومه بمكة فى إحدى المجاعات. ومع هذه الأعمال جميعا فقد توفى شاباً وهو فى رحلة تجارية إلى غزة فى سنة 524 ميلادية تقريبا. واشتهر أخوه المطلب بن عبد مناف بن قصى بالنسك والنهى عن الظلم والعدوان، والحث علّى مكارم الأخلاق. وكانت وفاته باليمن.
أما عبد المطلب بن هاشم، فكان أحد وجهاء مكة، وأشهر زعماء قريش فى عصره، وهو الذى لم يرهب لقاء أبرهة الحبشى الذى زحف على رأس جيش قوى من اليمن إلى مكة ليهدم البيت الحرام، وقال له واثقا مطمئنا: إن للبيت ربّا يحميه!! وصدق عبد المطلب " فقد حمى الله بيته، ودمر جيش أبرهة، وسجل القرآن الكريم هذه الحادثة الخطيرة فى تاريخ مكة وقريش فى سورة الفيل، واشتهر عبد المطلب كذلك بالفياض لجوده وسخائه، وإكرامه حجاج بيت الله- على الرغم من أنه لم يكن أغنى رجال مكة، ولُقِّب شيبة الحمد لكثرة حمد الناس له. وهو الذى حفر بئر زمزم التى استغنى بها أهل مكة عن الآبار الأخرى لغزارة مائها ولطف مذاقها. وقد توفى عبد المطلب قبل الهجرة بنحو خمسة وأربعين عاماً (579 م).
ومن أبناء عبد المطلب المشهورين بين رجالات قريش: أبو طالب وشقيقه عبد الله (والد النبى محمد - صلى الله عليه وسلم -)، والعباس جد الخلفاء العباسيين، وحمزة أسد الله، الذى استشهد فى غزوة أحد سنة ثلاث هجرية (625 م).
أما أهم أسباب شهرة قبيلة قريش ومجدها المؤثل على مر التاريخ، فهو أن الله سبحانه قد شرفها ورفع ذكرها فى العالمين باختيار أحد أبنائها ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو: محمد - صلى الله عليه وسلم - بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى، الذى وُلد بمكة المكرمة فى عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وخمسين سنة (570 م)، وأوحى إليه وكلف بالرسالة حين بلغ الأربعين من عمره المبارك، ومن ثم أخذ يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ عبادة الأصنام السائدة بين قريش والعرب جميعا، فمنهم من آمن به وصدقه، ومنهم من كفر بدعوته وصد عنه. ولكن بعد جهاد عظيم وكفاح مرير، ومعاناة شديدة، وهجرة من مكة إلى يثرب (المدينة المنورة) تكللت جهوده وجهاده بانتصار الحق الذى جاء به ودعا إليه وانتشار دعوته (دعوة الإسلام) فى مكة وسائر أنحاء شبه الجزيرة العربية. ولم تصعد روحه الطاهرة إلى بارئها فى سنة إحدى عشرة للهجرة (632 م)، إلا بعد اكتمال الرسالة، وإتمام نعمة الإسلام عليه وعلّى أمته، فأصبح العرب جميعا يدينون بالإسلام، والحمد لله رب العالمين ...
أ. د/ محمد جبر أبو سعدة
__________
المراجع
1 - أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار- أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقى (ت نحو 250 هـ/864 م) بتحقيق رشدى الصالح ملحس- مطابع دار الثقافة- مكة المكرمة 1385 هـ/1965 م.
2 - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام- جواد على- دار العلم للملايين. بيروت 1980 م.
3 - جمهرة أنساب العرب لابن حزم بتحقيق عبد السلام محمد هارون. مطابع دار المعارف بمصر 1977 م
4 - الطبقات الكبرى، لابن سعد دار صادر بيروت 1388 هـ/1968 م.
5 - تاريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبرى بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- مطابع دار المعارف بمصر- 1396 هـ/1976م.
6 - القاموس المحيط، للفيروز آبادى مطابع مؤسسة الرسالة- بيروت 7 0 4 1 هـ/1987 م.
7 - السيرة النبوية، لابن هشام بتحقيق مصطفى السقا وآخرين. مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر 1375 هـ/1955 م.
8 - حياة محمد- محمد حسين هيكل مكتبة النهضة المصرية 1965 م.(1/525)
16 - القصد
لغة: استقامة الطريق، ومنه قوله تعالى:} وعلى الله قصد السبيل {(النحل 9) أى على الله تبين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة، وسفر قاصد: سهل قريب. والقصد: العدل. والقصد إتيان الشىء، تقول: قصد له وقصد إليه توجه إليه عامداً، وقصد فى النفقة لم يسرف ولم يقتر، وقصد فى الأمر: توسط لم يُفرِط ولم يُفرِّط، وقصد فى مشيه: اعتدل فيه (1)
واصطلاحاً: يطلق ويراد به أولا: توجه النفس إلى الشىء أو انبعاثها نحو ما تراه موافقا، وهو مرادف للنية (2).
فالقصد مرادف للنية، فالقصد يميز العبادة عن العادة كالجلوس للاعتكاف تارة، وللاستراحة تارة أخرى، أو تمييز رتبتها كالصلاة تكون للفرض تارة أو للنفل تارة أخرى، وشرطها إسلام الناوى وتمييزه وعلمه بالمنوى به. والإمساك عن الأكل قد يكون لعدم القدرة على الأكل، وتارة تركا للشهوات لله عز وجل، فيحتاج فى الصيام إلى نية يقصد بها تميز ذلك عن ذلك.
مما تدخل النية فيه والقصد مسائل الأيمان فلغو اليمين لا كفارة فيه، وهو ما يجرى على اللسان من غير قصد بالقلب البتة قال تعالى:} لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة {(المائدة 89) (3).
وأكثر استعمال القصد فى التعبير عن التوجه الإرادى (العملى) والتوجه الذهنى. فأما القصد الدال على التوجه الإرادى: فهو إما مشروع وإما هدف، فإن كان مشروعاً دل على مجرد العزم على الفعل والانبعاث نحوه. وإن كان هدفا دلّ على الغاية التى من أجلها حصل التوجه. فالنجار مثلاً يقصد صنع خزانة جميلة، وهذا مشروع، أو يقصد مع ذلك أن يشتهر ويكتسب ثقة الناس؛ وهذا هدف (4).
ويطلق اصطلاح اتجاه القصد على العمل الذى له جانبان أحدهما جميل، والآخر قبيح، والمسلم لا يرى أن المعاصى تؤثر فيها النية الحسنة فتنقلب طاعة، فالذى يغتاب شخصا لتطييب خاطر شخص آخر هو عاص لله تعالى آثم لا تنفعه نيته وقصده الحسن فى نظره، وكذلك الذى يبنى مسجدا بمال حرام لا يثاب عليه، بل يعاقب على هذا المال الحرام، فلا يكفى أن يكون القصد حسنآ، بل لابد آن يكون الفعل والعمل صالحا موافقا للشرع. (5)
فلابد من تقدير قيمة الفعل والعمل مع ملاحظة ناحيتين: إحداهما المبدأ الذى يوجه النفس إلى الشىء، والأخرى: الشروط الواقعية المحيطة بتنفيذ العمل.
وأما القصد الدال على التوجه الذهنى: فهو القصد الذى أشار إليه الفلاسفة المدرسيون فى القرون الوسطى، والفلاسفة الظواهريون والوجوديون فى العصور الحديثة.
فالفلاسفة المدرسيون يطلقون لفظ القصد على اتجاه الذهن نحو موضوع معين، ويسمّون إدراكه المباشر لهذا الموضوع بالقصد الأول، وتفكيره فى هذا الإدراك بالقصد الثانى.
والفلاسفة الظواهريون والوجوديون يطلقون لفظ القصد على تركيز الشعور فى بعض الظواهر النفسية، كالإدراك الحسى، والتخيل والذاكرة؛ لتفسيرها وتوضيح أسبابها فمعنى القصد عندهم قريب من معناه عند المدرسيين.
والقصدى هو المنسوب إلى القصد، ومنه الأنواع القصدية، وهى الأنواع المدركة بالحس، وهذا الإدراك عند الظواهرية لا يتم بتأثير العقل وحده، بل يتم بتأثير العاطفة والوجدان.
والانفعالية القصدية هى العواطف التى تتوجه إلى الشىء، وتعين على معرفته كالحب والبغضاء، فهما وسيلتان من وسائل المعرفة، كالإدراك والتذكر (6).
ثانيا: القصد أخلاقيا: يطلق ويراد به التوسط والاعتدال فى الأمور كلها.
فقد تضمن الإسلام طائفة من الإرشادات المتصلة بحياة المسلمين الخاصة، قصد بها إلى تنظيم شئونهم البدنية والنفسية، ووضعها على أساس كريم وهى آداب تتعلق بمطعم الإنسان وملبسه ومسكنه وسائر آماله التى يسعى إليها فى هذه الحياة، لا يجنح بها إلى الرهبانية المغرقة، ولا إلى المادية الجشعة، فهى تقوم على التوسط والاعتدال، ومن ثم فتنفيذها سهل قريب.
إن الإسلام يقرن بين مطالب الجسم والنفس فى تعاليمه، ويكف طغيان أحدهما على الأخر، ويرى فى تنسيق حاجاتهما عونا للمرء على أداء رسالته فى هذه الحياة وما بعدها.
فالإسلام يقسم آمال المؤمن ورغائبه على معاشه ومعاده، ويطلب الخير لنفسه فى يومه وغده. قال تعالى:} فمن الناس من يقول ربنا آتنا فى الدنيا وماله فى الآخرة من خلاق. ومنهم من يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أولئك لهم نصيب مما كسبوا {(البقرة 200 - 202).
وقد جاء فى النصح لقارون ما يؤكد العمل للحياتين معاً، فإن الدنيا وسيلة للآخرة، وصحة الوسيلة ضمان لنجاح المقصد. قال تعالى} وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك .. ! {(القصص 77).
إن التوسط لب الفضيلة، والتوسط والقصد أن تملك الحياة لتسخرها فى بلوغ المثل العليا، لا أن تملك الحياة فتسخرها لدنياها، ولا أن تحرم من الحياة أصلاً فتقعد ملوما محسوراً. وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " السمت الحسن والتؤدة- والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة" (رواه الترمذى). وقال تعالى:} واقصد فى مشيك {(لقمان 19) أى توسط واعتدل فى مشيك بين السرعة والبطء. (7)
ولنأخذ مثالاً من الأمور التى طلب الإسلام فيها القصد، مثال المأكل والمشرب فإن حال الإنسان فى مأكله ومشربه مطلوب منه الاعتدال والقصد والتوسط فلا يُفرط فى تناول الطعام والشراب ولا يُفرِّط، فإن الداعى إلى الطعام والشراب شيئان: حاجة ماسة، وشهوة باعثة، فالحاجة تدعو إلى ما سدَّ الجوع وسكَّن الظمأ، وهذا مندوب إليه عقلاً وشرعاً لما فيه من حفظ النفس وحراسة الجسد، ولذلك ورد الشرع بالنهى عن الوصال بين صوم اليومين، لأنه يضعف الجسد، ويمقت النفس، ويعجز عن العبادة. وأما شهوة الزيادة على قدر الحاجة والإكثار على مقدار الكفاية فهو ممنوع منه، فى العقل والشرع؛ لأنه تناول ما زاد على الكفاية فهو شَرَهٌ مضرّ (8). وقد روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن، صلبه فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه " (رواه ابن ماجه).
ولقد كان القصد فى الأمور والاعتدال فيها من صفة النبى - صلى الله عليه وسلم - فلم يقبل النبى - صلى الله عليه وسلم - موقف النفر الذى قال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أصلى ولا أنام، وقال الثالث: أنا أعتزل النساء، فبين رسول الله لهم أن ذلك يرفضه الإسلام ويأمر بالاعتدال والقصد فى الأشياء. فقال - صلى الله عليه وسلم - " أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى ".
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - لسان العرب- ابن منظور 353 - 354، دار صادر بيروت، والمعجم الوسيط 2/ 776 - دار المعارف ط3 القاهرة.
2 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا 2/ 193 الناشر الشركة العالمية للكتاب 1994 م
3 - جامع العلوم والحكم- لابن رجب 1/ 118 - 124 تحقيق د/ محمد الأحمدى أبو النور- طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
4 - المعجم الفلسفى 2/ 193.
5 - منهاج المسلم- أبو بكر جابر الجزائرى ص 84 - 86 - الناشر مكتبة الكليات الأزهرية ط3 القاهرة.
6 - المعجم الفلسفى 2/ 194.
7 - خلق المسلم- الشيخ محمد الغزالى ص 145 - 154 دار الدعوة ط 3. 1990 م.
8 - أدب الدنيا والدين للماوردى ص 337 مكتبة مصطفى البابى الحلبى ط 5 القاهرة 1986 م.(1/526)
17 - القصر
لغة: يدور حول معنيين: الحبس، وألا يبلغ الشىء مداه ونهايته، كما فى اللسان، ومن الأول قوله تعالى {وعندهم قاصرات الطرف عين} الصافات:48.
ومن الثانى: قوله تعالى {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} النساء:101، ودلالة القصر، والحصر، والاختصاص متقاربة.
واصطلاحا: دلالة: قريبة من معنى الحبس اللغوى، لأنه تخصيص شىء بشىء بطريقة مخصوصة.
فجملة القصر المكونة من موصوف وصفة، تنتظم حكمين، إثبات الحكم للمقصور عليه، ونفيه عن غيره، فهى تنحل إلى جملتين فى المعنى، وتغنى غناءهما، وتداخل النفى والإثبات فى القصر، يجعله مركزا ذا إشعاع
وظلال وقوة حسم لأنه من أقوى طرق التوكيد.
وينقسم القصر إلى:
أولا: القصر الحقيقى، والإضافى: وهذا التقسيم راجع إلى اعتقاد المتكلم، وواقعه النفسى وإلى الواقع الخارجى، فالقصر إثبات شىء لشىء لايتعداه إلى غيره، وهذا الغير المنفى: إذا كان عاما فى الواقع كان القصر حقيقيا وإن كان خاصا معينا كان قصرا إضافيا.
فالحقيقى كقوله تعالى {والهكم إله واحد لا إله إلا هو} البقرة:163.
بقصر الألوهية على الله تعالى، بمعنى نفى كل فرد من الآلهة ثم حصرذلك المعنى فيه تبارك وتعالى.
والقصر الإضافى: تخصيص شىء بشىء دون غيره أومكانه.
وينقسم الإضافى إلى قصر قلب، وإفراد وتعيين، حسب حال المخاطب واعتقاده.
فقصر القلب إنما يكون فى المتقابلات فى الصفات، والموصوفات: إذا كان المخاطب يعتقد عكس مايثبته المتكلم. كموقف المشركين من القرآن الكريم كما سجل القرآن على ألسنتهم قال تعالى {إن هذا إلا قول البشر} المدثر:25، وقوله: {إن هذا إلا أساطير الأولين} المؤمنون:83، وقوله تعالى {إن هذا إلا اختلاق} ص:7، دلالة الحيرة والاضطراب والكذب بأنه غير حق.
أما قصر الإفراد، فالمخاطب يعتقد إشتراك الموصوف فى صفتين أو قيام الصفة بموصوفين، فيكون أسلوب القصر إفرادا لأحدهما ونفيا للثانى، كقولة تعالى {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} الغاشية:21 - 22، والصفة المنفية الإكراه والإجبار.
وقصر التعيين حين يكون عند المخاطب إيهام وتردد كقولنا: إنما التحلل من القيم داء الأمم، لمن يسوى أو يتردد بين آثار التخلق بالقيم والتحلل منها.
ثانيا: وينقسم باعتبار الطرفين: إلى قصر صفة على موصوف، وقصر موصوف على صفة، والصفة مطلق المعنى القائم بالغير، وليس الصفة النحوية. والموصوف وما قام بنفسه، سواء كان ذاتا أو معنى موصوفا.
فمن قصرالصفة على الموصوف قوله تعالى {ياك نعبد وإياك نستعين} الفاتحة:5.
وهو قصر حقيقى إخلاصا فى العبادة، وطلب الإعانة.
ومن قصرالموصوف على الصفة قوله تعالى {وماتسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين} يوسف:104.
وهو قصر إضافى، أما قصر الموصوف على الصفة قصرا حقيقيا، دون غيرها من الصفات، فقالوا إنه لايكاد يوجد لتعذر الإحاطة بالصفات، إلا بضرب من المبالغة.
كقولك: ماشوقى إلا شاعر. فقد بلغ فى الشعر المدى حتى كأنه لاصفة له إلا الشعر، وهذا كثير فى اللغة والاستعمال البليغ وإثبات صفة. دون سواها، أو موصوف دون غيره فى القصر، إنما هو تحييد وتحديد يلتقط ما له خطر، ويدفع المنفى تمييزا وإظهارا للمعنى.
والطرفان من صفة أو موصوف قد يطول أحدهما استيفاء للمعنى وهو كثير فى القرآن الكريم قال تعالى {وماتكون فى شأن، وماتتلوا منه من قرآن ولاتعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} يونس:61.
وهو قصر لهذه الحالات الثلاث على كونها مشهودة مراقبة من الله تعالى غرسا للمراقبة فى أعماق الإنسان.
وطرق القصر كثيرة وهى الوسائل التى تحدث فى الأسلوب هذه الخصوصية، ومنها: ضمير الفصل كقوله تعالى عن المتقين {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} البقرة:5.
ومنها تعريف الطرفين كقوله تعالى {إننى أنا الله لا إله إلا أنا} طه:14.
وأشهر هذه الطرق أربعة:
1 - النفى والاستثناء ويكون غالبا فى المقامات القوية الجهيرة، كقوله تعالى {وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم} الحجر:21، والمقصور عليه: المؤخر.
2 - "إنما" -حملا على النفى والاستثناء- فى المقامات الجلية أو المنزلة منزلتها، وكثيرا ما تفيد التعريض -باقتضاء المقام- كقوله تعالى {إنما يستجيب الذين يسمعون} الأنعام:36 والمقصور عليه المؤخر.
3 - تقديم ماحقه التأخيركقول تعالى {لكم دينكم ولى دين} الكافرون:6.
وقوله تعالى {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير} الممتحنة:4.
والمقصورعليه المقدم.
4 - العطف ب "بل" ولكن و "لا"،ويشترط فى بل ولكن تقدم نفى، ومن شواهد هذا الطريق قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لاتشعرون} البقرة:154. وقول عز وجل {وماظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون} آل عمران:117، والواو لثانية لا تمنع القصر عند كثير من العلماء وتقول فى العطف بلا: شوقى شاعر لاخطيب.
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامة قبلة، جهة.
أ. د/صبّاح عبيد دراز
__________
مراجع الاستزادة:
1 - أساليب القصر فى القرآن الكريم. د/صباح دراز مطبعة الأمانة القاهرة ط1، 1406هـ-1986م.
2 - الإيضاح للخطيب القزوينى. دار الكتاب اللبنانى. ط5، 1403هـ 1986م.
3 - البحر المحيط لأبى حيان الأندلسى. دار الفكر. ط2، 1403هـ- 1983م.
4 - بغية الإيضاح، الشيخ عبد المتعال الصعيدى، المطبعة النموذجية.
5 - البلاغة تطور وتاريخ، د/شوقى ضيف. دار المعارف ط3 القاهرة ..
6 - دلائل الإعجاز. عبد القاهر الجرجانى. تحقيق محمود شاكر. مكتبة الخانجى. القاهرة.
7 - شروح التلخيص. ط عيسى الحلبى 1937م.
8 - من الإعجاز البلاغى للقرآن د/صباح دراز المكتبة التوفيقية ط1 القاهرة 1991 م.
9 - النبأ العظيم، أ. د/محمد عبدالله دراز، مطبعة السعادة ط1، 1960م(1/527)
18 - القصيدة
لغة: من القصد .. وهو الاستقامة، والعمد، والتوسط، والاعتدال والإصابة، والتنقيح، والتجويد، والتهذيب. (1)
واصطلاحا: مجموعة أبيات من بحر واحد، مستوية فى عدد الأجزاء وفى الأحكام اللازمة. (2) وبعبارة أخرى: القصيدة مجموعة من الأبيات الشعرية ترتبط بوزن واحد من الأوزان العربية، وتلتزم قافية واحدة. (3) وجمع القصيدة من الشعر القصيد، والقصائد .. قال ابن جنى: فإذا رأيت القصيدة الواحدة، قد وقع عليها القصيد بلا هاء .. فإنما ذلك لأنه وضع على الواحد اسم الجنس إتساعأ. (4)
وقيل: القصيد من الشعر ما تمَّ شطر أبياته، وفى التهذيب شطر أبنيته .. سمى بذلك لكماله، وصحة وزنه، وقال ابن جنى: سمى قصيدا .. لأنه قصد واعتمد، وإن كان ما قصر منه واضطرب بناؤه نحو الرمل والرجز شعرا مرادا مقصودا .. وذلك أن ما تم من الشعر وتوفر آثر عندهم، وأشد تقدما فى أنفسهم مما قصر واختل، فسموا ما طال ووفر قصيدا .. أى مرادا مقصودا. (5)
وقد اختلف فى عدد أبيات القصيدة .. فالأخنس أجاز تسمية ما كان على ثلاثة أبيات. أو خمسة أو عشرة قطعة .. فأما ما زاد على ذلك .. فإنما تسميه العرب قصيدة (6) .. وقيل: إذا بلغت الأبيات سبعة فهى قصيدة .. ولهذا كان الإيطاء بعد سبعة غير معيب عند أحد من الناس ... ومن الناس من لا يعد القصيدة إلا ما بلغ العشرة وجاوزها، ولو ببيت واحد .. ويستحسنون أن تكون القصيدة وترا .. وأن يتجاوز بها العقد، أو توقف دونه .. كل ذلك ليدلوا على قلة الكلفة، وإلقاء البال بالشعر. (7)
والقصيدة على أنواع منها:
1 - القصيدة العمودية: وهى التى تعتمد على وحدة الوزن والروى، وقد جاء عليها معظم الشعر العربى .. وثمة خصائص أسلوبية متعددة تميز هذه القصيدة. (8)
2 - القصيدة المثناة: وهى التى يجتمع فيها أكثر من ضرب من ضروب القافية. (9)
3 - قصيدة النثر: هى الكتابة التى لا تتقيد بوزن أو قافية .. وإنما تعتمد الإيقاع الداخلى .. والكلمة الموحية .. والصورة الشعرية .. وغالبا ما تكون الجمل فيها قصيرة، محكمة البناء، مكثفة الخيال.
وقد كانت بداية ظهور هذا النوع من القصائد فى الربع الأول من القرن العشرين .. عندما اعتمد جيران والريحانى فنَّا أدبيا يجعل النثر الفنى أسلوبا إلا أنه يتميز بعاطفة شعرية .. وخيال مجنح،
وقد كانا متأثرين بقراءتهما عن الأدب الغربى .. وقد سمى هذا النوع من الأدب الشعر المنثور .. وسماه ميخائيل نعيمة "الشعر المنثور " .. ثم جاءت مجلة "شعر" اللبنانية .. وأخذت تروج هذا الشكل الأدبى، وتطوره .. ولعل أول من بدأ بكتابة "قصيدة النثر" بشكل واضح ومميز الشاعر "أنسى الحاج " .. ثم جاء "أدونيس " و"يوسف الخال" و"شوقى أبو شقرا " و"عصام محفوظ " ورسخوا هذا الشكل الأدبى .. وكان "أدونيس " أول من اصطلح على تسمية هذا الشكل "قصيدة النثر" ودافع عنه فى كتابه "الثابت والمتحول " وكثير من الأدباء والنقاد يعتبرون هذا الشكل نثرا أدبيا. (10)
أ. د/ صفوت زيد
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط، مادة "قصد" مجمع اللغة العربية .. المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع إستانبول- تركيا بدون تاريخ .. وانظر أيضا: تاج العروس، مادة "قصد، للزبيدى تحقيق على شيرى- دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت طبعة 1994م
2 - الوافى فى علمى العروض والقوافى د. إبراهيم جادو ص6 الطبعة الثانية 1992م
3 - معجم مصطلحات العروض والقوافى د. محمد على الشوابكة صـ207. نشر جامعة مؤتة بالأردن دار البشير بعمان 1991م.
4 - تاج العروس. مادة قصد.
5 - السابق نفسه.
6 - السابق نفسه.
7 - العمدة فى محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن رشيق القيروانى 1/ 188 - 189 تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد- دار الجيل بيروت ط 5/ 1981م"
8 - معجم مصطلحات العروض والقافية ص208
9 - الشافى فى العروض والقوافى د. هاشم صالح مناع 274 - 275 دار الفكر العربى- بيروت- الطبعة الثالثة 1995م
10 - معجم مصطلحات العروض والقافية 9 0 2 - 211 وانظر: قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة 213 - 237 دار العلم للملايين- بيروت الطبعة السابعة 1983 م.(1/528)
19 - القضاء
لغة: القطع والفصل، يقال: قضى يقضى قضاء، فهو قاض إذا حكم وفصل، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: إلزام من له إلزام بحكم الشرع (2).
وقد ثبتت مشروعية القضاء بالكتاب والسنة والإجماع:
1 - قال تعالى: {ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} ص:26.
2 - وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم متوليا بنفسه أمر، القضاء بالوحى الإلهى، لأنه المبلغ عن الله عز وجل، فكان صلى الله عليه وسلم إذا جلس للقضاء يتمثل العدل فى أسمى وأجمل المظاهر، وكان القضاء منحصرا فيه دون غيره، ولكن عندما انتشر الإسلام كان مضطرا لتعيين القضاة، وقد ثبت أنه بعث سيدنا عليا وسيدنا معاذا إلى اليمن قاضيين (رواه أبوداود والترمذى) (3).
3 - ولما تولى سيدنا أبوبكر الخلافة تولى بنفسه السلطة الدينية والسياسية، وكان يرجع فى كل أموره إلى كتاب الله أوسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان يأخذ بالقياس، وإذا تعذر عليه الفصل فى المنازعة التى عرضت عليه، يجع إلى الشورى، وأخذ بها بعد عرض الأمر على أهل العقد والحل، كذلك كان يفعل عمر، مع تعيين القضاة فى سائر الأمصار الإسلامية لاتساعها، وكان يختار القضاة من حفظة القرآن الكريم ومن المعروفين بالورع والتقوى، ممن ضربوا أروع الأمثله فى العدل (4).
وقد شرع القضاء لأجل الفصل فى الخصومات، وإحقاق الحق، وإزهاق الباطل وإقامة العدل بين الناس، وهو ضرورة من الضروريات التى تحتاج الأمة إليها لعدم الاستغناء عنها، لأنه الوسيلة الوحيدة لرد النوائب، وقمع المظالم، ونصر المظلوم، وإنهاء الخصومات، ولذلك قال الفقهاء: يكره نحريما تقلد القضاء لمن يخاف الحيف فيه، بأن يظن أنه قد يجور فى الحكم، أو يرى فى نفسه العجز عن سماع دعاوى كل الخصوم، وهذا إذا لم يتعين عليه، فإن تعين عليه، أو من الخوف فلا يكره، وقالوا كذلك: يحرم على الشخص تولى القضاء إذا كان جاهلا ليس له أهلية القضاء أومن أهل العلم لكنه عاجز عن إقامة وظائفه، أو كان متلبسا بما يوجب فسقه، أو كان قصدء الانتقام من أعدائه، أو أخذ الرشوة أو نحو ذلك (5).
والقضاء فى الإسلام له أهميته ومكانته، لأنه يقوم على تحقيق العدل بين الناس ورفع الظلم عن المظلومين، وعدم المحاباة أو المجاملة، وكل هذا نراه فى كتاب سيدنا عمر إلى أبى موسى الأشعرى الذى جاء فيه "إن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة آس بين الناس فى مجلسك ووجهك
وعدلك حتى لايطمع شريف فى حيفك ولايخاف ضعيف من جورك، والبينة على من ادعى، واليمين على من أنكر ولا يمنعك قضاء قضيته
بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادى فى الباطل، واجعل للمدعى حقا عائنا أوبينة فاضرب له أمدا ينتهى إليه، فإن أحضر بينته أخدت له بحقه، وإلا وجهت عليه القضاء، فإن ذلك اتقى للشك، وأجلى للعمى ثم إياك والقلق والضجر والتأذى بالناس والتنكر بالخصوم فى مواطن الحق التى يوجب بها الأجر، فإنه من يخلص نيته فيما بينه وبين الله تعالى -ولو على نفسه- يكفيه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بما يعلم الله خلافه منه، هتك الله ستره، وأبدى فعله، والسلام" (6).
ولهذا رأينا الفقهاء يوجبون على القاضى:
1 - عدم الحكم لوالديه أو لأحد أولاده لأجل التهمة، ولكنه يجوز له أن يحكم على أحد أبويه، أو أحد أبنائه لانتفاء التهمة.
2 - عدم الحكم على عدوه، ويجوز له أن يحكم له.
3 - لا يجوز للقاضى أن يفاضل بين الخصوم فى المجلس، ولا أن يخلو بأحد الخصوم دون الآخر لما فى ترك العدل فى ذلك من كسر قلب الآخر ويؤدى إلى التهمة (7).
4 - وعلى القاضى أن ينظم وقته الذى يقضى فيه بين الناس، ليعطى لنفسه وقتا للراحة.
5 - يستحب له أن يتخذ كاتبا يكتب له، لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، فقد اتخذ زيد بن ثابت ليكتب له، لأن القاضى فى الغالب يكون مشغولا بسماع دعوى الخصوم ومتابعة أقوالهم، ولهذا فإنه يكون محتاجا لكاتب يكتب له الوقائع حتى لا يقع القاضى فى خطأ بسببه النسيان.
6 - ينبغى للقاضى أن يتخذ أعوانا يعاونونه فى إحضار الخصوم وتنفيذ أحكامه بشرط أن يكون هؤلاء الأعوان من المعروفين بالتقوى والصلاح والأمانة والبعد عن الطمع (8).
7 - ليجوز للقاضى تأخير الحكم فى الخصومة إلا فى ثلاث: الريبة، ولرجاء صلح الأقارب، وإذا طلب أحد الخصوم مهلة لتقديم ما يؤكد قوله أمام القاضى (9).
8 - على القاضى ألا يميز بين مسلم أو غير مسلم فى مجلس القضاء لأن الإسلام هو دين العدالة، والتى كانت سببا فى انتشار الإسلام شرقا وغربا، فهذا هو القاضى شريح الذى كان يقضى بالعدل، ولا يفرق بين مسلم وغير مسلم، ولا بين حاكم أو محكوم حينما تخاصم إليه سيدنا على ويهودى فى
رمح، وادعى سيدنا على أن الرمح رمحه، وادعى اليهودى أن الرمح رمحه، عند ذلك
طلب القاضى من سيدنا على -وهو أمير المؤمنين- أن يحضر الشهود على أن الرمح رمحه، فأحضر ابنه الحسن، فلم يقبل القاضى شهادة الحسن لأبيه، وطلب من سيدنا على أن يحضر شاهدا آخر، ولم يجد شاهدا غيره، فحكم القاضى بأن الرمح لليهودى، فلما رأى اليهودى ذلك تعجبه مما رأى، وأعاد لسيدنا على رمحه، وأعلن إسلامه فى الحال، بسبب ما رآه من عدل القاضى، الذى لم يفرق بين مسلم وغير مسلم، ولو كانت الخصومة بين يهودى وبين أمير المؤمنين.
أ. د/صبرى عبدالرؤوف محمد
__________
الهامش:
1 - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت (قضى) 15/ 186 - 187.
2 - حاشية الجمل على شرح المنهح، طبعة عبدالرحمن محمد، 5/ 334.
3 - سنن أبى داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق، السجستانى، أبو داود، 4/ 11.
4 - أدب القاضى، للماوردى، طبعة الحلبى، القاهرة 1/ 137.
5 - حاشية ابن عابدين 5/ 367.
6 - حكمة التشريع وفلسفته، ليلى أحمد الجرجاوى، طبعة مؤسسة الحلبى، القاهرة 2/ 167.
7 - مغنى المحتاج، محمد بن أحمد الشربينى، مكتبة مصطفى الحلبى، القاهرة، 4/ 393.
8 - أدب القضاء، لابن أبى الحداد، بيروت، ص108.
9 - تبصرة الحكام، 1/ 77(1/529)
20 - القضاء والقدر
لغة: القضاء هو الحكم والفصل بين الناس - يقال قضى يقضى قضاء فهو قاض .. إذا حكم وفصل القاضى
وإصطلاحا: هو ما قدره الله تعالى وقضاه علّى العالمين فى علمه الأزلى مما لا يملّكون صرفه عنهم- وهذه العقيدة جاءت بها جميع الرسالات الإلهية، وليست خاصة بالمسلّمين- يقول ابن حزم: " ذهب بعض الناس- لكثرة استعمال المسلّمين لهاتين اللّفظتين إلى أن ظنوا فيهما معنى الإكراه والإجبار- وليس كما ظنوا- وإنما معنى القضاء- فى لغة العرب التى بها خاطبنا الله ورسوله، وبها نتخاطب ونتفاهم- أنه هو "الحكم" فقط، ولذلك يقولون: "القاضى" بمعنى الحاكم، وقضى الله عز وجل بكذا" أى- حكم به؛ ويكون أيضا بمعنى "أمر"، قال تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} (الإسراء23)، إنما معناه بلا خلاف أنه تعالى أمر أن لا تعبدوا إلا إياه؛ ويكون أيضا بمعنى "أخبر"- قال تعالى: {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} (الحجر 66) - بمعنى أخبرناه أن دابرهم مقطوع فى الصباح .. وقال: ويكون أيضا بمعنى "أراد"- وهو قريب من معنى "حكَم " {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} (آل عمران 47) وقضى ذلك: حكم بكَونه فكوَّنَه. . ومعنى "القدر"- فى اللّغة
العربية- الترتيب والحد الذى ينتهى إليه الشيء- قال تعالى: {وقدر فيها أقواتها} (فصلت 10) بمعنى: رتب أقواتها وحددها؛ وقال: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} (القمر 49) أى: برتبة واحدة .. وعلى هذا- فمعنى: "قضى وقدر": "حكم ورتب "- ومعنى القضاء: حكم الله فى شيء بحمده أو ذمه وبكونه وترتيبه علّى صفة كذا وإلى وقت كذا فقط ".
وقد ذهبت طائفة من الناس إلى أن الإنسان مجبر على أفعاله وأنه لا استطاعة له أصلا، وهو كالريشة، فى مهب الريح، وإنما تنسب الأفعال إليه مجازا، والفاعل فى الحقيقة- هو الله كما تقول: أمطرت السماء، وليست السماء هى الفاعل للّمطر وإنما الفاعل هو الله- وهذا قول "الجبرية"، وعلّى رأسهم "جهم بن صفوان" وطائفة من "الأزارقة"- وقد ذهب "المعتزلة" إلى نقيض ذلك، فالإنسان- عندهم- يملّك حرية الإرادة، وهو مختار فى أفعاله، وهو الخالق لها، ومن ثم كان التكلّيف والثواب والعقاب وإلا فكيف يكلّف الإنسان بفعل لا يفعلّه هو إنما يفعله غيره وكيف يثاب أو يعاقب علّى فعل لا يفعله هو وإنما يفعله غيره - وهو الله، أما " الأشاعرة " فيرون أن الإنسان لا يخلق أفعاله الاختيارية، وإنما الخالق لها هو الله لأنه {خالق كل شيء} (الأنعام 102) وليس للإنسان فى أفعاله الاختيارية سوى "الكسب" - وهو: "مقارنه قدرة العبد للفعل من غير تأثير لها فيه "- وهذا الكسب هو مناط التكليف والمسئولية والثواب والعقاب. وأما " الماتريدية" فهم كالأشاعرة- إلا أنهم يفسرون "الكسب " بأنه "العزم والتصميم على الفعل "- وهذا هو مناط التكليف والثواب والعقاب- وهو ما يدل عليه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (رواه البخارى).
والقرآن الكريم يوبخ الذين يتعللون بالقدر فى كفرهم وعصيانهم: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء}، (الأنعام 148)،
] وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء [، (النحل 35) - ذلك لأن القدر من الأسرار التى استأثر الله تعالى بعلمها- وقد حاول أصحاب الديانات السابقة أن يجدوا حلا لهذه المعضلة- وهى التوفيق بين مسئولية الإنسان عن أفعاله والقول بإرادة الله المطلقة وقدرته الشاملة- وكانت نتيجة محاولاتهم الفشل الذريع، وثبت لهم أن هذا بحث لا يؤدى إلى نتيجة محققه يمكن الاتفاق عليها ولهذا أمرنا فى الإسلام أن لا نخوض فى مسألة القدر إذ إن الخوض فيها إضاعة للوقت سدى. والسبب فى عجز الإنسان عن حل هذه المعضلة- أننا لكى نصل إلى حكم صحيح على أصل الخير والشر والحسن والقبيح والعدل والظلم- يجب علينا أن نلم بحقيقة الخليقة، وحكمة الله فى الخلق وتدبير الأمور، وماهية الوجود، والأصول التى بنى عليها نظام هذا الكون، وغرض الخالق من ترتيب الأمور بعضها على بعض، ومعنى الثواب والعقاب، والعوامل المتضادة التى تتنازع الإنسان- إلى غير ذلك مما لا يمكن أن يستقل العقل الإنسانى بإدراكه؛ ومن ثم فنحن نؤمن بأن لا قدرة لمخلوق مع قدرة الخالق، وأن لا عمل إلا بتوفيق الله ومشيئته، ونكل أمر هذه المشكلة. إلى الله- طالبين منه أن يؤتينا فيها علما يثلج صدورنا، ويطمئن نفوسنا ..
أ. د/ صفوت حامد مبارك
__________
المراجع
1 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد.
2 - دانرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدى
3 - تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة
4 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل، لابن حزم.
5 - شرح المقاصد، لسعد الدين التفتازانى.
6 - تاريخ المذاهب الإسلامية، للإمام محمد أبو زهرة.(1/530)
21 - القضية الفلسطينية
فلسطين التى تنسب لها هذه القضية، هى أرض باركها الله سبحانه، بأن جعل فيها المسجد الأقصى فى بيت المقدس، وأسرى بعبده محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين إليه من المسجد الحرام وعرج به منه إلى السماء ليرى من آيات ربه الكبرى، وبارك حوله، وهى الأرض التى بعت الله فيها عيسى ابن مريم وعددا من النبيين، وعاش فيها أبو الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن، عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. وفلسطين هذه تشكل الشطر الجنوبى الغربى من بلاد الشام وتجاورجزيرة العرب ومصر.
والقضية الفلسطينية مصطلح برز قانونيا منذ عام 1336هـ، عام 1917 م، حين احتلت بريطانيا فلسطين ودخل الجنرال اللنبى مدينة القدس يوم 18/ 12 /1917 قال كلمته "الآن انتهت الحروب الصليبية". ويدل هذا المصطلح على جميع ما يتصل بفلسطين، شعبا وارضا، وحضارة وهى تواجه مع وطنها العربى ودائرة حضارتها الإسلامية تحالف قوى الهيمنة الغربية، القارونيين الجدد، مع الصهيونية العنصرية فى غروة لها بغية اغتصابها وجعلها "وطنا قوميا لليهود" على حد تعبير تصريح بلفور، وقاعدة استعمارية استيطانية عنصرية للتسلط على الوطن العربى بخاصة والعالم الإسلامى بعامة.
كانت بريطانيا قد ركزت أطماعها على فلسطين والأقطار العربية فى الدولة
العثمانية منذ أوائل القرن الثالث عشر الهجرى مطلع القرن التاسع عشر الميلادى، إثر انتصار بلاد الشام ومصر على الغزوة الفرنسية التى قادها نابليون بونابرت، وعمدت فى نهاية ذلك القرن إلى تشجيع إقامة الحركة الصهيونيهة عام 1897م ومساعدتها فى تهجير اليهود إلى فلسطين كما قامت عام 1916م/1335هـ، بإبرام اتفاق سايكس بيكو مع فرنسا لتجزئة بلاد الشام واستعمارها، متنكرة لوعودها للشريف حسين باستقلال بلاد العرب، ولم تلبث حكومة بريطانيا أن أصدرت يوم 2/ 11 /1917 تصريحا بالعمل على جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود. وقامت بريطانيا بعد انهيار الدوله العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى باستعمار فلسطين تحت اسم "الأنتداب" الذى قررته عصبة الأمم فى 24/ 7 /1922م وأقرت له "صكا" لتنفيذ التصريح، وباشرت بريطانيا استعمارا قمعيا ظالما وحشيا غير إنسانى استهدفت به شعب فلسطين العربى بغالبيتة المسلمة والمسيحية.
القضية الفلسطينية إذا فى ضوء ماسبق هى قضية جهاد الشعب العربى الفلسطينى لتحرير وطنه المحتل، فلسطين الذى رسم "الانتداب" حدودا سياسية له تفصله عن بقية أقطار بلاد الشام ومصر، وتبلغ مساحته حوالى سبعة وعشرين ألف كيلو مترا مربعا، وقد برزت فيه عوامل دينية وحضارية وقومية واستراتيجية، وأبعاد محلية واقليمية ودولية.
استمر هذا الجهاد طيلة مرحلة الاستعمار البريطانى الذى انتهى يوم 15/ 5 /1948م وواجه فيه الشعب العربى الفلسطينى العدو المزدوج بريطانيا والحركة الصهيونية، مدافعا عن بيت المقدس والوطن والعرض والمال وحضارته العربية الإسلامية والدين. واتبع فيه مختلف الوسائل القانونية والسياسية والانتفاضات والثورات التى منها ثورة البراق عام 1348هـ، عام 1929م وثوره القسام بعدها بأربع سنين والثورة العربية الكبرى بين عامى 1335،1337هـ/1936،1938م وقد حظى هذا الجهاد بمساندة أبناء الأمة العربية والعالم الإسلامى الذين أدركوا أن تحالف قوى
الهيمنة الغربية والصهيونية لم يستهدفوا فلسطين لذاتها فحسب، وإنما للسيطرة على الوطن العربى وديار الإسلام بعامة. وتجلت هذه المساندة فى صور، كان منها إنعقاد المؤتمر الإسلامى فى بيت المقدس عام 1350هـ الموافق 1931م، وكان منها أيضا مشاركة مجاهديه فى الثورة العربية الكبرى.
وكاد هذا الجهاد أن يحقق بعض أهدافه لولا نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939م، وبروز قوى الهيمنة الأمريكية التى تبنت الحركة الصهيونية. وكان للولايات المتحدة دور خاص فى صدور قرار الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين يوم 29/ 11 /1947م، ثم فى إقامة "إسرائيل" فى 15/ 5 /1948 م، خدمة للمصالح الأمريكية المتنامية فى الوطن العربى والعالم الإسلامى المتعطلة، للسيطرة على النفط بخاصة.
مرت القضية الفلسطينية بمراحل بعد إقامة دولة إسرائيل، امتدت واحدة منها بين عامى 1948م و1967م، وشهدت تدعيم الكيان الصهيونى بالمهجرين اليهود وبالسلاح، وتوظيف قوى الهيمنة الغربية فى مقاومة ثورة التحرير فى الوطن العربى والعالم الإسلامى، وأحد تجليات ذلك العدوان الثلاثى على مصر عام 1956م الذى دبرته بريطانيا وفرنسا وشاركت إسرائيل فى تنفيذه. كما شهدت هذه المرحلة استمرار جهاد شعب فلسطين العربى للتماسك بعد النكبة التى حلت به عام 1948 م من جهة ولإبراز كيانه من جهة أخرى. وقد قامت منظمة التحرير الفلسطينية تجسيدا لهذا الكيان فى 28/ 5 /1964 م بدعم من الدول العربية.
ومرحلة أخرى امتدت منذ نكسة حرب يونيو حزيران عام 1967م حتى زلزال الخليج عام 1991م وبرزت فى هذه المرحلة قضية الأراضى العربية التى احتلتها إسرائيل فى سيناء المصرية والجولان السورية إلى جانب القضية الفلسطينية التى دخل فيها احتلال إسرائيل لبقية فلسطين (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة).
وشهدت هذه المرحلة حرب رمضان لعام 1493هـ عام 1973م كما شهدت قيام "إسرائيل" باحتلال شريط فى جنوب لبنان عام 1978م وبغزو الجنوب اللبنانى عام 1982م وبرزت منذ ذلك الحين المقاومة اللبنانية المباركة واستمرت الثورة الفلسطينية فى هذه المرحلة، وحدثت الانتفاضة فى آخر عام 1978م وشهدت المرحلة إبرام اتفاق كامب دافيد بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عام 1978 م الذى أوصل إلى إبرام معاهده السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 م.
المرحلة الراهنة فى القضية الفلسطينية بدأت بعد زلزال الخليج بانعقاد مؤتمر مدريد يوم 30/ 10 /1991م الذى باشر ما أسمته الولايات المتحدة الأمريكية "عملية سلام الشرق الأوسط" وشهدت هذه المرحلة اعتراف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية "بإسرائيل" فى 9/ 9 /1993 وإبرام اتفاقات
أوسلو بإقامة "حكم ذاتى انتقالى فلسطينى محدود فى الضفة الغربية وقطاع غزة" وإبرام الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل فى 26/ 10 /1994م.
وباتفاقات أوسلو انحصرت القضية الفلسطينية فى مسائل أربع تتعلق بما أسمته الولايات المتحدة الوضع النهائى، هى القدس والمستعمرات الاستيطانية الصهيونية فى الضفة والقطاع واللاجئون والحدود كما شهدت هذه المرحلة المحاولة الأمريكية لإقامة "نظام الشرق الأوسط" فى دائرة الحضارة الإسلامية بقيادة إسرائيل.
دلائل كثيرة تشير إلى أن "عملية سلام الشرق الأوسط" حتى وإن وصلت إلى إبرام إتفاقات بشأن هذه المسائل الأربع، فإن القضية باقية وتدخل مرحلة جديدة يأخذ فيها الصراع العربى الصهيونى شكلا مختلفا عما كان عليه طوال القرن الأول وذلك لأن "الحل العنصرى" للقضية الذى صممته قوى الهيمنة الأمريكية مع الصهيونية لم يعالج جوانب القضية بل جعلها تتفاقم، وبخاصة فيما يتعلق ببيت المقدس الذى يستهدف هذا "الحل العنصرى" تهويدها وينذر بوقوع جريمة هدم المسجد الأقصى فيها واقامة هيكل فى موضعه. وهكذا فإن من المتوقع أن تستمر القضية الفلسطينية وتدخل مرحلة أخرى فى صراع النفس الطويل التى تخوضها الأمة العربية والشعوب الإسلامية ضد قوى الهيمنة الغربية والصهيونية العنصرية إلى أن
يتم تحرير فلسطين والقدس وينبذ اليهود الصهيونية فيعيشوا مستأمنين فى ظل الحضاره العربية الإسلامية.
أ. د/أحمد صدقى الدجانى
__________
مراجع الاستزادة:
1 - دائرة المعارف الأمريكية Encyclop Edia Americana. ط1995م الجزء الثالث ص612.
2 - تاريخ العرب للدكتور فيليب حتى وآخرين ص8.
3 - تاريخ الأمة العربية محمد أسعد طلس عصر الانحدار ص9 - 13.
4 - بروتوكولات حكماء صهيون ترجمه عن الإنجليزية محمد خليفة التونسى، ط دار الكتاب العربى بيروت(1/531)
22 - القطب
اصطلاحا: عند الصوفية " الإنسان الكامل " أو " الحقيقة المحمدية"- والإنسان الكامل هو "القطب الحسى" كما أن "الحقيقة المحمدية" هى "القطب المعنوى"، ويرى "محيى الدين بن عربى": أن "الحقيقة المحمدية"- أى روح محمد - صلى الله عليه وسلم - - هى التى تنقل العلم الإلهى لكل الأنبياء والأولياء- وهى تتجلى بأكمل صورة فى "القطب "- وهو معصوم، ولكل زمان قطب، وهو الخليفة الحقيقى لله- ويسمى "قطب الوقت " أو "صاحب الوقت " أو "صاحب الزمان" وهو "الغوث " الذى يوجد بفضل "قطب الأقطاب ". ويرى "الحكيم الترمذى" أن القطب هو شيخ جماعة من الأتقياء لهم نظام متدرج، وكل مرتبة من مراتب هذا النظام يرأسها قطب، والمريدون يتلقون العلم من هؤلاء الأقطاب الذين يتلقون علمهم من "القطب الأكبر"- وهذا المفهوم للقطب أصبح جزءا من التيار الرئيسى للفكر الصوفى.
وللقطب مفهوم آخر نجده عند "عمر بن الفارض "؛ فهو "المبدأ الفعال لكل إلهام "- وهو يشبه ما تعتقده "الشيعة الإسماعيلية" من تجسيد العقل الأول فى "الناطق " (أى الإمام) - وهناك من يقارن بين ما يراه الشيعة فى "الإمام " بوصفه مظهرا للكلمة الإلهية، ومفهوم "القطب " عند الصوفية- كما أن هناك من يقارن بين التدرج الرئاسى للدعاة الإسماعيلية، والتدرج الرئاسى فى التصوف برئاسة القطب؛ حتى ذهب البعض إلى أن التدرج فى نظام القطب عند الصوفية مقتبس من الشيعة الإسماعيلية. ويصرح بعض علماء الشيعة بأن "القطب "والإمام "مصطلحان لهما نفس المعنى، بل ينطبقان على نفس الشخص. وقد ينسب إلى "القطب " ظهور كرامات على يديه تناسب المقام الذى بلغه وقد هاجم "ابن خلدون " هذا النظام كما هاجمه الذين يرون أن التصوف دخيل على الإسلام- ولا يزال هناك من يدعى أو يُدّعَى له أنه قطب من الأقطاب، ويطلق لقب " الأقطاب الأربعة" على: "عبد القادر الجيلانى" وأحمد البدوى" وأحمد الرفاعى" وإبراهيم الدسوقى". وقد يسمى القطب "غوثا" باعتبار التجاء الملهوف إليه، ويرى بعض الصوفية أنه "هو الواحد الذى هو موضع نظر الله فى كل زمان، أعطاه الله الطلسم الأعظم من لدنه، وهو يسرى فى الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح فى الجسد، بيده قسطاس الفيض الأعم، وبه يتبع علمه علم الحق، وعلم الحق يتبع الماهيات غير المجعولة؛ فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل- أما " اليقظة الكبرى" فهى مرتبة "قطب الأقطاب "، وهو باطن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلا يكون إلا لورثته؛ فلا يكون خاتم الولاية وقطب الأقطاب إلا على باطن "خاتم النبوة"- ويلاحظ الاتجاه الشيعى فىهذا المفهوم.
أ. د/ صفوت حامد مبارك
__________
المراجع
1 - التعريفات: للجرجانى ط الحلبى
2 - موجز دائرة المعارف الإسلامية
3 - الفتوحات: لابن عربى(1/532)
23 - قطع الطريق (الحرابة)
يستعمل أكثر الفقهاء مصطلح (قطع الطريق) تحت باب الحرابة.
والحرابة لغة: من الحرب التى هى نقيض السلم، يقال: حاربه محاربة، وحرابا، أو من الحرَب بفتح الراء- وهو السلّب. يقال: حرب فلانا ماله أى: سلبه فهو محروب وحريب. (1)
واصطلاحا: الحرابة: قطع الطريق وهو البروز لأخذ مال أو لقتل أو لإرعاب على سبيل المجاهرة مكابرة اعتمادا على القوة مع البعد عن الغوث (2).
وزاد المالكية: محاولة الاعتداء على العرض مغالبة.
وقيل من كابر رجلا على ماله بسلاح أو غيره فى زقاق أو دخل على حريمه فى المصر حكم عليه بحكم الحرابة.
الحكم التكليفى لقطع الطريق (الحرابة):
الحرابة كبيرة من الكبائر، وهى من الحدود باتفاق الفقهاء وسمى القرآن الكريم مرتكبيها محاربين لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أوينفوا من الارض} (المائدة 33).
ونفى عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتسابهم للإسلام فقال: (من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا) (رواء البخارى ومسلم فى صحيحيهما). وقاطع الطريق (المحارب) عند الفقهاء هو كل ملتزم مكلف أخذ المال بقوة فى البعد عن الغوث. إذاً فلابد من توافر عدة شروط حتى يحدّ حد الحرابة على قاطع الطريق وهى:
(أ) الالتزام: أن يكون قاطع الطريق (المحارب) ملتزما بأحكام الشريعة بأن يكون مسلما أو ذميا أو مرتدا، فلا يحد الحربى، ولا المعاهد ولا المستأمن (3).
فالذمى التزم أحكام الشريعة فله مالنا وعلّيه ما علينا، أما المستأمن فقد وقع الخلاف. بين الفقهاء فى كونه محاربا أم لا.
(ب) التكليف: يشترط البلوغ والعقل فى قاطع الطريق (المحارب) حتى يقام عليه الحد لأنهما شرطا التكليف الذى هو شرط إقامة الحد.
(جـ) الذكورة: وهذا الشرط قاله الحنفية حيث لم يشترطه المالكية والشافعية والحنابلة فهم يرون أنه لو اجتمع نسوة لهن قوة ومنعة فهن قاطعات طريق، ولا تأثير للأنوثة على الحرابة فيجرى على المرأة ما يجرى على الرجل فى أحكام الحرابة (4). أما الأحناف فيرون أن الخروج على وجه المحاربة والمغالبة لا يتحقق فى النساء عادة لرقة قلوبهن وضعف بنيتهن فلا يكن من أهل الحرابة.
(د) السلاح: اختلف الفقهاء فى اشتراط السلاح لقاطع الطريق (المحارب) فقال الحنفية والحنابلة: يشترط أن يكون مع قاطع الطريق سلاح ويعدون الحجارة والعصى سلاحا، فإن تعرض قاطع الطريق للناس بالعصى والحجارة فهو محارب، أما إذا لم يحمل شيئا مما ذكر فليس بمحارب (5).وْلا يشترط المالكية والشافعية حمل السلاح بل يكفى عندهم القهر والغلبة وأخذ المال ولو باللكز والضرب بجمع الكف. (6)
(هـ) البعد عن العمران: ذهب المالكية والشافعية وأبو يوسف وكثير من الحنابلة إلى أنه لا يشترط البعد عن العمران فى حد الحرابة، بل يشترط فقد الغوث، ولفقد الغوث أسباب كثيرة، ولا ينحصر فى البعد عن العمران، فقد يكون للبعد عن العمران أوالسلطان أو لضعف أهل العمران أو لضعف السلطان. فلو دخل قوم بيتا وشهروا السلاح ومنعواأهل البيت من الاستغاثة فهم قطاع طرق فى حقهم (7) (و) المجاهرة: وهى أن يأخذ قطاع الطريق المال جهرا، فإن أخذوه مختفين فهم سرّاق، وإن اختطفوا وهربوا فهم منتهبون ولا قطع عليهم.
عقوبة المحاربين: لا خلاف بين الفقهاء فى أن عقوبة المحارب حد من حدود الله لا يقبل الإسقاط ولا العفو ما لم يتوبوا قبل القدرة عليهم والأصل فى ذلك قوله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} (المائدة 33).
واختلف الفقهاء فى هذه العقوبات الواردة فى الآية هل هى على التخيير أم على التنويع، فذهب الشافعية والحنابلة وبعض الأحناف إلى أن (أو) فى الآية على ترتيب الأحكام وتوزيعها على ما يليق بها فى الجنايات، فمن قتل وأخذ المال، قتل وصلب، ومن اقتصر على أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ومن أخاف الطريق ولم يقتل ولم يأخذ مالا نفى من الأرض. (8) أما عن كيفية تنفيذ عقوبة الحرابة فقد اختلف الفقهاء فى كيفيتها وذلك ما نراه فى كتب الفقه التى أثرت عنهم.
ما تثبت به الحرابة:
لا خلاف بين الفقهاء فى أن جريمة الحرابة تثبت قضاء بالإقرار أو بشهادة عدلين، وتقبل شهادة الرفقة فى الحرابة.
سقوط عقوبة الحرابة:
يسقط حد الحرابة عن المحاربين بالتوبة قبل القدرة عليهم وذلك فى شأن ما وجب عليهم حقا لله، وهو تحتم القتل والصلب والقطع من خلاف والنفى وهذا محل اتفاق بين أصحاب المذاهب الأربعة (9).
واستدلوا بقوله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} (المائدة 34) فالله سبحانه وتعالى أوجب عليهم الحد ثم استثنى التائبين قبل القدرة عليهم.
أما حقوق الآدميين فلا تسقط بالتوبة، فيغرمون ما أخذوه من المال عند الجمهور وعند الحنفية إن كان المال قائما ويقتص منهم إذا قتلوا على التفصيل السابق، ولا يسقط إلا بعفو مستحق الحق فى مال أو قصاص.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - لسان العرب مادة (حرب) دار صادر بيروت
2 - بدائع الضائع. للكاسانى 7/ 90
3 - كشاف القناع للبهوتى 6/ 146.
4 - بدائع الصنائع: (7/ 1)
5 - حاشية ابن عابدين (الدر المختار) 3/ 313.
6 - الموسوعة الفقهية ط الكويت 17/ 156 - 157.
7 - السابق: نفس الجزء والصفحة.
8 - المغنى 8/ 228، وروضة الطالبين 10/ 156 - 57.
9 - بدائع الصنائع 7/ 96 وروضة الطالبين 10/ 59 والمغنى 8/ 295، 1157(1/533)
24 - القلب
لغة: قلب الشىء لبه وباطنه، وهو ضد ظاهره.
واصطلاحًا: مضخة قادرة على مد الجسم- بما فيه القلب نفسه- بالدم وبكل ما يحمله الدم.
وعند الفلاسفة فإن القلب مركز القوة الغضبية وفضيلتها الشجاعة. ويطلق على الشعور بالعطف أو الحنان أو الرحمة أو المحبة وغيرها من الأحوال الوجدانية. وإذا أطلق القلب على مجموع الأحاسيس والعواطف دل علّى معنى مقابل لمعنى العقل. وللقلب عند الفلاسفة معان أخرى فهو يُطلق على النفس أو الروح أو تلك اللطيفة الربانية التى لها بالقلب الجسمانى تعلق، وهى حقيقة الإنسان التى يسميها الحكماء بالنفس الناطقة أو العقل.
ومن ثم فإن وظيفة القلب عند الفلاسفة إدراك الحقائق العقلية بطريق الحدس والإلهام لا بطريق القياس والاستدلال، وربما كان الغزالى أبرز الذين قالوا بوظيفة القلب فى الإدراك والمعرفة. فقد سبق باسكال إلى القول بإدراك الحقيقة بالقلب لا بالاستدلال العقلى وحده. والقلب لا يقتصر على إدراك العواطف، بل يتسع لإدراك الحقائق.
ومن الجدير بالذكر أننا على مستوى الحياة العامة نؤمن أن معرفتنا بكثير من مبادئ الحياة ترجع إلى الإدراك القلبى لا العقلى.
أما القلب من حيث هو عضو فيتكون من عضلة واحدة، وهو مخروطى الشكل- يوصف أحيانا بأنه صنوبرى الشكل- ويرقد على جانبه بحيث تتجه قاعدته إلى ثلاث بوصات ونصف بوصة، ويبلغ طوله خمس بوصات من القاعدة إلى قمة المخروط، ويكون سمكه بوصتين ونصف بوصة. يوجد القلب داخل غلاف التامور ويُفصل من نهايته العليا بالشرايين الكبرى.
ويبسط الأطباء وصف مكوناته بالقول بأنه يتكون من حجرتين للاستقبال وحجرتين للدفع، وينقبض البطينان معا. فالدم الذى يدخل من الأذينين إلى البطينين تمنعه الصمامات من العودة، ومن ثم تضطره انقباضات القلب إلى أن يدخل الأورطى وبالتالى إلى مجرى الدم إلى الجسم. ويدخل الدم من الأوردة الكبيرة إلى الأذينين فى أثناء فترة الانبساط حين تستريح العضلات من الانقباض، وعندئذ تنقبض عضلات الأذينين فتقفل الصمامات نتيجة ضغط الدم ويمر الدم من البطينين إلى الشريانين وبعدها يقفل الصمام الهلالى بين البطينين والشريانين ليمنع الدم من الرجوع إلى البطينين، وبعدئذ ترتخى العضلات البطينية إلى أن تنفتح مرة ثانية تحت تأثير ضغط الدم المندفع من الأذينين ليدخل الدم إلى البطينين. وتستغرق كل دورة أربعة أخماس الثانية. ويبلغ حجم قلب أى شخص حجم قبضة يده تقريبا، ويزيد قلب الوليد حوالى 20 جراما بينما يبلغ وزن قلّب البالغ ما بين 250 و 300 جرام.
أ. د/ محمد الجوادى
__________
المراجع
1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية، مجمع اللغة العربية- القاهرة
2 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا.
3 - الموجز فى الطب- لابن النفيس- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
4 - قاموس القرآن الكريم: معجم الطب، مؤسسة الكويت للتقدم العلمى سنة 1997 م.
5 - الحاوى فى الطب، لأبى بكر الرازى- مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن بالهند، ط 1، سنة 1955م.(1/534)
25 - القنوت
لغة: هو مصدر من باب قعد، وهو العبادة أو الدعاء مطلقا، ويطلق على القيام فى الصلاة وأقنت: أى دعا على عدوه (1).
وشرعا: هو ما اشتمل على دعاء وثناء ولو آية قصده بها (2).
واعلم أنه قد وقع الاتفاق على ترك القنوت فى أربع صلوات من غير سبب، وهى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولم يبق الخلاف إلا فى صلاة الصبح من المكتوبات وفى صلاة الوتر من غيرها (3).
أما عن مشروعية القنوت فى الصبح، فقد ذهب المالكية والشافعية وابن أبى ليلى والحسن بن صالح والأوزاعى والخلفاء الأربعة ومعهم بعض الصحابة والتابعين، إلى أن القنوت مشروع فى الركعة الثانية من صلاة الصبح فى جميع الأزمان، سواء كانت هناك نوازل أم لم تكن، فهو سنة (4).
بينما ذهب الحنفية والحنابلة والثورى وروى عن ابن عباس وابن عمر وابن مسعود إلى أن القنوت غير مشروع فى صلاة الصبح، إلا إذا أنزل بالمسلمين نازلة، فالإمام له أن يقنت فى صلاة الصبح (5).
وأما القنوت فى الوتر، فقد ذهب الحنفية، وبعض الشافعية، والمنصوص عن أحمد إلى أن القنوت مسنون فى الوتر فى الركعة الواحدة فى جميع السنة.
بينما ذهب الشافعية فى الراجح عندهم، ورواية عن الإمام أحمد إلى أن القنوت مسنون فى الوتر فى النصف الأخير من شهر رمضان فقط (6).
وهل يقنت قبل الركوع أو بعده؟ بكلٍّ قيل.
أ. د/على مرعى
__________
الهامش:
1 - المصباح المنير للفيومى، ومختار القاموس مادة "قنت".
2 - حاشية قليوبى على شرح الجلال المحلى على المنهاج، 1/ 157، ط دار إحياء الكتب العربية لصاحبها عيسى الحلبى.
3 - نيل الأوطار للشوكانى 2/ 346، ط دار الحديث، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 1/ 248، ط المطبعة الأزهرية بمصر 1345هـ، 1927م.
4 - نيل الأوطار 2/ 345، قليوبى وعميرة 1/ 157، الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى 1/ 248، المغنى لابن قدامة 2/ 154 وما بعدها، ط علم الكتب بيروت.
5 - البناية على الهداية لأبى محمد محمود بن أحمد العينى 2/ 512، ط دار الفكر، المغنى لابن قدامة 2/ 154،155، نيل الأوطار 2/ 345.
6 - البناية على الهداية 2/ 504، قليوبى وعميرة 1/ 213، المغنى لابن قدامة 2/ 151(1/535)
26 - قوّة
لغة: القوة الشدة، وهى نقيض الضعف، والجمع القُوَى.
واصطلاحا: امتلاك الأسباب والكيفيات الكفيلة بتحقيق الغاية المشروعة .. يقول الله تعالى] وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم [، (الأنفال 60)
وعند الحكماء: هى تمكين الحيوان من الأفعال الشاقة، وتنقسم القوى عندهم إلى: ا- قوى طبيعية، وهى قوى النفس النباتية.
2 - قوى نفسانية، وهى قوى النفس الحيوانية.
3 - قوى عقلية (حافظة) وهى قوى النفس الإنسانية، وتنقسم بدورها إلى (القوة النظرية) و (القوة العملية)
وفى الفيزيقا: تعرّف بأنها الجهد اللازم لتغيير حالة من سكون أو حركة منتظمة مقدارا أو اتجاها، وتقاس بوحدات مختلفة منها (الرطل، الجرام، الكيلوجرام ... ) وتنشأ فى حالة التوازن لكل قوة قوة أخرى مساوية لها فى المقدار ومختلفة معها فى الاتجاه. والإسلام حث على طلب الغلبة والشوكة وكل أنواع القوى المتاحة امتثالاً لقوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعت من قوة} (الأنفال 60) الأمر الذى دعا الإمام محمد عبده إلى أن يقول: الناظر فى أصول هذه الديانة ومن يقرأ سورة من كتابها المنزل يحكم حكما لا ريب فيه بأن المعتقدين بها لابد أن يكونوا أول ملة حربية فى العالم وأن يسبقوا جميع الملل إلى اختراع الآلات وإتقان العلّوم العسكرية والتبحر فيما يلزمها من الفنون كالطبيعة والكيمياء وجر الأثقال والهندسة، إضافة إلى حب الغلبة وطلب كل وسيلة إلى ما يسهل له سبيلها، والسعى اليها بقدر الطاقة البشرية.
ومن أولى دعامات القوة التى حث الإسلام على اكتسابها الإيمان بالله سبحانه وتعالى والالتزام بشريعته التى أنزلها على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - {إن تنصروا الله ينصركم} (محمد 7) حيث إن أى قوة يكتسبها العبد هى منحة وهبة من الله، لا يعطاها كنصر وفضل إلا من التزم بمنهج الله التزاما تاما، ثم تأتى بعد ذلك سائر أسباب القوة من علم وجد وسياسة ... الخ ووظيفة القوة فى الإسلام تتفق ورسالة الإنسان فى الحياة، وهى تمكينه من الاستخلاف فى الأرض وعمارتها ونشر الحق والعدل والخير فى ربوعها.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - مقدمة ابن خلدون- دار العلم للملايين بيروت.
2 - الإسلام بين العلم والمدينة. للإمام محمد عبده الهيئة المصرية العامة للكتاب.
3 - الطاغيه أ. د إمام عبد الفتاح إمام- عالم المعرفة- بيروت.
4 - الإسلام يتحدى- وحيد الدين خان- ترجمة ظفر الإسلام خان- مراجعة وتقديم د/ عبد الصبور شاهين- المختار الإسلامى ط هـ سنة 1974 م.
5 - التعريفات، للجرجانى تحقيق د/ عبد المنعم الحفنى- دار الرشاد- القاهرة سنة 1991 هـ
6 - دائرة معارف القرن العشرين- محمد فريد وجدى- دار المعرفة بيروت.(1/536)
27 - القول بالموجب
لغة: الموجب مأخوذ من: أوجب يوجب، أى: أتى بموجبه من السيئات أو الحسنات، وأوجب الرجل: إذا عمل عملاً يوجب الجنة أو النار (1).
واصطلاحا: تسليم ما جعلّه المستدل موجبا لعلته مع استبقاء الخلاف (2).
ومعنى ذلك: أن يسلم الخصم الدليل الذى استدل به المستدل، إلا أنه يقول: هذا الدليل ليس فى محل النزاع إنما هو فى غيره، فيبقى الخلاف بينهما كقول الشافعى: المحرم إذا مات لم يُغسّل، ولم يُمَسَّ بطيب؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى رجل مات وهو محرم: لا تمسوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) (3).
فيقول المالكى: سلمنا ذلك فى ذلك الرجل، وإنما النزاع فى غيره، لأن اللفظ لم يرد بصيغة العموم (4).
والقول بالموجب من قوادح العلة، والموجب بفتح الجيم أى: القول بما أوجبه دليل المستدل واقتضاه، أما الموجب بكسرها فهو: الدليل المقتضى للحكم، وهو غير مختص بالقياس، ومنه الآية الكريمة {لئن رَجَعْنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} (المنافقون 8) فقد ذكرها رأس النفاق ابن سلول وقت أن كان المسلمون فى غزوة بنى المصطلق، فقال: لئن رجعنا إلى المدينة من هذه الغزوة ليخرجن الأعز- يقصد نفسه- منها الأذل يعنى محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فأجابه الله تبارك وتعالى بموجب قوله مع عدم تسليمه له فقال تعالى] ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [. (المنافقون 8) فإنه لما ذكر صفة، وهى العزة، وأثبت لها حكما، وهو الإخراج من المدينة، رد عليه رب العزة تبارك وتعالى بأن هذه الصفة ثابتة لكن لا لمن أراد ثبوتها له، فإنها ثابتة لغيره باقية علّى اقتضائها للّحكم وهو الإخراج، فالعزة موجودة لكن لا له بل لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين (5). وجمهور الأصوليين على أن القول بالموجب قادح فى العلة مُفْسد لها، ومن صرح بذلك إمام الحرمين، وابن السمعانى، والفخر الرازى، والآمدى، لأن المعترض إذا قال بموجب العلة أصبحت فى موضع- الإجماع، ولا تكون متناولة لوضع الخلاف، ولأنه إذا كان تسليم موجب ما ذكره من الدليل لا يرفع الخلاف، علم أن ما ذكره ليس بدليل الحكم الذى أراد إثباته. ونقل الزركشى عن ظاهر كلام الجدليين أنه ليس من قوادح العلة، لأن القول بموجب الدليل تسليم فكيف يكون مفسدا (6)
أ. د/ على جمعة محمد
1 - لسان العرب، لابن منظور6/ 4766 - 4767 دار المعارف، المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية 2/ 1012،دار المعارف 1972 م.
2 - الإيضاح لقوانين الإصطلاح فى الجدل والمناظرة، الجوزى ص 335 - تحقيق محمود الدغيم- مدبولى 1995م
3 - هذا الحديث متفق عليه. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز رقم (265 1) و (366 1) و (267 1) و (268 1)، مسلم فى كتاب الحج رقم (6 0 2 1) من رواية ابن عباس.
4 - تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى- تحقيق محمد المختار الشنقيطى، ص 385 مكتبة ابن تيمية، ط 1/ 1414 هـ.
5 - تشنيف المسامع بجمع الجوامع، للزركشى 4/ 361 ومابعدها، مؤسسة قرطبة طبعة 1،1998م- شرح المحلى على جمع الجوامع2/ 316 طبعة مصطفى الحلبى- غاية الوصول شرح لب الأصول، للشيخ زكريا الأنصارى ص 131 طبعة عيسى الحلبى وشركاه.
6 - البحر المحيط، للزركشى 5/ 297 وما بعدها- طبعة وزارة الأوقاف بالكويت 1990م- تقريب الوصول إلى علم الأصول، لابن جزى- هامش ص 385، ص 386 - مكتبه ابن تيمية1414هـ
__________
المراجع
1 - الفائق فى أصول الفقه، لصفى الدين الهندى- تحقيق د/ على العميرين4/ 249 وما بعدها طبعة السعودية.
2 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول- تحقيق د/ شعبان محمد إسماعيل 2/ 222 وما بعدها- دار الكتبى- طبعة 1، 1993م.
3 - الكافية فى الجدل، لأبى المعالى الجوينى- تحقيق د/ فوقية حسين محمود، ص 161 - عيسى البابى الحلبى وشركاه 1979م.(1/537)
28 - قول الصحابى
لغة: جمعه صحب وأصحاب وصحابة، والأصل فى هذا الإطلاق لمن حصل له رؤية ومجالسه (لسان العرب) (1).
واصطلاحا: عند جمهور الأصوليين (2): هو من لقى الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ولازمه زمنا طويلا، ومات على إسلامه.
وعند جمهور المحدثين: هو من لقى الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على إسلامه، سواء طالت صحبته أولم تطل.
وقول الصحابى اصطلاحا: هو مذهبه فى المسألة الفقهية الاجتهادية (2)،
سواء أكان ما نقل عن الصحابى قولا أم فعلا.
وأعلم أن الصحابه رضى الله عنهم كانوا مرجع الافتاء ومنبع الاجتهاد حينما طرأت حوادث جديدة، ووقعت وقائع لا عهد للمسلمين بها فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانوا فى الافتاء متفاوتين بتفاوت نضجهم الفقهى، فأثر عن جملة منهم كثير من الفتاوى بحيث يكون جزءا كبيرا منثورا فى بطون الكتب الفقهية.
وقد اتفقت الأئمة من أصحاب المذاهب الفقهية على أنه لا خلاف فى الأخذ بقول الصحابى فيما لا مجال للرأى والاجتهاد فيه، لأنه من قبيل الخبر التوقيفى عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، ولاخلاف أيضا فيما أجمع عليه الصحابة صراحة أو كان مما لايعرف له مخالف، كما فى توريث الجدات السدس.
ولا خلاف أيضا فى أن قول الصحابى المقول باجتهاد ليس بحجة على صحابى آخر، لأن الصحابة اختلفوا فى كثير من المسائل، ولو كان قول أحدهما حجة على غيره لما وقع منهم هذا الخلاف.
وإنما الخلاف فى فتوى الصحابى بالاجتهاد المحض بالنسبة إلى التابعى ومن بعده، هل يعتبرحجة شرعية أم لا؟
فذهب جمهور العلماء من الحنفيه والمالكية وبعض الشافعية والحنابلة على أنه حجة شرعية مقدمة على القياس، والراجح من الشافعية على أنه ليس بحجة، وهناك أقوال أخري لكنها ترجع إلى هذين القولين.
والراجح أن مذهب الصحابى ليس حجة، ولا يكون دليلا شرعيا مستقلا فيما يكون بالاجتهاد المحض، لان المجتهد يجوز عليه الخطأ، ولم يثبت أن الصحابة ألزموا غيرهم بأقوالهم، فمرتبة الصحبة وإن كانت شرفا عظيما لا تجعل صاحبها معصوما عن الخطأ (4).
أ. د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1 - لسان العرب مادة (صحب) ط دار المعارف، وكذا المصباح المنير للفيومى المطبعة الأميرية بالقاهرة، ط7، 1928م.
2 - فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2/ 20 مع المستصفى للغزالى دارالفكر، وشرح المحلى على جمع الجوامع مع حاشية اللبنانى 2/ 146، مصطفى الحلبى.
3 - مذهب الصحابى وأثره فى الفقة الإسلامى د/سعيد مصيلحى، ص26.
4 - أصول الفقة الإسلامى د/وهبة الزحيلى 2/ 850 ومابعدها ط1، دار الفكر 1986 م، تيسير أصول الفقة، محمد أنور البدخشانى، 162، ومابعدها. ط كراتشى باكستان 1990م.
مراجع الاستزادة:
1 - الاجتهاد فيما لا نص فيه، د/الطيب خضرى السيد 2/ 103 ومابعدها، ط1 مكتبة الحرمين 1983م.
2 - البحر المحيط للزركشى 6/ 53 وما بعدها ط1، وزارة الأوقاف بالكويت 1990م.
3 - تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشى 4/ 441 وما بعدها مؤسسة قرطبة، ط1 1998م.
4 - الحاصل من المحصول لتاج الدين الأرموى تحقيق عبدالسلام أبو ناجى 2/ 1050 وما بعدها، ط1، جامعة قاريونس بنغازى 1994م(1/538)
29 - القومية
لغة: صلة اجتماعية عاطفية تنشأ من الاشتراك فى الوطن والجنس واللغة والمنافع وقد تنتهى بالتضامن والتعاون إلى الوحدة، كالقومية العربية (محدثة) (1)
واصطلاحا: لا يختلف المعنى الاصطلاحى عن المعنى اللغوى، فقد قيل هى فكرة سياسية اجتماعية بالمعنى الواسع، ترمى بالدرجة الأولى إلى توحيد كل جماعة متجانسة من البشر، وخضوعها لنظام سياسى واحد. (2)
والقومية شعور أفراد الشعب بانتمائهم لأمة واحدة، وهو شعور ينبع من الإحساس بالولاء، والاعتزاز بالثقافة والتاريخ القومى، ويمثل ذلك فى الحياة السياسية اقتناع الحكومات بأنها يجب أن تقام على أساس مجموعة من الأفراد يطلق عليهم الشعب، وينادى المؤمنون بالقوميات بأن يكون لكل قومية وطن مستقل بها، كما يكافح زعماء القوميات من أجل أن يكون لشعبهم الحق فى الاستقلال وتقرير المصير.
وتقترن القومية فى أذهان كثير من الناس بالعنصرية، وذلك لأن بعض دعاة فكرة القومية- فى أوروبا خاصة- كانوا يقيمونها على أساس الانتساب إلى عنصر معين، وقامت بحوت ونظريات على أساس تقسيم العالم إلى أجناس وعناصر متباينة، وقد غالى بعضهم فزعم وجود شعوب نقية ذات دماء طاهرة، وشعوب أخرى مختلفة ذات دماء ملوثة، وأدى ذلك إلى الاستعلاء القومى والتعصب العنصرى، وقاد إلى كثير من الهراء الذى يناقض الحقائق العلمية الثابتة فى الاجتماع الإنسانى مما لا يمكن أن يقف أمام النقد العلمى الصحيح.
القومية والقوم:
ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة المزج بين لفظ قوم ومصطلح قومية، أو بعبارة أدق: إن التداعى الذهنى المتحصل من مصطلح قومية يريطه بلفظ قوم، والحقيقة أن لفظ القومية مصطلح حديث نشأ منذ أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر وذلك فى أوروبا، أما لفظ "قوم " فهو عريق جدا منذ عصر المصريين القدماء، والآشوريين، والفينيقيين، والإغريق، والرومان، وهؤلاء أقوام أقاموا دولا مختلفة على سطح المعمورة منذ آلاف السنين.
القومية الوطنية:
وهناك خلط آخر بين مصطلحى القومية والوطنية، حيث يلتبس الأمر بين المصطلحين، ويستعملان تجاوزا كمترادفين، رغم أن بينهما اختلافا، فالوطنية تعنى الانتساب إلى وطن معين، وهى قد تعنى الاهتمام بشئون ذلك الوطن والتعلق به بالعواطف والأحاسيس باعتباره أرض الأجداد. أما القومية فهى أوسع من الوطنية ففيها من الشمول والتجريد والعقائدية ما ليس فى الوطنية، ثم إنها قد تكون مجردة عن الوطن كما هو الحال بالنسبة للصهاينة قبل أن يقيموا وطنًا لهم فى إسرائيل، وقد تشمل أوطانا مختلفة. ولقد أذاب الإسلام القوميات، ولم يعد لنعرة القومية مكان فى ظل الانتساب إلى الإسلام، حتى إننا نرى شعوب العالم فتحت أحضانها لحملة التوحيد النقى والأخوة الجامعة تحت مبدأ: (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم) ولم تفتح أحضانها لنعرة جنسية، أو عزوة أموية، أو عباسية، أو أعراف بدوية وأوهام صحراوية. فالإسلام لم يكن فورة جنسية أو نزعة استقلالية، إنه دين للإنسانية عامة يعلو على الأقوام والأوطان، يربط الناس بربهم ليشهدوا به وحده ويستلهموا منه وحده، وليكونوا فى قارات الدنيا كلّها سواسية فى الكرامة والولاء، فلا سجود إلا لله، ولا حكم إلا لله. وحسبنا قول سلمان الفارسى عندما وجد أناسا يفتخرون بنسبهم إلى قيس أو تميم قال لهم: أبى الإسلام لا أب لى سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم.
(هيئة التحرير)
1 - المعجم الوسيط مادة (قو م) ط مجمع البحوث القاهرة 1985 2/ 789
2 - من وحى العروبة. عبد الرحمن البزاز ص70
__________
المراجع
1 - الإسلام نظام إنسانى: د/ مصطفى الرفاعى- منشورات مكتبة الحياة- بيروت 1958 م.
2 - مع القومية العربية فى ربع قرن. عبد المنعم خلاف ط مكتبة الأنجلو المصرية 1958 م.
3 - من وحى العروبة: عبد الرحمن البزاز- دار القلم بالقاهرة 1960 م
4 - المجتمع العربى ومناهضة الشعوبية د/ إبراهيم العدوى ط نهضة مصر 1961 م.
5 - القومية الإفريقية: إندا سيتهول- ترجمة عبد الواحد إبراهيم الإمبابى ط جمعية الوعى القومى 1960 م.
6 - مائة سؤال عن الإسلام: محمد الغزالى ط دار ثابت- القاهرة 1996 م
7 - مفاهيم مبهمة فى الفكر العربى المعاصر د/ محمد عزيز الحبابى ط دار المعارف- القاهرة 1990 م(1/539)
30 - القوىّ
لغة: هو خلاف الضعيف، وقد قَوِى الرجل، والضعيف يقوى قَوّة فهو: قوى، وقوَّيُته أنا تَقوِية وقاويته فقَوَيته أى: غلبته
واصطلاحا: هو اسم من أسماء الله الحسنى، يثبت لله كمال القدرة على الشيء فلا يستولى عليه العجز فى حال من الأحوال، وهو إحدى صفات العظمة والكمال الدالة على القوة والجبروت.
ولقد سمى الحق تبارك وتعالى نفسه القوى {وهو القوى العزيز} (الشورى 19) فإن حملنا القوة فى حق الله تعالى على كونه كامل التأثير فى الممكنات كان معنى القوة هو القدرة، وإن حملنا القوة فى حق الله تعالى على كونه غير قابل للأثر من غيره كان معنى قوته هو كونه واجب الوجود لذاته، وذلك لأنه كلما كان واجب الوجود لذاته كان واجب الوجود من جميع جهاته، وكل ما كان كذلك لم يقبل الأثر من غيره البته، لا بتحصيل شيء فيه كان معدوما، ولا بإعدام شيء كان موجودا، فكمال حال الشيء فى أن يؤثر يسمى قوة، وكمال حال الشيء أن لا يقبل الأثر من الغير يسمى أيضا قوة فهو اسم يوحى بالغلبة والمنعة والسلطان التام، ونفاذ الأمر فى جميع المخلوقات بلا رد، ولا معارضة، ولا تعقيب.
وقد ورد اسم القوى فى القرآن الكريم مقترنا ومصاحبا لاسمه تعالى المتين .. يقول تعالى {ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذاريات 56 - 58) وهذه المصاحبة تؤدى معنى ثبات هذه القوة ودوامها، فهو يؤثر ولا يتأثر، يغير ولا يتغير، مع الرفعة والتنزه.
وقد ورد مصاحبا لاسمه تعالى العزيز فى عدة مواضع، يقول تعالى {الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوى العزيز} (الشورى 19) .. ويقول تعالى {ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوى عزيز} (الحج 74) ويقول تعالى {كتب الله لأغلبن أنا ورسلى إن الله قوى عزيز} (المجادلة 21) 00 إلى غير ذلك من الآيات التى ورد فيها اسم القوى مصاحبا لاسم العزيز، وهى مصاحبة تدل على القوة القاهرة التى لا يعتريها وهن ولا يلحقها فتور، فهو قوى بنعمه، قوى بنصرته لجنده، قوى بعلمه، قوى بنفاذ إرادته .. إلخ ومن اسم الله القوى يعلم العباد ممن يستمدون قوتهم المادية والمعنوية، وممن يبتغون منه العزة {أن القوة لله جميعا} (البقرة 165).
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - شرح أسماء الله الحسنى. للرازى- تحقيق طه عبد الرؤوف سعد- بيروت م1984 م.
2 - الأسماء والصفات، للبيهقى- دار الكتب العلمية- بيروت.
3 - تفسير أسماء الله الحسنى، للزجاج- تحقيق أحمد يوسف الدقاق- دار المأمون للتراث 1979 م.
4 - أسماء الله الحسنى دراسة فى البنية والدلالة .. د/ أحمد مختار عمر/ط عالم الكتب.
5 - فى ملكوت الله مع أسماء الله، للشيخ عبد المقصود محمد سالم، مطابع شركة- الشمرلى ط12 - 13 4 1 هـ/ 1990م
6 - من عقيدة، المسلمين فى صفات رب العالمين- على محمد المصراتى- دار البيارق ط ا- 18 4 1 هـ/1998 م.
7 - أسماء الله الحسنى- حسنين محمد مخلوف- دار المعارف سنة 1992م.
8 - النور الأسمى فى شرح أسماء الله الحسنى- سليمان محمود- دار الصابونى- القاهرة 990 ام.(1/540)
31 - القياس
لغة: التقدير والمساواة، ولا يكون ذلك إلا بين شيئين كما فى اللسان (1)
واصطلاحا: عرفه الأصوليون بأنه: (2) مساواة فرع لأصل فى علة حكمه، أو بأنه: حمل معلوم على معلوم فى إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من حكم أو صفة. وعرفه المناطقة بأنه (3) قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر.
مثال القياس الشرعى: قياس النبيذ على الخمر فى الحرمة بجامع وجود الإسكار فى كل منهما. وهذا المثال يظهر منه أركان القياس الشرعى وهى: الأصل، والفرع، وحكم الأصل، والعلة الجامعة بين الفرع والأصل. فالخمر أصل يقاس عليه ورد تحريمه بنص الكتاب الحكيم {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} (المائدة 90)،والنبيذ فرع يقاس على الخمر، وحكم الأصل هو الحرمة الثابتة بالنص، والعلة الجامعة بينهما هى الإسكار الموجود فى الفرع كما هو موجود فى الأصل. مثال القياس المنطقى: العنب فاكهة، وكل فاكهة لذيذة الطعم، العنب لذيذ الطعم فهذا المثال يظهر القياس المنطقى وقد ألف من مقدمتين نتج عنهما نتيجة وللقياس الشرعى أقسام عدة من عدة اعتبارات، فمن حيث القوة ينقسم إلى: قياس جلى، وقياس خفى. والجلى كقياس الضرب على التأنيف بالنسبة للوالدين، والخفى كقياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد فى وجوب القصاص فى كل بجامع القتل العمد العدوان.
وينقسم ثانيا بحسب اقتضاء العلة الجامعة للحكم إلى: قياس أولى، وقياس أدنى، وقياس مساو. فإن كان الفرع أولى بالحكم من الأصل فهو الأول كقياس الضرب على التأفيف فالعلة وهى الإيذاء فى الفرع وهو الضرب أقوى من الأصل وهو التأفيف، وإن كانت العله متساوية فيها فهو القياس المساوى كقياس إحراق مال اليتيم على أكله بجامع التلف فى كل منهما ليثبت التحريم فى الإحراق كما نبت فى الأكل، وان كانت العلة فى الفرع أقل منها فى الأصل فهو قياس الأدنى كقياس النبيذ على الخمر فى الحرمة بجامع الإسكار (4).
وهناك تقسيمات أخرى للقياس الشرعى ذكرها الأصوليون فى كتبهم فليرجع إليها، واعلم أن القياس هو رابع الأدلة المتفق عليها بين الفقهاء، ولم ينكره إلا من لا يعتد به من أهل الأهواء والبدع، وهو مجال خصب كأحد أهم أصول التشريع الإسلامى، لأنه من المعلوم أن النصوص متناهية والوقائع غير متناهية فيضطر إلى قياس ما لا أصل له من كتاب أو سنة على ما له أصل إن وجد الجامع بينهما المستمد.
أما القياس المنطقى فإنه ينقسم أولا الى قياس اقترانى، وقياس استثنائى (5). فالاستثنائى: ما ذكرت فيه النتيجة أو نقيضها بصورتها ومادتها، مثل: كلما كان هذا جسما كان متميزا، لكنه جسم ... هو متميز. فالنتيجة: هو متميز، مذكورة فى القياس بصورتها ومادتها، ولكنها خالية من الحكم، وسمى هذا استثنائيا، لذكر أداة الاستثناء فيه، وهى لكن.
والإقترانى: هو الذى لم تذكر فيه النتيجة ولا نقيضها بالفعل، مثل: العدل فضيلة، وكل فضيلة يجب التحلى بها ... العدل يجب التحلى به.
فهذه النتيجة: العدل يجب التحلى به، لم تذكر فى القياس بصورتها وهيئتها، وإنما ذكرت فقط بمادتها، وسمى هذا اقترانيا، لاقتران الحدود فيه، أو لذكر أداة الاقتران فيه وهى الوراء. وينقسم الاقترانى بدوره إلى حملى وشرطى، ولكل منها تقسيمات وتركيبات مبسوطة فى كتب المنطق.
واعلم أن القياس المنطقى بقسميه الاقترانى والاستثنائى أحد أنواع الاستدلال عند الأصوليين المتفق عليها، ويعتبرونها من الأدوات المهمة التى تحكم ذهن الفقيه عند البحث فى الأصول الشرعية من نص أو كتاب أو قياس علة، بل إنها تعتبر مجموعة من الضوابط لطلب الدلالة من الدليل الشرعى على الحكم، وقد اعتبره أحد أنواع الاستدلال من الأصوليين الآمدى وابن الحاجب وابن السبكى وغيرهم كثير.
أ. د/ على جمعة محمد
1 - لسان العرب لابن منظور 5/ 3793 دار المعارف المعجم الوسيط 2/ 770 دار المعارف 1972م
2 - مختصر المنتهى بشرح العضد 2/ 204 وما بعدها الأميرية الكبرى 1317هـ شرح المحلى على جمع الجوامع 2/ 173 دار الفكر 1995م- المستصفى للغزالى ومعه فواتح الرحموت 2/ 54 الأميرية الكبرى بمصر.
3 - المرشد السليم فى المنطق الحديث والقديم د. عوض الله حجارى ص 119 الطبعة الأولى دار الطباعة المحمدية.
4 - أصول الفقه الإسلامى د. وهبة الزحيلى 1/ 702 وما بعدها، دار الفكر، طبعة أولى 1986م.
5 - المرشد السليم فى المنطق الحديث والقديم مما 12 وما بعدها.
__________
المراجع
1 - الفائق فى أصول الفقه، لصفى الدين الهندى تحقيق د/ على عبد العزيز العميرينى 4/ 5 وما بعدها، طبعة السعودية 1413 هـ.
2 - تقريب الوصول إلى علم الأصول، لابن جزىَ، تحقيق محمد المختار الشنقيطى ص343 مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى 1414 هـ.
3 - الصالح فى مباحث القياس عند الأصوليَن د. السيد صالح عوض طبعة أولى 1988م مدار الشافعى للطباعة بالمنصورة.
4 - شرح السلم فى المنطق للاخضرى تأليف عبد الرحمن فرج الجندى ص58 وما بعدها، دار القومية العربية للطباعة(1/541)
32 - القيوم
لغة: قام قوما وقياما، وقومة: انتصب واقفا. وقام الأمر: اعتدل، وقام الحق ظهر واستقر. وقام على الأمر: دام وثبت، وقام على أهله: تولى أمرهم وقام بنفقاتهم. واستقام الشيء: اعتدل واستوى. والقوام: العدل، وفى التنزيل العزيز {وكان بين ذلك قوا ما} (الفرقان 67) والقوَّام: الحسن القيام بالأمور. والمتولى لها وفى التنزيل العزيز {الرجال قوامون على النساء} (النساء34) والقيوم: القائم الحافظ لكل شيء (1) وقد ورد الاسم فى آيات من القرآن هى:
قوله تعالى {الله لا إله إلا هو الحى القيوم} (البقرة 255)، وقوله تعالى {وعنت الوجوه للحى القيوم} (طه 111).
واصطلاحا: القيوم: القائم بنفسه والمقيم لغيره فيه قامت السموات والأرض وهو من الأسماء المتعلقة بذاته. (2)
وقيل: القائم وهو الدائم الذى لا يزول. وقيل: القيم بحفظ كل شيء ورزقه وتصريفه فيما شاء وأحب من تغيير وتبديل وزيادة ونقص (3)
وقيل: هو القائم على كل شيء بالرعاية له ولمجال قمت بالشيء إذا وليته بالرعاية والمصلحة. وقيل: هو المدبر والمتولى بجميع ما يجرى فى العالم.
وقيل الحى القيوم: كامل الحياة القائم بنفسه، القيوم لأهل السماوات والأرض، القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم، فالحى: الجامع لصفات الذات، والقيوم الجامع لصفات الأفعال.
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم:
1 - أن الله لا يحتاج فى قيامه ودوامه إلى أحد، يُطعم ولايُطْعم، وكيف يحتاج إلى غيره أو إلى أحد من خلقه وهم أنفسهم لا قيام لهم إلا بإقامة الحى القيوم لهم.
2 - وصفه تعالى أنه المدبر لأمر الخلائق فى السماء والأرض ولا شك أن من عرف هذه الصفة فى ربه توكل عليه وانقطع قلبه عن الخلق إليه وذلك أنهم محتاجون مفتقرون مثله إلى خالقهم فى قيامهم وقعودهم وحياتهم. وبعد مماتهم فى دينهم ودنياهم فكيف يرجوهم بعد ذلك؟
3 - ومن كمال قيوميّته تعالى أنه لا ينام، إذ هو مختص بعدم السنة والنوم دون خلقه فإنهم ينامون.
اقتران هذا الاسم بالحى يستلزم سائر صفات الكمال ويدل على بقائها ودوامها فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها وإليهما يرجع معانيها وكان رسول الله هو مختص بعدم السنة والنوم دون خلقه فإنهم ينامون.
اقتران هذا الاسم بالحى يستلزم سائر صفات الكمال ويدل على بقائها ودوامها فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها وإليهما يرجع معانيهما وكان رسول الله يدعو "ياحى ياقيوم " (4). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قال أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه ثلاثا غفرت ذنوبه وإن كان فارا من الزحف " (5)
(هيئة التحرير)
1 - المعجم الوسيط، مادة "قصد" مجمع اللغة العربية .. 2/ 798
2 - العقائد الإسلامية للشيخ السيد سابق ص 37 دار الكتب الحديثه، ط3/، 1976 م
3 - مجاز القرآن، لأبى عبيدة 1/ 78
4 - سنن النسائى في عمل اليوم والليلة 612.
5 - أخرجه الحاكم 1/ 511.
__________
المراجع
1 - النهج الأسمى فى شرح اسماء الله الحسنى، لمحمد بن حمد الحمود.
2 - المقصد الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى، لأبى حامد الغزالى.
3 - تفسير أسماء الله الحسنى، للزجاج.(1/542)
1 - الكِتَاب
اصطلاحا: إذا أريد تعريف الكتاب تعريفا ماديا فهو مجموعة من الصفحات المكتوبة أو المطبوعة (على ورق أو على مادة أخرى مناسبة للكتابة أو الطباعة)، والمثبتة مع بعضها من أيّة ناحية أو أى طرف بحيث يمكن فتح الكتاب على أية صفحة من تلك الصفحات.
ومع انتشار الطباعة وسيادتها أصبح المصطلح ينصرف تلقائيا إلى ما هو مطبوع، على حين يطلق على الكتاب المكتوب بخط اليد مصطلح "المخطوط الأصلى للكتاب "، ومعنى هذا الاقتصار فى استعمال الكتاب على ما طبع منه عدد من النسخ.
ومع تقدم الوسائل الإلكترونية يطلق مصطلح " الكتاب الإلكترونى" أو "النسخة الإلكترونية" التى بدأ إنتاجها من كتب مطبوعة من قبل، ومن الجائز مستقبلا أن يقتصر نشر بعض الكتب على النشر الإلكترونى فلا تتاح فى غيره من وسائل الطباعة.
بدأت الكتابة على ألواح من الطين أو الصلصال أو قطع من الخشب، وعرف السومريون والبابليون الكتاب الفخارى قبل أربعة آلاف سنة، وتوصل القدماء المصريون إلى الكتابة على أوراق مصنوعة من سيقان نبات البردى الذى ينمو فى وادى النيل، وهكذا كانت الكتب المصرية القديمة لفائف طويلة من صفحات البردى. وبدأت صفحات الرَّق تحل محل البردى حوالى 400 قبل الميلاد (وفى بعض الأقوال أن هذا لم يحدث إلا فى حدود عام 200 ق. م) وقد عثر العلماء فى أحد القبور المصرية على لفافة بلغ طولها 21 مترا وعرضها 38 سم تحتوى كتاب الموتى (ويعود تاريخ القبر الذى ضمها إلى 2400 قبل الميلاد) كما عثروا على لفافات أطول من ذلك. وقد صدرت مصر البردى إلى مختلف البلدان التى أقبلت عليه لخفة وزنه وصلاحيته للكتابة.
وقد أخذ الإغريق نظام اللفافات من المصريين، وعنهم أخذه الرومان، ومن لفظة البردى papyrus اشتقت لفظة الورق paper.
أما اسم الكتاب فى اللغة الإغريقية Biblion فقد اشتقه الإغريق من اسم مدينة "جُبَيل Byblos هى الميناء الفينيقى الذى أصبح فيما بعد مركزا لتصدير البردى. ومن هذه الكلمة نشأت Bible للدلالة على الكتاب المقدس.
أما الرق فقد صنع من جلود بعض الحيوانات (الخراف والماعز) بعد معالجتها بطرق خاصة تجعلها صالحة للكتابة عليها. وإلى الرومان يرجع الفضل فى تقنين مقاسات مختلفة لصفحات الكتب وخياطة هذه الصفحات معا. وإلى الرهبان يرجع الفضل فى ابتكار طرق تزيين المخطوطات بالزخارف، ولما اخترع جوتنبرج الطباعة (1436) كان هذا إيذانا بنقطة تحول فى تاريخ الكتابة نقلته من طور المخطوطة إلى طور المطبوعة. قد كان الكتاب المقدس أول كتاب طبع فى أوروبا، وقد طبعه جوتنبرج نفسه ما بين 1452 و 1455.
ومن ثم عُرف الكتاب على النحو الذى نعرفه الآن وأصبح بمثابة أبرز الوسائل المعرفية على الإطلاق وأكثرها تأثيرا ووجودا.
2 - ويطلق مصطلح الكتاب بصفة خاصة فى الأديان على النص الحاكم لشرائع وطبائع ومقومات الدين، والكتاب عند المسلمين هو القرآن الكريم، ويرد بهذا الاسم فى القرآن الكريم نفسه فى مواضع عديدة، كما يطلق أيضا على اللوح المحفوظ وهو المراد على سبيل المثال فى قوله تعالى: {ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين} (الأنعام 59) والكتاب المقدس هو المصطلح الذى يطلق على العهد القديم عند اليهود، وعلى العهد القديم والعهد الجديد معا عند المسيحيين، إذ لا يعترف اليهود بالأناجيل على حين يعتبرها المسيحيون كلمة الله، ويشمل العهد القديم التوراة والأسفار الملحقة بها، وهى كل ما يؤمن به اليهود. وقد بدأ الكتاب المقدس كتراث شفهى بالعبرية، ثم ترجم إلى الآرامية واليونانية، ثم إلى السريانية واللاتينية فى القرن الثانى للميلاد، أما الترجمة الإنجليزية الكاملة فلم تظهر إلا فى نهاية القرن الرابع عشر.
وتعدد وسائل ضم الكتب: الخياطة والتغرية، والأسلاك المعدنية، ويكون للكتاب غلاف: ورقى أو كرتونى أو قد يجلد بالقماش والجلد ونحوهما.
فى القرن الثامن للميلاد بدأ العرب يستخدمون الورق بدلا من الرقوق، وعنهم أخذته البلدان الأوروبية فى القرن الثانى عشر. وقد أنشئ أول مصنع للورق فى بريطانيا فى القرن الخامس الميلادى.
وبعد انتشار الطباعة نشأت دور النشر التى تتولى صناعة إصدار الكتاب وتوزيعه، وهى الآن عملية ذات مراحل متعددة تبدأ بإعداد المخطوطة للطبع. ضبط النص، والتصحيح اللغوى، ورسم ما تحتاجه من إيضاحات أو خرائط أو جداول أو صور، ووضع نموذج لطريقة إخراجها كى يسترشد به الطابع وينفذه، ثم الطبع.
وقد يشترى الناشر المخطوطة لقاء مبلغ معين مقطوع أو مقابل نسبة مئوية من عائدات الكتاب تدفع إليه سنويا. وقد عرف القدماء النشر فى صوره البدائية: فكان هناك مَنْ امتهنوا نسخ المخطوطات وبيعها.
ويشمل النشر اليوم عائلة الكتاب الكبيرة من الصحف، والمجلات، والاسطوانات، والأفلام الثقافية، والخرائط الجغرافية، ووسائل الإيضاح ثم الكتاب الصوتى والإلكترونى.
أ. د/ محمد الجوادى
__________
المراجع
1 - World book Encyclopel
2- التعريفات للجرجاني
3 - الموسوعة العربية الميسرة(1/543)
2 - الكُتَّاب
لغة: الكتاب بالضم والتشديد، والمكتب واحد والجمع: الكتاتيب والمكاتب (1)
واصطلاحا: استخدمه المسلمون للدلالة على المكان الذى ينال فيه الأطفال المسلمون تعليمهم الأول سواء تم هذا التعليم داخل المسجد أم فى أماكن مستقلة أو ملحقة بالمسجد. وتؤكد الشواهد التاريخية أن المسلمين قد عرفوا الكُتَاب منذ عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يذكر ابن حزم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمت إلا وقد انتشر الإسلام وظهر فى جميع جزيرة العرب، "كلهم قد أسلم وبنوا المساجد ليس فيها مدينة ولا قرية ولا حلة لأعراب إلا وقد قرئ فيها القرآن فى الصلوات وعلمه الصبيان والرجال والنساء" (2)
وإذا كان وجود الكتاب لتعليم القرآن قراءة وكتابة فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحتاج الى مزيد من الأدلة والتدعيم فإن الذى لا شك فيه أن المسلمين قد عرفوا الكتاب فى عهد عمر بن الخطاب يقول ابن حزم "ثم مات أبو بكر ووليه عمر ففتحت بلاد فارس طولاً وعرضا وفتحت الشام والجزيرة ومصر كلها ولم يبق بلد إلا وبنيت فيه المساجد ونسخت فيه المصاحف وقرأ الأئمة القرآن وعلمه الصبيان فى المكاتب شرقا وغربا" (3).
ولما كان الإسلام يحث على طلب العلم ويجعله فريضة على كل مسلم، فقد اندفع المسلمون لطلب العلم كما أوجب الإسلام على الآباء أن يعلموا أولادهم إذا كانوا قادرين على ذلك (4) وفى حال عدم القدرة تحفل كتب التراجم بأسماء معلمين علموا الصبيان مجانا، وصبيان تعلموا من الأوقاف التى كان يحبسها المحسنون على طلاب العلم، بجوار ما كان يسود المجتمع الإسلامى من شعور بالتكافل الاجتماعى بين أفراده، مما أتاح لكثير من الصبيان أن يتعلموا على نفقة صديق أو قريب أو جار. كذلك وجدت مكاتب للأيتام والفقراء خاصة لرعاية شئونهم وتقديم "المعاليم" النقدية والعينية لهم ولمؤدبيهم، وأقبل الحكام وغيرهم على إنشاء تلك الكتاتيب للفقراء وغير القادرين (5).
وطوال العصور الإسلامية وحيثما ذهب الإسلام انتشرت الكتاتيب لتعليم الصبيان أساسيات الإسلام من قرآن وسنة وسيرة وفقه ولغة وحساب، بحيث وحدت تلك الكتاتيب ثقافة الأمة، وحافظت على لغة القرآن، ويكفى أن ننقل هنا ما ذكره أحد الباحثين أنه حتى فى قمة عصور الضعف والركود الثقافى فى القرن الثامن عشر فإن بلدا إسلاميا كمصر لم توجد به قرية واحدة إلا وبها مؤسسة تعليمية على الأقل (كتاب) لتعليم الأطفال (6). هذا وما تزال بعض الكتاتيب قائمة حتى اليوم فى عالمنا الإسلامى وإن نافستها بشدة مدارس التعليم الابتدائى على النمط الأوروبى، ولو أحسنت دول العالم الإسلامى
صنعا لحافظت على الكتاتيب مع تطويرها وتحديثها كمؤسسة للتعليم الابتدائى فى جميع أنحاء العالم الإسلامى.
أ. د/ عبد الرحمن النقيب
1 - لسان العرب مادة (كتب). المعجم الوسيط والقاموس المحيط والصحاح، والمورد.
2 - الفصل فى الملل والنحل- ابن حزم 1/ 66.
3 - المرجع السابق 1/ 67
4 - التربية فى الإسلام- أحمد فؤاد الأهوانى ص 67
5 - بحوث فى التربية الإسلامية- عبد الرحمن النقيب 2/ 23،33
6 - المرجع السابق 2/ 81.
__________
المراجع
1 - معاهد التربية الإسلامية- سعيد إسماعيل على: دار الفكر العربى. القاهرة 1986 ص125 - ص200
2 - التربية الإسلامية نظمها، فلسفتها، تاريخها، أحمد شلبى: مكتبة النهضة العربية القاهرة 1982 م.
Tritton A.S: Materials muslim Education in the middle Ages, luzac & co. ltdv london, 1957(1/544)
3 - الكتابة كصناعة
لغة: كتب الكتاب كتبا وكتابا وكتابة خطه، الكتابة: صناعة الكاتب، كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: الكتابة -كخط- يستخدم فى تسجيل المعلومات قديمة جدا وترجع إلى الألف السادسة قبل الميلاد، وقد بدأت الكتابة بتصويرالأفكار ثم بتصوير الكلمات ثم بترميز الأصوات بالشكل الأبجدى، وإن كانت هناك حتى اليوم كتابات تصويرية بالكلمات.
والكتابة العربية -كخط- اشتقت من الكتابة النبطية فى نحو القرن الثالث الميلادى ودخلت إلى شمالى الجزيرة العربية فى نحو القرن الخامس الميلادى وأوائل السادس الميلادى.
وقد استخدمت الأبجدية العربية كفن زخرفى مع مطلع القرن (الثانى الهجرى، الثامن الميلادى)، وتأنق الخطاطون المسلمون فى ذلك تأنقا شديدا. وتفرع عن الكتابة العربية عشرات من الخطوط والأقلام مع مرورالوقت.
أما الكتابة كصناعة فقد عرفها العرب باسم صناعة الإنشاء. وقد برع العرب
فى تأليف الكتب حول هذه الصناعة وذلك بعد أن انتشر تدوين الكتب فى نهاية القرن الثانى الهجرى. ومن بين الكتب الهامة فى هذا الصدد كتاب ابن جماعة "تذكرة السامع والمتكلم فى أدب العالم والمتعلم" وكتاب القلقشندى "صبح الأعشى فى صناعة الإنشا".
ولقد أجمع العلماء المسلمون على أن صنعة الكتابة فضيلة والاشتغال بها عمل محمود، والنصوص فى هذا الصدد كثيرة.
وقد وضع العلماء المسلمون لصنعة الكتابة ظوابط وقواعد وآداب بعضها قواعد مادية، إبعضها قواعد معنوية. ومن أهم تلك القواعد:
1 - إذا كتب الكاتب شيئا من العلوم الشرعية، يجب أن يكون على طهارة مستقبلا القبلة، طاهر البدن والثياب والحبر والورق ويبتدىء كل كتاب بكتابة البسملة. وإذا فرغ من كتابة الكتاب أوالجزء فليختمه بالحمد له والصلاة على النبى، وكلما كتب اسم لله تعالى أتبعه بالتعظيم مثل: تعالى، سبحانه، ويتلفظ بذلك.
وكلما كتب اسم النبى كتب بعده صلى الله عليه وسلم ولا يسأم من تكريرها ولايختصرها، ويجب أن يتلفظ بها وهو يكتبها، وإذا مر بذكر أحد من الصحابة كتب بعده رضى الله عنه أو رضوان الله عليه. أما إذا مر بذكرأحد من الأئمة كتب بعده رحمه الله أو رحمة الله عليه أو تغمده الله برحمته.
2 - لايهتم الكاتب بالمبالغة فى حسن الخط وإنما يهتم بصحته وتصحيحه ويتجنب التعليق وهو خلط الحروف التى ينبغى تفرقها والمشق وهو سرعة الكتابة مع بعثرة الحروف. قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه:
شر الكتابة المشق وشر القراءة الهدرمة (التصفح السريع دون تدبر المعنى) وأجود الخط أبينه.
3 - يكره فى الكتابة فصل مضاف اسم الله تعالى منه: عبدالله، عبدالرحمن، رسول الله، فلا يكتب عبد أو رسول فى نهاية السطر والله أو الرحمن فى بداية السطر التالى لقبح صورة الكتابة.
4 - وإذا كان الكاتب ينسخ كتابا فعليه مقابلة النسخة على أصل موثوق صحيح فالمقابلة متعينة للكتاب الذى يرام به النفع. قال عروة بن الزبير لابنه هشام رضى الله عنهما: كتبت؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ (أى على أصل صحيح) قال: لا، قال: لم تكتب.
وإذا صحح الكتاب بالمقابلة على أصل صحيح أو على شيخ فينبغى أن يعجم المعجم، ويشكل المشكل، ويضبط الملتبس، ويتفقد مواضع التصحيف.
5 - على الكاتب أن يكتب على ماصححه وضبطه فى الكتاب (صح) صغيرة. ويكتب فوق ماوقع فى التصنيف وهو خطأ (كذا) صغيرة أى هكذا رأيته، ويكتب فى الحاشية (صوابه كذا) إن كان يتحققه أو (لعله كذا) إن غلب على ظنه، ويكتب على ما أشكل عليه ولم يتبين صحته (ضبة) وهى صورة رأس صاد مهملة مختصرة (ص).
6 - لايكتب الكاتب الكتابة الدقيقة لأنه ربما لم ينتفع بها وقت الحاجة من كبر وضعف بصر، ثم محله فيمن عجزعن ثمن ورق أو حمله فى سفر فيكون معه خفيف المحمل فلا كراهة فى ذلك ولا منع للعذر، والكتابة بالحبر أولى من المداد.
7 - ينبغى ألا يكون القلم صلبا جدا فيمنع سرعة الجرى، ولا رخوا فيسرع إليه الحض، وقال البعض إذا أردت أن تجود خطك فأطل جلفتك وأسمتها، وحرف قطتك وأيمنها، ولتكن الساكين حادة جدا لبراية الأقلام وكشط الورق
ولا تستعمل فى غير ذلك. وليكن مايسقط عليه القلم صلبا وهم يحمدون القصب الفارسى جدا والأبنوس الصلب الثقيل.
8 - ينصح الكاتب عادة بكتابة الأبواب بالحمرة فإنه أظهر فى البيان وفى فواصل الكلام، وكذلك لابأس به على أسماء أو مذهب أو أقوال أو طرف أو أنواع أو لغات أو أعداد أو نحو ذلك.
ومن أدوات الكتابة عند المسلمين: القلم - المداد - الدواة - المدية - المقط - المفرشة - الممسحة - المقلمة.
وقد تطورت مواد الكتابة عند المسلمين مع مرور الزمن: من مواد طبيعية مثل العسب والكرانيف، والعظام، واللخاف، وقطع الفخار، إلى مواد مصنعة كالمهارق، والبردى، والرق، ثم الورق.
أ. د/شعبان عبدالعزيز خليفه
__________
مراجع الإستزادة:
1 - صبح الأعشى للقلقشندى.
2 - تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة(1/545)
4 - كُتَّاب الوحى
كتاب: جمع كاتب والكاتب عند العرب العالم، ومنه قوله تعالى: {أم عندهم الغيب فهم يكتبون} الطور:41 (1).
والوحى فى اللغة: إعلام الغير بشىء فى خفاء.
واصطلاحا: إعلام الله تعالى لنبى من أنبيائه، وهو من خصائص الأنبياء والرسل، ويكون مباشرة كما فى تكليم الله موسى على الجبل، أو بواسطة الملائكة الذين يحملون التعاليم الإلهية إلى من اصطفاهم الله من خلقه وهم الرسل، وقد جاء ذكر الوحى فى الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، ويعتبر القرآن الكريم هو الوحى المنزل على النبى صلى الله عليه وسلم باللفظ المنقول عنه بالتواتر حفظا وكتابة، ويعتبر إعجاز القرآن اثباتا لنبوته عليه السلام (2).
وقد اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كتابا للوحى، منهم من كان يكتب فى بعض الأحيان ومنهم من كان منقطعا للكتابة ومتخصصا لها، وكلما نزل شىء من القرآن الكريم أمرهم عليه السلام بكتابته مبالغة فى تسجيله وزيادة فى التوثيق والضبط والاحتياط لكتاب الله تعالى، حتى تظاهر الكتابة الحفظ ويعاضد النقش اللفظ وكان هؤلاء الكتّاب من خيرة الصحابة.
وكان عليه السلام يدلهم على موضع المكتوب من سورته فيكتبونه فيما يسهل عليهم من العسب (جريد النخل) واللخاف (الحجارة الرقيقة) وقطع الأديم (الجلد) والرقاع (من الورق والكاغد) ثم يوضع المكتوب فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقض العهد النبوى إلا والقرآن مجموع على هذا النمط (3).
وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عددا من الكتّاب وصل بهم بعض المؤرخين إلى ستة وعشرون كاتبا، ووصل بهم البعض الآخر إلى اثنين وأربعين كاتبا منهم فى مكة:
"على بن أبى طالب وعثمان بن غفان. وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وخالد بن سعيد بن العاص، وعامر بن فهيرة. والأرقم بن أبى الأرقم، وأبو سلمة عبدالله بن عبد الأسد المخزومى، وجعفر بن أبى طالب. وحاطب بن عمرو، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبدالله بن أبى بكر".
وأضيف إليهم فى المدينة:
"أبو أيوب الأنصارى، وخالد بن زيد. وأُبىُّ ابن كعب، وزيد بن ثابت، وعبدالله بن رواحة، ومعاذ بن جبل، ومعيقب بن أبى فاطمة الدوسى، وعبدالله بن عبدالله بن أُبّى بن سلول، وعبدالله بن زيد، ومحمد بن مسلمة،
وبريدة بن الحصيب، وثابت بن قيس بن شماس، وحذيفة بن اليمان، وحنظلة بن الربيع، وعبدالله بن سعد بن أبى سرج".
وزاد بعد الحديبية:
"أبو سفيان صخر بن حرب، ويزيد بن أبى سفيان، ومعاوية بن أبى سفيان، وخالد بن الوليد، وجهم بن سعد وجهم بن الصلت بن مخرمة، والحصين بن النمير، وحويطب بن عبد العزى، وعبدالله بن الأرقم، والعباس بن عبدالمطلب، وأبان بن سعيد بن العاص، وسعيد بن سعيد بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، والعلاء الحضرمى".
هذا وقد أضحى فى المدينة لكل كاتب اختصاص تقريبا، فكان يكتب الوحى على بن أبى طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وأبىّ بن كعب ويكتب للملوك والأمراء زيد بن ثابت ويكتب للمعاهدات على بن أبى طالب ويكتب لحوائج الناس المغيرة بن شعبة ويكتب المدانيات فى المجتمع عبدالله بن الأرقم ويكتب الغنائم معيقب بن أبى فاطمة الدوسى، وعندما كان يغيب أى
كاتبا من هؤلاء، كان يكتب حنظلة بن الربيع، لذا عرف بالكاتب (4).
أ. د/عبدالله جمال الدين
__________
الهامش:
1 - المعجم الوجيز: مجمع اللغة العربية، ص526 ومختار الصحاح ص562.
2 - دائرة المعارف الحديثة، أحمد عطية الله، ص741.
3 - القرآن والتفسير، عبدالله شحاته، ص24،25.
4 - التاريخ الإسلامى، محمود شاكر، ص379،380(1/546)
5 - الكثرة
لغة: هى ضد الوحدة.
واصطلاحا: الشيء الذى يقبل الانقسام إلى وحدات مختلفة والكثرة والوحدة لفظان. متقابلان متضايفان، فلا نفهم أحدهما دون نسبته إلى الآخر، لأننا نعرف الواحد فنقول:
إنه الشيء الذى لا ينقسم من الجهة التى قيل له إنه واحد.
والواحد بالعدد، إما أن يكون فيه بوجه من الوجوه كثرة بالفعل، فيكون واحدا بالتركيب والاجتماع، وإما أن لا يكون ... والكثير يكون كثيرا على الإطلاق، وهو العدد المقابل للواحد ... وقد يكون الكثير كثيرا بالإضافة، وهو الذى يترتب بإزائه القليل والكثرة تتطرق إلى الذوات من خمسة أوجه:
الاول: بقبول الانقسام فعلا أو وهما، فلذلك لم يكن الجسم الواحد واحدا مطلقا،
فإنه واحد د بالاتصال القائم القابل للزوال فهو منقسم فى الوهم بالكمية.
الثانى: أن ينقسم الشيء فى العقل إلى معنيين مختلفين لا بطريق الكمية، كانقسام الجسم إلى الهيولى والصورة.
الثالث: الكثرة بالصفات، بتقدير العلم والقدرة والإرادة.
الرابع: كثرة عقلية تحصل بتركيب الجنس والفصل: فالحيوانية غير الإنسانية فى العقل، إذ الحيوان جنس والناطق فصل.
الخامس: كثرة تلزم من جهة تقدير ماهية، وتقدير وجود لتلك الماهية، ولذلك يجوز أن يدرك العاقل ماهية الإنسان وماهية المثلث وليس يدرى أن لهما وجودا فى الأعيان أم لا.
فالكثرة صفة الشيء المركب من وحدات مختلفة، فإذا كانت هذه الوحدات قابلة للإحصاء كانت الكثرة متناهية، وإذا كانت غير قابلة للإحصاء كانت الكثرة غير متناهية.
ومذهب الكثرة هو المذهب القائل إن موجودات العالم ليست مجرد أعراض أو ظواهر لحقيقة واحدة مطلقة، وإنما هى مجرد جواهر شخصية كثيرة مستقلة بعضها عن بعض، ولكل منها صفات تخصّه، بخلاف مذهب الواحدية الذى يقرر أن جميع أشياء هذا العالم ترجع إلى حقيقة واحدة، ولا يجوز التعدد.
ومن المسائل الشائكة التى شغلت أذهان الفلاسفة مسألة صدور الكثرة عن الوحدة، فالقائلون بوحدة الوجود يقررون أن موجودات العالم ليست سوى أحوال أو أعراض لجوهر واحد عميق، والقائلون بإله واحد خلق العالم من لا شيء، يرجعون الكثرة التى فى الأشياء إلى فعل إرادة مطلقة تخلق الأشياء كما تريد،
وفى الوقت الذى تريد، وهذه الإرادة هى إرادة الله تعالى.
أ. د/ محفوظ عزام
__________
المراجع
1 - كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوى طبعة استنبول.
2 - كتاب النجاة، ابن سينا- نقحه وقدم له د. ماجد فخرى، بيروت 1985.
3 - تهافت الفلاسفة، تحقيق د. سليمان دنيا، الطبعة الخامسة، دار المعارف، القاهرة ..
4 - المعجم الفلسفى، د- جميل صليبا الشركة العالمية للكتاب، بيروت، القاهرة.(1/547)
6 - الكذب
الكذب: نقيض الصدق، والصدق مطابقة الخبر للواقع ولو بحسب اعتقاد
المتكلم فى لسان العرب: كذب يكذب كذبا، تقول: رجل كاذب، وكذاب، وفى قوله تعالى: {ليس لوقعتها كاذبة} الواقعة:2.
وجاء فى لغة العرب تَكَذّبوا عليه: زعموا أنه كاذب وتُكذّب فلان: إذا تكلف الكذب، والكذابة: ثوب يصبغ بألوان ينقش كأنه موشى.
والكذابان: مسيلمة الحنفى، والأسود العنسى (1).
وللكذب دوافع منها:
1 - الاعتزاز بخداع النفس، ومحاولة اجتلاب النفع مع أن فيه الهلكة، قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لأن يضعنى الصدق، وقلما يضع، أحب إلى من أن يرفعنى الكذب وقلما يفعل.
2 - أن يؤثر فيكون حديثه مستغربا وكلامه مستطرفا.
3 - أن يقصد بالكذب التشفى من عدوه، فيسمه بقبائح يخترعها عليه.
4 - أن يتعود الكذب، حتى يصير الكذب سجية له.
ولقد حرم الإسلام الكذب لكن السنة المطهرة وردت بإرخاصه فى الحرب
وإصلاح ذات البين على وجه التورية، والتأويل دون التصريح به، فإن السنة لم ترد بإباحة الكذب على وجه التصريح قط، كما أن من الصدق ما يقوم مقام الكذب فى القبح والمعرة، كالغيبة والنميمة.
أما الآثار السلبية للكذب على الفرد وعلى الأمة:
1 - تضيع به الحقوق، فمنه شهادة الزور.
2 - تفقد به الثقة، فتفقد الطمأنينة إلى الكاذب فيحجم الناس عن التعامل معه.
3 - الكذب عنصر إفساد كبير للمجتمعات الإنسانية وسبب هدم لأبنيتها الحضارية، وتقطيع لروابطها وصلاتها، ورذيلة من رذائل السلوك ذات الضرر البالغ.
4 - إن الكذب طريق إلى النار فيه يخسر الإنسان آخرته بعد خسارة دنياه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجوز وإن الفجور يهدى إلى النار ومايزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".
ولهذا استحالت صفة الكذب على الرسل، ووجبت لهم صفة الصدق، فلو جازت عليهم صفة الكذب، لما وثق الناس فى أخبارهم فتضيع الفائدة من الرسالة، فكان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره موصوفا بالصادق الأمين، بقدر ما أتخذ من الصدق صفة له دليلا لايقبل الجدل لإثبات كونه رسول الله تعالى.
أ. د/عبدالسلام محمد عبده
__________
مراجع الاستزادة:
1 - الأخلاق فىالإسلام، د/عبداللطيف العبد.
2 - لسان العرب لابن منظور 5/ 3841،3842.
3 - تهذيب الأخلاق لمسكويه(1/548)
7 - الكرامة
لغة: تعنى العزازة حيث تقول: فلان كريم على، بمعنى عزيز لدى والمكرمة: فعل الكرم، والمكرم: الرجل الكريم على كل أحد.
واستكرم الشىء: أى طلبه كريما، وكريم: ورد فى التنزيل {إنى ألقى إلى كتاب كريم} النمل:29، أى حسن معناه، محمود ما فيه (1).
واصطلاحا: فى منظور رجال التوحيد هى أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم بمتابعة نبى، كلف بشريعة، مصحوبا بصحيح الاعتقاد، والعمل الصالح عمل بها أم لم يعمل. والمكرمة سواء
أعلم بها أم لم يعلم لايتحدى بها كالمعجزة.
وفى مسألة وقوع الكرامة من ولى أو عدم ظهورها على يديه مذهبان: المذهب الأول وهو لأهل السنة:
فهم يرون الكرامة جائزة عقلا، وواقعة فعلا فى الحياة، وبعد الممات، بل إن بعضهم يذهب إلى أن حدوثها بعد الموت أولى لصفاء النفس حينذاك من الأكدار، ويستندون فيما ذهبوا إليه من جواز وقوعها على أنه لا يلزم من فرض وقوعها محال، وكل ما كان كذلك يكون جائزا.
ويستدلون على ذلك بما ورد فى القرآن الكريم من قصة مريم حيث أنبتها الله تعالى نباتا حسنا، وكان زكريا (عليه السلام) كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا كثيرا.
وقصة أهل الكهف الذين لبثوا فى الغار ثلاثمائة سنين وإزدادوا تسعا دون طعام أو شراب فضرب الله على آذانهم لأن الأذن موطن الإيقاظ فى الإنسان، والشمس تطهر كهفهم من الأمراض فإذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين.
كذلك ماذكره القرآن عن الذى عنده علم الكتاب الذى أحضر عرش بلقيس من اليمن إلى بلاد الشام فى طرفة عين وغير ذلك.
أما المذهب الثانى للمعتزلة:
وهم يرون عدم جواز الكرامة ولهم على مذهبهم أدلة لديهم فيها:
1 - لو ظهرت الكرامة على يد الولى لالتبس بالنبى ويرد هذا بمنع الالتباس ذلك لأن المعجزة مقرونة بدعوى النبوة بخلاف الكرامة.
2 - لو ظهرت الكرامة على يد الولى كثرت بكثرتهم فلا تكون خارقة ويرد من لدليل بأن الكثرة لاتؤدى إلى تحويل خارق العادة إلى معتاد، ويظل الخارق للعادة رغم كثرته خارقا للعادة.
وبناء عليه فيسلم قول جواز وقوع الكرامة للولى تكريما على طاعة الله تعالى.
أ. د/عبدالسلام محمد عبده
__________
مراجع الاستزادة:
1 - الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء تقى الدين النجرانى تحقيق د/السيد الشاهد ط المجلي الأعلى للشئون الإسلامية سنة 1999م.
2 - اللمع: للطوسى تحقيق د/عبدالحليم محمود وطه عبد الباقى سرور، ط المكتبة العلمية.
3 - كشف المحجوب للهجويرى ترجمه د/اسعاد قنديل.
4 - شرح الأصول الخمسة للقاضى عبدالجبار، تحقيق د/عبدالكريم عثمان(1/549)
8 - الكراهية
الكراهية نقيض الحب فهى شعور الإنسان ببغضه للآخرين، وحبه لنفسه فقط، وهى داء وبيل ينجب الكثير من الأمراض الخلقية الخطيرة مثل: الحسد، والبغضاء، والشحناء، والغيبة، والنميمة، وقد لا يكبح جماحها فيكون الظلم والعدوان، وغيرها من الرذائل.
وقد ذكر الله تعالى الكرة بالفتح والكرة بالضم فى غير موضع من كتابه العزيز {كتب عليكم القتال وهو كره لكم .. } البقرة:216. ويقول نافع: إن كره فى القرآن الكريم لم ترد مضمومة الكاف إلا فى هذه الآية.
والكَره، والكُره لغتان، فبأى لغة وقع فهو جائز ومعناهما واحد، وهو إجبار النفس على ما لا تهوى، إلا الفراء: فإنه زعم أن الكره بالضم ما أكرهت نفسك عليه، والكره بالفتح ما أكرهك غيرك عليه.
ويقول ابن سيده: الكرة بالفتح الإباء والمشقة تكلفها فتحتملها، والكرة بالضم
المشقة تحتملها من غير أن تكلفها (1).
ومن ثم كانت للكراهية هذه الآثار السلبية:
1 - أنها تشقى صاحبها قبل أن تنال من الآخرين.
2 - أنها تجلب القلق والاضطراب إلى قلب صاحبها فتورثه العديد من الأمراض النفسية والجسدية.
3 - أنها تبعد بصاحبها عن الإيمان الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخية مايحب لنفسه). وقال صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم".
4 - الكراهية تهوى بصاحبها إلى أدنى درجات البشر فتثير كراهية الناس له
والكراهية ليست من أخلاق المسلمين الذين يحبون الله وملائكته ثم يوضع لهم القبول فى الأرض، لكنها قد تكون مطلوبة أحيانا وذلك فيما يلى:
(أ) كره أعداء الله تعالى وأعداء دينه، وعدم مودتهم.
(ب) كره الشر والرذيلة والفساد والباطل.
(ج) كره النفس الأمارة بالسوء الداعية إلى الفجور فكراهية القبائح والمعاصى والشرور، وأعداء الله تعالى كراهية حكيمة عاقلة.
وأشد أنواع الكراهية جرما كره الله ورسوله ثم كره المسلمين.
أ. د/عبدالسلام محمد عبده
__________
مراجع الاستزادة:
1 - لسان العرب لابن منظور (5/ 3864،3866).
2 - تهذيب الأخلاق لمسكويه.
3 - الأخلاق فى الإسلام د/عبداللطيف العبد ط دار الثقافة العربية 1985م.
4 - الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الاصفهانى تحقيق د/أبواليزيد العجمى ط دار الوفاء(1/550)
9 - الكرسي
إصطلاحا: العرش والكرسى لفظان مترادفان ويقصد بهما الجسم المحيط بجميع الأجسام سمى به لإرتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك فى تمكنه عليه عند الحكم لنزول أحكام قضائه وقدوه منه ولا صورة ولا جسم ثمة (1). قال الحسن: إنه جسم عظيم يسع السموات والأرض وهو نفس العرش لأن السرير قد يوصف بأنه عرش وبأنه كرسى وكل واحد منهما يصح التمكن عليه.
وقال بعض العلماء هذا هو الكرسى المذكور فى قوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض} (البقرة 255) وقد اشتهرت الآية بآية الكرسى.
وقيل: كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره، وقيل: قدرة الله تعالى، وقيل: تدبيره، وقيل: مجاز سكن العلم من تسمية الشيء بمكانه لأن الكرسى مكان العلم الذى فيه العلم، فيكون مكانا للعلم بتبعيته لأن العرض يتبع المحل فى التحيز.
وقيل: المراد من الكرسى أن يكون السلطان والقدرة والملك لله تعالى، لأن الألوهية لا تحصل إلا بهذه الصفات. والعرب تسمى أصل كل شيء الكرسى. أو لأنه تسمية للشيء باسم مكانه فإن الملك مكانه الكرسى.
قال النيسابورى: المراد به العلم لأن العلم هو الأمر المعتمد عليه، ومنه يقال للعلماء كراسى الأرض، كما يقال: هم أوتاد الأرض وقيل: ففى الكلام استعارة تمثيلية وليس ثمة كرسى وهذا رأى معظم الخلف (2).
وقيل إن المقصود من الكلام تصوير عظمة الله وكبريائه، وتقدير ذلك أنه يخاطب الخلق فى تعريف ذاته وصفاته بما اعتادوا من ملوكهم.
وقد قالت المشّبهة لو كان الله على العرش، لم يكن لحمله فائدة، وأكدوا شبهتهم بقولهم: يومئذ تعرضون للمحاسبة والمساءلة فلو لم يكون إله حاضراً لم يكن للعرض معنى. وأجيب بأن الدليل على أن حمل الإله محال ثابت، فلا بد من التأويل، وهو أنه تعالى خاطبهم بما يتعارفونه، فخلق لنفسه بيتا تزورونه وليس ليسكن فيه، وجعل فى ذلك البيت حجزا لتقبلونه، إذ كان من شأنهم أن يعظموا رؤساءهم بتقبيل أيمانهم وجعل على العباد حفظه لا لأن النسيان يجوز عليه بل لأنه المتعارف، كذلك لما كان من شأن الملك إذا أراد محاسبة عماله أن يجلس لهم على سرير ويقف الأعوان حواليه، صور الله تعالى تلك الصور المهيبه لا لأنه يقعد على السرير. ولهذا قال النيسابورى فى تفسير قوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} (الحاقة 17): لا أدرى ثمانية أشخاص أو ثمانية آلاف أو ثمانية صفوف.
وجملة ما اتفق عليه جمهور أهل السنة:
أنه تعالى له ما أثبته سبحانه لنفسه أو، اثبته له رسوله وبلا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، ومنه: إثبات استواء الله على عرشه كما يليق بجلاله (3).
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - التعريفات للجرجانى. طبعة الحلبى ص 130
2 - روح المعانى للألوسى طبعة دار إحياء التراث العربي القاهرة 10/ 3 - 4.
3 - دائرة المعارف الإسلامية، محمد فريد وجدى طبعة دار المعرفة بيروت6/ 331.(1/551)
10 - الكرم
لغة: وردت مادة (كرِم) فى لسان العرب بعدة معان:
(ا) خوف التقدم- تقول كَرِمَ الرجل كرما فهو كريم إذا هاب التقدم.
(ب) على الاكثار من الطعام حتى ما يشتهى أن يعاد إليه، تقول: أكرمت عن الطعام وأقهمت، وأزهمت إذا أكثرت منه حتى لا تشتهى أن تعود إليه.
(ج) القصر فى الأطراف والأعضاء- كقصر فى الأنف قبيح، وقصر فى الأصابع شديد، والكرم فى الأذن والأنف والشفة واللحى واليد والفم والقدم: القصر والتقلص، والعرب تقول للرجل البخيل أكرم اليد.
(د) السكوت عن الكلام تقول: كرم فلان إذ ضم فاه وسكت، فإذا ضم فاه عن الطعام تقول: أزم يأزم، فالكرم يطلق على السكوت عن الكلام خاصه إذا كان الكلام فى الخير (1)
واصطلاحا: سخاء النفس وجودها، وهو كجميع الخلق الإسلامية- وسط بين رذيلتين: البخل والتبذير
والكرم سجيه أصيلة عند العرب جاء الإسلام فنمَّاها وأصلها وزكاها وثّبتها فى نفوس أبناء أمته. والذى مكّن هذه السجية الشاهقة فى نفوس الجاهليين ما يلى:
(أ) قسوة الطبيعة التى عاشها العربى وعايشها.
(ب) عسر وسائل الاتصال بالجزيرة آنذاك (ب) آثار الحروب الدائرة الرحى بين قبائلها المتناثرة.
(د) كرههم الشح، وذمهم البخلاء، يقول قائلهم:
وكل كريم يتقى الذم بالقرى وللحق بين الصالحين طريق لعمرك ما ضاقت بلاد بأرضها ولكن أخلاق الرجال تضيق
(هـ) تلذذهم بعمل الجود ذاته لا للثناء عليه، وذاك هو منطقهم:
تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذى أنت سائله
ويتجلى الكرم فى الإسلام فيما يلى:
1 - أن تجود النفس بالثمين المحبب إليها: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} (البقرة 267) ويقول تعالى {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.} (آل عمران 92)
2 - أن الكرم فى الإسلام ليس مقتصرا على حالة اليسر فقط، ولا على الأغنياء وحدهم بل هو سجية المسلمين جميعا، تتضح معالمه وتبدو قيمته فى حاله العسر، وحين تمتد يد الفقراء به قال تعالى {والذين تبوءُ وا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} (الحشر 9).
ويقول قائلنا: ليس العطاء من الفضول سماحه حتى تجود وما لديك قليل
3 - ألا يمن الغنى على الفقير بما أعطاه فذكر العطاء أو المن به أو تفخمه مبطل له، قال تعالى] يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذى ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم والآخر. [.، (البقرة 264).
4 - عدم المباهاة بالعطاء، أو الافتخار به فللعطاء فى الإسلام ثلاث خصال: تعجيله وتيسيره وستره، وقد عدَّ رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من السبعة الذين سيكونون فى ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، قوله: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.
5 - ألا ينتظر الشكر عليه من المعطى له، فلا يكون الكريم كريما حتى تجود نفسه ابتغاء مرضاة الله وحده.
6 - أن تجود النفس بالعطاء عن رضا وعن حب فمن حبس عن الضيف عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
أ. د/ عبد السلام محمد عبده
1 - لسان العرب لابن منظور مادة (كرم) 5/ 3869 - 3870
__________
المراجع
1 - خلق المسلم محمد الغزالى
2 - أدب الدنيا والدين- الماوردى تحقيق مصطفى السقاط المطبعة العلمية ببيروت ط1.
3 - رياض الصالحين الإفتاء والبحوث الرياض.
4 - تهذيب الأخلاق. ابن مسكويه- مكتب الحياة بيروت-(1/552)
11 - الكعبة
الكعبة بناء شبه مريع بنى قبل إبراهيم - عليه السلام - فيما رواه المؤرخون، ثم رفع قواعدها إبراهيم وابنه إسماعيل - عليه السلام -، ثم جُدّد بناؤها عبر التاريخ عدة مرات، على يد العمالقة ثم جرهم، ثم قصى بن كلاب (جد النبى - صلى الله عليه وسلم -) ثم قريش حيث اشترك معهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة ثم بناها عبد الله بن الزبير ثم الحجاج بن يوسف الثقفى فى جزء منها، وأخيرا بناها السلطان مراد الرابع العثمانى (1040هـ/1630م، وهى آخر بناء للكعبة، حج إليها العرب فى الجاهلية، وكانت معبد قريش الأكبر، ومقراً لأصنامهم، إلى أن طهرها النبى - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح وحطم الأصنام، ويحج إليها المسلمون من مختلف الأقطار، وتسمى البيت، والبيت العتيق، والبيت الحرام، وكانت فى البداية مكشوفة، ثم سقفت وكسيت بالديباج.
ليس المقصود بالكسوة تاريخيا كسوة الكعبة فقط، بل تشمل أيضا، كسوة الحُجْرة النبوية، وكسوة حِجْر إسماعيل، ومقام إبراهيم، فضلا عن بعض الستائر لبعض الأضرحة.
وهناك خلاف حول أول عن كسا الكعبة، هل هو إسماعيل جد النبى الأعلى. أم عدنان؟ أم تُبَّع أبو كرب أسعد عيلك حمير ويمكن التوفيق بين الآراء بأن إسماعيل أول من كسأها بعده، وأن عدنان أوله من كسأها بعده، وأن تبع أول من كساها كسوة كاملة كما
نص على ذلك المؤرخون.
وقد كسا العرب فى الجاهلية الكعبة بمختلف أنواع الأكسية (الوبر والشعر والجلود والديباج، والثياب اليمانية).
وفى عصور الدولة الإسلامية (العصر النبوى والراشدى والأموى والعباسى، كسيت الكعبة كسوتين الديباج يوم التروية والقباطى المصرية يوم سبع وعشرين من رمضان، وأحيانا كانت تسمى ثلاث أو أربع مرات فى السنة، وأصبحت كسوة القباطى تصنع فى مصر بعد فتحها بصفة رسمية منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وكانت تخرج منها سنويا باستثناء بعض السنوات القليلة إبان ضعف العباسيين. وبعد زوال الدولة العباسية (656هـ/1258م)، استمرت الكسوة ترد إلى الكعبة مرة واحدة، من مصر أحيانا ومن اليمن أحيانا أخرى إلى عهد الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون المملوكى
(743هـ/746هـ) 1342 - 1345 م) حيث اختصت مصر بإرسال كسوة الكعبة كل عام من الوقف الذى وقفه (وهو ثلاث قرى مصرية: بسوس وسندبيس وأبو الغيط) على صناعة الكسوة هـ وقد أشترى السلطان سليمان الأولى العثمانى 926 - 974 هـ/ 1520 - 1566م) م، سبع قرى عصرية أخرى وأضافها إلى الوقف السابق فصار عشر قرى سنه (947 هـ/1540 م) وذلك لصناعة الكسوة الخارجية فى كل عام، والداخلية والكساوى الأخرى كل خمسة عشر عاما مرة واحدة، وقد استمرت صناعة وإرسال الكسوة من مصرمن ريع هذه الأوقاف سنويا طوال العصر العثمانى والعصر الحديث باستثناء بعض السنوات لظروف خاصه حتى توقف إرسالها نهائيا من مصر سنة (1382هـ/ 1963م).
أما عن أماكن تشغيل الكسوة بمصر عبر التاريخ فهى مدن: تنيس، وتونة، وشطا (بالقرب من دمياط) للشهرة الفائقة فى صناعة النسيج، ثم المشهد الحسينى، ثم القلعة، ثم استقرت صناعتها فى مطلع عشرينات القرن التاسع عشر حتى توقفت نهائيا سنه 1382هـ/1963م فى دار الكسوة بالخرنفشى بالقاهرة، حيث انتقلت صناعتها إلى مكة المكرمة إلى يومنا هذا.
وتتألف كسوة الكعبة التى كانت ترسلها مصركل عام (فى العصر الحديث) من ثمانية ستائر (أحمال الكسوة) وثمانية أحزمة، وأربع كروشيات، وستارة باب الكعبة المعروفة بالبرقع، وكسوة مقام الخليل إبراهيم - عليه السلام -، وستارة باب مقدرة الخليل إبراهيم عام - عليه السلام -، وستار باب التوبة، وستار باب المنبر الملكى، وكيس مفتاح الكعبة، وكلها من الحرير الأسود والأحمر والأخضر والأصفر، ومطرزة بأسلاك الذهب والفضة الخالصة والفضة الملبسة بالذهب ومحلاة بالآيات، الكريمة، هذا بالإضافة إلى، لوازم تعليق الكسوة من حبال وغيرها.
والمحمل كان يطلق على الجمل الذى يحمل الهدايا العينية والنقدية إلى الكعبة المشرفة وكان يغطى بقطعة من الجوخ والذى كان يصاحب قافلة الحج ككل عام، وقيل هو الهيكل الخشبى المخروط الشكل الذى يحلى بأجمل زينة، ومن الصعب تحديد بداية ظهور المحمل بصورته المبسطة التى تقتصر على إرسال جمل يحمل الهدايا إلى البيت العتيق، لاحتمال حدوثه قبل الإسلام لأن تقديس العرب للكعبة، وإرسال الهدايا إليها كان أمرا مألوفا لدى العرب منذ الجاهلية، وقد سير النبى - صلى الله عليه وسلم - محملا الى مكة بهدايا إلى البيت المعظم، كما تبارى ملوك المسلمين وأمراؤهم عبر التاريخ فى إرسال المحامل التى تحمل هداياهم إلى الحرمين الشريفين كل عام مثل المحمل العراقى والشامى واليمنى والمغربى والتكرورى والرومى (التركى) ومحمل النظام هلك حيدر آباد بالهند، ومحمل ابن الرشيد وابن سعود وابن دينار بالسودان، فضلا عن المحمل المصرى الذى كان يصاحب الكسوة كل عام، ولم تكن المحامل إلا جمالا تحمل هدايا إلى الحرمين الشريفين مغطاة بقطعة بسيطة من الجوخ، وكانت تعود تلك المحامل إلى ديارها بعد الحج والزيارة حتى بداية العصر الملوكى، أما خروج المحمل فى موكب رسمى تحيط به مظاهر الاحتفال والأبهة والزينة والحرس والجنود، فقد كان عند خروج شجرة الدرمن مصرفى هودجها للحج سنة (645 هـ/1247م) الأمر الذى جعل بعض المؤرخين يؤرخ بداية ظهور المحمل بتك السنة، وقد صار خروج المحمل على تلك الصورة عادة يقوم بها ملوك مصر كل سنة، ويبالغون فى الاحتفاء به- خاصة الظاهر بيبرس-ويزيدون فى زينته سنة بعد أخرى حتى بلغت زنة كسوة المحمل مع هيكله
الخشبى أربعة عشر قنطارًا، بحيث صارت الهدايا تحمل فى صناديق تحملها جمال أخرى تسيرمع قافلة الحج.
وقد وصفه أحد الرحالة فى القرن 12هـ/18م بقوله: يبدو عليه حسن الطلعة، وجمال الصنعة، بخرط متقن وشبابيك ملونه بأنواع الأصباغ، وعليها كسوة من الديباج المخوص (المزركش) بالذهب، ورأس الجمل ورقبته وسائر أعضائه محلاة بجواهر منظمه أبلغ نظم، وعليها رش محلى بمثل ذلك، والجمل نفسه خضب جلده بالحناء ويقوده سائسه ويتبعه جمل آخر على مثل هيئته، وثالث يحمل الكسوة المشرفة ملفوفة قطعا قطعا كل قطعة منها على أعواد تشبه السلالم. وكان للمحمل كسوتان: كسوته اليومية وهى من القماش الأخضر، وكسوته المزركشة وهذه لا يلبسها إلا فى المواكب الرسمية، وكان يحتفل بخروج المحمل والكسوة من مصر كل عام منذ العصر المملوكى وإبان العصرين العثمانى والحديث وحتى توقف سفر المحمل وألغى نهائيا عام (1372هـ/953 1 م)، واقتصر الاحتفال بالكسوة فى المسجد الحسينى حتى توقف إرسالها من مصر نهائيا سنة (1382هـ/1963م)، حيث كان يسير الموكب فى شوارع القاهرة، وفيه الجنود الراكبة والبيادة، وحرس المحمل وركبه وخدمته، وأمير الحاج الذى يعين سنويا، وهو من الباشوات العسكريين فى الغالب، كما كان يحضره حاكم مصر أو نائبه، ورجال حكومته من الوزراء والعلماء وكبار الشخصيات. كما كان يحتفل بوصول المحمل والكسوة فى مكة المكرمة إبان تلك العصور، واكتسب الاحتفال الطابح الرسمى منذ إعلان الدستور العثمانى سنة 1326هـ/1908م حيث كان يصل ركب المحمل والكسوة الى التكية المصرية فى مكة حيث يبقى المحمل ثم يخرج موكب الكسوة فى احتفال مهيب يحضره أمير الحاج المصرى، وأمين الصرة، وحرس المحمل، وبعض القوات العثمانية، والموسيقى العسكرية، حيث تحمل صناديق الكسوة، وتسلم فى نهاية الاحتفال إلى الشيخ الشيبى شيخ السدنة، وحامل مفتاح الكعبة المعظمة ليتم إلباسها للكعبة بعد إنزال الكسوة القديمة فى الموعد المحدد يوم النحر.
وفى العصر السعودى توقفت كل تلك الاحتفالات كل توقف نزول المحمل إلى الأراضى المقدسة منذ سنة 1355هـ/1936م، ثم ألغى المحملى نهائيا، كما ألغيت كل تلك الاحتفالات فى شوارع القاهرة منذ عام (1372هـ/1953م)، ثم توقف إرسال الكسوة من مصر نهائيا سنة (1382هـ/1963م)، وقد بلغت تكاليف المحتمل وتسفيره فى العصر الفاطمى مائة وعشرين ألف دينار، زادت فى بعض السنوات إلى مائتى ألف دينار وفى العصر العثمانى سبعه أكياس مصرية، وقد يزيدها ناظر الكسوة- أحيانا- من أربعه إلى ستة أكياس مصرية، أما فى العصر الحديث (1382هـ/1963م) فقد وصلت تكاليف المحمل والصرة الى خمسين ألف جنيه مصرى.
أما عن علاقة المحمل بالكسوة الشريفة، فقد كان المحمل يعتبر فى نظرمن اهتموا بخروجه رمزا لأمان الحجاج لما كان يرافقه مع الكسوة من الجند المسلحين لحراسة وتأمين قافلة الحج من أخطار الطريق المختلفة، أبرزها: قطاع الطرق، وهجوم العربان على قوافل الحج، وسلبها ونهبها، وأحيانا قتل الأبرياء، والحيلولة بينهم وبين تحقيق أمنيتهم فى أداء فريضة الحج، أما عن تكاليف صناعة الكسوة، فقد بلغت فى العصر العثمانى (61 2762) درهما فضة أى 32 ألف كيس، وفى العصر الحديث 43 1 4 جنيها مصريا سنة 1318هـ/1901م 550 جنيهاً مصرياً سنة 1318هـ/1910م، 0322 1جنيها مصريا سنة 1340هـ 1922م.
أ. د/ السيد محمد الدقن
__________
المراجع
1 - مرآة الحرمين، إبراهيم رفعت اللواء (1/ 274، 275) القاهرة.
2 - الكعبة والمسجد الحرام من عهد إبراهيم عليه السلام إلى الآن. فتحى فوزى عبد المعطى، مكتبة الرائد المنصورة (ص 171، 173) 18 4 1 هـ/1997 م. 3
3 - الدرة الثمينة فى تاريخ المدينة، تحقيق لجنة من العلماء، ابن النجار مكتبة النهضة الحديثة (ص 393).
4 - وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى السمهودى: تحقيق محمد محيى الدين عبد الحبيب، (س581/ 2) دار الكتب العلمية، بيروت، 1955م.
5 - كسوة الكعبة المعظمة عبر التاريخ السيد محمد الدقن (ص17 0 18) الطبعة الأولى، القاهرة 1406هـ، 1986 م.
6 - الرحلة: ابن جبير، من منشورات دار مكتبة الهلال، بيروت، لبنان 1981 م (ص140، 1 4)(1/553)
12 - الكَفْارة
لغة: مأخؤذة من الكفر وهو الستر، وسميت الصغار بهذا الاسم لسعترها الذنب تخفيفا من الله تعالى (1).
وفى التهذيب: سميت الكفارات كفارات: لأنها تكفر الذنوب أى تسترها، مثل كفارة الايمان وكفارة القتل، والخطأ.
وقد بينها الله تعالى فى كتابه وأمربها عباده، فإطلاقها على غير ذلك مجاز أو حقيقة عرفية.
والكفارة: كفر بها من صدقة أو صوم أو نحو ذلك من إطعام، وكفر عن يمينه إذا فعل الكَفَّارة.
واصطلاحا فعل ما من شأنه أن يمحو الذنب من عتق وصدقة وصيام بشرائط مخصوصة (2).
قال النووى: استعملت الكفارة فيما وجد فيه صورة مخالفة أو انتهك لان لم يكن فيه إثم كالقتل خطأ وغيره (3).
والكَفَّارات مشروعة باتفاق الفقهاء، وهى واجبة جبرا لبعض الذنوب والمخالفات الشرعية، ودليل ذلك: الكتاب والسنة والإجماع
اما الكتاب، ففى مشروعية كفارة اليمين قال الله تعالى] لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين (المائد ة 89) وقال تعالى فى شأن الإحصار فى الحج {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى} (البقرة 196)
وفى القتل الخطأ قال الله تعالى أومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة [(النساء92)
وقال تعالى فى الظهار {واللذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} (المجادلة 3)
أما السنة، ففى مشروعية كفارة اليمين ما ورد عن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا حلفت محلى يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذى هو خيروكفرعنك يمينك (4). وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على مشروعية الكفارة فى اليمين بالله وغيرها (5).
وقد اختلف فى بعض الكفارات، هل هى زواجر، لما فيها من مشاق تحت مل الأموال وغيرها، أو هى جوابر، لأنها عبادات لا تصح الا بالنيات. وليس التقرب إلى الله تعالى زجرا، بخلاف الحدود والتعزيزات فإنها ليست قربات، لأنها ليست فعلا للمزجورين، والظاهر أنها جوابر، لأنها عبادات وقريات لا تصح إلا بالنية (6).وهكذا نجد الكفارات فيها بعض التعويض عما فات، واحداث ترميم لما قد وقع من المفاسد والخطيئات، وفتح باب القرب إلى الله تعالى ..
أ. د/ فرج السيد عنبر
1 - لسان العرب ابن منظره/3900، مختار الصحاح ص 574
2 - حاشية ابن عابدين 2/ 578، البحر الرائق 4/ 108
3 - المجموع خط المهذب 6/ 333
4 - أخرجه البخارى، كتاب كفارات الأيمان، باب "الكفارة قبل الحنث وبعده " فتح البارى بشرح صحيح البخارى 11/ 616
5 - فتح القدير على الهداية 4/ 18.
6 - حاشية تهذيب الفروق 1/ 211 وما بعدها.
__________
المراجع
1 - المبسوط للسرخسى
2 - المغنى لابن قدامة.(1/554)
13 - الكفالة
لغة: الكافل: العائل والكافل الصائم بأمر اليتيم المربى له، وهو من الكفيل الضمين والكافل والكفيل: الضامن، وجمع الكافل: كفل، وجمع الكفيل: كفلاء وكفل المال وبالمال: ضَمِنَه. (1)
وشرعا: ضم الذمة إلى الذمة فى المطالبة. (2) والكفاله فى القانون المدنى: "عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفى بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه (3) مشروعيتها: الكفالة مشروعة بالكتاب والسنه والإجماع ففى الكتاب يقول الله تعالى: {قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتننى به إلا أن يخاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل}
(يوسف 66) وقوله تعالى: {أو لمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} (يوسف 72)
وفى السنة النبوية نجد حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الزعيم غارم) (رواه أبو داود والترمذى وقال: حديث حسن وابن ماجه فى كتاب الصدقات باب الكفالة) وحديث سلمة ابن الأكوع أن رسول الله كل: (أتى برجل ليصلى عليه. فقال: هل عليه دين؟ قالوا: نعم ديناران قال: هل ترك لهما وفاء؟ قالوا: لا، فتأخر فقيل: لم لا تصلى عليه؟ قال: ما تنفعه صلاتى وذمته مرهونة؟ إلا إن قام أحدكم فضمنه، فقام أبو قتادة فقال: هما على يا رسول الله، فصلى عليه النبى - صلى الله عليه وسلم - (رواه البخارى وأحمد والنسائى).
أما الإجماع: فقد أجمع علماء الأمة على جوازها، ولا يزال المسلمون يكفل بعضهم بعضا من عصر النبوة إلى وقتنا هذا دون نكير من أحد من العلماء (4).
أنواعها: قسم المالكية الكفالة إلى نوعين: الأول: كفاله الوجه أو كفالة البدن، وعزفوها بقولهم: بالتزام رشيد الإتيان بالغريم عند حلول الأجل" (هـ) ويكون فى الغرامات المالية.
الثانى: كفالة الطلب، وعزفه المالكية بقولهم: "التزام طلب الغريم إحضار المكفول والتفتيش عليه إن تغيب، ثم يدل عليه رب الحق "وهذا النوع يكون فى غير الحقوق المالية أى الحقوق البدنية القصاص والتعازير والحدود بخلاف ضمان الوجه، الذى لا يكون إلا فى الحقوق المالية وعرّفه البهوتى من الحنابلة بأنه (التزام رشيد إحضار من عليه حق مالى لريه) 0 (6)
أركان الكفالة:
للكفالة أركان منها:
1 - الصيغة، يشترط أن تكون صيغه الكفالة بما يدل على الالتزام بأن يقول الكفيل: أنا كفيل، أو ضامن، أو زعيم، أو غريم، أو حميل، أو قبيل، واختلف الفقهاء فى تعليق الصيغة بوقت أو غيره.
2 - الكفيل: ويشترط فى الكفيل أهلية التبرع، لأن الكفالة تبرع محض لا مصلحة فيها للكفيل، حتى إذا كانت عقد معاوضة انتهاء، فهذا يعنى أنها تنتهى بقرض، والقرض عقد إرفاق لا مصلحه فيه للمقرض؟ لذلك لا تصح من الصبى والعبد المحجور علّيه، وكذا لا تصح كفالة المكاتب (7).
3 - المكفول له: وهو المستحق للدين واختلف الفقهاء فى رضا المكفول له إلا أنه بالرجوع إلى حديث سلمة بن الأكوع نجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أقرّ كفالة أبى قتادة دون رضا المضمون له.
هل تجوزالكفالة فى الحدود؟
فى ذلك ثلاثة أقوال: الأول: لا يجوز ذلك مطلقا قال به ابن قدامة وهو قول أكثر أهل العلم.
الثانى: قول المالكية يجوز مطلقا ويسمونه كفالة المطالبة قال فى الشرح الصغير: "ولذا
يصح ضمان الطلب فى غير المال من الحقوق البدنية كالقصاص والتعازير والحدود ولكنه إذا لم يحضره يعاقب فقط أو يقدم الديه " (8) الثالث: قول الشافعية ومحمد بن الحسن لا تصح فى الحدود لما فيه حق الله عزوجل، وتصح فى الحدود لحق الآدمى فالأول كحد الزنى، والسرقة، والثانى: كحد اللعان والقذف (9)
ما يترتب على الكفالة: إذا تعذر على الكفيل: إحضار المكفول مع حياته، أو امتنع من إحضاره لزم ما عليه عند المالكية والحنابلة فى الدين؟ لأن الكفالة وثيقة بالحق. فإذا تعذر الحق من جهة مَنْ عليه الدين استوفى من الوثيقة، لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الزعيم غارم). وقال الحنفية والشافعية لا يلزم لأنه تكفل ببدنه لا بدينه، فلم يلزمه ما عليه، وفارق الرهن؟ لأنه تعلق بالدين (10).ولعل الصواب الأول لما فيه من المحافظة على الحقوق، ولأنه إنما تكفل بإحضاره
لتسديد ما عليه.
(هيئة التحرير)
1 - المعجم الوسيط ط مجمع اللغة العربية مادة (ك ف ل) (2/ 824) القاهرة 1985م
2 - البحر الرائق: 6/ 321.
3 - الوسيط شرح القانون المدنى: د/ عبد الرازق السنهورى (10/ 18 - 19)
4 - فقه السنة. السيد سابق (194)
5 - الشرح الصغير: لأحمد الدرد ير (1/ 163).
6 - الروض المريع شرح زاد المستقنع ابن قاسم النجدى (ص96).
7 - تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندى، تحقيق د/ محمد زكى عبد البرط جامعة دمشق سنة 1959 طبعة اولى (3/ 398 وما بعدها).
8 - الشرح الصغير: (1/ 164)
9 - المجموع شرح المهذب: النووى - دار الفكر بيروت (13/ 458).
10 - السابق (13/ 489).
__________
المراجع
1 - المغنى لابن قدامة ط دار الكتاب العربى بيروت سنة 1972م
2 - بدائع الصانع فى ترتيب الشرائع: الكاسانى- دار الكتب بيروت سنة 1986.م
3 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: أبو العباس الرملى- البابى الحلبى القاهرة.
4 - بحوث فى المعاملات فى فقه الكتاب والسنة: د. أحمد يوسف ط دار الثقافة العربية القاهرة، سنة 1989م
5 - الضالة فى ضوء الشريعة الإسلامية د/ على السالوس- ط مكتبة الفلاح الكويت ط اولى سنة 1980.م(1/555)
14 - الكلام
اللفظ: هو الصوت الذى يدل على المعنى الذى وضع له فى أية لغة أو لهجه.
والكلام اصطلاحا: هو مجموع الألفاظ التى تفيد فائدة يحسن السكوت عليها.
وهناك فرق بين الكلام والكَلمْ يحدده "الجوهرى" (1) فيقول (الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمه.)
وهناك فرق بين الكلام والقول يحدده "ابن سيده " (2) فيقول " الكلام: القول المعروف، وقيل الكلام ماكان مكتفيا بنفسه، وهو الجمة، والقول ما لم يكن مكتفيا بنفسه، وهو الجزء من الجملة) والعرب تقول (تكلم الرجل تكَلُّما وتِكلاًمًا، وكلمه كِلاًمًا، جاعوا به على موازنة الأفعال وكالمه ناطقه، وكليمك الذى يكلمك، أو الذى تكلمه ويكلمك، يقال كلمته تكليما، وكلاما مثل كذبه تكذيبا وكذَّابا (2) والكلمة: هى اللفظة الواحدة، وفيها ثلاث لغات كَلِمة وكلِمه وكَلْمة، وهى تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء، وتقع على لفظه مؤلفة من جماعة من حروف ذات معنى، وتقع على قصيدة بكمالها وخطبه بأسرها ولكن على سبيل المجاز (3).
وللكلمة فى القرآن موارد كثيرة يدل كل مورد منها على معنى خاص به فى مثل: قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إماما قال وهن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين} (البقرة 134)
قال ثعلب: هى الخصال العشر التى فى البدن والرأس. (4)
وفى قوله تعالى {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه .. } (البقرة 37)
قال "أبو اسحق " الكلمات- والله أعلم- اعتراف آدم وحواء بالذنب لأنهما قالا {ربنا ظلمنا أنفسنا} (الأعراف 23)
وفى قوله تعالى: {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم} (آل عمران 45)، فقد سمى الحق (تبارك وتعالى):ابتداء أمره كلمه، لأنه ألقى إليها الكلمة، ثم كون بالكلمة بشرا، ومعنى الكلمة معنى الولد والمعنى يبشرك بولد اسمه المسيح، هذا قول أبى منصور بتصرف، وقال الجوهرى- فيما نحن بصدده: وعيسى "عليه السلام " كلمة الله، لأنه لما انتفع به فى الدين كما انتفع بكلامه سمى به كما يقال: سيف الله وأسد الله (5). والقرآن الكريم كَلاًم الله تعالى وكَلِمُ الله تعالى وكلماته وكَلِمَتة وكلام الله تعالى لا يعد ولا يحد.
قال تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبلى أن تنفد كلمات ربى ولو جئننا بمثله مددا} (الكهف 159) والكلام النفسى القديم صفة لله تعالى وهو من الصفات الثبوتية القائمه بذاته تعالى.
وللفرق الإسلامية فى أن الكلام صفة دله تعالى مذاهب: فالمعتزلة ترى أن الكلام هو الصوت المسموع، والمكون من الحروف الأصوات، والمتكلم عندهم هو من فعل الكلام لا مَنْ قام به الكلام، وأنه- أى كلام الله تعالى- محدث لا قديم، وأنه قائم بمحل لا بالله تعالى لكن المتكلم هو الله تعالى لا المحل الذى قام به الكلام كالشجرة التى حل بها كلام الله تعالى وهو يحدث دائما وقت سماعه، وهو عندهم ما يسمع وليس نفسيا (6)
ومن هنا فقد ذهبوا إلى أن القرآن الكريم كلام الله تعالى وهو يحدث دائما وقت سماعه وقد أحدث قبل إحداثه على الرسول - صلى الله عليه وسلم - خير وأنه ليس آخر الكلام الإلهى، فهو سبحانه وتعالى تكلم حالا فحالا لكن يمكن عَدُّهُ آخر الكلام الإلهى من ناحية أنه آخر رسالة تنزل علّى بنى آدم، وأنه أيضا آخر شريعة مكتوبة.
والأشاعرة تذهب إلى أن كلام الله تعالى نفسى قديم صفة وجودية أزليه قائمة بذاته تعالى ليست بحروف ولا أصوات منزهة عن الترتيب والتقديم والتأخير، تدل على جميع الواجبات والمستحيلات والجائزات منزهة عن السكوت، وعن الآفة الباطنية، وكلام الله تعالى بهذا المعنى يسمى كلاما نفسيا، ويدل عليه الكلام اللفظى دلالة التزامية عرفا، فإن من أضيف له كلام لفظا دل عرفا على أن له
كلاما نفسيا، وقد أضيفا إلى الله تعالى كلام لفظى كالقرآن الكريم فيدل التزاما عرفا على كلام الله تعالى النفسى.
ويعرفه الإمام الجوينى (7) وهو من مشاهير الأشاعرة فيقول (هو الفكر الذى يدور فى الخلد، وتدل عليه العبارات تارة، ومات يصطلح عليه من الإشارات ونحوها).
والكلام نوعان: نفسى، ولفظى، وهما يفترقان فى النقاط التالية:
أولا- الكلام اللفطى صوت وحرف وجملة وأمر ونهى، أما الكلام النفسى فليس كذلك.
ثانيا- الكلام النفسى بالنسبه للإنسان محله القلب، والكلام اللفظى محله اللسان والشفتان.
ثالثا- الكلام النفسى يكون صفة لله تعالى بقدر ما ينسب إلى الإنسان تقول: حدثتنى نفسى، والكلام اللفظى لا يكون صفة لله تعالى إلا عند وجود المخاطبين فى صورة الأوامر والنواهى، وكالقرآن الكريم، ويكون صفة للإنسان على الإطلاق.
رابعا- الكلام النفسى بالنسبة لله تعالى قديم، وبالنسبة للإنسان أسبق من اللفظى، وإن كان حادثا مثله يقول الشاعر العربى:
إن الكلام لفى الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
ويقول آخر:
صعدت إلى شفتى خواطر مهجتى ليبين عنها منطقى ولسانى
وأخيرا:
الكلام الإلهى لا يوجد بمحل، كما تقول المعتزلة، وإلا كان المحل هو الموصوف بالكلام.
وإذا ذهبت المعتزلة إلى أن الكلام الإلهى حادث لحدوث متعلقاته، فإن الأشاعرة يذهبون إلى أن الكلام الأزلى لا يتصف بكونه
أمرا أو نهيا، أو خبرا إلا عند وجود المخاطبين، واستجماعهم شرائط المأمورين المنهيين.
أ. د/ عبد السلام محمد عبده
__________
المراجع
1 - لسان العرب لابن منظور جـ 5 ص 3932، 3923 مادة (كلام)
1 - لسان العرب لابن منظور جـ 5 ص 1922
2 - لسان العرب لابن منظور جـ 5 ص 1922
4 - لسان العرب لابن منظور جـ 5 ص 1922
5 - مجموع المحيط بالتكاليف للقاضى عبد الجبار بن احمد ص 316، 336 وما بعدها.
6 - الإرشاد للأمام الجوينى ص 105
7 - الإرشاد للإمام الجوينى ص 105، ص 119(1/556)
15 - الكلمة
اصطلاحا: تطلق الكلمة، فى العربية على قليل الأصوات وكثيرها مما جاء مفردا من حروف الهجاء أو جاء مركبا فى شكل اسم أو فعل أو أداة.
يقول ابن منظور نقلا عن الأزهرى: "الكلمة تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء، وتقع على لفظة مؤلفة من جماعة حروف ذات معنى" (1)
وهو ما أشار إليه سيبوبه فى (باب أقل ما يكون عليه الكلم) فذكر حرف العطف وفاءه، ولام الابتداء، وهمزة الاستفهام، وسمى كل واحدة من ذلك كلمة.
ومعنى ذلك أن (الكلمة) تطلق أصلا على أى منطوق من الأصوات ذوات المعانى اللغوية، لأنها بلا معنى تصبح مجرد ضوضاء، مهما كان مصدرها.
وقد يتوسع فى معنى (الكلمة) فيقصد بها جماعه الكلام، وجاء من ذلك قول الله تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال. رب ارجعون. لعلى أعمل صالحا فيما تركت} ويعقب القرآن على هذا القول: {كلا إنها كلمة هو قائلها} (المؤمنون 99 - 100)، فقد أطلقت (الكلمة) على مجموعة من سبع كلمات هى مجموع القول. وقد تطلق (الكلمة) على المحاضرة أو الخطبة، وعلى القصيدة، فيقال: قال الشاعر فى كلمته، أى: قصيدته كما يقال: قال المحاضر فى كلمته: أى: فى محاضرته.
وفى حديث النساء: {استحللتم فروجهن بكلمة الله}، قيل: هى قوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} (البقرة 229) كما فى لسان العرب (1)
هذه هى الكلمة لدى العلماء العرب القد امى. والأمر لا يختلف عن ذلك لدى المؤلفين الأعاجم، فقد عرف معجم (لاروس) الكلمة: بأنها (صوت أو مجموعة أصوات تتضمن فكرة) أى: تكوين من مقاطع عديدة، وفكرة المقاطع هذه لا تبعد عن التعريف العربى، لأن القراءة تتمثل دائما فى مقاطع، وهى التكوينات التى تقترن فيها الصوامت بالحركات، فواو العطف وفاؤه مقطع مكون من (صامت+ حركة: فتحة)، وهو أصغر وحدة منطوقة تحمل معنى وظيفيا كالربط والتعقيب، ويتدرج حجم الكلمة ابتداء من مقطع واحد إلى عدة مقاطع، هى غالبا ثلاثة فى حالة الوقف. مع تضمنها د! عنى لغويا، مثل: ق- أمرا من وقى وهو مكون من مقطع واحد، واذهب أمرُ من مقطعين، وتقدم، أمر من ثلاثة مقاطع ... الخ ...
وقد يفرق بين الكلمة الوظيفية والكلمة اللّغوية بما عرفه البحث اللغوى من أن الكلمة ذات المعنى الوظيفى لانبر لها فى الأصل، وأن ذات المعنى اللغوى لابد لها من النبر، وفى ذلك تفاصيل تتحدد بها ملامح الكلمة العربية.
والنبرهو الضغط على أحد مقاطع الكلمة ذات المعنى اللغوى، لإبراز هذا المعنى، وله قواعد منضبطة يعرفها علماء الأصوات فى كل لغة بحسب نظامها النطقى.
أ. د/ عبد الصبور شاهين
1 - لسان العرب مادة (كلم) ط دار المعارف.
__________
المراجع
1 - دور الكلمة فى اللغة: ستيفن اولمان- ترجمة، كمال بشر- دار الشباب- القاهرة سنة 1975 م.
2 - من أسرار اللغة- د. إبراهيم انيس- ط الأنجلو المصرية- القاهرة سنة 1975 م.
3 - علم اللغة العربية. د. محمود فهمى حجازى- وكالة المطبوعات- الكويت سنة 1973 م.
4 - الكتاب- سيبويه- تحقيق عبد السلام هارون- مكتبة الخانجى (د- ت).(1/557)
16 - الكهانة
لغة: كَهَنَ وكَهُنَ يَكهُنُ، يَكُهن كهانة، وتكهن تكهنا له: أى قضى له بالغيب وحدثه به.
وكهن كهانة: صار كاهنا، أو صارت الكهانة له طبيعة وغريزة ورجل كاهن من قوم كهنة وكهان: من يدعى معرفة الأسرار أو أحوال الغيب، وعند اليهود وعبدة الأوثان:
الذى يقدم الذبائح والقرابين، فقد ورد فى التوراة: " ... وتلبس هارون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لى .... " (خروج 40:13).
وعند النصارى: من ارتقى إلى درجة الكهنوت.
ففى الإنجيل: " ... فنظر وقال لهم: أذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة .... " (لوقا 17:14) واللفظ إما من كهن بالعبرانية، أو من كهنا بالسريانية.
والكهانة: حرفة الكاهن، وهو الذى يتعاطى الخبر عن الكائنات فى مستقبل
الزمان، ويدعى معرفة الأسرار.
الكهنوت: طبقة الكاهن أو رتبته. وسر الكهنوت: هو أحد أسرار الكنيسة المقدسة السبع، يتولى به الكاهن أن يقدس جسد المسيح، ودمه فى تلاوة القداس، وأن يحل من الخطايا.
كان فى العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب، يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأل، أو فعله، أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف.
والكاهن فى كلام العرب: هو الذى يقوم بأمر الرجل ويسعى فى حاجته، والقيام بأسبابه وأمر حزتته. والكاهنان: حيان، يقال لقريظة والنضير -وهم أهل كتاب وفهم وعلم- وهما قبيلتان يهوديتان كانتا تسكنان بالمدينة. والعرب تسمى كل من يتعاطى علما دقيقا كاهنا، ومنهم من كان يسمى المنجم والطبيب كاهنا.
ووردت كلمة: الكاهن فى القرآن الكريم مرتين، فى قوله تعالى: {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون} الطور:29، أى لست بحمد الله بكاهن، كما تقول الجهلة من قريش. والكاهن الذى يأتيه الرئى من الجن بالكلمة يتلقاها من خبر السماء، كما يعتقد ذلك كثير من الناس. وفى قوله تعالى: {ولابقول كاهن قليلا ما تذكرون} الحاقة:42.
وكانت الكهانة فى العرب على ثلاثة أضرب:
الأول: يكون للإنسان ولى من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم بطل من حين بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم.
الثانى: أن يخبره بما يطرأ، أو يكون فى أقطار الأرض، وما خفى عنه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده، ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما (أى جعلاهما مستحيلين).
الثالث: المنجمون، وأغلبهم كاذب، ولذا شاع بين الناس هذا المثل: "كذب المنجمون حتى ولو صدقوا" وقد حرم الإسلام إتيان الكاهن لسؤاله عن الغيب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد" (1).
أ. د/محمد شامة
__________
الهامش:
1 - الترمذى: الطهارة، وابن ماجه: كتاب الطهارة.
مراجع الاستزادة:
1 - سنن الترمذى الترمذى.
2 - لسان العرب ابن منظور.
3 - سنن ابن ماجه، ابن ماجه.
4 - الكتاب المقدس: العهد القديم، والعهد الجديد.
5 - الكشاف الزمخشرى(1/558)
17 - الكون
لغة: كَوّنه فتكوّن: أحدثه فحدث، والكون: الحدث، والكائنة: الحادثة، والله مكون الأشياء: يخرجها من العدم إلى الوجود كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: هو اللفظ المستخدم للدلالة على كل ماحولنا، من النجوم التى
نراها ليلا فى السماء، والتى تتجمع فى مجموعات تعرف بالمجرات، إلى الفضاء الواقع بين هذه المجرات، ومايوجد به من غازات وغبار كونى، بالإضافة إلى أى شىء يقدر له الوجود وراء حدود مانراه.
ولم يشعر الإنسان شعورا حقيقيا بوجود الكون إلا فى نهاية القرن الثامن عشر، عندما اكتشف أنه يسكن على سطح كوكب صغير، فى مجموعة شمسية تمثل جزءا من مجرة تحتوى على ألوف الملايين من النجوم، وأن
هناك مجرات مشابهة تقع فى الفضاء، الذى يمتد وراء هذه المجرة، والتى عرفت فى ذلك الحين باسم "الجزر الكونية".
ويعرف علماء الفلك اليوم مايزيد على مائة ألف مليون مجرة، تفصل كل مجرة عن الأخرى مساحة هائلة، وأقرب المجرات إلينا مجرة "المرأة المسلسلة" أو "الأندروميدا" وتفصلنا عنها مسافة تقدر مليونى سنة ضوئية، بمعنى: أن الشعاع الصادر منها والمنطلق بسرعة 000، 300 كم فى الثانية لا يصل إلينا إلا بعد مليونى سنة، مما يدل على أننا لانعرف شيئا عن هذه المجرة حتى الآن، فنحن نراها كما كانت فى الماضى، وربما تكون قد انفجرت، أو اختفت فى الفضاء.
وهذه الحقيقة محيرة إلى حد كبير، فنحن عندما ننظر إلى ماحولنا من نجوم أو مجرات، إنما نراها كما كانت فى الزمن الماضى، كذلك أقرب نجم إلى مجموعتنا الشمسية ويدعى "ألفاسنتورى" تفصلنا عنه نحو 3، 4 سنة ضوئية، أى تفصلنا عنه ملايين من الكيلومترات ويذكرنا ذلك بالآية الكريمة {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} الواقعة:75،76.
وبتقدم العلم والمعرفة توصل الإنسان بفكره إلى نظرية خاصة بنشأة هذا الكون، وهى تنص على أن كل مايحتويه هذا الكون من مجرات وغازات وسحب الغبار الكونى كانت ملتحمة معا فى زمن مغرق فى القدم على هيئة كتلة مركزية شديدة التماسك والانضغاط، ثم انفجرت هذه الكتلة، وتناترت
شظاياها فى جميع الاتجاهات، ثم تحولت بمرور الزمن إلى المجرات الحالية التى يتكون كل منها من ملايين النجوم، وتعرف هذه النظرية باسم "الانفجار العظيم" وهى تتمشى مع المعنى المفهوم من الآية الكريمة {أو لم ير الدين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شىء حى أفلا يؤمنون} الأنبياء:30.
وتدل هذه النظرية على أن هذا الانفجار العظيم قد حدث منذ نحو 15.000ألف مليون سنه على وجه التقريب، وأن هذه المجرات مازالت تندفع فى الفضاء بسرعات كبيرة جدا، مما يدل على أن الكون يتمدد ويتسع بمرور الزمن، وهذا المعنى نفسه الذى ورد فى الآية الكريمة {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} الذاريات:47، ولكن هل يمتد ويستمرهذا الاتساع الى الأبد، أم هل يتوقف هذا التمدد فى المستقبل عندما تبطىء سرعة المجرات وتبدأ عملية التجاذب بينها، فينكمش الكون مرة أخرى، ويوصف عندئذ بأنه كون مغلق.
ويعتقد بعض العلماء أن الكون يحتوى على قدر كبيرمن المادة، سواء منها المادة المضيئة التى توجد على هيئة سحب من الغازات والغبار الكونى، وهو مايكفى لحدوث التجاذب بين مكوناته وانكماشه مرة أخرى، وسيستمر هذا الانكماش مدة طويلة، وتقترب المجرات بعضها من بعض لتندمج معا فى نهاية الأمر فى كتلة مركزية واحدة ثم تعود إلى الانفجار مرة أخرى لتكون كونا جديدا، ويذكرذلك بقوله تعالى: {يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} الأنبياء:104.
وقد وضع عالمان هما: "إدوارد نايرون" و "ألكساندر فيلينكين" نظرية تفترض أن الكون عندما ينكمش سيصل إلى حجم متناه فى الصغر، لايزيد على حجم البرتون، ثم يختفى فجأة فى العدم، وطبقا لنظرية "ميكانيكا الكم" سيظهر الكون من العدم " Out of nothingness" مرة أخرى ليتمدد بشكل نهائى مدة من الزمن، ويصعب تصور هذه النظرية، ولكنها تتمشى مع قوله تعالى {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} البقرة:117.
أ. د/أحمد مدحت إسلام
__________
الهامش:
1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت، 13/ 363،364.
مراجع الاستزادة:
1 - هل نحن وحدنا فى هذا الكون، د/أحمد مدحت إسلام، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1410هـ/1990م.
2 - Cosmos، Carl sagan؛ Macdonald Futura، publishers، paulton House، shepherdess Walk، London، NI 7LW(1981).
3- Beginnings: The story of origins of Mankind، publishing Graup، 200 Madison Arenue، New york، Ny 10019 (1987)(1/559)
18 - الكونفوشيوسية
لغة: نسبة إلى "كونفوشيوس"، وهذ الاسم يتألف من لفظين: كونج، اسم القبيلة التى ينتمى إليها، وفوتس، ومعناها: الرئيس، أو الفيلسوف. فاسم كونفوشيوس يعنى: زئيس كونج، أو فيلسوفها، أو حكيمها.
واصطلاحا: تعاليم أخلاقية ودينية ظهرت فى القرن السادس قبل الميلاد على يد رجل يدعى كونفشيوس، صارت فيما بعد مذهبا دينيا، وقد التزمته الصين كدين رسمى للدولة حتى أوائل القرن العشرين.
ولد "كونفوشيوس" فى المقاطعة الصينية التى تسمى اليوم "شانتونج" فى عام 551 ق. م. من أسرة عريقة، إذ كان أبوه ضابطا فى الجيش، إلا أنه كان فقيرا، ومات وابنه "كونفوشيوس" فى الثالثة من عمره، فاضطر الغلام إلى الاشتغال برعى الغنم عند أحد الأمراء. ولما رأى الأمير جدَّه واجتهاده أسند إليه أحدى الوظائف، فكان يقضى أوقات فراغه فى دراسة الآداب القديمة والفلسفة والموسيقى.
وفى الثانية والعشرين من عمره أنشأ مدرسة ليتلقى فيها الشبان ذوو المواهب الخاصة أصول الفلسفة الأخلاقية والسياسية، وبجانب عمله هذا كان يقوم بوظيفة المستشار السياسى لبعض الأمراء والولاة الذين كانوا ينتفعون بآرانه فى حل ما يصادفهم من مشكلات.
وفى سنة 496ق. م عين رئيسا للوزراء فى ولاية "لو" فأعدم المشاغبين من الوزراء ورجال السياسة، وأدب اللصوص وقطاع الطرق، كما وضع مراقبة صارمة على التجار ليمنع الغش والاحتكار، ولكن حساده دسوا بينه وبين أمير "لو" فاضطر "كونفوشيوس" إلى ترك هذه الولاية، وأخذ يتنقل من إقليم إلى إقليم يعلم الشبان وينصح الولاة.
ولم يدع "كونفوشيوس"اأنه نبى يوحى اليه، فقد كان مصلحا أكثر منه رجل دين. احترم الآلهة، وحرص على إقامة الشعائر والطقوس، وكانت عنايته متجهة إلى إصلاح النفس الإنسانية، وتكوين مجتمع سليم، قوامه المحبة والإخاء والعدل.
ويرتكز القانون الأخلاقى عنده على أربع فضائل رئيسية هى:
1 - وجوب طاعة الوالد والخضوع له.
2 - وجوب طاعة الحاكم والانقياد له.
3 - على الأخ الأصغر أن يطيع أخاه الأكبر.
4 - على الأصدقاء أن يخلصوا فى معاملة بعضهم بعضا.
وهذه الفضائل فى نظر "الكونفوشيوسيين" خالدة، ويجب على كل فرد فى المجتمع أن يتحلى بها باستمرار لأن الأستمرار فى التحلى بالفضيلة هو نفسه جزء لا يتجزأ من الفضيلة.
التعليم عند "الكونفوشيوسيين" من أهم العوامل التى تجعل الأفراد يفهمون القانون الأخلاقى: ويسيرون عليه. ولذلك يجبط أن يتعلم الأفراد آراء القدماء وحكمهم، وما ورد عنهم من قصص، وعليهم كذلك أن يطلعوا على مؤلفات الكونفوشيوسيين، حتى يلموا إلماما جيدا بآرائهم الفلسفية والدينية والسياسية.
عاش "كونفوشيوس" حوالى ثمانين عاما (توفى 498 ق. م) قضاها فى نشر الفضائل، ومحاولة إصلاح المجتمع الصينى، ولم يكن له فى حياته تأثير كبير، إذ كان الناس يعتبرونه مصلحا اجتماعيا، لأنه كان ينادى بالتمسك بحكمة القدماء، ويدعو الى إحياء التراث القديم والسير على قواعده ومبادئه وكان يؤلف الكتب فى هذا المجال وينشر تعاليمه متنقلا من ولاية الى آخرى، حتى أطلق عليه معاصروه اسم: "معلم الجنس البشرى".
وبعد قرون عدة من وفاته أعلنت الدولة -بناء على أسباب سياسية أن تعاليمه مقدسة يجب الالتزام بها، ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى عبادته، فأعلنت الدولة أن "الكونفوشيوسية" هى الدين الرسمى للدولة، فانتشرت دور عبادته فى كل المدن والقرى والنجوع الصينية، وتقدم فيها القرابين له فى صورة أضحية (ثيران، وأغنام، وخنازير)، وفى بعض الأحيان يقدم القربان فى صورة أقمشة حريرية.
لم ينفرد "كونفوشيوس" بالعبادة عند العامة، بل يعبدون معه آلهتهم القديمة، فيقدمون القرابين لها ولقديسيهم المنتشرين فى أنحاء الصين.
وتنقسم مصادر "الكونفوشيوسية" إلى قسمين:
القسم الأول: كتب صينية قديمة قام "كونفوشيوس" بنقلها، ومن أهمها:
1 - كتاب الأغانى: ويحتوى على مئات الأغانى والقصائد الدينية.
2 - التاريخ: ويشتمل على الوثائق التاريخية لتاريخ الصين القديم.
3 - كتاب التغيرات: وهو كتاب يعالج موضوع ظهورالأحداث الإنسانية.
القسم الثانى: مؤلفات "كونفوشيوس"، ومن أهمها:
1 - الأخلاق السياسية: وهو يتضمن أقوالا مختلفة لـ "كونفوشيوس" وتلاميذه، مع شرح لهذه الأقوال.
2 - الانسجام المركزى: وهو مأثورات مشروحة.
3 - المنتخبات: ويطلق العلماء عليه اسم: "إنجيل كونفوشيوس"، لأنه يتضمن تلخيصا وافيا لأقوال "كونفوشيوس" فى مختلف المناسبات على نحو ما سجلها تلاميذه. وإن كان كثير من الحكم والأمثال التى تضمنها قد وضعت بغير ترتيب أو اقتطعت من المناسبة التى قيلت فيها.
ورغم أن نفوذ "الكونفوشيوسية" خضعت للتغير حسب الظروف المختلفة، إلا أنها احتفضت بقيمتها دائما، ففى عصورها الأولى أنشئت المعابد باسم "كونفوشيوس" كما أنشئت كليات لتدريس مبادئه، تمنح الدرجات العلمية فيها، واعتبرالحصول على تلك الدرجات شرطا لتولى الوظائف العامة.
وبدأ نجمها فى الأفول من الناحية السياسية والدينية فى أوائل القرن العشرين فألغيت دراستها، ولم تعد شرطا للوظائف -وإن بقيت أساسا للحياة الخلقية- ولاسيما بعد سقوط الإمبراطورية وقيام الجمهورية فى عام 1912م، ومنذ ذلك الحين فإن الشباب التقدمى فى الصين يرى فى ال "كونفوشيوسية" عقبة فى سبيل التقدم، لارتباطها بالملكية، وكذلك لما تدعو إليه من تقديس الآباء والمحافظة على التقاليد.
هذا وقد اختفت ال "كونفوشيوسية" فى الصين باستيلاء الشيوعيين على الحكم فى عام 1949م، وإن كان بعض الباحثين يعتقدون أن روحها الأصيلة فى الشعب الصينى سوف تنجح فى تلوين شيوعية الصين بلونها الخاص، وتزحزحها عن بعض مبادئها، كما فعلت ذلك فى البوذية.
أ. د/محمد شامة
__________
الهامش:
1 - الأديان والمذاهب الشرقية، عثمان عليش، القاهرة 1966م.
2 - ذيل الملل والنحل للشهرستانى، محمد سيد كيلانى، القاهرة، 1961م.
3 - كونفوشيوس النبى الصينى، حسن شحاته سعفان، القاهرة، 1956م.
4 - أديان العالم الكبرى حبيب سعيد(1/560)
19 - الكيمياء
لغة: اسم صنعة، مثل السيمياء، قال الجوهرى، هوعربى، وقال ابن سيده: "أحسبها أعجمية"، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: علم يختص بدراسة خواص المواد وتفاعلاتها.
ويتعذر علينا اليوم أن نسجل البداية الحقيقية لعلم الكيمياء، فقد كانت الكيمياء قديما صنعة يتداولها الناس، وتقوم أساسا على الخبرة والمران، ولم تكن علما قائما بذاته، وقد زاول بعض الناس هذه الصنعة فى بعض الحضارات القديمة مثل حضارة الصين والفرس ومصر القديمة.
وكانت أغلب المحاولات التى قام بها أهل هذه البلاد تتصل بالبحث عما سمى "بحجرالفلاسفة" وكان من المعتقد أن هذا الحجر-إن وجد- له القدرة على تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نبيلة، مثل الفضة والذهب، بالإضافة إلى قدرته على شفاء الأمراض والعلل، ولذلك كان يطلق عليه أحيانا اسم "الاكسير".
ولقد أدت هذه المحاولات إلى اكتشاف بعض أسرار الكيمياء وأساليبها، خاصة فى مصر القديمة، فعرفت بعض طرق الدباغة، وصناعة الأصباغ ومواد التحنيط وغيرها.
وقد كانت أفكار الإغريق فى هذا المجال أفكارا نظرية بحته، ولكنها اندمجت مع معارف المصريين القدماء فى مدينة الإسكندرية، وعندما فتحها العرب عام 642 ميلادية أطلق على هذه المعارف اسم "الخيميا" وهى اسم مشتق من "ال" العربية و"خيميا Khemia" هو الاسم الإغريقى لمصر.
وقد ساهم علماء العرب والمسلمين مساهمة كبيرة فى علم الكيمياء، وبرز منهم كثيرون مثل: جابربن حيان، وأبى بكر الرازى وغيرهم، وترجمت أعمالهم إلى اللغات الأوروبية فى العصور الوسطى، وسمع منها الأوروبيون لأول مرة عن التجارب المقننة، وعن استخدام الميزان، وعن المنهج العلمى، وعن ابتكار الأنبيق المستخدم فى التقطير والتصعيد.
كما وصف العلماء العرب فى كتبهم ورسائلهم أصنافا متعددة من الأدوات المعملية التى ابتكروها، كما وصفوا عشرات من العمليات الكيميائية مثل: التحليل والتركيب والتنقية والتقطير وقاموا بتحضير الأحماض المعدنية الثلاثة، وحمض الطرطير، وحمض الأترج، وغيرها.
وقد تقدم علم الكيمياء بعد ذلك تقدما كبيرا، وأسهمت الكيمياء فى كثير من المجالات، فازدهرت صناعة الأدوية والأصباغ، وصناعة الحمضيات الزراعية، ومبيدات الحشرات، وابتكرت الألياف الصناعية، وغيرها من المركبات التى ساعدت البشرية، وأدت إلى الوصول إلى المستوى الحضارى الذى نعرفه اليوم.
أ. د/أحمد مدحت إسلام
__________
الهامش:
1 - لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت ج15/ 232.
مراجع الاستزادة:
1 - تراث العرب العلمى، د/قدرى طوقان.
2 - دائرة المعارف الإسلامية.
3 - أساسيات العلوم المعاصرة، د/أحمد فؤاد باشا(1/561)
20 - كيمياء السعادة
اصطلاحا: الكيمياء علم يختص ببحث خواص الأجسام، وتغيرات بناها الداخليه بتأثير العوامل الطبيعية.
والكيميائى: هو المنسوب إلى الكيمياء. والكيمياء الفيزيائية: علم تطبق فيه قوانين الفيزياء على خواص الأجسام وتغيراتها. والنظرية الكيميائية الفيزيائية فى علم الحياة: هى القول بأن جميع ظواهر الحياة ترجع إلى ظواهر فيزيائية وكيميائية معقدة. وكيمياء العوام: هى استبدال المتاع الأخروى الباقى، بالحطام الدنيوى الفانى. وكيمياء الخواص: تخصيص القلب عن الكون باستئثار المكوّن (1).
كيمياء السعادة: تهذيب النفس: باجتتاب الرذائل وتزكيتها عنها، واكتساب الفضائل وتحليتها بها (2).
وسوف نتوسع قليلا فى كيمياء السعادة، من خلال ما كتبه الإمام الغزالى (المتوفى 505 هـ) فى رسالته الصغيرة "كيمياء السعادة " (3).
يرى الإمام الغزالى أن الكيمياء الظاهرية لا تكون فى خزائن العوام، وإنما تكون فى خزائن الملوك.
أما كيمياء السعادة فإنها لا تكون إلا فى خزائن الله سبحانه وتعالى: ففى السماء جواهر الملائكة، وفى الأرض قلوب الأولياء العارفين.
فكل من طلب هذه الكيمياء من غير حضرة النبوة، فقد أخطأ الطريق، ويكون عمله شبيها بالدينار البهرج (المزيف)، فيظن فى نفسه أنه غنى وهو مفلس فى القيامة، كما قال الله عزوجل: {لقد كنت فى غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} (ق 22).
ومن رحمه الله تعالى بعباده، أنه أرسل إليهم آلاف الأنبياء والرسل؟ كى يعلموا الناس "نسخة الكيمياء" وكيف يجعلون القلب فى كور المجاهدة؟ ليطهر من الأخلاق المذمومة، ويتوجه إلى طرق الصفاء، كما قال المولى عز وجل: {هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلى لفى ضلال مبين} (الجمعة 2). أى يطهرهم من الأخلاقى المذمومة، ومن صفات البهائم، ويجعل صفات الملائكة لباسهم وحليتهم، وهذا هو مفهوم كيمياء السعادة.
ومقصود هذه الكيمياء: هو أن كل ما كان من صفات النقص يتعرى العبد منه وكل ما يكون من صفات الكمال يلبسه.
وسر هذه الكيمياء: أن يرجع العبد من الدنيا إلى الله تعالى، كما قال: {وتبتل إليه تبتيلا} (المزمل 8). ولا تتحقق هذه الكيمياء إلا بمعرفة الله عزوجل. ومفتاح هذه المعرفة هو معرفة الإنسان نفسه؟ لأن نفسه أقرب شيء إليه؟ فمن عرف نفسه فقد عرف ربه - صلى الله عليه وسلم -
قال الله تعالى: {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (فصلت 53).
ومن قال: إنى أعرف نفسى، فإنما يعرف الجسم الظاهر، دون أن يعرف الباطن الذى يجمع صفات متعددة. منها صفات البهائم، وصفات السباع، وصفات الملائكة.
فالروح حقيقة جوهر الإنسان، وغيرها غريب منه، وعارية عنده. ولكل واحد مما سبق سعادة خاصة:
فسعادة البهائم فى الأكل والشرب والنوم والنكاح، وسعادة السباع فى الضرب والفتك، وسعادة الشياطين فى المكر والشر والحيل. فمن كان من هؤلاء فليشتغل بما اشتغلوا به. أما سعادة الملائكة فإنها فى مشاهدة جمال الحضرة الربوبية، وليس للغضب والشهوة إليهم طريق. فمن كان من جوهر الملائكة، فليجتهد فى معرفة أصله، حتى يعرف الطريق إلى الحضرة الإلهية، ويبلغ إلى مشاهدة الجلال والجمال، ويخلص نفسه من قيد الشهوة والغضب. فمن لم يعرف هذه المعانى فنصيبه من القشور، لأن الحق عنه محجوب.
ومما تجب معرفته، أن نفس الإنسان من شيئين:
الأول القلب، والثانى النفس أو الروح. والنفس هو القلب الذى يعرفه الإنسان بعين الباطن، وهو حقيقة الإنسان وأصله. ولهذا غلط من ظن أن الروح قديم، أو أنه عرض أو جسم.
وتمام السعادة مبنى على ثلاثة أشياء:
قوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العلم. فيحتاج أن يكون أمرها متوسطا، لئلا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك، أو تزيد قوة الغضب فتخرجه إلى الحمق فيهلّك. فإذا توسطت القوتان بإشارة قوة العدل ذل على طريق الهداية. وكذلك الغضب إذا زاد سهل عليه الضرب والقتل، وإذا نقص ذهبت الغيرة والحمية فى الدين والدنيا. وإذا توسط كان الصبر والشجاعة والحكمة. وكذلك الشهوة إذا زادت كان الفسق والفجور، وإن نقصت كان العجز والفتور، وإذا توسطت كانت العفة والقناعة والرضا.
أ. د عبد اللطيف محمد العبد
__________
المراجع:
1 - المعجم الفلسفى د. جميل صليبا: 254:2، ط1،1973 م. دار الكتاب الحب اللبنانى- بيروت.
2 - التعريفات الجرجانى: ص 166، ط 1938 م- الحلبى بالقاهرة.
3 - كيمياء السعادة- الغزالى نشر من ص 71 - 95 ضمن مجموعة بعنوان: "المنقذ من الضلال ومعه كيمياء السعادة والقواعد العشرة والأدب فى الدين،. تعليق وتصحيح/ محمد محمد جابر، من علماء الأزهر الشريف- بدون تاريخ- نشر مكتبة الجندى بالقاهرة.(1/562)
1 - اللاإدرية
لغة: درى الشيء وبه أى علمه (كما فى اللسان) (1)
واصطلاحا: مذهب فلسفى تقول به فرقة من الفرق السوفسطائية وقد ظهرت السوفسطائية فى الفكر اليونانى السابق على سقراط وبرع هؤلاء فى الجدل والمغالطة، وعارضوا المذاهب الفلسفية والمبادئ الخلقية، وضربوا بعضها ببعض، وجادلوا فى أن هناك حقا وباطلا، وخيرا وشرا، وصوابا وخطأ، وقالوا: إن الإنسان هو مقياس كل شئ، فهو مقياس النفع والضر، والخير والشر والعدل والظلم. وذهب بعضهم إلى أنه لا يوجد شيء، وأنه إذا وجد شيء فالإنسان قاصر عن إدراكه. وإذا افترضنا أن إنسانا أدركه فإنه لن يستطيع إبلاغه لغيره من الناس.
وهكذا أثار السوفسطائيون الشكوك حول المعرفة وأسسها، وجعلوا الوصول إلى الحقائق واليقين أمرا عسيرا أو متعذرا.
(أ) وقد شكك السوفسطائيون فى الحسيات، بسبب أخطاء الحواس فالأحول قد يرى الواحد اثنين، والعين ترى المتحرك- كالظل- ساكنا، وراكب السفينة يراها ساكنه، على حين يرى الشاطئ متحركا. والوجه يُرى فى المرآة طويلا وعريضا ومُعْوجّاً بحسب شكل المرآة. والنائم يرى فى نومه ما يجزم به، مثلما يجزم بما يراه فى يقظته، والمريض لايحس طعم الأشياء فى فمه على حقيقتها، وهكذا.
(ب) ثم شككوا فى البديهيات، بسبب اختلاف الآراء، واعتراض العقلاء حولها. وكلهم يجزم بصواب رأيه، وبطلان أقوال مخالفيه فكيف تكون على يقين من صدق بعضها دون بعضها الآخر؟.
(ج) وإذا وقع الشك فى الحسيات والبديهيات فإن ما يتركب منهما من المقدمات، وما ينبنى عليهما من الأدلة النظرية يتطرق إليه الشك وحينئذ "لا وثوق بالعيان، ولا رجحان للبيان، فوجب التوقف، (2).
وهذا هو موقف اللاأدرية القائلين بالتوقف فى وجود كل شيء وعلمه، وهم- بموقفهم القائم على الشك- عاجزون عن التوصل إلى علم، أو إعطاء حكم، أو التوصل إلى يقين. وهو موقف هدام، يلغى المعرفة، ويبطل الحقائق، ويناقض الفطرة السليمة ويهدر قيمة العقل، ودوره فى الفهم والاستنباط والكشف عن المجهول، وتصحيح أخطاء الحواس، بل أخطاء العقل نفسه.
وقد حاول المفكرون- قديما وحديثا- أن يظهروا خطأ هذا الموقف اللاأدرى، وأن يبطلوا أسسه، واجتهدوا فى أن يلزموا أصحابه بأن الإنسان لا يمكن أن يخلو-
تماما- من التسليم بوجود بعض الحقائق، وقد قطعوا هم أنفسهم ببطلان البديهيات والحسيات، ولم يشكوا فى ذلك- وهم- بذاك- يناقضون أنفسهم- وكان مما قيل لإبطال رأيهم "قولكم: إنه لا حقيقة للأشياء: حَقُ هو أم باطل؟ فإن قالوا: هو حق أثبتوا حقيقة ما، وإن قالوا ليس هو حقا أقرُّوا ببطلان قولهم، وكفَوْا خصومهم أمرهم " (3).
وقد خشى المفكرون الإسلاميون من تفشَّى هذا الموقف اللاأدرى الذى انتقل إلى الثقافة العربية الإسلامية. ضمن ما نقل فى حركة الترجمة من ثقافات الأمم الأخرى، ولاسيما الثقافة اليونانية، وقد وقفوا لهذا الاتجاه، وجادلوا أصحابه، بسبب ما يمكن أن يترتب علّيه من آثار ضارة بالعلم والمعرفة والعقيدة الإسلامية، لأن إنكار الحقائق جملة، والتوقف فى قبولها، سوف يكون سبيلا إلى إنكار حقائق الوحى التى جاء بها الأنبياء عليهم السلام. ولذلك جعلوا إثبات الحقائق والعلوم على الخصوص والعموم من أول الأصول التى يجب الإيمان بها، على عكس ما يقول السوفسطائيون، وقد وصفهم عبد القاهر البغدادى بالكفر، بسبب موقفهم المعاند لموجبات وقد لاحظ (4).وقد لاحظ بعض المخالفين لهم أن رأيهما فيه مكابرة فيه للحس والعقل (5). ومن شأن ذلك أن يجعل الجدال معهم ليس مضمون النتائج، ومن ثم فلا جدوى من مناظرتهم.
وفى ذلك يقول عضد الدين الإيجى "والمناظرة معهم قد منعها المحققون، لأنها لإفادة المجهول بالمعلوم ... والخصم لا يعترف بمعلوم حتى يثبت به مجهول، فالاشتغال به التزام لمذهبهم. بل الطريق معهم أن تُعَدَّ علّيهم أمور، لاُبدَّ لهم من الاعتراف بثبوتها، حتى يظهر عنادهم. مثل: أنَّك هل تميز بين الألم واللذة، أو بين دخول النار والماء، أو بين مذهبك وما ينقضك. فإن أبوا إلا الإصرار أوجِعُوا ضربا، وأُصْلوُ نارا، أو يعترفوا بالألم، وهو من الحسيات. وبالفرق بينه وبين اللّذة، وهو من البديهات " (6).
أ. د/ عبد الحميد مدكور
1 - لسان العرب طبعة دار المعارف مادة (درى).
3 - كشاف اصطلاحات الفنون 3،173 0 173.
3 - الفصل لابن حزم 1/ 8.
4 - الفرق بين الفرق ص 323، 334،354.
5 - الفصل 1/ 8.
6 - المواقف للإيجى ص 21.
__________
المراجع
1 - تاريخ الفلسفة اليونانية، للأستاذ يوسف كرم لجنة التأليف والترجمة والنشر ط 5/ 1966.
2 - الفرق بين الفرق لعبد القاهر بن طاهر البغدادى، تحقيق الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد، طبعة صبيح، دون تاريخ.
3 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل لأبى محمد على بن أحمد بن حزم- (وبهامشه الملل والنحل للشهرستانى) المطبعة الادبية- مصر 1317 هـ - صلى الله عليه وسلم - الجزء الثالث
4 - كشاف اصطلاحات الفنون، لمحمد عسى الفاروقى التهانوى، تحقيق د/ لطفى عبد البديع الهيئة المصرية العامة للكتاب، الجزء الثالث 1972م
5 - المواقف فى علم الكلام لعضد الدين عبد الرحمن الإيجى. تصوير عالم الكتب- بيروت.(1/563)
2 - اللامتناهي
لغة: النهاية غاية كل شيء وآخره. حيث ينتهى إليه الشيء، وتناهى الشيء: بلغ نهايته، وفى الحديث "ذكر سدرة المنتهى": أى ينتهى ويبلغ بالوصول إليها، وأنهيت إليه الكتاب والرسالة: أوصلته إليه. (1)
واصطلاحا: هو ما لا حد ولا نهاية له. والفرق بينه وبين اللامحدود، أن اللامحدود هو الذى لا يمكن أن يرسم له حدود بالفعل، وإن كانت له حدود ممكنة، على حين أن اللامتناهى هو الذى لا حدود له على الإطلاق.
واللامتتاهى يكون بحسب الكم أو بحسب الكيف، فاللامتناهى كمَّا: هو ما يدل على عظم أكبرمن كل عظم ممكن، كالعدد اللامتناهى، أما المتناهى كيفًا فهو الذى يدل على الصفات التى يتصف الموجود الكامل بها، كالصفات الإلهية فهى لا متناهية. واللامتناهى إما موجود بالفعل وهو اللامتناهى المطلق أو "اللامتناهى الإيجابى" وهو مرادف للكامل، وإما موجود بالقوة وهو اللامتناهى النسبى أو "اللامتناهى السلبى" وهو مرادف اللامحدود.
يقول ابن سينا: "ما لا نهاية له هو كمُّ: أى أجزائه أخذت، وجدت منه شيئا خارجًا عنه غير مكرر (2) ويقول: "إن العدد لا يتناهى، والحركات لا تتناهى، بل لها ضرب من
الوجود، وهو الوجود بالقوة، بمعنى أن الأعداد تتأتى أى تتزايد، فلا تقف عند نهاية أخيرة ليس وراءها مزاد" (3) والموجود اللامتناهى هو الله، وهو عند "ديكارت" مرادف للموجود الكامل، وإذا كان الإنسان وهو الموجود الناقص لا يستطيع أن يخلق بنفسه فكرة الموجود الكامل، ولا أن يستمدها من العدم، كان لابد من أن يكون هناك موجود لا متناه كامل يطبع هذه الفكرة على نفس كل إنه ان، وهذا الموجود اللامتناهى "هو الله " واللامتناهى فى العظم ما هو أكبر من كل مقدار معلوم، ويستعمل فى المقادير المتغيرة أو فى الأعداد التى لا حد لها ولا نهاية لزيادتها. واللامتناهى فى الصغر ما هو أصغر من كل مقدار معلوم، ويطلق على كل مقدار متغير، حده ونهايته الصفر. وحساب اللامتناهيات الصغرى هو الحساب الذى اخترعه ليبنيزونيوتن، وهو الذى يتضمن جميع العمليات الرياضية المتعلّقة بإيجاد علاقات بين المقادير بوساطة كميات لا متناهيه فى الصغر، وينقسم إلى:
(أ) حساب التفاضل.
(ب) حساب التكامل. (4)
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت.15/ 243 - 345 وانظر ترتيب القاموس المحيط للطامر أحمد الزاوى 4/ 454
2 - رسالة الحدود لابن سينا 93.
3 - النجاة ص 203 - 204.
4 - المعجم الفلسفى. د/ جميل صليبا 2/ 271 - 273(1/564)
3 - اللاهوت
لغةً: ألة يأله- إلاهة، وألوهة، وألوهية-: عبد، ومنه قرأ ابن عباس رضى الله عنهما:، {ويذرك وءالهتك} (الأعراف 127). بكسر الهمزة، أى وعبادتك، ومنه قولنا: الله وأصله: إله، فهو فعال، بمعنى مفعول، لأنه مألوه، أى معبود، وكل ما اتخذ من دونه إله عند متخذه، والجمع: آلهه، والآلهه: الأصنام سموا بذلك لاعتقاد العابدين أن العبادة تحق لهم، وأسماؤهم تتبع اعتقاداتهم، لا ما عليه الشيء فى نفسه.
واصطلا حا: الألوهية، والإلاهية، والإلهية والألوهية والإلهانية: كون، أو صفة الذات الإلهية، والإلهيات: علم يبحث عن الله وما يتعلق به تعالى، وهى ترجمه لكلمه Theologie، وهى مأخوذة من الكلمة اليونانية القديمة Theologie وهى مركبه من مقطعين Theo ومعناها: الله، logia ومعناها: علم، فكانت الكلمة بمقطعيها تطلق عند قدماء اليونانيين ويراد بها: علم الآلهة، وما يتعلق بالألوهية، وعندما انتقلت إلى اللغات الأوروبية أصبح معناها: تعاليم الله، أو علم العقائد الإلهية، ثم ترجمت إلى العربية بـ "اللاهوت " أو، الإلهيات " على غير قياس.
وقد اهتم الإنسان منذ وجوده على سطح الأرض بقضية الألوهية، إذ احتلت المركز الأول فى تفكيره على امتداد التاريخ الإنسانى، فكان الإله شاغله من زوايا متعددة، باعتبار ذاته، أو باعتبار علاقته بالمخلوقات كخالق، وكذا باعتبار علاقته بالإنسان، أو علاقة الإنسان به، فتصوره بصور شتى؟ لأنه لم يره بعينه، وإنما آمن بوجوده وتوجه إليه بالعبادة بأدله متنوعة: بباعث الخوف أو الرجاء، أو بالظواهر الكونية والإنسانية، وآمن بمعتقدات متعددة، وصلت إلى حد الاعتقاد بتعدد الآلهة، وأنهم يتوالدون، ويتناكحون، وأن أشكالهم وهيئاتهم تشبههم، وأنهم يرتدون ملابس مثلهم، ويتحدثون بلغتهم ومن هنا نشأ- فى مجال البحث الفلسفى فى الألوهية- ما أطلق عليه مشكلة تصور الإله فى الدين:
غير أن الأديان السماوية- وعلى رأسها الإسلام، وضحت للإنسان مفهوم "الإله " بأنه: الأول، والأخر، والخالق .... وغير ذلك من الصفات التى تصور الله غنيا بنفسه، أبديا واسع القدرة والمعرفة محيطا بكل
شيء، وأنه الحق وحده، وهو المحيى والمميت والمبدئ والمعيد .... إلى غير ذلك من النعوت التى تبين أنه الخالق المطلق، المدبر الحكيم، الملّك الذى لا قوة ولا سلطان غير سلطانه فى الوجود، ومع ذلك فهو الرحمن الرحيم، والغافر والغفور والرازق والمعطى ... وغير ذلك من الأوصاف التى تدل على أن صلة احتياج تربط العبد بريه ة فالعبد محتاج إلى عفوه وتدبيره، ولله هو الرقيب والحسيب عليه، المهيمن على عباده جميعًا، يعينهم ويهديهم، فهو مصدر الرزق بأوسع معانيه.
فالله بأوصافه كلها، سواء كانت متعلقة بذاته، أو بصلته بمخلوقاته، أو كانت مبينه لعلاقته بالإنسان، وعلاقة الإنسان به- هو .. موضوع علم "الألوهية، أو علم " اللاهوت" كما جاء فى ترجمه الكلمة اليونانية الأصل Theologie ويطلق على هذا العلم فى مجال الدراسات الإسلامية: علم العقيدة أو
الإلهيات، فى مقابل القسمين الآخرين: النبوات والسمعيات التى يتكون منها جميعها- الإلهيات والنبوات والسمعيات- علم التوحيد.
أ. د/ محمد شامة
__________
المراجع
1 - الجانب الإلهى من التفكير الإسلامى. محمد البهى. القاهرة ط 5 - 1973 م.
2 - رسالة فى اللاهوت والسياسة. سبينوزا. ترجمة حسن حنفى. القاهرة 1971 م
3 - بحوث فى علم الأديان المقارن. محمد شامة. القاهرة 1972 م
4 - لأن العرب. لابن منظور.(1/565)
4 - اللغة
لغة: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: اللغة مطلقا: نظام رمزى عرفى من الأصوات الصادرة عن جهاز النطق الطبيعى للإنسان، يعبر إراديا مع ما يصاحبه أو يلابسه عن غرض أو حال. تنسق هذه الأصوات فى سلاسل من المفردات والتراكيب والجمل التى ترتبط ارتباطا وثيقا بمدلولاتها من الأعيان والمعانى والأفكار المجردة والأحداث والأحوال، ويتم هذا وفق ضوابط خاصة تتفاوت من مجتمع لغوى لآخر.
ويشمل الحد السابق للغة ما يسمى "لهجة" أيا كان التصنيف الذى ينظم اللهجات، لغويا أو اجتماعيا أو إقليميا، فهذه جميعا واحدة بالحقيقة متعددة بالاعتبار.
ولقد استخدم الإنسان- ومازال- وسائل متنوعة للتعبير والتفاهم غير اللغة، وأصبح بعض هذه الوسائل عرفيا مصطلحا عليه كنظم: الإشارة للصم والبكم، والإشارات الصوتية، والضوئية، وإيقاع الطبول، والموسيقا، والصفير، والرقص، وإيقاد النيران والرسم، والرموز العلمية المحددة لعلم ما.
وأدرك من قديم أن للكائنات الأخرى وسائلها فى الاتصال وإظهار الرغبات، وإطلاق "اللغة" على بعض هذه الوسائل ضرب من التوسع والمجاز، لا أنه لغة حقيقة.
والثابت إلى الآن أن اللغة خاصة إنسانية، لا يشاركه فيها غيره من المخلوقات، والدراسات التى تمت على وسائل الاتصال لدى الحيوان والطير والحشرات، لاسيما الشمبانزى، والدلفين، والنحل، وموازنتها بلغة الطفل، وموازنة مستوى ذكائها بذكائه انتهت إلى النتيجة السابقة.
أما لغة المخلوقات غير المنظورة من الملائكة والجن فلا نعلم شيئا عن حقيقتها، والظاهر من أخبار الكتب السماوية أنهم يخاطبون كلا من البشر بما يتكلم به عينه، وأن ذلك منهم يصدر عن قدرة خاصة زودهم بها سبحانه وتعالى.
وقد شغلت اللغة وقضاياها الإنسان منذ أقدم العهد به إلى الآن، لاسيما أصلها ومصدرها.
ويميل الجمهور من أتباع الديانات السماوية ومن يعولون على السماع إلى أن اللغة منحة من الله للإنسان، صاحبت خلقه الأول فى غير هذا الكوكب، واستمرت معه حين هبط إلى هذه الأرض، وأنها كانت واحدة فى الأصل ثم اختلفت وتنوعت كما اختلف بنو الإنسان وانقسموا فى كثير من أمورهم على نحو ما نشهده الآن.
ويجنح كل فريق من هؤلاء إلى أن لغته كانت هى الأولى ذات الأصل الإلهى وأن لها من القداسة ما ليس لغيرها تبعا لذلك.
ويميل العقليون إلى أن اللغة من صنع الإنسان وابتكاره، وأنها نشأت متأخرة عن وجوده الأول، وأن اللغات التى نعرفها الآن تطورات للغات سابقة تواضعت عليها الجماعات البشرية القديمة، ومن المحتمل أن تكون بدايتها محاكاة وتقليدا، أو مواضعة واصطلاحا، ثم تعددت بعد ذلك.
أما الماديون الطبيعيون فقد فسروا نشأة اللغة وتنوعها بما فسروا به نشأة الإنسان وتنوعه، وحاولوا الرجوع باللغات المعروفة الآن إلى الصور الجرثومية الأولى التى ظهرت فيها، والكشف عن الحفريات اللغوية التى تصل مراحل تنوعها ورقيها، وذهبوا فى ذلك مذاهب شتى.
ولم يمنع الإخفاق فى الوصول إلى نتيجة مقبولة فى هذه القضية، ولا إعلان كثير إخراجها من نطاق البحث العلمى من معاودة النظر فيها، ومازالت أحدث الاتجاهات والنظريات فى دراسة اللغة تحاول الكشف عن الملكة أو الغريزة التى زود بها الإنسان، وبها كانت اللغة خاصة إنسانية.
وتحتفظ اللغة على تتابع العصور وتنوع الحضارات بقيمتها ومكانتها. فهى المظهر المادى للوجود الحقيقى للإنسان، فحين يفنى الأفراد وتتدثر الجماعات لا يبقى منها ذا قيمة إلا ما حفظته اللغة.
وهى القوة الخفية التى تحرك الأفراد وتوجه المجتمعات، وتعى الحضارات، وبكلمة يسعد الإنسان أو يشقى، ويؤمن أو يكفر، ويلقى الثواب أو العقاب، وبالكلمات تقوم الأحكام، ويموج العالم أو يطمئن.
وقد حظيت اللغة بعناية الأمم والجماعات قديما وحديثا، لاسيما أصحاب الديانات والحضارات.
واكتشاف الكتابة لاسيما الصوتية من قبل الأمم القديمة فى مصر والصين والعراق وفينيقية دليل قاطع على إخضاعهم اللغة للدرس، وتمكنهم من تحليلها والوقوف على عناصرها، وإذا كانت معلوماتنا عن دراسات هؤلاء للغة غير كافية لمعرفة جوانبها وطبيعتها فإن ما وصلنا عن الهنود والإغريق والعرب وما أقاموه على اللغة من علوم يمثل أساسا ومعينا تبنى عليه الدراسات المعاصرة، ويتزود منه المحدثون، وثبات هذا الموروث مازال أرسخ من كثير من النظريات الحديثة التى تجاوزها البحث اللغوى سريعا على كثرة ما طرح من هذه النظريات.
ومنذ أتيح للغربيين الاطلاع على لغات الأمم والشعوب الأخرى حية وبائدة ازدادت مناهج البحث عمقا وأصالة وتنوعا، وطمحت إلى أن تضع منهجا أو نظرية تحتوى اللغات جميعا لا تقتصر على شعبة أو لغة دون أخرى وتعاقبت تترى مقارنة تاريخية ووصفية وبنائية وتحويلية توليدية، وتعددت أسس هذه المناهج والنظريات ومنطلقاتها.
ومنذ أوائل القرن العشرين قوى الاتجاه إلى أن تكون دراسة اللغة علمية بحتة كما هو الشأن فى العلوم المادية التجريبية، وأن يقوم عليها علم مختص بها، قابل للتفرع له ما لأى علم آخر من موضوع ومباحث وأهداف ومناهج. ويطبق ما تتبعه هذه العلوم من خطوات وأدوات: إحصاء وتصنيفا ووصفا وتحليلا وتجربة واستنتاجا واستقامة بما يمكن من الأجهزة والآلات، وتفردا فى المنهج الذى يستنبط من اللغة ذاتها. ويتمتع بالخصائص والسمات التى يتمتع بها أى منهج لعلم مادى تجريبى من موضوعية واقتصاد وشمول وترابط ووضوح إلى ضوابط وقوانين مستنبطة من موضوع الدراسة تلخص نتائجها وتفسر ظواهرها.
وقد اتجهت جهود اللغويين حقبة إلى الكشف عن اللغة الإنسانية الأولى، وهدفت- ومازالت- إلى وضع علم عام يصلح لدراسة اللغة أى لغة كما هو الشأن فى علوم الطبيعة. وشغل بعض الفلاسفة وأنصار الأخوة الإنسانية بالدعوة إلى لغة عالمية يتفاهم بها البشر جميعا، تذيب ما بينهم من فوارق وخلافات تسببت فى شقائهم. واصطنعت بعض هذه اللغات. ويتوقع كثيرون أن تؤدى مظاهر التقارب وإلغاء الحواجز بين البشر التى تشهد كثيرا منها الآن إلى ظهور هذه اللغة العالمية يوما ما.
وهكذا تبقى اللغة بداية ونهاية وما بينهما تتحدى الفكر الإنسانى، وأساسا راسخا فى شقاء الإنسان وسعادته. وشطرا من وجوده الحسى والمعنوى لا تستقيم دونه الحياة.
أ. د/ محمد أحمد خاطر
__________
المراجع
1 - مدخل إلى علم اللغة، د/ محمد فتيح، ط دار الثقافة العربية، 1986م.
2 - دراسات لغوية د/ عبد الصبور شاهين، ط- دار الشباب القاهرة- 1987م.(1/566)
5 - لغة القرآن
1 - البرهان الإيمانى على أن لغة القرآن الكريم هى مثل العربية الأعلى بل للغة العربية مطلقا حق صراح مقطوع به، بما أنه {لا ريب فيه من رب العالمين} (السجدة 2) وهذا من الوجهة الدينية مسلم ثابت لا لبس فيه ولا مراء.
وتبقى حجة علماء العربية لإثبات ذلك من طرق علومهم التى أداروها على لغة القرآن الكريم صيانة لها وذبا عنها فى حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة، وإكمال ما مهد له الأوائل، حتى يصل الإقناع اللغوى إلى الاقتناع الدينى أو يقاربه.
إن التحدى والإعجاز والعجز عن المعارضة حقائق ثابتة واضحة، وقد أدرك العرب الأقحاح من ذوى اللَّسَن والفصاحة إعجاز القرآن، ثم اختلف علماء العربية وغيرهم بعد فى وجه الإعجاز، وموطنه والمعجز منه، وقام علماء البلاغة فى ذلك بما قعد عنه غيرهم، غير أن جل كلامهم جاء مرسلا يفتقر إلى براهين قاطعة للجدل، كافية للإقناع.
والمتفق عليه فى هذا إثبات الإعجاز بعجز الفصحاء عن المعارضة على طول التحدى مع توافر أسبابها، وقوة دواعيها، وماعداه غير متفق عليه ولا مسلم به ممن خاضوا فى قضية الإعجاز جميعا.
وهذا يسمح بتقرير أن كل عنصر من عناصر لغة القرآن الكريم مازال فى حاجة إلى بحث علمى دؤوب، يكشف عن أسباب امتيازه، ومظاهر سموه على نظيره فى لغة البشر، وما تم فى هذه قديما وحديثا لا يفى بحق القرآن علينا.
2 - نص القرآن على أنه بلسان عربى (النحل/ 103، الشعراء/ 195، الدخان/ 58، الأحقاف/ 12) وأنه ما أرسل من رسول إلا بلسان قومه (إبراهيم/ 4)، واختلاف الآراء فى اشتمال القرآن على بعض كلمات من غير لغة العرب مشهور متعارف، ولا مانع من ذلك بحال ما، ودعوى أن كل ما نسب إلى غير لغتهم مما فى القرآن أخذه غير العرب عنهم أو أنه من اتفاق اللغات تحتاج إلى إثبات لم يقم دليله.
وفى حدود المعروف إلى الآن من أسس الدراسة اللغوية يتعين القول فى طائفة من الكلمات بأن أصولها غير عربية إلى أن يثبت غير ذلك، ولا يعارض هذا أنه بلسان عربى مبين.
وقد ذهب بعض العلماء من التابعين ومن بعدهم إلى أن ما جاء فى القرآن من غير لغة العرب لا يخرج عن ألسنة الأقوام الذين أرسل إليهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهذا إعراض فى الدعوى يعارضه الواقع، وتفسير لا حاجة إليه، وتوسع لم تحسب نتائجه.
على أنه لا يصلح التهافت فى عزو كلمة قرآنية إلى لغة سامية سريانية أو عبرانية أو آرامية أو حبشية أو غيرها لاسيما ما يتصل بالأمور الدينية إلا بعد علم يقطع العذر، وتثبت يبرئ الذمة، فالكلمات السامية تراث مشترك، والعربية أكثر أخواتها اتساعا ونموا واحتفاظا بالعناصر اللغوية القديمة، ولم تكن الرسالات السماوية مقطوعة عن العرب وبلادهم قبل موسى وعيسى عليهما السلام.
3 - وفى الصحيح المتواتر من السنة أن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف، والقائلون بأن المراد بهذه الأحرف لغات سبع اختلفوا فى تعيينها وفى خصوصية العدد، كما اختلف الذين حصروا ما وقع فى القرآن من غير لغة قريش أو الحجاز فى عدد هذه اللغات، وفى عزو بعض هذه الكلمات إلى لغة بعينها.
ومن الحق أن يقال: أنزل القرآن فى جملته بلسان قريش ثم الحجاز، ثم شذرات متفرقة، وكلمات متناثرة مفردة من لغات العرب الأخرى، إلى نوادر استعملها العرب وأصلها غير عربى.
ولقد ذهب جمهور المتقدمين إلى أن قريشا أفصح العرب لسانا، وأعلاهم بيانا، وأنهم الذين أنزل القرآن- أغلبه- بلغتهم، وقد كانوا فى هذا المذهب على إرث صحيح من العلم، وقرب عهد يسلم لهم صحة الحكم، وهذا ما يشهد له القياس، وتتظاهر على تأييده الأدلة من مختلف الجهات، ولا ينكر منها أنه أتيح للغتهم من أسباب العلو والسيادة والرقى ما لم يتح لغيرها من لغات العرب قبل نزول القرآن وبعده.
وقد نازع بعض المحدثين فى أن لغة قريش أفصح لغات الغرب، وبنوا ذلك على فروض لا برهان عليها إلا الحدس والتخمين والظن الواهن، وليس الخبر كالعيان. فكيف بظن أو حدس أو تخمين!!
كما نازع فريق من المستشرقين فى أصالة الإعراب فى العربية، وفتن بعض العرب بادعائهم، وهذا نزغ موجه إلى صميم لغة القرآن، ونزاعهم مدخول نقضه العدول من المستشرقين وغيرهم، وتدحض لغة القرآن الكريم وما قدر لها من حياطة وعناية وحفظ كل شبهة أو فرية فى هذا الباب.
4 - جمهور ما فى القرآن واضح محكم جلىّ، وفيه متشابه حار فيه العلماء، وفيه غريب ومشكل اجتهد العلماء فى الكشف عن المراد، وفيه عام وخاص، ومطلق ومقيد ومجمل ومبين وقد يدخل بعض هذه على بعض.
وفيه أبنية وكلمات مفردة لم تتكرر وجمهرته على غير ذلك تتكرر الأبنية والكلمات فى سياقات متعددة مكونة صورة رائعة بديعة، ونسجا محكما قويا من البيان السامى والبلاغة الرفيعة التى لاتجارى.
والظن أن ما فيه من غير الشائع بناء أو كلمة، غريبا أو مشكلا يشتمل على مادة لغوية ترجع إلى اللغة الأولى، ربما إلى ما قبل انشعاب الساميات، وربما إلى ما قبل انشعاب اللغات.
وما تزال هذه الأمور فى حاجة إلى دراسة أصيلة تتجاوز حكاية الآراء، وتصل ما توقف
من جهود السلف فى دراسة لغة القرآن من جوانبها جميعا.
إن الاختلاف فى حد الكلمة يجعل من الصعب الإفادة الصحيحة بعدد كلمات القرآن الكريم، أو التعديل على إحصاء بعض المتقدمين على الثقة ببذلهم أقصى الوسع فى الدقة والتحرى، وخلاصة جهودهم فى هذه الناحية يلخصها السخاوى فى قوله: "ثم إنى رأيتهم قد اختلفوا فى عدد الكلمات والحروف، فلم يحصل من ذلك حقيقة يقطع بها" (1).
وتبلغ هذه الكلمات حسب ما تضمنه معجمان حديثان (2) (137458) ثمانيا وخمسين وأربعمائة كلمة وسبعا وثلاثين ومائة ألف، تضمن معجم الألفاظ (52015) كلمة ومعجم الأدوات والضمائر (85443) كلمة وقد فات هذا المعجم مواضع.
5 - إن الشواهد على دهشة العرب عند سماعهم القرآن أجل من أن تدفع والتسليم بأن القرآن الكريم أضفى على العربية حياة جديدة حقيقة قائمة لكن لم تظاهره دراسات تتقصى مظاهر هذا البعث الجديد، وتوليها من البحث ما هى جديرة به، وما كتب فى ذلك قديما وحديثا خطرات تحتاج إلى تعميق وإكمال.
وليست العربية بعد القرآن هى العربية قبله لفظا ولا معنى. والنظر العارض فيما اشتملت عليه مصادر اللغة- معجمات وغيرها- من كلمات هجرت وماتت ورصد لأوزانها ودلالاتها، وفى تسلسل الحروف والحركات فى الكلمات، وتتابع الكلمات فى الجمل، وترابط الجمل فى الخبر والقصة والحكم، والكشف عن تنسيق هذا كله ووقوعه فى مواقعه، وخصائصه فى السياق وأخذ بعضه بحجز بعض وعلاقة ذلك بالمعنى يظهر مدى السمو الذى ارتقت إليه العربية فى القرآن وبه عذوبة فى تآلف الأصوات، وسلاسة فى صياغة الكلمات، وإحكاما فى رصف الجمل وعناصرها واستجماع كل عنصر أبلغ أوضاعه وأنسبها للسياق والمقام.
وفى المعنى ما شئت وضوحا وثراء وجمالا وكمالا وجلالا. ونفخ ذلك كله على العربية فى غير القرآن. وجمله الأغراض التى يسفر عنها تتبع العربية قبل القرآن فى المأثور من كلامهم شعرا ونثرا فى الخطب والوصايا والحكمة والوصف والحكاية وما إلى هذا لا تقاس بحال بما آل إليه أمرها فى القرآن الكريم وبه، وأين لغة قوامها ثقافة محدودة لقبائل بدوية متنافرة متناحرة، همها البحث عن الماء والمرعى وما يقيم الأود، وفخرها بالغارة والسلب والأسر، عقائدها وثنية، تئد البنات وتنتهك الحرمات من لغة هى قوام حضارة راقية خالدة لاتسامى، سعدت بها البشرية حقبة من الدهر، وهى مؤهلة للوفاء بحاجاتها وأسباب سعادتها إلى ما شاء الله.
6 - وبعد فلست واجدا من كلام البشر منظومه ومنثوره ما يسلسل فى طرق الأداء الممكنة تحقيقا وترتيلا وتدويرا وحدرا تؤدة إسراعا، على اختلاف المؤدين والسامعين، ثم تجد له من الخفة على اللسان والعذوبة فى الآذان، مؤانسة النفوس، وطمأنة القلوب، وراحة الأرواح ما أنت واجد للغة القرآن الكريم، فلله هو! ما أكرمه وأحكمه {تنزيل من حكيم حميد} (فصلت 42).
أ. د/ محمد أحمد خاطر
1 - جمال القراء وكمال الإقراء- على بن محمد السخاوى (643هـ) تحقيق د/ على حسين البواب، ص 231 ط (1) المدنى- القاهرة 1408هـ/ 1987م- نشر: مكتبة التراث- مكة المكرمة.
2 - الإتقان فى علوم القرآن: 1/ 197/198 - للسيوطى عبد الرحمن بن الكمال (849 - 911هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم ط (1) المشهد الحسينى 1387هـ/ 1967م، ومقدمة كتاب المبانى- لمجهول- فى: مقدمتان فى علوم القرآن ص: 231، 2246، 248، 250 - نشر: أرثر جفرى ط (2) دار الصاوى- القاهرة- مكتبة الخانجى.
__________
المراجع
1 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم- محمد فؤاد عبد الباقى دار مطابع الشعب- القاهرة.
2 - معجم الأدوات والضمائر فى القرآن الكريم- تكملة المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. د/ إسماعيل أحمد عمابرة، د/ عبد الحميد مصطفى السيد، ط (1) مؤسسة الرسالة- بيروت 1407هـ/ 1996م.(1/567)
6 - اللُّقَطة
لغة: هى الشىء الذى تجده ملقى فتأخذه (1).
وشرعا: أخذ مال محترم من مضيّعه؛ ليحفظه، أو ليتملكه بعد التعريف (2).
حكمها: من ظفر بلقطة فى موات أو طريق، فله أخذها أو تركها، وأخذها أولى إذا كان على ثقة من القيام بها وإذا أخذها وجب عليه أن يعرف ستة أشياء: وعاءها، عفاصها، ووكاءها، وجنسها، وعددها ووزنها، ويحفظها فى حرز مثلها (3).
وللقطة أربعة أضرب:
الأول: ما يبقى على الدّوام كالذهب والفضة وحكمه اشتراط التعريف.
الثانى: ما لا يبقى كالطعام والرطب، فهو مخير بين أكله وغرمه أو بيعه وحفظ ثمنه. الثالث: ما لا يبقى إلا بعلاج كالرطب، فيفعل ما فيه المصلحة من بيعه، وحفظ ثمنه أو تجفيفه وحفظه.
الرابع: ما يحتاج إلى النفقة كالحيوان.
وإذا أخذ الملتقط اللقطة فهلكت فى يده، فإن أشهد عليها بأن قال للناس إنى وجدت لقطة، فمن طلبها فدلوه علىّ؛ فإنه لا يضمن، ولو لم يُشهد فعند أبى حنيفة يُضمّن، ويجب عليه إذا أخذ اللقطة؛ ليردها إلى صاحبها وأشهد عليها رفع الأمر إلى القاضى.
ومدة بقاء اللقطة فى يد الملتقط بعد التعريف لها إذا كانت من الشىء النفيس فله سنة، أما إذا كانت من الشىء الدنى الذى قيمته فى حدود عشرة دراهم، لا ينقص من شهر، ولو مضى وقت التعريف، ولم يظهر صاحب اللقطة وكان الملتقط موسرا لا يحل له أن ينفقها على نفسه، ولكن يتصدق بها على الفقراء، وإن كان معسرا له أن يتصدق على نفسه، وإن شاء يتصدق بها على الفقراء، فإن ظهر صاحب اللقطة، فإن شاء أمضى الصدقة، وله ثوابها وإن شاء أخذ من المتصدَّق عليه، وإن شاء ضمّن الملتقِط (4).
وتدفع اللقطة إلى من يدعيها إذا أقام البينة، فإن ذكر علامات فيها فإن شاء الملتقط صدّقه، ودفعها إليه وإن شاء امتنع حتى يقيم البينة.
(هيئة التحرير)
1 - المعجم الوسيط، ط مجمع اللغة العربية، مادة (لقط)، 2/ 867، 1985م.
2 - كفاية الأخيار فى حل غاية الاختصار: تقى الدين الحصنى، 2/ 3 - ط الشئون الدينية، قطر د. ت.
3 - تحفة الفقهاء؛ علاء الدين السمرقندى 3/ 610، تحقيق: د/ محمد زكى عبد البر، ط جامعة دمشق، ط أولى- 1959م.
4 - السابق: 3/ 612.
__________
المراجع
1 - بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع: للكاسانى، دار الكتب العلمية، بيروت 1986م.
2 - الفواكه الدوانى: أحمد النفراوى، ط البابى الحلبى، ط ثانية- 1955م.
3 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: شمس الدين الرملى ط البابى الحلبى، القاهرة.(1/568)
7 - اللوح
لغة: ما يكتب فيه، وهو كل صفحة من خشب أوعظم أو ورق أو نحو ذلك، وجمعه ألواح.
شرعا: هو جسم مخلوق نورانى عظيم، فوق السماء السابعة، وقد كتب فيه القلم: ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة. وهو اللوح المحفوظ وقد سمى "لوح القدر".
وقد وردت كلمة "لوح" فى القرآن الكريم مرة واحدة فى قوله عز وجل: {بل هو قرآن مجيد. فى لوح محفوظ} البروج:21 - 22، ومعنى "قرآن مجيد" أى عظيم كريم، "فى لوح محفوظ": أى هو فى الملأ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل. ولا يجوز شرعا أن يسمى اللوح المحفوظ "بالنفس الكلية" ولا "بالعقل الأول" وغير ذلك مما هو تابع لفلسفة الفيض، وهى غير إسلامية، هذا ويجب الإيمان باللوح (المحفوظ) دون الخوض فى تعيين حقيقته دون نص شرعى.
كذلك لا يجوزالاعتقاد بأن اللوح خلق لضبط ما يخاف نسيانه فذلك أليق بالبشر وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
أ. د/عبداللطيف محمد العبد
__________
مراجع الاستزادة:
1 - المعجم الفلسفى. د/جميل صليبا، ط1 دار الكتاب اللبنانى بيروت 1973م،2/ 293.
2 - المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية مادة "لاح" ط وزارة التربية والتعليم مصر 1993م.
3 - تفسير ابن كثير دار الفكر بيروت 1986م 4/ 497 - 498.
4 - اصطلاحات الصوفية للقاشانى تحقيق د/محمد كمال جعفر، ط الهيئة العامة للكتاب ط1981م.
5 - التعريفات للجرجانى ط البابى الحلبى القاهرة سنة 1937م ص170(1/569)
8 - اللؤلؤ (الجوهر)
قال تعالى: {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} الحج:23. وقد ذكر، أن المراد ترصيع السوار باللولؤ، ولا يستبعد أن يكون فى الجنة سوار من لؤلؤ مصمت، وهو ظاهر القرآن بل نصه.
ويطلق البعض على الجوهر اللؤلؤ، وقيل: إن الكبير من اللؤلؤ يسمى درا والصغير لؤلؤا. ويتكون اللؤلؤ داخل الأصداف.
وتوجد مصائد اللؤلؤ بمحاذاة شواطى الهند وسيلان والخليج العربى والبحر الأحمر، واليابان واستراليا وأمريكا وبعض جزر المحيط الهادى وغيرها.
ويختلف اللؤلؤمن حيث الشكل والتسمية فمنه المدحرج والمستدير والمستطيل والمخروط وغير ذلك.
وأجود اللآلئ ذات شكل كروى براقة متلونة بألوان قوس قزح وخالية من العيوب وعلى شىء من الشفافية، وغالبا مايكون اللؤلؤ أبيض أو قليل الصفرة أو الزرقة، وقد يكون أصفر أو أحمر أو أخضر، وقد يكون نصف شفاف أو قاتما، ونظرا لنعومته قد يخدش، وتؤتر الأحماض والعرق على اللؤلؤ، وقد يتلف لطول الزمن.
وقد مهر اليابانيون فى صناعة تزريع الؤلؤ فى برنس الصدفة، ويكثر التحلى باللؤلؤ المصطنع الذى يصنع من الزجاج.
أ. د/حسن الباشا
__________
مراجع الاستزادة:
1 - تفسير القرطبى.
2 - الأحجار الكريمة فى الفن والتاريخ عبد الرحمن زكى.
3 - لسان العرب ابن منظور(1/570)
1 - الماتريدية
اصطلاحا: فرقة من فرق علم الكلام السنى، وتنسب لشيخها "أبى منصور الماتريدى محمد بن محمد بن محمود المولود بماتريد أو ماتريت "- قرية من قرى سمرقند فى بلاد ما وراء نهر جيحون- فى أرجح الأقوال سنة 238 هـ، والمتوفى سنة 333 هـ (1).
تلقى شيخ الماتريدية العلم على أكابر علماء المذهب الحنفى منهم: "أبو نصر العياضى" ونصر بن يحيى البلخى، ومحمد بن مقاتل الرازى.
وتتلمذ عليه الكثير من أعلام الفرقة منهم: الحكيم السمرقندى، وأبو الحسن الرستغفنى، وأبو محمد عبد الكريم البزدوى (2). ألَّف الماتريدى فى علم الكلام كتاب: التوحيد، ويشتمل على معظم الموضوعات الكلامية على مذهب الماتريدية، وكتاب المقالات، والرد على القرامطة، وبيان وَهْم المعتزلة ورد الأصول الخمسة للباهلى.
وله فى التفسير: تأويلات أهل السنة، وفى أصول الفقه كتاب: الجدل، ورد مآخذ الشرائع.
ومن أشهر أعلام الماتريدية: أبى المعين ميمون بن محمد النسفى المتوفى سنة 508 هـ صاحب "تبصرة الأدلة" وهو كتاب ضخم فى علم الكلام الماتريدى (جمع فيه ما جل من الدلائل فى المسائل الاعتقادية، وبين ماكان عليه مشايخ أهل السنة، وأبطل مذاهب خصومهم) (3).
والماتريدية مثل الأشعرية من أنشط الشعب فى مدرسة أهل السنة والجماعة (ظهرت فى الوقت الذى ظهرت فيه الأشعرية أى بداية القرن الرابع الهجرى- وهما معا وليدتا ظروف اجتماعية وفكرية واحدة ... وقد فصل بينهما المكان فكانت الأشعرية فى العراق والشام، ثم امتدت إلى مصر. وكانت الماتريدية فى سمرقند وما وراء النهر (4).
قامت الماتريدية بالرد على المخالفين والمغالين وبخاصة المعتزلة والروافض، والجهمية والمشبهة، وأصحاب الديانات الأخرى من سماوية أو وضعية، والتزمت فى ردها وعرضها للقضايا الكلامية بمنهج التوسط بين العقل والنقل.
ومع اتفاق الماتريدية مع الأشعرية فى المنهج، اتفقتا أيضا فى أمهات المسائل الكلامية مثل: وجود الله، وصفاته تعالى، وجواز رؤيته فى الدنيا، وتحقق الرؤية للمؤمنين فى الآخرة ... إلخ. إلا أنهما فى نفس الوقت اختلفتا فى بعض المسائل: حيث ذهبت الماتريدية إلى أن صفات الأفعال كالتخليق، والترزيق، والإعطاء والمنع، صفات قديمة مثل صفات الذات، وأنها ترجع إلى صفة رئيسية قديمة، وهى صفة التكوين المأخوذة من قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} (يس 82) يقول أبو المعين النسفى: " إن التكوين صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى، كصفة العلم والقدرة .. فكان التكوين أزليا والمكوَّن
حادثا، كالقدرة .. كانت أزلية والمقدور حادثا" (5).
بينما يقول الأشاعرة بحدوث صفات الأفعال، ومنها صفة التكوين، وترتب على القول بقدم صفة التكوين، القول بأن صفة القدرة ليست صفة تأثير، والتأثير الفعلى بمعنى الإيجاد والإعدام مرجعه لصفة التكوين.
بينما يقول الأشاعرة إن التكوين حادث، وهو من متعلقات القدرة والتى هى أساس التأثير الفعلى.
والإيمان بالله يوجبه العقل قبل ورود الشرع، وبالتالى من لم تبلغه رسالة الرسل لا يعذر، لأنه عطل عقله بينما هو معذور عند الأشاعرة، لأن العقل لا يوجب شيئا قبل ورود الشرع. يقول سبحانه: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء 15).
ويقولون إن وعد الله ووعيده لا يتخلف، بينما يقول الأشاعرة بتخلف الوعيد دون الوعد. وكل أفعاله سبحانه يترتب عليها الحكمة على سبيل اللزوم تفضلا لا وجوبا بينما يقول الأشاعرة إن ترتب الحكمة فى أفعاله يكون على سبيل الجواز.
واختلفتا فى قضايا أخرى مثل: تحديد المراد بالقضاء والقدر، والتكليف بما لا يطاق، والحسن والقبح، وهل تستلزم الإرادة الإلهية الرضا والمحبة أم لا ... إلخ.
أ. د/ محمد الأنور حامد عيسى
1 - الجواهر المضيئة لمحيى الدين القرشى 2/ 130 طبعة المعارف النظامية بالهند، والفوائد البهية لمحمد بن عبد الحى اللكنوى ص 195، الحسينية القاهرة 1324هـ. وتاج التراجم لزين الدين ابن قطلوبغا ص 173 المثنى ببغداد 1962 م.
2 - المصدرين السابقين.
3 - كشف الظنون 1/ 337، تبصرة الأدلة لأبى المعين النسفي تحقيق د/محمد الأنور.
4 - فى الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق، د. إبراهيم مدكور.
5 - تبصرة الأدلة 1/ 339.
__________
المراجع
1 - التوحيد، لأبى منصور الماتريدى.
2 - نظم الفرائد، لعبد الرحيم بن على الشهير بشيخ زادة.
3 - الروضة البهية، لأبى عذبة.
4 - تبصرة الأدلة، لأبى المعين النسفى.(1/571)
2 - المادة
لغة: هى كل شىء يكون مددا لغيره، ومادة الشىء أصوله وعناصره التى يتركب منها، وكما تطلق الكلمة على ما هو حسى فإنها تطلق على المعنوى كما فى مادة البحث ومادة الكتاب، ومادة المعرفة هى المعطيات الحسية التى يتألف منها مضمون الفكر، ومادة الفن هى المعطيات التى يستمدها الفنان من تجربته.
واصطلاحا: 1 - تطلق فى العلوم الطبيعية على كل ما تتكون منه الأجسام المادية، ويشغل حيزا من الفراغ، وهى تقابل الطاقة، وإن كانتا صورتين لشىء واحد، لكن الطاقة على خلاف المادة لا تتكون من أجسام مادية يمكن الإمساك بها أو تشغل حيزا من الفراغ، وتضيف تعريفات المادة الأكثر دقة أن يكون لها وزن، ومرونة وعزم، وقصور.
وتتكون المادة من جسيمات صغيرة تسمى جزئيات تكون فى حركة داخل الجسم.
والمادة فى الكيمياء إما عنصر وإما مركب، فالعنصر يتكون من نفس النوع من الذرات، وتتكون الذرات من جسيمات أصغر هى البروتونات الموجودة بالنواة، والنيوترونات الموجودة أيضا بالنواة، والإلكترونات التى تدور حول النواة.
وتوجد المادة فى ثلاث حالات أساسية هى: الحالة الغازية، والحالة السائلة، والحالة الصلبة، ويكمن الفرق بين كل حالة وأخرى فى قوة التجاذب بين الجزيئات فالتجاذب أقوى فى الأجسام الصلبة منه فى السوائل، وفى هذه أقوى منه فى الغازات. وفى الحالات الثلاث لا يحدث تغير داخل جزيئات المادة، بل تتغير فى وضعها وفى سرعتها فقط بخلاف التغيرات الكيميائية. وقد كشف العلماء عن حالة رابعة للمادة تسمى البلازما تنشأ عند درجة حرارة مرتفعة للغاية (6 آلاف درجة مئوية) حيث تفقد النواة ترابطها مع الإلكترونات فتتحول الذرات إلى أيونات. وتتحول المادة إلى طاقة كما فى التفاعلات النووية، ويفترض أنه يمكن للطاقة أيضا أن تتحول مادة إذا وصلت إلى مستويات غاية فى الارتفاع كما فى الأجهزة المسماة بمعجلات الجسيمات فائقة القدرة.
وتتغير المادة كيميائيا عند حدوث تغير فى مكونات الجزىء خلال عملية التفاعل الكيميائى.
وفى الأزمنة السابقة كان يعتقد أن المادة تتكون من أربعة عناصر فقط هى: النار والماء والتراب والهواء.
وتنقسم المواد أيضا إلى كائنات حية وجماد، ويختص علم الحيوان والنبات بدراسة الكائنات الحية كما يختص علم الفيزيقا بدراسة المواد عموما والقوى المؤثرة فيها، والطاقة المتولدة منها.
2 - ويطلق لفظ المادة فى المنطق على الحدود التى تتألف منها القضية، أو على القضايا التى يتألف منها القياس. مادة القضية فى المنطق هى الموضوع والمحمول اللذان تتألف منهما، أما صورتها فهى النسبة التى بين الموضوع والمحمول .. (ونتقسم بهذا الاعتبار إلى: كلية وجزئية، وموجبة وسالبة). ومادة القياس هى القضايا التى يتألف منها (الكبرى، والصغرى، والنتيجة)، أما صورته فهى شكله، وعلى سبيل المثال فإن قولنا: كل إنسان فان، وجبريل إنسان، فجبريل فان، قياس كاذب من حيث مادته، لأن صغراه (أى قضيته الصغرى) كاذبة، أما من حيث الصورة فهو قياس صحيح من الشكل الأول.
كان المناطقة القدامى يطلقون مصطلح المادة على حالة للقضية فى ذاتها غير مصرح بها، وعندهم أن هذه الحالة منحصرة فى ثلاثة احتمالات: الوجوب والامتناع والإمكان. والفرق عندهم بين الجهة والمادة أن الجهة لفظ مصرح به يدل على الوجوب أو الامتناع أو الإمكان، على حين أن المادة حالة للقضية فى ذاتها غير مصرح بها، وربما تخالفها.
3 - وفى علم الأخلاق فإن المادة هى الفعل الذى يقوم به الفاعل بصرف النظر عن نيته وقصده، كالممرض الذى يعطى السم بدلا من العقار فهو لا يعد قاتلا إلا من حيث مادة الفعل، أما من حيث صورة الفعل فهو برىء من جريمة القتل.
4 - وفى الفلسفة الأرسطية هى المعنى المقابل للصورة، ولها بهذا الاعتبار وجهان: الأول دلالتها على العناصر غير المعينة التى يمكن أن يتألف منها الشىء .. وهى إمكان محض، أو قوة مطلقة لا تنتقل إلى الفعل إلا بقيام الصورة فيها .. أما الوجه الثانى فدلالتها على المعطيات الطبيعية والعقلية التى يعمل الفكر على إكمالها وإنضاجها فكل موضوع يقبل الكمال بانضمامه إلى غيره فهو مادة، وكل ما يتركب منه الشىء فهو مادة.
والمادة عند ديكارت مقابلة للصورة من جهة، وللفكر أيضا من جهة أخرى، فأما التقابل بينها وبين الصورة فيرجع إلى أن الجسم مؤلف من شيئين: أحدهما شكله الهندسى وهو صورته، والآخر جوهره المشخص الفرد الموجود بالفعل وهو مادته.
وأما التقابل بينها وبين الفكر فيرجع إلى أن المادة كتلة طبيعية ندركها بالحدس الحسى لوجودها خارج العقل، على حين أن الفكر شىء داخلى مجرد عن المادة وعن لواحقها ولذا قال ديكارت: إن المادة هى الامتداد.
ومنذ "كانت" تطلق المادة على معطيات التجربة الحسية من جهة ما هى مستقلة عن قوالب العقل، فمادتها الظاهرة عنصرها الحسى. أما صورتها فهى العلاقات التى تضبطها وتنظم حدوثها.
أ. د/ محمد الجوادى
__________
المراجع
1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية- القاهرة.
2 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا، دار الكتاب اللبنانى، بيروت، 1982م.
3 - المنطق وفلسفة العلوم- بول موى- ترجمة د/فؤاد زكريا- القاهرة 1961 م.
4 - جابر بن حيان وأثره فى الكيمياء- لعبد الحميد سماحة- بحث فى المؤتمر العربى الأول لجامعة الدول العربية- طبعة الإسكندرية 1953م.(1/572)
3 - الماسونية
تعددت الآراء حول معنى الماسونية، فبعضهم رأى أنها اصطلاح يعنى شعار الماسونية: (حرية- مساواة- إخاء- تعاون)، وبعضهم يرى أنها تعنى (القوة الخفية)، وآخرون يرون بهذا الاسم رمزا لأسماء مؤسسيها (1). ويكاد الباحثون يجمعون على أنها هى جمعية البنائين الأحرار، التى وجدت منذ أقدم العصور فى مصر واليونان وفلسطين (2)، وذلك لأن كلمة (ماسونية) من الكلمة الإنجليزية Mason التى تكتب فى العربية خطأ (ماسون) لكن الخطأ شاع، وتعنى"البنَّاء" ثم تضاف كلمة Free بمعنى حر، وتعنى: البناء الحر. وهناك بعض التفسيرات تذهب إلى أن كلمة (حر) تجىء لتمييز الـ "فرى ميسون" أى "البناء الماهر" فى مقابل "البناء غير المدرب" (3).
واصطلاحا: تعرف الماسونية بأنها مجموعة من التعاليم الأخلاقية والمنظمات الأخوية السرية التى تمارس هذه التعاليم، والتى تضم البنائين الأحرار والبنائين المقبولين أو المنتسبين، أى الأعضاء الذين لا يمارسون حرفة البناء.
رموز الماسونية هى: (المثلث، والفرجار، والمسطرة، والمقص، والرافعة، والنجمة الخماسية، والأرقام 3، 5، 7) وهى رموز وطقوس تساعد على اكتشاف النور. والوحدة الأساسية فى التنظيمات الماسونية هى المحفل أو الورشة. ويحق لكل سبعة ماسونيين أن يشكلوا محفلا، والمحفل يمكن أن يضم خمسين عضوا. وتعقد المحافل اجتماعا دوريا كل خمسة عشر يوما، يحضره المتدربون والعرفاء والمعلمون. أما ذوو الرتب الأعلى فيجتمعون على حدة، فى ورشات التجويد. ويفترض فى المشاركين فى الاجتماع أن يقبلوا بلباس معين فهم يضعون فى أيديهم قفازات بيضاء، ويزينون صدورهم بشريط عريض، ويربطون على خصورهم مآزر صغيرة، وقد يرتدون ثوبا أسود طويلا، أو بزة قاتمة اللون، أو سموكينج بحسب تقاليد محافلهم، وهى تقاليد فى غاية التعقيد والتنوع.
وتشكل المحافل اتحادات تدين بالولاء والطاعة لأحد المحافل الكبرى، ففى فرنسا، على سبيل المثال، خمسة محافل رئيسية كبرى، وهى: محفل الشرق الكبير، ومحفل فرنسا الكبير، والمحفل الوطنى الفرنسى الكبير، والاتحاد الفرنسى للحقوق الإنسانية، ومحفل فرنسا الكبير للنساء.
قسم الجمعية: عندما يتقرر قبول طالب للعضوية، يتقدم ليقسم قسم الجمعية الذى يصبح بمقتضاه عضوا عاملا يؤدى واجبه ويتحمل مسئولياته. ونص القسم كالآتى:
أقسم بمهندس الكون الأعظم أننى لا أفشى أسرار الماسونية ولا علاماتها وأقوالها، ولا تعاليمها وعاداتها وأن أصونها مكتومة فى صدرى إلى الأبد.
أقسم بمهندس الكون العظيم ألا أخون عهد الجمعية وأسرارها لا بالإشارة ولا بالكلام ولا بالحروف، وألا أكتب شيئا منها ولا أنشره بالطبع أو بالحفر أو بالتصوير، وأرضى إن حنثت فى قسمى أن تحرق شفتاى بحديد ملتهب، وأن تقطع يداى ويُجزَّ عنقى، وتُعلق جثتى فى محفل ماسونى ليراها طالب آخر ليتعظ بها، ثم تحرق جثتى ويذر رمادها فى الهواء، لئلا يبقى أثر من جنايتى (4).
فالماسونية جمعية سرية يهودية مرت بمراحل عديدة تهمنا منها مرحلة القرن الثامن عشر الذى شهد أول تأسيس منظم على يد اليهودى (أحيرام أبيود) وضمت إليها (هيردوس الثانى) عدو المسيحية فى ذلك الوقت، وعقدت أول اجتماع لها عام 1743م وحضر هذا الاجتماع الملك (هيردوس) ومستشاراه اليهوديان (أحيرام أبيود، وموآب لافى) ثم تلا هذا الاجتماع اجتماعات أخرى، وتعددت أوكار الماسونية فى كل مكان من أوروبا باسم (الماسونية الزرقاء). وفى عام 1770م اتصل عدد من اليهود المرابين (بآدم وايزهاوبت) وكلفوه بمراجعة بروتوكلات حكماء صهيون القديمة، وإعادة تنظيمها على أسس حديثة لتخدم عقيدة الإلحاد. ثم قام وايزهاوبت بدعم من حكماء صهيون بتنظيم المحفل المكلف بقيادتها الذى كانت الخطوة التالية له تأسيس المحفل الماسونى، والذى عرف باسم محفل الشرق الأكبر، وأصبح يستقطب كل الجمعيات الماسونية القديمة، فى العالم ويسيرها إلى وجهة جديدة تخدم اليهود وأغراضهم وأحلامهم بتحقيق وطن قومى لهم، ثم صيانة هذا الوطن.
وفى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين الذى حدث فيه تطور للنفوذ اليهودى وتغلغل لسلطان اليهود عن طريق الماسونية فى جميع الحكومات الأوروبية والأمريكية، فالماسونية تجد مكانا خصبا لدى الطائفة الإنجيلية، ويقول (ألفريد ليلينتال) فى كتابه (ثمن إسرائيل): لقد لعب العامل الدينى دورا هاما فى إقرار التقسيم وخاصة لدى الطائفة الإنجيلية المستمدة تعليمها عن التوراة، وكان هذا العامل من جملة العوامل التى حملت إيرل بلفور، والجنرال سمطس على تأييد إقامة وطن قومى يهودى فى الأراضى المقدسة (5).
وفى سنة 1771م أعاد اليهود النظر فى تعاليم الماسونية ورموزها وغيروا فيها لتناسب الجو البروتستانتى فى بريطانيا والولايات المتحدة. وقد كشف المحفل الماسونى الأعظم فى بريطانيا عن بعض نواياه حين جعل من أهداف الماسونية:
1 - المحافظة على اليهودية.
2 - محاربة الأديان بصورة عامة والكثلكة بصورة خاصة.
3 - بث روح الإلحاد والإباحية بين الشعوب.
ثم بدأت اليهودية العالمية بمد الجمعيات الماسونية برجال الفكر والدهاء والمكر، فيلبسون لكل عصر لبوسه الملائم. بل لهم طرق فى خداع الشعوب، إذا لمسوا فيهم الإحساس بخطر الماسونية، لأن غاية الماسونية تأسيس جمهوريات علمانية، تتخذ الوصولية والنفعية أساسا لاتحادها. كما جاء فى قرار المؤتمر الماسونى المنعقد فى باريس عام 1900م.
وجاء فى قرار مؤتمر محافل الماسونية عام 1884م: (يجب على الماسونيين الذين بيدهم زمام الأمور أن يأتوا بالماسونيين إلى سدّة الحكم، وأن يقربوهم من كراسيه، وأن يكثروا من عددهم فيه، وفى وسع الماسونى أن يكون مواطنا أو نائبا أو رئيسا بشرط أن يكون ماسونيا، وعليه أن يستلهم الأفكار الماسونية، ومهما علت مكانته الاجتماعية، فإنه يستوحى مذهبه من المحفل الماسونى لا من مكانته.
والماسونيون ليسوا كلهم على درجة واحدة ولكنهم على ثلاث درجات:
الأولى: التلميذ أو الصبى (الملتحق أو المتدرب).
الثانية: زميل المهنة أو الصنعة (الرفيق).
الثالثة: البناء الأعظم أو الأستاذ (بمعنى أستاذ فى الصنعة).
وأضيف إلى الدرجات الثلاث درجة أخرى أساسية هى "القوس المقدس الأعظم " وهناك فى بعض المحافل تصل إلى ثلاث وثلاثين درجة كما هو الحال فى الطقس الإسكتلندى القديم. وتصل أحيانا عدد الدرجات إلى بضعة آلاف (6).
الماسونية النسائية: يقول الدكتور "جان مينو": وقد أنشئ للروتارى فرع نسائى عام 1928م يسمى الجمعية الدولية للمتفائلات، Soroptimiste، سوروبتمست.
ولاشك أن هذا النادى هو فرع ماسونى ثانى للحركة النسائية الروتارية غير فرع سيدات الروتارى باسم Inner Wheel " إينرويل " لم تورد كل الوثائق التى لدىَّ شيئا عن تاريخه يمكن أن ننتفع به.
وفى إنجلترا: تأسست أول مدرسة ماسونية للنساء، عرفت باسم "مدرسة بنات
الإخوة الماسونيين" برعاية "راسبينى" ومساعدة العائلة الملوكية وخاصة "دوتش أوف كيرلند " الذى دعيت باسمهم المدرسة فيما بعد "مدرسة كيرلند الملوكية" ومازالت باقية تمارس نشاطها تحت رعاية ملكة إنجلترا، وقد عاد اسمها الأول "مدرسة البنات الماسونية" (7).
وتعرف أندية الروتارى النسائية باسم "الإنرويل" وهى خاصة بالنساء فوق 28 سنة، أما اللاتى لم يبلغن هذا السن فيضمهن تنظيم مختلط يعرف باسم "الروترآكت " أما الشباب من الجنسين فى عمر المراهقة من 14 - 18 سنة فيضمهم تنظيم يسمى "الانترآكت"، وقد سمح مؤخرا بأن يضم هذا التنظيم كافة الطلائع الصغيرة التى تبدأ بعمر الحضانة أو المدرسة الابتدائية.
وأهم النوادى الماسونية (الروتارى- والليونز- والكوائى- والإكستثتنج) وغيرها.
(هيئة التحرير)
1 - اليهودية والماسونية، للشيخ/ عبد الرحمن الدوسرى، ط دار السنة للنشر والتوزيع، 1994م.
2 - مقارنة الأديان (اليهودية)، د. أحمد شلبى- طبعة مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط 3، 1973م.
3 - الأيدى الخفية- عبد الوهاب المسيرى- طبعة الهيئة، مهرجان القراعة للجميع، سنة 2001 م.
4 - الماسونية منشأة ملك إسرائيل، محمد على الزغبى، مكتبة العرفان، بيروت، 1956م.
5 - الخطر الصهيونى، للأستاذ/ محمد خليفة التونى.
6 - الأيدى الخفية.
7 - شرخ فى جدار الروتارى- أبو إسلام أحمد- طبعة دار الاعتصام، القاهرة.
__________
المراجع
1 - الصهيونية العالمية، للأستاذ/ عباس العقاد.
2 - خطر الصهيونية العالمية على الإسلام والمسيحية، عبد الله التل.
3 - إسرائيل والتلمود- للشيخ/ إبراهيم خليل أحمد- طبعة دار المنار، القاهرة.(1/573)
4 - المانع
اصطلاحا: هو وصف ظاهر منضبط، يستلزم وجوده حكمة، تستلزم عدم الحكم، أو عدم السبب، كوجود الأبوة، فإنه يستلزم عدم ثبوت الاقتصاص للابن من الأب، لأن كون الأب سببا لوجود الابن، يقتضى أن لا يصير الابن سببا لعدمه.
وفى هذا المثال الذى أطبق عليه جمهور أهل الأصول نظر لأن السبب المقتضى للقصاص هو فعله، لا وجود الابن ولا عدمه، ولا يصح أن يكون ذلك حكمة مانعة للقصاص ولكنه ورد الشرع بعدم ثبوت القصاص لفرع من أصل.
والأولى أن يمثل لذلك بوجود النجاسة المجمع عليها فى بدن المصلى، أو ثوبه، فإنه سبب لعدم صحة الصلاة عند من يجعل الطهارة شرطا، فها هنا قد عدم شرط وهو الطهارة ووجد مانع وهو النجاسة لا عند من يجعلها واجبة فقط. وأما المانع الذى يقتضى وجوده حكمة تخل بحكمة السبب، فكالدين فى الزكاة، فإن حكمة السبب وهو الغنى مواساة الفقراء من فضل ماله، ولم يدع الدين فى المال فضلا يواسى به، هذا على قول من قال: إن الدين مانع.
فإنه إذا كان المالك مدينا بدين يستغرق نصاب الزكاة أو ينقصه، فإن الزكاة لا تجب عليه (1).
أ. د/ فرج السيد عنبر
1 - إرشاد الفحول للشوكانى 1/ 60 وما بعدها.
__________
المراجع:
1 - المجموع شرح المهذب 5/ 346.
2 - الأموال لأبى عبيدص 437.
3 - فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوى 1/ 155 وما بعدها.(1/574)
5 - المتشابه
لغة: أشبه الشىء الشىء: ماثله، وشابهه: أشبه، تشابه الشيئان: أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا، والمتشابه: النص القرآنى يحتمل عدة معانى كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: يطلق المتشابه، ويراد به عدة إطلاقات:
أحدها: وهو ما لم يأت فى القرآن بلفظه البتة ما يقصده علماء القرآن من وقوع النظم الواحد على صور شتى، وتتشابه فى أمور، وتختلف فى أخرى، ومن ثم يطلقون عليه متشابه النظم، أو متشابه اللفظ، قال الزركشى: "ويكثر فى إيراد القصص والأنباء، وحكمته التصرف فى الكلام، وإتيانه على ضروب، ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك مبتدأ به ومتكرر (3). ومن أمثلة ذلك قوله تعالى {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل} البقرة:48، مع قوله {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة} البقرة:123، وقد عنى بتوجيه هذا اللون من نظم القرآن قلة من المفسرين فى تفاسيرهم، ومنهم: شهاب الدين محمود الألوسى فى تفسيره المعروف بروح المعانى، وعلامة المغرب الطاهر بن عاشور فى تفسيره الموسوم بالتحرير والتنوير.
كما أفرده بعض العلماء بالتصنيف، يقول السيوطى "رحمه الله" أفرده بالتصنيف، خلق: أولهم -فيما أحسب-: الكسائى، ونظمه على بن عبد الصمد السخاوى المتوفى سنة 643هـ فى كتابه "هداية المرتاب فى المتشابه من الكتاب": وهى منظومة تعرف "بالسخاوية"، وألف فى توجيهه الكرمانى فى كتابه "البرهان فى متشابه القرآن" وأحسن منه "درة التنزيل وغرة التأويل" لأبى عبد الله الرازى ... وفى كتاب أسرار التنزيل المسمى."قطف الأزهار فى كشف الأسرار" الجم الغفير (3).
ثانيهما: أن يطلق المتشابه صفة مدح لجميع القرآن، ولفظ المتشابه بهذا المعنى هو الوارد فى قوله تعالى {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} الزمر:23.
أما تبيان كيف أن المتشابه بهذا الإطلاق نعت كمال لجميع القرآن، فإنه من الجلى أن صوغ مادة التشابه فى هذه الآية على صورة التفاعل يقضى بأن الكتاب الكريم ذو أجزاء كلها يشبه بعضه بعضا على ماهو الكثير الغالب فى صورة التفاعل.
وقد بين المفسرون الكمالات التى تتشابه فيها أبعاض الكتاب العزيز، ومن خير وأسد ما فى المقام من عبارات عبارة الزمخشرى، فقد قال فى تفسيرالآية (ومتشابها) مطلق فى مشابهة بعضه بعضا، فكان متناولا لتشابه معانيه فى الصحة والإحكام والبناء على الحق والصدق ومنفعته الخلق، وتناسب ألفاظه وتناسقهما فى التخير والإصابة، وتجاوب نظمه، وتأليفه فى الإعجازوالتبكيت (4).
والتشابه بهذا المعنى الذى يعم جميع القرآن على نحو ما رأينا لا يتنافى بحال مع وصف الإحكام المذكور فى قوله تعالى {كتاب أحكمت آياته ... } هود:1، والذى يعم هو الآخر القرآن الكريم بأسره، بل يجب الأخد بكلا الوصفين جميعا فى كتاب الله عز وجل دون أن يأتى كلام الحق فى ذلك باطل من بين يديه أو من خلفه؟ ذلك بأن التناقض إنما يلزم إذا كان بين المادتين فى هاتين الآيتين تقابل التضاد، وكيف وكل منهم صفة مدح لا يمكن أن تدل على ما يضاد الأخرى، وإنما على ما يؤاتيهما ويشد من أزرهما وبانطوائهما معا فى صفته شاهد صدقه وآية تنزيل رب العالمين.
وأما الإحكام فمعناه أن آى القرآن كلها قد نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ، ولا من جهة المعنى، ولا من جهة الهدف والغاية، أو أنها أحكمت بالحجج والدلائل، أو جعلت حكمة فنقول حكم إذا صار حكما، لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية (5) وإذن فالقرآن بهذا المعنى محكم فى تشابهه، متشابه فى إحكامه على نحو ما ألمحت إليه عبارة الزمخشرى السابقة.
ثالثهما: أن يرد لفظ المتشابه فى القرآن مقولا على بعض منه مخصوص، مقابلا وقسيما للبعض الآخر الذى يقال عليه وصف المحكم، وبحيث لا يجتمع هذان الوصفان المتقابلان فى شىء واحد ألبتة، وذلك هو ما جاء فى قوله تعالى {هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} آل عمران:7، وهذا المعنى هو الذى ينصرف إليه لفظ المتشابه عند الإطلاق والتجرد من القرينة.
وإن الناظر فى هذين الوصفين المتقابلين واللذين لا يصدق واحد منهما على ما يصدق عليه الآخرمن الكتاب المجيد، ليرى اختلافا عظيما بين العلماء فى تبيان هذا المعنى.
وأمثل ما اختاره المحققون فى شرح حقيقة القسمين الكريمين ما أفصحت عنه عبارة الفخر الرازى، إذ يقول: "اللفظ الذى جعل موضوعا لمعنى: إما أن يكون محتملا لغير ذلك المعنى، وإما أن لا يكون. فإذا كان اللفظ موضوعا لمعنى ولا يكون محتملا لغيره فهذا هو النص.
وأما إن كان محتملا لغيره فلا يخلو: إما أن يكون احتماله لأحدهما راجحا على الآخر، وإما أن لا يكون كذلك بل يكون احتماله لهما على السواء، فإن كان احتماله لأحدهما راجحا على الآخر سمى ذلك اللفظ بالنسبة إلى الراجح ظاهرا، وبالنسبة إلى المرجوح مؤولا، وأما إن كان احتماله لهما على السوية كان اللفظ بالنسبة إليهما معا مشتركا، وبالنسبة لكل واحد منهما على التعيين مجملا.
فقد خرج من التقسيم الذى ذكرناه أن اللفظ إما أن يكون نصا أو ظاهرا أو مؤولا أو مشتركا أو مجملا، أما النص والظاهر فيشتركان فى حصول الترجيح إلا أن النص راجح مانع من الغير، والظاهر راجح غير مانع من الغير، فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمحكم.
وأما المجمل والمؤول فهما مشتركان فى أن دلالة اللفظ عليه غير راجحة، فالمجمل إن لم يكن راجحا لكنه غيرمرجوح، والمؤول مع أنه غير راجح فهو مرجوح لا بحسب الدليل المنفرد، فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمتشابه؟ إما لأن الذى لا يعلم يكون النفى فيه مشابها للإثبات فى الذهن، وإما لأجل أن الذى يحصل فيه التشابه يصير غيرمعلوم، فأطلق لفظ المتشابه على ما لا يعلم إطلاقا لاسم السبب على المسبب، فهذا هو الكلام المحصل فى المحكم والمتشابه" (6).
وخلاصة هذا القول أن المحكم ما كان راجح الدلالة على معناه بنفسه (7)، احتمل مرجوحا كالظاهر أو لم يحتمل كالنص، المتشابه ما ليس كذلك -أى ما كان غير راجح الدلالة بنفسه مرجوحا كان كالمؤول، أو مستوى الدلالة كالمجمل- وهو كلام سديد، لأن مدار الإحكام على ما تفهمه الآية الكريمة نفسها (8). إنما هو على الوضوح والتعاصى على الزائغ، وكذلك شأن النص والظاهر اللذين جعل المحكم هو القدر المشترك بينهما، وأن مدار التشابه حسبما صرحته على عون الكلام خفيا ومتبعا للزائغ يبتغى به الفتنة، وإنما يظفر الزائغ بهذه الطلبة فى المجمل والمؤول اللذين جعل المتشابه هو القدر المشترك بينهما كذلك، ثم إن الناس اختلفت اختلافا عظيما كذلك فى قضية العلم بتأويل المتشابه بهذا الإطلاق هل مقصور على الله تعالى، أو هو بحيث يتأتى للراسخين فى العلم أيضا، والصواب الثانى ومن أبرز المتشابه بهذا الإطلاق فى القرآن ما يعرف لدى العلماء بآيات الصفات الخبرية، أو متشابه الصفات كالآيات التى جاء فيها ذكر الوجه واليد والجنب والروح والنفس والاستواء والفوقية والرضا والغضب وما إلى ذلك من كل ما فيه نسبة البعض أو العرض إليه تعالى جسمانيا كان ذلك أو نفسانيا.
ومن حكمة ورود المتشابه بهذا الإطلاق فى القرآن والسنة ما ذكره صاحب الكشاف فقال: لو كان كله (يعنى القرآن) محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه ولا عرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال. ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذى لا يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده إلا به، ولما فى المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والممتزلزل فيه، ولما فى تقادح العلماء، وإتعابهم القرائح فى استخراج معاينة، ورده إلى المحكم من الفوائد الجلية والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله. ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة فى كلام الله ولا اختلاف إذا رأى فيه ما يتناقض فى ظاهره وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد ففكر وراجع نفسه وغيره ففتح الله عليه، وتبين مطابقة المتشابه المحكم ازداد طمأنينة إلى معتقده وقوة فى إيقانه (8).
أ. د/إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، 1/ 490.
2 - البرهان فى علوم القرآن، الزركشى، 1/ 112.
3 - الإتقان فى علوم القرآن، للسيوطى، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، 3/ 390.
4 - الكشاف للزمخشرى 4/ 95.
5 - تفسير البيضاوى ص247.
6 - مفاتيح الغيب للفخر الرازى 7/ 168.
7 - هذا القيد لإخراج المؤول فإنه راجح الدلالة على معناه، ولكن ذلك ليس بنفسه، بل بسبب الموجب للحمل على المعنى المؤول إليه.
8 - الكشاف، 1/ 259.
مراجع الاستزادة:
1 - رسالة للدكتوراه "المحكم والمتشابه فى القرآن" إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة.
2 - مباحث فى علوم القرآن، مناع القطان(1/575)
6 - المتعة
لغة: المتعة بضم وكسر الميم- اسم للتمتيع، كالمتاع، وأن تتزوج امرأة تتمتع بها أياما ثم تخلِّى سبيلها، وأن تضم عمرة إلى حجك وقد تمتعت واستمتعت، وما يتبلغ به من الزاد" (1).
واصطلاحا: يختلف معنى لفظ المتعة باختلاف ما يضاف إليه:
1 - فمتعة العمرة: أن يحرم من الميقات بالعمرة فى أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم ينشئ حجا من مكة، أو من الميقات الذى أحرم منه بالعمرة، وسميت متعة لتمتع صاحبها بمحظورات الإحرام بين النسكين، أو لتمتعه بسقوط العودة إلى الميقات للحج.
وأنه لا خلاف بين الفقهاء فى مشروعية التمتع بالعمرة إلى الحج لقول الله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى} (البقرة 196).
2 - وأما متعة النكاح: فهى أن يقول الرجل لامرأة خالية من الموانع: أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال (2).
ويطلق عليها الفقهاء نكاح المتعة، وقد ذهب إلى حرمة هذا النكاح جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (3).
قال سبرة: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها (رواه مسلم) (4).
3 - وأما متعة الطلاق: فهى كما عرفها الشربينى الخطيب: مال يجب على الزوج دفعه لامرأته المفارقة فى الحياة بطلاق وما فى معناه بشروط (5).
وقد ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن المتعة تجب لمطلقة قبل الدخول إن لم يجب لها شطر المهر بأن كانت مفوضة، ولم يفرض لها شىء لقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين} (البقرة 236).
والأمر يقتضى الوجوب، ولا يعارضه قوله: {حقا على المحسنين} لأن أداء الواجب من الإحسان.
ولأن المفوضة لم يحصل لها شىء من المهر فتجب لها متعة للإيحاش والابتذال.
وقال الحنابلة: تستحب المتعة لكل مطلقة غير المفوضة التى لم يفرض لها، لقوله تعالى: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} (البقرة 241).
وقال المالكية: تندب المتعة لكل مطلقة طلاقا بائنا فى نكاح لازم، إلا المختلعة، والمفروض لها صداق، وطلقت قبل البناء ومختارة لعيب الزوج ومخيرة ومملكة فى الطلاق وطلقت نفسها (6).
لأن الله تعالى جعل المتعة حقا على المتقين والمحسنين لا على غيرهما (7).
ولم يرد نص فى تحديد مقدار المتعة ولا نوعها، والوارد إنما هو اعتبار حال الزوج من الإعسار واليسار، والأخذ بالمعروف.
وذهب الحنفية فى المفتى به عندهم والشافعية إلى أنه يعتبر فى تقدير القاضى للمتعة حال الزوجين كليهما.
وقال الحنفية: المتعة درع وخمار وملحفة لا تزيد على نصف مهر المثل (8).
وقال الشافعية: يستحب أن لا تنقص المتعة عن ثلاثين درهما، ويسن أن لا تبلغ نصف مهر المثل، ومحل ذلك إذا فرض الحاكم المتعة، أما إذا اتفق عليها الزوجان فلا يشترط عدم مجاوزتها مهر المثل (9).
وقال المالكية (10) والحنابلة (11): المتعة معتبرة بحال الزوج المطلق فى يساره وإعساره للآية، ونص الحنابلة: على أن أعلى المتعة خادم إذا كان الزوج موسرا، وأدناها إذا كان فقيرا كسوة تجزئها فى صلاتها وهى (درع وخمار) أو نحو ذلك لقول ابن عباس.
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - ترتيب القاموس المحيط 4/ 2000.
2 - الهداية وشروحها 2/ 384.
3 - الهداية وشروحها 2/ 384، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/ 221، مغنى المحتاج 3/ 142، حاشية الروض المربع 6/ 324.
4 - أخرجه مسلم فى كتاب النكاح "باب ما جاء فى نكاح المتعة" صحيح مسلم بشرح النووى 9/ 187.
5 - مغنى المحتاج3/ 241، شرح المحلى على المنهاج 3/ 290.
6 - جواهر الإكليل 1/ 365.
7 - الجامع لأحكام القرآن، القرطبى 1/ 1112.
8 - حاشية ابن عابدين 2/ 336.
9 - نهاية المحتاج 6/ 359.
10 - حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/ 425، جواهر الإكليل 1/ 365.
11 - كشاف القناع 5/ 158، حاشية الروض المربع 6/ 394.(1/576)
7 - المتن
لغة: متن كل شىء، غايته، وجلد له متن: صلابة وقوة، ومتنت الكبش: إذا شققت جلدة بيضته واستخرجتها، والمتن: ماصلب وارتفع عن الأرض (1).
واصطلاحا: مرَّ بمرحلتين:
1 - الأولى فى بداية القرن الثانى الهجرى، ظهر مصطلح المتن كقسيم للسند فى الصناعة الحديثة، وذلك ضمن كلام لمحمد ابن سيرين المتوفى سنة (110هـ/728م) حين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظرإلى أهل البدع فلا يؤخد حديثهم (3) وكانوا أحيانا فى تلك الفترة يطلقون على المتن لفظ الخبز والمروى والمتن.
2 - وفى القرون المتأخرة فى القرن السابع الهجرى وما بعده، حاول العلماء أن يضعوا تعريفا محددا للمتن، ويربطوا بينه وبين المعنى اللغوى، فقال الطيبى المتوفى (743هـ/1343م): المتن: ألفاظ الحديث التى تقوم بها المعانى (3).
وقال ابن جماعة المتوفى سنة (767هـ/1367م): ما ينتهى إليه غاية السند من الكلام (4).
ووجه الترابط بين المعنى الاصطلاحى والمعنى اللغوى السابق، أنه إما مأخوذ من المماتنة أى المباعدة فى الغاية، لأنه غاية السند، أو من المتن وهو: ما صلب وارتفع من الأرض، لأن المسند يقويه بالسند ويرفعه إلى قائله، أو من متنت الكبش إذا شققت جلدة بيضته واستخراجتها، فكأن المسند استخرج المتن بسنده.
ولقد قسم العلماء المتن إلى ثلاثة أقسام:
1 - مرفوع: وهو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة من قول أو فعل .. مثل: (إنما الأعمال بالنيات) (5)، ويدخل فى المرفوع: المتصل والمنقطع، والمرسل والمعضل والمعلق.
2 - موقوف وهو ما يروى عن الصحابى من أقوال وأفعال وتقريرات، ونحو ذلك، فيوقف عليهم لا يتجاوز به إلى الرسول عليه السلام مثل قولى أبى بكر رضى الله عنه عنه (والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه) (6).
3 - مقطوع وهو ما جاء عن التابعين فمن دونهم، موقوفا عليهم من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم مثل قول الحسن البصرى: (رحم الله رجلا لم يغره ما يرى من كثرة الناس، ابن آدم، إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتبعث وحدك. 00) (7).
والفرق بين المقطوع والمنقطع أن المقطوع من أقسام المتن، والمنقطع من أقسام السند.
أ. د/مصطفى محمد أبو عمارة
__________
الهامش:
1 - لسان العرب لابن منظور، طبعة دار المعارف، تحقيق الأستاذ/عبدالله على الكبير وآخرين، القاهرة، 5/ 4130.
2 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابورى، المطبعة المصرية، المقدمة 1/ 84.
3 - الخلاصة، للطيبى، مطبعة الإرشاد، 1391هـ، بغداد، ص34.
4 - المنهل الروى، لابن جماعة، تحقيق محيى الدين عبد الرحمن، دار الفكر، ط2 سنة 1406هـ، ص37.
5 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ط3.
6 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة عيسى الحلبى 13/ 311.
7 - الحلية لأبى نعيم، الطبعة الأولى 1409هـ/1988م دار الكتب العلمية، بيروت، 2/ 155.
مراجع الاستزادة:
1 - مقدمة ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن بن موسى بن أبى نضر الكردى الشهرزورى.
2 - تدريب الراوى، السيوطى، ط3 مكتبة الكوثر الرياضى.
3 - فتح المغيث للسخاوى(1/577)
8 - المتناهي
اصطلاحا: المتناهى مأخوذ من لفظ النهاية، وهو الحد أو الطرف الذى به يصير الشىء ذو الكمية، بحيث لا يكون وراءه مزاد شىء فيه. والنهاية عند الصوفية الرجوع إلى المبدأ الذى هو الله تعالى، أو إلى الصفاء الذى كان فى عالم الأرواح قبل التعلق بالجسد.
والمتناهى ما له نهاية ويمكن قياسه، والمتناهى هو المحدود، والرياضيون يسمون النهايات حدودا وأطرافا، فنهاية الخط المتناهى نقطة، ونهاية السطح المتناهى خط، والآن للزمان، ويقابله اللامتناهى.
ونشأ على التناهى مذهب يقرر أن العدد اللامتناهى ممتنع، وأن كل مجموع واقعى يجب أن يكون متناهيا، ويرفض نظريات الاتصال التى تضع بين الأشياء فوارق غير متناهية.
وهناك مقابلة بين طرفين من المفاهيم النهاية واللانهاية، والصفة منهما على التوالى النهائى واللانهائى. ويدل على نفس المعنى المتناهى واللامتناهى، كما يستخدم أحيانا كثيرة فى نفس المعنى تعبيرات: المحدود واللامحدود، والتناهى يدل على حد الشىء، واللامتناهى على انعدام وجود الحد. والحد هو الطرف الأخير أو الغاية.
ويستخدم المفهومان فى الرياضيات استخداما واسعا، أما فى الفلسفة فإن المتناهى واللامتناهى يستخدمان فى ميادين نظرية الوجود ونظرية المعرفة ونظرية الإنسان.
فيستخدم المتناهى فى نظرية الوجود عندما نتحدث عن المكان أو الزمان أو الإله. وكانت الفلسفات الدينية تميل إلى نموذج الكون المقفل النهائى، لأن الكون عندهم ذو بداية وذو نهاية. كما إن الإله ذو طبيعة متعينة، منه يبدأ الوجود وإليه ينتهى {هو الأول والآخر} (الحديد 3).
وقد تناول ابن سينا بحث فكرة المتناهى فى عدد من مؤلفاته مثل النجاة والشفاء ورسالة فى الحدود وغيرها. فرأى أن المتناهى هو المحدود، أما السطح فليس داخلا فى حد الجسم من حيث هو جسم بل من حيث هو متناه، وأضاف أن من قال إنه متناه: عنى أنه محدود فى نفسه.
والميل إلى مفهوم التناهى أو نقيضه إنما هو تعبير عن مزاج ابتدائى، وليس اختيارا عقليا، أو نتيجة علمية، أو فلسفية، وهذا المزاج وذلك الميل يؤثران على مجمل اتجاهات الحضارة كما أنهما يظهران فى شتى جوانب الفكر الفلسفى.
أ. د/ منى أبو زيد
__________
المراجع
1 - المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين- الآمدى: تحقيق د. حسن الشافعى، ط وهبة، القاهرة، سنة 1983م.
2 - المعجم الفلسفى د. جميل صليبا، جـ 2، دار الكتاب اللبنانى، بيروت، سنة 1982م.
3 - المعجم الفلسفى د. عبد المنعم الحفنى- الدار الشرقية، القاهرة، سنة 1990م.
4 - الموسوعة الفلسفية العربية، نشر معهد الإنماء العربى، إشراف د. معن زيادة، بيروت سنة 1986م، مادة (تناهى- لا تناهى) بقلم د. عزت قرنى.
5 - موسوعة لالاند الفلسفية، منشورات عويدات، بيروت، سنة 1996م.(1/578)
9 - المجاز
لغة: تدور معانيه حول إزالة الموانع، والعبور من مكان إلى مكان، يقولون: جاز الشىء يعنى مضى، وجزت المكان عبرته، ومن معانى المجاز: الطريق. كما فى لسان العرب (1).
واصطلاحا: هو نقل المفرد اللغوى، أو التركيب من معناه الوضعى الذى أراده منه واضع اللغة، إلى معنى ثان (مجازى) بينه وبين المعنى الأول (الوضعى) مناسبة، بقصد المبالغة فى بيان المعنى الثانى أو توضيحه. وقيل: هو الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له، لعلاقة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعى (2).
فكلمة "بحر" وضعها واضع اللغة للدلالة على "مجتمع الماء" المعروف، وهذه الدلالة يشترك فى فهمها جميع الناس، وهذه الكلمة "بحر" صالحة للنقل من دلالتها الوضعية إلى دلالة أخرى خاصة (مجازية) كاستعمالات وصف الرجل الكريم فى قول الشاعر المتنبى يمدح سيف الدولة الحمدانى حين أبصره قادما فاستقبله بحفاوة وعانقه:
ولم أر مثلى من مشى البحر نحوه
ولا رجلا قامت تعانقه الأُسدُ
فقد عنى الشاعر من كلمة "بحر" الرجل الكريم، وعنى من كلمة "الأسد" الرجل الشجاع بعد أن نقل الكلمتين من معنييهما اللغوى الوصفى العام، إلى معنى مجازى خاص.
وهذا النقل هو المسمى "المجاز" عند علماء البيان، ولابد من وجود علاقة فيه بين معنى الكلمة المنقولة، والكلمة المنقول إليها، مع وجود أمارة (قرينة) تمنع من إرادة المعنى الوصفى.
فالعلاقة بين البحر والكلام هى "السخاء" لأن الكريم لا يمنع سائلا، والبحر لا يمنع ماءه عن طالبيه.
أما القرينة المانعة، فلأن البحر لا يمشى نحو أحد، والأُسد لا تعانق أحدا، بل تفترسه إذا ظفرت به.
والمجاز عندهم قسمان:
لغوى وعقلى: فاللغوى يكون التصرف فيه فى مفردات اللغة أو تراكيبها كما تصرف الشاعر فى كلمتى: بحر، وأسد.
والمجاز اللغوى نوعان:
مجاز استعارى (استعارات) إذا كانت علاقته "المشابهة" أى مشابهة المنقول إليه للمنقول منه، كما فى البيت السابق.
ومجاز مرسل إذا كانت العلاقة غير المشابهة، مثل الجزئية فى قوله تعالى {فتحرير رقبة مؤمنة} (النساء92) والمراد ذات العبد لا رقبته.
والكلية مثل قوله تعالى {يجعلون أصابعهم فى آذانهم} (البقرة 19) المراد أطراف الأصابع.
أما المجاز العقلى فهو إسناد الفعل أو ما فى معناه إلى غير فاعله الحقيقى، مثل قوله تعالى {وأخرجت الأرض أثقالها} (الزلزلة 2) لأن فاعل الإخراج هو الله، وقد أسند إلى مكانه وهو الأرض، لأن الأرض مكان الإخراج.
والمجاز ليس كذبا كما ظن بعض الناس، لأن المتجوز يضع قرينه فى كلامه تمنع من إرادة المعنى الأصلى، أما الكاذب فهو دائما يحاول الخداع ليستمر كذبه.
ومن ثمار المجاز التوسع فى طرق التعبير، وإيضاح المعنى المراد وتضخيمه مع الإيجاز والمبالغة (3).
أ. د/ عبد العظيم إبراهيم المطعنى
__________
المراجع
1 - لسان العرب- لابن منظور، والصحاح للجوهرى- مادة (جوز).
2 - مبحث الحقيقة والمجاز فى: الإيضاح للخطيب القزوينى، المطول لسعد الدين التفتازانى، شروح التلخيص جـ 3، 4.
3 - مبحث المجاز فى: الإيضاح، والمطول، وشروح التلخيص وهى مراجع سبق ذكرها.(1/579)
10 - المجاهدة
لغة: جَهَدَ: جَدَّ، وجَهَدَ فى الأمر أى طلبه حتى وصل إلى الغاية وبلغ المشقة، وجهد بفلان: أى امتحنه. وتجاهَدَ العَدوَّ مجاهدة وجهادا: أى قاتله (1).
واصطلاحا: يقصد بها مجاهدة النفس، لأن المسلم يعلم أن أعدى أعدائه إليه هى النفس التى بين جنبيه، وأنها بطبيعتها ميالة إلى الشر، فرارة من الخير، أمارة بالسوء {وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء} (يوسف 53).
والنفس بطبيعتها تحب الدعة، والخلود إلى الراحة، وترغب فى البطالة، وتنجرف مع الهوى، وتستهويها. الشهوات العاجلة، وإن كان فيها حتفها وشقاؤها (2).
فإذا عرف المسلم هذا عبَّأ نفسه فأعلن عليها الحرب، وصمم على مكافحة رعوناتها، ومناجزة شهواتها، فإذا أحبت الراحة أتعبها، وإذا رغبت فى الشهوة حرمها، وإذا قصرت فى طاعة أو خير: عاقبها ولامها، ثم ألزمها بفعل ما قصرت فيه، وبقضاء ما فوتته أو تركته. يأخذها بهذا التأديب حتى تطمئن وتَطهر وتطيب، وتلك غاية المجاهدة للنفس قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} (العنكبوت 69).
والمسلم إذ يجاهد نفسه فى ذات الله لتطيب وتطهر وتزكو وتطمئن، وتصبح أهلا لكرامة الله تعالى ورضاه يعلم أن هذا هو درب الصاحين وسبيل المؤمنين الصادقين فيسلكه مقتديا بهم، ويسير معه مقتفيا آثارهم. فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام الليل حتى تفطرت قدماه الشريفتان، وسئل عليه السلام فى ذلك فقال: "أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ "، وعن على بن أبى طالب كرم الله وجهه قال: (والله لقد رأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وما أرى شيئا يشبههم كانوا يُصبحون شعثا غبرا صفرا قد باتوا سجَّدا وقياما، يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباهم، وكانوا إذا ذكر الله مادوا كما يميد الشجر فى يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم) (3).
ونرى معاتبة النفس وتأنيبها فى موقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على تفويت صلاة عصر فى جماعة، فتصدق بأرض تقدر قيمتها بمائتى ألف درهم (4).
كذلك عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، كان إذا فاتته صلاة فى جماعة أحيا تلك الليلة بأكملها"؛ وفى يوم أخَّر صلاة المغرب فأعتق رقبتين وكان على بن أبى طالب - رضي الله عنه - يقول: رحم الله أقواما يحسبهم الناس مرضى، وما هم بمرضى، وذلك من آثار مجاهدة النفس (هـ). والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خير الناس من طال عمره، وحسن عمله".
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - لسان العرب لابن منظور مادة (جَهَدَ)، والمعجم الوسيط 1/ 147.
2 - بُستان الواعظين ورياض السامعين، لابن الجوزى، تحقيق إبراهيم بن أحمد عبد الحميد، طبعة إحياء الكتب العربية القاهرة.
3 - طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيم، طبعة مكتبة المتنبى- القاهرة.
4 - منهاج المسلم، لأبى بكر الجزائرى، طبعة المصطفى- القاهرة.
5 - نهج البلاغة، شرح الإمام محمد عبده، تحقيق محمد أحمد عاشور، ومحمد إبراهيم البنا- مطبعة دار الشعب القاهرة.(1/580)
11 - المجوسية
لغة: تَمَجَّسَ الرجل، وتَمَجَّسُوا صاروا مَجُوسا، ومَجَّسُوا أولادهم صيروهم كذلك، ومجسه غيره (1).
ومجوس كصبور: رجل صغير الأذنين كان فى سابق العصور أول من وضع دينا للمجوس ودعا إليه (2).
والمَجُوسية بالفتح نحلة. وفى الحديث: (فأبواه يمجسانه) (3).
ويقول الشهرستانى: (المَجُوسية يقال لها الدين الأكبر، والملة العظمى) (4).
وأطلق العرب اسم المجوس على قرصان النورمان، والسكاندينافيين الذين حاولوا فى القرون الوسطى اقتحام السواحل أو الحدود فى بلاد الغرب الإسلامى (5).
وقد عرفت المجوسية بأنها ديانة الفرس، لأن معظم الفرس كانوا يدينون بها منذ ظهرت فى بلادهم خصوصا (الزرادشتية). التى كانت الدين الرسمى (للدولة الساسانية) التى تأسست عام 226 ق. م وإن كانت بدايتها أسبق من نشأة هذه الدولة بكثير، فشأن المجوسية شأن غيرها من أديان قديمة جابت أرجاء المعمورة فى مصر واليونان والصين والهند والعراق وغيرها، لكنها لم تقتصر على بلاد الفرس وحدها، حيث أن بعض العرب دانوا بها فى هجر وحضرموت وعمان، وقيل: إن بعض العرب كان يدين (بالمزدكية) وممن تمجس من العرب (زرارة بن عدس) وابنه (حاجب) و (الأقرع بن حابس) وغيرهم (6). ولم يرد ذكر المجوس فى القرآن الكريم إلا فى قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد} (الحج 17).
ويقرر ابن خلدون أنهم- أى المجوس- من أقدم الأمم، فيقول:
(هذه الأمة- أى المجوس- من أقدم أمم العالم، وأشدهم قوة وآثارا فى الأرض، وكانت لهم دولتان عظيمتان طويلتان:
الأولى- الكينوية، والثانية- الساسانية الكسروية.
ثم يحدد ملكهم فيقول (إن مدة ملكهم من "كيومرث" أبيهم إلى الملك "يزدجرد" أيام عثمان - رضي الله عنه - أربعة آلاف سنة ومائتان وإحدى وثمانون سنة (7).
ولقد مرت المجوسية بمراحل أربعه تمايزت كل منها عن سابقتها:
الأولى- من نشأتها حتى ظهور "زرادشت ".
الثانية- المجوسية فى عهد "زرادشت ".
الثالثة- المجوسية بعد "زرادشت " وحتى ظهور الإسلام.
الرابعة- المجوسية بعد ظهور الإسلام (8).
وللمجوسية عقائدها الفاسدة:
فهم يعتقدون أن للعالم إلهين اثنين، أو أصلين يقتسمان الخير والشر، ويسمون الأول "النور" والآخر "الظلمة"، وبالفارسية "يزدان" و "أهرمن".
ويقول العقاد (9) عن عقيدة زرادشت" فى الألوهية: (وقد حرم "زرادشت" عبادة الأصنام، وقدس النار على أنها هى أصفى وأطهر العناصر المخلوقة لا على أنها هى الخلاق المعبود).
والمجوس يؤمنون بوجود الملائكة، وترى "الكيومرثية" منهم أن الملائكة تقوم بدور الوساطة بين معسكرى النور والظلمة حين تقوم الحرب بينهما فتتم المصالحة.
يقول الشهرستانى (10) حاكيا عن "الكيومرثية" قولها (إنه جرت محاربة بين معسكر النور ومعسكر الظلمة، ثم إن الملائكة توسطوا فصالحوا بينهما). أما زرادشت فيقول: (إن أول ما خُلِق من الملائكة "بهمن" وعلمَهُ الدين وخصه بموضع النور مكانا وأقنعه بذاته ذاتا ثم "أزديهشت" ثم "شهربور" ثم "أسفندارمز" .. وخلق بعضهم من بعض كما يؤخذ السراج من السراج من غير أن ينقص من الأول شىء، وقال لهم من ربكم وخالقكم؟ فقالوا: أنت ربنا وخالقنا).
والمجوس يؤمنون ببعض الرسل وتختلف فرقهم فى التحديد:
فالكيومرثية يعتقدون أن أول الرسل "كيومراث"، و"الزرادشتية" تعتقد أن زرادشت نبى مرسل ثم هم يؤمنون به وبكتابه الذى أنزل عليه (11).
ويقول ابن حزم: (والمجوس لا يقرون بنبوة أحد من الأنبياء إلا زرادشت (12)
ويقول السكسكى (13): فى معرض حديثه عن المجوس (إنهم ينكرون نبوة آدم ونوح عليهما السلام).
وقالوا: لم يرسل الله عز وجل إلا رسولا واحدا لا ندرى من هو؟
وللمجوس كتاب مقدس يسمى "الأوفستا" أو "الأبستاق" يزعمون أنه نزل على نبيهم "زرادشت" من الإله وعمل "زرادشت" تفسيرا له سماه "زندا" (14) والمجوس تؤمن باليوم الآخر والبعث والحساب والجنة والنار والصراط بيد أنه كان إيمانا شائها، وهم يرون أن البعث للأرواح دون الأجساد فهم يعتقدون أن الروح ألبست الجسد من أجل محاربة "أهرمن" وجنوده من الشياطين، فإذا قضى عليهم فإن الروح تخلص من الجسد فيكون البعث بها فقط، ولهم مرائى عجيبة فى مصير الروح بعد مفارقتها الجسد، وبعض فرق المجوس تعتقد فى التناسخ، شأنها فى ذلك شأن معظم الأديان الوضعية القديمة.
ومن فرق المجوس فرقة تسمى التناسخية تقول: بتناسخ الأرواح فى الأجساد والانتقال من شخص إلى شخص آخر. والمجوسمية تؤمن بالمهدية فيذكر الشهرستانى عن "زرادشت " قوله فى كتابه "زند أوستا" سيظهر فى أخر الزمان رجل اسمه "أشيزريكا" ومعناه الرجل العالم يزين العالم بالدين والعدل، ثم يظهر فى زمانه (بتياره) فيوقع الآفة فى أمره، وملكه عشرين سنة، ثم يظهر بعد ذلك (أشيزريكا) على أهل العالم ويحيى العدل، ويميت الجور، ويرد السفن المغيرة إلى أوضاعها الأولى وتنقاد له الملوك، وتتيسر له الأمور، وينصر الدين والحق، ويحصل فى زمانه الأمن، وسكون الفتن، وزوال المحن (15).
وللمجوسية شعائرها الضالة التى فيها:
1 - عبادة النار
2 - تعظيم الملوك ورفعهم إلى مرتبة الألوهية.
3 - الصلوات والزمزمة
4 - شرب الخمر
5 - الولع بالغناء والمعازف
6 - استحلال المحارم
والمجوسية فرق يحددها الإمام الشهرستانى على النحو والترتيب التاليين:
1 - الكيومرثية
2 - الزروانية
3 - الزرادشتية
ثم يفرق بينهم وبين الثنوية فيحصر فرق الثنوية فى:
1 - المانوية
2 - المزدكية
3 - الديصانية
4 - المرقيونية
5 - الكينوية
6 - والصيامية
7 - والتناسخية.
أ. د. عبد السلام محمد عبده
__________
المراجع
1 - لسان العرب لابن منظور مادة (مجس)
2 - تاج العروس من جواهر القاموس لمحمد مرتضى الزييدى 4/ 246.
3 - مختار الصحاح لمحمد بن أبى بكر الرازى مادة (مجس)
4 - الملل والنحل للشهرستانى 1/ 23.
5 - الد ين والفلسفة والعلم أ/ محمود أبو الفيض ص 109.
6 - تاريخ العرب قبل الإسلام جواد على 6/ 234.
7 - تاريخ ابن خلدون 3/ 308.
8 - انظر المجوسية وأثرها فى العالم الإسلامى: رسالة ماجستير أعدها الباحث د/ عقل عبد الكريم العقل- كلية أصول الدين بالرياض جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من ص 11 إلى 47.
9 - موسوعة العقاد الإسلامية 1/ 110 وما بعدها.
10 - الملل والنحل، للشهرستانى 1/ 233، 242.
11 - الملل والنحل، للشهرستانى 1/ 233.
12 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم الأندلسى 1/ 34.
13 - البرهان فى عقائد أهل الأديان للسكسكى تحقيق د/ على بن ناصر عسيرى ص 510
14 - قصة الحضارة لوديورانت 2/ 426.
15 - الملل والنحل للشهرستانى 1/ 254، 256، 257.(1/581)
12 - المحاسبة
لغة: العد والتقدير، وحسن التدبير، ويعرف من يقوم بهذه الأعمال بالحسيب أو المحاسب (1) وفى القرآن الكريم {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} الإسراء:14، أى محاسبا، {والله سريع الحساب} البقرة:202، أى لا يشغله حساب أحد عن محاسبة الآخر كما فى اللسان (2).
واصطلاحا: وينصرف معنى المحاسبة فى الفكر الإسلامى إلى مفهومين:
1 - المحاسبة الذاتية المعنوية، وهى: أن يحاسب المرء نفسه، وهو ما أكد عليه عمر بن الخطاب بقوله (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا).
2 - المحاسبة المادية، وتعنى المحاسبة على العمليات ذات الصفة العينية والمالية، وتختص بكتابة وقياس الأشياء بغرض الاستفادة منها فى مجالات مختلفة من ضمنها حساب زكوات الأموال.
وقد كانت للدولة الإسلامية فى عصورها الزاهرة نظم محاسبية تساعد المسئولين على إدارة حركة الأموال العامة النقدية والمالية، بحيث تحفظ الأموال وتضبط الغلال فتتحقق رقابة فعالة عليها، وتتم المحاسبة كتابة امتثالا لقوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} البقرة:282.
أما المحاسبة فى العصر الحديث فتختص بتحديد وقياس الأنشطة المختلفة وتوصيل معلومات عن نتائج تلك الأنشطة إلى من يهمه الأمر بهدف الاستفادة منها فى اتخاذ القرارات.
وتتمثل إجراءات المحاسبة فى:
1 - حصر وتجميع البيانات عن الأنشطة المتعددة.
2 - تسجيل وتصنيف وتحليل تلك البيانات فى ضوء مفاهيم وأسس معينة، ووفقا للأهداف المرجوة.
3 - توصيل المعلومات الناتجة عن التسجيل والتصنيف والتحليل إلى من يريد معرفتها لاستخدامها فى اتخاذ القرارات (3).
وعن أهمية المحاسبة يقول الحريرى "إن صناعة الحساب موضوعة على التحقيق، وإن قلم المحاسب ضابط، وإن الحسبة هم حفظة الأموال، ولولا قلم الحاسب لاتصل التغابن إلى يوم القيامة، ولكان من نظام المعاملات محلولا، وجرح الظلامات مطلولا، وجيد التناصف مغلولا، وسيف التظالم مسلولا" (4).
مما يعنى أنه لولا المحاسبة على حركة الأموال الواردة والمنصرفة وتسجيلها بواسطة المحاسبين، لما أمكن معرفة نتيجة النشاط من مكسب أو خسارة، ولما وجدنا نظاما سليما للمعاملات أو لإظهار الحقوق، أو لمنع الظلم.
أ. د/حمدى عبدالعظيم
__________
الهامش:
1 - المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، دار التحربر للطبع والنشر، 1980م، القاهرة، ص149.
2 - لسان العرب، ابن منظور، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1/ 864 - 865.
3 - محاسبة الزكاة مفهوما ونظاما وتطبيقا، د/حسن شحاته، الاتحاد الدولى للبنوك الإسلامية، القاهرة، ص83 - 85.
4 - نظام المحاسبة لضريبة الزكاة والدفاتر المستعملة فى بيت المال، شوقى شحاتة، رسالة ماجستير مقدمة لكلية التجارة، جامعة فؤاد الأول ص154 سنة 1950م.
مراجع الاستزادة:
1 - موسوعة المصطلحات الاقتصادية، د. حسن عمر، دار الفكر العربى القاهرة 1996.
2 - المعجم الاقتصادى الإسلامى، أحمد الشرباصى، دار الجيل، القاهرة، 1981.
3 - قاموس المصطلحات الاقتصادية، د/راشد البراوى، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة(1/582)
13 - المحدث
لغة: اسم فاعل من التحديث مأخوذ من حدث يحدث فهو محدث، وهو وصف لمن يشتغل بالحديث ويقضى وقته فى دراسته (1).
واصطلاحا: فقد مر هذا المصطلح بعدة مراحل: فكان فى بداية أمره، وصفا لمن تصدر لرواية الحديث مطلقا،. وفى القرن الثانى الهجرى، ظهر الكلام على رواة الحديث، وأصبح للحديث الواحد طرق متعددة، واختلفت ألفاظ الحديث الواحد، تبعا لاختلاف الطرق، وظهر بين العلماء من يجيد تمييزالطرق، ونسبة كل لفظ إلى طريقه، فأمثال هؤلاء جديرون بأن يطلق عليهم لقب "محدث" وقد نالوا احترام الناس الذين يشتغلون بالحديث .. قال الإمام البخارى: ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين (2).
وكان بعضهم يطلق لقب "محدث" على الحافظ.
ونسب إلى الزركشى القول بأن الفقهاء، كانوا يطلقون لقب "محدث" على من حفظ الحديث وعلم عدالة رجاله أو جرحهم، دون المقتصر على السماع (3).
وفى القرن الثامن الهجرى، حاول العلماء أن يضعوا ضوابط للقب "محدث" فقد سئل الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس المتوفى سنة (734هـ/1334م) عن المحدث فقال: المحدث فى عصرنا: من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع بين رواته، واطلع على كثير من الرواة والروايات فى عصره، وتميز فى ذلك، عرف فيه حفظه، واشتهر فيه ضبطه (4).
ووصفه بعض العلماء بقوله: إنه الذى قرأ، وكتب، وسمع، ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصل أصولا، وعلق فروعا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التى تقرب من ألف تصنيف (5).
ومن ذلك يتبين لنا أن لقب المحدث هو وصف لمن يشتغل بدراسة السنة دراسة علمية دقيقة، وهو ما يعرف اليوم بلغة العصر الحاضر: التخصص الدقيق.
فكل من اهتم بدراسة الأسانيد والعلل، وأسماء الرجال، والعالى والنازل من الأسانيد، وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون، مع العلم بما يجب كونه عليه من الضبط، أو التيقظ، والمعرفة بأداء الحديث وشرائطه، والتحرز من أن يدخل عليه ما لم يسمعه، مثل هذا جدير بلقب "محدث" على أن هناك طائفة أخرى توصف بأنها "أهل الحديث" وهم الذين يهتمون بمعرفة دلالات الألفاظ، وكيفية الاستنباط من النصوص مع تقديمها على الرأى، وإن لم تكن لهم إحاطة بالطرق والرجال.
أ. د/مصطفى محمد أبو عمارة
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط3 القاهرة 1/ 166.
2 - صحيح مسلم، مسلم بن حجاج النيسابورى، طبعة كتاب التحرير ط1، 1383هـ، القاهرة، ط1.
3 - تدريب الراوى، السيوطى، مكتبة الكوثر بالرياض، 1417هـ، ط3، 9/ 58.
4 - المرجع السابق 1/ 31.
5 - مقدمة السيوطى لتدريب الراوى ص37،38.
مراجع الاستزادة:
1 - فتح المغيث، للسخاوى.
2 - الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع، للخطيب البغدادى.
3 - نزهة النظر لابن حجر(1/583)
14 - المحراب
لغة: الغرفة، وصدر البيت أو المجلس وأكرم موضع فيه، والموضع الذى ينفرد فيه الملك فيتباعد عن الناس. (لسان العرب).
وجاءت اللفظة فى القرآن الكريم بصيغة المفرد فى قوله تعالى {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا} آل عمران:37، وكذلك فى (آل عمران:39) (مريم:11) (ص:21) .. ومعنى المحراب هنا: الحجرة التى فى مقدمة المعبد.
وجاءت اللفظة بصيغة الجمع (محاريب) فى قوله تعالى {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب} سبأ:13.
وفسرت المحاريب فى هذه الآية بالقصور، والمساجد يتعبد فيها.
واصطلاحا: علامة القبلة فى جدار المسجد، وجرت العادة أن تكون فى وسط جدار القبلة.
وكانت القبلة عند بناء مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة أولا فى الجدار الشمالى نحو المسجد الأقصى، ثم أمر النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة الثامنة من الهجرة أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام، ومن ثم نقلت القبلة من الجدار الشمالى إلى الجدار الجنوبى، وهكذا
صارت قبلة جميع المساجد فى الجدار الموجه نحو المسجد الحرام فى مكة المكرمة، يقول الله تعالى {قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره} البقرة:144.
ولم ليكن المحراب فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم مجوفا بل كان مسطحا تسطح الجدار نفسه، ولكنه كان محددا ومعلما، وظل فى مكانه بعد توسعة المسجد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة السابعة بعد الهجرة، وكان من جراء ذلك أن صار أقرب إلى الجدار الشرقى منه إلى الجدار الغربى، وذلك لأن توسعة المسجد نحو الغرب كانت أطول من توسعته نحو الشرق.
وفى خلافة عمر بن الخطاب نقل جدار القبلة نحو الجنوب بمقدار خمسة أمتار تقريبا، ومن ثم نقل مكان المحراب إلى الجدار الجديد، ولكن على نفس المحور.
وحدث الشىء نفسه فى خلافة عثمان بن عفان حين نقل جدار القبلة إلى الجنوب نحو خمسة أمتار أخرى، وبذلك صار فى موضعه الحالى. ومع ذلك فقد ظل مكان محراب النبى صلى الله عليه وسلم الأول موضع حفاوة المسلمين الذين يحرصون على الصلاة والدعاء أمامه، وقد أقيم فى المكان نفسه محراب بعيد عن الجدارالحالى على يد السلطان المملوكى قايتباى.
وقد ظل المحراب مسطحا إلى أن أجرى الوليد بن عبدالملك عمارته فى مسجدالنبى صلى الله عليه وسلم سنة 88هـ، حين أمر بإعادة بنائه، وتجديده تجديدا شاملا، ففى هذه العمارة أدخلت فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم وحدة معمارية جديدة هى المحراب المجوف، وكان ذلك إيذانا بانتشاره بعد ذلك فى المساجد.
وقيل كثيرمن الآراء بشأن الحكمة من المحراب المجوف، منها: أنه يفيد فى تعيين اتجاه القبلة، وفي تحديد مكان الإمام عند الصلاة، وفى توسيع طاقة المسجد بما يقرب من صف من المصلين فى الصلاة الجامعة، ويساعد على تجميع صوت الإمام وتكبيره، وإيصاله للمصلين الذين يوليهم ظهره أثناء الصلاة، لا سيما قبل اختراع مكبرات الصوت.
ونال المحراب عناية مؤسسى المساجد الجامعة من حيث العمارة والزخرفة، وإقامة المنبر إلى يمينه، وتزويده بمقصورة، والحفاوة بالبلاطة التى تليه، التى عرفت ببلاطة المحراب، وبالبلاطة المؤدية إليه من الصحن والتى أطلق عليها أحيانا المجاز القاطع.
وكان المحراب فى بعض الأحيان يكتنفه عمودان من الرخام يحملان عقدا ويسقف أعلاه بنصف قبة تعرف بطاقية المحراب كانت تزين بالمقرنصات، وقد يكسى المحراب، بالجص المزخرف بالحفر البارز والغائر، أو بالرخام والمرمر، أو ببلاطات القاشانى، أو بالفسيفساء الرخامية أو الخزفية أو الزجاجية المشكلة بالحليات الهندسية والنباتية المحورة، وكان يكرم بالآيات القرآنية المناسبة لوظيفته.
وتتعدد المحاريب فى بعض المساجد، ومن ذلك مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة، إذ يشمل على خمسة محاريب بالإضافة إلى المحراب الرئيسى فى منتصف جدار القبلة، ومن هذه المحاريب أربعة محاريب مسطحة من
الجص على بعض دعائم المسجد فى رواق القبلة.
هذا .. ولم تقتصر المحاريب على المساجد، بل وجدت أيضا فى الخانقاوات والمدارس والأضرحة وغيرها من الأماكن التى تقام بها الصلاة، أو يحتاج فيها إلى تعيين موضع القبلة.
إضافة إلى ذلك عرفت محاريب غير ثابتة يمكن نقلها من مكان إلى آخر عند الضرورة، فمثلا فى فصل الصيف الحار كانت تنقل إلى صحن المسجد، وكانت هذه المحاريب تصنع من الخشب، وكان يعتنى بزخرفتها، ومن أمثلة هذه المحاريب محراب السيدة رقية بمتحف الفن الإسلامى بالقاهرة 533هـ.
هذا واستخدم شكل المحراب عنصرا زخرفيا فى العمارة الإسلامية ولا سيما فى المقرنصات. وليس من شك فى أن المحاريب تعد من أقيم الآثار الإسلامية سواء من حيث القيمة الروحية، أو من حيث الأهمية المعمارية والزخرفية، ومن المحاريب التى تتمثل فيها أساليب العمارة والزخرفة الإسلامية:
- محراب قبة المنصور قلاوون بشارع المعز لدين الله بالقاهرة.
- محراب الجامع الأزرق بشارع باب الوزير بالقاهرة.
- محراب مسجد ابن طولون بالقاهرة.
- محراب مدرسة قجماس الإسحاقى بشارع الدرب الأحمر بالقاهرة.
- محراب جامع محمد على بقلعة صلاح الدين بالقاهرة.
- محراب مسجد نابين بإيران (من القرن الرابع الهجرى).
- محراب مسجد ميدان فى قاشان بإيران.
- محراب ضريح بابا قاسم فى أصفهان بإيران.
- محراب المسجد الجامع بصنعاء اليمن.
- محراب جامع قرطبة من عهد الخليفة الحكم.
أ. د/حسن الباشا
__________
مراجع الاستزادة:
1 - تاريخ المساجد الأثرية. حسن عبد الوهاب.
2 - موسوعة العمارة والآثار والفنون الإسلامية أ. د/حسن الباشا(1/584)
15 - المحسنات البديعية
البديع لغة: الجديد والطريف، وقيل: هو الشىء الذى يكون أولا، كما فى لسان العرب (1).
واصطلاحا: هو أحد علوم البلاغة الثلاثة: المعانى، البيان، البديع، ومنزلته عند البلاغيين والنقاد فى صناعة العبارة البليغة هى: الثالثة.
علم البديع اصطلاحا: "هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال، ووضوح الدلالة".
فرعاية تطبيق الكلام لمقتضى الحال وظيفة علم المعانى، ووضوح الدلالة وظيفة علم البيان، والمطابقة والوضوح عنصران أساسيان فى كل كلام بليغ.
أما البديع- عندهم- فمقصور على تحسين الألفاظ (الصورة) والمعانى (المضمون) المقصودة من الكلام.
وأول من قصر البديع على هذه الوظيفة هو أبو يعقوب السكاكى (2) ونهج نهجه البلاغيون من بعده (3)
والبديع جنس ناعم تحته نوعان:
(أ) البديع اللفظى، وهو ما كان الحسن فيه راجعا إلى اللفظ أصلا، وإلى المعنى تبعا. (ب) البديع المعنوى، وهو ما كان الحسن فيه راجعا إلى المعنى أصلا وإلى اللفظ تبعا. ولكل من هذين النوعين صور (جزئية) تندرج تحتهما، ومجموعهما هو المسمى: المحسنات البديعية، وهى أكثر من مائة وخمسين محسنا، وقد جمع بعضهم هذه المحسنات فى مؤلفات خاصة مع تفاوت الإحصاء بين القلة والكثرة (4)
وقد ضُخِّم من كثرة صوره الجزئية الخلط بين صوره الخالصة وفنون البلاغة الأخرى، الراجعة إلى علمى المعانى والبيان. ومتأخرو البلاغيين، مثل الخطيب القزوينى، وشُرَّاح تلخيصه أكثر دقة من المتقدمين، كأسامة بن منقذ، الذى أوصل صور المحسنات البديعية إلى خمس وتسعين ومائتى صورة فى كتابه: "البديع فى نقد الشعر"، بينما نجده عند ابن أبى الإصبع فى كتابه "تحرير التجسيد فى صناعة الشعر والنثر" .. خمسا وعشرين ومائة صورة مع عصرى الرجلين (القرنان الخامس والسابع).
ومن صور المحسنات البديعية اللفظية من "الجناس" وهو أكثر المحسنات اللفظية تصرفا وتشعبا.
وله تعريف عام هو:
"تشابه الطرفين فى اللفظ، واختلاف معانيهما" (5).
ولهذا التشابه درجات، أعلاها أن يكون الطرفان لفظا واحدا مكررا.
ومن أمثلته قوله تعالى: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة} (الروم 55).
فالجناس بين: ساعة الأولى وساعة الثانية ولا عبرة ب "الـ" فى ساعة الأولى.
فاللفظ هنا له صورة خطية وصوتية واحدة فى كلا الطرفين والمعنى مختلف: لأن معنى الأولى هو "القيامة" من القبور، ومعنى الثانية هو اللحظة القصيرة المبهمة من الزمن.
هذا، وقد اتحد الطرفان (ساعة- ساعة) فى عدد الحروف، وترتيبها، ونوعها، وهيئتها (حركات الحروف) وما كان كذلك سمى (جناسا تاما متماثلا).
ومثاله من الشعر
لك يا منازل فى القلوب منازل
أقفرت أنت وهن منك أواهل
منازل الأولى: ديار الأحبة بعد أن خلت منهم بموت أو هجرة.
منازل الثانية المراد منها الذكريات الحاصلة فى القلوب هنا، وقد ذكر الخطيب القزوينى صورا أكثر من صور المحسنات البديعية اللفظية، ولكنه لم يستوفها كلها (6).
ومنها: رد العجز عن الصدر، السجع، الموازنة، القلب. وضابط المحسنات اللفظية عندهم:
أن يكون التحسين راجعا إلى اللفظ أولا بالذات، ثم إلى المعنى ثانيا بالعرض.
(ب) أما المحسنات المعنوية، فمن أشهرها: الطباق، وهو: "الجمع بين المعنيين المتضادين (7)، أو المتقابلين سواء كان تقابل ضدين، أو نقيضين".
ومثال تقابل الضدين قوله تعالى: {الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة 257)
فالطباق بين الظلمات والنور، وهما: ضدان، ومثال التقابل بين النقيضين قوله تعالى: {يخرج الحى من الميت} (الأنعام 95) لأن الحياة والموت نقيضان لا يجتمعان فى محل واحد، ولا يرتفعان عنه معا فى وقت واحد.
ومثاله من الشعر:
إذا أيقظتك حروب العدا
فنبه لها عُمَرا ثم نم
والطباق بين: نبِّه- نَمْ
وللطباق تقسيمات وتنويعات تراجع فى مكانها من كتب البلاغة، كالمفتاح لأبى يعقوب السكاكى، والإيضاح للخطيب القزوينى، والمطول لسعد الدين التفتازانى، والأطول للعصام، ثم شروح التلخيص.
أما المحسنات البديعية عموما فممن استوعب جمعها ابن أبى الإصبع العدوانى المصرى فى كتابه "تحرير التحبير" ومن القدماء ابن حجة الحموى فى كتابه: "خزانة الأدب وغاية الأرب" وابن رشيق صاحب كتاب "العمدة فى محاسن الشعر".
أ. د/ عبد العظيم إبراهيم المطعنى
__________
المراجع
1 - لسان العرب، لابن منظور، مادة (بدع)، طبعة دار المعارف.
3 - مفتاح العلوم 181.
3 - الإيضاح للخطيب القزوينى 6/ 9 وشروح التلخيص (الجزء الرابع).
4 - مثل ابن منقذ (البديع فى نقد الشعر) وابن أبى الإصبع (تحرير التحبير).
5 - الإيضاح للخطيب 6/ 9.
6 - الجزء السادس من الإيضاح. ط: المكتبة الأزهرية القاهرة.
7 - الإيضاح 6/ 9.(1/585)
16 - المُحَكِّمَةُ
يتفق الباحثون على أن بداية ظهور هذه الفرقة كان فى واقعة (صِفِّين) التى كانت بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان- رضى الله عنهما- وقد أجمع الباحثون على أن سبب تسميتهم بالمحكِّمة يرجع إلى شعارهم الذى رفعوه يومذاك: "لا حكم إلا لله". وهناك من يقصر هذه التسمية على أول فرقة من فرق الخوارج ويسمونها "المُحَكِّمة الأولى" (1).
والسبب فى خروجهم- على الإمام على - رضي الله عنه - يرجع إلى رفضهم لما حدث، فعندما أحس معاوية بن أبى سفيان بقرب هزيمة جنده، طلب من جنده رفع المصاحف على أسنة الرماح طالبين تحكيم كتاب الله تعالى. واجتمع على بن أبى طالب مع أصحابه يشاورهم فى هذا التحكيم وبعد الشورى قبل التحكيم. واختار ممثله أبا موسى الأشعرى واختار معاويةُ عمروَ بن العاص.
وفور قبول التحكيم تَمرَّد بعض من جنود على بن أبى طالب وكان أكثرهم من قبيلة تميم (2). ورفضوا التحكيم قائلين: لا ينبغى أن يحكم أحد فى كتاب الله، فالتحكيم خطأ. لأن حكم الله فى الأمر واضح وجلى، والتحكيم يتضمن شك كل فريق من المحاربين أيهما أحق، وليس يصح هذا الشك، وصاحوا "لا حكم إلا لله " وحينما سمع على بن أبى طالب ذلك قال قوله المشهور: "كلمة حق أريد بها باطل ".
وتسميتهم بالمُحَكِّمة سبقت تسميات الخوارج الأخرى، حيث أن الشعار الذى أخذ منه كان الأسبق فى الظهور من الخروج على الإمام علىّ - رضي الله عنه -.
وتطورت الأمور عند المُحَكِّمة بسرعة فطالبوا الإمام عليا - رضي الله عنه - بأن يحكم على نفسه بالخطأ، ثم تمادوا فى الأمر وطالبوه بأن يحكم على نفسه بالكفر، إن لم يرجع عن عهده مع معاوية رضى الله عنهما.
وذكر أن أحدهم قابل الإمام عليا فقرأ قوله تعالى: {ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} (الزمر 65).
زعماء المُحَكِّمة:
وحينما رجع على بن أبى طالب من صفين فدخل الكوفة، لم تدخل المُحَكِّمة معه فأتوا حروراء ونزلوا بها- وهذا سبب تسميتهم بالخوارج- واعتزلت المُحَكِّمة الإمام عليّا ودخلوا دارا وهم ستة آلاف وأجمعوا على أن لا يخرجوا إلا لقتال على بن أبى طالب - رضي الله عنه -. وكان على رأسهم عبد الله بن الكواء، وعَتَّاب بن الأعور، وعبد الله بن وهب الراسبى، وعروة بن جرير، ويزيد بن أبى عاصم المحاربى، وحرقوص بن زهير البجلى المعروف بذى الثدية.
مناظرة ابن عباس لهم:
قال ابن عباس: أتيت عليا قبل صلاة الظهر فقلت أبرد بالصلاة لعلّى أدخل على هؤلاء القوم فأكلمهم فقال: إنى أخاف عليك. فقلت: كلا، وكنت رجلا حسن الخلق لا أوذى أحدا فأذن لى فلبست حلة من أحسن ما يكون من اليمن وترجلت فدخلت عليهم نصف النهار فدخلت على قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادا، جباههم قرحة من السجود وأياديهم كأنها ثفن الإبل (3). وعليهم قمص مرحضة مشمرين مسهمة وجوههم من السهر فسلمت عليهم فقالوا: مرحبا بابن عباس ما جاء بك. فقلت: أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار ومن عند صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم، فقالت طائفة منهم: لا تخاصموا قريشا فإن الله عز وجل يقول: {بل هم قوم خصمون} (الزخرف 58) فقال اثنان أو ثلاثة: لنكلمنه، فقلت: هاتوا ما نقمتم على صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين والأنصار وعليهم نزل القرآن وليس فيكم منهم أحد وهم أعلم بتأويله. قالوا: ثلاثا، قلت: هاتوا، قالوا: أما أحداهن فإنه حكم الرجال فى أمر الله. وقد قال الله عز وجل: {إن الحكم إلا لله} (يوسف 14) فما شأن الرجال والحكم بعد قول الله عز وجل. فقلت: هذه واحدة وماذا؟ قالوا: وأما الثانية فإنه قاتل وقتل ولم يسب ولم يغنم فإن كانوا مؤمنين فلم حل لنا قتالهم ولم يحل لنا سبيهم، قلت: وما الثالثة؟ قالوا: فإنه محا عن نفسه أمير المؤمنين فإنه إن لم يكن أمير المؤمنين فإنه لأمير الكافرين. قلت: هل عندكم غير هذا. قالوا: كفانا هذا.
قلت لهم: أما قولكم حكم الرجال فى أمر الله أنا أقرأ عليكم فى كتاب الله ما ينقض هذا. فإذا نقض قولكم أترجعون؟ قالوا: نعم. قلت فإن الله قد صير من حكمه إلى الرجال فى ربع درهم ثمن أرنب وتلا هذه الآية {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} (المائدة 95) إلى آخر الآية، وفى المرأة وزوجها {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} (النساء 35) إلى آخر الآية فنشدتكم بالله هل تعلمون حكم الرجال فى إصلاح ذات بينهم وفى حقن دمائهم أفضل أم حكمهم فى أرنب وبُضع امرأة فأيهما ترون أفضل- قالوا: بل هذه. قلت: خرجت من هذه. قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم فتسبون أمكم عائشة- رضى الله تعالى عنها- فوالله لئن قلتم ليست بأمنا لقد خرجتم من الإسلام ووالله لئن قلتم لنسبينها ونستحل منها ما نستحل من غيرها لقد خرجتم من الإسلام. فأنتم بين ضلالتين لأن الله عز وجل قال: {النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب 6) أخرجت من هذه. قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم محا عن نفسه أمير المؤمنين فأنا آتيكم بمن ترضون أن النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية صالح المشركين أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو. فقال لعلىّ - رضي الله عنه -: اكتب لهم كتابا فكتب لهم علىّ هذا ما اصطلح عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال المشركون: والله ما نعلم أنك رسول الله لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: اللهم إنك تعلم أنى رسول الله امح يا على. اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله، فوالله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير من على وقد محا نفسه، قال فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم فقتلوا.
ألقاب المُحَكِّمة:
عرفت المُحَكِّمة بألقاب عديدة قبل أن يعصف بها التفرق والتمزق إلى جماعات تناصب بعضها بعضا العداء والتكفير ولعل أشهر الألقاب التى عرفوا بها هو الخوارج لخروجهم على طاعة الإمام على بن أبى طالب - رضي الله عنه -، كما أن هناك ألقابا أخرى هى:
1 - الحرورية: ويعتبر هذا اللقب من أسبق الأسماء التى عرفت بها الخوارج حين أنكروا على علىّ بن أبى طالب - رضي الله عنه - قبوله التحكيم فى صفين وانحازوا عنه إلى قرية تدعى حروراء فسموا الحرورية بذلك (4).
2 - المارقة: ويعتبر هذا اللقب من أشد الألقاب إيلاما للخوارج، وأبغضه إلى نفوسهم.
3 - الشراة: وعرفت الخوارج عبر تاريخهم الطويل باسم الشراة لأنهم جعلوا مفهوم الشراية فى سبيل الله غاية يسعى إليها كل فرد.
4 - الراسبية: وعوفوا بهذا اللقب نسبة إلى (ابن وهب الراسبى).
(هيئة التحرير)
1 - الملل والنحل، للشهرستانى 51/ 115، وصبح الأعشى، للقلقشندى 3/ 224، والفرق بين الفرق، للبغدادى ص66.
2 - يكاد يتفق رواة الحديث والأخبار على أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد تنبأ بظهور الخوارج حينما جاءه رجل من تميم، يقال له ذو الخويصرة واعترض على قسمته قائلا: لم أرك عدلت! فغضب النبى - صلى الله عليه وسلم -، وقال له: "ويحك! إذا لم يكن العدل عندى، فعند من يكون؟ " فهَّم أحد الصحابة بقتله فقال له - صلى الله عليه وسلم -: " دعه" فإنه سيكون له شيعة يتعمقون فى الدين يتبعون أقصاه، حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية" انظر ابن هشام 2/ 496.
3 - الثفن: جمع ثفنة ركبة البعير وغيرها مما يحصل فيه غلظ من أثر البروك.
4 - الفرق بين الفرق، للبغدادى ص67، وتاريخ اليعقوبى 2/ 191.
__________
المراجع
1 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل، لابن حزم، تحقيق: د. عبد الرحمن عميرة ود. محمد إبراهيم نصر، طبعة مكتبات عكاظ، الرياض 1982 م.
2 - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، للرازى، مراجعة: على سامى النشار، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1938 م.
3 - الفتنة الكبرى، طه حسين، طبعة دار المعارف، مصر، 1968 م.
4 - الخوارج فى العصر الأموى، د. نايف معروف، طبعة دار الطليعة، بيروت، ط 3، 1986 م.(1/586)
17 - المدائح النبوية
اصطلاحا: من فنون الشعر التى أذاعها التصوف .. فهى لون من ألوان التعبير عن العواطف الدينية .. وباب من الأدب الرفيع .. لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص (1).
وقد كان العرب متفرقين لا يجمعهم شمل .. ولا يخضعون لأمير واحد .. إلى أن جاء النبى - صلى الله عليه وسلم - بدعوته إلى الإسلام فى قريش .. ودعا إلى وحدة العرب واتحادهم واجتماعهم تحت دين واحد .. وراية واحدة .. لينقذهم مما هم فيه من فوضى التفرق .. ودمار الحروب .. فهزت دعوته - صلى الله عليه وسلم - قلوبهم .. وامتدت إلى الممالك المجاورة .. حتى إذا بلغها ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تعلق بالحق، والوفاء، والقناعة، وعلو المرتبة .. فى البلاغة، والفصاحة، والبيان، والسياسة، ومن مكانة فى الشجاعة، وقيادة الجيوش .. هالها أمره .. وأذهلها خطره .. فانصرف بعضهم إليه .. وبعضهم عنه .. ووقف شعراء يتصدون للهجوم عليه .. كما وقف شعراء آخرون فى الدفاع عنه وامتداحه (2). وأكثر المدائح قيل بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. إذ إن ما يقال فى حق الرسول بعد وفاته لا يسمى رثاء .. وإنما يسمى "مدحا" كأنهم لحظوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موصول الحياة .. وأنهم يخاطبونه .. كما يخاطبون الأحياء.
وقد كان هذا المديح أول الأمر يقتصر على امتداح خصاله وشمائله - صلى الله عليه وسلم - ورسالته وهو حى .. فلما قضى انصرف الشعراء إلى الثناء عليه، وتعداد صفاته، والإشادة بالدين الإسلامى .. وهذا يعد من المدائح .. لأنه يتوجه به إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - كأنه موجود حى .. يناديه المادح ويناجيه .. فيسمعه ويلبيه .. ولأنه يحقق مبادئ هذا الفن من تمدح بشجاعته، واستحسان لأخلاقه ومزاياه، وإعجاب بصباحة وجهه .. فالقصائد التى قيلت بعد وفاته هى مديح .. وكان النابغة الجعدى من المادحين .. إذ مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى قصيدة طويلة فقال:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ..
ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
كما مدحه الأعشى بداليته .. ولكن قريشا صرفته عن لقاء النبى - صلى الله عليه وسلم - فانصرف وبقيت قصيدته .. وجاء كعب بن زهير ومدح النبى - صلى الله عليه وسلم - فى قصيدته المشهورة فقال (3):
أنبئت أن رسول الله أوعدنى ..
والعفو عند رسول الله مأمول
وكان حسان بن ثابت شاعر النبى - صلى الله عليه وسلم - حقا .. حيث امتدحه لصفاته النبيلة .. وفى ديوانه نماذج كثيرة للمدح النبوى (4). وسار كثير من الشعراء على نهج حسان مستمرين عليه حتى جاء القرن السابع الهجرى، فوضع محمد بن سعيد البوصيرى عددا من القصائد فى مدح النبى - صلى الله عليه وسلم - وأطال فيها .. وقصيدته "البردة" مشهورة فى جميع الأقطار الإسلامية .. رتلتها فى مناسباتها الدينية، وتولتها المطابع فى الشرق والغرب وشرحها الشارحون شروحا عدة (5). ولم يقف الأمر عند حد الشرح .. بل تعداه إلى أن شطروها، وخمسوها، وسبعوها، وعارضوها على مر العصور.
وفى العصر الحديث كانت قصيدة البارودى "كشف الغمة فى مدح سيد الأمة" بداية لمرحلة جديدة فى فن المدائح .. إذ رسمت الطريق لعدد من الشعراء تابعوا المسيرة المدحية لخير البرية .. وكان أحمد شوقى من أبرزهم فى هذا المجال (6).
وقد نظم الشاعر محمد عبد الغنى حسن ديوانا كاملا فى المديح النبوى سماه "من وحى النبوة" وكذلك فعل "مختار الوكيل" فى ديوانه "على باب طه ".
ففن المدائح النبوية لون من الأدب العالى، لم ينقطع فى الشعر العربى منذ حسان بن ثابت ورفاقه- إلى الآن (7).
أ. د/ صفوت زيد
__________
المراجع
1 - المدائح النبوية فى الأدب العربى، د. زكى مبارك 17 - دار الكتاب العربى للطباعة والنشر- القاهرة- بدون تاريخ.
2 - المديح، د. سامى الدهان، 71 - 72 - دار المعارف، طبعة خامسة.
3 - السابق 73 - 74.
4 - انظر: شرح ديوان حسان بن ثابت، ضبط وتصحيح: عبد الرحمن البرقوقى- دار الأندلس، بيروت، بدون تاريخ.
5 - انظر ديوان البوصيرى، تحقيق: محمد كيلانى، 49 - 77، مطبعة عيسى البابى الحلبى، ط ثانية، 1973 م، وشرح البردة، للشيخ/ إبراهيم الباجورى- تحقيق وضبط وتعليق: عبد الرحمن حسن محمود، مكتبة الآداب.
6 - الشوقيات 1/ 32 - 39 - 63 - 67 - 150 - 0 16، دار الكتب العلمية، بيروت- ط أولى، 1985 م.
7 - المديح 83.(1/587)
18 - المدارس
تعتبر المدارس فى الإسلام امتدادا للمساجد، فكان المسلمون فى عصورهم
الأولى يتوسعون فى مهمة المسجد، فاتخذوه مكانا للعبادة ومعهدا للتعليم، ودارا للقضاء، وساحة تتجمع فيها الجيوش، ومنزلا لاستقبال السفراء.
وقد ميز الجامع عن المسجد بأن الجامع هو الذى يجتمع فيه الناس لصلاة الجمعة أو الجماعة، أما المسجد فهو مكان الصلاة ولو كان حجرة خاصة بالمنزل.
وقد اشتهر من بين الجوامع الإسلامية ثلاثة هى:
1 - جامع المنصور ببغداد، وقد كان هذا المسجد قبلة أنظار الأساتذة والطلاب، ومن أشهر العلماء الذين جلسوا للتدريس فيه الخطيب البغدادى والكسائى والفراء (1).
2 - جامع دمشق، وكان للمالكية به زاوية للتدريس فى الجانب الغربى، وللشافعية مدرسة على يمين الخارج من باب البريد، وهناك كذلك مقصورة برسم الحنفية يجتمعون فيها للتدريس وبها يصلون (2).
3 - جامع عمرو بن العاص: وقد بنى هذا الجامع سنة 21هـ فهو أقدم جامع فى قارة إفريقية، ومن العلماء الذين جلسوا. للتدريس به سليمان بن عتر التجيبى، وقد سجل المقريزى بعض تفاصيل عن أهم الزوايا العلمية بهذا المسجد، وهى زاوية الإمام الشافعى، والزاوية المجدية والزاوية الصاحبية، ومن أشهر العلماء الذين جلسوا للتدريس فيه الإمام محمد بن جرير الطبرى (3).
أما العلوم التى كانت تدرس فى المسجد فكثيرة أهمها: العلوم الدينية، والعلوم اللغوية، والأدبية، ومبادئ علم الكلام، والعروض، وعلم الطب، والميقات (الفلك).
وقد انتقل التعليم من المساجد إلى المدارس بسبب ما يحدثه التدريس من أصوات ومناقشات تحدت قليلا أو كثيرا من الضوضاء التى تؤثرعلى ما يلزم من وقار الصلاة وخشوعها، ثم إن العلوم تطورت بتطور الزمن فأصبح الجدل والمناظرة من العلوم المهمة مع ما يحدثه من أصوات تتناقض مع ما يحتاجه المسجد من هدوء وجلال.
وهناك فروق واضحة بين المدرسة والمسجد هى:
1 - فى المدرسة يعين المدرس وذلك بخلاف معلمى المساجد.
2 - وجود الإيوان بالمدارس وهو الاسم الذى يرادف قاعة المحاضرات ولم يوجد فى المسجد باستثناء المساجد الكبرى التى تهتم بالتعليم.
3 - كان عدد التلاميذ محددا فى المدرسة بخلاف حلقة المسجد التى كانت مفتوحة لمن يجلس فيها (4).
أما أقدم المدارس الإسلامية فهى مدارس الوزير العظيم نظام الملك الذى وزر لألب أرسلان وملكشاه، وسميت هذه المدارس النظامية نسبة لنظام الملك، وكانت هذه المدارس كثيرة لم تخل منها مدينة أو قرية.
واقتفى نور الدين زنكى أثر نظام الملك فأنشأ المدارس فى الشام. وسار صلاح الدين الأيوبى وأفراد أسرته على هذا النهج فأنشأوا المدارس فى مصر.
أ. د/أحمد شلبى
__________
الهامش:
1 - تاريخ بغداد الخطيب البغدادى.
2 - معجم الأدباء ياقوت الحموى 1/ 255.
3 - الخطط والآثار المقريزى 2/ 246 وما بعدها.
4 - الروضتين فى ذكر أخبار الدولتين أبو شامة 1/ 189.
مراجع الاستزادة:
1 - تاريخ التربية الإسلامية موسوعة التاريخ الإسلامى أحمد شلبى، ج5(1/588)
19 - المديح
لغة: مدحه أثنى عليه بما له من الصفات. والمديح: ما يمتدح به، وجمعها: المدائح كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: الثناء على ذى شأن بما يستحسن من الأخلاق النفيسة .. كرجاحة العقل، والعفة، والعدل، والشجاعة .. وأن هذه الصفات عريقة فيه وفى قومه (2).
وهو من أغراض الشعر العربى منذ الجاهلية .. إلا أنه فى أواخر العصر الجاهلى إنحط إلى درك المسألة والتكسب على يد "الأعشى"، حيث مدح كل من أعطى، وشكر كل من أكرم .. فذكر فى مدحه الصفات المثلى التى يحبها العربى .. وقبل الأعشى نجد النابغة قد سن للناس سنن المديح الرسمى .. حين يتطلعون إلى الملوك .. وحسان بن ثابت .. حين مدح ملوك الغساسنة وأمراءهم .. ووصف نعيمهم وترفهم .. ورسم ما كانوا يلبسون ويرتدون، وذكر ديارهم العامرة (3).
وفى عصر صدر الإسلام ترخص النبى - صلى الله عليه وسلم - فى استماع المديح .. والإجازة عليه تأييدا للدعوة الإسلامية .. إذ كان جُلّ ما يمدح به خاصا بعمل الرسالة .. ولكنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن سماع المدح لمجرد الإطراء .. والتقريظ .. وفى غير تأييد حق .. وتورع الخلفاء الراشدون عن سماع المدح الباطل .. ففترت صناعة التكسب بالشعر فترة من الزمن (4).
وفى عصر بنى أمية، ترخص معاوية فى سماع المديح تأييدا لدعوته .. ثم توسع فى ذلك بنو مروان .. فاستمعوا له فى حق .. وفى غير حق .. وأجازوا عليه الجوائز السنية .. وتبع الملوك فى ذلك الولاة .. ورؤساء الأحزاب فى زمانهم .. وتسابق الشعراء إلى اختراع المعانى التى تعجب أولياء الأمر .. فكالوا منها لكل ما لا يستحق .. مما كان قدوة لمن جاء بعدهم .. من غلاة المداحين (5).
وفى العصر العباسى .. رأينا الشعراء يمتدحون، ويتكسبون بشعرهم .. يرجون النوال .. ولكنهم زادوا فى معانى هذا المديح وصوره ما يتلاءم مع الحضارة العباسية .. والحياة الاجتماعية الجديدة .. ومواسم الخلافة والملك .. وأعياد البلاط ومناسبات الحرب والسلام .. وأضفوا على المعانى القديمة صورا براقة .. تصف هؤلاء الخلفاء بما يتناسب وحاجة الملك الجديد. ونقلوا مديح الملوك من ميدان الكرم والشجاعة إلى ميادين جديدة فيها حب الرعية، والإخلاص للشعب، والخير للبلاد (6).
وظل المديح المتكسب يتنقل بين العصور الإسلامية حتى فتر وضاقت معانيه وصوره .. إلى أن جاء "محمود سامى البارودى" فى العصر الحديث .. فأعاد للمديح أسلوبه المتين .. ولفظه القديم .. وأضاف إليه صورا استقاها من العصر .. وسار على خطته "حافظ إبراهيم" .. وحمل شوقى لواء المديح فارتفع به إلى مرتبة تجعله شبيها بأبى تمام فى العباسيين، والمتنبى فى الحمدانيين (7).
أ. د/ صفوت زيد
__________
المراجع
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مادة (مدح) 2/ 892، دار المعارف/ ط3.
2 - جواهر الأدب فى أدبيات وإنشاء لغة العرب، السيد أحمد الهاشمى مؤسسة المعارف، بيروت- د. ت 6/ 26.
3 - المديح، سامى الدهان من دار المعارف- القاهرة- الطبعة الخامسة ص 14 - 19.
جواهر الأدب 2/ 133 والمفصل فى تاريخ الأدب العربى- أحمد الإسكندرى وآخرون- لجنة التأليف والترجمة والنشر- 934 1 م وتاريخ آداب اللغة العربية جورجى زيدان دار الهلال 1/ 193 - 196.
5 - المديح 19 - 22، وانظر تفصيل ذلك فى تاريخ آداب اللغة العربية 1/ 229 - 311.
6 - المديح 22 - 30، وانظر أيضا: تاريخ آداب اللغة العربية 2/ 38 - 92.
7 - السابق، 44 - 68، والمفصل فى تاريخ الأدب العربى 2/ 334 - 387.(1/589)
20 - المذاهب (الفقهية)
لغة: ذهب مذهب فلان: قصد قصده وطريقته، وذهب فى الدين مذهبا: أى رأى فيه رأيا (1).
واصطلاحا: لا يخرج المعنى الاصطلاحى عن ذلك المعنى اللغوى.
وحكم الاجتهاد فى الإسلام مشروع، فقد اجتهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما لم يجدوا فيه نصا، وكذلك اجتهد التابعون ومن بعدهم فى الحوادث التى عرضت لهم مما لم يجدوا فيه نصا من الكتاب أو السنة فنشأ عن هذا الاجتهاد اختلاف فى الرأى، ثم زاد هذا الاختلاف بعد الفتنة التى أدت إلى مقتل سيدنا عثمان ثم الإمام على رضى الله عنهما، فكان أن انقسم المسلمون إلى طوائف ثلاثة: شيعة، وخوارج وأهل السنة.
وكان السبب الرئيسى لاختلافهم هو الخلافة والأحق بها، وما صاحبها من التحكيم فى النزاع بين الإمام على ومعاوية فكان لكل طائفة رأى يخالف رأى غيرها، وحاولت كل فرقة أن تعمل لنصرة مبادئها، فتولد عن ذلك اختلاف آخر فى بعض الأحكام العملية، مما أدى إلى وجود فقه للخوارج وآخر للشيعة، وثالث لأهل السنة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى وجود اختلاف بين كل طائفة، فتعددت المذاهب الفقهية.
والمذاهب الفقهية كثيرة ومتعددة منها ما اشتهر وكتب له البقاء، ومنها ما لم تدون فيه مراجع خاصة به كمذهب الإمام الليث بن سعد، والإمام ابن جرير الطبرى، والإمام الأوزاعى وغيرهم، أما المذاهب المشهورة والتى لها ذيوع وانتشار فهى ثمانية مذاهب وهى: المذهب الإمامى والمذهب الزيدى وهما لطائفة الشيعة، والمذهب الإباضى وهو لطائفة الخوارج، والمذهب الظاهرى، ومذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهى لأهل السنة والجماعة. (3).
والمذهب الشيعى الإمامى وهو لبعض الشيعة، وهم الذين يعتقدون أن الرسول أوصى بالخلافة لعلى بالذات ثم من بعده لولده، وأن الأئمة معصمون من الخطأ ... الخ، فهم يختلفون مع أهل السنة فى كثير من الفروع والأحكام، فضلا عن إنكارهم القياس وينتشر هذا المذهب فى إيران والعراق، والهند (4).
والمذهب الشيعى الزيدى: فهو لطائفة ينتسبون إلى زيد بن على زين العابدين بن الحسين، ومن مبادئهم أن الإمامة لا تكون بالنص عليها -كما يقول الإمامية- وإنما تكون لكل فاطمى عالم زاهد شجاع فى الحق. والزيدية أعدل فرق الشيعة فى تعاليمها، ومع ذلك فقد خالفوا فقه أهل السنة فى كثيرمن الفروع والأحكام، ولهم كتب كثيرة منها المجموع المنسوب للإمام زيد، وشرحه الروض النضير، وأتباع هذا المذهب موجودون الآن فى بلاد اليمن، وقد تشعب هذا المذهب إلى شعب منها: القاسمية والناصرية والهادويه (5).
والمذهب الإباضى: وهو مذهب طائفة معتدلة فى الخوارج وهو منسوب إلى عبد الله بن إباضى الذى توفى سنة 80هـ، وهم يرون أن الخلافة تكون بالاختيار الحر من المسلمين، وهذا المذهب يتفق فى كثيرمن الفروع مع أهل السنة، وإن خالفوهم فى بعض الأحكام، ومن أهم كتب هذا المذهب كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف بن أطفيش، وينتشرهذا المذهب فى بعض بلاد المغرب العربى، وكذلك سلطنة عمان (6).
والمذهب الظاهرى: ومؤسسه أبو سليمان داود بن على الأصفهانى، وهذا المذهب يعتمد على ظواهر النصوص من القرآن والسنة، ويترك كل أنواع الرأى والقياس، ومن علماء هذا المذهب أبو على محمد بن حزم، والذى له كتاب "المحلى" فى الفقه، وكتاب "الإحكام فى أصول الأحكام" فى أصول الفقه. (7)
المذهب الحنفى: هو من مذاهب أهل السنة أسسه الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة 150هـ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة والإجماع، وقول الصحابى فيما ليس للاجتهاد فيه مجال ثم القياس والاستحسان، وهذا المذهب له كتب كثيرة مشهورة ومعروفة، وينتشر هذا المذهب فى العراق وسوريا وباكستان وأفغانستان وتركيا ومصر (8).
المذهب المالكى: ومؤسسه إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحى المتوفى سنة 179هـ، ويعتمد هذا المذهب أيضا على الكتاب والسنة والإجماع، والقياس، وعمل أهل المدينة، والعمل بالمصالح المرسلة. وهذا المذهب أيضا له كتب كثيرة ومشهورة، وينتشر فى صعيد مصر والسودان والكويت وقطر والبحرين وبلاد المغرب العربى كلها (9).
المذهب الشافعى: وهو من مذاهب أهل السنة أيضا، أسسه الإمام محمد بن إدريس الشافعى المتوفى سنة 204هـ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة والإجماع، فقول الصحابى ثم القياس، وللإمام الشافعى كتاب فى الفقه وهو "الأم" وكتاب آخر فى الأصول وهو "الرسالة" ويعد به الشافعى أول من دون فى علم الأصول وكتب المذهب كثيرة، وينتشر بالوجه البحرى بمصر وفلسطين وحضرموت وأندونيسيا (10).
المذهب الحنبلى: وهو من مذاهب أهل السنة، أسسه الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى المتوفى سنة 241هـ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة وفتاوى الصحابة المتفق منها والمختلف، فالحديث المرسل، فالقياس، ولهذا المذهب كتب كثيرة مشهورة وينتشر هذا المذهب فى السعودية.
أ. د/على مرعى
__________
الهامش:
1 - المصباح المنير للفيومى مادة (ذهب).
2 - المدخل فى التعريف بالفقة الإسلامى أ. د/محمد مصطفى شلبى، ط1، مطبعة دار التأليف سنة 1962م ص121، تاريخ الفقه الإسلامى د/محمد أنيس عبادة، ط1 دار الطباعة المحمدية 2/ 4 ومابعدها.
3 - المدخل فى التعريف د/محمد مصطفى شلبى، من ص121 - 164.
4 - المدخل للفقه الإسلامى د/حسن على الشاذلى ص402 ط1 دار الاتحاد العربى.
5 - السابق ص408 وما بعدها، تاريخ التشريع الإسلامى د/إبراهيم الدسوقى الشهاوى ط1 الطباعة الفنية المتحدة ص226 وما بعدها.
6 - المدخل فى التعريف د/محمد مصطفى شلبى، ص123 والسابق ص238 ومابعدها.
7 - المدخل للفقه الإسلامى د/حسن على الشاذلى، ص399.
8 - الفكر السامى فى تاريخ الفقه الإسلامى لمحمد بن الحسن الحجوى الثعابى ط1 إدارة المعارف الرباط 2/ 119 ومابعدها.
9 - السابق: 2/ 155 ومابعدها.
10 - السابق 2/ 172 ومابعدها، تاريخ الفقه د/محمد أنيس عبادة ص26 ومابعدها.
11 - المدخل فى الفقه الإسلامى د/محمد مصطفى شلبى ص158، ص160، المدخل للفقه الإسلامى د/حسن على الشاذلى ص393 ومابعدها(1/590)
21 - المرابِطُون
المرابطون: عَلَم على أصحاب ومؤسسى الدولة الإسلامية التى قامت فى بلاد المغرب والأندلس فى القرنين الخامس والسادس للهجرة (القرنين 11، 12 للميلاد). وأصل هذه الكلمة هو الفعل (رابط) بمعنى لازم، ومنه مرابطة الجيش فى الثغور ومواضع المخافة أمام العدو. وفى القرآن الكريم: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} (آل عمران 200).
لقد كانت بداية المرابطين فى أوائل القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) إلى الجنوب من وادى درعة فى الصحراء الفاصلة بين المغرب الأقصى وحوض نهر السنغال.
وأصل المرابطين يرجع إلى قبائل صَنهاجة البربرية المغربية الصحراوية، وكانت مضاربهم ممتدة أول الأمر إلى الشمال فى إقليم تافيللت، وقاعدته مدينة سِجِلماسة، فلما بسطت قبيلة زناتة سلطانها على بلاد المغرب الأوسط، طردوا الصنهاجيين نحو الجنوب، فأصبحوا يومئذ محصورين فى الصحراء الكبرى بين الزناتيين من جهة الشمال، وقبائل السود السنغاليين من الجنوب، وباتوا مهددين بالفناء من جراء ذلك الحصار.
وفى ظل هذه الظروف الحرجة اتحدت القبائل الصنهاجية وهى: جُدالة، ولمتونة، ومَسُّوفَة، وتارجا وجَزُولة، وبنو وارث، وبدأوا العمل والتحرك للتخلص من الحصار الذى يهددهم، تحت زعامة جُدالة، وشيخها يحيى بن عمر بن إبراهيم بن ترغوت الجدالى.
وفى عام 427 هـ/ 1036م خرج يحيى بن عمر على رأس جماعة من قومه للحج، وفى طريق عودتهم، توقفوا بمدينة القيروان- فى تونس- لأخذ العلم والرواية من علمائها، والتقوا بشيخ المالكية الفقيه أبى عمران بن عيسى الورفجومى الفاسى (ت 430هـ/1039م)، وطلبوا منه أن يرسل معهم أحد العلماء من تلاميذه، ليفقههم فى الدين، وليرجعوا إليه فى الأحكام، لأنهم منقطعون فى الصحراء، فانتدب لذلك عبد الله بن ياسين الجزولى، فكان معلمهم وفقيههم، غيرأنه كان يتمتع بذكاء وفطنة ونشاط ظاهر فى الدعوة إلى الله، وإلى وحدة الصنهاجيين وقوتهم سبيلا إلى الفكاك من استبداد الزناتيين بهم.
ويبدو أن هذا الفقيه الجزولى كان يتسم بالصرامة والتشدد، فاعتزله كثير من الناس، فانحاز إلى جزيرة فى النهر، وأقام فيها مرابطا، والتف حوله جماعة انقادت له وأخلصت له، وفى طليعتهم الأمير يحيى بن عمر، وأخوه أبو بكر بن عمر الجداليان، وتكاثر مع مرور الوقت الراغبون فى هذا الرباط والمعجبون بالشيخ ابن ياسين، حتى بلغ عددهم نحو ألف رجل من فتيان صنهاجة الذين يتقدون حماسة ورغبة فى الجهاد فى سبيل الله، وحينئذ قال لهم شيخهم وإمامهم ابن ياسين: "إن ألفا لن يغلبوا من قلة، فاخرجوا بنا للجهاد والقيام بالحق والدعوة إليه".
فخرجوا مجاهدين تحت إمرة يحيى بن عمر، وانتصروا على الزناتيين، فانكسر الحصار الذى ضُرب على صنهاجة فى الشمال، كما انتصروا على السود فى الجنوب، وانفتح بذلك السبيل أمام المرابطين للّتوسع شمالا. وفى عام 445 هـ/1053م أغاروا على أطراف درعة، وقتلوا مسعود بن وانودين وهزموا جيشه واستولوا على درعة وسجلماسة.
ولما قُتل يحيى بن عمر اللمتونى فى عام 477 هـ/1055م، خلفه فى قيادة المرابطين أخوه: أبو بكر بن عمر، فمضى مع الشيخ ابن ياسين على المنهج ذاته، ويعينه مخلصا فى هذا الاتجاه ابن عمه يوسف بن تاشُفين اللمتونى.
وفى حدود عام 461هـ/1068 - 1069م أتم المرابطون الاستيلاء على إقليم تافيللت، ثم استولوا على وادى نهر تانسيفت، ومن ثم شرعوا فى بناء قاعدة للدولة الجديدة، فشيدت مدينة (مَرَاكُش)، بين سنتى 461 - 465 هـ/1069 - 1074م. وفى هذه الأثناء وقع خلاف بين لمتونة وجدالة فى الصحراء واشتبك الفريقان فى قتال دُعِىَ أبو بكر بن عمر لحسمه، وفض الاشتباك بين الصنهاجيين، فمضى بعد أن أسند إدارة الدولة إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين، فاضطلع هذا بقيادة المرابطين على أكمل وجه، وحظى بمكانة رفيعة بينهم، إلى جانب مهارته الحربية التى ظهرت فى ميادين القتال من قبل. فلما رجع أبو بكر من الصحراء، ورأى دولة المرابطين قوية مستقرة، وما يحظى به يوسف من مكانة، وما حازه من توفيق، تنازل- راضيا- عن رياسة الدولة ليوسف، وعاد أبو بكر إلى الصحراء ليواصل الجهاد فيها.
حين كانت دولة المرابطين تتقدم بخطى واثقة نحو التوسع والسيطرة والقوة فى بلاد المغرب حتى شمل سلطانهم المغرب الأقصى ومناطق واسعة من المغرب الأوسط، كانت أوضاع بلاد الأندلس- تحت حكم ملوك الطوائف- تمضى من سيئ إلى أسوأ، وكان نصارى أسبانيا لا يكفون عن الإلحاح على استنزاف قواها والاستيلاء علّيها، حتى سقطت طلّيطلة فى أيديهم سنه 478 هـ/1085م، فاتجهت أنظار أهل الأندلس نحو إخوانهم المرابطين لإنقاذهم ونجدتهم، فلم يتردد يوسف بن تاشفين فى النهوض تلّبية لندائهم، وانتصارا للإسلام وأهله. وعبرت جيوش المرابطين المجاز بين المغرب والأندلس تحت قيادة ابن تاشفين، وكانت معركة الزلاقة الشهيرة فى شهر رجب 479 هـ/1086 م، حيث انتصر المسلمون (مرابطون وأندلسيون) واندحرت جموع النصارى بقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة، ولُقِّب يوسف بن تاشفين عقب هذا الانتصار الباهر "أمير المسلمين"، ومن ثم عاد إلى المغرب بعد أن ترك فى الأندلس حامية من المرابطين.
وفى عبورهم الثانى إلى الأندلس عام 481 هـ/1088م، لم يقع بينهم وبين النصارى قتال.
ثم ساءت أحوال بلاد الأندلس، وتجددت الخلافات بين ملوك الطوائف هناك عودا على بدء، وخشى المسلمون عليها من النصارى، فوردت الكتب تترى إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، ووصلت إليه الفتاوى من كبار المسلمين، يحثونه على إنقاذ الأندلس من ملوك الطوائف!! وإزاء هذا الوضع الخطير استجاب ابن تاشفين، وعبر إلى الأندلس للمرة الثالثة فى المحرم سنة 483 هـ/089 1 م، وقام بعزل ملوك الطوائف واحدا تلو الآخر، وبدأ عصر جديد فى الأندلس، صارت فيه تلك البلاد جزءا من دولة المرابطين، ويدين أهلها بالسمع والطاعة للأمير يوسف بن تاشفين اللمتونى.
وفى عبوره الرابع من المغرب إلى الأندلس تمكن ابن تاشفين من هزيمة ألفونسو السادس ملك قشتالة وجيشه، وكبده خسائر جسيمة فى معركة قرب كنشرة سنة 491هـ/1087م. وقبل عودته إلى المغرب كون جيشا مرابطيا فى الأندلس، ووزع كتائبه على قواعدها المتعددة، ثم جاز إلى مراكش حيث وافاه أجله فى المحرم سنة 500هـ/1106م.
وتولى بعده ابنه على بن يوسف بن تاشفين، ولم يكن أقل رغبة فى الجهاد من أبيه، حيث كانت له وقائع مشهودة فى الأندلس، تؤكد أنه سائر على نهج أبيه فى جهاد أعداء الإسلام، والحفاظ على ما بقى من الأندلس بأيديهم، ويذكر له وللمرابطين فى هذا الصدد، أنهم تمكنوا من استرداد الجزائر الشرقية فى البحر الأبيض المتوسط (ميورقة ومنورقة ويابسة) سنة 509 هـ/1116م، وكانت قوات مشتركة من بيزة وجنوة وبرشلونة قد استولت عليها من أيدى المسلمين ..
ومما لا ريب فيه أن المرابطين وأمراءهم، قد أعادوا إلى الإسلام قوته وهيبته فى الأندلس، ويسترد مسلمو الأندلس عزتهم وكرامتهم وأمنهم فى ظل تلّك الدولة المجاهدة الباسلة، التى لم يتردد قادتها وجيوشهم فى تلبية نداء إخوانهم المسلمين، طوال عصرهم الذى امتد حتى سنة 541هـ/1147م. حيث انتهت دولتهم، لترثها وتحل محلها فى المغرب والأندلس معا دولة جديدة هى (دولة الموحدين) ..
أ. د/ محمد جبر أبو سعدة
__________
المراجع
1 - الكامل فى التاريخ، ابن الأثير على بن محمد بن محمد- دار صادر بيروت 1399هـ/1979م.
2 - الصلة- ابن بشكوال خلف بن عبد الملك بن مسعود، الدار المصرية للتأليف والترجمة. القاهرة 1966م.
3 - التاريخ الأندلسى- الحجى الدكتور عبد الرحمن على، دار الاعتصام. القاهرة 1403هـ/1983م.
4 - أعمال الأعلام (تاريخ المغرب العربى فى العصر الوسيط) ابن الخطيب: لسان الدين محمد بن عبد الله بن سعيد بتحقيق أحمد مختار العبادى ومحمد إبراهيم الكتانى. الدار البيضاء- المغرب 964 1م.
5 - ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد: العبر وديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر. بيروت 1958 ـ 1959 م.
6 ـ وفيات الأعيان وأبناء الزمان- ابن خلكان: أحمد بن محمد بن أبى بكر، بتحقيق: إحسان عباس. دار صادر بيروت 1398هـ/1978م.
7 - تاريخ المغرب فى العصر الإسلامى- الدكتور السيد عبد العزيز- مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر- الإسكندرية-
8 - البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب- ابن عذارى: أبو عبد الله محمد المراكشى، جمع وتعليق: إحسان عباس- بيروت 1967م.
9 - عصر المرابطين والموحدين فى المغرب والأندلس- عنان محمد عبد الله: القاهرة 1383 - 384 1هـ/ 964 1 م.
10 - قيام دولة المرابطين- محمود الدكتور حسن أحمد- القاهرة 1957 م.
11 - المعجب فى تلخيص أخبار المغرب- المراكشى: عبد الواحد بن على- بتحقيق: محمد سعيد العريان- القاهرة 1383 هـ/1963م.
12 - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى- الناصر السلاوى أحمد بن خالد- بتحقيق ولدى المؤلف جعفر ومحمد- الدار البيضاء 1954م.
13 - معجم البلدان- أبو عبد الله ياقوت الرومى الحموى: بتحقيق فريد عبد العزيز الجندى- دار الكتب العلمية- بيروت 1410هـ/1990م.(1/591)
22 - المرجئة
اصطلاحا: الإرجاء على معنيين:
أحدهما بمعنى التأخير كما فى قوله تعالى: {قالوا أرجه وأخاه} (الأعراف 111) أى أمهله وأخره.
ثانيهما: إعطاء الرجاء.
أما إطلاق اسم المرجئة على الفرقة القائلة بالإرجاء بالمعنى الأول فصحيح، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن "النية" و "القصد".
وأما بالمعنى الثانى فظاهر؛ لأنهم كانوا يقولون لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
وقالوا بتأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه بحكم ما فى الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار.
وينقسم المرجئة إلى:
مرجئة الخوارج- مرجئة القدر- مرجئة الجبرية- المرجئة الخالصة. وذكر الإيجى فى المواقف أن المرجئة لقبوا بذلك لأنهم يرجئون العمل عن النية، أو لأنهم يقولون لا يضر مع الإيمان معصية.
وفرق المرجئة خمسة (كما ذكرها الشهرستانى والإيجى) هى:
1 - اليونسية: نسبة إلى يونس النميرى، وقالوا: الإيمان المعرفة بالله والخضوع له والمحبة بالقلب، ولا يضر معها ترك الطاعات، وأن إبليس كان عارفا بالله، وإنما كفر باستكباره.
2 - العبيدية أصحاب عبيد الكذاب، زادوا أن علم الله لم يزل وأنه تعالى على صورة إنسان.
3 - الغسانية: أصحاب غسان الكوفى قالوا: الإيمان: المعرفة بالله ورسوله ? وبما جاء من عندهما إجمالا، وهو يزيد ولا ينقص، وذلك مثل أن يقول قد فرض الله الحج ولا أدرى أين الكعبة، ولعلها بغير مكة، وبعث محمدا ولا أدرى أهو الذى بالمدينة، أم غيره؟ وغسان كان يحكيه عن أبى حنيفة وهو افتراء.
4 - الثوبانية: أصحاب ثوبان المرجئ اتفقوا على أنه تعالى لو عفا عن عاص لعفا عن كل من هو مثله، وكذا لو أخرج واحدا من النار، ولم يجزموا بخروج المؤمنين من النار.
5 - التومنيَّة: أصحاب أبى معاذ التومنى، قالوا: الإيمان هو المعرفة والتصديق والمحبة والإخلاص والإقرار، وترك كله أو بعضه كفر ومن ترك الصلاة مستحلا: كفر، وبنية القضاء لم يكفر.
وزاد الشهر ستانى على الإيجى فرقة سادسة وهى:
6 - الصالحية: أصحاب صالح بن عمر الصالحى، وذكر أنهم ينفردون عن المرجئة الخالصة بأشياء منها: أنه يصح فى العقل أن يؤمن بالله ولا يؤمن برسوله، غير أن الرسول ? قد قال من لا يؤمن بى فليس بمؤمن.
وزعموا أن الصلاة ليست بعبادة لله تعالى، وأنه لا عبادة له إلا الإيمان به، وهو معرفته، وهو- أى الإيمان- خصلة واحدة، لا يزيد ولا ينقص، وكذلك الكفر خصلة واحدة، لا تزيد ولا تنقص.
وقد تعرض ابن تيمية لمذهب المرجئة وأرجع أصول الخطأ عندهم إلى عاملين:
الأول: ظنهم أن الإيمان فى مرتبة واحدة فقالوا: إيمان الملائكة والأنبياء وأفسق الناس سواء، بينما الإيمان الذى أوجبه الله يتباين تباينا عظيما، فيجب على الملائكة من الإيمان ما لا يجب على البشر، ويجب على الأنبياء ما لا يجب على غيرهم، وليس المراد هنا أنه يجب عليهم العمل فحسب، بل والتصديق والإقرار أيضا.
الثانى: لم يفطن المرجئة إلى تفاصيل الناس فى الإتيان بالأعمال، فليس إيمان من أدى الواجبات كإيمان من أخل ببعضها، وليس إيمان السارق والزانى والشارب كإيمان غيرهم.
وقد نسب إلى الإمام أبى حنيفة القول بالإرجاء ولكنه لم يقل بالإرجاء كما قال به المرجئة، وإنما كان يرجئ الحكم، بمعنى تفويض الأمر لله عز وجل.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - الملل والنحل، للشهرستانى، تحقيق: محمد بدران.
2 - المواقف فى علم الكلام، عضد الدين الإيجى، ط عالم الكتب بيروت- د. ت.
3 - الفرقان بين الحق والباطل، لابن تيمية، ص 29 وما بعدها.
4 - الفَرق بين الفِرق، للبغدادى.
5 - مقالات الإسلاميين، للأشعرى.
6 - المدخل إلى دراسة علم الكلام، د/ حسن الشافعى، ط وهبة 1991م
7 - مقدمة إلى علم الكلام، د/ محمد الأنور السنهوتى، ط دار الثقافة 1987م.(1/592)
23 - المسانيد
لغة: جمع مُسْنَد بفتح النون.
واصطلاحا: تطلق على معانٍ متعددة، منها:
1 - الحديث المسند: الذى رواه ناقله بإسناده كاملا، فيقال عنه إنه أسند الحديث، أى رواه بإسناده.
2 - المسنِد: بكسر النون اسم فاعل، ويطلق على الراوى الذى يروى الحديث بإسناده، فصار مسندا أى نقل الخبر بإسناده كاملا.
3 - المُسنَد: بفتح النون أيضا، وهو الكتاب الذى يهتم بجمع أحاديث كل صحابى، مجموعة فى مكان واحد، بصرف النظر عن موضوع الحديث، فالوحدة الموضوعية التى تربط بين تلك الأحاديث أنها من رواية ذلك الصحابى. ومن هنا تجد فى المسانيد حديثا فى الصلاة بجوار حديث فى الحج، وتجد حديثا فى الجهاد بجوار حديث فى الأدب مثلا، وهكذا. والرابط بينها أنها من رواية ذلك الصحابى، وهذا المعنى الثالث هو الذى استقر عليه اصطلاح المحدثين عند إطلاق كلمه المسند.
وهذه المسانيد لها اعتبارات متعددة فى ترتيب أسماء الصحابة:
فمنهم من يرتب ذكر الصحابة على حسب السبق فى الإسلام، فقدم العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر، ثم أهل الحديبية، ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح، ثم من أسلم يوم الفتح، ثم أصاغر الصحابة سنا، ثم النساء. كما فعل الإمام أحمد فى مسنده.
ومنهم من رتَّبهم على حروف المعجم، كما فعل الطبرانى فى المعجم الكبير، وهذا الترتيب هو الأسهل عند إرادة البحث فى المسانيد.
ومنهم من اقتصر على أحاديث بعض الصحابة، أو واحد منهم فقط، كمسند الأربعة، أو مسند المقلين، أو مسند أبى بكر، ونحو هذا.
يقول صاحب الرسالة المستطرفة: "ومنها (أى من كتب السنة) كتب ليست على الأبواب، ولكنها على (المسانيد) جمع مسند، وهى الكتب التى موضعها جعل أحاديث كل صحابى على حدة صحيحا كان أو حسنا أو ضعيفا، مرتبين على حروف الهجاء فى أسماء الصحابة، كما فعله غير واحد، وهو أسهل تناولا، أو على القبائل، أو السابقة فى الإسلام، أو الشرافة النسبية، أو غير ذلك ". وكتب المسانيد لا تهتم عادة بتميز الحديث الصحيح من غيره، بل إن كل جهدها ينصب على جمع أحاديث كل صحابى، صحيحا كان حسنا أو ضعيفا، اعتمادا على أن مرحلة النقد والتمحيص وتمييز الصحيح من غيره تأتى بعد جمع الأحاديث، مخافة أن يتفلت شىء منها، ولا حرج على المسانيد فى ذلك، فهى تروى الأحاديث بإسنادها ومتنها، والباب مفتوح بعد ذلك لكل من يريد أن يقوم بالدراسة والتمحيص، وتمييز الصحيح من غيره.
ومن هذه المسانيد مسند الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى- والمتوفى سنه 241 هـ، وهو أعلى تلك المسانيد شأنا، وأرفعها قدرا، وهو المراد عند الإطلاق، فإذا قيل إن هذا الحديث فى المسند، فإنه ينصرف إلى مسند الإمام أحمد. وإذا أريد غيره، فلابد من التقييد بأن يقال مسند فلان.
ومسند الإمام أحمد يعتبر من أعظم دواوين السنة، ففيه ما يزيد على ثلاثين ألف حديث يقينا؛ وقد يقترب من أربعين ألف حديث، والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة جدا، تزيد على الثمانين بالمائة، وقد طبع أول مرة فى مصر سنة 1313 هـ الموافق 1896 م، ثم طبع بعد ذلك عدة طبعات فى بيروت. وهناك دراسات كثيرة قامت حول هذا المسند العظيم، فمنهم من رتبه على الكتب والأبواب الفقهية، كما فعل الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا فى كتاب أسماه "الفتح الربانى ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى" وقد طبعته دار الشهاب بالقاهرة فى اثنين وعشرين مجلدا.
ومنهم من اهتم بدراسة أحاديثه، وبيان درجتها، كما فعل العلامة الشيخ أحمد شاكر، ولكنه لم يتمه، وهناك مسانيد أخرى كثيرة منها:
مسند أبى داود الطيالسى المتوفى سنه 204هـ وهو من أقدم المسانيد، ومسند أبى بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق (البزار) المتوفى سنه 292هـ. وغير ذلك كثير، وقد أحصى صاحب الرسالة المستطرفة اثنين وثمانين مسندا.
أ. د/ مروان محمد مصطفى
__________
المراجع
1 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، للإمام محمد بن جعفر الكتانى، ط مكتبة الكليات الأزهرية.
2 - أعلام المحدثين، للدكتور/ محمد محمد أبو زهرة، ط دار الكتاب العريى.
3 - الباعث الحثيث شرح علوم الحديث، للشيخ/ أحمد شاكر، ط دار التراث، الطبعة الثالثة 1399 هـ- 1979 م.
4 - تدريب الراوى، للسيوطى، تحقيق: د/عبد الوهاب عبد اللطيف، ط دار الكتب الحديثة، الطبعة الثانية 1385 هـ- 1966م(1/593)
24 - المساواة
لغة: أن يكون اللفظ المعبِّر عن المعنى المراد مساويا له لا ينقص ولا يزيد.
ساواه: ماثله وعادله. و (ساوى) هذا بذاك: رفعه حتى بلغ قدره ومبلغه.
و (ساوى) بينهما: جعلهما يتماثلان ويتعادلان.
واصطلاحا: أن يتساوى الناس جميعا فى الحقوق والواجبات دون تفرقة أو تمييز بسبب جنس أو طبقه أو مذهب أو عصبية أو حسب أو نسب أو مال ... إلخ.
إن وجود مبدأ المساواة فى الأنظمة المعاصرة وإقراره كركيزة للمجتمع، هو تعبير عن تطور عميق فى بنية المجتمع الإنسانى، مرَّ فيه المبدأ بسلسلة من النضال عبر تاريخ طويل، حالت دون تحقيقه قوى فكرية، وأخرى سلطوية حماية لمصالح خاصة، وتكريسا للاستعباد والظلم.
فالمتتبع لنشأة مبدأ المساواة خلال المراحل المتعاقبة التى مرت بها الإنسانية منذ بداياتها الأولى فى العصور السحيقة، وحتى عهد قريب، يجد أن الظلم والاستعباد والاستعلاء هو السمة السائدة فى مسيرة الجماعة الإنسانية، وما قصة المظالم والمآسى التى سجلها التاريخ الطويل إلا شاهد على هذه الحقيقة .. فصراع الإنسان الأول منذ هبوطه على الأرض. وإيقاعه الظلم بأخيه إلى حد قتله والفوز بمتعة الحياة. كما حدث من قتل قابيل لأخيه هابيل ابنى آدم- عليه السلام-. لقد كانت هذه الجريمة بمثابة انتهاك لقاعدة وضعت لتنظيم العلاقات الاجتماعية والأسرية وفق قاعدة مجردة تطبق على الجميع وتسوى فيما بين الأفراد.
واستمرت شريعة الغاب على هذا النهج الذى يقوم على التغالب، وفرض إرادة القوى على الضعيف، واستعباد الحاكم للمحكوم، وتسخير الفقير للغنى. وكان من الطبيعى فى ظل هذا المناخ أن ينزوى مبدأ المساواة.
ولقد كان لأرسطو مقولة تشير إلى أن تقسيم المجتمع إلى طبقة سادة وطبقة عبيد، هى قسمة أصلتها الطبيعة البشرية التي تجعل الناس غير متساوين. وأن مصلحة الجماعة تقتضى ذلك، ومن ثم فإن العبودية أمر حتمى لا فكاك منه ولا مهرب!.
ولم يكن هذا رأى أرسطو وحده، بل شاركه فى ذلك مفكرون آخرون فى عصور متتابعة، مثل: منتسكيو ولونج الذى وصف الزنوج بقوله: " يمكننا التأكيد بأنهم غير خليقين أساسا بالحضارة، فهم أقل من جميع الأجناس البشرية المكتشفة حتى يومنا هذا قدرة على التفكير والتصرف! "
إن هذا المنحى الفكرى لهذه النخبة من رواد الحضارة الحديثة، ينم عن اتجاه خطير لأنه يقوض مبدأ المساواة، ويهدر الكرامة الإنسانية. وفى عام 1789م قامت الثورة الفرنسية، وكانت نقطة تحول فى التاريخ الأوروبى، فقد أرست مبادئ الحرية والإخاء والمساواة.
ففى الإسلام تعد المساواة إحدى قيم التشريع الرفيعة التى تنطلق من حقيقة هى أن جوهر مادة الخلق للبشر واحدة. ومن ثم فإن الأصل الإنسانى واحد، وهو الأصل الذى يجب كل خلاف ويضبط كل تنظيم للعلاقات بين طبقات المجتمع، وتعد بذلك قيمة دينية وحضارية حيث يجسد الإسلام الفطرة الإنسانية والكرامة البشرية.
هذا التكامل بين الإسلام والإنسانية حول معنى المساواة يعبر عنه القرآن الكريم: فى قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} (الروم30) كما ضمن الإسلام للإنسان- باعتبار إنسانيته التى يتساوى بها مع غيره من سائر الخلق- حاجاته الأساسية بغض النظر عن الاختلافات والفروق التى توجد فى دنيا الناس، وذلك بقوله تعالى: {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} (طه 118 - 119).
وكان من الطبيعى فى ظل المساواة الإسلامية أن يكون الرباط الجامع بين أفراد المجتمع الإسلامى هو الأخوة الإنسانية وأنهم ينتمون إلى أب واحد وأم واحدة. يقول سبحانه وتعالى: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب} إبراهيم 52) وها هو الرسول ? فى بيانه الأخير الذى ألقاه فى حجة الوداع " أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربى على عجمى ولا لعجمى على عربى، ولا أحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ".
وتبلغ المساواة قمتها عندما نسمع قولا للرسول الكريم فى موقف يتعرض فيه لحد من حدود الله؛ بقول المصطفى ? عندما أتى أسامة بن زيد يشفع فى امرأة شريفة من قريش سرقت .. قال- عليه الصلاة والسلام- فى غضب: " أتشفع يا أسامة فى حد من حدود الله "؟ ثم خطب الناس، فقال " أيها الناس. إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم الله: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يدها" وتظل النصوص الإسلامية تواصل خطابها إلى البشرية على أساس من هذه الأخوة الإنسانية التى تجمع ولا تفرق، تصلح ولا تفسد، تتعاون ولا تنعزل، وهو الخطاب الذى جاء به الرسول ? فى قوله: " اللهم أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، وأن العباد كلهم أخوة " (رواه أحمد فى سنده).
إن من يتصفح الإسلام عقيدة وشريعة سيجد المصداقية التى تؤصل قناعته فى هذا الصدد: أصل العقيدة الإسلامية هو التوحيد، فوحدانية الله تعالى هى القطب الذى ينبنى عليه أصول الإيمان الأخرى، فهى جوهر الإيمان بالله وبالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، وموقف المسلمين قاطع حوله. قال تعالى {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} (آل عمران 18)، وهنا يتبين التلازم بين وحدانية الله تعالى التى شهد بها الحق ذاته، والملائكة والعلماء، والعدل الذى يحمل لواءه الله تعالى، فأحرى بخلقه أن يقروا له بالوحدانية، وأن يتناصفوا فيما بينهم، وركيزة التناصف المساواة.
والعبادات بأنواعها، من صلاة وزكاة وحج، تعتمد على التسوية بين المكلفين بها، فالمصلون يمتثلون لنداء الله، ويصطفُّون جميعا فى صف واحد بين يدى الله تعالى، فتتوحد نفوسهم وتتحاذى مناكبهم، لا فرق بين غنى وفقير، وقوى وضعيف، وحاكم ومحكوم. وهى اجتماع يومى، يتوحد فيه الصف الإسلامى فى كل مسجد وزاوية أو أى أرض طهور أمام الخالق.
وفى الزكاة تتضح الحكمة منها، فهى تزكية للمال، وإحساس بحرمان الفقير والمسكين، ووسيلة عملية لإذابة الفوارق بين الطبقات.
وفى الحج، نجد الإحرام تجسيدا حيا لعبودية الخالق، والمساواة فيما بين الخلق، فإن كل إنسان يخلع لباسه الذى يميزه عن غيره، ففى ذلك توحيد للمظهر بين الجميع ... العالم والجاهل، والحاكم والسوقة، وصاروا يتزاحمون فيما بينهم بالمناكب. وقد رفض الرسول ?، أن يتبع عادة قريش فى أداء المناسك، حيث كانت تميز نفسها خاصة عن سائر العرب، وكان هذا الرفض امتثالا لقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} (البقرة 199).
فى الجانب الجنائى: والذى يتعلق بتحقيق المساواة فى الواقع، حيث أثمن ما يحرص عليه الشرع والناس، وهو حفظ الحياة. وقد ألزم الشارع القصاص على القاتل والجارح، حماية لحق الحياة، وردعا لمن تسول له نفسه ارتكاب الجريمة. كذلك، فالقصاص يتمثل فى أن النفس بالنفس والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن. والمساواة فى القصاص تجرى بين الشريف والوضيع والحاكم والرعية، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، والمسلم والذمى. والدليل عليه عموم نص القتل من غير تمييز بين شخص وآخر.
وفيما يتعلق بالدية، فإن المبلغ أو المال الواجب فيها واحد، فدية الشريف كدية الوضيع ولا عبرة بمراكزهم الاجتماعية.
كما أن المساواة تنسحب أيضا أمام القضاء، نذكر قوله سبحانه وتعالى فى كتابه {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} (النساء 58)، فالعدل- إذن- هو شريعة الحكم بين الناس، وسيفه مسلط على رقاب المعتدين المغتصبين للحقوق. لا فرق فى ذلك بين أن يكون حق الله تعالى أو الفرد أو الجماعة فالكل مشمول بالحماية، واجب الأداء لمستحقه بدون مجاملة أو خوف.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - قصة الحضارة، ول ديورنت 3/ 112، 113.
2 - فى النظام السياسى للدولة الإسلامية، د. محمد سليم العوا، دار الشروق.
3 - الأحكام السلطانية، الماوردى، مكتبة الحلبى.
4 - قيم وتقاليد السلطة القضائية، د. أحمد رفعت خفاجى، ص 70، 71.
5 - من قيم التشريع الإسلامى د. محمد الشحات الجندى، 1416 هـ/ 1995 م.
6 - شرح صحيح مسلم، النووى جـ 11.(1/594)
25 - المستأمن
لغة: الأمن ضد الخوف وهو: عدم توقع مكروه فى الزمان الآتى، ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللغوى (1).
والأمان ضد الخوف، يقال آمنت الأسير: أعطيته الأمان فأمن، فهو كالآمن.
وأما شرعا: فله معنى يختلف عن الأمن إذ هو عندهم: عقد يفيد ترك القتال مع الكفار فردا أو جماعة مؤقتا أو مؤبدا (2).
الأمان قسمان، الأول: أمان يعقده الإمام أو نائبه، وهو نوعان: مؤقت، وهو ما يسمى بالهدنة وبالمعاهدة وبالموادعة، وهو عقد على ترك القتال مدة معلومة.
والنوع الثانى: الأمان المؤبد، وهو ما يسمى عقد الذمة، وهو إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الإسلام والأصل فيه قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (التوبة 29).
المراد بالمستأمن عند الفقهاء: من دخل دار الإسلام علّى أمان مؤقت من قبل الإمام أو أحد المسلمين، والفرق بين المستأمنين وبين أهل الذمة، أن الأمان لأهل الذمة مؤبد، وللمستأمنين مؤقت (3).
والأصل أن غير المسلم الذى لم يحصل على الذمة لا يمكن من الإقامة الدائمة فى دار الإسلام، وإنما يمكن من الإقامة اليسيرة بالأمان المؤقت ويسمى صاحب الأمان (المستأمن).
وجمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة على أن مدة الإقامة فى دار الإسلام للمستأمن لا تبلغ سنة، فإذا أقام فيها سنة كاملة أو أكثر تفرض عليه الجزية ويصير بعدها ذميا، فطول إقامة غير المسلمين قرينة على رضاهم بالإقامة الدائمة وقبولهم شروط أهل الذمة.
وإذ لم يضرب له مدة قال أكثر الحنفية يصير ذميا بإقامته سنة فإن أقام المستأمن فأطال المقام أمر بالخروج فإن أقام بعد ذلك حولا وضعت عليه الجزية، واعتبار السنة من تاريخ إنذار الإمام له بالخروج فلو أقام سنين من غير أن يتقدم إليه الإمام بالخروج فله الرجوع إلى دار الحرب ولا يصير ذميا (4).
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - لسان العرب 1/ 140، المصباح المنير 1/ 24، المجموع شرح المهذب 7/ 80، بدائع الصنائع 1/ 47.
2 - بدائع الصنائع 7/ 105، 107، 109، 111، منح الجليل 1/ 756، 765، 766، المهذب للشيرازى 2. 254، 260، 262، نهاية المحتاج 8/ 100، 102، المغنى لابن قدامة 13/ 79 وما بعدها.
3 - بدائع الصنائع 7/ 6 0 1، حاشية ابن عابدين3/ 48 2، الشرح الصغير2/ 283، حاشية القليوبى على شرح المحلى 4/ 225، المغنى لابن قدامة 13/ 79 وما بعدها.
4 - بدائع الصنائع 7/ 110، الأحكام السلطانية للماوردى 146، الأحكام السلطانية لأبى يعلى 5 4 1، فتح القدير على الهداية 5/ 272 الخراج لأبى يوسف ص 189.(1/595)
26 - المستدركات
لغة: الاستدراك والإدراك: بمعنى اللحاق، واستدرك الشىء بالشىء أى حاول إدراكه به، بمعنى أن الذى يستدرك على ما سبق إنما يحاول أن يلحق عمله بالعمل السابق ليتمه، وليكمله.
واصطلاحا: هو "جمع الأحاديث التى على شرط أحد المصنفين ولم يخرجها فى كتابه" (1).
مما سبق يتضح أن صاحب المستدرك يعمد إلى كتاب من كتب الأحاديث التى جمعت الأحاديث على شروط معينة، فيلحق بالكتاب جملة من الأحاديث رأى أنها تتوافر فيها شروط صاحب الكتاب، لكنه لم يذكرها، فيلحقها المستدرك بالكتاب الأصلى.
وذلك كما فعل أبو عبد الله الحاكم المتوفى سنة 405 هـ فى كتابه "المستدرك على الصحيحين "حيث جمع فيه جملة من الأحاديث مما لم يذكرها صاحبا الصحيح، ورأى الحاكم أن هذه الأحاديث على شرطهما معا، أو على شرط أحدهما.
ومن المعلوم أن ذلك خاضع لاجتهاد صاحب المستدرك فى مدى انطباق الشروط على الأحاديث التى يستدركها على كتاب معين، وقد يصيب فى اجتهاده هذا، وقد يخطئ، وفى النهاية فإنه جهد مشكور يحمد صاحبه عليه.
وخير مثال للمستدركات مستدرك الحاكم الذى أشرنا إليه سابقا، وهو كتاب مشهور متداول، حيث يقول صاحبه فى مقدمته:
"وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، قد احتج بمثلها الشيخان- رضى الله عنهما- أو أحدهما " مقدمة المستدرك. واستدرك الحافظ الكبير أبو الحسن على بن عمر الدارقطنى المتوفى سنة 385 هـ على الصحيحين فى كتابه (الإلزامات) وقد جمع فيه أحاديث وجد أنها على شروطهما، وليست موجودة فى كتابيهما، وقد رتبه على المسانيد، وقد حقق وطبع فى رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهناك مستخرجات أخرى غير ما ذكرنا. ومما ينبغى التنبيه إليه أنه ليس شرطا أن يكون صاحب المستدرك مصيبا فى كل ما ذهب إليه من استدراكات على الكتاب الذى يستدرك عليه، وإنما هذا ما أدى إليه اجتهاده وكل مجتهد يخطئ ويصيب كما هو معلوم.
هذا وللمستدركات فوائد كثيرة منها:
الإشارة إلى أحاديث صحيحة قد لا تكون موجودة عند صاحبى الصحيتين، أو غيرهما ممن التزموا بالصحة فى إخراج أحاديثهم، غير أنهم لم يقصدوا جمع كل الأحاديث الصحيحة، فتأتى المستدركات لتذكر طائفة كثيرة من الأحاديث الصحيحة، وتلك فائدة عظيمة، لأن هذه الأحاديث تكون مشتملة على عقائد وأحكام شرعية، وأخلاقية وتشريعات، ونحو ذلك بما ينبغى علّى المسلمين العمل به.
ومن هذه الفوائد الوقوف على جملة من الأسانيد النظيفة، التى يحتج بمثلها العلماء ويعملون بالأحاديث التى يروونها إذا سلمت مروياتهم مما قد ينقد على المتن.
وقد حظيت كتب المستدركات باهتمام العلماء فعملوا على دراستها، وبيان درجة أحاديثها كما فعل الحافظ الذهبى المتوفى سنة 748 هـ فى كتابه " تلخيص المستدرك " حيث درس مستدرك الحاكم مبينا درجة أحاديثه، وهو مطبوع مع المستدرك فى طبعة واحدة.
أ. د/ مروان محمد مصطفى
1 - الحديث والمحدثون، الشيخ محمد محمد أبو زهرة ص 407.
__________
المراجع
1 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، للإمام محمد بن جعفر الكتانى، ط مكتبة الكليات الأزهرية.
2 - الإلزامات والتتبع، للدارقطنى، تحقيق: مقبل بن هادى بن مقبل، ط السلفية.
3 - مستدرك الحاكم، ط دار الكتب العلمية.
4 - الحديث والمحدثون، للشيخ/ أبو زهرة، ط دار الكتاب العربى 1404 هـ- 1984 م
5 - تدريب الراوى، للسيوطى، تحقيق: د/ عبد الوهاب عبد اللطيف، ط دار الكتب الحديثة الطبعة الثانية 1285هـ- 1966م.(1/596)
27 - المستعليَّة
هم فرقة من فرق الإسماعيلية أنصار المستعلى أبى القاسم أحمد (487هـ) الذى اغتصب الحكم من أخيه نزار بن الحاكم بأمر الله، وقد أكرهه على التخلى عن الإمامة ثم سجنه حتى مات، وقيل إنه قتل غيلة (أى نزار) مع أبيه فى السجن، بناء على أمر المستعلى نفسه.
وبعد سقوط الدولة الفاطمية فى مصر على يد صلاح الدين عام 1171م انتقلت فرقة المستعلية إلى اليمن واستمرت طيلة خمسة قرون، ثم لاقت نجاحا فى الهند، فنقلت مركز الدعوة إلى (كوجارت) فى القرن التاسع الميلادى، ثم حصل انشقاق فى الطائفة المستعلية بعد وفاة الداعى السادس والعشرين "قطب شاه " (999هـ) فى مدينه أحمد آباد، فتبعت الأكثرية ابنه "داود بن قطب شاه" الذى اعتبر الداعى السابع والعشرين وسموا بالداودية، فى حين تبع الفرع اليمانى الداعى سليمان بن الحسن فعرفوا بالسليمانية، ويعتبر غلام حسن الداعى السادس والأربعين اليوم فى سلسلة السليمانية، فى حين يعتبر محمد طاهر بن محمد داعى الفرع الداودى اليوم، ويعيش فى بومباى بالهند وهو الداعى الحادى والخمسون (1).
ومن أتباع المستعلية اليوم ما يسمون بالبهرة، وهم بهرة داودية بالهند، وسليمانية باليمن، ويسمون الطيبية نسبة إلى الطيب ابن الخليفة المستعلى.
بعض معتقداتهم:
1 - يحترمون القرآن ظاهرا مع تأويله تأويلا باطنيا ليستخرجوا منه معانى ما أنزل الله بها من سلطان.
2 - لهم كتاب يقدسونه ويعتبرونه قرآنهم وهو كتاب "النصيحة" لمؤلفة الداعى الحادى والخمسين طاهر سيف الدولة، ويتوجهون فى قبلتهم للصلاة إلى قبره فى مدينة بومباى، ولا يتوجهون إلى الكعبة المشرفة.
3 - تجب عليهم الصلاة فى العشرة أيام الأولى من شهر المحرم، وفى غيرها لا تجب عليهم الصلاة، ولا يصلون إلا فى أماكن خاصة بهم تسمى الجامع خانة، ويرون أن صلاتهم تلك للإمام الإسماعيلى المستور من نسل الطيب بن الآمر (2).
وإذا لم يذهب الشخص منهم إلى الجامع خانة فى العشرة أيام الأول من المحرم يطرد من الطائفة، ويفرض عليه الحرمان.
4 ـ يذهبون إلى الحج بمكة كبقية المسلمين ظاهريا، ويقولون إن الكعبة هى رمز على الإمام (3).
(هيئة التحرير)
1 ـ جذور الفكر الإسلامى فى الفرق الإسلامية بين التطرف والإرهاب ـ حسن صادق- الهيئة العامة للكتاب ص 80.
2 ـ مجلة المجتمع الكويتية، عدد 417 سنة 1398 هـ.
3 ـ إسلام بلا مذاهب، د / مصطفى الشكعة، ط الدار المصرية اللبنانية، سنة 1992م ص 239 وما بعدها.
__________
المراجع
1 ـ أصول الإسماعيلية: برنارد لويس ـ ترجمة: حكت تحلوق ـ نشر دار الحداثة، بيروت ط أولى 1980 م.
2 ـ طائفة الإسماعيلية: تاريخها ـ نظمها ـ عقائدها دار النهضة المصرية ط أولى.
3 ـ الكشاف الفريد عن معاول الهدم ونقائض التوحيد ـ خالد محمد على الحاج ـ ط قطر 1982 م.
4 ـ الحركات الباطنية فى العالم الإسلامى عقائدها وحكم الإسلام فيها، د/ محمد أحمد الخطيب ـ نشر مكتبة الأقصى ـ عمان- الأردن سنة 1984م.(1/597)
28 - المسجد (الجامع)
المسجد مبنى أسس خصيصا لتقام فيه الصلاة، وورد اللفظ بهذه الدلالة فى القرآن الكريم: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} التوبة:108، ويقال له أيضا الجامع، واختص الأزهر بذلك فقيل: الجامع الأزهر.
وعمارة المسجد من أفضل القربات إلى الله، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا فى الجنة) (1). ولم تقتصر وظيفة المسجد فى أول الأمر على الصلاة بل كان المسجد أيضا مركز الحكم والإدارة والدعوة والتشاور، كما كان محل القضاء والإفتاء والعلم والإعلام، وغير ذلك من أمور الدين والدولة، ومن ثم علت منزلة المسجد عند المسلمين. وظهرت هذه المهام فى المسجد النبوى الشريف فى المدينة المنورة الذى خطط بحيث يناسب تصميمه إقامة شعائر الصلاة بصفة خاصة، ومن ثم صار تصميمه أساسا لتصميم المساجد الجامعة التى كانت تقام فيها صلاة الجمعة بالإضافة إلى الصلوات الخمس ولا سيما فى القرون الأربعة الأولى بعد الهجرة، كما صار أهم الطرز المعمارية لبناء المساجد فى العصور والأقطار الإسلامية المختلفة.
ويتألف هذا الطراز بصفة عامة من فناء أو صحن مكشوف ذى تخطيط مربع أو مستطيل تحيط به فى جوانبه الأربعة ظلات اصطلح على تسميتها أحيانا بالأروقة، وأكبرها رواق القبلة، وتقوم الأروقة على أعمدة أو دعائم قد تعلوها عقود، ومن أشهر المساجد التى بنيت حسب هذا الطراز: جامع القيروان، والمسجد الجامع بقرطبة، ومسجد القرويين بفاس والمسجد الجامع بسامراء، ومسجد ابن طولون بالقاهرة.
ثم ظهر طراز ثان لبناء المساجد ربما تطور عن تصميم المدرسة، وهو يشتمل على صحن أوفناء مربع قد يكون مكشوفا أومسقوفا تحيط به أربعة إيوانات فى شكل متعامد أكبرها إيوان القبلة، وسقف الإيوان عادة على شكل قبوة ترتكز على جدران الإيوان.
ونشأ هدا الطرازفى إيران، ومن المحتمل أنه تطور عن الطراز الأول الذى كانت المساجد المبكرة فى إيران تشيد على نمطه كما يتضح فى مسجد دمغان الذى يرجع إلى القرن الثانى بعد الهجرة (حوالى منتصف القرن الثامن الميلادى) وكذلك فى جامع نايين الذى شيد فى القرن الرابع الهجرى (10م) ثم تطور هذا الطراز فى إيران، وذلك بتزويد رواق القبلة بقبة، وظهر ذلك فى جامع أصفهان.
ومن أمثلة المساجد ذات الإيوانات الأربعة فى مصر مسجد آل مالك الجوكندار بالقاهرة (719هـ/1319م)، ومسجد جانى بك الأشرفى بالمغربلين بالقاهرة (830هـ/1426م)، ومسجد القاضى يحيى زين العابدين بشارع الأزهر (848هـ/1444م)، ومسجد قجماس الإسحاقى بالدرب الأحمر بالقاهرة (885هـ/1480م).
وفى العصر العثمانى ظهر طراز جديد لعمارة المساجد مشتق من تصميم أيا صوفيا باستانبول، ومتأثر فى الوقت نفسه بطراز المساجد السلجوقية فى آسيا الصغرى، وفى هذا الطراز كان المسجد يسقف بقبة كبيرة تحف بها قباب صغيرة أو أنصاف قباب، ويقام فى كل ركن من أركانه الأربعة مئذنة ممشوقة عالية مسننة القمة، ويتقدمه صحن فسيح مستطيل ربما تحف به أروقة ذات بلاطة واحدة. وانتشر هذا الطراز فى مختلف أنحاء الدولة العثمانية، ومن نماذجه:
جامع بايزيد، وجامع سليمان، والسلطان أحمد فى إستانبول، ومسجد الملكة صفية ومسجد أبى الذهب، ومسجد محمد على بالقاهرة.
ويزود المسجد عادة بمئذنة أو أكثر، ومن أهم أثاثاته منبر على يمين المحراب الذى يعين اتجاه القبلة، ودكة المبلغ فى رواق القبلة، وميضأة فى وسط الصحن عادة، وقد يلحق بالمسجد ضريح أو منشآت أخرى، واشتملت بعض المساجد الجامعة التى كان يدرس بها على أروقة لإقامة الطلاب الغرباء مثل الجامع الأزهر.
أ. د/حسن الباشا
__________
الهامش:
1 - صحيح البخارى صلاة65.
مراجع الاستزادة:
1 - مساجد القاهرة ومدارسها أحمد فكرى.
2 - العمارة العربيةفريد شافعى.
3 - فنون الترك وعمائرهم ترجمة أحمد عيسى.
4 - المساجد الأثرية حسن عبد الوهاب(1/598)
29 - المسح على الخفين
لغة: مصدر مسح، ومعناه: إمرار اليد على الشىء بسطا (1)
واصطلاحا: إصابة البلة لخفٍّ مخصوص فى محل مخصوص وزمن مخصوص (2)
ثبتت مشروعية المسح على الخفين بالسنة النبوية المطهرة ومنها: ما رواه علىّ بن أبى طالب - رضي الله عنه - " لو كان الدين بالرأى لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله ? يمسح على ظاهر خفيه " (3).
وقد روى مشروعية المسح على الخفين أكثر من ثمانين من الصحابة رضوان الله عليهم.
والأصل فى المسح على الخفين الجواز والغسل أفضل عند جمهور الفقهاء وهو رخصة من الشارع، والله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تجتنب نواهيه، وعند الحنابلة الأفضل المسح على الخفين أخذا بالرخصة، ولأن كلا من الغسل والمسح أمر مشروع (4).
والحكمة من المسح على الخفين التيسير والتخفيف عن المكلفين الذين يشق عليهم نزع الخف وغسل الرجلّين خاصة فى أوقات الشتاء والبرد الشديد وفى السفر وما يصاحبه من الاستعجال ومواصلة السفر.
وقد اختلف الفقهاء فى توقيت مدة المسح على رأيين:
الرأى الأول: يرى جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة توقيت مدة المسح على الخفين بيوم وليلة فى الحضر وثلاثة أيام ولياليها للمسافر واستدلوا بما رواه على بن أبى طالب - رضي الله عنه - قال: "جعل رسول الله ? ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم " (5)
الرأى الثانى: وبه قال المالكية: أنه يجوز المسح على الخفين فى الحضر والسفر من غير توقيت بزمان فلا ينزعهما إلا لموجب الغسل، ويندب للمكلف نزعهما فى كل أسبوع مرة يوم الجمعة فإذا نزعهما لسبب أو لغيره وجب غسل الرجلين (6).
واستدلوا بما رواه أبى بن عمارة قال: قلت يا رسول الله أمسح على الخفين؟
قال: نعم، قلت يوما. قال: يوما، قلت: يومين؟ قال يومين: قلت: وثلاثة؟ قال: وما شئت " قال أبو داود: وقد اختلف فى إسناده وليس هو بالقوى (7).
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - القاموس المحيط 4/ 239، التعريفات، للجرجانى ص 188.
2 - حاشية ابن عابدين 1/ 174.
3 - أخرجه أبو داود فى كتاب الطهارة "باب كيفية المسح " سنن أبى داود 1/ 41.
4 - مغنى المحتاج 1/ 63، كشاف القناع 1/ 110، الفواكه الدوانى 1/ 187 وما بعدها، فتح القدير 1/ 126 وما بعدها.
5 - أخرجه مسلم فى كتاب الطهارة، باب "التوقيت فى المسح على الخفين"، صحيح مسلم بشرح النووى3/ 5 17.
6 - الشرح الصغير 1/ 152 وما بعدها.
7 - أخرجه أبو داود فى كتاب الطهارة، باب "التوقيت فى المسح"، سنن أبى داود 1/ 39 وما بعدها، وأخرجه الدارقطنى في سننه 1/ 98 وقال هذا إسناد لا يثبت، وضعفه ابن حجر فى التلخيص الحبير 1/ 162.(1/599)
30 - المسَلَّمات
المسَلَّمات هى نقطة البداية فى البحث، أو فى البرهان، أو فى المناقشة، وهى قضية ليست بديهية بذاتها، ولا نستطيع البرهنة عليها وإنما تتطلب من الناس التسليم بها جدلا، أو علّى الأقل بقصد الاستمرار فى المناقشة، فالمسلمة تفترض كأساس لمناقشة معقولة، ولكنها لا تحتاج إلى برهان شكلى لأنها محتملة الحدوث.
والمسلمة توهم فرضى أو فرض بدائى، وتستخدم المسلمة فى الأغراض العلمية كرأى يطرح مبدئيا لتوجيه التقصى فى ميدان معين.
والمسلمات قضايا تسلم من الخصم ويبنى عليها لدفعه سواء كانت مسلمة بين الخصمين، أو بين أهل العلم .. كتسلّيم الفقهاء مسائل أصول الفقه.
وقد تكون المسلمات عبارة عما أخذ من القضايا على أنه مبرهن فى نفسه، فإن كان ذلك مع طمأنينة النفس سميت أصولا موضوعة، وإلا فمصادرات.
والمسلمات إما عامة؛ سواء كان التسليم بها من الجمهور عندما تكون من المشهورات، أو
كان التسليم بها من طائفة خاصة كأهل دين أو ملة أو علم معين. وإما خاصة؛ إذا كان التسليم بها من شخص معين وهو طرفك الآخر فى مقام الجدل.
ويقسم ابن سينا المسلمات إلى قسمين:
معتقدات، ومأخوذات، وتشتمل المعتقدات على ثلاثة أصناف: الواجب قبولها، والمشهورات والوهميات. أما المأخوذات فهى صنفان: مقبولات وتقريرات. وعلى ذلك تكون المسلّمة جنسا لعدة أصناف من القضايا، وهى تشمل الافتراضات والأوليات والبديهيات والمصادرات وغيرها.
أ. د/ منى أبو زيد
__________
المراجع
1 - التعريفات- الجرجانى: تحقيق إبراهيم الإبيارى، دار الكتاب العربى، بيروت، سنة 985 1م.
2 - المبين فى شرح معانى الفاظ الحكماء والمتكلمين- الآمدى، تحقيق د. حسن الشافعى القاهرة سنة 1403هـ /1983م.
3 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا، دار الكتاب اللبنانى بيروت سنة 1982م.
4 - المعجم الفلسفى د. عبد المنعم الحفنى الدار الشرقية، القاهرة سنة 1990م.
5 - موسوعة لا لاند الفلسفية- منشورات عويدات بيروت سنة 1996 م.
6 - المعجم الفلسفى- د. مراد وهبة وآخرون، الدار الثقافية الجديدة القاهرة سنة 1971م.(1/600)
31 - المشاءون
اتجاه فلسفى سار أصحابه على فلسفة أرسطو (348 ق. م- 322 ق. م)، وعرفوا باسم المشائيين، وكان له ملامح محددة أصبحت فيما بعد ركيزة عدة تطورات فلسفية. والمشاء، كثير المشى، والمشائى هو الأرسطى، سمى مشائيا لأن أرسطو كان يعلم تلاميذه ماشيا، والمشائى رمز إلى الممشى أو الرواق الذى كان يلقى أرسطو فيه محاضراته، أو رمز إلى طريقته فى التدريس، وهو يطوف فى الرواق وقد أحاط به تلاميذه.
وأصبحت المشائية بعد ذلك اصطلاحا للفكر الأرسطى ومن شايعه فى التفلسف، سواء من تلقى علّيه علوم الفلّسفة بالمباشرة، أو من تتلمذ علّى كتبه إما بالدراسة فقط أو بالدراسة والشرح والتعليق.
وللمشائية صور متعددة بقدر فهم الشعوب. وبقدر استيعاب الأفراد، فأرسطو عند الرومان غيره عند العرب. ففى الحضارة العربية نرى أرسطو بصورة تختلف عنها فى الحضارة الغربية.
وقد انتقلت فلّسفة أرسطو عبر مدرسة الاسكندرية إلى مدارس إنطاكية والرَّها ونصيبين وحران، وسواها من مراكز التعليم التى شغلت بصورة خاصة بترجمة منطق أرسطو من اليونانية والتعليق عليها كجزء من الدراسات اللاهوتية.
وقد سميت هذه المرحلة باسم المرحلة السريانية فى تطور المشائية وكانت تمهيدا للمرحلة العربية الإسلامية التى تجاوزت إطار الدراسات المنطقية الضيق لتناول فلّسفة أرسطو إلى الاهتمام ببقية فروعها الطبيعية والإلهية، والفلّكية، ومثل أرسطو عند العرب الاتجاه العقلى وظهر بدرجات متفاوتة عند فلاسفته.
ولم يحصر فلاسفة العرب فكرهم داخل الإطار الأرسطى فقط، بل أضافوا إليه بعض العناصر من أفلاطون وأفلوطين، وقاموا بالتوفيق والمزج بين عدة آراء وإفرازها فى مركب واحد يحمل ملامح التفكير اليونانى والروح الإسلامية.
وحاولت المشائية الإسلامية إيجاد صيغة مشتركة بين الدين والفلسفة وإن لم تتعادل فى النظر إلى الطرفين، بل كانت رؤيتها إلى الفلسفة أميل، ولجأت إلى التأويل لترسيخ ملامح التوفيق، وكان منطلقها فى ذلك أن النص الدينى يخاطب بظاهره جمهور الناس.
أما الخاصة فينبغى أن يكون لهم تصوراتهم الخاصة مع الإيمان بأن فى النص ثنائية. وأول علم من أعلام المشائية العربية هو أبو إسحاق الكندى (ت 866 م) الذى جمع بين الدين والفلسفة وألف فى جميع أبواب الفلسفة والعلوم. جاء بعده الفارابى (ت 950 م) إمام مناطقة عصره، وأول شارح من شراح أرسطو الكبار فى العربية، أطلق عليه لقب المعلم الثانى خلفا لأرسطو المعلم الأول، وجاء بعده ابن سينا لتكتمل به سلسلة فلاسفة الإسلام فى المشرق المتابعين لأرسطو، ولكن ليس متابعة كاملة، فهم لا يمثلون المشائية الخالصة بل أضافوا إليها مؤثرات أخرى. وقد هاجم الغزالى هذه المشائية المشرقية فى كتابه (تهافت الفلاسفة) وحصر آراءهم فى عشرين مسألة، كفرهم فى ثلاث منها، وكان لهذا الكتاب أثره فى زعزعة الفلسفة فى المشرق.
وانتقلت المشائية من المشرق إلى المغرب وأخذ بها ابن باجة (ت 1138م) وابن رشد (ت 1198م) الذى دافع عن الفلسفة ضد هجمة الغزالى فى كتابه (تهافت التهافت) إلا أنه لم ينجح بصورة عامة فى دفع التهمة عن المشائية وظلت الفلسفة بعد ذلك من العلوم المكروهة فى بلاد الأندلس.
ويعد ابن رشد وحده الممثل الخالص للفكر المشائى، وأعظم شارحى أرسطو فى العصور الوسطى. إذ هاجم كل انحراف عن فلسفة أرسطو، وهاجم الفارابى وابن سينا فى عدد من الآراء التى نسبوها إلى أرسطو. ورفض كل خروج عن نص أرسطو ارتكبه الآخرون، إذ تمسك تمسكا شديدا بآراء أرسطو.
ولابن رشد الفضل الأكبر فى إيضاح نص أرسطو المترجم إلى العربية ووضع تقسيمات وتمييزات بين مفاصل أقوال أرسطو، وهو أمر سيتأثر به فلاسفة العصور الوسطى فى أوروبا وعلى رأسهم ألبرت الكبير، وكانت شروح ابن رشد مصدرا أساسيا لفهم فلسفة أرسطو.
وظل مناطقة عصر النهضة الأوروبية فى القرنين الخامس والسادس عشر حين أرادوا العودة إلى منطق أرسطو فى أصوله ينهلون من النص الأصلى أو الترجمة لكتب أرسطو فى المنطق مستعينين بشروح ابن رشد المختلفة واستمرت المشائية بعد ذلك فى إطار مسيحى لاتينى بلغ أوجه عند القديس توما الأكوينى وبعدها أخذت المشائية فى الانحسار.
أ. د/ منى أبو زيد
__________
المراجع
1 - موقف المشائية الإسلامية من النص الدينى. إنشاد محمد على، القاهرة سنة 1991 م.
2 - المعجم الفلسفى جميل صليبا، جـ2 دار الكتاب اللبنانى بيروت سنة 1982 م.
3 - أرسطو عند العرب- عبد الرحمن بدوى، وكالة المطبوعات الكويت، ط 2، سنة 1968 م.
4 - المعجم الفلسفى د. مراد وهبة وآخرون، دار الثقافة الجديدة القاهرة، ط 2، سنة 1971 م.
5 - الموسوعة الفلسفية العربية، نشر دار الإنماه العربى بيروت، مج 2 القسم الثانى مادة (المشانية) بقلم د. ماجد فخرى- ط 1 سنة 1988م.(1/601)
32 - المشرق العربي
اصطلاحا: هو مصطلح ربما أطلقه مسلمو شمال أفريقيا والأندلس على العرب إلى الشرق منهم، ابتداء من مصر وما وراءها شرقا حتى حدود بلاد فارس. ويشمل المشرق العربى الآن: مصر، السودان، فلسطين، الأردن، لبنان، سوريا، العراق، السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات، عمان، اليمن.
وتبلغ مساحة المشرق مجتمعة سبعة ملايين و 328 ألف كيلو متر مربع وتساوى نحو 55% من مساحة كل العالم العربى، وتساوى 5.6% من مساحة دول العالم.
وتعد السودان أكبر دول المشرق مساحة (نحو 2.5 مليون كم) وأصغرها البحرين (690كم2). وتبلغ جملة أعداد السكان 174 مليون شخص، وهو ما يعادل 71% من مجموع سكان الدول العربية، وما يعادل 3% فقط من مجموع سكان العالم.
وتعد مصر هى أكثر دول المشرق سكانا (66 مليونا) وأصغرها البحرين (577 ألف شخص) والقاهرة أكبر العواصم (نحو 16 مليونا) تليها بغداد (أربعة ملايين) ثم الرياض وبيروت (نحو مليونين لكل منهما)، وأصغرها القدس الشرقية والمنامة ومسقط (أقل من مائتى ألف لكل منها).
والإسلام هو دين ما بين 90 إلى100% من العرب، والسنة هى المذهب السائد عدا أنواع من الشيعة فى جنوب العراق ولبنان وغرب سوريا وأجزاء من اليمن. والكنائس الشرقية والغربية فى لبنان وسوريا ومصر وجنوب السودان، السلالة السائدة هى " الشرقية" (فرع من سلالات البحر المتوسط) مع قليل من مؤثرات سلالة "الأرمن القدماء". و "العربية" هى اللغة السائدة، وهى أكبر فروع عائلة اللغات السامية، ثم مجموعة من اللغات "السودانية" فى جنوب السودان.
من حيث موارد المياه ينقسم المشرق إلى نمطين: دول وفرة فى المياه الجارية أو الأمطار، وبالتالى تمتلك منذ بضعة آلاف من السنين مساحات زراعية وفيرة واقتصادية ذات ثبات، ومدن وممالك مغرقة فى القدم، ودول فقيرة فى المياه عمادها الاقتصادى كان الرعى والسكن الدائم فى الواحات.
والنمط الأول تجرى فيه أنهار ذات تاريخ أهمها النيل فى مصر والسودان، والفرات ودجلة فى سوريا والعراق. وعلى صغر نهر الأردن إلا أنه يشغل حيزا هاما فى تاريخ الأديان، ويثير الآن مشكلات سياسية بين سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل وفلسطين. وتتميز بعض المناطق بوفرة الأمطار وخاصة جنوب السودان، وفى لبنان وغرب سوريا وشمال العراق وغرب اليمن.
النمط الثانى يتمثل فى دول الجزيرة العربية وبادية الشام فى سوريا والأردن والعراق وفى الصحارى المصرية والسودانية. لكن ظهور البترول والغاز فى بلاد هذا النمط عوضها الفقر التقليدى وأسس أشكال حياة المدن الكبيرة مثل الرياض والكويت وجدة وانعكس ذلك على مقياس متوسط الدخل الفردى السنوى فأصبح أعلاها فى دول الخليج (أكثر من عشرة آلاف دولار سنويا) بينما ظلت دول النمط الأول علّى منوالها السابق مع تحسن نتيجة التنمية الاقتصادية، لكنها كلّها أقل من ثلاثة آلاف دولار. أعلى دخل فردى يظهر فى الإمارات والكويت نحو 17 ألف دولار سنويا) بينما تمثل اليمن والسودان دخلا فرديا متدنيا أقل من 600 دولار.
وترجع أهمية المشرق العربى إلى أسباب عديدة وخاصة فى تاريخ الحضارات، وتاريخ الأديان، وعلاقات الموقع التجارية والسياسية.
ففى المنطقة نشأت أقدم الحضارات العليا المعروفة والتى ترجع إلى أكثر من سبعة آلاف سنة فى مصر والعراق، ونحو أربعة آلاف سنة فى فلسطين ولبنان وسوريا واليمن. وفى المشرق ظهرت الديانات السماوية الثلاث:
اليهودية فى مصر ثم فلسطين، المسيحية فى فلسطين وخاتمها الإسلام فى الحجاز، فالمشرق قبلة سكان العالم من أتباع هذه الديانات، وفيه أقدس الأماكن فى القدس الشريف ومكة المكرمة والمدينة المنورة يحج إليها ملايين الناس سنويا. والعلاقات المكانية الجغرافية للمشرق جعلته ملتقى طرق التجارة العالمية منذ القدم من الصين والهند وأفريقيا وأوروبا عبر المحيط الهندى والبحرين المتوسط والأسود، وعبر الطرق البرية من وسط آسيا وأفريقيا المدارية.
وتحتوى المنطقة على أكبر احتياطى عالمى للبترول.
هذه العوامل مجتمعة جعلت المشرق منطقة تصادم القوى السياسية العالمية مع المصالح القومية العربية، وخاصة القضية الفلسطينية والأطماع الصهيونية.
أ. د/ محمد رياض
__________
المراجع
1 - الكامل فى التاريخ، لابن الأثير.
2 - الدرة الثمينة فى تاريخ المدينة (تحقيق لجنة من العلماء)، مكتبة النهضة الحديثة ص 390.
3 - كتاب دول الإسلام: الذهبى 2/ 70، 79.(1/602)
33 - المصادرات
اصطلاحا: هى عبارة عن أقوال أو مبادئ أو قضايا يفترض الباحث صحتها فى أول بحثه، وهى " قضايا ليست يقينية بنفسها، كما لا يمكن أن يبرهن عليها، ولكن يصادر عليها، أى يطالب بالتسليم بها، لأن من الممكن أن نستنتج منها نتائج لا حصر لها، دون الوقوع فى إحالة. فصحتها إذن تتبين من نتائجها" (1).
وللباحث الحرية فى وضع المصادرات "وهى حرية لا يحدها شيء، اللهم إلا أن تكون تلك المصادرات مثمرة لنتائج متضمنة فيها، وتستخرج منها استخراجا دقيقا" (2)
ويشترط فى المصادرة:
- ألا تكون مستنبطة من غيرها.
- وألا تكون مناقضة لما يضعه الباحث من مصادرات أخرى.
- وألا تكون متناقضة مع المقدمات الأخرى، الواردة فى البحث أو النسق، كالتعريفات والبدهيات (3).
وقد تضمنت هندسة إقليدس عددا من المصادرات، ومن بينها أنه:
- لا يمكن أن نرسم بين نقطتين أكثر من مستقيم واحد.
- لا يمكن أن نمد من نقطة معلّومة أكثر من مستقيم واحد يوازى مستقيما آخر.
وهناك مصادرات أخرى وضعها غيره مثل:
1 - الصفر عدد.
2 - كل عدد له عدد تال.
3 - لا عدد بين ذوى تال واحد.
4 - الصفر ليس تاليا لأى عدد. (4)
وتتجلى المصادرات- فى أوضح صورها- فى العلوم الرياضية، كالهندسة والحساب ونحوها، ولكنها ليست محصورة فيها، بل توجد فى علوم أخرى كالمنطق والعلوم الطبيعية، بل إنها توجد فى العلوم الإنسانية أيضا؛ ففى الاقتصاد- مثلا- نرى المصادرة القائلة بأن الإنسان يفعل وفقا لما يرى فيه الأنفع. وفى الأخلاق نجد المصادرة القائلة بأن كل إنسان يطلب السعادة (5).
أ. د/ عبد الحميد مدكور
1 - مناهج البحث العلمى د/ عبد الرحمن بدوى ص 91.
2 - المنطق لجون ديورى ص 68.
3 - مقدمة لفلسفة العلوم د/ عزمى إسلام ص 119.
4 - المنطق الصورى د/ على النشار ص 513، 514
5 - المرجع السابق، ص 91.
__________
المراجع
- مقدمة لفلسفة العلوم (الفيزيائية والرياضية). د/ عزمى إسلام، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، ط 1/ 1977م.
- مناهج البحث العلمى. د/ عبدالر حمن بدوى. وكالة المطبوعات الكويت 1977م.
- المنطق: نظرية البحث، جون ديوى. ترجمة د/ زكى نجيب محمود، دار المعارف، مصر، ط 2، 1969م.
- المنطق الصورى منذ أرسطو حتى عصوره الحاضرة. د/على سامى النشار (بمشاركة الأستاذ عبد الرازق المكى فى فصوله الأخيرة) ص 508 وما بعدها. دار المعارف، مصر، ط 1، 1965م.(1/603)
34 - مصادرة الأحكام
اصطلاحا: هى نقل ملّكية مال مملوك للمحكوم عليه بها إلى ملّكية الدولة وقهرا عن صاحبها وبدون مقابل إذا تعلق هذا المال بالحرية، ويصدر بها حكم من القضاء. والمصادرة عقوبة مالية عينية تكميلية، أما العقوبة فهى: عقوبة مالية نقدية أصلية. وقد تختلف المصادرة عن العقوبة فى أن الأولى قد تمثل عقوبة أحيانا، أما الثانية فهى عقوبة دائما. والمصادرة إما عامة: ويقصد بها تجريد المحكوم عليه من كل- أو معظم- أمواله، وقد نقضها الدستور المصرى لكونها عقوبة تمثل ردعا شديدا وتؤدى بالمحكوم عليه إلى حالة من الفقر، ومن ثم الحقد علّى الدولة. أو خاصة: أى التى تختص بمال معين لارتباطه بجريمة وقعت.
والمصادرة باعتبارها عقوبة تكون إما عقوبة وجوبية أو جوازية. وللحكم بالمصادرة شروط أربعة هى:
الأول: ضرورة ارتكاب جريمة.
والثانى: أن تكون الجريمة جناية أو جنحة. والثالث: أن يكون الشيء المصادر مضبوطا من الجريمة.
والرابع: أن يصدر حكم قضائى بالمصادرة.
ولقد حدد النص القانونى الأشياء التى يتم مصادرتها بأنها: الأشياء المضبوطة التى تحصلت من الجريمة، وكذلك الأسلحة والآلات التى استعملت أو التى من شأنها أن تستعمل فيها. كذلك قيد الشارع الحكم بالمصادرة بقيد يجب توافره وهو ألا تمس حقوق الغير حسن النية. وكما هو واضح من النص هو كل شخص ليست له علاقة بالجريمة وحسن النية يأتى من انعدام صلّته بالجريمة سواء عن طريق القصد أو الخطأ. ويترتب على الحكم بالمصادرة نقل ملكية الشيء المصادر من ملّكية المحكوم عليه إلى ملكية الدولة. والحكم القضائى الذى يقرر المصادرة هو الذى يرتب نقل الملكية، وذلك دون أى إجراءات تنفيذية لاحقة. ويحق للدولة أن تتصرف فى الشيء المصادر على أى وجه تراه إلا إذا ألزمها المشرع بالتصرف به على وجه معين.
والمصادرة قد تشكل نوعا من التدبير الاحترازى، فهى تنتزع مالا معينا بعد صنعه أو استعماله أو حيازته. وبيعه أو عرضه للبيع فى حد ذاته جريمة. ولتوقى خطر هذه الأشياء يجب مصادرتها حتى ولو كانت هذه الأشياء ليست مملوكة للمتهم، والهدف هنا هو سحب شيء خطر من التداول. ويشترط فى هذه المصادرة:
1 - أن يكون المصادر من الأشياء التى يمكن أن تستعمل فى ارتكاب جريمة، مثل الأسلحة والمتفجرات والنقود المزيفة.
2 - عدم مراعاة حقوق الغير حسن النية فى حالة المصادرة الوجوبية. أى المصادرة كتدبير احترازى وجوبى، فإنه لا يشترط فيها مراعاة حقوق الغير حسن النية.
3 - المصادرة كتعويض إذا نص القانون ومن أمثلة ذلك المادة 36 من القانون رقم 57 لعام 939 1م، حيث قررت: أنه يجوز للمحكمة فى أية دعوى مدنية أو تجارية أن تحكم بمصادرة الأشياء المحجوزة، أو التى تحجز فيما بعد للتصرف فيها بأى طريقة أخرى تراها مناسبة.
أيضا قضت محكمة النقض بأن المصادرة قد تكون فى بعض القوانين بمثابة تعويض يؤول إلى المجنى عليه بتعويض عن الضرر الناشئ من الجريمة.
(هيئة التحرير)
__________
المراجع
1 - أحكام النقض س1، ص 409 رقم 100. د. سمير الجنزورى.
2 - الأسس العامة لقانون العقوبات مقارنا بأحكام الشريعة الإسلامية، جامعة الأزهر، 1977 م- الأستاذ خيري عبد الملك، الموسوعة الجنائية، جـ 5.
3 - مبادئ النظرية العامة للعقوبة، د. هدى حامد قشقوش، جـ 1، 992 1م.(1/604)
35 - المصالح المرسلة
لغة: المصالح: جمع مصلحة، وهى المنفعة، والمصلحة كالمنفعة وزنا ومعنى، فالمراد بها لغة: جلب المنفعة، ودفع المضرة، والمرسلة: أى المطلقة (1).
واصطلاحا: عبارة عن المصلحة التى قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينها (2).
فهذا التعريف صرح بأن المصلحة: هى جلب منفعة مقصودة للشارع الحكيم، وإن كان لم يصرح بأن دفع الضرر من المصلحة أيضا، إلا أن تعريفه ينوه به ويلزم منه (3).
وقد عرفها الآمدى فقال: هى مصلحة لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا إلغاء (4). ولذلك سميت مرسلة.
وتنقسم المصالح من حيث مقصودالشارع إلى ثلاث (5):
1 - ضرورية: وهى التى ترجع إلى حفظ النفس، والعقل، والما ل، والدين، والعرض، والنسب، وإذا اختل منها أمر اختلت المعايش به، وعمت الفوضى.
2 - حاجية: وهى الأمور التى تقتضيها سهولة الحياة، أوما أدى إلى حرج كبيرمن غير خوف على فوات ما سبق من المصالح الستة.
3 - تحسينية: وهى الأمورالتى تجعل الحياة فى جمال، ومرجعها إلى تهذيب الأخلاق وتحسين الصورة والمعاملات.
وتنقسم المصالح من حيت اعتبار الشارع لها أو عدمه - أيضا - إلى ثلاث:
1 - المصالح المعتبرة شرعا: كما سبق فى المصالح الست الكلية.
2 - المصالح الملغاة شرعا: كمصلحة آكل الربا فى زيادة ماله، ومصلحة المريض أو من ضاقت معيشته فى الانتحار ونحوها.
3 - المصالح المرسلة: وهى المقصودة فى هذا البحث، وهى مصلحة لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا بإلغاء.
ومما ذكره الأصوليون كمثال للمصالح المرسلة: جمع القرآن فى مصحف واحد، والقول بقتل الجماعة بالواحد، وتضمين الصناع، وضمان الرهن، واتخاذ السجون، وغيرها من المسائل التى لا يوجد فيها نص ولا إجماع.
وهى محلها لا تصلح مثالا للمصلحة المرسلة، لأن الله سبحانه وتعالى لم يترك مصلحة إلا وقد نص عليها جنسا كالكليات الست، أو على أنواعها أيضا، ومصالح هذه المسائل المذكورة وغيرها مشروعة جنسا، وليس شىء منها مرسلا.
فجمع القرآن فى مصحف واحد لمصلحة حفظ الدين وهى مشروعة، وقتل الجماعة بالواحد لمصلحة حفظ النفس وهى مشروعة، وتضمين الصناع لمصلحة حفظ الأموال وهى مشروعة، وكذا ضمان الرهن، والأمثلة الباقية كلها تندرج تحت المصالح المعتبرة شرعا ضرورة أو حاجة أو تحسينا كما سبق، ولايتصور خروج شىء منها أصلا (6).
ولكن يمكن أن نمثل للمصلحة المرسلة، وهى التى لم يشهد الشرع لها بالاعتبار أو بالإلغاء بجواز الضرب فى التهمة، فقد جوز هذا جماعة من الفقهاء، وهى مصلحة مرسلة عن الدليل الجزئى من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وكذا مرسلة عن الأصل الكلى، فنصوص الشريعة على إجمالها لا تجوز هتك حرمة المسلم، بأن تمتهن كرامته ويضرب لمجرد اتهامه فى حادث من الحوادث.
فالمقصود بالمصالح المرسلة هى التى أرسلت عن الدليل الجزئى من الأصول الشرعية المتفق عليها، ومن الدليل الكلى الذى يؤول بدوره إلى مفهوم النص والإجماع، وعموما فقد اشترط الأصوليون شروطا للمصلحة حتى تقبل ويعمل بها، ومن هذه الشروط (7):
1 - أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشارع بحيث لا تنافى أصلا من أصوله ولا تعارض نصا أو دليلا من أدلته القطعية.
2 - أن تكون معقولة، فى ذاتها، جرت على الأوصاف المناسبة المعقولة التى يتقبلها العاقل، بحيث يكون ترتب الحكم عليها مقطوعا لا مظنونا، ولا متوهما.
3 - أن تكون تلك المصلحة عامة للناس، وليس اعتبارها لمصلحة فردية أو طائفية معينة، لأن أحكام الشريعة للتطبيق على الناس جميعا.
ومن نافلة القول أن أذكر بأن هذه المسألة - المصالح المرسلة - من الأدلة الشرعية المختلف فيها، فقد قال بها جماعة من الأصوليين كالمالكية وغيرهم، ومنعها جماعة آخرون كالشافمية ومن لف لفهم.
أ. د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية 1/ 520 لسان العرب لابن منظور 4/ 2479 دار المعارف.
2 - المحصول فى علم الأصول للفخر الرازى تحقيق د/طه جابر العلوانى (2/ 220) جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
3 - الاجتهاد فيما لا نص فيه د/الطيب خضرى السيد 2/ 53 مكتبة الحرمين بالرياض 1983م.
4 - الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 3/ 290 مؤسسة الحلبى 1967م.
5 - تيسير الأصول لحافظ ثناء الله الزهدى ص305 ومابعدها دار ابن حزم بيروت، تيسير أصول الفقة، لمحمد أنو البدخشانى، ص156 طبعة كراتشى بباكستان 1990.
6 - تيسير الأصول للزاهدى ص306، 307.
7 - تيسير الأصول للزاهدى ص307، 308، تيسير أصول الفقه للبدخشانى ض 156 - 157، الأصوليون والمصالح المرسلة، د/محمد إبراهيم الدهشورى، ص41 وما بعدهاسنة 1996م.
مراجع الاستزادة:
1 - المصالح المرسلة د/محمد عبد الكريم حسن دار النهضة الإسلامية بيروت الطبعة الأولى 1995م.
2 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق فى علم الأصول للإمام الشوكانى تحقيق د/شعبان محمد إسماعيل 2/ 264 وما بعدها دار الكتب الطبعة الأولى 1993م.
3 - تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى تحقيق د/محمد المختار الشنقيطى ص405 وما بعدها مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى 1414هـ(1/605)
36 - المصحف
لغة: أصحف الكتاب: جمعه صحفا (1).
واصطلاحا: عنوان على الطراز المخصوص المتمحض للقرآن الجامع لجميع أطرافه بين دفتيه.
وقد بدأت الكتابة للقرآن مبكرة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وبأمر منه فكان له كتاب معروفون، يأمرهم بكتابة كل ما ينزل عليه من القرآن فيكتبونه بين يديه، قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى: "وروى أحمد وأصحاب السن الثلاثة وصححه ابن حبان والحكم من حديث عبد الله بن عباس عن عثمان بن عفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتى عليه الزمان ينزل من السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشىء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول هذا فى السورة التى يذكر فيها كذا" (2).
وكانوا يكتبون على ما اتفق لهم وما تيسر من الحجارة والعظم وجريد النخل وقطع الجلد وما إلى ذلك (3) وكذلك توفرت همم الصحابة رضى الله عنهم على كتابته لأنفسهم، ومما يجدر التنبيه إليه أن حديث عثمان السابق كما يفيد أنه كان له صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون له ما يتنزل عليه من نجوم القرآن، فكذلك يفيد أنه كان يأمرهم - عند وقوفه على الترتيب أن يرتبوا النجوم فى مواضعها من السور "بل ذاك صريح الدلالة من منطوقه. وهذا هو عين المقصود أيضا من التأليف فى الرقاع فى قول زيد بن ثابت. قال الزركشى رحمه الله (أسند البيهقى فى كتاب "المدخل" و "الدلائل" عن زيد بن ثابت قال: كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن، زاد فى "الدلائل" نؤلف القرآن فى الرقاع، قال: وهذا يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة فى سورها وجمعها، وفيها بإشارة النبى صلى الله عليه وسلم وأخرجه الحاكم فى المستدرك وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". (4).
وبطبيعة الحال لم يكن ممكنا - مع هذا الترتيب للآيات - ترتيب ما كان يكتب فيه عن الأشياء المتنوعة المختلفة حجما وكيفا بحيث يمكن وضعها بين دفتين كأوراق الكتاب الواحد، بل بقيت تلك الأشياء بحكم طبيعتها مفرقة غير مرتبة. وإلى جانب هذه الضرورة التى حالت وقتئذ دون كتابة القرآن فى مصحف واحد جامع لجميع أطرافه، كانت ضرورة أخرى تمثلت فى أن القرآن قد استمر نزوله نجما فنجما منذ بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قريب جدا من ؤفاته. فلم يكن يمكن - والحال هذه - قيام المصحف الجامع، وضرورة ثالثة تمثلت فيما سبق التنبيه إليه من كتابة نجوم القرآن مرة متفرقة حسب نزولها، ومرة مرتبة عند الوقوف على الترتيب، ورابعة تتمثل فى احتمال وقوع نسغ فيحتاج الأمر معه إلى محو المنسوغ، ثم إلى إثبات الناسخ إن كان النسخ إلى بدل.
أما الباعث على كتابة القرآن وقتئذ مع كون النبى صلى الله عليه وسلم بين ظهرانى القوم يحفضه ويدارسه إياه جبريل، كما حفظه -ولو من حيث الجملة - العدد الكثير من أصحابه، فهو بذل أقصى العناية فى المحافظة عليه والتوثق لسلامة نصه جملة وتفصيلا من أى تحريف.
لا ثم كان العهد البكرى ومافيه من حروب الردة فخشى عمر رضوان الله عليه أن تفنى تلك الحروب الكثير من قراء القرآن وحفاظه، فيضيع شىء منه، أو تذهب الثقة به بانخرام تواتره. ولاسيما مع عسر الرجوع فيه إلى ما كتب عليه من الأشتات المبعثرة التى لا يجمعها جامع فضلا على إمكان ضياع شىء منها، فجاء إلى الصديق وطلب إليه جمع القرآن مرة أخرى. لكن هذه المرة فى صحف من جنس واحد، متماثلة الحجم يمكن جمعها بسهولة برباط واحد، ولم يزل الصديق رضى الله عنه يستنكف مباشرة أمر فى ذلك لم يباشره رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شرح الله صدره لما شرح له صدر عمر. فدعى زيد بن ثابت الشاب العاقل الثقة المتمرس بكتابة الوحى للنبى صلى الله عليه وسلم فأمر بجمع القرآن على النحو الذى أشار به عمر.
وبعد تردد شديد لعين السبب الذى تردد له الصديق شرح الله صدر زيد لما شرح له صدر الشيخين فنهض لهذه المهمة (5) يعاونه الشيخان والأكابر من الصحابة حتى قام بها على خير وجه. وهكذا تم الجمع البكرى لباعثه المذكور، ومن فوائده ما لخصه شيخنا غزلان فقال:
1 - البحث عن القطع المختلفة التى كتب فيها القرآن من قبل وجمعها قبل ضياع شىء منها أو تأكل حروفها.
2 - تجديد كتابتها فى صحف مجتمعة صالحة للاحتفاظ بها دائما.
3 - اتصال السند الكتابى بالأخذ عن الصحف التى كتبت بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم كاتصال السند المتواتر فى الرواية والتلقى عن الشيوخ، فتكون كتابة أبى بكر بمثابة الطبقة الثانية من الشيوخ، وكتابة عثمان بمثابة الطبقة الثالثة. وهكذا مرات الإنتاج من المصاحف العثمانية، ولا يخفى ما فى ذلك من الاهتمام بشأن القرآن والعناية به. (6) ولقد ظلت الصحف التى فيها جمع القرآن عند أبى بكرحتى مات، ثم عند عمر حتى مات، ثم انتقلت إلى حفصة إحدى أمهات المؤمنين. (7).
ثم كان عهد عثمان وفيه من التساهل ما لم يكن فى عهد الشيخين من قبله، وكانت رقعة الإسلام قد اتسعت بكثرة الفتوح ودخول كثير من أهل الأمصار المفتوحة فى الإسلام، وتوزع تبعا لذلك الأصحاب على الأمصار ما بين مقيم وغاز، فكانوا يقرؤون القرآن ويقرؤونه للناس، كل على حسب الحرف الذى سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وربما تساهل البعض منهم فذكر أثناء قراءته تفسيرا لشىء مما يقرأ أو ذكر منسوخا أو دعاء لحصول الأمن من التباس غير القرآن بالقرآن، كما كان الأمر فى مصاحفهم الخاصة التى كتبوها لأنفسهم، والتى اشتملت فوق هذا على حذف بعض السور كالفاتحة والمعوذتين ثقة بكمال حفظها وأمنا من نسيانها كما قيل فى شأن مصحف ابن مسعود، أو إدماج سورة فى أخرى دون ذكر البسملة بينهما كسورتى الفيل وقريش حسبما قيل فى مصحف أُبَىٍّ على ما فى الإتقان وغيره.
فكان أهل الأمصار إذا اجتمعوا فى مناسبة من غزو أو حج أو عمرة واختلفوا فى قراءة القرآن تبعا لاختلاف مصادرهم فى القراءة من الصحابة ففضل البعض قراءة نفسه على قراءة غيره، ويرى أن قراءته مصحوبة بشىء مما قلناه، خير من الخالية من ذلك، على حين يرى الآخر أن القراءة المتمحضة للقرآن المتجردة للمقروء منه عن كل ما سواه أفضل. وقد يصل هذا التفضيل إلى حد التضليل والتفسيق، بل ربما التكفير.
فلما اشتد الخلاف، وخشيت الفتنة رأى عثمان رضى الله عنه أن يجمع الناس جميعا على قراءة واحدة هى ما تمحضت للقرآن وتجردت من غيره.
حدث أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازى أهل الشام فى فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أميرالمؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلى إلينا بالصحف ننسخها فى المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فى المصاحف، وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شىء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا.
حتى إذا نسخوا الصحف فى المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أومصحف أن يحرق (8).
هكذا كان أول العهد بالمصحف الإمام الجامع الذى أجمع عليه الصحابة وصوبوا صنيع عثمان به غاية التصويب (9)، والذى كان الأصل لما نسخ منه من المصاحف إلى يومنا هذا، أما عدد المصاحف التى نسخها عثمان وأرسل بها إلى الأمصار فالمترجح فيه أنه كان بحيث يعم جميع الأقطار التى دخلها الإسلام، قال صاحب البيان عليه الرحمة بعد ما ذكر الأقوال المختلفة فى عدد المصاحف معزوة إلى مصادرها: فظهر من هذا أن الذين ذكروا هذه الأقوال لم يذكروا منها دليلا يؤيده، إلا أن العقل والنقل كليهما يؤيدان من يزيد فى عدد المصاحف لا من يقلل منها.
أما العقل فهو أن الغرض من إرسال المصاحف إلى الأمصار هو القضاء على الفتنة التى كانت قائمة حينئذ بسبب اختلاف المسلمين فى القراءة، والمنع من حدوث هذه الفتنة مرة أخرى فى بلد ما من بلاد المسلمين، وهذا الغرض لا يتحقق بإرسال المصاحف إلى بعض الأمصار دون بعض.
وأما النقل فهو قول أنس بن مالك فى الحديث السابق الذى رواه البخارى أنهم لما نسخوا الصحف فى المصاحف أرسل عثمان إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، فكلمة إلى كل أفق تدل بعمومها على أنه أرسل المصاحف إلى جميع الأمصار لا إلى بعضها دون بعض (10).
أ. د/إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط 32، 1/ 527.
2 - فتح البارى شرح صحيح البخارى، ابن حجر العسقلانى، السلفية، ط 2،، 9/ 22.
3 - المصدر السابق 9/ 14.
4 - البرهان فى علوم القرآن 1/ 256.
5 - انظر تفصيل هذا كله فى حديث زيد بن ثابت من صحيح البخارى، باب سورة براءة من كتاب التفسير، وباب جمع القرآن من كتاب فضائل القرآن.
6 - البيان فى مباحث عن علوم القرآن، للدكتور عبد الوهاب عبد المجيد غزلان، ص185.
7 - انظر حديث زيد بن ثابت فى تفسير أخر براءة، وفى غير موضع من فضائل القرآن من صحيح البخارى، وانظر فضائل القرآن لابن كثير، ص30.
8 - البخارى، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، وانظر ما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله فى شرحه من الروايات الكثيرة المصورة لمدى فداحة الخطب. فقح البارى 9/ 18.
9 - فضائل القرآن لابن كثير، ص40.
10 - البيان فى مباحث من علوم القرآن، ص209(1/606)
37 - المضاربة
لغة: ضاربه - ولفلان - فى ماله: اتجر له فيه، أو اتجر فيه على أن له حصة معينة فى ربحه، كما فى الوسيط (1).
والمضاربة والقراض اسمان لمسمى واحد، فالقراض لغة أهل الحجاز، والمضاربة لغة أهل العراق.
وشرعا: هى توكيل مالك يجعل ماله بيد آخر ليتجر فيه، والربح مشترك بينهما (2).
والمضاربة جائزة شرعا، والأصل فى مشروعيتها عموم قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} البقرة:198، وفى المضاربة ابتغاء لفضل الله.
وقد روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قسم ربح ابنيه فى المال الذى تسلفاه بالعراق فربحا فيه بالمدينة فجعله قراضا، عندما قال له رجل من أصحابه: لو جعلته قراضا ففعل (3).
وقد قام الإجماع على جواز المضاربة، فيقول الشوكانى بعد نقله لآثار عن الصحابة التى تدل على تعاملهم بالمضاربة: "فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير، فكان ذلك إجماعا منهم على الجواز (4).
وللمضاربة أركان تقوم عليها، وهى:
1 - الصيغة: فلابد من وجود إيجاب وقبول يفصح بهما الطرفان عن رغبتهما فى التعاقد، كأن يقول شخص لآخر ضاربتك أو قارضتك أو عاملتك بألف جنيه على أن يكون الربح بيننا نصفين (5).
2 - العاقدان: فالمضاربة لا تتم إلا بتلاقى إرادتين على إنشائه، وهما المضارب ورب المال، ويشترط فيهما أن يكون كلا منهما أهلا للتعاقد، وهى أهلية التوكيل والوكالة (6).
3 - رأس المال: وهو ما يدفعه رب المال للمضارب ليتجر فيه، ويشترط فيه أن يكون معلوما، وأن يكون نقدا رائجا، وأن يكون عينا لا دينا، وأن يسلم إلى المضارب (7).
4 - العمل: وهو ما يقوم به المضارب من أعمال لتنمية رأس المال، ويشترط أن يختص المضارب بالعمل، فينفرد به دون صاحب رأس المال، فلا يجوز لرب المال أن يشترط عليه العمل معه، وتفسد المضاربة بهذا الشرط (8).
ويرى الشافعية أن عمل المضارب مقيد بالأعمال التجارية فقط "أى البيع والشراء" فلا يجوزأن يشترط عليه العمل مع التجارة (9).
بينما ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن عمل المضارب غير مقيد بالبيع والشراء، فيجوز له أن يستأجر ويغرس وغير ذلك (10).
5 - الربح: وهو ما زاد عن رأس مال المضاربة، نتيجة لعمل المضارب فى ذلك المال واستثماره، فهو ثمرة لالتقاء رأس المال بالعمل البشرى، لذا كان مشتركا بين العاقدين، رب المال مقابل ما قدمه من مال تحتاجه المضاربة والمضارب، لأنه قام بالعمل والاستثمار، والاشتراك فى الربح هو الهدف من المضاربة، لذا فقد اهتم الفقهاء ببيان شروطه، والتى نوجزها فيما يلى: يشترط فى الربح أن يكون مشتركا بين العاقدين، وأن يكون مختصا بها، أى قاصرا عليهما لا يعدو الشريكين، وأن يكون نصيب كل منهما معلوما عند التعاقد، وأن يكون نسبة شائعة من جملة الربح، كنصف الربح أو ثلثه، ولا يجوز أن يحدد بمبلغ معين كمائة جنيه مثلا (11).
وللمضارب فى المضاربة خمسة أحوال:
1 - فهو أمين كالوديع عند قبضه لرأس المال وقبل التصرف فيه، لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة.
2 - وهو وكيل لرب المال بالتصرف فى مال المضاربة، لأنه يتصرف فى مال الغير بأمره.
3 - وهو شريك لرب المال فى الربح عند تحققه.
4 - وهو أجير لرب المال إن فسدت، المضاربة لأى سبب.
5 - وهو غاصب لمال المضاربة إن خالف شروط رب المال أوالعمل فى ما لا يملك فعله (12).
وقد اتفق الفقهاءعلى أن المضارب أمين على ما بيده من مال المضاربة، فلا يضمن ما يصيبه من تلف أوخسارة إلابتعديه أو تفريطه، شأنه شأن الوكيل. فإذا حصل تلف أو خسارة فى رأس المال بسبب تعد أو تفريط من المضارب، فإنه يكون مسئولا عنه ضامنا له (13).
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز اشتراط الضمان على المضارب، وإذا اشترط فلا يصح.
ويملك المضارب بمقتضى عقد المضاربة العديد من التصرفات التى تعتبر من ضرورات التجارة أو لواحقها مما جرت به عادة التجارة، كالبيع والشراء والمقايضة، والتعامل بمختلف العملات، والبيع نسيئة، والإحالة والحوالة، والرهن والارتهان والاستئجار ... إلخ (14).
وتفسد المضاربة إذا فات ركن من أركانها، وتخلف شرط من شروط صحتها، كما أنها تفسد إذا دخلها شرط مفسد، والشروط الفاسدة هى التى تنافى مقتضى العقد، أو تلك التى تعود بجهالة توزيع الربح، أو أن يشترط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه (15).
أ. د/على مرعى
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة، دار المعارف، ط3، مادة (ضرب) 1/ 557.
2 - حاشية البيجرمى على شرح الخطيب ط مصطفى الحلبى 3/ 159.
3 - تراجع القصة بكاملها فى الموطأ للإمام مالك ط الحلبى 2/ 687.
4 - نيل الأوطار للشوكانى 5/ 300، ط دار الحديت، مع الشرح الكبير.
5 - بدائع الصنائع 7/ 3446، ط مطبعة الإمام نشر زكريا على يوسف بالقاهرة.
6 - بدائع الصنائع 8/ 3563.
7 - حاشية ابن عابدين 8/ 281 ط مصطفى الحلبى ط2 سنة 1996م.
8 - تكملة حاشية ابن عابدين 8/ 283.
9 - أسنى المطالب 2/ 382.
10 - البدائع 8/ 3608.
11 - البدائع 8/ 3602، حاشية الدسوقى 3/ 523 وما بعدها.
12 - تكملة شرح فتح القدير لقاضى زاده 8/ 445، ط مصطفى الحلبى ط1 سنة 1970م.
13 - حاشية ابن عابدين 5/ 346.
14 - البدائع 8/ 3606 وما بعدها.
15 - المغنى والشرح الكبير 5/ 186، 187(1/607)
38 - المطلق
لغة: مأخوذ من الإطلاق، وهو الانفكاك من القيد، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: ما تناول واحدا غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه (2).
أو هو: ما يتعرض للذات دون الصفات لا بالنفى ولا بالإثبات (3).
كلفظ "رقبة" فى قوله تعالى {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} (المجادلة 13). وكقوله تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة 234)، فإن كلمة "رقبة" لم تقيد بشيء من الإيمان، أو بأحد الخصال الخلقية فى هذا النص، وإن وردت مقيدة فى كفارة القتل بقيد الإيمان، كما أن كلمة "أزواجا" لم يقم عليها- أيضا- دليل على تقييدها بالدخول لا فى هذا النص ولا فى غيره (4).
ويلاحظ فى هذين اللفظين أن المقصود فيهما الماهية فقط، دون مراعاة العموم أو الاستغراق فيهما، لكن إن ورد دليل على تقييد المطلق قيد، كما فى قوله تعالى {من بعد وصية يوصى بها أو دين} (النساء 11 و12)، فإن الوصية وردت مقيدة فى هذه الآية لكن ورد دليل على تقييدها بالثلث، وهو قول رسول الله ? لسعد بن أبى وقاص (5) " الثلث والثلث كثير" (6).
واعلم أنه إذا ورد الخطاب مطلقا لا مقيد له حمل علّى إطلاقه، وإن ورد مقيدا لا مطلق له حمل على تقييده، وان ورد مطلقا فى موضع مقيدا فى موضع آخر، فإن ذلك ينقسم إلى أربعة أقسام (7):
الأول: أن يتفقا فى السبب والحكم، كتقييد الغنم بالسوم فى حديث (8)، وإطلاقها فى آخر (9)، فهذا يحمل فيه المطلق على المقيد.
الثانى: أن يختلفا فى السبب والحكم، فلا يحمل أحدهما على الآخر بالاتفاق. الثالث: أن يختلفا فى السبب دون الحكم، كالرقبة المعتقة فى الكفارة، قيدت فى كفارة القتل بالإيمان (10)، وأطلقت فى كفارة الظهار (11)، وهذا مختلف فى حمل المطلق على المقيد فيه بين الفقهاء ما بين ذاهب إلى حمل المطلق على المقيد، وما بين مانع منه، وما بين مفصل.
الرابع: أن يختلفا فى الحكم دون السبب، كتقييد الوضوء بالمرافق (12)، وإطلاق التيمم (13)، فالسبب فيهما واحد وهو الحدث، وهذا مختلف فيه أيضا.
والمطلق إذا لم يرد مقيدا فى نص آخر، أو قام دليل على تقييده، يعمل به على إطلاقه كما ورد دون تغيير أو تبديل، لأنه لفظ خاص يدل على معناه قطعا.
ولأن الأصل: إجراء المطلق على إطلاقه، والتقييد خلاف الأصل فلا يلتفت إليه إلا بدليل (14).
أ. د/ على جمعة محمد
1 - انظر: لسان العرب، لابن منظور 4/ 2693 وما بعدها مادة (طلق) طبعة دار المعارف- المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية 2/ 564 مادة (طلق) دار المعارف 1972 م.
2 - شرح الكوكب المنير، لابن النجار تحقيق د/نزيه حماد، ود/محمد الزحيلي،3/ 392، طبعة السعودية، نشر البنود على مراقى السعود للشنقيطى طبعة المملكة المغربية 1/ 264.
3 - كشف الأسرار، لعلاء الدين البخارى، 2/ 286، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر بالقاهرة الطبعة الثانية 1995 م.
4 - تيسير الأصول، لحافظ ثناء الله الزاهدى دار ابن حزم بيروت، الطبعة الثانية 1997 م ص 0 9، 91.
5 - متفق عليه بين البخارى ومسلم، البخارى فى الوصايا 4/ 3، وفى الجنائز 2/ 102 - ومسلم فى الوصية رقم (1628).
6 - تيسير أصول الفقه، لمحمد أنور البدخشانى، ص 29 طبعة كراتشى بباكستان 0 199 م.
7 - انظر: تقريب الوصول إلى علم الأصول، لابن جزى الغرناطى، تحقيق: محمد المختار الشنقيطى وما بعدها ص 158، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى 1414 هـ، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، للشوكانى، تحقيق: د /شعبان محمد اسماعيل، 2/ 4، دار الكتبى الطبعة الأولى 1993 م.
8 ـ أى حديث (فى سائمة الغنم الزكاة) الحاكم فى المستدرك فى كتاب الزكاة 1/ 390.
9 - أى حديث (فى أربعين شاة شاة) أبو داود 3/ 139، والنسائى 5/ 29.
10 - أى فى قوله تعالى {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة} (النساء 92).
11 - أى قوله تعالى {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة} (المجادلة 3).
12 - أى فى قوله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} (المائدة 6).
13 - أى قوله تعالى {فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} (المائدة 6).
4 1 - تيسير الأصول، للزاهدى ص 91، وابن حزم، 997 1 م.
__________
المراجع
1 - أصول الفقه الإسلامى، للدكتور/ وهبة الزحيلى وما بعدها، دار الفكر 1986 م 1/ 208.
2 - البحر المحيط، للزركشى وما بعدها، وزارة الأوقاف بالكويت- الطبعة الأولى. 1990م 3/ 415.
3 - الوجيز أصول الفقه، للدكتور/ عبد الكريم زيدان، مؤسسة قرطبة، ط 6، سنة 1987 م.(1/608)
39 - معاجم اللغة العربية
لم يسبق العرب فى صناعة المعاجم - من الناحية التاريخية - سوى عدد قليل من الشعوب القديمة ذات التراث الحضارى العريق كالهنود واليونانيين والصينيين والمصريين القدماء.
وإذا كان المعجم العربى - كغيره من سائر فروع الدراسات اللغوية - لم ينشأ إلا بعد ظهور الإسلام، وباعتباره ثمرة من ثمار الدرس القرآنى، فقد استطاع - منذ ظهوره - أن يشق لنفسه طريقا مستقلا، وأن يحقق من التفوق والتميز ما جعله ينافس معاجم الشعوب الأخرى وقد كان هذا التفوق نتاج عوامل أربعة هى:
1 - التفكير المبكر فى عمل معجم حيث ظهر أول معجم كامل فى منتصف القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) على يد العالم اللغوى الخليل بن أحمد الفراهيدى (100 - 175هـ).
2 - التفرد بهدف غاب فى معاجم الشعوب الأخرى، وهو تسجيل المادة اللغوية بصورة شاملة، وشرحها بطريقة منظمة، فى حين أن معاجم الشعوب الأخرى مجرد قوائم لشرح الكلمات النادرة أو الصعبة.
3 - كثرة ما ظهر من معاجم عربية على امتداد السنوات والقرون حتى إن عدها يكاد يندّ عن الحصر.
4 - تنويع أشكال المعاجم العربية بصورة كبيرة، وبشكل يستنفد كل الاحتمالات العقلية الممكنة للترتيب، كما يبدو من الجدول الآتى:
نوع المعجم ونماذج لكل منهما:
1 - معاجم المعانى أو الموضوعات:
أ - الغريب المصنف لأبى عبيد القاسم بن سلام (157 - 224هـ).
ب - المخصص لابن سيدة (398 - 458هـ).
2 - معاجم الترتيب الصوتى:
أ- العين للخليل بن أحمد (100 - 175هـ).
ب- تهذيب اللغة للأزهرى (282 - 370هـ).
3 - معاجم الأبنية أو الأوزان:
أ- ديوان الأدب للفارابى (000 - 350هـ).
ب- شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحميرى (467 - 538).
4 - معاجم الترتيب الألفبائى حسب أوائل الكلمات:
أ- الجيم لأبى عمرو الشيبانى (94 - 206هـ).
ب- أساس البلاغة للزمخشرى (467 - 538هـ).
ج- المصباح المنير للفيومى (000 - 770هـ).
5 - معاجم الترتيب الألفبائى حسب أواخر الكلمات:
أ- الصحاح للجوهرى (00 - 393هـ).
ب- لسان العرب لابن منظور (630 - 711هـ).
(أصدرت دار المعارف المصرية نسخة مرتبة ترتيب الألف باء حسب أوائل الكلمات).
ج- القاموس المحيط للفيروزآبادى (729 - 817هـ).
احتلت المعاجم العربية مكانا مرموقا بين المعاجم عبر عنه خبير المعاجم الأوروبى Haywood بقوله: "الحقيقة أن العرب فى مجال المعجم يحتلون مكان المركز سواء فى الزمان أو المكان بالنسبة للعالم القديم والحديث وبالنسبة للشرق والغرب".
أ. د/أحمد مختار عمر
__________
الهامش:
1 - البحث اللغوى عند العرب دكتور/أحمد مختار عمر عالم الكتب القاهرة ط6 سنة 1988م.
2 - صناعة المعجم الحديث دكتور/أحمد مختار عمر عالم الكتب القاهرة الطبعة الأولى 1998م.
3 - المعجم العربى دكتور حسين نصار مكتبة مصر بالفجالة الطبعة الثانية سنة 1968م.
4 - Arabicl exicogrphy، J.A، Haywood، Leiden 1960(1/609)
40 - المعاصرة
لغة: على وزن مفاعلة من العصر، وللعصر عدة معان أهمها وقت وجوب صلاة العصر وهو الوقت فى آخر النهار إلى احمرار الشمس. وعاصر فلانا لجأ إليه ولاذ به وعاش معه فى عصر واحد (كما فى المعجم الوسيط) (1).
واصطلاحا: ورد لفظ العصر فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفى خسر. إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} العصر 1 - 3.
يقول البيضاوى (2) فى تفسير الآية الأولى من هذه السورة: "أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها، أو بعصر النبوة، أو بالدهر لاشتماله على الأعاجيب".
والمعاصرة حسب هذا التعريف هى المعايشة بالوجدان والسلوك للحاضر والإفادة من كل منجزاته العلمية والفكرية وتسخيرها لخدمة الإنسان ورقيه.
وتستخدم المعاصرة فى مقابل الأصالة، فيقال مثلا: "الإسلام بين الأصالة والمعاصرة" بمعنى كيفية تمكن الإسلام من مسايرة العصر والوفاء بمتطلباته والتعامل مع مقتضياته المتغيرة بثوابته الأصلية.
والمعروف أن الإسلام يتضمن إلى جانب ثوابته الأصلية التى تتعلق بأصوله، مناهج تفتح كل الأبواب للتعامل مع كل المستجدات.
فبجانب ثوابت العقيدة التى تصلح بطبيعتها لكل زمان ومكان لأنها متأسسة على الرسالة الخاتمة ومستمدة من فطرة الله التى فطر الناس عليها، هناك مناهج للتشريع تعتمد فى تطبيقاتها على الاجتهاد بإعمال العقل السليم فيما يجلب المصلحة العامة ويدرأ المفسدة ويسد الذرائع، فهى توجد، كما يقول الشاطبى (3) "حيث يكون العمل فى الأصل مشروعا لكن ينتهى عندما يؤول إليه من المفسدة" وقد عمل به الإمام مالك فى أكثر أبواب الفقه. ويعتبر الإمام محمد أبو زهرة ذلك توثيقا لمبدأ المصلحة التشريع الإسلامى. (4).
وينبغى أن نفرق بين المعاصرة التى لا تتناقض من وجهة النظر الإسلامية مع الأصالة وبين العصرانية (العلمانية) التى تعتبر العصر وحده مصدرا للتشريع فى الحياة الاجتماعية العامة، وهذا الاتجاه الفكرى يحاول إبعاد الدين عن الحياة العامة واعتباره مجرد مسألة خاصة بكل إنسان، ويعتبره - فى أحسن الأحوال - مصدرا للمبادىء الخلقية والمعاملات الشخصية.
أما السياسة وكل ما يتصل بالحياة العامة للإنسان لا للدين بها، أى علاقة وهذا مما يتناقض مع مبادىء التصور الإسلامى الصحيح (5).
د/السيد محمد الشاهد
__________
الهامش:
1 - المعجم الوسيط مادة (عصر) استانبول تركيا ط2 د. ت.
2 - تفسير البيضاوى (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) 2/ 620 بيروت لبنان 1988م.
3 - الموافقات لأبى إسحاق الشاطبى تحقيق عبدالله دراز 4/ 100 دارالموتة بيروت د-ت.
4 - مناهج التشريع الإسلامى محمد البلتاجى جامعة الإمام محمد بن سعود 2/ 637 الرياض 1977م.
5 - رحلة الفكر الإسلامى من التأثر إلى التأزم السيد الشاهد دار المنتخب بيروت 1994م(1/610)
41 - المعتزلة
أصلها عزل واعتزل، وقد وردت هذه الكلمة عشر مرات فى القرآن الكريم كلها تعنى الإبتعاد عن شىء كما فى قوله تعالى: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيل} النساء:90.
والمعتزلة هم أول مذهب فى علم الكلام الإسلامى، بدأ فى النصف الأول من القرن الثانى الهجرى، واختلف المؤرخون لهذا المذهب الكلامى فى تحديد اسم مؤسسه، فذهب معظمهم إلى أنه واصل بن عطاء (ت131هـ/748م) الذى اعتزل مجلس، الحسن البصرى (110هـ/727م) عندما سئل الحسن البصرى عن مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن أم كافر، وقبل أن يجيب الحسن البصرى على السؤال وقف واصل بن عطاء وقال: إنه فى منزلة بين المنزلتين أى بين الإيمان والكفر، بينما كانت الخوارج تذهب إلى تكفيره، وذهب أهل السنة إلى أنه مؤمن.
وكان الحسن البصرى يذهب إلى أن مرتكب الكبيرة لامؤمن ولا كافر، وإنما يكون "منافقا" ووافقه بداية عمرو بن عبيد (145هـ /762م)، أما واصل بن عطاء فكان يرفض هذه الصفات الثلاث، فمرتكب الكبيرة عنده لا يكون مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا بل يكون "فاسقا" وقد أخذ واصل هذا المذهب عن أبى هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية.
وترجع تسمية واصل بن عطاء وأصحابه بالمعتزلة إلى قول الحسن البصرى بعد أن قام واصل من مجلسه وانتحى لنفسه مكانا آخر: "اعتزلنا واصل".
أما القاضى عبد الجبار فيرجع أصل الاعتزال إلى عمرو بن عبيد، حيث يذكر أنه جرت بين واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد مناظرة فى مسألة مرتكب الكبيرة، فرجع عمرو بن عبيد إلى مذهب واصل وترك مجلس الحسن البصرى، واعتزل جانبا فسموه معتزليا، وهذا أصل تلقيب أهل العدل بالمعتزلة كما يقول القاضى عبد الجبار.
ويذكر ابن المرتضى فى كتابه "المنية والأمل" أن المعتزلة كانوا يسمون أيضا "بالعدلية" لقولهم "بالعدل الإلهى"، و"الموحدة" لقولهم "لا قديم مع الله"، ويؤكد ذلك جعلهم العدل والتوحيد أول أصلين فى أصولهم الخمسة، حيث يأتى أصل "المنزلة بين المنزلتين" الذى كان سببا فى نشأتهم فى المركز الرابع بعد "الوعد والوعيد" أما الأصل الخامس والأخير فهو "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر".
انقسم الاعتزال إلى مدرستين متوازيتين الأولى فى البصرة (البصريون) والثانية فى بغداد (البغداديون).
وأهم رجالات مدرسة البصرة هم: واصل ابن عطاء، وعمرو بن عبيد وأبو الهزيل العلاف (227هـ/842م)، وإبراهيم بن سيار النظام (235هـ/853م)، وعمرو بن بحر الجاحظ، وأبو على الجبائى (303هـ/924م).وابنه عبد السلام الجبائى (أبو هاشم 321هـ/941م) (أخذ عنهما أبو الحسن الأشعرى (324هـ/944م) الاعتزال فى أول الأمر قبل أن ينقلب على الاعتزال فيما بعد) ثم القاضى عبد الجبار الهمذانى (415هـ/1025م) صاحب موسوعة المغنى فى أبواب التوحيد والعدل، والمحيط بالتكليف، وشرح الأصول الخمسة، وغيرها من المؤلفات الكبيرة فى شتى العلوم الشرعية.
ومن تلامذة القاضى عبد الجبار: الحسن بن متويه، وأبو الحسين البصرى (436هـ/1045م) وأبو رشيد سعيد النيسابورى (460هـ/1067م) صاحب كتاب "المسائل فى الخلاف بين البصريين والبغداديين"، ثم ركن الدين محمود ابن الملاحمى (536هـ) ومحمود ابن عمر الزمخشرى (538هـ) ثم تقى الدين النجرانى (656هـ) صاحب "الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء".
أما أهم أعلام مدرسة بغداد فهم: بشر بن المعتمر (210هـ/825م) وأبو موسى المردار (226هـ/844م) وثمامة بن الأشرسر (213هـ/831م) وأبو الحسين الخياط (190هـ /818م) وأبو جعفر محمد الإسكافى (240هـ/858م) وأبو القاسم الكعبى (319هـ/938م) وأبو بكر الأخشيدى (326هـ/946م).
وقد شهد تاريخ الاعتزال خلافات كثيرة بين مدرستى البصرة وبغداد لخصها أبو رشيد سعيد النيسابورى فى كتابه المعروف:
"المسائل فى الخلاف بين البصريين والبغداديين". إلا أن الاعتماد على العقل فى تفسيرالنصوص الشرعية كان قاسما مشتركا بين المدرستين.
وكان تمادى المعتزلة فى الاعتماد على العقل والمبالغة في التعويل عليه فى تفسير بعض المسائل الحساسة مثل مسألة الصفات، مما أوقعهم فى مخالفات بل وعداوات مع متكلمى أهل السنة مثل الأشاعرة وغيرهم من السلفيين مثل ابن تيمية (728هـ/1328م)، وكان السبب فى هذا الخلاف حرص المعتزلة على إفراد الله عز وجل بصفة القدم حتى أنهم رفضوا كل ما من شأنه أن يؤدى إلى القول بقدم أى شىء سوى ذاته تعالى.
وقد قسم المعتزلة الصفات إلى قسمين صفات ذات وهى التى لاتنفك عنها الذات مثل: الوجود والحياة والعلم والقدرة والإرادة، ثم صفات أفعال التى ترتبط بالزمان من حيث الوجود والعدم، وقد ترتب على مذهبهم هذا القول بخلق القرآن، وأن كلام الله مخلوق، مما أثارعليهم غضب أهل السنة خاصة بعدما حدثت محنة الإمام أحمد بن حنبل فى عهد المعتصم.
كما اشتهروا بقولهم: إن الإنسان خالق، لأفعاله على الحقيقة بقدرة خلقها الله فيه. وجعلوا ذلك أساسا للاستحقاق، والذى يعرف حاليا بمشكلة حرية الإرادة فإنسانية، كما عرف عنهم خلافهم مع أهل السنة فى تفسير رؤية البارى عز وجل فى الدار الآخرة وقد أفرد القاضى عبد الجبار مجلدا لهذه المسألة في موسوعة المغنى فى أبواب التوحيد والعدل (المجلد الرابع).
أ. د/السيد محمد الشاهد
__________
مراجع الاستزادة:
1 - شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار تحقيق عبد الكريم عثمان القاهرة سنة 1965.
2 - المحيط بالتكليف جمع الحسن بن متويه تحقيق عمر السيد عزمى د-ت.
3 - المغنى فى أبوإب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار تحقيق مجموعة من العلماء، القاهرة 1965.
4 - المنية والأمل لأحمد بن يحيى بن المرتضى تحقيق نوما أرنولد بيروت 1316هـ.
5 - الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء تحقيق د/السيد الشاهد المجلس الأعلى للشئون الإسلامية(1/611)
42 - المعجزة
المعجزة: هى البرهان الذى يثبت صدق أى نبى أو رسول فى دعواه النبوة أو الرسالة، واشتقاق الكلمة من إعجاز الأمر الخارق الذى يقع على يد النبى أو الرسول للبشر أن يأتوا بمثله.
وإنما كانت المعجزة دليلا على صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعواه أنه مكلف من الله، ومختار منه بالنبوة والرسالة، لأن اجتماع المعارضين له على تكذيبه، وشحذ هممهم وتجميع كل قواهم، لإثبات بطلان دعواه، ثم يعجرون عن الإتيان بمثل الفعل الخارق الذى أتى به دليل على أن الفعل الذى جاء به، أو جرى على يديه خارج عن قدرة البشر فإن معنى ذلك أنه لم يأت بهذا الفعل الخارق من عند نفسه، لكنه مؤيد من الله، وأن المعجزة حينئذ تكون - كما قال علماء العقيدة: -بمثابة إعلان الله عز وجل تصديقه لنبيه، وقائمة مقام قوله "صدق عبدى فيما يبلغ عنى" لأن الذى يستطيع أن يخرق النظام الكونى، ويعطل قوانينه الثابتة المعتادة، إنما هو خالق النظام الكونى نفسه، وواضع قوانينه، لأنه وحده الذى يقدر على ذلك، ولذلك تعرف المعجزة بأنها: "أمرخارق للعادة يظهره الله على يد مدعى النبوة تصديقا له فى دعواه مقرونة بالتحدى مع عدم المعارضة".
فلكى تعرف المعجزة وتتميز عن غيرها من الأمور- الخارقة، لابد أن تكون: خارقة للعادة أى خارقة للقوانين الكونية المعتادة، والنواميس الكونية الثابتة كعدم إحراق النار، وإحياء الموتى، وقلب العصا حية تسعى.
- أن تقع على يد نبى أو رسول يعلن دعواه النبوة ة لكى تتميز عن كرامة الأولياء.
- أن تجرى على وفق دعواه، فتكون تصدلقا له حتى لا تكون إهانة لا معجزة.
- أن تقترن بالتحدى من قبل النبى لقومه ومن قبلهم له.
- أن يعجزوا عن معارضته، فإذا أتوا بمثلها لا تكون معجزة، بل تكون حينئذ من قبيل الأمور التى يمكن تعلمها، والإتيان بمثلها كالسحر.
والمعجزة فى حقيقة أمرها رسالة إلى العقل الإنسانى، لأنها عندما يقبلها العقل يقبل دلالتها على الفور على صدق الرسول، ومن ثم تثبت نبوة النبى أو رسالة الرسول بعد قبول العقل لها، واقتناعه بها.
وإذا كانت تثبت بالتواتر بعد ذلك حين تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل بواسطة عدد من الناس يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب وقد قال العلماء فإن العلم بالتواتر هو أحد أقسام الضروريات.
ولما كانت المعجزة تستمد قوتها فى الدلالة على صدق الرسالة من أنها خرق للنظام المعتاد، فإن خرقها لما اعتاده الناس إنما يأتى من تصديق الأئمة الذين بلغوا غاية العلم فيما اعتاده الناس، لأنهم عجزوا عن الإتيان بمثل المعجزة.
ولذلك جاءت كل معجزة مما برع فيه الناس، وبلغوا غاية العلم به فى عصره، فإذا أذعن هؤلاء عرف أن ما أتى به الرسول ليس ومن قبيل ما علموه غاية العلم، وإنما هو من باب آخر غير ما يعلمونه.
ومن ثم جاءت معجزة موسى عليه السلام أشبه بالسحر لكنها ليست منه، لأن القوم كان قد برعوا فى السحر، فلما انقلبت العصا حية على يد موسى أمام السحرة الذين بلغوا منتهى العلم بالسحرة عرفوا أن ما أتى به موسى ليس سحرا {وألقى السحرة ساجدين} الأعراف:120.
وكذلك جاءت معجزة عيسى عليه السلام أشبه بالطب، لكنها كانت غيره، لأن القوم كانوا قد برعوا فى الطب، فلما أحيا عيسى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص أمام الذين بلغوا غاية ومنتهى العلم فى الطب، عرفوا أن ما أتى به عيسى ليس من قبيل الطب، وإنما هو أمر خارق للنظام العام.
وبالنسبة لمعجزة القرآن فقد جاءت متجاوزة حدود البشرية فى أمرين: اللغة والتشريع.
أما اللغة فقد كان نزول القرآن فى وقت بلغت فيه اللغة العربية منتهى إمكان البشر فى التطور اللغوى فى الفكرة والأساليب، فلما جاء القرآن الكريم جاء متجاوزا حدود الإمكانات البشرية، وأدرك ذلك أئمة اللغة، وفحول الخطباء والشعراء الذين عجروا عن الإتيان بمثل القرآن ونظمه البلاغى.
وأما فى التشريع، فقد أثبتت مقارنته بغيره من النظم التشريعية البشرية عبر العصور تفوق التشريع القرآنى بتوازنه العادل فوق كل الأنظمة التى أنتجتها حكمة البشر وقدرتهم التشريعية.
ذلك مما أعطى القرآن صفة المعجزة الدائمة، وهى سمة تتسم بها معجزة القرآن عما سبقها من معجزات الرسل السابقين.
وهناك سمة أخرى تتميز بها المعجزة القرآنية، وهى أن المعجزات السابقة كانت - كما قال ابن رشد - من غير طبيعة الرسالة، لأن الرسول إنما يأتى ليضع النظام الذى يكفل لمن أرسل إليهم خطة الحياة الفاضلة، ولكن معجزة موسى وعيسى عليهما السلام لم تكن من هذا الباب، وإنما كانت الأولى مما أشبه بالسحر وكانت الثانية مما أشبه الطب.
أما معجزة القرآن فقد جاءت من قبيل تشريع من نفس فعل الرسالة وطبيعتها. مما أعلطاها من القيمة البرهانية على الرسالة
أكثر مما أعطت المعجزات السابقة من البرهنة على رسالاتها إلى درجة جعلت إماما كابن رشد يقلل من القيمة البرهانية للمعجزات السابقة إلى درجة لا نوافق عليها.
فالقرآن الكريم نفسه يقول عن معجزة اليد والعصا: {فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه} القصص:32.
على أن القرآن الكريم أعطى للمعجزات السابقة مصداقية حين صدق بها وبدلالاتها، ولولا روايته لها وتصديقه لدلالاتها، لربما انقطع تواترها، ولكنه بإيرادها حملها إلى الأجيال بنفس ما هو عليه من درجة الوثوق والمصداقية.
ثم إن هناك وجوها أخرى لإعجاز القرآن أسهبت فى بيانها كتب العقائد والتاريخ والسنن قديما، وكتب العلوم حديثا.
فالقرآن أخبر بوقائع سبقته لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم علم بها وأخبر بوقائع لحقته، لم يكن له صلى الله عليه وسلم المقدرة على التكهن بها واستنتاجها، كما أخبر بانتصار الروم على الفرس فى بضع سنين، مع أن وقائع الأحداث لم تكن تبشر بأدنى شىء من هذا التوقع، مما جعل المؤرخ الإنجليزى (جيسن) يحدث بأن القرآن لو لم يكن فيه دليل على مصدريته من الله إلا هذا الخبر لكفى.
وكتب العلوم ونظرياتها لم تثبت أى تعارض لمصادر القرآن الكريم، مما يجعل الثقة قائمة فى أن مصدر القرآن، ومصدر الحقيقة العلمية عندما تثبت واحد وهو الله، فخالق الكون، وواضع سننه وقوانينه هو منزل القرآن.
أما الماديون الذين ينكرون المعجزات فحججهم واهية، لأنها تقوم على إنكار الوقوع لا على إنكار الإمكان، لأن إمكانها ضرورى فالذى خلق السموات والأرض وأبدع نظام الكون، وأقامه على قوانين وسنن قادر على أن يخرق هذه القوانين والسنن، ويبدلها فى حالة خاصة بقانون خاص.
أما إنكار الوقوع، وأن المعجزات لم تحدث، فيقوم عندهم على الطعن فى التواتر أو الطعن فى إفادة التواتر لليقين، فهى عندهم لا تثبت فى حق الغائبين الذين لم يروها، ويمكن الرد على هؤلاء بأن معجزة القرآن مازالت باقية بين أظهرنا الآن والتحدى بها قائم والعجز عن معارضته مازال مستمرا، وبالتالى تثبته وقوع المعجزات الأخرى، لأنه أثبتها.
ومن ناحية أخرى فإن الطعن فى التواتر أو فى إفادة التواتر لليقين طعن فى قانون أساس من قوانين الفكر، فالمتواترات - كما قيل - أحد أقسام الضروريات ولو طعن فى التواتر، وإفادته اليقين لما بقى خير يفيد اليقين إطلاقا، ولم يقل بذلك أحد.
وبذلك لا يبقى للماديين مستند معقول لإنكار المعجزات.
أ. د/عبد المعطى محمد بيومى
__________
مراجع الاستزادة:
1 - مقاصد الطالبين فى علم أصول الدين لسعد الدين التفتازانى ج2 طبع المطبعة العاصر، استانبول 1277هـ.
2 - تهافت التهافت ابن رشد دار المعارف بمصر سنة 1971م ط2.
3 - مناهج الأدلة فى عقائد الملة (لابن رشد) مع مقدمة فى نقد مدارس علم الكلام تقديم وتحقيق د/محمود قاسم مكتبة الأنجلو المصرية سنة 1964م.
4 - دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدى ج6 ط3 دار المعرفة بيروت لبنان سنة 1971م.
5 - الوحى المحمدى السيد محمد رشيد رضا مطبعة المنار بمصر سنة 1935م(1/612)
43 - المعصية
لغة: الخروج عن الطاعة ومخالفة الأمر (1).
واصطلاحا: ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله، ويرادفها: المحظور والحرام. والذنب (2)، وإذا كانت المعصية عبارة عن مخالفة أمر الله وطاعته مما يوجب سخط الله تعالى ويتوجب العقاب فاعلم أنها تنتج عن مجموعة صفات فى الإنسان كل منها يتعلق به أنواع من المعاصى تختلف عن الأنواع الأخرى وهذه الصفات هى (3):
1 - صفات ربوبية: ومنها يحدث الكبر والفخر، وحب المدح والثناء، والعز، وطلب الإستعلاء، ونحو ذلك، وهذه ذنوب مهلكات، وبعض الناس يغفل عنها فلا يعدها ذنوبا.
2 - صفات شيطانية: ومنها يتشعب الحسد، والبغى، والحيل، والخداع، والمكر والغش، والنفاق، والأمر بالفساد، ونحو ذلك.
3 - صفات بهيمية: ومنها يتشعب الشر، والحرص على قضاء شهوتى البطن والفرج، فيتشعب من ذلك الزنا، واللواط، والسرقة، وأخذ الحطام لأجل الشهوات.
4 - صفات سبعية: ومنها يتشعب الغضب، والحقد، والتهجم على الناس بالقتل والضرب، وأخذ الأموال، وهذه الصفات لها تدرج فى الفطرة.
فالصفة البهيمية هى التى تغلب أولا، ثم تتلوها الصفة السبعية ثانيا، فإذا اجتمعت هاتان استعملت العقل فى الصفات الشيطانية من المكر والخداع، ثم تغلب الصفات الربوبية، فهذه أمهات المعاصى ومنابعها، ثم تنفجر المعاصى من هذه المنابع إلى الجوارح، فبعضها فى القلب كالكفر، والبدعة والنفاق وإضمار السوء، وبعضها فى العين، وبعضها فى السمع، وبعضها فى اللسان، وبعضها فى البطن والفرج، وبعضها فى اليدين والرجلين، وبعضها فى جميع البدن، وهذا كله واضح لا يحتاج إلى تفصيل.
وقد اختلف الفقهاء فى تصنيف الذنوب والمعاصى على ثلاثة أوجه:
الأول: أنها تنقسم إلى صغائر وكبائر، وهو المشهور بين الفقهاء، ويساعدهم إطلاقات الكتاب والسنة، لقوله تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} الحجرات: 7، فجعل الفسوق وهو الكبائر تلى رتبة الكفر، وجعل الصغائر تلى رتبة الكبائر وقد خصص النبى صلى الله عليه وسلم بعض الذنوب باسم الكبائر.
الثانى: أن الذنوب كلها قسم واحد وهو الكبائر، وهو طريقة جمع عند الأصوليين منهم الأستاذ أبو إسحاق، ونفى الصغائر، وجرى عليه إمام الحرمين فى الإرشاد، وابن فورك فى كتابه "مشكل القرآن" فقال: المعاصى عندنا كبائر، وإنما يقال لبعضها: صغيرة بالنسبة إلى ما هو أكبر منها كما يقال: الزنا صغيرة بالنسبة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا، وكلها كبائر.
الثالث: أن المعاصى تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - كبيرة: كقتل النفس بغير حق.
2 - فاحشة: قتل ذا رحم.
3 - صغيرة: سائر الذنوب كالخدشة والضرب مرة أو مرتين.
ويظهر من هذه الأقوال أن الخلاف لفظى، فإن رتبة الكبائر تتفاوت قطعا واختلف العلماء فى تعريف الكبيرة اختلافا كبيرا، كذلك اختلفوا فى حصرها وعدد أنواعها. لكن الصحيح كما قال الواحدى فى البسيط: إنه ليس للكبائر حد يعرفه العباد، وتتميز به عن الصغائر تمييز إشارة، ولو عرف ذلك لكانت الصغائر مباحة، ولكن الله تعالى أخفى ذلك عن العباد ليجتهد كل واحد فى اجتناب ما نهى عنه، رجاء أن يكون مجتنبا للكبائر، ونظيره إخفاء الصلاة الوسطى فى الصلوات، وليلة القدر فى رمضان. هل الإصرار على الصغائر يجعلها فى منزلة الكبائر أم لا؟ نجد عند الأصوليين أن الإصرار له معنيان:
أحدهما: العزم على فعل المعصية بعد الفراغ منها.
والثانى: المداومة على فعل الصغائر.
وحكم الإصرار بالمعنى الأول حكم من كررها فعلا فيتحمل بذلك إثما، وحكم الإصرار بالمعنى الثانى أنه إن كان على نوع واحد من الصغائر غفرت بكثرة الطاعات، وإن كان الإصرار على أنواع متعددة لا تغفر بكثرة الطاعات بل لابد من التوبة عنها حتى تغفر.
أ. د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1 - لسان العرب لابن منظور (4/ 2981)، دار المعارف.
2 - المعجم الوسيط 2/ 606 دار المعارف 1972م.
3 - الحدور الأنيقة والتعريفات الدقيقة، للشيخ زكريا الأنصارى، تحقيق د/مازن المبارك ص76 دار الفكر المعاصر بيروت 1991م.
4 - مختصر منهاج القاصدين لأبى العباس المقدسى الحنبلى ص257، 258، طبعة ابن زيدون بدمشق 1347هـ.
5 - البحر المحيط للزركشى 4/ 275 طبعة وزارة الأوقاف بالكويت الأول 1990م.
مراجع الاستزادة:
1 - ابن حجر الهيتمى 1/ 5 الزواجر عن اقتراف الكبائر. مطبعة الحلبى وأولاده بمصر الطبعة الثانية 1390هـ.
2 - من وصايا الرسول شرح وتعليق طه عبد الله العفيفى (6/ 10) دار الاعتصام الطبعة الثالثة 1397هـ(1/613)
44 - المعلقات
لغة: جمع مُعَلَّقة، يقال علّق الشىء تعليقا: جعله معلقّا (1) وعُلّقَها وعُلِّقَ بها تعلّيقا: أحبها وهو معلّق القلب بها (2) والعِلْقُ (بالكسر) النفيسُ من كل شىء (3).
واصطلاحا: هى السبع أو العشر الطوال من أشهر القصائد لفحول الشعر العربى فى العصر الجاهلى.
وقد ذكر المؤرخون للأدب العربى أنه قد بلغ من حب العرب للشعر وتفضيلهم إياه أن عمدت إلى سبع قصائد- على الأشهر- تخيرتها من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب، وعلقتها فى أستار الكعبة، فمنه يقال: مذهّبه أمرىء القيس، ومذهبة زهير .. والمذهّبات السبع، وقد يقال: لها المعلقات (4).
وقد نقل البغدادى) ما يشبه هذا الكلام، ثم قال (ذكر ذلك غير واحد من العلماء، وقيل: كان الملك إذا استجاد قصيدة يقول: علقوا لنا هذه لتكون فى خزانته) (5).
وقد تعرض مصطلح المذهّبات) و (المعلقات) لشىء من النقد والاعتراض من بعض القدماء والمحدثين من مؤرخى الأدب، وقد اعتمد هذا الاعتراض على أساسين: الأول أن العرب لم يكونوا فى العصر الجاهلى أمة كاتبة حتى تسجل شعرها وتكتبه ثم تعلقه.
والثانى: أن الكعبة لها من القداسة والاحترام ما لا يبيح لأحد أن يعلق فيها شيئا من الأشعار أو غيرها.
وواضح أن هذا الاعتراض بشقيه مردود عليه .. فشبهة أن العرب كانوا أمة لا تعرف الكتابة، أمر غير صحيح، ويكفى أن نشير إلى موقف مشركى مكة فى بداية الدعوة الإسلامية، وقد اتفقوا على مقاطعة النبى ? ومقاطعة أقربائه الذين يحمونه من أذى قريش، وبخاصة أهله من بنى هاشم وبنى عبد المطلب، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها فى جوف الكعبة، ولما لم تجدهم نفعا تلك المقاطعة، وأحسوا بفشل هذه المحاولة، ذهبوا إلى الكعبة لنقض الصحيفة، فوجدوها قد تآكلت ولم يبق من المكتوب فيها إلا اسم الله عز وجل (6).
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن فى العرب قبل الإسلام من كان يعرف الكتابة. أما شبهة أن الكعبة لقداستها لم يكن يباح لأحد أن يعلق فيها شيئا فقد ثبت أنهم كانوا لا يعلّقون فى الكعبة إلا كل أمر ذى شأن له خطورته وأهميته فى نظرهم .. ومعروف أن الشعر أيضا كان ديوان العرب، وهو سجل حياتهم ومعقد شرفهم وافتخارهم .. ومن ثم كان اعتدادهم بهذه القصائد التى كانت جديرة فى تقديرهم بأن تعلّق فى الكعبة، شأنها فى ذلك شأن كل شىء له مكانته وأهميته عندهم، ومن هنا كان إطلاق (المعلقات) على هذه القصائد التى اختاروها من عيون شعرهم لأبرز شعرائهم ..
ومن المعلوم أن هذه القصائد (المعلقات) تعد أول ما دون من مصادر الشعر الجاهلى. أما الشعراء أصحاب هذه المعلقات السبع (على المشهور) فهم امرؤ القيس، وعدد أبيات معلقته اثنان وثمانون، وأولها:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وطرفة بن العبد وعدد أبيات معلقته مائة بيت واثنان وأولها:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
تلّوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد
وزهير بن أبى سلّمى، وأبيات معلّقته تسعة وخمسون، وأولها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
بحومانة الدراج فالمتثلم
وعنترة بن شداد العبسى، وأبيات معلّقته تسعة وسبعون، وأولها:
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم
وعمرو بن كلثوم، وأبيات معلقته أربعة وتسعون، وأولها:
ألا هبى بصحنك فاصبحينا
ولا تبقى خمور الأندرينا
ولبيد بن ربيعة، وأبيات معلقته ثمانية وثمانون، وأولها:
عفت الديار محلها فمقامها
بمنى تأبد غولها فرجامها
والحارث بن حلّزة، وأبيات معلقته أربعة وثمانون وأولها:
آذنتنا ببينها أسماء
رب ثاو يمل منه الثواء
وتعذ هذه المعلقات من أجود الشعر العربى من حيث دقة المعنى، وسعة الخيال، وبراعة الأسلوب، وصدق التصوير والتعبير عن الحياة التى عاشها العرب فى عصرهم الجاهلى.
وقد بلغت من الشهرة والذيوع ما جعل الشرَّاح يتناولونها بالعديد من شروحهم وتحليلاتهم، ومنها:
شروح: أبى بكر البطليوسى المتوفى سنة 194 هـ، وأبى جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ، وأبى علّى الثعالبى المتوفى سنة 356 هـ، وأبى زكريا بن الخطيب التبريزى المتوفى سنة 502 هـ، ومن شراح المعلقات أيضا:/ الدميرى صاحب كتاب حياة الحيوان،، والزوزنى، وأبو زيد القرشى صاحب (جمهرة أشعار العرب) (7).
أ. د. صلاح الدين محمد عبد التواب
__________
المراجع
1 - القاموس المحيط للفيروز آبادى 3 - 268 دار الفكر- بيروت.
2 - لسان العرب لابن منظور 3/ 3073 الطبعة الخامسة- دار المعارف بمصر.
3 - الصحاح للجوهرى 4/ 1530 الطبعة الأولى تحقيق أحمد عبد الغفور عطار.
4 - العقد الفريد لابن عبد ربه 2/ 112 الطبعة الثانية- تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، محمد رشاد عبد المطلب- لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة 1373 هـ 1953 م.
5 - خزانة الأدب، للبغدادى 1/ 123 - 124 المطبعة السلفية 1347 هـ بولاق، وانظر مصادر الشعر الجاهلى وقيمتها التاريخية- د. ناصر الدين الأسد ص 169 - 172 دار المعارف بمصر 1956م.
6 - السيرة النبوية، لابن هشام 2 17 - 21 تقديم وتعليق طه عبد الرؤوف سعد- مكتبة ومطبعة عبد السلام بن محمد بن شقرون القاهرة 1974م.
7 - الحياة الأدبية فى عصرى الجاهلية وصدر الإسلام- د. محمد عبد المنعم خفاجى، د. صلاح الدين محمد عبد التواب- 1/ 6 0 2 - 223، الطبعة الأولى دار الزهراء للطباعة والنشر القاهرة 1392 هـ 1972 م.(1/614)
45 - المغرب العربي
اصطلاحا: يشتمل المغرب العربى على خمس دول هى ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ودوله متنازع عليها هى الصحراء الغربية، وذلك على عكس دول المشرق العربى العديدة. وتبلغ المساحة الإجمالية للمغرب العربى نحو ستة ملايين كيلو متر مربع، أو 45% من مساحة العالم العربى و 4.6% من مساحة دول العالم. أكبرها الجزائر (2.38 مليون كم 2) وأصغرها تونس (163 ألف كم2).
وإجمالى سكان المغرب العربى نحو 72 مليون شخص (30% من سكان العالم العربى و 2، ا% من سكان العالم). وأكثر الدول سكانا الجزائر (27 مليونا) والمغرب (26,5 مليونا) وأصغرها ليبيا (5.4 مليون). وأكبر العواصم هى مدينة الجزائر (نحو 3.7 مليون شخص) وأصغرها نواكشوط (480 ألفا). نسبة الإسلام السنى تكاد تصل إلى 100% من السكان الذين يعودون إلى السلالة البربرية Berberide التى هى فرع من سلالة البحر المتوسط، وتكون أساس سكان كل شمال أفريقيا بما فيها مصر التى تأثرت فيما بعد بالسلالة "الشرقية" Onentalide.
والبربر هم بقايا السلالة الذين احتفظوا بميزاتهم ولغاتهم عكس بقيه السكان الذين انتقلوا إلى اللّغة العربية منذ قرون. أكثر البربر هم فى دولة المغرب والجزائر وآخرهم شرقا سكان واحة سيوة فى مصر.
وتتمتع دولة المغرب وشمال الجزائر وشمال ووسط تونس بقدر وفير من الأمطار الشتوية وجريان نهرى كثير إلا أن معظمها أنهار قصار عدد ما جردا فى تونس ومجموعة أنهار المغرب المتجهة إلى المحيط الأطلنطى. وفى أقصى جنوب موريتانيا قدر من المطر الصيفى والجانب الأيمن من مسار نهر السنغال.
وهذه هى مناطق التكاثف السكانى التقلّيدية فى المغرب العربى. أما بقية الأراضى فهى جزء من الصحراء الكبرى الأفريقية التى تمتد فى معظم ليبيا وجنوب تونس ومعظم الجزائر وجنوب المغرب وكل الصحراء الغربية وغالب أرض موريتانيا، وتمتلئ بمجموعات من الواحات الغنية كانت محطات مهمة لدروب التجارة التاريخية بين شمال أفريقيا وإقليم الساحل فى غرب أفريقيا حيث المنتجات المدارية. وتتميز منطقة الشمال الأفريقى بسلاسل الأطلس الجبلية العالية التى كانت موطنا اعتزلت فيه الجماعات البربرية، وفى قلب الصحراء ترتفع هضاب وجبال عالية أشهرها جبال تبستى فى جنوب ليبيا وهضبة الحجار فى جنوب الجزائر. والأخيرة هى الموطن الأساسى لقبائل وعشائر الطوارق رعاة الإبل الذين يتلثم فيهم الرجال دون النساء، وأشار إليهم ابن بطوطة فى رحلاته فى القرن 3 1م.
الزراعة والرعى هما العماد الاقتصادى لدول المغرب وأضيفت إليهما الثروة البترولية والغاز الطبيعى التى تتركز فى شرق ليبيا ووسط صحراء الجزائر.
ونظرا لقلة عدد سكان ليبيا فإن متوسط الدخل الفردى السنوى فيها هو أعلاه فى دول المغرب (نحو 9400 دولار) مقابل ما بين ألف وألفى دولار فى بقيه الدول عدا موريتانيا حيث يصل الدخل إلى أقل من 500 دولار.
والأهمية الاستراتيجية للمغرب العربى أنه جغرافيا أقرب مناطق العرب إلى أوروبا الجنوبية ويشترك فى السيطرة على وسط وغرب البحر المتوسط، وبذلك فهو شديد الأهمية فى استراتيجية الأمن الأوروبية وحلف الأطلنطى. هذا فضلا عن أنه أقرب مصادر البترول لأوروبا ويرتبط معها بشبكة أنابيب للغاز تحت البحر إلى أسبانيا وإيطاليا. ولكن ارتباطاته خلال القرنين الماضيين بأوروبا وخاصة فرنسا جعلت له إشكاليات عديدة تنحو به إلى مسار مختلف عن المشرق العربى. لكنه فى صراعه من أجل الجذور الحضارية والقوة السياسية يلتفت بقوة إلى المشرق لتأصيل عروبته وديانته الإسلامية. وتبقى إشكاليه محليه فى إقليم المغرب هى إيجاد حل للدعوة التى ينادى بها بعض جماعات البربر بضرورة ترك هامش لتأصيل اللغة البربرية، وجعلها لغة رسمية فى مناطق البربر جنبا إلى جنب مع اللغة العربية.
ويشكل البربر نحو 40% من السكان فى المملكة المغربية ونحو 30% فى الجزائر.
والملاحظ أن هناك تسيسا خارجيا فى هذه الدعوة جنبا إلى كونه نابعا من داخل جسم المجموعة البربرية. وفضلا عن ذلك فإن البربر لا يتكلمون لغة واحدة بل لغات ولهجات متعددة فأيها هى التى يقع عليه الاختيار لغة قومية للبربر؟.
أ. د/ محمد رياض أحمد رياض
__________
المراجع
1 - نفح الطيب: المقرى 1/ 114.
3 - مروج الذهب: المسعودى 2/ 102(1/615)
46 - المفقود
لغة: الضائع والمعدوم، يقال فقد الشىء يفقده فقدا وفقدانا وفقودا: ضله وضاع منه، وفقد المال ونحوه: خسره وعدمه (1). واصطلاحا: غائب لم يدر موضعه وحياته وموته، وأهله فى طلبه يجدون، وقد انقطع خبره وخفى عليهم أثره (2).
ويتعلق بالمفقود أحكام متعددة منها:
(أ) زوجة المفقود، تبقى زوجة المفقود على نكاحه وتستحق النفقة فى قول الفقهاء جميعا، ويقع عليها طلاقه وترثه ويرثها ما لم ينته الفقدان، ولكن إلى متى تبقى كذلك؟ وقد جاء فى السنة حديث واحد وهو قوله ?: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر)
(3). وهذا النص المجمل جاء بيانه فى قول على - رضي الله عنه -: بأن امرأة المفقود تبقى على عصمته إلى أن يموت أو يأتى منه طلاقها (4). وذهب الحنفية (5) والشافعى فى الجديد (6)، وعمر رضى الله عنه إلى أن امرأة المفقود تتربص أربع سنين، ثم تعتد للّوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا انقضت حلت للأزواج (7).
وتبدأ مدة التربص من حين رفع الأمر إلى القاضى، وهو قول عمر - رضي الله عنه -، وهو المذهب عند المالكية (8) وقيل تبدأ المدة من حين الغيبة، وهو قول للشافعى، والرواية الأصح عند الحنابلة.
ويعتبر المفقود حيا بالنسبة لأمواله، فلا يرث منه أحد، ويبقى كذلك إلى أن يثبت موته حقيقة أو يحكم باعتباره ميتا، ولا يرث المفقود من أحد وإنما يتعين وقف نصيبه من إرث مورثه، ويبقى كذلك إلى أن يتبين أمره، ويكون ميراثه كميراث الحمل، فإن ظهر أنه حى استحق نصيبه، وإن ثبت أنه مات بعد موت مورثه استحق نصيبه من الإرث كذلك، وإن ثبت أنه مات قبل موت مورثه، أو مضت المدة ولم يعلم خبره، فإن ما أوقف من نصيبه يرد إلى ورثة المورث.
وإن كان المفقود ممن يحجب الحاضرين، لم يصرف إليهم شيء، بل يوقف المال كله، وإن كان لايحجبهم، يعطى كل واحد الأقل من نصيبه الإرثى على تقدير حياة المفقود، وعلى تقدير موته (9).
أ. د/ فرج السيد عنبر
__________
المراجع
1 - ترتيب القاموس المحيط 3/ 509، المصباح المنير 2/ 478.
2 - المبسوط للسرخسى 11/ 34، 38، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/ 479، مغنى المحتاج3/ 398.
3 - أخرجه الدارقطنى عن المغيرة بن شعبة، وضعفه الزيلعى فى نصب الراية، سنن الدارقطنى3/ 312، نصب الراية3/ 473.
4 - أخرجه عبد الرزاق فى المصنف 7/ 0 9.
5 - المبسوط للسرخسى 11/ 35، بدائع الصنائع 6/ 196.
6 - مغنى المحتاج 3/ 397.
7 - مصنف ابن أبى شيبة 4/ 237.
8 - التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4/ 156.
9 - حاشية الطحطاوى على الدر المختار 2/ 509' التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4/ 161 وما بعدها، الفروع لابن مفلح 5/ 35 وما بعدها.(1/616)
47 - المقامة وكُّتابها
لغة: المقامة فى الأصل المقام أى موضع القيام.
ثم توسعوا فيها فاستعملوها استعمال المجلس والمكان، ثم كثرت حتى سموا الجالسين فى المقام مقامة، كما سموهم مجلسا، إلى أن قيل لما يقام فيها من خطبة أو عظة أو ما أشبهها مقامة أو مجلّس، فيقال: مقامات الخطباء، ومقامات القصاص، ومقامات الزهاد.
واصطلاحا: حكاية قصيرة أنيقة الأسلوب، تشتمل على عظة أو ملحة.
وقد نشأ هذا النوع من القصص فى أواسط الدولة العباسية وهو عهد الترف الأدبى والإنشاء الصناعى الأنيق، وقد أجاده بديع الزمان إجادة أحلته منه محل الزعيم. وتدور المقامة على حادث عادى يسند إلى شخص معين، هو ما يسمى فى اصطلاح الفن القصصى بالبطل، كأبى زيد السروجى فى مقامات الحريرى، وأبى الفتح الإسكندرى فى مقامات البديع، وبين هذا البطل وبين رجل آخر صلة وثيقة ومعرفة قديمة، فهو يراه فى كل حادثة، ويسمعه فى كل مجلس، ويفاجأ به فى كل سر، ثم يروى للناس ما علّيه من خير أو شر. ذلك هو الراوى، كعيسى بن هشام فى مقامات البديع، والحارث بن همام فى مقامات الحريرى.
وليس الغرض من المقامة جمال القصص ولا حسن الوعظ ولا إفادة العلم وإنما هى قطعه أدبيه فنية يقصد بها جمع شوارد اللغة ونوادر التركيب فى أسلوب مسجوع، أنيق الوشى، يعجب أكثر مما يؤثر، ويلذ أكثر مما يفيد. ولم تراع قواعد الفن القصصى فيما كتب من هذا النوع، فلم يعن كاتبو المقامات بتصوير الحكايات وتحليل الأشخاص، وإنما صرفوا همهم إلى تحسين اللفظ وتزيينه.
أما كتابها فقد علم أن ابن دريد اخترع أربعين حديثا عرضها عرضا تصويريا دقيقا كانت بداية التطور لنشأة المقامة.
ثم جاء بديع الزمان الهمذانى المتوفى سنه 398 هـ فأملى أربعمائة مقامة فى الكدية وغيرها، نحلها أبا الفتح الإسكندرى على لسان عيسى بن هشام، ولم يعثروا منها إلا على ثلاث وخمسين مقامة.
ثم جاء بعده الحريرى المتوفى سنة 516 هـ فكتب خمسين مقامة نسبها إلى أبى زيد السروجى على لسان الحارث بن همام، ونسجها على منوال البديع.
ثم عالج المقامات بعد هذين النابغين طائفة من الكتاب لم يدركوا شأوهما، كالمقامات السرقسطيه لابن الأشتركونى المتوفى سنة 538 هـ، وهى خمسون مقامة أنشأها بقرطبة عند وقوفه على ما أنشأ الحريرى بالبصرة، وقد أتعب فيها خاطره وأسهر ناظره، ولزم فى نثرها لزوم مالا يلزم. حدث فيها المنذر بن حمام عن السائب بن تمام.
ومقامات الزمخشرى المتوفى سنه 538 هـ وهى مشهورة، والمقامات المسيحية لأبى العباس يحيى بن سعيد بن مارى النصرانى البصرى الطبيب المتوفى سنه 586 هـ نسجها على منوال الحريرى.
ثم مقامات أحمد بن الأعظم الرازى وهى اثنتا عشرة مقامة كتبها سنة 630 هـ وجعل الرازى فيها القعقاع بن زنباع، وغيره.
والمقامات الزينية لزين الدين بن صيقل الجزرى المتوفى سنه 701 هـ وهى خمسون مقامة عارض بها المقامات الحريرية، نسبها إلى أبى نصر المصرى، وعزا روايتها إلى القاسم بن جريان الدمشقى.
ثم مقامات السيوطى وهى بالرسائل أشبه منها للمقامات.
أ. د/ محمد سلام
__________
المراجع
1 - تاريخ الأدب العربى للزيات- الطبعة الرابعة والعشرون- مطبعة الرسالة- عابدين- القاهرة- بدون تاريخ.
2 - المدخل فى النقد الأدبى- دكتور/ محمد غنيمى هلال- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة- ط 2 سنة 1962 م.(1/617)