تخيل حتى بريطانيا تطبق الشريعة!!!
ـ[حارث البديع]ــــــــ[30 - Jun-2009, صباحاً 04:05]ـ
هذه وكزة تقضي على كل علماني وكل
متباهي ومتفاخر ومعجب بحضارة الغرب
ويريدها هكذا حضارة دون دين=
دون أخلاق دون روحانيات
وأخذوا يجعجعون بحضارة الغرب الآفلة
وأنهم لما تخلوا عن الدين تطوروا علميا وتقنيا
والعائق الوحيد للتقدم =الدين
علاقة مغلوطة لمبدأ فاسد
والنتيجة غير منطقية
فالفرد في الغرب غدا حائرا الآن
لايعرف مابعد الموت ومالغاية من الحياة
ويصف كبارمفكريهم كهنري أرفون هذا التخبط فيقول
(قد ضاق العبد عندما اصبح سيدا بحريته الجديدة)
ويريد الغرب إنقاذ نفسه من براثن التيه فيحاول
أن يصف الدواء لداء الخواء الروحي
محاولا هنري التأكيد على الروحانيات كعلاج لأمراضهم
قائلا:
(إن مما لاغنى عنه أن نتمم التحرر المادي بتحرر
روحي)
لكنه مع ذلك مااستطاع أن يصل للدواء لأنه في شرعتنا
فقط
والغرب الآن يريد العودة للدين
لكن لايعرف أين الباب؟؟؟
وأنشر لكم خبرا يتضمن اعتراف الغرب
وفي ذات الوقت ضربة قاضية للعلمانيين
وأشباههم (أصحاب الفكر النتن)
بدين الإسلام كدواء ناجع
فبدأوا بتطبيق المحاكم الإسلامية
والله أكبر
أكدت دراسة أجراها الأكاديمي المتخصص بالشؤون الإسلامية، دينيس ماكايون، أن هناك ما لا يقل عن 85 محكمة تطبق الشريعة الإسلامية تعمل في بريطانيا.
هذا وكانت الحكومة البريطانية قد وافقت على تشكيل خمس محاكم إسلامية لتطبيق أحكام الشريعة في قضايا الطلاق والنزاعات المالية والعنف الأسرى في "لندن"، و"برمنجهام"، و"برادفورد"، و"مانشستر"، و"وارويكشير"، ومن المقرر تشكيل محكمتين أخريين في "جلاسجو"، و"أدنبرج".
واسمع لأساقفتهم ماذا يقولون:
وأكد رئيس أساقفة "كانتربري"، روان وليامز، أن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في بريطانيا أمرًا لا مفر منه في المستقبل،
وجحدوا بها 0000000000
ـ[صالح الطريف]ــــــــ[30 - Jun-2009, صباحاً 06:04]ـ
الجهد مستمر في جميع أنحاء بريطانيا لإحياء دين الله ...
الآن يوجد خمسة ملايين مسلم في بريطانيا وسبعة ملايين مسلم في فرنسا
وهكذا ينشر المسلمون الآن في أوروبا دين الله حتى لايبقى على وجه الأرض من يعصي الجبار جل جلاله ..
وبالله التوفيق .. ،،،
ـ[نور الدرب]ــــــــ[30 - Jun-2009, صباحاً 08:27]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[حارث البديع]ــــــــ[03 - Jul-2009, صباحاً 12:23]ـ
صالح ونور
شكرا على مروركما
ـ[حارث البديع]ــــــــ[07 - Jul-2009, مساء 11:51]ـ
للرفع رفعكم الله
ـ[أبو عبد الأكرم الجزائري]ــــــــ[08 - Jul-2009, مساء 06:41]ـ
هذا كله لأن الأسلام دين الفطرة لا مفر منه فحان لهؤلاء الرجوع الى المنبع الصافي والصراط المستقيم والعدل الاكمل من اجل ان تترتاح النفوس من ظلم وجور الانظمة الفاسدة و القوانين الزائفة التي جلبت لهم الويل والدمار والضيق والهوان وهذا ما وعد الله به من ترك الهدى واتبع السبل والله ناصر دينه ولو كريها الكافرون والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ومهما ابتغوا العزة بغير الأسلام اذلهم الله فحيا وهلا بشريعة الاسلام والويل والخراب للعلمانية واضرابها من الحركات والتنظيمات فليفرح المسلم ويعتز بأسلامه لانه مفتاح فرجه وسعة ضيقه فتمسكوا به ظاهرا وباطنا لتنالوا سعادة الدارين نسأل الله ان يردنا الى الأسلام ردا جميلا
ـ[حارث البديع]ــــــــ[08 - Jul-2009, مساء 09:44]ـ
هذا كله لأن الأسلام دين الفطرة لا مفر منه فحان لهؤلاء الرجوع الى المنبع الصافي والصراط المستقيم والعدل الاكمل من اجل ان تترتاح النفوس من ظلم وجور الانظمة الفاسدة و القوانين الزائفة التي جلبت لهم الويل والدمار والضيق والهوان وهذا ما وعد الله به من ترك الهدى واتبع السبل والله ناصر دينه ولو كريها الكافرون والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ومهما ابتغوا العزة بغير الأسلام اذلهم الله فحيا وهلا بشريعة الاسلام والويل والخراب للعلمانية واضرابها من الحركات والتنظيمات فليفرح المسلم ويعتز بأسلامه لانه مفتاح فرجه وسعة ضيقه فتمسكوا به ظاهرا وباطنا لتنالوا سعادة الدارين نسأل الله ان يردنا الى الأسلام ردا جميلا
بوركت
قال احد الامريكان في كتاب له عن
عودة الخلافة
أن الشعوب الإسلامية
بدأت تتصاعد وتيرة الطلب فيها للشريعة
وأنها نبذت الأنظمة الأخرى وملتها
قلت: (والحق ماشهدت به الأعداء)
ـ[جمال البليدي]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 11:47]ـ
وللفائدة هناك كتاب بعنوان (التقدم والرجعية) للشيخ تقي الدين الهلالي رحمه الله.
http://www.alhilali.net/
ـ[حارث البديع]ــــــــ[23 - Jul-2009, صباحاً 04:14]ـ
أفادت صحف بريطانية بتزايد أعداد غير المسلمين الذين يلجأون إلى المحاكم الإسلامية في بريطانيا لتسوية نزاعاتهم خاصة التجارية وبعض الشؤون الشخصية، لأنها أقل تعقيدًا ورسمية في إجراءاتها.
وقالت محكمة التحكيم الإسلامية لصحيفة "التايمز" البريطانية: إن 5% من القضايا المنظورة أمامها تخص أشخاصًا غير مسلمين والذين يفضلون هذه المحاكم لأنها أقل تعقيدًا ورسمية في إجراءاتها.
وقال فريد تشيدى المتحدث باسم الشيخ فيض الأقطاب مؤسس محكمة التحكيم الإسلامية للصحيفة: "إننا نعتد بالاتفاقيات الشفاهية بين المحتكمين للمحكمة، بينما ترفض المحاكم البريطانية الاعتراف بمثل هذه الاتفاقيات".
وروى تشيدى قصة عن بريطاني غير مسلم رفع الشهر الماضي قضية أمام محكمة الشريعة الإسلامية ضد شريكه المسلم في مشروع سيارات، وأضاف: "إن الشاكي البريطاني قال: إنه كان هناك اتفاق شفهي, ورأت المحكمة أن عدة أمور فعلها الشريك المسلم أثبتت أن الاتفاق كان قائمًا وقضت بتعويض البريطاني غير المسلم مبلغًا قدره 48 ألف جنيه إسترليني".
وذكر تشيدى للصحيفة أن عدد القضايا التي بتت فيها المحكمة لأشخاص غير مسلمي هذا العام 20قضية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[شعيب عتيق]ــــــــ[04 - Aug-2009, صباحاً 08:24]ـ
وتخيل أن هناك اجريت دراسة احصائية عن الاسماء الأكثر في بريطانيا، فوجدوا أن اسم "محمد" يحتل المرتبه الأولى، وكذلك في أمريكاء فكان الاسم "محمد" الثاني في المرتبه.
والإسلام دين رباني يشق الطريق، وما علينا إلا ان نعمل له من خلال دعوة غير المسلمين الوافدين إلى بلدنا، لأنني قابلت الكثير، فمثلاً هذا رجل من بريطانيا أتى للعمل في بلادي وكان بلا دين، ولا يعرف عن الدين الإسلامي إلا القليل القليل، وذات يوم قابله أحد الأخوة في الطريق وكان لديه مجموعة من الكتب المترجمة باللغة الإنجليزية، فاعطاه وحينها قال دلني عن هذا المركز، فقام الأخ بتوصيله، وبعد مناقشات وأسئلة له عن الإسلام والشبهات المتعلقة في رأسه من الإعلام والمجتمع الغربي، واسلم وحسن إسلامه، والكثير الكثير من هذه القصص.
والمهم أن لا ندعهم يغادرو بلادنا إلا وهم يعرفون الإسلام الحق.
وبارك الله فيكم
ـ[حارث البديع]ــــــــ[07 - Aug-2009, مساء 05:44]ـ
بوركت ياشعب.
ـ[أبو سعيد الباتني]ــــــــ[06 - Nov-2009, مساء 09:54]ـ
جزاك الله خيرا أخي الحبيب .....
وشكر للإخوة الأفاضل
نصر الله ديننا ... دين الفطرة.
ـ[حارث البديع]ــــــــ[07 - Nov-2009, مساء 08:21]ـ
شكرا على مرورك اخي الحبيب
دوما تسرنا رؤيتك ......................... .............
آمـ ــــــــــــــــــــــين
ـ[تميمي ابوعبدالله]ــــــــ[10 - Jan-2010, صباحاً 01:51]ـ
والله متم نوره ولو كره الكافرون
ويأبى الله الا ان يتم نوره(/)
الربط بين الرافضة والجهمية وبين الرافضة والخوارج من كلام شيخ الإسلام
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[30 - Jun-2009, صباحاً 05:43]ـ
الربط بين الرافضة والجهمية وبين الرافضة والخوارج من كلام شيخ الإسلام
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
بين الرافضة والجهمية
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهو أن هؤلاء الجهمية فيهم من استعمال الألفاظ المجملة وإفهام الناس خلاف ما في نفوسهم مالا يوجد في غيرهم من أهل الأرض , والرافضة يشركونهم في ذلك؛ لكن هؤلاء أعظم كفرا ونفاقا؛ فلهذا قال عبدالرحمن بن مهدي: هما ملتان: الجهمية والرافضة. ذكره البخاري في كتاب خلق أفعال العباد , وقال البخاري: ما أبالي أصليت خلف الجهمي والرافضي أم صليت خلف اليهودي والنصراني , .. .
وهذا مشروح في غير هذا الموضع؛ فإن الجهمية قدحوا في حقيقة التوحيد وهو شهادة أن لا إله إلا الله , والرافضة حقيقة قولهم قدح في الأصل الثاني وهو شهادة أن محمدا رسول الله , فإذا جمع الإنسان بين الرفض والتجهم يقرب حينئذ إلى الملاحدة القرامطة الباطنية ...
بيان تلبيس الجهمية (5|405)
بين الرافضة والخوارج
قال شيخ الإسلام: والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني تارك فيكم ثقلين كتاب الله؛ فحض على كتاب الله ثم قال: وعترتى أهل بيتى أذكركم الله فى أهل بيتى ثلاثا.
فوصى المسلمين بهم لم يجعلهم أئمة يرجع المسلمون إليهم؛ فانتحلت الخوارج كتاب الله , وانتحلت الشيعة أهل البيت؛ وكلاهما غير متبع لما انتحله؛ فإن الخوارج خالفوا السنة التى أمر القرآن باتباعها وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم .. وأما مخالفة الشيعة لأهل البيت فكثيرة جدا قد بسطت فى مواضع.
مجموع الفتاوى (13|210)(/)
من الذي يمتهن المرأة؟ - جمال عفيفي
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[30 - Jun-2009, مساء 05:53]ـ
من الذي يمتهن المرأة؟
جمال عفيفي
30 - 6 - 2009
وَصَفَ ساركوزي تغطية المرأة كامل جسدها بأنه "امتهان" للمرأة، والحق أن امتهان المرأة الحقيقي هو ما تلاقيه في المجتمعات الغربية.
إن استغلال جسد المرأة في وسائل الدعاية والإعلان لمنتجات لا علاقة لها بالمرأة هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن امتلاء المجلات الهابطة بصور النساء، فضلا عن المجلات الإباحية، هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن تعمد تشغيل النساء لجذب الزبائن والتأثير عليهم هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن التخلي عن الإناث وعدم النفقة عليهن، ما اضطر أكثر من 40 ألف طالبة فرنسية لأن يمتهن الدعارة لتسديد رسوم دراستهن، حسبما أفادت دراسة أكاديمية وكتاب فرنسي، هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن دعوة وزيرة العدل الفرنسية في حكومة سابقة إلى إعادة العمل بنظام دور البغاء كحل لمشكلة انتشار الدعارة في الأماكن العامة والأحياء السكنية هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن سعي الفرنسيات «العاملات في الحقل الجنسي» إلى تنظيم أنفسهن تنظيما نقابيا لمواجهة سيل بائعات الهوى الآتيات من شرق أوروبا للعمل في شوارع المدن الفرنسية، هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن استطلاعًا للرأي نشرته مجلة «إيل» النسائية، أوسع المجلات الأسبوعية انتشارا في فرنسا أن 74 في المائة من الفرنسيين يعارضون إصدار قانون يعاقب المشتغلات بالدعارة، بينما يقول 64 في المائة أنهم يؤيدون العودة إلى نظام بيوت الدعارة المغلقة، هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن ما كشفه مسح استطلاعي أعدته وزارة الداخلية البريطانية أن 80% من ضابطات الشرطة يتعرضن للمضايقات الجنسية خلال نوبات العمل الرسمية هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن ما أشارت إليه دراسة صدرت عن جمعية علم النفس البريطانية أن 60 % من الممرضات اللاتي تم استطلاع آراؤهن قد عانين من التحرش الجنسي من مرضاهن الرجال، فضلا عن زملائهن الممرضين والأطباء، هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن ما أعلنه "مركز الضحايا الوطني الأمريكي" أن معدل الاغتصاب في الولايات المتحدة بلغ 68000 امرأة في العام، وما قاله المركز أن واحدة من كل ثماني بالغات في الولايات المتحدة تعرضت للاغتصاب ليكون إجمالي من اغتصبن اثني عشر مليونا ومائة ألف امرأة على الأقل هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن ما أكده تقرير حديث لمنظمة الهجرة الدولية أنه يجري سنويا بيع نصف مليون امرأة إلى شبكات الدعارة في العالم وأن النساء من دول أوروبا الشرقية يشكلن ثلثي هذا العدد هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
إن ما أكده تقرير حديث للمجلس الأوروبي أن أرباح أصحاب شبكات الدعارة ومجموعات المافيا التي تعمل في هذا المجال في دول الاتحاد الأوروبي ارتفعت في الأعوام العشرة الماضية بنسبة 400% وأن شبكات الدعارة هذه تعرض الآن نصف مليون امرأة للبيع بحيث يبلغ الدخل الذي تحققه النساء فيها لهذه الشبكات ولمزوري الوثائق ومهربي البشر وغيرهم 13 مليار يورو سنويا هو الامتهان الحقيقي للمرأة.
أخيرًا: إن قول ساركوزي إن ارتداء النقاب غير مرحب به في فرنسا هو من جنس قول الذين من قبله {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.(/)
ما صحة هذه القاعدة:كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي؟
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[30 - Jun-2009, مساء 05:57]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما صحة هذه القاعدة:كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي؟
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى نازع في هذه القاعدة في كتاب النبوات وأنكر أن ترقى كرامات الأولياء إلى رتبة معجزات الأنبياء
ممن قال بها:
- قال بذلك الإمام الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب:8/ 29 - 30
- وقال به أيضا الإمام الرملي في ((غاية البيان شرح زبد ابن رسلان)):1/ 14 - 15.
- وقال بذلك الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم في باب البر والصلة، وذكر أن الكرامة تجوز بخوارق العادات على اختلاف أنواعها.
- وقال به إمام الحرمين في الإرشاد.
- وابن حجر في فتح الباري 7/ 383 نحا نحو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى.
- وقال بذلك-أي بأن كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي العيني في عمدة القاري:7/ 283
- وقال به التفتازاني في شرح المقاصد في علم الكلام:2/ 203 - 206
- وقال به النيسابوري في الغنية في أصول الدين: 152 - 154
ـ[السكران التميمي]ــــــــ[30 - Jun-2009, مساء 08:12]ـ
أخي الفاضل ..
لتعلم رحمك الله تعالى أن المقرر الموافق للأصول والقواعد الشرعية، والذي قاله الأئمة المحققون العارفون، وهو الصحيح الصواب الائق بحكم الله وكمال عدله؛ أنه لا يصح أن يقال: أن ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي.
ثم لتعلم أخي الكريم أنه لم يقل بهذا القول حفظك الله إلا أرباب التصوف أو من أخذ عن الفلاسفة وغرق في مذاهبهم، أو مقلد متبع لمذهب شيخه، أو هو قول لم يُفْهَم مراد صاحبه منه لأنه عمم في موضع وخصص في آخر، فأُخذ كلامه العام وترك الخاص، فحصل اللبس في نقل كلامه.
بل أفيدك بأن أرباب التصوف الكبار المتقدمين العارفين لم يكونوا يقولوا بذلك إطلاقا، ولم يأتي هذا القول إلا من المتميعين المتصوفين الجدد الذين خلطوا الشركيات في التصوف فخرجوا بمزيج باطل لا يعتد به ولا يقاس عليه.
قال الإمام القشيري رحمه الله:
(إن كثيرا من المقدورات يعلم اليوم قطعا أنه لا يجوز أن يظهر كرامة للأولياء؛ لضرورة أو شبهة ضرورة يعلم ذلك، فمنها: حصول إنسان لا من أبوين، وقلب جماد بهيمة أو حيوانا، وأمثال هذا يكثير) أهـ
قال السبكي معلقا على هذا:
(وهو حق لا ريب فيه، وبه يتضح أن قول من قال: ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي؛ ليس على عمومه) أهـ
وأما نقلك عن (غاية البيان) والذي أعتقد أن كل كلامك قد سقته منه، فغير مسلم لك رحمك الله، فالرملي الإبن هذا من غلاة المتصوفة، وقد أخذ هذا المذهب من أبيه أحمد والذي هو أيضا يقول بقوله في ذلك من جواز ذلك. وما نقله في كتابه هذا لا يسلم له، بل أكثره مغالطات لا تثبت عن أصحابها.
ثم هو ممن لا يعتد برأيه ولا بقوله لأمرين:
الأول: لتعصبه في التصوف وفي إثبات الكرامات الزائد عن الحد.
الثاني: لتأخره وبعد زمنه وعصره.
بل أن المتأخرين أيضا من المتصوفة والذين هم على مذهبه لا يوافقونه على ذلك، منهم العلامة الكبير (العطار) في حاشيته على جمع الجوامع.
بل قال العلامة الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني:
(قوله: قال شيخ مشايخنا أحمد الرملي .. إلخ. أقول: ليس في نقل كلامه فائدة؛ فإنه ليس إلا أنه أخبر عن اعتقاده، ونحن نطالبه في دليل هذه العقيدة) أهـ
كما أنه لا عبرة بنقل قول (الرازي) لتوغره في مسالك الفلاسفة القائلين بالكرامات الخارقة للعوائد، وهو أيضا لا يؤخذ بقوله هنا لمخالفته أصول الشرع القويم.
فالتسوية أخي الكريم لا تصح ولا تستقيم، بل هي غلط فادح كبير، فلا وجه لمقارنة الآيات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لأنبيائه والدالة على نبوتهم مما هو أعظم وأعلى وأرفع وأقوى مما يمكن أن يتساوون ويشتركون فيه هم وهؤلاء المدعون.
(يُتْبَعُ)
(/)
بل يعلم الله أن في تجويز ذلك مخالفة لنصوص الله تعالى الصريحة الثابتة، وإلا فهل يجوز أن يأتي الولي بقرآن؟! أو هل يجوز أن يخبر الولي بأخبار الأمم السابقة الغيبية؟! أو هل يجوز للولي أن يخبر بما سيكون من أهوال وفتن؟! أو هل يجوز للولي أن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه ويخلق من الطين كهيئة الطير فيقول له قم فيقوم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
وممن قال بعدم جواز ذلك شيخ الطائفة ورئيسهم أبي إسحاق الإسفراييني؛ حيث قال:
(كل ما جاز تقديره معجزة للنبي لا يجوز أن يكون ظهور مثله كرامة لولي، وإنما مبلغ الكرامات إجابة دعوته أو موافاة ماء في بادية في غير موقع المياه، أو نحو ذلك مما ينحط عن خرق العادات). أهـ
قال الإمام العلامة والبحر الفهامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في كلام نفيس غاية قد اختصرت نصفه:
(وأما قوله: إن كل معجزة لنبي تصلح أن تكون كرامة لولي. فهذه دعوى لا دليل عليها، وقد نقل أقوام عوامٌ كذبات لقوم من الصالحين تجاوزوا حد الإعجاز؛ كما في حلية أبي نعيم أنه قال قائل لأبي يزيد البسطامي: بلغني أنك تمر في الهواء. فقال: وأي أعجوبة في هذا؛ طير يأكل الميتة ويمر في الهواء، والمؤمن أشرف من طير. انتهى
ولا يقول هذا عارف؛ فإن الله تعالى جعل من آياته مرور الطير في جو السماء: {ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون}، وقال: {والطير صافات} ونحوها من الآيات.
والله سبحانه وتعالى لما أسرى برسوله صلى الله عليه وسلم لم يطر في السماء بل أرسل إليه البراق ثم صعد إليها على المعراج.
فما هذاالكلام الفارغ الذي ينقلونه عن أبي يزيد إن صح؛ فهو من شطحات هؤلاء المتهوكة. ولقد راجت هذه الدعاوى الفارغة على جماعة من علماء الإسلام صاروا كالعامة في قبول المحالات.
فلا يغتر الناظر بنقل ما يخالف السنة والكتاب وإن حكاه من العلماء بحر علم عباب ... ) أهـ
وممن أنكر هذا القول الإمام الشاطبي في (المواقف).
ووالله الذي لا إله إلا هو ما أتانا هذا القول إلا لما شطح الصوفية وخلطوا أفكارهم بأفكار الفلاسفة أمثال أرسطو وأتباعه، وابن سيناء وأتباعه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
والكلام أخي العزيز يطول في رد هذه القاعدة المفتراة الباطلة، لكن فيما ذكر غاية وكفاية.
والحمد لله أولا وآخرا.
ـ[جمال البليدي]ــــــــ[03 - Jul-2009, مساء 06:13]ـ
أحسن الله إليكم
هذا بحث مفصل في المسألة لعله يفيد:
http://www.sd-sunnah.com/vb/showthread.php?t=2230
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[05 - Jul-2009, صباحاً 06:42]ـ
بارك الله فيكما شيخينا الكريمين
لإتمام الفائدة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=178423
ـ[جمال البليدي]ــــــــ[05 - Jul-2009, مساء 11:28]ـ
غفر الله لك أخي الكريم فلست إلا تلميذ التلاميذ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[06 - Jul-2009, صباحاً 08:36]ـ
مراد من قال (كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي) التجويز العقلي لا الحصول الفعلي.
والمراد بالتجويز العقلي عندهم ما لا يلزم من فرضه محال لذاته.
فينبغي التنبه لاصطلاحات أهل العلم حتى لا يقع خلل في الفهم.
ـ[السكران التميمي]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 12:38]ـ
أحسن الله إليك يا شيخ (أبا مالك) ..
بل والله غلى بعضهم وشطح وأعدى الأمر إلى الوقوع الفعلي.
فالحمد لله على نعمت الدين الصحيح.
ـ[ابو محمد الغامدي]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 03:47]ـ
بارك الله فيكم جميعا
اخي الكريم التميمي قلت
بل والله غلى بعضهم وشطح وأعدى الأمر إلى الوقوع الفعلي.
اقول مصداقا لكلامك قال بعض الضلال من متصوفة العصر
في شريط صوتي ان الولي يقدر يخلق انسانا لكنه يترك ذلك تادبامع الله
ـ[محمد التهامي]ــــــــ[04 - Aug-2009, صباحاً 01:29]ـ
قال بعض الضلال من متصوفة العصر
في شريط صوتي ان الولي يقدر يخلق انسانا لكنه يترك ذلك تادبامع الله
أعوذ بالله من سخطه، وأستغفره، لا حول ولا قوة إلا بالله.
هلا عرفتنا بالقائل أخي / ابو محمد، وجئتنا بالتسجيل، من باب التحذير منه وأمثاله، المدعم بالدليل.
وجزاك الله خيرا.
ـ[محمد التهامي]ــــــــ[04 - Aug-2009, صباحاً 01:37]ـ
مراد من قال (كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي) التجويز العقلي لا الحصول الفعلي.
والمراد بالتجويز العقلي عندهم ما لا يلزم من فرضه محال لذاته.
فينبغي التنبه لاصطلاحات أهل العلم حتى لا يقع خلل في الفهم.
رعاك الله يا أبا مالك، ماأجمل التفاتاتك، وأعظم تنبيهاتك.
والقول كما قلت، والمقصود به الأولياء الأتقياء من لو أقسم منهم على الله أحد لأبره، وهم متواجدون حقيقة، ومختفون واقعا.
أما من يتعمدون إظهار الخوارق من الأبالسة والسحرة، فلا ينطبق عليهم لا القول الأول، ولا قولكم البين المبين، فعليهم من الله مايستحقون بما أشركوا بالله وتعاقدوا مع أوليائهم الحقيقين من أبالسة الإنس والشياطين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ضيدان بن عبد الرحمن اليامي]ــــــــ[04 - Aug-2009, صباحاً 05:18]ـ
بارك الله فيكم جميعا
اخي الكريم التميمي قلت
بل والله غلى بعضهم وشطح وأعدى الأمر إلى الوقوع الفعلي.
اقول مصداقا لكلامك قال بعض الضلال من متصوفة العصر
في شريط صوتي ان الولي يقدر يخلق انسانا لكنه يترك ذلك تادبامع الله
صدق الشيخ أبو محمد:
بل في كتب التراجم لأوليائهم " أن فلاناً (المترجم له) لو أراد أن يقول للشيء كن لكان، لكنه يترك ذلك تأدباً مع الله.
نسأل الله تعالى السلامة والعافية من سوء الاعتقاد.
ـ[ابو محمد الغامدي]ــــــــ[04 - Aug-2009, صباحاً 05:44]ـ
كرامات الشيخ عبدالله
يقول الشعراني ( http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showfahr as&ftp=alam&id=1002513) في طبقاته ( http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showfahr as&ftp=book&id=4001065)[2/136]: ' ومِنهم الشيخ عبد الله ( http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showfahr as&ftp=alam&id=1000902) أحد أصحاب سيدي عمر النبتيتي ( http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showfahr as&ftp=alam&id=1002476) نفعنا الله ببركاته، كتب لي أنه رآني بحضرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول للإمام علي ( http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showfahr as&ftp=alam&id=1000050) رضي الله عنه: ألبِس عبد الوهاب ( http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showfahr as&ftp=alam&id=1002513) طاقيتي هذه، وقل له: يتصرف في الكون!! أهـ '
قال الشيخ الحوالي وفقه الله: لماذا يثبتون أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتصرف في الكون ويدافعون عنه؟
حتى يثبتوا أنَّه أعطى الطاقية لفلان، وقال: تصرف في الكون نيابةً عني.
كرامات الدينوري
ثم نقل الشيخ الحوالي ان علي بن محمد بن سهل الصائغ الدينوري ( http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showfahr as&ftp=alam&id=1002675) : ' تركتُ قولي للشيء كن فيكون تأدباً مع الله تعالى '.
وعلق بقوله ((هو يستطيع أن يقول للشيء كن فيكون، ولكن تأدباً مع الله فقط لا يفعل ذلك(/)
أثر تقديس الأعداد وحساب الجمل على عقائد الباطنية
ـ[أم فراس]ــــــــ[01 - Jul-2009, صباحاً 01:57]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.
من العقائد المشتركة بين الفرق الباطنية استخدام الأعداد وحساب الجمل، وهذا الاستخدام لم يكن لرياضة الفكر أو للتسلية، بل كان استخدامها عقيدة اختصوا بها حتى بلغت حد التقديس.
وبالرغم من استخدامهم للأعداد بعامة، فإنهم أكثروا من توظيف السبعة، والاثنى عشر، والتسعة عشر؛ فالعدد سبعة مثلا. طبقا لاعتقادهم، يعتبر رمزاً إلى السبعات التي تتحكم في العقيدة، ولكثرة استعماله سموا أو تسموا بالسبعية، ذلك لاعتقادهم أن أدوار الأئمة سبعة وأن الانتهاء إلى السابع هو آخر الأدوار،أما عدد الأثنى عشر فهو يتصل بأهم عقائدهم وهي الإمامة: إذ اتفق أكثر الباطنية على أن عدد الأئمة اثنا عشر، تسلسلوا من علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) إلى إمامهم الثاني عشر المهدي المنتظر سواء الظاهرين أو الظاهرين والمستورين كما عند الإسماعلية.
أما العدد التسعة عشر، فقد فاق الاستعمالات الاعتقداية العددية من حيث القداسة لدى بعض الفرق الباطنية حتى أصبح مناط الدقائق والساعات والأشهر والسنوات
ويرد البعض أسس تقديس الأعداد إلى ما يسمى الإعجاز العددي في القرآن، ولكن من المعلوم أن منهج السلف أن حكمة الأعداد توقيفية في كثير من الأحكام الشرعية وقد تعرض ابن القيم رحمه الله في كتابه "زاد المعاد في هدى خير العباد" 4/ 90 للعدد سبعة عند كلامه على حديث الصحيحين: (من تصبح بسبع تمرات عجوة لميضره ذلك اليوم سم ولا سحر) [1] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn1) فقال: وأما خاصية السبع فإنها وقعت قَدَراً وشرعاً،فخلق الله عز وجل السموات سبعا، والأرضين سبعا، والأيام سبعا، والإنسان كمل خلقهفي سبعة أطوار، وشرع الله لعباده الطواف سبعا، والسعي بين الصفا والمروة، وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى، وقال صلى الله عليهوسلم: (مروهم بالصلاة لسبع) [2] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn2) وإذا صار للغلام سبعُ سنين خُيِّر بين أبويه في رواية [3] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn3) ... ومَثَّل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبعسنابل والمروة سبعا،ورمي الجمار سبعا سبعا، وفي كل سنبلة مائة حبة، والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا، والسنين التيزرعوها سبعا، وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويدخل الجنة من هذهالأمة بغير حساب سبعون ألفا.ثم عَلَّق ابن القيم رحمه الله قائلا: فلا ريب أن لهذاالعدد خاصية ليست لغيره، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه، فإن العدد شفعووتر، والشفع أول وثان، والوتر كذلك، فهذه أربعة مراتب، شفع أول وثان، ووتر أولوثان، ولا تجتمع هذه المراتب فى أقل من سبعة، وهى عدد كامل جامع لمراتب العددالأربعة، ثم قال: والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقَدَره في تخصيص هذا العدد هلهو لهذا المعنى أو لغيره" انتهى
وعلى هذا؛ فالصواب التوقف عن الخوض في علةتخصيص هذا العدد بالذكر إلا بدليل صحيح صريح لذا فقد استبعدت فكرة الإعجاز العددي كأساس لفكرة تقديس العدد _ رغم ذكرها عند بعض المؤلفين _،كما ذكره ابن القيم، ولما أدت إليه عقيدتهم في الأعداد،حيث بنوا عليها من تأويلات الغرض منها إلغاء التكاليف عند البعض وإلغاء الدين عموما عند الآخرين كما سيأتي.
تعريفات لابد منها.
أولاً: تعريف العدد:
جاء في المعجم الفلسفي: (العدد أحد المفاهيم العقلية الأساسية وعرفه البعض بنسبته إلى غيره من المعاني القريبة منه، فقالوا العدد هو: الكمية المؤتلفة من الوحدات، أو الكمية المؤلفة من نسبة الكثرة إلى الواحد. وعلم العدد: هو العلم الرياضي المحض) [4] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn4) .
(يُتْبَعُ)
(/)
أما إخوان الصفا، فربطوا تعريف العدد بتعريف الشيء، وقالوا: (الألفاظ تدل على المعاني، والمعاني هي المسميات والألفاظ هي الأشياء، وأعم الألفاظ والأسماء قولنا: (الشيء) والشيء إما أن يكون واحد أو أكثر من واحد. أما الكثرة فهي جملة الآحاد، وأول الكثرة اثنان ثم الثلاثة ثم الأربعة، ثم الخمسة، وما زاد على ذالك بالغاً ما بلغ ... والحساب هو: جمع العدد وتفريقه .. والواحد الذي قبل الاثنين هو أصل العدد ومبدؤه ومنه ينشأ العدد كله .. فإذا أضيف إلى الواحد واحد آخر يقال عند ذلك اثنان) [5] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn5) وهكذا.
ثانياً: خواص العدد:
ووضع إخوان الصفا للعدد خواصاً، والخاصية: هي الصفة المخصوصة للموصوف التي لا يشركه فيها غيره، وفي العدد: (ما من عدد إلا وله خاصية أو عدة خواص فخاصية الواحد أنه أصل العدد ومنشؤه،الاثنان: أول العدد مطلقا، وأول عدد زوج، وأول الكثرة،والثلاثة: أول عدد الإفراد) [6] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn6)، وهكذا.
ثالثاً: حساب الجمل:
(هو استخدام الحروف الأبجدية للدلالة على الأعداد، وهو نظام استعمل قبل استعمال الأرقام المتداولة، وكان العرب يستعملونه في مشرق الوطن العربي ومغربه) [7] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn7)، وحساب الجمل (يعتمد على ترتيب حروف الهجاء الأصلي، وهو غير الترتيب الألفبائي الشائع اليوم، فالترتيب الأصلي القديم هو الترتيب الأبجدي الذي يعتمد على اللغات السامية القديمة [8] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn8) أبجد – هوز – حطى – كلمن – سعفص – قرشت – تخذ – ضطغ)، وقد كان كل حرف يتمثل قيمة عددية معينة) [9] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn9) ، وحروف الهجاء في تلك اللغات لا تفيد تركيب الألفاظ فقط بل تتخذ أيضاً للأرقام الحسابية، منها إفراد وهي: (أبجد – هوز – حطى) ومنها عقود وهي: (كلمن – سعفص). ومنها المئات من المئة الأولى إلى المئة الرابعة وهي (قرشت).
الجذور التاريخية لتقديس الأعداد
ثمة عدة إشارات تفيد استعمال المدارس الفلسفية القديمة للأعداد منها الفيثاغورية التي تقوم فلسفتها على أن كل عدد أصل لأرائهم. واتخذ العبريون العدد سبعة أصلا لكثير من عقائدهم. انتقل التسبيع إلى البابلية القديمة. واتخذ الحرانيون العدد خمسة أصلا لعقيدتهم.
أولا: المدرسة الفيثاغورية [10] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn10) والعقيدة الأورفية:
هي مدرسة علمية ذات مذهب فلسفي، وهو يعد أول محاولة للارتفاع عن المادة – التي وقف عندها الفلاسفة – ولقد تناقلت المصادر الكثير من أقوال المدرسة الفيثاغورية، وكلها تكاد ترتكز على المبدأ الرئيسي للمدرسة، الذي يوضح أن العالم عدد ونغم، وأن الأعداد هي عناصر الموجودات، وان كل شيء هو العدد [11] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn11) . وبعبارة أخرى: فإن العقيدة الأورفية التي تنسب إلى أورفيوس وتلامذته كفيثاغورس الذين عبدوا العدد المجرد، كانوا يعتبرون أن سر الوجود يكمن في العدد، وأن العلاقات مهما اختلفت وتباينت فإنما يقصد بها التعبير عن العدد نفسه.
وفيما يتعلق بأساس المدرسة التي يرتكز على أن كل شيء هو العدد، فإن هذا المبدأ قد صيغ صيغتين، واتخذ المؤرخون لفهمه نحوين مختلفين:
(الأول: أن كل الأشياء أعداد بمعنى أن الأشياء نفسها في جوهرها أعداد، أي أن الأعداد هي التي تكون جوهر الأشياء.
(يُتْبَعُ)
(/)
الثاني: أن الأشياء تحاكي الأعداد، أي أن الأشياء صيغت على نموذج أعلى هو العدد،وعليه يجب أن يفهم قول الفيثاغوريين على أن الأشياء يكون جوهرها العدد) [12] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn12) ، و (زعم الفيثاغوريون) أن العدد جوهر الوجود، وأقدم الكائنات ومصدرها، (وأن الصفات تضاف إليه لتعريف الموصوف وتحديده، وهي عرضية متغيرة ومتباينة، وهو ثابت مشترك بين كل الكائنات يمكن الاستغناء عن الصفات دون أن يؤدي حذفها إلى حصول فراغ في الوجود يؤدي إليه حذف العدد) [13] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn13) .
قول الفيثاغوريين (أن العدد يبتدئ من اثنين إذ أن العدد الأول اثنان، والواحد ليس داخلا في العدد) [14] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn14) . كما أن الفيثاغوريين (لم يكونوا يمثلون العدد مجموعا حسابيا بل مقدارا أو شكلاً، ولم يكونوا يرمزون له بالأرقام [15] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn15) ، بل كانوا يتصورونه بنقط على قدر ما فيه من آحاد، ويرتبون هذه النقط في شكل هندسي فالواحد النقطة والاثنان الخط، والثلاثة المثلث، والأربعة المربع وهكذا) [16] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn16)
وجاء أفلاطون فطور نظرية العدد الفيثاغورية،فلما كان الصفر غير مكتشف في وقتها،وكانت الأعداد الطبيعية مجموعة الأعداد الصحيحة الموجبة هي المعروفة فقط، فقد كان من الطبيعي أن يعتبر أفلاطون الواحد أساس الأعداد كلها، وأن يعتبر الكثرة مهما كانت أشكالها هي مضاعفات للواحد نفسه، لقد كان الواحد بكل بساطة لدى أفلاطون ومن بعده أرسطو هو الله،وقد وجدت فكرة التوحيد عبر العصور التعبير عنها بعبارة أفلاطون الشهيرة " الموجود لم يكن قط،ولن يكون أبدا ً،لأنه الآن واحد مكتمل الوجود فريد سرمدي "
ثانياً: المدرسة اليهودية:
رأى بعض المفكرين [17] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn17) أن البراعة لا تكون في استخراج الحقائق من الأرقام مباشرة وإنما في نطاق الكلمات والآيات والحروف السرية لتدل على الأمور الروحية التي يدعو إليها الناس. فاعتمدوا على النتائج التي توصل إليها الباحثون في الحروف منذ القدم واستغلوها بحيث كونوا منها ديناً كاملاً يتخذ أصوله من قيم الحروف العددية ثم التصرف في الأرقام، وسميت بالعقيدة الحروفية أو المدرسة الحروفية [18] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn18) .
ومن المؤسسين لفكرة تقديس العدد المغيرة العجلي ـ كما سيأتي ـ ولكن علاقته باليهودية يذكرها الشيبي .. فيقول: أن المغيرة العجلي كان بصيراً بالسحر والنيرنجات، وكان يتكلم عند القبور فيرى مثل الجراد على القبور، وأنه تعلم ذلك من يهودية، كان يختلف إليها.
وفكرة القيمة العددية للحروف أصلها يهودي – وقد وردت هذه الفكرة في (سفر الخليقة) [19] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn19) ؛ حيث كان اليهود يعتقدون أن الملائكة تتحدث العبرية، ومع أن التلمود كتب بالآرامية إلا أن كتب القبّالة تسبغ على الحروف العبرية دلالة صوفية، حتى يقال أن الرب استخدم حروف العبرية في خلق العالم، وجعلوا لكل حرف عبري مقابلاً عددياً، ومن خلال هذه الحروف والأرقام تم خلق التنوع والتعدد في العالم. وتعتمد كثير من القراءات القبّالية والباطنية للعهد القديم على هذا التصور فيترجم النص إلى مقابله الرقمي وتستخلص الدلالات التي يريدها المفسر عن طريق الجمع والطرح والضرب والقسمة. ومن تقديسهم لهذه الأعداد والحروف منع يهود شرق أوربا أبناءهم من النظر إلى كتب الغير لاعتقادهم أن من يقرا غير الحروف العبرية تحرق عيناه يوم القيامة [20] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn20) .
ثالثاً: مدرسة غلاة الشيعة:
(يُتْبَعُ)
(/)
يذكر الشيبي أن أول من نبه أو التفت إلى خطورة الأعداد وتنبه إلى سريتها أبوهاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية (ت 97هـ)، فأشار أبو هاشم على محمد بن علي بن عبد الله بن العباس زميله في جهاد الأمويين أن يختار دعاته ـ فليكونوا اثني عشر نقيبا فإن الله عز وجل لم يصلح بني إسرائيل إلا بهم،وسبعين نفراً يتلونهم، فإن النبي إنما اتخذ اثني عشر نقيبا من الأنصار لذلك ـ كما أنه كان يركز على فكرة تجديد الدين مستشهدا بقصة عزير عليه السلام ((فأماته الله مئة عام ثم بعثه)) [21] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn21) فإذا دخلت سنة مئة فابعث رسلك، ففعل محمد ما أمره، واتخذ الإسماعيلية هذه الفكرة معتقداً بعد ذلك بتوقيت انتهاء النبوة نفسها لا بنهاية مئة عام. كما كان ابن الحنفية يدعي علم الباطن وأنه يعلم أسرار العالم والخليقة وأن هذا العلم السري قد ورثه من الإمام علي إلى ابنه محمد إلى أبي هاشم، ودخل علم الباطن بعد ذلك على التصوف الذي صار يقر بفكرة الظاهر والباطن ... ظهر الغلو بصورته المنظمة بعد انقضاء قرن كامل، وكانت الفكرة المشتركة بين الغلاة هي فكرة تجسيم الإله، الممثلة إما في الاتحاد وهو الارتفاع بالإنسان ليتحد بالإله، أو الحلول وهو النزول بالإله ليحل في الإنسان،وكلا الفكرتين تهدف لرفع مقام الإنسان إلى درجة التأليه.
ومن أهم الغلاة الذين فصلوا فكرة العدد: المغيرة بن سعيد العجلي (المقتول 119هـ)، الذي جعل للإله أعضاء على عدد حروف الهجاء وهيئتها، فكأنه يريد أن يقول: إن الوحي إنما هو نزول الله نفسه إلى النبي أو الإمام، وأن كل كلمة يتلقاها إنما هي حلول يستمر باستمرار الوحي. وتبدأ فكرة تطبيق اسم الله الأعظم في المغيرية الذي اعتبروه مفتاح الخلق، وجعلوا معرفته تتيح لعارفه القدرة الإلهية، وانتقلت هذه الفكرة إلى التصوف بعد ذلك ومن خلال الوصول إلى هذا الاسم كثر ادعاء الكرامات، ثم خرج المغيرة داعيا إلى عقيدته في سبعة نفر يدعون الوصفاء، وزاد من أهمية العدد سبعة أبو منصور العجلي (المقتول 121هـ) بقوله: ((يتولى سبعة أنبياء من قريش وسبعة من بني عجل))، ثم اعتمد على فكرة تجديد الدين، فألغى اصطلاح الإمامة واستبدله بالنبوة وصرح بأن علي بن أبي طالب كان نبيا وكذلك الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي.
كذلك لفت أبو منصور الانتباه للعدد 12، فقال أنا نبي والنبوة في ستة من ولدي ويكونون بعدي أنبياء آخرهم القائم، وطبعا لا يدخل المهدي في هذا العدد. وقد عادت هذه النظرية الاثنا عشرية إلى الشيعة الإمامية فيما بعد، وتصلح فكرة أبي منصور أن تكون أساساً للإسماعيلية السبعية بوصفه سابع سبعة وبوصف ولده السادس سابع الأنبياء من العجليين. ثم صرح أبو منصور بأن جبريل كان يأتي محمداً بالتنزيل ويأتيه بالتأويل. [22] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn22)
موقف الفرق الباطنية من الأعداد:
أولاً: الإسماعلية:
بنى الإسماعلية عقائدهم على الأعداد، ورغم أنهم استعملوا جلها، إلا أنهم ركزوا على العدد السبعة والعدد اثنى عشر.
والإسماعلية كغيرهم من الفرق الباطنية يزعمون أن للإسلام دعائم سبعا بغيرها لا يكون الإنسان مؤمنا، وهي الولاية، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد [23] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn23) ، وزعموا أنّ الأئمة تدور أحكامهم على سبعة كأيام الأسبوع والسموات السبع والكواكب السبع.
واعتقدوا أيضاً أن للعالم له دورات متعاقبة تقوم على مبدأ الرقم (السبعة)، وكل دور له نطقاء أو (أنبياء) سبعة وأسس أو (أوصياء) سبعة وأئمة سبعة [24] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn24) ، ولم يقفوا عند ذلك بل رتبوا الأنبياء على غرار الحساب.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولم يحظ بالاهتمام العدد سبعة فقط، بل كان للعد اثنا عشر اهتمام أيضاً: وقالوا: إن النقباء تدور أحكامهم على اثني عشر وأن الدنيا اثنتا عشرة جزيرة، في كل جزيرة حجة، وإن الحجج اثنا عشر، ولكل حجة داعية، ولكل داعية يد (يعنون باليد: رجلا له دلائل وبراهين) وهؤلاء الحجج متفرقون في جميع الأرض، وهم اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون على عدد بروج الفلك الاثنى عشر [25] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn25) .
وحول الأعداد الأخرى ذكر د. كامل حسين (أن لكل عدد أصلا عندهم في العقيدة، إذ قالوا: بالازدواج، والتثليث، واتخذوا العدد الأربعة لفلسفة أركان الطبيعة. وهكذا، وقالوا: أن الله أسس دينه على مثال خلقه ليستدل بخلقه على دينه، وبدينه على وحدانيته).
وقد تحرج أحد فقهاء الإسماعلية من اسم (السبعية) الذي أطلق على الإسماعلية وذكر ما يفيد أن الإسماعلية لم تختص بالعدد السبعة لتسمى سبعية، بل كل الأعداد لها أصول دينية، وقال: (أن الديانة مبناها على توحيد الواحد الأحد، والأربعة هي مقابل الأركان الأربعة فهي أصل، والخمسة التي هي بمقابل الحواس الخمس أصل، والستة التي بمقابلة الأيام الستة فيها خلق السموات والأرض أصل، والثمانية التي هي بمقابلة أبواب الجنة الثمانية وحملة العرش أصل، والأحد عشر الذي هو بمقابلة تكبيرات الصلاة،فكل ركعتين أصل، والاثنا عشر الذي هو بمقابلة الاثنى عشر نقيبا أصل) [26] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn26) .
وفي ذات المعنى ذكر البعض: (أن الإسماعلية أخذوا ما قاله الفلاسفة الفيثاغوريون القدماء الذين جعلوا كل الأعداد أصولا لعقيدتهم، وصبغوا آراء الفيثاغوريين بالصبغة الإسلامية على حسب العقيدة الإسماعلية، ومن ثم ظهرت عندهم عقائد في الأعداد وما يقابلها من أصول دينية، فالواحد هو، العقل الكلى أو القلم، والاثنان هما العقل الكلى والنفس الكلية، أي القلم واللوح والثلاثة هم: محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين وهم: الإمام، والحجة، والداعي، والمأذون، والمكاسر، وهكذا جعلوا لكل عدد ما يقابله من الدين وكانوا متأثرين في ذلك بالفلسفة الفيثاغورية) [27] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn27) . أما حساب الجمل فلم يكن للإسماعلية استعمال واضح له إنما محاولات من بعضهم لا تظهر صحتها عند التطبيق.
ثانيا: القرامطة:
القرامطة: كغيرهم من الفرق الباطنية لا تخلو عقيدتهم من استعمال الأعداد خاصة السبعة، والاثنا عشر والتسعة عشر بل لقد بنوا عقيدة الإمامية على العدد السبعة وقالوا: لا يكون بعد محمد النبي ( r ) إلا سبعة أئمة: علي بن أبي طالب وهو إمام رسول، والحسن والحسين، وعلى بن الحسن ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، ومحمد بن إسماعيل، وهو الإمام القائم وهو رسول) [28] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn28) وذلك كعدد أيام الأسبوع السبعة والسموات والكواكب كما أن (تدبير العالم مناط عندهم بالكواكب السبعة، التي أعلاها زحل، ثم المشتري ثم المريخ، ثم الشمس، ثم الزهرة، ثم عطارد، ثم القمر) [29] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn29) .
وذكر د. الشيبى حول استخدام القرامطة للأعداد: (أنه سيكون لمجموع الرقمين السبعة والاثنا عشر أهمية عند القرامطة الإسماعلية، فاستندوا في تأصيل هذه الأرقام إلى أسس إسلامية، وقالوا: أن البسملة من سبعة واثنا عشر يعني حروف بسم الله الرحمن الرحيم وأن التهليل يعني (الشهادتين) مركب من أربع كلمات في إحدى الشهادتين (لا اله إلا الله) وثلاثة كلمات في الشهادة الثانية (محمد رسول الله)، ثم ذكر أن الرقم التسعة عشر الذي هو عدد حروف البسملة جمع بين عدد الأئمة وعدد نقبائهم وأمناء سرهم، أي السبعة عدد الأئمة والاثنى عشر عدد النقباء) [30] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn30) ، كما أشار (طه الولى) إلى (أن الرقم التسعة عشر أصل من أصول الدين حسب المذهب القرمطي) [31] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn31) .
ثالثاً: النصيرية:
(يُتْبَعُ)
(/)
إن استخدام النصيريين للأعداد لم يكن مميزاً بصورة واضحة سوى ما اشتركوا فيه مع الفرق الاثنا عشرية في تجسيد الرقم الاثنا عشر في عقيدة الأمامية، وهو ما رددته الفرق الباطنية الأخرى، (ومهما يكن الأمر فهم جسدوا الرقم الاثنا عشر أيضاً في النقباء وذلك تمثيلا للبروج الاثنا عشر، ومثلوا ذلك في شخصيات مشهورة لديهم) [32] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn32) ، وقالوا: (الحجج بقعة مساحتها اثنا عشر ميلا ً، والأشواط السبعة تمثل الأدوار السبعة الكبرى) [33] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn33) ، وقالوا: (أن الإله قد تجلى في صور إنسانية _ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا _ سبع مرات وتسمى الظهورات السبعة، وقد ظهر العدد التسعة عشر في جزئية صغيرة وهي: أن الرجل النصيري لا يطلعونه على أسرار المذهب إلا إذا بلغ تسعة عشرة عاماً) [34] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn34) .
رابعاً: الدروز:
استعمل الدروز الأعداد وحساب الجمل، كما أولوا آيات القران الكريم للدلالة على معتقداتهم، وتمثل النقاط التالية موقفهم من الأعداد:
أولا: (أولوا قوله تعالى: ? ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ? [35] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn35) ، أولوا السبعين بأنهم سبعون رجلا من دعوة التوحيد ـ الدعوة الدرزية ـ.
ثانياً: في تأويل (بسم الله الرحمن الرحيم) قالوا: (بسم الله) سبعة أحرف دليل على سبعة دعاة أصحاب الأقاليم السبعة و (الرحمن الرحيم) اثنا عشر دليل على اثنا عشر داعيا بالجزائر) [36] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn36) .
ثالثاً: (حول شخصية الدروز المقدسة (الحاكم بأمر الله) قالوا: الحاكم كان السادس عشر في ترتيب الأئمة والعدد 16 محصول ضرب الأربعة الشريفة من الأئمة في ذاتها، مما جعل الحاكم بأمر الله، يتم له في الإسلام ما لم يتم لأحد ممن تقدمه) [37] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn37) ، ولم يقفوا عند ذلك الترتيب بل برروا أفعاله الغريبة بالسبعات، وكما أوردها د. بدوى: تظاهر مولانا (سبحانه) قبل غيبته بلباس السواد سبع سنين وتربيته الشعر سبع سنين وتربيته الشعر سبع سنين، وسجن النساء سبع سنين وركوب الأتان [38] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn38) سبع سنين.
رابعاً: في مقام التكليف، زعموا: (أن المولى قد أسقط عن الموحدين سبع دعائم تكليفية ناموسية، وفرض عليهم سبع خصال توحيدية) [39] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn39) وهي: (سدق اللسان (صدق اللسان)، وحفظ الإخوان، وترك ما كان عليه الموحدون، والبراء من الأبالسة والطغيا ن، والقصد من ذلك – كما ذكر د. كامل حسين ـ البراءة من الأنبياء السابقين ومن كل الأديان والشرائع ـ والتوحيد للمولى في كل عصر وزمان ودهر وأوان، الرضا بفعله كيفما كان، التسليم لأمره في السر والحدثان، وأنه يجب أن يعلم كل واحد أن المولى يراه حيث لا يرى) [40] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn40) ، والخصلة الأولى فقط. ترتبط بحساب الجمل. فمعنى سدق اللسان (صدق اللسان) المقابل للكذب هو الشرك والضلالة، وجملته في حساب الجمل ستة وعشرون ك = 20، د = 4، ب = 2 [41] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn41) و (إبليس وزوجته اثنان، والأربعة والعشرون أولادهما، يقومون مقامهما فمن والاهما فقد تبرأ من الولي وحدود الدين) [42] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn42) .
(يُتْبَعُ)
(/)
أما فيما يخص الصدق فقد بدلوا حرف الصاد بحرف السين ليحافظوا على نسق العدد، وقالوا: السدق ثلاثة أحرف؛ س = 60، و د =4، و ق = 100 وجمعهما 164، وهو عدد حروف الموحدين، منها التسعون لقائم الزمان تشبيها بالحديث الشريف: " أن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة " [43] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn43) من عرفها دخل حقيقة دعوته، وقيل (إن للإمام تسعة وتسعين داعيا. كما أن لكل جناح، الأيمن والأيسر ثلاثين داعيا فجملتها ستون إضافة إلى أربعة حدودهم: دومصة، والكلمة والجناح الأيمن والأيسر وبذلك يكون المجموع 163 وبقى حد واحد وهو دليل توحيد مولانا ومعرفة ناسوت المقام) [44] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn44) .
خامساً: الحروفية (صوفية غلاة):
يقول د. كامل الشيبي: (استغل فضل الله الحروفي كل شاذ من أفكار الفرق الإسلامية القديمة وكل غريب من شطحات الصوفية، وكل ما يمكن استغلاله من الأفكار المسيحية وكذلك الأفكار اليهودية في سبيل الخروج بنظرية جديدة تقوم على قاعدة من الحروف والأرقام تصلح لتفسير المظاهر الدينية والعقلية والطبيعية وتقوي على التنبؤ بالمستقبل ... ) [45] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn45). واقتبس الحروفي من عبد الرزاق الكاشاني في اصطلاحات الصوفية قوله: " الألف يشار به إلى الذات الأحدية أي الحق " وخليفة الألف الباء حسب كلام فضل الله الحروفي ورتب نتيجة على ذلك أن آدم خليفة الله أولاً وهو خليفة الله أخيراً. كما استخدم الأعداد وأسرارها بعد أن قرّب بين فكرتي المهدية والقطبية الصوفية وأعلن مهديته سنة 786 هـ، وكما توصل عن طريق تلك الأسرار التي يدعيها للحروف والأعداد إلى أنه خاتم الأولياء، وهذا سبب عداء الحروفية لابن عربي حيث يرون ختم الولاية وقفاً على فضل الله الحروفي الاسترابادي (741هـ 876هـ) [46] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn46) .
سادساً:البابية والبهائية:
إذا كان البابيون جعلوا دعاتهم بمجموع حروف (حي) بحساب الجمل والتي تساوي قيمتها 18 والباب المكمل للعد 19، فقد ذهب البهائيون شأواً بعيدا في استخدام الأعداد، وجعلوا للعدد التسعة عشر هالة قدسية، إذ بنوا عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم على العدد التسعة عشر ومضاعفاته، كما استعملوا العدد السبعة أيضا ولكن بصورة أقل واعتبروه مقدسا أيضاً. وقالوا: (أن الله خلق العالم بسبع صفات تسمى (أحرف الحق) وهي: القدرة والقضاء، والإرادة والمشيئة، والأذن والأجل والكتاب) [47] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn47) .
وعلى ذلك قالوا: (أن العدد التسعة عشر هو عدد مقدس لأنه يمثل كلمة (واحد) وكلمة (وجود) وكل منهما بحساب الجمل تعدل (19) وانتهج الباب النهج نفسه وقسم كتابه (البيان) إلى تسعة عشر واحدا أو " قسما " وكل واحد إلى تسعة عشر بابا، لتكون أبوابه = 361، وهذا العدد ينطبق على مجموع أعداد حروف كلمة (كل شيء) [48] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn48) ، ولقد خص الواحد الأول بنفسه. والثمانية عشر الباقية لكبار أصحابه، لكل منهم واحد وسماهم حروف حي).
(ولما كان مجموع حروف حى بحساب الجمل (ثمانية عشر) ج = 8، ى = 10 أكمل هو الواحد الباقي ليصبح الرقم ـ 19 ـ ولكن كتابه البيان لم يكتمل منه سوى أحد عشر واحداً فقط، وذكر أنه ترك إكمال الباقي لمن يأتي بعده) [49] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn49) .
و (قسموا الشهر إلى تسعة عشر يوما وعلى ذلك تكون السنة البهائية 19 شهرا * 19 يوما. أي 361 يوما. ولم يقفوا عند ذلك بل قسموا اليوم إلى 19 ساعة والساعة إلى 19 دقيقة، كما أدخلوا العدد 19 في كل شيء) [50] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn50) .
(يُتْبَعُ)
(/)
ولم يقفوا عند الرقم التسعة عشر فحسب، بل هناك أعداد أخرى مثل التسعة، والخمسة، وفيهما قالوا: (إذا ضربت 9 * 5 كان الحاصل خمسة وأربعون، وإذا حسبت اسم آدم بالجمل كان مجموعه خمسة وأربعون أيضاً، وجميع الأسماء التي علمها الله لآدم مندمجة تحت هذه الأعداد، وإذا كان اسم البهاء يبلغ بحساب الجمل تسعة فهو آدم الأول، وبه ظهر الحق أو فيه ظهر الله) [51] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn51) وفي ميدان التأويل قوله تعالى: ? يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ? [52] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn52) بأن الآية (تعبر عن ظهور البهاء في سنة 1260هـ ذلك أن تدبير الأمر بدأ بمحمد ( r ) وانتهى بالإمام محمد بن الحسن العسكري سنة 260 هـ فإذا أضفنا إلى هذه السنة الألف سنة التي ذكرت كان المجموع 1260هـ. وهو بدء ظهور البهاء) [53] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn53)
مناقشة آراء الفرق الباطنية في الأعداد:
من خلال آراء المدارس الفلسفية وعقائد الباطنية في الأعداد تبين الارتباط الوثيق بين آراء المدرسة الفيثاغورية ومعتقدات الباطنية، وهو يؤكد مصداقية القول: (بأن العقائد الباطنية خليط من فلسفات قديمة ممزوجة بالصبغة الإسلامية. ويرجع ذلك إلى نشاط الترجمة ونقل التراث الفارسي واليوناني خلال العصر العباسي خصوصا وأن المترجمين أنفسهم ممن كانوا متشبعين بتلك الفلسفات والتي ظهر أثرها في العلوم المترجمة كما أسلفت) [54] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn54) .
ومهما يكن الأمر، وبالرغم من أن آراءهم لا تستند إلى أساس علمي ولا إلى أصول ثابتة، ويظهر ذلك من محاولة الاستفادة من إعجاز القرآن لإضفاء المصداقية على عقيدتهم ومن استعمالهم لحساب الجمل سواء من المتقدمين منهم والمتأخرين لمحاولة تطويع القيمة العددية بما يتناسب ومعتقداتهم.
1 - أولوا قوله تعالى: ? ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ? [55] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn55) بأنهم سبعون رجلاً من دعوة التوحيد. غير أنه باستكمال قراءة الآية يتضح المعنى بأن لفظ (السبعين) الوارد في الآية تعبير عن طول السلسلة.
2 - قسموا شهور السنة إلى تسعة عشر شهراً – وهذا التقسيم أقل ما يقال فيه، أنه يتعارض معارضة صريحة لما جاء في كتاب الله العزيز ? إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله ? [56] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn56) وهم وإن أولوا هذا النص الصريح – كعادتهم فإن هناك عدة أدلة أخرى، وأقواها أن لفظ الشهر تكرر اثنتى عشرة مرة في كامل القرآن الكريم، وذلك لإثبات وتأكيد أن عدة الشهور اثنا عشر شهراً لا زيادة ولا نقصان فهم إن أولوا تلك الآية فلن يستطيعوا الخوض في هذه.
أما بشان تقسيمهم الشهر تسعة عشر يوما فيمكن القول:
أ – لقد ثبت بالعلم والمشاهدة والتعارف، والتواتر بأن الشهر القمري تسعة وعشرون أو ثلاثون يوماً، وذلك مصداق قوله تعالى: ? هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ? [57] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn57).
ب – (لقد ثبت علمياً تقسيم السنة إلى أربعة فصول حسب النظام الشمسي، فإذا أسلمنا بقولهم واعتبرنا الشهر 19 * 19 يوما فتكون السنة ثلاثمائة وواحد وستون يوماً، وهذا مخالف للنظام الثابت المتعارف عليه، غير أنهم لما أدركوا أن سنتهم لا تتفق مع النظام الشمسي رأوا إضافة خمسة أيام ليتموا حساب السنة 366 وسميت الأيام ـ المسترقة ـ) [58] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn58) .
(يُتْبَعُ)
(/)
3 - أما خصوصية الأعداد السبعة والاثنا عشر والتسعة عشر فهي في إطار الأسرار التي لا يحيط بكنهها إلا رب الأرباب وما يمكن قوله: أن لفظ (السبعة) في القرآن المجيد ورد في مواضع عدة، وبمضامين متنوعة، ولعل هذا التنوع سنح لهم تطويعه واستخدامه، أما العدد (التسعة عشر) فقد ورد في القرآن الكريم في موضع واحد في سورة المدثر? عليها تسعة عشر ? [59] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn59) وهو عدد يمثل خزنة النار.
أما العدد (اثنا عشر) فإنه تاريخياً كان بارزاً، حيث كان نقباء بني إسرائيل اثنا عشر نقيباً، وكان حواريو عيسى اثنى عشر حوارياً، وكان أصحاب بيعة العقبة الذين بايعوا رسول الله ( r ) اثنا عشر [60] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn60)، أما في القران الكريم فقد ورد في خمسة مواضع: أحدهما يخص شهور السنة وموضعان يخصان العيون التي انفجرت وانبجست [61] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn61) ، ورابعهما يخص النقباء، والخامس يخص الأسباط، فهل كان لهذه الآيات ارتباط باستخدام الباطنية لتلك الأعداد؟
يمكن أن تكون الإجابة في إطار استعمال الأعداد عامة. والسؤال الأهم: ما هو السر في استعمال الفرق الباطنية للأعداد بصورة عامة؟
يوجد هناك اتجاهات:
الأول: أن الفلاسفة الفيثاغوريين لجأوا إلى الأعداد لمحاولة تفسير الوجود، لأن اللغة تعجز عن ذلك كما (أن الفيثاغوريين لم يعرفوا العدد كعلم قائم بذاته وإنما كمنهج للتوصل إلى الحقيقة اللامحسوسة) [62] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn62) . الثاني: (أن دراسة الفيثاغوريين للأعداد والأشكال، والحركات، والأصوات وما بينهما من تقابل عجيب وما لها من قوانين ثابتة صرفت عقولهم إلى ما في العالم من نظام وتناسب، فرأوا أن هذا العالم أشبه بعالم الأعداد منه بالماء أو النار أو التراب، وقالوا: أن مبادئ الأعداد هي عناصر الموجودات وأن العالم عدد ونغم) [63] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn63) .
الثالث: أن الذي دعا – الفيثاغوريين إلى الاعتقاد بأن العدد أصل الأشياء، وهو ما رأوه من نظام وانسجام بين الأشياء، وعلى الأخص بين حركات الكواكب فنقلوا هذا الانسجام الموجود في الكواكب إلى الأشياء وحسبوا أن الأشياء أيضا خاضعة لهذا الانسجام، ومن جهة أخرى لا حظوا أن النغمات الموسيقية تختلف الواحدة منها عن الأخرى لذا فان اكتشاف الفيثاغوريين للانسجام الموجود في جميع الكون أدهشهم ولما كان الانسجام يقوم على العدد كان من الطبيعي أن يقال أن جوهر الأشياء هو العدد (1) [64] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn64) . ومهما كان الأمر فان استعمال الباطنية للأعداد استقاء من الفلسفات القديمة ممزوج بالصبغة القرآنية لكونهم لا حظوا ما في القرآن من إعجاز ونسق وتوازن وانتظام فوظفوا كل ذلك لنشر معتقداتهم واستقطاب مريديهم لأن ربط معتقدهم بما في القرآن من إعجاز يعد دافعاً لهم، كما أنه يقلل الرفض الذي يقابل آرائهم، وربما يريدون إضفاء المصداقية على معتقداتهم باستعمال الأعداد. لأن لغة الأعداد هي لغة الصدق في نظرهم. ونختم برأي الشيبي حيث يرى (أن المغيرة العجلي ومعاصره بيانا قد ربطا عقيدتهما ربطا محكما بما تأولاه من القرآن سندا لدعوتيهما فبدتا وكأنهما فكرتان ذاتا أصالة وطابع خاص) [65] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn65) .
ـ[محمد كمال فؤاد]ــــــــ[01 - Jul-2009, صباحاً 04:02]ـ
بحث مفيد جدا جزاك الله خيرا
لكن سؤال هل المعاصرين الذين يقدسون 19 في القرآن أحد هذه الفرق؟ ومن هم؟ أرجو التوضيح؟
بارك الله فيك
ـ[مختار الديرة]ــــــــ[01 - Jul-2009, مساء 11:01]ـ
http://majles.alukah.net/showthread.php?p=247721#post24 7721
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[02 - Jan-2010, مساء 01:20]ـ
الباطنية يستخدمون الاعداد والحساب في العقيدة ليشغلوا عوامهم ويستغفلوهم
وقد وقفت في هذا العصر وفي احد المنتديات الباطنية على عضو يسأل اصحابة من الاسماعيلية
كيف نعرف اننا على حق وغيرنا على باطل؟ فقالوا له انظر إلى راحتي يديك ما هو مكتوب فيها
(18) و (81) واخذوا يضربون ويطرحون ويقسمون وكل عدد هو دليل على صدق عقيدتهم
حتى وصلوا إلى العدد اربعة ونصف وقالوا ان اصحاب الكساء رضي الله عنهم هم اربعة ونصف!!!
مع ان اصحاب الكساء خمسة -ولكن كما هو معروف عن الباطنية عندما تضيق بهم الحجة يرجعون
إلى القران والحديث ويؤلون ما يشاؤون حتى يخرجوا من ورطتهم- وهنا قالوا ان اهل الكساء
فيهم فاطمة رضي الله عنها والله عز وجل يقول: (للذكر مثل حظ الانثيين) فالمراه نصف رجل
وهذا يعني ان اهل الكساء اربعة ونصف
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[بركتنا]ــــــــ[04 - Jan-2010, صباحاً 12:49]ـ
بارك الله فيك أخي الفاضل على هذا الموضوع المهم جدا
لكن أرجو الرد على قضية الرقم 19 وتقديسه عند البهائيين
خاصة مع صدور كتاب: إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[09 - Mar-2010, مساء 10:20]ـ
بحثٌ قيّمٌ ... جزاكم الله خيراً ..
وحبّذا لو تكرّمت الأخت الفضلى أم فراس بإيراد الحواشي (1 - 65) والمراجع ..
ودمتم بخير ..
ـ[أم فراس]ــــــــ[10 - Mar-2010, صباحاً 06:54]ـ
السلام عليكم
آسفة أشد الأسف لعدم متابعتي مجلسكم الموقر ذلك لانشغالي باختبارات الشامل في الدكتوراة ثم وضع الخطة،
بالنسبة للسؤال حول المعاصرين المقدسين للعدد 19
فأصل المنشأ هو ماجاء به البهائية،ثم نجد أن افكار ومعتقدات الأمم الصالحة أو الطالحة قد تنتشر بالمجاورة والتقليد بين العوام،فيحدث انحراف أو تغيير عن الفكرة الأصل.
بالنسبة لطلب أسماء المراجع: فأعتذر بشدة لأن الموضوع كان أحد البحوث التي قدمتها في منهجية الدكتوراة عندما كنت في الرياض، وكنت أعمل على جهاز محمول آخر فليس لدي نسخة منه الآن.
لكن المراجع التي أذكرها: رسائل إخوان الصفا،المعجم الفلسفي لصليبا،معجم اللغة العربية،مذاهب الإسلاميين، موسوعات الفلسفة لبدوي، وزاد المعاد،وبعض كتب الفرق،
هذا وأكرر اعتذاري.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[10 - Mar-2010, مساء 12:54]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله ..
بارك الله في أختنا الفضلى أم فراس، ووفقها ربي لكل خير ..
على أني أخالفها الرأي في قضية العدد (19) وعلاقته بإعجاز القرآن الكريم ..
ولي بحث بعنوان (تحقيق النظر في قول الله عز وجل: عليها تسعة عشر) بينت فيه أن قضية العدد (19) قد استخدمها أدعياء الإسلام ضد الإسلام نفسه ليثبتوا للناس أن الصحيح في القرآن ليس جديداً وأن الجديد فيه ليس صحيحاً؛ في محاولة منهم لسلب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - شرف النبوة، بحجة عدم وجود معجزة تؤيد نبوته!
ولعل الله تعالى أن ييسر لي طباعته ونشره عما قريب ..
ودمتم بخير ..(/)
اريد تعاريف قصيرة لاسماء الله الحسنى؟
ـ[صالح عبدربه]ــــــــ[01 - Jul-2009, صباحاً 10:56]ـ
هل لي ان اجد تعاريف قصيرة لايتجاوز احدها السطرين لاسماء الله الحسنى وجزيتم خيرا
ـ[أبو عبد الأكرم الجزائري]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 06:27]ـ
اخي الفاضل اذا كنت تقتني كتاب التفسير للامام عبد الرحمن السعدي فانك ستجد في المقدمة بغيتك ان شاء الله
ـ[ابومصعب الكويتي]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 10:07]ـ
عليك بكتاب النهج الاسنى للشيخ محمد او محمود النجدي
كتاب جيد في مجلدين سهل العبارة وفيه فوائد انصحك باقتنائه
ـ[صالح عبدربه]ــــــــ[23 - Sep-2009, مساء 09:18]ـ
اخي الفاضل اذا كنت تقتني كتاب التفسير للامام عبد الرحمن السعدي فانك ستجد في المقدمة بغيتك ان شاء الله
لم اجد بغيتي هنا ...
وصلني على الايميل المطلوب ولكنني اخشى ان فيها اخطاء اذ لااعرف عن مرسلها الا اسمة فهل من يساعدني ويدلني على اختصار شديد لشرحها وجزيتم خيرا
ـ[ثابت]ــــــــ[23 - Sep-2009, مساء 11:44]ـ
أن شاء الله في هذا تجد ضالتك هنا (شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة) سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=1446
وهذا مختصر فيما أعلم
ـ[صالح عبدربه]ــــــــ[30 - Sep-2009, صباحاً 11:05]ـ
أن شاء الله في هذا تجد ضالتك هنا (شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة) سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=1446
وهذا مختصر فيما أعلم
عندي هذا لكنه مطول نوعا ما اريد ماهو اكثر اختصارا منه
ـ[صالح عبدربه]ــــــــ[26 - Oct-2009, صباحاً 10:49]ـ
قد وجدت المطلوب لمن يريده في بداية كتاب الاعتقاد للبيهقي(/)
العقيدة والثبات
ـ[ابو البراء الغزي]ــــــــ[01 - Jul-2009, مساء 12:15]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
العقيدة والثبات
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فلعل لفظ (العقيدة) بحد ذاته يل على الثبات والاستمساك؛ إذ هو مأخوذ من عقد الحبل. والعقد هو الشد، والحزم، فلأجل ذا عُبِّر به عن العلوم القطعية، والمدارك اليقينية. وأما (الثبات) فهو وصف محمود، يدل على الاستقرار، والدوام، والتمسك بالحق، وعدم التردد والتبديل. وهو يخالف (الجمود) و (التعصب) المقترنان بالباطل.
وربما حصل الثبات بأسباب متنوعة، يرجع بعضها إلى الطبيعة البشرية، وبعضها إلى البيئة والمؤثرات الخارجية، إلا إن أعظم أسباب الثبات ما كان متصلاً بالحالة القلبية، والقناعة العقلية، وهما ما تثمره العقيدة الحقة في قلوب، وعقول معتنقيها من الطمأنينة النفسية، والاطراد الذهني، والسلامة من التردد، والأوهام.
ونلحظ الصلة الوثيقة بين القضيتين في أبلغ تعبير، حين يشبه المؤمن الموحد، بالمستمسك بالعروة الوثقى، كما في قول الله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) [البقرة/256] قال ابن كثير، رحمه الله: (أي: فقد استمسك من الدين بأقوى سبب، وشبه ذلك بالعروة الوثقى التي لا تنفصم، فهي في نفسها محكمة، مبرمة، قوية، وربطها قوي شديد. ولهذا قال: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.قال مجاهد: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} يعني: الإيمان. وقال السدي: هو الإسلام. وقال سعيد بن جبير، والضحاك: يعني لا إله إلا الله. وعن أنس بن مالك: {بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}: القرآن. وعن سالم بن أبي الجعد قال: هو الحب في الله، والبغض في الله. وكل هذه الأقوال صحيحة ولا تنافي بينها)، ومثله قوله تعالى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [لقمان/22]
وقد أثنى الله على فتية في الأولين، ربط على قلوبهم، ورزقهم الثبات، بسبب اعتصامهم بعصمة الإيمان، فقال: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) [الكهف/14]
ونبه الله عباده المؤمنين على جملة من أسباب الحيدة، والفتور، فقال معاتباً، منبهاً: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد/16]. فطول الأمد بانقطاع القلب عن الخشوع، يورث القسوة والفسق.
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعتني بأمر الثبات، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ) رواه الترمذي، وغيره. وكان يأمر أصحابه أن يسألوا الله الثبات، فعن شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ) الحديث. رواه أحمد، وأهل السنن.
وربما حفظ الدارس بعض المتون العقدية واستشرحها، فلا تتمكن معانيها في قلبه حتى يبتلى، فينصع الإيمان في قلبه، وربما فُتن، فافتتن، وزلت به قدم.
وأسباب الزلل كثيرة، شهيرة، متنوعة؛ من صنوف الشبهات، والشهوات. وفي هذا الزمان الذي اتصلت به الأمم بعضها ببعض، تعتري بعض المشتغلين بالدعوة، ما يسمى بـ (الصدمة الحضارية) حين تبهره المنجزات المادية، والمساجلات الفكرية، لدى أمم الكفر، فتحدث له حالةً من فقدان التوازن، واهتزاز الثوابت، ويخيل إليه أنه بحاجة إلى (مراجعات) و (تصحيح)، ويفقد الثبات.
وآخرون تحرجهم المواجهة الجماعية، والأضواء الإعلامية، فيسوغون لأنفسهم الإدلاء على الدين، باسم (مصلحة الدعوة)، ودعوى (التيسير) و (الترغيب).
وصنف ثالث ترهقهم الدعاوى العريضة، والتهم الباطلة، ولبس الحق بالباطل، والخوف من التصنيف، والنبز بالإرهاب، فيقع له نوع استزلال، ويستعمل لغةً رخوة، يستدفع بها شنآن المبطلين، فلا تغني عنه شيئاً؛ فإنهم لا يرضون منه إلا أن ينسلخ عن دينه، ويماهيهم، ويضاهيهم، كما قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير) ٍ [البقرة/120].
ووسط هذه الأمواج المتلاطمة، من المخاوف، والرغائب، والآراء، والأهواء، تبقى (العقيدة) (العروة الوثقى) التي يعتصم بها من سبقت لهم من الله الحسنى. (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران/101] يا عباد الله فاثبتوا.
منقول من موقع الشيخ احمد القاضي
العقيدة و الحياة(/)
صيد الفوائد (1): الفوائد الحسان من كتاب الفرقان لابن تيمية.
ـ[عبد العزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - Jul-2009, مساء 03:03]ـ
" صيد الفوائد (1) "
" الفوائد الحسان من كتاب الفرقان"
بسم الله الرحمن الرحيم.
وبعد:
/// فهذه سلسلة من الفوائد المقتنصة المستخرجة من بطون الكتب ..
ومن فوائدها:
1ـ أخذ الفوائد والفرائد منها.
2ـ شحذ الهمم لقراءة هذه الكتب.
وغيرها .... إلخ.
/// وأبدأ بكتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لشيخ الاسلام ابن تيمية الحراني.
_ ملاحضة:
/// عزوت في آخر كل فائدة إلى رقمها من مجموع الفتاوى الجزء الحادي عشر, ثم إلى طبعة الشيخ د. عبد الرحمن اليحيى.
والله أعلم.
ـ[عبد العزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - Jul-2009, مساء 03:10]ـ
{1}
[تضعيف حديث الأبدال]
وَكَذَا كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِدَّةِ " الْأَوْلِيَاءِ " وَ " الْأَبْدَالِ " وَ " النُّقَبَاءِ " وَ " النُّجَبَاءِ وَ " الْأَوْتَادِ " وَ " الْأَقْطَابِ " مِثْلُ أَرْبَعَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ أَوْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ الْقُطْبَ الْوَاحِدَ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْطِقْ السَّلَفُ بِشَيْءِ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَّا بِلَفْظِ " الْأَبْدَالِ ". وَرُوِيَ فِيهِمْ حَدِيثُ أَنَّهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا وَأَنَّهُمْ بِالشَّامِ وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَيْسَ بِثَابِتِ. <167> , <27>
{2}
[حديث: {رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ .. متفق على صحته]
وَكَذَلِكَ الْمَجَانِينُ وَالْأَطْفَالُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ}. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ عَلَى تَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ. <191>, <67>
{3}
[بطلان حديث "رَجَعْنَا مِنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ"]
أَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِيه بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ {رَجَعْنَا مِنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ} فَلَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَقْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَالِهِ.<197> , <78>.
{4}
[لاشيء بعد الفرائض أفضل من الجهاد]
وَجِهَادُ الْكُفَّارِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْمَالِ؛ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ.<197>, <78>.
{5}
[اقتربوا من أفواه المطيعين .. ]
وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ اقْتَرِبُوا مِنْ أَفْوَاهِ الْمُطِيعِينَ وَاسْمَعُوا مِنْهُمْ مَا يَقُولُونَ فَإِنَّهُ تَتَجَلَّى لَهُمْ أُمُورٌ صَادِقَةٌ. <205>, <91>.
{6}
[إنما حرموا الوصول بتضييع الأصول]
وَلِهَذَا قِيلَ فِي مِثْلِ هَؤُلَاء [من يسلم لمن يظنه وليا في كل ما يقوله] ِ إنَّمَا حَرَّمُوا الْوُصُولَ بِتَضْيِيعِ الْأُصُولِ فَإِنَّ أَصْلَ الْأُصُولِ تَحْقِيقُ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ إنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ وَعَرِبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ عُلَمَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ مُلُوكِهِمْ وَسُوقَتِهِمْ وَأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَحَدِ مِنْ الْخَلْقِ إلَّا بِمُتَابَعَتِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا حَتَّى لَوْ أَدْرَكَهُ مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
اتِّبَاعُهُ. <212>, <103>.
ـ[عبد العزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - Jul-2009, مساء 03:13]ـ
{7}
[حديث العقل موضوع بالإتفاق]
وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْعَقْلِ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمٍ البستي والدارقطني وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَمَعَ هَذَا فَلَفْظُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ لَفْظَهُ " {أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَقْلَ قَالَ لَهُ - وَيُرْوَى - لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ} " فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَاطَبَهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ خَلْقِهِ؛ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ.<231>, <136>.
{8}
[حكاية حال أهل الكلام وسبب تفوق أهل الفلسفة عليهم مع بيان وجه تلبيسهم]
وَهَؤُلَاءِ يُلَبِّسُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَلْبِيسًا كَثِيرًا كَإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ " الْفَلَكَ " مُحْدَثٌ: أَيُّ مَعْلُولٍ مَعَ إنَّهُ قَدِيمٌ عِنْدَهُمْ وَالْمُحْدَثُ لَا يَكُونُ إلَّا مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ لَيْسَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَا فِي لُغَةِ أَحَدٍ أَنَّهُ يُسَمَّى الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ مُحْدَثًا وَاَللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ وَكُلُّ مُحْدَثٍ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لَكِنْ نَاظَرَهُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ مِنْ الجهمية وَالْمُعْتَزِلَةِ مُنَاظَرَةً قَاصِرَةً لَمْ يُعْرَفُوا بِهَا مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَلَا أَحْكَمُوا فِيهَا قَضَايَا الْعُقُولِ فَلَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا وَلَا لِلْأَعْدَاءِ كَسَرُوا وَشَارَكُوا أُولَئِكَ فِي بَعْضِ قَضَايَاهُمْ الْفَاسِدَةِ وَنَازَعُوهُمْ فِي بَعْضِ الْمَعْقُولَاتِ الصَّحِيحَةِ فَصَارَ قُصُورُ هَؤُلَاءِ فِي الْعُلُومِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ مِنْ أَسْبَابِ قُوَّةِ ضَلَالِ أُولَئِكَ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. <232>,<139>.
{9}
[تمسح الزنادقة باسم الصوفية مع بيان مخالفتهم للزهاد الأول]
فَإِنَّ ابْنَ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالَهُ وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مَنَّ الصُّوفِيَّةِ فَهُمْ مِنْ صُوفِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ الْفَلَاسِفَةِ لَيْسُوا مِنْ صُوفِيَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا مِنْ مَشَايِخِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: كالفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَمَعْرُوفٍ الكرخي والجنيد بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري وَأَمْثَالِهِمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. <233>,<141>.
{10}
[حقيقة عقيدة وحدة الوجود]
وَغَايَةُ حَقِيقَةِ هَؤُلَاءِ إنْكَارُ " أُصُولِ الْإِيمَانِ " بِأَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ جَحْدُ الْخَالِقِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا وُجُودَ الْمَخْلُوقِ هُوَ وُجُودُ الْخَالِقِ وَقَالُوا: الْوُجُودُ وَاحِدٌ وَلَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْوَاحِدِ بِالْعَيْنِ وَالْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ فَإِنَّ الْمَوْجُودَاتِ تَشْتَرِكُ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ كَمَا تَشْتَرِكُ الْأَنَاسِيُّ فِي مُسَمَّى الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانَاتُ فِي مُسَمَّى الْحَيَوَانِ وَلَكِنَّ هَذَا الْمُشْتَرَكَ الْكُلِّيَّ لَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا إلَّا فِي الذِّهْنِ وَإِلَّا فالحيوانية الْقَائِمَةُ بِهَذَا الْإِنْسَانِ لَيْسَتْ هِيَ الْحَيَوَانِيَّةُ الْقَائِمَةُ بِالْفَرَسِ.<235>,<144>.
{11}
[عامة كلام صوفية الملاحدة من التخييلات الشيطانية]
وَلِهَذَا عَامَّةُ كَلَامِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَالَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَيَقُولُونَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفُتُوحَاتِ: (بَابُ أَرْضِ الْحَقِيقَةِ وَيَقُولُونَ هِيَ أَرْضُ الْخَيَالِ. فَتُعْرَفُ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا هِيَ خَيَالٌ وَمَحَلُّ تَصَرُّفِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُخَيِّلُ لِلْإِنْسَانِ الْأُمُورَ بِخِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} {حَتَّى إذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}.<236>,<147>.
{12}
[لطيفة]
وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِهِمْ لِمُرِيدِهِ: مَنْ قَالَ لَك: إنَّ فِي الْكَوْنِ سِوَى اللَّهِ فَقَدْ كَذَبَ. فَقَالَ لَهُ مُرِيدُهُ: فَمَنْ هُوَ الَّذِي يَكْذِبُ؟.<241>,<156>.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبد العزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - Jul-2009, مساء 03:16]ـ
{13}
[مناقضة عقيدة صوفية الملاحدة للعقل]
وَهُمْ مَعَ كُفْرِهِمْ هَذَا لَا يَنْدَفِعُ عَنْهُمْ التَّنَاقُضُ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ ذَاكَ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ مَا كَانَ يَقُولُهُ التلمساني: إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَنَا فِي الْكَشْفِ مَا يُنَاقِضُ صَرِيحَ الْعَقْلِ. وَيَقُولُونَ: مَنْ أَرَادَ التَّحْقِيقَ - يَعْنِي تَحْقِيقَهُمْ - فَلْيَتْرُكْ الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ. وَقَدْ قُلْت لِمَنْ خَاطَبْته مِنْهُمْ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَشْفَ الْأَنْبِيَاءِ أَعْظَمُ وَأَتَمُّ مِنْ كَشْفِ غَيْرِهِمْ وَخَبَرَهُمْ أَصْدَقُ مِنْ خَبَرِ غَيْرِهِمْ؛ وَالْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يُخْبِرُونَ بِمَا تَعْجِزُ عُقُولُ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ؛ لَا بِمَا يَعْرِفُ النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ فَيُخْبِرُونَ بِمَحَارَاتِ الْعُقُولِ لَا بِمُحَالَاتِ الْعُقُولِ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي إخْبَارِ الرَّسُولِ مَا يُنَاقِضُ صَرِيحَ الْعُقُولِ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَعَارَضَ دَلِيلَانِ قَطْعِيَّانِ: سَوَاءٌ كَانَا عَقْلِيَّيْنِ أَوْ سَمْعِيَّيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَقْلِيًّا وَالْآخَرُ سَمْعِيًّا فَكَيْفَ بِمَنْ ادَّعَى كَشْفًا يُنَاقِضُ صَرِيحَ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ؟. <244>.<160>.
{14}
[من بدائع انصاف ابن تيمية]
وَهَؤُلَاءِ قَدْ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ لَكِنْ يُخَيَّلُ لَهُمْ أَشْيَاءُ تَكُونُ فِي نُفُوسِهِمْ وَيَظُنُّونَهَا فِي الْخَارِجِ وَأَشْيَاءَ يَرَوْنَهَا تَكُونُ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ لَكِنْ يَظُنُّونَهَا مِنْ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ وَتَكُونُ مِنْ تَلْبِيسَاتِ الشَّيَاطِينِ.< 244>,<160>.
{15}
[وجه حديث احتج آدم وموسى]
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " {احْتَجَّ آدَمَ وَمُوسَى قَالَ مُوسَى: يَا آدَمَ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَتَهُ لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمَ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَكَتَبَ لَك التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ فَبِكَمْ وَجَدْت مَكْتُوبًا عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}؟ قَالَ: بِأَرْبَعِينَ سَنَةٍ [قَالَ]: فَلِمَ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةٍ؟ قَالَ: فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى} " أَيْ: غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَلَّتْ فِيهِ طَائِفَتَانِ: " طَائِفَةٌ " كَذَّبَتْ بِهِ لَمَّا ظَنُّوا أَنَّهُ يَقْتَضِي رَفْعَ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ عَمَّنْ عَصَى اللَّهَ لِأَجْلِ الْقَدَرِ. وَ " طَائِفَةٌ " شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ جَعَلُوهُ حُجَّةً وَقَدْ يَقُولُونَ: الْقَدَرُ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ الَّذِينَ شَهِدُوهُ أَوْ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ أَنَّ لَهُمْ فِعْلًا. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إنَّمَا حَجَّ آدَمَ مُوسَى لِأَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَابَ أَوْ لِأَنَّ الذَّنْبَ كَانَ فِي شَرِيعَةٍ وَاللَّوْمَ فِي أُخْرَى أَوْ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْأُخْرَى. وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ. وَلَكِنَّ وَجْهَ الْحَدِيثِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَلُمْ أَبَاهُ إلَّا لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُمْ مِنْ أَجْلِ أَكْلِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ فَقَالَ لَهُ: لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ؟ لَمْ يَلُمْهُ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَتَابَ مِنْهُ؛ فَإِنَّ مُوسَى يَعْلَمُ أَنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ لَا يُلَامُ وَهُوَ قَدْ تَابَ مِنْهُ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ آدَمَ يَعْتَقِدُ رَفْعَ الْمَلَامِ عَنْهُ لِأَجْلِ الْقَدَرِ لَمْ يَقُلْ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا
(يُتْبَعُ)
(/)
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.<259>,<183>.
{16}
[الجواب عن شبهة الاحتجاج بحال الخضر على جواز الخروج عن شريعة محمد (ص)]
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ لِأَحَدِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ طَرِيقًا إلَى اللَّهِ غَيْرَ مُتَابَعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَلَمْ يُتَابِعْهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَهُوَ كَافِرٌ. وَمَنْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقِصَّةِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ كَانَ غالطا مِنْ وَجْهَيْنِ: " أَحَدُهُمَا " أَنَّ مُوسَى لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إلَى الْخَضِرِ وَلَا كَانَ عَلَى الْخَضِرِ اتِّبَاعُهُ؛ فَإِنَّ مُوسَى كَانَ مَبْعُوثًا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِسَالَتُهُ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَضِرِ: كَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ؛ اتِّبَاعُهُ فَكَيْفَ بِالْخَضِرِ سَوَاءٌ كَانَ نَبِيًّا أَوْ وَلِيًّا؛ وَلِهَذَا قَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: " إنَّا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لَا تَعْلَمُهُ؛ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ " وَلَيْسَ لِأَحَدِ مِنْ الثَّقَلَيْنِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ رِسَالَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهَذَا. " الثَّانِي " أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْخَضِرُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِشَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمُوسَى لَمْ يَكُنْ عَلِمَ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُبِيحُ ذَلِكَ فَلَمَّا بَيَّنَهَا لَهُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ خَرْقَ السَّفِينَةِ ثُمَّ تَرْقِيعُهَا لِمَصْلَحَةِ أَهْلِهَا خَوْفًا مِنْ الظَّالِمِ أَنْ يَأْخُذَهَا إحْسَانٌ إلَيْهِمْ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَقَتْلُ الصَّائِلِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَمَنْ كَانَ تَكْفِيرُهُ لِأَبَوَيْهِ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِقَتْلِهِ جَازَ قَتْلُهُ.< 264>,<189>.
{17}
[الكرامات قد تكون بحسب حال الرجل]
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِحَسَبِ حَاجَةِ الرَّجُلِ فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهَا الضَّعِيفُ الْإِيمَانِ أَوْ الْمُحْتَاجُ أَتَاهُ مِنْهَا مَا يُقَوِّي إيمَانَهُ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ وَيَكُونُ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ وِلَايَةً لِلَّهِ مِنْهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْتِيه مِثْلُ ذَلِكَ لِعُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْهَا لَا لِنَقْصِ وِلَايَتِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الصَّحَابَةِ؛ بِخِلَافِ مَنْ يَجْرِي عَلَى يَدَيْهِ الْخَوَارِقُ لِهَدْيِ الْخَلْقِ وَلِحَاجَتِهِمْ فَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ دَرَجَةً. <283>,<230>.
{18}
[الغناء من أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية]
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُقَوِّي الْأَحْوَالَ الشَّيْطَانِيَّةَ سَمَاعُ الْغِنَاءِ وَالْمَلَاهِي وَهُوَ سَمَاعُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرُهُمَا مِنْ السَّلَفِ " التَّصْدِيَةُ " التَّصْفِيقُ بِالْيَدِ وَ " الْمُكَاءُ " مِثْلُ الصَّفِيرِ فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَّخِذُونَ هَذَا عِبَادَةً وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَعِبَادَتُهُمْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالِاجْتِمَاعَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَمْ يَجْتَمِعْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى اسْتِمَاعِ غِنَاءٍ قَطُّ لَا بِكَفِّ وَلَا بِدُفِّ وَلَا تَوَاجُدٍ وَلَا سَقَطَتْ بُرْدَتُهُ؛ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِحَدِيثِهِ. <295>,<250>.
تمت بحمد الله.
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح
ـ[ابوعمر الدغيلبي]ــــــــ[08 - Jan-2010, صباحاً 12:45]ـ
بارك الله فيك
ـ[عبد السلام أيت باخة]ــــــــ[08 - Jan-2010, صباحاً 04:25]ـ
جزاك الله خيرا على الموضوع
ـ[الادهمي]ــــــــ[08 - Jan-2010, صباحاً 06:26]ـ
بارك الله فيك(/)
مطلوب الرد علي هذا السؤال من اقوال العلماءمن اهل السنه والجماعه
ـ[محمد الليبي]ــــــــ[01 - Jul-2009, مساء 05:19]ـ
المحاكم في بلادنا تحكم بغير ما انزل الله فهل يجوز التحاكم اليها في رد المظالم أي في الامورالتي لاتخالف الشرع كالطلاق والنكاح والموريث ورد المظالم علما بان الاحكام فيها لاتخالف الشريعه؟
ـ[علي أحمد عبد الباقي]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 01:53]ـ
الموضوع نوقش من قبل هنا:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=12075
وهنا:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=27546&highlight=%ED%CC%E6%D2+%C7%E1% CA%CD%C7%DF%E3
وفي الموضوعين روابط أخرى.(/)
البَلِيَّة بِمَا أُحْدِثَ مِنَ الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ بِدُونِ عِلْمٍ وَلا رَوِيَّة
ـ[أبو عبيدالله الأثري]ــــــــ[01 - Jul-2009, مساء 11:01]ـ
البَلِيَّة
بِمَا أُحْدِثَ مِنَ الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ
بِدُونِ عِلْمٍ وَلا رَوِيَّة
بقلم: أبي عُبَيدِالله اليُوسُفِي –كان الله له-
للتحميل بصيغة بي دي أف: http://www.4shared.com/file/115384165/43780c6c/_________.html
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوهوكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهمينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين [1] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn1)، وبعد:
فالموَّفق من وفقه الله للزوم طريق الحق الوسط، فترك الغلو والوقوع في الجهالة والشطط، وكان في جميع أحواله متبعا للحق بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة، فيدُور مع الحقِّ حيثُما دار، ويجعل الدليلَ هو الفيصل والقرار، ولا يدعُ للهَوى أن يدْخُل بينَه وبين قَبول الحق، فالحق يُقبل أينما وُجِد، ويُطلبُ إذا فُقِد، وطَالِبه ينبغي أن يكون عَادِلا فِي نَفْسِه مُنصِفاً لغيره، مُتكلِّماً فيما يحسنه ساكتاً عما يجهله، تاركاً لما قد يسوءه، مبتعداً عما يضره، والضرر كل الضرر في نهك أعراض رجال صدقوا مع ربهم واقتدوا بآثار نبيهم، فكانوا لنهج الكتاب والسنة داعين وعن طرق الغي والضلالة محذرين. ومن وقع في أعراض أهل العلم وحملته، فاعلم أنه لا يكون إلا أحد رجلين:
إِمَّا رجلٌ يجهلُ ما لأهلِ العِلمِ والدَّعوةِ مِن قَدْرٍ وَفَضْلٍ في شَرِيعَةِ رَبِّنَا.
أو رجل مُقَلِّدٌ في جَرْحٍ وتَعْدِيلٍ بلا دَلِيلٍ ولا بُرْهَان إِلا قَالَ زَيدٌ أو قَالَ عَمْرو.
أما الأول فيُنَبه إلى أن الجناية على العلماء خرقٌ في الدين، (وأنَّ أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يُذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل.) [2] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn2) و (كفى المرء شرًّا أن لا يكون صالحا، ويقع في الصالحين) [3] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn3)، وليَعْلم أن (من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله تعالى بموت القلب) [4] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn4)، فالحذر كل الحذر من الوقيعة في أهل الأثر، فالطاعن في العلماء لا يضرن إلا نفسه، ولا يستجلب بصنيعه الشنيع – هذا - إلا أقبح الأوصاف وأرذل المراتب عند الله ثم عند الناس، فالقدح بالحامل ما يُفضي إلا إلى القدح فيما يحمله من الشرع والدين، شَعُر الجاني بذلك أم لم يشعر (!)، قال الإمام أحمد بن الأذرعي - رحمه الله -: (الوقيعة في أهل العلم ولا سيما أكابرهم من كبائر الذنوب) [5] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn5)، وما ذلك إلا لأنهم ورثة الأنبياء الحاملين لِعِلمهم المبلغين لشريعة ربهم. ولهذا أطبق العلماء على أن من أعظم أسباب الفرقة والإختلاف (الوقيعة في أهل العلم وحملته)، فالله سبحانه وتعالى رفع الذين آمنوا على من سواهم، ثم رفع أهل العلم على سائر الناس فقال:) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ? (وقال جل وعلا:) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ? إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (ومن ثبت بقول الله فضله وتعظيمه، فتفضيله وتعظيمه شعيرة وحُرمة، قال تعالى:) ذَ?لِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ? (وقال:) ذَ?لِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ
(يُتْبَعُ)
(/)
اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (فَحُرمة العلماء مُضاعفة وحقُوقُهم عَدِيدة، فَلَهُم كل مَاثَبَتَ من حُقُوقِ المُسلمِ عَلَى أَخِيه المسلم، وَلهم حُقُوق الشُّيوخ ذوي الشَّيْبِة المُسِنِّينَ، ولهم حقوق حملة القرآن الكريم، ولهم حقوق العلماء العاملين والأولياء الصالحين.
فمن أساءَ إليهِم وَطَعَنَ فِيهِم بَغياً وعُدواناً وَلَو مُتأولا - بما زُيِّن لِبعض النَّاسِ سُوءُ عَمَلِهم فرأوه حسناً - فقد رَكِبَ مَتنَ الشَّطَط ووََقعَ في أَقبَحِ الحيفِ والغلط، ورحم الله من عرف قدر نفسه.
ما الفضل إلا لأهل العلمإنهمُ:: على الهدى لمن استهدىأدلاء
وقدر كلامرئ ما كان يحسنه:: والجاهلون لأهل العلمأعداء
وأما الثاني فيُبيَّن له أن التَّنطع بتقليد كلام عالم في قرينه أو معاصره لا يحل - ناهيك أن يُنَصِّب المقلدُ نفسه مجتهداً فيما قلَّد فيه غيره -، فالعلماء بشر كالبشر قد يصيبون ويعتريهم العور، ولا عصمة لإمام سوى للأنبياء وسيد البشر، وما أنا في هذا إلا ناقل لما قرَّره الجهابذةُ الأوَّلون وسلفنا الصالحون، أنه ما من أحد إلا راد ومردود عليه إلا النبي المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه، فكلٌ قوله محتمل للخطأ والصواب، وهذا لا يغض من أقدارهم ولا يحط من منازلهم، بل هم في ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر) [6] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn6) والعالم المشتغل لابد له أن يُخطئ ولو في صغيرة.
وقد صدق من قال قديماً:
من ذا الذي ما ساء قط:: ومن له الحسنى فقط
ولكن الواجب على علماء الأمة أن يُبينوا هذا الزلل، حفظاً للأمة منه [7] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn7)، إذ يُتابعه على ذلك نفر من الخلق تعصباً له وتقليداً، ومن أبلغ ما قيل في هذا ما صححه جهبذ السنة الإمام الألباني في تذييله على مشكاة المصابيح: (عن زياد بن حدير الأسدي رضي الله عنه أنه قال: قال لي عمر –رضي الله عنه -: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟! قال: قلت: لا! قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين) [8] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn8)
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - في إعلام الموقعين: (من المعلوم أن المُخوِّف في زلة العالم تقليده فيها؛ إذ لولا التقليد لم يُخف من زلة العالم على غيره ... )
فَإِن تَبيَّنت هذه الزَّلةُ وعُرفِ أنه قد أخطأ –سواءاً كان راداً أو مردوداً عليه -، فلا يحِلُّ أن يُتَعَصَّبَ له فيما أخطأ فيه - وإن وافق ما نهواه -، فَلِكُلِّ جَوادٍ كبوة بل كبوات ولكل عالم هفوة بل هفوات، والمعصُوم من عصمه الله من التَّعصب والتقليد الأعمى، وقال كذلك – رحمه الله -:
( ... فإذا عُرف أنها زلة لم يَجُز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباع للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه، وكلاهما مفرط فيما أُمِر به.)
فإن الخطأ لا يُقبل – أبداً - مهما عَلَت منزِلةُ قائله وعَظُمَ قدرُه، والرد يكون عليه فيما أخطأ فيه بأدب جم وعدل واعتدال لا بحط القدر والظلم والإنفعال، ولا يسوغ – البتة - أن نترك ما عنده من الحق لمجرد أنه أخطأ.
وصدق القائل:
أتطلب صاحباً لا عيب فيه:: وأي الناس ليس له عيوب
وأبلغ من هذا قول القائل:
فإن يكن الفعل الذي ساء واحداً:: فأفعاله اللائي سررن ألوفُ [9] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn9)
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: (وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَتَّبِعَ زَلَّاتِ الْعُلَمَاءِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ إلَّا بِمَا هُمْ لَهُ أَهْلٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَفَا لِلْمُؤْمِنِينَ عَمَّا أَخْطَئُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قَالَ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْت. وَأَمَرَنَا أَنْ نَتَّبِعَ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا وَلَا نَتَّبِعَ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ وَأَمَرَنَا أَنْ لَا نُطِيعَ مَخْلُوقًا فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَنَسْتَغْفِرَ لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا
(يُتْبَعُ)
(/)
بِالْإِيمَانِ. فَنَقُولَ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الْآيَةَ. وَهَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَا كَانَ يُشْبِهُ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ. وَنُعَظِّمُ أَمْرَهُ تَعَالَى بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَنَرْعَى حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ؛ لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَمَنْ عَدَلَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ اتِّبَاعِ الْحُجَّةِ إلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى فِي التَّقْلِيدِ وَآذَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا: فَهُوَ مِنْ الظَّالِمِينَ. وَمَنْ عَظَّمَ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَأَحْسَنَ إلَى عِبَادِ اللَّهِ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ) [10] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn10)
ومن القول الماتع الذي نُقل عن اللكنوي – رحمه الله - في شرحه لكلام الأئمة المتقدمين، قوله: ( ... لا يقبل جرح المعاصر على المعاصر أي: اذا كان بلا حجة لأن المعاصرة تفضي غالبا الى المنافرة) [11] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn11)
وفي ضوء هذا يَظهَر لنا أن كلامَ الفردِ من أهلِ العلم في قَرِينِه أو مُعَاصِره من أهل السنة الذي بَانَت واتضَحت سَلامةُ سَبِيلهِ لا يُقبل إلا بالبيِّنةِ الجليَّةِ الواضحةِ التي لم يُداخِلها احتمالُ الإنتصارِ للنَّفس وحُظوظها، وأكثر ما يكون من كلام بعضهم في بعض يخرج مخرج الغيرة والحسد، وهذا قد يُعلَم بالقرائن.
وعند ثُبوتِ عَدالةِ المُتكلَّم فيه، لا يُقبل جرحُه، وقَبيل ذلك ما يقوله أهل الإصطلاح أن من ثبتت عدالته لم يُقبل فيه جرح.
قال الإمام أبو عبدالله محمد بن نصر المروزي – رحمه الله - وهي كلمة دقيقة هامة: (كل رجل ثبتت عدالته لم يُقبل فيه تجريح أحد حتى يتبين عليه بأمر لا يحتمل غيرُ جرحه) [12] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn12)
عكسَ المنتَهجِ مِن كَثيرٍ مِن ذَوِي الوَجَاهةِ في عَصرِنا هذا، حملُ كلِّ قَولٍ على أَسوَءِ المحامِل وإن كَانَ بَعِيداً ومُتكلَّفاً. وفي ذلك أَعْجَبَني قَولٌ للشَّيخِ عبدالمحسن العبَّاد البدر البدر حقًّا – حفظه الله - لما سُئِل عن مسألة مشابهة لهذا فقال: (هذا يدلُّ على أن في النفوسِ شيئا.) (!)
وقال الحافظُ الذهبي - رحمه الله -: (كلامُ الأقرانِ بعضهم في بعض لا يُعبأ به، لاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمتُ أنَّ عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم.) (!!) [13] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn13)
وكثيراً ما كان يقول المُحدِّثُ الإمام ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: "داء العلماء الحسد" وهذا يصُبُّ في دلو ما رواه سعيد بن المسيّب - رحمه الله - عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال: «استمعوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض فوالذي نفسي بيده لهم أشد تغايرا من التيوس في زُرُبها (!)» وهذا حَاصِل ومُشاهَد، فقد تصدر منهم كلمات شديدة في حق بعضهم البعض، بل وحصل ذلك بين بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومن ذلك ما نُسب إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: (وما عِلْمُ أبي سعيد وأنس بأحاديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كانا غُلامين صغيرين) [14] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn14) وقد أفرد بخاري المغرب وحافظها الإمام أبو عمر ابن عبدالبر - رحمه الله - لهذا باباً خاصًّا في كتابه الماتع "جامع بيان العلم وفضله" أسماه: "باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض" فروى فيها روايات عن بعض التابعين والعلماء مِن بَعدِهم وكلام بعضِهم في بعض، وبيَّن أن هذا كله يُترك ولا يُلتفت إليه، وأنه لا يجوز الحكمُ على مُعَين بغير حجة ولا برهان، ولعله يَحسن استعراض بعض ما أورده - رحمه الله - في هذا الباب، وذلك للتمثيل بما نقله
(يُتْبَعُ)
(/)
ليتضح مغزاه:
روى الإمام ابن عبدالبر بسنده عن مغيرة قال: قدم علينا حماد بن أبي سليمان من مكة فأتيناه لنسلم عليه فقال لنا «احمدوا الله يا أهل الكوفة فإني لقيت عطاء وطاووسا ومجاهدا فلصبيانكم وصبيان صبيانكم أعلم منهم!!» قال مغيرة: هذا بغي منه.
فقال الإمام أبو عمر ابن عبدالبر مُعلِّقاً: (فهذا حماد بن أبي سليمان وهو فقيه الكوفة بعد النخعي القائم بفتواها، وهو معلم أبي حنيفة وهو الذي قال فيه إبراهيم النخعي حين قيل له: من يُسأل بعدك؟ قال: حماد، وقعد مقعده بعده يقول في عطاء وطاوس ومجاهد وهم عند الجميع أرضى منه وأعلم بكتاب الله وسنة رسوله وأرضى منه حالا عند الناس وفوقه في كل حال؛ إلى آخر كلامه.)
فهذا حمّاد التابعي! قد زكاه أئمة الإسلام وقتها، وكان خليفةَ إبراهيم النخعي في الفَتوَى، أَفيقالُ استناداً على هذا أن كلامَه في عَطاء وطاوس ومجاهد مقبول لمجرد كونه ذلكم العالم المجاهد، ولمجرد أن علماء ذلك العصر قد زكوه!! هذا مخالف للأصول ولا يقول به عاقل فضلاً أن يقول به عالم! وهذا لا يختلف فيه سَلَفِيَّان مقالاً وإن وُجد في بعضهم ذلك حالاً.
وقال-رحمه الله-[15] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn15): وهذا ابن شهاب (هو الزهري) قد أطلق على أهل مكة في زمانه أنهم ينقضون عرى الإسلام ما استثنى منهم أحدا، وفيهم من جلة العلماء من لا خفاء لجلالته في الدين، فعن ابن شهاب قال: «ما رأيت قوما أنقض لعرى الإسلام من أهل مكة.»
وكما لم يَقبَل العلماءُ كلام الزهريّ - رحمه الله - في أهل مكة جملة وتفصيلاً، رُدَّ كلام شانئيه في عدالته بنسبته إلى بني أمية في عصره حتى قِيل أنَّك إذا رأيته حسبته جندٌ من جُندِ بني أمية.
وفيه: عن الأعمش قال: «ذُكر إبراهيم النخعي عند الشعبي فقال: ذاك الأعور الذي يستفتي بالليل، ويجلس يُفتي الناس بالنهار!! قال: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: ذلك الكذاب لم يسمع من مسروق شيئاً!!»
فكيف لو كان بعض أهل زماننا – هدانا الله وإياهم - في عصرهم رحمهم الله؟ هل كان لِينشُر قولَ إبراهيم في الشعبي أو العكس ويقول: قد تكلم فلان في فلان، وبما أنه قد تكلم فيه شيخنا الهُمام فهو منحرف ساقط، ومن أعرض عن الكلام فيه فهو مثله أو قارب!!
وتأمل – رعاكَ الله - فيما علَّق به الإمام ابن عبدالبر ومافيه من العدل والإنصاف إذ يقول: «معاذ الله أن يكون الشعبي كذابا بل هو إمام جليل، والنخعي مثله جلالة وعلما ودينا»
وقال أيضاً - رحمه الله -: (سمعت الفضل بن موسى يقول: دخلت مع أبي حنيفة على الأعمش نعوده فقال له أبو حنيفة: يا أبا محمد، لولا التثقيل عليك لترددت في عيادتك أو قال: لعدتك أكثر مما أعودك، فقال له الأعمش: والله إنك لثقيل وأنت في بيتك فكيف إذا دخلت علي؟ قال الفضل: فلما خرجنا من عنده قال أبو حنيفة: إن الأعمش لم يصم رمضان قط ولم يغتسل من جنابة، فقلت للفضل: ما يعني بذلك؟ قال كان الأعمش يرى الماء من الماء ويتسحر على حديث حذيفة»
وروى أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي قال: سمعت جبير بن دينار قال: سمعت يحيى بن أبي كثير قال: «لا يزال أهل البصرة بِشَر ما أبقى الله فيهم قتادة!!!» قال: وسمعت قتادة يقول: «متى كان العلم في السماكين؟» يُعرِّض بيحيى بن أبي كثير وكان أهل بيته سماكين!!)
يا فرحة المترصدين ويا سرور المتربصين ويا بهجة المتصيِّدين، لو وَجَدُوا مِثل هذا الكلام في وقتنا قد قِيلَ في عَالم أو داعية ذي بصيرة، لأسرعوا به فأشاعوه، ونشروه في كل موطن وأذاعوه، وإن قيل لهم ما هذا الصنيع وما هذا الفعل الشنيع؟ لأجابوا: لا لوم علينا! فإنََّا نحذر ممن حذر منه أهل العلم!! ونسوا أو تناسوا – والله المستعان - أن هذا النوع من الجرح جُعلت له قواعد لإقامة المصلحة لا لهدمها، وذلك باعتبار عواقبها ومآلاتها.
وروى ابن عبدالبر عن سلمة بن سليمان بسنده قال: قلت لابن المبارك: وَضَعْتَ من رأي أبي حنيفة ولَم تَضع من رأي مالك قال: «لم أره عِلماً!»
(يُتْبَعُ)
(/)
وذكر محمد بن الحسين الموصلي الحافظ أنه مما نقم على ابن معين وعُيب به قوله في الشافعي: «إنه ليس بثقة» وقيل لأحمد بن حنبل: إن يحيى بن معين يتكلم في الشافعي فقال أحمد: «ومن أين يعرف يحيى الشافعي هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف ما يقول الشافعي؟ أو نحو هذا ومن جَهل شيئا عاداه»
قال الإمام الحافظ أبو عمر: وكذلك كان كلام مالك في محمد بن إسحاق لشيء بلغه عنه تكلم به في نَسَبه وعلمه، والكلام ما رويناه من وجوه، عن عبد الله بن إدريس أنه قال: قدم علينا محمد بن إسحاق فذكرنا له شيئا عن مالك، فقال: هاتوا علم مالك فأنا بيطاره!! قال ابن إدريس: فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لمالك فقال: ذاك دجَّال من الدَّجَاجِلة!! نحن أخرجناه من المدينة، قال ابن إدريس: وما كنت سمعت بجمع دجال قبلها يعني على ذلك الجمع"
والحافظ ابن عبدالبر من عِلمِه وَإنصافه، أنه قبل عرضه لهذه الروايات قرر كلاماً حُقَّ له أن يُسَطَّر بماء الذهب، فقال: «قد غلط فيه كثير من الناس وضلت فيه نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك، والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم إمامته وبانت ثقته وبالعلم عنايته لم يُلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلةيصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب تصديقه فيما قاله لبراءته من الغل والحسد والعداوة والمنافسة وسلامته من ذلك كله، فذلك كله يوجب قبول قوله من جهة الفقه والنظر، وأما من لم تثبُت إمامته ولا عرفت عدالته ولا صحت لعدم الحفظ والإتقان روايته، فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه، والدليل على أنه لا يقبل فيمن اتخذه جمهور من جماهير المسلمين إماما في الدين قول أحد من الطاعنين، أن السلف رضي الله عنهم قد سبق من بعضهم في بعض كلام كثير، منه في حال الغضب ومنه ما حمل عليه الحسد، كما قال ابن عباس، ومالك بن دينار، وأبو حازم، ومنه على جهة التأويل مما لا يلزم المقول فيه ما قاله القائل فيه، وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلاً واجتهاداً لا يلزم تقليدهم في شيء منه دون برهان وحجة توجبه (!)، ونحن نورد في هذا الباب من قول الأئمة الجلة الثقات السادة، بعضهم في بعض مما لا يجب أن يُلتفت فيهم إليه ولا يعرج عليه».
ويا ليت نابتتنا مثل نابتة عصر الإمام ابن عبدالبر لكان الخطب أهون وأيسر، فهي أسوء قطعاً لا محالة، يحكم بذلك عليهم سوء صنيعهم ونتيجة فِعالهم المشاهدة عيانا من التطاول على أهل العلم وحملته بلمزهم وقدحهم والتنفير عنهم، وما حجتهم في ذاك إلا قال زيد وعمرو، ويكتفون بقوله ولا يتعدوه! والواجب هو الإستفصال والإستفسار والتأكد والتثبت، يقول الحسن البصري - رحمه الله -: "المؤمن وقاف حتى يتبين" فيُنظر هل في الجرح بيّنة واضحة يصح الجرح بها! وهل وقع هذا الجرح من باب إلزام القائل بمذهب أم بما يعتقده ويصرح به ويقرره (!).
ونقل الحافظ ابن حجر العسقلانيعن الإمام الطبري - رحمهما الله -: (لو كان كل من ادُعِيَ عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك: للزم ترك محدثيّ الأمصار، لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يُرْغَبُ به عنه.) (!!) [16] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=3#_ftn16)
والمصيبة تعظم – والله المستعان - إن عُقد الولاء والبراء على هذا بإلزام الناس بِتِلكُمُ الأقوال، وجعل الهجر والوصل مَرهُوناً بالتزامه، ويا ليتهم عَلِموا أنَّه لا يَحلُّ لِعالِم أن يحمِلَ غَيرَه على اجتِهَاده كَما قَالَ إِمامُ السُنَّةِ أحمد بن حنبل - رحمه الله -: (لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ويشتد عليهم.) [17] ومَا أَمتع ما كان يقوله العلامة الألباني - رحمه الله -: (كَلامنا مُعلِم غير مُلزِم.)
هذا قالوه في العالم المجتهد فما بالك بمن دونهم!
(يُتْبَعُ)
(/)
والأنسَبُ مَعَ هَؤُلاءِ المتعَصِّبة للرِّجَال – أَعَاذَنا الله وَإِياكُم مِن ذَاك - أنهم يُنصحون ويُعلَّمون ويُبيَّنُ ويُدعى لهم، فإن استمرُّوا وأصرُّوا على الخطأِ تقليداً لِعالِم مَهما كَان عِلمُه وفَضلُه في اجتهاده مع ظهور الأدلة وجلائها وقيام الحجة واتضاحها، فقد تعصبوا ومالوا وبغوا وجاروا، ولا نملك حينئذ إلا أن نقول: "إخواننا بغوا علينا" وإلى الله المشتكى وإليه المآل.
والمتأمل في كلام الإمام ابن عبدالبر - رحمه الله - - الأخير - ملياً، يجد أن الإمام - رحمه الله - قد أرشدنا إلى كيفية التعامل مع هذه الأقوال والأحوال، فوضَّح قائلاً: (والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم إمامته وبانت ثقته وبالعلم عنايته [18] لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببيّنة عادلة (!) يَصِحُّ بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة)
وقال: (فمن أراد أن يَقبَل قول العلماء الثقات الأئمة الأثبات بعضهم في بعض فليقبل قول من ذكرنا قوله من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بعضهم في بعض، فإن فعل ذلك ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا، وكذلك إن قبل في سعيد بن المسيب قول عكرمة، وفي الشعبي وأهل الحجاز وأهل مكة وأهل الكوفة وأهل الشام على الجملة وفي مالك والشافعي وسائر من ذكرناه في هذا الباب ما ذكرنا عن بعضهم في بعض فإن لم يفعل ولن يفعل إن هداه الله وألهمه رشده فليقف عند ما شرطنا في أن لا يقبل فيمن صحت عدالته وعلمت بالعلم عنايته، وسلم من الكبائر ولزم المروءة والتصاون وكان خيره غالبا وشره أقل عمله فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به، وهذا هو الحق الذي لا يصح غيره إن شاء الله.)
وقريب منه قول التاج السبكي - رحمه الله -: (الصواب عندنا: أن من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه ومزكوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه، من تعصب مذهبي أو غيره، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه، ونعمل فيه بالعدالة، وإلا فلو فتحنا هذا الباب، وأخذنا تقديم الجرح على إطلاقه؛ لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون ... ) [19]
إلى آخر ما قال ومن أراد الإستزادة فعليه الرجوع إلى الأصل.
وبهذا يُعرف أنه لا يكاد يَسْلمُ أحد من كلام الآخَرين، حتى يُدَّعى على المرء ما ليس فيه، ويُتّهم بما هو منه براء، وهذا حاصل ومشاهَد، فعلى المرء التَّريث والتَّثبت من حقيقة الجرح وظروفه وملابساته، فهذا واجب لازم لا مناص منه -لمن أراد أن يسلم من المظالم يوم القيامة-، وانعدامه مظنة للظلم وتحققه ونشر للكذب وتسلطه.
قال تعالى:) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ([20]
وقال عليه الصلاة والسلام: (من قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال) [21]
وقد قيل قديماً:
فلست بناجٍ من مقالةِ طاعن:: ولو كنتَ في غارٍ على جبلٍ وعرِ
ومن ذا الذي ينجو من الناسِ سالماً:: ولو غاب عنهم بين خافتي نسر
وقال العلامة عبدالرحمن السعدي - رحمه الله -: (من الغَلَطِ الفَاحِش الخطير: قبول قَولِ النَّاس بعضهم ببعض, ثُم يبني عليه السَّامِعُ حُبًّا وبُغضاً وَ مَدحاً وذمًّا فَكَم حَصَلَ بهذا الغلط من أمور صار عاقبتها النّدامة وكم أشاعَ النّاس عن الناس اموراَ لاحقيقة لها بالكلية فالواجب على العَاقِل: التثبت والتحرز وعدم التسرع وبهذا يُعرف دين العبد وَرَزانته وَعَقلَه) [22]
ولكن الذي بتنا نراه في أيامنا، الخدَّاعات هاته؛ فَشْو القلم - كما نبأ به صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم -[23] من هنا وهناك بدون أدنى تثبت وتبيّن، حتى يُتَّهم الدعاة والمصلحون الذين تشَهِد لهم كتاباتهم ودعوتهم وثمرة أعمالهم والناس أجمعين بسَلامة الطَّوِيَّة وحُسن الأقوالِ والفِعال والهويَّة، فيتمسكون بمتشابه كلامهم ومُجمله، دون الرُّجوع إلى مُفصَّلِه – كما هو صنيع أهل الأهواء - الذي يُقررونه ويتبنوه، وقد يكون كلامهم مُحتَمِلاً لوجوه، فلا ينبغي بله لا يحل أن يُحمل على أسوئها مع إهمال حُسن الظن الذي يقتضيه ما عرفناه وعرفوه عنهم –والله حسيبهم- من دعوة على منهج أهل الأثر.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد قال عمر بن الخطاب - رضيالله عنه -: (لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنتتجد لها في الخير محملاً.) [24]
ـ[أبو عبيدالله الأثري]ــــــــ[01 - Jul-2009, مساء 11:02]ـ
وبتلكم الطريقة الرديئة الوخيمة والحجج الواهية اللئيمة يتعلقون، وبها دعاة السنة يُسَقَّطُون، وإلى تبديعهم وهجرهم الناس يَدْعُون، وليس في جُعَبِ هؤلاء في الأغلب اللهم إلا بعض العمومات والإطلاقات التي قد تقع في كلام أؤلئك أو مما قد يَسبق به اللِّسان أو يزلُّ به القلم والبَنان مما لا تَتبُتُ به حجة عند الكريم الرحمن يوم تُعرَضُ في الأعمال وما يُخفيه الجنان، ولو أنهم – هدانا الله وإياهم- تمهلوا ثم تثبتوا وتحلوا بالأناة، بعدما سألوا ومن قبلُ الله راقبوا، لعلِموا أن أؤلئك على خلاف ما قد ظنوا أو إستساغوا فهمه، ولكن العصبية العمياء ومماشاة الدهماء أعمت أصحابها عن إدراك الحقائق واستبصار المقاصد العظيمة لهذا الدين الحنيف.
وقد قيل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة:: كما أن عين السخط تبُدي المساويا
وقيل أيضاً:
نظروا بعين عداوة لو أنها:: عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا
وأما الفاجعة الأخرى - كأن الأولى لم تكفي - حمل هذا الصنيع بعضَ الدعاة الأخيار إلى الإنزواء والإبتعاد عن ساحة التدريس والتربية والدعوة، صيانة لأعراضهم من الإفتراءات وخوفاً على حياة قلوبهم من الصراعات، وفي مثل هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ.) [25]
وما أمتع ما قاله الشيخ بكر أبو زيد - رحمة الله عليه -: (ومِن طرائقِِهم: ترتيبُ سوء الظنِّ، وحملُ التصرُّفاتِ -قولاً، وفِعلاً - على محامِلِ السُّوء والشُّكُوك. ومِنه: التناوُش مِن مكانٍ بعيدٍ؛ لحَمْلِ الكلامِ على مَحامِل السُّوء- َبعْدَ بذْل الهَمِّ القاطِع للترصُّد، والتربُّص-والفرح العظيم بأنَّهُ وَجَدَعلى فُلان كذا! وعلى فلان كذا!!
ومتى صارمِن دِين الله: فرُح المسلم بُمقاَرفةِ أخيه المسلم للآثام؟!
ألا إنَّ هذا التَّصَُّيدَ داءٌ خبيثٌ؛ مَتَى ماتمكَّن مِن نفس أطفأ ما فيها مِن نور الإيمان، وصَيَّرَ القلبَ خراباً يباباً، يستقبلُ الأهواءَ والشهواتِ، ويُفرِزُها- نعوذُ بالله مِن الخذلان.) [26]
ولنعتبر بما قاله الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله -: (فإنني في بعض الأحيانقد يبدر مني أثناءحديثي عبارات في أشخاص أو كلمات في أعيانأو هيئات، ماقلتهاإلاغيرة على الدين واهتماماً بأحكامه، لاتحريضاً على أحد ولاإثارةلأحقاد وليس هذا غريباً من أمثالنا نحن الخلف والمحاطين بظلمات من الفتن، فقد صدر نحوها أو مثلها -أو هو أقسى منها- من الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعضالصحابة، مثل قول أحدهم للرسول صلى الله عليه وسلم: ماشاء الله وشئت يارسول الله، فقال: (أجعلتني لله ندا؟)، وقوله صلى الله عليه وسلم لذلك الخطيب الذي قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصيهما فقد غوى. فقال عليه الصلاة والسلام (بئس خطيب القوم أنت) فمثل هذه الكلمات لايجوز أن يبنى عليها اتهام لقائليها، ولكن ابتلينا في العصر الحاضر بأناس يتتبعون العثرات والمتشابهات ويعرضون عن المحكمات الواضحات المؤكدات لما قلنا، بقصد إيقاع الفتنة بين الإخوة المؤمنين، أو بينهم وبين بعض أولياء الأمور، ولذلك رأيناأننعدل بعض الكلمات التي تبين لنا بعد دراسة محتويات كثير من الأشرطة المنسوخة أنها من ذاك القبيل، وأنالأولى عدم النطق بها، ثم ليمت المفسدون في الأرض غيظاً، أولئك الذين قال الله في حق أمثالهم {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} وقال نبينا صلى الله عليهوسلم: (يامعشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لاتغتابوا المسلمين، ولاتتبعواعوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع اللع عورته فضحهولو في جوف بيته) [27]
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا الإمام ابن القيم - رحمه الله - يعقد في كتابه إعلام الموقعين فصلا أسماه: [لا بد من اعتبار النية والمقاصد في الألفاظ] وقال: (وهذا الذي قلناه من اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ، وأنها لا تلزم بها أحكامها حتى يكون المتكلم بها قاصدا لها مريدا لموجباتها، كما أنه لا بد أن يكون قاصدا للتكلم باللفظ مريدا له، فلا بد من إرادتين: إرادة التكلم باللفظ اختيارا، وإرادة موجبه ومقتضاه، بل إرادة المعنى آكد من إرادة اللفظ) [28]
وقال أيضاً -رحمه الله-: (وسأله صلى الله عليه وسلم الحجاج بن علاط، فقال: إن لي بمكة مالا، وإن لي بها أهلا، وإني أريد أن آتيهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئا؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء. ذكره أحمد.
وفيه دليل على أن الكلام إذا لم يرد به قائله معناه إما لعدم قصده له، أو لعدم علمه به، أو أنه أراد به غير معناه؛ لم يلزمه ما لم يرده بكلامه، وهذا هو دين الله الذي أرسل به رسوله) [29]
وقال: (وأما سبق اللسان بما لم يرده المتكلم فهو دائر بين الخطأ في اللفظ والخطأ في القصد؛ فهو أولى أن لا يؤاخذ به من لغو اليمين، وقد نص الأئمة على مسائل من ذلك) [30]
أما تقليد الرجال ولو كانوا علماء فضلاء فقد نهى الله سبحانه وتعالى عنه في مُحكم تنزيله فقال جل وعلا: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ? قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [31]
وقد نهى الصحابة رضي الله عنهم والأئمة من بعدهم عن تقليدهم، فهذا الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: (ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمنوإن كفرَ كفر، فإنه لا أسوة في الشر)
وما ذاك إلا لأن المقلد لا يُبصِر إلا ظاهر الأمور التي يراها، ومجرد إبصاره لهذا الشيء لا تعني فقهه وإدراكه لها، فحصولهما يستلزمان وجود العلم الكافي والنظر والتبيّن عنده. وهذا ما يتعارض مع التقليد الذي يعمل على تعطيل العقل والتفكير وتجاهل الحجة والدليل الذي يؤدي بصاحبه للإعراض عن الحق والهدى والوقوع في الباطل والردى، و من أجل ذلك عابه ربنا جل وعلا في كتابه فقال:) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا (
فلذاك لم نجد أحداً من الأئمة المتبوعينَ يُسيغُ لأتباعه تقليده من غير حجة ولا دليل، بل نهوا عنه وزجروا، وللدليل والبرهان بواضح الحجة وسَاطِع البيان أوصوا ذويهم وتلامذتهم ومحبيهم وأمروا، وعلى رأسهم أصحابُ المذاهب الأربعة المشهورين – رحم الله الجميع -:
قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس – رحمه الله - يقول: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ماوافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه.)
وقال: (ليس أحدبعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم.)
وقال الإمام أبوحنيفة النعمان بن ثابت - رحمه الله -: (لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه.) وقال: (حرامعلى من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي، فإننا بشر نقول القول اليوم، ونرجع عنه غدا.)
وقال: (إذا قلت قولا يخالف كتاب الله، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركواقولي.)
وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي – رحمه الله -: (ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة من سنن رسول اللهصلى الله عليه وسلم وتغيب عنه، فمهما قلت من قول، أو أصلت من أصل فيه عند الرسولصلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت، فالقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوقولي.)
وقال: (إذا صح الحديث فهو مذهبي.)
وقال: (انظروا في قولي، فإذا رأيتموه يوافقحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوا به، وإذا رأيتموه يخالفه فاضربوا به عرضالحائط.)
وقال إمام السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله -: (كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلىالله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنه في حياتي وبعد موت.)
وقال: (لا تقلدني، ولا تقلد مالكا، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا.) [32]
ولقد نظم بعض أهل العلم هذه الأقوال فجمعها واختصرها قائلاً:
(يُتْبَعُ)
(/)
وقول أعلام الهدى لا يعمل:: بقولنا بدون نص يفهم
فيه دليلالأخذ بالحديث:: وذاك في القديم والحديث
قال أبو حنيفةالإمام:: لا ينبغي لمن له إسلام
أخذاً بأقوالي حتى تعرض:: على الحديث والكتاب المرتضى
ومالك إمام دار الهجرة:: قال وقد أشار نحو الحجرة
كل كلام منه ذو قبول:: ومنه مردود سوى الرسول
والشافعي قال إنرأيتم:: قولي مُخالفاً لما رويتم
من الحديث فاضربوا الجدار:: بقولي المخالفالأخبار
وأحمد قال لا تكتبوا:: ما قلته بل أصل ذاك فاطلبا
فانظرمقالات الهداة الأربعة:: واعمل بها فان فيها منفعة
بقمعها لكل ذي تعصب:: والمنصفون يكتفون بالنبي
فإن كان تقليد الأئمة من السلف - الذين زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - خلاف الدليل مذموماً، فكيف بتقليد المتأخرين الذين جائوا بعدهم بأمد طويل؟ ومن عاب تقليد الأولين فيما قد يكون خيراً، فمِن باب أولى إلزام نفسَه بِعدَم تقليدِ المتأخرين فيما هو قطعاً شرًّا!!
فتنبه – رحمنا الله وإياك - واعلم أنه لا يجوز أبداً في أي حال من الأحوال تنصيب أحد من الناس وإلزام العِباد باتباعه دون برهان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (من نصَّب إماماً فأوجب طاعته مطلقاً اعتقاداً أو حالاً فقد ضل في ذلك كأئمة الضلال الرافضة الإمامية حيث جعلوا في كل وقت إماما معصوما تجب طاعته فإنه لا معصوم بعد الرسول ولا تجب طاعة أحد بعده في كل شيء والذين عيّنوهم من أهل البيت منهم من كان خليفة راشداً تجب طاعته كطاعة الخلفاء قبله وهو علي، ومنهم أئمة في العلم والدين يجب لهم ما يجب لنظرائهم من أئمة العلم والدين كعلي بن الحسين، وأبي جعفر الباقر، وجعفر ابن محمد الصادق. ومنهم دون ذلك. وكذلك من دعا لاتباع شيخ من مشايخ الدين في كل طريق من غير تخصيص ولا استثناءوأفرده عن نظرائه كالشيخ عدي؛ والشيخ أحمد؛ والشيخ عبد القادر؛ والشيخ حيوة؛ ونحوهم. وكذلك من دعا إلى اتباع إمام من أئمة العلم في كل ما قاله وأمر به ونهى عنه مطلقاكالأئمة الأربعة) [33]
وقال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: (تحكيم الرجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشرعيالمطلوب شرعاً ضلال) [34]
فالإستدلال والإحتجاج، يكون بالنصوص لا بالشخوص، يقول ابن الجوزي - رحمه الله -: (واسمع مني بلا محاباة: لا تحتجن علي بأسماء الرجال، فتقول: قال بشر، و قال إبراهيم بن أدهم) [35]
وهذه والله لمن أعظمالمننالتي من الله بها علينا – معشر المسلمين - أن جعل ديننا دين علم ودليل وتأصيل وتقعيد، لا دين آراء وتزيين وكثرة في القيل والمقيل.
ومَثَلُ هذا التقليد قد يؤدي بصاحبه حتماً الوقوع فيما وقع فيه أهل البدع والأهواء من قَبلُ، قال الإمام أبو الحسن الأشعري – رحمه الله - في الإبانة: (أما بعد فإن كثيراً من الزائغين عن الحق من المعتزلة وأهل القدر مالت بهم أهواؤهم إلى التقليد لرؤسائهم ومن مضي من أسلافهم فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلاً لم ينزل الله به سلطاناً ولا أوضح به برهاناً ولا نقلوه عن رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف المتقدمين.)
وما ذاك إلا من باب حُسن الظن برؤسائهم وبمن سبقهم من كبرائهم، قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- في اجتماع الجيوش: (ثم يعزم له التقليد وحسن الظن برؤسائه وسادته على اتباع ما قالوه دونها، ويقول مسكين الحال: هم أخبر بها مني وأعرف.)
قال الله جلَّ في علاه وتعالى في عالي سماه:) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى? أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى? آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَ?لِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى? أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى? آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) [36] (
قال الإمام الطبري في تفسيرها: (وفي هذا دليل على إبطال التقليد)
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال الإمام الشوكاني في تفسير هذه الآية المتقدمة: (وهذا من أعظم الأدلة على بطلان التقليد وقبحه، فإن هؤلاء المقلدة في الإسلام إنمايعملون بقول أسلافهم ويتبعون آثارهم ويقتدون بهم، فإذا رام الداعي إلى الحق أنيخرجهم منالضلالة أو يدفعهم عن بدعةقد تمسكوا بها وورثوها عن أسلافهم بغير دليل نيِّر ولا حجة واضحة، بل بمجرد قال وقيل: لشبهة داحضة وحجة زائفة ومقالة باطلة.) [37]
وقال الإمام أبو محمد ابن حزم -رحمه الله-: (ويقال لمن قال بالتقليد: ما الفرق بينك وبين من قلد غير الذي قلدت أنت، بل كفّر من قلدته أنت أو جهّله.
فإن أخذ يستدل في فضل من قلده كان قد ترك التقليد، وسلك في طريق الاستدلال من غير التقليد، وقد أفردنا في إبطال التقليد باباً ضخماً قرب آخر كتابنا هذا استوعبنا فيه إبطاله وبالله التوفيق.) [38]
وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر –رحمه الله- في كتابه الجامع، (باب فساد التقليد ونفيه):
(قال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فإن قال: نعم، أبطل التقليد؛ لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد (!))
و قال:
(يُقال لمن قال بالتقليد: لم قلت به؟ وخالفت السلف في ذلك فإنهم لم يقلدوا؟
فإن قال: قلدت لأن كتاب الله لا علم لي بتأويله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم أحصها.والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني.
قيل له: أما العلماء، إذا أجمعوا على شيء من تأويل الكتاب أو حكاية عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه. ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض. فما حجتك في تقليد بعضهم دون بعض. وكلهم عالم، والعالم الذي رغبت عن قوله، أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه.
فإن قال: قلدته لأني أعلم أنه صواب.
قيل له: علمت ذلك بدليل من كتاب الله أو سنة أو إجماع؟
فإن قال نعم. أبطل التقليد وطولب بما ادعاه من الدليل.
وإن قال: قلدته لأنه أعلم مني.
قيل له: فقلد كل من هو أعلم منك.
فإنك تجد من ذلك خلقا كثيرا ولا تخص من قلدته إذ علتك فيه انه أعلم منك.
فإن قال: قلدته لأنه اعلم الناس.
قيل له: فإنه إذا أعلم من الصحابة وكفى بقول مثل هذا قبحا.
فإن قال: قلدته لأنه أعلم الناس.
قيل له: فما حجتك في ترك من لم تقلد منهم، ولعل من تركت قوله منهم أفضل ممن أخذت بقوله؟
على أن القول لا يصح لفضل قائله، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه. (!))
ولو كان هذا المقلد يكتفي بإلزام نفسه لهان الخطب وسهُل، ولكن الداهية الدهماء والنازلة الصماء من هذه التَّبعية العمياء هي وصول الأمر إلى إِلزَامِ الناس ما لا يَلْزَمُهُم، وتقعيد قواعدَ أساسها تقديس آراء المشايخ وإيصالها إلى حد العصمة وإن كان ذلك حالاً لا مقالاً في الأغلب، وجعل الحق محصوراً في أعيان الناس وآحادهم وتتبع زلات مخالفيهم -فيما قد يسوغ فيه الخلاف وتتسع له الصدور-، هذا والله مخالف لأصول أهل السنة المحكمة المتينة، وقواعدهم المتقنة الدقيقة، ومقاصدهم النبيلة، وهذا الصنيع-وللأسف- من أعظم الأسباب التي حُجِب بها كثير من الناس عن العلم وأهلهوسبيله وضربه، فأبعدوهم عن الطريق السنية وألزموهم طريق التقليد الردية، ولله المشتكى من عظم البلية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (ولا يجوز لأحد أن يُرجح قولا على قول بغير دليل، ولا يتعصب لقول على قول، ولا قائل بغير حجة. بل من كان مقلدا لزم حُكم التقليد، فلم يُرجِّح ولم يزيف ولم يُصوِّب ولم يُخطئ
) [39]
وقال الشيخ أحمد بن حسن المعلم - حفظه الله – متمثلاً لمثل هذا:
ونحارب التقليد طول زماننا:: مع حبنا للعالم المتجرد
وكذا الأئمة حبهم متمكن:: من نفس يا برية فاشهدي
وترق أنفسنا لرؤية من غدا:: في ريقة التقليدشبه مقيد
إنا نرى التقليد دائا قاتلا:: حجب العقول عن الطريق الأرشد
جعلالطريق على المقلد حالكا::فترى المقلد تائها لا يهتدي
فلذا أبتدئنا باجتثاث جذوره::من كل قلب خائف متردد
ولسوف ندمل دائه و جراحه:: بمراهم الوحيالشريف المرشد
وحسبك في هذا كلِّه ما قاله الإمام ابن عبدالبر – رحمه الله - بعد إيراده لتلك المقالاتالتي سبق ذِكرُها، خاتماً لكلامه بقوله: «وهذا مما ذكرنا مما لا يُسمع من قولهم ولا يُلتَفَتُ إليه ولا يُعرج عليه!!»
(يُتْبَعُ)
(/)
فالذي يجب حُسنُ معرفته هو أن علم الجرح والتعديل -الذي حفظ الله به السنةَ- ليس بنشر القال والقيل، وحب تتبع العورات وتقصد افتراء الأباطيل، واتهام الأفاضل بغير حجة ولا دليل، وإسقاطِ نُظَّار أهل السنة تِباعاً من غير برهان قاطع ولا تفصيل، فهذا – ومثله - كله لا يصدر إلا من صغار أحداث مجاهيل، مفتقرين للتقعيد والتأصيل، ولم يُجعل هذا العلم لمثل هذه الأصناف، من المتعالمين الأنصاف، البعيدين عن العدل والإنصاف، وإنما المعنيون به هم أصحابه وأهله الراسخون العارفون به، من العلماء الكبار [40] الذي حري بهؤلاء الصغار أن يرجعوا إليهم في تلك الأمور العظام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البركة في أكابركم) [41] فلا يجوز لهؤلاء ولا ينبغي لأمثالهم أن يتكلموا في المشكلات الشائكات التي تضّل عندها الأفهام وتزّل فيها الأقدام ولا ينفع فيها النِّدام، ومِثل هذا لا يصلح له إلا من كان ذو علم وفِهام للأدلة والأحكام، قادراً على الإستنباط وتقدير المصالح من المفاسد مع تطبيقها بِحكمة ونصح وإرشاد والله الموفق لما فيه الصلاح والرشاد.
قال فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -: (لا ينبغي للطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع والتفسيق، لأن ذلك أمر خطير، وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع، وأيضا هذا يُحْدِثُ العداوةَ والبغضاءَ بينهم. فالواجبُ عليهم الإشتغالُ بطلب العلم، وكف ألسنتهم عما لا فائدة فيه، بل فيه مضرة عليهم وعلى غيرهم) [42]
فالمقصود أن المسائل المعضلات المشكلات التي لا يُدرك فيها الباطل من الحق كل أحد لا يجوز أن يدخل فيها أي أحد، أما المسائل الواضحات والمنكرات الظاهرات والبدع المعلومات فلابد من كل أحد أن يُبلِّغ حسب ما عَلِمَ وقَدِر!
وإن كانت أغلب هذه النقولات عن العلماء ليست أدلة في حد ذاتها، ومنهج السلف الصالح يأبى أن تكون كذلك، كون أن الدليل عندهم قال الله قال رسوله قال الصحابة، ولكنْ نستأنس بأقوالهم ونستنير - كما قالوا قديماً: أقوال العلماء معتَبرة - لاسيما إن تظافرت بنفس القوة في المسألة الواحدة، فكأنها تنهل - بل تنهل قطعاً - مِن مَنبع واحد وتَصُبُّ في مجرى واحد، فبذلك يمكن أن نستخلص أن لأهل العلم منهج يجب أن يُتَّبع في مثل هذه المسائل، ورحم الله امرءاً عرفها فلزمها.
وما أحسن قول الإمام الصنعاني - رحمه الله - إذ يقول:
على ما جعلتم أيها الناس ديننا:: لأربعة لا شك فيفضلهم عندي
هم علماء الأرض شَرقا ومَغْرِبا:: ولكن تقليدهم فيغد لا يجدي
ولا زعموا حاشاهموا أن قولهم:: دليل فيستهديبه كل من يهدي
بل صرّحوا أنّا نقابل قولهم:: إذا خالفالمنصوص بالقدح والرد
ولعله يَحسُن فِي خِتَام هذه السطور المتواضعة أن أنقل كلاماً جامعاً للحافظ ابن عساكر الدمشقي- رحمه الله - إذ يقول: (واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، لأن الوقيعة فيهم بما هممنه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والإفتراء مرتع وخيم، والإختلاق على منإختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم، والإقتداء بما مدح الله به قول المتبعين منالإستغفار لمن سبقهم وصف كريم، إذ قال مُثنيا عليهم في كتابه وهو بمكارم الأخلاقوصدها عليم،) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (والإرتكاب لنهيالنبي صلى الله عليه وسلم عن الإغتياب وسب الأموات جسيم،) فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ () [27] ( http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=31988#_ftn27)[43]
وكلمة جامعة أخرى للإمام ابنُ القَيِّم - رحمه الله - إذ يقول في الوابل الصيب: (وَاعلَم أنَّ الحسرَةَ كُلَّ الحسرَةَ الإشتِغَالُ بمن لا يَجُرُّ عليكَ الإشتغالُ به إلا فَوتُ نَصِيبِكَ وحَظِّكَ منَ اللَِّه عزَّ وجَلَّ، وانقِطَاعكَ عنهُ، وضَياعُ وقتكَ عليكَ، و شَتاتُ قلبِكَ وضعف عزيمتكَ، وتَفرُّقُ هَمِّكَ. فإذَا بُليتَ بهَذا - ولابدَّ لك منهُ- فعَامِل اللهََ تعالى فيهِ، واحتسب عليه ما أمكَنكَ، وتقرَّب إلى اللهِ تعالىبمرضاتِه فيه، واجعَل اجتمَاعكَ به متجراً لك، لا تجعَلهُ خسارةً، وكن معهُ كرجُلٍ سائِرٍ في طَريقِه عرضَ لهُ رجُلٌ أَوْقَفَهُ عن سَيرهِ، فَاجتهِدْ أنْ تَأخُذَهُ معَكَ وتسيرَ به، فتحمِله ولا يَحملُك، فإنْ أبَى ولم يَكُنْ في سيرهِ مَطْمَعٌ، فَلا تَقفْ مَعهُ بلْ اركَب الدَربَ وَدَعهُ ولاتَلتَفِتْ إلَيهِ، فإنَّهُ قَاطِعُ الطَّريق ولَو كَانَ منْ كان، فَانْجُ بقَلْبِكَ وضن بِيَوْمِكَ ولَيْلَتكَ، لا تَغرُب عَلَيكَ الشَمسُ قبْلَ وُصُولِ المنزلة، فَتُؤخَذ أَوْ يَطلع عَليكَ الفَجرُ وَ أَنْتَ في المنزلَة فَيسِيرُ الرِّفاقُ تَصبِح وحدَكَ وأنَّى لَكَ اللَّحاقُ بهِم.)
هذا ما يسر الله كتابته على عُجالة، وأسأل الله أن أكون قد وفيتُ حقه وإن كانت المسألة تستدعي أكثر من هذا وأطول، لكنه لضيق الوقت وخشية السأم فضلت الإختصار على التطويل والله الموفق لما فيه الخير الجميل، وللكلام بقية بإذن الله العزيز الحليم، وصلى الله على نبيّنا الصادق الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين، والحمدلله رب العالمين.
الأربعاء 8 رجب 1430هـ
الموافق: 1/ 7/2009م
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عبيدالله الأثري]ــــــــ[01 - Jul-2009, مساء 11:03]ـ
[1] خطبة الإمام أحمد بن حنبل لكتابه الرد على الجهمية والزنادقة.
[2] قول الإمام الطحاوي في عقيدته.
[3] من كلام مالك بن دينار، صفة الصفوة، للإمام ابن الجوزي (3/ 286)، وشعب الإيمان للإمام البيهقي رقم (6780).
[4] قول الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري (ص 28)
[5] الرد الوافر، للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (ص197)
[6] صححه العلامة الألباني – رحمه الله - في إرواء الغليل (2598)
[7] يُبيَّن بالدليل والحق المنيع، ونقده ونقضه يكون بأدب العلماء الرفيع وتعبيرهم البديع، من دون تمييع ولا تشنيع، بله التقريع والإسقاط والتبديع، كما هو دأب أولي سوء الصنيع أعاذنا الله وإياكم من سيء الأخلاق والعمل الشنيع!!!
[8] رواه الدارمي وصححه الألباني في مشكاة المصابيح.
[9] هذا لمن عُرفت سلامة أصوله كما هو معلوم، ولكني رأيت التنبيه عليه احتياطاً!!
[10] مجموع الفتاوى (ج32 ص 239)
11 (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) (ص409)، بتحقيق عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله وغفر له.
[12] تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر (ج7 ص 273)
[13] ميزان الإعتدال، للإمام الذهبي (ج1 ص 111)
[14] المعجم الكبير، للإمام الطبراني (ج1 ص 249)
[15] لازال القول للحافظ ابن عبد البر – رحمه الله -.
16 هدي الساري مقدمة فتح الباري، للحافظ ابن حجر (ص 428)
[17] الآداب الشرعية، لابن مفلح،) ج1 ص166 (
[18] ويلحق بهم من كان على دربهم وسار على نهجهم في اتباع السنة وتقفيها والدعوة إليها وتحريها.
[19] قاعدة في الجرح و التعديل، للتاج السبكي (ص3)
[20] سورة النساء: الآية 112
[21] إرواء الغليل: (2318)
[22] الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة فى العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة، للعلامة عبدالرحمن السعدي (ص209)
[23] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تُعِينَ المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وفشو القلم، وظهور الشهادة بالزور، وكتمان شهادة الحق) رواه أحمد (1/ 407)، وقال أحمد شاكر إسناده صحيح.
[24] ذكره ابن كثير في تفسير سورة الحجرات.
[25] صحيح مسلم (4693)
[26] تصنيف الناس بين الظن واليقين (ص32)، للعلامة بكر أبو زيد – رحمه الله-.
[27] مقدمة مجموع فتاويه (1/ 5) – بإملائه -.
[28] إعلام الموقعين، للإمام ابن القيم – رحمه الله - (3/ 53).
[29] (4/ 322).
[30] (3/ 107).
[31] سورة الأعراف: الآية 3
[32] منقولة من كتاب صفة صلاة النبي، للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني ص (25 و26 و27 و28)
[33] مجموع الفتاوى (ج19 ص69)
[34] الاعتصام (ج2 ص 355)
[35] صيد الخاطر (ص 32)
[36] سورة الزخرف: الآية 21 و 22 و 23
[37] فتح القدير، تفسير سورة الزخرف
[38] الإحكام في أصول الأحكام، للإمام أبي محمد ابن حزم، الباب الثالث من الجزء الأول.
(233/ 35) مجموع الفتاوى [39]
[40] هم أكثر من أن يُقيدوا بعدد ويحصروا بأعيان.
[41] السلسلة الصحية (1778).
[42] المنتقى من فتاويه (ج2 رقم 181)
[43] تبيين كذب المفتري، للحافظ ابن عساكر (ص 29)(/)
مداخل الشيطان على الانسان
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[02 - Jul-2009, صباحاً 07:24]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
تمهيد البحث
نحمده عزوجل حمد الشاكرين المقرين المعترفين بذنوبهم, الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات, ونشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة حق وصدق وعدل, ونشهد انّ محمداً عبده ورسوله, وصفيّثُ من خلقه وخليله, نشهد والله أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله تعالى حق الجهاد حتى ترك أمته على المجّةِ البيضاء, ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك ولا ينكرها الا جاحدٍ ضال.
اللهمّ صلّ وسلم وبارك على هذا النبي الأمي الصادق الوعد الأمين, وعلى أزواجه أمهاتنا الطاهرات المطهرات, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنته الى يوم الدين وبعد
انّ كلمة ابليس وردت في القرآن الكريم 11 مرة, والشيطان تكرر ذكره في القرآن الكريم بمشتقاته المختلفة 88 مرة, وابليس الذي اغوى ابانا آدم وامنا حواء عليهما السلام في الجنة هو زعيم الشياطين كلها, فلعنة الله عليه وعلى ذريته الى يوم يبعثون.
انّ ابليس بأعوانه وجنوده الذين لا حصر لهم الا بعلم عالم عزيز حكيم, يتلبّسُ على بني آدم بجميع فئاتهم وأماكنهم ومراكزهم, وليس هناك أحدٌ من خلق الله بعيدٌ عن اغواء هذا العدو اللدود الذي أقسم بعزة الله عزة أنه سيغويهم كما في قوله تعالى في سورة الأعراف 16 - 18
قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم * ثمّ لآتينّهُمْ من بينِ أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال فاخرج منها مذموما مدحوراً, لَّمَنْ تبِعَكَ منهُمْ لأملأنّ جهنم منكُمْ أجمعين
آيات واضحات صريحات لا تحتاج الى شرح مُطوَّلٍ, والغواية التي يتحدث عنها ابليس هي الضلالة والهلاك, ولم يُضللهُ ويُهلكُهُ الا وعصيانه لأمر الله عزوجل بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام, فما كان منه الا نصبّ العداوة لبني آدم طالما في قلوبهم تنبض وطالما تجري في عروقهم الدماء, فتوعدّه الله ومن تبعه هم حطب جهنم, لجل ذلك حذرنا الله عزوجل من ابليس وأعوانه وجنوده وانه عدوٌّ لنا والسعيد من عصى ابليس وأعوانه ونهى النفس عن الهوى, اعتبر وعمل لما بعد الموت ولتكبره, والشقي من أطاع ابليس وأعوانه واتبع سبلههم.
لماذا قال الله تعالى ولا تجد أكثرهم شاكرين ولم يقل ولن تجد أكثرهم شاكرين؟
يقول علماء اللغة أن كلمة لا تفيد بمعنى الحاضر والمستقبل الى يوم القيامة, وأنّ أمرها يسري منذ اللحظة التي طُردَ فيها ابليس من الجنة, ولذلك كانت أول وسوسة وغواية من ابليس لآدم وحواء عليهما السلام, أما كلمة لن فمعناها يعني المستقبل فقط, ومن هنا يتضح معنى وسوسات ابليس والتي يهدف من خلالها ان نقدّمَ طاعته على طاعة الله عزوجل, أي الى بني آدم عن كلّ ما هو خير لهم, وعن كل ما فيه من سعادتهم في الدنيا والآخرة, فابليس رأس كل خطيئة, وكل منا وقرينه من الشيطان معه, حتى نبينا صلى الله عليه وسلم, الا أنّ الله عزوجل أعان نبيه صلى الله عليه وسلم على شيطانه فأسلم والحمد لله على هذه المنّة, والمعصوم من عصمه الله عزوجل.
اذن الشيطان يظهر لبني آدم بصورٍ مختلفة, وأماكن مختلفة, وأحوال مختلفة, فهو يتقمّصُ شخصيات عديدة, وصوراً عدة , ويدخل عليهم من أبوابٍ لا حصر لها الا بعلم علام الغيوب, فمن الناس من يأتيهم بصورته الحقيقية , ومنهم من يأتيهم بصورة جنية, ومنهم من يأتيهم بصورة انسانٍ, أو حيوان الى غير ذلك.
انّ ابليس وأعوانه وجنوده من شياطين الجن ليسوا وحدهم المسخرين لاغواء البشر وجرّهم الى الفساد والافساد , وترغيبهم بفعل شتى أنواع الرذائل والخطايا والموبقات وتزيينها في أعينهم, بل يستعين بجنوده وأعوانه من شياطين الانس على اختلاف انواعهم.
وهناك وسواس شيطاني قهري فوق ارادة الانسان , ولا يأتي الانسان الا عند آداءه للطاعة سواءً كانت صلاة او صيام أو وضوء أو طهارة أو غسل, وما يُعرض للمسلم في وضوءه وصلاته
فلا يدري كم توضأ ولا كم صلى: فمصدره من الشيطان، فإن استعاذ بالله من الشيطان كفاه الله إياه، وإن استسلم له واستجاب لأوامره تحكَّم فيه الشيطان، وتحول من وسوسة عارضة إلى مرضٍ مهلك، وهو ما يسمى الوسواس القهري.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهو علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى، وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً، ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها، وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو – لغير المتخصصين – عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً، ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية.
وفيما يتعلق بالوضوء يشعر أنه لم يغسل العضو بشكل صحيح بعد قضاء الحاجة, أو يشك أن ملابسه أصابها شيء من البلل وأن هناك شيء من النجاسة قد أصاب ثيابه. وعندما يتوضأ، يشعر أنه لم يغسل أعضاء الوضوء بشكل صحيح. ويحاول تجاهل هذه الوساوس، لكنه يخاف إن تجاهلها وكان مخطئا، فإن صلاته سوف لن تقبل. وقد يصل به الحال إلى أن الصلاة الواحدة قد تستغرق منه الساعة تقريبا أو أكثر من ذلك، وأصبح يؤدي الصلاة وكأنها مجرد شعيرة عادية لا خشوع فيها بسبب تلك الوساوس. وعندما ينتهي من تأدية إحدى الصلوات، يبدأ في التخوف من كيفية إنهائه للصلاة التي تليها.
المهم في مشاكل من هذا النوع ألا يشعر أحدنا بعقدة الذنب والعقوبة, والوسواس في عدد ركعات يبني على أنه صلى الأقل ويكمل صلاته ثم قبل السلام يسجد سجدتين السهو, وبخصوص شكه في العضو ان كان قد غسله أم لا أن يعتبر أنه غسلهو وهكذا يكون الحل في كل مشكلة وسواسية تعترض أحدنا يتغلب على الشيطان ووساوسه القهرية
وسأورد بعض الأحاديث النبوية الشريفة والتي تبين مدى حرص الشيطان على إغواء بني آدم، وصدهم عن عبادة ربهم، وذلك عن طريق الوساوس التي يلقيها في صدورهم. وبينت طريق النجاة من هذه الوساوس الشيطانية. وقد يصل الحال ببعض الناس أنه يشك في كل عبادة يقوم بها، هل فعلها أم لا؟ وما يبعث في النفس الطما، ينة من هذه الوساوس , انّ المبتلى بها يثاب عليها, هذا ما ذكره كل من الآئمة ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله
روى الامام مسلم رحمه الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. فقال صلى الله عليه وسلم: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ.
وقد بيّن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله بأنّ معنى عبارة صريح الإيمان أي كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد , والصريح الخالص كاللبن الصريح وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الإيمان فصار صريحا, وهذه الوسوسة هي مما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان فإذا كرهه العبد و نفاه كانت كراهته صريح الإيمان , وقال كثير من العلماء: فكراهة ذلك وبغضه وفرار القلب منه هو صريح الإيمان والحمد لله الذي كان غاية كيد الشيطان الوسوسة، فإن شيطان الجن إذا غُلِبَ وسوس، وشيطان الإنس إذا غُلِبَ كَذَبَ. والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره لابد له من ذلك فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر فانه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة وانتهاء العبد وأن يقول إذا قال لم تغسل وجهك: بلى قد غسلت وجهي. وإذا خطر له أنه لم ينو ولم يكبر يقول بقلبه: بلى قد نويت وكبرت. فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس، فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق فيندفع عنه، وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات مستجيبا إلى الوساوس والخطرات أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة اهوعلى هذا يمكن أن يقال: يثاب المرء على إعراضه عن هذه الوساوس ومجاهدته للشيطان لأمور عدة منها
أولا- مدح النبي صلى الله عليه وسلم كراهة هذه الوسوسة المتعلقة بالتشكيك في العقيدة بقوله: ذاك صريح الإيمان
ثانيا:. ومن لوازم كراهة هذه الوسوسة الإعراض عنا، وعدم الاسترسال معها
(يُتْبَعُ)
(/)
ثالثا: - امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلمب قوله: ولينته.
رابعا- قوله صلى الله عليه وسلم في سجدتي السهو: كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ففيه الحث على ترغيم الشيطان وإذلاله، وترغيمه هنا إنما هو بالإعراض عن هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها مع ما أرشد الله ورسوله إليه من الاستعاذة بالله من الشيطان وغير ذلك
خامسا- ما يصيب المؤمن من ضيقٍ وهمٍّ من هذه الوساوس قد يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.
وروى الامام مسلم رحمه الله أَنَّ ععثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! انّ الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليّ, فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا. قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.
ومن أساليب الشيطان في الإضلال إلقاء الشكوك والوساوس في قلوب العباد وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض ما يلقيه فقد جاء في الحديث الذي رواه الامام البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, قال صلى الله عليه وسلم:
يأتِي الشَطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ.
فأرشد صلى الله عليه وسلم هنا إلى أمرين هامين: أولهما: اللجوء الى الله عزوجل والاعتصام بحبله المتين وهو القرآن الكريم , وان نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم امتثالا لقوله تعالى في نهاية سورة اللاعراف
وامَّا يَنزغنَّكَ مِنَ الشيطانِ نَزْغٌ فاستعذْ بالله , انه سميعٌ عليمٌ
وثانيهما: الانتهاء والإعراض عن هذا الأمر والاشتغال بغيره من الأمور النافعة.
وعنهما رحمهما الله من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ الأَذَانَ فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ.
وروى الامام مسلم رحمه الله من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدرِي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّىثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ, فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ, وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ.
وعلينا أن ندرك جيدا أنّ الشيطان لا يوسوس الا لأهل الايمان, اما الكافر فلا يوسوس الشيطان له لكثرة مداخله اليه يأتيه منها من حيث يشاء دون أن يجد مقاومة أو موانع, فيتلاعب به الشيطان كما يشاء, والاعتقاد الذي لا شك فيه ولا ريب أن الكون كله علويه وسفليه مدبرّ ومربوب لله سبحانه لايملك أحد فيه شيئاً، لقوله تعالى في سورة سبأ 22 - 23
قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرةفي السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن آذن له
(يُتْبَعُ)
(/)
فلنكن متأهبين على الدوام لهذا العدو الشرس الماكر والحريص كل الحرص على الإضلال والتشكيك , وبقدر استعانتك بالله وعلمك بعدوك واستعدادك له , تنتصر عليه باذن الله, وطالما أنك عرفت عدوك الحقيقي فقيده وسلسله بالأسلحة الفتاكة التاليةالتي وباذن الله عزوجل سوف تعينك على دفع هذه الوساوس ونسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا من همزات الشياطين ونزغاتهم ووساوسهم والحمد لله رب العالمين.
وأولها: الالتزام بالكتاب والسنة ايمانا واحتسابا وقولا وعملا, والاعتصام بحبل الله المتين كتاب الله الكريم, وتجنب مسالك الشيطان ما أمكنك الى ذلك سبيلا عملا بقوله تعالى: واتقوا الله ما استطعتم.
وتذكر دوما أنّ من ترك شيئا من الإسلام فقد اتبع بعض خطوات الشيطان, وانّ كثرة السجود لله تعالى تثبط عمل الشيطان وتغيظه , كما في الحديث الذي رواه الامام مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال::إذا قرأ ابن أدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكييقول يا ويلتي أمر ابن أدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار.
ثانيها: المداومة على الاستعاذة بالله من جميع الشرور والالتجاء إليه سبحانه وتعالى، وقد نبه الشرع على مزيد العناية بالاستعاذة بالله تعالى في مواضع وأحوال معينة أهمها: عند قراءة القرآن, وعند دخول الخلاء وعند الغضب, وعند الجماع, وعند نزول المكان, وعند سماع نهيق الحمار, وبعد تكبيرة الاحرام للصلاة وقبل الشروع بالاستفتاح, ولكلّ منها دعاء مخصوص كما جاء في الهدي النبي الشريف.
فعند قراءة القرآن نقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
وعند دخول الخلاء نقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
وعند الغضب وسماع نهيق الحمار نقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وعند الجماع نقول: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا
وعند نزول المكان نقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.زبعد تكبيرة الاحرام للصلاة نقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
وخير ما تعوّذ به المتعوذون سورتي الفق والناس لحديث رواه الامام مسلم رحمه الله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألم تر آيات أنزلت عليّ الليلة لم ير مثلهن قط: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس.
ثالثها: المداومة على ذكر الله عزوجل, والاشتغال به ما امكننا الى ذلك سبيلا, فالذكر أعظم ما ينجي العبد من وساوس الشيطان, وفي الحديث: أن الله تعالى أمر يحيى عليه الصلاة والسلام أن يأمر بني إسرائيل بخمس خصال منها: وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر
رابعها: لزوم جماعة المسلمين بأن يعيش الإنسان في ديار الإسلام ويختار لنفسه الفئة الصالحة التي تعينه على الخير, لما رواه الامام الترمذي رحمه الله, قال صلى الله عليه وسلم: من أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم جماعةالمسلمين فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.
خامسها: مخالفة الشيطان في كل أحوالك ووسوساته, كما جاء في صحيح الجامع في الحديث الذي رواه أبو نعيم رحمه الله باسناد صحيح: فإنه يأتي في صورة ناصح فالواجب مخالفته فإنه لو كان ناصحاً لنصح نفسه فقد أوقع نفسه في النار، فإذا جاءك وأنت تصلي فقال لك أنت مُراءٍ , فزدها طولاً , وإذا قال لك: أحدثت , فقل كذبت , وإذا قال لك الموتى يسمعون وينفعون أو يضرون, فقل له كذبت , وإذا أكلت فخالفه فكل بيمينك وأشرب بها وخذ بها بل حتى في القيلولة كما في الحديث قيلوا فإن الشياطين لا تقيل.
بل حتى في اللقمة التي تقع في الأرض , روى الامام مسلم رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:فليأخذها ولا يدعها للشيطان.
(يُتْبَعُ)
(/)
سادسها: المداومة على التوبة ولزوم الاستغفار, لما رواه الامام أحمد رحمه الله في مسنده صحيح الجامع وصححه الالباني رحمه الله: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الشيطان لرب العزة: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهمفقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.
فحال الإنسان دائماً التوبة والإنابة إلى الله سبحانه ولهم أسوة في أبيهم أدم عليه الصلاة والسلام كما في قوله تعالى في سورة الاعراف 23: ربناظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ويجب أن لا يغيب عن بالنا أبداً بأنّ الهموم والغموم التي تصيبنا ما هي الا جملة ما يكفّر عنه بها من سيئاتنا ويخفف عنا من ذنوبنا، فإذا صبرنا واحتسبنا أثابنا الله عزوجل على ذلك, ودواء هذه الأمراض باللجوء الى الأدعية المأثورة في الكتاب والسنة, فمن الكتاب الكريم نذكر على سبيل المثال لا الحصر: دعاء سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين .. وقوله تعالى: انا لله وانا اليه راجعون ... وقوله تعالى: وأفوض أمري الى الله انّ الله بصير بالعباد .. وقوله تعالى: ربّ أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك ربّ أن يحضرون ... وعلى مستوى السنة على سبيل المثال لا الحصر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه حيث قال: أنه ما من مؤمن يصيبه همّ أو غمّ أو حزن فيقول: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيًّ حكمك عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سمَّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي وغمِّي، إلا فرَّج الله عنه.
ومنها الرقية الشرعية بأن يرقي الإنسان نفسه كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُرقي نفسه عند نومه بالمعوِّذات وينفث بيديه، فيمسح بهما وجهه وما استطاع من جسده الشريفين. أو يذهب إلى من يوثق في دينه فيرقيه.
انّ الوسواس الذي يصيبنا نحن البشرليس كله على درجة واحدة , فالوسواس الذي يدعو
الإنسان لسماع المحرمات كالأغاني والموسيقى والغيبة والنميمة وما الى ذلك من المحرمات , او اقتراف الفواحش ما ظهر منها وما بطن, أو رؤيتها منبعها من ثلاثة مصادر: النفس الأمَّارة بالسوء، وشياطين الانس، وشياطين الجن., ولعلّ شياطين الانس أشدُّ خطراً على الانسان من شياطين الجن كما ورد في الحديث الصحيح.
والنفس البشرية ثلاثة أنفس: النفس المطمئنة, والنفس الخبيثة, والنفس الأمارة بالسوء, النفس الأمارة في السوء قال عنها المولى تبارك وتعالى في سورة ق 16
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.
وشياطين الانس هم الوسواس الخناس الذين أمرنا الله عزوجل أن نتعوذ منهم في سورة الناس
قل أعوذ بربّ الناس * ملك الناس * اله الناس * من شرِّ الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجِنَّةِ والناس.
وهذه الوساوس قد تكون من الجن , وقد تكون من بني آدم
وشياطين الجن , كابليس حين وسوس لآدم عليه الصلاة والسلام وأخرجه من الجنة كما في قوله تعالى في سورة طه 120: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ.
ان وسوسة الشيطان عادة تزول بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم, ووسوسة النفس
تحتاج الى جانب الاستعاذة الى تقوية الصلة بين العبد وربه, من خلال المداومة على فعل الطاعات باخلاص النية لله عزوجل بيعيدا عن الرياء, وترك المنكرات.
وأما الوسواس القهري فهو في أغلب أحواله حالة مرضية.
والفرق بين وسوسة النفس ووسوة الشيطان فنستطيع تلخيصها بايجاز بما يلي:
وسوسة الشيطان هي تزيين المعصية في نفس العبد حتى يقع فيها, فان تاب عنها انتقل به الى معصية أخرى, فان عصاه فيها انتقل به الى معصية ثالثة, وهكذا يبقى الشيطان يصارع الانسان في الوسوسة حتى يوقعه فيها حتى وان تمكن منه بترك نافلة, المهم عنده أن يعصي الانسان ربه عزوجل ولو بترك نافلة.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما وسوسة النفس فهي التي تحث صاحبهاعلى معصية بعينها وتكررالنفس طلبها.
ورحم الله شيخ الاسلام ابن تيمية حيث قال في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان:
ما كرهتْه نفسُك لنفسِك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه، وما أحبَّته نفسُك لنفسِك فهو من نفسك فانْهَها عنه
أي أن النفس غالباً توسوس فيما يتعلق بالشهوات التي يرغب فيها الناس عادةً.
والشيء الذي يبعث في النفس الطمأنينة الى حد ما أننا لا نؤاخذ ان شاء الله تعالى على وساوس النفس والشيطان، ما لم نتكلم أو نعمل بها, وهذا لا يعني أننا لسنا مأمورون بتجنها ودفعها عن أنفسنا؟ بل اذا استرسلنا بها قد نحاسب عليها, لذا كان وجوباً علينا محاولة دفعها ما أمكن حتى لا نسترسل بها فنقع فيها.
فقد أُمرنا بعدم الالتفات لوساوس الشياطين، وأن يبني على الأقل في الصلاة عند الشك فيها، وأُمر بالاستعاذة من الشيطان والنفث عن يساره ثلاثاً إذا عرضت له وساوس الشيطان في الصلاة، وأُمر بمصاحبة الأخيار والابتعاد عن الأشرار من الناس، فمن فرَّط في شيء من هذا فوقع في حبائل نفسه الأمارة بالسوء أو الاستجابة لشياطين الجن والإنس فهو مؤاخذ.
وأما الوسواس القهري: فلأنه حالة مرضية فأغلب رأي العلماء المبني على ما رواه كل من الامام بخاري ومسلم رحمهما الله في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ
اننا لا نؤاخذ عليه لخروجه عن ارادتنا, يقول الله عزوجل في سورة التغابن 16: فّاتَّقٍوا اللّهّ مّااسًتّطّعًتٍمً
ويقول عزوجل في سورة الطلاق 7: لا يٍكّلٌفٍ اللّهٍ نّفًسْا إلاَّ وسعها
وعلى من ابتلي بمثل هذا الوسواس أن يداوم على قراءة القرآن والأذكار الشرعية صباحا ومساء، وعليه أن يُقوي إيمانه بالطاعات والبعد عن المنكرات، كما عليه أن يشتغل بطلب العلم، فإن الشيطان إن تمكَّن من العابد فلن يتمكَّن من العالم.
وقد يأتي الشيطان ويوسوس للمسلم أشياء منكرة في حق الله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو شريعته، يكرهها المسلم ولا يرضاها، فمدافعة هذه الوساوس وكراهيتها دليل على صحة الإيمان، فينبغي أن يجاهد نفسه، وألا يستجيب لداعي الشر.
وكما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى في خواتيم سورة البقرة: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ
هو وإن حوسب وسُأل , لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخصُ دفعَه، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها: فهذا لا يكلَّف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان
وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في هذا الأمر ما يشفي الصدر فقال:
قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم
وفيما رواه الامام مسلم رحمه الله ن الصحابة رضي الله عنهم حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عما يخطر لهم من هذه الوساوس , فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله: ذاك صريح الإيمان , وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسله
وفي رواية أخرى في صحيح مسلم: فليستعذ بالله ولينته.
ومن العلماء والفقهاء من قال أن أصل ابليس من الملائكة, وهذا الاعتقاد ليس صحيحا بدليل قوله تعالى في سورة الكهف على أنّ ابليس كان من الجنّ , فتكبر على آدم عليه الصلاة والسلام , فخرج عن طاعة الله, اقرؤوا قوله تعالى في سورة الكهف 50 - 52
(يُتْبَعُ)
(/)
وَإِذ? قُل?نَا لِل?مَلَـ????ِكَةِ ?س?جُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُو?اْ إِلَّا? إِب?لِيسَ كَانَ مِنَ ?ل?جِنِّ فَفَسَقَ عَن? أَم?رِ رَبِّهِ?? ? أَفَتَتَّخِذُونَهُ ? وَذُرِّيَّتَهُ ?? أَو?لِيَا?ءَ مِن دُونِى وَهُم? لَكُم? عَدُوُّ? ? بِئ?سَ لِلظَّـ?لِمِينَ بَدَلاً? * مَّا? أَش??َدتُّ?ُم? خَل?قَ ?لسَّمَـ?وَ?تِ وَ?ل?أَر?ضِ وَلَا خَل?قَ أَنفُسِ?ِم? وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ?ل?مُضِلِّينَ عَضُدً?ا * وَيَو?مَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَ?َا?ءِىَ ?لَّذِينَ زَعَم?تُم? فَدَعَو?هُم? فَلَم? يَس?تَجِيبُواْ لَهُم? وَجَعَل?نَا بَي?نَ?ُم مَّو?بِقً?ا
ولعلّ هذه الآيات الكريمات تُبيِّنُ لنا حقيقة ابليس وجنوده وذريته وأعوانه الذين يساعدونه في مهمامه لغواية ابن آدم والوسوسه اليه بأن فعل كل ما يخالف أمر الله عزوجل , وهذا هو معنى تلبُسِ ابليس لابن آدم , أي يبعدُهُ عن طاعة الله عزوجل ما أمكنه الى ذلك سبيلا سواءً بمخالفة أمر الله عزوجل فيما أمرنا به في كتابه الكريم أو بما أوحى به الى نبيه صلى الله عليه وسلم, , أو البدع الضالة والمضلة والتي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم فقال نحوا من هذا: اياكم ومحدثات الأمور, فكلُّ مُحدثةٍ بدعةٍ, وكل بدعةٍ ضلالةٍ, وكلّ ضلالةٍ في النار, وما أكثرها البدع في زماننا هذا, حتى لنكاد نرتاب في أنفسنا وفيمن حولنا ان كنا نافقنا أم لا زلنا ننتهج نهج السلف الصالح في العبادة, ان كنا حدنا عنها أو شطحنا في البعد عنها, لما في مقالة حذيفة بن اليمان لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما حين سأله عمر رضي الله عنه: أسمّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟ يقصد المنافقين الذين نزل فيهم سورة التوبة, فبكى حذيفة رضي الله عنه لقوله, ثمّ قال: لا لست منهم, ولا أُزكِّي بعدّك أحداً ... قال هذه العبارة رضي الله عنه علماً بأنّ بعض العشرة المبشرين بالجنة وممّن رضي الله تعالى عنهم لا زالوا على قيد الحياة في ذلك الوقت, فان كان حذيفة رضي الله عنه لم يُزكِّي أحدا بعد عمر رضي الله عنه وقد كانوا ينتهجون النهج السليم الغض الذي نزل به جبريل الأمين على حبيبه محمد الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليهما, فما عسانا أن نقول عن أنفسنا اليوم وقد غرتنا الأماني؟ وقد ابتعدنا عن كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟ وقد هجرنا المساجد فلم نعد ندخلها الا بالمناسبات؟ وقد قطعنا أرحامنا ولم نعد نعطف على اليتامى والمساكين؟ وقد عققنا آباءنا ومن لهم حقٌّ علينا؟ وقد بتنا نرى المنكر فلا ننهى عنه , ولم نعد نأمر بمعروفٍ خشية فقرٍ واملاقٍ؟ وقد نشزت عنا نساءنا وبناتنا ففقدنا السيطرة عليهم لأننا لم نأخذ بكلام الله عزوجل ولا بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم بالتزام الحجاب؟ وقد خرج أبناؤنا وبناتنا عن طوعنا خاصةً في بلاد الغرب فتخلقوا بأخلاق اهل الكتاب ومن ولاهم؟ وقد فقدنا عنصر الللامبالاة فلم نعد نأبه ولا نهتم لأبناءنا ان كانوا يتكلمون العربية أم يقرؤونها؟ فانصبّ كل اهتمامنا الى نطقهم للغة الغرب بطلاقة وهم يعلمون أنذ الله سائلهم عن هذه الأمانة كما قوله تعالى: أحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم الينا لا ترجعون ... وقوله تعالى: فوَ ربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون .. وقوله عليه الصلاة والسلام: كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عنْ رعيته.
ماذا لو عاد فينا حذيفة رضي الله عنه ورأى منا ما رأى من محدثات الأمور التي أحدثناها, ابتداءً من هجرنا لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وانتهاءً بهجرنا لبيوت الله تبارك وتعالى التي لم نعد ندخلها الا ونحن محمولون على الأكتاف أو في المناسبات النادرة كصلاة الجمعة والعيدين؟ ومرورا بكلّ مخالفات الشرع من استحلالنا للكسب الحرامٍ , وتجارتنا بكلّ ما حرّم الله تعالى علينا, واطلاق الحريات لأبناءنا وبناتنا فلم نعد نأبه ان كانوا يصلون أم يرتدون الحجاب من عدمه, وعدم مبالاتنا بأبناءنا وبناتنا بأيّ لسانٍ يتكلمون أأعجميٌّ أم عربيّ؟ لم نعد نأبه لرعيتنا ان كانوا يحسنون قراءة القرآن الكريم أم لا, فضاع الرعاة ومعهم رعيتهم: ومن لم يربيه دينه ومعه والديه فالشيطان كفيلٌ بتربيته
(يُتْبَعُ)
(/)
لأجل كل ما سبق ولأكثر مما سبق فقد وجد ابليس مناخاُ مناسباً له ولأعوانه كي يتلبّس ابن آدم في كل شئون حياته, حتى غدت الصلاة عند ىبن آدم عادةً لا عبادة
جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله لقوله تعالى: الا ابليس كان من الجن: أي خانه أصلُهُ, فانه خلق من مارجٍ من نار, وأصل خلق الملائكة من نور, كما ثبت في صحيح الامام مسلم رحمه الله أنذ النبي صلى الله عليه وسلم قال: خُلقت الملائكة من نورٍ , وخُلق ابليسٌ من مارجٍ من نار, وخُلق آدمُ ممّا وُصِفَ لكم (أي من تراب) , كما في حديث آخر: كلكم لآدم, وآدم من تراب.
وكما قال الحسن البصري رحمه الله: ما كان ابليس من الملائكة طرفة عين قط, وانه لأصل الجن, كما أنّ آدم عليه الصلاة والسلام أصل البشر.
روى الامام مسلم رحمه الله في صحيحه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى:
اني خلقت عبادي حُنفاء , فاجتالتهُمُ الشياطين, وحرّمت عليهم ما أحللْتُ لهم, وأمرَتْهُمْ أن يُشركوا بي ما لم أُنَزِّلُ به سُلطاناً
وحول هذا الحديث القدسي الجليل سيدور بحثتا هذا ان شاء الله تعالى
وهو بحثٌ طويلٌ الى حدٍّ ما, ويناقش معظم الضلالات التي يكيدها الشيطان لأعوانه والتي فيها يُوقعهم في حبائلها وحبائله, فيتناول الفرق الضالة والمضلة مفرقا بين السنة والبدعة
وسنتحدث من خلاله ان شا الله عزوجل عن مكايد الشيطان ومصائده مُحذِّرينَ مِنْ فِتنهِ، ومُخوِّفين مِنْ مِحَنِهِ، كاشفاً عن مستور ابليس، وفاضحاً لهُ في حفى غروره.
إذاً فعداوة الشيطان للإنسان ليست محصورة في إغوائه وصرفه عن الصراط المستقيم، مع أنها أغلى أمانيه , ولكنه الإيذاء بشتى أنواع الأذى النفسي والجسدي، وخاصة إذا لم يتمكن من صرفه عن الحق.
وصرفه عن الحق يكون: إما بإيقاعه في الشرك والخروج من الملة والعياذ بالله, أو بإيقاعه في البدع أو الذنوب، فإن لم يستطع فبصده عن طاعة الله وإفساد العبادة عليه. إلى غير ذلك من الصور. أعاذنا الله من شياطين الجن والإنس بمنَّه وكرمه.
وقبل أن ندخل في بحثنا نودّ أن نذكر الأخوة والأخوات في الله أنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق أو كما قال عليه الصلاة والسلام, وهذا يعني أنه يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الانسان على كافة المستويات التي فيها معصية أو منكر أو خطأ ولو كان من اللمم, ولكن ضعف ايمان الشخص يساعد السيطان على انجاح مهمته, لأجل ذلك علينا جميعا أن نبقي ألسنتنا رطبة بذكر الله تعالى على أي جنب كان عسى أن نكون من اولوا اللالباب الذين قال فيهم المولى تبارك وتعالى في خواتيم سورة آل عمران:
الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
انتظروا ا قريبا ان شاء الله لجزء الأول من البحث وهو تحت عنوان
الأمر بلزوم السنة والجماعة
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[02 - Jul-2009, صباحاً 09:20]ـ
الجزء الأول: الأمر بلزوم اهل السنة والجماعة
في هذا الجزء ان شاء الله سوف اتناول الى جانب الأمر بلزوم اهل السنة والجماعة , ذم البدع والمبتدعين , والتحذير من فتن ابليس ومكائده, وكيف يتلبس ابليس الانسان ويغرره, وقد وقد استعنت لانجاز هذا البحث القيّم
(مداخل الشيطان على الانسان) بكتاب تلبس ابليس لابن الجوزي البغدادي رحمه الله والمتوفي قبل حوالي تسعة قرون,
واني لأنصح كل باحث عن العلم أن يتزود من معين هذا البحث القيّم ولو بصفحة واحدة في اليوم لأهميته في تجنب أبواب الشيطان ومداخله على ابن آدم والتي لم يسلم منها العلماء وحفاظ القرآن الكريم.
في كتاب تلبيس إبليس تطرق ابن الجوزي رحمه الله إلى قرابة أربعين صنفا من الناسمنهم الفلاسفة واليهود والنصارى والفقهاء والعلماء والعوام والصوفية… وقد أشاراستنادا إلى حكايات وخرافات وظنون كيف لبس إبليس عليهم. وحسب ابن الجوزي رحمه اللهفان إبليس لبس على جميع خلق الله إلا على الأنبياء والرسل والملائكة.
يقول ابن الجوزي رحمه الله في ذكر تلبيسإبليس على الكاملين من العلماء: إن أقواما علت هممهم وحصلوا علوم الشرع من القرآنوالحديث والفقه والأدب وغير ذلك فأتاهم إبليس فلبس بخفي التلبس فأراهم أنفسهم بعينعظيم لما نالوا وأفادوا غيره.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويقول رحمه الله: إن هناك جماعة من الدخلاء على التصوف نسبواأنفسهم إليه شوهوه بما أدخلوا عليه من بدع ضلالة وأفعال منكرة تحرمها الشريعةالإسلامية الشريفة كاستعمال آلات الطرب المحضورة والاجتماع المقصود بالأحداث وحضورالنساء حلقات الذكر والغناء الفاحش… فلم يعد التصوف عملية لتطهير القلب والتحليبالأخلاق الحميدة والتخلي عن الرذائل بل صار سهرات أنس لتسلية النفوس فاللهم إنالتصوف بريء من كل ذلك.
فكل شخص إدعى التصوف ومال عن السنة النبوية (ولو في لبسنعله) فهو مبتدع ومبتعد عن طريق التصوف , الذي هو مقام الإحسان وعلم السلوك, إلى حضرةملك الملوك. فهذا الشخص مبتدع ومسؤول عن نفسه لذا ينبغي التفريق بين التصوف والصوفيفليس الصوفي المنحرف (وأذكر كلمة صوفي هنا تجاوزا فقط , وإلا فالصوفي لا يمكن أن يكونمنحرفا) ممثلا للتصوف كما أن المسلم بانحرافه لا يمثل الإسلام , ومما يؤسف كذلك أنبعض أدعياء العلم من تلبيس إبليس عليهم تهجموا على التصوف ولم يميزوا بين أصحابالبدع المنحرفين (المتشبهين بالصوفية) وبين الذاكرين السالكين المتبعين لسنة رسولالله صلى الله عليه وسلم أصحاب الحقيقة القلبية. وأشير إلى أنه: لو أن الفقهاءتحققوا بمقاصد فقههم لما احتجنا لمن يتسمى صوفيا , ولكان الفقهاء هم الصوفيةالحقيقيون. وأختم بقول الجنيد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفىأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته.
والحمدلله ربالعالمين, وأسال الله عزوجل أن ينفعكم بهذا الموضوع المبارك ان شاء الله تعالى.
أن النفس البشرية هي المسؤولة أمام الله عزوجل عن الطريق الذي تسلكه , وهما طريقان لا ثالث لهما, طريق الخير وطريق الشر, من مطلق قوله تعالى في مستهل سورة الانسان: وهديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا, وكقوله في سورة البلد: وهديناه النجدين, أي طريق الخير وطريق الشر, فمن سلك طريق الهدى فقد فاز وأفلح في الدارين الدنيا والآخرة, ومن سلك طريق الشر وابته شهواته وأهواؤه فقد خاب وخسر الدارين الدنيا والآخرة, وعلى الرغم من أنّ الشيطان يغوي ابن آدم ويزين له الحرام وما يقرب اليه من قول أو عمل، الا أنّ لابن آدم كفل كبير من المسئولية عن اتباعه , ذلك أنّ اتخاذ القرار في اتباع الشيطان من عصيانه يعود أولا وأخيرا الى ابن آدم نفسه وليس للشيطان دخل فيه أبدا, وهذا معنى قوله تعالى في سورة يس:
ألم أعهَدْ اليكم يا بني آدمَ ألاَّ تعبدوا الشيطانَ انه لكمْ عدوٌّ مبين * وأنِ اعبدوني , هذا صراطٌ مستقيم * ولقدْ أضلَّ منكمْ جِبِلاًّ كثيراً أفلم تكونوا تعقلون
وقد بيّن الله عزوجل لنا في كتابه الكريم في مواضع كثيرة أنّ الشيطان ليس له سبيل على ابن آدم , كما في قوله تبارك وتعالى: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون .. وكقوله تعالى في موضع آخر على لسان ابليس نفسه: وما كان لي عليكم من سلطان
فكيف بعد هذا البيان الالهي الواضح والصريح نأتي ونقول انّ الشيطان يتلبس بالانسان؟ والله سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه لا سلطان للشيطان على بني آدم.
لقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن الشيطان قريب من الإنسان، وأنّ كل انسان ومعه قرين من الجن, بل وأنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فيوسوس له في حال غفلته، ويخنس له في حال ذكره لله تبارك وتعالى، ومن خلال هذه الملازمة فإنّ الشيطان يحوم حول الانسان بكل ما يهواه من الشهوات فيزينها له ويغويها به من خلال الوسوسة
فقد روى الامام البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحهما من حديث ام المؤمنين صفية بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها, أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهم وإن شموا رائحة طيبة ورائحة خبيثة (أي الملائكة تشم ريحا طيبة حين يهم العبد بالحسنة كما جاء عن سفيان بن عيينة)، فعلمهم لا يفتقر إلى ذلك، بل ما في قلب ابن آدم يعلمونه، بل ويبصرونه ويسمعون وسوسة نفسه، بل الشيطان يلتقم قلبه؛ فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس، ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره، ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغي فيزينها له.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم المؤمنين السيدة صفية بنت حيي رضي الله عنها
إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم.
وقرب الملائكة عليهم السلام والشيطان من قلب ابن آدم مما تواترت به الآثار، سواء كان العبد مؤمنا أو كافرا
فالشيطان يطلع على وسوسة الإنسان لنفسه، ويعلم ما يميل اليه ويهواه من الخير ومن الشر, فيوسوس له بحسب ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: وإذا نويت عمل خير في قلبي هل يعلم به الشيطان ويحاول صرفي عنه؟
فأجاب رحمه الله: كل إنسان معه شيطان ومعه ملك , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يُملي على الإنسان الشر ويدعوه إليه, وله لَمَّة في قلبه، وله اطلاع بتقدير الله على ما يريده العبد وينويه من أعمال الخير والشر , والملَك كذلك له لمَّة بقلبه يُملي عليه الخير ويدعوه إلى الخير، فهذه أشياء مكَّنهما الله منها: أي مكَّن القرينين، القرين من الجن والقرين من الملائكة عليهم السلام , وحتى النبي صلى الله عليه وسلم معه شيطان وهو القرين من الجن كما تقدم الحديث بذلك.
والمقصود أن كل إنسان معه قرين من الملائكة عليهم السلام, وقرين من الشياطين , فالمؤمن يقهر شيطانه بطاعة الله عزوجل وبالاستقامة على دينه , ويُذل شيطانه حتى يكون ضعيفا لا يستطيع أن يمنع المؤمن من الخير ولا أن يوقعه في الشر إلا ما شاء الله , والعاصي بمعاصيه وسيئاته يُعين شيطانه حتى يُقوِّى على مساعدته على الباطل وتشجيعه على فعل المنكر, وابعاده عن فعل الخيرات ما أمكنه الى ذلك سبيلا.
لذا كان وجوبا على المؤمن أن يتقي الله عزوجل في جميع أحواله , وأن يحرص على جهاد شيطانه بطاعة الله عزوجل وطاعة رسوله الكريم صلى اله عليه وسلم, والاستعانة بالتعوّذ بالله عزوجل من الشيطان الرجيم كما أمرنا الله تبارك وتعالى, , وعلى أن يحرص في مساعدة ملَكه على طاعة الله ورسوله والقيام بأوامر الله سبحانه وتعالى.
نعم أن الشيطان له تسلط عظيم على ابن آدم , لذا فليكن ابن آدم على أهبة الاستعداد لرد مكائده, وينبغي ألا نغفل عن الشيطان أبدا خاصةً ونحن نعلم أنه يتربص بنا محاولا ايقاعنا في شر أعمالنا ما امكنه الى ذلك سبيلا, والسعيد من ترصّد لشيطانه وبقي خائفا من مكائده على الدوام, وان حصل وغفل أحدنا عنه ساعة ووقع في الاثم , عليه أن يلجأ الى الله عزوجل يستغفره من الذنب, فكما ورد في الحديث
إن الملك ليرفع القلم عن العبد إذا أذنب ست ساعات فإن تاب واستغفر لم يكتبه عليه, والا كتبها سيئة.
وقبل الخوض في غمار هذا البحث والتي بعض من فقراته مأخوذة ما من كتاب تلبس ابليس لابن الجوزي رحمه الله, وسنجد كثيراً عبارة قال المصنف رحمه الله, والمُصَنّف كما أخبر عنه بعض أهل العلم أنه الامام محمد بن أبي العز الدمشقي رحمه الله, وسبب اخفاء اسمه هو أنّ العلماء في زمنه كانوا يُضطهدون ويُسجنون من قبل علماء السوء والسلاطين في تلك الحقبة من الزمن, الأمر الذي اضطره لاخفاء اسمه.
ونتيجة لذلك لا تستغرب ان وقع بين يديك كتاب مدوّن فيه العقيدة الصيحية وليس مكتوبا عليه اسم المؤلف, ويكفي طالب العلم الذي حوى هذه العقيدة أن يقرأها وإن كَانَ لا يعرف من هو مؤلفها، والشاهد أنه ينبغي أن لا نغفل الواقع الذي كَانَ يعيشه العالم أثناء كتابته للعلم، والظروف التي كانت تلم به وما يتعرض له من الأذى في كتابته أو في وصول علمه إلينا.
انّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر يحتاج معه اضاعة العمر كله, ذلك انه أمر الله عزوجل وسنته في خلقه الى أن يرث الله عزوجل الأرض وما عليها
ولكن البحث عن المذاهب السخيفة والضالة المضلة والتي اتدعها الانسان على مر التاريخ لا يصلُحُ تضييع الوقت ولا الزمان عليها ولا بذكرها, ولكن ومن باب المعرفة والوصول الى القين المطلق في اللجوء الى الله تبارك وتعالى في كل حال, رأينا أن نوغر البحث في قوله تعالى في سورة الانفطار
(يُتْبَعُ)
(/)
يا أبها الانسان ما غرك بربك الكريم* الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك كلا بل تكذبون بالدين * وانّ عليكم لحافظين كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون
ان الله تبارك وتعالى عندما خلق الانسان خلقه في أحسن هيئة وأحسن شكل, متصفا باكمل وأجمل الصفات, من حسن الصورة وانتصاب القامة وتناسق الأعضاء وتناسبها, مزينا بالعقل والتمييز, والعلم والفهم, والنطق والأدب, وفي ذلك قال تعالى في سورة التين:
ولقد خلقنا الانسان في أحست تقويم
وقال المولى عزوجل في سورة الاسراء 70: ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرِ والبحرِ ورزقناهمْ من الطيباتِ وفضّلناهمْ على كثيرٍ ممّنْ خلقنا تفضيلا
فالله تبارك وتعالى شرّف ذرية آدم عليه الصلاة والسلام على جميع مخلوقاته بالعق والعلم والنطق, وبتسخير جميع ما في هذا الكون لخدمته ابتداء من امتطاء ظهور الدواب وركوب السفن, وانتهاء بتفضيلهم على سائرالمخلوقات من الجن والبهائم والدواب والوحوش والطيور وما الى ذلك من خلق الله عزوجل في البر والبحر, ومرورا برزقه عزوجل اياهم من لذيذ المآكل والمشارب بما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين.
وكما قلنا بأن الانسان مميز عن سائر المخلوقات بأشياء كثيرة على رأسها العقل, وهو الحد الفيصل بين الانسان وغيره من المخلوقات.
ان جسم الانسان يحتوي على عدة أجهزة من ابداع الخالق تبارك وتعالى, فهناك جهاز الهضم والتنفس والجلد والتناسل , وجهاز الدوران والبولي والعصبي وما الى ذلك من أجهزة كل جهاز له أهميته الخاصة في حياة الانسان, ويبقى على رأس هذه الأجهزة الجهاز العصبي على اعتبار أنّ العقل يتبع تصنيفا لهذا الجهاز.
والعقل هو المحرك الرئيس والدينامو الفعال في جسم الانسان, بحيث لو فسد العقل أفسد معه أشياء كثيرة على رأسها الدين الذي هو عصمة الأمر كله.
لقد أنعم الله عزوجل على الانسان بهذا العقل الذي ميّزه به عن سائر مخلوقاته, لذا ان لم يوجهه الانسان في الخير كان شراً ووبالاً.
هكذا اقتضت سنة الله عزوجل في خلقه أن يجعل من الادراك كل شيء ينبض في الحياة, ولله في خلقه شئون, سبحانه وتعالى خالق كل شيء, خلق كل عضو بحكمة رائعة , وخصص له واجباته , فلا حياة لمن ليس له قلب , ولا قيمة تذكرولا طعم لها فيما لو حرم الانسان من نعمة العقل والبصيرة.
انّ من أعظم نعم الله عزوجل على الانسان أن جعل له عقلا يستوعب ويدرك كل ما يدور حوله, ذلك أن العقل هو البوصلة التي توجه الانسان الى معرفة الخالق تبارك وتعالى, عدا عن أنه الدينامو الذي يحرك أعضاء الجسد كلها, ولأّنّ العقل هو مركز الجسد كله فقد استحوذ تفكير الشيطان وأخذ يلعب بعقله ويلهو به , ولا زال يفعل فعله بالانسان حتى جعله يشذ عن الرسالة التي خلق لأجلها, فلعب بعقول البشر وأخرجهم من عبادة الواحد القهار الى عبادة الأحجار والأوثان, واستمر الناس على عبادة الأصنام أزمانا ودهورا مع ارسال الله عزوجل أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام لهداية الناس على مر العصور والدهور, حتى اذا ابتعث الله عزوجل نبي هذه الأمة وخاتمها ليخرج الناس من الظلمات الى النور ومن رفع القبائح الى شرع المصالح مؤيدا بأصحاب مخلصين سار بهم الى شاطىء الأمان, ولأنّ سنة الله خلقه تقتضي أن لا خلود لنفس فيها, فقد انسلخ عصر الصحابة الى عصور متتالية حتى وصل الينا كان لها من الضلال نصيبا لا بأس به لتعود الآهواء تنشيء بدعا لا تنتمي الى دين الله عزوجل بشيء, وينهض ابليس يغوي ويوخرف ويزيّن للناس الدنيا, ويجد له أتباع من كل لون وعرق.
اعلم أيها الانسان المخلوق من ماء مهين بأنك لست الا مخلوقا من خلق الله تبارك وتعالى مفطور على حب الشهوة والهوى والنزوة, وقد وضع الله عزوجل فيك الغضب ليدفع من خلاله كل ما يؤذيك, وأعطالك الله العقل كي تعهتدي من خلاله الى نور الله تبارك وتعالى, فسخره فيما يرضي الله عزوجل, ولا تتبع خطوات الشيطان فتضل وتشقى.
يقول المولى تبارك وتعالى في سورة ال عمران 14
زُيِّنَ للناس حبُّ الشهوات من النساءٍ والبنين والقناطيرالمقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة و الأنعاموالحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا
(يُتْبَعُ)
(/)
مما لا شكّ فيه أن من يغوي الانسان في اتباع الشهوات بانواعها الثلاثة: شهوة الجنس والمال والدم انما عدو الانسان منذ الأزلوسيبقى هذا الشيطان عدو الانسان اللدود الى أن يرث الله الأرض ومن عليها, وقد أخبرنا الله عزوجل أنّ الشيطان عدو لللانسان وأمرنا ان نتخذه عدوا, وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تناولت ابليس وأعوانه في كيفية غواية الانسان , وبيّن لنا المداخل التي يدخل بها علينا, وسأذكر بعضا من هذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر, ففي سورة البقرة 169 يقول الله تبارك وتعالى:
انما يأمرُكُمْ بالسوءِ والفحشاءِ وأنْ تقولوا على اللهِ مالا تعلمون
وتابعوا الايات الكريمات في هذه السور الكريمة لتقفوا على عداوة ابليس اللعين لاين آدم الذي لا تخفى عداوته على انسان عاقل, البقرة 268 النساء 60 المائدة 91 فاطر 6 لقمان 31 - 33 يس 60 الاعراف 12 الكهف 45
وينبغي علينا جميعاأن نعلم أن شغل ابليس الشاغل هو غواية النسان وابعادة عن جادة الصواب ما أمكنه, لذا فمن سولت له نفسه أمرا ينبغي عليه أن يتعوذ من الشيطان الرجيم, واذا كان الله عزوجل قد أمرنا بالاستعاذة من الشيطان عند قراءة القرآن, وعند الجماع, فلنؤمن اذن كم هو خطر ابليس على الانسان
روى عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
يا أيها الناس! ان الله تعالى أمرني أن أُعَلِّمُكُمْ ما جهلتم مما علَّمَني في يومي هذا: انّ كلَّ مالٍ نحِلتُهُ عبدي فهو له خلال, واني خلقت عبادي حنفاء كلهم , فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم, وأمرتهم ألا يشركوا بي شيئا ما لم أنزل به سلطاناً, وانّ الله تعالى نظر الى أهل الأرض فمقتهم, عربهم وعجمهم الا بقايا من أهل الكتاب.
وروى البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: انّ ابليس قد يئس أن يعبده المصلون, ولكن في التحريش بينهم.
التحريش هنا: السعي بينهم بالخصومات وافساد ذات البين والفتن.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
انّ الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم, فان ذكر الله خنس, وان نسي الله التقم قلبه.
وعن قتادة رضي الله عنه قال: انّ ابليس شيطانا يقال له قبقب, يجمُّهُ أربعين سنة, فاذا دخل الغلام في هذا الطريق قال له: دونك! انما كنت أجمك لمثل هذا أجلب عليه وأفتنه.
ومعنى يجُمُّهُ: يتركه بلا عمل ليتقوّى.
وعن ثابت البناني رضي الله عنه قال: بلغنا أنّ ابليس ظهر ليحي بن زكريا عليهما الصلاة والسلام فرأى عليه معاليق من كل شيء, فقال يحي عليه السلام: يا ابليس! ما هذه المعاليق التي أرى عليك؟ قال: هذه الشهوات التي أصيد بهنّ ابن آدم .. قال يحي عليه السلام: فهل لي فيهما من شيء؟ قال: ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة وثقلناك عن الذكر .. قال يحي عليه السلام: فهل غير ذلك؟ قال: لا والله! فقال يحيي عليه السلام: لله عليّ ألا أملأ بطني من طعام أبدا .. فقال ابليس: ولله عليّ ألا أنصحَ مسلماً أبداً
وعن عبد الرحمن بن زياد رضي الله عنه قال: بينما موسى عليه الصلاة والسلام جالس في بعض مجالسه, اذ أقبل عليه ابليس وعليه برنس له يتلوّن فيه ألواناً, فلما دنا منه خلع البرنس فوضعه , ثم أتاه وقال له: السلام عليك يا موسى! فقال له: من أنت؟ قال: أنا ابليس, فقال له موسى عليه السلام: فلا حيّاك الله, ما جاء بك؟ قال: جئت لأسلم عليكلمنزلتك عند الله تعالى ةمكانك منه .. فقالله موسى عليه السلام: فما الذي رأيته عليك؟ قال: به أختطف قلوب بني آدم .. قال موسى عليه السلام: فما الذي اذا صنعه الانسان استحوذت عليه؟ قال: اذا أعجبته نفسه, واستكثر عمله, ونسي ذنوبه, وأحذرك ثلاث:
* لا تخلُوُنَّ بامرأةٍ لا تحلُّ لك قط, فما خلا رجل بامرأة لا تحلُّ له الا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أفتنه بها.
* ولا تعاهد الله عهداً الا وفيّت به, فانه من عاهد الله أحد الا كنت صاحبه دون اصحابي حتى أحولُ بينه وبين الوفاء به.
* ولا تُخرجَنَّ صدَقة الا أمضيتها, فانه من أخرج صدقة فلم يمضها الا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبين اخراجها.
ثم ولى وهو يقول: يا ويله يا ويله ياويله علم موسى ما يحذر به بني آدم
(يُتْبَعُ)
(/)
مما سبق نستنتج القول أنّ فتن الشيطان ومكايدة من الصعب عليه احصاؤها, ولكثرتها وتشبثها بالقلوب فانه من شأنها أن قد تضعف احتمالات السلامة من الافتتنان.
هل مع كل انسان شيطان؟
ان بعض المقبوحين قبحهم اله لينكرون وجود القرين في حياة ابن آدم من غير علمٍ من كتابٍ او فقهٍ اوحتى سُنّةٍ يستندون اليه, وهم يؤولون ويحملون الالفاظ فوق ما تَحتمل من معانٍ بعيدةٍ لا يقتضيها موقفٍ او سياق.
والحمد لله أنّ هذه الافتراءات الهالكة مردودة على أصحابها, مدحوضة بالحق ولله الحجة البالغة
انّ لكل منا نحن بنو آدم قرين أو شيطان, بدليل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, فمن منطلق القرآن الكريم في سورة ق 27:
قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد
وفي السنة النبوية ما دليله ما رواه الامام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث عروة بن الزبير عن خالته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنهما حدثته فقالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً , قالت: فغرتُ عليه, فجاء فرأى ما أصنع, فقال: ما لك يا عائشة! أغرْتِ؟ فقلت: ومالي لا يغارُ مثلي على مثلك؟ فقال: أوَ قدْ جاءَكِ شيطانُكِ؟ قالت: يا رسول الله! أوَ معيَ شيطان؟ قال: نعم .. قلت: ومع كل انسان؟ قال: نعم .. قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم. زولكنّ ربي عزوجل أعانني عليه حتى أسلم, وفي رواية: فأسلم.
انّ الشيطان يجري من آدم مجرى الدم في العروق, ولأنّ حياة الانسان موصولة بدمه ولا بقاء له بدونه, فانّ الشيطان كذلك موصولٌ بوجود الانسانوبقاءه حتى آخر لحظة على وجه الأرض , كما قال تعالى الاعراف 15 - 16:
أنظرني الى يوم يُبعثون * قال انك لمن المنظرين
فابليس من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم, وسيبقى في الدنيا الى يوم الدين , يوم القيامة, وقد طلب من الله عزوجل تأخير موته الى يوم القيامة, وقد أجابه الله عزوجل الى ما سأل لحكمة جليلة وارادة الله ومشيئة لا يعلمها الا علام الغيوب
وكما في الصحيحين من حديثأ م المؤمنين السيدة صفية بنت حيي بن أحطب رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً , فأتيتهُ أزورهُ ليلاٍ, فحدثته, ثم قمتُ لأنقلب, فقام معي ليُقلبني (أي ليوصلها البيت) وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما, فمرَّ رجلان من الانصار, فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما! انها صفية بنت حيي .. فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال عليه الصلاة والسلام: انّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم, واني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا, او قال: شيئاً.
وقال الخطابي رحمه الله: وفي هذا الحديث من العلم أن يحذر الانسان من كل أمر من المكروه مما يجري به الظنون ويخطر بالقلوب, وان يطلب السلامة من الناس باظهار البراءة من الريب أو الشك.
وقال الامام الشافعي رحمه الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم انما ما قال لهما مثل ذلك الا شفقةً منه عليهما ولخوفه أن يقع في قلوبهما شيء من أمر فيكفرا, لا على نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم المعصوم المحروس من الله عزوجل.
لأجل ذلك أمرنا الله تبارك وتعالى أن نتعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم كما في قوله في سورة الاعراف 200: واما يَنزغنَّكَ مِنَ الشيطانِ نزْغٌ فاستعذْ بالله, انه سميعٌ عليمٌ
وقد أمرنا الله عزوجل من التعوذ من الشسيطان عند التلاوة كقوله تعالى في سورة النحل 98: فاذا قرأتَ القرآنَ فاستعذْ باللهِ مِنَ الشيطانِ الرجيمِ
وأن نتعوذ عند السحر بالله تعالى من الشيطان الرجيم كما في قوله في سورة الفلق:
قل أعوذ بربّ الفلق * من شرّ ما خلق* ومن شرّ غاسقٍ اذا وقَبَ * ومن شرّ الفاثاتِ في العقد* ومن شرّ حاسدٍ اذا حسَد
فاذا كان أمره عزوجل لنا بالتحز من شر الشيطان الرجيم في مثل هذه الأمور فكيف بنا في غيرها؟
(يُتْبَعُ)
(/)
سأل رجل عبد الرحمن بن حنيش رضي الله عنه: اأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم .. قال: كيف صنع ليلة كادته الشياطين؟ فقال: انّ الشياطين تحدّرَتْ (أي تنزّلتْ) تلك الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية والشِّعابِ (طريق بين جبلين) , فيهم شيطان بيده شعلة , يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهبط اليه جبريل عليه السلام, فقال: يا محمد! قل ما أقول؟ قال: قل أعوذ بكلمات اللله التامات من شرّ ما خلقَ وذرأَ وبرأَ , ومن شرّ ما ينزلُ من السماء, ومن شرّ ما يعرُجُ فيها, ومن شرّ فتن الليل والنهار, ومن شر كل طارقٍ الا طارقاً بخير يا رحمن! قال: فطفشْتُ نارهم, وهزمهم الله تعالى.
انّ هذا الحديث الشريف يدلنا على دفع أذى الشياطين بكلمات الله التامة , وفي هذا دفع القوة الباطنية بقدرة اللع تعالى العظيمة الأقوى من أي قوة.
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قال: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: انّ الشيطان يأتي أحدكم فيقول: مَنْ خلقَكَ؟ فيقول: الله تبارك وتعالى .. فيقول: فمنْ خلق الله؟ فاذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله, فانّ ذلك يذهبُ عنه.
وأيضا هذا الحديث الشريف يدلنا على أن الشيطان له طرائقه العديدة ليتخذها مطيّةً يغزو من خلالها النفس البشرية, ولا دافع له من طرقه الخبيثة الا بالاعتصام بالقرآن الكريم حبل الله المتين.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا قال: انّ للشيطان لمّة بابن آدم, وللملَكِ لمة, فأما لمة الشيطان فابعاد بالشر وتكذيب بالحق, واما لمة الملَكِ فابعاد بالخير وتصديق بالحق, فمن وجد من ذلك شيئاً فليعلم أنه من الله, فليحمد الله, ومن وجد الأخرى فليتعوّذ من الشيطان .. ثم قرأ قوله تعالى في البقرة 268:
الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء
معنى: لمّة: اي هِمَّة أو خاطرة من خواطر الشيطان
وفي الصحيحين من ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذُ الحسن والحسين فيقول:
أُعيذُكُما بكلمات الله التامة , من كل شيطان وهامّة, ومن كلّ عينٍ لامّة.
وكان يقول عليه الصلاة والسلام هكذا كان أبي ابراهيم صلى الله هليه وآله وسلم يُعَوِّذُ اسماعيل واسحق.
العين اللامة: هي العين التي تؤذي بالنظر وهي العين الحاسدة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: العين حق, تُنزِلُ الجمل القِدْرِ, والرجلَ القبْرِ.
أعاذنا الله واياكم من شرّها ومن شر حاسد اذا حسد
يا أيها الانسان ما غرّكَ بربك الكريم
فلعنة الله على الجهل والجهلاء (أهلك وأهلكوا كثيرا من الناس)
واعلم أخي الكريم أختي الكريمة أنّ غواية الشيطان للانسان انما تكون في اظهار الباطل في صورة الحق, بينما تغرير أو خداع الشيطان بالانسان انما هو تزيين القبيح بالحسن, والحسن بالقبيح, وخداع الشيطان لنا انما هو نوع من أنواع الجهل التي تصور لنا الفاسد صحيحا والرديء جيدا, ولذلك قال تعالى في سورة الانفطار:
يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعلدك* في أيِّ صورةِ ماشاءَ ركبّك
ومعنى قوله تعالى الكريم يتجلى في: أي ما الذي خدعك بربك الكريم حت عصيته وتجرأت على مخالفة أوامره مع احسانه وتفضله عليك؟ أي كيف تقابل احساني اليك بعصيانك لي؟ وكيف تقابل رأفتي بك بالتمرد والطغيان؟ ألم أوجدك من العدم؟ ألم أجعلك سويّاً سالم الأعضاء؟ ألم أجعلك معتدل القامة منتصبا في أحسن الهيئات والأشكال واخترت لك من الصور الحسنة العجيبة, ولم أجعلك في الشكل كالبهيمة؟
ورحم الله تعالى امامنا اابن الجوزي البغدادي وهو يُصوّر لنا كيف يقتحم الشيطان القلب, في هذا التصوير الرائع:
انّ القلب كالحصن المنيع له سور وله أبواب, وفيه ثلم يسكنه العقل, والملائكة تترددُ الى هذا الحصن, والى جانبه ربض فيه الهوى, والشياطين تختلف الى ذلك الربض من غير مانع, والحرب قائم بين أهل الحصن وأهل الربض, والشياطين لا تزال تدور حول الحصن , تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم.
الثلم: هو موضع الكسر من القدح .. والرّبَضُ: مكان يُلجأ اليه
(يُتْبَعُ)
(/)
فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وُكِّلَ بحفظه وجميع الثلم, وان لا يفتر عن الحراسة لحظة, فانّ العدو ما يفتر أبدا, وهذا الحصن مستنير مشرق الايمان بذكر الله , وفيه مرآة صقلية يتؤاءى فيها صور كل ما يمرّ به, فأول ما يفعل الشيطان في الربض اكثار الدخان , فتسْوَدُّ حيطان الحصن, وتصدأ المرآة وكمال الفكر يردُّ الدخان, وصقل الذكر يجلو المرآة , وللعدو حملات, فتارة يحمل فيدخل الحصن, فيكرُّ عليه الحارس فيخرج, وربما دخل فعاث (افسد) , وربما أقام لغفلة الحارس, وربما ركدت الريح الطاردة للدخان, فتسْوَدُّ حيطان الحصن وتصدأ المرآة, فيمرُّ الشيطان ولا يدري به, وربما جرح الحارس لغفلته وأسر واستخدم وأقيم يستنبط الحبل في موافقة الهوى ومساعدته, وربما صار كالفقيه في الشر.
وقيل للحسن البصري رحمه الله: أينامُ ابليس؟ فقال: لو نام لوجدنا راحة
انّ الشيطان يدخل على الناس بقدر ما يمكنوه, ويزداد تمكن الشيطان من الناس عندما تقل يقظتهم وتكثر غفلتهم وجهلهم وعلمهم, وقد قال أحد السلف رحمه الله: رأيت الشيطان فقال لي: قد كنت ألقى الناس فأُعَلِّمَهَم, فصرت ألثاهم فأتعلّمُ منهم ..
وهذا القول الى حد ما صحيح, فهناك بعض من الناس هم بالأساس شياطين, أطلق عليهم القرآن الكريم شياطين الانس اسما, والنبي صلى الله عليه وسلم أمر أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أن يتعوذ من شياطين الانس والجن, ولما سأله رضي الله عنه: أوّ للانس شياطيبن يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام:
نعم وهم أخطر من شياطين الجن ..
أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
ولو أني سأوردُ لكم وقائع من أعمال شياطين الانس لانتهى بنا العمر ولا زال هناك بقيةً منهم, وكما قال ابليس لعنة الله عليه: كنت أعلم الناس الشر فصرت أتعلم منهم.
ورحم الله الحسن بن صالح حيث قال: انّ الشيطان ليفتحُ للعبدِ تسعة وتسعين باباً من أبواب الخير, يريد به بابا من الشر
وهذا معناه أنذ الشيطان قد يدلك على 99 بابا للخير ويفتحهم لك بنفسه في سبيل أن يظفر منك ببابٍ واحدٍ قد يكون فيه هلاكك.
وهنا تأخذني قدمايّ الى بابٍ مفتوح على مصراعيه وقد كتب على بابه: أهل السنة, وأهل السنة أو متتبعي السنة متحررين من أهل البدع والأهواء والأباطيل الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان, ذلك ان السني قوي بقوة الله عزوجل, ذلك أنه يستمد قوته من قدرته تبارك وتعالى , لأجل ذلك نجد أنّ الشياطين تحوم حومتها حول أهل السنن, لذا فقد غدا الكثير من السنن في عصرنا هذا مهجورا الى حد الترك الكلي, وفي ذلك يروي لنا شعيب بن الأعمش رحمه الله فعل الشياطين بمتتبعي السنة النبوية فيقول:
حدثنا رجل كان يكلم الجن, فقالوا له:
ليس علينا أشدُّ ممّن يتبّعُ السنة, وأما أصحاب الأهواء فانا نلعبُ بهم لعباً.
فترقبوا ان شاء الجزء الثاني: كيف يلعب ابليس بأهل الأهواء مع
مداخل ابليس على أصحاب العقائد والديانات والملل المختلفة
ـ[أبو دعاء]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 12:59]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لكم على هذا الموضوع القيم في ميزان حسناتكم إن شاء الله
لي سؤال ملح بارك الله فيكم
أحد الاخوة يقول أنه يعالج بالقرآن الكريم وأنه ألف كتابا في العلاج بالقرآن وله خبرة طويلة في هذا الميدان ويقول أن اجتهاده أوصله إلى بعض التعاريف كتعريف التابعة والقرينة والمس العاشق ....
مثلا من بين التاعريف يقول:
- التلبس: هو حلول جني أو شيطان في جسد إنسان فيسبب له الأذى من خلال احتلاله للجسد والاستحواذ عليه وقد يحدث بعد تعرض الشخص لإصابة سحر أو حسد أو خوف شديد أو تطور الحالة عنده من اقتران إلى مس ثم إلى تلبس، وأثناء الرقية تصبح أصابع يدي الشخص باردة وقد يحدث عنده صرع وتصلب في الجسد وتكون الأعين مغلقة غائرة للداخل مع انتفاخ بالصدر وفقدان كامل للوعي واحتمالية نطق الجني أو الشيطان المتلبس كبيرة وهي من الحالات نادرة الحدوث.
(يُتْبَعُ)
(/)
4 - المس: هو ملامسة ظاهر جني أو شيطان لظاهر إنسان فيؤثر على دماغه ويجعله يتخبط بالأقوال والأفعال، وهو بمثابة غزو من الجني أو الشيطان لطبيعة الإنسان وهالته فيؤثر على مدارك الإنسان الحسية وعلى كهربة دماغه، ولحدوثه عدة أسباب منها ما هو خارج إرادة الشخص كالسحر والحسد ومنها بسبب ضعف الإنسان إيمانياً أو إفراطه في المشاعر كالخوف والفرح والفزع والحزن المبالغ فيه وقد يحدث بعد إصابة الاقتران.
الانعكاس التشخيص
انفراج جميع الأصابع ....................... .................... ........................... مس فعلي
وأما انعكاس المس الفعلي فقد يرافقه برودة في الأطراف ونزول الدمع من وسط العينين أو من مجرى الدمع الخارجي دون بكاء،
- تابع العشق: هو صنف من الجن والشياطين يتبع الإنسان بقصد الشهوة ويقع من ذكور وإناث الجن والشياطين على ذكور وإناث الإنس وقد يكثر الاحتلام عند الشخص المصاب وتعرضه للجنابة بشكل متكرر ومزعج وخاصة عند النوم، فقد يتشكل تابع العشق بصورة أقرب الناس من الشخص المتبوع أو أي شخص معروف أو غير معروف ويعتدي عليه جنسياً سواء أكان نائماً أو شبه نائم والاعتداء كله بمثابة حلم أو احتلام لا يترتب عليه فض بكارة أو حدوث حمل أو زواج، وإذا كان الشخص المتبوع متزوج فقد يحدث نفور شديد بين الزوجين.
- العهد: هو تسكين خدام السحر أو الجن المتلبس لجسد الشخص عن طريق من يتعامل مع الجن والشياطين كالسحرة، ويمكن حدوث إصابة العهد دون حضور الشخص إلى الساحر أو المشعوذ عن طريق أخذ اسمه واسم أمه وأحياناً تحدث بعد انقطاع المريض عن برنامج العلاج وقبل انتهاء الحالة عنده، وغالباً ما تحدث بعد ذهاب الشخص المسحور إلى ساحر أو مشعوذ طلباً للعلاج فبدلاً من أن ينهي الإصابة عنده يقوم بتثبيتها بتوثيق العهود والمواثيق بينه وبين خدام السحر. ومن علامات الإصابة أثناء جلسة الرقية ظهور انعكاس السحر على أصابع يدي المصاب أو إحداهما ثم يتبعه ارتفاع الإصبع الشاهد إلى أعلى أو تأرجحه أفقياً دون ارتفاع وقد يحدث تغير بلون أصابع اليد وخاصة أطرافها يتبعه تعرق وبرودة بها دون أي انعكاس وسحب إبهام اليدين أو أحداهما للداخل بقوة يدل على شيطان معاهد،
وأول خطوة في علاج هذه الحالات لابد من نقض العهود بقول المريض: ((نقضت جميع العهود والمواثيق مع جميع أصناف الجن والشياطين والله على ما أقول وكيل))، ثم نتابع علاجه كما في الحالات الأخرى.
16 - الوهم: هو اعتقاد وجود الشيء رغم عدم وجوده كمن يرى السراب ماء، فقد يتوهم بعض الأشخاص أنهم مصابون بإصابات الجن لظواهر وهمية أو بسبب تشخيص خاطئ، وقد يتبنى الشخص هذا الاتجاه هروباً من الواقع وعند علاج هذه الحالات يكون جسد المصاب ليناً ويستجيب لأسلوب الإيحاء بسرعة.
سألناه هل هذه التعاريف قال بها أحد السلف أو أحد العلماء الأجلاء فأجاب أنه "اجتهاد" شخصي منه
فهل هذه التعاريف جائزة شرعا أم تعتبر زيادة في الدين وبدعة لا يقبلها الشرع خاصة إذا علمنا أنها تتقاطع مع تعاريف السحرة والمشعوذين؟
كيف يمكن أن نتصور رد ابن الجوزي على مثل هذا "الاجتهاد"؟
في انتظار إجابتكم
بارك الله في جهودكم
وصلى الله وسلم على سيد المرسلين
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 01:55]ـ
وعليكم السلام أخي الحبيب في الله أبو دعاء, الاجابة على سؤالك القيّم ستجده بين طيات وعبارات الموضوع الذي أنا بصدده (مداخل ابليس على الانسان) المقتبس الى حد ما من كتاب تلبيس ابليس لابن الجوزي البغدادي رحمه الله, ودراستي هذه مؤلفة من ما يقارب من العشرة أجزاء يتفرع منها حوالي عشرة فروع أخرى, وقد انتهيت من حوالي ثمانية أجزاء منها مع فروعها لغاية الآن, وسأدرجها تباعا خلال الأسبوع الحالي والقادم , حتى يتسنى للقاريء متابعتها فلا يفوته جزء منها, لأنها دراسة نوعية لم تتناولها الشبكة العنكبوتية بهذا السرد المبسط جدا والذي يستوعبه كل قاريء للاختصارات الكثيرة التي أجريتها ليكون بمتناول الجميع, حيث ولا يخفى على بال أحد أن كتاب تلبيس ابليس مكوّن من حوالي خمسمائة صفحة , اختصرتها بموضوعي هذا الى حوالي 100 صفحة أو يزيد قليلا, وكم أتمنى من ادارة المجلس العلمي تثبيت هذا الموضوع لأهميته, هذا وأعدك بأني سأعرض موضوعك كاملا على عالم من علماء الفقه المشهود لهم بالعلم الشرعي ومن خريجي الازهر الشريف القدماء للبت فيه بطريقة علمية شرعية, ودائما تُسند المور الى أهلها امتثالا لقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون, ومتى يزودني بالاجابة عليه ان شاء الله تعالى , فاني لن أتوانى أبدا عرضها ضمن فقرات هذا الموضوع لتكون مرجعا لكل باحث عن العلم الشرعي.
لكن الشيء الثابت في الكتاب والسنة أخي الفاضل بأنّ المس الشيطاني والسحر حقيقتان لا جدال عليهما, وستجد دليلهما في القرآن الكريم في الآية رقم 102 من سورة البقرة, وفي خواتيم سورة الاعراف ابتداء من الآية رقم 200, وأيضا المعوذتين , واللتين نزلتا في رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قام عدو الله لبيد بن الاعصم بعمل سحر للنبي صلى الله عليه وسلم وكان معقودا بأحد عشر عقدة , وكان قد دفنه في بئر, ونزل الأمين جبريل عليه الصلاة والسلام على رسولنا صلى الله عليه وسلم بسورتي المعوذتين الفلق والناس, وكان كلما قرأ جبريل عليه السلام عليه آية , حُلّت عقدة من السحر, حتى اذا أتى على قوله تعالى من الجنة والناس كانت عقد السحر كلها قد حلّت بفضل الله تعالى ومنته وكرمه.
جزاك اله خيرا على هذه المشاركة, ف الدال على الخير كفاعله أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 02:49]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
الجزء الثالث:
مداخل ابليس على أصحاب العقائد والديانات والملل المختلفة
الفصل أو الفرع الأول: المجوس (عبدة النار والشمس والقمر)
المجوس هي جماعة حسّن لها ابليس عبادة النار, من منطلق أنها الجوهر الذي لا يستغني العالَم عنه, وانشق منهم جماعة زيّن لهم الشيطان عبادة الشمس والقمر.
وقد أغواهم الشيطان اغواءة عظيمة بأن عبدوا البقر , لدرجة أنهم كانوا يغسلون وجوههم ببول البقر تبركا, وكلما كان البول عتيقا كلما ازدادت بركته, وكانوا يستحلون فروج أمهاتهم من منطلق أنّ الابن أولى بتسكين شهوة أمه بعد موت أبيه, واذا أرادت الحائض أن تغتسل , دفعت دينارا الى أحدهم يحملها الى بيت النار, ويقيمها على أربع ويقوم بتطهير فرجها بسبابته, وأجازوا للرجل أن يتزوج من النساء ما يحلو له منهنّ دون قيد بالعدد.
ومن أقوالهم لعنة الله عليهم: أنّ الارض لا نهاية لها, وأن السماء انما جلد من جلود الشياطين, والرعد انما هو حركة خرخرة العفاريت المحبوسة في الافلاك, وأنّ الجبال من عظامهم, والبحر من أبوالهم ودماءهم, ومن أطرف اغواء الشيطان لهم ما اغوى به طائفة الثنوية, حيث اعتقدوا أنّ الكون يحكمه الهين, اله الخير لا يأت بشر أبدا, واله الشر لا يأت بخير أبدا, فسبحان الله عما يصفون ويشركون ويلحدون, ولعنهم الله في الدنيا والآخرة.
وقد قيل أنّ أول من عبد النار هو قابيل بن آدم عليه السلام, وعن هذا فقد ذكر الطبري رحمه الله في تفسيره: أنه لما قتل قابيل هابيل وهرب من أبيه آدم عليه السلام الى اليمن أتاه ابليس فقال له: انّ هابيل انما قبل قربانه وأكلته النار لأنه كان يخدم النار ويعبدها, فانصب أنت نارا تكون لك ولعقبك, فبنى قابيل بيت نار , فهو أول من نصب النار وعبدها.
ومن بعد قابيل فقد وسوس ابليس لخلق كثير في صرفهم عن عبادة الله عزوجل من خلال تحسينه لأقوام كثر من بعد قابيل عبادة الشمس والقمر ولآخرين عبادة الكواكب ومنها النجوم وغيرها من الضلالات التي ما أنزول الله بها من سلطان.
الفرع الثاني: طائفة السوفسطائية
ومن أهل البدع والأهواء تعالوا بنا نستعرض بعضا من هذه الطوائف المنحرفة الضالة والمضلة وأبدؤها بطائفة قلّ من الناس مَنْ سمع عنها, انها طائفة السوفسطائية.
والسوفسطائية طائفة منحرفة تنتسب الى رجل يدعى سوفسطا, وهم ينقسمون الى ثلاثة ملل: ملة العنادية وهذه الملة تنكر حقائق الأشياء وجوهرها, وملة اللارادية وهذه الملة تنكر العلم بثبوت الشيء لا بعدم ثبوته, وملة العندية وهؤلاء يعتقدون أن الحقائق تابعة للاعتقادات.
وهذه الاعتقادات كلها باطلة, وقد ورد في كتاب الاراء والديانات للحسن بن موسى رحمه الله حيث قال: رأيت المتكلمين قد غلطوا في أمر هؤلاء غلطاً بيناً, لآنهم ناظروهم وجادلوهم دون أن يثبتوا حقيقة أو يقروا بمساهدة,, اذ كيف تُكلم مَن يرتاب بحقيقة ماثلة أمام عينيه فيقول: لا أدري أيكلمني فلان أم لا وهو لا زالَ يُحدثه؟ وكيف تُناظر مَن يزعُم أنه لا يدري عن نفسه ان كان موجودا أم معدوما؟ وكيف تُخاطب مَن يدّعي أنَّ المخاطبة بمنزلة السكوت في الابانة وأنذ الصحيح بمنزلة الفاسد؟
وبدع هؤلاء أنهم مصابون بوسواس ناتج عن انحراف في أمزجتهم, وما مثلنا ومثلهم الا ولدٍ قال لأبوه أعطني درهما, فعندما أبى قال: يا عماه! قل لأبي أن يُعطيني درهما؟ فتعجبت الأم وهي لا ترى عمّ ابنها الى جانب زوجها, وازداد تعجبها ولم تدرك الحقيقة الا عندما سمعت ردّ زوجها على ابنها بأن: خذ أخوك وانصرف من وجهي, فعلمت أن زوجها وابنها حولاء.
وحُكيَ انّ رجلا من السوفسطائية كان يناظر بعض المتكلمين , فجاءه مرة فناظره, فأمر المتكلم بأن يأخذ دابة السوفسطائي, فلما خرج المكتكلم بالدابة لم يره السوفسطائي, فلما افتقدها صاح بأعلى صوته: لقد سرقوا دابتي .. فقال له المتكلم: ويحك! لعلك لم تأتِ راكباً؟ قال: كيف تقول مثل هذا؟ أنا لا أشك أبدا بأني قد جئت راكباً, فهذا أمر أتيقنه تماماً كما أني اراك امامي الان, لقد أتيت راكباً .. فقال له: اذاٍ كيف تدّعون أنه لا حقيقة لشيءٍ , وانّ حال اليقظان كحال النائم؟ فوجم السوفسطائي من اجابته التي كانت سببا في تراجعه عن
(يُتْبَعُ)
(/)
مذهبه.
الفرع الثالث: طائفة الدهرية
اما طائفة الدهرية فهم الذين اجتالتهم الشياطين وجعلتهم يعتقدون أنه لا صانع لهذا الكون ولا خالقا له, وأنّ ما في الكون من مخلوقات وموجودات انما كانت بلا مُكَوِّن, وهؤلاء عندما لم يُدركوا الصانع بالحس ولم يستعملوا عقولهم فيه فقد جحدوه, وهل يشك ذو عقل وبصيرة في وجود صانع لهذا الكون؟ فاذا كان احدنا قد مرّ بقاعٍ ليس فيه بنيان, ثم عاد فرأى حائطا مبنيا لعلم أنه لا بدّ من صانع لهذا الحائط, فكيف بنا اذن أمام كون قائم وفيه من العجائب والصنائع ما فيه؟ فهذه الجبال المنصوبة, وهذه السماء المرفةعة بلا عمد, وهذه الأرض المستوية المسطوحة, وهذه الوديان والأنهار والبحار, أم يدل كل هذا على الخالق المبدع؟ أيعقل أن يكون كل ما في الكون قد خلق عبثا؟ انه الجنون بعينه من يعتقد اعتقادا كهذا, فهيكل علوي بهذه اللطافة , ومركز سفلي بهذه الكثافة أما يدلان على اللطيف الخبير؟
انظر لنفسك أيها القدري الجاحدوتأملها مليا, تامل كيف خلقك الله في أحسن تقويم؟
يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك
أبعد كل هذا تشك وترتاب من وجود الخالق سبحانه وتعالى المبدع المصور الذي أبدع في تصويرك وأنت لا زلت نطفة في بطن أمك؟ ولكن للملحدين اعتراض على ما نقول, فويل لمن يلحد بأسماءه عزوجل, وتعالى الله عما يشركون الملك الحق لا اله الا هو العزيز الحكيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين.
الفرع الرابع: طائفة الثنوية
ومن المذاهب السخيفة الضالة والمضلة طائفة الثنويَّةِ فهم طائفة قالت: أن صانع العالم اثنان: ففاعل الخير نور, وفاعل الشر ظلمة, وهما قديمان لا يزالان قويين حساسين, سميعين بصيرين, الا أنهما يختلفان بالصوت والصورة, ومتضادان في الفعل والتدبير, فجوهر النور فاضل حسن, نيّر صافٍ, نقيٍّ طيّبَ الريح حسن المنظر, ونفسه نفسٌ خيّرة , كريمة وحكيمة نفاعة , منها الخير واللذة والسرور والصلاح, وليس فيها شيء من الضرر ولا من الشر.
اما فاعل الشر فهو ظلمة فيه من الكدر والنقص ما فيه, وفيه من نتن الريح وقبح المنظر ما فيه , ونفسه نفسٌ شريرة بخيلة سفيهة, حقيرة وذميمة منتنة ضارة , منها الشر ومنها الفساد.
وزعموا أنّ كل واحدٍ منهما له أجناس خمسة: أربعة منها أبدان والخامس هو الروح, وأبدان النور أربعة: النار والريح, والتراب والماء, وروحه الشبح.
وأبدان الظلمة أربعة: الحريق والظلمة والسموم والضباب, وروحها الدخان, وأطلقوا على أبدان النور الملائكة, وعلى أبدان الظلمة الشياطين والعفاريت.
الفرع الخامس: طائفة الديصانية
ومن المذاهب السخيفة الضالة والمضلة: طائفة الديصانية , وهي طائفة تزعم أنّ طينة العالم أو طبيعته كانت طينة خشنة, وكانت تحاكي جسم الباري الذي هو النور زماناً, فتأذى بها, فلما طال عليه ذلك, قصد تنحيتها عنه , فتوحّل فيها واختلط بها فتركب منها هذا العالم النوري والظلمي, فما كان من جهة الصلاح فمن النور, وما كان من جهة الفساد فمن الظلمة, وهؤلاء يغتالون الناس ويخنقونهم ويزعمون انهم ينتقلون بذلك الى النور من الظلمة.
تبا للزنادقة والملحدين في اعتقاداتهم التكفيرية الالحادية , كيف ينكرون قدرة الله العظيم في هذا الكون البديع, سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافيةو العليم المحيط بكل مخلوقاته علما, سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة العزيز المتعال, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير, هو الأول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.
وقد التف ابليس على أهل ملتنا التفافا حتى جعلهم ملحدين بقولون في الطبيعة أنها أوجدت نفسها, وقد التقيت أحدهم وحاولت أن أقنعه بأنّ للكون خالقا ومبدعا , ثم سألته ما اسمك؟ فقال: عبد الله .. اذن أنت عبدا لله, الاله المتفرد بالعبودية لا ربا سواه, أو لا زلت ترتاب بوجود الله؟ قال: أنا ولدت واسمي عبد الله, أبواي سموني عبد الله, وجلست معه زهاء الثلاث ساعات أناظره وما خلصت معه بنتيجة أبدا, فهو كالأنعام بل أضلُّ سبيلا
(يُتْبَعُ)
(/)
انّ هؤلاء الفلاسفة والملاحدة قد دخلوا على أهل ملتنا من باب قوة ذكاءهم وفطنتهم, حتى جعلوهم يرون أن الصواب يكون بااتباع هؤلاء الفلاسفة الكفرة الملحدين , فقط لاعتقادهم بأنهم حكماء تصدر منهم أفعال وأقوال تدل على ذكاءهم الشديد, ومن الحكماء الضالين المضلين سقراط وأبقراط وأفلاطون وأرسطا طاليس وجالينوس, وهؤلاء كانت لهم علوم هندسية ومنطقية وطبيعية واستخرجوا بفطنتهم أموراً خفيّة , الا أنهم عندما تكلموا في الالهيات كفروا في معتقداتهم, وقد حكي لهؤلاء المتأخرين في أمتنا انّ اولئك الحكماء كانوا ينكرون الصانع ويدفعون الشرائع ويعتقدونها نواميس وحيلاً, فصدقوها فيما حُكيَ لهم عنهم, ورفضوا شعار الدين وأهملوا الصلوات , ولابسوا المحذورات, واستهانوا بحدود الشرع, وخلعوا ربقة الاسلام, ولا زال اليهود والنصارى أحسن حال منهم كونهم متمسكين بشرائع دلت عليها معجزات, ولعلّ المبتدعين بالدين أيضا أحسن حال منهم لأنهم يتركون النظر في الأدلة , بينما هؤلاء فكفرهم يستند على ايمانهم بانّ الفلاسفة حكماء, وقد غاب عن ذهنهنم أنّ الأنبياء كانوا حكماء وزيادة.
الفرع السادس: طائفة أصحتب الهياكل
وأما طائفة أصحاب الهياكل أو عبدة الكواكب فهي طائفة سفيهة ضالة ومضلة تدّعي أن الكواكب السبعة وهي: زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد واالقمر , هي المدبرة أمور وشئون هذا العالم من دون العزيز القهار الذي خلقهنّ, لأجل ذلك نجدهم وقد أقاموا لهم التماثيل ونصبوا لهم الأصنام , واعتبروهم الههم من دون الله عزوجل, ويقربون لكل لصنم من الكواكب السبعة ما يشبهه من الحيوان, فيقربون لصنم زحل حيوانا أعمى من الرصاص الخالص المفطور ولا يفعل خيرا قط ويتقربون اليه بالقول: أيها الاله الأعمى! قربنا لك ما يشبهك, فتقبل منا , واكفنا شرّك وشرّ أرواحك الخبيثة.
ويقربون لصنم المشتري صبيا طفلا مفطورا على الخير لا يعرف الشر قط, يقتلونه ويتقربون اليه بالقول: أيها الاله الخيّر! قربنا اليك ما يشبهك فتقبّل قرباننا وارزقنا خيرك وخير ارواحك الخيرة.
ويقربون لصنم المريخ رجلا أشقرا خبيثا منمشا ا, أي ذو شعر ابيض واسود, يصنعونه على شكل المريخ ويتقربون اليه بالقول: أيها الاله الشرير ذو الفتن والحوائج! قربنا اليك ما يشبهك , فتقبل قرباننا واكفنا شرك وشر أرواحك الخبيثة الشريرة.
ويقربون لصنم الشمس تلك المرأة التي قتلوا ولدها للمشتري ويتقربون اليها بالقول: أنت أيتها الآلهة النورانية! قربنا اليك ما يشبهك قربانا , فارزقينا من خيرك وأعيذينا من شرك.
ويقربون لكوكب الزهرة عجوزا شمطاء ماجنة لا تبالي بالقبائح التي تفعلها, يقدمونها بين يدي الزهرة وينادون حولها: أيتها الآلهة الماجنة! أتيناك بقربان بياضه كبياضك, ومجونها كمجونك, فتقبليها منا, ثم يضرمون عليها النار, حتى اذا أصبحت رمادا حثوه في وجه الصنم.
ويقربون لصنم عطارد شابا أسمرا متادبا ويتقربون اليه بالقول: أيها الرب الظريف! أتيناك بشخص ظريف, وبطبعك اهتدينا, فتقبّل منا , ثم ينشرون الشاب الى أربع قطع مربعة, أويحرقونها وينثرون رمادها في وجه الصنم.
ويقربون لصنم القمر رجلا كبير الوجه ويتقربون اليه بالقول: يا بريد الآلهة وخفيف الاجرام العلوية.
فقولوا: الحمد لله الحمد لله الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه على نعمة الاسلام وعبادة الواحد القهار الها واحدا لا شريك له هو الأول لا شيء قبله, والاخر لا شيء بعده, والظاهر والباطن لا شيء دونه, عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال, سبحانه وتعالى عما يشركون, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
قصة عبادة الاصنام
لو بحثنا عن كل ضالة ومضلة لوجدنا ابليس لعنة الله عليه يقف خلفها, ومن ضلالات ابليس للجهلة من الكثير من الناس كانت عبادة الاصنام, وأول من سنّ عبادة
(يُتْبَعُ)
(/)
انّ عبادة الاصنام عبادة قديمة قِدَمَ الزمان, وكما قيل فانّ اول من عبد الاصنام كانوا قوم شيت بن آدم عليه السلام, فكان ابليس لعنة الله عليه قد زيّن لهم هذه العبادة تقربا الى الله عزوجل الخالق تبارك وتعالى , وهم بذلك لا ينكرون وجود الخالق تبارك وتعالى, ولا ينكرون أنه سبحانه وتعالى خالق كل شيء في هذا الكون, ولكنه الاشراك بالله عزوجل, وعندما قيل لهم: طالما تؤمنون بوجود الله عزوجل, اذن لم تعبدون هذه الأصنام؟ قالوا, قول الله تعالى في مستهل سورة الزمر: ما نعبدهم الا ليُقربونا الى اللهِ زُلفى
وكي ندرك الى من تعود قصة الاصنام التي كانوا يعبدونها في ذلك الزمان, تعالوا بنا ننصت الى هشام بن محمد السائب الحلبي رحمه الله , وهو يحدثنا برواية رواها عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: .. فكان بنو شيت بن آدم عليهما الصلاة والسلام يأتون جسد آدم في المغارة فيعظمونه ويترحمون عليه, فقال رجل من بني قابيل: يا بني قابيل! انّ لبني شيت دواراً يدورون حوله ويعظمونه, وليس لكم شيء, فنحت لهم صنماً فكان أول من عملها, قال: وأخبرني أبي أنه كان ود , وسواع ويغوث ويعوق ونسرا, قوما صالحين , فلماماتوا جزع أقاربهم عليهم, فقال رجل من بني قابيل: يا قوم! هل لكم أن أعمل لكم خمسة أصنام على صورهم , غير أنني لا أقدر أن أجعل فيها أرواحا؟ فقالوا: نعم , فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم ونصبها لهم, فكان الرجل منهم يأتي أخاه وعمّه وابن عمه فيعظمه ويسعى حوله حتى ذهب ذلك القرن أو الجيل الأول, ثم جاء عهد أنوش بن شيت فعظموهم وهكذا حتى جاء عمرو بن لُحي وكان عمرو لن لحيي كاهناً ويكنى بأبو ثمامة وله أعوانٌ من الجن, وهو أول من أدخل عبادة الاصنام الى تهامة في جزيرة العرب, فأجابه عوف بن عذرة فدفع اليه ودا فحمله الى وادي القرى بدومة الجندل وسمى ابنه عبد ود نسبة له, وهو أول من سمى بهذا الاسم, فلم يزل قومه يتوارثون عبادة الاصنام حتى جاء الله عزوجل بالاسلام.
وفي ذلك يروي ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفعت لي النار فرأيت عمرو بن لُحَيّْ قصيراً أحمر أزرق يجرُّ قصبة في النار .. قلت: من هذا؟ قيل: هذا عمرو بن لحي, أول من بحّرَ البحيرة, ووصل الوصيلة, وسيّب السائبة, وحمى الحمام, وغيّر دين اسماعيل , ودعا العرب الى عبادة الأوثان.
ثم بعد ذلك عبد العرب الهة أسموها مُناة وكانت لقبائل هذيل وخزاعة, وكانت منصوبة على البحر الاحمر بمنطقة تدعى قديد بين مكة والمدينة, حتى أنّ جميع العرب عظمت هذه الالهة من بينهم الأوس والخزرج, ولما جاء الله بالاسلام أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فهدمها يوم فتح مكة.
ثم اتخذ العرب اللات وهي أحدث من مناة, وهي عبارة عن صخرة مرتفعة , وكانت سدنتها من ثقيف, وكانت قريش وجميع العرب تعظم اللات, لدرجة أنهم أطلقوا اسمها على ابناءهم فصاروا يسمون زيد اللات, وتيم اللات, وكانت في موضع منارة مسجد الطائف , ولما جاء الله عزوجل بالاسلام أرسل النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه الى الطائف فهدمها وأضرم فيها النار.
ثم اتخت العرب العُزّى, وهي أحدث من الآلهة, وقد اتخذها ظالم بن أسعد في بوادي نخلة الشامية, وبنوا عليها بيتاً وكانوا يسمعون منه الصوت.
فعن هشام الحلبي رحمه الله برواية ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت العُزّى شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة, فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال: ائت بطن نخلة فانك تجد ثلاث سمرات, فاعتضد الاولى, فأتاها خالد رضي الله عنه فعضدها, فلما جاء رضي الله عنه اليه صلى الله عليه وسلم قال: هل رأيت شيئا؟ فقال رضي الله عنه: لا .. فقال عليه الصلاة والسلام: فاعضدد الثانية , فأتاها رضي الله عنه فعضدها, ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل رأيت شيئا؟ فقال رضي الله عنه: لا .. فقال عليه الصلاة والسلام: فاعضض الثالثة , فاتاها رضي الله عنه فاذا هو بجنيّة نافشة شعرها, واضعة يديها على عاتقها, تصرّ بأسنانها, وخلفها ديبة السلمى, وكان سادنها, فقال خالد رضي الله عنه:
يا عزّ كفرانك لا سبحانك ... اني رأيت الله قد أهانك
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم ضربها ففلق رأسها فاذا هي حُمَمَة, ثم عضد الشجرة وقتل ديبة السادن, ثم أتى خالد رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال عليه الصلاة والسلام: تلك العزى ولا عزى بعدها للعرب.
ثم عبدت العرب هُبل, وهذا الصنم كان في جوف الكعبة وكان مصنوعا من عقيق أحمر على صورة انسان مكسورة يده اليمنى , وعندما أدركته قريشا جعلت له يداً من ذهب , وكان أول من نصبه في جوف الكعبة خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر, وجعل أمامه سبعة أقداح مكتوب في أحدها صريح وفي الاخر ملصقو فاذاارتابوا في مولود ما أهدوا له هدية ثم ضربوا بالقدح, فان خرج صريح ألحقوه, وان خرج ملصقا دفعوه, وكانوا اذا اختصموا في أمر ما أو أرادوا سفرا أو عملا أتوه فاستقسموا بالأقداح عنده, وهو الذي قال له أبو سفيان رضي الله عنه يوم أحد قبل أن يمنّ الله عليه بنعمى الاسلام: أعل هُبل! أي أعلي دينك. فقال يومها رسول الله صلى اله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم: ألا تجيبونه؟ قالوا: وما نقول؟ قال عليه الصلاة والسلام: قولوا الله أعلى وأجلَّ.
ثم عبدت العرب أساف ونائلة, فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنّ أساف رجل من جرهم يقال له أساف بن يعلى ونائلة بنت زيد من جرهم, وكان يتعشقها في أرض اليمن, فأقبلا حجاجاً فدخلا البيت, فوجدا غفلة من الناس, وخلوة من البيت, ففجر بها في البيت فمُسخا , فأصبحوا وجدوهما ممسوخين, فأخرجوهما فوضعوهما موضعهما, فعبدته خزاعة وقريش, ومن حجّ البيت بعد من العرب.
وقد قيل أنهما قد مسخا الى حجرين وقد وضعا عند البيت ليقظ بهما الناس, فلما عبدت الاصنام عبدا معها, وكان أحدهما ملصقا بالكعبة والآخر مكان زمزم, ثم نقلت قريش الذي كان ملصقا بالكعبة الى جوارالآخر, وباتوا ينحرون ويذبحون لهما.
وكانت لقبيلة دوس (القبيلة التي منها أبو هريرة رضي الله عنه) صنم يقال له ذو الكفين , فلما أسلمت القبيلة بعث النبي صلى الله عليه وسلم الطفيل بن عمرو رضي الله عنه فحرقه.
وكانت لقبيلة بني الحارث بن يشكر صنما يقال له ذو الثرى, وكان لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام يقال له: الأُقيصر.
وكانت لقبيلة مزينة صنم يقال له: فهم, ونسبة اليه كانت تسمى عبد فهم.
وكانت لقبيلة عنزة صنم يقال له سعير.
وكانت لقبيلة طيء (التي اليها ينتسب أكرم العرب حاتم الطائي) صنم يقال له الفلس
وهكذا فقد كان لأهل كل واد في مكة صنم في بيته يعبدونه, فاذا أراد أحدهم السفر كانوا آخر شيء يفعلونه قبل مغادرة البيت التمسح بالصنم, وأول شيء يفعلونه عند دخولهم البيت قادمين من السفر التمسح به, ومن لم يكن له صنم ولا بيت, كان ينصب حجرا ثم يطوف به وسموها الآنصاب.
ولما منّ الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والانصار وفتحوا مكة , كان أول شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم أن دخل الكعبة المشرفة وأخذ يطعن بطرفي قوسه في عيونها ووجوهها مردا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: جاء الحق وزهق الباطل انّ الباطل كان زَهوقاً
ثم أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بها فكفئت على وجوهها ثم أخرجت من الكعبة وأحرقت.
عبادة النجوم
ويتابع ابليس غوايته لبني آدم الجهلة الذين لم يسخروا عقولهم وتفكيرهم في تدبير ما يفعلون, لأجل ذلك فقد وجد ابليس ضالته عند أقوام كثيرة وسوس لها فاستابت له, فوسوس لأقوام بعبادة القمر ولأقوام آخرين بعبادة النجوم, ولآخرين بعبدة البقر والخيل ولآخرين بعبادة الملائكة وهكذا.
وقال ابن قتيبة رحمه الله: كان قوم في الجاهلية قد عبدوا الشعرى وفتنوا بها, وكان أبو كبشة أول من عبدها, وقد خالف مشركي قريش في عبادتهم, فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ودعا الى عبادة الله الواحد القهار الها واحدا لا شريك له, وترك كل ما يُعبدُ من دون الله قالوا: هذا ابن أبي كبشة, أي شبهه ومثيله في خلافه صلى الله عليه وسلم لهم على اعتبار أنّ أبي كبشة عابد الشعرى كان أول من خالف عبادتهم للأوثان, تماما كما قالت بتو اسرائيل لمريم عليها السلام: يا أخت هارون, أي يا شبيهة هارون في الصلاح والتقوى.
وزيّن ابليس لعنة الله عليه لآخرين عبادة الملائكة عليهم السلام, وقالوا عنهم أنهم بنات الله عزوجل وجل, تعالى الله عن هذا علوا كبيرا, وقد ورد هذا في قوله تعالى:
(يُتْبَعُ)
(/)
وزيّن ابليس لآخرين عبادة الخيل والبقر, وكان السامري من قوم يعبدون البقر, وهذا فقد صاغ لهم عجلا, وجاء في بعض الكتب أنّ فرعون كان يعبد تيساً
الجاهلية وعبادة الأوثان
يقول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة 170: واذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله, قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباؤنا, أولوا كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون
ولعلّ أقبح وسوسة يوسوس بها ابليس لبني آدم الجهلة تقليد الآباء في كل شيء وعلى رأسها طقوس العبادة من غير نظر ولا تفكير كما في قوله تعالى الكريم.
اقسمت الجاهلية في عبادتها لأقسام عدة: منها ما سلك طريق الدهرية الذين انكروا وجود خالق لهذا الكون وأنكروا البعث بعد الموت وفيهم قال الله تعالى في سورة الجاثية 24: ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيي وما يُهلكُنا الا الدهر,
ومنهم من أقروا وجود الله سبحانه وتعالى ولكنهم عبدوا معه عزوجل الأوثان, فجحدوا الرسل وأنكروا البعث وهؤلاء هم المشركون.
ومال قوم آخرون الى عبادة الملائكة فزعموا أنها بنات الله عزوجل تعالى الله عما يصفون.
وما آخرون الى مذهب اليهود ومذهب المجوس.
وكان ممّن يُقرُّ بالخالق تبارك وتعالى وأنّ لكل حياة بداية ونهاية, وثواب وعقاب عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم, وكان عبد المطلب كلما رأى ظالما لم تصبه عقوبة أبدا وكان يقول: تالله انّ وراء هذه الدار لدار يجزى فيها المحسن والمسيء.
وأيضا كان هناك ممن يوافق عبد المطلب في اعتقاده هذا كل من:
زيد بن عمرو بن نفيل, وقس بن ساعدة, وعامر بن الظرب, وزيد الفوارس بن حصن , وزهير بن أبي سلمى حيث كان يقول:
يُؤخِرُ فيُوضعُ في كتابٍ فيُدَّخرُ .... ليومِ الحسابِ أو يُعجِّلُ فينتقمُ
وقد أسلم فيما بعد.
ومنهم أيضا القلمس بن أمية الكناني , حتى أنه ذات يوم كان يخطب بفناء الكعبة وكانت العرب لا تغادر الكعبة حتى تسمع موعظته ووصاياه لهم, فقال يوما: يا معشر العرب1 أطيعوني ترشدوا .. قالوا: وماذاك؟ قال: انكم تفردتم بآلهة شتى , واني لأعلم ما الله بكل هذا, وأن الله ربّ هذه الالهة, وانه ليُحبُّ أن يُعبدَ وحده.
وما سمعت العرب ذلك حتى تفرقت عنه وعن سماع مواعظه.
وأكثر هؤلاء ركنوا الى الشرك الا قليلا منهم تمسكوا بالتوحيد ورفض عبادة الاصنام من هؤلاء: قس بن ساعدة, وزيد بن عمر بن نفيل.
ولا زالت الجاهلية تبتدع وتبتدع البدع الكثيرة ومنها النسيء: وهو تحريم الشهر الحرام وتحليل الشهر الحرام, حيث كانت العرب في الجاهلية تحرمه عاما وتحلله عاما آخر, وكانت قد تمسكت بدين ابراهيم عليه السلام بتحريم الأشهر الاربعة, فاذا احتاجوا الى تحليل شهر الله المحرم لأجل شن الحرب, نجدهم أخروا تحريمه الى صفر ومن صفغر الى ما يليه وهكذا حتى تتدافع السنة كلها, واذا حجوا قالوا: لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك, تملكه وما ملك.
ومن البدع التي ابتدعوها في الجاهلية: توريث الذكر دون الأنثى, ومنها توريث زوجة الميت لأقرب الناس اليه, فكان اذا مات أحدهم ورث نكاح زوجته أقرب الناس اليه, ومنها البحيرة وهي الناقة التي تلد خمس أبطن فان جاء الخامس أنثى شقوا اذنها وحرّم أكلها على النساء, والسائبة من الانعام كانوا يسيبونها أي يتركوها هكذا معلقة, فلا يركبون لها ظهرا ولا يحلبون لها لبنا, والوصيلة: وهي الشاة التي تلد سبعة ابطن , وأيا كان السابع ذكرا أو انثى حرّموا ذبحها بقولهم: هذه وصلت أخاها فلا تذبح, وتكون منافعها للرجال دون النساء , فاذا ماتت اشترك فيها (انتفع منها) الرجال والنساء.
وهناك الحام, وهو الفحل الذي ينتج من ظهره عشرة أبطن, فاذا كان كذلك قالوا: قد حمى ظهره, فيسيبونه ويتركونه لأصنامهم ولا يستخدمونه في شيء ولا يحملون عليه شيئا, واذا سئلوا عن فعلهم هذا كانوا يفترون على الله الكذب ويقولون: ان الله عزوجل أمرنا بهذا, فجاء القرآن الكريم ليكذب ادعاءهم كما في قوله تعالى في مستهل سورة المائدة:
ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام , ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب
فردّ الله عزوجل عليهم فيما حرموه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام, وفيما أحلوه بقولهم قوله تعالى قي سورة الانعام 139: خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا,
قل آالذكرين حرّمَ أمْ الأنثثين
(يُتْبَعُ)
(/)
والمعنى هنا ان كان الله تعالى قد حرّم الذكرين, فتكون كل الذكور حرام, وان كان الله عزوجل قد حرم الانثيين, فتكون كل الاناث محرمة, وان كان الله تعالى قد حرّم ما اشتملت عليه أرحام الانثيين, فهذا يعني أنّ التحريم يشمل الذكور والاناث على حد سواء, فيكون كل مولود منها حراما
ثم زيّن لهم ابليس أبناءهم وبناتهم, وباتوا يقتلون البنات ويطعمونها لكلابهم, ومن أفرى الفري على الله عزوجل أنهم قالوا: لولا أنّ الله يريد لنا هذا الاشراك لمنعنا عنه, ولحال بيننا وبينه, فعلقوا اشراكهم بالمشيئة وتركوا الأمر والعمل بهذه المشيئة التي تعم الكائنات كلها
جاحدي النبوات والرسالات السماوية
الفرع السابع:
الهندوس والسيخ والبراهمة
وقد عبدت هاتين الطائفتين النار والبقر: فالهندوس عبدوا النار, والسيخ عبدوا البقر.
وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه تلبس ابليس أنّ ابليس قد زيّن لهم جحد النبوات ليسد طريق ما يصل من الاله, وقد اختلف أهل الهند, فمنهم دهرية ومنهم ثنوية, ومنهم على مذهب البراهمةو ومنهم من يعتقد نبوة آدم وابراهميم عليهما الصلاة والسلام فقط, وقد حكى أبو محمد النويختي رحمه الله في كتاب الاراء والديانات أنّ قوما من الهند من البراهمة أثبتوا وجود الخالق والرسل والجنة والنار, وزعموا أنّ رسولهم ملك أتاهم في صورة البشر من غير كتاب له, , وأنّ له أربعة أيدي واثنتا عشر رأسا كلها رؤوس حيوانات, وأنه أمرهم بتعظيم النار, ونهاهم عن القتل والذبائح الا ما كان للنار, ونهاهم عن الكذب وشرب الخمر وأباح لهم الزنا وعبادة البقر, ومن ارتد منهم ورجع حلقوا رأسه ولحيته وحاجبيه ورموشه, ثم يذهب فيسجد للبقر.
فالبراهمة قبيلة هندية قديمة وفيها أشراف الهند قبيلة بالهند فيهم أشراف أهل الهند , ويقولون أنهم من ولد برهمي ملك من ملوكهم قديم ولهم علامة ينفردون بها وهي خيوط ملونة بحمرة وصفرة يتقلدونها تقلد السيوف , وقد أنكروا النبوات وتفرقوا أصنافا فمنهم أصحاب البددة , ومنهم أصحاب الفكرة ومنهم أصحاب التناسخ, وهذه الطائفة كما ذكر ابن الجوزي رحمه اللهفي كتابه تلبس ابليس قدألقي عليها ابليس ست شبهات:
الأولى: أنهم انكروا الأنبياء والرسل, وقالوا فيهم قوله تعالى: ما هذا الا بشر مثلكم, فأنكروا امداد الله عزوجل بعض الناس برسائل ومصالح ووصايا يصلح بها العالم ويحسّن أخلاقهم ويقيم بها سياستهم, وقد أشار الله سبحانه وتعالى الى ذلك بقوله في مستهل سورة يونس:
أكان الناس عجباً أن أوحينا الى رجلٍ منهم أن أنذر الناس
والجواب على هذه الشبهة: أنهم لو ناطقوا العقول لأجازت اختيار شخص بشخص لخصائص يعلو بها جنسه, فيصلح بتلك الخصائص لتلقف الوحي, اذ ليس أحد يصلح لذلك وقد علم الكل أن الله سبحانه وتعالى ركّب الامزجة متفاوتة وأخرج الى الوجود أدوية تقاوم ما يعرض من الفساد البدني, فاذا كان الله تعالى قد أمدّ النبات والأحجار بخواص لاصلاح ابدان خلقت للفناء في الدنيا والبقاء في الاخرة لم يعجزه الله عزوجل ان يخصّ شخصا من خلقه بالحكمة البالغة والدعاية اليه اصلاحا لمن يفسد العالم بسوء الاخلاق والافعال, ومعلوم أن المخالفين لا يستنكرون أن يختص أقوام بالحكمة ليسكنوا فورات الطباع الشريرة بالموعظة, فكيف ينكرون امداد الباري سبحانه بعض الناس برسائل ومصالح ووصايا يصلح بها العالم ويحسّن أخلاقهم ويقيم بها سياستهم, وقد أشار الله سبحانه وتعالى الى ذلك بقوله في مستهل سورة يونس:
أكان الناس عجباً أن أوحينا الى رجلٍ منهم أن أنذر الناس
الثانية: أنهم قالوا هلا أرسل الله ملكا من الملائكة , فانها اليه أقرب ومن الشك فيهم أبعد, وقد نزل قوله تعالى في سورة الفرقان:
وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=48&ID=2511#docu)
وان كانت هذه الآية نزلت في كفار قريش , فهي تنطبق عليهم في معتقدهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
والجواب على هذه الشبهة: أنه ليس في قوى البشر رؤية الملَك, وانما الله تعالى يقوي الانبياء بما يرزقهم من ادراك الملائكة , ولهذا قال الله جلّ وعلا في سورة الانعام 9: ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا, اي لينظروا اليه ويأنسوا به ويفهموا عنه, ثم قال عزوجل: وللبسنا عليهم ما كانوا يلبسون, أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدرون أملَكٌ هو أم آدمي.
الثالثة: أنهم قالوا: نرى ما تدّعيه الأنبياء من علم الغيب والمعجزات, وما يلقى اليهم من الوحي يُظهر جنسه على الكهنة والسحرة, فلم يبق لنا دليل نفرق به بين الصحيح والفاسد.
والجواب على هذه الشبهة: ان الله تبارك وتعالى بيّن الحجج ثمّ بثّ الشبهة وكلّف العقول الفرق, فلا يقدر ساحر أن يُحْيي ميتا, ولا أن يُخرج من عصا حيا, وأما الكاهن فقد يُصيبُ ويُخطىءُ بخلاف النبوة التي لا خطأ فيها بوجه.
الرابعة: قالوا: لا يخلو ما أن تجىء به الأنبياء بما يوافق العقل, أو بما يخالفه, فان جاؤوا بما يخالفه لم يقبل, وان جاؤوا بما يوافقه فالعقل يغني عنه.
والجواب على هذه الشبهة: قد ثبت أنّ كثيراً من النس يعجزون عن سياسات الدنيا حتى يحتاجون الى متمم , كلحكماء والسلاطين, اذا كان الأمر كذلك عند بني البشر فكيف بأمور الالهية؟
الخامسة: قالوا قد جاءت الشرائع بأشياء ينفر منها العقل, فكيف يجوز أن تكون صحيحة من ذلك ايلام الحيوان؟
والجواب على هذه الشبهة: أنّ العقل ينكر ايلام الحيوان بعضه لبعض, وان حكم الخالق عزوجل بالايلام لم يبق للعقل اعتراض, وبيان ذلك: انّ العقل قد استوعب حكمة الخالق عزوجل, ولأنّ هذا أمر مسلم به, فقد اوجبت عليه هذه المعرفة التسليم لما خفي عنه.
ولقد خلق الله عزوجل الاحيوان البهيم للحيوان الكريم, فلو لم يذبح لكثر وضاق به المرعى ولمات فيتأذى من جيفته الحيوان الكريم, واما ألم الذبح فانه يُستر, ومن رحمة الله عزوجل بخلقه أنه لم يُشعر الحيوان بألم الذبح, واذا قطعت الأوداج سريعا, فانّ ألم الجسم لا يصل الى محل الاحساس وهو أغشية الدماغ, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: اذا ذبح أحدكم فليُحدّ شفرته وليُرِحْ ذبيحته.
السادسة: أنهم قالوا: ربما يكون اهل الشرائع قد ظفروا بخواص من حجارة وخشب.
والجواب على هذه الشبهة: أنّ هذا كلام ينبغي أن يُستحى من ايراده, ذلك ان المعجزات الالهية ليست نوعا واحدا, بل هي بين صخرة خرجت منها ناقة, وعصا انقلبت حيّة , وحجر تفجر عيونا, وهذا القرآن الذي نزل, فالأسماع تدركه والأفكار تتدبره, والتحدي به على الدوام, ولم يقدر أحد على مداناة منه, فأين هذا والخاصة والسحر والشعوذة؟
أفعال البراهمة الضالة والمضلة
البراهمة كما سبق وقلنا أنهم أقوام من الهند قد حسّن لهم ابليس أن يتقربوا باحراق أنفسهم فيحفر للانسان منهم أخدوداً وتجتمع الناس , فيأتي مضمخاً بالخلوق والطيب, وتضرب المعزف زالطبول والصنوج ويقولون: طوبى لهذه النفس التي تذهب الى الجنة, ويقول هو: ليكن هذا القربان مقبولا ويكون ثوابه الجنة, ثم يُلقي نفسه في الاخدود, فيحترق, فاذا هرب نابذوه وتبرؤوا منه حتى يعود.
ومنهم من يُحمى له الصخرفلا يزال يلزم صخرة صخرة حتى يثقب جوفه وتندلق أمعاءه فيموت.
ومنهم من يقف قريبا من النار الى أن يسيل ودكه فيقط ميتا,
ومنهم من يقطع من ساقه وفخذه قطعا ويلقيها الى النار والناس يزكونه ويمتدحونه ويسألون مثل مرتبته حتى يموت.
ومنهم من يقف في اخثاء البقر الى ساقه ويشعل النار فيحترق.
ومنهم من يعبد الماء من منطلق قوله تعالى: وخلقنا من الماء كل شيء حي, فيقول: الماء حياة كل شيء فيسجد له
ومنهم من يجهز له أخدودا قريبا من الماء فيقع في الاخدود حتى اذا التهب قام فانغمس في الماء ثم رجع الى الاخدود حتى يموت, فان مات وهو بين الماء والاخدود حزن أهله وقالوا: حُرم الجنة, وان مات في أحدهما شهدوا له بالجنة.
ومنهم من يُزهقُ نفسه بالجوع والعطش فغيضرب الطعام والشراب حتى يموت
ومنهم من يهيم في الارض حتى يموت
ومنهم من يغرق نفسه بالنهر
ومنهم من يمتنع عن النساء ولا يواري العورة, فيصعد الى جبل شاهق تحته رجل بيده كتاب يقرأ فيه يقول: طوبى لمن ارتقى هذا الجبل ويعجُّ بطنه ويخرج أمعاءه بيده.
ومنهم من يأخذ الصخور فيرضُّ بها جسده حتى يموت: والناس تقول: طوبى لك وعندهم تهران فيخرج أقوام من عبادهم يوم عيدهمو وهناك رجال فيأخذون ما على العباد من الثياب ويبطحونهم فيقطعونهم نصفين ثم يلقون كل نصف في نهر, وهم يزعمون أنهما يجريان في الجنة.
ومنهم من يخرج الى براح ومعه جماعة يدعون له ويهنئونه بنيته, فاذا أضجر , جلس وجمع له سباع من كل جهة, فيتجرد من ثابه ثم يتمدد على الارض والناس ينظرون اليه كيف تأكله الطير, فاذا تفرقت الطير, تأتي جماعة فتجمع عظامه وتحرقها ليتركوا بها.
ومنهخم من زعم أن الجنة اثنتان وثلاثون مرتبة, وأن النار اثنتان وثلاثون مرتبة.
فسبحان من أعمى قلوبهم حتى قادهم ابليس هذا المقادم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 10:59]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
الجزء الرابع - اليهود والنصارى والصابئين والخوارج
يقول المولى تبارك وتعالى في سورة الانعام 159
انّ الذين فرقوا دينَهُمْ وكانوا شِيَعاً لست منهُمْ في شيءٍ, انما أمرُهُمْ الى اللهِ يُنَبِّئُهُمْ بما كانوا يفعلون
ورد في تفسير الامام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة أنها نزلت في اليهود والنصارى, وقال ابن عباس رضي الله عنهما: انّ اليهود والنصارى اختلفوا قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فتفرقوا, فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم أنزل الله عليه هذه الآية الكريمة,.
وعن قوله تعالى وكلنوا شيعا: أي فرقاُ ومللاً ونِحَلاً , وقد اختلفت الاراء فيه, فمنهم من قال هم الخوارج, ومنهم من قال: هم أصحاب البدع, والظاهر أنّ الآية الكريمة عامة في كل من فارق دين الله عزوجل وكان مخالفاً له, فالله تبارك وتعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, وشرعه صلى الله عليه وسلم واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق, فمن اختلف فيه وكانوا فرقاً كأهل المللل والنحل والاهواء والضلالات, فانّ الله تبارك وتعالى قد برّأَ رسوله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه والحمد لله ربّ العالمين,. وفي الحديث الشريف: نحن معاشر الانبياء أولاد علان ديننا واحد, فهذا هو الصراط المستقيم , وهو ما جاءت به الرسل جميعا أن اعبدوا الله الها واحدا لا شريك له, ومن ثمّ التمسك بشريعة الرسول المتأخر صلوات ربي وسلامه عليه, ومن خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء, والرسل جميعا عليهم صلوات الله وسلامه براءٌ منها كما في قوله تعالى: لست منهم في شيء ... وقوله تعالى: انما أمرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون .. وهذا تماما كقوله تعالى: انّ الله يفصل بينهم يوم القيامة, ثم بيّن الله تبارك وتعالى لطفه سبحانه في حكمه وعدله يوم القيامة فأتبع الآية الكريمة بقوله في سورة الانعام 160: من جاء بالحسنةِ فله عشْرُ أمثالها, ومن جاءَ بالسيئةِ فلا يُجزى الا مثلها, وهم لا يظلمون
وفي حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار. قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: الجماعة
من خلال ما سبق من الكتاب والسنة أنّ هناك من خلقه تبارك وتعالى ما ينتهج فرقا ومللا ونحلا بعيدة كل البعد عما شرعه الله عزوجل في جميع الشرائع السماوية الى يوم القيامة ليختمه بشرع الاسلام ,قال عزوجل في سورة آل عمران 19: انّ الدين عند الله الاسلام
وقال في سورة آل عمران 85: ومنْ يبتغِ غيرَ الاسلامَ ديناً فلنْ يُقبَلَ منهُ وهوَ في الآخرةِ من الخاسرين
وقال في مستهل سورة المائدة: ورضيتُ لكمْ الاسلامَ ديناً
والمقصود من تعبير الاسلام هنا: كل من أسلم وجهه لله مسلما , من خلق آدم عليه الصلاة والسلام الى أن يرث الله عزوجل الأرض ومن عليها دون تحريف وتعديل في منهج الله عزوجل وشرعه, وأنذ يعبد الله عزوجل الها واحدا لا شريك له, ويؤمن به عزوجل ايماناً لا ريب فيه , ويؤمن بملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره, ويقتفي أثر الشرع الكريم كما جاء به الرسول الأمين صلوات الله وسلامه عليه , خاتم للانبياء والمرسلين برسالة الاسلام العظيم
والآن هيا بنا نستعرض في هذه الجولة السريعة بعضا من الملل والنحل والفرق التي تفرقت عن الاسلام , والفرق التي ظهرت قبل الاسلام ولا زالت تمارس طقوسها الدينية , والاسلام بريء منها جميعاً براءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام
اغواء ابليس لليهود
ذكر الامام ابن الجوزي رحمه الله في كتابه تلبيس ابليس عن تلبيس ابليس لليهود والنصارى, فقال: قال المصنف قد لبس ابليس على اليهود والنصارى في أشياء كثيرة نذكر منها أولا ما تلبسه على اليهود
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد شبّه اليهود عليهم اللعائن شبهوا الخالق بالخلق , وكا ذكر القرآن الكريم في سورة التوبة 30: وقالت اليهود عزير ابن الله, ولو فهموا أن حقيقة البنوة لا تكون إلا بالتبعيض , وأنّ الخالق ليس بذي أبعاض لأدركوا الحقيقة كلها, وسبب قولهم ذاك عن عزير عليه السلام ما ورد في قوله تعالى في سورة البقرة 258: أو كالذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها, قال أنّى يُحْيي هذا الأرض بعد موتها, فأماته الله مائة عامٍ ثم بعثه
وليس هذا فحسب بل زعموا أن الإله المعبود انما هو رجل من نور على كرسي من نور على رأسه تاج من نور وله أعضاء كما للآدميين , فتكلموا بذلك من ظنونهم الفاسدة
وما يدل على أن اليهود كانوا في بعد من الذهن , أنهم لما رأوا أثر القدرة في فرق البحر لهم ثم مروا على أصنام طلبوا مثلها فقالوا لموسى عليه الصلاة السلام قوله تعالى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فلما زجرهم موسى عليه الصلاة والسلام عن ذلك بقي في نفوسهم فظهر المستور بعبادتهم العجل. والذي حملهم على هذا شيئان: أحدهما جهلهم بالخالق .. والثاني أنهم أرادوا ما يسكن إليه الحس لغلبة الحس عليهم وبعد العقل عنهم, ولولا جهلهم بالمعبود ما اجترأوا عليه بالكلمات القبيحة كقولهم قوله تعالى: إن الله فقير ونحن أغنياء
وقولهم قوله تعالى: يد الله مغلولة ... , تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا, ولعنهم لعنا كبيرا.
ومن اغواء ابليس لهم أنهم قالوا: لا يجوز نسخ الشرائع وقد علموا أنّ من دين آدم عليه الصلاة والسلام جواز نكاح الأخوات وذوات المحارم والعمل يوم السبت, ثم نسخ ذلك بشريعة موسى عليه الصلاة والسلام, وقالوا إذا أمر الله تعالى بشيء كان حكمه فلا يجوز تغييره , ونحن نقول قد يكون التغيير في بعض الأوقات حكمة فإن تقلب الآدمي من صحة إلى مرض ومن مرض إلى موت كله حكمة, وقد حظرالله عزوجل عليهم العمل يوم السبت, وأطلق لهم العمل يوم الأحد , وهذا من جنس ما أنكروا, وقد أمر الله تعالى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ابنه ثمّ نهاه عن ذلك.
ومن اغواءات ابليس لهم أنهم قالوا قوله تعالى في سورة البقرة: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة, وهذه الأيام هي الايام التي عُبد فيها العجل.
ثم حملهم إبليس على العناد المحض فجحدوا ما كان في كتابهم من صفة نبينا صلى الله عليه وسلم, وغيروا ذلك وقد أمروا أن يؤمنوا به ورضوا بعذاب الآخرة, فعلماؤهم عاندوا وجهالهم قلدوا, ثم العجب أنهم غيروا ما أمروا به وحرّفوا ودانوا بما يريدون, فأين العبودية ممّن يترك الأمر ويعمل بالهوى؟ ثم أنهم كانوا يخالفون موسى عليه الصلاة والسلام ويعيبونه حتى أنهم بقتل هارون عليه الصلاة والسلام , واتهموا داود عليه الصلاة والسلام بزوجة أوريا.
روى الامام الحسن بن علي رضي الله عنهما من حديث محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان لنا جار من اليهود في بني عبد الأشهل فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيهم سنا علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار فقال ذلك لقوم أهل شرك وأصحاب أوثان لا يرون بعثا كائنا بعد الموت فقال له ويحك: يا فلان أترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم قال نعم والذي يحلف به يود أحدهم أن له لحظة من تلك النار بأعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه وأن ينجو من تلك النار غدا قال له ويحك وما آية ذلك قال نبي مبعوث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن قالوا ومتى نراه قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا أن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم, وهو حي بين أظهرنا فآمنا به , وكفر به بغيا وحسدا فقلنا له: ويلك يا فلان! ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى ولكن ليس به.
وأما اغواء ابليس للنصارى
ورد في إنجيل متى أن عيسى عليه السلام قال: فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويحتج النصارى بهذا النص على أنه دليل على عقيدتهم الوثنية عقيدة التثليث, وأن الله عزوجل جوهر مكون من ثلاثة أجزاء: ذات الله سبحانه وتعالى, وابنه وروح القدس, وهذا القول مستنكر ولا يجوز اذ كيف يكفر النبي وهو المعصوم؟ من هنا كان هذا القول بريء منه المسيح عيسى بن مريم براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام لقوله تبارك وتعالى في سورة المائدة 73
لقد كفر الذين قالوا انّ الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد
ثم يجب ألا يغيب عن البال أن النصارى اتخذوا مريم عليها السلام الها الى جانب ابنها عليهما السلام ودليل ذلك قوله تعالى في ختام سورة المائدة
واذ قال الله يا عيسى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله
لقد أوهم إبليس النصارى بأنّ هناك شريك للخالق تبارك وتعالى وهو عيسى وأمه عليهما السلام, تماما كما أوهم اليهود بأن عزير ابن الله, وهؤلاء قد نسوا أنه لو كان الإله جوهرً لجاز عليه ما يجوز على الجوهر, من التحيز بمكان , والتحرك والسكون والأوان, ثم سُوِّل لبعضهم تارةً أنّ المسيح هو الله, وتارةً أنّ المسيح ابن الله, تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا, كما في قوله تعالى في سورة التوبة 30: وقالت النصارى المسيح ابن الله .. وكقوله تعالى في سورة المائدة: لقد كفر الذين قالوا انّ الله ثالث ثلاثة .. وقوله تعالى في سورة المائدة 17: لقد كفر الذين قالوا انّ الله هو المسيح ابن مريم
ومن اغواءات إبليس لليهود والنصارى انهم قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه, وأنّ الله لن يعذبنا اكراما لأسلافنا من الاولياء والانبياء, وهذا قولهم مردود عليهم لقوله تعالى في سورة المائدة 18: نحن أبناء الله وأحباؤه, قلفلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء
ولو أنّ هناك اعتباراً للمحبة التي يتحدث عنها أهل الكتاب, لكان أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم أولى بها, ولا ننسى أبدا قول نبينا صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: لا أغنى عنك من الله شيئا , وكقوله تعالى في سورة الحجرات: انّ أكرمكم عند الله أتقاكم .. وكقوله صلى الله عليه وسلم: لا فضل لعرب على أعجمي ولا أبيض لأسود الا بالتقوى.
تلبس ابليس للصابئين
الصابئة معناها خروج من دين الى دين, وكانوا اذا بدّل أحدهم دينه صبأ فلان, وعندما ظهر الاسلام كانوا يقولون لمن يدخل فيه: لقد صبأ فلان, أي بدّل دينه لدين آخر.
تراوحت الأقوال في الصابئين فمنهم كسعيد بن جبير رحمه الله أنه قال أنهم: قوم بين النصارى والمجوس, ومنهم كمجاهد رحمه الله أنه قال: أنهم بين اليهود والنصارى , او بين اليهود والمجوس , أو من المشركين, ومنهم كابو العالية رحمه الله أنه قال أنها فرقة من أهل الكتاب, ومنهم كابن عباس رضي الله عنهما أنه قال أنهم: صنف من النصاري ألين قولا منهم, ومنهم كقتادة ومقاتل رحمهما الله أنهما قالا: انهم قوم يصلون الى القبلة ولكنهم يعبدون الملائكة ويقرؤون الزبور, ومنهم كالسدي رحمه الله أنه قال: أنهم طائفة من أهل الكتاب, ومنهم كابن زيدون رحمه الله أنه قال أنهم قوم يشهدون لله بالوحدانية ويؤمنون أنه لا اله الا الله وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي.
وأيا كانت أقوالهم فهي فرقة ضالة ومضلة وهم عبدة الهياكل والكواكب, وعلمهم التنجيم, وقد بنو هياكل للمشتري والمريخ والزهرة وعطارد وعبدوها من الله عزوجل. , ويرجح العلماء أنهم فئة تتبع لقوم ابراهيم عليه الصلاة والسلام, وهذا كان جليا من خلال المناظرة المذكورة في القرآن الكريم في سورة الانعام 76: فلما جنّ عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي هذا أكبر, فلما أفل قال لا أحب الآفلينالى آخر الايات الكريمة التي انتهت بتبرئه عليه الصلاة والسلام من قومه ومما يعبدون.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنّف رحمه الله: ثمّ انتقلوا الى علم التنجيم واستمروا على ذلك حتى جاء الاسلام, وأصحاب هذا المذهب معروفون في التاريخ الاسلامي, وأبو هلال الصابيء الأديب العباسي ينتمي اليهم, وأيضا أبو معشر الملجم هو الذي ورّث لبعض ضُلاَّل الصوفية علم التنجيم وضرب الرمل والتعلق بالهياكل وبعبادتها, ولذا فاننا نجد كتب بعض الصوفية التي اولت السحر والشعوذة والدجل اهتماماتها ينتهي سندها الى الصابئين الذين خلطوا بين الفلسفة وبين عبادة الاصنام والهياكل وبين التنجيم, والافتراء الذي يفترونه على الله عزوجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أنهم ينسبون علومهم الباطلة هذه الى النبي صلى الله عليه وسلم والى آل البيت, وحاشاهم اله من ذلك وتعالى الله عما يصفون وينسبون.
وهذه الفئة الضالة والمضلة لها طقوس تعبدية عجيبة غريبة ما أنزل الله بها من سلطان , فمثلا يزعمون أنّ عليهم ثلاث صلوات كل يوم أولها ثمان ركعات وثلاث سجدات في كل ركعة وانقضاء وقتها عند طلوع الشمس, و ثانيها وثالثها خمس ركعات والثالثة, وعليهم صيام شهر أوله الثمان ليال من شهر آذار, وسبعة أيام أولها التسع الباقية من كانوا الأول, وسبعة أيام أولها الثمان ليال من أول شباط, ويختمون صيامهم بالصدقة والذبائح, وحرموا على أنفسهم لحم الجروز, وزعموا أنّ أنّ الأرواح الخيّرة تصعد الى الكواكب الثابتة والضياء, وأن الشريرة تنزل الى أسفل الأراضين والى الظلمة, وبعضهم من يقول أنّ العالم لا يفنى, وأنّ الثواب والعقاب في الناسخ, وقدّ حسّن ابليس لهذه الطائفة كل هذه المعتقدات حتى جعلهم يقولون: لا بدّ من وسيط بين الله عزوجل وخلقه في كل شيء, واشترطوا في هذا الوسيط ألا يكون بشراً, بل أرادوا له صفة الروحانية بدل الجسمانية, وهذه الفئة لا تنكر البعث.
مداخل ابليس على للقائلين بالتناسخ
قال المصنف رحمه الله: وهذا النوع من الاغواء ظهر في عهد فرعون المعاصر لنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام, واعتقادهم كان يقوم على تناسخ الارواح فقالوا: أن ارواح أهل الخير اذا خرجت دخلت في
أبدان خيرة فاستراحت, وأرواح أهل الشر إذا خرجت تدخل في أبدان شريرة فيتحمل عليها المشاق, وانّ المسيئون منهم اذا بلغت نفوسهم الى نجم صغير, انعكست فصارت حشائش
تأكلها البهائم فتصير الروح في بهيمة ثم تنسخ من بهيمة في أخرى, وعند موت تلك البهيمة فلا يزال منسوخا مترددا في العلل: ويعود كل ألف سنة إلى صورة الأنس فإن أحسن في صورة الأنس لحق بالمحسنين
فانظروا رحمكم الله إلى هذه الاغواءات الشيطانية التي رتبها لهم إبليس والتي لا تدخل في لب ذا عقل
ثم صاروا يقولون بمذهب التناسخ , كأني كون بين يدي احدهم سنورة سوداء وهو يمسحها ويحك بين عينيها حتى تدمع , ولما يراها كذلك يبكي بكاءا شديدا فيسألونه: لم تبك؟ فيقول: ويحك أما ترى هذه السنورة تبكي كلما مسحتها؟ هذه أمي , ولا شك أنها تبكي لحسرة ألمّت بها, ثم يبدأ بمخاطبتها بكلاما ليس مفهوماً على أثره تبدأ بالصياح, فيسألونه: هل تفهم ما تقول لها؟ فيجيب نعم ولكني لا أفهم منها شيئا, فعرفوا أنه هو المنسوخ وهي الإنسان
مداخل ابليس على أمة الاسلام في العقائد والديانات
لقد دخل ابليس لعنه الله على هذه الأمة في عقيدتها من طريقين: احدهما: من طريق تقليدها للاباء والاسلاف , وهذا الطريق زيّن فيه ابليس للمقلدين أن الادلة قد تشتبه, والصواب قد يخفى, والتقليد سليم, وفي هذا الطريق ضلّ خلقٌ كثير, وبه يكون هلاك العامة , تماما كما ضل اليهود والنصارى وأهل الجاهلية عندما قلدوا آباءهم وعلماؤهم وفضلوا وأضلوا, وقد ذمّ الله عزوجل هؤلاء بقوله تعالى: انهم ألفوْا آباءهم ضالين * فهم على آثارهم يُهرعون
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال المصنف رحمه الله: أعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه وفي التقليد إبطال منفعة العقل لأنه إنما خلق للتأمل والتدبر وقبيح بمن أعطى شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة واعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعون قوله من غير تدبر بما قال: وهذا عين الضلال لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى القائل كما قال علي رضي الله عنه للحرث بن حوط وقد قال له أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على باطل فقال له يا حارث إنه ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال أعرف الحق تعرف أهله وكان أحمد بن حنبل يقول: من ضيق علم الرجل أن يقلد في اعتقاده رجلا ولهذا أخذ أحمد بن حنبل يقول: زيد في الجد وترك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «فإن قال قائل» فالعوام لا يعرفون الدليل فكيف لا يقلدون فالجواب - إن دليل الاعتقاد ظاهر على ما أشرنا إليه في ذكر الدهرية ومثل ذلك لا يخفى على عاقل وأما الفروع فإنها لما كثرت حوادثها واعتاص على العامي عرفانها وقرب لها أمر الخطأ فيها كان أصلح ما يفعله العامي التقليد فيها لمن قد سبر ونظر إلا أن اجتهاد العامي في اختيار من يقلده
وأما الطريق الثاني: فقد قال المصنف: فإن إبليس لما تمكن من الأغبياء فورطهم في التقليد وساقهم سوق البهائم ثم رأى خلقا فيهم نوع من ذكاء وفطنة فاستغواهم على قدر تمكنه منهم فمنهم من قبح عنده الجمود على التقليد وأمره بالنظر ثم استغوى كلا من هؤلاء بفن فمنهم من أراه أن الوقوف مع ظواهر الشرائع عجز فساقهم إلى مذهب الفلاسفة, ولم يزل بهؤلاء حتى أخرجهم عن الإسلام وقد سبق ذكرهم في الرد على الفلاسفة, ومن هؤلاء من حسن له أن لا يعتقد إلا ما أدركته حواسه فيقال لهؤلاء بالحواس علمتم صحة قولكم فإن قالوا نعم كابروا لأن حواسنا لم تدرك ما قالوا إذ ما يدرك بالحواس لا يقع فيه خلاف وإن قالوا بغير الحواس ناقضوا قولهم: ومنهم من نفره إبليس عن التقليد وحسّن له الخوض في علم الكلام والنظر في أوضاع الفلاسفة ليخرج بزعمه عن غمار العوام وقد تنوعت أحوال المتكلمين وأفضى الكلام بأكثرهم إلى الشكوك وببعضهم إلى الإلحاد.
ولم تسكت القدماء من فقهاء هذه الأمة عن الكلام عجزا ولكنهم رأوا أنه لا يشفي غليلا ثم يرد الصحيح عليلا فأمسكوا عنه ونهوا عن الخوض فيه , حتى قال الشافعي رحمه الله: لئن يُبتلي العبد بكل ما نهى الله عنه , ما عدا الشرك , خير له من أن ينظر في الكلام , وإذا سمعت الرجل يقول الإسم هو المسمى أو غير المسمى فاشهد أنه من أهل الكلام ولا دين له, وحُكمي في علماء الكلام أن يُضربوا بالجريد ويُطاف بهم في العشائر والقبائل , ويقال هذا جزاء من ترك المتاب والسنة وأخذ في الكلام: وقال الامام أحمد بن حنبل رحمه الله: لا يفلح صاحب الكلام أبدا علماء الكلام زنادقة.
قال المصنف رحمه الله: قلت وكيف لا يذم الكلام وقد أفضى بالمعتزلة إلى أنهم قالوا إن الله تعالى يعلم جمل الأشياء ولا يعلم تفاصيلها , وقال جهم بن صفوان: علم الله وقدرته وحياته مُحدثة, وإن الله تعالى ليس بشيء
وقال أبو علي الجبائي وأبو هاشم ومن تابعهما من البصريين لعنهم الله: المعدوم شيء وذات ونفس وجوهر وبياض وصفرة وحمرة وإن الباري سبحانه وتعالى لا يقدر على جعل الذات ذاتا ولا العرض عرضا ولا الجوهر جوهرا وإنما هو قادر على إخراج الذات من العدم إلى الوجود. وقال العلاف المعتزلي لعنه الله: لنعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار أمر لا يوصف الله بالقدرة على دفعه ولا تصح الرغبة حينئذ إليه ولا الرهبة منه لأنه لا يقدر إذ ذاك على خير ولا شر ولا نفع ولا ضر قال ويبقى أهل الجنة جمودا سكوتا لا يفضون بكلمة ولا يتحركون ولا يقدرون هم ولا ربهم على فعل شيء من ذلك لأن الحوادث كلها لا بد لها من آخر تنتهي إليه لا يكون بعده شيء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: قلت وذكر أبو القاسم عبد الله بن محمد البلخي في كتاب المقالات إن أبا الهذيل اسمه محمد بن الهذيل العلاف وهو من أهل البصرة من عبد القيس مولى لهم وانفرد بأن قال أهل الجنة تنقضي حركاتهم فيصيرون إلى سكون دائم وأن لما يقدر الله عليه نهاية لو خرج إلى الفعل ولن يخرج استحال أن يوصف الله تعالى بالقدرة على غيره وكان يقول إن علم الله هو الله وإن قدرة الله هي الله.
وقال أبو هاشم من تاب عن كل شيء إلا أنه شرب جرعة من خمر فإنه يعذب عذاب أهل الكفر أبدا , وقال النظام إن الله تعالى لا يقدر على شيء من الشر , وإن إبليس يقدر على الخير والشر, وقال هشام القوطي أن الله لا يوصف بأنه عالم لم يزل وقال بعض المعتزلة يجوز على الله سبحانه وتعالى الكذب إلا أنه لم يقع منه .. وقالت المجيرة لا قدر للآدمي بل هو كالجماد مسلوب الاختيار والفعل .. وقالت المرجئة إن من أقر بالشهادتين وأتى بكل المعاصي لم يدخل النار أصلا, وخالفوا الأحاديث الصحاح في إخراج الموحدين من النار ... قال ابن عقيل رحمه الله: ما أشبه أن يكون واضع الأرجاء زنديقا فإن صلاح العالم بإثبات الوعيد واعتقاد الجزاء فالمرجئة لما لم يمكنهم جحد الصانع لما فيه من نفور الناس ومخالفة العقل أسقطوا فائدة الإثبات وهي الخشية والمراقبة وهدموا سياسة الشرع فهم شر طائفة على الإسلام.
قال المصنف رحمه الله: قلت وتبع أبو عبد الله بن كرام فاختار من المذاهب أردأها ومن الأحاديث أضعفها , ومال إلى التشبيه وأجاز حلول الحوادث في ذات الباري سبحانه وتعالى وقال إن الله لا يقدر على إعادة الأجسام والجواهر إنما يقدر على ابتدائها قالت السالمية إن الله تعالى يتجلى يوم القيامة لكل شيء في معناه فيراه الآدمي آدميا والجنى جنيا وقالوا: الله سر لو أظهره لبطل التدبير
قال المصنف رحمه الله: قلت أعوذ بالله من نظر وعلوم أوجبت هذه المذاهب القبيحة: وقد زعم أرباب الكلام أنه لا يتم الإيمان إلا بمعرفة ما رتبوه وهؤلاء على خطأ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالإيمان, ولم يأمر ببحث المتكلمين , ودرجة الصحابة الذين شهد لهم الشارع بأنهم خير الناس كانواعلى ذلك الايمان, وقد ورد ذم الكلام على ما قد أشرنا إليه وقد نقل إلينا أقلاع منطقي المتكلمين عما كانوا عليه لما رأوا من قبح غوائله.
وقد أوقف أقوام مع الظواهر فحملوها على مقتضى الحس فقال بعضهم إن الله جسم , فتعالى الله عن ذلك وعما يصفون: وهذا مذهب هشام بن الحكم وعلي منصور ومحمد بن الخليل ويونس بن عبد الرحمن لعنهم الله.
ثم اختلفوا فقال بعضهم جسم كالأجسام ومنهم من قال لا كالأجسام ثم اختلفوا فمنهم من قال هو نور ومنهم من قال هو على هيئة السبيكة البيضاء هكذا كان يقول هشام بن الحكم وكان يقول إن إله سبعة أشبار بشبر نفسه (فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)
وقال المصنف رحمه الله: والحق سبحانه ليس بذي جنس ولا مثل له ولا يجوز أن يُوصف بأن ذاته أرادته ومتناهية لا على معنى أنه ذاهب في الجهات بلا نهاية: إنما المراد أنه ليس بجسم ولا جوهر فتلزمه النهاية قال النوبختي وقد حكى كثير من المتكلمين أن مقاتل بن سليمان ونعيم بن حماد وداود الحواري يقولون إن الله صورة وأعضاء (فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)
وكان زرارة بن أعين لعنه الله , يقول: لم يكن الباري قادرا حيا عالما في الأزل حتى خلق لنفسه هذه الصفات (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)
وقال داود الحواري لعنه الله: هو جسم لحم ودم وله جوارح وأعضاء وهو أجوف من فمه إلى صدره ومصمت ما سوى ذلك: ومن الواقفين مع الحس أقوام قالوا هو العرش بذاته على وجه المماسة فإذا نزل انتقل وتحرك وجعلوا لذاته نهاية وهؤلاء قد أوجبوا عليه المساحة والمقدار واستدلوا على أنه على العرش بذاته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل الله إلى سماء الدنيا: قالوا ولا ينزل إلا من هو فوق.
وهؤلاء حملوا نزوله على الأمر الحسي الذي يوصف به الأجسام: وهؤلاء المشبهة الذين حملوا الصفات على مقتضى الحس , وهذا كله جهل بالموصوف.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن الناس من يقول لله وجه هو صفة زائدة على صفة ذاته لقوله تعالى: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام .. وله يد وله أصبع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يضع السموات على أصبع وله قدم إلى غير ذلك مما تضمنته الأخبار وهذا كله إنما استخرجوه من مفهوم الحس: وإنما الصواب: هو وجوب قراءة الآيات والأحاديث من غير تفسير ولا كلام ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف فيها , ومن قال غير ذلك فقد كفر.
قال المصنف رحمه الله: ومن أعجب أحوال الظاهرية قول السالمية أن الميت يأكل في القبر ويشرب وينكح , لأنهم سمعوا بنعيم ولم يعرفوا من النعيم إلا هذا , ولو قنعوا بما ورد في الآثار من أنّ أرواح المؤمنين تُجعل في حواصل طير تأكل من شجر الجنة لسلموا , لكنهم أضافوا ذلك إلى الجسد.
قال ابن عقيل رحمه الله: ولهذا المذهب مرض يضاهي الاستشعار الواقع للجاهلية وما كانوا يقولونه في الهام والصدا والمكالمة لهؤلاء ينبغي أن تكون على سبيل المداراة لاستشعارهم لا على وجه المناظرة فإن المقاومة تفسدهم, وإنما لبس إبليس على هؤلاء لتركهم البحث عن التأويل المطابق لأدلة الشرع والعقل , فإنه لما ورد النعيم والعذاب للميت علم أن الإضافة حصلت إلى الأجساد والقبور تعريفا, كأنه يقول صاحب هذا القبر الروح التي كانت في هذا الجسد منعمة بنعيم الجنة معذبة بعذاب النار.
قال المصنف رحمه الله: فإن قال قائل قد عبت طريق المقلدين في الأصول وطريق المتكلمين فما الطريق السليم من تلبيس إبليس؟ فالجواب أنه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وتابعوهم بإحسان من إثبات الخالق سبحانه وتعالى , وإثبات صفاته على ما وردت به الآيات والأخبار من غير تفسير ولا بحث عما ليس في قوة البشر إدراكه , وأن القرآن كلام الله غير المخلوق , قال الامام علي رضي الله عنه: والله ما حكمت مخلوقا إنما حكمت القرآن وأنه المسموع قوله تعالى: حتى يسمع كلام الله. وأنه في المصاحف لقوله تعالى: في رق منشور .. ولا نتعدى مضمون الآيات ولا نتكلم في ذلك برأينا.
وقد كان الامام أحمد بن حنبل رحمه الله: ينهى أن يقول الرجل لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق لئلا يخرج عن الاتباع للسلف إلى حدث.
والعجب ممن يدعي اتباع هذا الإمام ثم يتكلم في المسائل المحدثة أخبرنا سعد الله بن علي البزار مرفوعا الى عمرو بن دينار رحمهم الله , قال: أدركت تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورضي الله عنهم يقولون: من قال القرآن مخلوق فهو كافر, وقال مالك بن أنس رضي الله عنه: من قال القرآن مخلوق فيُستتاب , فإن تاب وإلا ضُربت عنقه.
وعن أبو البركات بن علي البزار مرفوعا الى عمر بن عبد العزيز رحمهم الله انه قال: إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم بشيء دون العامة , فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة.
وعن محمد بن أبي القاسم مرفوعا الى سفيان الثوري رحمهم الله, أنه قال: بلغني عن عمر أنه كتب إلى بعض عماله: أوصيك بتقوى الله تعالى واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم , وارتك ما أحدث المحدثون بعده بما قد كفوا مؤنته, واعلم أن من سنَّ السنن قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والتعمق فإن السابقين الماضين كانوا على كشف الأمور أقوى وما أحدث أي من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم لقد قصر دونهم أقوام فخفوه وطمح عنهم آخرون فعلوه.
تلبس ابليس للخوارج
قال المصنف رحمه الله: أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة أخبرنا ابن الحصين مرفوعا الى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه , قال: بعث علي رضي الله عنه من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهبة في أديم مقروظ لم تخلص من ترابها فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلمبين أربعة: بين زيد الخيل والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة أو عامر بن الطفيل, شك عمارة فوجد من ذلك بعض أصحابه والأنصار وغيرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء , ثم أتاه رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبهة كث اللحية مشمّر الأزار محلوق الرأس فقال: اتق الله يا رسول الله فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه إليه ثم قال: ويحك أليس أحق الناس أن يتقي الله أنا , ثم أدبر , فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: يا
(يُتْبَعُ)
(/)
رسول الله! ألا أضرب عنقه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: فلعله يصلي فقال رضي الله عنه: إنه رب مصل يقور بلسانه ما ليس في قلبه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم, ثم نظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه وهو مقف , فقال: إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
قال المصنف رحمه الله: هذا الرجل يقال له ذو الخويصرة التميمي وفي لفظ أنه قال له اعدل فقال له صلى الله عليه وسلم: ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل فهذا أول خارجي خرج في الإسلام وآفته أنه رضي برأي نفسه ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأتباع هذا الرجل هم الذاين قاتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وذلك أنه لما طالت الحرب بين معاوية وعلي رضي الله عنهما , رفع أصحاب معاوية المصاحف ودعوا أصحاب علي رضي الله عنهم إلى ما فيها , وقال تبعثون منكم رجلا ونبعث منا رجلا ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله تعالى؟ فقال الناس قد رضينا, فبعثوا عمرو بن العاص رضي الله عنه, فقال أصحاب علي ابعث أبا موسى فقال علي رضي الله عنه: لا أرى أن أولي أبا موسى هذا ابن عباس قالوا: لا يزيد رجلا منك فبعث أبا موسى وأخر القضاء إلى رمضان فقال عروة بن أذينة: تُحكمون في أمر الله الرجال, لا حكيم إلا لله ورجع علي من صفين فدخل الكوفة ولم تدخل معه الخوارج فأتوا حروراء فنزل بها منهم إثنا عشر ألفا وقالوا: لا حكم إلا لله, وكان ذلك أول ظهورهم , ونادى مُناديهم: أنّ أمير القتال شبيب بن ربعي التميمي, وأمير الصلاة عبد الله بن الكوا اليشكريظ , وكانت الخوارج تتعبد إلا أن اعتقادهم أنهم أعلم من علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا مرض صعب.
وعن إسماعيل بن أحمد مرفوعا الى سماك بن رميل , قال: قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما, إنه لما اعتزلت الخوارج دخلوا دارا وهم ستة آلاف وأجمعوا على أن يخرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه, فكان لا يزال يجيء إنسان فيقول يا أمير المؤمنين إن القوم خارجون عليك فيقول دعوهم فإني لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسوف يفعلون , فلما كان ذات يوم أتيته صلاة الظهر فقلت له يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي أدخل على هؤلاء القوم فأكلمهم, فقال إني أخاف عليك , فقلت كلا وكنت رجلا حسن الخلق لا أؤذي أحدا , فأذن لي فلبست حلة من أحسن ما يكون من اليمن وترجلت فدخلت عليهم نصف النهار , فدخلت على قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادا , جباههم قرِحَة من السجود , وأياديهم كأنها ثفن الإبل وعليهم قمص مرحضة مشمرين مسهمة وجوههم من السهر, فسلمت عليهم فقالوا: مرحبا بابن عباس! ما جاء بك؟ فقلت: أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار ومن عند صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم: فقالت طائفة منهم لا تخاصموا قريشا فإن الله تعالى يقول: بل هم قوم خصمون , فقال اثنان أو ثلاثة لنكلمنه: فقلت هاتوا ما نقمتم على صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار, وعليهم نزل القرآن وليس فيكم منهم أحد: وهم أعلم بتأوله
قالوا ثلاثا: قلت هاتوا: قالوا أما إحداهن فإنه حكم الرجال في أمر الله وقد قال الله تعالى: إن الحكم إلا لله , فما شأن الرجال والحكم بعد الله تعالى فقلت هذه واحدة وماذا: قالوا وأما الثانية قالوا: فإنه قاتل وقتل ولم يسب ولم يغتنم فإن كانوا مؤمنين فلم حل لنا قتالهم وقتلهم ولم يحل لنا سبيهم , وأما الثالثة قالوا: فإنه محا عن نفسه أمير المؤمنين فإنه إن لم يكن أمير المؤمنين فإنه لأمير الكافرين .. قلت: هل عندكم غيرهذا؟ قالوا: كفانا هذا .. قلت لهم: أما قولكم حكم لرجال في أمر الله أنا أقرأ عليكم في كتاب الله ما ينقض هذا , فإذا نقض قولكم أترجعون؟ قالوا: اللهم نعم .. قلت: فإن الله قد صّر من حكمه إلى الرجال في ربع درهم ثمن أرنب وتلى هذه الآية: لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم , إلى آخر الآية, وفي المرأة وزوجها: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها .. إلى آخر الآية, فنشدتكم بالله هل تعلمون حكم الرجال في إصلاح ذات بينهم وفي حقن دمائهم أفضل أم حكمهم في أرنب وبضع امرأة , فأيهما ترون أفضل؟ قالوا
(يُتْبَعُ)
(/)
بل هذه .. قلت: أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم فتسبون أمكم عائشة رضي الله تعالى عنها فوالله لئن قلتم ليست بأمنا لقد خرجتم من الإسلام , ووالله لئن قلتم لنسبينها ونستحل منها ما نستحل من غيرها لقد خرجتم من الإسلام , فأنتم بين ضلالتين لأن الله تعالى قال: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم .. قلت: أخرجت من هذه؟ .. قالوا: اللهم نعم .. قلت: وأما قولكم: محا عن نفسه أمير المؤمنين فأنا آتيكم بمن ترضون أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو , فقال لعلي رضي الله عنه: اكتب لهم كتابا , فكتب لهم علي رضي الله عنه: هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله , فقال المشركون: والله ما نعلم أنك رسول الله, لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك .. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: اللهم إنك تعلم أني رسول الله , امحُ يا علي , اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله فوالله لرسول الله خير من علي وقد محا نفسه قال فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم فقتلوا.
وعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى جندب الأزدي رحمهم الله, قال: لما عدلنا إلى الخوارج ونحن مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال فانتهينا إلى معسكرهم فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن.
وهناك روايات عدة لهذه القصة نكتفي بذكر ما ماذكرنا لتشابهها جميعا.
وعن محمد بن أبي طاهر البزار مرفوعا الى محمد بن سعد عن أشياخ له فقالوا: انتدب ثلاثة نفر من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم والبرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمي فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا لنقتلن هؤلاء الثلاثة عليا ومعاوية وعمرو بن العاص , ونُريح العباد منهم, فقال ابن ملجم أنا لكم بعلي , وقال البرك أنا لكم بمعاوية , وقال عمر وأنا لكم بعمرو فتواثقوا ألا ينقض رجل منهم رجلا عن صاحبه , فقدم ابن ملجم الكوفة فلما كانت الليلة التي عزم على قتل علي رضي الله عنه فيها خرج علي رضي الله عنه لصلاة الصبح فضربه فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه فقال علي رضي الله عنه: لا يفوتنكم الرجل, فأخذ: فقالت أم كلثوم رضي الله عنها: يا عدو الله! أقتلت أمير المؤمنين؟
فلما مات علي رضي الله عنه أُخرج ابن ملجم ليُقتل فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم في عينيه بمسمار محمي فلم يجزع فجعل يقرأ: اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق , حتى ختمها وإن عينيه لتسيلان , فعولج على قطع لسانه فجزع, فقيل له لم تجزع؟ فقال أكره أن أكون في الدنيا مواتا لا أذكر الله, وكان رجلا أسمر في جبهته أثر السجود لعنة الله عليه.
قال المصنف: قلت ولما أراد الحسن أن يُصالح معاوية رضي الله عنهما, خرج عليه من الخوارج الجراح بن سنان وقال: أشركت كما أشرك أبوك؟ ثم طعنه في أصل فخذه.
وما زالت الخوارج تخرج على الأمراء ولهم مذاهب مختلفة وكان أصحاب نافع بن الأزرق يقولون: نحن مشركون ما دمنا في دار الشرك, فإذا خرجنا فنحن مسلمون .. وقالوا: ومخالفونا في المذهب مشركون , ومرتكبوا الكبائر مشركون , والقاعدون عن موافقتنا في القتال كفرة , وأباح هؤلاء قتل النساء والصبيان من المسلمين, وحكموا عليهم بالشرك وكان تجدة بن عامر الثقفي من القوم , فخالف نافع بن الأزرق وقال بتحريم دماء المسلمين وأموالهم وزعم أن أصحاب الذنوب من موافقيه يعذبون في غير نار جهنم وأن جهنم لا يعذب بها إلا مخالفوه في مذهبه: وقال إبراهيم الخوارج قوم كفار وتحل لنا مناكحتهم وموارثتهم كما كان الناس في بدء الإسلام وكان بعضهم يقول لو أن رجلا أكل من مال يتيم فِلسَيْنِ , وجبت له النار لأن الله تعالى أوعد على ذلك النار
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: ولهم قصص تطول ومذاهب عجيبة لهم لم أر التطويل بذكرها وإنما المقصود النظر في حيل إبليس وتلبيسه على هؤلاء الحمقى الذين عملوا بواقعاتهم واعتقدوا أن عليا بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين والانصار رضي الله عنهم كانوا على الخطأ , وأنهم هم على الصواب, واستحلوا دماء الأطفال ولم يستحلوا أكل ثمرة بغير ثمنها , وتعبوا في العبادات وسهروا , وجزع ابن ملجم عند قطع لسانه من فوات الذكر على حين استحل قتل الامام علي رضي الله عنه, ثم بعد ذلك أشهروا السيوف على المسلمينو ولا أعجب من
اقتناع هؤلاء بعلمهم واعتقادهم أنهم ولعنهم الله , أعلم من علي رضي الله عنه وارضاه.
وفي الصحيين من حديث محمد بن إبراهيم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم , يقول: يخرج قوم فيكم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم, وصيامكم مع صيامهم, وأعمالكم مع أعمالهم , يقرأون القرآن لا يُجاوز حناجرهم , يمرقون من الدين مُروق السهم من الرمية.
وعن سعد الله بن علي مرفوعا الى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخوارج كلاب أهل النار
قال المصنف رحمه الله: ومن أقوال الخوارج أنه لا تختص الإمامة بشخص إلا أن يجتمع فيه العلم والزهد , فإذا اجتمعا كان إماما نبطيا , وقالت المعتزلة في التحسين والتقبيح إلى العقل وأن العدل ما يقتضيه .. ثم حدثت القدرية في زمن الصحابة وصار معبد الجهني وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم إلى القول بالقدر , ونسج على منوال معبد الجهني واصل بن عطاء وانضم إليه عمرو بن عبيد , وفي ذلك الزمان حدثت سنة المرجئة حين قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
ثم طالعت المعتزلة مثل أبي الهذيل العلاف والنظام ومعمر والجاحظ كتب الفلاسفة في زمان المأمون واستخرجوا منها ما خلطوه بأوضاع الشرع مثل لفظ الجوهر والعرض والزمان والمكان والكون وأول مسألة أظهروها القول بخلق القرآن , وحينئذ سمي هذا الفصل فصل علم الكلام وتلت هذه المسألة مسائل الصفات: مثل العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر فقال قوم: هي معاني زائدة على الذات .. ونفتها المعتزلة وقالوا: عالم لذاته قادر لذاته وكان أبو الحسن الأشعري على مذهب الجبائي ثم انفرد عنه إلى مثبتي الصفات ثم أخذ بعض مثبتي الصفات في اعتقاد التشبيه وإثبات الانتقال في النزول.
والله الهادي لما يشاء.
يتبع الجزء الخامس بعون الله بمداخل ابليس على الرافضة
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[03 - Jul-2009, صباحاً 12:02]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
الجزء الخامس- مداخل ابليس على الرافضة والباطنية
قال المصنف رحمه الله: وكما لبس إبليس على هؤلاء الخوارج حتى قاتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه , فقد حمل آخرين على الغلو في حبه فزاده على الحد فمنهم من كان يقول هو الإله , ومنهم من يقول هو خير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ومنهم من حمله على سب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما, حتى انّ بعضهم قد كفرا أبي بكر وعمر رضي الله عنهما , وما إلى غير ذلك.
عن عبد الرحمن بن محمد رحمه الله مرفوعا قال: ان اسحاق بن محمد النخعي االمعروف بالأحمر كان يقول: إن عليا هو الله, (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) وأنه يظهر في كل وقت فهو الحسن في وقت, وكذلك هو الحسين: وهو الذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله: قلت: وقد اعتقد جماعة من الرافضة أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا كافرين: وبعضهم قال: انهما ارتدا بعد موت رسول اللهصلى الله عليه وسلم,: ومنهم من يقول بالتبرئ من غير علي, وقد قلنا أن الشيعة طالبت زيد بن علي بالتبرؤ ممن خالف عليا في إمامته , ولأنه امتنع من ذلك فرفضوه فسُموا الرافضة, ومنهم طائفة يقال لها: الجناحية وهم أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين يقولون: إن روح الإله دارت في أصلاب الأنبياء والأولياء إلى أن انتهى إلى عبد الله وأنه لم يمت: وهو المنتظر: ومنهم طائفة يقال لها الغرابية يثبتون شركة علي في النبوة, وطائفة يقال لها المفوضة يقولون: إن الله تعالى خلق محمدا صلى الله عليه وسلم , ثم فوّض خلق العالم إليه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وطائفة يقال لها الذمامية يذمون جبريل عليه الصلاة والسلام, ويقولون أنه كان مأمورا بالنزول على علي رضي الله عنه , فنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وهنا يبرز لنا غباء هذه الطائفة بوضوح وبغباءٍ لا حدَّ له, وذلك أنّ على رضي الله عنه كان عمره 12 سنة, عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة , وعندما نزل عليه جبريل عليه الصلاة والسلام لأول مرة , فهل يُعقل أن يبعث الله صبياً؟
ومنهم من يقول أن أبا بكر رضي الله عنه ظلم فاطمة رضي الله عنها ميراثها , وقد قلنا عن السفاح أنه خطب يوما فقام رجل من آل علي رضي الله عنه , فقال: يا أمير المؤمنين! أعدني على من ظلمني؟ قال: ومن ظلمك؟ قال: أنا من أولاد علي رضي الله عنه, والذي ظلمني أبو بكر رضي الله عنه حين أخذ فدك من فاطمة رضي الله عنها , قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم قال: ومن قال بعده؟ قال: عمر رضي الله عنه , قال ودام على ظلمكم؟ قال: نعم .. ومن قام بعده؟ قال: عثمان رضي الله عنه, قال: ودام على ظلمكم؟ قال نعم .. قال: ومن قام بعده؟ فجعل السفاح يلتفت كذا وكذا ينظر مكانا يهرب إليه.
قال ابن عقيل الظاهر رحمه الله:أنّ من وضع مذهب الرافضة قصد الطعن في أصل الدين والنبوة, وذلك أن الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلمأمر غائب عنا , وإنما نثق في ذلك بنقل السلف وجودة نظرالناظرين إلى ذلك منهم , فكأننا نظرنا إذ نظر لنا من نثق بدينه وعقله, فإذا قال قائل أنهم أول ما بدأوا بعد موته بظلم أهل بيته في الخلافة وابنته في إرثها وما هذا إلا لسوء اعتقاد في المتوفى, فإن الاعتقادات الصحيحة سيما في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام توجب حفظ قوانينهم بعدهم, لا سيما في أهليهم وذريتهم , فإذا قالت الرافضة: أن القوم استحلوا هذا بعده , خابت آمالنا في الشرع, لأنه ليس بيننا وبينه إلا النقل عنهم والثقة بهم, فاذا كان هذا محصول ما حصل لهم بعد موته خبنا في المنقول, وزالت
ثقتنا فيما عوّلنا عليه من اتباع ذوي العقول ولم نأمن أن يكون القوم لم يروا ما يوجب اتباعه فراعوه مدة الحياة وانقلبوا عن شريعته بعد الوفاة, ولم يبق على دينه إلا الأقل من أهله فطاحت الاعتقادات وضعفت النفوس عن قبول الروايات في الأصل وهو المعجزات فهذا من أعظم المحن على الشريعة.
قال المصنف رحمه الله: وغلو الرافضة في حب علي رضي الله عنه , حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله أكثرها تُشينه وتُؤذيه , منها أن الشمس غابت ففاتت عليا صلاة العصر فردت له الشمس, وهذا من حيث النقل موضوع: لم يروه ثقة ومن حيث المعنى فإن الوقت قد فات وعودها طلوع متجدد فلا يرد الوقت وكذلك وضعوا أن فاطمة رضي الله عنها اغتسلت ثم ماتت , وأوصت أن تكتفي بذلك الغسل , وهذا من حيث النقل كذب , ومن حيث المعنى قلة فهم, لأن الغسل واجب عن حدوث الموت , فكيف يصح قبله؟ ثم لهم خرافات لا يسندونها إلى مستند ولهم مذاهب في الفقه ابتدعوها وخرافات تخالف الإجماع
فنقلت منها مسائل من خط ابن عقيل قال نقلتها من كتاب المرتضى فيما انفردت به الإمامية منها أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا من نبات الأرض, فأما الصوف والجلود والوبر فلا, وأن الاستجمار لا يُجزئ في البول , بل في الغائط خاصة, ولا يجزئ مسح الرأس إلا بباقي البلل الذي في اليد , فإن استأنف للرأس بللا مستأنفا لم يجزه , حتى لو نشفت يده من البلل احتاج إلى استئناف الطهارة, وانفردوا بتحريم من زني بها وهي تحت زوج أبدا فلو طلقها زوجها لم تحل للزاني بها بنكاح أبدا , وحرموا الكتابيات , وأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع , وإن وجد شرطه وأن الطلاق لا يقع إلا بحضور شاهدين عدلين, وأن من نام عن صلاة العشاء إلى أن مضى نصف الليل وجب عليه إذا استيقظ القضاء , وأن يصبح صائما كفارة لذلك التفريط , وأن المرأة إذا جزّت شعرها فعليها الكفارة مثل قتل الخطأ , وأن من شق ثوبه في موت ابنٍ له أو زوجة فعليه كفارة يمين, وأن من تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم لزمه الصدقة بخمسة دراهم , وأن شارب الخمر إذا حد ثانية قتل في الثالثة ويحد شارب الفقاع كشارب الخمر , وأن قطع يد السارق من أصول الأصابع ويبقى له الكف فإن سرق مرة أخرى قطعت الرجل اليسرى فإن سرق الثالثة خلد في الحبس إلى أن يموت, وحرموا السمك الجري وذبائح
(يُتْبَعُ)
(/)
أهل الكتاب , واشترطوا في الذبح استقبال القبلة في مسائل كثيرة يطول ذكرها خرقوا فيها الإجماع , ومقابح الرافضة أكثر من أن تحصى , وقد حرموا الصلاة لكونهم لا يغسلون أرجلهم في الوضوء والجماعة لطلبهم إماما معصوما وابتلوا بسب الصحابة رضوان الله تعالى عنهم وأرضاهم.
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصفيه
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا , فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
والمراد بالصرف النافلة .... وبالعدل الفريضة
قال المصنف رحمه الله: روى أبو البركات مرفوعا عن سويد بن غفلة قال: مررت بنفر من الشيعة يتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وينتقصونهما فدخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت يا أمير المؤمنين! مررت بنفر من أصحابك يذكرون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بغير الذي هما له أهل , ولولا أنهم يروْن أنك تضمر لهما على مثل ما أعلنوا ما اجترأوا على ذلك .. فقال علي رضي الله عنه: أعوذ بالله أن أضمر لهما الا الذي ائتمنني عليه
النبي صلى الله عليه وسلم, لعن الله من أضمر لهما إلا الحَسن الجميل , أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصاحباه ووزيراه رحمة الله عليهما , ثم نهض رضي الله عنه دامع العينين يبكي قابضا على يدي حتى دخل المسجد, فصعد المنبر , وجلس عليه متمكنا قابضا على لحيته , وهو ينظر فيها , وهي بيضاء حتى اجتمع لنا الناس: ثم قام فتشهد بخطبة موجزة بليغة ثم قال: ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمون بما أنا عنه متنزه ومما قالوه بريء وعلى ما قالوا مُعاقب, أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي ولا يُبغضهما إلا فاجر شقي صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم, على الصدق والوفاء يأمران وينهيان ويغضبان ويعاقبان فما يتجاوزان فيما يصنعان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلميرى غير رأيهما , ولا يحب كحبهما أحدا , ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهما , ومضيا والمؤمنون عنهما راضون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه على صلاة المؤمنين فصلى بهم تسعة أيام في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم , فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم واختار له ما عنده ولاه المؤمنون ذلك وفوضوا إليه الزكاة , ثم أعطوه البيعة طائعين غير مكرهين , وأنا أول من سنَّ له ذلك من بني عبد المطلب , وهو لذلك كاره , يوَدُّ لو أنَّ منا أحدا كفاه ذلك , وكان والله خير من أبقى , أرحمه رحمة وأرأفه رأفة, وأسنّه ورعا, وأقدمه سنا وإسلاما , شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بميكائيل عليه السلام رأفة ورحمة , وبإبراهيم عليه السلام عفوا ووقارا, فسار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى على ذلك رحمة الله عليه, ثم ولي الأمر بعده عمر رضي الله عنه وكنت فيمن رضي فأقام الأمر على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلموصاحبه يتبع أثرهما كما يتبع الفصيل أثر أمه , وكان والله رفيقا رحيما بالضعفاء ناصرا للمظلومين على الظالمين, لا يأخذه في الله لومة لائم , وضرب الله الحق على لسانه , وجعل الصدق من شأنه, حتى إنْ كنا لنظنُّ أنّ ملَكاً ينطق على لسانه , أعز الله بإسلامه الإسلام , وجعل هجرته للدين قواما , وألقى له في قلوب المنافقين الرهبة , وفي قلوب المؤمنين المحبة , شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل عليه السلام, فظا غليظا على الأعداء , فمن لكم بمثلهما رحمة الله عليهما ورزقنا المضي في سبيلهما؟ فمن أحبني فلي حبهما , ومن لم يحبهما فقد أبغضني, وأنا منه بريء, ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت في هذا اشد العقوبة , إلا فمن أوتيت به يقول بعد هذا اليوم فإن عليه ما على المفتري, ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما , ثم الله أعلم بالخير أين هو؟ أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.
(يُتْبَعُ)
(/)
فعن سعد الله بن علي مرفوعا الى الامام علي رضي الله عنه قال: يخرج في آخر الزمان قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة ينتحلون شيعتنا وليسوا من شيعتنا , وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما, أينما أدركتموهم فاقتلوهم أشد القتل فإنهم مشركون
مداخل ابليس للباطنية
قال المصنف رحمه الله: الباطنية قوم تستروا بالإسلام ومالوا إلى الرفض وعقائدهم وأعمالهم تباين (تخالف) الإسلام بالمرة, فمحصول قولهم تعطيل الصانع وإبطال النبوة والعبادات, وإنكار البعث , ولكنهم لا يُظهرون هذا في أول أمرهم, بل يزعمون أنّ الله حق وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم, والدين الصحيح , لكنهم يقولون لذلك سر غير ظاهر وقد تلاعب بهم إبليس فبالغ وحسَّن لهم مذاهب مختلفة ولهم ثمانية أسماء
الاسم الأول الباطنية: سموا بذلك لأنهم يدّعون أن لظواهر القرآن والأحاديث بواطن تجري من الظواهر مجرى اللب من القشر وأنها بصورتها تُوهم الجُهال صورا حلية , وهي عند العقلاء رموز وإشارات إلى حقائق خفية , وأن من تقاعد عقله من الغوص على الخفايا والأسرار والبواطن والأغوار وقنع بظواهرها كان تحت الأغلال التي هي تكليفات الشرع, ومن ارتقى إلى علم الباطن انحط عنه التكليف واستراح من أعبائه, قالوا وهم المرادون بقوله تعالى: ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم , ومرادهم أن ينزعوا من العقائد موجب الظواهر ليقدروا بالتحكم بدعوى الباطل على أبطال الشرائع
الاسم الثاني الإسماعيلية: نُسبوا إلى زعيمٍ لهم يقال له محمد بن إسماعيل بن جعفر ويزعمون أنّ دور الإمامة انتهى إليه لأنه سابع , واحتجوا بأن السموات سبع والأرضين سبع, وأيام الأسبوع سبعة , فدَّل على أن دور الأئمة يتم بسبعة , وعلى هذا فيما يتعلق بالمنصور فيقولون العباس ثم ابنه عبد الله ثم ابنه علي ثم ابنه محمد بن علي ثم إبراهيم ثم السفاح ثم المنصور, وذكر أبو جعفر الطبري في تاريخه قال: قال علي بن محمد عن أبيه إن رجلا من الراوندية كان يقال له الأبلق وكان أبرص فبكى بالعلو ودعا الراوندية إليه وزعم أن الروح التي كانت في عيسى بن مريم عليه السلام صارت إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه, ثم الأئمة واحدا بعد واحد إلى أن صارت إلى إبراهيم بن محمد, واستحلوا الحرمات , فكان الرجل منهم يدعو الجماعة إلى منزله فيُطعمهم ويُسقيهم ويحملهم على امرأته , فبلغ ذلك أسد بن عبد الله فقتلهم وصلبهم , فلم يزل ذلك فيهم إلى اليوم , وعبدوا أبا جعفر , وصعدوا الخضراء , وألقوا نفوسهم كأنهم يطيرون, فلا يبلغون الأرض إلا وقد هلكوا , وخرج جماعتهم على الناس في السلاح, وأقبلوا يصيحون يا أبا جعفر أنت أنت
الاسم الثالث السبعية: لقبوا بذلك لأمرين أحدهما اعتقادهم أن دور الإمامة سبعة سبعة على ما بينا وأن الانتهاء إلى السابع هو آخر الأدوار وهو المراد بالقيامة , وأن تعاقب هذه الأدوار لا آخر له , والثاني لقولهم أن تدبير العالم السفلي منوط بالكواكب السبعة: زحل ثم المشتري ثم المريخ ثم الزهرة ثم الشمس ثم عطارد ثم القمر
الاسم الرابع البابكية: قال المصنف رحمه الله: والبابكية اسم لطائفة منهم تبعوا رجلا يقال له بابك الخرمي , وكان من الباطنية , وأصله أنه ابن زنى , فظهر في بعض الجبال بناحية أذربيجان سنة إحدى ومائتين وتبعه خلق كثير, واستفحل أمرهم واستباح المحظورات , وكان إذا علم أن عند أحد بنتا جميلة أو أختا جميلة طلبها , فإن بعثها إليه وإلا قتله وأخذها, ومكث على هذا عشرين سنة فقتل ثمانين ألفا وقيل خمسة وخمسين ألفا وخمسمائة إنسان وحاربه السلطان وهزم خلقا من الجيوش حتى بعث المعتصم أفسين فحاربه فجاء ببابك وأخيه في سنة ثلاث وعشرين ومائتين فلما دخلا قال لبابك أخوه يا بابك قد عملت ما لم يعمله أحد فاصبر الآن صبرا لم يصبره أحد, فقال: سترى صبري فأمر المعتصم بقطع يديه ورجليه فلما قطعوا , مسح بالدم وجهه فقال المعتصم: أنت في الشجاعة كذا وكذا ما بالك قد مسحت وجهك بالدم أجزعا من الموت؟ فقال: لا .. ولكني لما قطعت أطرافي نزف الدم فخفت أن يقال عني إنه اصفر وجهه جزعا من الموت قال فيظن ذلك بي فسترت وجهي بالدم كيلا يرى ذلك مني, ثم بعد ذلك ضربت عنقه , وأضرمت عليه النار وفعل مثل ذلك بأخيه فما فيهما من صاحٍ ولا تأوهٍ, ولا أظهر جزعا لعنهما
(يُتْبَعُ)
(/)
الله, وقد بقي من البابكية جماعة يقال أن لهم ليلة في السنة تجتمع فيها رجالهم ونساؤهم ويطفئون السرج ثم يتناهضون للنساء فيثب كل رجل منهم إلى امرأة الآخر, ويزعمون أن من احتوى على امرأة يستحلها بالاصطياد لأن الصيد مباح
الاسم الخامس المحمرة: قال المصنف رحمه الله: سموا بذلك لأنهم صبغوا ثيابهم بالحمرة في أيام بابك ولبسوها
الاسم السادس القرامطة: قال المصنف رحمه الله وللمؤرخين في سبب تسميتهم بهذا قولان: أحدهما أن رجلا من ناحية خوزستان قدم سواد الكوفة فأظهر الزهد ودعا إلى إمام من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم, ونزل على رجل يُقال له كرميته لقب بهذا لحمرة عينيه وهو بالنبطية, حاد العين , فأخذه أمير تلك الناحية فحبسه وترك مفتاح البيت تحت رأسه ونام , فرقت له جارية , فأخذت المفتاح ففتحت البيت وأخرجته, وردت المفتاح إلى مكانه فلما طلب فلم يوجد, زاد افتتان الناس به فخرج إلى الشام فسمي كرميته باسم الذي كان نازلا عليه ثم خفف فقيل قرمط ثم توارث مكانه أهله وأولاده
والثاني أن القوم قد لقبوا بهذا نسبة إلى رجل يقال له حمدان قرمط كان أحد دعاتهم في الابتداء فاستجاب له جماعة فسموا قرامطة وقرمطية وكان هذا الرجل من أهل الكوفة وكان يميل إلى الزهد فصادفه أحد دعاة الباطنية في فريق وهو متوجه إلى قرية وبين يديه بقر يسوقها فقال حمدان لذلك الراعي وهو لا يعرفه أين مقصدك؟ فذكر قرية حمدان, فقال له: اركب بقرة من هذه لئلا تتعب, فقال إني لم أؤمر بذلك , فقال وكأنك لا تعمل إلا بأمر , قال: نعم , قال: وبأمر من تعمل؟ قال: بأمر مالكي ومالكك ومالك الدنيا والآخرة, فقال ذلك إذن هو الله رب العالمين, فقال: صدقت, قال له: فما غرضك في هذه القرية التي تقصدها؟ قال أمرت أن أدعو أهلها من الجهل إلى العلم ومن الضلالة إلى الهدى ومن الشقاء إلى السعادة وأن أستنقذهم من ورطات الذل والفقر وأملكهم ما يستغنون به عن الكد: فقال له حمدان: أنقذني أنقذك الله وأفض علي من العلم ما تحييني به فما أشد احتياجي إلى مثل هذا , فقال ما أمرت أن أخرج السر المخزون إلى كل أحد إلا بعد الثقة به , والعهد إليه , فقال: اذكرعهدك فإني ملتزم به, فقال له: أن تجعل لي وللإمام على نفسك عهد الله وميثاقه ألا تخرج سر الإمام الذي ألقيه إليك ولا نفس سري أيضا, فالتزم حمدان عهده ثم اندفع الداعي في تعليمه فنون جهله حتى استغواه فاستجاب له ثم انتدب للدعاء وصار أصلا من أصول هذه البدعة فسمي أتباعه القرامطة والقرمطية.
ثم لم يزل بنوه وأهله يتوارثون مكانه وكان أشدهم بأسا رجل يقال له أبو سعيد ظهر في سنة ست وثمانين ومائتين وقوي أمره وقتل ما لا يحصى من المسلمين وخرب المساجد وأحرق المصاحف وفتك بالحاج , وسن لأهله وأصحابه , وأخبرهم بمحالات وكان إذا قاتل يقول وعدت النصر في هذه الساعة, فلما مات بنوا على قبره قبة وجعلوا على رأسها طائرا من جص , وقالوا إذا طار هذا الطائر خرج أبو سعيد من قبره , وجعلوا عند القبر فرسا وخلعة ثياب وسلاحا, وقد سول إبليس لهذه الجماعة أنه من مات وعلى قبره فرس حشر راكبا وإن لم يكن له فرس حشر ماشيا , وكان أصحاب أبي سعيد يصلون عليه إذا ذكروه ولا يصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا سمعوا من يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم, يقولون أتأكل رزق أبي سعيد وتصلي على أبي القاسم , وخلف بعده ابنه أبا طاهر الذي ادّعى الالوهية لعنه الله, ففعل مثل فعل أبيه, وهجم على الكعبة فأخذ ما فيها من الذخائر وقلع الحجر الأسود فحمله إلى بلده وأوهم الناس أنه الله تعالى.
الاسم السابع الخرمية: وخرم لفظ أعجمي ينبي عن الشيء المستلذ المستطاب الذي يرتاح الإنسان له ومقصود هذا الاسم تسليط الناس على اتباع اللذات وطلب الشهوات كيف كانت وطي بساط التكليف وحط أعباء الشرع عن العباد وقد كان هذا الاسم لقبا للمزدكية وهم أهل الإباحة من المجوس الذين تبعوا في أيام قباذ, وأباحوا النساء المحرمات وأحلوا كل محظور فسموا هؤلاء بهذا الاسم لمشابهتهم إياهم في نهاية هذا المذهب وإن خالفوهم في مقدماته
الاسم الثامن التعليمية: لقبوا بذلك لأن مبدأ مذهبهم إبطال الرأي وإفساد تصرف العقول ودعاء الخلق إلى التعليم من الإمام المعصوم وأنه لايدرك العلوم إلا بالتعليم
وكم زنديق في قلبه حقد على الإسلام خرج فبالغ واجتهد فزخرف دعاوى يلقي بها من يصحبه: وكان غور مقصده في الاعتقاد الانسلال من ربقة الدين وفي العمل نيل الملذات واستباحة المحظورات فمنهم بابك الخرمي حصل له مقصوده من اللذات ولكن بعد أن قتل الناس وبالغ في الأذى ثم القرامطة وصاحب الزنج الذي خرج فاستغوى المماليك السودان ووعدهم الملك: فنهب وفتك وقتل وبالغ وكانت عواقبهم في الدنيا أقبح العواقب فما وفى ما نالوا بما نيل منهم ومنهم من لم يبرح على تعثيره ففاتته الدنيا والآخرة مثل ابن الراوندي والمعري
قال المصنف: من تأمل حال ابن الراوندي وجده من كبار الملحدة وصنف كتابا سماه الدامغ زعم أنه يدمغ به هذه الشريعة, فسبحان من دمغة فأخذه وهو في شرخ الشباب, وكان يعترض على القرآن ويدعي عليه التناقض وعدم الفصاحة: وهو يعلم أن فصحاء العرب تحيَّرت عند سماعه فكيف بالألكن؟ وأما أبو العلاء المعري فأشعاره ظاهرة الإلحاد: وكان يبالغ في عداوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , ولم يزل متخبطا في تعثيره خائفا من القتل إلى أن مات بخسرانه , وما خلا زمان من خلف للفريقين إلا أن جمرة المنبسطين قد خبت بحمد الله فليس إلا باطني مستتر ومتفلسف متكاتم هو أعثر الناس وأخسأهم قدرا وأردأهم عيشا, وقد شرحنا أحوال جماعة من الفريقين في التاريخ فلم نر التطويل بذلك والله الموفق
ترقبوا قريبا وبعون الله تعالى لجزء السادس - مداخل ابليس على العلماء وأصحاب الحديث والمفتون
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[06 - Jul-2009, صباحاً 04:16]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
الجزء السادس: مداخل ابليس على العلماء وأصحاب الحديث والمفتين
قال المصنف رحمه الله: اعلم أن إبليس يدخل على الناس في التلبيس من طرق منها ظاهر الأمر, ولكن يغلب الإنسان في إيثار هواه فيغمض على علم يذلله ومنها غامض وهو الذي يخفى على كثير من العلماء ونحن نشير إلى فنون من تلبيسه يستدل بمذكورها على مغفلها إذ حصر الطرق يطول والله العاصم
فمن ذلك أن أحدهم يشتغل بالقراءات الشاذة وتحصيلها فيفني أكثر عمره في جمعها وتصنيفها والإقراء , بها ويشغله ذلك عن معرفة الفرائض والواجبات , فربما رأيت إمام مسجد يتصدى للإقراء ولا يعرف ما يُفسد الصلاة , وربما حمله حب التصدر حتى لا يرى بعين الجهل على أن يجلس بين يدي العلماء ويأخذ عنهم العلم , ولو تفكروا لعلموا أنَّ المراد حفظ القرآن وتقويم ألفاظه , ثم فهمه , ثم العمل به, ثم الإقبال على ما يُصلح النفس ويُطهر أخلاقها , ثم التشاغل بالمهم من علوم الشرع. ومن الغُبْنِ الفاحش تضييع الوقت دون حساب.
قال الحسن البصري رحمه الله: أنزل القرآن ليُعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملاً , يعني أنهم اقتصروا على التلاوة وتركوا العمل به, ومن ذلك أنَ أحدهم يقرأ في محرابه بالشاذ , ويترك المتواتر المشهور , والصحيح عند العلماء, أنّ الصلاة لا تصحُّ بهذا الشاذ , وإنما مقصود هذا إظهار الغريب لاستجلاب مدح الناس وإقبالهم عليه , وعنده أنه متشاغل بالقرآن , ومنهم من يجمع القراءات , فيقول ملك مالك ملاك وهذا لا يجوز لأنه إخراج للقرآن عن نُظمِهِ.
ومنهم من يجمع السجدات والتهليلات والتكبيرات وذلك مكروه, وقد صاروا يُوقدون النيران الكثيرة للختمة فيجمعون بين تضييع المال والتشبه بالمجوس , والتسبب إلى اجتماع النساء والرجال بالليل للفساد , ويُريهم إبليس أنّ في هذا إعزازاً للإسلام, وهذا تلبيس عظيم لأن إعزاز الشرع يكون باستعمال المشروع, ومن ذلك أنّ منهم من يتسامح بادّعاء القراءة على من لم يقرأ عليه , وربما كانت له إجازة منه , فقال أخبرنا تدليساً وهو يرى أن الأمر في ذلك قريب , لكونه يروي القراءات , ويراها فعل خير, وينسى أن هذا كذب يلزمه إثم الكذابين, ومن ذلك أن المقرئ المجيد يأخذ على اثنين وثلاثة ويتحدث مع من يدخل عليه والقلب, لا يطيق جمع هذه الأشياء, ثم يكتب خطه بأنه قد قرأ على فلان بقراءة فلان , وقد كان بعض المحققين يقول: ينبغي أن يجتمع اثنان أو ثلاثة ويأخذوا على واحد ومن ذلك أن أقواما من القراء يتبارون بكثرة القراءة, وقد رأيت من مشايخهم من يجمع الناس ويقيم شخصا ويقرأ في النهار الطويل ثلاث ختمات , فإن قصّر عُيِّبَ, وإن أتمَّ مُدح, وتجتمع العوام لذلك ويحسنونه كما يفعلون في حق السعاة ويُريهم إبليس أنّ في كثرة التلاوة ثواباً, وهذا من تلبيسه , لأن القراءة ينبغي أن تكون لله تعالى, لا للتحسين بها , وينبغي أن تكون على تمَهُّلٍ امتثالا لقوله تعالى: لتقرأه على الناس على مكث ولقوله تعالى: ورتل القرآن ترتيلا
قال المصنف رحمه الله: وهناك أقواما من القراء يتسامحون بشيء من الخطايا كالغيبة للنظراء , وربما أتوا أكبر من ذلك الذنب , واعتقدوا أن حفظ القرآن يرفع عنهم العذاب , واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: لو جعل القرآن في إهاب ما احترق, وذلك من تلبيس إبليس عليهم لأن عذاب من يعلم , أشد من عذاب من لم يعلم, إذ زيادة العلم تقوى الحجة , وكون القارئ لم يحترم ما يحفظ , يكون قد ارتكب ذنبا آخراً, قال الله تعالى: أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى , وقال المولى عزوجل في أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ يأتِ منكنَّ بفاحشةٍ مُبينةٍ يُضاعفُ لها العذابَ ضِعفين
وعن أحمد بن أحمد المتوكلي مرفوعا الى بكر بن حبيش: إنَّ في جهنم لواديا تتعوّذ جهنم منه في اليوم سبع مرات, وإن في الوادي لجُباً يتعوذ الوادي وجهنم منه في اليوم سبع مرات, وإن في الجب لحية يتعوذ الجب والوادي وجهنم منها في اليوم سبع مرات , يبدأ بفسقة حملة القرآن فيقولون: أي رب! يُبدأ بنا قبل عبدة الأوثان؟ فقيل لهم: ليس من يعلم كمن لا يعلم
مداخل ابليس لأصحاب الحديث
(يُتْبَعُ)
(/)
من ذلك أن قوما أفنَوْا أعمارهم في سماع الحديث , وطلب الأسانيد العالية والمتون الغريبة وهؤلاء على قسمين:
القسم الأول: قصدوا حفظ الشرع بمعرفة صحيح الحديث من عدم صحته وهم مشكورون على هذا القصد, إلا أن إبليس يلبس عليهم بأن يشغلهم بهذا عما هو فرض عين من معرفة ما يجب عليهم والاجتهاد في أداء اللازم والتفقه في الحديث , فإن قال قائل فقد فعل هذا خلق كثير من السلف كيحيى بن معين وابن المديني والبخاري ومسلم فالجواب أن أولئك جمعوا بين معرفة المهم من أمور الدين والتفقه فيه , وبين ما طلبوا من الحديث, وأعانهم على ذلك قصر الإسناد وقلة الحديث فاتسع زمانهم للأمرين , فأما في هذا الزمان فإن طرق الحديث طالت والتصانيف فيه اتسعت وما في هذا الكتاب في تلك الكتب , وإنما الطرق تختلف , فقلَّ أنْ يُمكن أحدا أنْ يجمع بين الأمرين , فترى المُحدِّث يكتب ويسمع خمسين سنة ويجمع الكتب ولا يدري ما فيها, ولو وقعت له حادثة في صلاته لافتقر إلى بعض أحداث المتفقهة الذين يترددون إليه لسماع الحديث منه , وبهؤلاء تمكن الطاعنون على المحدثين فقالوا: زوامل أسفار لا يدرون ما معهم
فإن أفلح أحدهم ونظر في حديثه , فربما عمل بحديثٍ منسوخٍ, وربما فهم من الحديث ما يفهم العامي الجاهل وعمل بذلك وليس بالمراد من الحديث , كما روينا أن بعض المحدثين روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره , فقال جماعة ممّنْ حضروا: قد كنا إذْ فضل عنا ماء في بساتيننا سرّحناهُ إلى جيراننا ونحن نستغفر الله , فما فهم القارئ ولا السامع ولا شعروا أن المراد وطءَ الحبالى من السبايا.
مداخل ابليس على المفتين
قال الخطابي رحمه الله: وكان بعض مشايخنا يروي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحُلْق قبل صلاة الجمعة (بإسكان اللام) , قال وأخبرني: أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة قال فقلت له إنما هو الحلق جمع حلَقة , وإنما المقصود هو كراهة الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة, وأمر أن يشتغل بالصلاة وينصت للخطبة, فقال قد فرجت عليّ وكان من الصالحين , وقد كان ابن صاعد كبير القدر في المحدثين , لكنه لما قلت مخالطته للفقهاء كان لا يفهم جواب فتوى, حتى أنه أخبر يحيى بن محمد بن صاعد أنّ امرأةً جاءته فقالت: أيها الشيخ ما تقول في بئر سقطت فيه دجاجة فماتت, فهل الماء طاهرٌ أو نجسٌ؟ فقال يحيى ويحك! كيف سقطت الدجاجة إلى البئر؟ ر قالت: لم تكن البئر مغطاة , فقال يحيى: ألا غطيتها حتى لا يقع فيها شيء؟ قال الأبهري فقلت: يا هذه إن كان الماء تغير فهو نجس وإلا فهو طاهر
المقصود من الواقعة السابقة أنّ امرأة تسأل عن حكم فيجيبها المسئول باجابات ليس لها علاقة بالسؤال فأضاع على المرأة سؤالها, الأمر الذي اضطر الابهري لاجابة المرأة.
قال المصنف رحمه الله: وكان ابن شاهين قد صنف في الحديث مصنفات كثيرة أقلها جزء وأكثرها التفسير, وهو ألف جزء وما كان يعرف من الفقه شيئا , وقد كان فيهم من يُقدِمُ على الفتوى بالخطأ , لئلا يُرى بعين الجهل, فكان فيهم من يصير بما يفتي به ضحكة, فسئل بعضهم عن مسألة من الفرائض فكتب في الفتوى تقسم على فرائض الله سبحانه وتعالى
فعن محمد بن أبي منصور مرفوعا الى إبراهيم الحربي قال بلغني أن امرأة جاءت إلى علي بن داود وهو يحدث وبين يديه مقدار ألف نفس فقالت له: حلفت بصدقة إزاري فقال لها بكم اشتريته قالت باثنين وعشرين درهما قال اذهبي فصومي اثنين وعشرين يوما فلما مرت جعل يقول آه آه غلطنا والله أمرناها بكفارة الظهار.
قال المصنف رحمه الله: قلت فانظروا إلى هاتين الفضيحتين فضيحة الجهل وفضيحة الإقدام على الفتوى بمثل هذا التخليط , واعلم أن عموم المحدثين حملوا ظاهر ما تعلق من صفات الباري سبحانه على مقتضى الحس فشبهوا , لأنهم لم يخالطوا الفقهاء, فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى الحكم , وقد رأينا في زماننا من يجمع الكتب منهم , ويُكثر السماع ولا يفهم ما حصل.
ومنهم من لا يحفظ القرآن ولا يعرف أركان الصلاة فتشاغل هؤلاء على زعمهم بفروض الكفاية عن فروض الأعيان وإيثار ما ليس بمهم على المهم من تلبيس إبليس
(يُتْبَعُ)
(/)
القسم الثاني: قوم أكثروا سماع الحديث , ولم يكن مقصودهم صحيحا , ولا أرادوا معرفة الصحيح من غيره بجمع الطرق , وإنما كان مرادهم العوالي والغرائب فطافوا البلدان ليقول أحدهم لقيت فلانا ولي من الأسانيد ما ليس لغيري وعندي أحاديث ليست عند غيري
وقد كان أحد طلبة الحديث يدخل على الشيخ , فيأخذ الشيخ فيقعده في الرقة وهي البستان الذي على شاطئ دجلة فيقرأ عليه ويقول في مجموعاته: حدثني فلان وفلان بالزقة ويوهم الناس أنها البلدة التي بناحية الشام ليظنوا أنه قد تعب في الأسفار لطلب الحديث , وكان يقعد الشيخ بين نهر عيسى والفرات , ويقول: حدثني فلان من وراء النهر, يوهم أنه عبر خراسان في طلب الحديث, وكان يقول حدثني فلان في رحلتي الثانية والثالثة ليعلم الناس قدر تعبه في طلب الحديث فما بُوركَ له الى أن مات.
قال المصنف رحمه الله: وهذا كله من الإخلاص بمعزل, وإنما مقصودهم الرساة والمباهاة ولذلك يتبعون شاذ الحديث وغريبه وربما ظفر أحدهم بجزء فيه سماع أخيه المسلم فأخفاه ليتفرد هو بالرواية وقد يموت هو ولا يرويه فيفوت الشخصين وربما رحل أحدهم إلى شيخ أول اسمه قاف أو كاف ليكتب ذلك في مشيخته فحسب.
مداخل ابليس على بني آدم بالغيبة
أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري مرفوعا الى يوسف بن الحسين يقول: سألت حارثا المحاسبي عن الغيبة فقال: احذرها فإنها شر مكتسب , وما ظنك بشيء يسلبك حسناتك فيرضى به خصماءك؟ ومن تبغضه في الدنيا كيف ترضى به خصمك يوم القيامة يأخذ من حسناتك أو تأخذ من سيئاته؟ إذ ليس هناك درهم ولا دينار فاحذرها وتعرف منبعها فإن منبع غيبة الهمج والجهال من اشفاء الغيظ والحمية والحسد وسوء الظن وتلك مكشوفة غير خفية, وأما غيبة العلماء فمنبعها من خدعة النفس على إبداء النصيحة , وتأويل ما لا يصح من الخبر ولو صح ما كان عونا على الغيبة , وهو قوله: أترغبون عن ذكره؟ اذكروه بما فيه ليحذره الناس , ولو كان الخبر محفوظا صحيحا لم يكن فيه إبداء شناعة على أخيك المسلم من غير أن تسأل عنه, وإنما إذا جاءك مسترشد فقال: أريد أن أزوج كريمتي من فلان, فعرفت منه بدعة أو أنه غير مأمون على حرم المسلمين صرفته عنه بأحسن صرف, أو يجيئك رجل آخر فيقول لك أريد أن أودع مالي فلانا وليس ذلك الرجل موضعا للأمانة فتصرفه عنه بأحسن الوجوه, أو يقول لك يا رجل أريد أن أصلي خلف فلان أو أجعله إمامي في علم , فتصرفه عنه بأحسن الوجوه ولا تشف غيظك من غيبته.
وأما منبع الغيبة من القراء والنساك فمن طريق التعجب يبدي عوار الأخ ثم يتصنع بالدعاء في ظهر الغيب فيتمكن من لحم أخيه المسلم ثم يتزين بالدعاء له, وأما منبع الغيبة من الرؤساء والأساتذة فمن طريق إبداء الرحمة والشفقة حتى يقول مسكين فلان ابتلى بكذا وامتحن بكذا , نعوذ بالله من الخذلان فيتصنع بإبداء الرحمة والشفقة على أخيه ثم يتصنع بالدعاء له عند إخوانه ويقول: إنما أبديت لكم ذاك لتكثروا دعاءكم له ونعوذ بالله من الغيبة تعريضا أو تصريحا , فاتق الغيبة فقد نطق القرآن بكراهتها فقال تعالى: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه
ومن تلبيس إبليس على علماء المحدثين رواية الحديث الموضوع من غير أن يُبيّنوا أنه موضوع , وهذه جناية منهم على الشرع , ومقصودهم ترويج أحاديثهم وكثرة رواياتهم وقد قال صلى الله عليه وسلم: من روى عني حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين
والى اللقاء ان شاء الله مع الجزء السابع - مداخل ابليس على الفقهاء
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[06 - Jul-2009, صباحاً 04:27]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
الجزء السابع- مداخل ابليس على الفقهاء
قال المصنف رحمه الله: كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن والحديث, فما زال الأمر يتناقض حتى قال المتأخرون يكفينا أن نعرف آيات الأحكام من القرآن, وأن نعتمد على الكتب المشهورة في الحديث كسنن أبي داود ونحوها, ثم استهانوا بهذا الأمر أيضا وصار أحدهم يحتج بآية لا يعرف معناها وبحديث لا يدري أصحيح هو أم لا , وربما اعتمد على قياس يعارضه حديث صحيح ولا يعلم لقلة التفاته إلى معرفة النقل , وإنما الفقه استخراج من الكتاب والسنة , فكيف يستخرج من شيء لا يعرفه؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن القبيح تعليق حكم على حديث لا يدري أصحيح هو أم لا , ولقد كانت معرفة هذا تصعب ويحتاج الإنسان إلى السفر الطويل والتعب الكثير حتى تعرف ذلك , فصنفت الكتب وتقررت السنن , وعُرف الصحيح من السقيم , ولكن غلب على المتأخرين الكسل بالمرة عن أن يطالعوا علم الحديث , حتى أني رأيت بعض الأكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه عن ألفاظ في الصحاح لا يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا , ورأيته يحتج في مسألة فيقول دليلنا ما روى بعضهم أن رسول الله قال كذا , ويجعل الجواب عن حديث صحيح, قد احتج به خصمه أن يقول هذا الحديث لا يعرف, وهذا كله جناية على الإسلام.
ومن تلبيس إبليس على الفقهاء أن جل اعتمادهم على تحصيل علم الجدل يطلبون بزعمهم تصحيح الدليل على الحكم والاستنباط لدقائق الشرع , وعلل المذاهب ولو صحت هذه الدعوى منهم لتشاغلوا بجميع المسائل , وإنما يتشاغلون بالمسائل الكبار ليتسع فيها الكلام, فيتقدم المناظر بذلك عند الناس في خصام النظر فهم أحدهم بترتيب المجادلة والتفتيش على المناقضات طلبا للمفاخرات والمباهاة وربما لم يعرف الحكم في مسألة صغيرة تعم بها البلوى.
وترى الفقيه المفتي يُسألُ عن آية أو حديث, فلا يدري , وهذا عين فأين الأنفة من التقصير؟ ومن ذلك أن المجادلة إنما وضعت ليستبين الصواب , وقد كان مقصود السلف المناصحة بإظهار الحق , وقد كانوا ينتقلون من دليل إلى دليل , وإذا خُفيَ على أحدهم شيء نبَّههُ الآخر لأن المقصود كان إظهار الحق فصار هؤلاء إذا قاس الفقيه على أصل بعلّةٍ يظنها , فقيل له: ما الدليل على أن الحكم في الأصل مُعلّلٌ بهذه العلةِ؟ فقال: هذا الذي يظهر لي , فإن ظهر لكم ما هو أولى من ذلك فاذكروه , فإن المُعترض لا يُلزمني ذكر ذلك.
وقد صدق في أنه لا يلزمه, ولكن فيما ابتدع من الجدل بل في باب النصح وإظهار الحق يلزمه, ومن ذلك أن أحدهم يتبين له الصواب مع خصمه ولا يرجع, ويضيق صدره كيف ظهر الحق مع خصمه, وربما اجتهد في رده مع علمه أنه الحق, وهذا من أقبح القبيح, لأن المناظرة إنما وضعت لبيان الحق, وقد قال الشافعي رحمه الله:
ما ناظرت أحدا فأنكر الحجة إلا سقط من عيني ولا قبِلَها إلا هِبْتُه: وما ناظرت أحدا فباليتُ مع من كانت الحجة إن كانت معه صرت إليه , ومن ذلك أن طلبهم للرياسة بالمناظرة تثير الكامن في النفس من حب الرياسة.
فإذا رأى أحدهم في كلامه ضعفا يوجب قهر خصمه له خرج إلى المكابرة , فإن رأى خصمه قد استطال عليه بلفظٍ أخذته حِمية الكبر فقابل ذلك بالسبِّ فصارت المُجادلة مخاذلة , ومن ذلك ترخصهم في الغيبة بحجة الحكاية عن المناظرة فيقول أحدهم: تكلمت مع فلان فما قال شيئا ويتكلم بما يوجب التشفي من غرض خصمه بتلك الحجة.
ومن ذلك أن إبليس لبس عليهم بأن الفقه وحده علم الشرع ليس ثم غيره , فإن ذكر لهم مُحدث قالوا: ذاك لا يفهم شيئا , وينسون أنّ الحديث هو الأصل, فإن ذكر لهم كلام يلين به القلب قالوا: هذا كلام الوعاظ , ومن ذلك إقدامهم على الفتوى , وما بلغوا مرتبتها وربما أفتوا بواقعاتهم المخالفة للنصوص ولو توقفوا في المشكلات كان أولى.
روى عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمهما الله , قال: أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول , وعن عطاء بن السائب قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى أيضا يقول: أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم من يحدث حديثا إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ولا يسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا
قال المصنف رحمه الله: وقد روينا عن إبراهيم النخعي أن رجلا سأله عن مسألة فقال: ما وجدت من تسأله غيري؟ وعن مالك بن أنس رضي الله عنه قال ما أفتيت حتى سألت سبعين شيخا هل ترون لي أن أفتي؟ فقالوا: نعم , فقيل له: فلو نهَوْكَ؟ قال: لو نهوني انتهيت.
وقال رجل لأحمد بن حنبل رحمه الله: إني حلفت ولا أدري كيف حلفت , قال: ليتك إذ دريت كيف حلفت دريت أنا كيف أفتيك.
قال المصنف رحمه الله: وإنما كانت هذه سجية السلف لخشيتهم الله تعالى وخوفهم منه ومن نظر في سيرتهم تأدب.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن تلبيس إبليس على الفقهاء مخالطتهم الأمراء والسلاطين ومداهنتهم , وترك الإنكار عليهم مع القدرة على ذلك , وربما رخصوا لهم فيما لا رخصة لهم فيه , لينالوا من دنياهم عرضا فيقع بذلك الفساد لثلاثة أوجه:
الوجه الأول: الأمير يقول لولا أني على صواب لأنكر عليّ الفقيه , وكيف لا أكون مُصيباً, وهو يأكل من مالي؟
والوجه الثاني: العامي أنه يقول لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله , فإن فلانا الفقيه لا يبرح عنده.
والوجه الثالث: الفقيه فإنه يفسد دينه بذلك.
وقد لبس إبليس عليهم في الدخول على السلطان فيقول إنما ندخل لنشفع في مسلم , وينكشف هذا التلبيس بأنه لو دخل غيره يشفع لما أعجبه ذلك , وربما قدح في ذلك الشخص لتفرده بالسلطان.
ومن تلبيس إبليس عليه في أخذ أموالهم فيقول لك فيها حق, ومعلوم أنها إن كانت من حرام لم يحل له منها شيء, وإن كانت من شبهة فترْكُها أوْلى , وإن كانت من مُباحٍ: جاز له الأخذ بمقدار مكانه من الدين, لا على وجه اتفاقه في إقامة الرعونة , وربما اقتدى العوام بظاهر فعله واستباحوا ما لا يستباح.
وقد لبس إبليس على قوم من العلماء ينقطعون على السلطان إقبالا على التعبد والدين, فيُزينُ لهم غيبة من يدخل على السلطان من العلماء, فيجمع لهم آفتين: غيبة الناس ومدح النفس. وفي الجملة فالدخول على السلاطين خطر عظيم, لأن النية قد تحسُنُ في أول الدخول, ثم ما تلبثُ أن تتغير بإكرامهم وإنعامهم , أو بالطمع فيهم , ولا يتماسك عن مداهنتهم , وترك الإنكار عليهم
وقد كان سفيان الثوري حمه الله يقول: ما أخاف من إهانتهم لي , إنما أخاف من إكرامهم, فيميل قلبي إليهم , وقد كان علماء السلف يبعدون عن الأمراء لما يظهر من جورهم فتطلبهم الأمراء لحاجتهم إليهم في الفتاوى والولايات , فنشأ أقوام قويت رغبتهم في الدنيا فتعلموا العلوم التي تصلح للأمراء , وحملوها إليهم لينالوا من دنياهم , ويدلك على أنهم قصدوا بالعلوم أن الأمراء كانوا قديما يميلون إلى سماع الحجج في الأصول , فأظهر الناس علم الكلام, ثم مال بعض الأمراء إلى المناظرة في الفقه, فمال الناس إلى الجدل , ثم بعض الأمراء إلى المواعظ , فمال خلق كثير من المتعلمين إليها , ولما كان جمهور العوام يميلون إلى القصص كثر القُصّاصُ وقلَّ الفقهاء.
ومن تلبيس إبليس على الفقهاء: ما قاله المصنف رحمه الله: كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن والحديث, فما زال الأمر يتناقص حتى قال المتأخرين يكفينا أن نعرف آيات الأحكام من القرآن, وأن نعتمد على الكتب المشهورة في الحديث كسنن أبي داوود ونحوها , ثم استهانوا بهذا الأمر أيضا , وصار احدهم يتجُ بآيةٍ لا يعرف معناها, وبحديثٍ لا يدري اصحيحٌ هو أم لاو وربما اعتمد على قياسٍ يعارضه حديث صحيحٍ ولا يعلم لقلة التفاتة الى معرفة النقل, وانما الفقه استخراج من الكتاب والسنة , فكيف يستخرج من شيءٍ لا يعرفه؟
ومن القبيح تعليق حكم على حديثٍ لا يدري أصحيحٍ هو أم لا, ولقد كانت معرفة هذا تصعب ويحتاج الانسان الى سفر طويلٍ وتعبٍ كثيرٍ حتى تعرف ذلك, فصنفت الكتب, وتقررت السنن , وعرف الصحيح من السقيم, ولكن غلب على المتأخرين الكسل بالمرة عن أن يطالعوا علم الحديث, حتى اني رأيت بعض الاكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه عن ألفاظٍ في الصحاح: لا يجوز ان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا, ورأيته يحتجّ في مسألةٍ , فيقول: دليلنا ما روى بعضهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا و ويجعل الجواب عن حديث صحيح ثد احتجّ به خصمه أن يقول هذا الحديث لا يعرف , وهذا كله جناية على الاسلام.
ومن تلبيس ابليس على الفقهاء أن أكثر اعتمادهم على تحصيل علم الجدل, يطلبون بزعمهم تصحيح الدليل على الحكم, والاستنباط لقدائق الشرع, وعلل المذاهب, ولو صحّت هذه الدعوى منهم لتشاغلوا بجميع المسائل, وانما يتشاغلون بالمسائل الكبار ليتسع فيها الكلام, فيتقدّم المناظر بذلك عند الناس في خصام النظر , فهمّ احدهم بترتيب المجادلة والتفتيش على المناقضات طلباً للماخرات والمباهة, وربما لم يعرف الحكم في مسألةٍ صغيرةٍ تعمّ بها البلوى.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن تلبيس ابليس على الفقهاء: أن أحدهم يأكل من وَقْف المدرسة المبنية على المتشاغلين بالعلم , فيمكثُ فيها سنين ولا يتشاغل , ويقنع بما عرف, أو ينتهي في العلم فلا يبقى له في الوقف حظ, لأنه إنما جعل لمن يتعلم إلا أن يكون ذلك الشخص مُعيدا أو مدرسا , فإن شغله دائم ومن ذلك ما يحكى عن بعض الأحداث المتفقهة من الانبساط في المنهيات فبعضهم يلبس الحرير ويتحلى بالذهب , ويحال على المكث فيأخذه إلى غير ذلك من المعاصي.
وسبب انبساط هؤلاء مختلف: فمنهم من يكون فاسد العقيدة في أصل الدين وهو يتفقه ليستر نفسه أو ليأخذ من الوقف أو ليرأس أو ليناظر , ومنهم من عقيدته صحيحة لكن يغلبه الهوى وحب الشهوات, وليس عنده صارف عن ذلك لأن نفس الجدل والمناظرة تحرك الكبر والعجب, ومنهم من يلبس عليه إبليس بأنه عالم وفقيه ومفتٍ, والعلم يدفع عن أربابه, وهيهات فإن العلم أولى أن يحاجه ويضاعف عذابه كما ذكرنا في حق القراء, وقد قال الحسن البصري رحمه الله: إنما الفقيه من يخشى الله تعالى .. وقال ابن عقيل رحمه الله: رأيت فقيها خراسانيا عليه حرير وخواتم ذهب فقلت له ما هذا؟ فقال: خلع السطان وكمد الأعداء .. فقلت له: بل هو شماتة الأعداء بك إن كنت مسلما , لأن إبليس عدوك , وإذا بلغ منك مبلغك ان ألبسك ما يسخط الشرع , فقد أشمته بنفسك , وهل خلع السطان سائغة لنهي الرحمن يا مسكين؟ خلع عليك السطان فانخلعتَ به من الإيمان , وقد كان ينبغي أن يخلع بك السلطان لباس الفسق , ويُلبسك لباس التقوى , رماكم الله بخزيه حيث هوّنتم أمره هكذا, ليتك قلت هذه رعوناتِ الطبع, الآن تمت محنتك لأن عدوانك دليل على فساد باطنك.
ومن تلبيسه عليهم: أن يُحسن لهم ازدراء الوعاظ ويمنعهم من الحضور عندهم فيقولون من هؤلاء؟ قُصّاص؟ ومراد الشيطان أن لا يحضروا في موضع يلين فيه القلب ويخشع, والقُصاص لا يُذمّون من حيث هذا الاسم لأن الله تعالى قال: نحن نقص عليك أحسن القصص وقال تعالى: فاقصص القصص , وإنما ذم القصاص , لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد, ثم غالبهم يخلط فيما يورده , وربما اعتمد على ما أكثره محال , فأما إذا كان القصص صدقا ويوجب وعظاً فهو ممدوحٌ , وقد كان أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: ما أحوج الناس إلى قاصٍ صَدوقٍ
ومن تلبيسه على الوعاظ قال المصنف رحمه الله: كان الوعاظ في قديم الزمان علماء فقهاء وقد حضر مجلس عبيد بن عمير عبد الله بن عمر رضي الله عنه وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يحضر مجلس القاص ثم خسّت (أي قلّت) هذه الصناعة فتعرض لها الجهال , فبعد عن الحضور وعندهم المميزون من الناس , وتعلق بهم العوام والنساء , فلم يتشاغلوا بالعلم وأقبلوا على القصص , وما يعجب الجهلة وتنوعت البدع في هذا الفن.
وقد ذكرنا آفاتهم في كتاب القصاص والمذكرين إلا أننا نذكر هنا جملة فمن ذلك: أن قوما منهم كانوا يضعون أحاديث الترغيب والترهيب ولبس عليهم إبليس بأن قالوا: بأننا نقصد حثّ الناس على الخير وكفهم عن الشر, وهذا اافتراءً منهم على الشريعة , لأنها عندهم على هذا الفعل ناقصة , تحتاج إلى تتمة ثم نسوا قوله صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار , ومن ذلك أنهم تلمحوا ما يزعج النفوس ويطرب القلوب , فنوعوا فيه الكلام , فتراهم ينشدون الأشعار الرائقة الغزلية في العشق.
ولبس عليهم إبليس بأننا نقصد الإشارة إلى محبة الله تعالى , ومعلوم أن عامة من يحضرهم العوام الذين بواطنهم مشحونة بحب الهوى, فيضل القاص ويضل , ومن ذلك من يظهر من التواجد والتخاشع زيادة على ما في قلبه , وكثرة الجمع توجب زيادة تعمل فتسمح النفس بفضل بكاء وخشوع ف, من كان منهم كاذبا, فقد خسر الآخرة , ومن كان صادقا لم يسلم صِدقة من رياءٍ يُخالطه, ومنهم من يتحرك الحركات التي يُوقع بها على قراءة الألحان والألحان التي قد أخرجوها اليوم مشابهة للغناء , فهي إلى التحريم أقرب منها إلى الكراهة والقارئ يطرب والقاص ينشد الغزل مع تصفيق بيديه وإيقاع برجليه فتشبه السكر ويوجب ذلك تحريك الطباع وتهييج النفوس وصياح الرجال والنساء , وتمزيق الثياب لما في النفوس من دفائن الهوى , ثم يخرجون فيقولون: كان المجلس طيباً, ويُشيرون بالطيبة إلى ما لا يجوز, ومنهم مَن يجري في مثل تلك الحالة
(يُتْبَعُ)
(/)
التي شرحناها لكنه ينشد أشعار النوح على الموتى , ويصف ما يجري لهم من البلاء , ويذكر الغربة , ومن مات غريبا فيبكي بها النساء ويصير المكان كالمأتم , وإنما ينبغي أن يذكر الصبر على فقد الأحباب لا ما يوجب الجزع, ومنهم من يتكلم في دقائق الزهد ومحبة الحق سبحانه, فليس عليه إبليس: إنك من جملة الموصوفين بذلك لأنك لم تقدر على الوصف حتى عرفت ما تصف , وسلكت الطريق. وكشف هذا التلبيس أن الوصف علم , والسلوك غيّرَ العلم.
ومنهم من يتكلم بالطامات والشطح الخارج عن الشرع ويستشهد بأشعار العشق , وغرضه أن يكثر في مجلسه الصياح ولو على كلام فاسد , وكم منهم من يُزوّقُ عبارةً لا معنىً تحتها, وأكثر كلامهم اليوم في موسى والجبل وزليخا ويوسف عليهما الصلاة والسلام , ولا يكادون يذكرون الفرائض , ولا ينهون عن ذنب , فمتى يرجع صاحب الزنا , ومستعمل الربا , وتعرف المرأة حق زوجها , وتحفظ صلاتها؟ هيهات هيهات! هؤلاء تركوا الشرع وراء ظهورهم ولهذا نفقت سلعهم لأنّ الحق ثقيل , والباطل خفيف.
ومنهم من يحثُّ على الزهد وقيام الليل ولا يُبينُ للعامةِ المقصودّ من قيام الليل, فربما تاب الرجل منهم وانقطع إلى زاوية, أو خرج إلى جبل , فبقيت عائلته لا شيء لهم.
ومنهم من يتكلم في الرجاء والطمع من غير أن يمزج ذلك بما يُوجب الخوف والحذر, فيزيد الناس جُرأة على المعاصي , ثم يقوي ما ذكر بميله إلى الدنيا من المراكب الفاهرة , والملابس الفاخرة فيُفسد القلوب بقوله وفعله.
وقد يكون الوعظ صادقا قاصدا للنصيحة , إلا أن منهم من شرب الرئاسة في قلبه مع الزمان, فيجب أن يعظم وعلامته: أنه إذا ظهر واعظ ينوب عنه أو يعينه على الخلق كره ذلك, ولو صحَّ قصده لم يكره أن يعينه على خلائق الخلق.
ومن تلبيس ابليس على القُصَّاصِ: أنهم يخلطون في مجالسهم مجلسة الرجال والنساء , وترى النساء يُكثرن الصياح وجداً على زعمهنّ , فلا يُنكر ذلك عليهنّ, جمعاً للقلوب عليه ولقد ظهر في زماننا هذا من القُصّاص ما لا يدخل في التلبيس, لأنه أمر صريح من كونهم جعلوا القصص معاشا يستمحنون به الأمراء والظلمة , والأخذ من أصحاب المكوس والتكسب في البلدان , وفيهم من يّحضر المقابر , فيذكر البلى لفراق الأحبة , فيبكي النسوة ولا يحثهنّ على الصبر.
وقد يلبس إبليس على الواعظ المحقق فيقول له: مثلك لا يُعظُ وإنما يَعظُ متيقظ , فيحمله على السكوت والانقطاع , ولقد كثر هذا الأمر في زماننا, اذ نرى كثيراً من الوعاظ وأئمة المساجد يرون الباطل والمنكر أمامهم ولا يأمرون بمعروف خوفا من تباعد الناس عنهم فيقولوا: هاذا الامام لا يسكت لنا لا عن صغيرةٍ ولا كبيرةٍ, فتتراكم الأخطاء لدرجة يصعب معها تقويمها من جديد واعادتها الى نصابها, فتتوه الأمة في دياجير الظلام , والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: انّ أعظم الجهاد كلمة حقِّ عند سلطان جائرٍ, فما بال الوعاظ وأئمة المساجد لا يذكرون الناس بأخطاءهم ويرشدونهم الى جادة الصواب؟ أيخشون على أنفسهم من انقطاع معيشتهم عليهم والله تعلى الرزاق الكريم؟
اذا كان الأمر فهو من دسائس إبليس لأنه يمنع فعل الخير ويقول إنك تلتذ بما تورده وتجد بذلك سد باب الخير.
ومن تلبُّسِ ابليس على اهل اللغة والأدب قال المصنف رحمه الله: قد لبس على جمهورهم فشغلهم بعلوم النحو واللغة من المهمات اللازمة التي هي فرض عين , عن معرفة ما يلزمهم عرفانه من العبادات , وما هو أولى بهم من آداب النفوس وصلاح القلوب, وبما هو أفضل من علوم التفسير والحديث والفقه , فأذهبوا الزمان كله في علوم لا تُراد لنفسها بل لغيرها, فإن الإنسان إذا فهم الكلمة فينبغي أن يترقى إلى العمل بها, إذ هي مراده لغيرها, فترى الإنسان منهم لا يكاد يعرف من آداب الشريعة إلا القليل , ولا من الفقه , ولا يلتفت إلى تزكية نفسه وصلاح قلبه, ومع هذا ففيهم كِبَرٍ عظيمٍ , وقد خيّلَ لهم ابليس انهم علماء الاسلام, على اعتبار
(يُتْبَعُ)
(/)
أنّ النحو واللغة من علوم الإسلام , وبها يُعرف معنى القرآن العزيز , ولعمري أنّ هذا لا يُنكر, ولكن معرفة ما يلزم من النحو لإصلاح اللسان , وما يحتاج إليه من اللغة في تفسير القرآن والحديث أمر قريب , وهو أمر لازم, وما عدا ذلك فضلٌ لا يُحتاج إليه , وإنفاقُ الزمان في تحصيل هذا الفاضل وليس بمهم , فترك المهم غلط كبير, وإيثاره على ما هو أنفع وأعلى رتبة كالفقه والحديث غُبنٌ , ولو اتسع العمر لمعرفة الكل, كان حسنا, ولكن العمر قصير فينبغي إيثار الأهم والأفضل.
ولما كان عموم اشتغالهم بأشعار الجاهلية ولم يجد الطبع صادا عما وضع عليه من مطالعة الأحاديث ومعرفة سير السلف الصالح , سالت بهم الطباع إلى هوة الهوى , فانبثت شرع البطالة يعبث, فقلَّ أن ترى منهم متشاغلا بالتقوى , أو ناظرا في مطعم , فإن النحو يغلب طلبه على السلاطين فيأكل النحاة من أموالهم الحرام , وقد يظنون جواز الشيء وهو غير جائز , لقلة فقههم كما جرى للزجاج أبي إسحاق إبراهيم بن السري قال: كنت أؤدب القاسم بن عبد الله فأقول له إن بلغت إلى مبلغ أبيك ووليت الوزارة ماذا تصنع بي: فيقول: ما أحببت فأقول له: أن تعطيني عشرين ألف دينار, وكانت غاية أمنيتي فما مضت إلا سنون حتى ولي القاسم الوزارة وأنا على ملازمتي له وقد صرت نديمة فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد ثم هبته, فلما كان في اليوم الثالث من وزارته قال لي: يا أبا إسحاق لم أرك أذكرتني بالنذر؟ فقلت عولت على رعاية الوزير أيده الله , وأنه لا يحتاج إلى إذكار لنذرعليه في أمر خادم واجب الحق , فقال لي: إنه المعتضد , ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد , ولكن أخاف أن يصير لي معه حديث , فاسمح بأخذه متفرقا فقلت افعل فقال: اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار واستعجل عليها ولا تمتنع من مسائلتي شيئا تخاطب فيه صحيحا كان أو محالا إلى أن يحصل لك مال النذر, ففعلت ذلك وكنت أعرض عليه كل يوم رقاعا فيوقع فيها , وربما قال لي: كم ضمن لك على هذا؟ فأقول كذا وكذا .. فيقول: غبنت , هذا يساوي كذا وكذا , فاستزد فاراجع القوم ولا أزال أُماكسهم ويُزيدونني حتى أبلغ الحد الذي رسمه قال: فعرضت عليه شيئا عظيما فحصل عندي عشرون ألف دينار وأكثر منها في مدة مديدة, فقال لي: بعد شهور يا أبا إسحاق! أحصل مال النذر؟ فقلت: لا , فسكت, وكنت أعرض ثم يسألني في كل شهر أو نحوه هل حصل المال؟ فأقول لا , خوفا من انقطاع الكَسْبِ, إلى أن حصل عندي ضعف المال , وسألني يوما فاستحييت من الكذب المتواصل, فقلت: قد حصل ذلك بسعادة الوزير فقال: فرّجت والله عني , فقد كنت مشغول
القلب إلى أن يحصل لك, قال: ثم أخذ الدواة ووقع لي إلى خازنة بثلاثة آلاف دينار صلة. فأخذتها وامتنعت أن أعرض عليه شيئا , ولم أدر كيف أقع منه, فلما كان الغد جئته وجلست على رسمي فأومأ إليَّ أن هات ما معك , ليستدعي مني الرقاع على الرسم, فقلت: ما أخذت من أحد رقعة , لأن النذر قد وقع الوفاء به , ولم أدر كيف أقع من الوزير, فقال: يا سبحان الله! أتراني كنت أقطع عنك شيئا قد صار لك عادة وعلم به الناس وصارت لك به منزلة عندهم وجاه وغدو ورواح إلى بابك ولا يعلم سبب انقطاعه فيظن ذلك لضعف جاهك عندي أو تغير رتبتك أعرض علي رسمك؟ وخذ بلا حساب, فقبَّلتُ يده وباكرتُه من غد بالرقاع , وكنت أعرض عليه كل يوم شيئا إلى أن مات وقد تأثلْتُ مالي هذا.
قال المصنف رحمه الله: انظروا ما يصنع قلة الفقه, فإن هذا الرجل الكبير القدر في معرفته النحو واللغة لو علم أن هذا الذي جرى له لم يُجز شرعاً, ما حكاه وتبجَّح به , فإن إيصال الظلامات واجب ولا يجوز أخذ البرطيل عليها , ولا على شيءٍ مما نصب الوزير له من أمور الدولة , وبهذا تبين مرتبة الفقه على غيره.
ومن تلُبِّسِ ابليس على الشعراء قال المصنف رحمه الله: وقد لبس عليهم فأراهم أنهم من أهل الأدب , وأنهم قد خصوا بفطنة تميزوا بها عن غيرهم, ومن خصكم بهذه الفطنة , ربما عفا عن زللكم , فتراهم يهيمون في كل واد من الكذب والقذف والهجاء وهتك الأعراض والإقرار بالفواحش, وأقل أحوالهم أن الشاعر يمدح الإنسان فيخاف أن يُهيجوه , فيعطيه اتقاه شره أو يمدحه بين جماعة فيعطيه حياءً من الحاضرين, وجميع ذلك من جنس المصادرة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وترى خلقا من الشعراء وأهل الأدب لا يتحاشون من لبس الحرير والكذب في المدح خارجين عن الحد , ويحكون اجتماعهم على الفسق وشرب الخمر وغير ذلك , ويقول أحدهم: اجتمعت أنا وجماعة من الأدباء ففعلنا كذا وكذا - هيهات هيهات! ليس الأدب الا بالتزام التقوى, ولا تحسن العبارة عند الله عزوجل اذا لم نتقْهِ, وجمهور الأدباء والشعراء إذا ضاق بهم رزق تسَخَطوا فكفروا وأخذوا في لوم الأقدار.
وقد نسي هؤلاء أن معاصيهم تضيق أرزاقهم , فقد رأوا أنفسهم مستحقين للنعم , مستوجبين للسلامة من البلاء ولم يتنبهوا الى ما يوجب الشرع عليهم من امتثال أوامره, وقد ضلت فطنتهم في هذه الغفلة.
ومن تلبيس إبليس على الكاملين من العلماء قال المصنف رحمه الله: إن أقواما علت هممهم فحصلوا علوم الشرع من القرآن والحديث والفقه والأدب وغير ذلك , فأتاهم إبليس يُخفي التلبيس, فأراهم أنفسهم بعين عظيمة لما نالوا وأفادوا غيرهم , فمنهم من يستفزه لطول عناءه في الطلب فحسَّن له اللذات وقال له: إلى متى هذا التعب؟ فأرح جوارحك من كلف التكاليف, وافسح لنفسك في مشتهاها, فإن وقعْت في زلةٍ, فالعلم يدفعُ عنك العقوبة, وأورد عليه فضل العلماء , فإن خُذلَ هذا العبد وقبل هذا التلبيس فقد هلك , وإن وُفِّق فينبغي له أن يقول: جوابك من ثلاثة أوجه:
أحدها: إنه إنما فُضِّلَ العلماء بالعمل , ولولا العمل به , ما كان له معنىً , وإذا لم أعمل به كنتُ كمَن لم يفهم المقصودُ به , ويصيرُ مَثلي: كمثلِ رجلٍ جمعَ الطعام , وأطعم الجياعَ , ولم يأكل , فلم ينفعه ذلك من جوعه شيئاً.
والثاني: أن يعارضه بما ورد في ذم من لم يعمل بالعلم لقوله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس عذابا يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه الله بعلمه , وحكايته صلى الله عليه وسلم عن رجل يُلقى في النار , فتندلق أقتابه , فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه.
وقول أبي الدرداء رضي الله عنه: ويلٌ لمن يعلم مرة , وويلٌ لمن علمَ ولم يعملُ سبع مرات
والثالث: أن يذكر له عقاب من هلك من العلماء التاركين للعمل بالعلم , كإبليس وبلعام , ويكفي في ذم العالم , إذا لم يعمل قوله تعالى: كمثل الحمار يحمل أسفارا
وقد لبس إبليس على أقوام من المحكمين في العلم والعمل من جهة أخرى فحسّن لهم الكِبَرِ بالعلم , والحسد للنظير, والرياء لطلب الرياسة, فتارة يُريهم أنَّ هذا كالحق الواجب لهم, وتارة يُقوي حب ذلك عندهم فلا يتركونه معه علمهم بأنه خطأ , وعلاج هذا لمن وفق إدمان النظر في إثم الكبر والحسد والرياء , وإعلام النفس أن العلم لا يدفع شر هذه المكتسبات بل يضاعف عذابها لتضاعف الحجة بها , ومن نظر في سير السلف من العلماء العاملين استقرت نفسه فلم يتكبر , ومن عرف الله لم يُرائي , ومن لاحظ جريان أقداره على مقتضى إرادته لم يُحسد.
وقد يدخل إبليس على هؤلاء بشُبهةٍ ظريفةٍ فيقول: طلبكم للرفعة ليس بتكبر لأنكم نواب الشرع , فإنكم تطلبون إعزاز الدين ودحض أهل البدع , وإطلاقكم اللسان في الحُسّاد غضب للشرع , إذ الحساد قد ذموا من قام به. وما تظنونه رياءً فليس برياءٍ, لأنّ من تخاشع منكم وتباكى , اقتدى به الناس كما يقتدون بالطبيب إذا اجتمى أكثر, من اقتدائهم بقوله إذا وصف
وكشْفُ هذا التلبيس: أنه لو تكبَّر متكبرٌ على غيره من جنسه وصعد في المجلس فوقه, أو قل حاسد عنه شيئا لم يغضب هذا العالم لذلك كغضبه لنفسه , وإن كان المذكور من نواب الشرع فعلم أنه إنما لم يغضب لنفسه بل للعلم, وأما الرياء فلا عذر فيه لأحد ولا يصلح أن يجعل طريقا لدعاية الناس , وقد كان أيوب السختياني رحمه الله إذا حدّث بحديثٍ فرَّق ومسح وجهه وقال: ما أشد الزكام , وبعد هذا فالأعمال بالنيات , والناقد بصير , وكم مِن ساكتٍ عن غيبة المسلمين إذا اغتيبوا عنده فرح قلبه وهو آثم بذلك من ثلاثة أوجه: أحدها الفرح فإنه حصل بوجود هذه المعصية من المغتاب , والثاني لسروره بثلب المسلمين والثالث أنه لا يُنكر.
وقد لبس إبليس على الكاملين في العلوم فيسهرون ليلهم ويدأبون نهارهم في تصانيف العلوم ويُريهم إبليس أن المقصود نشر الدين , ويكون مقصودهم الباطن انتشار الذكر , وعلو الصيت والرياسة.
وينكشف هذا التلبيس بأنه لو انتفع بمصنفاته الناس من غير تردد إلى أو قرئت على نظيره في العلم فرح بذلك إن كان مراده نشر العلم, وقد قال بعض السلف: ما من علم علمته إلا أحببت أن يستفيده الناس من غير أن يُنسب إليَّ , ومنهم من يفرح بكثرة الاتباع , ويلبس عليه إبليس بأن هذا الفرح لكثرة طلاب العلم , وإنما مراده كثرة الأصحاب واستطارة الذكر ومن ذلك العجب بكلماتهم وعلمهم , وينكشف هذا التلبيس بأنه لو انقطع بعضهم إلى غيره ممن هو أعلم منه , ثقل ذلك عليه , وما هذه صفة المخلص في التعليم , لأن مثل المخلص مثل الأطباء الذين يداوون المرضى لله سبحانه وتعالى , فإذا شفي بعض المرضى على يد طبيب منهم فرح الآخر , وقد ذكرنا آنفا حديث ابن أبي ليلى رحمه الله, ونعيده بإسناد آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله, قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار , ما منهم رجل يسأل عن شيء إلا وّدَّ أنّ أخاه كفاه, ولا يُحدّثُ بحديثٍ إلا وَدَّ أن أخاهُ كفاه.
ولنا لقاء قريب ان شاء الله مع الجزء الثامن- مداخل ابليس على السلاطين
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[06 - Jul-2009, صباحاً 06:11]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
الجزء الثامن: مداخل ابليس على الولاة والسلاطين
قال المصنف رحمه الله: أنّ ابليس قد تلبس على الولادة والسلاطين من وجوه كثيرة منها:
الوجه الأول: أنّ الشيطان يُريهم أنّ الله عزوجل يُحبهم, وأنه لولا أنه يحبهم ما ولاّهم سلطانه, ولا جعلهم نواباً عنه في عباده, وسرعان ما ينكشف هذا الأمر من خلال عدم حكمهم بشريعة الله عزوجل, فلو كانوا نوابا حقيقيين كما يزعمُ الشيطان ويزعمون لأقاموا شريعة اللف في الأرض, ولأقاموا العدل, ولحكموا بما أنزل الله, ولايتبعوا أوامر الله عزوجل ولانتهوا عن نواهي سبحانه وتعالى, ولن يكونوا خلفاء الله عزوجل في الأرض الا اذا فعلوا ذلك عن ايمان واحتساب الأجر على الله تعالى, حينئذ يُحبهم الله عزوجل ويرضي عنهم , كما أحبّ ورضي عمّن سبقهم من الخلفاء الراشدون.
فأما صورة الملك والسلطنة فانه عزوجل قد أعطاها خلقاً مّمن يُبغضهم, وقد بسط الله تعالى الدنيا لكثير ممّن لا يُنظر اليهم, وسلّط جماعةً من أولئك على الأولياء والصالحين, فقتلوهم وقهروهم, فكان ما أعطاهم عليهم لا لهم, وهذا معنى قوله تعالى في سورة آل عمران 178:
انما نُملي لهمْ ليزدادوا اثماً
وقد نسي هؤلاء أن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، وأنّ هذا استدراج وإمهال من الله عزوجل , حتى إذا أخذهم لم يفلتهم.
والوجه الثاني: أنّ الشيطان يقول لأولياء الأمور والسلاطين بأنّ الولاية تفتقر الى هيبةٍ, وهذا سبب تكبرهم عن طلب العلم ومجالسة العلماء بآراءهم, وبهذا يتلفون الدين, والمعلوم أنّ الطبع يسرق من خصال المخالطين, فاذا خالطوا مُؤثري الدنيا الجهال بالشرع, سرق الطبع من خصالهم مع ما عنده منها, ولا يرى ما يقاومها ولا يزجره ويمنعه وينهاه منها, وذلك سبب الهلاك.
الوجه الثالث: أنّ الشيطان يخوفهم من أعداءهم, ويأمرهم بتشديد الحجاب, فلا يصل اليهم أهل المظالم.
وفي الحديث الذي رواه أبو مريم الأسدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ولاّهُ الله شيئاً من أمر المسلمين, فاحتجبَ دونَ حاجتهم وخلتهم وفقرهم, احتجب الله عزوجل دون جاجته وخلته وفقره.
الوجه الرابع: أنّ الشيطان يستعمل من لا يصلُحُ ممّن لا علم عنده ولا تقوى, فيجتلبُ الدعاء عليهم بظلمة الناس, ويُطعمهم الحرام بالبيوع الفاسدة, ويَحدُّ من لا يجبُ عليه الحد, ظانين أنهم بذلك العمل يخلصون لله عزوجل.
الوجه الخامس: أنّ الشيطان يُحسِّنُ لهم العمل برأيهم, فيقطعون ما أمر الله به أن يُوصل ويفسدون في الأرض, فيقتلون ما لايحلّ قتله, ويوهمهم ابليس أنّ هذه سياسة, وتحت هذا المعنى يوهمهم بأنّ الشريعة ناقصة وتحتاج الى اتمام, وهم بآراءهم يتمونها.
وهذا الوجه من أقبح التلبُّسِ , ذلك أنّ الشريعة سياسة الهية, ومن المحال أن يقع خلل في سياسة الاله, أو أنّ سياسة الاله تحتاج معه الى سياسة الخلق, وهذا المعنى في قوله تعالى في سورة الانعام 38: ما فرّطنا في الكتاب مِنْ شيءٍ.
وسورة الرعد 41: ولا معقّبَ لحكمه
فمُدّعي السياسة مدّعي الخلل في الشريعة, وهذا يزاحمُ الكفر, وقد رُويَ عن عضد الدولة أنه كان يميل الى جاريةٍ عنده في القصر, لدرجة أنه شغف بحبها فشغلت قلبه , فأمر بقتلها كي لا تشغل قلبه عن تدبير الملك, وهذا هو الجنون بعينه, لأنّ قتل مسلم بلا ذنب كأنما قتل الناس جميعاً, واعتقاده هذا ان أباحه لنفسه فقد كفر, وان لم يعتقده ولكن رأى فيه مصلحة , فلا مصلحة فيما تخالف الشرع.
الوجه السادس: أنّ ابليس يُحسّنُ لهم التصرّف بأموال السلطة, ظانّينَ أنّ مال السلطة انما مالهم, ولا يعلمون لو أنذ المفرط بماله وجب عليه الحجر في مال نفسه, فكيف بنا أمام من يُفرّطث بأموال مستأمن عليها أو مستأجر بحفظ مال غيره؟
وقد روى حماد أنه أنشد الوليد بن يزيد أبياتاً فأعطاه خمسين ألفاً وجاريتين, ولعلّ المدح من أقسى الطعن في الشخص الممدوح لأنه تبذير في بيت مال المسلمين.
الوجه السابع: أنّ ابليس يُحسّنُ لهم الاسراف في المعاصي, ويوهمهم ابليس أنّ حفظهم لأمن البلاد يمنع عنهم العقاب.
الوجه الثامن: أنّ ابليس يُحسّنُ لهم سرقة أموال الدولة وخيانة الأمانة في مال الله , وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنّ غلاماً كتب اليه أنّ قوماً خانوا في مال الله ولا أقدر على استخلاص ما في أيديهم الا أنّ لهم عذاب, فكتب اليه رحمه الله: لأن يلقوْا الله بخيانتهم أحبّ اليّ من ألقاه بدماءهم.
الوجه التاسع: أنّ ابليس يُحسّنُ لهم مع الاصرار على المعاصي زيارة الصالحين, وسؤالهم الدعاء , ويُريهم انّ هذا يُخففُ عنهم الاثم.
الوجه العاشر: أنّ من الولاة مَن يعمل لمن فوقه, فيأمره بالظلم فيظلم, ويلبس عليهم ابليس بانّ الاثم على الأمراء لا عليهم, وهذا حتماً ليس صحيحاًو ذلك لنّ المعين على الظلم ظالم مثله, وكل معين على معصية عاصٍ مثل الفاعل لا ينقص من وزره شيئاً, فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلعن شارب الخمر وحده, بل لعن في الخمرة عشرة, وفي الربا خمسة آكله وموكله وكاتبه وشاهديه.
وقد قال مالك بن دينار رحمه الله مرفوعا الى الامام علي رضي الله عنه:
كفى بالمرء خيانةً أن يكون أميناً للخونة.
والى أن نلتقي بمشيئة الله مع الجزء التاسع- مداخل ابليس على العباد
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[06 - Jul-2009, صباحاً 06:18]ـ
الجزء التاسع- مداخل ابليس على العباد في العبادات
فلنعلم أنّ الباب الأعظم الذي يدخل منه ابليس على ابن آدم هو الجهل, انه يدخل على الجاهل من هذا الباب بأمان, وأما العالم فلا يدخل عليه الا مسارقةً, وهناك فرقا شاسعا ما بين العالم والمتعبد, فليس ضروريا أن يكون المتعبد عالما, بل من البديهة أن يكون العالم متعبداً, فالعالم لا يمكن أن يكون جاهلا, بينما المتعبد قد يكون جاهلا وقد يكون علمه قليلا, لذا نجد أنّ ابليس قد يتلبس على كثير من المتعبدين بقلة علمهم , وقد قال الربيع بن حيثم رحمه الله: تفقه ثمّ اعتزل.
انّ اول مدخل لابليس على العباد هو حثهم على العلم, والعلم أفضل من النوافل, فيُريهم انّ المقصود من العلم العمل, وما فهموا من العمل الا عمل الجوارح, وجهلوا أن العمل انما هوعمل القلب, وعمل القلب أفضل من عمل الجوارح.
وقال أهل العلم في فضل تعلم العلم: انّ فضل العلم خير من فضل العبادة, وقال آخر: بابٌ من العلم خيرٌ تتعلمه افضل من سبعين غزاة, وقال أحدهم: كتابة حديثٍ واحدٍ أحبُّ اليَّ من قيام ليلة.
وقال المصنف رحمه الله: فلما مرّ عليهم هذا التلبيس, وآثروا التعبد بالجوارح على العلم, تمكن ابليس من التلبس عليهم في فنون التعبد.
مدخل ابليس في الطهارة والوضوء
من ذلك االوسوسة أنّ ابليس يأمرهم بطول المكث في الخلاء, ولم يعلموا أنّ هذا يؤذي الكبد, ولو علموا أنّ خير الأمور الوسط, لربما كان حالهم أفضل.
ومنهم من يُوسوِسُ عليهم في النية, ولو علموا أنّ النية في القلب وليست تلفظا لربما كان حالهم أفضل
ومنهم من يُوسوَسُ لهم بالتشكك في الماء المُتوضأ منه وبه ان كان طاهراً أم لا, وفتوى الشرع يكفيه بأن أصل الماء الطهارة, فلا يترك الأصل بالاحتمال.
ومنهم من يُوَسوَسُ لهم باطالة الوضوء زيادة عن الثلاث مرات, وهذا أمر مكروه, وربما أطال الوضوء ففاته بالاطالة صلاة الجماعة, او على الأقل فاتته تكبيرة الاحرام , وما لتكبيرة الاحرام من الفضيلة.
وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنذ النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو يتوضأُ, فقال: ماهذا السرف يا سعد؟ فقال رضي الله عنه: أفي الوضوء سرف يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم , وان كنت على نهر جارٍ.
وعن أُبي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: للوضوء شيطان يُقالُ لهُ الولهان فاتقوه, أو قال: فاحذروه ..
كل هذه الوساوس يوسوس لك بها ابليس ويوهمك بأنك في عبادة, ولو تدبّر الأمر لعلم أنه في مخالفة وتفريط, , وقد ينظر في هذه الوساوس ويوليها اهتماماته, على حين قد لا يبالي بمطعمه وملبسه ومشربه ان كان من حلال أم من حرام, أولا يحفظ لسانه من الغيبة.
مدخل ابليس في الآذان
ومن ذلك التلحين في الاذان, وقد كرهه مالك بن أنس رحمه الله وغيره من العلماء كراهية شديدة لأنه يخرجه عن موضع التعظيم الى مشابهة الغناء, ومن أنهم يخلطون آذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ, ويجعلون الآذان وسطاً فيختلط.
وقد كره العلماء رحمهم الله كل ما يُضاف الى الآذان, وقد رأينا من يقوم بالليل كثيراً على المنارة فيعظ ويذكر, ومنهم من يقرأ سوراً من القرآن بصوتٍ مرتفعٍ فيمنعُ الناس من نومهم, ويخلط على المتهدجين قراءاتهم, وكلّ ذلك من المنكرات.
مدخل ابليس على المصلين
من تلبيس ابليس على المصلين أنه يجعله يتلفظ بالنية, ومنهم من يعيد التلفظ بالنية مرارا ظناً منه أنه لم ينو, ولو علم هؤلاء أنّ النية في القلب لوفروا على أنفسهم جهداً.
ونقول للموسوسين طالما تريدون احضار النيةو فالنية حاضرة, لأنكم قمتم لتؤدوا الفريضة, وهذه النية محلها القلب لا اللسان, وان كنتم تريدون تصجيح اللفظ فاللفظ ليس بواجب.
وقد يوسوس لك ابليس وأنت في الصلاة أنك تصلي بلا وضوء.
وقال المصنف رحمه الله: واعلم أنّ الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل في العقل أي ضياعه, وجهل بالتسرع, فالوسواس جها محض.
ترك السنن
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد لبس ابليس على قومٍ حتى تركوا كثيراً من السنن , ومنهم من يجهرون بالصلاة في النهار , وهذاأمر منهي عنه لحديث بريدة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جهر بالقراءة في النهار فارجموه بالبعر.
وقد تلبس ابليس على بعض المتعبدين بقيام الليل , يقضون ليلهم كله بالصلاة حتى اذا وقع في النوم قبيل الفجر بقليل فاتته صلاة الفجر فيكون قد أذهب فريضة بنافلة, او يقوم لها فيتهيأ لها فتفوته صلاة الجماعة, أو يصبح كسلانا نعساناً فلا يستطيع التكسبل لعائلته.
وقد روي البخاري ومسلم رحمهما الله في الصحيحين من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اذا نعس أحدكم قليرقد حتى يذهب عنه النوم, فاذا صلى وهو ينعس, لعله يذهب ليبستغفر, فيذهب فيسبَّ نفسه.
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قام ليلة لم ينم فيها, وعلينا تتبع سنته صلى الله عليه وسلم بألا نصل الليل بالنهار لقيام الليل حفاظا على صلاة الفجر في جماعة.
و من السنن المهجورة صلاة النوافل في البيوت والفروض في المساجد , ففي الصحيحين من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: انّ أفضل صلاة المرء في بيته الا الصلاة المكتوبة.
وكان عامر بن عبد قيس رضي الله عنه يكره أن يرَوْهُ يُصلي, وكان لا يتنفل في المسجد, وكان يصلي كل يوم ألف ركعة , وكان ابن أبي ليلى اذا صلى ودخل عليه أحد اضطجع حتى يسلم من الرياء.
وقد لبس ابليس على قوم بكثرة تلاوة القرآن يهزون هزا من غير ترتيل ولا تثبت, وهذه حالة ليست بمحمودة.
مدخل ابليس في الصوم
ومن تلبس ابليس على بعض المتعبدين أنه يواصلون الصوم فلا يفطرون الا في الأيام المحرم صومها, وان أفطروا كتموا افطارهم لئلا ينكسر جاههم, وهذا من خفي الرياء, ولو أرادزا الاخلاص وستر الحال لك بين يدي من قد علم أن يصوم, وهذه الطريقة في الصيام ليست من السنة في شيء, لقوله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصيام صيام داوود عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً.
وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: انّ العبد ليعمل العمل في السر فلا يزال به الشيطان حتى يتحدث به, فينتقل من ديوان السر الى ديوان العلانية, وفيهم من عادته صوم الاثنين والخميس, فاذا دُعيَ الى طعامٍ قال: اليوم الخميس, ولو قال أنا صائم لكان أفضل له, وانما قوله اليوم الخميس معناه أنه يصوم كل خميس.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أحدث عنك أنك تقوم الليل, وأنت الذي تقول لأقومنّ الليل ولأصومنّ النهار؟ قال: نعم يا رسول الله قد قلت ذلك, فقال: قُمْ ونَمْ وصُمْ وأفطر, وصُمْ من كل شهر ثلاثة أيام ولك مثل صيام الدهر, قلت يا رسول الله: اني أطيق أكثر منذلك .. قال: فصم يوماً وأفطر يومين .. قلت: اني أطيق أكثر من ذلك .. قال: فصمْ يوماً وأفطر يوماً وهو أعدل الصوم, وهو صوم دلوود عليه السلام .. فقلت: اني أطيق أكثر من ذلك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أفضلً من ذلك.
انّ من لم يستنّ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم يكون من المتجاوزين المفرطين في حق أنفسهم وتحميلها ما تطيق, فلا يجوز.
مدخل ابليس في الحج
من تلبيسات ابليس في حجاج بيت الله الحرام رياءً , كأن يحجُّ أكثر من مرة وعليه ديون أو مظالم, أو يكون قد خرج للسمعة ليقول الناس له يا حاج, فيغرهم ابليس وينسيهم أنّ المراد من الحج القرب بالقلوب لا بالابدان.
وكم من قاصد الى مكة وهّمه عدد حجاته فيقول حججت عشرون مرّة ووقفت بعرفة عشرون مرّة.
وكم من مجاورٍ قد طال مكثه ولم يشرع في تنقية باطنه, وكم من قاصد حجٍّ يضرب رفقاؤه على الماء ةيضايقهم في الطريق.
وكم من حاجّ ضيّع عليه الفرائض وهو في الحج بمتعللا أنه كان يتسوق ظاناً أنّ الحجّ يكفر له ذلك ويدفع عنه تقصيره.
وقد لبس ابليس على جماعة من القاصدين الى مكةيتصنعون في احرامهم, فيكشفون عن كتف واحدة, ويبقون في الشمس أياماً لتتكشط جلودهم فيتزينون بين الناس بذلك ظناً منهم أنّ ما يقومون به عبادة.
فالابتداع في الدين منهي عنه وان قصدت به الطاعة, والابتداع مرفوض أياً كانت غايته لتعارضه مع أصل النشريع.
مدخل ابليس في التوكل
(يُتْبَعُ)
(/)
من هذا التلبيس أنّ قوم يدّعون التوكل فيخرجون بلا زادٍ ظناً منهم أنّ هذا هو التوكل, وهم على غاية من الخطأ, فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: اعقلها وتوكل, ولم يقل له: اتركها وتوكل.
روي أنّ رجلاً قال للامام أحمد بن حنبل رحمه الله: اريد أن أخرج الى مكة على التوكل من غير زاد, فقال الامام رضي الله عنه: فاخرج في غير القافلة .. ولمّا أصرّ الرجل أة يخرج مع القافلة, قال له: فعلى جراب الناس توكلت؟
مدخل ابليس على المجاهدين في سبيل الله
قال المصنف رحمه الله: قد لبس إبليس على خلق كثير فخرجوا إلى الجهاد ونيتهم المباهاة والرياء ليقال فلان غاز , وربما كان المقصود أن يقال شجاع , وإنما الأعمال بالنيات.
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليهوسلم فقال يا رسول الله! أرأيت الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلكفي سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من قاتل لتكون كلمة الله هيالعليا فهو في سبيل الله
الشهداء يوم القيامة ثلاثة
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إياكمأن تقولوا مات فلان شهيدا أو قتل فلان شهيدا فإنّ الرجل ليُقاتل ليَغنم , ويُقاتلُ ليُذكرُ, ويُقاتل ليُرى مكانه
أول من يُحاسبُ يوم القيامة وعليهم تُسجَّرُ جهنم
شهيداً وعالماً قارئاً للقرآن ومُنفقاً
وورى الامام مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى اللهعليه وسلم أنه قال: أول الناس يقضي فيه يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأتى بهفعرَّفهُ نعمهُ فعرفها فقال: ما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى قتلت .. قال: كذبتَ, ولكنك قاتلتليُقال هو جرىء , فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلَّم العلموعلَّمه , وقرأ القرآن , فأُتىَ به فعرَّفَهُ نعمهُ فعرفها , فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت فيكالعلم وعلَّمته , وقرأت القرآن, فقال: كذبت ولكنك تعلمت ليُقال هو عالمفقد قيل وقرأتالقرآن ليُقال هو قارىء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسَّعَالله عليه, فأعطاه من أصناف المال كله, فأتى به فعرَّفهُ نعمه فعرفها , فقال: ما عملت فيها؟ فقال: ما تركتُ من سبيلٍ أنت تُحبُّه أن يُنفق فيها, إلا أنفقت فيها لك’ قال: كذبت , ولكنك فعلتليقال هو جَوَاد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار
كيف يدخل ابليس على المجاهدين في سبيل الله؟
فربما أخذ من الغنيمة ما ليس له حقٌّ بها, وما أخذه لها الاأن يكون قليل العلم فيرى أن أموال الكفار مباحةً له, وهو لا يدري أن الغلول منالغنائم معصية, واما أن يكون الغازي عالما بتحريم الغلول من الغنيمة, إلا أنه يرى الشيء الكثير فلا يصبر عنه, أو ان يظنّ أنّ جهاده يدفعُ عنهُ ما فعل, ومن هنا يتبيَّنُ أثر الايمان والعلم بهذه المواقف.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرةقال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا , فلم نغنمذهبا ولا ورقا , غنمنا المتاع والطعام والثياب, ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدٌ له , فلما نزلنا قام عبدُ رسول الله صلى الله عليه وسلميحل رحله , فرمى بسهم فكان فيه حتفه, فلما قلنا له هنيئا له الشهادة يا رسول الله!
فقال عليه الصلاة والسلام: كلا والذي نفس محمد بيده أنَّ الشملة لتلتهبُ عليه نارا, أخذها من الغنائم يومخيبر لم تُصبها المقاسم, قال: ففزع الناس فجاء رجل بشراكٍ أو شراكين, فقال أصبته يومخيبر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك من نار أو شرا كان من نار
من أي باب يدخل ابليس على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟
الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر صنفان: عالم وجاهل.
ودخول ابليس على العالم يكون من بابين اثنين:
الأول: يُزيّنُ للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر طلب السمعة والمباهاة بذلك الفعل, فيكون رياءً فيحبط عمله.
والثاني: الغضب للنفس , وربما كان ابتداء , وربما عرض فيحالة الآمر بالمعروف, لأجل ما يلقى به المنكر من الإهانة , فتصير خصومه لنفسه, كما قالعمر بن عبد العزيز رحمه الله لرجل: لولا أني غضبان لعاقبتك, وإنما أراد أنك أغضبتني فخفت أنتمتزج العقوبة من غضب الله ولي.
فأما اذا كان الآمر بالمعروف جاهلا فان الشيطان يتلاعب به كما يشاء, وذلك الجاهل مُعرَّضٌ للافساد أكثر من الاصلاح, فربما نهى عن شيء جائز بالإجماع, وربما أنكر ما تأول فيه صاحبه وتبع فيه بعض المذاهب , وربما كسر البابوتسور الحيطان وضرب أهل المنكر وقذفهم , فان أجابوه بكلمة تصعب عليه صار غضبه لنفسه, وربما كشف ما قد أمر الشرع بستره , وقد سئل الامام أحمد بن حنبل رحمه الله عن القوم يكون معهم المنكرمغطى مثل طنبور ومسكر , قال: اذا كان مغطى فلا تكسره.
وقال في رواية أخرى إكسره , وهذامحمول على أنه يكون مُغطى بشيء خفيف يكون واضحا ما بداخله فيتبين , والأولى على أنه لا يتبين.
وسئل رحمه الله عنالرجل يسمع صوت الطبل والمزمار ولا يعرف مكانه , فقال ولا عليك ما غاب عنك , فلا تفتش, وربما رفع هذا المنكر أهل المنكر إلىَّ مَن يظلمهم, ثم قال رحمه الله: إن علمت أنالسلطان يُقيم الحدود فارفع إليه.
ترقبوا وبمشيئة الله الجزء العاشر- مداخل ابليس على العوام
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[07 - Jul-2009, صباحاً 06:18]ـ
الجزء االعاشر: مداخل ابليس على العوام (عامة الناس)
كنا قد بينا أن إبليس إنما يقوى تلبيسه على قدر قوة الجهل عند الانسان, وقد أفتتن فيما فتن به العوام , ولبس عليهم فيه بما لا يمكن حصره لكثرته , وإنما نذكر من الأمهات ما يستدل به على جنسه والله الموفق , فمن ذلك أنه يأتي إلى العامي فيحمله على التفكر في ذات الله تبارك وتعالى وصفاته فيتشكك فيها.
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: تسألون حتى تقولوا هذا الله خلقنا فمن خلق الله؟ قال أبو هريرة رضي الله عنه: فوالله إني لجالس يوما إذ قال لي رجل من أهل العراق هذا الله خلقنا , فمن خلق الله؟ قال أبو هريرة رضي الله عنه: فجعلت أصبعي في أذني ثم صحت - صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم- الله الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
وبإسناد عن عائشة رضي الله تعالى عنها , قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلقك؟ فيقول: من خلق السموات والأرض؟ فيقول الله, فيقول من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم شيئا من ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله.
قال المصنف رحمه الله: وإنما وقعت هذه المحنة لغلبة الحس, وهو أنه ما رأى شيئا إلا مفعولا ’ وليقل لهذا العامي: الست تعلم أنه خلق الزمان؟ لا في الزمان ولا في المكان , فإذا كانت هذه الأرض وما فيها لا في مكان ولا تحتها شيء , وحسك ينفر من هذا , لأنه ما ألف شيئا إلا في مكان, فلا يطلب بالحس من لا يعرف بالحس, وشاور عقلك فإنه سليم المشاورة.
وتارة يلبس إبليس على العوام عند سماع صفات الله تعالى فيحملونها على مقتضى الحس فيعتقدون التشبيه, تارة يلبس عليهم من جهة العصبية للمذاهب فترى العامي يُلاعن ويقاتل في أمر لا يعرف حقيقته.
فمنهم من يخص بعصبيته أبا بكر رضي الله عنه, ومنهم من يخص عليا رضي الله عنه, وكم قد جرى في هذا من الحروب , وقد جرى في هذا بين أهل الكوخ وأهل باب البصرة على مر السنين من القتل , وإحراق المحال ما يطول ذكره , وترى كثيرا ممن يخاصم في هذا, يلبس الحرير ويشرب الخمر ويقتل النفس, وأبو بكر وعلي رضي الله عنهما بريئان منهم. وقد يحس العامي في نفسه نوع فهم فيسول له إبليس مخاصمة ربه , فمنهم من يقول لربه: كيف قضى وعاقب , ومنهم من يقول: لم ضيق رزق المتقي وأوسع على العاصي, ومنهم طائفة تشكر على النعم , فإذا جاء البلاء اعترض وكفر , ومنهم من يقول: أيُّ حكمة في هدم هذه الأجساد يعذبها بالفناء بعد بنائها , ومنهم من يستبعد البعث , ومن هؤلاء من يحتل عليه مقصوده , أو يبتلى ببلاء فيكفر ويقول:أنا ما أريد أصلي , وربما غلب فاجر نصراني مؤمنا فقتله أو ضربه فيقول العوام: قد غلب الصليب , ولماذا نصلي إذا كان الأمر كذلك , وكل هذه الآفات تمكن بها منهم إبليس لبعدهم عن العلم والعلماء, فلو أنهم استفهموا أهل العلم لأخبروهم: أن الله تعالى حكيم ومالك فلا يبقى مع هذا اعتراض.
تلبيس ابليس عليهم في التفكير في ذات الله تعالى من حيث هي
ومن العوام من يرضى عن عقل نفسه فلا يبالي بمخالفة العلماء , فمتى خالفت فتواهم غرضَهُ أخذ يرد عليهم ويقدح فيهم , وقد كان ابن عقيل يقول: قد عشت هذه السنين فلو أدخلت يدي في صنعة صانع لقال أفسدتها عليّ , فلو قلت أنا رجل عالم لقال: بارك الله لك في علمك , ليس هذا من شغلك هذا , وشغله أمر حسي لو تعاطيته فهمته , والذي أنا فيه من الأمور أمر عقلي فإذا أفتيته لم يقبل.
مخالفتهم العلماء وتقديمهم المتزهدين على العلماء
ومن تلبيسه عليهم تقديمهم المتزهدين على العلماء فلو رأوا جبة صوف على أجهل الناس عظّموه , خصوصا إذا طأطأ رأسه وتخشع لهم , ويقولون: أين هذا من فلان العالم ذاك طالب دنيا , وهذا زاهد لا يأكل عنبه ولا رطبه , ولا يتزوج قط , جهلا منهم بفضل العالم على الزاهد , وإيثارا للمتزهدين على شريعة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم, ومن نعمة الله سبحانه وتعالى على هؤلاء أنهم لم يدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ لو رأوه يكثر التزويج , ويصطفي السبايا , ويأكل لحم الدجاج , ويحب الحلوى والعسل , لم يعظم في صدورهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
تلبيس ابليس عليهم في قدحهم العلماء
ومن تلبيسه عليهم قدحهم في العلماء بتناول المباحات وهذا من أقبح الجهل , وأكثر ميلهم إلى الغرباء , فهم يؤثرون الغريب على أهل بلدهم ممن قد خبروا أمره وعرفوا عقيدته فيميلون إلى الغريب , ولعله من الباطنية , وإنما ينبغي تسليم النفوس إلى من خبرت معرفته قال الله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم , ومن الله سبحانه في إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق بأنهم يعرفون حاله فقال تعالى: لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم , وقال: يعرفونه كما يعرفون أبناءهم
تعظيم المتزهدين
وقد يخرج بالعوام تعظيم المتزهدين إلى قبول دعاويهم وإن خرقوا الشريعة وخرجوا عن حدودها , فترى المتنمِّس يقول للعامي: أنت فعلت بالأمس كذا وسيجري عليك كذا , فيُصدقُه ويقول: هذا يتكلم على الخاطر , ولا يعلم أن ادعاء الغيب كفر, ثم يرون من هؤلاء المتنمسين أمورا لا تحل أبدا , كمؤاخاة النساء والخلوة بهنّ , ولا ينكرن ذلك تسليما لهم أحوالهم
إطلاق النفس في المعاصي
ومن تلبيس ابليس على العوام إطلاقهم أنفسهم في المعاصي , فإذا وُبّخوا تكلموا كلام الزنادقة, فمنهم من يقول: لا أترك نقدا لنسيئة , ولو فهموا لعلموا أنّ هذا ليس بنقد, لأنه محرم , وإنما يخير بين النقد والنسيئة المباحين , فمثلهم كمثل محموم جاهل يأكل العسل, فإذا عوتب قال: الشهوة نقد والعافية نسيئة, ثم لو علموا حقيقة الإيمان لعلموا أن تلك النسيئة وعدٌ صادقٌ لا يخلف, ولو عملوا عمل التجار الذين يخاطرون بكثير من المال لما يرجونه من الربح القليل , لعلموا أنّ ما تركوه قليل , وما يرجونه كثير , ولو أنهم ميّزوا بين ما آثروا وبين ما أفاتوا أنفسهم, لرأوا تعجيل ما تعجلوا , إذ فاتهم الربح الدائم , وأوقعهم في العذاب الذي هو الخسران المبين, الذي لا يتلافى , ومنهم من يقول الرب كريم والعفو واسع , والرجاء من الدين , فيسمون تمنيهم واغترارهم رجاء , وهذا الذي أهلك عامة المذنبين.
قال أبو عمرو بن العلاء: بلغني أن الفرزدق جلس إلى قوم يتذكرون رحمة الله , فكان أوسعهم في الرجاء صدرا , فقال له: لم تقذف المحصنات؟ فقال: أحقروني لو أذنبت إلى ولدي ما أذنبته إلى ربي تعالى , أتراهما كانا يطيبان نفسا أن يقذفاني في تنور مملوء جمرا؟ قالوا: لا , إنما كانا يرحمانك , قال: فإني أوثق برحمة ربي منهما , قلت: وهذا هو الجهل المحض , لأن رحمة الله تعالى ليست برقةِ طبعٍ, ولو كانت كذلك لما ذُبح عصفورٍ, ولا أُميت طفل , ولا أُدخل أحد إلى جهنم.
وبإسناد عن عباد قال الأصمعي: كنت مع أبي نواس بمكة , فإذا أنا بغلام أمرد يستلم الحجر الأسود , فقال لي أبو نواس: والله لا أبرح حتى أقبله عند الحجر الأسود , فقلت: ويلك اتق الله تعالى فإنك ببلد حرام وعند بيته الحرام , فقال: ما منه بد , ثم دنا من الحجر فجاء الغلام يستلمه , فبادر أبو نواس فوضع خده على خد الغلام فقبله وأنا أنظر , فقلت ويلك أفي حرم الله تعالى؟ فقال: دع ذا عنك فإن ربي رحيم ثم أنشد يقول:
وعاشقان التف خداهما ... عند استلام الحجر الأسود
فاشتفيا من غير أن يأثما ... كأنما كانا على موعد
قلت: انظروا إلى هذه الجرأة التي نظر فيها إلى الرحمة , ونسي شدة العقاب بانتهاك تلك الحرمة.
وقد ذكرنا في أول الكتاب هذا , أن رجلا زنى بامرأة في الكعبة فمُسخا حجرين.
ولقد دخلوا على أبي نواس في مرض موته فقالوا له تب إلى الله تعالى فقال: إياي تُخوفون؟
حدثني حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي رحمه الله, عن أنس رضي الله عنه , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي شفاعة وإني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي , افترى لا أكون أنا منهم.
قال المصنف رحمه الله: وخطأ هذا الرجل من وجهين:
أحدهما أنه نظر إلى جانب الرحمة ولم ينظر إلى جانب العقاب.
والثاني أنه نسي أن الرحمة إنما تكون لتائب كما قال تعالى في سورة طه 83: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى .. وقال تعالى في سورة الاعراف 156: ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون .. وهذا التلبيس هو الذي أهلك عامة العوام وقد كشفناه في ذكر أهل الإباحة
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن العوام من يقول: هؤلاء العلماء يحافظون على الحدود , فلان يفعل كذا وفلان يفعل كذا, فأمري أنا قريب , وكشْفُ هذا التلبيس: أنّ الجاهل والعالم في باب التكليف سواء , فغلبة الهوى للعالم لا يكون عذرا للجاهل , وبعضهم يقول: ما قدر ذنبي حتى أعاقب؟ ومن أنا حتى أؤاخذ؟ وذنبي لا يضره وطاعتي لا تنفعه وعفوه أعظم من جرمي, كما قال قائلهم:
من أنا عند الله حتى إذا ... أذنبت لا يغفر لي ذنبي
وهذه حماقة عظيمة كأنهم اعتقدوا أنه لا يؤاخذ إلا ضدا أو ندا , ثم ما علموا أنه بالمخالفة قد صاروا في مقام معاند , وسمع ابن عقيل رحمه الله رجلا يقول: من أنا حتى يعاقبني الله فقال: له أنت الذي لو أمات الله جميع الخلائق وبقيت أنت لكان قوله تعالى: يا أيها الناس! خطابا لك , ومنهم من يقول سأتوب وأصلح , وكم من ساكن الأمل من أبله اختطفه الموت قبله , وليس من الحزم تعجيل الخطأ وانتظار الصواب , وربما لم تتهيأ التوبة , وربما لم تصح , وربما لم تقبل , ثم لو قبلت بقي الحياء من الجناية أبدا , فمرارة خاطر المعصية حتى تذهب أسهل من معاناة التوبة حتى تُقبل , ومنهم من يتوب ثم ينفض فيلج عليه إبليس بالمكائد لعلمه بضعف عزمه , وبإسناد عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: إذا نظر إليك الشيطان ورآك على غير طاعة الله تعالى فنعاك , وإذا رآك مداوما على طاعة الله ملّك ورفضك , وإذا رآك مرة هكذا ومرة هكذا طمع فيك.
الاغترار بالنسب
ومن تلبيس ابليس على الناس أن يكون لأحدهم نسب معروف فيغتر بنسبه فيقول: أنا من أولاد فلان, وهذا يقول: أنا من أولاد فلان, وهذا يقول: أنا شريف من أولاد فلان وفلان, أو يقول: أنا قريب النسب من فلان العالم, أو من فلان الزاهد , وهؤلاء يبنون أمرهم على أمرين:
أحدهما أنْ يقولون من أحبّ إنسانا أحب أولاده وأهله.
والثاني: أنّ هؤلاء لهم شفاعة وأحق من شفعوا فيه أهلهم وأولادهم .. وكلا الأمرين غلط, أما المحبة فليس محبة الله تعالى كمحبة الآدميين , وإنما الله عزوجل يُحبُّ من أطاعَهُ, فإنّ أهل الكتاب من أولاد يعقوب عليه الصلاة والسلام ولم ينتفعوا بآبائهم , ولو كانت محبة الأب يسرى لسرى إلى البعض أيضا , وأما الشفاعة فقد قال الله تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى , ولما أراد نوح عليه الصلاة والسلام حمل ابنه في السفينة قيل له: إنه ليس من أهلك, انه عمل غير صالح ... ولم يشفع إبراهيم عليه الصلاة والسلام في أبيه , ولا نبينا صلوات الله وسلامه عليه في أمه , وقد قال لابنته الطاهرة المطهرة فاطمة رضي الله عنه: لنيغنوا عنك من الله شيئا , ومن ظن أنه ينجو بنجاة أبيه كظنه أنه يشبع بأكل أبيه يكون على خطأ, فالله حقٌّ وقوله الحق: لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير
وقوله تبارك وتعالى: كل نفسٍ بما كسبتْ رهينة* الا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون عن المجرمين * ما سلككم في سقر
والايات الكريمات التي تدور حول هذا المعنى كثيرة جدا.
اعتمادهم على خلة خيرٌ ولا يُبالي بما فعل بعدها
ومن تلبيس ابليس على الناس , أن يعتمد أحدهم على خلة خير , ولا يبالي بما فعل بعدها فمنهم من يقول: أنا من أهل السنة , وأهل السنة على خير, ثم لا يتحاشى عن المعاصي وكشف هذا التلبيس: أن يُقال له إنّ الاعتقاد فرض , والكف عن المعاصي فرض آخر , فلا يكفي أحدهما عن صاحبه , وكذلك تقول الروافض: نحن يدفع عنا موالاة أهل البيت, وكذبوا فإنه إنما يدفع التقوى , ومنهم من يقول أنا ألازم الجماعة, وأفعل الخير وهذا يدفع عني وجوابه كجواب الأول
مدخل ابليس على العيارين في أخذ أموال الناس
ومن هذا الفن تلبيسه على العيارين في أخذ أموال الناس فإنهم يسمون بالفتيان ويقولون: الفتي لا يزني ولا يكذب , ويحفظ الحرم ولا يهتك ستر امرأة , ومع هذا لا يتحاشون من أخذ أموال الناس وينسون تقلي الأكباد على الأموال ويسمون طريقتهم الفتوة
وربما حلف أحدهم بحق الفتوة , فلم يأكل ولم يشرب , ويجعلون إلباس السراويل للداخل في مذهبهم كإلباس الصوفية للمريد المرقعة , وربما يسمع أحد هؤلاء عن ابنته أو أخته كلمة وزر لا تصح ولا بما كانت من محرض فقتلها , ويدعون هذا فتوة , وربما افتخر أحدهم بالصبر على الضرب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبإسناد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمهما الله أنه كان يقول: كنت كثيرا أسمع والدي أحمد بن حنبل يقول: رحم الله أبا الهيثم فقلت: ومن أبو الهيثم؟ فقال أبو الهيثم الحداد: لما مددت يدي إلى العقاب وأخرجت للسياط إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي: تعرفني؟ قلت: لا ,قال: أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار مكتوب في ديوان الأمير أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق , وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين , قلت: أبو الهيثم هذا يقال له خالد الحداد وكان يضرب المثل بصبره.
وقال له المتوكل ما بلغ من جلدك؟ قال: املأ لي جرابي عقارب , ثم أدخل يدي فيه وإنه ليؤلمني ما يؤلمك , وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط , ولو وضعت في فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي, ولكنني وطنت نفسي على الصبر , فقال له الفتح: ويحك! مع هذا اللسان والعقل ما يدعوك إلى ما أنت عليه من الباطل؟ فقال: أحب الرياسة , فقال المتوكل: نحن خليديه , قال الفتح: أنا خليدي وقال رجل لخالد: يا خالد ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب , فقال: بلى يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست لكم.
وقال داود بن علي: لما قدم بخالد اشتهيت أن أراه , فمضيت إليه فوجدته جالسا غير متمكن لذهاب لحم إليتيه من الضرب , وإذا حوله فتيان فجعلوا يقولون: ضرب فلان , وفعل بفلان كذا , فقال لهم: لا تتحدثون عن غيركم , افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم غيركم.
قال المصنف رحمه الله: فانظروا إلى الشيطان كيف يتلاعب بهؤلاء فيصبرون على شدة الألم ليحصل لهم الذكر, ولو صبروا على يسير التقوى لحصل لهم الأجر , والعجب أنهم يظنون لحالهم مرتبة وفضيلة مع ارتكاب العظائم.
الاعتماد على النافلة وإضاعة الفريضة
ومن العوام من يعتمد على نافلة ويضيع فرائض , مثل أن يحضر المسجد قبل الأذان ويتنفل, فإذا صلى مأموما سابق الإمام , ومنهم من لا يحضر في أوقات الفرائض , ويزاحم ليلة الرغائب , ومنهم من يتعبد ويبكي وهو مصر على الفواحش لا يتركها , فإن قيل له, قال: سيئة وحسنة والله غفور رحيم , وجمهورهم يتعبد برأيه فيفسد أكثر مما يصلح , ورأيت رجلا منهم قد حفظ القرآن وتزهد , ثم أحبَّ نفسه , وهذا من أفحش الفواحش.
حضور مجالس الذكر
وقد لبس إبليس على خلق كثير من العوام يحضرون مجالس الذكر ويبكون ويكتفون بذلك ظنا منهم أنّ المقصود إنما هو العمل, وإذا لم يعمل بما يسمع كان زيادة في الحجة عليه, وإني لأعرف خلقا يحضرون المجلس منذ سنين ويبكون ويخشعون ولا يتغير أحدهم عما قد اعتاده من المعاملة في الربا والغش في البيع والجهل بأركان الصلاة والغيبة للمسلمين والعقوق للوالدين , وهؤلاء قد لبس عليهم إبليس فأراهم أن حضور المجلس والبكاء يدفع عنه ما يلابس من الذنوب.
وأرى بعضهم أن مجالسة العلماء والصالحين يدفع عنكم وشغل آخرين بالتسويف بالتوبة فطال عليهم مطالهم وأقام قوما منهم للتفرج فيما يسمعونه وأهملوا العمل به.
أصحاب الأموال
وقد لبس إبليس على أصحاب الأموال من أربعة أوجه:
أحدها: من جهة كسبها فلا يُبالون كيف حصلت , وقد فشا الربا في أكثر معاملاتهم وأنسوه , حتى أن جمهور معاملاتهم خارجة عن الإجماع , وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليأتين على الناس زمان لا يُبالي المرء من أين يأخذ المال من حلال أو حرام.
والثاني: من جهة البخل بها , فمنهم من لا يخرج الزكاة أصلا إتكالا على العفو, ومنهم من يخرج بعضا ثم يغلبه البخل فينظر أن المخرج يدفع عنه , ومنهم من يحتال لإسقاطها مثل أن يهب قبل الحول ثم يسترده , ومنهم من يحتال بإعطاء الفقير ثوبا يقومه عليه بعشرة دنانير وهو يساوي دينارين , ويظن ذلك الجاهل أنه تخلص.
ومنهم من يخرج الرديء مكان الجيد , ومنهم من يعطي الزكاة لمن يستخدمه طوال السنة فهي على الحقيقة أجره , ومنهم من يخرج الزكاة لكما ينبغي فيقول له إبليس ما بقي عليك فيمنعه أن ينتقل بصدقة حبا للمال فيفوته أجر المتصدقين ويكون المال رزق غيره
وبإسناد عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: أول ما ضرب الدرهم أخذه إبليس فقبله ووضعه على عينه وسرته , وقال بك أطغى وبك أكفر , رضيت من ابن آدم بحبه الدينار من أن يعبدني.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: إن الشيطان يرد الإنسان بكل ريدة , فإذا أعياه اضطجع في ماله فيمنعه أن ينفق منه شيئا.
والثالث: من حيث التكثير بالأموال , فإن الغني يرى نفسه خيرا من الفقير, وهذا جهل, لأن الفضل بفضائل النفس اللازمة لها لا تجمع حجارة خارجة عنها كما قال الشاعر:
غنى النفس لمن يعقل ... خير من غنى المال
وفضل النفس في الأنفس ... وليس الفضل في الحال
والرابع: في إنفاقها فمنهم من ينفقها على وجه التبذير والإسراف, تارة في البنيان الزائد على مقدار الحاجة وتزويق الحيطان وزخرفة البيوت وعمل الصور, وتارة في اللباس الخارج بصاحبه إلى الكبر والخيلاء , وتارة في المطاعم الخارجة إلى السرف , وهذه الأفعال لا يسلم صاحبها من فعل محرم أو مكروه , وهو مسؤول عن جميع ذلك.
وبإسناد عن أنس بن مالك رضي الله عنه, قال: قال رسول الله: يا ابن آدم لا تزول قدماك يوم القيامة بين يدي الله تعالى حتى تسأل عن أربع: عمرك فيما أفنيته وجسدك فيما أبليته ومالك من أين اكتسبته وأين أنفقته.
ومنهم من ينفق في بناء المساجد والقناطر إلا أنه يقصد الرياء والسمعة وبقاء الذكر, فيكتب اسمه على ما بنى ولو كان عمله لله تعالى لاكتفى بعلمه سبحانه وتعالى, ولو كلف أن يبني حائطا من غير أن يكتب اسمه عليه لم يفعل , ومن هذا الجنس إخراجهم الشمع في رمضان في الأنوار طلبا للسمعة ومساجدهم طوال السنة مظلمة , لأن إخراجهم قليلا من دهن كل ليلة لا يؤثر في المدح ما يؤثر في إخراج شمعة في رمضان , ولقد كان إغناء الفقراء بثمن الشمع أولى , ولربما خرجت الأضواء الكثيرة السرف الممنوع منه غير أن الرياء يعمل عمله , وقد كان أحمد بن حنبل رحمه الله يخرج إلى المسجد وفي يده سراج فيضعه ويصلي.
ومنهم من إذا تصدق أعطى الفقير والناس يرونه فيجمع بين قصده مدحهم وبين إذلال الفقير
وفيهم من يجعل منه الدنانير الخفاف فيكون في الدينار قيراطان ونحو ذلك , وربما كانت رديئة فيتصدق بها بين الجمع مكشوفة ليقال قد أعطى فلان فلانا دينارا , وبالعكس من هذا كان جماعة الصالحين المتقدمين يجعلون في القرطاس الصغير دينارا ثقيلا يزيد وزنه على دينار ونصف ويسلمونه إلى الفقير في سر, فإذا رأى قرطاسا صغيرا ظنه قطعة , فإذا لمسه وجد تدوير دينار , ففرح فإذا فتحه ظنه قليل الوزن , فإذا رآه ثقيلا ظنه يقارب الدينار, فإذا وزنه فرآه زائدا على الدينار اشتد فرحه , فالثواب يتضاعف للمعطي عند كل مرتبة.
ومنهم من يتصدق على الأجانب ويترك بر الأقارب وهم أولى , وبإسناد عن سليمان بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم , يقول: الصدقة على المسلمين صدقة والصدقة على ذوي الرحم اثنتان: صدقة ووصل.
ومنهم من يعلم فضيلة التصدق على القرابة إلا أن يكون بينهما عداوة دنيوية فيمتنع من مواساته مع علمه بفقره , ولو واساه كان له أجر الصدقة والقرابة ومجاهدة الهوى, وقد روي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه, قال: قال رسول الله: إن أفضل الصدقة على ذي الرحم كاشح
قال المصنف رحمه الله: وإنما قبلت هذه الصدقة وفضلت لمخالفة الهوى , فإن من تصدق على ذي قرابة بحبه فقد اتفق على هواه , ومنهم من يتصدق ويضيق على أهله في النفقة, وقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غني وابدأ بمن تعول , وبإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا فقال رجل: عندي دينار فقال: تصدق به على نفسك , قال عندي دينار آخر , قال: تصدق به على زوجتك , قال:عندي دينار آخر , قال: تصدق به على ولدك , قال: عندي دينار آخر , قال: تصدق به على خادمك قال: عندي دينار آخر , قال: أنت أبصر به. ومنهم من ينفق في الحج , ويُلبس عليه إبليس بأنّ الحج قربة , وإنما مراده الرياء والفرجة ومدح الناس.
قال رجل لبشر الحافي: أعددت ألفي درهم للحج , فقال: أحججت؟ قال: نعم , قال: اقض دين مالك , قال: ما تميل نفسي إلا إلى الحج, قال: مرادك أن تركب وتجيء ويقال فلان حاجي.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومنهم من ينفق على الأوقات والرقص ويرمي الثياب على المغني , ويلبس عليه إبليس بأنك تجمع الفقراء وتطعمهم , وقد بينا أن ذلك أنّ مما يُوجب فساد القلوب, ومنهم مَن إذا جهز ابنته صاغ لها دست الفضة , ويرى الأمر في ذلك قربة , وربما كانت له ختمة, فتقدم مجامر الفضة, ويحضر هناك قوم من العلماء , فلا هو يستعظم ما فعل , ولا هم ينكرون اتباعا للعادة , ومنهم من يجوز في وصيته ويحرم الوارث , ويرى أنه ماله يتصرف فيه كيف شاء , وينسى أنه بالمرض قد تعلقت حقوق الوارثين به.
وبإسناد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خاف عند الوصية قذف في الوباء , والوباء واد في جهنم.
وعن خيثمة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يقول ما غلبني عليه ابن آدم فلن يغلبني على ثلاث: آمره بأخذ المال من غير حقه , وآمره بإنفاقه في غير حقه , ومنعه من حقه
مدخل ابليس على الفقراء
وقد لبس إبليس على الفقراء , فمنهم من يظهر الفقر وهو غني, فإن أضاف إلى هذا السؤال والأخذ من الناس , فإنما يستكثر من نار جهنم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال: من سأل الناس أموالهم تكثُّراً , فإنما يسأل جمراً, فليستقل منهُ أو ليستكثر.
وإن لم يقبل هذا الرجل من الناس شيئا وكان مقصوده بإظهار الفقر أن يقال رجل زاهد فقد رآى , وإن كتم نعمة الله عنده ليظهر عليه الفقر لئلا ينفق ففي ضمن بخله الشكوى من الله.
وقد ذكرنا فيما تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا بادي الهيئة فقال: هل لك من مال؟ قال نعم , قال: فلتر نعمة الله عليك , وإن كان فقيرا مُحقاً, فالمستحب له كتمان الفقر وإظهار التجمل , فقد كان في السلف من يحمل مفتاحا يُوهم أنّ له داراً, ولا يبيتُ إلا في المساجد.
ومن تلبيس إبليس على الفقراء أنه يرى نفسه خيرا من الغني, إذ قد زهد فيما رغب ذلك الغني فيه , وهذا غلط , وإن الخيرية ليست بالوجود والعدم , وإنما هي بأمر وراء ذلك.
مدخل إبليس على جمهور العوام
وقد لبس إبليس على جمهور العوام بالجريان مع العادات وذلك من أكثر أسباب هلاكهم , فمن ذلك أنهم يقلدون الآباء , والإسلام في اعتقادهم على ما نشئوا عليه من العادة , فترى الرجل منهم يعيش خمسين سنة على ما كان عليه أبوه , ولا ينظر أكان على صواب أم على خطأ , ومن هذا تقليد اليهود والنصارى والجاهلية أسلافهم , وكذلك المسلمون يجرون في صلاتهم وعباداتهم مع العادة , فترى الرجل يعيش سنين يصلي على صورة ما رأى الناس يصلون , ولعله لا يقيم الفاتحة , ولا يدري ما الواجبات , ولا يسهل عليه أن يعرف ذلك هواناً بالدين , ولو أنه أراد تجارة لسأل قبل سفره عما ينفق في ذلك البلد , ثم ترى أحدهم يركع قبل الإمام , ويسجد قبل الإمام , ولا يعلم أنه إذا ركع قبله , فقد خالفه في ركن , فإذا رفع قبله فقد خالفه في ركنين فبطُلت صلاته , وقد رأيت جماعة يُسلمون عند تسليم الإمام وقد بقي عليهم من التشهد الواجب شيء , وذاك أمر لا يحمله الإمام فتكون صلاته باطلة وربما يترك أحدهم فريضة وزاد في نافلة.
وربما أهمل غسل بعض العضو كالعقب , وربما كان في يده خاتم قد حصر الإصبع فلا يديره وقت الوضوء ولا يصل الماء إلى ما تحته فلا يصح وضوؤه , وأما بيعهم وشراؤهم فأكثر عقودهم فاسدة, ولا يتعرفون حكم الشرع فيها , ولا يخف على أحدهم أن يقلد فقيها في رخصته استقلالا منهم للدخول تحت حكم الشريعة , وقلَّ أن يبيعوا شيئا إلا وفيه غش ويغطيه عيب , والجلاء يغطي عيوب الذهب الرديء , حتى أن المرأة تضع الغزل في الانداء وتنديه ليثقل وزنه.
ومن جريانهم مع العادة , أنّ أحدهم يتوانى في صلاته المفروضة في رمضان , ويفطر على الحرام ويغتاب الناس , ومنهم من يدخل في الربا بالاستئجار , فيقول معي عشرون دينارا لا أملك غيرها , فإن أنفقتها ذهبت , وأنا أستأجر بها داراً, وآكل أجرة الدار ظنا منه إنّ هذا الأمر قريب.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومنهم من يُرهن الدار على شيءٍ ويؤدي ويقول هذا موضع ضرورة, مع أنه قد يكون له دار أخرى أوفي بيته آلات لو باعها لاستغنى عن الرهن والاستئجار ولكنه يخاف على جاهه أن يقال قد باع داره , ومما جروا فيه على العادات اعتمادهم على قول الكاهن والمنجم والعراف , وقد شاع ذلك بين الناس واستمرت به عادات الأكابر , فقلَّ أن ترى أحدا منهم يسافر أو يُفصِّل ثوباً, أو يحتجم , إلا سأل المنجم وعمل بقوله , ولا تخلو دورهم من تقويم, وكم من دار لهم ليس فيها مصحف, وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل عن الكهان فقال: ليسوا بشيء, فقالوا: يا رسول الله! إنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فينقرها في أذن وليه نقر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة.
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل صلاته أربعين ليلة
وروى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد.
ومن جريانهم مع العادات كثرة الأيمان الحانئة التي أكثرها ظهار وهم لا يعلمون , فأكثر قولهم في الإيمان حرام عليَّ أن بعت, ومن عاداتهم لبس الحرير والتختم بالذهب , وربما تورع أحدهم عن لبس الحرير ثم لبسه في وقت , كالخطيب يوم الجمعة , ومن عاداتهم إهمال إنكار المنكر , حتى أن الرجل يرى أخاه أو قريبه يشرب الخمر ويلبس الحرير فلا ينكر عليه ولا يتغير , بل يخالطه مخالطة حبيب , ومن عاداتهم أن يبني الرجل على باب داره مصطبة يضيق بها طريق المارة , وقد يجتمع على باب داره ماء مطر , ويكثر فيجب عليه إزالته وقد أثم , بكونه كان سببا لأذى المسلمين , ومن عاداتهم دخول الحمام بلا مئزر , وفيهم من إذا دخل بمئزر, رمى به على فخذه فيرى جوانب إليتيه , ويسلم نفسه إلى المدلك فيرى بعض عورته ويمسها بيده لأن العورة من السرة إلى الركبة ثم ينظر إلى عورات الناس ولا يكاد يغض ولا ينكر , ومن عاداتهم ترك القيام بحق الزوجة , وربما اضطروها إلى أن تسقط مهرها , ويظن الزوج أنه قد تخلص بما قد أسقطته عنه , وقد يميل الرجل إلى إحدى زوجتيه دون الأخرى , فيجوز في القسم متهاونا بذلك , ظنا أن الأمر فيه قريب.
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كانت له امرأتان يميل إلى إحديهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر إحدى شقيه ساقطا أو مائلا.
ومن عادتهم إثبات الفلس عن الحاكم , ويعتقد الذي قد حكم له بالفلس أنه قد سقطت عنه بذلك الحقوق , وقد يؤسر ولا يؤدي حقا , ومنهم من لا يقوم من دكانه بحجة الفلس إلا وقد جمع مالا من أموال المعاملين فأضرّ به ينفقه في مدة استتاره, وعنده إن الأمر في ذلك قريب , ومما جروا فيه على العادات: أنّ الرجل يستأجر ليعمل طول النهار فيضيع كثيرا من الزمان, إما بالتثبيط في العمل, أو بالبطالة , أو بإصلاح آلات العمل , مثل أن يحد النجار الفأس , والشقاق المنشار , ومثل هذا خيانة , إلا أن يكون ذلك يسيرا قد جرت العادة بمثله.
وقد يفوت أكثرهم الصلاة ويقول أنا في إجارة رجل , ولا يدري أن أوقات الصلاة لا تدخل في عقد الإجارة , وقلة نصحهم في أعمالهم كثيرة , ومما جروا فيه على العادة دفن الميت في التابوت وهذا فعل مكروه , وأما الكفن فلا يتباهى فيه بالمغالاة , وينبغي أن يكون وسطا, ويدفنون معه جملة من الثياب وهذا حرام , لأنه إضاعة للمال , ويقيمون النوح على الميت. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب.
ومن عاداتهم اللطم وتمزيق الثياب وخصوصا النساء وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعى بدعوى الجاهلية.
وربما رأوا المصاب قد شق ثوبه فلم ينكروا عليه, لا بل ربما أنكروا ترك شق الثوب وقالوا ما أثرت عنه المصيبة , ومن عاداتهم يلبسون بعد الميت الدون من الثياب , ويبقون على ذلك شهرا أو ستة , وربما لم يناموا هذه المدة في سطح, ومن عاداتهم زيارة المقابر في ليلة النصف من شعبان , وإيقاد الدار عندها , وأخذ تراب القبر المعظم.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال ابن عقيل رحمه الله: لما التكاليف على الجهال والضغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم, قال وهم كفار عندي بهذه الأوضاع , مثل تعظيم القبور وإكرامها , بما نهى الشرع عنه من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليفها وخطاب الموتى بالألواح وكتب الرقاع فيها, يا مولاي افعل بي كذا وكذا وأخذ التراب تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى , ولا تجد في هؤلاء من يحقق مسألة في زكاة , فيسأل عن حكم يلزمه: والويل عندهم لمن لم يعقد على أبيه أزجا بالجص والآجر , ولم يشق ثوبه إلى ذيله , ولم يرق ماء الورد على القبر ويدفن معه ثيابه.
تلبيس إبليس على النساء
وأما تلبيس إبليس على النساء فكثير جدا , وقد أفردت كتابا للنساء ذكرت فيه ما يتعلق بهن من جميع العبادات وغيرها , وأنا أذكر ههنا كلمات من تلبيس إبليس عليهن: فمن ذلك أن المرأة تطهر من الحيض بعد الزوال فتغتسل بعد العصر فتصلي العصر وحده , وقد وجب عليها صلاة الظهر وهي لا تعلم , وفيهن من يؤخر الغسل يومين وتحتج بغسل ثيابها ودخول الحمام: وقد تؤخر غسل الجنابة في الليل إلى أن تطلع الشمس , فإذا دخلت الحمام لم تئتزر بمئزر , وتقول ما دخل إلي إلا القيمة , وربما قالت أنا وأختي وأمي وجاريتي وهن نساء مثلي فممّن أستتر؟ وهذا كله حرام , فإن تخير الغسل بغير عذر لا يجوز ولا يحل للمرأة أن تنظر من المرأة ما بين سرتها وركبتها , ولو كانت ابنتها وأمها , إلا أن تكون البنت صغيرة. فإذا بلغت سبع سنين استترت واستتر منها , وقد تصلي المرأة قاعدة وهي تقدر على القيام فالصلاة حينئذ باطلة, وقد تحتج بنجاسة في ثوبها من بول طفلها وهي تقدر على غسله, ولو أرادت الخروج إلى الطريق لتهيأت واستعارت, وإنما هان عندها أمر الصلاة , وقد لا تعرف من واجبات الصلاة شيئا ولا تسأل , وقد ينكشف من الحرة ما يُبطل صلاتها وتستهين به , وقد تستهين المرأة بإسقاط الحبل ولا تدري أنها إذا أسقطت ما قد نفخ فيه الروح فقد قتلت مسلما , وقد تستهين بالكفارة الواجبة عليها , عند ذلك الفعل فإنه يجب عليها أن تتوب وتؤدي دينه إلى ورثته وهي غرة عبد أو أمة قيمتها نصف عشر دية أبيه أو عشر دية الأم ولا ترث الأم من ذلك شيئا ثم تعتق رقبة, فإن لم تجد صامت شهرين متتابعين , وقد تسيء الزوجة عشرتها مع الزوج وربما كلمته بالمكروه وتقول هذا أبو أولادي وما بيننا هذا , وتخرج بغير إذنه وتقول: ما خرجت في معصية , ولا تعلم أنّ خروجها بغير إذنه معصية, ثم نفس خروجها لا يؤمَنُ منه فتنةً, وفيهن من تلازم القبور وتحد , لا على الزوج , وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله أن تحد على ميت , إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا , ومنهم من يدعوها زوجها إلى فراشه فتأبى وتظن هذا الخلاف ليس بمعصية وهي منهية عنه , لما في الصحيحين من حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فباتت وهو عليها ساخط لعنتها الملائكة حتى تصبح
وقد تفرط المرأة في مال زوجها ولا يحل لها أن تخرج من بيته شيئا إلا أن يأذن لها أو تعلم رضاه , وقد تعطي من ينجم لها بالحصى ويسحر , ومن تعمل لها نخسة محبة وعقد لسان, وكل هذا حرام , وقد تستجيز ثقب آذان الأطفال وهو حرام , فإن أفلحت وحضرت مجلس الواعظ , فربما لبست خرقة من يد الشيخ الصوفي وتصافحه فصارت من بنات المنبر, فخرجت إلى عجائب , وينبغي أن تكف عنان العلم اقتصارا على هذه النبذة, فإن هذا الأمر يطول , ولو بسطنا لنبذ المذكورة في هذا الكتاب أو شيدنا ردنا على من رددنا عليه بالأحاديث والآثار لاجتمعت مجلدات , وإنما ذكرنا اليسير ليدل على الكثير , وقد اقتنعنا في ذكر فاحش القبيح من أفعال الغالطين بنفس حكايته دون تعاطي رده, لأن الأمر فيه ظاهر والله يعصمنا من الزلل ويوفقنا لصالح القول والعمل بمنه وكرمه.
والى ان نلتقي بمشيئة الله مع الجزء 11 - مداخل ابليس على الزهاد من الصوفية
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[10 - Jul-2009, صباحاً 07:00]ـ
الجزء الحادي عشر: مداخل ابليس على الزهاد من الصوفية
(يُتْبَعُ)
(/)
لما علم التابعين رحمهم الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَرقع ثوبه وأنه كان يقول لزوجه السيدة المصون ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لا تخلعي ثوباً حتى ترقعيه .. أي لا ترمي ثوباً لأنه تمزق, بل اصلحيه طالما قابلا لللاصلاح, ولعلّ هذا يؤكد على الزهد والتقشف بالمحافظة على نعم الله عزوجل, لأجل ذلك أمرنا عليه الصلاة والسلام أنه اذا اراد أحدنا أن يستغني عن ثوبٍ فليتصدّق به ولا يرميه, ولعلّ الأمة تستنّ بهذه الس - النبوية المباركة, لقضينا على نسبة كبيرة من الفقر ولما وجدنا فقيرا مسلماً يتسوّل, لماذا؟ لأنّ أمره صلى الله عليه وسلم لا ينطبق فقط على اللباس, بل الطعام والشراب والأثاث والمال وكل مرافق الحياة.
لأجل ذلك كان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في ثوبه رقاع وأن أويسا القرني رحمه الله كان يلتقط الرقاع من المزابل فيغسلها في الفرات ثم يُخيطها فيلبسها , وفي زماننا هذه نعتبر نحن مسلموا هذه الايام عملا كهذا عيباُ ونتأفّفَ منه, ولو كان كذلك لما فعله الأخيار منا وصفوة الناس قديما, فرحم الله من كل من استنّ بسنن النبي صلى الله عليه وسلم وسنن الصالحين من بعده.
وما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأصحابه رضوان الله عنهم من بعده ذلك, الا ليؤثرون على أنفسهم , ويعرضون عن الدنيا زهدا وليس بخلا, وشتان ما بين الزهد والبخل.
فعمر بن عبد العزيز رحمه الله كان من الأثرياء وآثر أن يعيش حياة الفقر زهداَ, فعن مسلمة بن عبد الملك أنه دخل على عمر بن العزيز وعليه قميص وسخ فقال لأخته فاطمة بنت عبد الملك زوجة عمر رحمهم الله جميعا: اغسلي قميص أمير المؤمنين .. فقالت: والله ليس له قميصاً غيره.
مدخل ابليس على الصوفية في اللباس
قال المصنف رحمه الله: فأما الصوفية في زماننا فإنهم يعمدون إلى ثوبين أو ثلاثة كل واحد منها على لون فيجعلوها خرقا ويلفقونها فيجمع ذلك الثوب وصفين , الشهرة والشهوة, فإن لبس مثل هذه المرقعات أشهى عند خلق كثير من الديباج , وبها يشتهر صاحبها أنه من الزهاد , وما يعلمون انهم بهذه الرقاع التي يشهبون بها أنفسهم بالسلف, أنّ ابليس قد تلبّس عليهم موسوسا لهم: أأنتم صوفية؟ بل الصوفية كانوا يلبسون المرقعات وأنتم لستم كذلك, وكي تكونوا كذلك عليكم بلبس المرقعات, هكذا نرى الصوفية وقد فهموا معنى التصوّف, ولم يفهموا أن التصوّف هو في العبادة وليس باللباس, لذا كان التقليد الاعمى والتشبيه في الصورة والمعنى وبال على المقلدين والمتشبهين, أما الصورة الحقيقية قديما فقد كان القدماء يرقعون ثيابهم فقراً وليس عادة أو مذهباً, ولم يكونوا يقصدون التحسن بالمرقع, ولا كانوا يتخذون أثوابا جديدة مختلفة الألوان , فيقطعون من كل ثوب قطعة ويلفقونها على أحسن الترقيع ويخيطونها ويسمونها مرقعة , وأما عمر رضي الله عنه لما قدم بيت المقدس حين سأل القسيسون والرهبان عن أمير المسلمين فعرضوا عليهم أمراء العساكر مثل أبي عبيدة وخالد بن الوليد وغيرهما رضي الله عنهم, فقالوا: ليس هذا المصور عندنا ألكم أمير أو لا؟ فقالوا: لنا أمير غير هؤلاء, فقالوا: هو أمير هؤلاء؟ قالوا نعم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فقالوا أرسلوا إليه ننظره , فإن كان هو سلّمنا إليكم من غير قتال , وإن لم يكن هو , فلا فلو حاصرتمونا ما تقدرون علينا, فأرسل المسلمين إلى عمر رضي الله عنه وأعلموه بذلك فقدم عليهم وعليه ثوب مرقع سبع عشرة رقعة , بينها رقعة من أديم , فلما رآه الروحانية والقسيسين على هذه الصفة سلّموه بيت المقدس من غير قتال , فأين هذا مما يفعله جهال الصوفية في زماننا من السلف الصالح الذي كان يرقع ثيابه وهداً وتعففاً وتعبداً؟
وهذه صورة أخرى من بدع الصوفية اليوم, قال المصنف رحمه الله: ومن هؤلاء المذمومين الصص الليلي الذي يلبس الصوف تحت الثياب ويُلوح بكمه حتى يُرى لباسه. واللص النهاري الذي يلبس الثياب اللينة على جسده , ثم يلبس الصوف فوقها , وجاء آخرون بعدهم فأرادوا التشبه بالصوفية فصعب عليهم , فأحبوا التنعم مع الاحتفاظ بصورة التصوف لئلا يتعطل معاشهم, فلبسوا الفوط الرفيعة واعتموا بالرومي الرفيع , فالقميص والعمامة على أحدهم بثمن خمسة أثواب من الحرير.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد لبس إبليس عليهم أنكم من صوفية بنفيس النفس وإنما أرادوا أن يجمعوا بين رسوم التصوف وتنعم أهل الدنيا ومن علاماتهم مصادفة الأمراء ومفارقة الفقراء كبرا وتعظيما وقد كان المسيح عيسى بن مريم صلوات الله وسلامه عليه يقول: يا بني إسرائيل ما لكم تأتونني وعليكم ثياب الرهبان وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري؟ البسوا لباس الملوك وألينوا قلوبكم بالخشية.
قال مالك دينار رحمه الله: إن من الناس ناسا إذا لقوا القراء ضربوا معهم بسهم, وإذا لقوا الجبابرة وأبناء الدنيا أخذوا معهم بسهم , فكونوا من قراء الرحمن بارك الله فيكم
وقال أيضا رحمه الله: إنكم في زمان أشهب لا يبصر زمانكم إلا البصير إنكم في زمان كثير تفاحشهم قد انتفخت ألسنتهم في أفواههم فطلبوا الدنيا بعمل الآخرة فاحذروهم على أنفسكم لا يوقعكم في شباكه.
قال المصنف رحمه الله: وإنما يُكره لبس الفوط المرقعات لأربعة أوجه:
أحدها أنه ليس من لباس السلف وإنما كان السلف يرقعون للضرورة.
والثاني أنه يتضمن ادعاء الفقر , وقد أمر الإنسان أن يظهر نعمة الله عليه.
والثالث إنه إظهار للزهد وقد أمرنا بسترة.
والرابع أنه تشبه بهؤلاء المتزحزحين عن الشريعة وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم.
وروى الترمذي رحمه الله من حديث سعيد بن جبير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البسوا من ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ... وفي رواية أيضا للترمذي رحمه الله: البسوا الثياب البيض فإنها أظهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم.
النهي عن لباس الشهرة وكراهته
وأما النهي عن لباس الشهرة وكراهته فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه حتى يضعه.
وعن سعيد بن المسيب رحمه الله عن أبي هريرة وزيد بن ثابت رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشهرتين فقيل يا رسول الله وما الشهرتان؟ قال: رقة الثياب وغلظها ولينها وخشونتها وطولها وقصرها ولكن سداد بين ذلك واقتصاد.
و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من لبس ثوبا مشهورا أذله الله يوم القيامة
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب المذلة يوم القيامة.
وفي رواية أخرى لابن عمر رضي الله عنهما, قال: من لبس شهرة من الثياب ألبسه الله ثوب ذلة.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: من ركب مشهورا من الدواب أعرض الله عنه ما دام عليه وإن كان كريما
قال المصنف رحمه الله: وقد روينا أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى على ولده ثوبا قبيحا دونا فقال: لا تلبس هذا فإن هذا ثوب شهرة.
ولو نظرنا الى رجلٍ اعطي من الكرامات ما أُعطيً حتى يرتفع في الهواء من كثرتها, فلا نغتر به حتى ننظر اليه كيف هو بأوامر الله عزوجل ونهيه, وحفظه لحدود الله عزوجل, ولعلّ هذا القول يذكرنا بمقولة عمر رضي الله عنه للرجل الذي قام يمدحُ أمامه حسن أخلاق رجلاً آخرا , فقال له عمر رضي الله عنه: هل سافرت معه؟ فأجاب الرجل بالنفي, ثم ساله: هل تعاملت معه بالدرهم والدينار؟ فأجابه الرجل بالنهي, فقال له عمر رضي الله عنه: لعلك رايته في المسجد يسجدُ ويركعُ؟ فأجابه الرجل: نعم يا امير المؤمنين هو ما تقول, فقال له عمر رضي الله عنه: لا تنظروا الى ضصلاة المرء ولا الى صيامه, ولكن انظروا الى صدقه في الحديث ... ولعل عمر رضي الله عنه يريد أن يُعلمنا درسا في الأخلاق وهو: أنّ المرء كله لسان, فان كان صادقا بالتعامل مع الناس: كان مؤمناً لقوله صلى الله عليه وسلم: المؤمن لا يكذب, لجل ذلك فقد كانت أول صفة اشتهر بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته هي الصدق والأملنة فلقبه قومه: بالصادق الأمين ... وهذه صفة التصقت بجميع الأنبياء والمرسلين بقوله تعالى لكل نبي من أنبياءه صلوات ربي وسلامه عليهم جميعا: انه كان صديقا نبيا .. انه كان مخلص الوعد, وكان رسولا نبياً ... إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا
(يُتْبَعُ)
(/)
وهكذا وقد تعددت صفاتهم الطيبة صلوات ربي وسلامه عليه, لأنّ الدين النصيحة, هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ الدين النصيحة, ولأنّ الصحابة رضوان الله عنهم استوعبوا هذا المعنى فقد سألوه لمن يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لله ورسوله وكتابه وأولي الأمر منكم.
لقد لخّص لنا النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله بكلمة واحدة هي النصيحة, وتحت هذه الكلمة يندرج بنود الدين كله, فعندما سألوه رضي الله عنهم لمن تكون النصيحة يا رسول الله؟ أجاب عليه الصلاة والسلام: لله: أي باتباع أوامره والانتهاء عن نواهيه واقامة حدوده, ومن لم يفعل أو يخلَّ بواحدة منها فليس ناصحاً لدينه ... ولرسوله: أي من لا يتبع هدى النبي صلى الله عليه وسلم , وسنته وأقواله فليس بناصحٍ لدينه ... ولكتابه: أي القرآن الكريم, فمن لم يحرمُ حرام القرآن, ويحللُ حلال القرآن ويقيم حدوده فليس بناصحٍ لدينه ..
وأولي المر منكم: وهذا يشمل ناحيتين: نصح الحكام من العلماء, ونصح الأفراد فيما بينهم علماء كانوا أم أفراداً, بكل الحب, ولتحقيق كل ما سبق أي تحقيق عبارة الدين النصيحة علينا أن تتوافر فينا خصلتين: الصدق والاخلاص ... الصدق في القول والفعل والعمل والنصيحة, والاخلاص لله تعالى في العبادة, فلا نعمل عملاً لأجل فلان, لأنّ العمل لأجل الناس شرك, والشرك لا يُغفرُ يوم القيامة لقوله تعالى: انذ الله لا يغفر أن يثشركَ به, ويغفرُ ما دون ذلك لمنْ يشاء.
اذن لا بدّ من توافر عنصر الاخلاص في أمرين: في عبادتنا لله تعالى, وفي تعاملنا مع الناس, وأن تكون علاقتنا بالآخرين وبمن حولنا لله تعالى, فمن اخلّ بواحدا منها فليس بمخلصاً لله تعالى, فأن تقول: ما ذهبتُ الى فلان الا من أجل ألا يزعلُ فهذا شرك ... وما فعلت كذا الا لأجل هذا وذاك أو من أجل ألا يزعلُ مني فهذا شرك, لنذ العهنمل يجب أن يكون لله تعالى وحده لا شريك له , لا من اجل فلان وفلان.
الأمر الثاني الذي يجب تحقيقه الى جانب الصدق والاخلاص هوالاخلاص في المحبة للآخرين, أي أن تحبّ لخيك المسلم ما تُحبُّهُ لنفسك ففي الحديث المتفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يثحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه ..
هذا الحديث أصل عظيم في محبة المسلمين والنصح لهم وإيثارهم ومعاملتهم كمعاملة النفس وفيه عدة أمور منها:
أولا: والمراد من كلمة لا يؤمن: أي لا يكتمل ايمان العبد ولا يبلغ حقيقة الإيمان وكماله حتى يُحبَّ لأخيه المسلم ما يُحبُّ لنفسه من الخير, كما هو مفسر في رواية الامام أحمد رحمه الله: لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير
ونفي النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان لعبد ما يكون على مرتبتين اثنتين
الأولى: نفي لأصل الإيمان لانتفاء بعض أركانه كقوله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
الثانية: نفي لكمال الإيمان الواجب لانتفاء بعض واجباته كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه.
ولكل مرتبة نظائر في الأدلة الشرعية والسياق والقرائن تدل عليها, فإن كان المنفي ركناً: حمل النفي على أصل الدين , وإن كان المنفي واجبا: حمل على كماله الواجب , وإن كان المنفي مستحبا: حمل على كماله المستحب.
ثانيا: اختلف العلماء في توجيه النصوص التي ورد فيها نفي الإيمان عمّن فعل محرما أو ترك واجبا, كقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن.
وقد اختلف العلماء في هذا الأمر: فمنهم من قال: هل يسمى الفاعل ناقص الإيمان .. ومنهم من قال: هل يُسلبُ عنه اسم الإيمان ويسمى مسلما , وهناك اجابتان على ذلك في روايتان في مذهب الإمام أحمد رحمه الله: وهما قولان معروفان عند أهل السنة. والتحقيق أنّ مرتكب الكبيرة لا يزول عنه اسم الإيمان بالكلية , بل هو مؤمن بإيمانه, فاسقٌ بمعصيته ناقص الإيمان.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في عقيدته الواسطية: ونقول هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الإيمان.
أما من قال هو مسلم من السلف فليس مراده تكفيره , وإنما أخذ بظاهر النصوص التي تنفي عنه وصف الإيمان , فمخالفتهم يسيرة في الاسم لا يترتب عليها حكم. ومذهب أهل السنة وسط في هذه المسألة بين المعتزلة والخوارج, الذين يسلبون عنه الاسم فيكفرونه, والمرجئة الذين يثبتون له الاسم المطلق ويقولون هو مؤمن كامل الإيمان.
ثالثا: يدل الحديث: على أنّ من خصال الإيمان المستحبة أن يُحبَّ المسلم لأخيه ما يُحبُّ لنفسه , ويكره له ما يكره لنفسه , فيأتيه بما يحب أن يؤتى به , ويمنع عنه ما يحب أن يمنع عنه من الأذى , وينصح له ويجتهد في أداء حقوقه واحترامه وتقديره والنظر في مصالحه. يتحقق ذلك في: إن رأى نقصا في دين أخيه اجتهد في إصلاحه. ورحم الله من قال: أهل المحبة لله نظروا بنور الله وعطفوا على أهل معاصي الله مقتوا أعمالهم وعطفوا عليهم ليُزيلوهم بالمواعظ عن فِعالهم وأشفقوا على أبدانهم من النار.
رابعاً: مَن أكرمه الله عزوجل بهذه الخصلة العظيمة كان مستحقا لدخول الجنة, لما رواه الامام مسلم رحمه الله, انّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه.
ولما رواه الامام أحمد رحمه الله, من حديث يزيد القسري رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحب الجنة؟ قلت: نعم قال: فأحب لأخيك ما تحب لنفسك.
وذلك أنه لما كان المسلم محسنا لإخوانه في الحياة الدنيا, مشفقا عليهم , حريصا على نفعهم , جازاه الله تعالى بالإحسان في الآخرة , وأدخله دار كرامته.
خامسا: لا يقدر على هذه الخصلة ولا يقوى عليها الا من كان قلبه خاليا من الغل والغش والحسد , فمن كان كذلك سرّهُ ما سرَّ أخاهُ, وساءهُ ما ساء أخاهُ, أما من كان يحمل في قلبه الغل , فإنه يُمنع من هذا الخير , لمنافاته لما في قلبه من السوء, فإن الحسد ياكل الحسنات كما تأكل النار الهشيم او كما قال عليه الصلاة والسلام, والحسد: هو أن تتمنى زوال نعمة عن أخيك المسلم أنعم الله بها عليه, وهي تختلف اختلافا كليا عن الغبطة: والتي هي من مكارم الأخلاق: والغبطة هي أن تتمنى لنفسك ما أعطاه الله عزوجل لأخيك من خير, وشتان ما بين الحسد والغبطة, فالحسد مذموما ويوجب النار, والغبطة محمودة ومن مكارم الأخلاق, ذلك أنه لا يريد فيها التكبر على العباد, وانما يحيا متواضعا يتمنى الخير لكل الناس كما يتمناه لنفسه, وقد مدح الله في كتابه الكريم من لا يريد العلو في الأرض فقال سبحانهفي سورة البقرة 281:
تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
سادسا: علينا محبة الخير للأخرين بنفس الدرجة التي نحب فيه الخير لأنفسنا وأبناءنا وبناتنا, لما رواه الامام أحمد رحمه الله من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعنده مالك الرهاوي رضي الله عنه, فأدركته وهو يقول: يا رسول الله قد قسم لي من الجمال ما ترى فما أحب أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما أليس ذلك هو من البغي؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
لا ... ليس ذلك بالبغي , ولكن البغي من بطر أو قال من سفه الحق وغمص الناس.
أما إذا فعل ذلك من باب الكبر والفخر على الناس فهذا مذموم , وقد نهى عنه الشرع وعليه تحمل آثار السلف وهو مناف لمحبة الخير للمسلمين.
سابعاً: إذا رأى المسلم غيره فاق عليه في فضيلة فتمنيه لها لنفسه له حالتان:
الأولى: إن كانت تلك الفضيلة دينية كالعلم والعبادة وغيرها استحب له أن يتمنى ذلك كما تمنى النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه منزلة الشهادة. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها.
(يُتْبَعُ)
(/)
فتمني المرء لما أُعطيَ أخاه من الفضائل هو الغبطة, وهذا لا ينافي محبة الخير والنصح له, لأنه من باب التنافس في طاعة الله والمسابقة بالخيرات كما في قوله تعالى في سورة المطففين:
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
الثانية: إن كانت تلك الفضيلة دنيوية فلا يشرع له تمنيها , ولا خير في ذلك , تماما كما ذم الله عز وجل قوم قارون بقوله: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ... وكقوله تعالى: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ
فيُكره للعبد تمني ذلك , لأن الدنيا ليست هي المقصودة في ميزان الله تعالى, وانما الآخرة لهي الحيوان, ولهي دار الخلودج, وما الدنيا الا ممر لدار المقر, وخير الزاد تقوى الله عزوجل, والدنيا قد تكون وبالا على الانسان ان لم يحسن التعامل معها, كما تعامل معها الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وطلقها ثلاثا فقال: يا دنيا غُرّي غيري فقد بتَتْتُكِ ثلاثا.
ورحم الله من قال: إذا رأيت من يُنافسك في الدنيا فنافسه في الدين
الثامنة: كان السلف الصالح رحمهم الله يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم وينصحون لهمو وهذا ان دلّ على شيءٍ فانما يدلُّ على تجردهم الكامل عن حظوظ أنفسهم , وعن صدقهم وكمال إخلاصهم , وحرصهم على إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى, ونصرة دينه , وخوفهم من العلو في الأرض.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأمُرَّ على الآية من كتاب الله فأوَدُّ أن الناسَ كلُّهم يعلمون منها ما أعلم
وكان عتبة الغلام رحمه الله إذا أراد أن يُفطر يقول لبعض إخوانه المطلعين على أعماله: أخرج لي ماء أو تمرات أفطر عليها ليكون لك مثل أجري
هكذا كان الصحابة يحبون لغيرهم كما يحبون لآنفسهم, وقد قلّ في الناس في زماننا المادي , العمل بهذا الخلق الكريم , فترى المرء يُقصِّرُ كثيرا في أداء حقوق إخوانه في الوقت الذي يستقصي حقه ويشحُّ بماله, وليس هذا فحسب بل تراه يبخَس الناس أشياءهم ويأكل أموالهم في سبيل حصوله على عرض الدنيا, بل تراه لا يتورَّعُ أبدا عن خداع الناس وغشهم وترك مقتضى النصيحة لهم, وقد يرى البعض أخاه مُشرفا على ضررٍ , أو سالكاً للطريق الخطأ في أمر من أمور الدنيا , فيبخل عليه بنصيحته , ويمنعه التوجيه إلى الصواب والله المستعان على أناسٍ كهؤلاء.
الصبر على الفقر والمرض
ولنعلم أنّ الفقر مرض , فمن ابتلاه الله تعالى به فصبر فانه يُثاب على صبره , ولأجل هذا فانّ الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام , لمكانة صبرهم على البلاء, والمال نعمة , والنعمة دوماً تحتاج إلى شكر, والغني ان أدّى حقوق الله عزوجل في ماله واتقى الله تعالى وعدّل, كان كالمفتي والمجاهد, وكان الصالحون لا يقبلون عطاءً من ظالم ولا مالٍ فيه شبهة.
الصوفية والمبالغة في تقصير الثياب
قال المصنف رحمه الله: وفي الصوفية من يبالغ في تقصير ثوبه , وذلك شهرة أيضا , أخبرنا ابن الحصين مرفوعا الى العلاء عن أبيه أنه سمع أبا سعيد رضي الله عنه سئل عن الإزار فقال: سمعت رسول الله يقول: إزار المسلم إلى إنصاف الساقين, لا جناح أو لا حرج عليه , ما بينه وبين الكعبين , ما كان أسفل من ذلك فهو النار.
وقد روى إسحاق بن إبراهيم بن هانئ قال: دخلت يوما على الامام أحمد بن حنبل وعليَّ قميص أسفل من الركبة وفوق الساق فقال: أي شيء هذا؟ وأنكره وقال: هذا بالمرة لا ينبغي
ولعلّ الذين اعتادوا على لباس الشورت المحاذي للركبة , الا يدخلون المسجد بالشورت أو يصلون فيه.
الصوفية وتخصيص ثياب للصلاة وثياب للخلاء
قال المصنف رحمه الله: وقد كان في الصوفية من استكثر من الثياب وسوسة , فيجعل للخلاء ثوبا , وللصلاة ثوبا , وقد روي هذا عن جماعة منهم أبو يزيد وهذا لا بأس به إلا أنه ينبغي خشية أن يُتخذ سنة.
أخبرنا محمد بن أبي القاسم مرفوعا الى علي بن الحسين رحمهما الله , قال: يا بني لو اتخذت ثوبا للغائط رأيت الذباب يقع على الشيء ثم يقع على الثوب ثم أتيته فقال: ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا لأصحابه , إلا ثوب فرفضه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد كان فيهم من لا يكون له سوى ثوب واحد زهدا في الدنيا , وهذا أحسن , إلا أنه إذا أمكن اتخاذ ثوب للجمعة والعيد, كان أصلح وأحسن , كما روى عبد الله بن سلام رضي الله عنه, قال: خطبنا رسول الله في يوم جمعة فقال: ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعة سوى ثوب مهنته.
و روي أنه كان لرسول الله برد يمينه , وإزار من نسج عمان , فكان يلبسهما في يوم الجمعة ويوم العيد ثم يُطويان
الصوفية ولامتناع عن أكل اللحم
قال المصنف رحمه الله: وقد كان منهم قومٌ لا يأكلون اللحم , حتى قال بعضهم أكل درهم من اللحم يُقسيِّ القلب أربعين صباحا , وكان فيهم من يمتنع من الطيبات كلها , ويحتجون برواية لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: احرموا أنفسكم طيب الطعام , فإنما قوي الشيطان أن يجري في العروق بها.
وفيهم من كان يمتنع من شرب الماء الصافي, وفيهم من يمتنع من شرب الماء البارد فيشرب الحار, ومنهم من كان يجعل ماءه في دن مدفون في الأرض فيصير حارا , ومنهم من يعاقب نفسه بترك الماء مدة , لدرجة أنذ احدهم قال: ما أكلت شيئا مما يأكله بنو آدم أربعين سنة قال: وأسهل ما لاقت نفسي مني أني سألتها أمرا من الأمور فأبت فعزمت أن لا أشرب الماء سنة فما شربت الماء سنة وحكى أبو حامد الغزالي عن أبي يزيد أنه قال: دعوت نفسي إلى الله تعالى فجمحت فعزمت عليها أن لا أشرب الماء سنة ولا أذوق النوم سنة فوفت لي بذلك
قال المصنف رحمه الله: وقد أخرج لهم بعض المتأخرين الأربعينية يبقى أحدهم أربعين يوما لا يأكل الخبز ولكنه يشرب الزيوتات ويأكل الفواكه الكثيرة اللذيذة فهذه نبذة من ذكر أفعالهم في مطاعمهم يدل مذكورها على مغفلها
الصوفية والجوع
قال المصنف رحمه الله: واعلم أن الصوفية إنما يأمرون بالتقلل شبانهم ومبتدئيهم ومن أضر الأشياء على الشاب الجوع فإن المشايخ يصبرون عليه والكهول أيضا , فأما الشبان فلا صبر لهم على الجوع , وسبب ذلك أن حرارة الشباب شديدة , فلذلك يجود هضمه , ويكثر تحلل بدنه فيحتاج إلى كثرة الطعام كما يحتاج السراج الجديد إلى كثرة الزيت , فإذا صابر الشاب الجوع وتئبته في أول النشوء قمع نشوء نفسه , فكان كمن يعرقب أصول الحيطان , ثم تمتد يد المعدة لعدم الغذاء إلى أخذ الفضول المجتمعة في البدن فتغذيه بالأخلاط , فيفسد الدهن والجسم وهذا أصل عظيم يحتاج إلى تأمل.
قال المصنف رحمه الله: وذكر العلماء التقلل الذي يضعف البدن , وعن إسحق بن داود بن صبيح قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: يا أبا سعيد! إن ببلدنا قوما من هؤلاء الصوفية فقال: لا تقرب هؤلاء فإنا قد رأينا من هؤلاء قوما أخرجهم الأمر إلى الجنون وبعضهم أخرجهم إلى الزندقة.
قال المصنف رحمه الله: وفي هؤلاء القوم من يتناول المطاعم الرديئة ويهجر الدسم فيجتمع في معدته أخلاط فجة فتغتذي المعدة منها مدة لأن المعدة لا بد لها من شيء تهضمه فإذا هضمت ما عندها من الطعام ولم تجد شيئا تناولت الأخلاط فهضمتها وجعلتها غذاء وذلك الغذاء الرديء يخرج إلى الوساوس والجنون وسوء الأخلاق.
وهؤلاء المتقللون يتناولون مع التقلل أردأ المأكولات فتكثر أخلاطهم فتشتغل المعدة بهضم الأخلاط , ويتفق لهم تعود التقلل بالتدريج فتضيق المعدة, فيمكنهم الصبر عن الطعام أياما ويعينهم على هذا قوة الشباب فيعتقدون الصبر عن الطعام كرامة.
وقال المصنف رحمه الله: فإن قيل كيف تمنعون من التقلل وقد رويتم أن عمر رضي الله عنه كان يأكل كل يوم إحدى عشرة لقمة , وأن ابن الزبير رضي الله عنهما كان يبقى أسبوعا لا يأكل , وإن إبراهيم التميمي رحمه الله يبقي شهرين, قلنا: قد يجري للإنسان من هذا الفن في بعض الأوقات غير أنه لا يدوم عليه , ولا يقصد الترقي إليه , وقد كان السلف من يجوع عوزا, وفيهم من كان الصبر له عادة , لا يضر بدنه , وفي العرب من يبقى أياما لا يزيد على شرب اللبن , ونحن لا نأمر بالشبع , إنما ننهى عن جوع يُضعف القوة , ويؤذي البدن وإذا ضعف البدن , قلّت العبادة , فإن حملت البدن قوة الشباب جاء الشيب فأقذع بالراكب.
لأجل هذا كان الاضراب عن الطعام والشراب أمر منكر لا يقرُّه الشرع أبدا, لنذ منع النفس عن مستحقها ظلم لها, ولا يحق للانسان أن يؤذي نفسه من منطلق قوله تعالى:
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة.
فعن أنس رضي الله عنه, قال: كان يُطرح لعمر بن الخطاب رضي الله عنه الصاع من التمر فيأكله حتى حشفه , وقد روينا عن إبراهيم بن أدهم أنه اشترى زبدا وعسلا وخبزا حوارى فقيل له: هذا كله تأكله؟ فقال: إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال , وإذا عدمنا صبرنا صبر الرجال
والقاعدة الفقهية في الأكل هي: نحنُ قومٌ لا نأكلُ حتى نجوع, واذا اكلنا لا نشبع.
فالوسطية في الاسلام مطلوبة كما في قوله تعالى في البقرة 143:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
شرب الماء
الماء الصافي دواء لأسقام والعلل, فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقى له الماء العذب من بئر السقيا
وينبغي أن يثعلم أنّ الماء الكدر يُولِّدُ الحصا في الكلى والسدد في الكبد, وأما الماء البارد المعتدل البرودة فانه يشدُّ المعدة, ويُقوي الشهوة, ويُحسّنُ لون البشرة, ويمنع عفن الدم وصعود البخارات الى الدماغ, ويحفظ الصحة, وان كان الماء حارا أفسد الهضم, واحدث الترهل, وأذبل البدن, وأدى الى الاستسقاء.
ذكر أحاديث تبين خطأهم في أفعالهم
قال المصنف رحمه الله: هذا حديث عمير بن مرداس رحمه الله مرفوعا الى سعيد بن المسيب رضي الله عنه, قال: جاء عثمان بن مظعون رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! غلبني حديث النفس فلم أحب أن أحدث شيئا حتى أذكر لك ذلك .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما تحدثك نفسك يا عثمان؟ قال: تحدثني نفسي أن أختصي , فقال: مهلا يا عثمان فإن خصي أمتي الصيام قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني أن أترهب في الجبال قال: مهلا يا عثمان فإن ترهب أمتي الجلوس في المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة, قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني بأن أسيح في الأرض قال: مهلا يا عثمان فإن سياحة أمتي الغزو في سبيل الله والحج والعمرة, قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني بأن أخرج من مالي كله, قال: مهلا يا عثمان فإن صدقتك يوما بيوم وتكف نفسك وعيالك وترحم المسكين واليتيم وتطعمه أفضل من ذلك , قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني بأن أطلق خولة امرأتي قال: مهلا يا عثمان فإن هجرة أمتي من هجر ما حرم الله عليه أو هاجر إلي في حياتي أو زار قبري بعد موتي أو مات وله امرأة امرأتان أو ثلاث أو أربع , قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني أن لا أغشاها (أي ألا اجامعها) , قال: مهلا يا عثمان فإن الرجل المسلم إذا غشي أهله فإن لم يكن من قوعته تلك ولد كان له وصيف في الجنة فإن كان من وقعته تلك ولد فإن مات قبله كان له فرطا وشفيعا يوم القيامة وإن كان بعده كان له نورا يوم القيامة, قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني أن لا آكل اللحم , قال: مهلا يا عثمان فإني أحب اللحم وآكله إذا وجدته ولو سألت ربي أن يطعمني إياه كل يوم لأطعمني , قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني أن لا أمس طيبا , قال: مهلا يا عثمان فإن جبريل أمرني بالطيب غبا ويوم الجمعة لا مترك له يا عثمان لا ترغب عن سنتي فمن رغب عن سنتي ثم مات قبل أن يتوب صرفت الملائكة وجهه عن حوضي.
وعن أبي بردة رضي الله عنه , قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه على نساء النبي صلى الله عليه وسلم , فرأينها سيئة الهيئة فقلن لها: مالك؟ فما في قريش رجل أغنى من بعلك؟ قالت: ما لنا منه شيء, أما ليله فقائم , وأما نهاره فصائم , فدخلن إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فذكرن ذلك له فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عثمان أمالك بي أسوة؟ فقال: بأبي وأمي أنت وما ذاك؟ قال: تصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: إني لأفعل , قال: لا تفعل إن لعينك عليك حقا وإن لجسدك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فصل ونم وصم وأفطر .. وفي رواية أخرى: يا عثمان إن الله تعالى لم يبعثني بالرهبانية - مرتين أو ثلاثا - وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة.
وعن كهمس الهلالي رضي الله عنه, قال: أسلمت وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم, فأخبرته بإسلامي , فمكثت حولا ثم أتيته , وقد ضمرت , ونحل جسمي , فخفض في البصر ثم صعده قلت: أما تعرفني؟ [قال عليه الصلاة والسلام: ومن أنت؟ قلت: أنا كهمس الهلالي قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قلت: ما أفطرت بعدك نهارا ولا نمت ليلا, قال: ومن أمرك أن تعذب نفسك؟ صم شهر الصبر ومن كل شهر يوما, قلت: زدني قال: صم شهر الصبر ومن كل شهر يومين , قلت: زدني قال: صم شهر الصبر ومن كل شهر ثلاثة أيام
قال المصنف رحمه الله: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى يحب أن يرى آثار نعمته على عبده في مأكله ومشربه.
قال المصنف رحمه الله: وهذا الذي نُهينا عنه من التقلل الزائد في الحد قد انعكس في صوفية زماننا , فصارت همُّتهُم في المأكل كما كانت همة متقدميهم في الجوع , لهم الغذاء والعشاء والحلوى , وكل ذلك أو أكثره حاصل من أموال وسخة , وقد تركوا كسب الدنيا , وأعرضوا عن التعبد , وافترشوا فراش البطالة , فلا همة لأكثرهم إلا الأكل واللعب , فإن أحسن محسن منهم , قالوا: طرح شكرا, وإن أساء مسيء , قالوا: استغفر , ويسمون ما يلزمه إياه واجبا وتسمية ما لم يسمه الشرع واجبا جناية عليه.
والى أن نلتقي مع الجزء الثاني عشر: مدخل إبليس على الصوفية في السماع والرقص والوجد
ان شاء الله, نترككم برعاية المولى عزوجل.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[10 - Jul-2009, مساء 01:59]ـ
الجزء الثاني عشر- مدخل إبليس على الصوفية في في السماع والرقص والوجد
قال المصنف رحمه الله: اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين أحدهما: أنه يُلهي القلب عن التفكر في عظمة الله سبحانه وتعالى والقيام بخدمته
والثاني: أنه يُميلُهُ إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية ومعظمها النكاح , وليس تمام لذته إلا في المتجددات , ولا سبيل إلى كثرة المتجددات من الحل فلذلك يحثُّ على الزنا , فبين الغناء والزنا تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح, والزنا لذة أكبر لذات النفس, ولهذا جاء في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة لقمان 6: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليُضلَّ عن سبيل الله ..
وأقسم ابن مسعود رضي الله عنه بالله تعالى ثلاثا انذ هذه الآية الكريمة نزلت في في الغناء, وكذلك الحسن البصري رحمه اله قال: نزلت في الغناء والمزامير, والمعنى من الناس من يشتري معصية الله عزوجل باللهو الذي لا خير منه ولا فائدة, واللهو كما قال الزمخشري رحمه الله: هو كل باطلٍ الهى عن الخير, كالسمر بالأساطير والنكت والاباطيل والخرافات المضحكة , وفضول الكلام وما لا ينبغي قوله. من فضول الكلام.
وأما في قوله تعالى في سورة الاسراء64: واستفزز من استطعت منهم بصوتك
والصوت هنا كما قال مجاهد رحمه الله: الغناء والمزامير واللهو
وقوله تعالى في سورة النجم: وأنتم سامدون
هي في الغناء, ومعنى وأنتم سامدون: وأنتم لاهون غافلون
وكما جاء في الحديث: الغناء رقية الزنا
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
انّ الله تعالى حرّم المغنيّة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع اليها, ثم قرأ قوله تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
نُهيتُ عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة, وصوت عند مصيبة.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا ابنه ابراهيم يجود نفسه, فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ففاضت عيناه, فقلت يا رسول الله! أتبكي وتنهانا عن البكاء, فقال عليه الصلاة والسلام: لست أنهي عن البكاء, انما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لعب ولهو ومزامير الشيطان, وصوت عند مصيبة ضرب وجه, وشق ثوب, ورنة شيطان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما, ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
بعثت بهدم المزمار والطبل.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال, أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا فعلت أمتي خمسة عشرة خصلة حلّ بها البلاء, وذكر منها: اذا اتخذت القيان والمعازف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا اتخذ اتخذ الفيء دولاً, والأمانة مَغنماً, والزكاة مغرماً, وتعلم لغير الدين, وأطاعَ الرجل زوجته وعقًّ أمه, وأدنى صديقه وأقصى أباه, وظهرت الأصوات في المساجد, وساد القبيلة فاسقهم, وكان زعيم القوم أرذلهم, ,وأكرم الرجل مخافة شره, وظهرت القينات والمعازف, وشُربت الخمور, ولعن آخر هذه الأمة أولها, فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء, وزلزلةً وخسفاً ومسخاً وقذفاً , وآيات تتابع كنظام بال قطع سالكة فتتابع.
وعن صفوان بن أمية رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجاء عمرو بن قرة فقال: يا رسول الله! انّ الله عزوجل قد كتب على الشفوة , فما أراني أرزق الا من دفي بكفي, فأْذن لي في الغناء في غير فاحشة, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آذن لك ولا كرامة ولا نعمة عين, كذبت يا عدو الله, لقد رزقك الله حلالا طيبا فاخترت ما حرّم الله عليك من رزقه مكان ما أحلّ الله لك من حلاله .. ولو كنت تقدمت اليك لفعلت بك وفعلت, قم عني وتب الى الله عزوجل, اما انك تقدمت لو قلت بعد التقدمة اليك ضربتك ضرباً وجيعاً, وحلقت رأسك مثله , ونفيتك من اهلك, وأحللت سلبك نهبة لفتيان المدينة .. فقام عمرةوبه من الشر والخزي ما لا يعلمه الا الله عزوجل, فلما ولى , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هؤلاء العصاة من مات منهم بغير توبة, حشره الله عزوجل عُرياناً, لا يستر بهدبة كلما قام صُرِع.
(يُتْبَعُ)
(/)
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أذن الله عزوجل لشيٍ ما اذن لنبيٍّ يتغنى بالقرآن
وروي عن حاطب بن بلتعة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه عن الغناء: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.
وعن الشعبي رحمه الله قال: لعن الله المُغنيِّ والمُغنَّى له.
وقال المصنف رحمه الله: فانّ المعنى في تحريم الغناء والمعازف انذ الغناء يخرج الانسان عن الاعتدال ويغير العقل, وبيان ذلك: انّ الانسان اذا طرب فعل ما يستقبحه في حال صمته من غيره من تحريك رأسه, وتصفيق يديه, ودق الأرض برجليه, الى غير ذلك مما يفعله أصحاب العقول السخيفة, والغناء يوجب ذلك, بل يقارب فعله فعل الخمر في تغطية العقل, فينبغي أن يقع المنع منه.
وقد ذكر أبو جعفر الطبري رحمه الله أن الذي اتخذ الملاهي رجل من ولد قابيل يقال له ثوبال اتخذ في زمان مهلائيل بن قينان آلات اللهو من المزامير والطبول والعيدان فانهمك ولد قابيل في اللهو وتناهى خبرهم إلى من بالجبل من نسل شيث فنزل منهم قوم وفشت الفاحشة وشرب الخمور
قال المصنف رحمه الله: وقد تكلم الناس في الغناء على ثلاثة آراء فأطالوا: فمنهم من حرمه , ومنهم من أباحه, ومنهم من كرهه مع الإباحة.
وفصل الخطاب أن نقول ينبغي أن ينظر في ماهية الشيء ثم يطلق عليه التحريم أو الكراهة أو غير ذلك , والغناء اسم يطلق على أشياء , منها: غناء الحجيج في الطرقات فإن أقواما من الأعاجم يقدمون للحج فينشدون في الطرقات أشعارا يصفون فيها الكعبة وزمزم والمقام وربما ضربوا مع إنشادهم بطبل , فسماع تلك الأشعار مُباحٌ , لأنّ إنشادهم ليس فيه ما يدعو الى الطرب , او يخرج عن الاعتدال, كما في حديث سلمة بن الاكوع رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر , فسرنا ليلا , فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع رضي الله عنه: ألا تسمعنا من هنياتك؟ وكان عامر رضي الله عنه رجلا شاعرا, فنزل يحدو بالقول يقول
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فألقين سكينة علينا ... وثبت الأقدام إذ لاقينا
وكانشاد العرب قول أهل المدينة عند قدوم رسول الله عليهم
طلَعَ البدر علينا ... من ثنياتِ الوَداع
وجَبَ الشكر علينا ... ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا ... جئتَ بالأمرِ المطاع
جئت شرّفت المدينة ... مرحباً يا خيرَ داع
ومن هذا الجنس كانوا ينشدون أشعارهم في المدينة , وربما ضربوا عليه بالدف عند إنشاده. وكما في الصحيحين من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه أنّ خالته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تضربان بدفين , ورسول الله صلى الله عليه وسلم , مُسجى عليه بثوبه ,فانتهرهما أبو بكر , فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهه الشريف, وقال: دعهن يا أبا بكر فإنها أيام عيد.
قال المصنف رحمه الله: والظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن , لأن عائشة رضي الله عنها كانت صغيرة , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرب إليها الجواري فيلعبن معها.
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندنا جارية يتيمة من الأنصار , فزوجناها رجلا من الأنصار, فكنت فيمن أهداها إلى زوجها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! إن الأنصار أناس فيهم غزل فما قلت؟ قالت: دعونا بالبركة قال عليه الصلاة والسلام: أفلا قلتم:
أتيناكم أتيناكم ... فحيُّونا نُحييِّكم
ولولا الذهب الأحمر ... ما حلت بواديكم
ولولا الحبة السمراء ... لم تسمن عذاريكم
قال المصنف رحمه الله: فقد بان بما ذكرنا ما كانوا يغنون به , وليس مما يُطرب , ولا كانت دفوفهن على ما يُعرف اليوم , ومن ذلك أشعار ينشدها المتزهدون بتطريب وتلحين تزعج القلوب إلى ذكر الآخرة ويسمونها الزهديات كقول بعضهم:
يا غاديا في غفلة ورائحا ... إلى متى تستحسن القبائحا
وكم إلى كم لا تخاف موقفا ... يستنطق الله به الجوارحا
يا عجبا منك وأنت مبصر ... كيف تجنبت الطريق الواضحا
فهذا مباح أيضا وإلى مثله أشار أحمد بن حنبل رحمه الله, وقد شئل الامام أحمد بن حنبل رحمه الله في القصائد الرقاق التي في ذكر الجنة والنار مثل:
(يُتْبَعُ)
(/)
إذا ما قال لي ربي ... أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني
ومن الأشعار أشعار تنشدها النواح يثيرون بها الأحزان والبكاء , فيُنهي عنها لما في ضمنها.
فأما الأشعار التي ينشدها المغنون المتهيئون للغناء ويصفون فيها المستحسنات والخمر وغير ذلك مما يحرك الطباع ويخرجها عن الاعتدال ويثير كامنها من حب اللهو وهو الغناء المعروف في هذا الزمان مثل قول الشاعر:
ذهبي اللون تحسب من ... وجنتيه النار تقتدح
خوفوني من فضيحته ... ليته وافى وأفتضح
وقد أخرجوا لهذه الأغاني ألحانا مختلفة كلها تخرج سامعها عن حيز الاعتدال وتثير حب الهوى , ولهم شيء يسمونه البسيط , يزعج القلوب عن مهل , ثم يأتون بالنشيد بعده, فيعجعج القلوب , وقد أضافوا إلى ذلك ضرب القضيب , والإيقاع به على وفق الإنشاد والدف بالجلاجل , والشبابة النائبة عن الزمر فهذا الغناء المعروف اليوم
قال المصنف رحمه الله: وقبل أن نتكلم في إباحته أو تحريمه أو كراهته نقول: ينبغي للعاقل أن ينصح نفسه وأخوانه ويحذر تلبيس إبليس في إجراء هذا الغناء مجرى الأقسام المتقدمة التي يطلق عليها اسم الغناء , فلا يحمل الكل محملا واحدا فيقول: قد أباحه فلان وكرهه فلان, فنبدأ بالكلام في النصيحة للنفس والأخوان فنقول: معلوم أن طباع الآدميين تتقارب ولا تكاد تتفاوت, فإذا ادعى الشاب السليم البدن الصحيح المزاج أنّ رؤية المستحسنات لا تزعجه ولا تؤثر عنده ولا تضره في دينه كذبناه لما نعلم من استواء الطباع , فإن ثبت صدقه عرفنا أنّ به مرضا خرج به عن حيِّز الاعتدال , فإن تعلل فقال: إنما أنظر إلى هذه المستحسنات معتبرا , فأتعجب من حسن الصنعة في دعج العينين, ورقة الأنف , ونقاء البياض , قلنا له في أنواع المباحات ما يكفي في العبرة وههنا ميل طبعك يشغلك عن الفكرة ولا يدع لبلوغ شهوتك وجود فكرة, فإن ميل الطبع شاغل عن ذلك , وكذا من قال: إن هذا الغناء المطرب المزعج للطباع المحرك لها إلى العشق وحب الدنيا لا يؤثر عندي ولا يلفت قلبي إلى حب الدنيا الموصوفة فيه - فإنا نكذبه لموضع اشتراك الطباع , ثم إن كان قلبه بالخوف من الله تعالى غائبا عن الهوى , لأحضر هذا المسموع الطبع , وإن كانت قد طالت غيبته في سفر الخوف , وأقبح القبيح البهرجة , ثم كيف تمر البهرجة على من يعلم السر وأخفى.
ثم إن كان الأمر كما زعم هذا المتصوف , فينبغي ألا نُبيحه , إلا لمن هذه صفته, والقوم قد أباحوه على الإطلاق للشاب المبتدئ والصبي الجاهل , حتى قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: إن التشبيب بوصف الخدود والأصداغ , وحسن القد وسائر أوصاف النساء , الصحيح أنه لا يحرُم.
قال المصنف رحمه الله: فأما من قال إني لا أسمع الغناء للدنيا , وإنما آخذ منه إشارات فهو يُخطئ من وجهين: أحدهما: أن الطبع يسبق إلى مقصوده قبل أخذ الإشارات فيكون كمن قال: إني أنظر إلى هذه المرأة المستحسنة لا تفكر في الصنعة.
والثاني: أنه يقل فيه وجود شيء يشار به إلى الخالق جلّ وعلا, وقد جل الخالق تبارك وتعالى أن يُقال في حقه: أنه يُعشق ويقع الهيمان به , وإنما نصيبنا من معرفته الهيبة والتعظيم فقط , وإذ قد انتهت النصيحة فنذكر ما قيل في الغناء.
أما حكم الغناء في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: فإن كان الغناء في زمانه إنشاد قصائد الزهد إلا أنهم لما كانوا يلحنونها اختلفت الرواية عنه , فروى عنه ابنه عبد الله رحمه الله, أنه قال: الغناء لا يعجبني لأنه يُنبت النفاق في القلب
ومعظم المحدثون حين سُئلوا عن الغناء وقفالوا عنه: أنه بدعة محدثة, ويدل على ذلك أن الامام أحمد بن حنبل رحمه الله قد سئل عن رجل مات وترك ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها فقال: لا تباع على أنها مغنية , فقيل: له إنها تساوي ثلاثين ألف درهم ولعلها إذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: وإنما قال هذا لأن الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهديات بل بالأشعار المطربة المثيرة للطبع إلى العشق وهذا دليل على أن الغناء محظور, إذ لو لم يكن محظورا ما أجاز تفويت المال على اليتيم , وصار هذا كقول أبي طلحة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: عندي خمر لأيتام فقال: أرقها ... فلو جاز استصلاحها لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتضييع أموال اليتامى.
وروى المروزي عن الامام أحمد بن حنبل رحمهما الله , أنه قال: كسب المخنث خبيث يكسبه بالغناء ... وهذا لأن المخنث لا يغني بالقصائد الزهدية, إنما يغني بالغزل والنوح, فبان من هذه الجملة أن الروايتين عن الامام أحمد رحمه الله في الكراهة وعدمها تتعلق بالزهديات الملحنة , فأما الغناء المعروف اليوم فمحظور عنده , كيف ولو علم ما أحدث الناس من الزيادات.
وأما حكم الغناء في مذهب الامام مالك بن أنس رحمه الله فقد نهى عنه وعن استماعه , وقال فيه: إنما يفعله الفساق
وأما في مذهب الامام أبي حنيفة رحمه الله فقد كان أبو حنيفة رحمه الله يكره الغناء مع إباحته شرب النبيذ , ويجعل سماع الغناء من الذنوب , قال: وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة: إبراهيم والشعبي وحماد وسفيان الثوري وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك قال ولا يعرف بين أهل البصرة خلاف في كراهة ذلك والمنع منه إلا ما روى عبيد الله بن الحسن العنبري أنه كان لا يرى به بأسا.
وأما في مذهب الامام الشافعي رحمة الله عليه , قال: الغناء مكروه يُشبه الباطل , ومن استكثر منه فهو سفيه شهادته , خلفت بالعراق شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغيير يشغلون به الناس عن القرآن.
و قال الامام الطبري رحمه الله: فقد أجمع علماء الأمصار على كراهية الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عليكم بالسواد الأعظم فإنه من شذّ, شذّ في النار
وقال عليه الصلاة والسلام: من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية
قال المصنف رحمه الله: قلت وقد كان رؤساء أصحاب الشافعي رحمهم الله ينكرون السماع للغناء, وأما قدماؤهم فلا يعرف بينهم خلال , وأما أكابر المتأخرين فعلى الإنكار منهم أبو الطيب الطبري رحمه الله وما له في ذم الغناء.
وقد نص الشافعي رحمه الله في كتاب أدب القضاء: على أن الرجل إذا دام على سماع الغناء ردت شهادته وبطلت عدالته
قال المصنف رحمه الله: قلت فهذا قول علماء الشافعية وأهل التدين منهم وإنما رخص في ذلك متأخريهم , من قل علمهم وغلبهم هواهم , وقال الفقهاء:
من أصحابنا لا تقبل شهادة المغني والرقاص ... والله الموفق
وقد اعتقد قوم من الصوفية أن هذا الغناء محرم سماعه على العوام للحفاظ على نفوسهم, مباح على الزهاد لحصول مجاهدتهم , مستحب لأصحابهم لحياة قلوبهم, وهذا الكلام غلط ومرفوض جملةً وتفصيلاً لآسباب خمسة ذكرها المصنف رحمه الله فقال:
الأول: أنّ أبي حامد الغزالي يُبيح سماعه لكل صوفي.
والثاني: أنّ طباع النفوس لا تتغير, وإنما المجاهدة تكف عملها , فمن ادعى تغير الطباع ادعى المحال , فإذا جاء ما يُحرك الطباع واندفع الذي كان يكفها عنه , عادت العادة.
والثالث: أن العلماء اختلفوا في تحريمه وإباحته , وليس فيهم من نظر في السامع لعلمهم أن الطباع تتساوى فمن ادعى خروج طبعه عن طباع الآدميين ادعى المحال.
والرابع: أن الإجماع انعقد على أنه ليس بمستحب وإنما غايته الإباحة فادعاء الاستحباب خروج عن الإجماع.
والخامس: أنه يلزم من هذا أن يكون سماع العود مباحا أو مستحبا عند من لا يغير طبعه لأنه إنما حرم لأنه يؤثر في الطباع ويدعوها إلى الهوى, فإذا أمن ذلك فينبغي أن يُباح.
وأضاف رحمه الله: وقد ادعى قوم منهم أنّ في سماع الغناء قربة إلى الله تعالى, قال أبو طالب المكي: حدثني بعض أشياخنا عن الجنيد أنه قال: تنزل الرحمة على هذه الطائفة في ثلاثة مواطن: عند الأكل لأنهم لا يأكلون إلا عن فاقة , وعند المذاكرة لأنهم يتجاوزون في مقامات الصديقين وأحوال النبيين, وعند السماع لأنهم يسمعون بوجد ويشهدون حقا.
(يُتْبَعُ)
(/)
والوجد لمن لا يعرف معناه هو باختصار شديد: شدة الحب والوله, والوجد بالنسبة لأولياء الله الصالحين هي حالى تصيب أحدهم أثناء تبتله وعبادته لله عزوجل, أي مؤديا جميع واجباته تجاه ربه عزوجل, من فروض ونوافل تجاه مجتنبا كل ما حرّمه الله عزوجل. هذا باختصار
اما الوجد عند بعض الصوفية فهو مختلف تماما عما عرف عنه عن الصحابة الأجلاء رضوان الله تعالى عنهم, فهو عند بعض الصوفية طرب ولهو وتمايل, أي عندما يسمعون الغناء والطرب, يطربون ويصفقون ويتمايلون ويمزقون حتى ثيابهم طرباً ونشوةً.
وانّ من يدّعي أنه يمارس الوجد مع تحفظه على ألا تزلّ قدمه , وينجرف في تياره , ثم نراه يتعدى ذلك الى تمزيق الثياب وفعل المنكرات, فهذا قطعاً دليل على أنّ الشيطان يلعب به كما يحلو له.
ولو علموا هؤلاء أنّ قلوب الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين كانت أصفى القلوب, ,انهم عند الوجد ما كانوا يزيدون على البكاء خشوعا وتدبرا لآيات الله الكريم, وليس خشوعا لوجد الأغاني وما شابهها من المنكرات كما هو حال بعض صوفية اليوم في وجدهم.
انّ الصحابة رضوان الله تعالى عنهم كانوا اذا وجدوا, كان وجدهم من موعظة تذكرهم بالآخرة, كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون, ووجلت منها القلوب.
ونحن نقول هنا: لم يقل رضي اله عنه صرخنا , ولم يقل ضربنا أو مزقنا ثيابنا, بل قال: ذرفت منها العيون وارتجفت منها القلوب وفزعت, هكذا الوجد يكون.
لقد سُئلت السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قراءة القرآن؟ قال رضي الله عنها: كانوا كما وصفهم الله عزوجل في كتابه الكريم: تدمع عيونهم وتقشعر جلودهم, فقال احدهم لها: انّ ههنا رجالا اذا قُريء على أحدهم القرآن غُشيَ عليه, فقالت رضي الله عنها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وفي رواية أخرى: انّ عكرمة سأل أسماء رضي الله عنهما: هل كان أحد من السلف يُغشى عليه من الخوف؟ قالت رضي الله عنها: لا .. ولكنهم كانوا يبكون.
وهنا يطب لي أن اقدّم للقراء مقتطفات من رسالة في الصوفية والفقراء لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه جاء فيها:
بعدما قرأ زرارة بن أوفى رحمه الله قاضي البصرة قوله تعالى في صلاةالفجر: فإذا نقر في الناقور خر ميتا .. وأيضا أبي جهير الأعمى الذي خرّ ميتاً عندما قرأ عليهصالح المري, آية من القرآن الكريم, وكذلك غيره ممن روي أنهم ماتوا باستماع قراءته, وكان فيهم طوائف يصعقون عند سماع القرآن , ولم يكن في الصحابة مثل حال هؤلاء,؛ فلما ظهر ذلك أنكر ذلك طائفة من الصحابة والتابعين: كأسماء بنت أبيبكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين رضي الله تعالى عنهم.
والمنكرون لهم مأخذان: منهم منظن ذلك تكلفا وتصنعا. يذكر عن محمد بن سيرين أنه قال: ما بيننا وبين هؤلاء الذينيُصعقون عند سماع القرآن ,إلا أن يقرأ على أحدهم وهو على حائط فإن خرّ فهو صادق
ومنهم من أنكر ذلك لأنه رآه بدعة مخالفا لما عُرف من هدي الصحابة , كما نقل عن أسماءوابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم, ولهذا لما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذا , فقال: قرئ القرآن علىيحيى بن سعيد القطان فغشي عليه ولو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه لدفعه يحيى بن سعيد, فما رأيت أعقل منه ونحو هذا
. وقد نقل عن الشافعي رحمه الله أنهأصابه ذلك , وعلي بن الفضيل بن عياض قصته مشهورة وبالجملة فهذا كثير ممن لا يستراب فيصدقه. لكن الأحوال التي كانت في الصحابة هي المذكورة في القرآن وهي وجلالقلوب ودموع العين وتقشعر الجلود كما في قوله تعالى:
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشونربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله
وكقوله تعالى: وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيضمن الدمع مما عرفوا من الحق
وكقوله تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكرالله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون.
وكقوله تعالى: ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكن ما نراه في بعض الصوفية ما يحصل بهم من وجد من جراء سماعهم لصوت المطربة التي تورث السكر, فإنه ليس للرجل أن يسمعمن الأصوات التي لم يُؤمر بسماعها الى حد ما يزيل عقله , إذ أنّ إزالة العقل محرم تحريما قاطعاً بأيّ وسيلة كانت, وما يحصل في هذه المجالس المنكرة من لذة قلبية أو روحية , وان كان فيهانوع من الإيمان , فهي مغمورة بما يحصل معها من زوال العقل , وهذا أمر لم يأذن لنا الله تعالى فيه في أن نمتعقلوبنا ولا أرواحنا من لذات الإيمان ولا غيرها بما يوجب زوال عقولنا؛ وهذا بخلاف من زالعقله بسبب مشروع , أو بأمر صادفه لا حيلة له ولا قوة في دفعه. وقد يحصل السكر بسبب لا فعلللعبد فيه كسماع لم يقصده يهيج قاطنه ويحرك ساكنه ونحو ذلك ,وهذا ليس ملام عليه وان أدى الى زوال عقله فهو فيه معذور؛ لأن القلم مرفوع عن كل من زال عقلهبسبب غير محرم , كالمغمى عليه, والمجنون ونحوهما.
وهذا إن صحّ عن بعض الصوفية وأحسنا بهم الظن , كان محمولا على ما يسمعونه من القصائد الزهدية , فإنها توجب الرقة والبكاء , فأما أن تنزل الرحمة عند وصف سُعدى وليلى, ويحمل ذلك على صفات الباري سبحانه وتعالى فلا يجوز اعتقاد هذا, ولو صحَّ أخذ الإشارة من ذلك , كانت الإشارة مستغرقة في جنب غلبة الطباع.
وقال ابن عقيل رحمه الله: قد سمعنا منهم أن الدعاء عند حدو الحادي وعند حضور المخدة مجاب. وذلك أنهم يعتقدون أنه قربة يتقرب بها إلى الله تعالى , قال: وهذا كفر, لأن من اعتقد الحرام أو المكروه قربة , كان بهذا الاعتقاد كافرا , قال: والناس بين تحريمه وكراهيته
وقال صالح المري رحمه الله: أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدَّعيه إلى الله قربة , وأثبت الناس قديما يوم القيامة آخذهم بكتاب الله عزوجل , وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
روي عن أبا الحارث الأولاسي يقول: رأيت إبليس في المنام على بعض سطوح أولاس, وأنا على سطح , وعلى يمينه جماعة , وعلى يساره جماعة , وعليهم ثياب لطاف, فقال لطائفة منهم: قولوا وغنوا , فاستغرقني طيبه حتى هممت أن أطرح نفسي من السطح , ثم قال: ارقصوا فرقصوا أطيب ما يكون , ثم قال لي: يا أبا الحارث ما أصبت منكم شيئا أدخل به عليكم , إلا هذا.
ولعلّ هذا وحده الذي دخل به ابليس عليهم وحده موجباّ للنار لأنه من لهو الحديث الذي نهى الله عزوجل عنه في كتابه الكريم ثلاث مرات في ثلاث آيات في ثلاث
سور قرىنية: الاسراء 64, لقمان 6, النجم 61.
عن عامر بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما, قال: جئت إلى أبي فقال لي: أين كنت؟ فقلت: وجدت أقواما ما رأيت خيرا منهم يذكرون الله تعالى فيرعد أحدهم حتى يخشى عليه من خشية الله تعالى فقعدت معهم, قال رضي الله عنه: لا تقعد معهم بعدها, فرآني كأني لم يأخذ ذلك فيَّ, فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن , ورأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يتلوان القرآن ولا يصيبهم هذا , أفتراهم أخشع لله من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟ فرأيت أن ذلك كذلك فتركتهم.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: أخبرنا جرير بن حازم أنه شهد محمد بن سيرين رحمها الله , وقيل له أن ههنا رجالا إذا قرئ القرآن على أحدهم غشي عليه فقال محمد بن سيرين: يقعد أحدهم على جدار ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن وقع فهو صادق قال أبو عمرو: وكان محمد بن سيرين يذهب إلى أن تصنع وليس بحق من قلوبهم.
وعن عمران بن عبد العزيز رحمه الله , قال سمعت محمد بن سيرين يجيب على سؤال عمّن يستمع القرآن فيُصعق فقال: ميعاد ما بيننا وبينهم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره فإن سقطوا فهم كما يقولون
وعن عبد الكريم بن رشيد رحمه الله , قال: كنت في حلقة الحسن فجعل رجل يبكي وارتفع صوته فقال الحسن: إن الشيطان ليُبكي هذا الآن.
وروي أنّ الفضيل بن عياض رحمه الله قال لابنه وقد سقط: يا بني إن كنت صادقا لقد فضحت نفسك , وإن كنت كاذبا فقد أهلكت نفسك
وروي أنّ سعيد بن عثمان الواعظ وقد تواجد إنسان بين يديه فقال له: يا بني إن كنت صادقا فقد أظهرت كل مالك , وإن كنت كاذبا فقد أشركت بالله
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: فإن قال قائل إنما يفرض الكلام في الصادقين لا في أهل الرياء, فما تقول فمن أدركه الوجد ولم يقدر على دفعه؟ فالجواب إن أول الوجد انزعاج في الباطن فإن كف الإنسان نفسه كيلا يطلع على حاله يئس الشيطان منع فبعد عنه , كما كان أيوب السختياني إذا تحدث فرق قلبه مسح أنفه وقال: ما أشد الزكام.
وإن أهمل الإنسان ولم يبال بظهور وجْده , أو أحب اطلاع الناس على نفسه نفخ فيه الشيطان فانزعج على قدر نفخه , تماما كما قالت امرأة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: جاء عبد الله ذات يوم وعندي عجوز ترقيني من الحموة فأدخلتها تحت السرير قالت فدخل فجلس إلى جنبي فرأى في عنقي خيطا فقال: ما هذا الخيط؟ قلت: خيط رقي لي فيه فأخذه وقطعه ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الرقي والتمائم والتولة شركا , قالت: فقلت له: لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها فكان إذا رقاها سكنت قال: إنما ذاك من عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها كف عنها إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما
والتولة هي نوعٌ من السحر وهي: تحبيبُ المرأة إلى زوجها.
روي عن أبي عيسى رحمه الله انه قال: ذهبت إلى عبد الله بن عمر فقال أبو السوار: يا أبا عبد الرحمن! إنّ قوما عندنا إذا قُرئ عليهم القرآن يركضُ أحدهم من خشية الله, قال: كذبت, قال: بلى ورب هذه البنية , قال: ويحك! إن كنت صادقا , فإن الشيطان ليدخل جوف أحدهم , والله ما هكذا كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وروي عن خالد بن خداش قال: قرئ على عبد الله بن وهب كتاب أهوال يوم القيامة فخر مغشيا عليه فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد ذلك بأيام
قال المصنف رحمه الله: قلت وقد مات خلق كثير من سماع الموعظة وغشي عليهم قلنا: هذا التواجد الذي يتضمن حركات المتواجدين وقوة صياحهم وتخبطهم فظاهره أنه متعمل والشيطان معين عليه
قال المصنف رحمه الله: فإن قيل فهل في حق المخلص نقص بهذه الحالة الطارئة عليه؟ قيل: نعم من جهتين: أحدهما: أنه لو قوى العلم أمسك.
والثاني أنه خولف به بطريق الصحابة والتابعين ويكفي هذا نقصا.
إذا طرب أهل التصوف صفقوا
فإذا طرب أهل التصوف لسماع الغناء صفقوا وقال المصنف رحمه الله:
والتصفيق منكر يطرب ويخرج عن الاعتدال وتتنزه عن مثله العقلاء ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من التصدية وهي التي ذمهم الله تعالى بها فقال: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية - فالمكاء الصفير - والتصدية - التصفيق, هذا عدا عما فيه من تشبه بالنساء, والعاقل يأنف من أن يخرج عن الوقار إلى أفعال الكفار والنسوة
و إذا قوي طربهم رقصوا
فإذا قوي طربهم رقصوا وقد احتج بعضهم بقوله تعالى لأيوب عليه الصلاة والسلام:
اركض برجلك
قال المصنف رحمه الله: قلت وهذا الاحتجاج بارد , لأنه لو كان أمر بضرب الرجل فرحا كان لهم فيه شبهة , وإنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء, قال ابن عقيل رحمه الله: أين الدلالة في مُبتلى أمر عند كشف البلاء بأنْ يضرب برجله الأرض لينبع الماء إعجازا من الرقص! ولئن جاز أن يكون تحريك رجل قد أنحلها تحكم الهوام دلالة على جواز الرقص في الإسلام جاز أن يجعل قوله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام: اضرب بعصاك الحجر , دلالة على ضرب الجماد بالقضبان , نعوذ بالله من التلاعب بالشرع.
واحتج بعض ناصريهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنت مني وأنا منك - فحجل , وقال لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه - أشبهت خلقي وخلقي , فحجل , وقال لزيد بن الحارثة رضي الله عنه: أنت أخونا ومولانا .. فحجل.
معنى حجل: هو نوع من المشي يفعل عند الفرح, فأين هو من الرقص؟ الذي قال عنه الامام الغزالي رحمه الله: الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا بالتعب ... وقال أبو الوفاء بن عقيل: قد نص القرآن على النهي عن الرقص فقال تعالى: ولا تمش في الأرض مرحا
(يُتْبَعُ)
(/)
وذم الله تبارك وتعالى المختال في مشيته كما في قوله: إن الله لا يحب كل مختال فخور , والرقص أشد المرح والبطر, أو لسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقهما في الإطراب والسكر؟ فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما في الإطراب؟ وهل شيء يزري بالعقل والوقار ويخرج عن سمت الحلم والأدب أقبح من ذي لحية يرقص؟ فكيف إذا كانت شيبة ترقص وتصفق على وقاع الألحان والقضبان خصوصا إذا كانت أصوات نسوان ومردان؟ وهل يحسن بمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط ثم هو إلى إحدى الدارين صائران يشمس بالرقص شمس البهائم ويصفق تصفيق النسوة؟ والله لقد رأيت مشايخ عصري ما بان لهم سن في تبسم , فضلا عن ضحك مع إدمان مخالطتي لهم: كالشيخ أبي القاسم بن زيدان وعبد الله بن بشران وأبي طاهر بن العلاف والجنيد والدينوري.
فإذا تمكن الطرب من الصوفية في رحال رقصهم جذب أحدهم بعض الجلوس ليقوم معه ولا يجوز على مذهبهم للمجذوب أن يقعد , فإذا قام قام الباقون تبعا له , فإذا كشف أحدهم رأسه كشف الباقون رؤوسهم موافقة له, ولا يخفى على عاقل أنّ كشف الرأس مُستقبح , وفيه إسقاط مروءة , وترك أدب , وإنما يقع في المناسك تعبدا لله وذلا له.
فإذا اشتد طربهم رموا ثيابهم على المغني , فمنهم من يرمي بها صحاحا , ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها , وقد برّر لهم بعض الجهال فعلهم هذا بانهم لا يلامون عليه مستشهدين بموسى عليه الصلاة والسلام أنه لما غلب عليه الغمّ بعبادة قومه العجل , رمى الألواح فكسرها ولم يدر ما صنع.
والجواب على هؤلاء الجهلة: أن نقول من يصحح عن موسى عليه الصلاة والسلام بأنه رماها رمي الكاسر والذي ذكر في القرآن إلقاءها فحسب فمن أين لنا أنها تكسرت, ثم لو قيل تكسرت فمن أين لنا أنه قصد كسرها, ثم لو صححنا ذلك عنه قلنا: كان في غيبة حتى لو كان بين يديه حينئذ بحر من نار لخاضه , ومن يصحح لهؤلاء غيبتهم وهم يعرفون المغني من غيره ويحذرون من بئر إن كانت عندهم , ثم كيف يقاس أحوال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم, على أحوال هؤلاء السفهاء؟ ولقد رأيت شابا من الصوفية يمشي في الأسواق ويصيح والغلمان يمشون خلفه وهو يبربر , ويخرج إلى الجمعة فيصيح صيحات وهو يصلي الجمعة, فسئلت عن صلاته فقلت: إن كان وقت صياحه غائبا فقد بطل وضوءه , وإن كان حاضرا فهو متصنع , وكان هذا الرجل جلِدا لا يعمل شيئا , بل يُدار له بزنبيل في كل يوم فيجمع له ما يأكل هو وأصحابه , فهذه حالة المتواكلين لا المتوكلين
ثم لو قدرنا أن القوم يصيخون عن غيبة فإن تعرضهم لما يغطي على العقول من سماع ما يطرب منهي عنه كالتعرض لكل ما غلبه الأذى , وقد سئل ابن عقيل عن تواجدهم وتخريق ثيابهم فقال: خطأ وحرام وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن إضاعة المال وعن شق الجيوب , فقال له قائل: فإنهم لا يعقلون ما يفعلون قال: إن حضروا هذه الأمكنة مع علمهم أن الطرب يغلب عليهم فيزيل عقولهم أثموا بما يدخل عليهم من التخريق وغيره مما يفسد ولا يسقط عنهم خطاب الشرع, لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنب هذه المواضع التي تفضي إلى ذلك , كما هم منهيون عن شرب المسكر , فإذا سكروا وجرى منهم إفساد الأموال لم يسقط الخطاب لسكرهم, كذلك هذا الطرب الذي يُسّميه أهل التصوف وجداً, إن صدقوا فيه فسكر طبع , وإن كذبوا فنبيذ , ومع الصحو فلا سلامة فيه مع الحالين وتجنب مواضع الريب واجب.
واحتج لهم ابن طاهر في تريفهم الثياب بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: نصبت حجلة لي فيها رقم فمدها النبي صلى الله عليه وسلم فشقها.
قال المصنف رحمه الله: فانظر إلى فقه هذا الرجل المسكين كيف يقيس حال من يُمزق ثيابه فيُفسدها , وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال على مد ستر ليحط فانشق لا عن قصد أو كان عن قصد لأجل الصور التي كانت فيه.
وهذا من التشديد في حق الشارع عن المنهيات كما أمر بكسر الدنان في الخمور , فإن ادعى مخرق ثيابه أنه غائب قلنا الشيطان غيبك لأنك لو كنت مع الحق لحفظك, فإن الحق لا يفسد.
وروى عن أبا عمران الجوني أنّ رجلا من قوم موسى عليه الصلاة والسلام شقّ قميصه فأوحى الله تعالى اليه: قل لصاحب القميص لا يشق قميصه , أيشرحُ لي عن قلبه
قال المصنف رحمه الله: لقد تلاعب بعض الصوفية بالشريعة واستخرجوا بسوء فهمهم ما يظنه يوافق مذهب المتأخرين من الصوفية.
انظروا إخواني عصمنا الله وإياكم من تلبيس إبليس إلى تلاعب هؤلاء الجهلة بالشريعة وإجماع مشايخهم الذي لا يساوي إجماعهم بعرة , فتقطيعهم الثياب المطروحة خرقا ورميها على المغني لا يقوم به الا رجل فيه خرف, والشرع لا يجيز مثل هذه الرعونات لمثل هذه النوادر المخالفة للشرع.
وليس العجب من تلبيس إبليس على الجهال منهم بل على الفقهاء الذين اختاروا بدع الصوفية على حكم أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله جميعا.
والى ان نلتقي بمشيئة الله معمع الجزء 13_ اهل التصوف وشغفهم في الأحداث والمردان
نترككم برعاية المولى عزوجل.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 11:16]ـ
الجزء الثالث عشر- شغف الصوفية في مجالسة االاحداث والمرادن
قال المصنف رحمه الله: اعلم أن أكثر الصوفية المتصوفة قد سدوا على أنفسهم باب النظر إلى النساء الأجانب لبعدهم عن مصاحبتهن وامتناعهم عن مخالطتهن واشتغلوا بالتعبد عن النكاح , واتفقت صحبة الأحداث لهم على وجه الإرادة , وقصد الزهادة , فأمالهم إبليس إليهم
واعلم أن الصوفية في صحبة الأحداث على سبعة أقسام:
القسم الأول: أخبث القوم. وهم أناس تشبهوا بالصوفية , ويقولون بالحلول , وأن جماعة من الحلولية زعموا أن الحق تعالى , اصطفى أجساما حلّ فيها بمعاني الربوبية , ومنهم من قال هو حال في المستحسنات.
القسم الثاني: قوم يتشبهون بالصوفية في ملبسهم ويقصدون الفسق.
القسم الثالث: قوم يستبيحون النظر إلى المستحسن.
وقد صنف أبو عبد الرحمن السلمي كتابا سماه سنن الصوفية فقال في أواخر الكتاب: باب في جوامع رخصهم فذكر فيه الرقص والغناء والنظر إلى الوجه الحسن, وذكر فيه ما روي عن عبد الرحمن السلمي عن البختري انّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: اطلبوا الخير عند حسان الوجوه
وروى عنه عن أحمد بن عمر بن عبيد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاثة تجلو البصر: النظر إلى الخضرة والنظر إلى الماء والنظر إلى الوجه الحسن
قال المصنف رحمه الله: وهذا الحديثان لا اصل لهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, والحديث الأول حديث موضوع ولا يختلف العلماء في أبي البختري أنه كذاب وضّاع.
وأحمد بن عمر بن عبيد هو أحد المجهولين , ثم قد كان ينبغي لأبي عبد الرحمن السلمي إذ ذكر النظر إلى المستحسن أن يقيده بالنظر إلى وجه الزوجة أو المملوكة فأما إطلاقه ففيه سوء ظن.
وأضاف المصنف رحمه الله: قلت والفقهاء يقولون من ثارت شهوته عند النظر إلى الأمرد حرم عليه أن ينظر إليه , ومتى ادعى الإنسان أنه لا تثور شهوته عند النظر إلى الأمرد المستحسن فهو كاذب وإنما أبيح على الأطرق لئلا يقع الحرج في كثرة المخالطة بالمنع فإذا وقع الإلحاح في النظر دل على العمل بمقتضى ثوران الهوى.
قال سعيد بن المسيب: إذا رأيتم الرجل يلح النظر إلى غلام أمرد فاتهموه.
القسم الرابع: قوم يقولون نحن لا ننظر نظر شهوة , وإنما ننظر نظر اعتبار, فلا يضرنا النظر, وهذا محال منهم, فإن الطباع تتساوى , فمن ادعى تنزه نفسه عن أبناء جنسه في الطبع ادعى المحال , وقد كشفنا هذا في أول كلامنا في السماع.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الأبري قالت بإسناد مرفوع إلى عبد الله بن الزبير الخفي قال: كنت جالسا مع أبي النضر الغنوي وكان من المبرزين العابدين , فنظر إلى غلام جميل فلم تزل عيناه واقعتان عليه حتى دنا منه فقال: سألتك بالله السميع وعزه الرفيع وسلطانه المنيع إلا وقفت عليّ أروي من النظر إليك؟ فوقف قليلا ثم ذهب ليمضي فقال له: سألتك بالحكيم المجيد الكريم المبدي المعيد, ألا وقفت! فوقف ساعة فأقبل يصعد النظر إليه ويصوبه ثم ذهب ليمضي فقال: سألتك بالواحد الأحد الجبار الصمد الذي لم يلد ولم يولد إلا وقفت! فوقف ساعة , فنظر إليه طويلا ثم ذهب ليمضي فقال: سألتك باللطيف الخبير السميع البصير وبمن ليس له نظير إلا وقفت, فوقف فأقبل ينظر إليه , ثم أطرق رأسه إلى الأرض ومضى الغلام فرفع رأسه بعد طويل وهو يبكي فقال: قد ذكرني هذا بنظري إليه وجها جل عن التشبيه وتقدس عن التمثيل وتعاظم عن التحديد, والله لأجهدن نفسي في بلوغ رضاه بمجاهدتي أعدائه وموالاتي لأوليائه حتى أصير إلى ما أردته من نظري إلى وجهه الكريم وبهائه العظيم , ولوددت أنه قد أراني وجهه وحبسني في النار ما دامت السموات والأرض.
وعن محمد بن عبد الله الفزاري قال: سمعت خيرا النساج يقول: كنت مع محارب بن حسان الصوفي في مسجد الخيف ونحن مُحرمون فجلس إلينا غلام جميل من أهل المغرب فرأيت محاربا ينظر إليه نظرا أنكرته, فقلت له: بعد أن قام: إنك محرم في شهر حرام في بلد حرام في مشعر حرام , وقد رأيتك تنظر إلى هذا الغلام نظرا لا ينظره إلا المفتونون , فقال: لي تقول هذا يا شهواني القلب والطرف؟ ألم تعلم أنه قد منعني من الوقوع في شرك إبليس ثلاث؟ فقلت: وما هي؟ قال: سر الإيمان وعفة الإسلام وأعظمها الحياء من الله تعالى أن يطلع عليّ وأنا جائم على منكر
(يُتْبَعُ)
(/)
, نهاني عنه ثم صعق حتى اجتمع الناس علينا.
قال المصنف رحمه الله: قلت انظروا إلى جهل الأحمق الأول ورمزه إلى التشبيه وإن تلفظ بالتنزيه وإلى حماقة هذا الثاني الذي ظن أنّ المعصية هي الفاحشة فقط, وما علم أن نفس النظر بشهوة يحرم , ومحا عن نفسه أثر الطبع بدعواه التي تكذبها شهوة النظر.
وإني لأعجب من فعل هذا الرجل وإلقائه جلباب الحياء عن وجهه وإنما أعجب من البهائم الحاضرين كيف سكتوا عن الإنكار عليه , ولكن الشريعة بردت في قلوب كثير من الناس
وأخبرنا أبو القاسم الحريري أنبأنا أبو الطيب الطبري قال: بلغني عن هذه الطائفة التي تسمع السماع أنها تضيف إليه النظر إلى وجه الأمرد وربما زينته بالحلي والمصبغات من الثياب والحواشي وتزعم أنها تقصد به الازدياد في الإيمان بالنظر والاعتبار والاستدلال بالصنعة على الصانع , وهذه النهاية في متابعة الهوى ومخادعة العقل ومخالفة العلم قال الله تعالى: وفي أنفسكم أفلا تبصرون ... وقال جلّ وعلا: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ...
وقال عزوجل: أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض
فعدلوا عما أمرهم الله به من الاعتبار إلى ما نهاهم عنه. وإنما تفعل هذه الطائفة ما ذكرناه بعد تناول الألوان الطيبة والمآكل الشهية , فإذا استوفت منها نفوسهم , طالبتهم بما يتبعها من السماع والرقص والاستمتاع بالنظر إلى وجوه المردان, ولو أنهم تقللوا من الطعام لم يحنوا إلى سماع ونظر.
قال ابن عقيل رحمه الله: فإن الشريعة جاءت عامة الخطاب لا تميز الأشخاص وآيات القرآن تنكر كل هذه الدعاوي, قال الله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ... وقال عزوجل: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت
فلم يحل النظر إلا على صور لا ميل للنفس إليها ولاحظ فيها , بل عبرة لا يمازجها شهوة ولا تعتريها لذة فأما صور الشهوات فإنها تعبر عن العبرة بالشهوة وكل صورة ليست بعبرة لا ينبغي أن ينظر إليها لأنها قد تكون سببا للفتنة ولذلك ما بعث الله تعالى امرأة بالرسالة ولا جعلها قاضيا ولا إماما ولا مؤذنا.
كل ذلك لأنّ االصور محل فتنة وشهوة , وربما قطعت عما قصدته الشريعة بالنظر , وكل من قال أنا أجد من الصور المستحسنة عبرا كذبناه , وكل من ميز نفسه بطبيعة تخرجه عن طباعنا بالدعوى كذبناه, وإنما هذه خدع الشيطان للمدعين.
القسم الخاص قوم صحبوا المردان ومنعوا أنفسهم من الفواحش , يعتقدون ذلك مجاهدة, وما يعلمون أن نفس صحبتهم والنظر إليهم بشهوة معصية , وهذه من خلال الصوفية المذمومات , وقد كان قدماؤهم على غير هذا , وقيل كانوا على هذا.
وسيأتي حديث يوسف بن الحسين وقوله: عاهدت ربي أن لا أصحب حدثا مائة مرة ففسحنا على قوام القدود وغنج العيون.
أخبرتنا شهدة الكاتبة بإسناد عن أبي المختار الضبي أنه قال لأبي الكميت الأندلسي وكان جوالا في أرض الله حدثني بأعجب ما رأيت من الصوفية قال: صحبت رجلا منهم يقال له مهرجان وكان مجوسيا فأسلم وتصوف , فرأيت معه غلاما جميلا لا يفارقه, وكان إذا جاء الليل قام فصلى ثم ينام إلى جانبه, ثم يقوم فزعا فيصلي ما قدر له, ثم يعود فينام إلى جانبه, حتى فعل ذلك مرارا , فإذا أسفر الصبح أو كان يسفر أوتر ثم رفع يديه وقال اللهم إنك تعلم أن الليل قد مضى علي سليما لم أقترف فيه فاحشة ولا كتبت عليّ الحفظة فيه معصية , وأن الذي أضمره بقلبي لو حملته لتصدعت, أو كان بالأرض لتدكدكت, ثم يقول: يا ليل اشهد بما كان مني فيك فقد منعني خوف الله عن طلب الحرام والتعرض للآثام, ثم يقول: سيدي أنت تجمع بيننا على تقى, فلا تفرق بيننا يوم تجمع فيه الأحباب, فأقمت معه مدة طويلة أراه يفعل ذلك كل ليلة وأسمع هذا القول منه , فلما هممت بالانصراف من عنده قلت: إذا انقضى الليل كذا وكذا فقال وسمعتني قلت نعم قال فوالله يا أخي إني لأدراي من قلبي ما لو داراه سلطان من رعيته لكان الله حقيقا بالمغفرة له, فقلت وما الذي يدعوك إلى صحبة من تخاف على نفسك العنت من قبله؟
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال أبو محمد بن جعفر بن عبد الله الصوفي قال أبو حمزة الصوفي رأيت ببيت المقدس فتى من الصوفية يصحب غلاما مدة طويلة فمات الفتى وطال حزن الغلام عليه حتى صار جلدا وعظما من الضنا والكمد فقلت له يوما: لقد طال حزنك على صديقك حتى أظن أنك لا تسلو بعده أبدا فقال: كيف أسلو عن رجل أجل الله تعالى أن يصيبه معي طرفة عين أبدا وصانني عن نجاسة الفسوق في خلول صحبتي له وخلواتي معه في الليل والنهار.
قال المصنف رحمه الله: هؤلاء قوم رآهم إبليس لا ينجذبون معه إلى الفواحش فحسن لهم بداياتها فتعجلوا لذة النظر والصحبة والمحادثة وعزموا على مقاومة النفس في ضدها عن الفاحشة , فإن صدقوا وتم لهم ذلك فقد اشتغل القلب الذي ينبغي أن يكون شغله بالله تعالى لا يغيره , وصرف الزمان الذي ينبغي أن يخلو فيه القلب بما ينفع به في الآخرة بمجاهدة الطبع في كفه عن الفاحشة , وهذا كله جهل وخروج عن آداب الشرع, فإن الله تعالى أمر بغض البصر, لأنه طريق إلى القلب , ليُسلم القلب لله تعالى من شائب تخاف منه , وما مثل هؤلاء إلا كمثل من أقبل إلى سباعٍ في غيضه متشاغلة عنه لا تراه, فأثارها وحاربها وقاومها, فيا بعد سلامته من جراحة إن لم يهلك.
ومن هؤلاء من قويت مجاهدتهم مدة ثم ضعفت نفوسهم , فلما دعتهن نفوسهم الى ارتكاب الفاحشة, تنبهوا فامتنعوا حينئذ من صحبة المردان وتابوا.
ومن الذين ضعفت مجاهدة نفوسهم ما قالت به شهدة الكاتبة عن أبو حمزة سأل محمد بن علاء الدمشقي وكان سيد الصوفية في ذلك العهد وقد كان يرافق أمردا وضيئاً مدة لم يفارقه, لم هجرت ذلك الفتى الذي كنت أراه معك بعد أن كنت له مواصلا واليه مائلا؟ فقال: والله لقد فارقته غير قلا ولا ملل, وانما لرأيت قلبي يدعوني الى أمر اذا خلوت به وقرب مني, لو أتيته سقطت من عين الله عزوجل, لأجل ذلك هجرته تنزيها لله تعالى ولنفسي من مصارع الفتن.
ومن الذين تابوا وأطالوا البكاء من اطلاق النظر الى المردان ما حدّث به النساج فقال: كنت مع أمية بن الصامت الصوفي, اذ نظر الى غلام, فقرأ قوله تعالى: وهو معكم أينما كنتمو والله بما تعملون بصير.
ثم قال: وأين الفرار من سجن الله عزوجل وقد حصّنه بملائكة غلاظ شداد؟ تبارك الله! فما أعظم ما امتحنني به من نظري الى هذا الغلام, ما شبهت نظري اليه الا بنار وقعت على قصب في يوم ريحٍ , فما أبقت ولا تركت, ثمّ قال: أستغفر الله من بلاء جنته عيناي على قلبي, لقد خفت ألا أنجو من معرته ولا أتخلص من اثمه ولو وافيت القيامة بعمل سبعين صدّيقاً, ثم بكى حتى كاد يقضي نحبه, فسمعته يقول في بكاءه: يا طرف لأشغلنك بالبكاء عن النظر الى البلاء.
ومنهم من تلاعبّ ابليس بهم في المرض من شدة محبة المردان, فعن شهدة الكاتبة باسناد عن أبي حمزة الصوفي قال: كان عبد الله بن موسى وكان من رؤساء الصوفية ووجوههم, فنظر الى غلام حسن في بعض الاسولق, فوجد به , وكاد يذهب عقله عليه صبابة وحبا, وكان يقف كل يوم في طريقه حتى يراه أقبل, واذا انصرف فطال عليه البلاء وأقععده عن الحركة الضنا, وكان لا يقدر أن يمشي خطوة, فاتيته يوما لأعوده, فقلت له: يا ابا محمد! ما قصتك؟ وما هذا الأمر الذي بلغ بك ما أرى؟ فقال: امور امتحنني الله عزوجل بها, فلم أصبر على البلاء فيها, ولم يكن لي بها طاقة, وربّ ذنب يستصغره الانسان هو عند الله أعظم من كبير, وحقيق (أي جدير به) بمن تعرض للنظر الحرام أن تطول به الاسقام (الامراض والاوجاع) , ثم بكى .. فقلت: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطول في النار شثائي, فانصرفت عنه وأنا راحمٌ له لما رأيت به من سوء الحال.
وقصة أخرى عن المرض من شدة محبة المردان: قال أبو حمزة ونظر محمد بن عبد الله بن الأشعث الدمشقي وكان من خيار عباد الله إلى غلام جميل فغشي عليه فحمل إلى منزله واعتاده السقم حتى أقعد من رجليه وكان لا يقوم عليهما زمانا طويلا فكنا نأتيه نعوده ونسأله عن حاله وأمره وكان لا يخبرنا بقصته ولا سبب مرضه وكان الناس يتحدثون بحديث نظره فبلغ ذلك الغلام فأتاه عائدا فهش إليه وتحرك وضحك في وجهه واستبشر برؤيته فما زال يعوده حتى قام على رجليه وعاد إلى حالته فسأله الغلام يوما أن يسير معه إلى منزله فأبى أن يفعل ذلك فسألني أن أسأله أن يتحول إليه فسألته فأبى أن يفعل فقلت للشيخ وما الذي تكره من ذلك
(يُتْبَعُ)
(/)
فقال: لست بمعصوم من البلاء ولا آمن من الفتنة وأخاف أن يقع علي من الشيطان محنة فتجري بيني وبينه معصية فأكون من الخاسرين
ومنهم من وصل به الحد الى أن قتل نفسه خوفا من الوقوع في الفاحشة أمرد: قال أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني: كان ببلاد فارس صوفي كبير فابتلي بحدث, فلم يملك نفسه إن دعته فاحشة, فراقب الله تعالى ثم ندم على هذه الهمة , وكان منزله في مكان عال ووراء منزله بحر من الماء, فلما أخذته الندامة صعد السطح ورمى نفسه إلى الماء , وتلى قوله تعالى: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم , فغرق في البحر, وبفعله هذا يعتبر في الشسرع منتحراً او قاتل نفسه, والله عزوجل نهانا عن قتل أنفسنا.
قال المصنف رحمه الله: انظر إلى إبليس كيف درج هذا المسكين من رؤية هذا الأمرد, وإلى إدمان النظر إليه إلى أن مكّن المحبة من قلبه , إلى أن حرضه على الفاحشة , فلما رأى استعصامه حسّن له ابليس بالجهل قتل نفسه, ولعله هم بالفاحشة ولم يعزم, والهمة معفو عنها لقوله عليه السلام: عني لأمتي عما حدثت به نفوسها , ثم إنه ندم على همته والندم توبة, فأراه إبليس أنّ من تمام الندم قتل نفسه كما فعل بنو إسرائيل, فأولئك أمروا بذلك بقوله تعالى: فاقتلوا أنفسكم , ونحن نهينا عنه بقوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم , وبهذا الفعل يكون قد أتى بكبيرة عظيمة , وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
من تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا
وفيهم من فرق ابليس بينه وبين حبيبه , فقتل حبيبه , بلغني عن بعض الصوفية أنه كان في رباط عندنا ببغداد ومعه صبي في البيت الذي هو فيه, فشنعوا عليه وفرقوا بينهما, فدخل الصوفي إلى الصبي ومعه سكين فقتله , وجلس عنده يبكي , فجاء أهل الرباط فرأوه فسألوه عن الحال فأقرّ بقتل الصبي , فرفعوه إلى صاحب الشرطة فأقرّ بقتله, فجاء والد الصبي يبكي , فجلس الصوفي يبكي ويقول له: بالله عليك إلا ما أقدتني به , فقال الآن قد عفوت عنك, فقام الصوفي إلى قبر الصبي فجعل يبكي عليه ثم لم يزل يحج عن الصبي ويهدي له الثواب.
القسم السادس: قوم لم يقصدوا صحبة المردان , وإنما يتوب الصبي ويتزهد ويصحبهم على طريق الإرادة , فلبس إبليس عليهم ويقول: لا تمنعوه من الخير, ثم يتكرر نظرهم إليه , لا عن قصد , فيثير في القلب الفتنة إلى ان ينال الشيطان منهم قدر ما يمكنه , وربما وثقوا بدينهم فاستفزهم الشيطان , فرماهم إلى أقصى المعاصي كما فعل بالراهب ببرصيصا.
القسم السابع: قوم علموا أن لا تجوز صحبة المردان والنظر إليهم, غير أنهم لم يصبروا عن ذلك , والحديث بإسناد عن الرازي يقول: قال يوسف بن الحسين: كلما رأيتموني أفعله فافعلوه إلا صحبة الأحداث , فإنها أفتن الفتن , ولقد عاهدت ربي أكثر من مائة مرة أن لا أصحب حدثا ففسخها عليّ حُسن الخدود, وقوام القدود , وغنج العيون , وما سألني الله معهم عن معصية , وأنشد صريع الغواني في معنى ذلك شعرا.
قال المصنف رحمه الله: قلت هذا الرجل قد فضح نفسه في شيء ستره الله عليه , وأخبر أنه كلما رأى فتنة نقض التوبة , فأين عزائم التصوف في حمل النفس على المشاق , ثم ظن بجهله أن المعصية هي الفاحشة فقط , ولو كان له علم لعلم أن صحبتهم والنظر إليهم معصية , فانظر إلى الجهل كيف يصنع بأربابه؟
والحديث بإسناد عن محمد بن عمر أنه قال: حكي لي عن أبي مسلم الخمشوعي أنه نظر إلى غلام جميل فأطال النظر اليه, ثم قال: سبحان الله! ما أهجم طرفي عن مكروه نفسه, وأدمنه على سخط سيده , وأغراه بما قد نهي عنه , وأبهجه بالأمر الذي قد حزر عنه , لقد نظرت إلى هذا نظرا لا أحسب إلا أنه سيفضحني عند جميع من عرفني في عرصات القيامة, ولقد تركني نظري هذا وأنا أستحيي من الله تعالى , وإن غفر لي ثم صعق.
وكل من فاته العلم تخبط , فإن حصل له وفاته العلم به كان أشد تخبيطا , ومن استعمل أدب الشرع في قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم , سلم في البداية بما صعب أمره في النهاية , وقد ورد الشرع بالنهي عن مجالسة المردان وأوصى العلماء بذلك.
والحديث بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تجالسوا أبناء الملوك , فإن النفوس تشتاق إليهم ما لا تشتاق إلى الجواري العواتق.
(يُتْبَعُ)
(/)
والحديث بإسناده عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تملأوا أعينكم من أولاد الملوك فإن لهم فتنة أشد من فتنة العذارى
والحديث بإسناد عن الشعبي قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاة , فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وراء ظهره وقال: كانت خطيئة داود عليه السلام النظر.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحدُّ (أي أن يُطيل) الرجل النظر إلى الغلام الأمرد.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أتى على عالم من سبع ضار أخوف عليه من غلام أمرد.
وبإسناد عن الحسن بن ذكوان أنه قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى
وبإسناد عن محمد بن حمير عن النجيب السري قال: كان يقال لا يبيت الرجل في بيت مع المُردان.
وبإسناد عن عبد العزيز بن أبي السائب عن أبيه قال: لأنا أخوف على عابدٍ, من غلام من سبعين عذراء.
وبإسناد عن أبي بكر المروزي قال: جاء حسن البزار إلى أحمد بن حنبل ومعه غلام حسن الوجه , فتحدث معه فلما أراد أن ينصرف قال له أبو عبد الله يا أبا علي: لا تمش مع هذا الغلام في طريق, فقال له: إنه ابن أختي, قال: وإن كان لا يهلك الناس فيك.
وبإسناد عن فتح الموصلي أنه قال: صحبت ثلاثين شيخا كانوا يعدون من الأبدال كلهم أوصوني عند فراقي لهم , اتق معاشرة الأحداث.
وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال مظفر القرميسيني: من صحب الأحداث على شرط السلامة والنصيحة, أداه ذلك إلى البلاء , فكيف بمن يصحبهم على غير وجه السلامة؟
الإعراض عن المردان
وقد كان السلف يبالغون في الإعراض عن المردان, وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجلس الشاب الحسن الوجه وراء ظهره.
وبإسناد عن عبد الله بن المبارك يقول: دخل سفيان الثوري الحمام , فدخل عليه غلام صبيح الوجه, فقال: أخرجوه أخرجوه , فإني أرى مع كل امرأة شيطانا ومع كل غلام عشرة شياطين.
وبإسناد عن أبي أمامة قال: وكنا عند شيخ يقرأ , فبقي عنده غلام يقرأ عليه فأردت الانصراف فأخذ بثوبي وقال: اصبر حتى يفرغ هذا الغلام , وكره أن يخلو معه.
وبإسناد عن أبي الروزباري قال: قال لي أبو العباس أحمد المؤدب: يا أبا علي من أين أخذ صوفية عصرنا هذا الأنس بالأحداث؟ فقلت له: يا سيدي أنت بهم أعرف وقد تصحبهم السلامة لي كثير من الأمور فقال: هيهات قد رأينا من كان أقوى إيمانا منهم إذا رأى الحدث قد أقبل فر كفراره من الزحف وإنما ذلك حسب الأوقات التي تغلب الأحوال على أهلها فتأخذها عن تصرف الطباع ما أكثر الخطر ما أكثر الغلط
صحبة الأحداث (المردان أو الغلمان)
وصحبة الأحداث أقوى حبائل إبليس التي يصيد بها الصوفية , أخبرنا ابن ناصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: قال يوسف بن الحسين: نظرت في آفات الخلق فعرفت من أين أتوا , ورأيت آفة الصوفية في صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد والرفاق النسوان.
وبإسناد عن ابن الفرج الرستمي الصوفي يقول: رأيت إبليس في النوم فقلت له: كيف رأيتنا أعرضنا عن الدنيا ولذاتها وأموالها فليس لك إلينا طريق , فقال: كيف رأيت ما اشتملت به قلوبكم باستماع الغناء ومعاشرة الأحداث؟
وبإسناد عن ابن سعيد الخراز يقول: رأيت إبليس في النوم يمرغني ناحية فقلت: تعال فقال: إيش أعمل بكم أنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس, قلت: ما هو؟ قال: الدنيا فلما ولى التفت إليّ فقال: غير أنّ فيكم لطيفة , قلت: وما هي؟ قال: صحبة الأحداث قال أبو سعيد وقل من يتخلص منها من الصوفية.
عقوبة النظر إلى الأحداث (المردان)
في عقوبة النظر إلى المردان أو الاحداث , عن أبي عبد الله بن الجلاء قال: كنت أنظر إلى غلام نصراني حسن الوجه , فمر بي أبو عبد الله البلخي فقال: إيش وقوفك؟ فقلت: يا عم أما ترى هذه الصورة كيف تعذب بالنار؟ فضرب بيده بين كتفي وقال: لتجدن غبها ولو بعد حين قال: فوجدت غبها بعد أربعين سنة أن أنسيت القرآن.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبإسناد عن أبي الأديان قال: كنت مع أستاذي وأبي بكر الدقاق فمر حدث فنظرت إليه فرآني أستاذي وأنا أنظر إليه , فقال: يا بني لتجدن غبّه ولو بعد حين , فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي فما أجد ذلك الغب, فنمت ذات ليلة وأنا مفكر فيه, فأصبحت وقد أنسيت القرآن كله.
مدخل إبليس على الصوفية في التوكل والاحتراز
التوكل هو اعتماد القلب الكلي على الوكيل وحده الذي لا يغفل ولا ينام مع الأخذ في الأسباب, والتوكل ليس بينه وبين الأسباب تضاد , والتوكل على الله عزوجل المطلق لا يناقض حركة البدن في التعلق بالأسباب ولا ادخار المال لقوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما .. أي قواما لأبدانكم وقال عليه الصلاة والسلام: نعم المال الصالح مع الرجل الصالح ... وقال عليه الصلاة والسلام: إنك تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس , ولنعلم بأن الذي أمر بالتوكل , أمرنا بأخذ الحذر فقال عزوجل: خذوا حذركم .. وقال تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل.
ولعلّ الحديث الذي رواه انس رضي الله عنه في الصحيحين: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وترك ناقته بباب المسجد فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: أطلقتها وتوكلت على الله , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل
ولعلّ هذه الحادثة لأبلغ دليل على أنّ الاحتراز وأخذ الحيطة من شروط التوكل على الله.
وبإسناد عن ذي النون المصري أنه قال: سافرت سنين , وما صحّ لي التوكل إلا وقتا واحدا ركبت فيه البحر, فكسر المركب , فتعلقت بخشبة من خشب المركب, فقالت لي نفسي: إن حكم الله عليك بالغرق فما تنفعك هذه الخشبة, فخليت الخشبة , فطفت على الماء فوقعت على الساحل.
أخبرنا محمد قال: سألت أبا يعقوب الزيات عن مسألة في التوكل فأخرج درهما كان عنده ثم أجابني فأعطي التوكل حقه ثم قال: استحييت أن أجيبك وعندي شيء.
وجاء رجل إلى عبد الله بن الجلاء فسأله عن مسألة في التوكل وعنده جماعته فلم يجبه, ودخل البيت فأخرج إليهم صرة فيها أربعة دوانق فقال: اشتروا بهذه شيئا , ثم أجاب الرجل عن سؤاله فقيل له في ذلك فقال: استحييت من الله تعالى أن أتكلم في التوكل وعندي أربعة دوانق.
وقال سهل بن عبد الله: من طعن في الاكتساب فقد طعن على السنة , ومن طعن على التوكل فقد طعن على الإيمان.
وقال ابن عقيل رحمه الله: يظن أقوام أن الاحتياط والاحتراز ينافي التوكل وإن التوكل هو إهمال العواقب وإطراح التحفظ وذلك عند العلماء هو العجز والتفريط الذي يقتضي من العقلاء التوبيخ والتهجين ولم يأمر الله بالتوكل إلا بعد التحرز واستفراغ الوسع في التحفظ فقال تعالى: فإذا عزمت فتوكل على الله , فلو كان التعلق بالاحتياط قادحا في التوكل لما خص الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وسلم حين قال له: وشاورهم في الأمر , وهل المشاورة إلا استفادة الرأي الذي منه يؤخذ التحفظ والتحرز من العدو؟ ولم يقنع في الاحتياط بأن يكله إلى رأيهم واجتهادهم , حتى نص عليه وجعله عملا في نفس الصلاة وهي أخص العبادات؟ فقال عزوجل: فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم , وبين علة ذلك بقوله تعالى: ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة.
انّ التوكل هو التفويض فيما لا وسع فيه ولا طاقة به كقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: اعقلها وتوكل , ولو كان التوكل ترك التحرز لخص به خير الخلق صلى الله عليه وسلم, في خير الأحوال وهي حالة الصلاة.
وقد ذهب الشافعي رحمه الله إلى وجوب حمل السلاح حينئذ لقوله: وليأخذوا أسلحتهم فالتوكل لا يمنع من الاحتياط والاحتراز فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما قيل له قوله تعالى: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك , خرج , ونبينا صلى الله عليه وسلم خرج من مكة لخوفه من المتآمرين عليه , ووقاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بسد أثقاب الغار, وأعطى القوم التحرز حقه ثم توكلوا , وقال تعالى على لسان يعقوب لابنه يوسف عليهما الصلاة والسلام من باب التحرز والحيطة: لا تقصص رؤياك على إخوتك .. وقال تعالى: لا تدخلوا من باب واحد , وقال تعالى: فامشوا في مناكبها , وهذا لأن الحركة للذب عن النفس استعمال لنعمة الله تعالى, وكما أن الله تعالى يريد إظهار نعمة المبدأة, فهو عزوجل يريد
(يُتْبَعُ)
(/)
إظهار وداعه , فلا وجه لتعطيل ما أودع اعتمادا على ما جاد به, لكن يجب عليك أن تستعمل ما عندك, ثم اطلب ما عنده عزوجل, وقد جعل الله تعالى للطير والبهائم عدة وأسلحة تدفع عنها الشرور كالمخلب والظفر والناب, وخلق للآدمي عقلا يقوده إلى حمل الأسلحة ويهديه إلى التحصين بالأبنية والدروع , ومن عطل نعمة الله بترك الاحتراز فقد عطل حكمته كمن يترك الأغذية والأدوية ثم يموت جوعا أو مرضا.
ولا أبله ممن يدّعي العقل والعلم ويستسلم للبلاء , إنما ينبغي أن تكون أعضاء المتوكل في الكسب وقلبه ساكن مفوض إلى الحق تبارك وتعالى, منع أو أعطى , لأنه لا يرى إلا أن الحق سبحانه وتعالى لا يتصرف إلا بحكمة ومصلحة , فمنعه عطاء في المعنى , وكم زين للعجزة عجوزهم وسولت لهم أنفسهم أن التفريط توكل , فصاروا في غرورهم بمثابة من اعتقد التهور شجاعة والخور حزما , ومتى وضعت أسباب فأهملت كان ذلك جهلا بحكمة الواضع, مثل وضع الطعام سببا للشبع , والماء للري , والدواء للمرض , فإذا ترك الإنسان ذلك إهوانا بالسبب ثم دعا وسأل , فربما قيل له قد جعلنا لعافيتك سببا , فإذا لم تتناوله كان إهوانا لعطائنا , فربما لم نعافك بغير سبب لإهوانك للسبب , وما هذا إلا بمثابة من بين قراحه وماء الساقية رفسه بمسحاة فأخذ يصلي صلاة الاستسقاء طلبا للمطر فإنه لا يستحسن منه ذلك شرعا ولا عقلا.
قال المصنف رحمه الله: فإن قال قائل كيف أحترز مع القدر؟ قيل له وكيف لا تحترز مع الأوامر من المُقدَّر للقدر؟ فالذي قدّر هو الذي أمرَ, وقد قال تعالى: وخذوا حذركم.
روي أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام كان يُصلي على رأس جبل فأتاه إبليس فقال: أنت الذي تزعم أنّ كل شيء بقضاء وقدر؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم , فقال له ابليس: اذن! فألق بنفسك من الجبل وقل قُدِّ رَ عليَّ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: يا لعين! الله يختبر العباد , وليس للعباد أن يختبروا الله تعالى.
وفي معنى ما ذكرنا من تلبيسه عليهم في ترك الأسباب أنه قد لبس على خلق كثير منهم بأن التوكل ينافي الكسب , وفي هذا من طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان ومن طعن على الكسب فقط طعن على السنة.
رويَ أنّ محمد بن عبد الله الرازي قال: سأل رجل أبا عبد الله بن سالم وأنا أسمع أنحن مستعبدون بالكسب أم بالتوكل؟ فقال: التوكل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم, والكسب سنته صلى الله عليه وسلم, وإنما سنّ الكسب لمن ضعف عن التوكل , وسقط عن درجة الكمال التي هي حاله, فمن أطاق التوكل فالكسب غير مباح له بحال إلا كسب معاونة لا كسب اعتماد عليه. ومن ضعف عن حال التوكل التي هي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم, أبيح له طلب المعاش في الكسب لئلا يسقط عن درجة سنته عليه الصلاة والسلام, حين سقط عن درجة حاله
الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يأكلون من عمل أيديهم
انّ من ظنّ أنّ ترك الكسب وتعطيل الجوارح عن العمل هو التوكل يكون قد أخطأ الطريق, خاصة اذا علمنا أنّ التوكل هو فعل القلب , وفعل القلب فلا ينافي حركة الجوارح , ولو كان كل كاسب ليس بمتوكل , لما رأينا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متوكلين على الله عزوجل, فقد كان آدم حراثا , ونوح وزكريا نجارين , وإدريس خياطا , وإبراهيم ولوط زراعين , وصالح تاجرا , وكان سليمان يعمل الخوص, وداود يصنع الدرع ويأكل من ثمنه , وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة , صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: كنت أرعى غنما لأهل مكة بالقراريط , فلما أغناه الله تعالى بما فرض له من الفيء لم يحتج إلى الكسب , وقد كان أبو بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة رضوان الله عليهم بزازين , وكذلك محمد بن سيرين وميمون بن مهران بزازين , وكان الزبير بن العوام وعمرو بن العاص وعامر بن كريز رضي الله عنهم خزازين, وكذلك أبو حنيفة رحمه الله , وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يبري النبل وكان عثمان بن طلحة رضي الله عنه خياطا , وما زال التابعون ومن بعدهم يكتسبون ويأمرون بالكسب.
(يُتْبَعُ)
(/)
عن عطاء بن السائب رحمه الله قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها , فلقيه عمر وأبو عبيدة رضي الله تعالى عنهم أجمعين, فقالا: أين تريد؟ فقال: السوق .. قالا رضي الله عنهما: تصنع ماذا وقد وُليت أمور المسلمين؟ فقال رضي الله عنه: فمن أين أطعم عيالي؟
عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: لما استُخلفَ أبو بكر رضي الله عنه , جعلوا له ألفين , فقال: زيدوني فإن لي عيالا , وقد شغلتموني عن التجارة , فزادوه خمسمائة.
قال المصنف رحمه الله: قلت لو قال رجل للصوفية من أين أطعم عيالي لقالوا قد أشركت, ولو سئلوا عمن يخرج إلى التجارة , لقالوا ليس بمتوكل ولا موقن , وكل هذا لجهلهم بمعنى التوكل واليقين , ولو كان أحد يغلق عليه الباب ويتوكل لقرب أمر دعواهم لكنهم بين أمرين أما الغالب من الناس فمنهم من يسعى إلى الدنيا مستجديا , ومنهم من يبعث غلامه فيدور بالزنبيل فيجمع له , وإما الجلوس في الرباط في هيئة المساكين , وقد علم أن الرباط لا يخلو من فتوح ك, ما لا تخلو الدكان من أن يقصد للبيع والشراء.
وقد كان السلف ينهون عن التعرض لهذه الأشياء ويأمرون بالكسب , قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا معشر الفقراء ارفعوا رؤوسكم فقد وضح الطريق فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالا على المسلمين.
وعن محمد بن عاصم قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رأى غلاما فأعجبه سأل عنه هل له حرفة؟ فإن قيل لا قال: سقط من عيني
هؤلاء المتوكلة يقولون نقعد وأرزاقنا على الله تعالى , وهذا قول رديء , أليس الله تبارك وتعالى قد في كتابه الكريم: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع.
فالمتوكلون على الله ولا يعملون هؤلاء قوم سوء يريدون تعطيل الكون, ألم يقل الله تعالى لمريم عليها السلام: وهُزّي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا.
اذن التوكل على الله عزوجل أمر مطلوب, وعليه أن يكتسب ويعمل حتى يغني نفسه وعياله وألا يترك العمل , وقد سئل أحد السلف عن قوم لا يعملون ويقولون نحن المتوكلون فقال رحمه الله فيهم: هؤلاء مبتدعون
قال ابن عقيل رحمه الله: التسبب لا يقدح في التوكل لأن تعاطي رتبة ترقي على رتبة الأنبياء نقص في الدين ولما قيل لموسى عليه السلام: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك , خرج, ولما جاع واحتاج إلى عفة نفسه , أجَّر نفسه ثمان سنين , وقال الله تعالى: فامشوا في مناكبها , وهذا لأن الحركة استعمال بنعمة الله عزوجل, وهي القوى, فاستعمل ما عندك , ثم اطلب ما عنده عزوجل, وقد يطلب الإنسان من ربه عزوجل وينسى ما له عنده من الذخائر , فإذا تأخر عنه ما يطلبه يسخط , فترى بعضهم يملك عقارا وأثاثا , فإذا ضاق به القوت واجتمع عليه دين فقيل له: لو بعت عقارك , قال: كيف أفرط في عقاري , وأسقط جاهي عند الناس؟ وإنما يفعل هذه الحماقات العادات , وإنما قعد أقوام عن الكسب استثقالا له , فكانوا بين أمرين قبيحين: إما تضييع العيال فتركوا الفرائض , أو التزين باسم أنه متوكل فيحن عليهم المكتسبون فضيقوا على عيالهم لأجلهم وأعطوهم , وهذه الرذيلة لم تدخل قط إلا على دنيء النفس الرذيلة, وإى فالرجل كل الرجل من لم يضيع جوهره الذي أودعه الله إيثارا للكسل أو لاسم يتزين بن بين الجهال, فإن الله تعالى قد يحرم الإنسان المال , ويرزقه جوهرا يتسبب به إلى تحصيل الدنيا بقبول الناس عليه.
وقد تشبث القاعدون عن التكسب بتعللات قبيحة منها أنهم قالوا لا بد من أن يصل إلينا رزقنا, وهذا في غاية القبح , فإن الإنسان لو ترك الطاعة وقال: لا أقدر بطاعتي أن أغير ما قضى الله تعالىعلي , فإن كنت من أهل الجنة فأنا إلى الجنة, أو من أهل النار فأنا من أهل النار , قلنا له هذا يرد الأوامر كلها , ولو صح لأحد ذلك , لم يخرج آدم من الجنة , لأنه كان يقول ما فعلت إلا ما قضي عليّ ومعلوم أننا مطالبون بالأمر, لا بالقدر , ومنها أنهم يقولون: أين الحلال حتى نطلبه؟ وهذا قول جاهل لأن الحلال لا ينقطع أبدا, لقوله صلى الله عليه وسلم: الحلال بيّن والحرام بيّن , ومعلوم أن الحلال ما أذن الشرع في تناوله , وإنما قولهم هذا احتجاج للكسل , ومنها أنهم قالوا: إذا كسبنا أعنا الظلمة والعصاة, مثلما قال ابراهيم الخواص: طلبت الحلال في كل شيء حتى طلبته في صيد السمك فأخذت قصبة , وجعلت فيها شعرا , وجلست على الماء , فألقيت الشص , فخرجت سمكة فطرحتها على الأرض , وألقيت الثانية فخرجت لي سمكة , فأنا أطرحها ثالثة , إذا من ورائي لطمة لا أدري من يد من هي , ولا رأيت أحدا وسمعت قائلا يقول: أنت لم تصب رزقا في شيء إلا أن تعمد إلى من يذكرنا فتقتله قال: فقطعت الشعر وكسرت القصبة وانصرفت.
قال المصنف رحمه الله: قلت وهذه القصة إن صحت فإن الروايتين بعض من يتهم, فإن اللاطم إبليس, وهو الذي هتف به , لأن الله تعالى أباح الصيد فلا يعاقب على ما أباحه , وكيف يقال له تعمد إلى من يذكرنا فتقتله وهو الذي أباح له قتله , وكسب الحلال ممدوح , ولو تركنا الصيد وذبح الأنعام , لأنها تذكر الله تعالى لم يكن لنا ما يقيم قوى الأبدان لأنه لا يقيمها إلا اللحم فالتحري من أخذ السمك وذبح الحيوان مذهب البراهمة فانظر إلى الجهل ما يصنع , وإلى إبليس كيف يفعل؟
وعن أحمد بن عبد الله بن عبد الملك قال سمعت شيخا يكنى أبا تراب يقول: قيل لفتح الموصلي أنت صياد بالشبكة ولم تصد شيئا إلا وتطعمه لعيالك فلم تصد وتبيع ذلك الناس فقال أخاف أن أصطاد مطيعا لله تعالى في جوف الماء فأطعمه عاصيا لله على وجه الأرض
قال المصنف رحمه الله: قلت إن صحت هذه الحكاية عن فتح الموصلي فهو من التعلل البارد المخالف للشرع والعقل , لأن الله تعالى أباح الكسب وندب إليه , فإذا قال قائل: ربما خبزت خبزا فأكله عاص , كان حديثا فارغا , لأنه لا يجوز لنا إذا أن نبيع الخبز لليهود والنصارى.
الى ان نلتقي مع الجزء الرابع عشر- مداخل ابليس على الصوفية
نترككم برعاية المولى عزوجل
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[12 - Jul-2009, صباحاً 12:07]ـ
الجزء الرابع عشر:مداخل إبليس على الصوفية
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
ولكثرة مداخل ابليس على الصوفية كثيرة,, فاننا نكتفي بذكر عشرة مداخل
أولا- ترك التداوي والجمعة والجماعة
قال المصنف رحمه الله: لا يختلف العلماء أن التداوي مباح , وإنما رأى بعضهم أن العزيمة تركه , والمقصود ههنا أنا نقول إذا ثبت أن التداوي مباح بالإجماع مندوب إليه عند بعض العلماء فلا يلتفت إلى قول قوم قد رأوا أن التداوي خارج من التوكل , لأن الإجماع على أنه لا يخرج من التوكل , لقوله تعالى: وننزلُ من القرآن ما هو شفاء للناس ورحمة للمؤمنين
وقال عزوجل في العسل: فيه شفاء للناس
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تداوى وأمر بالتداوي وقال: إن الله جعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تداووا بحرام ( http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=10380&idto=10381&bk_no=52&ID=3178#docu).. وقال عليه الصلاة والسلام: عليكم بالشافئين القرآن والعسل .. وقال عليه الصلاة والسلام: الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكي .. أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وعلى هذا أنّ التداوي لم يخرج الانسان من التوكل اطلاقا, بل من التوكل أن نلجأ الى الاسباب لأنها جزء من التوكل, ومما سبق من دلاائل الكتاب والسنة بالأمر بالتداوي لدليل على فساد ما يقوله ذوو الغباوة من أهل التصوف وغيرهم من أن التوكل لا يصح لأحد عالج علة به في جسده بدواء, إذ ذاك عندهم طلب العافية من غير من بيده العافية والضر والنفع وفي إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم , علاج عينه بالصبر , لدفع المكروه لأدل دليل على أن معنى التوكل غير ما قاله الذين ذكرنا قولهم , وأن ذلك غير مخرج فاعله من الرضا بقضاء الله عزوجل , كما أن من عرض له كلب الجوع لا يخرجه فزعه إلى الغذاء من التوكل والرضا بالقضاء, لأن الله تعالى ما أنزل من داءٍ الا وأنزل له دواء الا الموت, وجعل الله عزوجل برحمته الأدواء أسبابا لدفع الأمراض, تماما كما جعل الأكل سببا لدفع الجوع , وقد كان قادرا أن يُحيي خلقه بغير هذا ولكنه عزت وجلت قدرته خلقهم ذوي حاجة , فلا يندفع عنهم أذى الجوع, إلا بما جعل سببا لدفعه عنهم , فكذا الداء العارض والله الهادي الى سواء السبيل.
قال المصنف رحمه الله: قد لبس على خلق كثير منهم فأوهمهم أن التوكل ترك الزاد , وقد بينا فساد هذا فيما تقدم إلا أنه قد شاع هذا في جهلة القوم , وجاء حمقى القصاص يحكون ذلك عنهم على سبيل المدح لهم به , فيتضمن ذلك تحريض الناس على مثل ذلك , وبأفعال أولئك ومدح هؤلاء فسدت الأحوال وخفيت على العوام طرق الصواب , والأخبارعنهم بذلك كثيرة وأنا أذكر منها نبذة
ثانيا: مدخل إبليس على الصوفية في ترك الجمعة والجماعة بالوحدة والعزلة
قال المصنف: كان خيار السلف يؤثرون الوحدة والعزلة عن الناس اشتغالا بالعلم والتعبد إلا أن عزلة القوم لم تقطعهم عن جمعة ولا جماعة ولا عيادة مريض ولا شهود جنازة ولا قيام بحق , وإنما هي عزلة عن الشر وأهله مخالطة البطالين , وقد لبس إبليس على جماعة من المتصوفة , فمنهم من اعتزل في جبل كالرهبان يبيت وحده ويصبح وحده, ففاتته الجمعة وصلاة الجماعة , ومخالطة أهل العلم , وعمومهم اعتزل في الأربطة ففاتهم السعي إلى المساجد , وتوطنوا على فراش الراحة وتركوا الكسب.
وقد قال أبو حامد الغزالي في كتاب الأحياء: مقصود الرياضة تفريغ القلب وليس ذلك إلا بخلوه في مكان مظلم , وقال فإن لم يكن مكان مظلم فيلف رأسه في جبته أو يتدثر بكساء أو إزار , ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال حضرة الربوبية.
قال المصنف رحمه الله: قلت انظر إلى هذه الترتيبات والعجب كيف تصدر من فقيه عالم؟ ومن أين له أن الذي يسمعه نداء الحق؟ وأن الذي يشاهده جلال الربوبية؟ وما يؤمنه أن يكون ما يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة وهذا الظاهر ممن يستعمل التقلل في المطعم فإنه يغلب عليه الماليخوليا.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا عدا عن أنّ الكتاب والسنة ينهيان عن مفارقة الجماعة , فعن أبي امامة رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية من سراياه, فمرّ رجلٌ بغارٍ فيه شيءٌ من ماء فحدّث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه, وفيه شيءٌ من ماء, ويصيب ما حوله من البقل, ويتخلى عن الدنيا, ثم قال الرجل: لو أني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكرت له ذلك, فانْ اذن لي فعلت, والا لم أفعل, فاتاه فقال: يا نبي الله! اني مررت بغارٍ فيه ما يقوتني من الماء والبقل, فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى من الدنيا .. فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: اني لم أُبعثَ باليهودية ولا بالنصرانية, ولكني بعثت بالحنفيّة السمحة, والذي نفس محمد بيده, لغدوة أو روْحة في سبيل الله, خير من الدنيا وما فيها, ولمقام أحدكم في الصفّ خيرٌ من صلاته ستين سنة.
ثالثا: مدخل ابليس على الصوفية في التخشع وطأطأة الرأس
قال المصنف رحمه الله: إذا سكن الخوف القلب , أوجب خشوع الظاهر , ولا يملك صاحبه دفعه , فتراه مطرقا متأدبا متذللا , وقد كانوا يجتهدون في ستر ما يظهر منهم من ذلك , وكان محمد بن سيرين يضحك بالنهار ويبكي بالليل , ولسنا نأمر العالم بالانبساط بين العوام , فإن ذلك يؤذيهم , فقد روي عن علي رضي الله عنه: إذا ذكرتم العلم فاكظموا عليه ولا تخلطوه بضحك فتمجه القلوب , ومثل هذا لا يسمى رياء لأن قلوب العوام تضيق عن التأويل للعالم إذا تفسح في المباح , فينبغي أن يتلقاهم بالصمت والأدب وإنما المذموم تكلف التخشع والتباكي ومطأطأة الرأس, ليرى الإنسان بعين الزهد , والتهيؤ للمصافحة وتقبيل اليد , وربما قيل له ادع لنا , فيتهيأ للدعاء كأنه يستنزل الإجابة, وقد ذكرنا عن إبراهيم النخعي أنه قيل له ادع لنا فكره ذلك واشتد عليه.
وقد كان في الخائفين من جمله الخوف على شدة الذل والحياء فلم يرفع رأسه إلى السماء وليس هذا بفضيلة لأنه لا خشوع فوق خشوع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء , وهذا دليل على استحباب النظر إلى السماء لأجل الاعتبار بآياتها وقد قال الله تعالى: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها ... وقال عزوجل: قل انظروا ماذا في السموات والأرض , وفي هذا رد على المتصوفين فإن أحدهم يبقى سنين لا ينظر إلى السماء , وقد ضم هؤلاء إلى ابتداعهم الرمز إلى التشبيه , ولو علموا أن إطراقهم كرفعهم في باب الحياء من الله تعالى , لم يفعلوا ذلك , غير أن ما شغل إبليس إلا التلاعب بالجهلة , فأما العلماء فهو بعيد عنهم , شديد الخوف منهم , لأنهم يعرفون جميع أمره ويحترزون من فنون مكره.
وعن محمد بن عبد الله القرشي عن أبيه قال: نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شاب قد نكس رأسه فقال له: يا هذا ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا على نفاق
وقالت الشفا بنت عبد الله وقد رأت فتيانا يقصرون في المشي ويتكلمون رويدا فقالت: ما هذا؟ قالوا نساك .. قالت: كان والله عمر رضي الله عنه إذا تكلم أسمع , وإذا مشي أسرع , وإذا ضرب أوجع , وهو الناسك حقا.
قال المصنف رحمه الله: قلت وقد كان السلف يسترون أحوالهم ويتصنعون بترك التصنع , وكان سفيان الثوري يقول لصاحب له ورآه يصلي: ما أجرأك تصلي والناس يرونك , ومر أبو أمامة رضي الله عنه برجل ساجد فقال: يا لها من سجدة لو كانت في بيتك , ورحم الله الامام الشافعي حيث قال: ودع الذين إذا أتوك تنسكوا ... وإذا خلوا فهم ذئاب خفاف.
رابعا: مدخل إبليس على الصوفية في ترك النكاح
وقد لبس إبليس على كثير من الصوفية فمنعهم من النكاح , فقدماؤهم تركوا ذلك تشاغلا بالتعبد , ورأوا النكاح شاغلا عن طاعة الله تعالى , وهؤلاء وإن كانت بهم حاجة إلى النكاح أو بهم نوع تشوق إليه , فقد خاطروا بأبدانهم وأديانهم , وإن لم يكن بهم حاجة إليه فأتتهم الفضيلة.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف: النكاح مع خوف العنت واجب , ومن غير خوف العنت سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء, وعند مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل هو أفضل من جميع النوافل لأنه سبب في وجود الولد , قال صلى الله عليه وسلم: تناكحوا تناسلوا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني , وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه, قال: لقد رد رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له في ذلك لاختصينا.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر, فأخبروهم , فقال بعضهم: لا آكل اللحم , وقال بعضهم: لا أتزوج النساء , وقال بعضهم: لا أنام الليل على فراش , وقال بعضهم أصوم ولا أفطر , فحمد الله النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه, ثم قال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر , وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن خير هذه الأمة كان أكثرها نساء , و قال شداد بن أوس رضي الله عنه: زوجوني فإن رسول الل صلى الله عليه وسلم أوصاني إن لا ألقى الله عزبا
و عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: دخل على رسول الله رجل يقال له عكاف بن بشر التميمي الهلالي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عكاف! هل لك من زوجة؟ قال: لا , قال: ولا جارية؟ قال: لا , قال: وأنت موسر بخير؟ قال: وأنا موسر , قال: أنت إذا من إخوان الشياطين لو كنت من النصارى لكنت من رهبانهم , إن سنتنا النكاح , شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم فما للشياطين من سلاح أبلغ في الصالحين من ترك النساء.
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء والمرتجلات من النساء المتشبهات بالرجال والمتبتلين من الرجال الذين يقولون لا نتزوج , والمتبتلات من النساء اللاتي يقلن ذلك
خامسا: مدخل إبليس على الصوفية في الأسفار والسياحة
وقد لبس إبليس على خلق كثير منهم فأخرجهم إلى السياحة , لا إلى مكان معروف , ولا إلى طلب علم , وأكثرهم يخرج على الوحدة ولا يستصحب زادا, ويدعي بذلك الفعل التوكل , فكم تفوته من فضيلة وفريضة , وهو يرى أنه في ذلك على طاعة , وأنه يقرب بذلك من الولاية وهو من العصاة المخالفين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما السياحة والخروج الى مكان مقصود في غير حاجة, فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه, لقوله صلى الله عليه وسلم: لا زمام ولا خزام ولا رهبانية ولا تبتل ولا سياحة في الإسلام
قال المصنف رحمه الله: وقد ذكرنا فيما تقدم من حديث ابن مظعون رضي الله عنه إنه قال: يا رسول الله: إن نفسي تحدثني بأن أسيح في الأرض فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مهلا يا عثمان , فإن سياحة أمتي الغزو في سبيل الله والحج والعمرة
وأما الخروج على الوحدة فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر الرجل وحده , فقال عليه الصلاة والسلام: الراكب شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله راكب الفلاة وحده.
قال المصنف رحمه الله: وقد لبس على خلق كثير منهم فأوهمهم أن التوكل ترك الزاد , وقد بينا فساد هذا فيما تقدم إلا أنه قد شاع هذا في جهلة القوم , وجاء حمقى القصاص يحكون ذلك عنهم على سبيل المدح لهم به , فيتضمن ذلك تحريض الناس على مثل ذلك , وبأفعال أولئك ومدح هؤلاء فسدت الأحوال وخفيت على العوام طرق الصواب , وقد سبق الكلام
في مثل هذا , وإن هؤلاء القوم ظنوا أن التوكل ترك الأسباب , ولو كان هذا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزود لما خرج إلى الغار قد خرج من التوكل , وكذلك موسى عليه الصلاة والسلام لما طلب الخضر تزود حوتا , وأهل الكهف حين خرجوا فاستصحبوا دراهم واستخفوا ما معهم , وإنما خفي على هؤلاء معنى التوكل لجهلهم وقد اعتذر لهم أبو حامد الغزالي فقال: لا يجوز دخول المفازة بغير زاد إلا بشرطين: أحدهما: أن يكون الإنسان قد راض نفسه حيث يمكنه الصبر على الطعام أسبوعا ونحوه , والثاني: أن يمكنه التقوت بالحشيش ولا تخلو البادية من أن يلقاه آدمي بعد أسبوع أو ينتهي إلى حلة أو حشيش يرجى به وقته.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: قلت أقبح ما في هذا القول أنه صدر من فقيه فإنه قد لا يلقى أحدا وقد يضل وقد يمرض فلا يصلح له الحشيش , وقد يلقى من لا يطعمه ويتعرض بمن لا يضيفه وتفوته الجماعة قطعا , وقد يموت ولا يلبه أحد.
ألا ترى أن قوم موسى عليه الصلاة والسلام لما سألوا الله عزوجل من بقلها وقثائها وفولها وعدسها وبصلها أوحى الله اليه: أن اهبطوا مصرا (بلدا) , لماذا؟ لأنّ الذي طلبوه موجود في الأمصار (البلدان) , فهؤلاء القوم على غاية الخطأ في مخالفة الشرع والعقل والعمل بموافقات النفس.
و عن ابن عباس رضي الله عنهما , قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن متوكلون فيحجون فيأتون إلى مكة فيسألون الناس فأنزل الله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى
عن محمد بن موسى الجرجاني قال: سألت محمد بن كثير الصنعاني عن الزهاد الذين لا يتزودون ولا ينتعلون ولا يلبسون الخفاف فقال: سألتني عن أولاد الشياطين ولم تسألني عن الزهاد , فقلت له: فأي شيء الزهد؟ قال: التمسك بالسنة والتشبيه بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن أحمد بن علي الوجدي يقول: حج الدينوري اثنتي عشرة حجة حافيا مكشوف الرأس وكان إذا دخل في رجله شوك يمسح رجله في الأرض ويمشي ولا يطأطئ إلى الأرض من صحة توكله.
قال المصنف رحمه الله: قلت انظروا إلى ما يصنع الجهل بأهله , وليس من طاعة الله تعالى بشيء أن يقطع الإنسان تلك البادية حافيا ولا مكشوف الرأس , وأي قربة تحصل بهذا؟ ولولا وجوب كشف الرأس في مدة الإحرام لم يكن لكشفه أي معنى , فمن ذا الذي أمره ألا يُخرج الشوك من رجله؟ وأي طاعة تقع بهذا العمل؟ ولو أن رجله انتفخت بما يبقى فيها من الشوك وهلك , كان قد أعان على نفسه , وهل دلك رجله بالأرض إلا دفع بعض شر الشوك؟ وأين التوكل في مثل أفعال مخالفة للعقل والشرع كهذه؟
عن أبو بكر الدقاق قال: خرجت في وسط السنة إلى مكة وأنا حدث السن وفي وسطي نصف جل , وعلى كتفي نصف جل, فرمدت عيني في الطريق , وكنت أمسح دموعي بالجل , فأقرح الجل الموضع الذي مسحته , فكان يخرج الدم مع الدموع, فمن شدة الإرادة وقوة سروري بحالي , لم أفرق بين الدموع والدم , وذهبت عيني في تلك الحجة , وكانت الشمس إذا أثرت في بدني قبّلت يدي ووضعتها على عيني سرورا مني بالبلاء.
وعن أبا بكر الرازي يقول قلت لأبي بكر الدقاق وكان بفرد عين: ما سبب ذهاب عينك؟ قال: كنت أدخل البادية على التوكل فتحاملت على نفسي حتى لا أسأل الناس شيئا و تورعا , فسالت إحدى عيني على خدي من الجوع.
قال المصنف رحمه الله: إذا سمع مبتدئ حالة هذا الرجل ظن أن هذه مجاهدات , لأنّ سفرة هذا الرجل التي يفتخر بها قد جمعت من المعاصي والمخالفات الشرعية فنونا , منها خروجه في تنصيف السنة على الوحدة , ومشيه بلا زاد وبلا راحلة, ولباسه الجل ومسح عينيه به , وظنه أن ذلك يقربه إلى الله تعالى , وإنما يتقرب إلى الله تعالى بما أمر به وشرعه لا بما نهى وكف عنه , فلو أن إنسانا كسر رجل نفسه ثم فرح بهذه المصيبة كان في غاية الحماقة , ثم تركه لسؤال الناس وقت الاضطرار , ووتحامله على النفس بالجوع حتى سالت عينه , ثم يأتي ليسمي هذا تورعا , فهذا ليس تورعا وانماحماقات زهاد , أكبرها الجهل والبعد عن العلم, يقول سفيان الثوري رحمه الله: من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار.
قال المصنف رحمه الله: فانظر إلى كلام الفقهاء ما أحسنه ووجهه أن الله تعالى قد جعل للجائع مكنة التسبب فإذا عدم الأسباب الظاهرة فله قدرة السؤال التي هي كسب مثله في تلك الحال فإذا تركه فقد فرط في حق نفسه التي هي وديعة عنده فاستحق العقاب.
و يُحكي عن أبي بكر الدقاق أنه قال: استضفت حيا من العرب , فرأيت جارية حسناء فنظرت إليها فقلعت عيني التي نظرت بها إليها قلت مثلك من نظر لله
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: قلت فانظروا إلى جهل هذا المسكين بالشريعة والبعد عنها , لأنه إن كان نظر إليها عن غير تعمد فلا إثم عليه , وإن تعمد فقد أتى صغيرة , قد كان يكفيه منها الندم , فضم إليها كبيرة وهي قلع عينه دون أن يتب عنها , وقاده جهله الى اعتقاده بقلع عينه قربة الى الله عزوجل, ومن اعتقد المحظور قربة فقد انتهى خطؤه إلى الغاية, ولعله سمع تلك الحكاية عن بعض بني إسرائيل أنه نظر إلى امرأة فقلع عينه , وقد حرمت شريعتنا أمرا كهذا, وكأن هؤلاء القوم ابتكروا شريعة سموها بالتصوف وتركوا شريعة نبيهم صلى الله عليه وسلم, نعوذ بالله من تلبيس إبليس وقد روي عن بعض عابدات الصوفية مثل هذا.
ويحكى عن امرأة صالحة تدعى شعوانة , فخرجت ذات يوم إلى السوق , فرآها بعض الناس فافتتن بها وتبعها إلى باب دارها , فلما رأته قالت له: أي شيء تريد مني؟ قال: فتنت بك , فقالت: ما الذي استحسنت مني؟ قال: عيناك , فدخلت إلى دارها فقلعت عينيها وخرجت إلى خلف الباب ورمت بهما إليه وقالت له: خذهما فلا بارك الله فيك.
قال المصنف رحمه الله: فانظروا إخواني كيف يتلاعب إبليس بالجهلة, فإن ذلك الرجل أتى صغيرة بالنظر الى امرأة لا تحل له, وأتت المرأة بكبيرة ظنا منها أنها فعلت طاعة لله تعالى, وكان الأولى بها والأجدر ألا تكلم رجلا أجنبيا.
فانظروا إلى حال هذه المسكينة ماذا فعلت بنفسها وهي تعتقد أن في هذا قربة لله تعالى, نسأل الله لعباده العافية.
ويحكى أنّ أبا سعيد الخراز قال: دخلت البادية مرة بغير زاد , فأصابتني فاقة , فرأيت المرحلة من بعد , فسررت بوصولي ثم فكرت في نفسي أني شكيت , وأني توكلت على غيره , فآليت أن لا أدخل المرحلة إلا إن حملت إليها , فحفرت لنفسي في الرمل حفرة وواريت جسدي فيها إلى صدري , فسمعت صوتا في نصف الليل عاليا: يا أهل المرحلة! إن لله وليا حبس نفسه في هذا الرمل فالحقوه , فجاء جماعة فأخرجوني وحملوني إلى المرحلة.
قال المصنف رحمه الله: قلت لقد تنطع هذا الرجل على طبعه فأراد منه ما لم يوضع عليه, لأن طبع ابن آدم أن يهش إلى ما يحب ولا لوم على العطشان إذا هش إلى الماء, ولا لوم على الجائع إذا هش إلى الطعام , فكذلك كل من هش إلى محبوب له وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر , فلاحت له المدينة أسرع السير حبا للوطن , ولما خرج من مكة تلفت إليها صلى الله عليه وسلم شوقا , وكان بلال رضي الله عنه يقول: لعن الله عتبة وشيبة إذا أخرجونا من مكة.
فنعوذ بالله من الإقبال على العمل بغير مقتضى العلم والعقل , ثم حبس نفسه عن صلاة الجماعة منكر , وأي شيء في هذا الذي فعله هذا الرجل من التقرب إلى الله سبحانه وتعالى؟ فانظروا رحمكم الله كيف الجهل صنع
بهذا الرجل وقد كان من أهل الخير؟ ولو كان عنده علم لعلم أن ما فعله حرام عليه, وليس لإبليس عون على العباد والزهاد أكثر من الجهل.
ومن مذهب بعض الصوفية أنه اذا قدم أحدهم من سفر ودخل على جماعة لا يسلم عليهم حتى يذهب فيتوضأ ويصلي ركعتين, وهذا ابتداع في الدين ومخالف للشرع, لأنّ السلام على الناس لا يحتاج الى طهارة أو وضوء, الا اذا أخذوا دينهم عن مذهب الاطفال, فالطفل اذا قيل له لم لا تسلم علينا أجابهم: لأني لم أغسل وجهي بعد.
سادسا: مدخل ابليس على الصوفية اذا مات لهم ميّت
وانّ من حهل بعض الصوفية وقلة علمهم يقيمون عند الميت عرسا, يغنون له ويرقصون, ويلعبون ويقولون: نفرح للميت اذا وصل الى ربه, وهذا يعني أنهم يضمنون للميت خاتمة حسنة, وهذا أمر لا يعلمه أحد من البشر, وما يؤكد ذلك ما رواه خارجة بن زيد الانصاري عن أم العلاء رضي الله عنهما قالت: لما مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه, دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب, فشهادتي عليك لقد أكرمك الله
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يُدريك أنّ الله أكرمه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهنا نتوقف قليلا أما تساؤل النبي صلى الله عليه وسلم لنؤكد للجميع أنّ المرء مهما كانت اعماله صالحة, فانه بعد موته يصير أمره الى الله عزوجل, ولا أحد يعلم مالله عزوجل صانع به, ان شاء عذبه, وان شاء عفا عنه, وفي هذا يستوي الصالحون وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وكل فرد من أمته الى يوم القيامة, فلا يدري أحدنا على أي شيء قبضت روح هذا المسلم.
وكثيرا ما نسمع من الجهلة عن أحد مات أبداً انه مات شهيدا, أو أنه في روضات الجنة يمرح, وما حكموا حكمهم ذاك الا من خلال رؤيتهم له أنه كان صالحا في حياته, فمن أين عرفوا أنه من أهل الجنة؟ هل كشف عنهم الحجاب فعلموا؟ ومن أين لنا أن نعرف عن أعمالنا ان كانت مرفوعة أم مقبولة؟
سابعا: مدخل إبليس على الصوفية في ترك التشاغل بالعلم
قال المصنف رحمه الله: اعلم أن أول مدخل لإبليس على الناس من خلال صدهم عن العلم , لأن العلم نور , فإذا أطفأ ابليس مصابيحهم , جعلهم يتخبطون في الظلم كيف شاء , وقد دخل على الصوفية في هذا الفن من أبواب عديدة:
أحدها: أنه منع جمهورهم من العلم أصلا , وأراهم أنه يحتاج إلى تعب وكلف, فحسّن عندهم الراحة , فلبسوا المراقع وجلسوا على بساط البطالة.
وقال الامام الشافعي رحمه الله: أُسِّسَ التصوف على الكسل.
أي حبهم للولايات واستجلاب الدنيا بالعلوم, وكلاهما يُتعب البدن , والصوفية قد تعجلوا الولايات , فباتوا يرون بعين الزهد واستجلاب الدنيا , فأتت إليهم سريعة.
وقال حفص بن شاهين: ومن الصوفية من ذم العلماء ورأى أن الاشتغال بالعلم بطالة , وقالوا إن علومنا بلا واسطة , وإنما رأوا بعد الطريق في طلب العلم , فقصروا الثياب ورقعوا الجباب , وحملوا الركاء وأظهروا الزهد.
والثاني: أنه جعلهم يأخذون بأطراف الأحاديث , وأوهمهم أنّ علو الإسناد والجلوس للحديث كله رياسة ودنيا , وأن للنفس في ذلك لذة, وكما قال يزيد بن هارون: طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله.
والثالث: أنه أوهم قوما منهم أن المقصود العمل وما فهموا أن التشاغل بالعلم من أوفى الأعمال ثم إن العالم وإن قصر سير عمله فإنه على الجادة, والعابد بغير علم على غي الطريق.
والرابع: أنه أرى خلقا كثيرا منهم أن العالم ما اكتسب من البواطن حتى أن أحدهم يتحايل له وسوسة , فيقول حدثني قلبي عن ربي.
وقد سموا علم الشريعة علم الظاهر , وسموا هواجس النفوس العلم الباطن, واحتجوا له بحديثٍ لا أصل له , وادعوا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: علم الباطن سر من سر الله تعالى , وحكم من أحكام الله تعالى يقذفه الله تعالى في قلوب من يشاء من أولياءه.
قال المصنف رحمه الله: هذا حديث لا أصل له عن النبي وفي إسناده مجاهيل لا يعرفون.
وقد فرق كثير من الصوفية بين الشريعة والحقيقة وهذا جهل , لأن الشريعة كلها حقائق , فإن كانوا يريدون بذلك الرخصة والعزيمة , فكلاهما شريعة , وقد أنكر عليهم جماعة من قدمائهم في إعراضهم عن ظواهر الشرع وترك العلم ومن هؤلاء:
فعن أبي الحسن غلام شعوانة بالبصرة يقول: سمعت أبا الحسن بن سالم يقول: جاء رجل إلى سهل بن عبد الله وبيده محبرة وكتاب فقال لسهل: جئت أن أكتب شيئا ينفعني الله له فقال: اكتب إن استطعت أن تلقى الله وبيدك المحبرة والكتاب , فافعل.
قال: يا أبا محمد! أفدني فائدة , فقال: الدنيا كلها جهل إلا ما كان علما , والعلم كله حجة إلا ما كان عملا , والعمل كله موقوف إلا ما كان منه على الكتاب والسنة , ولا تقوم السنة الا على التقوى.
وعن سهل بن عبد الله أنه قال: احفظوا السواد على البياض فما أحد ترك الظاهر إلا تزندق وقال: ما من طريق إلى الله تعالى أفضل من العلم , فإن عدلت عن طريق العلم خطوة , تهت في الظلام أربعين صباحا.
وعن أبي بكر الدقاق قال: سمعت أبا سعيد الخراز يقول: كل باطن يخالف ظاهرا فهو باطل
وقال: كنت مارا في تيه بني إسرائيل , فخطر ببالي أن علم الحقيقة مباين للشريعة , فهتف بي هاتف من تحت شجرة: كل حقيقة لا تتبعها الشريعة فهي كفر.
قال المصنف رحمه الله: وقد نبه الإمام أبو حامد الغزالي في كتاب الأحياء فقال: من قال إن الحقيقة تخالف الشريعة أو الباطن يخالف الظاهر فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال ابن عقيل رحمه الله: جعلت الصوفية الشريعة اسما , وقالوا المراد منها الحقيقة, قال: وهذا قبيح , لأن الشريعة وضعها الحق تبارك وتعالى لمصالح الخلق وتعبداتهم , فما الحقيقة بعد هذا سوى شيء واقع في النفس من إلقاء الشياطين , وكل من رام الحقيقة في غير الشريعة فمغرورٌ مخدوع.
ثامنا: مدخل إبليس على جماعة من القوم في دفنهم كتب العلم وإلقائها في الماء
قال المصنف رحمه الله: قد كان جماعة منهم تشاغلوا بكتابة العلم ثم لبس عليهم إبليس وقال: ما المقصود إلا العمل ودفنوا كتبهم
فقد روي أن أحمد بن أبي الحواري رمى كتبه في البحر وقال: نعْمَ الدليل كنت , والاشتغال بالدليل بعد الوصول مُحال , ولقد طلب أحمد بن أبي الحواري الحديث ثلاثين سنة فلما بلغ منه الغاية , حمل كتبه إلى البحر فأغرقها , وقال: يا علم لم أفعل بك هذا تهاونا ولا استخفافا بحقك , ولكني كنت أطلبك لأهتدي بك إلى ربي , فلما اهتديت بك استغنيت عنك.
عن زاهر بن طاهر نا أحمد بن الحسين البيهقي قال: سمعت أبا عمرو بن أبي جعفر يقول سمعت أبا طاهر الجنايدي يقول: لقد كان موسى بن هرون يقرأ علينا فإذا فرغ من الجزء رمى بأصله في دجلة , ويقول لقد أديته
وعن محمد بن ناصر مرفوعا الى أبا نصر الطوسي يقول: سمعت جماعة من مشايخ الري يقولون: ورث أبو عبد الله المقري عن أبيه خمسين ألف دينار سوى الضياع والعقار , فخرج عن جميع ذلك وأنفقها على الفقراء قال: فسألت أبا عبد الله عن ذلك فقال: أحرمت وأنا غلام حدث وخرجت إلى مكة على الوحدة حين لم يبق لي شيء أرجع إليه وكان اجتهادي أن أزهد في الكتب وما جمعت من العلم والحديث أشد علي من الخروج إلى مكة والتقطع في الأسفار والخروج عن ملكي.
وعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى أبا العباس بن الحسين البغدادي يقول: سمعت الشبلي يقول: أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه وغرق في هذه الدجلة سبعين قمطرا مكتوبا بخطه وحفظ قرأ بكذا وكذا رواية يعني بذلك نفسه
قال المصنف رحمه الله: قد سبق القول بأن العلم نور وأن تلبيس يحسن للإنسان إطفاء النور ليتمكن منه في الظلمة, ولا ظلمة كظلمة الجهل , ولما خاف إبليس أن يعاود هؤلاء مطالعة الكتب فربما استدلوا بذلك على مكايدة حسّنَ لهم دفن الكتب وإتلافها , وهذا فعل قبيح محظور , وجهل بالمقصود بالكتب , وبيان هذا: أن أصل العلوم القرآن والسنة, فلما علم الشرع أن حفظهما يصعب , أمر بكتابة المصحف وكتابة الحديث , فأما القرآن فإن رسول الله صلى الله عيه وسلم كان إذا نزلت عليه آية دعى بالكاتب فأثبتها , وكانوا يكتبونها في العسب والحجارة وعظام الكتف , ثم جمع القرآن بعده صلى الله عليه وسلم في المصحف أبو بكر الصديق رضي الله عنه صوتا عليه , ثم نسخ من ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه وبقية الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين, وما فعلوا كل ذلك الا لحفظ القرآن الكريم, لئلا يشذ أو يضيع أو يُنسى منه شيء , وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الناس في بداية الإسلام على كتابة القرآن , وقال: لا تكتبوا عني سوى القرآن , فلما كثرت الأحاديث , رأى قلة ضبطهم وحفظهم لها , فأذن لهم في الكتابة , فروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه شكى إلى رسول الله قلة الحفظ فقال: [ابسط رداءك , فبسط رداءه وحدثه النبي صلى الله عليه وسلم , وقال ضمه إليك , فقال أبو هريرة رضي الله عنه: فلم أنس بعد ذلك شيئا بما حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية أنه قال صلى الله عليه وسلم: استعن على حفظك بيمينك , يعني بالكتابة.
وروى عنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما, أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: قيدوا العلم , فقلت: يا رسول الله وما تقييده؟ قال عليه الصلاة والسلام: الكتابة.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: قلنا يا رسول الله! إنا نسمع منك أشياء أفنكتبها؟ قال: اكتبوا ولا حرج.
قال المصنف رحمه الله: واعلم أن الصحابة ضبطت ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحركاته وأفعاله واجتمعت الشريعة من رواية هذا برواية هذا بالتواتر, الى أن وصل الينا.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني , وقال عليه الصلاة والسلام: نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتأدية الحديث كما يُسمع , لا يكاد يحصل إلا من الكتابة , لأن الحفظ خوان , وقد كان الامام أحمد بن حنبل رحمه الله يحدث بالحديث , فيقال له: امله علينا , فيقول: لا بل من الكتاب.
وقد قال علي بن المديني رحمه الله: أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من الكتاب فإذا كانت الصحابة قد روت السنة وتلقتها التابعون وسافر المحدثون وقطعوا شرق الأرض وغربها لتحصيل كلمة ههنا وكلمة من هنا وصححوا ما صح وزيفوا ما لم يصح وجرحوا الرواة وعدلوا وهذبوا السنن وصنفوا ثم من يغسل ذلك فيضيع التعب ولا يعرف حكم الله في حادثة فما عوندت الشريعة بمثل هذا.
فهل لشريعة من الشرائع قبلنا إسناد إلى نبيهم وإنما هذه خصيصة لهذه الأمة, وقد روينا عن الإمام أحمد بن حنبل مع كونه طاف الشرق والغرب في طلب الحديث أنه قال لابنه: ما كتبت عن فلان؟ فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يخرج يوم العيد من طريق ويرجع من أخرى , فقال الإمام أحمد بن حنبل: إنا لله سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبلغني.
وهذا قوله رحمه الله مع إكثاره للحديث وجمعه له. فكيف بمن لم يكتب؟
وإذا غسلت الكتب ودفنت على ما يعتمد في الفتاوى والحوادث على فلان الزاهد أو فلان الصوفي أو على الخواطر فيما يقع لها نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى.
ولا تخلو هذه الكتب التي دفنوها أن يكون فيها حق أو باطل, أو قد اختلط الحق بالباطل , فإن كان فيها باطل فلا لوم على من دفنها , وإن كان قد اختلط الحق بالباطل ولم يمكن تمييزه كان عذرا في إتلافها , فإن أقواما كتبوا عن ثقات وعن كذابين , واختلط الأمر عليهم فدفنوا كتبهم.
وعلى هذا يحمل ما يروى عن دفن الكتب عن سفيان الثوري , وإن كان فيها الحق والشرع فلا يحل إتلافها بوجه , لكونها ضابطة العلم وأموالا , وليسأل من يقصد إتلافها عن مقصوده, فإن قال تشغلني عن العبادة قيل جوابك من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنك لو فهمت لعلمت أن التشاغل بالعلم أو في العبادات.
والثاني: أن اليقظة التي وقعت لك لا تدوم فكأني بك وقد ندمت على ما فعلت بعد الفوات, واعلم أن القلوب لا تبقى على صفائها , بل تصدأ فتحتاج إلى جلاء , وجلاؤها النظر في كتب العلم, وقد كان يوسف بن أسباط دفن كتبه ثم لم يصبر على التحديث , فحدث من حفظه فخلط.
والثالث: أننا نقدر تمام يقظتك ودوامها والغنى عن هذه الكتب , فهلا وهبتها لمبتدئ من الطلاب ممن لم يصل إلى مقامك , أو وقفتها على المنتفعين بها , أو بعتها وتصدقت بثمنها, أما إتلافها فلا يحل بحال.
وقد روى المروزي عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه سئل عن رجل أوصى أن تدفن كتبه فقال: ما يعجبني أن يدفن العلم, ولا أعرف لدفن الكتب معنىً.
تاسعا: مدخل إبليس على الصوفية في إنكارهم من تشاغل بالعلم
قال المصنف رحمه الله: لما انقسم هؤلاء بين متكاسل عن طلب العلم , وبين ظانٍّ أنّ العلم هو ما يقع في النفوس من ثمرات التعبد , وسموا ذلك العلم: العلم الباطن, نُهوا عن التشاغل بالعلم الظاهر.
وعن عبد الرحمن بن محمد القزاز مرفوعا الى جعفر الخلدي يقول: لو تركني الصوفية لجئتكم بإسناد الدنيا , لقد مضيت إلى عباس الدوري وأنا أحدث , فكتبت عنه مجلسا واحدا, وخرجت من عنده , فلقيني بعض من كنت أصحبه من الصوفية , فقال: إيش هذا معك؟ فأريته إياه فقال: ويحك تدع علم الخرق وتأخذ علم الورق؟ ثم خرق الأوراق فدخل كلامه في قلبي فلم أعد إلى عباس.
قال المصنف رحمه الله: وبلغني عن أبو سعيد الكندي قال: كنت أنزل رباط الصوفية وأطلب الحديث في خفية بحيث لا يعلمون , فسقطت الدواة يوما من كمي , فقال لي بعض الصوفية: استر عورتك.
وعن محمد بن ناصر مرفوعا الى الحسين بن أحمد الصفار قال: كان بيدي محبرة فقال لي الشبلي: غيب سوادك عني يطفيني سواد قلبي.
وعن أبو بكر بن حبيب مرفوعا الى علي بن مهدي يقول: وقفت ببغداد على حلقة الشبلي فنظر إلي ومعي محبرة فأنشأ يقول:
تسربلت للحرب ثوب الغرق ... وجبت البلاد لوجد القلق
ففيك هتكت قناع الغوى ... وعنك نطقت لدى من نطق
إذا خاطبوني بعلم الورق ... برزت عليهم بعلم الخرق
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: قلت من أكبر المعاندة لله تعالى الصد عن سبيل الله , وأوضح سبيل الله عزوجل: العلم , لأنه دليل على الله تبارك وتعالى وفيه بيان لأحكام الله عزوجل وشرعه ومنهاجه, وإيضاح لما يحبه ويكرهه, فالمنع منه معاداة لله عزوجل ولشرعه ومنهاجه, ولكن الناهين عن ذلك ما تفطنوا لما فعلوا.
وقال عبد الله بن خفيف رحمه الله: اشتغلوا بتعلم العلم ولا يغرنكم كلام الصوفية , فإني كنت أخبئ محبرتي في جيب مرقعتي , والكاغد في حزة سراويلي , وكنت أذهب خفية إلى أهل العلم , فإذا علموا بي خاصموني وقالوا: لا تفلح , ثم احتاجوا إليّ بعد ذلك.
وقد كان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يرى المحابر بأيدي طلبة العلم , فيقول: هذه سرج الإسلام و, كان هو يحمل المحبرة على كبر سنه فقال له رجل: إلى متى يا أبا عبد الله؟ فقال: المحبرة إلى المقبرة, وقال في قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة , فقال أحمد رحمه الله: إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم, ثم قال: ان لم يكن أصحاب الحديث الأبدال فمن يكون؟ وقيل له: إن رجلا قال في أصحاب الحديث أنهم كانوا قوم سوء فقال رحمه الله: هو زنديق. وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال يوسف بن أسباط رحمه الله: بطلبة الحديث يدفع الله البلاء عن أهل الأرض.
وعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى أحمد بن محمد بن مسروق قال: رأيت كأن القيامة قد قامت والخلق مجتمعون إذ نادى مناد: الصلاة جامعة , فاصطف الناس صفوفا , فأتاني ملك فتأملته , فإذا بين عينيه مكتوب جبريل أمين الله , فقلت أين النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال مشغول بنصب الموائد لأخوانه الصوفية , فقلت وأنا من الصوفية؟ فقيل: نعم , ولكن شغلك كثرة الحديث.
قال المصنف رحمه الله: هذا افتراء , ومعاذ الله أن يُنكر جبريل عليه السلام التشاغل بالعلم.
عاشرا: مدخل إبليس على الصوفية في كلامهم في العلم
قال المصنف رحمه الله: اعلم أن هؤلاء القوم لما تركوا العلم وانفردوا بالرياضيات على مقتضى آرائهم لم يصبروا عن الكلام في العلوم , فتكلموا بواقعاتهم , فوقعت الأغاليظ القبيحة منهم , فتارة يتكلمون في تفسير القرآن , وتارة في الحديث , وتارة في الفقه وغير ذلك , ويسوقون العلوم إلى مقتضى علمهم الذي انفردوا به , والله سبحانه وتعالى لا يخلي الزمان من أقوامٍ قوامون, بشرعه يردُّون على المُتخرصين ويُبيّنون غلط الغالطين.
والى ان نلتقي بمشيئة الله مع الجزء الخامس عشر- نبذة من كلام الصوفية في القرآن الكريم
نترككم برعاية الله عزوجل
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[12 - Jul-2009, صباحاً 04:49]ـ
الجزء االخامس عشر- نبذة من كلام الصوفية في القرآن الكريم
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز مرفوعا الى جعفر بن محمد الخلدي قال: حضرت شيخنا الجنيد وقد سأله كيسان عن قوله تعالى: سنقرئك فلا تنسى , فقال الجنيد: لا تنس العمل به , وسأله عن قوله تعالى: ودرسوا ما فيه , فقال له الجنيد: تركوا العمل به. فقال لا يفضض الله فاك قلت: أنا قوله - لا تنس العمل به - فتفسير لا وجه له والغلط فيه ظاهر لأنه فسره على أنه نهي وليس كذلك إنما هو خبلا لا نهي وتقديره - فما تنس - إذ لو كان نهيا كان مجزوما , فتفسيره على خلاف إجماع العلماء وكذلك قوله تعالى: ودرسوا ما فيه , إنما هو من الدرس الذي هو التلاوة من قوله تعالى: وبما كنتم تدرسون , لا من دروس الشيء الذي هو إهلاكه.
فعن محمد بن عبد الباقي مرفوعا الى أحمد بن محمد بن مقسم يقول: حضرت أبا بكر الشبلي وسئل عن قوله تعالى: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب , فقال: لمن كان لله قلبه.
وأخبرنا عمر بن ظفر مرفوعا الى محمد بن جرير قال: سمعت أبا العباس بن عطاء وقد سئل عن قوله: فنجيناك من الغم , قال: نجيناك من الغم بقومك وفتناك بنا على من سوانا.
قال المصنف رحمه الله: وهذه جرأة عظيمة على كتاب الله تعالى , ونسبة الكليم إلى الافتتان بمحبة الله سبحانه وتعالى, وجعل محبته تفتن غاية في القباحة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول في قوله تعالى: فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم , فقال الروح النظر إلى وجه الله تعالى والريحان الاستماع لكلامه وجنة نعيم: هو أن لا يحجب فيها عن الله تعالى قلت: هذا كلام بالواقع على خلاف أقوال المفسرين وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي في تفسير القرآن من كلامهم الذي أكثره هذيان لا يحل نحو مجلدين سماها حقائق التفسير, فقال في فاتحة الكتاب عنهم أنهم قالوا: إنما سميت فاتحة الكتاب لأنها أوائل ما فتحناك به من خطابنا , فإن تأدبت بذلك , وإلا حرمت لطائف ما بعد.
قال المصنف رحمه الله: وهذا قبيح لأنه لا يختلف المفسرون على أن الفاتحة ليست من أول ما نزل: وقال في قول الإنسان (آمين) أي قاصدون نحوك.
قال المصنف رحمه الله: وهذ قبيح لأنه ليس من أم , لأنه لو كان كذلك: لكانت الميم مشددة وقال في قوله تعالى: وإن يأتوكم أسارى , قال قال أبو عثمان: غرقى في الذنوب, وقال الواسطي: غرقى في رؤية أفعالهم , وقال الجنيد: أسارى في أسباب الدنيا تفدوهم إلى قطع العلائق , قلت: إنما الآية على وجه الإنكار ومعناها إذا أسرتموهم فديتموهم وإذا حاربتموهم قلبتموهم, وهؤلاء قد فسروها على ما يوجب المدح.
وقال محمد بن علي في قوله تعالى: يحب التوابين , من توبتهم , وقال النووي: يقبض ويبسط , أي يقبضك بإياه ويبسطك لإياه , وقال في قوله تعالى: ومن دخله كان آمنا , أي من هواجس نفسه ووساوس الشيطان , وهذا غاية في القبح , لأن لفظ الآية , لفظ الحبر , ومعناه الأمر وتقديرها , من دخل الحرم فأمنوه , وهؤلاء قد فسروها على الخبر, ثم لا يصح لهم لأنه كم من داخل إلى الحرم ما أمن من الهواجس ولا الوساوس وذكر في قوله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه , قال أبو تراب: هي الدعاوى الفاسدة: والجار ذي القربى , قال سهل: هو القلب: والجار الجنب: النفس , وابن السبيل: الجوارح وقال في قوله تعالى: وهمّ بها , قال أبو بكر الوراق: الهمان لها ويوسف ما هم بها , قلت: هذا خلاف لصريح القرآن , وقوله تعالى: ما هذا بشرا , قال محمد بن علي: ما هذا بأهل أن يدعى إلى المباشرة, وقال الزنجاني: الرعد صعقات الملائكة , والبرق زفرات أفئدتهم , والمطر بكاؤهم , وقال في قوله تعالى: فلله المكر جميعا , قال الحسين: لا مكر أبْينَ فيه من مكر الحق بعباده حيث أوهمهم أن لهم سبيلا إليه بحال أو للحدث اقتران مع القدم.
قال المصنف رحمه الله: ومن تأمل معنى هذا علم أنه كفر محض , لأنه يشير إلى أنه كالهزء واللعب , ولكن الحسين هذا هو الحلاج وهذا يليق بذاك.
وقال في قوله تعالى: لعمرك: أي بعمارتك سرك بمشاهدتنا قلت: وجميع الكتاب من هذا الجنس ولقد هممت أن أثبت منه ها هنا كثيرا فرأيت أن الزمان يضيع في كتابة شيء بين الكفر والخطأ والهذيان وهو من جنس ما حكينا عن الباطنية فمن أراد أن يعرف جنس ما في الكتاب فهذا أنموذجه ومن أراد الزيادة فلينظر في ذلك الكتاب وذكر أبو نصر السراج في كتاب اللمع قال: للصوفية استنباط منها قوله: {أدعو إلى الله على بصيرة} قال الواسطي: معناه لا أرى نفسي وقال الشبلي: لو اطلعت على الكل مما سوانا لوليت منهم فرارا إلينا قلت: هذا لا يحل لأن الله تعالى إنما أراد أهل الكهف وهذا السراج يسمي هذه الأقوال في كتابه مستنبطات وقد ذكر أبو حامد الطوسي في كتاب ذم المال في قوله تعالى: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} قال: إنما عنى الذهب والفضة إذ رتبة النبوة أجل من أن يخشى عليها أن تعبد الآلهة والأصنام إنما عنى بعبادته حبه والاغترار به
قال المصنف رحمه الله: وهذا شيء لم يقله أحد من المفسرين وقد قال الله عزوجل على لسان شعيب عليه الصلاة والسلام: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا , ومعلوم أن ميل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إلى الشرك أمر مُمتنع , لأجل العصمة , لا أنه مستحيل ثم قد ذكر مع نفسه من يتصور في حقه الإشراك والكفر فجاز أن يدخل نفسه معهم فقال تعالى على لسان ابراهيم عليه الصلاة والسلام: واجنبني وبنيَّ أن نعبد الاصنام , ومعلوم أن العرب أولاده وقد عبد أكثرهم الأصنام
(يُتْبَعُ)
(/)
وعن عبد الحق بن عبد الخالق مرفوعا الى أبو حفص بن شاهين قال: وقد تكلمت طائفة من الصوفية في نفس القرآن بما لا يجوز فقالت في قوله تعالى في سورة آل عمران: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب , فقال هم لآيات لي فأضافوا إلى الله تعالى ما جعله لأولي الألباب وهذا تبديل للقرآن وقالوافي قوله تعالى: ولسليمان الريح , ولي سليمان
وعن ابن ناصر أحمد بن علي قال أبو حمزة الخراساني: قد يقطع بأقوام في الجنة فيقال: كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية , فشغلهم عنه بالأكل والشرب ولا مكر فوق هذا ولا حسرة أعظم منه.
قال المصنف رحمه الله: انظروا وفقكم الله إلى هذه الحماقة وتسمية المغنم به مكرا وإضافة المكر بهذا إلى الله سبحانه وتعالى وعلى مقنضى قول هذا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يأكلون ولا يشربون , بل يكونون مشغولين بالله تعالى فما أجرأ هذا القائل على مثل هذ الألفاظ القباح؟ وهل يجوز أن يُوصف الله تعالى بالمكر على ما نعقله من معنى المكر؟ وإنما معنى مكره وخداعه أنه مجازي الماكرين والخادعين, وإني لأتعجب من هؤلاء وقد كانوا يتورعون من اللقمة والكلمة , كيف انبسطوا في تفسير القرآن إلى ما هذا حده.
وعن عبد الصمد بن المأمون مرفوعاً الى أبو عمران الجوني عن جندب قال: قال رسول الله: من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ.
وعن هبة الله بن محمد نا الحسن بن علي مرفوعا الى سعيد بن جبير رحمه الله, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار
قال المصنف رحمه الله: وقد رويت لنا حكاية عن بعضهم فيما يتعلق بالمكر وإني لأقشعر من ذكرها , لكني أُنبِّهُ بذكرها على قبحٍ ما يتخايله هؤلاء الجهلة, فعن أبو بكر بن حبيب نا أبو سعد بن أبي صادق عن أبو عبد الله بن باكويه قال: أخبرنا أبو عبد الله بن خفيف قال سمعت رويما يقول: اجتمع ليلة بالشام جماعة من المشايخ فقالوا: ما شهدنا مثل هذه الليلة وطيبها فتعالوا نتذاكر مسألة لئلا تذهب ليلتنا فقالوا: نتكلم في المحبة فإنها عمدة القوم فتكلم كل واحد من حيث هو.
وكان في القوم عمرو بن عثمان المكي فوقع عليه البول ولم يكن من عادته فقام وخرج إلى صحن الدار فإذا ليلة مقمرة فوجد قطعة رق مكتوب فأخذه وحمله إليهم وقال: يا قوم اسكنوا فإن هذا جوابكم انظروا ما في هذه الرسالة: فإذا فيها مكتوب مكار مكار وكلكم تدعون حبه وأحرم البعض وافترقوا فما جمعهم إلا الموسم
قال المصنف رحمه الله: قلت هذه بعيدة الصحة وابن خفيف لا يوثق به وإن صحت فإن شيطانا ألقى ذلك الرق وإن كانوا قد ظنوا أنها رسالة من الله بظنونهم الفاسدة وقد بينا أن معنى المكر منه المجازاة على المكر فأما أن يقال عنه مكار ففوق الجهل وفوق الحماقة
وعن ابن ظفر نا ابن السراج مرفوعا الى رويما يقول: إن الله غيب أشياء في أشياء مكره في علمه وغيب خداعه في لطفه وغيب عقوباته في باب كراماته قلت: وهذا تخليط من ذلك الجنس وجرأة
وعن محمد بن ناصر نا أبو الفضل السهلكي قال سمعت محمد بن إبراهيم يقول سمعت خالي يقول عن الحسن بن علوية: خرج أبو يزيد لزيارة أخ له فلما وصل إلى نهر جيحون التقى له حافتا النهر فقال: سيدي إيش هذا المكر الخفي وعزتك ما عبدتك لهذا ثم رجع ولم يعبر قال السهلكي: وسمعت محمد بن أحمد المذكر يذكر أن أبا يزيد البسطامي قال: مَن عرف الله تعالى صار للجنة بوابا , وصارت الجنة عليه وبالا
قلت: وهذه جرأة عظيمة في إضافة المكر إلى الله تعالى وجعل الجنة التي هي نهاية المطالب وبالا , وإذا كانت الجنة وبالا للعارفين, فكيف تكون لغيرهم؟ وكل هذ منبعه من قلة العلم وسوء الفهم, فقد أخبرنا ابن حبيب مرفوعاً الى طيفور وهو أبو يزيد البسطامي يقول, العارفون: في زيارة الله تعالى في الآخرة على طبقتين طبقة تزوره متى شاءت وأنى شاءت, وطبقة تزوره مرة واحدة ثم لا تزوره بعدها أبدا , فقيل له كيف ذلك؟ قال: إذا رآه العارفون أول مرة جعل لهم سوقا ما فيه شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء , فمن دخل منهم السوق لم يرجع إلى زيارة الله أبدا , قال: وقال أبو يزيد البسطامي: في الدنيا يخدعك بالسوق وفي الآخرة يخدعك بالسوق فأنت أبدا عبد السوق.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: تسمية ثواب الجنة خديعة وسببا للانقطاع عن الله تعالى قبيح, وإنما يجعل لهم السوق ثوابا لا خديعة , فإذا أذن لهم في أخذ ما في السوق ثم عوقبوا بمنع الزيارة فقد صارت المثوبة عقوبة , ومن أين له أنّ من اختار شيئا من ذلك السوق لم يعد إلى زيارة الله تبارك وتعالى ولايراه أبدا؟ نعوذ بالله من هذا التخليط والتحكم في العلم والأخبار عن هذه المغيبات التي لا يعلمها إلا نبيٌّ, فمن أين له علمها وكيف يكون؟ كما قال أبو هريرة رضي الله عنه راوي الحديث لسعيد بن المسيب رحمه الله: جمعني الله وإياك في سوق الجنة , أفتراه طلب ترك العقوبة بالبعد عن الله تعالى! لكن بعد هؤلاء عن العلم واقتناعهم بواقعاتهم الفاسدة أوجب هذا التخليط , وليعلم أن الخواطر والواقعات , إنما هي ثمرات علمه فمن كان عالما كانت خواطره صحيحة , لأنها ثمرات علمه , ومن كان جاهلا فثمرات الجهل كلها حظه.
ورأيت بخط ابن عقيل رحمه الله: جاز أبو يزيد على مقابر اليهود فقال: ما هؤلاء حتى تعذبهم كف عظام جرت عليهم القضايا , اعف عنهم
قال المصنف رحمه الله: وهذا قلة علم وهو أن قول ابو يزيد - كف عظام - احتقار للآدمي فإن المؤمن إذا مات كان كف عظام وقوله - جرت عليهم القضايا - فكذلك جرى على فرعون وقوله - اعف عنهم - جهل بالشريعة لأن الله تعالى أخبر: أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا , فلو قبلت شفاعته في كافر , لقبل سؤال إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه في أبيه ولقبل محمد صلوات الله وسلامه عليه في أمه , فنعوذ بالله من قلة العلم.
عن محمد بن ناصر مرفوعا الى أبي موسى قال: كان في ناحية رجلا فقيها عالما, فقصد أبا يزيد البسطامي وقال له: قد حُكيَ لي عنك عجايب , فقال أبو يزيد: وما لم تسمع من عجايبي أكثر, فقال له: علمك هذا يا أبا يزيد عن من؟ ومن ومن ومن؟ فقال أبو يزيد: علمي من عطاء الله تعالى , ومن حيث قال صلى الله عليه وسلم: من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم , ومن حيث قال: العلم علمان علم ظاهر وهو حجة الله تعالى على خلقه وعلم باطن وهو العلم النافع , وعلمك يا شيخ نقل من لسان عن لسان التعليم , وعلمي من الله إلهام من عنده , فقال له الشيخ: علمي عن الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن جبريل عليه الصلاة والسلام, عن ربه تعالى وتعالى, فقال أبو يزيد: يا شيخ! أكان للنبي علم عن الله لم يُطلع عليه جبريل ولا ميكائيل؟ قال: نعم , ولكن أريد أن يصح لي علمك الذي تقول أهو من عند الله؟ قال: نعم , أبينه لك قدر ما يستقر في قلبك معرفته , ثم قال: يا شيخ علمت أن الله تعالى كلم موسى تكليما , وكلم محمدا ورآه كفاحا , وأن حلم الأنبياء وحي , قال: نعم قال: أما علمت أن كلام الصديقين والأولياء بإلهام منه , وفوائده مَنْ مِنْ قلوبهم , حتى أنطقهم بالحكمة , ونفع بهم الأمة: ومما يؤكد ما قلت ما ألهم الله تعالى أم موسى أن تلقي موسى في التابوت فألقته , وألهم الخضر في السفينة , والغلام والحائط قوله موسى:وما فعلته عن أمري , وكما قال أبو بكر لعائشة رضي الله عنهما: إنّ ابنة خارجة حاملة ببنت. وكما ألهم الله تعالى عمر رضي الله عنه فنادى: يا سارية الجبل. ثمّ قال أبو يزيد البسطامي: مساكين أخذوا علمهم ميتا عن ميت , وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت.
قال المصنف رحمه الله: انّ فقه هذا الرجل من قلة العلم , إذ لو كان عالما لعلم أن الإلهام للشيء لا يُنافي العلم , ولا يتسع به عنه , ولا يُنكر أن الله تعالى , يُلهم الإنسان الشيء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن في الأمم محدثين وإن لم يكن في أمتي فعمر.
والمراد بالتحديث: إلهام الخير , ذلك أنّ الملهم اذا ألهم بما يخالف العلم فلا يجوز له أن يعمل به.
وأما الخضر عليه السلام , فقد قيل أنه نبيٌّ, والنبي ولا ينكر عليه الاطلاع بالوحي على العواقب , وليس الإلهام من العلم في شيء إنما هو ثمرة لعلم وتقوى, فيوفق الله عزوجل صاحبهما للخير ويلهمه الرشد, فأما أن يترك العلم , ويقول أنه يعتمد على الإلهام والخواطر, فليس هذا بشيء , إذ لولا العلم النقلي , ما عرفنا ما يقع في النفس , أمن الإلهام للخير , أو للوسوسة من الشيطان.
(يُتْبَعُ)
(/)
واعلم أن العلم الإلهامي الملقى في القلوب لا يكفي عن العلم المنقول , كما أن العلوم العقلية لا تكفي عن العلوم الشرعية , فإن العقلية كالأغذية , والشرعية كالأدوية , ولا ينوب هذا عن هذا , وأما قوله: أخذوا علمهم ميتا عن ميت: أصلح ما ينسب إليه هذا القائل أنه ما يدري ما في ضمن هذا القول, وإلا فهذا طعن على الشريعة كلها.
وقال أبو حفص بن شاهين: من الصوفية من رأى الاشتغال بالعلم بطالة وقالوا نحن علومنا بلا واسطة قال وما كان المتقدمون في التصوف إلا رؤوسا في القرآن والفقه والحديث والتفسير ولكن هؤلاء أحبوا البطالة.
وقال أبو حامد الطوسي: اعلم أن ميل أهل التصوف إلى الإلهية دون التعليمية , ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دارسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون , بل قالوا: الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة , وقطع العلائق كلها , والإقبال على الله تعالى بكنه الهمة , وذلك بأن يقطع الإنسان همه عن الأهل والمال والولد والعلم , ويخلو بنفسه في زاوية ويقتصر على الفرائض والرواتب , ولا يقرن همه بقراءة قرآن , ولا بالتأمل في نفسه, ولا يكتب حديثا ولا غيره , ولا يزال يقول الله الله الله إلى أن ينتهي إلى حالٍ يترك تحريك اللسان , ثم يُمحي عن القلب صورة اللفظ.
قال المصنف رحمه الله: قلت عزيز علي أن يصدر هذا الكلام من فقيه فإنه لا يخفى قبحه: فهو على الحقيقة طيٌّ لبساط الشريعة التي حثت على تلاوة القرآن وطلب العلم , وعلى هذا المذهب فانّ الفضلاء من علماء الأمصار ما سلكوا هذه الطريق , وإنما تشاغلوا بالعلم أولا, وعلى ما قد رتب أبو حامد الطوسي , تخلو النفس بوساوسها وخيالاتها , ولا يكون عندها من العلم ما يطرد ذلك , فيلعب بها إبليس كما يشاء, فيُريها الوسوسة محادثةً ومناجاةً, ونحن لا نُنكر أنه إذا طهُر القلب , انصبت عليه أنوارالهدى , فينظر بنور الله تعالى, إلا أنه ينبغي أن يكون تطهيره بمقتضى العلم لا بما ينافيه , فإن الجوع الشديد والسهر وتضييع الزمان في التخيلات , أمور ينهي الشرع عنها , فلا يستفاد من صاحب الشرع بشيء يُنسب إلى ما نُهيَ عنه , كما لا تستباح الرخص في سفر قد نُهيَ عنه, ثم لا تنافي بين العلم والرياضة , بل العلم يعلم كيفية الرياضة ويُعين على تصحيحها , وإنما تلاعب الشيطان بأقوام أبعدوا العلم وأقبلوا على الرياضة بما ينهي عنه العلم , والعلم بعيد عنهم , فتارة يفعلون الفعل المنهي عنه , وتارة يؤثرون ما غيره أولى منه , وإنما كان يُفتي في هذه الحوادث العلم وقد عزلوه , فنعوذ بالله من الخذلان.
وعن ابن ناصر عن أبي علي بن البنا قال: كان عندنا بسوق السلاح رجل كان يقول: القرآن حجاب والرسول حجاب, فافتتن جماعة به , فأهملوا العبادات , ثم اختفى عنهم مخافة أن يقتلوه.
وعن ضرار بن عمرو قال: إن قوما تركوا العلم ومجالسة أهل العلم , واتخذوا محاريب فصلوا وصاموا حتى يبس جلد أحدهم على عظمه وخالفوا السنة فهلكوا , فوالله الذي لا إله غيره ما عمل عامل قط على جهل , إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح.
ومن كلامهم في الحديث وغيره: فعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى أحمد بن حنبل رحمه الله قال: جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي فجعل يقول: فلان ضعيف , وفلان ثقة , فقال أبو تراب: يا شيخ لا تغتب العلماء , فالتفت أبي إليه وقال له: ويحك هذه نصيحة وليست هذه غيبة.
وعن يحيى بن علي المدبر مرفوعا الى أبا الحسن علي بن محمد البخاري يقول سمعت محمد بن الفضل العباسي يقول: كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو يقرأ علينا كتاب الجرح والتعديل فقال أظهر أحوال أهل العلم من كان منهم ثقة أو غير ثقة فقال له يوسف بن الحسين: استحييت إليك يا أبا محمد كم من هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة منذ مائة سنة أو مائتي سنة وأنت تذكرهم وتغتابهم على أديم الأرض فبكى عبد الرحمن وقال: يا أبا يعقوب لو سمعت هذه الكلمة قبل تصنيفي هذا الكتاب لم أصنفه قلت: عفا الله عن ابن أبي حاتم فإنه لو كان فقيها لرد عليه, كما رد الإمام أحمد على أبي تراب , ولولا الجرح والتعديل من أين كان يعرف الصحيح من الباطل؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم كون القوم في الجنة لا يمنع أن نذكرهم بما فيهم وتسمية ذلك غيبة حديث سوء , ثم من لا يدري الجرح والتعديل كيف هو يزكي كلامه؟ وينبغي ليوسف أن يشتغل بالعجائب التي تحكي عن مثل هذا
وعن أبو بكر بن حبيب مرفوعا الى أبا العباس بن عطاء يقول: من عرف أن الله أمسك عن رفع حوائجه إليه , لما علم أنه العالم بأحواله قلت: هذا سد لباب السؤال والدعاء وهو جهل بالعلم
وعن محمد بن عبد الملك مرفوعا الى الشبلي وقد سأله شاب: يا أبا بكر لم تقول الله ولا تقول لا إله إلا الله؟ فقال الشبلي: أستحي أن أوجه إثباتا بعد نفي , فقال الشاب: أريد حجة أقوى من هذه فقال: أخشى أني أؤخذ في كلمة الوجود ولا أصل إلى كلمة الإقرار
قال المصنف رحمه الله: انظروا إلى هذا العلم الدقيق , فإن رسول الله كان يأمر بقول لا إله إلا الله ويحث عليها , وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دبر كل صلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وكان يقول عليه الصلاة والسلام إذا قام لصلاة الليل: لا إله إلا أنت , وذكر عليه الصلاة والسلام الثواب العظيم لمن يقول لا إله إلا الله , فانظروا إلى هذا التعاطي على الشريعة واختيار ما لم يختره رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وعن محمد بن عبد الباقي مرفوعا الى عبد الله بن علي السراج قال: بلغني أن أبا الحسن النوري شهدوا عليه أنه سمع أذان المؤذن فقال: طعنه سم الموت , وسمع نباح كلب فقال: لبيك وسعديك, فقيل له في ذلك فقال: إن المؤذن أغار عليه أن يذكر الله وهو غافل ويأخذ عليه الأجر , ولولاها ما أذَّن , فلذلك قلت له طعنه سم الموت , والكلب يذكر الله تعالى بلا رياء فإنه قد قال تعالى:
وإن من شيء إلا يسبح بحمده
قال المصنف رحمه الله: انظروا إخواني عصمنا الله وإياكم من هذا الزلل إلى هذا الفقه الدقيق والاستنباط الطريف
- نبذة من كلام القوم وفقههم نبهت على علمهم وسوء فهمهم وكثرة خطئهم
وعن أبو بكر بن حبيب مرفوعا الى النوري أنه رأى رجلا قابضا على لحية نفسه فقلت له: نح يدك عن لحية الله , فرفع ذلك إلى الخليفة , فطلبت وأخذت , فلما دخلت عليه , قال بلغني أنه نبح كلب, فقلت لبيك , ونادى المؤذن فقلت طعنه, قال: نعم قال الله تعالى: وإن من شيء إلا يسبح بحمده , فقلت لبيك لأنه ذكر الله تعالى, فأما المؤذن فإنه يذكر الله وهو متلوث بالمعاصي غافل عن الله تعالى, قال: وقولك للرجل نح يدك عن لحية الله؟ قلت: نعم أليس العبد لله ولحيته لله؟ وكل ما في الدنيا والآخرة له؟ قلت: عدم العلم أوقع هؤلاء في هذا التخبيط وما الذي أحوجه إلى أن يوهم أن صفة الملك صفة الذات
وعن ابن حبيب قال ابن أبي صادق عن ابن باكويه قال سمعت أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال سمعت الشبلي يقول وقد سئل عن المعرفة فقال: ويحك ما عرف الله من قال الله , والله لو عرفوه ما قالوه , قال ابن باكويه: وسمعت أبا القاسم أحمد بن يوسف البراداني يقول سمعت الشبلي يقول يوما لرجل يسأله: ما اسمك؟ قال آدم , قال ويلك أتدري ما صنع آدم؟ باع ربه بلقمة , ثم كان يقول: سبحان من عذرني بالسوداء , قال ابن باكويه: وسمعت بكران بن أحمد الجيلي يقول: كان للشبلي جليس فأعلمه أنه يريد التوبة فقال: بع مالك واقض دينك وطلق امرأتك ففعل , فقال: أيتم أولادك بأن تؤيسهم من التعلق بك , فقال قد فعلت فجاء بكسر قد جمعها , فقال اطرحها بين يدي الفقراء وكل معهم
وعن أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم عن أبي قال: سمعت بعض الفقراء يقول: سمعت أبا الحسن الحرفاني يقول: لا إله إلا الله , من داخل القلب محمد رسول الله من القرط
وعن أبو بكر بن حبيب مرفوعا الى أحمد بن محمد حلفاي قال: رأى الشبلي غلاما شابا في الحمام بلا مئزر فقال له: يا غلام! ألا تغطي عورتك؟ فقال له: اسكت يا بطال إن كنت على الحق فلا تشهد إلا الحق , وإن كنت على الباطل فلا تشهد إلا الباطل , لأن الحق مشتغل بالحق والباطل مشتغل بالباطل.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعن أبو بكر محمد بن أبي طاهر مرفوعا الى أبو القاسم عبد الرحيم بن جعفر السيرافي الفقيه قال: حضرت بشيراز عند قاضيها أبي سعيد بشر بن الحسن الداودي - وقد ارتفع إليه صوفي وصوفية - قال وأمر الصوفية هناك مفرط جدا حتى يقال أن عددهم ألوف فاستعدت الصوفية على زوجها إلى القاضي فلما حضرا قالت له: أيها القاضي إن هذا زوجي ويريد أن يطلقني وليس له ذلك , فإن رأيت أن تمنعه قال: فأخذ القاضي أبو سعيد يتعجب - وحنق على مذاهب الصوفية - ثم قال لها: وكيف ليس له ذلك؟ قالت: لأنه تزوج بي, ومعناه قائم بي, والآن هو يذكر أن معناه قد انقضى مني , وأنا معناي قائم فيه ما انقضى , فيجب عليه أن يصير حتى ينقضي معناي منه كما انقضى معناه مني, فقال لي أبو سعيد: كيف ترى هذا الفقه؟ ثم أصلح بينهما وخرجا من غير طلاق
وقد ذكر أبو حامد الطوسي في كتاب الأحياء أن بعضهم قال: للربوبية سر لو أظهر بطلت النبوة , وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم وللعلماء بالله سر , لو أظهروه لبطلت الأحكام
قلت: فأظهروا إخواني إلى هذا التخليط القبيح والادعاء على الشريعة أن ظاهرها يخالف باطنها قال أبو حامد: ضاع لبعض الصوفية ولد صغير فقيل له: لو سألت الله أن يرده عليك فقال: اعتراضي عليه فيما يقضي , أشد عليَّ من ذهاب ولدي
قلت: طال تعجبي من أبي حامد كيف يحكي هذه الأشياء في معرض الاستحسان والرضى عن قائلها وهو يدري أن الدعاء والسؤال ليس باعتراض , وقال أحمد الغزالي: دخل يهودي إلى أبي سعيد بن أبي الخير الصوفي فقال له: أريد أن أسلم على يديك , فقال: لا ترد فاجتمع الناس , وقالوا: يا شيخ تمنعه من الإسلام؟ فقال له: تريد بلا بد؟ قال: نعم, قال له: برئت من نفسك ومالك ق, ال: نعم , قال: هذا الإسلام عندي احملوه الآن إلى الشيخ أبي حامد يعلم لا, لا المنافقين , يعني لا إله إلا الله قلت: وهذا الكلام أظهر عيبا من أن يُعاب فإنه في غاية القبح ومما يقارب هذه الحكاية في دفع من أراد الإسلام
وعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى الحسين بن محمد بن أحمد الماسرخسي يحكي عن جده وغيره من أهل بيته قال: كان الحسن والحسين ابنا عيسى بن ماسرخس أخوين يركبان فيتحير الناس من حسنهما وزيهما , فاتفقا على أن يسلما فقصدا حفص بن عبد الرحمن ليسلما على يده, فقال لهما حفص: أنتما من أجل النصارى , وعبد الله بن المبارك خارج في هذه السنة الحج؟ وإذا أسلمتما على يده كان ذلك أعظم عند المسلمين, فإنه شيخ أهل المشرق والمغرب فانصرفا , فمرض الحسين ومات على نصرانيته قبل قدوم ابن المبارك, فلما قدم أسلم الحسن قلت: وهذه المحنة إنما جلبها الجهل, فليعرف قدر العلم لأنه لو كان عنده حظ من علم لقال أسلما الآن ولا يجوز تأخير ذلك لحظة وأعجب من هذا أبو سعيد الذي قال لليهودي ما قال لأنه يريد الإسلام.
وذكر أبو نصر السراج في كتاب اللمع لمع المتصوفة قال: كان سهل بن عبد الله إذا مرض أحد من أصحابه يقول له: إذا أردت أن تشتكي فقل: أوه فهو اسم من أسماء الله تعالى يستريح إليه المؤمن , ولا تقل أفرج فإنه اسم من أسماء الشيطان.
قال المصنف رحمه الله: نكتفي بهذه النبذة من كلام القوم وفقههم , نبهت على علمهم وسوء فهمهم وكثرة خطئهم.
الى أن نلتقي بمشيئة الله مع الجزء السادس عشر والأخير - شطحات الصوفية وفرقة الملانفية
نرتككم برعاية الله
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[12 - Jul-2009, صباحاً 04:50]ـ
الجزء االخامس عشر- نبذة من كلام الصوفية في القرآن الكريم
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز مرفوعا الى جعفر بن محمد الخلدي قال: حضرت شيخنا الجنيد وقد سأله كيسان عن قوله تعالى: سنقرئك فلا تنسى , فقال الجنيد: لا تنس العمل به , وسأله عن قوله تعالى: ودرسوا ما فيه , فقال له الجنيد: تركوا العمل به. فقال لا يفضض الله فاك قلت: أنا قوله - لا تنس العمل به - فتفسير لا وجه له والغلط فيه ظاهر لأنه فسره على أنه نهي وليس كذلك إنما هو خبلا لا نهي وتقديره - فما تنس - إذ لو كان نهيا كان مجزوما , فتفسيره على خلاف إجماع العلماء وكذلك قوله تعالى: ودرسوا ما فيه , إنما هو من الدرس الذي هو التلاوة من قوله تعالى: وبما كنتم تدرسون , لا من دروس الشيء الذي هو إهلاكه.
(يُتْبَعُ)
(/)
فعن محمد بن عبد الباقي مرفوعا الى أحمد بن محمد بن مقسم يقول: حضرت أبا بكر الشبلي وسئل عن قوله تعالى: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب , فقال: لمن كان لله قلبه.
وأخبرنا عمر بن ظفر مرفوعا الى محمد بن جرير قال: سمعت أبا العباس بن عطاء وقد سئل عن قوله: فنجيناك من الغم , قال: نجيناك من الغم بقومك وفتناك بنا على من سوانا.
قال المصنف رحمه الله: وهذه جرأة عظيمة على كتاب الله تعالى , ونسبة الكليم إلى الافتتان بمحبة الله سبحانه وتعالى, وجعل محبته تفتن غاية في القباحة.
وعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول في قوله تعالى: فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم , فقال الروح النظر إلى وجه الله تعالى والريحان الاستماع لكلامه وجنة نعيم: هو أن لا يحجب فيها عن الله تعالى قلت: هذا كلام بالواقع على خلاف أقوال المفسرين وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي في تفسير القرآن من كلامهم الذي أكثره هذيان لا يحل نحو مجلدين سماها حقائق التفسير, فقال في فاتحة الكتاب عنهم أنهم قالوا: إنما سميت فاتحة الكتاب لأنها أوائل ما فتحناك به من خطابنا , فإن تأدبت بذلك , وإلا حرمت لطائف ما بعد.
قال المصنف رحمه الله: وهذا قبيح لأنه لا يختلف المفسرون على أن الفاتحة ليست من أول ما نزل: وقال في قول الإنسان (آمين) أي قاصدون نحوك.
قال المصنف رحمه الله: وهذ قبيح لأنه ليس من أم , لأنه لو كان كذلك: لكانت الميم مشددة وقال في قوله تعالى: وإن يأتوكم أسارى , قال قال أبو عثمان: غرقى في الذنوب, وقال الواسطي: غرقى في رؤية أفعالهم , وقال الجنيد: أسارى في أسباب الدنيا تفدوهم إلى قطع العلائق , قلت: إنما الآية على وجه الإنكار ومعناها إذا أسرتموهم فديتموهم وإذا حاربتموهم قلبتموهم, وهؤلاء قد فسروها على ما يوجب المدح.
وقال محمد بن علي في قوله تعالى: يحب التوابين , من توبتهم , وقال النووي: يقبض ويبسط , أي يقبضك بإياه ويبسطك لإياه , وقال في قوله تعالى: ومن دخله كان آمنا , أي من هواجس نفسه ووساوس الشيطان , وهذا غاية في القبح , لأن لفظ الآية , لفظ الحبر , ومعناه الأمر وتقديرها , من دخل الحرم فأمنوه , وهؤلاء قد فسروها على الخبر, ثم لا يصح لهم لأنه كم من داخل إلى الحرم ما أمن من الهواجس ولا الوساوس وذكر في قوله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه , قال أبو تراب: هي الدعاوى الفاسدة: والجار ذي القربى , قال سهل: هو القلب: والجار الجنب: النفس , وابن السبيل: الجوارح وقال في قوله تعالى: وهمّ بها , قال أبو بكر الوراق: الهمان لها ويوسف ما هم بها , قلت: هذا خلاف لصريح القرآن , وقوله تعالى: ما هذا بشرا , قال محمد بن علي: ما هذا بأهل أن يدعى إلى المباشرة, وقال الزنجاني: الرعد صعقات الملائكة , والبرق زفرات أفئدتهم , والمطر بكاؤهم , وقال في قوله تعالى: فلله المكر جميعا , قال الحسين: لا مكر أبْينَ فيه من مكر الحق بعباده حيث أوهمهم أن لهم سبيلا إليه بحال أو للحدث اقتران مع القدم.
قال المصنف رحمه الله: ومن تأمل معنى هذا علم أنه كفر محض , لأنه يشير إلى أنه كالهزء واللعب , ولكن الحسين هذا هو الحلاج وهذا يليق بذاك.
وقال في قوله تعالى: لعمرك: أي بعمارتك سرك بمشاهدتنا قلت: وجميع الكتاب من هذا الجنس ولقد هممت أن أثبت منه ها هنا كثيرا فرأيت أن الزمان يضيع في كتابة شيء بين الكفر والخطأ والهذيان وهو من جنس ما حكينا عن الباطنية فمن أراد أن يعرف جنس ما في الكتاب فهذا أنموذجه ومن أراد الزيادة فلينظر في ذلك الكتاب وذكر أبو نصر السراج في كتاب اللمع قال: للصوفية استنباط منها قوله: {أدعو إلى الله على بصيرة} قال الواسطي: معناه لا أرى نفسي وقال الشبلي: لو اطلعت على الكل مما سوانا لوليت منهم فرارا إلينا قلت: هذا لا يحل لأن الله تعالى إنما أراد أهل الكهف وهذا السراج يسمي هذه الأقوال في كتابه مستنبطات وقد ذكر أبو حامد الطوسي في كتاب ذم المال في قوله تعالى: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} قال: إنما عنى الذهب والفضة إذ رتبة النبوة أجل من أن يخشى عليها أن تعبد الآلهة والأصنام إنما عنى بعبادته حبه والاغترار به
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: وهذا شيء لم يقله أحد من المفسرين وقد قال الله عزوجل على لسان شعيب عليه الصلاة والسلام: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا , ومعلوم أن ميل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إلى الشرك أمر مُمتنع , لأجل العصمة , لا أنه مستحيل ثم قد ذكر مع نفسه من يتصور في حقه الإشراك والكفر فجاز أن يدخل نفسه معهم فقال تعالى على لسان ابراهيم عليه الصلاة والسلام: واجنبني وبنيَّ أن نعبد الاصنام , ومعلوم أن العرب أولاده وقد عبد أكثرهم الأصنام
وعن عبد الحق بن عبد الخالق مرفوعا الى أبو حفص بن شاهين قال: وقد تكلمت طائفة من الصوفية في نفس القرآن بما لا يجوز فقالت في قوله تعالى في سورة آل عمران: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب , فقال هم لآيات لي فأضافوا إلى الله تعالى ما جعله لأولي الألباب وهذا تبديل للقرآن وقالوافي قوله تعالى: ولسليمان الريح , ولي سليمان
وعن ابن ناصر أحمد بن علي قال أبو حمزة الخراساني: قد يقطع بأقوام في الجنة فيقال: كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية , فشغلهم عنه بالأكل والشرب ولا مكر فوق هذا ولا حسرة أعظم منه.
قال المصنف رحمه الله: انظروا وفقكم الله إلى هذه الحماقة وتسمية المغنم به مكرا وإضافة المكر بهذا إلى الله سبحانه وتعالى وعلى مقنضى قول هذا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يأكلون ولا يشربون , بل يكونون مشغولين بالله تعالى فما أجرأ هذا القائل على مثل هذ الألفاظ القباح؟ وهل يجوز أن يُوصف الله تعالى بالمكر على ما نعقله من معنى المكر؟ وإنما معنى مكره وخداعه أنه مجازي الماكرين والخادعين, وإني لأتعجب من هؤلاء وقد كانوا يتورعون من اللقمة والكلمة , كيف انبسطوا في تفسير القرآن إلى ما هذا حده.
وعن عبد الصمد بن المأمون مرفوعاً الى أبو عمران الجوني عن جندب قال: قال رسول الله: من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ.
وعن هبة الله بن محمد نا الحسن بن علي مرفوعا الى سعيد بن جبير رحمه الله, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار
قال المصنف رحمه الله: وقد رويت لنا حكاية عن بعضهم فيما يتعلق بالمكر وإني لأقشعر من ذكرها , لكني أُنبِّهُ بذكرها على قبحٍ ما يتخايله هؤلاء الجهلة, فعن أبو بكر بن حبيب نا أبو سعد بن أبي صادق عن أبو عبد الله بن باكويه قال: أخبرنا أبو عبد الله بن خفيف قال سمعت رويما يقول: اجتمع ليلة بالشام جماعة من المشايخ فقالوا: ما شهدنا مثل هذه الليلة وطيبها فتعالوا نتذاكر مسألة لئلا تذهب ليلتنا فقالوا: نتكلم في المحبة فإنها عمدة القوم فتكلم كل واحد من حيث هو.
وكان في القوم عمرو بن عثمان المكي فوقع عليه البول ولم يكن من عادته فقام وخرج إلى صحن الدار فإذا ليلة مقمرة فوجد قطعة رق مكتوب فأخذه وحمله إليهم وقال: يا قوم اسكنوا فإن هذا جوابكم انظروا ما في هذه الرسالة: فإذا فيها مكتوب مكار مكار وكلكم تدعون حبه وأحرم البعض وافترقوا فما جمعهم إلا الموسم
قال المصنف رحمه الله: قلت هذه بعيدة الصحة وابن خفيف لا يوثق به وإن صحت فإن شيطانا ألقى ذلك الرق وإن كانوا قد ظنوا أنها رسالة من الله بظنونهم الفاسدة وقد بينا أن معنى المكر منه المجازاة على المكر فأما أن يقال عنه مكار ففوق الجهل وفوق الحماقة
وعن ابن ظفر نا ابن السراج مرفوعا الى رويما يقول: إن الله غيب أشياء في أشياء مكره في علمه وغيب خداعه في لطفه وغيب عقوباته في باب كراماته قلت: وهذا تخليط من ذلك الجنس وجرأة
وعن محمد بن ناصر نا أبو الفضل السهلكي قال سمعت محمد بن إبراهيم يقول سمعت خالي يقول عن الحسن بن علوية: خرج أبو يزيد لزيارة أخ له فلما وصل إلى نهر جيحون التقى له حافتا النهر فقال: سيدي إيش هذا المكر الخفي وعزتك ما عبدتك لهذا ثم رجع ولم يعبر قال السهلكي: وسمعت محمد بن أحمد المذكر يذكر أن أبا يزيد البسطامي قال: مَن عرف الله تعالى صار للجنة بوابا , وصارت الجنة عليه وبالا
(يُتْبَعُ)
(/)
قلت: وهذه جرأة عظيمة في إضافة المكر إلى الله تعالى وجعل الجنة التي هي نهاية المطالب وبالا , وإذا كانت الجنة وبالا للعارفين, فكيف تكون لغيرهم؟ وكل هذ منبعه من قلة العلم وسوء الفهم, فقد أخبرنا ابن حبيب مرفوعاً الى طيفور وهو أبو يزيد البسطامي يقول, العارفون: في زيارة الله تعالى في الآخرة على طبقتين طبقة تزوره متى شاءت وأنى شاءت, وطبقة تزوره مرة واحدة ثم لا تزوره بعدها أبدا , فقيل له كيف ذلك؟ قال: إذا رآه العارفون أول مرة جعل لهم سوقا ما فيه شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء , فمن دخل منهم السوق لم يرجع إلى زيارة الله أبدا , قال: وقال أبو يزيد البسطامي: في الدنيا يخدعك بالسوق وفي الآخرة يخدعك بالسوق فأنت أبدا عبد السوق.
قال المصنف رحمه الله: تسمية ثواب الجنة خديعة وسببا للانقطاع عن الله تعالى قبيح, وإنما يجعل لهم السوق ثوابا لا خديعة , فإذا أذن لهم في أخذ ما في السوق ثم عوقبوا بمنع الزيارة فقد صارت المثوبة عقوبة , ومن أين له أنّ من اختار شيئا من ذلك السوق لم يعد إلى زيارة الله تبارك وتعالى ولايراه أبدا؟ نعوذ بالله من هذا التخليط والتحكم في العلم والأخبار عن هذه المغيبات التي لا يعلمها إلا نبيٌّ, فمن أين له علمها وكيف يكون؟ كما قال أبو هريرة رضي الله عنه راوي الحديث لسعيد بن المسيب رحمه الله: جمعني الله وإياك في سوق الجنة , أفتراه طلب ترك العقوبة بالبعد عن الله تعالى! لكن بعد هؤلاء عن العلم واقتناعهم بواقعاتهم الفاسدة أوجب هذا التخليط , وليعلم أن الخواطر والواقعات , إنما هي ثمرات علمه فمن كان عالما كانت خواطره صحيحة , لأنها ثمرات علمه , ومن كان جاهلا فثمرات الجهل كلها حظه.
ورأيت بخط ابن عقيل رحمه الله: جاز أبو يزيد على مقابر اليهود فقال: ما هؤلاء حتى تعذبهم كف عظام جرت عليهم القضايا , اعف عنهم
قال المصنف رحمه الله: وهذا قلة علم وهو أن قول ابو يزيد - كف عظام - احتقار للآدمي فإن المؤمن إذا مات كان كف عظام وقوله - جرت عليهم القضايا - فكذلك جرى على فرعون وقوله - اعف عنهم - جهل بالشريعة لأن الله تعالى أخبر: أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا , فلو قبلت شفاعته في كافر , لقبل سؤال إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه في أبيه ولقبل محمد صلوات الله وسلامه عليه في أمه , فنعوذ بالله من قلة العلم.
عن محمد بن ناصر مرفوعا الى أبي موسى قال: كان في ناحية رجلا فقيها عالما, فقصد أبا يزيد البسطامي وقال له: قد حُكيَ لي عنك عجايب , فقال أبو يزيد: وما لم تسمع من عجايبي أكثر, فقال له: علمك هذا يا أبا يزيد عن من؟ ومن ومن ومن؟ فقال أبو يزيد: علمي من عطاء الله تعالى , ومن حيث قال صلى الله عليه وسلم: من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم , ومن حيث قال: العلم علمان علم ظاهر وهو حجة الله تعالى على خلقه وعلم باطن وهو العلم النافع , وعلمك يا شيخ نقل من لسان عن لسان التعليم , وعلمي من الله إلهام من عنده , فقال له الشيخ: علمي عن الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن جبريل عليه الصلاة والسلام, عن ربه تعالى وتعالى, فقال أبو يزيد: يا شيخ! أكان للنبي علم عن الله لم يُطلع عليه جبريل ولا ميكائيل؟ قال: نعم , ولكن أريد أن يصح لي علمك الذي تقول أهو من عند الله؟ قال: نعم , أبينه لك قدر ما يستقر في قلبك معرفته , ثم قال: يا شيخ علمت أن الله تعالى كلم موسى تكليما , وكلم محمدا ورآه كفاحا , وأن حلم الأنبياء وحي , قال: نعم قال: أما علمت أن كلام الصديقين والأولياء بإلهام منه , وفوائده مَنْ مِنْ قلوبهم , حتى أنطقهم بالحكمة , ونفع بهم الأمة: ومما يؤكد ما قلت ما ألهم الله تعالى أم موسى أن تلقي موسى في التابوت فألقته , وألهم الخضر في السفينة , والغلام والحائط قوله موسى:وما فعلته عن أمري , وكما قال أبو بكر لعائشة رضي الله عنهما: إنّ ابنة خارجة حاملة ببنت. وكما ألهم الله تعالى عمر رضي الله عنه فنادى: يا سارية الجبل. ثمّ قال أبو يزيد البسطامي: مساكين أخذوا علمهم ميتا عن ميت , وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: انّ فقه هذا الرجل من قلة العلم , إذ لو كان عالما لعلم أن الإلهام للشيء لا يُنافي العلم , ولا يتسع به عنه , ولا يُنكر أن الله تعالى , يُلهم الإنسان الشيء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن في الأمم محدثين وإن لم يكن في أمتي فعمر.
والمراد بالتحديث: إلهام الخير , ذلك أنّ الملهم اذا ألهم بما يخالف العلم فلا يجوز له أن يعمل به.
وأما الخضر عليه السلام , فقد قيل أنه نبيٌّ, والنبي ولا ينكر عليه الاطلاع بالوحي على العواقب , وليس الإلهام من العلم في شيء إنما هو ثمرة لعلم وتقوى, فيوفق الله عزوجل صاحبهما للخير ويلهمه الرشد, فأما أن يترك العلم , ويقول أنه يعتمد على الإلهام والخواطر, فليس هذا بشيء , إذ لولا العلم النقلي , ما عرفنا ما يقع في النفس , أمن الإلهام للخير , أو للوسوسة من الشيطان.
واعلم أن العلم الإلهامي الملقى في القلوب لا يكفي عن العلم المنقول , كما أن العلوم العقلية لا تكفي عن العلوم الشرعية , فإن العقلية كالأغذية , والشرعية كالأدوية , ولا ينوب هذا عن هذا , وأما قوله: أخذوا علمهم ميتا عن ميت: أصلح ما ينسب إليه هذا القائل أنه ما يدري ما في ضمن هذا القول, وإلا فهذا طعن على الشريعة كلها.
وقال أبو حفص بن شاهين: من الصوفية من رأى الاشتغال بالعلم بطالة وقالوا نحن علومنا بلا واسطة قال وما كان المتقدمون في التصوف إلا رؤوسا في القرآن والفقه والحديث والتفسير ولكن هؤلاء أحبوا البطالة.
وقال أبو حامد الطوسي: اعلم أن ميل أهل التصوف إلى الإلهية دون التعليمية , ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دارسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون , بل قالوا: الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة , وقطع العلائق كلها , والإقبال على الله تعالى بكنه الهمة , وذلك بأن يقطع الإنسان همه عن الأهل والمال والولد والعلم , ويخلو بنفسه في زاوية ويقتصر على الفرائض والرواتب , ولا يقرن همه بقراءة قرآن , ولا بالتأمل في نفسه, ولا يكتب حديثا ولا غيره , ولا يزال يقول الله الله الله إلى أن ينتهي إلى حالٍ يترك تحريك اللسان , ثم يُمحي عن القلب صورة اللفظ.
قال المصنف رحمه الله: قلت عزيز علي أن يصدر هذا الكلام من فقيه فإنه لا يخفى قبحه: فهو على الحقيقة طيٌّ لبساط الشريعة التي حثت على تلاوة القرآن وطلب العلم , وعلى هذا المذهب فانّ الفضلاء من علماء الأمصار ما سلكوا هذه الطريق , وإنما تشاغلوا بالعلم أولا, وعلى ما قد رتب أبو حامد الطوسي , تخلو النفس بوساوسها وخيالاتها , ولا يكون عندها من العلم ما يطرد ذلك , فيلعب بها إبليس كما يشاء, فيُريها الوسوسة محادثةً ومناجاةً, ونحن لا نُنكر أنه إذا طهُر القلب , انصبت عليه أنوارالهدى , فينظر بنور الله تعالى, إلا أنه ينبغي أن يكون تطهيره بمقتضى العلم لا بما ينافيه , فإن الجوع الشديد والسهر وتضييع الزمان في التخيلات , أمور ينهي الشرع عنها , فلا يستفاد من صاحب الشرع بشيء يُنسب إلى ما نُهيَ عنه , كما لا تستباح الرخص في سفر قد نُهيَ عنه, ثم لا تنافي بين العلم والرياضة , بل العلم يعلم كيفية الرياضة ويُعين على تصحيحها , وإنما تلاعب الشيطان بأقوام أبعدوا العلم وأقبلوا على الرياضة بما ينهي عنه العلم , والعلم بعيد عنهم , فتارة يفعلون الفعل المنهي عنه , وتارة يؤثرون ما غيره أولى منه , وإنما كان يُفتي في هذه الحوادث العلم وقد عزلوه , فنعوذ بالله من الخذلان.
وعن ابن ناصر عن أبي علي بن البنا قال: كان عندنا بسوق السلاح رجل كان يقول: القرآن حجاب والرسول حجاب, فافتتن جماعة به , فأهملوا العبادات , ثم اختفى عنهم مخافة أن يقتلوه.
وعن ضرار بن عمرو قال: إن قوما تركوا العلم ومجالسة أهل العلم , واتخذوا محاريب فصلوا وصاموا حتى يبس جلد أحدهم على عظمه وخالفوا السنة فهلكوا , فوالله الذي لا إله غيره ما عمل عامل قط على جهل , إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح.
ومن كلامهم في الحديث وغيره: فعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى أحمد بن حنبل رحمه الله قال: جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي فجعل يقول: فلان ضعيف , وفلان ثقة , فقال أبو تراب: يا شيخ لا تغتب العلماء , فالتفت أبي إليه وقال له: ويحك هذه نصيحة وليست هذه غيبة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعن يحيى بن علي المدبر مرفوعا الى أبا الحسن علي بن محمد البخاري يقول سمعت محمد بن الفضل العباسي يقول: كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو يقرأ علينا كتاب الجرح والتعديل فقال أظهر أحوال أهل العلم من كان منهم ثقة أو غير ثقة فقال له يوسف بن الحسين: استحييت إليك يا أبا محمد كم من هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة منذ مائة سنة أو مائتي سنة وأنت تذكرهم وتغتابهم على أديم الأرض فبكى عبد الرحمن وقال: يا أبا يعقوب لو سمعت هذه الكلمة قبل تصنيفي هذا الكتاب لم أصنفه قلت: عفا الله عن ابن أبي حاتم فإنه لو كان فقيها لرد عليه, كما رد الإمام أحمد على أبي تراب , ولولا الجرح والتعديل من أين كان يعرف الصحيح من الباطل؟
ثم كون القوم في الجنة لا يمنع أن نذكرهم بما فيهم وتسمية ذلك غيبة حديث سوء , ثم من لا يدري الجرح والتعديل كيف هو يزكي كلامه؟ وينبغي ليوسف أن يشتغل بالعجائب التي تحكي عن مثل هذا
وعن أبو بكر بن حبيب مرفوعا الى أبا العباس بن عطاء يقول: من عرف أن الله أمسك عن رفع حوائجه إليه , لما علم أنه العالم بأحواله قلت: هذا سد لباب السؤال والدعاء وهو جهل بالعلم
وعن محمد بن عبد الملك مرفوعا الى الشبلي وقد سأله شاب: يا أبا بكر لم تقول الله ولا تقول لا إله إلا الله؟ فقال الشبلي: أستحي أن أوجه إثباتا بعد نفي , فقال الشاب: أريد حجة أقوى من هذه فقال: أخشى أني أؤخذ في كلمة الوجود ولا أصل إلى كلمة الإقرار
قال المصنف رحمه الله: انظروا إلى هذا العلم الدقيق , فإن رسول الله كان يأمر بقول لا إله إلا الله ويحث عليها , وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دبر كل صلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وكان يقول عليه الصلاة والسلام إذا قام لصلاة الليل: لا إله إلا أنت , وذكر عليه الصلاة والسلام الثواب العظيم لمن يقول لا إله إلا الله , فانظروا إلى هذا التعاطي على الشريعة واختيار ما لم يختره رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وعن محمد بن عبد الباقي مرفوعا الى عبد الله بن علي السراج قال: بلغني أن أبا الحسن النوري شهدوا عليه أنه سمع أذان المؤذن فقال: طعنه سم الموت , وسمع نباح كلب فقال: لبيك وسعديك, فقيل له في ذلك فقال: إن المؤذن أغار عليه أن يذكر الله وهو غافل ويأخذ عليه الأجر , ولولاها ما أذَّن , فلذلك قلت له طعنه سم الموت , والكلب يذكر الله تعالى بلا رياء فإنه قد قال تعالى:
وإن من شيء إلا يسبح بحمده
قال المصنف رحمه الله: انظروا إخواني عصمنا الله وإياكم من هذا الزلل إلى هذا الفقه الدقيق والاستنباط الطريف
- نبذة من كلام القوم وفقههم نبهت على علمهم وسوء فهمهم وكثرة خطئهم
وعن أبو بكر بن حبيب مرفوعا الى النوري أنه رأى رجلا قابضا على لحية نفسه فقلت له: نح يدك عن لحية الله , فرفع ذلك إلى الخليفة , فطلبت وأخذت , فلما دخلت عليه , قال بلغني أنه نبح كلب, فقلت لبيك , ونادى المؤذن فقلت طعنه, قال: نعم قال الله تعالى: وإن من شيء إلا يسبح بحمده , فقلت لبيك لأنه ذكر الله تعالى, فأما المؤذن فإنه يذكر الله وهو متلوث بالمعاصي غافل عن الله تعالى, قال: وقولك للرجل نح يدك عن لحية الله؟ قلت: نعم أليس العبد لله ولحيته لله؟ وكل ما في الدنيا والآخرة له؟ قلت: عدم العلم أوقع هؤلاء في هذا التخبيط وما الذي أحوجه إلى أن يوهم أن صفة الملك صفة الذات
وعن ابن حبيب قال ابن أبي صادق عن ابن باكويه قال سمعت أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال سمعت الشبلي يقول وقد سئل عن المعرفة فقال: ويحك ما عرف الله من قال الله , والله لو عرفوه ما قالوه , قال ابن باكويه: وسمعت أبا القاسم أحمد بن يوسف البراداني يقول سمعت الشبلي يقول يوما لرجل يسأله: ما اسمك؟ قال آدم , قال ويلك أتدري ما صنع آدم؟ باع ربه بلقمة , ثم كان يقول: سبحان من عذرني بالسوداء , قال ابن باكويه: وسمعت بكران بن أحمد الجيلي يقول: كان للشبلي جليس فأعلمه أنه يريد التوبة فقال: بع مالك واقض دينك وطلق امرأتك ففعل , فقال: أيتم أولادك بأن تؤيسهم من التعلق بك , فقال قد فعلت فجاء بكسر قد جمعها , فقال اطرحها بين يدي الفقراء وكل معهم
(يُتْبَعُ)
(/)
وعن أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم عن أبي قال: سمعت بعض الفقراء يقول: سمعت أبا الحسن الحرفاني يقول: لا إله إلا الله , من داخل القلب محمد رسول الله من القرط
وعن أبو بكر بن حبيب مرفوعا الى أحمد بن محمد حلفاي قال: رأى الشبلي غلاما شابا في الحمام بلا مئزر فقال له: يا غلام! ألا تغطي عورتك؟ فقال له: اسكت يا بطال إن كنت على الحق فلا تشهد إلا الحق , وإن كنت على الباطل فلا تشهد إلا الباطل , لأن الحق مشتغل بالحق والباطل مشتغل بالباطل.
وعن أبو بكر محمد بن أبي طاهر مرفوعا الى أبو القاسم عبد الرحيم بن جعفر السيرافي الفقيه قال: حضرت بشيراز عند قاضيها أبي سعيد بشر بن الحسن الداودي - وقد ارتفع إليه صوفي وصوفية - قال وأمر الصوفية هناك مفرط جدا حتى يقال أن عددهم ألوف فاستعدت الصوفية على زوجها إلى القاضي فلما حضرا قالت له: أيها القاضي إن هذا زوجي ويريد أن يطلقني وليس له ذلك , فإن رأيت أن تمنعه قال: فأخذ القاضي أبو سعيد يتعجب - وحنق على مذاهب الصوفية - ثم قال لها: وكيف ليس له ذلك؟ قالت: لأنه تزوج بي, ومعناه قائم بي, والآن هو يذكر أن معناه قد انقضى مني , وأنا معناي قائم فيه ما انقضى , فيجب عليه أن يصير حتى ينقضي معناي منه كما انقضى معناه مني, فقال لي أبو سعيد: كيف ترى هذا الفقه؟ ثم أصلح بينهما وخرجا من غير طلاق
وقد ذكر أبو حامد الطوسي في كتاب الأحياء أن بعضهم قال: للربوبية سر لو أظهر بطلت النبوة , وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم وللعلماء بالله سر , لو أظهروه لبطلت الأحكام
قلت: فأظهروا إخواني إلى هذا التخليط القبيح والادعاء على الشريعة أن ظاهرها يخالف باطنها قال أبو حامد: ضاع لبعض الصوفية ولد صغير فقيل له: لو سألت الله أن يرده عليك فقال: اعتراضي عليه فيما يقضي , أشد عليَّ من ذهاب ولدي
قلت: طال تعجبي من أبي حامد كيف يحكي هذه الأشياء في معرض الاستحسان والرضى عن قائلها وهو يدري أن الدعاء والسؤال ليس باعتراض , وقال أحمد الغزالي: دخل يهودي إلى أبي سعيد بن أبي الخير الصوفي فقال له: أريد أن أسلم على يديك , فقال: لا ترد فاجتمع الناس , وقالوا: يا شيخ تمنعه من الإسلام؟ فقال له: تريد بلا بد؟ قال: نعم, قال له: برئت من نفسك ومالك ق, ال: نعم , قال: هذا الإسلام عندي احملوه الآن إلى الشيخ أبي حامد يعلم لا, لا المنافقين , يعني لا إله إلا الله قلت: وهذا الكلام أظهر عيبا من أن يُعاب فإنه في غاية القبح ومما يقارب هذه الحكاية في دفع من أراد الإسلام
وعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى الحسين بن محمد بن أحمد الماسرخسي يحكي عن جده وغيره من أهل بيته قال: كان الحسن والحسين ابنا عيسى بن ماسرخس أخوين يركبان فيتحير الناس من حسنهما وزيهما , فاتفقا على أن يسلما فقصدا حفص بن عبد الرحمن ليسلما على يده, فقال لهما حفص: أنتما من أجل النصارى , وعبد الله بن المبارك خارج في هذه السنة الحج؟ وإذا أسلمتما على يده كان ذلك أعظم عند المسلمين, فإنه شيخ أهل المشرق والمغرب فانصرفا , فمرض الحسين ومات على نصرانيته قبل قدوم ابن المبارك, فلما قدم أسلم الحسن قلت: وهذه المحنة إنما جلبها الجهل, فليعرف قدر العلم لأنه لو كان عنده حظ من علم لقال أسلما الآن ولا يجوز تأخير ذلك لحظة وأعجب من هذا أبو سعيد الذي قال لليهودي ما قال لأنه يريد الإسلام.
وذكر أبو نصر السراج في كتاب اللمع لمع المتصوفة قال: كان سهل بن عبد الله إذا مرض أحد من أصحابه يقول له: إذا أردت أن تشتكي فقل: أوه فهو اسم من أسماء الله تعالى يستريح إليه المؤمن , ولا تقل أفرج فإنه اسم من أسماء الشيطان.
قال المصنف رحمه الله: نكتفي بهذه النبذة من كلام القوم وفقههم , نبهت على علمهم وسوء فهمهم وكثرة خطئهم.
الى أن نلتقي بمشيئة الله مع الجزء السادس عشر والأخير - شطحات الصوفية وفرقة الملانفية
نترككم برعاية الله
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[12 - Jul-2009, صباحاً 06:37]ـ
الجزء السادس عشر- شطحات الصوفية
وما أفسد هؤلاء الزهاد الا جهلهم بالعلم
مخاريق الشبلي والبسطامي تجاوزت كلَّ حد
يتألف هذا الجزء من فصلين
الفصل الأول: شطحات الصوفية
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد اندس في الصوفية أقوام وتشبهوا بهم وشطحوا في الكرامات وادعائها وأظهروا للعوام مخاريق صادوا بها قلوبهم وقد روينا عن الحلاج أنه كان يدفن شيئا من الخبر والشواء والحلوى في موضع من البرية ويطلع بعض أصحابه على ذلك فأصبح قال لأصحابه: إن رأيتم أن نخرج على وجه السياحة فيقوم ويمشي والناس معه فإذا جاؤوا إلى ذلك المكان قال له صاحبه الذي أطلعه على ذلك: نشتهي الآن كذا وكذا , فيتركهم الحلاج وينزوي عنهم إلى ذلك المكان فيصلي ركعتين ويأتيهم بذلك وكان يمد يده إلى الهواء ويطرح الذهب في أيدي الناس ويمخرق وقد قال بعض الحاضرين يوما: هذه الدراهم معروفة ولكن أؤمن بك إذا أعطيتني درهما عليه اسمك واسم أبيك وما زال يمخرق إلى وقت صلبه.
فعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى أبو عمرو بن حيوة قال: لما أخرج حسين الحلاج للقتل مضيت في جملة الناس فلم أزل أزاحم حتى رأيته فقال لأصحابه: لا يهولنكم هذا فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوما وكان اعتقاد الحلاج اعتقادا قبيحا وقد بينا في أول هذا الكتاب شيئا من اعتقاده وتخليطه وبينا أنه قتل بفتوى فقهاء عصره وقد كان في المتأخرين من يطلي بدهن الطلق ويقعد في التنور ويظهر أن هذا كرامة
قال ابن عقيل رحمه الله: وكان ابن الشباس وأبوه قبله لهم طيور سوابق وأصدقاء في جميع البلاد , فينزل بهم قوم فيرفع طائرا في الحال إلى قريتهم يخبر بخبر من له هناك بنزولهم ويستعمله من أحوالهم , وما تجدد هناك بعدهم قبل أن يجتمع عليهم ويستعلم حالهم , فيكتب ذلك إليه الجواب , ثم يجتمع بهم فيخبرهم بتلك الحوادث ويحدثهم بأحوالهم حديث من هو معهم ومعاشرهم في بلادهم , ثم يحدثهم بما تجدد بعدهم , وفي يومه ذلك فيقول: الساعة تجدد كذا وكذا فيدهشون ويرجعون إلى رستاقهم فيجدون الأمر على ما قال , ويتكرر هذا منه فيصير عندهم كالقطعي على أنه يعلم الغيب , قال: وما كان يفعله أنه يأخذ طير عصفور ويشد رجله تلفكا , ويجعل التلفك بطاقة صغيرة , ويشد في رجل حمامة تلفكا ويشد في طرف التلفك كتابا أكبر من ذلك ويجعله بين يديه , ويجعل العصفور بيد , ويأخذ غلاما له في السطح , والحمامة بيد آخر فيه ما في تلك البطاقة الصغيرة , ويطلق الطائرالعصفور فينظر الناس الكتاب وهو طائر في الهواء فيروح الحمام إلى تلك القرية فيأخذه صديقه الذي هناك ثم يخبره بجميع أمور القرية وأصحابها , فلما يتكامل مجلسه بالناس ويشير وينادي يا بارش كأنه يخاطب شيطانا اسمه بارش ويقول , خذ هذا الكتاب إلى قرية فلان , فقد جرت بينهم خصومة فاجتهد في إصلاح ذات بينهم , ويرفع صوته بذلك فيسرح غلامه المترصد العصفور الذي في يده فيرفع الكتاب نحو السماء بحضرة الجماعة يرونه عيانا من غير أن يرون التلفك , فإذا ارتفع الكتاب جذبه الغلام المقيد بالعصفور وقطع التلفك حتى لا يرى ويرسل العصفور إلى تلك القرية ليصلح الأمر وكذلك يفعل بالحمامة ثم يقول لغلامه هات الكتاب فيلقيه الغلام الذي في السطح الذي قد جاءه خبر ما في القرية التي هؤلاء منها ثم يكتب كتابا إلى دهقان تلك القرية فيشد به بلفكا ويجعله في رجل عصفور كما قدمنا ويطلقه حتى يعلو سطح المكان فيأخذه ذلك الغلام فيشده في رجل طير الحمام فيروح إلى تلك القرية بذلك الكتاب فيصلح بين الناس الذين قد أتاهم خبرهم بالمشاجرة فتخرج الجماعة من الذين من تلك القرية فيجدون كتاب الشيخ قد وصل لهم وقد اجتمع دهاقين القرية وأصلحوا بينهم فيجيء ذلك فيخبرهم فلا يشكون في ذلك أنه يعلم الغيب ويتحقق هذا في قلوب العوام
قال ابن عقيل رحمه الله: وإنما أوردت مثل هذا ليعلم أنه قد ارتفع القوم إلى التلاعب بالدين فأي بقاء للشريعة مع هذا الحال؟ قلت: وابن الشباس هذا كان يكنى أبا عبد الله والشباس هو أبوه كان يكنى أبا الحسن واسم الشباس علي بن الحسين بن محمد البغدادي توفي بالبصرة سنة أربع وأربعين وأربع مائة وكان الشباس وأبوه وعمه مستقرين بالبصرة
(يُتْبَعُ)
(/)
وكانت مذاهبهم تخفى على الناس إلا أن الأغلب أنهم كانوا من الباطنية , وقد ذكرت في التاريخ عن ابن الشباس أن بعض أصحابه اكتشفت له نار بخيانته وزخارفه وكانت تخفى على الناس إلى أن كشفها بعض أصحابه من الباطنية للناس, فلما كشفها للناس وبينها فكان ما حدث به عنه أنه قال: حضرنا يوما عنده فأخرج جديا مشويا فأمرنا بأكله وأن نكسر عظمه ولا تهشمها فلما فرغنا أمر بردها إلى التنور وترك على التنور طبقا ثم رفعه بعد ساعة فوجدنا جديا حيا يرعى حشيشا ولم نر للنار أثرا ولا للرماد ولا للعظام خبرا قال فتلطفت حتى عرفت ذلك وذلك أن التنور يفضي إلى سرداب وبينهما طبق نحاس بلولب فإذا أراد إزالة النار عنه فركه فينزل عليه فيسده وينفتح السرداب وإذ أراد أن يظهر النار أعاد الطبق إلى فم السرداب فترى للناس
قال المصنف رحمه الله: وقد رأينا في زماننا من يشير إلى الملائكة عليهم السلام , ويقول: هؤلاء ضيف مكرمون , يوهم أن الملائكة عليهم السلام قد حضرت, ويقول لهم تقدموا إليّ وأخذ رجل في زمامنا إبريقا جديدا فترك فيه عسلا فتشرب في الخزف طعم العسل واستصحب الإبريق في سفره فكان إذا غرف به الماء من النهر سقى أصحابه وجدوا طعم العسل وما في هؤلاء من يعرف الله ولا يخاف في الله لومة لائم نعوذ بالله من الخذلان.
ومن الذين اندس في الصوفية قبل الحلاج والشباس وابنه وغيرهم , طيفور بن عيسى المكنى: بأبو يزيد البسطامي , وقد دعته جرأته في الافتراء على الله عزوجل, أن قال: وددت لو قامت القيامة حتى أنصب خيمتي على جهنم, فسأله رجل ولم ذاك يا أبا يزيد؟ فقال: إني أعلم أن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق ... ثم قال: اذا كان يوم القيامة, وادخل اهل الجنة الجنة, وأدخل أهل النار النار, فأسأله أن يدخلني النار , فقيل له لم: قال: حتى تعلم الخلائق أن برَّه ولطفه في النار مع أوليائه.
قال المصنف رحمه الله: هذا الكلام من أقبح الأقوال, لأنه يتضمن تحقير ما عظم الله تعالى أمره من النار, فإنه تعالى بالغ في وصفها فقالعزوجل: فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة .. وقال جلّ وعلا: إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا .. إلى غير ذلك من الآيات الكريمات.
و في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءا من حر جهنم , قال له الصحابة رضوان الله تعالى عنهم: والله إن كانت لكافية يا رسول الله , فقال: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها
وفي إفراد مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها
قال المصنف رحمه الله: اعلم أن السلم يورث الخوف, واحتقار النفس, وطول الصمت, وإذا اعتبرت علماء السلف رأيت الخوف غالبا عليهم والدعاوى بعيدة عنهم كما قال أبو بكر رضي الله عنه: ليتني كنت شعرة في صدر مؤمن. وقال عمر رضي الله عنه عند موته: الويل لعمر إن لم يغفر له , وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ليتني إذا مت لا أبعث , وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ليتني كنت نسيا منسيا , وقال سفيان الثوري رحمه الله لحماد بن سلمة عند الموت: ترجو أن يُغفر لمثلي؟
قال المصنف رحمه الله: وإنما صدر مثل هذا عن هؤلاء السادة لقوة علمهم بالله وقوة العلم به تورث الخوف والخشية قال الله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء , وقال صلى الله عليه وسلم: أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية , ولما بعد عن العلم أقوام من الصوفية لاحظوا أعمالهم واتفق لبعضهم من اللطف ما يشبه الكرامات فانبسطوا بالدعاوى أي توسعوا وشطحوا ..
يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها
(يُتْبَعُ)
(/)
وعن كعب رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا كعب! خوّفنا؟ فقال: يا أمير المؤمنين! اعمل عمل رجل لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبيا لازدرأت عملك مما ترى , فأطرق عمر رضي الله عنه مليا , ثم أفاق فقال: زدنا يا كعب؟ قلت: يا أمير المؤمنين! لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق ورجل بالمغرب لغلى دماغه حتى يسيل من حرها, فأطرق عمر رضي الله عنه مليا ثم أفاق فقال: زدنا يا كعب؟ قلت: يا أمير المؤمنين إن جهنم لتزفر يوم القيامة زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مصطفى إلا خرّ جاثيا على ركبتيه ويقول: رب نفسي نفسي لا أسالك اليوم غير نفسي.
وعن فرات بن السائب عن زاذان قال: سمعت كعب الأحبار يقول: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ونزلت الملائكة وصارت صفوف فيقول يا جبرائيل ائتني بجهنم , فيأتي بها جبريل فتقاد بسبعين ألف زمام , حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام زفرت ثانية , فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثى على ركبتيه, ثم تزفر الثالثة فتبلغ القلوب الحناجر , وتذهب العقول فيفزع كل امرئ إلى عمله حتى أن إبراهيم الخليل يقول: بخلتي لا أسألك إلا نفسي , ويقول موسى: بمناجاتي لا أسألك إلا نفسي, وإن عيسى ليقول: بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي لا أسألك مريم التي ولدتني, قلت: وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا جبرائيل ما لي أرى ميكائيل لا يضحك؟ فقال: ما ضحك ميكائيل مذ خلقت النار , وما جفت لي عين , مذ خلقت جهنم مخافة أن أعصي الله فيجعلني فيها.
وبكى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يوما , فقالت امرأته: مالك تبكي؟ قال: أنبئت أني واردها ولم أنبأ أني صادر.
قال المصنف رحمه الله: فإذا كانت هذه حالة الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم المطهرون من الادناس؟ والصحابة وهم المرضي عنهم من الله عزوجل؟ وهذا انزعاجهم لأجل النار , فكيف هانت عند أبو يزيد البسطامي, هذا المدعى؟ قلت: وهذا إن صح عن هذا المدعي فهذا غاية من تلبيس إبليس, ثمّ انه يقطع لنفسه بما لا يدري به من الولاية والنجاة, وهل قطع بالنجاة إلا لقوم مخصوصين من الصحابة وقد قال من قال إني في الجنة فهو في النار , وهذا محمد بن واسع رحمه الله يقول عند موته: يا أخوتاه أتدرون أين يذهب بي؟ يذهب بي والله الذي لا إله إلا هو إلى النار, أو يعفو عني.
وقد كان ابن عقيل رحمه الله يقول: قد حكي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال: وما النار؟ والله لئن رأيتها لأطفأنها بطرف مرقعتي أو نحو هذا , ثم قال رحمه الله: ومن قال هذا كائن من كان فهو زنديق يجب قتله, فإن الأهوان للشيء ثمرة الجحد , لأن من يؤمن بالجن يقشعر في الظلمة , ومن لا يؤمن لا ينزعج , وربما قال يا جن خذوني , ومثل هذا القائل ينبغي أن يقرب إلى وجهه شمعة, فإذا انزعج قيل له هذه جذوة من نار.
وعن إسحاق إبراهيم بن محمد قال سمعت الحسن بن علوية يقول: سمعت طيفور الصغير يقول سمعت عمي خادم أبي يزيد يقول: سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: سبحاني سبحاني ما أعظم شأني , ثم قال: حسبي من نفسي حسبي , قلت: هذا إن صح عنه فربما يكون الراوي لم يفهم لأنه يحتمل أن يكون قد ذكر تمجيد الحق نفسه فقال فيه (سبحاني) حكاية عن الله لا عن نفسه , وقد تأوله له الجنيد بشيء إن لم يرجع إلى ما قلته فليس بشيء.
فقيل للجنيد: إن أبا يزيد البسطامي يقول: سبحاني سبحاني , أنا ربي الأعلى , فقال الجنيد: إن الرجل مستهلك في شهود الجلال فنطق بما استهلكه أذهله الحق عن رؤيته إياه فلم يشهد إلا الحق فنعته قلت: وهذا من الخرافات.
فعن عبد الله بن علي السراج قال: سمعت أحمد بن سالم البصري بالبصرة يقول في مجلسه يوما: فرعون لم يقل ما قاله أبو يزيد البسطامي, وان قال فرعون: أنا ربكم الأعلى , والرب يسمى به المخلوق ويقال رب الدار, ولكنّ أبو يزيد البسطامي قال: سبحاني سبحاني, وهذا لا يجوز إلا لله عزوجل.
وعن أبو موسى الدئيلي قال: سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: كنت أطوف حول البيت أطلبه فلما وصلت إليه رأيت البيت يطوف حولي.
وعن طيفور الصغير يقول سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: حججت أول حجة فرأيت البيت, وحججت الثانية فرأيت صاحب البيت ولم أر البيت, وحججت الثالثة فلم أر البيت ولا صاحب البيت.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعن أبا موسى الدئيلي يقول: سئل أبا يزيد البسطامي عن اللوح المحفوظ , فقال: أنا اللوح المحفوظ.
وعن سيرين يقول: سمعت أبا موسى الدئيلي يقول لأبي يزيد البسطامي: بلغني أن ثلاثة قلوبهم على قلب جبريل , قال أنا أولئك الثلاثة , فقلت: كيف؟ قال: قلبي واحد وهمي واحد وروحي واحد , قلت: وبلغني أن واحدا قلبه على قلب إسرافيل قال: وأنا ذلك الواحد ومثلي مثل بحر مصطلم لا أول له ولا آخر. قال السهلكي: وقرأ رجل عند أبي يزيد: إن بطش ربك لشديد .. فقال أبو يزيد: وحياته إن بطشي أشد من بطشه .. وقيل لأبي يزيد: بلغنا إنك من السبعة؟ قال: أنا كل السبعة , وقيل له: إن الخلق كلها تحت لواء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, فقال: والله إن لوائي أعظم من لواء محمد , لوائي من نور تحته الجن والإنس كلهم مع النبيين.
وقال أبو يزيد البسطامي: سبحاني سبحاني ما أعظم سلطاني, ليس مثلي في السماء يوجد, ولا مثلي صفة في الأرض تُعرف, أنا هو وهو أنا وهو هو
عن منصور بن عبد الله قال: سمعت أبي يقول: قيل لأبي يزيد: إنك من الأبدال السبعة الذين هم أوتاد الأرض فقال: أنا كل السبعة
عن أبا الحسين علي بن محمد الجرجاني يقول: سمعت الحسن بن علي بن سلام يقول: دخل أبو يزيد مدينة فتبعه منها خلق كثير فالتفت إليهم فقال: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني فقالوا: جن أبو يزيد فتركوه.
عن موسى بن عيسى بن أخي أبي يزيد البسطامي قال: سمعت أبي يقول: قال أبو يزيد: رفع بي مرة حتى قمت بين يديه فقال لي: يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك, قلت: يا عزيزي وأنا أحب أن يروني .. فقال: يا أبا يزيد: إني أريد أن أريكهم .. فقلت: يا عزيزي إن كانوا يحبون أن يروني وأنت تريد ذلك وأنا لا أقدر على مخالفتك قربني بوحدانيتك وألبسني ربانيتك وارفعني إلى أحاديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك فيكون أنت ذاك ولا أكون أنا هنا, ففعل بي ذلك واقامني وزينني ورفعني , ثم قال: اخرج إلى خلقي , فخطوت من عنده خطوة إلى الخلق خارجا , فلما كان من الخطوة الثانية غشي عليّ فنادى: ردوا حبيبي فإنه لا يصبر عني ساعة.
وعن أبا موسى يقول حكي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال: أراد موسى أن يرى الله تعالى وأنا ما أردت أن أرى الله تعالى هو أراد أن يراني.
وعن الجنيد بن محمد يقول: دخل عليّ أمس رجل من أهل بسطام فذكر أنه سمع أبا يزيد البسطامي يقول: اللهم إن كان في سابق علمك أنك تعذب أحدا من خلقك بالنار , فعظم خلقي حتى لا تسع معي غيري.
قال المصنف رحمه الله: أما ما تقدم من دعاوي ابو يزيد البسطامي وشطحاته فما يخفى قبحها , وأما هذا القول فخطأ من ثلاثة أوجه: أحداها أنّ أبو يزيد قال: إن كان في سابق علمك وقد علمنا قطعا أنه لا بد من تعذيب خلق بالنار , وقد سمى الله تعالى منهم خلقا كفرعون وأبي لهب فكيف يجوز أن يقال بعد القطع واليقين إن كان.
والثاني قوله: تعظم خلقي فلو قال لأدفع عن المؤمنين ولكنه قال حتى لا تسع أحدا غيري فأشفق على الكفار أيضا وهذا تعاط على رحمة الله تعالى.
والثالث أن يكون جاهلا بقدر هذه النار أو واثقا من نفسه بالصبر وكلا الأمرين معدوم عنده قلت: ثم قال: والله ولقد تكلمت أمس مع الخضر في هذه المسألة وكانت الملائكة يستحسنون قولي: والله تعالى يسمع كلامي فلم يعب علي ولو عاب علي لأخرسني قلت: لولا أن هذا الرجل نسب إلى التغير لكان ينبغي أن يرد عليه , وأين الخضر؟ ومن اين له أن الملائكة تستحسن قوله؟ وكم من قول معيب لم يعاجل صاحبه بالعقوبة وقد بلغني عن ميمون بن عبده قال: بلغني عن سمنون المحب أنه كان يسمي نفسه الكذاب , بسبب أبياته التي قال فيها:
وليس لي في شواك حظ ... فكيفما ما شئت فامتحني
فابتلي بحبس البول فلم يقر له قرار, فكان بعد ذلك يطوف على المكاتب وبيده قارورة يقطر منها بوله , ويقول للصبيان: ادعوا لعمكم الكذاب
قال المصنف رحمه الله: إنه ليقشعر جلدي من هذه , أتراه على ما يتقاوى, وإنما هذه ثمرة الجهل بالله سبحانه وتعالى , ولو عرفه لم يسأله إلا العافية وقد قال من عرف الله كل لسانه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعن أبو بكر بن حبيب مرفوعا الى أبا العباس بن عطاء قال: كنت أرد هذه الكرامات حتى حدثني الثقة عن أبي الحسين النوري وسألته فقال كذا كان قال: كنا في سميرية في دجلة فقالوا لأبي الحسين أخرج لنا من دجلة سمكة فيها ثلاثة أرطال وثلاث أواقي فحرك شفتيه فإذا سمكة فيها ثلاثة أرطال وثلاث أواقي ظهرت من الماء حتى وقعت في السميرية فقيل لأبي الحسين: سألناك بالله إلا أخبرتنا بماذا دعوت فقال: قلت وعزتك لئن لم تخرج من الماء حوتا فيها ثلاث أرطال وثلاث أواقي لأغرقن نفسي في دجلة.
وفي رواية للنوري قال: كان في نفسي من هذه الكرامات شيء وأخذت من الصبيان قصبة وقمت بين زورقين وقلت وعزتك لئن لم تخرج لي سمكة فيها ثلاثة أرطال لا تزيد ولا تنقص لا آكل شيئا قال فبلغ ذلك الجنيد فقال: كان حكمه أن تخرج له أفعى تلدغه.
وعن علي بن محمد بن أبان مرفوعا الى أبا سعيد الخراز يقول: أكبر ذنبي إليه معرفتي إياه
قال المصنف رحمه الله: هذا إن حمل على معنى أني لما عرفته لم أعمل بمقتضى معرفته فعظم ذنبي كما يعظم جرم من علم وعصى وإلا فهو قبيح أخبرنا ابن حبيب نا ابن أبي صادق نا ابن باكويه ثني أحمد الحلفاي قال سمعت الشبلي يقول: أحبك الخلق لنعمائك وأنا أحبك لبلائك
قال ابن عقيل رحمه الله: أنّ الشبلي قال عن قوله سبحانه وتعالى: ولسوف يعطيك ربك فترضى, والله لا رضي محمد وفي النار من أمته أحد , ثم قال أن محمدا يشفع في أمته, وأشفع بعده في النار حتى لا يبقى فيها أحد.
وقال رحمه الله: والدعوى الأولى على النبي صلى الله عليه وسلم كاذبة , فدعوى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يرضى بتعذيب الله تعالى للفجار دعوى باطلة , وإقدام على جهل بحكم الشرع , لأن الإنسان متى قطع لنفسه بأنه من أهل الجنة كان من أهل النار , فكيف وهو يشيد لنفسه بأنه على مقام يزيد على مقام النبوة؟ بل يزيد على المقام المحمود وهو الشفاعة العظمى؟
وقال رحمه الله: والذي يمكنني في حق أهل البدع لساني وقلبي , ولو اتسعت قدرتي في السيف لرويت الثرى من دماء خلق.
عن شهدة بنت أحمد رحمها الله مرفوعا الى أبو العباس بن عطاء أنه قال: قرأت القرآن فما رأيت الله تعالى ذكر عبدا فأثنى عليه حتى ابتلاه , فسألت الله تعالى أن يبتليني , فما مضت الأيام والليالي حتى خرج من داري نيف وعشرون ميتا ما رجع منهم أحد, قال وذهب ماله وذهب عقله وذهب ولده وأهله , فمكث بحكم الغلبة سبع سنين أو نحوها , وكان أول شيء قاله بعد صحوه من غلبته:
حقا أقول لقد كلفتني شططا ... حملي هواك وصبري أن ذا عجب
قلت: قلة علم هذا الرجل أثمر أن سأل البلاء , وفي سؤال البلاء معنى التقاوى , وذاك من أقبح القبيح و- الشطط - الجور , ولا يجوز أن يُنسب إلى الله تعالى, وأحسن ما حمل عليه حاله أن يكون قال هذا البيت في زمان التغيير.
وعن محمد بن ناصر مرفوعا الى أبو الحسن علي بن إبراهيم الحصري يقول: دعوني وبلائي ألستم أولاد آدم الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأمره بأمره فخالفه؟ إذاً كان أول الدن دردى كيف يكون آخره؟ قال وقال الحصري: كنت زمانا إذا قرأت القرآن لا أستعيذ من الشيطان, وأقول الشيطان حتى يحضر كلام الحق.
قال المصنف رحمه الله: قلت أما القول الأول بأنه يتسلط على الأنبياء جرأة قبيحة وسوء أدب وأما الثاني فمخالف لما أمر الله تعالى به فإنه قال: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله.
وعن أبو بكر بن أبي طاهر مرفوعا الى أبو العباس أحمد بن محمد الدينوري يقول: قد نقضوا أركان التصوف وهدموا سبيلها وغيّروا معانيها بأسامي أحدثوها , سموا الطبع زيادة, وسوء الأدب إخلاصا , والخروج عن الحق شطحا , والتلذذ بالمذموم طيبة , وسوء الخلق صولة , والبخل جلادة , واتباع الهوى ابتلاء , والرجوع إلى الدنيا وصولا , والسؤال عملا, وبذاءة اللسان ملامة , وما هذا طريق القوم
وقال ابن عقيل رحمه الله: عبّرت الصوفية عن الحرام بعبارات , غيّروا لها الأسماء مع حصول المعنى فقالوا في الاجتماع على الطيبة والغناء والخنكرة أوقات , وقالوا في المردان شب, وفي المعشوقة أخت , وفي الحبة مريدة , وفي الرقص والطرب وجد , وفي مناخ اللهو والبطالة رباط , وهذا التغيير للأسماء لا يُباح
بيان جملة مروية على الصوفية من الأفعال المنكرة
(يُتْبَعُ)
(/)
قلت: قد سبق ذكر أفعال كثيرة لهم كلها منكرة وإنما نذكر ههنا من أمهات الأفعال وعجائبها فعن محمد بن عبد الباقي مرفوعا الى عبد الله بن علي السراج قال: ذكر عن أبي علي الكريتي - وكان أستاذ الجنيد - أنه اصابته جنابة وكان عليه مرقعة ثخينة فجاء إلى شاطئ الدجلة والبرد شديد , فحرنت نفسه عن الدخول في الماء لشدة البرد , فطرح نفسه في الماء مع المرقعة , ولم يزل يغوص ثم خرج , وقال: عقدت أن لا أنزعها عن بدني حتى تجف علي فلم تجف عليه شهرا.
قلت: سبق في ذكر المرقعات وصف هذه المرقعة لابن التكريتي وأنه وزن أحد كميها فكان فيه أحد عشر رطلا وإنما ذكر هذا للناس ليبين أني فعلت الحسن الجميل حكوه عنه ليبين فضله وذلك جهل محض , لأن هذا الرجل عصى الله سبحانه وتعالى بما فعل, وإنما يعجب هذا الفعل العوام الحمقى لا العلماء, ولا يجوز أن يعاقب نفسه , فقد جمع هذا المسكين لنفسه فنونا من التعذيب: إلقاؤها في الماء البارد , وكونه في مرقعته لا يمكنه الحركة فيها كما يريد , ولعله بقي من مغابنة ما لم يصل إليه الماء لكثافة هذه المرقعة وبقائها عليه مبتلة شهرا , وذلك يمنعه لذة النوم , وكل هذا الفعل خطأ وإثم, وربما كان ذلك سببا لمرضه أو قتله.
أخبرنا أبو بكر بن حبيب مرفوعا الى يوسف بن الحسين يقول: كان بين أحمد بن أبي الحواري وبين سليمان عقد أن لا يخالفه في شيء يأمره به فجاءه يوما وهو يتكلم في المجلس فقال: إن التنور قد سجرناه فما تأمرنا؟ فما أجابه , فأعاد مرة أو مرتين فقال له الثالثة: اذهب واقعد فيه , ففعل ذلك فقال أبو سليمان: الحقوه فإن بيني وبينه عقدا أن لا يخالفني في شيء آمره به فقام وقاموا معه فجاؤوا إلى التنور فوجدوه قاعدا في وسطه فأخذ بيده وأقامه فما أصابه خدش.
قال المصنف رحمه الله: هذه الحكاية بعيدة عن الصحة , ولو صحت كان دخوله النار معصية وفي الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله سرية واستعمل عليها رجلا من الأنصار فلما خرجوا وجد عليهم في شيء فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله أن تطيعوني؟ قالوا بلى قال: فاجمعوا حطبا فجمعوا ثم دعا بنار فأضرمها ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها قال فهم القوم أن يدخلوها فقال لهم شاب: إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة بالمعروف.
وعن عبد الرحمن بن محمد القزاز مرفوعا الى أبو الخير الدئيلي: كنت جالسا عند خير النساج فأتته امرأة وقالت له: اعطيني المنديل الذي دفعته إليك قال: نعم , فدفعه إليها قالت: كم الأجرة؟ قال: درهمان , قالت: ما معي الساعة شيء وأنا قد ترددت إليك مرارا فلم أراك وأنا آتيك به غدا إن شاء الله تعالى , فقال لها خير: إن أتيتني بهما ولم تجديني فارمي بهما في دجلة , فإني إذا جئت أخذتهما , فقالت المرأة: كيف تأخذ من دجلة؟ فقال لها خير: هذا التفتيش فضول منك افعلي ما أمرتك به , قالت إن شاء الله , فمرت المرأة ومعها خرقة فيها درهمان فلم تجده فرمت بالخرقة في دجلة , وإذا بسرطان قد تعلقت بالخرقة وغاصت وبعد ساعة جاء خير وفتح باب حانوته وجلس على الشط يتوضأ وإذا بسرطان قد خرجت من الماء تسعى نحوه والخرقة على ظهرها فلما قربت من الشيخ أخذها فقلت له: رأيت كذا وكذا! فقال: أحب أن لا تبوح به في حياتي فأجبته إلى ذلك.
قال المصنف رحمه الله: صحة مثل ذلك تبعد ولو صح لم يخرج هذا الفعل من مخالفة الشرع لأن الشرع قد أمر بحفظ المال وهذا إضاعة وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إضاعة المال, ولا تلتفت إلى قول من يزعم أن هذا كرامة لأن الله تعالى لا يكرم مخالفا لشرعه
وعن أبو منصور القزاز مرفوعا الى علي بن عبد الرحيم قال: دخلت على النوري ذات يوم فرأيت رجليه منتفختين , فسألته عن أمره , فقال: طالبتني نفسي بأكل الثمر فجعلت أدافعها فتأبى عليّ, فخرجت فاشتريت , فلما أن أكلت قلت لها: قومي فصلي؟ فأبت عليّ, فقلت لله عليّ أن قعدت إلى الأرض أربعين يوما إلا في التشهد فما قعدت.
(يُتْبَعُ)
(/)
قلت: من سمع هذا من الجهال يقول ما أحسن هذه المجاهدة ولا يدري أن هذا الفعل لا يحل لأنه حمل على النفس ما لا يجوز ومنعها من حقها من الراحة , وقد حكى أبو حامد الغزالي في كتاب الأحياء قال: كان بعض الشيوخ في بداية إرادته يكسل عن القيام فألزم نفسه القيام على رأسه طول الليل لتسمح نفسه بالقيام عن طوع , قال: وعالج بعضهم حب المال بأن باع جميع ماله ورماه في البحر, إذا خاف من تفرقته على الناس رعونة الجود ورياء البذل: قال وكان بعضهم يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس لعود نفسه بالحلم , قال: وكان آخر يركب البحر في الشتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعا
قال المصنف رحمه الله: أعجب من جميع هؤلاء عندي أبو حامد الغزالي كيف حكى هذه الأشياء ولم ينكرها؟ وكيف ينكرها وقد أتى بها في معرض التعليم وقال قبل أن يورد هذه الحكايات: ينبغي للشيخ أن ينظر إلى حالة المبتدئ فإن رأى معه مالا فاضلا عن قدر حاجته أخذه وصرفه في الخير وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه , وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه أمره أن يخرج إلى السوق للكد ويكلفه السؤال والمواظبة على ذلك , وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان , وإن رأى شره الطعام غالبا عليه ألزمه الصوم , وإن رآه عزبا ولم تنكسر شهوته بالصوم أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز وليلة على الخبز دون الماء ويمنعه اللحم رأسا
قلت: وإني لأتعجب من أبي حامد الغزالي كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة؟ وكيف يحل القيام على الرأس طول الليل فينعكس الدم إلى وجهه ويورثه ذلك مرضا شديدا؟ وكيف يحل رمي المال في البحر وقد نهى رسول الله عن إضاعة المال؟ وهل يحل سب مسلم بلا سبب؟ وهل يجوز للمسلم أن يستأجر على ذلك؟ وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه وذلك زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحج؟ وكيف يحل السؤال لمن يقدر أن يكتسب؟ فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالي الفقه بالتصوف.
وعن ابن ناصر مرفوعا الى الحسن بن علي الدامغاني قال: كان رجل من أهل بسطام لا ينقطع عن مجلس أبي يزيد البسطامي لا يفارقه, فقال له ذات يوم: يا أستاذ أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر وأقوم الليل وقد تركت الشهوات ولست أجد في قلبي من هذا الذي نذكره شيئا البتة , فقال له أبو يزيد: لو صمت ثلاثمائة سنة وقمت ثلاثمائة سنة وأنت على ما أراك لا تجد من هذا العلم زرة, قال: ولم يا أستاذ؟ قال: لأنك محجوب بنفسك, فقال له: أفلهذا دواء حتى ينكشف هذا الحجاب؟ قال: نعم ولكنك لم تقبل , قال: بلى أقبل وأعمل ما تقول, قال أبو يزيد: اذهب الساعة إلى الحجّام واحلق رأسك ولحيتك وانزع عنك هذا اللباس وابرز بعباءة وعلق في عنقك مخلاة واملأها جوزا واجمع حولك صبيانا وقل بأعلى صوتك: يا صبيان! من يصفعني صفعة أعطيته جوزة , وادخل إلى سوقك الذي تعظم فيه فقال: يا أبا يزيد , سبحان الله! تقول لي مثل هذا ويحسن أن أفعل هذا؟ فقال أبو يزيد: قولك سبحان الله شرك , قال: وكيف؟ قال: لأنك عظمت نفسك فسبحتها , فقال: يا أبا يزيد هذا ليس أقدر عليه ولا أفعله ولكن دلني على غيره حتى أفعله , فقال أبو يزيد: ابتدر هذا قبل كل شيء حتى تسقط جاهك وتذل نفسك ثم بعد ذلك أعرفك ما يصلح لك قال: لا أطيق هذا قال: إنك لا تقبل.
قال المصنف رحمه الله: قلت ليس في شرعنا بحمد الله من هذا شيء بل فيه تحريم ذلك والمنع منه وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ليس للمؤمن أن يذل نفسه , ولقد فاتت الجمعة حذيفة , فرأى الناس راجعين , فاستتر لئلا يُرى بعين النقص في قصة الصلاة , وهل طالب الشرع أحدا بمحو أثر النفس وقد قال صلى الله عليه وسلم: من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله , كل هذا للإبقاء على جاه النفس ولو أمر بهلول الصبيان أن يصفعوه لكان قبيحا , فنعوذ بالله من هذه العقول الناقصة التي تطالب المبتدئ بما لا يرضاه الشرع فينفر.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد حكى أبو حامد الغزالي في كتاب الأحياء عن يحيى بن معاذ أنه قال: قلت لأبي يزيد: هل سألت الله تعالى عن المعرفة؟ يقال عزت عليه أن يعرفها سواه , فقلت: هذا إقرار بالجهل فإن كان يشير إلى معرفة الله تعالى في الجملة وأنه موجود وموصوف بصفات وهذا لا يسمع أحدا من المسلمين جهلة , وإن تخايل له أن معرفته هي اطلاع على حقيقة ذاته وكنهها فهذا جهل به.
وحكى أبو حامد: أن أبا تراب النخشبي قال لمريد له: لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من رؤية الله سبعين مرة , قلت: وهذا فوق الجنون بدرجات
وحكى أبو حامد الغزالي عن ابن الكريني أنه قال: نزلت في محلة فعرفت فيها بالصلاح فنشب في قلبي , فدخلت الحمام وعينت على ثياب فاخرة فسرقتها ولبستها , ثم لبست مرقعتي وخرجت فجعلت أمشي قليلا قليلا فلحقوني , فنزعوا مرقعتي وأخذوا الثياب وصفعوني , فصرت بعد ذلك أعرف بلص الحمام فسكنت نفسي.
وقال أبو حامد الغزالي: فهكذا كانوا يرضون أنفسهم حتى يخلصهم الله من النظر إلى الخلق ثم من النظر إلى النفس وأرباب الأحوال , ربما عالجوا أنفسهم بما لا يفتي به الفقيه مهما رأوا صلاح قلوبهم ثم يتداركون ما فرط منهم من صورة التقصير كما فعل هذا في الحمام.
قلت سبحان من أخرج أبا حامد من دائرة الفقه بتصنيفه كتاب الأحياء فليته لم يحك فيه مثل هذا الذي لا يحل, والعجب منه أنه يحكيه ويستحسنه, ويسمي أصحابه أرباب أحوال, وأي حالة أقبح وأشد من حال من خالف الشرع ويرى المصلحة في النهي عنه؟ وكيف يجوز أن يطلب صلاح القلوب بفعل المعاصي وقد عدم في الشريعة ما يصلح به قلبه حتى يستعمل ما لا يحل فيها؟ وهذا من جنس ما تفعله الأمراء الجهلة من قتل من لا يجوز قتله ويسمونه سياسة؟ ومضمون ذلك الشريعة ما تفي بالسياسة.
وكيف يحل للمسلم أن يعرف نفسه لأن يقال عنه سارق؟ وهل يجوز أن يقصد وهن دينه ومحو ذلك عند شهداء الله في الأرض؟ ولو أن رجلا وقف مع امرأته في طريق يكلمها ويلمسها ليقول عنه من لا يعلم هذا فاسق لكان عاصيا بذلك , ثم كيف يجوز التصرف في مال الغير بغير إذنه؟ ثم في نص مذهب أحمد والشافعي أن من سرق من الحمام ثيابا عليها حافظ وجب قطع يده, ثم من أرباب الأحوال حتى يعملوا بواقعاتهم كلا, والله إن لنا شريعة لو رام أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يخرج عنها إلى العمل برأيه لم يقبل منه, فعجبي من هذا الفقيه المستلب عن الفقه بالتصوف أكثر من تعجبي من هذا المستلب الثياب.
عن أبو بكر بن حبيب مرفوعا الى محمد بن أحمد النجاري يقول: كان علي بن بابويه من الصوفية فاشترى يوما من الأيام قطعة لحم فأحب أن يحمله إلى البيت , فاستحيا من أهل السوق فعلق اللحم في عنقه وحمله إلى بيته.
قلت: واعجبا من قوم طالبوا أنفسهم بمحو أثر الطبع وذلك أمر لا يمكن ولا هو مراد الشرع وقد ركز في الطباع إن الإنسان لا يحب أن يرى إلا متجملا في ثيابه وأنه يستحيي من العري وكشف الرأس والشرع لا ينكر عليه هذا , وما فعله هذا الرجل من الإهانة لنفسه بين الناس أمر قبيح في الشرع والعقل , فهو إسقاط مروءة لا رياضة كما لو حمل نعليه على رأسه
وقد جاء في الحديث: لأكل في السوق دناءة , فإن الله قد أكرم الآدمي وجعل لكثير من الناس من يخدمه , فليس من الدين إذلال الرجل نفسه بين الناس , وقد تسمى قوم من الصوفية بالملامتية فاقتحموا الذنوب , فقالوا مقصودنا أن نسقط من أعين الناس فنسلم من آفات الجاه والمرائين , وهؤلاء مثلهم كمثل رجل زنى بامرأة فأحبلها فقيل له: لمَ لمْ تعزل , فقال: بلغني أن العزل مكروه , فقيل له: بلغك أنّ العزل مكروه ولم يبلغك بأن الزنا حرام؟ وهؤلاء الجهلة قد أسقطوا جاههم عند الله سبحانه ونسوا أن المسلمين شهداء الله في الأرض
وعن محمد بن أبي القاسم مرفوعا الى أبا عمرو بن علوان يقول: حمل أبو الحسين النوري ثلاثمائة دينار ثمن عقار بيع له وجلس على قنطرة وجعل يرمي واحدا واحدا منها إلى الماء ويقول: جثتي - تريدي أن تخدعيني منك بمثل هذا قال السراج: فقال بعض الناس: لو أنفقها في سبيل الله كان خيرا له.
(يُتْبَعُ)
(/)
فقلت: إن كانت تلك الدنانير تشغله عن الله طرفة عين كان الواجب أن يرميها في الماء دفعة واحدة حتى يكون أسرع لخلاصه من فتنتها كما قال الله تعالى: فطفق مسحا بالسوق والأعناق قلت: لقد أبان هؤلاء القوم عن جهل بالشرع وعدم عقل وقد بينا فيما تقدم أن الشرع أمر بحفظ المال وأن لا يسلم إلا إلى رشيد وجعله قواما للآدمي والعقل يشهد بأنه إنما خلق للمصالح فإذا رمى به الإنسان فقد أفسد ما هو سبب صلاحه وجهل حكمة الواضع واعتذار السراج له أقبح من فعله لأنه إن كان خاف فتنته فينبغي أن يرميه إلى فقير ويتخلص ومن جهل هؤلاء حملهم تفسير القرآن على رأيهم الفاسد لأنه يحتج بمسح السوق والأعناق , ويظن بذلك جواز الفساد , والفساد لا يجوز في شريعة, وإنما مسح بيده عليها وقال: أنت في سبيل الله , وقد سبق بيان هذا.
وقال أبو نصر السراج في كتاب اللمع: قال أبو جعفر الدراج: خرج أستاذي يوما يتطهر فأخذت كتفه ففتشته فوجدت فيه شيئا من الفضة مقدار أربعة دراهم وكان ليلا , وبات لم يأكل شيئا فلما رجع قلت له: في كتفك كذا وكذا درهما ونحن جياع فقال: أخذته؟ رده , ثم قال لي بعد ذلك: خذه واشتر به شيئا , فقلت له: بحق معبودك ما أمر هذه القطع؟ فقال: لم يرزقني الله من الدنيا شيئا غيرها , فأردت أن أوصي أن تدفن معي , فإذا كان يوم القيامة رددتها إلى الله , وأقول هذا الذي أعطيتني من الدنيا.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وما على وجهه مزعة لحم] قال أحمد: وحدثنا حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يأخذ الرجل حبلا فيحتطب ثم يجيء فيضعه في السوق فيبيعه ثم يستغني به فنفقه على نفسه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه
قلت: انفرد به البخاري واتفقا على الذي قبله , وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم , أنه قال: لا تحل الصدقة لغنيٍّ, ولا لذي مِرَّةٍ سوى وذي مرة: اي الرجل القوي الصحيح البدن الذي يتحمل التعب والجهد والمشقة للكسب قال الشافعي رحمه الله: لا تحل الصدقة لمن يجد قوة يقدر بها على الكسب
وعن عبد الرحمن بن محمد القزاز مرفوعا الى يونس بن أبي بكر الشبلي يقول: قام أبي ليله فترك فرد رجل على السطح والأخرى على الدار فسمعته يقول: لئن أطرفت لأرمين بك إلى الدار , فما زال على تلك الحال حتى أصبح , فلما أصبح قال لي: يا بني ما سمعت الليلة ذاكرا لله تعالى إلا ديكا يساوي دانقين.
قال المصنف رحمه الله: هذا الرجل قد جمع بين شيئين لا يجوزان, أحدهما: مخاطرته بنفسه فلو غلبه النوم فوقع كان معينا على نفسه, ولا شك أنه لو رمى بنفسه كان قد أتى معصية عظيمة
والثاني: أنه منع عينه حظها من النوم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لجسدك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا , وقال عليه الصلاة والسلام: إذا نعس أحدكم فليرقد , ومر عليه الصلاة والسلام بحبل قد مدته زينب رضي الله عنه , فإذا فترت أمسكت به فأمر بحله وقال عليه الصلاة والسلام: ليُصلّ أحدكم نشاطه , فإذا كسل أو فتر فليقعد
وبإسناد عن عبد الله بن علي السراج قال: كان الشبلي يلبس ثيابا مثمنة ثم ينزعها ويضعها فوق النار قال: وذكر عنه أنه أخذ قطعة عنبر فوضعها على النار يبخر بها ذنب الحمار وقال بعضهم ك دخلت عليه فرأيت بين يديه اللوز والسكر يحرقه بالنار قال السراج: إنما أحرقه بالنار لأنه كان يشغله عن ذكر الله قلت: اعتذار السراج عنه أعجب من فعله قال السراج: وحكي عنه أنه باع عقارا ففرق ثمنه وكان له عيال فلم يدفع إليهم شيئا وسمع قارئا يقرأ: {اخسؤوا فيها} فقال: ليتني كنت واحدا منهم قلت: وهذا الرجل ظن أن الذي يكلمهم هو الله تعالى والله لا يكلمهم ثم لو كلمهم كلام إهانة فأي شيء هذا حتى يطلب قال السراج: وقال الشبلي يوما في مجلسه: إن لله عباد لو بزقوا على جهنم لأطفؤوها.
قلت: وهذا من جنس ما ذكرناه عن أبي يزيد وكلاهما من إناء واحد وبإسناد عن أبي علي الدقاق يقول: بلغني أن الشبلي اكتحل بكذا وكذا من الملح ليعتاد السهر ولا يأخذه النوم
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله: وهذا فعل قبيح لا يحل لمسلم أن يؤذي نفسه وهو سبب للعمى ولا تجوز إدامة السهر لأن فيه إسقاط حق النفس والظاهر أن دوام السهر والتقلل من الطعام أخرجه إلى هذه الأحوال والأفعال
وبإسناد عن أبي عبد الله الرازي قال: كساني رجل صوفا , فرأيت على رأس الشبلي قلنوسة تليق بذلك الصوف , فتمنيتها في نفسي , فلما قام الشبلي من مجلسه التفت إليّ, فتبعته وكان عادته إذا أراد أن أتبعه يلتفت إليّ, فلما دخل داره فقال: انزع الصوف! فنزعته فلفه وطرح القلنوسة عليه ودعى بنار فأحرقهما
قلت: وقد حكى أبو حامد الغزالي أن الشبلي أخذ خمسين دينارا فرماها في دجلة وقال: ما أعزك أحد إلا أذله الله. وأنا أتعجب من أبي حامد أكثر من تعجبي من الشبلي لأنه ذكر ذلك على وجه المدح لا على وجه الإنكار فأين أثر الفقه؟
وبإسناد عن حسين بن عبد الله القزويني قال: حدثني من كان جالسا أنه قال: تعذر علي قوتي يوما ولحقني ضرورة فرأيت قطعة ذهب مطرحة في الطريق فأردت أخذها فقلت لقطة فتركتها, ثم ذكرت الحديث الذي يروي: لو أن الدنيا كانت دما عبيطا لكان قوت المسلم منها حلالا , فأخذتها وتركتها في فمي ومشيت غير بعيد فإذا أنا بحلقة فيها صبيان وأحدهم يتكلم عليهم فقال له واحد: متى يجد العبد حقيقة الصدق؟ فقال: إذا رمى القطعة من الشدق فأخرجتها من فمي ورميتها.
قال المصنف رحمه الله: لا تختلف الفقهاء أن رميه إياها لا يجوز , والعجب أنه رماها بقول صبي لا يدري ما قال , وقد حكى أبو حامد الغزالي أن شقيقا البلخي جاء أبو القاسم الزاهد وفي طرف كسائه شيء مصرور فقال له: أي شيء معك؟ قال: لوزات دفعها أخ لي وقال: أحب أن تفطر عليها فقال: يا شقيق وأنت تحدث نفسك أن تبقى إلى الليل لا كلمتك أبدا فأغلق الباب في وجهي ودخل
قال المصنف رحمه الله: انظروا إلى هذا الفقه الدقيق كيف هجر مسلما على فعل جائز بل مندوب, لأن الإنسان مأمور أن يستعد لنفسه بما يفطر عليه , واستعداد الشيء قبل مجيء وقته حزم , ولذلك قال الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة, وقد ادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه رضوان الله تعالى عنهن, قوت سنة وجاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله وادخر الباقي ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه, فالجهل بالعلم أفسد هؤلاء الزهاد.
وباسناد عن أحمد بن إسحاق العماني قال: رأيت بالهند شيخا وكان يعرف بالصابر قد أتى عليه مائة سنة قد غمض إحدى عينيه فقلت له: يا صابر ما بلغ صبرك؟ قال: إني هويت النظر إلى زينة الدنيا فلم أحب أن أشتفي منها, فغمضت عيني منذ ثمانين سنة فلم أفتحها.
وقد حكي لنا عن آخر أنه فقأ إحدى عينيه وقال: النظر إلى الدنيا بعينين إسراف , قلت: كان قصده أن ينظر إلى الدنيا بفرد عين , ونحن نسأل سلامة العقول.
وقد حكى يوسف بن أيوب الهمداني عن شيخه عبد الله الجوني أنه كان يقول: هذه الدولة ما أخرجتها من المحراب بل من موضع الخلاء , وقال: كنت أخدم في الخلاء , فبينما أنا يوما أكنسه وأنظفه قالت لي نفسي: أذهبت عمرك في هذا؟ فقلت: أنت تأنفين من خدمة عباد الله؟ فوسعت رأس البئر ورميت نفسي فيها , وجعلت أدخل النجاسة في فمي فجاؤوا وأخرجوني وغسلوني.
قلت: انظروا إلى هذا المسكين كيف اعتقد جمع الأصحاب خلفه دولة واعتقد أن تلك الدولة إنما حصلت بإلقاء نفسه في النجاسة وإدخالها في فيه , وقد نال بذلك فضيلة أثيب عليها بكثرة الأصحاب , وهذا الذي فعله معصية توجب العقوبة وفي الجملة لما فقد هؤلاء العلم كثر تخبيطهم.
وبإسناد عن محمد بن علي الكتاني يقول: دخل الحسين بن منصور مكة في ابتداء أمره فجهدنا حتى أخذنا مرقعته , قال السوسي: أخذنا منها قملة فوزناها فإذا نصف دانق من كثرة رياضته وشدة مجاهدته , قلت: انظروا إلى هذا الجاهل بالنظافة التي حث عليها الشرع وأباح حلق الشعر المحظور على المحرم لأجل تأذيه من القمل وجبر الحظر بالفدية وأجهل من هذا من اعتقد هذا رياضته.
تابعوا الفصل الثاني من الجزء السادس عشر والأخير
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[12 - Jul-2009, صباحاً 07:36]ـ
الفصل الثاني: الملانفية
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي الصوفية قوم يسمون الملانفية اقتحموا الذنوب وقالوا مقصودنا أن نسقط من أعين الناس فنسلم من الجاه , وهؤلاء قد أسقطوا جاههم عند الله تعالى لمخالفتهم الشرع قال: وفي القوم طائفة يظهرون من أنفسهم أقبح ما هم فيه ويكتمون أحسن ما هم عليه وفعلهم هذا من أقبح الأشياء , ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله] وقال عليه الصلاة والسلام في حق ما عز: هلا سترته بثوبك يا هذا , واجتاز على رسول الله صلى الله عليهخ وسلم بعض أصحابه وهو يتكلم مع ام المؤمنين السيدة صفية رضي الله عنها: فقال عليه الصلاة والسلام له: إنها صفية , وقد علم الناس التجافي عن ما يوجب سوء الظن فإن المؤمنين شهداء الله في الأرض.
وقد مرّ معنا آنفاً أنّ حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما كان قد خرج إلى الجمعة ففاتته , فرأى الناس وهم راجعون فاستتر لئلا يسوء ظن الناس به.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لرجل أخبره أنه لمس امرأة وقبّلها: تب إلى الله ولا تحدث أحدا بذلك.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وقال: إني أتيت من أجنبية ما دون الزنا يا رسول الله, فقال عليه الصلاة والسلام له: ألم تصل معنا؟ قال: بلى يا رسول الله قال: ألم تعلم أن الصلاتين تكفر ما بينهما؟
وقال رجل لبعض الصحابة: إني فعلت كذا وكذا من الذنوب , فقال: لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك.
فهؤلاء قد خالفوا الشريعة وأرادوا قطع ما جُبلت عليه النفوس
وقد اندس في الصوفية أهل الإباحة فتشبهوا بهم حفظا لدمائهم وهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: قوم كفروا, وهم فئتين: الأولى: قوم لا يُقرّون بالله سبحانه وتعالى , والثانية: قوم يُقرُّون بالله عزوجل ولكن يجحد النبوات , ويرى أنّ ما جاء به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم محال, وهؤلاء لمّا أرادوا أمراح أنفسهم في شهواتها لم يجدوا شيئا يحقنون به دماءهم ويستترون به وينالون فيه أغراض النفوس كمذهب التصوف, فدخلوا فيه ظاهرا وهم في الباطن كفرة وليس لهؤلاء إلا السيف لعنهم الله.
والقسم الثاني: قوم يقرون بالإسلام ولكنهم يقلدون شيوخهم في أفعالهم , من غير اتباع دليل ولا شبهة ف, هم يفعلون ما يأمرونهم به وما رأوهم عليه.
القسم الثالث: قوم عرضت لهم شبهات فعملوا بمقتضاها والأصل الذي نشأت منه شبهاتهم أنهم لما هموا بالنظر في مذاهب الناس لبس عليهم إبليس , فأراهم أن الشبهة تعارض الحجج وأن التمييز يعسر, وأن المقصود أجلَّ من أن يُنال بالعلم , وإنما الظفر به رزق يساق إلى العبد لا بالطلب , فسد عليهم باب النجاة الذي هو طلب العلم , فصاروا يبغضون اسم العلم كما يبغض الرافضي اسمي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما, ويقولون العلم حجاب والعلماء محجوبون عن المقصود بالعلم , فإن أنكر عليم عالم قالوا لأتباعهم: هذا موافق لنا في الباطن , وإنما يظهر ضد ما نحن فيه للعوام الضعاف العقول , فإن جدّ في خلافهم قالوا: هذا أبله مقيد بقيود الشريعة محجوب عن المقصود , ثم عملوا على شبهات وقعت لهم, ولو فطنوا لعلموا أن عملهم بمقتضى شبهاتهم علم, فقد بطل إنكارهم العلم , وسأذكر شبهاتهم وأكشفها إن شاء الله تعالى وهي ست شبهات-
الشبهة الأولى: أنهم قالوا: إذا كانت الأمور مقدرة في القدم , وأنّ أقواما خصوا بالسعادة وأقواما بالشقاوة , والسعيد لا يشقى والشقي لا يسعد , والأعمال لا تراد لذاتها بل لاجتلاب السعادة ودفع الشقاوة, وقد سبقنا وجود الأعمال , فلا وجه لاتعاب النفس في عمل, ولا نكفها عن ملذوذ , لأن المكتوب في القدر واقع لا محالة.
والجواب عن هذه الشبهة: أن يقال لهم هذا رد لجميع الشرائع وإبطال لجميع أحكام الكتب وتبكيت للأنبياء كلهم صلوات الله وسلامه عليه, فيما جاؤوا به , لأنه إذا قال الله عزوجل في القرآن أن أقيموا الصلاة, قال القائل: لماذا؟ إن كنت سعيدا فمصيري إلى السعادة , وإن كنت شقيا فمصيري إلى الشقاوة , فما تنفعني إقامة الصلاة؟ وكذلك إذا قال تعالى: ولا تقربوا الزنا , يقول القائل لماذا أمنع نفسي ملذوذها والسعادة الشقاوة مقضيتان قد فرغ منهما , وكان لفرعون أن يقول لموسى عليه الصلاة والسلام, حين قال له: هل لك إلى أن تزكى , مثل هذا الكلام ثم يترقى إلى الخالق فيقول ما فائدة إرسالك الرسل وسيجري ما
(يُتْبَعُ)
(/)
قدرته؟ وما يفضي إلى رد الكتب وتجهيل الرسل محال باطل ولهذا كان رد النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه حين قالوا: ألا نتكل؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق.
واعلم أن للآدمي كسبا هو اختياره فعليه يقع الثواب والعقاب, فإذا خالف تبين لنا أن الله تعالى قضى في السابق بأن يخالفه وإنما يعاقبه على خلافه لا على قضائه , ولهذا يُقتل القاتل ولا يعتذر له بالقدر , وإنما ردهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ملاحظة القدر إلى العمل , لأن الأمر والنهي حال ظاهر , والمقدر أمر باطن , وليس لنا أن نترك ما عرفناه من تكليف ما لا نعمله من المقضي, وقوله صلى الله عليه وسلم: فكل مُيَّسَرٍ لما خُلقَ له , إشارة إلى أسباب القدر, فإنه من قُضيَ له بالعلم يسر له طلبه وحبه وفَهمِهِ , ومن حُكم له بالجهل نزع حب العلم من قلبه , وكذلك من قُضيَ له بولد يُسِّر له النكاح , ومن لم يُقضَ له بولدٍ لم يُيسَّر له
الشبهة الثانية: أنهم قالوا: إن الله تعالى مُستغنٍ عن أعمالنا غير متأثر بها, معصية كانت أم طاعة, فلا ينبغي أن نُتعب أنفسنا في غير فائدة.
وجواب هذه الشبهة أن تجيب أولا - الجواب الأول - ونقول هذا رد على الشرع فيما أمر به فكأنا قلنا للرسول صلى الله عليه وسلم وللمرسل لا فائدة فيما أمرتنا به, ثم نتكلم عن الشبهة فنقول: من يتوهم أن الله جل وعلا ينتفع بطاعة أو يتضرر بمعصية أو ينال بذلك غرضا فما عرف الله جل جلاله, لأنه مقدس عن الأعراض والأغراض, ومن انتفاع أو ضرر, وإنما نفع الأعمال تعود على العباد, تماما كقوله تعالى: ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه , وقوله عزوجل: ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه , وإنما يأمر الطبيب المريض بالحِمية لمصلحة المريض, لا لمصلحة الطبيب , وكما أنّ للبدن مصالح من الأغذية ومضار, فللنفس مصالح من العلم والجهل والاعتقاد والعمل, فالشرع كالطبيب , فهو أعرف بما يأمر به من المصالح , هذا مذهب من علل , وأكثر العلماء قالوا أفعاله لا تعلل , وجواب آخر وهو أنه إذا كان الله عزوجل غنيا عن أعمالنا كان تبارك وتعالى غنيا عن معرفتنا له , وكما أوجب علينا سبحانه وتعالى معرفته فقد أوجب علينا طاعته , لذا ينبغي أن ننظر إلى أمره سبحانه وتعالى, لا إلى الغرض بأمره
الشبهة الثالثة: قالوا قد ثبت سعة رحمة الله سبحانه وتعالى وهي لا تعجز عنا فلا وجه لحرمان نفوسنا مرادها
فالجواب على هذه الشبهة كالجواب الأول: لأن هذا القول يتضمن إطراح ما جاء به الرسل من الوعيد وتهوين ما شددت في التحذير منه في ذلك, وبالغت في ذكر عقابه , ومما يكشف التلبيس في هذا, أن الله تعالى كما وصف نفسه بالرحمة وصفها بشديد العقاب, ونحن نرى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وأولياء الله الصالحين يبتلون بالأمراض والجوع ويأخذون بالزلل, وكيف وقد خافه من قطع له بالنجاة , فالخليل عليه الصلاة والسلام يقول يوم القيامة:نفسي نفسي , والكليم عليه الصلاة والسلام يقول: نفسي نفسي, وهذا عمر رضي الله عنه يقول: الويل لعمر إن لم يغفر له , واعلم أن من رجا الرحمة تعرض لأسبابها, فمن أسبابها التوبة من الزلل , كما أن من رجا أن يحصد الزرع وقد قال الله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله
يعني أن الرجاء بهؤلاء يليق , وأما المصرون على الذنوب وهم يرجون الرحمة فرجاؤهم بعيد , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت, والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني
والكيّس هو العاقل.
الشبهة الرابعة: إن قوما منهم وقع لهم أن المراد رياضة النفوس لتخلص من أكدارها المردية , فلما راضوها مدة ورأوا تعذر الصفاء , قالوا: ما لنا نتعب أنفسنا في أمر لا يحصل لبشر؟ فتركوا العمل
(يُتْبَعُ)
(/)
وكشف هذا التلبيس: أنهم ظنوا أن المراد قمع ما في البواطن من الصفات البشرية مثل قمع الشهوة والغضب وغير ذلك , وليس هذا مراد الشرع , ولا يتصور إزالة ما في الطبع بالرياضة , وإنما خلقت الشهوات لفائدة, إذ لولا شهوة الطعام لهلك الإنسان, ولولا شهوة النكاح او الفرج لانقطع النسل, ولولا الغضب لما تمكن الانسان من دفع الضرر عن نفسه, وكذلك حب المال متركز في الطباع , لأنه يوصل إلى الشهوات, وإنما المراد من الرياضة كفُّ النفس عمّا يؤذي من جميع ذلك , وردها إلى الاعتدال فيه, وقد مدح الله تعالى من نهى النفس عن الهوى , وإنما تنتهي عما تطلبه , ولو كان طلبه قد زال عن طبعها ما احتاج الإنسان إلى نهيها , وقد قال الله تعالى: والكاظمين الغيظ , فمدح من رد النفس عن العمل بمقتضى هيجان الغيظ , فمن ادعى أن الرياضة تغير الطباع ادعى المحال, وإنما المقصود بالرياضة كسر شرَهْ شهوة النفس والغضب لا إزالة أصلها , والمرتاض كالطبيب العاقل عند حضور الطعام , يتناول ما يصلحه ويكف عما يؤذيه , وعادم الرياضة كالصبي الجاهل , يأكل ما يشتهي ولا يُبالي بما جنى.
الشبهة الخامسة: إنَ قوما منهم داوموا على الرياضة مدة فرأوا أنهم قد تجوهروا, فقالوا لا نبالي الآن ما عملنا وإنما الأوامر والنواهي رسوم للعوام , ولو تجوهروا لسقطت عنهم, قالوا وحاصل النبوة ترجع إلى الحكمة والمصلحة , والمراد منها ضبط العوام ولسنا من العوام , فندخل في حجر التكليف , لأننا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة , وهؤلاء قد رأوا أن من أثر جوهرهم ارتفاع الحمية عنهم , حتى إنهم قالوا: أنّ رتبة الكمال لا تحصل إلا لمن رأى أهله مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقشعر جلده, فإن اقشعر جلده فهو ملتفت إلى حظ نفسه , ولم يكمل بعد إذ لو كمل لماتت نفسه , فسموا الغيرة نفسا , وسموا ذهاب الحمية الذي هو وصف المخابيث كمال الإيمان
وقد ذكر ابن جرير رحمه الله في تاريخه إلى الريدونية: كانوا يستحلون الحرمات , فيدعو الرجل منهم الجماعة إلى بيته , فيطعمهم ويسقيهم ويحملهم على امرأته.
وكشف هذه الشبهة: أنه ما دامت الأشباح قائمة فلا سبيل إلى ترك الرسوم الظاهرة من التعبد , فإن هذه الرسوم وضعت لمصالح الناس وقد يغلب صفاء القلب على كدر الطبع , إلا أن الكدر يرسب مع الدوام على الخير ويركد, فأقل شيء يحركه كالمدرة تقع في الماء الذي تحته حمأة , وما مثل هذا الطبع إلا كالماء يجري بسفينة النفس , والعقل مداد , ولو أن المداد مد عشرين فرسخا ثم أهمل عادت السفينة تنحدر, ومن ادعى تغير طبعه كذب , ومن قال إني لا أنظر إلى المستحسنات بشهوة لم يصدق كيف , وهؤلاء لو فاتتهم لقمة أو شتمهم شاتم تغيروا , فأين تأثير العقل والهوى يقودهم؟ وقد رأينا أقواما منهم يصافحون النساء, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلموهو المعصوم لا يصافح المرأة , وبلغنا عن جماعة منهم أنهم يؤاخون النساء ويخلون بهن, ثم يدعون السلامة , وقد رأوا أنهم يسلمون من الفاحشة وهيهات, فأين السلامة من إثم الخلوة المحرمة والنظر الممنوع منه؟ وأين الخلاص من جولان الفكر الرديء؟ وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو خلا عظمان نخران لهمّ أحدهما بالآخر , يشير رضي الله عنه إلى الشيخ والعجوز.
وبإسناد عن ابن شاهين قال: ومن الصوفية قوما أباحوا الفروج بادعاء الأخوة, فيقول أحدهم للمرأة: أتؤاخيني على ترك الاعتراض فيما بيننا؟
قلت: وقد روى لنا أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي الحكيم في كتاب رياضة النفوس قال: روي لنا أن سهل بن علي المروزي, كان يقول لامرأة أخيه وهي معه في الدار استتري مني زمانا, ثم قال: لها كوني كيف شئت
قال الترمذي: كان ذلك منه حين وجد شهوته قلت أما موت الشهوة هذا لا يتصور مع حياة الآدمي وإنما يضعف والإنسان قد يضعف عن الجماع ولكنه يشتهي اللمس والنظر ثم يقدر أن جميع ذلك ارتفع عنه أليس نهى الشرع عن النظر والنظر باق وهو عام؟
(يُتْبَعُ)
(/)
الشبهة السادسة: أن أقواما بالغوا في الرياضة فرأوا ما يشبه نوع كرامات أو منامات صالحة أو فتح عليهم كلمات لطيفة أثمرها الفكر والخلوة , فاعتقدوا أنهم قد وصلوا إلى المقصود , وقد وصلنا فما يضرنا شيء, ومن وصل إلى الكعبة انقطع عن السير فتركوا الأعمال , إلا أنهم يُزيِّنون ظواهرهم بالمرقعة والسجادة والرقص والوجد ويتكلمون بعبارات الصوفية في المعرفة والوجد والشوق وجوابهم هو جواب الذين قبلهم.
قال ابن عقيل: اعلم أن الناس شردوا على الله تعالى وبعدوا عن وضع الشرع إلى أوضاعهم المخترعة , فمنهم من عبد سواه تعظيما له عن العبادة , وجعلوا تلك وسائل على زعمهم, ومنهم من وحدّ الله عزوجل إلا أنهم أسقطوا العبادات, وقالوا هذه أشياء نُصبت للعوام لعدم المعارف , وهذا نوع من الشرك , لأن الله تعالى لما عرف أن معرفته ذات قعر بعيد وجو عال وبعيد أن يتقي من لم يعرف خوف النار, لأن الخلق قد عرفوا قدر لذعها وقال لأهل المعرفة: ويحذركم الله نفسه , وعلم أن المتعبدات أكثرها تقتضي الإنس بالأمثال ووضع الجهات والأمكنة والأبنية والحجارة للانساك والاستقبال, فأبان عن حقائق الإيمان به , فقال: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله , وقال: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها , فعلم أن المعوِّل على المقاصد , ولا يكفي مجرد المعارف من غير امتثال , كما تعول عليه الملحدة الباطنية وشُطَّاح الصوفية.
وبإسناد عن أبي القاسم بن علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال: أخبرني جماعة من أهل العلم أن بشراز رجل يعرف بابن خفيف البغدادي شيخ الصوفية هناك يجتمعون إليه , ويتكلم على الخطرات والوساوس ويحضر حلقته ألوف من الناس وأنه فاره فهم حاذق , فاستغوى الضعفاء من الناس إلى هذا المذهب, قال: فمات رجل منهم من أصحابه وخلف زوجة صوفية , فاجتمع النساء الصوفيات وهنّ خلق كثير , ولم يختلط بمأتمهن غيرهن: فلما فرغوا من دفنه دخل ابن خفيف وخواص أصحابه , وهم عدد كثير إلى الدار , وأخذ يعزي المرأة بكلام الصوفية , إلى أن قالت: قد تعزيت , فقال لها: ههنا غير؟ (أي هل هنا أحد مخالف للمذهب) فقالت: لا غير (أي لا). فقال: فما معنى إلزام النفوس آفات الغموم وتعذيبها بعذاب الهموم؟ ولأي معنى نترك الامتزاج لتلتقي الأنوار وتصفو الأرواح (وهي كناية عن الممازجة في الوطء) وما أن وافقته النساء حتى اختلط الرجال بالنساء وأمضى الجميع طول ليلتهم فلما كان السحر خرجوا.
قال محسن وهذا عندي عظيم , ولولا أن جماعة أخبروني بأنّ هذا يحدث مع كل من مات وخلف امرأة, ولو أنّ أحد اخبرني بهذا ما صدقته ولاستبعدت أن يجري شيئا كهذا في دار الإسلام ولكنه حدث والعياذ بالله. وبلغني أن هذا ومثله شاع حتى بلغ عضد الدولة فقبض على جماعة منهم وضربهم بالسياط وشرد جموعهم فكفوا.
ذم ابن عقيل رحمه الله للصوفية وحكايته أفعالهم
ولما قلّ علم الصوفية بالشرع فصدر منهم من الأفعال والأقوال ما لا يحلُّ مثل ما قد ذكرنا , ثم تشبَّه بهم مَنْ ليس منهم وتسمى باسمهم وصدر عنهم مثل ما قد حكينا وكان الصالح منهم نادرا , ذمهم خلق من العلماء وعابوهم حتى عابهم مشايخهم.
وبإسناد عن يونس بن عبد الأعلى قال سمعت الشافعي يقول: لو أنّ رجلا تصوَّف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق , وعنه أيضا أنه قال: ما لزم أحد الصوفية أربعين يوما فعاد عقله إليه أبدا وأنشد الشافعي رحمه الله
ودعوا الذين إذا أتوْكَ تنسَّكوا ... وإذا خلوْا كانوا ذئابَ حقاف
وبإسناد عن يونس بن عبد الأعلى: يقول صحبت الصوفية ثلاثين سنة ما رأيت فيهم عاقلا إلا مسلم الخواص.
وبإسناد عن أحمد بن أبي الحواري يقول: حدثنا وكيع قال: سمعت سفيان يقول: سمعت عاصما يقول: ما زلنا نعرف الصوفية بالحماق إلا أنهم يستترون.
وبإسناد عن يحيى بن يحيى قال: الخوارج أحبُّ إليّ من الصوفية.
وبإسناد عن يحيى بن معاذ يقول: اجتنبْ صُحبة ثلاثة أصناف من الناس: العلماء الغافلين, والفقراء المداهنين , والمتصوفة الجاهلين.
(يُتْبَعُ)
(/)
فأما في زماننا هذا فقد اصطلح الذئب والغنم , قال ابن عقيل رحمه الله: نقلته من خطه وأنا أذمُّ الصوفية لوجوه يوجب الشرع ذم فعلها منها: أنهم اتخذوا مناخ البطالة وهي الأربطة فانقطعوا إليها عن الجماعات في المساجد, فلا هي مساجد ولا بيوت ولا خانات , وصمدوا فيها للبطالة عن أعمال المعاش , وبدنوا أنفسهم بدن البهائم للأكل والشرب والرقص والغناء, وعوَّلوا على الترقيع المعتمد بن التحسين تلميعا , والمشاوذ بألوان مخصوصة أوقع في نفوس العوام والنسوة من تلميع السقلاطون بألوان الحرير, واستمالوا النسوة والمردان بتصنّع الصور واللباس, فما دخلوا بيتا فيه نسوة فخرجواالا عن فساد قلوب
النسوة على أزواجهن , ثم يقبلون الطعام والنفقات من الظلمة والفجار وغاصبي الأموال كالعداد والأجناد وأرباب المكوس , ويستصحبون المردان في السماعات يجلبونهم في الجموع مع ضوء الشموع , ويخالطون النسوة الأجانب ينصبون لذلك حجة إلباسهن الخرقة ويستحلون , بل يوجبون اقتسام ثياب من طرب فسقط ثوبه ويسمون الطرب وجدا والدعوة وقتا واقتسام ثياب الناس حكما ,ولا يخرجون عن بيت دعوا إليه إلا عن إلزام دعوة أخرى يقولون: أنها وجبت , واعتقاد ذلك كفر وفعله فسوق , ويعتقدون أن الغناء بالقضبان قربة. وقد سمعنا عنهم أن الدعاء عند حدو الحادي , وعند حضور المخدة مُجا ب , اعتقادا منهم أنه قربة وهذا كفر أيضا , لأن مَنْ اعتقد المكروه والحرام قربة كان بهذا الاعتقاد كافرا, والناس بين تحريمه وكراهيته , ويسلمون أنفسهم إلى شيوخهم , فإن عولوا إلى مرتبة شيخه , قيل الشيخ لا يعترض عليه فحُدَّ من حل رسن ذلك الشيخ وانحطاطه في سلك الأقوال المتضمنة للكفر والضلال المسمى شطحا, وفي الأفعال المعلومة كونها في الشريعة فسقا , فإن قبَّلَ أمرداً, قيل رحمة, وإن خلا بأجنبية , قيل بنته , وقد لبست الخرقة, وإن قَّسم ثوبا على غير أربابه من غير رضا مالكه, قيل حكَمَ الخرقة.
وليس لنا شيخ نسلم إليه حاله , إذ ليس لنا شيخ غير داخل في التكليف , وأن المجانين والصبيان يضرب على أيديهم , وكذلك البهائم , والضرب بدل من الخطاب , ولو كان لنا شيخ يسلم إليه حاله لكان ذلك الشيخ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد قال: ان اعوججتُ فقوِّموني, ولم يقُلْ فسلموا اليّ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كيف اعترضوا عليه , فهذا عمر رضي الله عنه, يقول: ما بالنا تُقصر وقد أمنَّا , وآخر يقول: تنهانا عن الوصال وتواصل؟ وآخر يقول: أمرتنا بالفسخ ولم تفسخ! ثم إن الله تعالى تقول له الملائكة: أتجعل فيها , ويقول موسى عليه الصلاة والسلام: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا , وإنما هذه الكلمة جعلها الصوفية ترفيها لقلوب المتقدمين , وسلطنة سلكوها على الأتباع والمريدين , كما قال تعالى: فاستخف قومه فأطاعوه , ولعل هذه الكلمة من القائلين منهم بأن العبد إذا عرف لم يضره ما فعل , وهذه نهاية الزندقة , لأن الفقهاء أجمعوا على أنه لا حالة ينتهي إليها العارف إلا ويضيق عليه التكليف , كأحوال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يضايقون في الصغائر , فالله الله في الإصغاء إلى هؤلاء الفُرَّغُ الخالين من الإثبات ’ وإنما هم زنادقة جمعوا بين مدارع العمال مرقعات وصوف , وبين أعمال الخلعاء الملحدة: أكل وشرب ورقص وسماع وإهمال لأحكام الشرع , ولم تتجاسر الزنادقة أن ترفض الشريعة حتى جاءت المتصوفة فجاؤوا بوضع أهل الخلاعة.
فهم أول من فرّق بين الحقيقة والشريعة فقالوا: أنّ الشريعة ما وضعها الحق لمصالح الخلق , وعن الحقيقة قالوا: أنّ الحقيقة بعد الشريعة: هي ما وقع في النفوس من إلقاء الشياطين , ونحن نقول: كل من رام الحقيقة في غير الشريعة فمغرور مخدوع , وكانوا إن سمعوا أحدا يروي حديثا , قالوا عنهم: مساكين أخذوا علمهم ميتا عن ميت (يقصدون السلف الصالح) , ونحن أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت (يقصدون بذلك أنه يُوْحى اليهم) , وقالوا: فمن قال حدثني أبي عن جدي قلت حدثني قلبي عن ربي ... فهلكوا وأهلكوا بهذه الخرافات قلوب الأغمار وأنفقت عليهم لأجلها الأموال, لأنّ الفقهاء كالأطباء في ثمن الدواء صعبة , والنفقة على هؤلاء كالنفقة على المغنيات , وبغضهم الفقراء أكبر الزندقة لأن الفقهاء يخطرونهم بفتاويهم عن ضلالهم وفسقهم , والحق يثقل كما تثقل الزكاة ,
(يُتْبَعُ)
(/)
وما أخف البذل على المغنيات وإعطاء الشعراءعلى المدائح , كذلك بغضهم لأصحاب الحديث , وقد أبدلوا إزالة العقل بالخمر, بشيء سموه الحشيش والمعجون والغناء المحرم , سموه السماع والوجد والتعرض بالوجد المزيل للعقل حرام, وكفى الله الشريعة شرّ هذه الطائفة الجامعة بين دهمئة في اللبس وطيبة في العيش وخداع بألفاظ معسولة ليس تحتها سوى إهمال التكليف وهجران الشرع , ولذلك خفوا على القلوب , ولا دلالة على أنهم أرباب باطل أوضح من محبة طباع الدنيا لهم , كمحبتهم أرباب اللهو والمغنيات.
قال ابن عقيل رحمه الله: فإن قال قائل: هم أهل نظافة ومحاريب وحسن سمت وأخلاق , قال فقلت لهم: لو لم يضعوا طريقة يجتذبون بها قلوب أمثالكم , لم يدم لهم عيش , والذي وصفتهم به رهبانية النصرانية , ولو رأيت نظافة أهل التطفيل على الموائد ومخانيث بغداد ودمائة المغنيات , لعلمت أن طريقهم طريقة الفكاهة والخداع , وهل يخدع الناس إلا بطريقة أو لسان؟ فإذا لم يكن للقوم قدمٌ في العلم ولا طريقة, فبم ذا يجتذبون به قلوب أرباب الأموال؟
واعلم أن حمل التكليف صعب , ولا أسهل على أهل الخلاعة من مفارقة الجماعة , ولا أصعب عليهم من حجر ومنع صدر عن أوامر الشرع ونواهيه , وما على الشريعة أضر من المتكلمين والمتصوفين , فهؤلاء يفسدون عقائد الناس بتوهيمات شبهات العقول , وهؤلاء يفسدون الأعمال ويهدمون قوانين الأديان , يحبون البطالات وسماع الأصوات, وما كان السلف كذلك , بل كانوا في باب العقائد عبيد. ونصيحتي إلى إخواني ألا يقرع أفكار قلوبهم كلام المتكلمين , ولا تصغي مسامعهم إلى خرافات المتصوفين , بل الشغل بالمعاش أولى من بطالة الصوفية , والوقوف على الظواهر أحسن من توغل المنتخلة, وقد خبرت طريقة الفريقين فغاية هؤلاء الشك وغاية هؤلاء الشطح.
قال ابن عقيل رحمه الله: والمتكلمون عندي خير من الصوفية , لأن المتكلمين قد يزيلون الشك , والصوفية يوهمون التشبيه , فأكثر كلامهم يشير إلى إسقاط السفارة والنبوات , فإذا قالوا عن أصحاب الحديث قالوا: أخذوا علمهم ميتا عن ميت , وبذلك يكونوا قد طعنوا في النبوات, وعولوا على الواقع, , ومنهم من قال: حدثني قلبي عن ربي , وبذلك يكون قد صرَّح أنه غني عن الرسول صلى الله عليه وسلم, ومن يُصرح بذلك فقد كفر , لأنّ هذه كلمة مدسوسة في الشريعة تحتها هذه الزندقة , ومن رأيناه يُزري على النقل علمنا أنه قد عطّل أمر الشرع , ولا يؤمن من قال: حدثني قلبي عن ربي , فقوله من إلقاء الشياطين , وقد قال الله تعالى فيهم: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم , وهذا هو الظاهر, لأنه ترك الدليل المعصوم , وعوَّل على ما يُلقي في قلبه الذي لم يثبت حراسته من الوساوس, وهؤلاء يسمون ما يقربهم خاطرا , والخوارج على الشريعة كثير , إلا أن الله تعالى يؤيدها بنقل الحفاظ المدافعين عن الشريعة حفظها لأصلها , وبالفقهاء لمعانيها: وهم سلاطين العلماء لا يتركون لكذاب رأسا ترتفع.
قال ابن عقيل رحمه الله: والناس يقولون إذا أحب الله خراب بيت تاجر عاشر الصوفية, وأنا أقول: وخراب دينه أيضا, لأن الصوفية قد أجازوا لبس النساء الخرقة من الرجال الأجانب, فإذا حضروا السماع والطرب فربما جرى في خلال ذلك مغازلات واستخلاء بعض الأشخاص ببعض , فصارت الدعوة عرسا للشخصين , فلا يخرج إلا وقد تعلق قلب شخص بشخص, ومال طبع إلى طبع, وتتغير المرأة على زوجها , فإن طابت نفس الزوج سُمى بالديوث, والجنة على الديوث حرام كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم, وإن حبسها طلبت الفرقة إلى من تلبس منه المرقعة والاختلاط بمن لا يضيق الخنق ولا يحجر على الطباع , ويقال: تبات فلانة وألبسها الشيخ الخرقة وقد صارت من بناته , ولم يقتنعوا أنّ هذا لعب وخطأ , حتى قالوا: هذا من مقامات الرجال , وجرت على هذه السنون , وبرد حكم الكتاب والسنة في القلوب , وهذا كله من كلام ابن عقيل رحمه الله , وقد كان ناقدا فذاً متلمحا فقيها.
وفي الختام نتعرف على مداخل ابليس على جميع الناس بطول الامل
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المصنف رحمه الله (ابن الجوزي): كم قد خطر على قلب يهودي ونصراني حب الاسلامفلا يزال ابليس يثبطه ويقول له لا تعجل وتمهل في النظر فيسوّفه حتى يموت على كفره , وكذلك يسوّف العاصي بالتوبه فبجعل له غرضه من الشهوان ويمنيّه الإنابة كما قالالشاعر:
لا تعجل الذنب لما تشتهي ****** وتأمل التوبة من قابل
وكم من عازمعلى الجد سوفه , وكم ساع الى فضيلة ثبطه.
فلربما عزم الفقيه على اعادة درسهفقال: استرح ساعة , او انتبه العابد في الليل يصلي فقال له عليك وقت , ولا يزاليحبب الكسل ويسوف العمل ويسند الامر الى طول الامل.
فينبغي للحازم ان يعمل علىالحزم , والحزم تدارك الوقت وترك التسويف والاعراض عن الامل , فإن المخوف لا يؤمنوالفوات لا يبعث , وسبب كل تقصير في خير , او ميل الى شر طول الأمل و فإن الانسانلا يزال يحدث نفسه بالنزوع عن الشر والاقبال على الخير الا انه يعد نفسه بذلك , ولاريب انه من امل ان يمشي بالنهار سار سيرا فاترا , ومن امل ان يصبح عمل في الليل عملعملاً ضعيفاً , ومن صور الموت عاجلاً جدّ وقد قال عليه الصلاة والسلام: " صل صلاةمودع ".
وقال بعض السلف: انذركم سوف , فإنها اكبر جنود ابليس.
ومثل العاملعلى الحزم والساكن لطول الامل كمثل قوم في سفر فدخلوا في قرية فمضى الحازم فاشترىما يصلح لتمام سفره وجلس متأهباً للرحيل , وقال المفرط سأتأهب فربما اقمنا شهراً. فضرب بوق الرحيل في الحال فأغتبط المحترز واعتبط الآسف المفرط.
فهذا مثل الناسفي الدنيا منهم المستعد المستيقظ , فإذا جاء ملك الموت لم يندم , ومنهم المغرورالمسوف يتجرع مرير الندم وقت الرحلة , فإذا كان الطبع حب التواني وطول الامل , ثمجاء ابليس يحث على العمل بمقتضى ما في الطبع صعبت المجاهدة , الا اذا انتبه لنفسهعلم انه في صف حرب وان عدوه لا يفتر عنه , فإن فتر في الظاهر ابطن له مكيدة واقامله كميناً.
ونحن نسأل الله عز وجل السلامة من كيد العدو وفتن الشيطان وشرالنفوس والدنيا انه قريب مجيب. جعلنا الله من اوائك المؤمنين
سبحان ربك ربّ العزةِ عمَّا يصفون * وسلامٌ على المرسلينَ * والحمدُ للهِ ربّ العالمين
تم البحث ولله الحمد والمنّة
في الثامن عشر من رجب لعام 1430 هجرية الموافق للحادي عشر من يوليولعام2009
مع تحيات سمير عبد الخالق
لا تنسونا من دعوة خفية بظهر القلب , ولكم الله تعالى
ـ[أبو دعاء]ــــــــ[15 - Jul-2009, مساء 02:48]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لكم على هذا الموضوع القيم في ميزان حسناتكم إن شاء الله
لي سؤال ملح بارك الله فيكم
أحد الاخوة يقول أنه يعالج بالقرآن الكريم وأنه ألف كتابا في العلاج بالقرآن وله خبرة طويلة في هذا الميدان ويقول أن اجتهاده أوصله إلى بعض التعاريف كتعريف التابعة والقرينة والمس العاشق ....
مثلا من بين التاعريف يقول:
- التلبس: هو حلول جني أو شيطان في جسد إنسان فيسبب له الأذى من خلال احتلاله للجسد والاستحواذ عليه وقد يحدث بعد تعرض الشخص لإصابة سحر أو حسد أو خوف شديد أو تطور الحالة عنده من اقتران إلى مس ثم إلى تلبس، وأثناء الرقية تصبح أصابع يدي الشخص باردة وقد يحدث عنده صرع وتصلب في الجسد وتكون الأعين مغلقة غائرة للداخل مع انتفاخ بالصدر وفقدان كامل للوعي واحتمالية نطق الجني أو الشيطان المتلبس كبيرة وهي من الحالات نادرة الحدوث.
4 - المس: هو ملامسة ظاهر جني أو شيطان لظاهر إنسان فيؤثر على دماغه ويجعله يتخبط بالأقوال والأفعال، وهو بمثابة غزو من الجني أو الشيطان لطبيعة الإنسان وهالته فيؤثر على مدارك الإنسان الحسية وعلى كهربة دماغه، ولحدوثه عدة أسباب منها ما هو خارج إرادة الشخص كالسحر والحسد ومنها بسبب ضعف الإنسان إيمانياً أو إفراطه في المشاعر كالخوف والفرح والفزع والحزن المبالغ فيه وقد يحدث بعد إصابة الاقتران.
الانعكاس التشخيص
انفراج جميع الأصابع ....................... .................... ........................... مس فعلي
وأما انعكاس المس الفعلي فقد يرافقه برودة في الأطراف ونزول الدمع من وسط العينين أو من مجرى الدمع الخارجي دون بكاء،
(يُتْبَعُ)
(/)
- تابع العشق: هو صنف من الجن والشياطين يتبع الإنسان بقصد الشهوة ويقع من ذكور وإناث الجن والشياطين على ذكور وإناث الإنس وقد يكثر الاحتلام عند الشخص المصاب وتعرضه للجنابة بشكل متكرر ومزعج وخاصة عند النوم، فقد يتشكل تابع العشق بصورة أقرب الناس من الشخص المتبوع أو أي شخص معروف أو غير معروف ويعتدي عليه جنسياً سواء أكان نائماً أو شبه نائم والاعتداء كله بمثابة حلم أو احتلام لا يترتب عليه فض بكارة أو حدوث حمل أو زواج، وإذا كان الشخص المتبوع متزوج فقد يحدث نفور شديد بين الزوجين.
- العهد: هو تسكين خدام السحر أو الجن المتلبس لجسد الشخص عن طريق من يتعامل مع الجن والشياطين كالسحرة، ويمكن حدوث إصابة العهد دون حضور الشخص إلى الساحر أو المشعوذ عن طريق أخذ اسمه واسم أمه وأحياناً تحدث بعد انقطاع المريض عن برنامج العلاج وقبل انتهاء الحالة عنده، وغالباً ما تحدث بعد ذهاب الشخص المسحور إلى ساحر أو مشعوذ طلباً للعلاج فبدلاً من أن ينهي الإصابة عنده يقوم بتثبيتها بتوثيق العهود والمواثيق بينه وبين خدام السحر. ومن علامات الإصابة أثناء جلسة الرقية ظهور انعكاس السحر على أصابع يدي المصاب أو إحداهما ثم يتبعه ارتفاع الإصبع الشاهد إلى أعلى أو تأرجحه أفقياً دون ارتفاع وقد يحدث تغير بلون أصابع اليد وخاصة أطرافها يتبعه تعرق وبرودة بها دون أي انعكاس وسحب إبهام اليدين أو أحداهما للداخل بقوة يدل على شيطان معاهد،
وأول خطوة في علاج هذه الحالات لابد من نقض العهود بقول المريض: ((نقضت جميع العهود والمواثيق مع جميع أصناف الجن والشياطين والله على ما أقول وكيل))، ثم نتابع علاجه كما في الحالات الأخرى.
16 - الوهم: هو اعتقاد وجود الشيء رغم عدم وجوده كمن يرى السراب ماء، فقد يتوهم بعض الأشخاص أنهم مصابون بإصابات الجن لظواهر وهمية أو بسبب تشخيص خاطئ، وقد يتبنى الشخص هذا الاتجاه هروباً من الواقع وعند علاج هذه الحالات يكون جسد المصاب ليناً ويستجيب لأسلوب الإيحاء بسرعة.
سألناه هل هذه التعاريف قال بها أحد السلف أو أحد العلماء الأجلاء فأجاب أنه "اجتهاد" شخصي منه
فهل هذه التعاريف جائزة شرعا أم تعتبر زيادة في الدين وبدعة لا يقبلها الشرع خاصة إذا علمنا أنها تتقاطع مع تعاريف السحرة والمشعوذين؟
كيف يمكن أن نتصور رد ابن الجوزي على مثل هذا "الاجتهاد"؟
في انتظار إجابتكم
بارك الله في جهودكم
وصلى الله وسلم على سيد المرسلين
شكرا لكم أخي الكريم على هذا البحث القيم
في انتظار جوابكم على سؤالي أعلاه
تقبل مني ألف تحية
ـ[قلبـ مملكه ـي وربي يملكه]ــــــــ[15 - Jul-2009, مساء 06:08]ـ
لي عودة لتكمله ماتبقى
بوركتم(/)
جون زيغلر يتحدث إلى العرب ـ "منقول"
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[02 - Jul-2009, صباحاً 10:45]ـ
محمد شريف - سويس انفو - جنيف
جون زيغلر يتحدث إلى العرب
عالم الاجتماع السويسري جون زيغلر شخصية سويسرية معروفة بكفاحها من أجل عالم أكثر عدالة، وبدفاعها عن قضايا العالم الثالث وانتقاد النظام الرأسمالي.
وبصدور كتاب "جون زيغلر يتحدث للعرب" للكاتب والصحفي التونسي رياض الصيداوي، نتعرف على موقف هذه الشخصية السويسرية من القضايا العربية ومن بعض الشخصيات القيادية العربية.
تعوّد المتتبع لنشاط جون زيغلر، الأستاذ الجامعي السويسري وعالم الاجتماع والشخصية السياسية المعروفة بانتقاداتها الصريحة للنظام الليبرالي، على التوقف من حين لآخر أمام تصريحات حارقة ينتقد فيها الرأسمالية وهيمنتها على العالم وهضم حقوق الشعوب النامية.
ولئن كان القارئ العربي يجد في مؤلفات جون زيغلر العديدة ما يشفي غليله لدفاعه عن بعض قضاياه كما لو كان ينتمي الى العالم النامي، فإن الكتاب الذي صدر مؤخرا للكاتب والصحفي التونسي رياض الصيداوي تحت عنوان "جون زيغلر يتحدث إلى العرب"، يُعد بمثابة كشف النقاب لأول مرة عن مواقف هذه الشخصية السويسرية من القضايا العربية الهامة، كالقضية الفلسطينية التي ساندها منذ مدة، ورفضه لما يسميه "العنهجية الإسرائيلية"، أو نظرته الى تهديد الولايات المتحدة بضرب العراق.
جاء الكتاب الصادر باللغة العربية عن مركز الوطن العربي للنشر، والمتضمن 109 صفحة، على شكل حوارات ساخنة مع المفكر السويسري العالمي، والذي يشغل حاليا بعد اعتزاله التدريس، منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة حول الحق في الغذاء.
أفشى جون زيغلر في هذه الحوارات ببعض إنطباعاته عن القادة العرب ممن إلتقى بهم في مناسبات مختلفة، كالرئيس العراقي صدام حسين او الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة او الزعيم الليبي معمر القذافي أو زعيم الدروز في لبنان وليد جنبلاط، الذي تربطه به علاقات وثيقة، دون أن ننسى الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
لماذا لا تطبق الشرعية الدولية في فلسطين؟
من اللقاءات مع القادة العرب التي تطرق لها رياض الصيداوي بالتفصيل في حديثه مع جون زيغلر، مقابلته مع الرئيس العراقي صدام حسين قبيل حرب الخليج الثانية، وتوسطه للإفراج عن 18 رهينة سويسرية كان العراق يحتجزهم ضمن الرهائن الدوليين. وقد افلح في اقناع الرئيس العراقي بعدم جدوى احتجاز "أصدقاء للعراق قدموا لمساعدته في نهضته الصناعية".
أما عن نظرته للوضع الحالي وتهديد الولايات المتحدة بضرب العراق بدعوى امتلاك اسلحة الدمار الشامل، يقول جون زيغلر:
"يجب التنديد بالعجرفة الأمريكية ومحاولة توظيفها لأجهزة الأمم المتحدة لمصالحها الخاصة دون أخذ بقية الشعوب والدول الأخرى في الأعتبار".
لكن جون زيجلر لم يتجنب انتقاد الرئيس العراقي معتبرا "أنه رئيس غير منتخب بشكل ديموقراطي.
وحتى وإن اعترف جون زيجلر بوجود قانون دولي يجيز التدخل في شؤون الدول لأسباب إنسانية، ومن أجل إنقاذ شعب من بطش دكتاتور مثلما وقع لميلوزيفيتش، فإنه يتمسك بأن يكون ذلك عن طريق قرار لمجلس الأمن الدولي. كما يتساءل عالم الاجتماع السويسري، لماذا لا يتم تطبيق نفس المنطق من أجل حماية الفلسطينيين؟ انتهى المنقول منه(/)
سؤال حول العلاج بالقرآن الكريم
ـ[أبو دعاء]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 12:51]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤال عاجل بارك الله فيكم
أحد الاخوة يقول أنه يعالج بالقرآن الكريم وأنه ألف كتابا في العلاج بالقرآن وله خبرة طويلة في هذا الميدان ويقول أن اجتهاده أوصله إلى بعض التعاريف كتعريف التابعة والقرينة والمس العاشق ....
مثلا من بين التاعريف يقول:
- التلبس: هو حلول جني أو شيطان في جسد إنسان فيسبب له الأذى من خلال احتلاله للجسد والاستحواذ عليه وقد يحدث بعد تعرض الشخص لإصابة سحر أو حسد أو خوف شديد أو تطور الحالة عنده من اقتران إلى مس ثم إلى تلبس، وأثناء الرقية تصبح أصابع يدي الشخص باردة وقد يحدث عنده صرع وتصلب في الجسد وتكون الأعين مغلقة غائرة للداخل مع انتفاخ بالصدر وفقدان كامل للوعي واحتمالية نطق الجني أو الشيطان المتلبس كبيرة وهي من الحالات نادرة الحدوث.
4 - المس: هو ملامسة ظاهر جني أو شيطان لظاهر إنسان فيؤثر على دماغه ويجعله يتخبط بالأقوال والأفعال، وهو بمثابة غزو من الجني أو الشيطان لطبيعة الإنسان وهالته فيؤثر على مدارك الإنسان الحسية وعلى كهربة دماغه، ولحدوثه عدة أسباب منها ما هو خارج إرادة الشخص كالسحر والحسد ومنها بسبب ضعف الإنسان إيمانياً أو إفراطه في المشاعر كالخوف والفرح والفزع والحزن المبالغ فيه وقد يحدث بعد إصابة الاقتران.
الانعكاس التشخيص
انفراج جميع الأصابع ....................... .................... ........................... مس فعلي
وأما انعكاس المس الفعلي فقد يرافقه برودة في الأطراف ونزول الدمع من وسط العينين أو من مجرى الدمع الخارجي دون بكاء،
- تابع العشق: هو صنف من الجن والشياطين يتبع الإنسان بقصد الشهوة ويقع من ذكور وإناث الجن والشياطين على ذكور وإناث الإنس وقد يكثر الاحتلام عند الشخص المصاب وتعرضه للجنابة بشكل متكرر ومزعج وخاصة عند النوم، فقد يتشكل تابع العشق بصورة أقرب الناس من الشخص المتبوع أو أي شخص معروف أو غير معروف ويعتدي عليه جنسياً سواء أكان نائماً أو شبه نائم والاعتداء كله بمثابة حلم أو احتلام لا يترتب عليه فض بكارة أو حدوث حمل أو زواج، وإذا كان الشخص المتبوع متزوج فقد يحدث نفور شديد بين الزوجين.
- العهد: هو تسكين خدام السحر أو الجن المتلبس لجسد الشخص عن طريق من يتعامل مع الجن والشياطين كالسحرة، ويمكن حدوث إصابة العهد دون حضور الشخص إلى الساحر أو المشعوذ عن طريق أخذ اسمه واسم أمه وأحياناً تحدث بعد انقطاع المريض عن برنامج العلاج وقبل انتهاء الحالة عنده، وغالباً ما تحدث بعد ذهاب الشخص المسحور إلى ساحر أو مشعوذ طلباً للعلاج فبدلاً من أن ينهي الإصابة عنده يقوم بتثبيتها بتوثيق العهود والمواثيق بينه وبين خدام السحر. ومن علامات الإصابة أثناء جلسة الرقية ظهور انعكاس السحر على أصابع يدي المصاب أو إحداهما ثم يتبعه ارتفاع الإصبع الشاهد إلى أعلى أو تأرجحه أفقياً دون ارتفاع وقد يحدث تغير بلون أصابع اليد وخاصة أطرافها يتبعه تعرق وبرودة بها دون أي انعكاس وسحب إبهام اليدين أو أحداهما للداخل بقوة يدل على شيطان معاهد،
وأول خطوة في علاج هذه الحالات لابد من نقض العهود بقول المريض: ((نقضت جميع العهود والمواثيق مع جميع أصناف الجن والشياطين والله على ما أقول وكيل))، ثم نتابع علاجه كما في الحالات الأخرى.
16 - الوهم: هو اعتقاد وجود الشيء رغم عدم وجوده كمن يرى السراب ماء، فقد يتوهم بعض الأشخاص أنهم مصابون بإصابات الجن لظواهر وهمية أو بسبب تشخيص خاطئ، وقد يتبنى الشخص هذا الاتجاه هروباً من الواقع وعند علاج هذه الحالات يكون جسد المصاب ليناً ويستجيب لأسلوب الإيحاء بسرعة.
سألناه هل هذه التعاريف قال بها أحد السلف أو أحد العلماء الأجلاء فأجاب أنه اجتهاد شخصي منه
فهل هذه التعاريف جائزة شرعا أم تعتبر زيادة في الدين وبدعة لا يقبلها الشرع خاصة إذا علمنا أنها تتقاطع مع تعاريف السحرة والمشعوذين؟
في انتظار إجابتكم
بارك الله في جهودكم
وصلى الله وسلم على سيد المرسلين(/)
المقالات الشخصية بين الشخصنة والحزبنة
ـ[أحمد بخش]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 05:49]ـ
المقالات الصحفية بين الشخصنة والحزبنة
ليس من المبالغ في القول أن سياسة الإعلام والإعلام المضاد التي تنتهجها العقول العربية والإسلامية والتي دأبت في مناقشة الفكرة الإسلامية أو التقسيمات الإسلامية في منظورها المعتاد، تعتمد وبالدرجة الأولى على الطرح الفكري الهش والمميت الميت الذي يصيب العقول بنوع من خيبة الأملممن يرجى منهم تحديد وتقوية المسار الفكري الإسلامي أو العروبي، بدلائل حية منواقع الكلمة الموجودة اليوم في الساحة الفكرية من خلال النمط السائد، وشخصنةالفكرة والمقال والكتابة، وليتهم ما كتبوا في الفكر والوحي والرسالة ولا القوميةالهشة، فلا القومية العربية أحيوها ولا الفكرة الإسلامية أصلوها ونصروها بل خانوها وخذلوها، وفي نهاية المطاف يقال عنهم ألقاب رنانة عقل تنويري، أو إصلاحي قوي، أوصاحب مسار السلمي وما شابه ذلك وهو الذي يريدون ويصبون إليها في حالهم التمييعي أوحالهم الغدري والخياني الذي يتسمون بها في خطابهم المقالي والكتابي عبر مراحلهم
في غمرة انشغال العالم بأسره على الإسلام والمسلين نيلاً وتنكيلاً أنبرى ثلة غير قليلة من أبناء الإسلام للنيل من الإسلامقصده أم لم يقصده، نهجه أم لم ينتهجه فهو وقع في فخ لم يقدر له ولم يحسب له أيحسبان، ومع بروز هذه الطائفة من المجاهيل والغثائين في الإعلام الإلكترونيوالمنتديات الفكرية، برز دور المفكرين الإسلاميين في الردود السطحية والهوجائيةوالفكرية الضحلة، مما سبب أزمة في الفكر والفكرة فكانوا بين التصحيح والإقصاء وبين التغيير والإنحناء
هذه العقلية للإعلامية العربية والمواقع العربيةفي الشبكة العنكبوتية وفوقها الشخصيات الوهمية التي تدير هذه المواقع الصاخبة والتيغالباً ما نجدها تحمل حرف الدال في مقدمات أسمائها فلا ندري أهي خاصة بعلم الصيدلةأو البيطرة أو في الطب البشري (إخصائي هو أم إستشاري) أو أن حرف (الدال (أكاديمي لدرجة علمية متخصصة، ففي هذه حالة نحتاج الى معرفة تخصص الرجل أهو شرعي أمفكري أم اقتصادي أم هو خاص في علم السياسة الدولية أو هو في علم السلوك والذات،وكما يتطلب منا معرفة من أي ميدان من ميادين الفكرة الأكاديمية حرفه الدالي الذييخرج لنا بين كل فينة وفينة، لأننا نجدهم وبكامل قواهم العقلية والفكرية يحملونأفكاراً أصيبت بنوع من الترهل والانكماش الفكري وضياع في المواقف والطرح، فلم نرىطرحاً إيجابياً ولا نقاشاً مسلماً في الأطروحات التي وجدت في الساحة الفكريةالإسلامية، أو إننا نقول أنها أوجدت من قبل البعض المتبنيين لها، فلا يصلح رفرفةغراب البين في تحليق وعلو الشاهين والنسر ورحم الله امرأ عرف قدرنفسه
علم القاصي والداني من واقع التجربةوالمعايشة مع نخبة أساطير الصحافة والإعلام أن من المفاهيموالمبادئ والقيم الأساسية والمهنية للعمل الصحافي والإعلامي‘’إن الصحافة والكلمة والكتابة أمانة وصدق’’. فلا ينقل الصحافي والإعلامي والكاتب ما ليس منه ولا ليس فيه .. ولا يحق له تعطيل الفكرة الصحيحة وبلورتها بفكرة سقيمة ولا يحق له تسميم العقول الشابة اليافعة وتغيير مسارها إلى مسارات أخرى، كما لا يحق لأي شخص أراد الدخول في عالم الكتابة أن يتجاهل أصولها ومبادئها فضلاً عن المباديء الدينية التي محتومة عليه قبل الشروع في القول ونشر القول
فصاحب الكلمة الحرة والمبدأ الأصيل يحاسب نفسه على كلامه وخطواته ويراقب من هو أعلى منه ومن هو فوقه (وفوق كل ذي علم عليم)، وإن كان الإنسان على نفسه بصير، وليس له في التمادي على الباطل أي معاذير، ويعلم أن من الذين يقرؤون جمهور يفهم ويدقق ويحقق في المسائل وأن كتابته إذا لم تكن مؤصلة تأصيلاً صحيحاً عبر مفاهيم وجدانية صحيحة فإنها ستكون وبالاً عليه في الدنيا قبل الآخرة، فلا يحرك لسانه وقلمه ليعجل بالشهرة والطنطة، فإن حصلها حصل مراده وقاد نفسه الى الدمار والفناء الأبدي في عالم الكلمة والمقال والمصداقية
(يُتْبَعُ)
(/)
من ينظر بنظرة متمعن وبصير وخبير بل وبنظرة محب مشفق على أحوال وأمور هذه الثلة التي خرجت علينا عبر الإعلام الإلكتروني والذين عمدوا الى ملء صفحات صحفهم ومجلاتهم المطبوعة والإلكترونية ومواقعهم، وبرؤية حرة على موضوعاتهم ومكتوبهم يجد في مكنونهم أنهم أصحاب كم وهرطقة وليسوا بكيف ومنفعة بأسلوب رخيص وملتوي غير مستحب ومرفوض، يبحثون عن الشهرة والظهور السريع منخلال هذه الأفكار والآراء التي لا يتسنى لهم طرحها إلا بالطرق الملتوية ومدارس مخجله وهدامة من المدارس الظاهرة في هذه الأيام المادية والتنويرية والعقلانية والإصلاحية والليبرالية والعلمانية، غير مدارس الخصوم العلنية من التنصيرية والصهيونية والماسونية وقوى الإستكبار العالمي من الرأسمالية والاشتراكية والامبريالية وربيبتهم المدارس الصفوية المستعربين والفارسية
لن تبقى هذه الأقلام الهشة والميتة والمميتة ولن تعمر طويلاً يكتب لها الفناء عاجلاً أم آجلاً، ويدحض قولها، وعندما تتفتح العقول القارئة فإنك تجد أنها تلام وتذم بل تكره وينفر منها وتأتي هذه الأقلام إلى زاوية النسيان، لأنها لم تؤصل لنفسها الشيء الجيد ولم تخدم الأمة وشبابها وأجيالها بما يفيدها في حياتها العامة والخاصة، تخرج وتثير البلبلة الفكرية والأحقاد وتزيد في الكراهية بين العقول الناشئة، أو أنها تميع الحق وتلبسه بالباطل بأسلوب كتابي رخيص وسرعان ما تموت كلماته وأفكاره وتذهب إلى حيث أتى منها كاتبها وقائلها (إلى حيث حطت رحلها أم قشعمي)
المقصود أن الواقع المؤلم للواقع الخطاب العربي في المواقع والصحافة الإلكترونية هو إلى الحرب والدمار أقرب منالبناء والتصحيح فالمبصر والمتمعن يدرك الكم والكيفية التي يكيل بها إعلامنالعقليتنا من قرب أوبعد، فلا مراعاة للفكر ولا للإنسان، فإنسانية الفكر هو في طرحالفكرة ومن ثم وجوب قبولها من طرفالمتلقي والشريحة المستهدفة لأنه إن لم يقبلها دخل في عداد الطائفية والتزمتوا التعصب المذهبي أو المقولات القديمة التخلف والرجعية والأصولية وهو كما يصفون بأقوالهم وأقلامهم وأبوقهم
الذي نعرفه ويعرفه الجميع أنالأمر المتحتم علينا كقراء أننا نقبل بكل فكرة إن خدمتنا ثقافةً وتصحيحاً أو دعماً للموقف أو تنويراً للرأي أو طرحاً للأسطورة الجديدة، وليس من المتحتم علينا أنندندن حول كل فكرة وكل مكتوب ونصفق له ونؤمن برأي كاتبه وإلا أننا نكون قدر كفرنابالأسس الإصلاحية والتنويرية والعقلانية ومن ثم يعرج بنا الى الكفر بالله ورسولهودينه لأننا خالفنا رأي هؤلاء التنويريين الذي يوماً ما سيقولون لنا أن جبريل عليه السلام قد غلط في الرسالة فبدل أن تكون لنا نحن التنويريين وكتاب الإعلام الإلكتروني حجبها عنا وأعطاها محمد صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، إذ عقولنا أولى من العقلية العربية الأولى ونحن خير من يمثل هذه العقليةالتنويرية، ولا يستغرب إن رأى المرء بعض حال هؤلاء الناس من الذين يقدحون ويطعنونفي المسلمات الدينية عبر محاور لا يملكون أسسها ولا مقوماتها في السابق وسيخرجون في اللاحق بشكل أوسع وأكبر وبقوة أكبر من غير خوف ولا وجل وتحت مسمى حرية الكلمة والتعبير
فالقول المحمود في واقع الكتابة والتأسيس الكتابي والمقالي، والتأسيس للحركة الفكرية والثقافية أن يدرك لواقع حاله لمحاور مهمة في تكوينه المقالي أو في إنشاء موقعه، لأن تدارك المحاور هو تداركلحاله قبل الوقوع فيما سيحاول أن يجنب نفسه فيه، ويحاول بالبحث والتلقي أن يجبرحاله عبر سلوكه بعض الأمور التي يمكن له أن ينجح في جبر كسره أو لم يصل فقبل أنيتعثر قدمه وتزل يكون لزاماً عليه تتبع لبعض المحاور المهمة والتي يوماً ما تفيدهفي إنشاء مقاله أو مشروعه الكتابي أو في تأصيل موقع الإلكتروني والتي جملتها هي:
المحور الأول: تحديد الهدف منإنشاء المقال او الموقع أو المشروع الكتابي، هل فيه خدمة لواقع الحالة التي فيها،وهل يحتاجها واقع الأمة أم لا
(يُتْبَعُ)
(/)
المحور الثاني: ما هو الموضوع هل هو بكمه أم بكيفه؟ لأن الكم لا ينقصنا بقدر ما ينقصنا الكيف، والكيف الذي نحن فيه هل نحن في حاجته أم لا؟ وأما الكيف الذي يأتينا في غير وقته نريده .. ولكننا لسنا في حاجته وفق الصورة التي يمر بها واقع الصورة للحالة الفردية او الجماعية للأمة، فمن غير المنطقي انيكتب لنا كيف الموضوع عبر أطروحات الأعراض والجواهر والحدث، ونحدق النظر فيه ونجبرالأمة على قراءته والتمعن فيه وإشغاله به
المحور الثالث: ينبغي أن يكون الموضوع مؤصلاً وفق منهجه الصحيح حسب نوعه وطرحه، فلا يعقل أن يطرح موضوع ويبنى عليه خرافات وهرطقات الأولين وسفسطة المشائين ونحن لسنا في حاجته كذلك إذ لا تفرض الوصاية او الإرادة أو رأي لم يكن له طريق أو منبع صحيح
المحور الرابع: ما هو الجديد الذي يجب أن يكتب في مقال أو تحرير، أو ان يبني موقعاً جديداً وهل هو فريد من نوعه في صورته النمطية والتكوينية أم أنه تكملة للعدد مثله مثل غيره غثاء كغثاء السيل يعي القاريء والناظر من مثله من مناظر وما أكثر زخرف القول والتصميم والتعبير في المنشأ وصاحبه لا يتعدى كونه مجرد ألعوبه بيد الغير
المحور الخامس: وهو الأهم والأكبر في بناء مقال أو كلمة او طرح فكرة موقع ما في الشبكة العنكبوتية هو أن الكاتب والباني لديه استعداد كلي في تقبل النقد البناء وله سعة في الصدر في ذلك،فإذا كان الأمر مجرد بناء فكرة وجمع الأقوال والمشاهد حولها ثم دعوة الناس إليها أنه الحق المسلم به من رب العالمين، والوصول الى مقاصد لا أول لها ولا آخر سيكون نتيجته الحتمية الزوال الفكري والبعد المنهجي والتأصيلي والإجتناب الأولي لها من كل قارئها والمار عليها
فإذا كانت مثل هذه المحاور مطلوبة في تكوين الخطاب والمقال أو إنشاء المواقع فإننا نجد بالمقابل أن أكثر المقالات العربية والمواقع الموجودة في الساحة الفكرية والمتداولة والتي لها أقطاب وتأثير اوأقطاب ولا تملك أي أثر أو تأثير فإنها لا تخلوا من أمور:
الأمر الأول: التخوين العام في الخطاب العربي المطروح، وتثبيت العقلية التآمرية والعميلة وعليه أنك لا تجد أي خطاب يخلوا من صيغ التهجم والتخوين للطرف المغاير أو المراد الكتابة له، وكذا تجد المواقع محشوة بالكره والأنانية والعلو والفوقية والعنصرية الخطابية
الأمر الثاني: التعميم والضحالة في الطرح وعدم وجود الموضوعية في الطرح فإذا كان التنويع هو المطلوب فإن المطلب الأساسي والرئيسي هو الموضوع والتأصيل العلمي والتحقيق في كل الجوانب المطروحة والتثبت من أهم المسائل التي يعرف منها مدى جدية الكتابة والكاتب في توصيل المعرفة الى الناس ومنه يعرف أن الكاتب عارف وعارف مبصر
الأمر الثالث: العدوانية في الطرح والنقاش، والثأر والتأليب وإن كان المطلوب هو الاختلاف في الطرح ووجهات النظرفإن الحالة لا تخلوا الى قداسة الاختلاف بل الى حرمة النيل والتشهير والتكفيروالعدوانية الظاهرة والكبيرة
الأمر الرابع: وهو الأعم والأشرس المقال والكتاب المديح والسلطوي والذي لا نجد منه غير التمييع للواقع وتنظير للخيال وتسليط الضوء على المحسنات وغياب المساوئ، تحجيم الحق وتضخيم الباطل
الأمر الخامس: نشر ثقافة الإقصاء والتعنت والتهميش للموروث السليم بحجة قدمية الموروث وعدم صلاحية زمانه ومكانه، مع كونهم يتمسكون بموروث أقدم من الموروث المتداول، وأن الفرق بين الموروثين معروف للكل فالموروث الأول من رب العالمين عن طريق سيد المرسلين والثاني موروث فلسفي إغريقي بمدارسه المختلفه لا يتعدى كونه نتاج وعقل بشر محتوم النقص والخطأ
الأمر السادس: شخصنة المقال والفكرة والكتابة والموقع أو حزبية الرأي، والحوم حولها في الطرح والإعداد،وحتى الراد على الشخصنة يصاب بالشخصنة المضادة، فبدل التنويع في الطرح والإعداد نصاب بالشخصنة في الطرح ورد الطرح وهي من الخطورة بمكان إذ تضيع الأصول والفكرة والتحليل والفوائد المنطقية، وتحول مسارها إلى العقم والعقم المسىء للغير
(يُتْبَعُ)
(/)
إذا كان موقع كبير من المواقع مثل موقع مجلة العصر خرج عن محافل بقية المواقع وتميز، وخلق لنفسه طريقاً موحداً ومغايراً للنمط الفكرية الموجودة في الساحة النقاشية الإلكترونية، وفق أيديولوجية عرف صاحبها كيف يبني أسس موقعه، فقاد منهجه الكتابي على النمط المنهج الكاديمي بصورة الصحافة والصحافة الإلكترونية، فصنع لموقعه هالة جيدة وموقعاً حميداً في النفوس من القاريء والمستفيد والمار والزائر، أضف الى ذلك خلق نوع من الكتاب والمنهج الكتابي الذي غالباً لا تجده لدى الغير وحتى عند بعض من المؤسسات الإعلامية الكبيرة والتي لديها الكم الكبير من المحررين والمثقفين والكوادر المهننية وافنية، إلا أنه أوقع نفسه في بعض البراثن التي ما كان ينبغي له أن يوقع نفسه فيها،فجمع الكم والكيف دون الثوابت، لأن الثوابت لمثل هذه الحالة من أولى المسلمات وأولى المهمات، وإن كانت ثوابته أعظم وأكبر وأقوى من غيره إلا أنه حصل التراخي والتساهل فدخلت الأقلام المشبوهة والمنبوذة، والمجهولة بسمها ودساسها
لا زال الأفق الضيق يحكم قدراتنا العقلية والبشرية، ويحكم علينا بقبول الضيق للواسع الذي أوسعه الله علينا في القبول أو الرفض، ويجبرنا من قدسية للقول والتنزيل إلى قدسية المقال والرأي، ومن إتباع وتتبع الحق إلى إتباع شهوات النفس والذات وما نسجته أيادي وأقلام والنفوسالمريضة والضالة، فلا غروا أن نعرف ما يقال لنا وما يقال عنا وماذا يريدون منا؟ ولماذا يريدون منا؟ لكن مع هذا لا ننسى أننا لا نرضى بالتغافل وعدم المواكبةالكلية أو الجزئية للكلية في التحديث الصوتي والكتابي عبر التخطيط الأولى للمرحلة الكتابية الموجودة في الحالة الجامدة للفكر والمصطلح
صحيح أننا في حاجة إلى مقالات ديناميكية ومتطورة وفعّاله ومتفاعلة مع ثقافة مجتمعاتنا وبما يخدم مصالحنا ومحاورنا، وصحيح أننا في حاجة الى تحديث بيئتنا الثقافية اليومية وفق النمط الحديث، ليقوم المجتمع وحركته الثقافية الى خلق نوع من الإبداعات جديدة ومفيدة ومثمرة، لنقوم من خلاله الكشف على الخلل والسلبيات للحالة الراهنة والكامنة، ومن ثم القدرة على تشخيصها،ووضع النقاط الرئيسية لإمكانية تلافيها باتجاه تحويلات وتغييرات شبه جذرية بحيث أننا نستطيع معانقة التغيير الإيجابي، لتكون مجتمعاتنا الدينية والثقافية قادرة على الأفعال مع الأقوال دون الانفعال والإبتذال، بالتأصيل دونالاختزال، ولها القدرة على الفاعلية والتحديث دون الجمود والسلبية، والحركة والإنتاج دون الركود، عطاء وإنماء دون إغفال وإغماء، وهذا كله وفق حركة كبيرة ومتنامية عبر أسس صحيحة والتي يبنى عليها المنهج الكتابي والثقافي ويكون الله ورسوله مصدر إلهام الكاتب والمنشئ وعلى منهج قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا خذواحذركم)
ومن الله نستمد العون والتوفيق،،،،،،،،،(/)
الشهرستاني وكتابه: الملل والنحل
ـ[أبو عبد الأكرم الجزائري]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 06:04]ـ
في هذه الدراسة المختصرة، سأتحدث عن أحد الأعلام البارزين الذين كان لهم دور ظاهر في تدوين مقالات الفرق والمذاهب سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، فكان كتابه موسوعة موجزة ومرتبة للكثير من الآراء والمعتقدات للفرق الإسلامية وغيرها.
هذا العَلَم هو: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم المعروف بالشهرستاني (ت 548هـ)، وكتابه: هو " الملل والنحل ".
ولعل من المناسب أن أشير إلى أهمية دراسة شخصية الشهرستاني، وكتابه الملل والنِّحل، فالشهرستاني - فيما هو مشهور ومعلوم عند الكثير من الدارسين - أحد شيوخ الكلام، وواحد من علماء الأشاعرة، وله دراية وخبرة بمقالات الفرق والملل والنِّحل، ولكن هناك جوانب مهمة عن الشهرستاني قد تخفى على بعض الدارسين، كاتهامه بالميل إلى الباطنية، أو القول بتشيعه، ولعلنا نلقي بعض الضوء على هذه القضية.
وأما كتابه " الملل والنحل " فهو مرجع مشهور، ومصدر متداول بين أيدي الباحثين، وقد ترجم إلى عدة لغات؛ ومع ذلك فلا توجد دراسة علمية مطبوعة [1]-فيما أعلم- تتحدث عن منهج الشهرستاني في هذا الكتاب المهم، وتبين مصادره، وتوضح مزاياه، كما تذكر المآخذ عليه.
ولد الشهرستاني سنة 479 هـ ببلدة شهرستان في أقليم خراسان، وهو - كما يقول الذهبي -: " شيخ أهل الكلام والحكمة، وصاحب التصانيف " [2]، برع في الفقه، والأصول، والكلام، تفقه على أحمد الخوافي، أخذ الأصول والكلام على أبى نصر بن القشيري، ودخل بغداد سنة 510هـ، وتوفي بمسقط رأسه سنة 548 هجرية.
ألف الشهرستاني تصانيف تصل إلى تسعة وعشرين كتاباً، منها المطبوع، والمخطوط، والمفقود. ومن كتبه المطبوعة: الملل والنحل، ونهاية الإقدام في علم الكلام، ومصارعة الفلاسفة. ومن كتبه المخطوطة: رسالة في اعتراضات الشهرستاني على كلام ابن سينا، والمناهج في علم الكلام، وقصة يوسف-عليه السلام-[3]، وغيرها.
ومن كتبه المفقودة: مناظرات مع الإسماعيلية، وتاريخ الحكماء و غيرهما [4].
والآن - أخي القارئ -: أنقل لك بعض أقوال أهل العلم الذين اتهموا الشهرستاني بالميل إلى الإسماعيلية الباطنية.
قال ابن السمعاني: كان الشهرستاني متهماً بالميل إلى أهل القلاع - يعني: الإسماعيلية- والدعوة إليهم، والنصرة لطاماتهم.
وقال في "التحبير": إنه متهم بالإلحاد، غال في التشيع.
وقال ابن أرسلان في "تاريخ خوارزم" عن الشهرستاني: عالم، كيِّس، متفنن، ولولا ميله إلى أهل الإلحاد وتخبطه لكان هو الإمام [5].
ونقل صاحب "شذرات الذهب" عن كتابه "العبر": أنه اتهم بمذهب الباطنية [6].
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه شيئاً من ذلك، ولكن بصيغة " تمريضية " فقال رحمه الله: " وقد قيل: إنه صنف تفسيره "سورة يوسف" على مذهب الإسماعيلية -ملاحدةِ الشيعة-[7].
وفي المقابل نجد علماء ينفون هذه الدعوى عن الشهرستاني، فهذا السبكي يدافع عن الشهرستاني فيقول بعد أن ذكر أقوال من اتهم الشهرستاني بالميل إلى الباطنية:
"فأما (الذيل) فلا شيء فيه من ذلك، وإنما ذلك في (التحبير) [8]، وما أدري من أين ذلك لابن السمعاني؟، ويقع أن هذا دُس على ابن السمعاني في كتابه (التحبير)، وإلا فلم لم يذكره في (الذيل)؟ [9].
وينفي شيخ الإسلام - في موضع آخر - هذه التهمة عن الشهرستاني فيقول:
" يذكر (الشهرستاني) أشياء من كلام الإسماعيلية الباطنية، ويوجهه، ولهذا اتهمه بعض الناس بأنه من إلإسماعيلية، وإن لم يكن الأمر كذلك [10].
ومما يؤكد ذلك أن الشهرستاني صنف في ذكر فضائح الباطنية [11]، كما أن للشهرستاني صولات وجولات مع ابن سينا الفيلسوف الباطنى، يقول ابن القيم:
" وصارع محمد الشهرستاني ابن سينا في كتاب سماه (المصارعة)، أبطل فيه قوله بقدم العالم، وإنكار المعاد، ونفي علم الرب تعالى وقدرته وخلقه العالم " [12].
(يُتْبَعُ)
(/)
وإضافة إلى ذلك، فقد تحدث الشهرستاني عن الباطنية، وذكر شيئاً من مقالاتهم [13]،ولكن كان الواجب على الشهرستاني أن يكشف عن معتقدات الباطنية، ويبين إلحادهم وزندقتهم وكيدهم لأهل الإسلام، كما فعل سلفه عبد القاهر البغدادي في (الفرق بين الفرق) [14]، وغيره. ونقف وقفة يسيرة أمام هذه الأقوال المتعارضة، لنقول: إنه يمكن أن نعزو رمي واتهام الشهرستاني بالإسماعيلية إلى جملة أسباب تتعلق بشخصه، منها: أن الشهرستاني -وللأسف - مع كثرة اطلاعه ومعرفته للمذاهب والفرق الإسلامية، فإنه كان جاهلاً بمذهب السلف الصالح، فلا يعلم معتقد أهل الحديث، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام في غير موضعٍ، فقال:
"فالشهرستاني صنف (الملل والنحل)، وذكر فيها من مقالات الأمم ما شاء الله، والقول المعروف عن السلف والأئمة لم يعرفه، ولم يذكره " [15].
ولقد ورَّثت هذه المعرفة الواسعة للمذاهب المختلفة صاحبنا-مع الجهل بمذهب السلف الصالح - حيرةً واضطراباً، عبر عنها بهذين البيتين من الشعر، فقال:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائرٍ على ذقنٍ أو قارعاً سن نادم [16]
وتتمثل هذه الحيرة وعدم الاستقرار على مذهب ما، ما نلاحظه في الشهرستاني من موافقة للأشاعرة، ومن ميل للإسماعيلية مرة أخرى، وإظهار التشيع [17] مرة ثالثة، وربما تأثر بفلسفة أو تصوف.
وسبب آخر جعل بعض العلماء يتهم الشهرستاني بالباطنية، وهو ما أشار إليه ابن حجر -رحمه الله-حيث قال معقباً على ما ذكر من وقوع الشهرستاني في ذلك:
"لعله كان يبدو من ذلك على طريق الجدل، أو كان قلبه أُشرب محبة مقالتهم لكثرة نظره فيها، والله أعلم " [18]. -
إذن فإلحاح الشهرستاني وإمعانه في مناظرة الإسماعيلية، وكثرة جداله معهم، ربما كان سبباً في رميه بالباطنية لتأثره بتلك المناظرات، وقد صرح الشهرستاني بكثرة مناظراته للإسماعيلية، فقال: " وكم قد ناظرت القوم على المقدمات المذكورة، فلم يتخطوا عن قولهم: أفنحتاج إليك؟ أو نسمع هذا منك؟ أو نتعلم عنك؟ [19].
وعلى كل فلا تزال هذه المسألة تحتاج إلى مزيد من التوثيق والبحث، ولعل الاطلاع على الكتب الخطية للشهرستاني يعطي مزيداً من المعلومات حول هذه المسألة.
وفي ختام الحديث عن شخصية الشهرستاني: لابد من الإشارة إلى ميل الشهرستاني إلى التشيع، وقد أشار شيخ الإسلام إلى هذا بقوله: " وبالجملة فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة إما بباطنه، وإما مداهنة لهم، فإن هذا الكتاب -كتاب (الملل والنحل) -صنفه لرئيس من رؤسائهم، وكانت له ولاية ديوانية، وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له، وكذلك صنف له كتاب (المصارعة) " [20].
وهذا الأمير الشيعي الذي من أجله ألف الشهرستاني كتابيه: "الملل والنحل"، و"المصارعة" هو علي بن جعفر الموسوي، وكان أميراً في خراسان [21].
وقد صرح الشهرستاني بذلك، فقال في مقدمة كتابه (مصارعة الفلاسفة) -بعد إطراء ومدح طويل لهذا الأمير الشيعي-: "انتدب أصغر خدمه محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، لعرض بضاعته المزجاة على سوق كرمه، فخدمه بكتاب صنفه في بيان الملل والنحل، على تردد القلب بين الوجل والخجل، فأنعم بالقبول، وأنعم النظر فيه [22].
ويظهر تشيع الشهرستاني عندما يقول: "وبالجملة كان على -رضي الله عنه- مع الحق، والحق معه [23].
وقد علق شيخ الإسلام على هذه العبارة .. فكان مما قاله:
"هذا الكلام مما يبين تحامل الشهرستاني في هذا الكتاب مع الشيعة، وإلا فقد ذكر أبا بكر وعمر وعثمان، ولم يذكر من أحوالهم أن الحق معهم دون من خالفهم، وهذا التخصيص لا يقوله أحد من المسلمين غير الشيعة [24].
وقد كذَّب شيخُ الإسلام الشهرستانيَّ في بعض آرائه التي تدل على تشيعه، وناقشها وبسط القول فيها، فكذبه ابن تيميه مثلاً في دعواه أن عمر - رضي الله عنه-في خلافته ردَّ السبايا والأموال لمانعي الزكاة [25]، كما كذبه في دعواه اختلاف الناس على خلافة عثمان رضي الله عنه [26].
وعلى كلٍ:فإن الإنصاف والعدل يجعلنا نذكر لك أن الشهرستاني له شىء من الردود على مطاعن الشيعة في الصحابة [27]، مع أن الرد والمناقشة ليست من منهجه في كتاب "الملل والنحل" كما سيأتي، كما أنه يصفهم بالحيرة والضياع [28].
(يُتْبَعُ)
(/)
وربما كان هذا التذبذب من أجل إرضاء الطرفين، أهل السنة والشيعة، والله أعلم.
وأما كتابه (الملل والنحل) والذي طبع عدة مرات، واعتنى به كثير من المحققين، وترجم إلى عدة لغات، فإنه يعتبر موسوعة جامعة وموجزة لمختلف المقالات والملل والأهواء والنحل.
وقد اعتنى الشهرستاني فيه بحسن الترتيب، وجودة التنظيم وعرض المعلومات، يقول السبكي:"وهو (أي: كتاب الملل والنِّحل) عندي خير كتابٍ صنف في هذا الباب، ومصنف ابن حزم (يعني: الِفصَل) وإن كان أبسط منه،إلا أنه مبدد ليس له نظام [29].
ويذكر شيخ الإسلام أن هذا الكتاب:"أجمع، من أكثر الكتب المصنفة في المقالات، وأجود نقلاً [30].
وتميز المؤلف بمنهجية في البحث، وأسلوب محكم في التصنيف، ويظهر هذا جلياً أثناء عرضه للمقدمات الخمس المهمة، قبل الشروع في الكتاب، فقد ذكر في المقدمة الأولى: تقسيم أهل العالم، فعرض من الأقوال في ذلك، وبين أنهم يقسمون في هذا الكتاب حسب آرائهم ومذاهبهم إلى قسمين:
1 - أرباب الديانات والملل مطلقاً، كالمسلمين وأهل الكتاب والمجوس.
2 - أهل الأهواء والنحل كالفلاسفة والدهرية وعبدة الكواكب.
وكانت المقدمة الثانية: في تعيين قانون يبنى عليه تعدد الفرق الإسلامية، حيث حصر مسائل الخلاف بين الفرقة الإسلامية في أربعة أصول، وهي:
1 - التوحيد والصفات.
2 - القدر وما يلحق به.
3 - الوعد والوعيد، والأسماء والأحكام.
4 - السمع والعقل والرسالة و الإمامة.
ثم توصل إلى تحديد أصول أو كبار الفرق الإسلامية، وهي:
1 - القدرية.
2 - الصفاتية.
3 - الخوارج.
4 - الشيعة.
وأشار الشهرستاني إلى طريقته في ترتيب الفرق، وهي: أن يضع للرجال وأصحاب المقالات أصولاً، ثم يورد مذاهبهم في كل مسألة.
ثم ذكر الشهرستاني في شرطه في إيراد الفرق، فقال:"وشرطي على نفسي: أن أورد مذهب كل فرقة على ما وجدته في كتبهم، من غير تعصب لهم، ولا كسر عليهم، دون أن أبين صحيحه من فاسده" [31].
ومع ذلك فلا يخلو كتابه من بعض الردود والمناقشات والإشارات النقدية [32]
من مزايا هذا الكتاب: أنه يعرِّف بالفرق ابتداءً، ثم يورد الأصول التي اتفقت عليها إحدى الفرق الإسلامية الكبار، ثُم يذكر ما يختص بكل طائفة من طوائف هذه الفرقة [33].
ويهتم الكتاب بذكر أبرز رجال بعض الفرق، وذلك عند نهاية الحديث عن إحدى الفرق [34].
وكتاب (الملل والنحل) مرجع جيد في معرفة أقوال الأشاعرة والفلاسفة، كما يقول ابن تيمية:
"ولما كان (الشهرستاني) خبيراً بقول الأشاعرة وقول ابن سينا ونحوه من الفلاسفة، كان أجود ما نقله قول هاتين الطائفتين [35].
وأما مصادر هذا الكتاب في الحديث عن الفرق الإسلامية، فيقول ابن تيميه:
" ما ينقله الشهرستاني وأمثاله من المصنفين في الملل والنحل، عامته مما ينقله بعضهم عن بعض، وكثير من ذلك لم يحرر أقوال المنقول عنهم، ولم يذكر الإسناد في عامة ما ينقله، بل هو ينقل من كتب من صنف المقالات قبله، مثل: أبي عيسى الوراق، وهو من المصنفين للرافضة، المتهمين في كثير مما ينقلونه، ومثل: أبي يحيى وغيرهما من الشيعة، وينقل أيضاً من كتب بعض الزيدية والمعتزلة الطاعنين في كثير من الصحابة [36].
ويقول في موضع آخر: "والشهرستاني أكثر ما ينقله من المقالات من كتب المعتزلة" [37]، حيث " أنهم من أكثر الطوائف وأولها تصنيفاً في هذا الباب" [38].
ويظهر جلياً كثرة نقل الشهرستاني عن المعتزلة، فهو ينقل مثلاً عن الكعبي (المعتزلي) [39]، وربما نقل عن الوراق [40] وغيرهما، وإن كان ينقل أحياناً عن الأشعري [41]، كما أنه ينقل عن أشخاص آخرين، وقد يذكر كتباً غير موجودة - الآن - وينقل عنها، مثل: كتاب"عذاب القبر"لابن كرام، وكتاب في مقالات الخوارج للحسين الكرابيسي، وكثيراً ماينقل الشهرستاني الأقوال دون عزوٍِ إلى مصادرها، وقد يترجم بعض الكلام فينقله من الأعجمية إلى العربية، كما فعل بما كتبه أحد الباطنيين [42].
(يُتْبَعُ)
(/)
وعندما نتحدث عن المآخذ على هذا الكتاب، فمنها: عدم اشتراطه نقد الفرق المنحرفة، والرد عليها، والمسلم مطالب بنصرة الحق والدعوة إليه، ورد الباطل والتحذير منه، فأهل الاستقامة يحبون الحق ويعرفونه، كما يرحمون الخلق فيدعونهم للخير، وربما كان هذا الشرط الذي اشترطه الشهرستاني على نفسه سبباً في رميه ببعض الاتهامات [43].
ومأخذ آخر وهو: نقل الشهرستاني عن الشيعة والمعتزلة بلا تمحيص ولا توثيق، وهذا ما أشار إليه ابن تيميه آنفاً، ومن ثمَّ فإن كتابه يحوي أقوالاً لا زمام لها ولا خطام، ومثاله: ما ذكره في المقدمة الثالثة في أول كتابه، حيث قال: "في بيان أول شبهة وقعت في الخليقة، ومن مصدرها في الأول، ومن مظهرها في الآخرة " [44]، وقد بنى على هذه المناظرة الكثير من النتائج المهمة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على ذلك:
"فهذه الشبهة التي ذكرها الشهرستاني في أول كتابه (الملل والنحل) عن إبليس في مناظرته للملائكة لا تعلم إلا بالنقل، وهو لم يذكر لها إسناداً، بل لا إسناد لها أصلاً، فإن هذه لم تنقل عن النبى -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أحد من الصحابة، ولا عن أئمة المسلمين المشهورين، ولا هى أيضاً مما هو معلوم عند أهل الكتاب" [45].
وقد عرض شيخ الإسلام لكثير من الأقوال التي أوردها الشهرستاني، ونقدها [46]، ويظهر أن الشهرستاني قليل المعرفة بالحديث، وقد تعقَّبه شيخ الإسلام في عدة مواضع [47]، يقول:"والشهرستاني لا خبرة له بالحديث وآثار الصحابة و التابعين [48].
ومأخذ ثالث - وهو وثيق الصلة بما سبق -، وهو: أن الشهرستاني مع كثرة ذكره للمقالات وأقوال أهل الديانات وأهل الأهواء، إلا أنه لم ينقل مذهب الصحابة وسلف الأُمة، لا تعمداً منه لتركه، بل لأنه لم يعرفه، وذلك لقلة خبرته بنصوص الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين.
وفي الختام
أرجو أن أكون قد وفقت في بيان شيء من المعلومات عن هذا المتكلم وكتابه، ونسأل الله عز وجل أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
[1] توجد رسالة علمية في مصر عن الشهرستاني وآرائه الكلامية والفلسفية لسهير مختار، وهناك رسالة علمية سجلت أخيراً بجامعة الإمام محمد بن مسعود عن الشهرستاني ومنهجه في (الملل والنحل).
[2] سير أعلام النبلاء للذهبي 20/ 287
[3] وقد ذكرت د. سهير مختار هذه القصة في تحقيقها لكتاب مصارعة الفلاسفة للشهرستاني. فقالت:"وهي في شرح سورة يوسف، وهو شرح لطيف مع تسجيل بعض الروايات عن الصوفية".
[4] انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 20/ 286، وطبقات الشافعية للسبكي 6/ 128، وشذرات الذهب 4/ 149، وانظر مقدمة كتاب مصارعة الفلاسفة بتحقيق د. سهير مختار.
[5] سير أعلام النبلاء 20/ 287 - 288، وطبقات الشافعية للسبكي 6/ 13.
[6] شذرات الذهب 4/ 149.
[7] درء تعارض العقل والنقل 173/ 5.
[8] كتابا ابن السمعاني.
[9] طبقات الشافعية للسبكي 130/ 6.
[10] منهاج السنة 305/ 6.
[11] درء تعارض العقل والنقل 8/ 5.
[12] إغاثة اللهفان 2/ 1 38، وانظر مقدمة الشهرستاني لكتابه (مصارعة الفلاسفة)، ص 6 1، وانظر كتابه نهاية الإقدام، ص 5، ص 33، كما أن كتاب (نهاية الإقدام) قد تضمن ردوداً على عموم الفلاسفة، والدهرية، و المعتزلة.
[13] انظر الملل والنحل للشهرستاني 191/ 1 - 198، تحقيق محمد سيد كيلاني.
[14] انظر الفرق بين الفرق، ص 1 28 - 2 31
[15] درء تعارض العقل والنقل 2/ 307، 67/ 9، وانظر المنهاج 5/ 268و6/ 303و319.
[16] الملل والنحل 1/ 173.
[17] هناك من أصحاب المقالات من يفصل بين الإسماعيلية والشيعة، وهناك من يجعل الإسماعيلية فرقة من فرق الشيعة، كما يفعل الشهرستاني.
[18] لسان الميزان 264/ 5.
[19] الملل والنحل 197/ 1.
[20] منهاج السنة 306/ 6.
[21] انظر ترجمته في طبقات أعلام الشيعة لآغابزرك الطهراني 182/ 6، وانظر مقدمة (المصارعة) ص13.
[22] مصارعة الفلاسفة، ص 14.
[23] الملل والنحل 27/ 1، ومرة يقول:"لقد كان علي على الحق في جميع أحواله، يدور الحق معه حيث دار) الملل والنحل 103/ 1.
[24] منهاج السنة 362/ 6 باختصار.
[25] انظر منهاج السنة 347/ 6.
[26] المصدر السابق 6/ 350.
[27] انظر، الملل والنحل1/ 164، 65 1.
[28] المصدر السابق 172/ 1، وانظر 93/ 1. يقول الشهرستاني في "نهاية الإقدام": اعلم أن الإمامة ليست من أصول الاعتقاد، بحيث يفضي النظر فيها إلى قطع ويقين بالتعين" ص 478،وذلك أن هذا الكلام رد على الشيعة الإمامية.
[29] طبقات الشافعية 6/ 128.
[30] منهاج السنة 304/ 6.
[31] الملل والنحل 1/ 16.
[32] انظر الملل والنحل1/ 64و83و141و147.
[33] المصدر السابق 1/ 43و46و115و146.
[34] المصدر السابق 1/ 137، (رجال الخوارج)، 6 4 1، (رجال المرجئة)، 0 9 1 (رجال الشيعة).
[35] منهاج. السنة 304/ 6، وانظر كلام د. سامي النشار عن هذا الكتاب في كتابه نشأة الفكر الفلسفى 525/ 1.
[36] المصدر السابق 300/ 6.
[37] منهاج السنة 6/ 307.
[38] الفتاوى 115/ 8.
[39] انظر الملل والنحل ا/55،4 6،67،0 7،75،0 9
[40] انظر الملل والنحل 1/ 184، 87 1.
[41] المصدر السابق 1/ 73و105و129.
[42] المصدر السابق 195/ 1.
[43] انظر مثلاً عرضه لمذهب النصيرية 1/ 188.
[44] الملل والنحل 1/ 16و20.
[45] منهاج السنة 306/ 6.
[46] انظر مثلاً المنهاج 318/ 6، 324، 347، 350.
[47] انظر المنهاج 3/ 6 32، ودرء تعارض العقل والنقل 32/ 3 1.
[48] منهاج السنة 9/ 6 1 3.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 11:57]ـ
الاخ ابو عبد الاكرم الجزائري جزاك الله كل خير على هذه المقالة الطيبة المباركة عن الشهرستاني
وقد شدني كيف ان الشهرستاني تأثر بالباطنية بسبب كثرة مناظرتهم وقلة علمه بمذهب السلف والذي هو السلاح الذي لا ينبوا ولعل هذا عبرة لنا جميعاً حتى نحذر من الدخول في هذه المعارك العقدية والتي كان يتجنبها السلف ويحذرون منها
وللعلم هناك كتاب بعنوان (منهج الشهرستاني في كتابه الملل والنحل) للشيخ محمد بن ناصر السحيباني وهو متوفر في الوقفية ومنتدى اهل الحديث وغيرها من المكتبات الالكترونية
ـ[أبو الطيب المتنبي]ــــــــ[03 - Jul-2009, صباحاً 01:16]ـ
بارك الله فيكم ونفع بكم، وودت لو أن تذكر أفضل طبعة له حتى نقتنيها
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[05 - Jul-2009, مساء 09:30]ـ
الاخ ابو الطيب المتنبي المعذرة على التأخر في الرد وهذا هو رابط الكتاب في الوقفية وانا لا اعلم ان كان له طبعة اخرى
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=1491
ـ[أبو الطيب المتنبي]ــــــــ[05 - Jul-2009, مساء 10:31]ـ
لا تثريب عليك أيها المبجل الصهميم
ـ[أبو بكر العروي]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 07:35]ـ
بوركتم،
نقل كتاب الملل والنحل إلى الفرنسية ثلاثة من الباحثين وترجمتهم تقع في مجلدين كبيرين.
ترجم الجزء الخاص بالفرق الإسلامية دنيال جيماري والجزء الخاص بالدينات الأخرى جي مونو والجزء الخاص بالفلسفة جون جوليفي.
ولبيان مذهب الشهرستاني، أورد مترجم الجزء الأول أقوال الناس فيه ورجح ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله.
وللأمانة، قد خدم هؤلاء الثلاثة -على كفرهم- هذا الكتاب وحواشيه فيها كثير من الفوائد للباحثين.
ـ[أبو الطيب المتنبي]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 07:39]ـ
بوركتم،
نقل كتاب الملل والنحل إلى الفرنسية ثلاثة من الباحثين وترجمتهم تقع في مجلدين كبيرين.
ترجم الجزء الخاص بالفرق الأسلامية دنيال جيماري والجزء الخاص بالدينات الأخرى جي مونو والجزء الخاص بالفلسفة جون جوليفي.
ولبيان مذهب الشهرستاني، أورد مترجم الجزء الأول أقوال الناس فيه ورجح ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله.
وللأمانة، قد خدم هؤلاء الثلاثة -على كفرهم- هذا الكتاب وحواشيه فيها كثير من الفوائد للباحثين.
وأي دار طبعته يا أبابكر
ـ[أبو بكر العروي]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 07:50]ـ
حيّا أبا الطيّب وبارك به.
طبع من قبل " Peeters - UNESCO" ويباع في فرنسا من قبل Maisonneuve et La rose.
ـ[أبو الطيب المتنبي]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 07:55]ـ
بارك الله فيك(/)
هل يسوغ أن تنسب هذه الرسالة لابن تيمية؟
ـ[أبو عبد الأكرم الجزائري]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 06:11]ـ
طُبع كتاب سمّاه محققه د. عبد العزيز الزير آل حمد: (قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم) ونسبه إلى ابن تيمية – رحمه الله -، وقد طُبع هذا الكتاب سنة 1425هـ دون أن يذكر اسم الناشر أو الطابع.
وسأورد بإيجاز جملة من الملحوظات على تلك الرسالة كما يلي:
1 - هذه الرسالة قد حكم جملة من المحققين بعدم ثبوتها لابن تيمية، فقد ردّها الشيخ سليمان بن سحمان في عدة كراريس، ووصفها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم بأنها نقل محرّف (انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية – جمع ابن قاسم– 8/ 5)، كما بيّن بطلان هذه الرسالة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع، في رسالة خطية بعثها إلى الشيخ سليمان بن سحمان سنة 1340هـ، وهذه الرسالة لا تزال مخطوطة في دارة الملك عبد العزيز بالرياض رقم (263).
ولما سئل الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم عن هذه الرسالة، كان من جوابه – كما في تقريرا ته – ما يلي-: (هذه جرى فيها بحث في مصر، وبيّنا لهم بياناً تاماً في الموضوع، وأنها عُرضَت على مشايخ الرياض فأنكروها.
وهذه الرسالة حقيقتها أن بعضها من كلامه، ومحذوف منها شيء، ومدخل فيها شيء آخر، وكلامه في الصارم المسلول، والجواب الصحيح وغيرهما يخالف هذا، وهو أنهم يقاتلون لأجل كفرهم) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 6/ 200، 201، وانظر 6/ 199.
وأما الشيخ سليمان بن حمدان فقد دوّن سنة 1382هـ كتاباً مفرداً يزيد على مائة صفحة في الردّ على هذه الرسالة المنسوبة لابن تيمية، وسمّى كتابه بـ (دلالة النصوص والإجماع على فرض القتال للكفر والدفاع) كما قرر أ. د. علي العلياني في كتابه (أهمية الجهاد) ص 342 براءة ابن تيمية من تلك الرسالة، ومع ذلك فإن المحقق لم يذكر هؤلاء العلماء أو يبسط الحديث عن نقدهم!
2 - أن الذين سردوا مؤلفات ابن تيمية كابن رشيق، وابن عبد الهادي، وابن رجب لم يذكروا تلك الرسالة التي جزم المحقق بثبوتها لابن تيمية!
3 - أن هذه الرسالة مختصرةٌ عن أصل مفقود، ولا يعرف اسم المختصر، ولا تاريخ نسخ المختصر، كما لا يعرف شيء عن هذا الأصل المفقود!! إضافة إلى ذلك فهذا المختصر المجهول، قد كُتِب حديثاً، فهو منقول عن نسخة كُتبت سنة 1363هـ، أي بعد وفاة المؤلف بخمس وثلاثين وثمانمائة سنة!
4 - أن ما في هذه الرسالة ينقضه تقريرات شيخ الإسلام في كتبه المشهورة كما في مجموع الفتاوى 4/ 205، 28/ 349، 358، 359، والجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح 1/ 75 (ط المدني)، والصارم المسلول 2/ 514، والصفدية 2/ 321، ونحوها.
5 - أن في هذه الرسالة آراء تخالف التقريرات المعروفة عن شيخ الإسلام، ومن ذلك أن في تلك الرسالة بيان أن المجوس أعظم شركاً من مشركي العرب كما في ص 160، 163، وهذا على عكس ما قرره شيخ الإسلام في ((التدمرية)) وغيرها، حيث بيّن أن المشركين شرٌ من المجوس (انظر: الرسالة التدمرية ص 190)، ومجموع الفتاوى 8/ 100، 256)، كما أورد في الرسالة قوله تعالى: ((فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ)) [التوبة: 5].
أنه دليل لقول المخالفين، مع أن شيخ الإسلام قرر هذا الدليل كما في اقتضاء الصراط المستقيم، واستدلّ به فقال: [إن الأمر إذا تعلق باسم مفعول مشتق من معنى كان المعنى علة للحكم كما في قوله تعالى: ((فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ)) [التوبة: 5].
وكذا أيضاً في منهاج السنة النبوية 4/ 179 كما أنه دليل على أن موجب القتال هو الشرك والكفر بالله تعالى.
6 - لو سلّمنا جدلاً أن شيخ الإسلام غلط في هذه المسألة، وجعل موجب قتال الكفار هو المقاتلة والمحاربة، فالعبرة باتباع نصوص الوحيين، كما جاء في قوله تعالى: ((قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)) [التوبة: 29].
وقوله- صلى الله عليه وسلم-: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ... )) أخرجه مسلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
7 - أورد المحقق في مقدمته نقولاً كثيرة عن ابن تيمية، لكن هذه النقول تفتقد إلى الدقة والأمانة، فقد اعتراها البتر والحذف، كما في الأمثلة الآتية:
أ– ساق المحقق في ص 22 نقلاً لابن تيمية ولم يتمّه، وتمامه " وكان دم الكافر في أول الإسلام معصوماً بالعصمة الأصلية، وبمنع الله المؤمنين من قتله .. .)) الصارم المسلول 1/ 210.
ب- ساق المحقق ص 24 نقلاً لابن تيمية، وبتره فلم يكمله، والمبتور ما يلي: (فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة، كالنساء والصبيان والراهب، والشيخ الكبير، والأعمى، والزَمِن ونحوهم، فلا يقتل عند جمهور العلماء ... )) مجموع الفتاوى 28/ 354).
وقال - في موضع آخر -: ((ولهذا أوجبت الشريعة قتال الكفار، ولم توجب قتل المقدور عليهم منهم، بل إذا أُسّر الرجل منهم في القتال، أو غير القتال، فإنه يفعل فيه الإمامُ الأصلح من قتله، أو استبعاده، أو المنّ عليه، أو مفادا ته .. )) مجموع الفتاوى 28/ 354.
ج- نقل المحقق ص 24 كلاماً لابن تيمية، لكنه لم يتمّه، وتمامه: (فإنما يُقاتل ممن كان ممانعاً عن ذلك، وهم أهل القتال، فأما من لا يقاتل عن ذلك فلا وجه لقتله كالمرأة والشيخ الكبير والراهب ونحو ذلك .. ) الصارم المسلول 2/ 514.
د- ساق المحقق نقلاً لابن تيمية في ص 26 لكنه حذف مطلعه، حيث قال شيخ الإسلام: (وأنه – صلى الله عليه وسلم – أمر بقتالهم حتى يسلموا .. ).
هـ- نقل المحقق ما قاله ابن تيمية في ص 27 وحذف قوله: (والنساء لسن من أهل القتال.)
و- ساق كلاماً لابن تيمية في 28 من كتاب الجواب الصحيح، وكان على المحقق أن يدرك أن كلام ابن تيمية هاهنا قد جاء ضمن وجوه الجمع بين جهاد الكفار وبين مجادلتهم، والأمر الآخر أن المحقق لم يكمل بقية النص، وهي بقية تُفْسد عليه بُغيته، وهاك البقية، " (فإذا وجب علينا جهاد الكفار بالسيف ابتداءً ودفعاً، فلآن يجب علينا بيان الإسلام وإعلامه ابتداءً ودفعاً لمن يطيقه بطريق الأولى والأحرى.
إلى أن قال: ومعلوم أن يحتاج كل وقت إلى السيف؟) الجواب الصحيح 1/ 75 ط المدني.
ز- ساق كلاماً لابن تيمية في ص 29 لكنه لم يتمّه أيضاً، وتمامه: (ولهذا أوجبت الشريعة قتال الكفار، ولم توجب المقدور عليهم منهم) مجموع الفتاوى 28/ 355.
ح- أورد المحقق نصوص لابن تيمية في ص 35 .. مع أن مقصود ابن تيمية بقوله: (فمن ليس من أهل القتال لم يؤذن في قتاله .. ) أي النساء، كما صرّح بذلك في تتمة النص الذي أسقطه المحقق!
ومع ذلك ففي هذه الرسالة المنحولة- ما يتفق مع تقريرات ابن تيمية، كما أشار إلى ذلك العلامة محمد بن إبراهيم حيث قال: (إن بعضها من كلامه، ومحذوف منها شيء، ومُدَخل فيها شيء آخر .. ، وقد أثبت ذلك المحقق من خلال جهد مشكور، لكن المقصود هاهنا هو بطلان دعوى أن قتال الكفار لأجل المحاربة فحسب، بل إن موجب قتالهم وعلته هو الكفر بالله تعالى.
وإذا كنا نحذر من القول بلا علم، أو التقوّل مع أهل العلم، بأن يُنسب إليهم ما لم يقولوا، فإن على فضيلة محقق هذه الرسالة، أن يسعه ما وسع أئمة الدعوة، لا سيما وأنه من المشتغلين بتراثهم، وكما ينبغي التحذير من تلك الممارسات الخاطئة من تفجيرات باسم الجهاد، وسلوك الطيش والتهوّر، وعدم الالتفات في فقه المصالح والمفاسد، فكذا ينبغي الحذر من ردود الأفعال، وعدم مقابلة الانحراف السابق بانحراف آخر، يؤول إلى خنق الجهاد ومحاصرته، والتكلّف في إيراد شروط لا دليل عليها، وتهويل أخطاء المجاهدين في سبيل الله، كما في العراق وفلسطين وأفغانستان، والشيشان، وملاحقتهم بأنواع اللوم والنقد.
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول: ((وسنام ذلك الجهاد في سبيل الله، فإنه أعلى ما يحبه الله ورسوله، واللائمون عليه كثير، إذ كثير من الناس الذين فيهم إيمان يكرهونه، وهم إمّا مخذّلون مفتِّرون للهمة والإرادة فيه، وإما مرجفون مضعِّفون للقوة والقدرة عليه، وإن كان ذلك من النفاق)) الاستقامة 1/ 265.
أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويهدينا صراطه المستقيم، إن هو البرّ الرحيم. وخذ هذا الرابط http://www.alabdulltif.net/index.php?option=*******&task=view&id=2247&Itemid=5(/)
فوائد من كتاب " إرسال الشواظ على متتبع الشواذ " للشمراني
ـ[زين العابدين الأثري]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 08:29]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه بعض الفوائد انتقيتها لكم من كتاب " ارسال الشواظ على متتبع الشواذ "
للشيخ / صالح بن علي الشمراني.
1 - تكفير ابو أمامة الباهلي للخوارج: عن شداد بن عبد الله قال: شهدت ابا أمامة وهو واقف على رأس الحرورية .. وهو يقول: كلاب أهل النار .. خير قتلى من قتلوه , ودمعت عيناه ... فقال له رجل: إني رايتك قد دمعت
عيناك؟
قال: إنهم لما كانوا مؤمنين وكفروا بعد إيمانهم , ثم قرأ " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ". صـ 17
2 - الذي حلق راس النبي صلى الله عليله وسلم في صلح الحديبية هو فراش بن امية ين الفضل الخزاعي. صـ 38
3 - ولد الشافعي في نفس يوم وفاة أبي حنيفة صـ 53
4 - الأدلة على تحريم التقليد المذموم صـ 61
5 - البتكفير راجع إلى الأدلة والنظر فيها لا إلى نوع المسألة. صـ 72
6 - اقوال أهل الأهواء لا يعتد بها في الشرع , قال الشاطبي " فاقوال أهل الأهواء غير معتد بها في الخلاف المقرر في الشرع " صـ 75
وهذا فيه رد على بعض الأفاضل الذين يطالبو - ا بالإعتداد بخلاف بعض فرق الشيعة!
7 - يستحب الخروج من الخلاف , قال الزركشي: " يستحب الخروج من الخلاف ... ".
قال النووي في شرحه على مسلم " لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق , فإن العلماء متفقةن على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر ".
8 - حديث " إختلاف أمتي رحمة " لا اصل له. صـ 87
9 - حكاية: فسق من يتتبع الرخص لإفتاء الناس - من العلماء - صـ 122
10 - " الإجماع " على حرمة الأخذ برخص كل عالم. صـ 131
يتبع إن شاء الله ..
</ i>(/)
خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة
ـ[أبو يونس العباسي]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 11:33]ـ
خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي جعل الانتماء لدينه شرفا , ومعاداة مناوئيه للتوحيد شرطا , وتحمل الأذى في سبيله علامة على صدق الإيمان والتقوى , والكفر بالعلمانية واجبا وفرضا , ونشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , أفلح من باع النفس والمال له بيعا , والصلاة السلام على سيدنا محمد طيب النسب أصلا وفصلا , الذي ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله هتكا , أما بعد ...
سبب المقال
دعونا بادئ ذي بدء نتساءل هذه الأسئلة الهامة ... أليس مصدر عزتنا وسؤددنا موجود بين أظهرنا؟!!! قال الله تعالى:" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) " (الأنبياء).
أليس ما يعصمنا من الضلال والضياع حاضر بيننا , أخرج مالك في موطئه من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي", ألسنا مرضى والمعاصي مرضنا ونعرف الدواء وهو في منهج ربنا , فلماذا نقصر في التداوي , قال الله تعالى:" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) " (الأعراف)
إن هذه الأسئلة تلح علي وبشدة وهي تدفعني أن أقول لنفسي وإياكم: خذوا الكتاب بقوة وانفضوا غبار التقصير والغفلة , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كيف نأخذ الكتاب بقوة
قال سيد قطب في تفسير قوله تعالى:
{وإذ أخذنا ميثاقكم، ورفعنا فوقكم الطور: خذوا ما آتيناكم بقوة، واذكروا ما فيه لعلكم تتقون. ثم توليتم من بعد ذلك، فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين}
فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع
وتفصيل هذا الميثاق وارد في سور أخرى، وبعضه ورد في هذه السورة فيما بعد. والمهم هنا هو استحضار المشهد، والتناسق النفسي والتعبيري بين قوة رفع الصخرة فوق رؤوسهم وقوة أخذ العهد، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة. وأن يعزموا فيه عزيمة , فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع، ولا يقبل أنصاف الحلول ولا الهزل ولا الرخاوة , إنه عهد الله مع المؤمنين. . وهو جد وحق، فلا سبيل فيه لغير الجد والحق. . وله تكاليف شاقة، نعم! ولكن هذه هي طبيعته ... إنه أمر عظيم ... أعظم من كل ما في هذا الوجود ... فلا بد أن تقبل عليه النفس إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفه، المتجمع الهم والعزيمة المصمم على هذه التكاليف ...
إذا أقبلت على طريق الله فقل وداعا للراحة والدعة
ولا بد أن يدرك صاحب هذا الأمر أنه إنما يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نودي للتكليف: «مضى عهد النوم يا خديجة». وكما قال له ربه: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} وكما قال لبني إسرائيل: {خذوا ما آتيناكم بقوة}. {واذكروا ما فيه لعلكم تتقون}. .
طريق الله جد وحماسة ومعها بصيرة وكياسة
ولا بد مع أخذ العهد بقوة وجد واستجماع نفس وتصميم. . لا بد مع هذا من تذكر ما فيه، واستشعار حقيقته، والتكيف بهذه الحقيقة، كي لا يكون الأمر كله مجرد حماسة وحمية وقوة , فعهد الله منهج حياة، منهج يستقر في القلب تصوراً وشعوراً، ويستقر في الحياة وضعاً ونظاماً، ويستقر في السلوك أدباً وخلقاً، وينتهي إلى التقوى والحساسية برقابة الله وخشية المصير ,ولكن هيهات! لقد أدركت إسرائيل نحيزتها، وغلبت عليها جبلتها: {ثم توليتم من بعد ذلك} أ. هـ , فهل ستتولى عن الله ومنهجه كما تولى بنو إسرائيل؟ إن فعلت فأنت وحدك الخاسر ...
وقال سيد قطب في قول الله تعالى لموسى – عليه السلام -:
{فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}. .
(يُتْبَعُ)
(/)
والأمر الإلهي الجليل لموسى - عليه السلام - أن يأخذ الألواح بقوة وعزم، وأن يأمر قومه أن يأخذوا بما فيها من التكاليف الشاقة بوصفه الأحسن لهم والأصلح لحالهم. . هذا الأمر على هذا النحو فضلاً على أنه يشي بضرورة هذا الأسلوب في أخذ هذه الطبيعة الإسرائيلية، التي أفسدها الذل وطول الأمد، بالعزم والجد، لتحمل تكاليف الرسالة والخلافة، فإنه - كذلك - يوحي بالمنهج الواجب في أخذ كل أمة لكل عقيدة تأتيها. .
إن العقيدة أمر هائل عند الله - سبحانه - وأمر هائل في حساب هذا الكون، وقدر الله الذي يصرفه، وأمر هائل في تاريخ «الإنسان» وحياته في هذه الأرض وفي الدار الآخرة كذلك. . والمنهج الذي تشرعه العقيدة في وحدانية الله - سبحانه - وعبودية البشر لربوبيته وحده، منهج يغير أسلوب الحياة البشرية بجملتها، ويقيم هذه الحياة على أسلوب آخر غير الذي تجري عليه في الجاهلية، حيث تقوم ربوبية غير ربوبية الله سبحانه، ذات منهج للحياة كلها غير منهج الله الذي ينبثق من تلك العقيدة. .
طريق الله أمر ليس بالهين فلا بد أن يؤخذ بقوة وبعلوٍ للهمة
وأمر له هذه الخطورة عند الله، وفي حساب الكون، وفي طبيعة الحياة وفي تاريخ «الإنسان». . يجب أن يؤخذ بقوة، وأن تكون له جديته في النفس، وصراحته وحسمه. ولا ينبغي أن يؤخذ في رخاوة، ولا في تميع، ولا في ترخص، ذلك أنه أمر هائل في ذاته، فضلاً على أن تكاليفه باهظة لا يصبر عليها من طبيعته الرخاوة والتميع والترخص، أو من يأخذ الأمر بمثل هذه المشاعر. .
وليس معنى هذا - بطبيعة الحال - هو التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض! فهذا ليس من طبيعة دين الله. . ولكن معناه الجد والهمة والحسم والصراحة. . وهي صفات أخرى ومشاعر أخرى غير مشاعر التشدد والتعنت والتعقيد والتقبض!
هل نستحق خطابا قاسيا كهذا الذي خوطب به بنو إسرائيل؟
ولقد كانت طبيعة بني إسرائيل - بصفة خاصة - بعدما أفسدها طول الذل والعبودية في مصر , تحتاج إلى هذا التوجيه. لذلك نلحظ أن كل الأوامر لبني إسرائيل كانت مصحوبة بمثل هذا التشديد وهذا التوكيد، تربية لهذه الطبيعة الرخوة الملتوية المنحرفة الخاوية، على الاستقامة والجد والوضوح والصراحة , ومثل طبيعة بني إسرائيل كل طبيعة تعرضت لمثل ما تعرضوا له من طول العبودية والذل، والخضوع للإرهاب والتعبد للطواغيت، فبدت عليها أعراض الالتواء والاحتيال، والأخذ بالأسهل تجنباً للمشقة. . كما هو الملحوظ في واقع كثير من الجماعات البشرية التي نطالعها في زماننا هذا، والتي تهرب من العقيدة لتهرب من تكاليفها، وتسير مع القطيع؛ لأن السير مع القطيع لا يكلفها شيئاً!
لن تنال ما تريد وأنت غافل وإلى الدنيا مطمئن ومائل
إنبعضنا يريد أن يلتزم بالدين وفي نفس الوقت يريد شقة واسعة ومحمولا وسيارةمكيفة، وعروسا عينها زرقاء وشعرها أصفر وطويلة وعريضة ومطيعة وطالبة علم، وعشرة أولاد صبيان، وبنتا تدلله، وخدامه وما علم أو نسي أن الدنيا دار بلاء وعناء قال الله تعالى:"لقد خلقنا الانسان في كبد" البلد , وهي كذلك دار اختبار , قال الله تعالى:"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" الملك
المسلم في هذه الدنيا في شغل ... فمتى الفراغ؟
المؤمن في هذه الدنيا في شغل , فإذا تساءل أحدكم ومتى الفراغ؟
فنقول: الفراغ في الجنة ... فحينما تدخل الجنة افعل ما شئت ..
الدنيادار عمل، فلا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل، فلست في فسحة من أمرك ولذلكقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"اخرجه مسلم (2956) ... الدنيا سجن له ظروفه .. السجن له ملابسه وأكله وشربه ,وله أحكامه ومواعيده، وله ضوابطه ... الدنيا سجن فلا تحاول في السجن أنتعيش في الجنة.
السجنله مواعيده ... مواعيد الفسح ... هناك مواعيد للصلاة , لا يصح النوم فيها , ولاالشغل أثنائها .. هذا هو سجن الدنيا .. ولا بد عليك أن تقطعها هكذا ... لكن الذييريد أن يعيشها على أنها الجنة , فيأكل على مزاجه ويشرب على مزاجه ويمشي علىمزاجه وينام على مزاجه ويفعل ما يريد وما يشتهي سيضل الطريق لا محالة.
عش في الدنيا كما يريد الله لا كما تريد أنت
(يُتْبَعُ)
(/)
لابدأن تعيش الدنيا كما يريد الله لا كما تريدها أنت .. فأنت الآن في سجنالتكاليف الشرعية ... وإن كنت مكتفا بهذه التكاليف النبيلة، فهناك أناسغيرك مكتفون أيضا بالعادات والتقاليد لكن ليس لهم أجر ولك أنت الأجر الجزيل من الرب الجليل ... فلو كنتتمرض فالكفار يمرضون ولو كنت تتعب فالمنافقون يتعبون ... إذا كنت تؤذى فيسبيل الله فهناك من يؤذى من أجل مناهج باطلة بل وكفرية , قال الله تعالى:" إن تكونواتألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون)) النساء.
بمواصلة العمل يتواصل لك من الله الأجر بلا خلل
أنتترجو بالذي تعمله أجرا هم لا يرجونه , وهذا هو عزاؤك .. أن الله تعالىسيعطيك .. فضع نفسك في سجن التكاليف الشرعية ليكون الخروج على باب الجنة بإذن الله تعالى.
من يوم أن نودي صلى الله عليه وسلمب " يأ يها المدثر * قم فأنذر " ولم يرقد أو يركد بعدها لحظةبلكان لسان حاله - صلى الله عليه وسلم -:"ذهب زمان النوم ( http://quran.maktoob.com/vb/search.php?do=process&query=%D8%B0%D9%87%D8%A8%20%D8 %B2%D9%85%D8%A7%D9%86%20%D8%A7 %D9%84%D9%86%D9%88%D9%85&mfs_type=forum&utm_source=Related-Search&utm_medium=Links&utm_campaign=Related) يا خديجة".
ولذلكلم يقل الله للمؤمنين بعد غزوة أحد: كفاكم ما حدث واقعدوا في بيوتكم .. لا .. بل قال سبحانه وتعالى: - "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) " (النساء) قال لهم: اثبتوا على مطاردتهم وظلواخلفهم وإياكم أن تتركوهم .. نعم: شغل مستمر وعمل متواصل وجهد غير منقطع.
خذ الكتاب بقوة وإن أوذيت فالرسول أوذي وما تنازل
ومعذلك تجد بعض الناس يريد أن يتناول كل الشهوات , وان يعيش دوما في عافية .. يا أخي إن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - أوذي وطرد وشتم بل وتفل في وجههالشريف , لقد اضطهد أعز وأطهر مخلوق على ظهر الأرض .. - صلى الله عليه وسلم-شتموه ووضعوا التراب على رأسه .. خنقوه بثوبه ورموا الحجر عليه ... وحفرله حفرة في غزوة أحد ليقع فيها .. فوقع وجحشت ساقاه .. ودخلت حلقات المغفرفي وجنتيه .. شقوا رأسه وأدموا وجهه وضربوا كتفه .. ورموه بالسهام .. وفيالطائف رموه بالحجارة حتى جرح كل جسده - فداه أبي وأمي ونفسي - صلى اللهعليه وسلم – ووقع أيضا من على الفرس فجحش جنبه الشريف .. مرض بالحمى حتى لم يطقحماه أحد .. عاش غريبا .. مطاردا من كفار يريدون قتله .. فداه أبي وأميونفسي رسول الله.
الراحة في الجنة بإذن الله تعالى
إن المتفقه في سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم – لا يجد لحظة استراح فيهافأيامه كلها جهاد وتعب ومشقة .. وإن العين لتذرف رأفة ورحمة به .. مشىكثيرا وجرى كثيرا .. جاع شهورا .. وكان يأكل الدقل (أردأ التمر) وربمالا يجده .. سهر السنين الطويلة ... ونام على الحصير في كد ونصب ليقيم الحقويبلغ دعوة ربه.بأبيهو وأمي ونفسي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أرسل بالمدثر فقام صابرامحتسبا فلم يهدأ حتى جاءه نصر الله، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
هكذا عاشها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
هكذا عاشها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتريد أنت أن تعيشها نظيفةحلوة! تريد أن تعيشها ممتعا معافي! ... تريد أن تعيشها في راحة وأمان! لا يا أخي .. هذة دنيا .. الأصل فيها المشاكل والأحزان وإلا لما كان هناكاشتياق للآخرة .. فيا أخي ... هيا للعمل والتعب والجد والاجتهاد , ولا تلبسثياب الفراغ أثناء العمل.
لا تشغل نفسك بالدنيا وإن جاءتك ففي سبيل الله أنفقها
الدنياشغل .. شغل للآخرة فالزم الشغل حتى تمر هذه الدار بسلام.
الزم الشغل ... ولا تحزن على شيء فاتك منالدنيا ولا تفكر فيها , فان جاءتك أو ارتمت بين يديك، فسخرها في خدمة ما أنت فيهمن عمل الآخرة , وإلا فاطرحها جانبا وامض في طريقك إلى الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن الذي يسير على هذا النهج هو رجل الآخرة , الذي يريد الوصول فلا يخلع ثيابالعمل حتى يلقى الله , أما الذي يريد أن يلبس ثياب الفراغ أثناء العمل, فينشغل قلبه بالزوجة والمال والأولاد , فهو رجل الدنيا ... يعيش لها ولذا لن يصلإلى الله مطلقا حتى يخلع ثياب الفراغ ويلبس دائما ثياب العمل للآخرة. قال الله تعالى:"قلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) " (التوبة)
فوظف أخي في الله كل أركان حياتك في العمل للآخرة , وواصل الشغل ليل نهار , فأنت في مقام مستعبد , ولا يصح للأجير أن يلبس ثياب الراحة في زمانالاستئجار , وكل زمان المتقي صوم نهار, فواصل السير ولا تنقطع.
من أين يستمد المسلم قوته؟
فالإسلام قد أمر بإعداد القوة وتحصيل العدة , قال الله تعالى:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ {الأنفال: 60} , وأما عن المصادر التي يستمد المسلم منها القوة فنعرض بعضا منها في النقاط التالية:
1. الإيمان والعمل الصالح. قال سبحانه: "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ {النور:55}.
2. موالاة الله ورسوله والمؤمنين. قال تعالى:" وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ" {المائدة:56}.
3. الصبر على كيد الأعداء وأذاهم ومقابلة ذلك بعزيمة صلبة وإيمان قوي، قال تعالى: وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {آل عمران:120}.
4. الاتحاد وعدم التفرق، قال تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ {الأنفال:46}.
5. اعتبار الغاية من النصر إقامة دين الله في الأرض، ونشر الخير فيها، وصرف الشر عنها، قال سبحانه:" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" {الحج:41}.
6.الاستغفار وذكر الله , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) " (الأنفال) , وقال أيضا:" وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) ".
7.تأدية الفرائض والمحافظة على النوافل: أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ
(يُتْبَعُ)
(/)
تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ."
فالمنهجية في استعمال القوة تشمل -إذاً- الإعداد العلمي الشرعي، والتربية الإيمانية، كما تشمل العلم بالطب والاقتصاد والمجال الصناعي
والعسكري، وغير ذلك مما يحقق قوة واستقلالية للمسلمين عن أعدائهم , وجماع الخير كله هو في العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه بفهم سلف هذه الأمة.
حمل الأمانة والمسئولية تجاه قضايا الإسلام
التساهل في حمل الأمانة
فإنه من بين مخلوقات الله التي لا تحصى في كونه الفسيح يقف الإنسان- ذلك المخلوق العظيم- متفردًا متميزًا، بكل ما حباه الله تعالى من قدرات وملكات، ليكون متأهلا لحمل الأمانة الكبرى التي ارتضى حملها بعدما أشفقت السماوات والأرض من حملها ومن تبعاتها، أمانة المسئولية عن فعله ودوره، والخلافة عن الله تعالى في أرضه (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) (الأحزاب: 72).
هل كل من حمل الأمانة ظلوم جهول؟
وليس الوصف بالظلم والجهالة مرتبطًا بمجرد الرضا بحمل الأمانة، بل بالغفلة عن مقتضاها، والتفريط الغالب من الإنسان في تبعاتها، وهذا التفريط يفضي إلى الإفساد والشر، في ذات الوقت الذي يؤهله نجاحه في حمل الأمانة إلى ترقية الذات وإسعاد العالم، ومن رحمة الله به أنه ما طالبه بتحقيق الخلافة والوصول إلى الغاية إلا وآتاه وسيلة النجاح في ذلك، وأرشده إلى طريقة الفلاح فيه، وهو الاستمساك بمنهج الله وشريعته، والأخذ القوى به (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 38 - 39)، ومن رحمة الله تعالى له أن أرسل إليه رسله تترى، يحملون دين الحق وشرائع الهدى، ليقوِّموا مسيرة الإنسان، ويضعوا أقدامه على الطريق الصحيح.
التمازج بين المسؤلية الفردية والمسؤلية الجماعية
ثم جاءت رسالة الإسلام الخالدة خاتمة رسالات السماء لتكون جماع الخير كله، وكلمة الله الأخيرة إلى العالم، ليتحاكم الناس إليها في الدنيا، ويحاسبوا بمقتضاها في الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طه: 124 - 126)، (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا* خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً) (طه: 99 - 101).
ومع أن المسئولية عن إقامة الدين الحق ونصرته وتحقيق مراده وغاياته هي مسئولية جماعية تسأل عنها الأمة كلها (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: من الآية13) (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) (الجاثية: من الآية28) إلا أن المسئولية العظمى أمام الله تعالى يوم القيامة تبقى في الأساس مسئولية كل فرد على حدة، وهل المسئولية الجماعية في حقيقتها إلا محصلة تلك المسئوليات الفردية؟ وهل نجاح الجماعة إلا نتيجة نجاحات الأفراد المكونين لها؟ (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا* مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى
(يُتْبَعُ)
(/)
نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 13 - 15) (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (مريم: 93 - 95).وهكذا تتمازج في الإسلام المسئوليتان الجماعية والفردية، ولا تلغي إحداهما الأخرى أو تقلص منها، فدور الجماعة لا يلغي دور الفرد، ولا نجاح للفرد إلا في مناخ جماعي ييسر أداءه، ويبارك جهده، وينمي ثمرته ..
مسئولية الأمة وأبنائها
لقد أراد الله تعالى للأمة التي تحمل رسالته العظمى ودينه الخاتم، وتقوم بالدعوة إليه، والحركة من أجله، والجهاد في سبيله، أن تكون أمة شاهدة على العالمين، رائدة للبشرية، تسير في طليعة الدنيا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة: 143)، وهذا هو الوضع اللائق بأمة نصبت نفسها لتحمل دين الله الحق، وتقوم بتبعاته الثقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77 - 78)
أفضلية أمة الإسلام مرهونة بأداء مهمتها ووظيفتها
ولا ينبغى أن يظن ظان أن في الأمر محاباة لهذه الأمة، أو استعلاء لها بغير الحق، تعالى الله عن ذلك، فليست أمة الإسلام أمة عنصرية تمجد عنصرًا بعينه من عناصر البشر، أو جنسًا خاصًا من أجناسه، بل هي أمة عقيدة تضم كل من أوى إليها، وآمن برسالتها، بغض النظر عن جنسه ولونه، كما أن أفضليتها مرهونة بأدائها لمهمتها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (آل عمران: 110) فإن تقاعست عنها خسرت تلك المكانة العلية، وحوسبت عن تقصيرها أشد حساب، ثم استبدل بها غيرها ممن يستطيعون حمل الرسالة بحق (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38)، (إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة:39) نعوذ بالله من ذلك المصير.
دين الأمة كلها لا دين النخبة وحدها
إن مقتضى ذلك التوازن بين المسئولية الجماعية والفردية، وذلك التفضيل للأمة المرهون بأداء رسالتها، وذلك الاستبدال القائم خطره حين التقاعس والقعود، أن نفهم أن مهمة حمل الرسالة والجهاد في سبيلها هي مهمة الأمة كلها , التي ينبغي على مجموعها وأفرادها النهوض بها، وليست مهمة أفراد منها أو نخبة أو صفوة من أبنائها، وليست أيضًا مهمة جماعة من جماعاتها أو حزب أو فريق بعينه دون غيره، ونحن بذلك لا نلغي دور النخبة والصفوة من الأمة، أو نقلل منه، فلابد لكل أمة من جماعة تقود، وترتاد الطريق، وتعطي المثل والقدوة، ومثل ذلك في حال أمتنا أكثر فرضًا وأشد إلزامًا، كما لا نلغي دور بعض الأفراد من الأبطال والزعماء الحقيقيين الذين ينبهون الأمة إلى مواطن الخطر، أو مواضع الإنجاز، هؤلاء الملهمون الذين يصرخون حين تلتبس على الأمة السبل: "ها هنا الطريق" .. لسنا نقلل من هذا الدور ولا ذاك , إنما ننبه إلى أن نجاح ذلك الدور مرهون بتفهم الأمة له، ومؤازرتها ونصرتها ودعمها لمن يقومون به، وفهمها أن دور أولئك الرواد ليس بديلاً لدورها، وليس مبررًا؛ لأن تنفض يدها من المسئولية الملقاة على عاتقها، والمحاسبة أمام ربها عنها، ظنًا أن فصيلاً من أبنائها كفوها مؤنة ذلك العبء الثقيل.
ـ[أبو يونس العباسي]ــــــــ[02 - Jul-2009, مساء 11:35]ـ
الفقه المعوج عند الناس لفرض العين وفرض الكفاية
(يُتْبَعُ)
(/)
إن بعض الناس يسيئون فهم قضية فروض الكفاية وفروض العين، ويضعون أمر نصرة الإسلام والدفاع عنه والجهاد في سبيله في خانة فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، ويحسبون أن قيام البعض بذلك الفرض يعني الانصراف عنه أو خذلانه، وربما تعويقه والعمل على نقيضه، وذلك خطر ذميم، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف:4)، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71)، (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (النحل: 92)، كما أن الفهم الصحيح لفرض الكفاية يقضي بأنه "إذا قامت به جماعة سقط عن الباقين"، والله يعلم- والناس أجمعون يعلمون- أنه لم "يقم" بناء الإسلام الكامل بعد ما انتقصه منه أعداؤه .. وأن المتصدرين لنصرة الإسلام والعمل له غير قادرين وحدهم على القيام الحق بذلك الفرض في تلك الظروف العالمية المعادية للإسلام، والمتربصة بأهله .. وكيف يُظن بهم القدرة على ذلك وكثير من المسلمين يرتضي لنفسه مقام الغفلة من دينه، والجهل به، أو العداء له ممن ينتسبون إليه؟؟
قم ودع عنك الرقادا
قم ودع عنك الرقاد ***** إنه الإسلام عاد
في سبيل الله سرنا ***** وأعلنا الجهاد
نحن بالرشاش عدنا ***** نملك اليوم القياد
ومشينا صحوة الجيل ***** جموعاً وفراد
ما عرفنا العيش إلا ***** عنفوانا وجلاداً
هب جمع المؤمنين ***** للشباب الصادقين
في ليالي الكرب ساروا ***** خلف قرآن مبين
لم يبالوا بالرزايا ***** بين أنياب السنين
بشر الناس بصبح ***** مشرق بالبينات
وبه الفتح تجلى ***** في بطون الظلمات
وبصف وحدته ***** بالهدى أيدي الأباة
يا ليالي الظالمين ***** يا هوان العابثين
يا ضياعاً في السنين ***** قد أتى الوعد المبين
قد أتيناكم برشاش ***** وقرآن مبين
خذوا الكتاب بقوة بالمسارعة في طاعة وعبادة المولى
فيا أيها الغافل ... إلى متى تؤخر فعل الصالحات؟!
أما علمت أن العجلة لا تحمد إلا في عمل الآخرة؟!
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"التؤدة في كل شئ خير إلا في
عمل الآخرة" [رواه ابو داود والحاكم والبيهقي/ صحيح الترغيب
للألباني:3356]
ولتعلم أخي المسلم أن المسارعة إلى الخيرات تبدأ معك من أصغر
عمل من أعمال البر والطاعات حتى أكبر عمل منها ..
فلا تستحقرن عملاً من أعمال الخير , فإنه وإن كان عندك صغيرا فإنه
عند الله عظيم ..
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وان تفرغ من دلوك في إناء اخيك"
[رواه احمد والترمذي/صحيح الترغيب:2684]
أخي المسلم ... لقد دعاك الله إلى جنة عرضها السموات والأرض , ولم
يطلب منك ثمناً لها إلا المسارعة إلى طاعته ... فماذا عملت لتكون من
أهل جناته ونعيمه المقيم؟! قال الله تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم
وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}
فبادر وسارع قبل حلول الآفات وإظهار الندم والحسرات! يوم لا ينفع ندم ولا حسرات
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا) [رواه مسلم]
فيا معرضاً عن الصالحات! ويا كسولا عن الطاعات! بأي شئ لهوت؟! أم أي خير أدركت؟! أأخذت من الموت أماناً؟!
فاعمل ليوم الرحيل .. وسارع إلى الذخر الباقي , فإنك لسعيد إن شغلك عمل الآخرة عن عمل الدنيا.
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله أوصني؟ قال: (اعبد الله كأنك تراه وأعدد نفسك في الموتى واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة السر بالسر والعلانية بالعلانية) [رواه الطبراني/ صحيح الترغيب:3342]
أخي حاسب نفسك كم أضعت من عمرك في غير الطاعات؟! وكم من ساعات عمرك لم تستثمرها في عمل الصالحات؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
فكم من أناس ذهبت أعمارهم سدى .. وانقضت أيامهم من غير فائدة! غرهم طول الأمل! وأسكرتهم الدنيا بشهواتها!
قال النبي صلى الله عليه وسلم (اغتنم خمس قبل خمس:شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك) [رواه الحاكم/ صحيح الترغيب: 3355]
فهل أنت من المغتنمين لأيام العمر؟! أم أنك من المضيعين المفرطين؟!
إن كل يوم يمضي من عمرك حجة عليك .. وشاهد عليك غداً! وشتان ما بين من عمّر أيامه بالطاعات .. ومن عمرها بالسيئات! ومن العجب أن تنقضي السنين بعد السنين .. وترى البعض منصرفاً عن الطاعات .. مقبلاً على المعاصي! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من عمر من أمتي سبعين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر) [رواه الحاكم/ صحيح الترغيب:3360]
وعكس هذا الغافل .. رجل أفنى عمره في الطاعات .. وبادر إلى الخيرات .. والتمس ما عند الله من رفيع الدرجات .. وفي هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بخيركم؟!) قالوا: نعم , قال
(خياركم أطوالكم أعماراً وأحسنكم أعمالاً) [رواه احمد وابن حبان والبيهقي/ صحيح الترغيب:3361]
أخي المسلم ... إن العاقل من وعظ بغيره , فها هو الموت يخطف الأرواح من حولك .. وسيأتي يومك!
فهل اعتبرت بذلك؟! فتذكر يوم أن تبلغ الروح الحلقوم! ماذا أعددت لتلك اللحظات؟!
فإياك أن تكون ممن قال الله عنهم: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون* لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون}
فاعمل لذلك اليوم الذي لا تنفعك فيه إلا الطاعات .. فإن الناجي يومها من بادر إلى الطاعات قبل الممات .. وأفلت من تلك الكربات
أخي المسلم ... إن أول ما يجب عليك أن تبادر به التوبة ,
فإياك وتسويفها , فبادر بالرجوع إلى ربك تعالى وادخل في طاعته .. واهجر مساخطه قال تعالى: {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} 0
دعوة من السماء للصادقين الأوفياء أن يأخذوا الكتاب بقوة
قال سيد قطب عند تفسير قوله تعالى"يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) ":
قم لتحمل اللواء وتتحمل الّأواء في سبيل رب الأرض والسماء
إنها دعوة السماء، وصوت الكبير المتعال. . قم. . قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك , قم للجهد والنصب والكد والتعب , قم فقد مضى وقت النوم والراحة. . قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد. . وإنها لكلمة عظيمة رهيبة تنتزعه - صلى الله عليه وسلم - من دفء الفراش، في البيت الهادئ والحضن الدافئ. لتدفع به في الخضم، بين الزعازع والأنواء، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء.
الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاًولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً
إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً. فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير. . فماله والنوم؟ وماله والراحة؟ وماله والفراش الدافئ، والعيش الهادئ؟ والمتاع المريح؟! ولقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وقدّره، فقال لخديجة رضي الله عنها وهي تدعوه أن يطمئن وينام: «مضى عهد النوم يا خديجة»! أجل ... مضى عهد النوم وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق!
{يا أيها المزمل. قم الليل إلا قليلاً. نصفه أو انقص منه قليلاً. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً}. .
إنه الإعداء للمهمة الكبرى بوسائل الإعداد الإلهية المضمونة. . قيام الليل. أكثره أكثر من نصف الليل ودون ثلثيه. وأقله ثلث الليل. . قيامه للصلاة وترتيل القرآن. وهو مد الصوت به وتجويده. بلا تغن ولا تطر ولا تخلع في التنغيم.
من يأخذ هذا السيف بحقه؟
في غزوة أحد جرد الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيفا باترا من غمده ونادى اصحابه:من يأخذ هذا السيف بحقه؟
فقام إليه رجال ليأخذوه - منهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وعمر بن الخطاب - , حتى قام إليه أبو دجانه (سماك بن خرشة) فقال: وما حقه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني.
قال أنا آخذه بحقه يا رسول الله فأعطاه إياه.
وكان أبو دجانه رجلا شجاعا يختال عند الحرب وكانت له عصابة حمراء
(يُتْبَعُ)
(/)
إذا اعتصب بها علم الناس انه سيقاتل حتى الموت , فلما أخذ السيف عصب رأسه بتلك العصابة , وجعل يتبختر بين الصفين وحينئذ قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الوقت , فقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس , وجعل لا يلقى مشركا إلا قتله وأخذ يهد صفوف المشركين هدّا ,فقال:الزبير بن العوام وجدت في نفسي حين سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السيف فمنعنيه وأعطاه أبو دجانة وقلت: أي في نفسي أنا ابن صفية عمته ومن قريش , وقد قمت إليه فسألته السيف قبله فأعطاه إياه وتركني والله لأنظرن ما يصنع؟ فاتبعته فاخرج عصابة حمراء فعصب رأسه فقالت الانصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت , فخرج وهو يقول:
أنا الذي عاهدني خليلي ....... ونحن بالسفح لدى النخيل
ان لا اقوم الدهر في الكيول ...... اضرب بسيف الله والرسول
فجعل يقتل كل مشرك يقابله وإذا بفارس من المشركين يتوسط الجيش
فأراد أبو دجانه قتله فإذا هي امرأة فقال أكرمت سيف رسول الله أن اضرب به امرأة وكانت تلك المرأة هند بنت عتبه (أهـ).
فمن يأخذ لواء الدين بحقه فيعيش وقد حكم فيه الإسلام أو يقتل قتلة الأحرار الكرام , فالمسلم يأخذها ضربة في عز ولا يرضى الذل أبدا؟!!!.
أنواع القوى التي نحتاجها
قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله منَ المؤمِن الضعيف، وفي كلٍّ خير)) رواه مسلم.
أحكام خاطئة في تحديد مفهوم القوة والضعف
ينطلِقكثيرٌ منَ الناس في مفهومِ القوة والضعفِ من منظورٍ مادّي واعتباراتٍ أرضيّة، فهذا يقدِّر القوةَ والضعف بحسَب إقبالِ الدنيا وإدبارها، وآخرُ يقدِّر القوّةَ بممارسةِ الجبَروت والقهرِ والبغيِ والطغيان، وثالث يظنّ القوةَ لمن كان له جاهٌ أو حَظوة من سلطان، ورابعٌ يركَن في قوّته إلى ماله أو ولدِه أو مَنصبِه، وخامِسٌ يستمدّ قوّتَه من إجادةِ فنون المكرِوالكيد والخِداع والقدرةِ على التلوّن حسَب المواقف والأحوال.
المفهوم الشامل للقوة في الإسلام
والقوّة ليست ذلك، ولكنَّها قوّة العقيدةِ والخلُق، القوّةُ في العبادةِ والسّلوكِوالجِسم والعِلم والصّناعة والتّجارة. تلك القوّةُ التي تتَّجه بجهدالإنسانِ إلى الخير وتقودُه إلى الرَّحمة، وتجعَل منه أداةً يحِقّ اللهبها الحقَّ ويبطِل الباطِل.
العقيدة أهم عناصر القوة
ومِن أهمِّ عناصر القوةِ قوّةُ العقيدة ورسوخُ الإيمان، فصاحِبُ العقيدة القويّة يؤمن بالله، يتوكَّل عليه، يعتقد أنّه معه حيث كان، تراه تاليًا للقرآنِ ذاكرًا لله تعالى , ومِن أسرارقوّةِ العقيدة أنّه لا يستطيعُ إنسانٌ كائنًا من كان أن يمنعَك من رِزق كتبه الله لك، ولا أن يعطيَكَ رِزقًا لم يَكتُبه الله إليك، بهذا ينقطِع حبلُ اللجوءِ إلى أغنياءِ الأرض وأقويَائِها، ويتَّصِل العبد بحبلِ اللهالمتينِ، فهو المعطِي المانع والرَّزّاق ذو القوّة المتين، يقول رسول اللهلابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما: ((يا غلام، إني أعلِّمُك كلمات: احفظِ اللهَيحفظْك، احفَظِ الله تجِدْه تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ، وإذااستعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أنّ الأمةَ لو اجتمَعت على أن ينفعوك بشيءٍلم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لميضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ وجفَتِ الصحف (رواه الترمذي). ولِقوّةِ العقيدةِ قال رسول الله لعمرَ بنِ الخطاب رضي اللهعنه: ((والذي نفسي بِيَده، ما لقِيَك الشيطان سالِكًا فجًّا قطُّ إلاّسلَك فجًّا غيرَ فجِّك)) رواه البخاري. وهذه فضيلة عظيمةٌ لعمرَ رضي الله عنه تقتضِي أنّ الشيطانَ لا سبيلَ له عليه لقوّةِ إيمانه، لا أنّ ذلك يقتضي وجودَ العِصمة.
وبقوّة العقيدةِ والإيمان جعلَ الله لرسوله من الضعفِ قوّةً، والقِلّة كثرةً، ومنَ الفقر غِنى، لقد كان فَردًا فصارأمّةً، وكان أمّيًّا فعلَّم الملايين، وكان قليلَ المال فصار بالله أغنى الأغنياءِ، قال الله تعالى:" أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى" [الضحى:6ـ8].
قوة الصبر والجلد
(يُتْبَعُ)
(/)
المؤمِنُ القوِيّ يتماسَك أمامَ المصائبِ ويثبُت بين يدَيِ البلاء راضيًا بقضاء الله وقدَره، وقد صوَّر هذا رسولُنا بقوله: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنَّأمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن؛ إن أصابته سرّاءُ شكَر فكانخيرًا له، وإن أصابَته ضرّاء صبرَ فكان خيرًا له)) رواه مسلم.
قوة العبادة
والقوّةُفي العبادةِ بالمحافظة على الفرائِض والاجتهادِ في الطاعات والتّنافس فيالخيرات والتقرُّب إلى الله، فلا يمدّ يدَه إلاّ إلى الحلال، ولا يعيشُ إلا في الطاعَةِ والرّضوان، لقد كان رسولُ الله يقوم حتى تفطَّرت قدَماه، لا يتركُ قيامَ الليل، وكان يتصدَّق بكلِّ ما عِنده.
قوة الأخلاق
والقوّة في الأخلاقِ، لقد فتحَ المسلمون الأوائِل بعضَ البلدان بقوّةِ الأخلاق دون أنتتحرَّك جيوشٌ أو تزَلزَل عُروش، وبعضُ المسلمين اليومَ جمَع من العلمِ فأوعَى وخلاَ من الخُلُق الأوفى.
القوّةُ في الأخلاق دليلُ رسوخِا الإيمان، فإلقاءُ السلام عبادةٌ، وعِيادة المريض عِبادة، وزِيارة الأخِ فيالله عِبادة، وتبسُّمك في وجهِ أخيك صدقة , ومن القوّة ثَبات الأخلاقِ ورُسوخ القِيَم في الفرَح والشِدّة والحزن والألم، مع الصّديقِ والعدوِّوالغنيِّ والفقير، قال تعالى:" وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [المائدة:8]. ومن وصايَا رسول الله لمن أراد الغزوَ أن لا يقتُلوا طِفلاً ولا امرأةً ولاشَيخًا كبيرًا. رواه أبو داود.
لقد فعَل مشرِكو مكّةَ برسولِ اللهما فعلوا، آذَوه وحاصَروه، واتَّهموه وكذَّبوه، أخرجوه ثم شهَروا سيوفَهمليقتلوه. وتمرّ السّنون، ويعود رسولُ الله إلى مكّةَ فاتحًا متواضِعًا لله متذلِّلاً، ويقول لأولئكَ الذين فعَلوا ما فعلوا: ((ما تظنّون أني فاعلٌبكم؟)) قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال:)) اذهبوا فأنتم الطّلَقاء ((
إنّهانتصارِ المبادِئ ورسوخُ القِيَم والقوّة في الأخلاق، وحاشا رسولَ الله أنينتقِمَ لنفسِه أو يثأرَ لشخصِه، وفي الحديث: "وما انتقَمَ رسول اللهلنفسِهِ إلاّ أن تنتَهَك حرمةُ الله فينتقمَ لله بها". رواه البخاري. وفيعالمنا اليومَ من تنتفِخ أوداجُه وتحمرّ عيناه ويصيبه الأرَق والقلَق ولايهدَأ روعُه حتى يثأرَ لنفسِه وينتقِمَ لشخصِه المبجَّل، لكنّه لا يحرِّك ساكنًا ولا يشعُر قلبه امتِعاظًا إذا انتُهِكت محارمُ الله.
قوة الإرادة
والقوّةُ في الإرادَةِ بمغالبة الهوَى والاستعلاءِ على الشهوات، قال تعالى:" وَلاتَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ " [ص:26]. وفي سيرةِ نوحٍ عليه السلام ترى قوّةَ العزيمة والإرادَةِ وهو يسير في دعوتِه ليلاًونهارًا، سِرًّا وجهارًا، يمرّ عليه قومُه وهو يصنَع السفينة، فيُلقُون على سمعه عباراتِ التهكّم والسّخريةِ، فلم تهن عزيمتُه ولم تضعُف إرادَته؛ لأنه كان واثِقًا بنَصر الله، مطمئنًّا إلى وعدِه سبحانه، قال الله تعالى:" وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوامِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَاتَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِوَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ [هود:38، 39].
قالَ ابن القيِّم رحمه الله: "اعلَم أنَّ العبد إنما يقطَع منازلَ السيرِ إلى اللهبقلبه وهمّتِه لا ببدنِه، والتقوى في الحقيقةِ تقوَى القلوب لا تقوَى الجوارح.
فالكيِّسُ يقطَع من المسافَةِ بصحَّةِ العزيمة , وعلُوِّ الهِمّة وتجريدِ القصد وصحّةِ النية مع العملِ القليل أضعافَ أضعافِ ما يقطعه الفارغُ من ذلك مع التّعَب الكثير والسّفَر الشاقّ، فإنّ العزيمةَ والمحبّة تذهِب المشقّةَ وتُطيِّبالسير، والسّبقُ إلى الله سبحانه إنما هو بالهِمَم وصِدقِ الرّغبة، فيتقدّم صاحبُ الهِمّة مع سكونِه صاحبَ العمل الكثيرِ بمراحل، فإن ساواه في همّته تقدّمَ عليه بعَمَلِه" انتهَى كلامه رحمه الله.
الذلُّ قبيح، وفي قَبوله هَلاك
الذلُّ قبيح، وفي قَبوله هَلاك، وحينَ يوضَعُ في موضِعِه الصحيحِ يُعتَبر قوّةًوعِزًّا، قال تعالى: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " [الإسراء:24].
(يُتْبَعُ)
(/)
قوة السيطرة على النفس وضبطها
القوّة في ضبطِ النفسِ والسّيطرة عليها، قال: ((ليس الشّديدُ بالصّرعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسَه عند الغضب)) رواه البخاري.
كظمُ الغيظِ قوّةٌ، قال تعالى:" وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ [آل عمران:134].
القوة البدنية
تحصيلُا لقوّةِ البدنيّة من أهدافِ الشارع الكريم، وفي سبيلِها كان تحريمُالخبائث من الطّعام والشراب، كالخمرِ والميتة ولحمِ الخنزير، وفي سبيلهاكانت عِناية الإسلام برياضةِ البدَن، ومن أجلِ العافية حثَّ الإسلام على التداوِي وأمر بابتغاءِ العِلاج: ((تداووا فإنَّ الله لم يضَع داءً إلاّوضع له شفاءً ـ أو قال: دواءً ـ إلاّ داءً واحدًا))، قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: ((الهرَم)) رواه الترمذي وقد صارَع رسول الله ركانةَفصَرَعه، وكان ذلك سببَ إسلامه، وثبَتَ أنه رمَى بالقوسِ وطَعَن بالرّمح وتقلَّد السيفَ وركِب الخيل. كلُّ ذلك لتُسخَّر هذِه الأجسامُ في طاعةِالله وتُشغَل بالخيرِ وتُبعَد عن كلِّ ما هو محرَّم.
عندما تثمر القوى قوى أخرى
ومع قوّةِالإيمان والأخلاقِ والجِسم تكون القوّةُ في العلم والمعارِفِ والمِهَن، والقوةُ في الجدِّ في مباشرةِ العمَل، وذلك باطِّراح الكَسَل جانِبًاوالخمول ظِهرِيًّا، ذلك العمَل الذي ينمِّي الإنتاجَ ويزيد الثّروَة ويحفظكراماتِ الأفراد ويصِل بالأمة إلى غايتِها من السّيادَةِ والقيادة.
ولقدكان رسولُ الله يستعيذ من كلِّ أسباب ومظاهرِ الضّعف فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من العجزِ والكسَل)) رواه البخاري
حاجة المسلم للقوة
إنّ قوّةَ المسلم ضرورةٌ لا بدّ أن تتحقَّق؛ ليصدُق عليه وصفُ الإسلام وتكتمِلفيه دعائِم الإيمان، وحتى لا يصبِح المسلمون بضعفِهم وهوانهم فتنةً للناس، يصدّونهم عن السبيل، وتتداعى عليهِمُ الأكلَةُ كما تداعَى الأكلَة إلى قصعَتها.
إنّه ينبغي أن لا يَنسَى العبد ربَّه مع مباشرةِ هذهالأسباب، فإنّ العوائقَ جمّة، والحاجة إلى عونِ الله وتوفيقِه في كلِّلحظةٍ وآن، وفي محكمِ التنزيل:" لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ" [الكهف:39]،قال عزّ وجلّ في دعاء نوحٍ بعد أن كذّبه قومه وبذلَ جميع الأسباب: "فَدَعَارَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ" [القمر:10]، وقال تعالى عن موسىعليه الصلاة والسلام في وصيّته لقومه بعد أن هدَّدَهم فرعونُ بقتلِأولادهم:" قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواإِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" [الأعراف:128]، وقال أيضًا عن وصية أخرى منموسَى لقومه:"وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ" [يونس:84]،وقال تعالى عن يوسفَ عليه الصلاة والسلام عندما تعرَّض لفتنةِ النساء": قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْالْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (يوسف)
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو يونس العباسي
مدينة العزة غزة
11 جمادى الآخرة
1430هـ(/)
فائدتان (في كلام الله جل جلاله)!
ـ[معاذ احسان العتيبي]ــــــــ[03 - Jul-2009, مساء 03:37]ـ
قال الشيخ أبا بطين: الأدلة الدالة على أن الله يتكلم حقيقة أكثر من أن يمكن ذكرها هاهنا، منها أن الله - سبحانه- فرق بين الإيحاء المشترك بين الأنبياء وبين التكليم الخاص لموسى فقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} 1 إلى قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 2. فلو لم يكن موسى سمع كلام الله منه بلا واسطة لم يكن له مزية على غيره من الرسل، ولم يكن في تخصيصه بالتكليم فائدة، ولم يسم كليم الله. وقد قال تعالى: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} 3،
فائدة: وأيضا فقد قال الفراء: إن الكلام إذا أكد بالمصدر ارتفع المجاز، وثبتت الحقيقة، وقد أكد الفعل بالمصدر في قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 4، وقال تعالى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} 5، وقال: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} 6، وقال: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} 7، وقال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ} 8 الآية. ففي هذا ونحوه دلالة صريحة أن الله كلم موسى، وناداه بنفسه بلا واسطة، وموسى سمع كلام الله، ونداءه، لأنه لا يجوز لغير الله أن يقول: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 9.
وقد ذكر الإمام أحمد - رضي الله عنه- في كتاب الرد على الجهمية: عن الزهري قال: لما سمع موسى كلام الله قال: يا رب هذا الكلام الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى، هو كلامي، وإنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، وإنما كلمتك بقدر ما يطيق بدنك، ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمت. فلما رجع موسى إلى قومه قالوا: صف لنا كلام ربك. فقال: سبحان الله، وهل أستطيع أن أصفه لكم. قالوا: فشبهه، قال: هل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها، فكأنه مثله. الخ ... ) اهـ.
ولهذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام حقيقي متى وكيف شاء بما شاء بحرف وصوت لا يُمَاثِلُ أصوات المخلوقين، والدليل على أنه لا يُمَاثِل أصْوَاتَ المَخْلُوقين، قوله تعالى: (ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السَمِيعُ البَصِير) الشورى/11، فَعُرِفَ ابْتِداءً أن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وأهل السنة والجماعة يَعْتَقِدون أن القرآن كلام الله، ومن الأدلة على هذا الاعتقاد قول الله تعالى: (وإنْ أحَدٌ من المشْرِكين استجارك فأجِرْه حتى يَسْمَع كلام الله) التوبة /6 والمراد القرآن بالاتفاق، وأضاف الكلام إلى نفسه فدل على أن القرآن كلامه. (الإسلام سؤال وجواب).
فائدة: قال الشيخ ابن عثيمين:
واعلم أن ابن القيم رحمه الله ذكر أننا إذا أنكرنا أن الله يتكلم؛ فقد أبطلنا الشرع والقدر.
- أما الشرع؛ فلأن الرسالات أنما جاءت بالوحي، والوحي كلام مبلغ إلى المرسل إليه، فإذا نفينا الكلام؛ انتفى الوحي، وإذا انتفى الوحي؛ انتفى الشرع.
أما القدر؛ فلأن الخلق يقع بأمره بقوله: كن فيكون؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82].
ـــــــ
1 سورة النساء آية: 163.
2 سورة النساء آية: 164.
3 سورة الأعراف آية: 144.
4 سورة النساء آية: 164.
5 سورة الشعراء آية: 10.
6 سورة مريم آية: 52.
7 سورة طه آية: 11.
8 سورة القصص آية: 30.
9 سورة القصص آية: 30.(/)
يزيد بن معاوية
ـ[أسامة شبل السنة]ــــــــ[03 - Jul-2009, مساء 05:07]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد اثار إهتمامي يزيد بن معاوية لكثرت ماقيل عنه وختلاف أقول المتحدثين عنه فقيل عنه أنه تارك للصلاة وشارب للخمر وأنه قتل الحسين بن علي1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وأحدث ماأحدث في المدينة وتحليلها ثلاثة أيام وهذا الكلام منقول عن كبار المتحدثين كا تاريخ بن كثير والذهبي وغيرهم
ويقول بعضهم أنه كان مقيما للصلاة عارفا بربه وأنه لم يقتل الحسن والم يمثل بجسده الشريف
وأنه أوى اهل الحسين بعد مقتله ويقولون عنه باقي مافعله إجتهاد منه كما ذكر أبوبكر بن العربي في العواصم من القواصم يقول بعضهم إلعن يزيد ولا تتزيد ولقد لفت سمعي مقولة قالها الشيخ عثمان الخميس في برنامج في قناة صفا والله اعلم أنه قال يزيد بن معاوية لانحبه ولا نسبه عندما سأله المستضيف عن رأيه في يزيد بن معاوية وكان جوابه سريع للأن وقت البرنامج إنتهى مع العلم بأن مثل هذه القضايا لا يكثر الحديث عنها لأن الحديث عنها مولد للفتن فأرجوا من الإخوة الأكارم أن ينصحوني إلى القول الفصل فيه أو إلى كتاب يتحدث عنه بإنصاف على أن يكون المتكلم إعتقاده إعتقاد أهل السنة والجماعة والسلف الصالح وبارك الله فيكم
ـ[مختار الديرة]ــــــــ[03 - Jul-2009, مساء 06:12]ـ
موقفنا من يزيد بن معاوية
السؤال: سمعت عن المدعو يزيد بن معاوية، وأنه كان خليفة على المسلمين في فترة مضت، وأنه كان شخصا سكِّيراً ساديا، ولم يكن مسلما حقا. فهل هذا صحيح؟ أرجو أن تخبرني عن تاريخ المذكور.
الجواب:
الحمد لله
اسمه: يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أميّة الأموي الدمشقي.
قال الذهبي: وكان أمير ذلك الجيش في غزو القسطنطينية وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري عقد له أبوه بولاية العهد من بعده فتسلم الملك عند موت أبيه في رجب سنة ستين وله ثلاث وثلاثون سنة فكانت دولته أقل من أربع سنين.
ويزيد ممن لا نسبُّه ولا نحبه وله نظراء من خلفاء الدولتين وكذلك في ملوك النواحي بل فيهم من هو شر منه وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بتسع وأربعين سنة والعهد قريب والصحابة موجودون كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجده.
افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين واختتمها بواقعة الحرة فمقته الناس ولم يبارك في عمره وخرج عليه غير واحد بعد الحسين كأهل المدينة قاموا لله .. وابن الزبير .....
سير أعلام النبلاء ج/ 4 ص/ 38.
و قد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية الموقف من يزيد بن معاوية فقال:
افترق الناس في يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ثلاث فرق، طرفان ووسط.
فأحد الطرفين قالوا: إنه كان كافراً منافقاً، وأنه سعى في قتل سبط رسول الله تشفِّياً من رسول الله وانتقاما منه، وأخذاً بثأر جده عتبة وأخي جده شيبة، وخاله الوليد بن عتبة وغيرهم ممن قتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيد على بن أبى طالب وغيره يوم بدر وغيرها. وأشياء من هذا النمط وهذا القول سهل على الرافضة الذين يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان فتكفير يزيد أسهل بكثير.
والطرف الثاني: يظنون أنه كان رجلًا صالحاً وإمام عدل، وأنه كان من الصحابة الذين ولدوا على عهد النبي وحمله على يديه وبرَّك عليه. وربما فضَّله بعضهم على أبى بكر وعمر، وربما جعله بعضهم نبيَّا ...
وكلا القولين ظاهر البطلان عند من له أدنى عقل وعلم بالأمور وسِيَر المتقدمين، ولهذا لا ينسب إلى أحد من أهل العلم المعروفين بالسنة ولا إلى ذي عقل من العقلاء الذين لهم رأى وخبرة
والقول الثالث: أنه كان ملكا من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات ولم يولد إلا في خلافة عثمان، ولم يكن كافرا، ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين وفعل ما فعل بأهل الحرة، ولم يكن صاحبا ولا من أولياء الله الصالحين، وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة.
ثم افترقوا ثلاث فرق فرقة لعنته وفرقة أحبته وفرقة لا تسبه ولا تحبه وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين قال صالح بن أحمد قلت لأبي: إن قوما يقولون: إنهم يحبون يزيد فقال يا بني وهل يحب يزيد أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر!! فقلت يا أبت فلماذا لا تلعنه؟ فقال: يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحداً.
وقال أبو محمد المقدسي لما سئل عن يزيد فيما بلغني لا يُسَب ولا يُحَب وقال: وبلغنى أيضا أن جدنا أبا عبد الله بن تيمية سئل عن يزيد فقال: لاننقص فيه ولا نزيد وهذا أعدل الأقوال فيه وفي أمثاله وأحسنها ... أهـ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج/4 ص/481 - 484.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـ[النورسى]ــــــــ[03 - Jul-2009, مساء 07:31]ـ
قال الامام احمد: و هل يحب يزيد احد يؤمن بالله و اليوم الأخر
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أسامة شبل السنة]ــــــــ[03 - Jul-2009, مساء 07:36]ـ
بارك الله فيك وبك وعليك
ـ[النورسى]ــــــــ[03 - Jul-2009, مساء 07:41]ـ
صنف ابن الجوزى كتابا سماه ((الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد)) 1
1 / ابن مفلح: المقصد الارشد فى ذكر اصحاب الامام احمد 2/ 136
ـ[أبو عبد الأكرم الجزائري]ــــــــ[04 - Jul-2009, مساء 06:15]ـ
يزيد بن معاوية من ملوك المسلمين ومادام مسلم احي في الله فيعامل معاملة اهل الاسلام وهي اوثق عرى الايمان الحب في الله والبغض في الله فما قدمه لله من طاعة وخدمة للمسلمين فيحب وما كان بالعكس فالبغض اوجب ومع هذا فلا يتعرض له وهو ميت بالسب والشتم لان النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن سب الاموات فقال لا تسبوا الاموات فقد افضوا الى ما قدموا وكذلك ذكره لا فائدة فيه واللبيب من اشتغل بعيوب نفسه والسعيد من وعظ بغيره نسأل الله السلامة والعافية اما ما قيل فيه فكل له وجهة ورأي والمسلم يعمل بما دل عليه الدليل وما اصل من اصول التي وضعها الائمة وسطروها في كتبهم التي استقوها من المنبع الصافي كتاب الله والسنة الصحيحة فبها يعرف الحق ويصوب اقول الرجال مهما كانوا وفق الله الجميع الى طاعته
ـ[علي السعوي]ــــــــ[08 - Jul-2009, صباحاً 08:22]ـ
قال الرياشي ( http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&ftp=alam&id=1000407&spid=337) رحمه الله تعالى:
لعمرك إن في ذنبي لشغلاً ... لنفسي عن ذنوب بني أمية
على ربي حسابهم تناهى ... إليه علم ذلك لا إليه
وليس بضائري ما قد أتوه ... إذا ما الله يغفر ما لديه
ـ[أسامة شبل السنة]ــــــــ[09 - Jul-2009, صباحاً 07:17]ـ
بارك الله فيك أخي علي السعودي ولا كن معرفته مهمة لكي لا يقع المرء في المحضور فإذا عرفه سكة وفوض امره إلى الله
وإن الأبيات التي ذكرتها هي خير مايقال فيه بعد معرفته(/)
الاختلاف في الفروع الفقهية
ـ[بنت العراق]ــــــــ[04 - Jul-2009, مساء 09:50]ـ
الاختلاف في الفروع الفقهية
ما الفرق بين الخلاف والاختلاف
أ-أجاب عن ذلك أبو البقاء الكوفي في كلياته فقال:
1 - الاختلاف:هو ان يكون الطريق مختلفاً والمقصود واحداً.
والخلاف: هو ان يكون كلاهما مختلفاً
2 - والاختلاف: ما يستند إلى دليل, والخلاف: ما لا يستند إلى دليل.
3 - والاختلاف من أثار الرحمة والخلاف من أثار البدعة.
4 - ولو حكم القاضي بالخلاف ورفع لغيره، يجوز فسخه بخلاف الاختلاف،فإن الخلاف هو ما وقع في محل لا يجوز فيهاالاجتهاد، وهو ما كان مخالفاً للكتاب والسنة والاجماع.
- مجالات الاختلاف في أصول الاسلام مما لم يخرج عن الملة.
- الاختلاف في فرع الاسلام.
-أما المجال الاول:
فيقصد به الاختلاف في بعض الجزئيات كاختلافهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراءوالمعراج فأثبتها ابن عباس رضي الله عنه، وأنكرتها أم المؤمنين السيدة عائشة – رضي الله عنها- كما أنكرت رضي الله عنها أن الميت يعذب ببكاء أهله وأثبته غيرها من الصحابة.
قال الشيخ الإمام ابن تيمة"أن السلف أخطأ كثير منهم في هذه المسائل، وأتفقوا على عدم التفكير بذلك،مثل ما انكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي،وانكر بعضهم رؤية محمد –صلى الله عليه وسلم- ربه ........... وكان القاضي شريح ينكر قراءة (بل عجبتُ) ويقول! إن الله لايعجب واتفقت الأمةأنه إمام من الإئمة .............. "مجموع الفتاوى 493:12
والمقصود من هذا:أن الاختلاف في الاصول جائز ما لم يخرج عن الملة.
أما ان جر الاختلاف في اصول الاسلام الى إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة فهو خلاف مخرج عن الملة.
- أما المجال الثاني:
وهو الخلاف في الفروع الفقهية.
تكملة الموضوع في المشاركة التي تليها
[ lc1] (http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_msoanchor_1)
ـ[ابن مصرالاول]ــــــــ[11 - Aug-2009, مساء 10:51]ـ
جزاكي الله خيرا يا بنت العراق علي توضيح اختلاف الرائي في الموضوع اعلاه(/)
من صفات الموعودين بالجنة
ـ[ابو البراء الغزي]ــــــــ[04 - Jul-2009, مساء 10:14]ـ
من صفات الموعودين بالجنة
للشيخ / عبد العزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وبعد.
فإنَّ غايةَ ما يرجوه المسلمُ من عبادته لربه سبحانه في هذه الدنيا، هو الفوزُ برضوانه تعالى وجنته، والنجاة من سخطه والنار، ومن علامة توفيقِ الله سبحانهُ لعبدهِ المؤمن، أن يدلهُ ويوفقهُ لأقرب الطرق وآكدها، لتحصيل هذه الغايةِ العظيمة، ولا شكَّ أنَّ الطريقَ إلى ذلك هو طاعتهُ سبحانهُ بإخلاصٍ ومتابعة، وترك معاصيهِ بإخلاصٍ ومتابعة؛ هذا على وجهِ الإجمال، أمَّا على وجه التفصيل والمفاضلةِ بين الأعمالِ الصالحةِ وأحبَّها إلى الله عزَّ وجل وأرضاها له، فإنَّ المستقرئُ لكتاب الله عز وجل، وما وردَ فيه من صفاتِ أهل جنته، ورحمته ورضوانه، ليجدُ شيئًا عجيبًا جديرًا بالتأمل والتدبر، ذلك أنَّ جُلَّ ما وردَ من الآيات التي يذكرُ فيها سبحانه ما أعدَّ لأوليائهِ من الجنَّة والرضوان، يسبقها في العادةِ صفات الموعودين بذلك.
وبالتأملِ في أوصافهم تلك، نجدها تنحصرُ في الغالبِ في المجاهدين والمهاجرين، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والصابرين على المحنِ والابتلاءات في طريق الدعوة والجهاد، والآيات في ذلك كثيرة، أذكرُ منها على سبيل المثالِ لا الحصر ما يلي.
الآية الأولى قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (البقرة:218).
الآية الثانية قوله تعالى: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)) (البقرة:214).
الآية الثالثة قوله تعالى: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) (آل عمران:142).
الآية الرابعة قوله تعالى: ((وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) (آل عمران:157).
الآية الخامسة، قوله تعالى: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ َفرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)) (آل عمران: 169 ـ 174).
الآية السادسة قوله تعالى: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)) (آل عمران:195).
الآية السابعة قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) (لأنفال:74)
الآية الثامنة قوله تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)) (التوبة: 20 ـ 22).
الآية التاسعة قوله تعالى: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) (التوبة:71).
الآية العاشرة قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (الصف:11).
الآية الحادية عشرة قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (التوبة:111).
والآيات في هذا كثيرة، فهل من مُشمرٍ وبائعٍ نفسهُ ابتغاءَ مرضاة الله وجنته؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[صالح الطريف]ــــــــ[05 - Jul-2009, صباحاً 01:37]ـ
بارك الله فيك ياأخي ...(/)
الغلو و الجفاء تحت مسمى شرعى
ـ[النورسى]ــــــــ[05 - Jul-2009, صباحاً 12:28]ـ
الغلو و الجفاء
تحت مسمى شرعى!!
كلنا ذو خطأ، و قد يخطأ بعضنا أحيانا و لا يريد أن يعترف بالخطأ و يأخذ يبرر لخطأه، و هذا أمر خطير، لكن الأخطر منه هو ان نصبغ أخطاءنا بصبغة الشرع لتبريرها! و هنا نسلط الضوء على ظاهرتين متناقضتين تماما، تم إعطاء صبغة الشرع عليهما من أبناء الصحوة، و هما الغلو و الجفاء لعلماء و قادة العمل الإسلامى.
و تم توجيه الضوء عليهما لخطورتهما فى مسار صحوتنا و من باب نقد الذات الإسلامية و النصح و الترشيد.
أولا: الغلو فى العلماء و قادة العمل الإسلامى:
الغلو فى اللغة هو الزيادة عن الحد، و شرعا هو مجاوزة الحد المطلوب فى الشريعة إلى أبعد منه
و للمغالى و المنبهر حالة نفسية شاذة عن غيرها بعض صفاتها:
1 - التربية الذليلة فى المجتمعات المقهورة، و الشعب الذليل لا خير فيه تراه منساق دائما، و قد كتب عمر بن الخطاب لأحد قادته قائلا (لا تضربوا أبشار الناس فتذلوهم).
2 - الأمعية و حب التقليد و هذا يكون ناتج عن عدم ثقة بالنفس و التهرب من تحمل المسؤلية.
3 - الجبن و إرادة التبعية.
و عندما تواجه أحد هؤلاء المغالين و المنبهرين بعدم مشروعية سلوكه و خطورته على العمل تجد المبررات جاهزة تحت المسميات الشرعية و منها:
ان هذا الغلو من باب محبة الصالحين، و تعظيم العلماء، و نصرة اهل السنة و الحق، و ان هذا الإطراء المبالغ فيه لأن هذا العالم هو أعلم أهل الأرض و هو مجدد الزمان و ناصر الإسلام .. إلخ
و تراه يأتيك بالأيات و الأحاديث و يلوى أعناقها و يأوولها لكى تتماشى مع هذا التصور الذى هو عليه.
و هذا الغلو عابه الله تعالى على المشركين قائلا عز و جل عنهم {إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على أثرهم مقتدون}، و قال ابن مسعود " ألا لا يقلد أحدكم دينه رجلا، إن أمن أمن، و إن كفر كفر، فإنه لا أسوة فى الشر "، و قال أحمد " من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال ".
و لهذا الغلو و الأنبهار أثاره السلبية على واقع الصحوة و منها:
1 – قتل الإبداع و الإحباط: و هذا المرض يصيب المنبهرين من أصحاب المواهب و القدرات، إذ يظنون أنه ليس بالإمكان أن يأتوا بأفضل مما أتى به فلان و فلان، لأن هؤلاء عندهم لم يتركوا شىء إلا فعلوه، فيصاب المنبهر بالإحباط و اليأس و يكون مدخل من مداخل ترك العمل و الأنزواء و الإبتعاد.
2 – تنمية روح القطيع و القضاء على روح الفريق: و لأن الغلو يصم و يعمى، و المنبهر لا يستطيع أن ينقد أو يراجع فى شىء، يكون دائما تابع لا رأى له و لا فكر له، و بهذا تنمو روح القطيع و تموت روح الفريق.
ثانيا: الجفاء و تحطيم القدوات:
فى الوقت الذى تبحث الأمم عن قدوات و عظماء ليظهروهم، يعمد هؤلاء لتحطيم قدواتنا، بأعذار واهيه زينها الشيطان لهؤلاء حتى صارت ديدنهم و دينهم.
و هؤلاء الذين يقومون بتحطيم القدوات لهم ايضا صفات نفسية شاذة عن غيرهم منها:
1 – و الحسد و الغل و الحقد: و هذا داء دفين يسرى فى نفوسهم لما يرون من أقبال الناس على غيرهم، و إنقطاعهم عنهمو هؤلاء يعيشون بين الدعاة بنفسية لأقتلنك، فهم دائما فى مواجهه أى عمل ناجح مقبول ليس لهم فيه نصيب.
2 – الإستهانة و التحقير: و هؤلاء دائما يرون عمل غيرهم " لا شىء " و قد يكون هذا ناتج الغرور العلمى، و إغماض العين عن الإيجابيات و شغفها بالسلبيات و النقائص.
3 – الجرءة المذمومة و النقد الهدام و التعالم.
و عندما نواجه أحد من هذا الفريق بعدم مشروعية أفعاله، تجد الردود جاهزة و مغلفة بغلاف الشرع:
يقول لك هذا ليس جفاء انما هو علم الجرح و التعديل، و تنقية للصف، و نصح للأمة، وتيبان للحق و تحذير من خطر هؤلاء على الناشئة.
و تحطيم القدوات هذا له أثاره السلبية على واقع الدعوة و منها:
1 – توارى عظمة أولئك العلماء و القادة فى نفوس العامة، مما يؤدى إلى البعد عنهم و عدم الإنتفاع بما عندهم.
2 – أهتزاز ثقة العامة بأهل الدين جميعا، و تعميم هذه النظرة إلى الصف الإسلامى كله.
3 – البحث عن قدوات أخرى قد تكون فاسدة، و قد تسهل تمرير مخططات الاعداء و تساعد على تغييب الأمة.
4 – إنشغال طلبة العلم و الدعاة بما لافائدة فيه و الدخول فى معارك وهمية تفرغ طاقة الصف الإسلامى و تفرق ولاءه.
و الموقف الصحيح هو كما قال الشاطبى عن أهل السنة {إن انتسابهم و انتماءهم للكتاب و السنة، و متبوعهم هو محمد، و أما الرجال (العلماء) فأدلاء على الحق}
و عليه لايكون محور الولاء على الأشخاص إنما على الأدلة، و أن يحمل كلام العلماء على أحسن المحامل، و ان ينقد الخطأ دون الحط و الهدم، و أن نشغل أنفسنا بأعداءنا الحقيقون و أهل الباطل المحاربين للإسلام حتى يصح إيماننا بالله و كفرنا بالطواغيت.
و الحمد لله رب العالمين.(/)
بحث في مسألة حكم إطلاق لفظ:أحفاد القردة والخنازير على اليهود؟
ـ[خباب الحمد]ــــــــ[05 - Jul-2009, صباحاً 12:41]ـ
حكم إطلاق لفظ أحفاد القردة والخنازير على اليهود
بقلم: خبَّاب بن مروان الحمد
الحمد لله وبعد:
فقد دار بين بعض إخواني من طلبة العلم جدال لطيف حول حكم إطلاق (أحفاد القردة والخنازير) على اليهود، فأحببت أن أبحث هذه المسألة، لعلَّ الله ـ تعالى ـ يوفقني للصواب فيها ... آمين.
عند التأمُّل في هذه المسألة أنَّ إطلاق لفظ (أحفاد القردة والخنازير) على اليهود لا يليق؛ لأنَّ الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنَّه قال: " إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك".
فهم إذاً لم يعقبوا ولم يتناسلوا، بل ماتوا بعض مضيِّ ثلاثة أيام كما حكاه جمع من التابعين، فكيف نقول عنهم بأنَّهم أحفادهم؟!
وعليه فإنَّ في ذلك تجاوزاً، وإن كان بعض مشايخنا جوَّزوا هذا الإطلاق عليهم، كشيخنا الفقيه الأصولي:محمد صدقي البورنو المكنَّى بأبي الحارث الغزِّي ـ حفظه الله ومتَّعنا بعلمه ـ حيث سألته فقال: يجوز إطلاق ذلك ذمَّاً لهم وتوبيخاً، وإن لم يكونوا أحفاداً للقردة والخنازير، وقد قاس فضيلته ذلك بقوله تعالى حين قال لنبيِّنا محمد ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يأمره بمخاطبة اليهود: (قل فلِمَ تقتلون أنبياء الله من قبل) (البقرة:91) وقد كان الخطاب ليهود المدينة، وهم لم يكن لهم يد في قتل الأنبياء السابقين، ولكنَّ ذلك من باب الذم لهم والإنكار على أفعالهم الشنيعة، حيث إنَّهم يشابهونهم في الصفات والأفعال القبيحة، هذا رأي شيخنا العلاَّمة البورنو (وله محلّه من النظر والاعتبار)!
بيدَ أنِّي أميل إلى أن يُطْلَقَ عليهم أنَّهم: (إخوان القردة والخنازير) اقتداء برسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حين قال لهم ذلك، ولمشابهتهم للذين مسخوا في العناد والتمرد على الله وعلى أنبيائه بغير الحق، فاستحقوا ذلكم النعت.
وهذا اللفظ أطلقته أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ على اليهود أمام رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ، ولم يعاتبها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كما في حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن اليهود دخلوا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا: السام عليك، فقال النبي ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ: السام عليكم فقالت عائشة: السام عليكم يا إخوان القردة والخنازير ولعنة الله وغضبه فقال: يا عائشة مه! فقالت: يا رسول الله! أما سمعت ما قالوا؟ قال: أو ما سمعت ما رددت عليهم؟ يا عائشة! لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه ولم ينزع من شيء إلا شانه).والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/ 241) من حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ وقال الألباني: (إسناده رجاله ثقات على شرط مسلم غير مؤمَّل وهو ابن اسماعيل البصري صدوق سيئ الحفظ) (إرواء الغليل 5/ 118).
وقد أخرج الإمام ابن خزيمة في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها:" أنَّه دخل يهودي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: السام عليك يا محمد! فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وعليك، فقالت عائشة: فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذلك فسكتُّ، ثم دخل آخر فقال: السام عليك، فقال: عليك. فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذلك، ثم دخل الثالث، فقال: السام عليك: فلم أصبر حتى قلت: وعليك السام وغضب الله ولعنته إخوان القردة والخنازير، أتحيون رسول الله بما لم يحيه الله؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولا فرددنا عليهم؛ إن اليهود قوم حسد وهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى آمين".أخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم: (574) وحكم عليه الألباني كذلك بصحَّة إسناده في السلسلة الصحيحة (2/ 306).
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد ثبت أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال لليهود وهو مشرف على حصون بني قريظة وقد حاصرهم:" يا إخوان القردة والخنازير، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ " وقد ناداهم بذلك؛ لكفرهم ونقضهم العهود التي كانت بينهم وبينه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وموالاتهم الأحزاب ضدَّه، ولشتمهم إيَّاه. (الطبري (2/ 252) تحقيق الشيخ أحمد شاكر، وذكره ابن كثير بتحقيق الوادعي: (1/ 207) ووردت في (إمتاع الأسماع صـ 243) بنص: "يا إخوان القردة والخنازير وعبدة الطواغيت، أتشتمونني؟! " بل ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره لآية76 من سورة البقرة نقلاً عن مجاهد قال: قام رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يوم قريظة تحت حصونهم فقال:"يا إخوان القردة والخنازير، يا عبدة الطاغوت".
وقد ذكر الإمام ابن كثير أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان عند عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت عائشة: فسلَّم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فزعاً وقمت في أثره؛ فإذا بدحية الكلبي، فقال: هذا جبريل أمرني أن أذهب إلى بني قريظة؛ وقال: قد وضعتم السلاح لكنا لم نضع طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد؛ وذلك حين رجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الخندق، فقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فزعا، وقال لأصحابه: عزمت عليكم ألاَّ تصلُّوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة، فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فقالت طائفة من المسلمين: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يرد أن تدعوا الصلاة، فصلوا، وقالت طائفة: والله إنا لفي عزيمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما علينا من إثم فصلَّت طائفة إيماناً واحتساباً وتركت طائفة إيماناً واحتساباً ولم يعنف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحداً من الفريقين، وخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمرَّ بمجالس بينه وبين بني قريظة فقال: هل مر بكم أحد فقالوا مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج، فقال: ذلك جبريل أُرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب، فحاصرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر أصحابه أن يستروه بالجحف حتى يسمع كلامهم فناداهم: يا إخوة القردة والخنازير، فقالوا: يا أبا القاسم: لم تكن فحاشاً فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم).قال الإمام ابن كثير بعد إيراده هذا الحديث في كتابه البداية والنهاية: ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وعن غيرها) (البداية والنهاية 4/ 119).
ومن خلال بحثي في هذه المسألة وجدت أنَّ الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ قد نعت اليهود بذلك قائلاً في تفسيره سورة الأعراف عند آية: (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون) (الأعراف:17) فقد وصف الإمام القرطبي هذه الآية بأنَّها من أمَّهات الشريعة، ثم قال: (إنَّ الله أمر رسوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أن يسأل إخوة القردة والخنازير عن القرية التي اعتدوا فيها يوم السبت).
بل قال ـ رحمه الله تعالى ـ عند تفسيره لقوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) قال: (لما نزلت هذه الآية قال المسلمون لهم: يا إخوة القردة والخنازير! فنكسوا رؤوسهم افتضاحا , وفيهم يقول الشاعر:
فلعنة الله على اليهود ... إن اليهود إخوة القرود).
ولهذا فالذي يظهر لي ـ والله تعالى أعلم ـ جواز إطلاق لفظ: (إخوان القردة والخنازير) على اليهود الملاعين.
نسأل الله ـ تعالى ـ أن يكفي المسلمين شرَّهم، وأن يحرِّر المسجد الأقصى وبلاد المسلمين من دنسهم، والله المستعان، وعليه التكلان، وصلَّى الله على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
ـ[خباب الحمد]ــــــــ[25 - Mar-2010, صباحاً 09:05]ـ
نفعنا الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله
آمين
ـ[الطيب صياد]ــــــــ[25 - Mar-2010, مساء 10:23]ـ
لعلك تكبر الخط بارك الله فيك ..
ـ[خباب الحمد]ــــــــ[30 - May-2010, صباحاً 10:48]ـ
الخط واضح أخي الطيب الصياد
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[31 - May-2010, صباحاً 03:18]ـ
فقال: ذلك جبريل أُرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب، فحاصرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر أصحابه أن يستروه بالجحف حتى يسمع كلامهم فناداهم: يا إخوة القردة والخنازير، فقالوا: يا أبا القاسم: لم تكن فحاشاً
عائشة! لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه ولم ينزع من شيء إلا شانه)
اعتقد أن الأمر واضح في جوازه استثناءا في مصلحة متيقنة من اعلان العداوة من المحاداة الواضحة و المحاربة البارزة كقوله صلى الله عليه و سلم من دعا بدعوى الجاهلية فعضوا بهن أبيه و لا تكنوا .. أما في الأحوال العادية الغير الاستثنائية فقد عاتب على ترك الرفق و سيرته صلى الله عليه و سلم فيما يبدو لي عامرة بمعاني ذلك و أمره سائر عليه
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خباب الحمد]ــــــــ[25 - Jun-2010, صباحاً 12:06]ـ
الله المستعان
ـ[خباب الحمد]ــــــــ[18 - Oct-2010, مساء 09:51]ـ
جزاكم الله خيرا
اخي ابن الرومية
ـ[مؤمل عفو الغفور]ــــــــ[19 - Oct-2010, صباحاً 12:43]ـ
حكم إطلاق لفظ أحفاد القردة والخنازير على اليهود
بقلم: خبَّاب بن مروان الحمد
الحمد لله وبعد:
فقد دار بين بعض إخواني من طلبة العلم جدال لطيف حول حكم إطلاق (أحفاد القردة والخنازير) على اليهود، فأحببت أن أبحث هذه المسألة، لعلَّ الله ـ تعالى ـ يوفقني للصواب فيها ... آمين.
عند التأمُّل في هذه المسألة أنَّ إطلاق لفظ (أحفاد القردة والخنازير) على اليهود لا يليق؛ لأنَّ الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنَّه قال: " إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك".
فهم إذاً لم يعقبوا ولم يتناسلوا، بل ماتوا بعض مضيِّ ثلاثة أيام كما حكاه جمع من التابعين، فكيف نقول عنهم بأنَّهم أحفادهم؟!
وعليه فإنَّ في ذلك تجاوزاً، وإن كان بعض مشايخنا جوَّزوا هذا الإطلاق عليهم، كشيخنا الفقيه الأصولي:محمد صدقي البورنو المكنَّى بأبي الحارث الغزِّي ـ حفظه الله ومتَّعنا بعلمه ـ حيث سألته فقال: يجوز إطلاق ذلك ذمَّاً لهم وتوبيخاً، وإن لم يكونوا أحفاداً للقردة والخنازير، وقد قاس فضيلته ذلك بقوله تعالى حين قال لنبيِّنا محمد ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يأمره بمخاطبة اليهود: (قل فلِمَ تقتلون أنبياء الله من قبل) (البقرة:91) وقد كان الخطاب ليهود المدينة، وهم لم يكن لهم يد في قتل الأنبياء السابقين، ولكنَّ ذلك من باب الذم لهم والإنكار على أفعالهم الشنيعة، حيث إنَّهم يشابهونهم في الصفات والأفعال القبيحة، هذا رأي شيخنا العلاَّمة البورنو (وله محلّه من النظر والاعتبار)!
بيدَ أنِّي أميل إلى أن يُطْلَقَ عليهم أنَّهم: (إخوان القردة والخنازير) اقتداء برسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حين قال لهم ذلك، ولمشابهتهم للذين مسخوا في العناد والتمرد على الله وعلى أنبيائه بغير الحق، فاستحقوا ذلكم النعت.
وهذا اللفظ أطلقته أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ على اليهود أمام رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ، ولم يعاتبها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كما في حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن اليهود دخلوا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا: السام عليك، فقال النبي ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ: السام عليكم فقالت عائشة: السام عليكم يا إخوان القردة والخنازير ولعنة الله وغضبه فقال: يا عائشة مه! فقالت: يا رسول الله! أما سمعت ما قالوا؟ قال: أو ما سمعت ما رددت عليهم؟ يا عائشة! لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه ولم ينزع من شيء إلا شانه).والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/ 241) من حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ وقال الألباني: (إسناده رجاله ثقات على شرط مسلم غير مؤمَّل وهو ابن اسماعيل البصري صدوق سيئ الحفظ) (إرواء الغليل 5/ 118).
وقد أخرج الإمام ابن خزيمة في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها:" أنَّه دخل يهودي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: السام عليك يا محمد! فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وعليك، فقالت عائشة: فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذلك فسكتُّ، ثم دخل آخر فقال: السام عليك، فقال: عليك. فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذلك، ثم دخل الثالث، فقال: السام عليك: فلم أصبر حتى قلت: وعليك السام وغضب الله ولعنته إخوان القردة والخنازير، أتحيون رسول الله بما لم يحيه الله؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولا فرددنا عليهم؛ إن اليهود قوم حسد وهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى آمين".أخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم: (574) وحكم عليه الألباني كذلك بصحَّة إسناده في السلسلة الصحيحة (2/ 306).
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد ثبت أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال لليهود وهو مشرف على حصون بني قريظة وقد حاصرهم:" يا إخوان القردة والخنازير، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ " وقد ناداهم بذلك؛ لكفرهم ونقضهم العهود التي كانت بينهم وبينه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وموالاتهم الأحزاب ضدَّه، ولشتمهم إيَّاه. (الطبري (2/ 252) تحقيق الشيخ أحمد شاكر، وذكره ابن كثير بتحقيق الوادعي: (1/ 207) ووردت في (إمتاع الأسماع صـ 243) بنص: "يا إخوان القردة والخنازير وعبدة الطواغيت، أتشتمونني؟! " بل ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره لآية76 من سورة البقرة نقلاً عن مجاهد قال: قام رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يوم قريظة تحت حصونهم فقال:"يا إخوان القردة والخنازير، يا عبدة الطاغوت".
وقد ذكر الإمام ابن كثير أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان عند عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت عائشة: فسلَّم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فزعاً وقمت في أثره؛ فإذا بدحية الكلبي، فقال: هذا جبريل أمرني أن أذهب إلى بني قريظة؛ وقال: قد وضعتم السلاح لكنا لم نضع طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد؛ وذلك حين رجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الخندق، فقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فزعا، وقال لأصحابه: عزمت عليكم ألاَّ تصلُّوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة، فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فقالت طائفة من المسلمين: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يرد أن تدعوا الصلاة، فصلوا، وقالت طائفة: والله إنا لفي عزيمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما علينا من إثم فصلَّت طائفة إيماناً واحتساباً وتركت طائفة إيماناً واحتساباً ولم يعنف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحداً من الفريقين، وخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمرَّ بمجالس بينه وبين بني قريظة فقال: هل مر بكم أحد فقالوا مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج، فقال: ذلك جبريل أُرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب، فحاصرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر أصحابه أن يستروه بالجحف حتى يسمع كلامهم فناداهم: يا إخوة القردة والخنازير، فقالوا: يا أبا القاسم: لم تكن فحاشاً فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم).قال الإمام ابن كثير بعد إيراده هذا الحديث في كتابه البداية والنهاية: ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وعن غيرها) (البداية والنهاية 4/ 119).
ومن خلال بحثي في هذه المسألة وجدت أنَّ الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ قد نعت اليهود بذلك قائلاً في تفسيره سورة الأعراف عند آية: (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون) (الأعراف:17) فقد وصف الإمام القرطبي هذه الآية بأنَّها من أمَّهات الشريعة، ثم قال: (إنَّ الله أمر رسوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أن يسأل إخوة القردة والخنازير عن القرية التي اعتدوا فيها يوم السبت).
بل قال ـ رحمه الله تعالى ـ عند تفسيره لقوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) قال: (لما نزلت هذه الآية قال المسلمون لهم: يا إخوة القردة والخنازير! فنكسوا رؤوسهم افتضاحا , وفيهم يقول الشاعر:
فلعنة الله على اليهود ... إن اليهود إخوة القرود).
ولهذا فالذي يظهر لي ـ والله تعالى أعلم ـ جواز إطلاق لفظ: (إخوان القردة والخنازير) على اليهود الملاعين.
نسأل الله ـ تعالى ـ أن يكفي المسلمين شرَّهم، وأن يحرِّر المسجد الأقصى وبلاد المسلمين من دنسهم، والله المستعان، وعليه التكلان، وصلَّى الله على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
بحث أخونا الشيخ خباب مكبر الخط إستجابة لطلب الأخ الطيب صياد
ـ[السليماني]ــــــــ[21 - Oct-2010, صباحاً 11:05]ـ
جزاك الله خيراً(/)
جديد عقائد الرافضة: المسجد الأقصى في السماء وليس في فلسطين
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[05 - Jul-2009, صباحاً 06:33]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جديد عقائد الرافضة: المسجد الأقصى في السماء وليس في فلسطين
أحمدي نجاد يكرم معمماً لتأليفه كتاباً في السيرة يقول فيه أن المسجد الأقصى في السماء وليس في فلسطين ومسجد الكوفة أفضل منه
انظر هنا
http://www.alrased.net/rased_publishing.php
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[07 - Jul-2009, صباحاً 06:11]ـ
http://majles.alukah.net/attachment.php?attachmentid=34 02&stc=1&d=1246936107
http://majles.alukah.net/attachment.php?attachmentid=34 03&stc=1&d=1246936107
http://majles.alukah.net/attachment.php?attachmentid=34 04&stc=1&d=1246936107
http://majles.alukah.net/attachment.php?attachmentid=34 05&stc=1&d=1246936107
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[16 - Jul-2009, مساء 10:52]ـ
للتذكير
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[28 - Jul-2009, صباحاً 06:13]ـ
قد حدث الإخوة موقعهم فتغيرت الروابط
وهذا الرابط الجديد
http://alrased.net/site/topics/publishes(/)
الجواز العقلي ... إلى متى؟
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[05 - Jul-2009, صباحاً 06:54]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت قد ابتدأت موضوعاً بعنوان:
ما صحة هذه القاعدة:كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=178423
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=248926
والذي أثار الموضوع أنني قرأت مقالاً لأحد المشايخ يرد فيه على من رماه بالجهل بعقيدة السلف
حيث كان المذكور أشار إلى أن الشيخ يقول بأن الأولياء يحيون الموتى .. من باب الإلزام فرد الشيخ أن هذا لا يلزمه وأن كلامه كان من ناحية الإمكان والجواز العقلي فحسب
ولا أطيل أكثر من ذلك أقول:
إلى متى نقول في هذه المسائل بالجواز العقلي؟
ألا يحتج علينا الأشاعرة مخانيث الجهمية بالجواز العقلي في إمكانية رؤية الله بغير عينين ولا في جهة وغيره
وجواز أن يرى أعمى الأندلس بقة في الصين وأن نشم الألوان بألسنتنا ونذوق الأصوات بأنوفنا
وأقول:
ألا يجوز عقلاً أن يبعث الله الآن نبياً؟!
ألا يجوز عقلاً أن يدخل الله تعالى -حاشاه- أنبياءه وأولياءه النار ويدخل فرعون وأبا جهل الجنة؟!
يبدو أننا بعد قرون من فجر الإسلام في حاجة للتعرف على معنى العقل من جديد(/)
زر هذا الموقع للتعرف على خقيقة البرمجة اللغوية والطب البديل
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[05 - Jul-2009, صباحاً 07:35]ـ
السلام عليكم
الدين النصيحة
زر هذا الموقع للتعرف على خقيقة البرمجة اللغوية والطب البديل
الفكر العقدي الوافد ومنهجية التعامل معه
بإشراف الدكتورة فوز بنت عبد اللطيف كردي
أستاذة العقيدة والمذاهب
http://www.alfowz.com/
وحمل من هنا بعض العروض والأبحاث المهمة جداً
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_weblinks&catid=23&Itemid=27
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_weblinks&catid=23&Itemid=28
دورات الغزو الفكري
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_weblinks&catid=24&Itemid=28
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[23 - Jul-2009, مساء 05:40]ـ
يرفع(/)
فلاش مجمل اعتقاد أهل السنة في الصحابة
ـ[مثالا حيا]ــــــــ[05 - Jul-2009, صباحاً 11:18]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فلاش مجمل اعتقاد أهل السنة في الصحابة
http://rasoulallah.net/subject2.asp?hit=1&parent_id=28&sub_id=8676
الرابط المباشر
http://rasoulallah.net/subject2.asp?hit=1&parent_id=28&sub_id=8676 (http://rasoulallah.net/subject2.asp?hit=1&parent_id=28&sub_id=8676)
رابط التحميل
http://media.rasoulallah.net/Nosra/e3teqadAhlsona.swf (http://media.rasoulallah.net/Nosra/e3teqadAhlsona.swf)
مقاس الفلاش
500* 500
رجاء نشرها بالمنتديات الغير اسلامية لما فيها من تبسيط لمجمل اعتقاد اهل السنة والجماعة للصحابة
نحسب ذلك
والله الموفق والمستعان
ـ[تلميذة ابن القيم]ــــــــ[05 - Jul-2009, صباحاً 11:29]ـ
جزاكم الله خيرا(/)
شَخصنة الدَّعوة .. والغَاية المنشودَة
ـ[العطاب الحميري]ــــــــ[05 - Jul-2009, مساء 05:50]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى سبيل الأنبياء والصالحين، يرفع الله من سلك طريقهم إلى أعلى الدرجات وأسمى المكانات ...
ولا بد للداعية حتى تثمر دعوته أن يتوأم منهجه بمنهج الأنبياء وذلك عائد إلى أن منهج الأنبياء هو الذي أراده الله منهم فأوحى إليهم به وأمرهم باتخاذه ...
والمتأمل لكتاب الله سبحانه يرى أن أولَ أمر دعا إليه الأنبياء هو توحيد الله ونبذ التنديد وأطياف الوثنية ...
فالتوحيد هو المحور البارز في السور المكية وهو الأساس الذي أوجده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين ...
وهكذا يسير الداعية على خطى الأنبياء ولكنه وهو في سيره الحثيث تعترضه عقبة رفض المدعويين لدعوته ونبذهم لها ...
وهنا نقف وقفة لنرى حقيقة الأشكال القائم عند المدعويين أهو راجع إلى شخصنة الدعوة أم في ذات الدعوة نفسها؟؟؟
وسأضرب مثالا على ما سبق ...
لو أن أحد الدعاة رجع إلى بلده بعدما ارتوى علما من أي قطر كان وفور وصوله أعلن عن افتتاحه درسا في التوحيد والايمان وتحديدا في كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-
ثم ما لبث أن لقي عزوفا عن الدرس وعدم اكتراث به ...
هنا يبحث الداعية الحصيف عن منشأ الإشكال وعلاجه ...
فإن كان سبب الإشكال بغض الدعوة نفسها فالأمر يحتاج إلى معالجة خاصة ... وإن كان منشأ الإشكال في شخص الشيخ ابن عبد الوهاب فهنا يعمد الداعية إلى تغيير الوسيلة-الكتاب-ويرى وسيلة أخرى توصل الغاية المنشودة وهي تحقيق التوحيد إلى وسيلة أخرى ...
كأن يرى إماما كتب في التوحيد الخالص والمدعوون يعرفون له قدره أو أن يرفع الداعية سقف الطرح إلى الذروة بإيراد آيات التوحيد في قالب درس تفسير أو ما شابه ...
وأشرتُ إلى هذه المعالجة لأن بعض الغيورين ينزل حكم الوسيلة حكم الغاية وهذا في نظري-على أقل تقدير-خلط كبير ولا شك ...
فلو عاش المسلم دهره لا يعرف كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع أنه محقق للتوحيد نابذ للشرك والوثنية وأطياف التنديد لعدَّ موحدا على الجادة-والعلم عند الله- ...
والمعالجة السابقة هي فيما لو لقي الداعية صلفا في المدعويين وأما إن سار الأمر انسيابيا فلا حاجة حينها للمعالجة السابقة ...
فليس ثمة إشكال في تصدير تراث الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأنه تراث حقيق بالإستفادة ...
رحم الله الشيخ محمد وأسكنه فسيح جناته ...
ولله الأمر من قبل ومن بعد
ـ[العطاب الحميري]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 06:49]ـ
ولا بد أن أطرح بين يدي إخواني مثالا يجسد الداعية الحريص على الغاية المنشودة ...
وأعني به الشيخ القرعاوي -رحمه الله-
هذا العالم الجليل والفقيه النبيل شيخ الجنوب في عصره ...
نقلت عنه حادثة تنم عن حرصه على الغاية المنشودة ...
فقد أُخبر -رحمه الله- أنه ثمة عالم يطعن في الشيخ محمد بن عبد الوهاب وينال منه ...
فما كان من الشيخ القرعاوي -رحمه الله- إلا أن أخذ كتاب التوحيد وأخفى معالم المؤلف من الكتاب-واجهة الكتاب-وذهب إلى الشيخ واعطاه الكتاب ودعاه لقراءة الكتاب ...
وبعد أيام رجع ذلك الشيخ الطاعن في الشيخ ابن عبد الوهاب يقول للشيخ القرعاوي إن الكتاب رائع وجميل ...
لأن الشيخ القرعاوي طلب رأي ذلك الشيخ الطاعن في الكتاب ...
فما كان من الشيخ القرعاوي إلا أن أفصح عن اسم صاحب الكتاب لذلك الشيخ الطاعن ...
فتغير رأي الشيخ الطاعن في الشيخ ابن عبد الوهاب وطفق يثني عليه ويبجله في مجالسه ...
رحم الله الشيخ القرعاوي واسكنه فسيح جناته ...
ـ[أبوالعمار]ــــــــ[14 - Jul-2009, صباحاً 10:14]ـ
سبحان الله
كلام يلمس الواقع
واجهني مثل هذا الأمر عند توزيعي كتيبات تحمل بين طياته إسم الشيخ محمد بن عبدالوهاب فلم يأبه به بعض العوام ولم يلتفت إليه
فغيرت الوسيلة وأتيت بنفس الجوهر ولكن بوجه آخر
بورك فيك شيخنا الغالي
ـ[العطاب الحميري]ــــــــ[17 - Jul-2009, مساء 10:11]ـ
بارك الله فيك أبا العمار ...
ووفقني وإياك للدعوة إليه سبحانه وتعالى ...
ـ[أم مها]ــــــــ[18 - Jul-2009, صباحاً 02:27]ـ
العبرة بالغاية لا الوسيلة فالوسيلة موصلة للغاية والهدف المنشود
جزاك الله خيرا.
ـ[حارث البديع]ــــــــ[21 - Jul-2009, صباحاً 05:28]ـ
الحكيم:
(من عرف الاسلوب الانسب لغزو قلوب الناس
من اجل ايصال فكرته).
ـ[العطاب الحميري]ــــــــ[21 - Jul-2009, مساء 10:43]ـ
بارك الله فيكم يا حارث البديع ويا أم مها
وزادكم من فضله(/)
نريد شرح أية السكينة" في التابوت
ـ[خالد عبد المعطى كروم]ــــــــ[05 - Jul-2009, مساء 08:07]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم ورحمتة الله تعالى وبركاتة ..
وبعد ..
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}
(البقرة: 248)
وجدت كثيرا" من التفاسير لهذة الاية الكريمة , وكذلك بعض الاحاديث التى وريات عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب رضى الله عنه ..
ولكن هل يوجد تفسير حازم لكلمة سَكِينَةٌ
وجزكم الله خيرا"
ـ[خالد عبد المعطى كروم]ــــــــ[24 - Jul-2009, مساء 02:56]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
نرجوه افاده الاخوه بارك الله فيكم(/)
شيعي يسأل؟؟
ـ[سهام الحق]ــــــــ[05 - Jul-2009, مساء 10:10]ـ
سأل رجل شيعي كيف أن الله قال (ليس كمثله شيء .. ) وفي أية أخرى شبه نفسه بنور المشكاة وقال مثل نوره كمشاة ... )؟؟؟؟؟؟؟ فكيف الرد عليه
ـ[عبد الكريم بن عبد الرحمن]ــــــــ[05 - Jul-2009, مساء 10:34]ـ
لا تشبيه لله سبحانه هنا إنما التشبيه في المُؤَثَر عليه لا في المُؤَثِر
قال الطبري
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ
ثُمَّ ابْتَدَأَ فِي الْخَبَر عَنْ مَثَل هِدَايَته خَلْقه بِالْآيَاتِ الْمُبَيِّنَات الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ: {مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح} يَقُول: مِثْل مَا أَنَارَ مِنَ الْحَقّ بِهَذَا التَّنْزِيل فِي بَيَانه كَمِشْكَاةٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْهَاءِ فِي قَوْله: {مَثَل نُوره} عَلَامَ هِيَ عَائِدَة؟ وَمِنْ ذِكْر مَا هِيَ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ: هِيَ مِنْ ذِكْر الْمُؤْمِن. وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَام: مَثَل نُور الْمُؤْمِن الَّذِي فِي قَلْبه مِنَ الْإِيمَان وَالْقُرْآن مَثَل مِشْكَاة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 19757 - حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ: ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْل اللَّه: {مَثَل نُوره} قَالَ: ذَكَرَ نُور الْمُؤْمِن فَقَالَ: مَثَل نُوره , يَقُول مَثَل نُور الْمُؤْمِن. قَالَ: وَكَانَ أُبَيّ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ: " مَثَل الْمُؤْمِن ". قَالَ: هُوَ الْمُؤْمِن قَدْ جُعِلَ الْإِيمَان وَالْقُرْآن فِي صَدْره. * -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ: ثنا الْحُسَيْن , قَالَ: ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب: {اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره} قَالَ: بَدَأَ بِنُورِ نَفْسه فَذَكَرَهُ , ثُمَّ قَالَ: {مَثَل نُوره} يَقُول: مَثَل نُور مَنْ آمَنَ بِهِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأ أُبَيّ , قَالَ: هُوَ عَبْد جَعَلَ اللَّه الْقُرْآن وَالْإِيمَان فِي صَدْره. 19758 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ: ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ: ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر: {مَثَل نُوره} قَالَ: مَثَل نُور الْمُؤْمِن. 19759 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْن الْيَمَان , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ ثَابِت , عَنِ الضَّحَّاك فِي قَوْله: {مَثَل نُوره} قَالَ: نُور الْمُؤْمِن. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِالنُّورِ: مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا: الْهَاء الَّتِي قَوْله: {مَثَل نُوره} عَائِدَة عَلَى اسْم اللَّه. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 19760 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ: ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ حَفْص , عَنْ شَمِر , قَالَ: جَاءَ ابْن عَبَّاس إِلَى كَعْب الْأَحْبَار , فَقَالَ لَهُ: حَدِّثْنِي عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ... الْآيَة؟ فَقَالَ كَعْب: اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض , مَثَل نُوره ; مَثَل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمِشْكَاةٍ. 19761 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْن الْيَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله: {مَثَل نُوره} قَالَ: مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ: هَدْي اللَّه وَبَيَانه , وَهُوَ الْقُرْآن. قَالُوا: وَالْهَاء مِنْ ذِكْر اللَّه , قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَام: اللَّه هَادِي أَهْل
(يُتْبَعُ)
(/)
السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِآيَاتِهِ الْمُبَيِّنَات , وَهِيَ النُّور الَّذِي اسْتَنَارَ بِهِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض , مِثْل هُدَاهُ وَآيَاته الَّتِي هَدَى بِهَا خَلْقه وَوَعَظَهُمْ بِهَا فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ كَمِشْكَاةٍ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 19762 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ: ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ: ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس {مَثَل نُوره} مَثَل هُدَاهُ فِي قَلْب الْمُؤْمِن. 19763 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ: ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله: {مَثَل نُوره} قَالَ: مَثَل هَذَا الْقُرْآن فِي الْقَلْب كَمِشْكَاةٍ. 19764 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ: قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله: {مَثَل نُوره}: نُور الْقُرْآن الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُوله وَعِبَاده , هَذَا مَثَل الْقُرْآن {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح}. 19765 - قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , قَالَ: قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ , فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى {اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره} وَنُوره الَّذِي ذُكِرَ الْقُرْآن , وَمَثَله الَّذِي ضَرَبَ لَهُ. وَقَالَ: آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ مَثَل نُور اللَّه. وَقَالُوا: يَعْنِي بِالنُّورِ الطَّاعَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 19766 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ: ثني أَبِي , قَالَ: ثني عَمِّي , قَالَ: ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله: {اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح} وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالُوا لِمُحَمَّدٍ: كَيْفَ يَخْلُص نُور اللَّه مِنْ دُون السَّمَاء؟ فَضَرَبَ اللَّه مَثَل ذَلِكَ لِنُورِهِ , فَقَالَ: {اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ} قَالَ: وَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِطَاعَتِهِ , فَسَمَّى طَاعَته نُورًا , ثُمَّ سَمَّاهَا أَنْوَارًا شَتَّى. وَقَوْله: {كَمِشْكَاةٍ} اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْمِشْكَاة وَالْمِصْبَاح وَمَا الْمُرَاد بِذَلِكَ , وَبِالزُّجَاجَةِ , فَقَالَ: بَعْضهمُ الْمِشْكَاة كُلّ كُوَّة لَا مَنْفَذ لَهَا , وَقَالُوا: هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِقَلْبِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 19767 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ: ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص , عَنْ شَمِر , قَالَ: جَاءَ ابْن عَبَّاس إِلَى كَعْب الْأَحْبَار , فَقَالَ: لَهُ حَدِّثْنِي عَنْ قَوْل اللَّه: {مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ}! قَالَ: الْمِشْكَاة وَهِيَ الْكُوَّة , ضَرَبَهَا اللَّه مَثَلًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الْمِشْكَاة {فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح} قَلْبه {فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَة} صَدْره الزُّجَاجَة {كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ} شَبَّهَ صَدْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّيّ , ثُمَّ رَجَعَ الْمِصْبَاح إِلَى قَلْبه فَقَالَ: {تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة} لَمْ تَمَسّهَا شَمْس الْمَشْرِق وَلَا شَمْس الْمَغْرِب , {يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء} يَكَاد مُحَمَّد يُبَيِّن لِلنَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّم أَنَّهُ نَبِيّ , كَمَا يَكَاد ذَلِكَ الزَّيْت يُضِيء {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار نُور عَلَى نُور}. 19768 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ: ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ: ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله: {كَمِشْكَاةٍ} يَقُول: مَوْضِع الْفَتِيلَة. 19769 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ: ثني أَبِي , قَالَ: ثني عَمِّي , قَالَ: ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله: {اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ... إِلَى {كَمِشْكَاةٍ} قَالَ: الْمِشْكَاة: كُوَّة الْبَيْت. وَقَالَ: آخَرُونَ عَنَى بِالْمِشْكَاةِ: صَدْر الْمُؤْمِن , وَبِالْمِصْبَاحِ: الْقُرْآن وَالْإِيمَان , وَبِالزُّجَاجَةِ قَلْبه. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 19770 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ: ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب: {مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح} قَالَ: مَثَل الْمُؤْمِن قَدْ جَعَلَ الْإِيمَان وَالْقُرْآن فِي صَدْره كَمِشْكَاةٍ , قَالَ: الْمِشْكَاة صَدْره. {فِيهَا مِصْبَاح} قَالَ: وَالْمِصْبَاح الْقُرْآن وَالْإِيمَان الَّذِي جُعِلَ فِي صَدْره. {الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة} قَالَ: وَالزُّجَاجَة: قَلْبه.
و الله أعلم(/)
الفوزان: بيان الحق ونصيحة الناس ليس تهديداً ولا طرداً من رحمة الله " رد على المهيني
ـ[وادي الذكريات]ــــــــ[05 - Jul-2009, مساء 11:12]ـ
[بيان الحق ونصيحة الناس ليس تهديداً ولا طرداً من رحمة الله]
تعقيب سماحة الشيخ الوالد العلامة بقية السلف الصالح / صالح الفوزان
على ما كتبه الكاتب: ممدوح المهينى.
اطلعت في جريدة الرياض في العدد 14961 الصادر في يوم الأربعاء 17/ 6/1430هـ على تعقيب ( http://www.alriyadh.com/2009/06/10/article436473.html) للكاتب ممدوح المهيني على ردي عليه ( http://www.alriyadh.com/2009/05/26/article432422.html) في مقاله في موضوع الولاء والبراء في الإسلام الصادر في نفس الجريدة وقد تجاوز الكاتب المذكور في تعقيبه حدود آداب المناظرة إلى أسلوب غير لائق وذلك على النحو التالي:
1 - وصف ردي عليه بأنه مملوء بالاتهامات والإقصاء وسوء الفهم وختم ذلك بقوله: ليس من حق الشيخ أن يهدد بعصا الله بأن يطردنا من رحمته لأنه لا أحد يمكنه الآن بعد أن سقطت فكرة الوصاية أن يلعب دور المفوض من الله - انتهى كلامه.
وأقول: المسألة ليست مسألة تهديد ولا طرد من رحمة الله ولا تفويض من الله ولا وصاية وإنما هي مسألة بيان للحق ونصيحة للخلق وتواص بالحق كما وصف الله المؤمنين بقوله (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). وقوله: (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (132)) وقال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) وقال تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (159))
وأما عصا الله فلم يرد له ذكر في الكتاب والسنة ولا ينسب إلى الله إلا ما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة.
وأما التفويض من الله فالله أمر كل من عنده علم من الكتاب والسنة أن يبينه للناس ولا يكتمه. خصوصاً عندما يحتاج الناس إلى ذلك.
2 - ثم قال الكاتب: يبدو أن الشيخ الفوزان هو الوحيد الذي فهم من مقالي أني أقصد تشبيه الأطفال بالفئران وإنما استخدمت هذا التعبير الذي يؤخذ بالمعني المجازي وليس حرفياً كما فعل الشيخ.
وأقول للكاتب: أليس المجاز مبنياً على التشبيه كما ذكر علماء البلاغة فأنت شهبت أطفال المسلمين الذين يدرسون عقيدة الولاء والبراء بالفئران التي تجرى عليها التجارب الطبية، ثم ما العلاقة بين تعليم الأحكام الشرعية وبين التجارب الطبية حتى يصح هذا التشبيه المجازي الذي تقول فهو تشبيه مع الفارق.
3 - ثم قال الكاتب معقباً على استشهادي بالآيات القرآنية الدالة على عقيدة الولاء والبراء قال: من المؤسف أن يستخدم الشيخ الفوزان ذات الآيات التي يستخدمها المتطرفون من أديان أخرى يصفون الإسلام بدين العنف والكراهية ثم ذكر أسماء أولئك المتطرفين ثم قال: وذات الرد الذي يوجه لهم يمكن أن يوجه للشيخ الفوزان لأن التهمة واحدة ثم قال: في كل الكتب المقدسة توجد آيات تحث على القتال والحرب والعداء ولكنها مرتبطة بوقتها وظرفها لذا من غير المنطق أن يوصف دين كامل بأنه يدعو للعداء والكهراهية - إلى أن قال: ولكن هناك آيات أكثر بكثير من آيات العداء موجودة في هذه الكتب وفي القرآن تحديداً التي تحث على التعايش والتسامح والسلام وعدم الإكراه ثم قال: القراءة التاريخية للآيات القرآنية (يعني آيات الولاء البراء) تقرأ النصوص الدينية اعتماداً على وقتها وظرفها عندما كان هناك عداء بين أصحاب الأديان المختلفة ولكن كل ذلك انتهى الآن فالمسلمون يتعايشون مع غيرهم في كل مكان بسلام وأمان. انتهى كلامه.
والجواب: أن العداوة والكراهية إنما هي لأعداء الله وأعداء رسوله من الكفار والمشركين وهي عداوة وكراهة مستمرتان ما دام الكفر والشرك لا تنقطعان. والمعايشة بين المسلمين والكفار ليس معناها زوال العداوة والكراهة للكفار والمشركين. وأما قوله: من المؤسف أن يستخدم الشيخ الفوزان ذات الآيات التي يستخدمها المتطرفون من أديان أخرى يصفون الإسلام بدين العنف والكراهية - فأقول عنه:
أولاً: الآيات لا تستخدم وإنما يستدل بها.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثانياً: لست وحدي الذي استدل بهذه الآيات وغيرها على الولاء والبراء وإنما استدل بها أئمة الإسلام قاطبة وليسوا متطرفين بل هم يتبرأون من المتطرفين والخوارج والله إنما أنزلها ليستدل بها ويعمل بها إلى أن تقوم الساعة.
ثالثاً: ليس الاستدلال بها على وجوب الولاء والبراء من أجل العنف والعداء كما قلت وإنما من أجل الفرق والتميز بين المسلم والكافر فكل منهما له أحكام تخصه وهذه الآيات لا تدل على العنف والتطرف كما وصفتها بذلك وإنما تدل على التمييز بين المسلم والكافر كما قال تعالى: (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم)، وأما قول الكاتب كل الكتب المقدسة توجد بها آيات تحث على القتال والحرب والعداء ولكنها مرتبطة بوقتها وظروفها.
والجواب: أولاً: اعترف الكاتب بأن جهاد الكفار ومعاداتهم واجبان على المؤمنين في كل الكتب السماوية لأن الكفار لايزالون في كل وقت يعادون المسلمين ويقاتلونهم قال تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) وقال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
ثانياً: قول الكاتب عن آيات الولاء والبراء وآيات الجهاد إنها مرتبطة بوقتها. أقول: من الذي حددها بوقت دون وقت مع أنها نصوص عامة ومستمرة لا تقيد ولا تخصص ولا تنسخ إلا بدليل من الكتاب والسنة. وعداء الكفار للمسلمين واعتداؤهم عليهم مستمران كما قال تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا). وقال تعالى: (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ). وقال تعالى: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم) وقال تعالى (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)، فلذلك كان جهادهم واجباً مستمراً على المسلمين مهما استطاعوا إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، ولا يمنع من هذا أن يهادنهم المسلمون ويتعاهدوا معهم على ترك القتال مدة محدودة إذا كانت المصلحة في ذلك للمسلمين.
ثالثاً: قوله: فالمسلمون يتعايشون مع غيرهم في كل مكان بسلام وأمان، والجواب عنه: ان هذا التعايش إنما هو بموجب العهد الذي بينهم وين المسلمين وقد تعايش اليهود مع المسلمين في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما كانوا ملتزمين بالعهد وليس معنى ذلك أن تزول معاداتهم والبراءة منهم ومن دينهم. وإنما هو تعايش دنيوي يوجب احترام دمائهم وأموالهم وإقامة العدل فيهم كما قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى). وقال تعالى: (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين).
4 - ثم قال الكاتب؛ النص القرآني لا يزال مفتوحاً على التأويل والتفسير بما ينسجم مع روح العصر.
والجواب عنه: أن تفسير القرآن الكريم ليس مفتوحاً كما يقول الكاتب لكل أحد وليس لكل أحد أن يفسره بفهمه وعلى حسب هواه وإنما هو محكوم بقواعد وأصول ذكرها العلماء في كتب أصول التفسير ولا يجوز تفسير القرآن بالرأي بعيداً عن تلك الأصول لأن ذلك قول على الله بغير علم والقول على الله بغير علم أعظم المحرمات كما قال تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون). فجعل سبحانه القول عليه بغير علم فوق الشرك - وقد ذكر الإمام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أن القرآن يفسر بخمسة أوجه: يفسر بالقرآن ثم بالسنّة ثم بأقوال الصحابة ثم بأقوال التابعين ثم باللغة العربية التي نزل بها ثم قال رحمه الله: فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام وذكر في ذلك حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «قال من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» أخرجه الترمذي والنسائي من طرق. وقال الترمذي هذا حديث حسن فهذا الحديث يدل على تحريم تفسير القرآن بالرأي وبغير علم.
5 - ثم قال الكاتب عني إنني كررت كلمة (كافر) في مقالي سبع مرات وأقول: كأنه يستنكر ذكر هذه الكلمة لأن الصحفيين الآن استبدلوا كلمة (كافر) بكلمة غير مسلم أو بكلمة الآخر بدل الكافر وهذا الاستنكار لا وجه له وهو تغيير لما جاء في القرآن من لفظ كافر ومشرك ومنافق وفاسق عشرات المرات وهذا من العدل أن يوصف الإنسان بما فيه تمييزاً بينه وبين غيره وتعليقاً للحكم عليه بما يناسبه والله سبحانه قد كره المشركين والمنافقين وتبرأ منهم. قال تعالى: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله). وقال تعالى: (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا) الآيات. وقال تعالى (ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير)، فذكر هذه الألفاظ لا بد منه للتفريق بين أصحابها وبين المسلمين. قال تعالى: (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم).
وختاماً: هذا آخر ما أردت التنبيه عليه من أخطاء الكاتب ممدوح المهيني وأسأل الله لي وله الهداية والتوفيق لمعرفة الحق والعمل به ومعرفة الباطل واجتنابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه: صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
http://www.alradnet.com/TopSin/article.php?id_Hour=507(/)
الإيمان بالعرش
ـ[أسامة شبل السنة]ــــــــ[05 - Jul-2009, مساء 11:44]ـ
الإيمان بالعرش
تم تحميل هذا الملف من موقع عقيدة السلف
as-salaf.com
الإيمان بالعرش
تعريف العرش:
معنى "عرش" في اللغة:
قال ابن فارس (395 هـ): («عرش» العين والراء والشين أصل صحيح واحد، يدل على ارتفاع في شيء مبني، ثم يستعار في غير ذلك) (1)
والعرش في كلام العرب يطلق على عدة معان منها:
- سرير (2) المَلِك:
قال الخليل الفراهيدي (170 هـ): (العرش: السرير للمَلِك.) (3)
وقال أبو منصور الأزهري (370 هـ): "والعَرش في كلام العرب: سرير المَلِك، يدلُّك على ذلك سرير مَلِكة سبأ، سمَّاه الله- جل وعز- عرشًا فقال: ?إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ? [النمل، آية: 23] (4)
وفي حديث بدء الوحي: قال النبي صلى الله عليه وسلم ”ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِى الْهَوَاءِ -يَعْنِى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ- “ [صحيح البخاري] أي رأى جبريل على سرير في الهواء.
- سقف البيت:
قال الخليل: (وعرش البيت: سقفه.) (5)
قال ابن فارس: (ويُقال لسقف البيت: عَرش. قال الله تعالى: ?أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا? [البقرة: 259]، والمعنى أنّ السقف يسقُط ثم يَتهافت عليه الجُدرانُ ساقطةً.) (6)
- قِوامُ أمرِ الرجُل:
قال الخليل: (وعَرشُ الرجل: قِوامُ أمرِه، وإذا زال عنه ذلك قيل: ثُلَّ عرشُه.) (7)
وقال الجوهري (393 هـ): (وقولهم ثل عرشه: أي وهى أمره وذهب عزه.) (8)
وغير ذلك من المعاني.
وكل معنى من تلك المعاني يتحدد بحسب ما أُضيف إلى الكلمة، أي بحسب سياق الكلام.
عرش الله عز وجل
وعرش ربنا عز وجل المذكور في القرآن في آيات كثيرة كقوله تعالى:
?وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ? [البروج: 14، 15]
وقوله تعالى: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه: 5] وغيرها من الآيات
فقد بيَّن أهل العلم أن معناها هو: السرير.
قال ابن قتيبة (276 هـ) عند الرد على متأولي العرش: (وطلبوا للعرش معنى غير السرير، والعلماء باللغة لا يعرفون للعرش معنى إلا السرير وما عرش من السقوف وأشباهها.) (9)
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) في تفسير قوله تعالى: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) [الزمر: 75]: (يقول تعالى ذكرُه: وترى يا مُحمد الملائكة مُحْدِقين مِن حولِ عرشِ الرحمن، ويعني بالعرش: السرير.) (10)
وقال: (?ذُو الْعَرْشِ? [غافر: 15]. يقولُ: ذو السرِير المُحيط بما دونه.) (11)
قال البيهقي (458 هـ) بعد ذكر قوله تعالى: ?وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ? [الحاقة: 17]: (وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير، وأنه جسم مجسم، خلقه الله تعالى وأمر ملائكته بحمله وتعبدهم بتظيمه والطواف به، كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة.) (12)
وقال: (قال الله تبارك وتعالى: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه: 5] والعرش هو السرير المشهور فيما بين العقلاء.) (13)
قال أبو المظفر السمعاني (489 هـ) في تفسيرقوله تعالى: ?قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ? [المؤمنون: 86]: (أي: السرير الضخم.) (14)
قال أبو محمد البغوي (510 هـ) في تفسير قوله تعالى: ?فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ? [المؤمنون: 116]: (يعني السرير الحسن.) (15)
وقال في تفسير قوله تعالى ?ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ? [البروج: 15]: (قرأ حمزة والكسائي: "المجيدِ" بالجَر، على صفة العرش أي السرير العظيم.) (16)
قال أبو عبد الله القرطبي (671 هـ): (والعرش مخلوق عظيم شريف كريم ليس فوقه مخلوق. يلي صفحته العُليا العَدَم. ويلي صفحته السُّفلى الجنة. فإنه سقفها، كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه «فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تنفجر الجنة) خرجه البخاري وابن ماجه وغيرهما.) (17)
(يُتْبَعُ)
(/)
قال ابن كثير (774 هـ) في مقدمة كتابه "البداية والنهاية": (ورَفَع السماوات بغير عَمَدٍ، وزيَّنها بالكواكب الزَّاهِرَات، وجعل فيها سِراجًا وقمرًا منيرًا، وسوَّى فوقهُنَّ سَرِيرًا، شَرْجَعًا (18) عاليًا مُنِيفًا مُتَّسِعًا مُقَبَّبًا مُستَديرًا، هو العرش العظيم، له قوائِمُ عِظامٍ، تحمِلُه الملائكة الكرام) (19)
أما تفسير بعض الفرق المبتدعة للعرش بأنه المُلْك، وأنه السماوات والأرض وكل خلق الله، فقد رد عليه الإمام الحافظ عثمان الدارمي (280 هـ) فقال في كتابه "الرد على الجَهميَّة" في «باب الإيمان بالعرش»:
(وما ظَنَنَّا أنَّا نضطر إلى الاحتجاج على أحد ممن يدعي الإسلام في إثبات العرش والإيمان به حتى ابتلينا بهذه العصابة الملحدة في آيات الله فشغلونا بالاحتجاج لما لم تختلف فيه الأمم قبلنا وإلى الله نشكو ما أوهت هذه العصابة من عرى الإسلام وإليه نلجأ وبه نستعين.)
ثم قال: (فادعت هذه العصابة أنهم يؤمنون بالعرش ويقرون به لأنه مذكور في القرآن فقلت لبعضهم ما إيمانكم به إلا كإيمان ?الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ? [المائدة: 41] وكالذين ?وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون?َ [البقرة: 14]، أتقرون أن لله عرشا معلوما موصوفا فوق السماء السابعة تحمله الملائكة والله فوق كما وصف نفسه بائن من خلقه؟ فأبَى أن يقر به كذلك، وتردد في الجواب، وخلط ولم يُصرِّح ... فقال لي زعيم منهم كبير: لا، ولكن لما خلق الله الخلق، يعني السموات والأرض وما فيهن، سمَّى ذلك كله عرشا له واستوى على جميع ذلك كله.
قلتُ: لم تَدَعُوا مِن إنكار العرش والتكذيب به غاية، وقد أحاطت بكم الحُجج من حيث لا تدرون، وهو تصديق ما قلنا إن إيمانكم به كإيمان ?الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ? [المائدة: 41]. فقد كَذَّبَكم الله تعالى به في كتابه، وكذَّبكم به الرسول صلى الله عليه وسلم. أرأيتم قولكم: إن عرشه سماواته وأرضه وجميع خلقه، فما تفسير قوله عندكم: ?الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ? [غافر: 7]؟ أحَمَلَةُ عرش الله أم حَمَلةُ خلقه؟ وقوله ?وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ? [الحاقة: 17] أيحملون السموات والأرض ومن فيهن أم عرش الرحمن؟ فإنكم إن قلتم قولكم هذا، يلزمكم أن تقولوا: عرش ربك خَلْقُ ربك أجمع، وتُبطِلون العرش الذي هو العرش، وهذا تفسير لا يشك أحد في بُطوله واستِحالَته، وتكذيب بعرش الرحمن تبارك وتعالى.
فقال الله تبارك وتعالى ?خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء? [هود: 7] وقال رسول الله: ”كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء“ [صحيح البخاري] ففي قول الله تعالى، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة ظاهرة، أن العرش كان مخلوقا على الماء، إذ لا أرض ولا سماء، فَلِمَ تُغالِطُون الناس بما أنتم له مُنكِرون؟! ولكنكم تُقِرّون بالعرش بألسنتكم تحَرُّزًا من إكفار الناس إيّاكم بِنَص التنزيل، فتُضرَبَ عليه رِقابُكُم، وعند أنفسكم أنتم به جاحدون. ولعمري لئن كان أهل الجهل في شكٍّ من أمْرِكُم، إن أهل العلم من أمركم لَعَلَى يقين.)
ثم ذكر مجموعة من الأحاديث وقال: (ففي ما ذكرنا من كتاب الله عز و جل، وفي هذه الأحاديث بَيَانٌ بَيَّن أن العرش كان مخلوقا قبل ما سواه من الخلق وأن ما ادَّعى فيه هؤلاء المعطلة، تكذيبٌ بالعرش وتخرصٌ بالباطل، ولو شئنا أن نجمع في تحقيق العرش كثيرا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لجَمَعنا. ولكن عَلِمنا أنه خَلُص عِلْم ذلك والإيمان به إلى النساء والصبيان إلَّا إلى هذه العصابة الملحدة في آيات الله، طَهَّر الله منهم بلاده وأراح منهم عباده.) (20)
الإيمان بالعرش:
قال خُشَيش بن أصرم (253 هـ) في كتابه "الاستقامة": (من كفر بآية من كتاب الله فقد كفر به أجمع، فمن أنكر العرش فقد كفر به أجمع، ومن أنكر العرش فقد كفر بالله، وجاءت الآثار بأن لله عرشا وأنه على عرشه.) (21)
(يُتْبَعُ)
(/)
قال أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) في عقيدته المشهورة: (والعرش والكرسي حق)
قال ابن أبي زَمَنِين (399 هـ): «باب في الإيمان بالعرش» قال: (ومِن قول أهل السنة: أن الله عز وجل خَلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خَلَق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبر عن نفسه في قوله: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى? [طه: 5، 6] وفي قوله: ?ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا? [الحديد: 4]، فسبحان مَن بَعُدَ فلا يُرى، وقرُب بِعِلمِه وقدرته فسَمِع النَّجوى.) (22)
صفة العرش:
ما يلي بعض صفات العرش:
1. خلق الله عرشه على الماء:
قال الله تعالى: ?وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ? [هود: 7]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ“ الحديث [صحيح البخاري]
2. أنه سقف الجنة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ“ [صحيح البخاري، ومسند أحمد وغيرهما]
3. أنه فوق السماوات، فوق جميع المخلوقات:
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «بين سماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمس مئة عام وبين كل سماءين مسيرة خمس مئة عام وبين السماء السابعة وبين الكرسي مسيرة خمس مئة عام وبين الكرسي وبين الماء مسيرة خمس مئة عام والعرش فوق الماء والله تبارك وتعالى فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه» إسناده حسن. (23)
4. له قوائم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ.“ [صحيح البخاري]
5. له حَمَلة من الملائكة يحملونه:
قال الله تعالى: ?الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ? [غافر: 7]
وقال سبحانه: ?وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ? [الحاقة: 17]
(1) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (ج4 ص264)
(2) السرير: الذي يُجلس عليه (لسان العرب، مادة «سرر“
(3) كتاب العين للخليل الفراهيدي (ج1 ص249)
(4) تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (ج1 ص413)
(5) كتاب العين (ج1 ص249)
(6) معجم مقاييس اللغة (ج4 ص265)
(7) كتاب العين (ج1 ص249)
(8) الصحاح تاج اللغة للجوهري (ج3 ص1010)
(9) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة لابن قتيبة الدينوري (ص47)
(10) جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري (ج20 ص271)
(11) جامع البيان (ج20 ص294)
(12) الأسماء والصفات لأبي بكر البيهقي (ج2 ص272)
(13) الإعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي (ص116)
(14) تفسير القرآن للسمعاني (ج3 ص487)
(15) معالم التنزيل للبغوي (ج5 ص433)
(16) معالم التنزيل (ج8 ص388)
(17) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى لأبي عبد الله القرطبي (ص157 - 158) تحقيق: عرفان بن سليم العشا حسونة – الطبعة الأولى 2005م – المكتبة العصرية / بيروت.
(18) الشرجع: العالي المنيف، المشرف على غيره المتناهي في طوله وعلوه.
(19) البداية والنهاية لابن كثير (ج1 ص3)
(20) الرد على الجهمية للدارمي (ص26 - 28 و32)
(21) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع لمحمد الملطي الشافعي (ص113)
(22) رياض الجنة في تخريج أصول السنة لابن أبي زمنين (ص88)
(23) رواه أبو الشيخ في "العظمة" (ج2 ص688 - 689) قال: حدثنا الوليد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا حجاج، حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود رضي الله عنه، وذكره. وروى جزءا منه الإمام الدارمي في نقضه على بشر المريسي (1/ 422): عن موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود. ورواه أحمد بن مروان الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (6/ 406) بسنده؛ واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (ج3 ص395 - 396) بسنده، ومن طريقه رواه ابن قدامة في "إثبات صفة العلو" (ص151 - 152)؛ وغيرهم؛ كلهم من طريق عاصم بن بهدلة. وعاصم صدوق، وقد وثقه جماعة، وحسّن حديثه آخرون. قال الهيثمي في مجمع الزوائد في عدة مواضع: حسن الحديث. وقال الذهبي في ميزان الأعتدال (2/ 357): هو حسن الحديث. وقال أبو بكر البزار: لم يكن بالحافظ، ولا نعلمُ أحدًا تَرك حديثه على ذلك، وهو مشهور. (تهذيب التهذيب لإبن حجر 2/ 251)(/)
الرجل و الرسالة ... قراءة فى فكر د/ محمد البدرى
ـ[النورسى]ــــــــ[06 - Jul-2009, صباحاً 12:10]ـ
الرجل والرسالة
أ/ أنور الزعيرى
قراءة فى فكر محمد محمد بدرى يعد المفكر الاسلامى محمد محمد بدرى نموذج للمفكر السلفى، واضح العقيدة مميز الاتجاه، تجد هذا الوضوح مفصلا فى الامة الاسلامية من التبعية الى الريادة،فتتجمع خيوط فكره وعقيدته فى الدعوة للتوحيد لمواجهة الشرك،والوقوف على السنه لمواجهة البدعة، وفى الهوية الاسلاميه كعنصر تجميع وقاسم مشترك للامة الاسلاميه
ويبرز اخلاصه لعقيدته واضحا فى معالجته لقضايا عقائدية بالغة الاهمية فى العصر الراهن مثل قضية فصل الشريعة عن الحياة التى هى مشكلة العصر فتجده فى مؤلفه لماذا نرفض العلمانية يعرض هذا الرفض من منطلقه الشرعى، فالعلمانية تحليل لما حرم الله، وهى دعوة لاقامة الحياة على غير الدين،وهى تفتقد الشرعية لانها لاتقوم على الشرع وانما تقوم على الهوى، وهو فى هذا الباب قاطع حاسم يحدد الاسلام بتوحيد المشرع ومتابعة المبلغ فلابد فى الاسلام من الاستسلام لله وحده وترك الاستسلام لما سواه وهذه حقيقة قولنا لااله الا الله فمن استسلم لله ولغير الله فهو مشرك والله لايغفر ان يشرك به، ومن لم يستسلم لله فهو مستكبر عن عبادته سبحانه
والاستاذ محمد البدرى فى اتجاهه العقائدى من التيميين الخلصاء فهو حريص على نشر فكر العلامة السلفى شيخ الاسلام ابن تيمية، وابن تيمية كغيره من علماء السلفية، لايصدر إلا عن النصوص الشرعية من قران او سنة او عمل السلف الصالح، وبهذا يتحدد المسار الفكرى الذى ينحوا الاستاذ البدرى منحاه، وهو نفس المسار الذى يتبعه اغلبية دعاة الصحوة الاسلامية،ولكن يتميز الاستاذ محمد البدرى عن غيره بسعة الاطلاع وعالمية الثقافة فهو ليس منغلق على النصوص التراثية،وهو داعية متجدد يجرى كالنهر لاتصده صخرة فى الطريق ولاتعيقه الجنادل
الوحدة والائتلاف
الفكرالتجميعى عند الاستاذ محمد محمد بدرى
يهدف الاستاذ محمد محمد بدرى الى تجميع الاسرة الاسلاميةٍ (ابناء الصحوة) تحت راية واحدة وفى اتجاه واحد كضرورة شرعية يأثم الجميع بتركها لانها تنبع من المنطلقات القرانية الواضحة
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ال عمران
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) ال عمران
وهو يرى ان الحركة الاسلامية، حيثما ارادت الوقوف على قدميها فلابد ان تكون فصائلها متحالفة مترابطة، ويهدف الى وحدة الطاقات للاتحاد فى سبيل الهدف الواحد (اقامة الدين) وهو فى دعوته لايتجاهل وجود الاختلاف ولكنه لايبرر ابدا ترك الائتلاف وهذا الترك هو الذى يجر الى التعامى عن ايجابيات الاخرين ويفتح الباب للخروج من المصلحة الى دائرة المفسدة
ان بوادر التصدع فى الصحوة الاسلامية سببها هذا الاختلاف المذموم والتناحر العشوائى القائم على سوء الظن او سوء الفهم عن الاخرين ولاستاذ البدرى فيما يبدوا ينئى بنفسه عن الوقوع فى دائرة الفتن ويبدوا لسان النذير فى صوته عاليا، ولكن هل من مجيب،هذا مالانعلمه ولكننا نعلم ان دعوته اعتصاميه قائمة على التغافر والتناصح
اللمسات واللمحات
الناظر فى الانتاج الفكرى للاستاذ محمد البدرى لاتخطئ عينه دعوة الاستاذ لتقويم الاسرة ومنهج التربية وهى اللبنة الاولى فى الاجتماع الاسلامى وهى دعوة اغفلها الكثيرون لصالح قضايا فرعية لاتبلغ فى تأثيرها الى احياء المنهج الاسلامى فقد رأينا كيف تعقد المحاضرات وتصدر الكتب من اجل قضية خلافيه ثم تنشعب البحوث والمقالات من اجل هذه القضية الفرعية الخلافيه فتضيع الجهود وتنشأ التحزبات فى الوقت الذى تتأكل فيه الاسرة الاسلامية لصالح المناهج والافكار الغربية وتقوم الحياة على غير الاسلام فى غالبية الاسر وهذه طامة من طامات العاملين للاسلام فى هذا العصر وجناية من
(يُتْبَعُ)
(/)
جناياتهم على هذا الدين
والدور الذى يقدمه الاستاذ محمد البدرى هو سد للخلل وتعمير للثغور المهجورة التى يهدد هجرانها الكيان الاسلامى فى وجوده ولاشك ان هذا الدور علامة توفيق من الله ومنة امتن الله بها على هذه الروح الاسلامية اليقظة ومابين اللمسات واللمحات امتعنا الاستاذ محمد محمد بدرى بهذه الدراسات المستفيضة عن الحياة الاسلامية داخل الاسرة ونظام التربية الاسلامى الراقى فجاء كتابه الاول اللمسة الانسانية لمحات فى فن التعامل مع الابناء فائقا حدود الروعة وهو يرى فى الكتاب ان التربية الاسلامية فن يجب على الاباء والمربين اتقانه وهذا الاتقان يستلزم الاحاطة بأهداف التربية ووسائلها والبيئة المحيطة بالمربين والنواحى النفسية والعقلية للمتربين …
وهو يخرج من مأزق التأليف المكتبى الى الكتابة من خلال تحويل التجارب العملية الى مناهج تربوية وهو لايتحدث فى كتابه هذا بطريقة ماينبغى ان يكون ولكن بطريقة كيف يكون وهو ملتقط جيد للحكمة ايا كان مصدرها فجاء الكتاب رائعا وفريدا فى بابه ويتكون الكتاب من مقدمه وتمهيد وعشرة ابواب تقف كشاهد على ابداع الرجل وتفرده وسعة عقله و جاذبية عرضه ومن عناوين الابواب فى الكتاب
احترم مشاعره دربه
حرك رغبته ارشده
قدر جهوده تفهم تفرده
اتصل به اكرمه
وكل باب يحتوى على ثلاثة فصول فى الغالب
ومن جميل قوله ان القيم تزرع ولاتفرض .. ازرع فكرا تحصد فعلا .. ازرع عادة تحصد شخصية .. ازرع شخصية تحصد مصيرا .. ومن اجمل ما فى الكتاب الامثلة فى التطبيق العملى وقد جاء الكتاب فى 719صفحة فى طبعة انيقه تليق بكتب العلم
والكتاب يمتلئ واقعية، وجذب، ومفاتيح، ما اظن القارى الكريم وقع عليها إلا ان يكون قد قرأ الكتاب
اما الكتاب الثانى فهو بعنوان حتى يبقى الحب لمسات فى فن التعامل بين الزوجين وهو فى حجم الكتاب الاول، والكتاب يطرح هذه القضية طرح جدى، يحصر المشكلات ويحاول تحليلها وبيان اسبابها وطرق معالجتها ومن عناوين الابواب والفصول
فى اعماق انسان
فن امتلاك القلوب
احياء الانسجام الزوجى
تحديات لامشكلات فن احتواء الازمات
حتى لايجف النهر
ابجدية المودة والرحمة
والكتاب فى جملته،دليل عملى لانشاء حياة زوجية ناجحة يسودها الحب والاحترام، ان هذه الجهود الكبيرة التى يقدمها الاستاذ البدرى تسد نقصا خطيرا فى المكتبة الاسلامية وتضع كل النقاط على كل الحروف لتكوين مجتمع اسلامى يبدأ من الاسرة التى هى اللبنه الاولى فى المجتمع
* مزالق الطريق
طليعة الرصد الاسلامى ومقدمة الوعى
من علامات الاستاذ محمد بدرى هذه الحيطة الاسلامية التى تتضح فى مقالاته فهو راصد خطير لغارات اعداء الله وخبير بأمراض الطريق ويبدو ان عمله فى علاج امراض الجسد اكسبه دربة على اكتشاف الامراض الروحية والفكرية وعلاجها ففى مقال صراع الافكار المنشور فى مجلة البيان الصادرة عن المنتدى الاسلامى يرصد اساليب اعداء الامة لإحباط البعث الاسلامى، وفى مقال الافكار اساس التغيير،يرصد دور الافكار فى بناء الحياة او تحطيمها فالفكرة هى التى تجعل انسانا ما يسجد راضيا مختارا لصنم، والفكرة ايضا هى االتى تحمل انسانا اخر على تحطيم هذا الصنم، لهذا فأن الصراع يدور بين افكار فى المقام الاول، لهذا يترصد اعداء الاسلام للا فكار الفعالة المتحركة، فيهدمونها قبل ان تشيع فى الامة، وتأخذ مسارها،كما ان وجود الافكار الزائفة فى عقل الامة هو اكبر المعوقات،وهى انهدام داخلى يحرص الاعداء على استمراره،وهذا هو المرض وما سواه اعراض وهوامش على دفتر النكسة، وفى مقال (حارسة القلعة) يتوجه النداء الى الاخت المسلمة ان تتهيأ لمسؤليتها الخطيرة فى حراسة القلعة المنزلية فهى على ثغر من ثغور الاسلام فيحذرها ابلغ التحذير من الضياع فى العاصفة ومن فقه الدعوة مقال قائد وامه ويعالج فيه سطحية التصور عند بعض الاسلاميين فى ظنهم ان وجود قائد مثل صلاح الدين كفيل بإحداث التغيير المطلوب بينما المطلوب هو استيلاد جيل وبناء امه قادرة على تغيير الكون بوعد القران
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى مقال وحدة العمل الاسلامى تحت راية اهل السنة والجماعة يدعوا الى الجماعة الأم التى تحمل فى رحمها ابناء الصحوة جميعا وقد لاقى المقال رواجا وعارضه المتعصبون الحزبيون وغصت به حلوقهم ولم يتسعوا الى تصوره كعادتهم ولاستاذ البدرى يصف امثال هولاء بأصحاب التفكير الذرى الجزئى وهى نوعية من البشر غير قادرة على استخلاص حقائق عامة او كلية من الوقائع الجزئية ويعرض فى المقال كلاما للشاطبى يحدد فيه النظرة الصحيحة للنصوص بإستخلاص القطع من الظنيات وتكوين الكلى من الجزئيات والمقال دعوة لتغيير العقلية الجزئية بعقلية شمولية خارجة عن نطاق التسطيح والهامشية ويستقرئ فى مقال ما بعد موقعة الخليج واقع الامة وتسلط النخب العسكرية الكاريكاتورية ودورها فى اللعبة التى تقودها الصهيونية العالمية والمقال مفيد الى حد كبير وكأن الشاعر عناه بقوله
كلامك حر والكلام غلام وسحر ولكن ليس فيه حرام ودر ولكن بين جنبيك بحره وزهر ولكن الفؤد كمام
ومن نفائس المكتوبات سلسلة لمحات فى فن الحوار يستعرض فى ثلاث حلقات ضوابط الحوار،اساليب الحوار، معوقات الحوار، وتهدف السلسلة للخروج من متاهة حوار الطرشان وقوالب التجهيل والطعن فى النوايا والحجج الدائرية التى تقودك الى حيث بدأت،وقد جعل السلسلة بمثابة البداية واستنفر الاقوام للكتابة فى هذه المعضلة،التى صارت من مخازى الحقل الاسلامى،فتحولنا عن قصد اوبدونه الى مرحلة ماقبل الهمجية
هذا نذير فهل من مجيب هكذا اختتم الاستاذ البدرى مقاله حتى لانصل الى الانهيار استعرض فيه بصيحة النذير الامراض الداخلية فى الأمة، الوهن الحضارى، القابلية للسقوط، القابلية للهزيمة،ان هذا الانهيار الداخلى للأمة عندما تعجز ان تستقيم على شئ تؤمن به،وعندما يتحول الايمان الى خيالات وأوهام،وعندما تُصبغ الاقذار والاوضار صبغة القداسة، هو السوس الذى صنعناه بأيدينا وتركناه ينخر الامال والامانى فهوت الى قعر سحيق مع هبوب اول عاصفة من سموم الشمال،فلا تسألوا الغزاة لما ازالونا عن الوجود، بل سألونا نحن لما كنا كالوسواس الخناس،الذى يوسوس فى صدور الناس،فلم نترك شيأ على حاله من العهد الأول ولكن بدلنا وغيرنا، فمسخنا الله الى ماترون، اذلة الى شرق الناس وغربهم …هكذا كان صدى صوت الاستاذ البدرى
أنت كنز الدر والياقوت …… في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك
محفل الأجيال محتاج إلى …… .. صوتك العالي وإن لم يسمعوك
عزيزى القارئ هذا طرف من القول لم نبلغ به الى حقيقة المفكر الاسلامى الكبير محمد محمد بدرى، ولم نقف على مبلغ جهوده لخدمة الاسلام واننا عاجزون بحق عن حسن الجزاء،ولكن الله لايعجزه شئ
فاللهم تقبل… .. اللهم تقبل ……اللهم تقبل
ـ[محمد داود المصري]ــــــــ[18 - Nov-2010, مساء 10:50]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم حقيقة كم انتفعنا من علم الشيخ محمد محمد البدري أسأل الله لنا وله الثبات والتوفيق.
ـ[مهندس مصري]ــــــــ[20 - Nov-2010, صباحاً 07:31]ـ
تصفحت كتاب اللمسة الإنسانية في إحدي المكتبات فوجدته أكثر من رائع ... بارك الله في المؤلف وجهوده(/)
ثبات السلفي مع كثرة الفتن!
ـ[أبو عبد الأكرم الجزائري]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 02:09]ـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، أما بعد: فأيها القراء الكرام! هذه نصيحة للجميع بالصبر والثبات حتى الممات على منهج السلف الصالح، فأن الأمة كانت مجتمعة ومتحدة فدب فيها داء الأمم: وهو الاختلاف والتفرق، وخرجت فيها الفرق الكثيرة والطوائف المتناحرة، التي بسببها أريقت الدماء وتفرقت الكلمة وتشتت الجماعة وضعفت الشوكة؛ فكان من أهل الحق على عادتهم أن ردوا هؤلاء النافرين إلى جادة الحق والصواب إمتثالاً لقوله تعالى: ? وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ?. [آل عمران: 103]، فمن استجاب هدي ومن أبا حذروا منه حماية للمجتمع من شره.
ولقد صدق الصحابي الجليل حذيفة - رضي الله عنه، وهو صادق في نصحه - دخل أبو مسعود على حذيفة فقال له: (أعهد إلي؛ فقال له: ألم يأتك اليقين! قال: بلى وعزة ربي، قال: فاعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكره، وأن تنكر ما كنت تعرفه، وإياك والتلون فإن دين الله واحد). " سنن البيهقي الكبرى ": (10/ 42)، و " مصنف عبد الرزاق ": (11/ 249)، و " اعتقاد أهل السنة " - للالكائي -: (1/ 90)، و " الإبانة ": (1/ 189).
وهذه وصية أخرى من عبد الله بن مسعود قال: (إنكم في زمان كثير فقهاؤه قليل خطباؤه قليل سؤاله كثير معطوه؛ العمل فيه قائد للهوى، وسيأتي بعدكم زمان قليل فقهاؤه كثير خطباؤه كثير سؤاله قليل معطوه؛ الهوى فيه قائد للعمل. اعلموا أن أحسن الهدى في آخر الزمان خيرٌ من بعض العمل). وقد أخرج هذا الأثر الإمام مالك في " الموطأ ": (1/ 173). عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن مسعود قال لإنسان: (إنك في زمان كثير فقهاؤه …) إلى آخره؛ ثم قال بن عبد البر: (والعيان في هذا الزمان على صحة معنى هذا كالبرهان).
هذا في زمانه - رحمه الله - فكيف بزماننا هذا!؟
وعن محمد بن سيرين قال: قال عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: (إنكم لن تزالوا بخير ما لم تعرفوا ما كنتم تنكرون وتنكروا ما كنتم تعرفون، وما دام عالمكم يتكلم بينكم غير خائف). " الإبانة ": (1/ 190).
ومصداق ما تقدم ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤسًا جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا).
وقال شيخ الإسلام: (إن ما عند عوام المسلمين وعلمائهم أهل السنة والجماعة من المعرفة واليقين، والطمأنينة والجزم بالحق والقول الثابت والقطع بما هم عليه؛ أمر لا ينازع فيه إلا من سلبه الله العقل والدين). " مجموع الفتاوى ": (4/ 48).
وقال الأصبهاني: (ومما يدل على أن أهل الحديث هم أهل الحق: أنك لو طالعت إلى جميع كتبهم المصنفة قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وتباعد ما بينهم من الديار، وسكون كل واحد منهم في قطر من الأقطار. وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد يجرون على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها. قولهم في ذلك واحد ونقلهم واحد لا ترى فيهم اختلافًا ولا تفرقًا في شيء ما وإن قل. بل لو جمعت جميع ما على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء على قلب واحد وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا!؟). " الانتصار لأصحاب الحديث " للسمعاني: (ص 45).
الخاتمة: عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر من أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به؛ فهل تخاف علينا!؟، قال: (نعم! إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء). [رواه الترمذي: 2140، وابن ماجة: 3834].
فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
ـ[أسامة شبل السنة]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 05:19]ـ
أحسنت واجدت أخي عبد الأكرم فالموضوع جد مهم ولاكن لما جعلت العنوان ثبات السلفي ولم تقل ثبات المسلم فقد يكون المرء على منهج السلف ولا يطلق على نفسه سلفي فكلمة المسلم أعم وبارك الله فيك وزادك من علمه وكروه وجوده
ـ[ابن أبي الخير]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 06:45]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك أخي على ما طرحت من كلام أهل العلم لكن ألا ترى معي أن لفظي "الثبات " و "السلفي"، وحتى "الفتن" في حاجة إلى تحرير علمي?، فهل السلفية تعني النص أو المنهج العلمي الذي تواطأ عليه علماء الأمة سلفا عن خلف، و هل الثبات في الأصول هو مثيله في الفروع، وهل الفتن هي الإختراعات الحضارية أو الإحداثات العقدية التي استمرأ المخالفون الانتصار لها و التغلب ببهرجة الكثرة و السلطان?(/)
ستة أعوام في مسيرة الراصد
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 02:26]ـ
فاتحة القول / العدد الثالث والسبعون رجب 1430ه
لا نجد اليوم وبعد مسيرة حافلة تمتد لستة أعوام وبمناسبة تحديث وتطوير مطبوعة الراصد من هذا العدد والشهر القادم بإذن سيتم تدشين الموقع بحلة جديدة، إلا أن نعيد نشر ما جاء في افتتاحية العدد الأول:
"أيها القارئ الكريم يسعدنا أن نضع بين يديك جهداً نراه ضرورياً في رصد حركة الفرق والطوائف المخالفة لمنهج أهل السنة والمسلمين, والداعي لهذا ما تشهده أوضاع المسلمين اليوم في كافة أرجاء الأرض من انبعاث لفكر هذه الطوائف أولاً، وتشكيل هذه الفرق والطوائف دولاً وقوى سياسية فاعلة, وأهم من هذا أنها بدأت بالتسرب إلى أهل السنة والمسلمين وافتراس الكثيرين من أبنائهم وقادتهم.
إن الصراع في عالمنا اليوم هو بين القوى المتدينة سواء قلنا بصراع الحضارات أم لم نقل فإن سيطرة القوى المتدينة ظاهر لكل مراقب, وتعمل هذه العقائد على فرض المواقف والسياسات على العديد من الدول والقوى بصرف النظر عن صحة وصواب هذه الأفكار.
وإن أعداءنا واليهود تحديداً منهم ومن القديم حاربونا من خلال إنشاء ورعاية وتوجيه الفرق الضالة والمبتدعة والتحالف معها، واليوم الساحة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لرعاية وإنشاء ودعم العديد من القوى البدعية والطائفية لتكون سلاحاُ بيد أعداء الإسلام لكن باسم الإسلام!
وإن نظرة على خارطة العالم الإسلامي مع وضع أسماء القوى الطائفية والفرقية المؤثرة فيها ليوضح بشكل لا نقاش فيه هذا الخطر الزاحف من داخلنا دون أن يعيره الكثير من المسلمين الانتباه الكافي.
ومن أجل هذا نبعت دورية الراصد التي تهدف إلى تبصير أهل الاسلام بخطر الفرق والطوائف على مستقبل الدعوة الاسلامية وبلادهم، وتوضح لهم حقيقة الأدوار التي يقومون بها مع التحذير من الخطط القادمة وكيفية العمل على مقاومتها.
إن الحديث عن الفرق والطوائف ليس فتحاً لجروح مندملة, بل حديث في قضية مهمة نعايشها وتكاد تكون محور استراتيجيات متعددة تجاه أمننا.
وهذا لا يعني أن جميع هذه الفرق والطوائف في مستوى واحد من العداء والمكر للأمة فضلاً عن أنها جميعها تريد ذلك. وأيضاً فإن كثيراً من أفراد هذه الفرق والطوائف هم من الغافلين عن حقيقة مذاهبهم وعقائدهم ولذلك لا نتهم كل من انتسب لهذه الفرق والطوائف بالعمالة والتآمر, بل قد كان لبعض هذه الفرق والطوائف وفئة من أبنائها مواقف تشكر لهم, لكن سبب ذلك بشكل أساسي كان ضعف تأثرهم في مراحل معينة بمذهبهم وفكرهم!
وتقريباً للصورة نقول: هناك العديد من المتصوفة مثلاً لا يعرف عن الصوفية سوى ذكر الله -ولو كان بصورة مبتدعة- وهو يظن أن هذا هو غاية التصوف ويكون له بلاء حسن في الدفاع عن الاسلام وقضاياه, فدفاعه وبلاؤه مع الاسلام ليس نابعاً من تصوفه بل هو نابع من جهله بالتصوف, فلو تعمق بالتصوف واعتقد عقائد الصوفية لتحالف مع أعداء الاسلام المتغلبين بحجة أن هذا قدر الله ولا بد من الأخذ به والحب له!!
ولذلك فإن الخطر والبلاء يأتي الاسلام دائماً حين يقوم بعض أصحاب المذاهب البدعية بالدعوة لها والعمل من أجلها فعندها تنزل بالمسلمين الكوارث, كما هو حادث في يومنا هذا" أ. هـ
ومنذ أن نشرنا هذا المقال في أول أعداد "الراصد" لا زالت الأحداث تؤكد صدق هذه الرؤية ودقتها، كما في العراق الجريح وما يشهده من جرائم ومذابح صفوية قامت بتنفيذها المليشيات الشيعية كجيش المهدى وقوات بدر من جهة، ومن جهة أخرى ما قام به تنظيم القاعدة – الذي يتقاطع ويتحالف مع إيران عملياً - من قتل أعمى طال من أهل السنة أكثر مما طال من الأمريكان فضلاً عن تصعيد الصراع الدموى مع الشيعة مما رسخ نفوذ إيران في العراق بحجة مساعدة العراقيين ومحاربة الإرهاب!!
كما أن ممارسات القوى السياسية الشيعية العراقية أكدت طائفيتها وانتهازيتها وعمالتها لإيران.
وجاءت تصرفات حزب الله في لبنان، ومؤخراً في مصر، لتكشف عن حقيقة المشروع الإيراني وأهدافه التوسعية وأطماعه بالهيمنة والإستيلاء.
أما تحركات شيعة الخليج فبينت عمق الترابط بين هذه التجمعات ونظام الولي الفقيه في إيران، و تمرد الحوثي فكان نموذجا عمليا أو "بروفة" لتصدير الثورة الخمينية لدول الجوار!!
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد كان للراصد دور محوري على صعيد مشكلة الفرق والطوائف والنِّحَل يمكن إجماله في النقاط الآتية:
- التنبيه على خطورة الدور الذي تلعبه الفرق والطوائف والنِّحَل الضالة في منطقتنا.
- الكشف والتحذير من تحركات ومخططات وممارسات هذه الفرق المعاصرة.
- تأصيل منهجية التعامل مع هذه الفرق والطوائف والنِّحَل، وطرح الحلول لها.
- توسيع دائرة المهتمين والمتابعين لهذا الملف.
- تقديم رؤية بانورامية لواقع الفرق المعاصرة في كافة أرجاء العالم.
- بناء بنك معلومات متخصص في شؤون الفرق والنِّحَل المعاصرة.
ومما يجدر بنا التأكيد عليه هنا أن الراصد يرفض كافة المشاريع المعادية لأمتنا وهي عديدة جداً، أما تخصصه في شؤون الفرق والطوائف فيعود إلى أن هذه الجبهة جبهة مكشوفة تسببت لأمتنا بضرر كبير، وأصبح من المحتم على المسلمين سدها ومنع وصول الضرر إلى أمتنا منها.
ومن أكبر الأسباب التي تسبب لأمتنا الضرر من هذه الجبهة هو الرؤية السطحية لخطورة آثار البدع العقدية وخاصة إذا تجسدت على شكل دولة أو حركة وتنظيم، هذه الرؤية السطحية التي يحملها للأسف كثير من الساسة والإعلاميين والعلماء الشرعيين وقادة الحركات الإسلامية.
فبسبب هذه الرؤية السطحية تم تمرير كثير من مخططات إيران ونشر التشيع بين المسلمين، ولكن حين تكاثرت وتعاظمت هذه الخطوات انتبه لها كثير من الساسة والإعلاميين، في حين بقي كثير من قادة الحركات الإسلامية على رؤيته السطحية لهذا الخطر، بدعوى مكافحة المشروع الأمريكى والإسرائيلي.
ورغم نبل الغاية والهدف عند هؤلاء القادة الإسلاميين، إلا أن مسيرتهم السياسية المليئة بالفشل والجري وراء الأوهام وتضييع المكاسب، تجعلنا لا نستغرب مثل هذا الموقف منهم، فلأن العواطف والطيبة هي المحرك الرئيسي لهؤلاء خدعهم أهل المكر والحقد، ويكفي في التدليل على ذلك ما اقترحه د. محمد سعيد حوّى، كرؤية جديدة في العلاقة بين جماعة الإخوان السوريين، والموقف من النظام السورى والإيراني وحزب الله، حيث انقلب موقفه 180 درجة مؤخراً، بخلاف ما توصل له والده – رحمه الله - في ختام حياته، فجاءنا ولده د. محمد اليوم يقول: "لا يخفى عليكم أن السياسة كلها متغيرات ولا مواقف مسبقة في السياسة (إلا ما كانمرتبطاً بالعقائد والأصول وهي محدودة جداً) ". وبنى على هذه المقدمة قوله: "أساس التصحيح ينطلق من مبدأ عدم الخلط بين الموقف السياسي والموقف الديني"، وللتدليل على ما ذهب إليه، يقول د. حوى: "أود أن أذكر بمواقف سياسية لبعض فصائل الحركة الإسلامية المعاصرة في مواقف شتى _ ومن غير أن أكون موافقاً على كل موقف، لأن السياسة ليس لها وجه واحد. فمنهذه المواقف بإيجاز:
1 - قرار جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بحل نفسها عام 1958م رغبة في إنجاح الوحدة مع مصر.
2 - استعداد إخوان مصر القتال تحت راية جمالعبد الناصر والجيش المصري وتجميد كل خلاف عندما حدث العدوان عام 1956 وعام 1967 برغم ما فعله عبد الناصر".
وهذه الرؤية من الدكتور حوى ظلمات بعضها فوق بعض، فإذا كانت العلاقة مع النصيرية والشيعة الإثنى عشرية لا ترتبط بالعقائد والأصول فمتى سترتبط السياسة بالعقيدة، يا فضيلة الدكتور؟؟
وقبل الإحتجاج بمواقف سياسية لجماعة الإخوان أو غيرها يجب أن تحدد رؤيتك الشرعية لصوابها من عدمها، حتى يصح لك الإحتجاج بها، أما أن ترى خطأ موقف سياسي معين ثم تستشهد به على تأصيل سياسي شرعي جديد، فهذه والله مصيبة عظمى.
فهذا نموذج عملي لكيفية صنع الفتوى والقرار السياسي في الحركات الإسلامية إلا من رحم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المصدر مجلة الراصد
http://www.alrased.net/show_topic.php?topic_id=1370(/)
موسم اضطهاد المسلمين
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 09:27]ـ
موسم اضطهاد المسلمين
06 - 7 - 2009
بقلم المنشاوي الورداني
" ... فإن المسلمين بما يحدث لهم أصحاب تسامح ومواقف وهم خير أمة أُخرجتْ للناس، ويجب أن يتصرفوا على هذا الأساس، ويحملوا الهداية والنور لإخراج هؤلاء المتآمرين والكارهين لهم دون فهم أو على حرد قادرين من الظلمات إلى النور ... "
يبدو أن ظاهرة اضطهاد الغرب للإسلام عامة والمحجبات على وجه الخصوص تزداد يوما بعد يوم، فبعد الأحداث التي شهدتها ألمانيا أواخر الاسبوع الماضي بمقتل مسلمة محجبة في ساحة إحدى دور القضاء ببرلين، تشهد ولاية جورجيا الأمريكية قضية "اضطهاد" أخرى تعرضت لها طالبة دراسات عليا، من أصل مصري وتدعى سلمى شلباية والتي تقول إنه تم الاستغناء عنها كمدرس زائر بمعهد دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأمريكية، بعد تعرضها لـ"إهانات" من جانب إحدى المدرسات بالمعهد، متهمة إياها بالسخرية من زيها وبالتمييز ضدها، بسبب ارتدائها الحجاب .. وكانت تصفها بأنها شبيهة "بالسنجاب البري"، وسألتها في أكثر من مرة عما إذا كانت تُخفي قنابل تحت غطاء رأسها، مما دفعها إلى التقدم بشكوى لإدارة الجامعة في نوفمبر الماضي.
ورغم تجاوب الإدارة مع شكواها، واعتذار المدرسة عبر رسالة إلكترونية، إلا أن سرعان ما توالت المشاكل، بحيث تم إعفاء شلباية من عملها بالجامعة، بحجة أنها لا تستطيع أن تكون طالبة دكتوارة وأن تشغل هذا المنصب في الوقت ذاته، علماً بأنه لا يوجد قانون مكتوب ينص على هذا الأمر، بحسب ما ذكرت.
وفي إطار تداعيات تلك الأزمة، تقدمت مديرة معهد الشرق الأوسط بالجامعة، دونا ستيوارت، باستقالتها الأسبوع الماضي، تضامناً مع تلميذتها شلباية، إذ عدت أن ما جرى لها "غير منصف"، وأكدت أن إدارة الجامعة "لم تتعامل مع قضية الفتاة المحجبة بالشكل الملائم."
وذكرت ستيوارت، أن القضية ازدادت تعقيداً، مشيرة إلى إدارة الجامعة بدأت بعمل مضايقات للمعهد بعد حادثة شلباية، من بينها إلغاء برنامج دراسي لفرع البكالوريوس، بعد أن كانت قد وافقت عليه في وقت سابق، مما دفعها إلى الاستقالة.
وإلى ولاية كاليفورنيا الأمريكية وفي وجه آخر لإضهاد المسلمين لقي إمام مسجد مصرعه فى ظروف غامضة، فى حادث دفع عددا من المسلمين الأمريكيين إلى المطالبة بالتحقيق فيه باعتباره جريمة كراهية.
وقالت أسرة الإمام علي محمد، إمام مسجد بلدة يرمو بولاية كاليفورنيا، إن الإمام ذهب عصر السبت إلى منزل قديم كانت تقطنه الأسرة لإزالة عبارات كراهية كتبت بداخل المنزل، لكنه لم يعد بعد ذلك؛ حيث عُثر على الإمام ميتا داخل المنزل إثر حريق نشب فيه، وكانت العبارات التى كتبت داخل المنزل قبيل اندلاع الحريق تقول: "اللعنة عليك أيها العربى ... عد إلى ديارك أيها العربي" وحملت توقيع جماعة كو كلوكس كلان، وهى حركة بيضاء عنصرية، وبجوار التصريحات العنصرية تم رسم العلم الأمريكي والصليب النازي المعقوف.
وفي جريمة جديدة تكشف مسلسل الكراهية للمسلمين هنا وهناك استشهد ما لا يقل عن 129 مسلما وأصيب المئات خلال قمع السلطات الشيوعية الصينية تظاهرات احتجاجية في "تركستان الشرقية" في أعمال وحشية ضد أقلية "الإيجور" المسلمة التي تعيش غرب الصين، ومن المعروف أن الإيجور هي إحدى الأقليات الإسلامية وموطنهم الأصلي هو إقليم تركستان الشرقية المسلم الغني بالبترول والذي يقع شمال غربي الصين والذي حصل على الاستقلال الذاتي صوريًّا عام 1955م.
ويبلغ عدد سكان "الإيجور" نحو 25 مليون نسمة بحسب مصادر في إقليم تركستان بينما تزعم الأرقام الرسمية الصينية أن عدد الإيجور المسلمين لا يزيد على ثمانية ملايين نسمة.
والإيجور يتكلمون لغة محلية تركمانية ويخطون كتاباتهم بالعربية ولهم ملامح القوقازيين، وكانوا يشكلون 90% من سكان المنطقة، لكن هجرة الأقلية الصينية الشيوعية "هان" قوضت هذه الأغلبية المسلمة.
ومنذ استيلاء الحكومة الشيوعية على إقليم تركستان عام 1949م تزايد عدد أقلية هان الشيوعية الصينية في الإقليم من 6.7% إلى 40.6%، حسب الأرقام الرسمية، وأصبحوا يسيطرون على كل الوظائف الرئيسة وعلى النشاط السياسي.
وتفرض الصين على أقلية الإيجور المسلمة في الغرب الأقصى من البلاد حالةً من العزلة كما تقيد ممارستهم للشعائر الدينية.
وتتعرض تركستان لحملة تستهدف تغيير التركيبة الديموجرافية للسكان عبر تشجيع هجرة إثنية "الهان" البوذية على استيطان هذه المناطق؛ حيث يهيمنون على الاقتصاد والحكومات المحلية، فضلاً عن أن العدد الساحق من العمال في حقول النفط المشروعات هم من الصينيين وليسوا من الإيجور.
وبعد .. فإن المسلمين بما يحدث لهم أصحاب تسامح ومواقف وهم خير أمة أُخرجتْ للناس، ويجب أن يتصرفوا على هذا الأساس، ويحملوا الهداية والنور لإخراج هؤلاء المتآمرين والكارهين لهم دون فهم أو على حرد قادرين من الظلمات إلى النور.
المصدر: شبكة القلم الفكرية
رابط مفيد مهم:
نحن الأويغور .. اخوانكم في الإسلام .. وهذه قضيتنا. ( http://majles.alukah.net/showthread.php?t=18627)(/)
الترسانة العلمية واستحقاقاتها
ـ[العطاب الحميري]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 10:19]ـ
تكبد أوايل أمتنا في بناء صرحنا المعرفي المشاق حتى اكتمل وأضحى صورة مشرقةً يفخر بها المسلمون جيلاً بعد جيلٍ بله امتد اشعاع المعرفة إلى الغرب الظلامي في حقبة من الحقب ولعل سفر (شمس العرب تسطع على الغرب) خير شاهد ...
إن رواد النهضة الاسلامية لم يألو جهدا في بناء صرحنا المعرفي وتعاهده وبذلوا في سبيل ذلك أنفس ما يحاز ...
ومع التراكمات المعرفية التي ألحقتها الأجيال المتعاقبة ظل رافدا معرفيا زخارا معطاء وأفادت تلكم التراكمات صلابة ومتانة لكل وارد على حوض المعرفة،ولم تكن تلكم التراكمات عامل بعثرة أو تبديد كما الشأن في الثقافات الأخرى ..
إن استشعار الجيل للإرث الحضاري يستدعي كمّا من الإجراءات العلمية والعملية معا حتى تستمر عجلة البناء ونضمن باذن الله ديمومة الصرح.
إن ترسانتنا العلمية تستحق منا الاحتفاء التام والنهل وبشغف من معينها وتعاهد أدبيات روادها وتستحق أيضا إقصاء دعاة هدمها أو دمجها للتهجين وإنتاج ثقافة تمييع ومسخ ...
من كل حسب قدرته والأعباء تتفاوت قطعا لاعتبارات متعددة فالعالم ليس كالجاهل والموسر ليس كالمعدم.
إن الصيحات النشاز تبشر بأفوول الحضارة الأسلامية واضمحلالها-كطلاسم أدونيس البائدة- وسعي أعداء تراثنا حثيثاٌ لا ينقطع في فصل جيلنا عن موروثه عبر بث ثقافة البرجروالتقليعات الجنونية ...
على أبناء أمتنا استشعار عظمة الموروث والأخطار المحدقة والمستقبل لهذا الدين والله غالب على أمره ولو كره الكافرون
ولله الأمر من قبل ومن بعد
ـ[أبوالعمار]ــــــــ[14 - Jul-2009, صباحاً 10:05]ـ
كلامك يريد له أحيانا ًالرجوع إلى المعاجم الفلسفية:)
طلاسم أدونيس
بث ثقافة البرجروالتقليعات الجنونية ...
زادك الله علما ًوعزا ًورفع قدرك شيخنا الحبيب العطاب
ـ[العطاب الحميري]ــــــــ[22 - Jul-2009, مساء 07:35]ـ
كلامك يريد له أحيانا ًالرجوع إلى المعاجم الفلسفية:)
طلاسم أدونيس
بث ثقافة البرجروالتقليعات الجنونية ...
زادك الله علما ًوعزا ًورفع قدرك شيخنا الحبيب العطاب
وفقك الله أبا العمار ...
الأمر أهون ..
لا تستسمن ذا ورم-بارك الله فيك-(/)
الجويني وكتابه الإرشاد
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[06 - Jul-2009, مساء 11:20]ـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ,ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
من المسائل المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن يتنبه لها في مذهب الأشاعرة , مسألة إبراز المفارقة بين متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم , فمتقدي الأشاعرة كالأشعري والباقلاني وغيرهم , كانوا من مثبتي الصفات الخبرية , بالإضافة إلى صفات أخرى كالعلو والاستواء , على عكس من طريقة متأخري الأشاعرة التي غلب عليهم التحريف والتأويل.
وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى ذلك , ولعل رأس البلاء بالنسبة لمتأخيري الأشاعرة الجويني وكتابه الإرشاد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الجويني:وقال أبو المعالي: في إرشاده المشهور الذي هو زبور المستأخرين من أتباعه , كما أن الغرر وتصفح الأدلة لأبي الحسين زبور المستأخرين من المعتزلة وكما أن الإشارات لابن سينا زبور المستأخرين من الفلاسفة؛ {تقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} وإن كانت طائفة أبي المعالي أمثل وأولى بالإسلام.
الفتاوى (6|507)
وقال شيخ الإسلام:قال أبو المعالي الجويني: ذهب أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل قال: والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة وحمل العينين على البصر وحمل الوجه على الوجود.
قلت - ابن تيمية -: فاتضح أن أئمة الكلامية والأشعرية يثبتون هذه الصفات فإنه خالف أئمته ووافق المعتزلة
قال شارح كلام أبو القاسم بن الأنصاري: أعلم أن مذهب شيخنا أبي الحسن أن اليدين صفتان ثابتتان زائدتان على وجود الإله سبحانه ونحوه قال عبد الله بن سعيد: ومال القاضي أبو بكر في الهداية إلى هذا المذهب
قلت: قد صرح بذلك في جميع كتبه كالتمهيد والإبانة وغيرهما.
الفتاوى الكبرى (6|598)
قال الدكتور حسن الشافعي بعد أن أشار إلى ذلك: والحق أن الجويني لم يكتف بالتأويل بل أوجبه ودعا إليه وقال إن التوقف عن التأويل بعد إحالة المعنى الظاهر لا يخلو من أخطار.
الآمدي وآراؤه الكلامية (336)
وهذه مسألة ينبغي إثارتها في حال إلزامهم.
والله أعلم
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[08 - Jul-2009, مساء 06:49]ـ
بارك الله فيكم شيخنا الكريم
ومن رسالة " حجية الدليل النقلي بين المعتزلة والأشاعرة " للدكتور أحمد قوشتي:
- (وعندما جاء الجويني كانت فكرة تأويل الصفات الخبرية قد استقرت تماماً في المذهب، والجديد الذي أتى به هو تبنيه لبعض التأويلات التفصيلية التي رفضها من قبله، وعدوها من آراء المعتزلة الباطلة، ومن أشهر الأمثلة على ذلك تأويل الاستواء، فمع أن ابن فورك، وعبدالقاهر البغدادي، قد سبقاه إلى القول بتأويله، إلا إنهما رفضا أن يُحمل الاستواء على الاستيلاء، وأما الجويني فلم ير مانعاً من ذلك؛ لأن هذا المعنى شائع في اللغة، ولا يترتب عليه أي محذور- بزعمه -).
- (وانتقل المذهب الأشعري على يد الجويني نقلة كبيرة اقترب بها، إن لم يتشابه تماماً مع الموقف الاعتزالي من خبر الواحد، فهو لا يفضى إلى العلم، بل يصرح الجويني بأننا لو أضربنا صفحاً عن جميع ما يورده الخصوم من أخبار الآحاد في استدلالاتهم لكان سائغاً، ولا يلزم المسئول قبوله إن أورده السائل عليه، ولا على السائل قبوله إن أورده المسؤول، وأما إذا اجتمعت الأمة على قبول خبر من أخبار الآحاد، فتارة يميل إلى أن إجماعهم لا يوجب القطع بصحته، وتارة أخرى يرى أن ذلك دليل على صدقه).
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[08 - Jul-2009, مساء 10:19]ـ
وفيكم بارك الله شيخنا الكريم(/)
مسألة التخفي بلبس الصليب وملابس النصارى واليهود
ـ[باعث الخير]ــــــــ[07 - Jul-2009, صباحاً 12:01]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مشايخنا الفضلاء واخواننا الكرام
قرأت فتوى لشيخنا حامد العلي حفظه الله تعالى جاء فيها
السؤال:
أمر قائد مجموعة جهادية أحد المجاهدين بالتنكر في لباس قسيس و لبس الصليب و الدخول إلى كنيسةٍ في إحدى بلاد الكفر، و الصلاة فيها بصلاة النصارى؛ و ذلك ليقوم بإنقاذ حياة أحد المسلمين الأسرى، و قد قام بتنفيذ الأوامر كاملةً، و تم إنقاذ حياة المسلم.
السؤال: هذا المجاهد قد ارتكب عملاً كفرياً (لِبس لِباس القسيس، و تعليقُ الصليب، و الصلاة النصرانية)، و هو يَعتَبِرُ ذلك عملاً كُفرياً، و لم يفعله إلا لإنقاذ أخيه المسلم، و لخداع من كان يريد قتله، فما حُكمُ الشرع في هذا العمل؟
هذا وقد استدل البعض بقصة نعيم بن مسعود، وقول الحجاج بن علاط في قصة فتح خيبر، وقول محمد بن مسلمة في قصة اغتيال كعب بن الاشرف، وأنهم قالوا ما ظاهره الكفر، لمصلحة دينية، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فما ردكم على ذلك؟ ;
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد: ـ
ــــــــــ
أما قصة نعيم بن مسعود رضي الله عنه، فليس فيها أنه أظهر الكفر، أما الذي رُوِي فهو أنه صلى الله عليه وسلم قال له: (إنما أنت رجل واحد فينا، ولكن خذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة) وقد رواه عبد الرزاق من حديث ابن المسيب مرسلا، وموسى بن عقبة من روايته المرسلة عن الزهري.
ولا يُعلم نص ما قاله نعيم بن مسعود رضي الله عنه، فإنه لم يصح شيء يتضمّن ما قاله صريحا، وإنما ورد الخبر مرسلا كما تقدم والله اعلم.
أما حديث الحجاج بن عِلاط فلفظه: (لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن علاط يا رسول الله إن لي بمكة مالا وإن لي بها أهلا وإني أريد أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء فأتى امرأته حين قدم فقال اجمعي لي ما كان عندك فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم) رواه أحمد وغيره، من حديث أنس رضي الله عنه.
وأما حديث قتل كعب بن الاشرف: فقد قال محمد بن مسلمة: (إن هذا الرجل قد عنّانا ـ أي أتعبنا ـ وسألنا الصدقة، قال وأيضا فوالله لتملنّه، قال: فإنا اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى ما يصير أمره) رواه البخاري من حديث جابر رضي الله عنه.
وقد دل حديث كعب بن الاشرف على جواز الكذب في الحرب كما بوّب البخاري للحديث الثاني (باب الكذب في الحرب).
ولا يصح الاستدلال بالخبرين على جواز إتيان الكفر ظاهرا، في حال الحرب، لان أذى النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم بالنيل منه، الذي هو كفر، لم يتحقق هنا.
ذلك أنه صلى الله عليه وسلم، قد أذن بقول ما يعلم أن قائله لا يقصد أذى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان صلى الله عليه وسلم ربما يعفو عن أذى من يؤذيه، ولهذا لما قيل عنه صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم، (والله إنها لقسمة ما عدل فيها)، قال (يرحم الله موسى، فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) رواه البخاري.
والمقصود أن إذنه صلى الله عليه وسلم، لقائل أن يقول عنه ما لا يريد بذلك أذاه، بل يقول قولا يحتمل في ظاهر اللفظ أذاه، وهو مع ذلك معظمُ للنبي صلى الله عليه وسلم، متبعُ له، قاصدُ نصر دينه، أنه ليس فيه ما يدخل في باب إظهار الكفر أصلا، ولهذا بوّب له البخاري رحمه الله (باب الكذب في الحرب).
وهذا يختلف عن إظهار الكفر بتعظيم الشرك وعبادة غير الله تعالى، فإن هذا لا يحل إلا بالإكراه، كما هو نص القرآن، قال العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا: (اعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفا منهم ومداراة لهم ومداهنة لدفع شرهم فإنه كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين، ... ولايستثنى من ذلك إلا المكره، وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون اكفر، أو افعل كذا، وإلا فعلنا بك وقتلناك، أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم فيجوز له الموافقة
(يُتْبَعُ)
(/)
باللسان مع طمأنينة القلب) الدرر السنية 7/ 58
ولا يصح الاستدلال بمسألة الإكراه، على قضيّة السؤال، لانه ينبغي التنبه إلى أن من يظهر لبس الصليب، وعبادة غير الله، ويدخل الكنيسة متلبسا بهيئة الرهبان، إنما يعتمد على حيلة يحتالها، فقد يتوصل بها إلى فكاك الأسير، وقد لا يحصل ذلك، بخلاف الذي يقولون له افعل الكفر، وإلا قتلناك، أو ضربناك، أو عذّبناك، فيأخذ بالرخصة التي أخذ بها عمار رضي الله عنه، ولهذا لا يصح القياس هنا أصلا.
ثم إن الأسير في هذا الزمان ليس بالضرورة يقتل في الأسر، ولا حتى يعذّب فقد يقتل أو يعذّب، وقد يُفدى، وقد يبقى قادرا على إظهار دينه وفق قوانين بعض البلاد الكافرة، آمنا على نفسه بين ظهرانيهم، حتى يجعل الله له سبيلا، وقد يطلق سراحه، وقد يتمكن بنفسه من الهرب، ويختلف ذلك باختلاف البلاد التي هو فيها، وهذا معلوم في هذا الزمان لا ينكره أحد.
ولهذا فمن الخطأ إطلاق الفتوى بجواز أن يظهر الكفر، من يظن أنه يتوصل بذلك إلى فكاك الأسرى، حتى لو قيل بأنه قد يجوز في بعض الاحيان، قياسا على جواز فعل الكفر للمكره، ذلك أن أحوال الأسر تختلف.
ولم يقل أحد ـ فيما أعلم ـ أن أسرى المسلمين يجوز لهم أن يظهروا للكفار الموافقة في دينهم، طمعا في الإفراج عنهم، ماداموا لم يكرهوا على ذلك بالتهديد بالقتل أو الضرب والتعذيب، وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أسرى من المسلمين في أيدي الكفار، فلم يظهروا إلا صلابة في دينهم.
والمقصود أن كون المسلم أسيرا عند الكفار، ليس في حد ذاته رخصة، تبيح له أن يأتي بالكفر الظاهر، وهو تعليق الصليب، فكذلك لئن لا يكون رخصة لغيره ممن يقصد فكاك الأسرى أولى.
هذا إن كان السائل يسأل عن تعليق الصليب، وعبادة غير الله تعالى، أما إن لم يصل الأمر إلى هذا الحد، بل أخفى حقيقته عنهم، بلبس لباسهم، ليظنوا أنه منهم، فليس في ذلك موافقة للكفار، بل غاية ما فيه التخفي عنهم بمشابهتهم في الظاهر في حال مخصوصة، ليتوصل بذلك إلى خديعتهم، وفك أسرى المسلمين، وذلك مثل الجاسوس المسلم، الذي يعيش بين الكفار، ليعلم حالهم وقوتهم، فلا بد له من أن يخفي حاله، والله أعلم.
فائدة: قال الإمام القرطبي رحمه الله: قال المحققون: (إذا تلفظ المكره بالكفر، فلا يجوز أن يجريه على لسانه، إلا مجرى المعاريض، فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ... ومثال ذلك أن يقال له: أكفر بالله، فيقول (باللاهي) فيزيد الياء، وكذلك إذا قيل له اكفر بالنبيّ، فيقول هو كافر بالنبيّ، مشددا وهو المكان المرتفع من الأرض
فهل هذا قول فصل في مسألة التخفي بلبس الصليب خصوصا؟
وما الحكم فيمن فعله وهو يعلم ان لبس الصليب كفر وهل للتأول هنا مكانا؟
افيدونا بارك الله فيكم
ـ[باعث الخير]ــــــــ[07 - Jul-2009, صباحاً 06:02]ـ
أكثر من 25 مشاهدة ولم نرى رد واحد!!
الحمد لله على كل حال
ـ[خالد عبد المعطى كروم]ــــــــ[07 - Jul-2009, مساء 05:51]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
منتظر فعلا" رأى العلماء فى هذة المسائلة ..
بارك الله فيك اخى
ـ[باعث الخير]ــــــــ[07 - Jul-2009, مساء 11:21]ـ
وفيك اخي
ننتظر الرد
ـ[السكران التميمي]ــــــــ[07 - Jul-2009, مساء 11:37]ـ
أخي العزيز ..
قد قرأت السؤال المطروح للشيخ، وقرأت جواب الشيخ حفظه الله عليه، ووجدت من التداخل في الكلام والملابسات التي اختلط حابلها بنابلها ما الله به عليم.
أما الفتوى لك في حكم هذه الحادثة: فإني أجبن عن ذلك.
ـ[جذيل]ــــــــ[08 - Jul-2009, صباحاً 12:15]ـ
قال النووي رحمه الله تعالى في روضة الطالبين 1/ 69 - 70 ما نصه:
ولو شد على وسطه زنارا ودخل دار الحرب للتجارة كفر وإن دخل لتخليص الأسارى لم يكفر .. الخ
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية (من المكتبة الشاملة):
وكذا إذا لبس زنار النصارى (يعني كفر) إلا إذا فعل ذلك خديعة في الحرب وطليعة للمسلمين .. الخ
انظر: الفتاوى الهندية 2/ 276، والاختيار 4/ 150، وجواهر الإكليل 2/ 278، والتاج والإكليل بهامش الحطاب 6 /، وتحفة المحتاج 9/ 91، 92 ط دار صادر، وأسنى المطالب وحاشية الرملي عليه 4/ 11
ـ[باعث الخير]ــــــــ[09 - Jul-2009, صباحاً 07:29]ـ
الاخ السكران وأين هذه الملابسات؟!
الاخ جذيل بارك الله فيك
وأظن ان شيخنا العلي فرق بين تعليق الصليب وبين ارتداء ملابسهم
لكن ان كان لبس الزنار كتعليق الصليب كما نقلت فالاشكال اذا حل ان شاء الله تعالى(/)
المفتي يدعو لاتخاذ الحوار أسلوب حياة
ـ[أبو عبد الله عادل السلفي]ــــــــ[07 - Jul-2009, صباحاً 01:41]ـ
المفتي يدعو لاتخاذ الحوار أسلوب حياة
أبدى المفتي العام للسعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ استعداده للحوار في أي مسألة أو موضوع من أي شخص كان، داعياً من يرغب في التحاور معه بزيارته في منزله أو المسجد أو عبر الاتصال الهاتفي معه، كما رحّب بمن يرغب في التحاور مع هيئة كبار العلماء في أي موضوع يطرح للنقاش.
وقال خلال ملتقى المدربين في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي عُقد أمس في الرياض، إن احترام الرأي الآخر في الحوار أمر ضروري ومهم لنجاحه، مؤكداً «نحن مسلمون ومرجعنا الكتاب والسنة، لا نفرض آراءنا الشخصية في حوارنا، لسنا متشددين، نحن دعاة حق».
وفي ما يتعلق بتحريم الحوار، أكد أن الحوار يكون محرماً في القضايا المسّلمة التي لا تحتاج إلى نقاش بين المسلمين، والتي يحتاج إليها غير المسلم لدعوته للدخول إلى الإسلام، وكذلك الأمر في الحوار الذي يرغب صاحبه في نشر الفكر الباطل فيكون محرماً.
من جهته، أكد وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، أن توجهات الوزارة في المرحلة المقبلة ستركز على برامج نشر ثقافة الحوار، لافتاً إلى أنه سيكون هناك إعلام جديد محترم يتفاعل مع المجتمع بكل اقتدار من منطلق الشريعة الإسلامية.
وأكد خوجة خلال كلمته في الجلسة الأولى للملتقى، أهمية نشر ثقافة الحوار لتحقيق ثقافة التسامح والاعتدال، واحترام الرأي والرأي الآخر، مشيداً في البدء بتجربة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في نشر ثقافة الحوار في المجتمع السعودي، موضحاً أن الوزارة تستعين بخبراء في الثقافة والإعلام والبرامج التلفزيونية، «ولا سيما أن الإعلام السعودي عليه واجبات كبيرة، لأنه يعبّر عن هذه البلاد التي تحتضن الأماكن المقدسة التي تهوي إليها أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها».
وكان آل الشيخ ألقى كلمة خلال تدشين ملتقى المدربين المعتمدين لدى مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، التي عُقدت صباح أمس في قاعة الملك فيصل بالرياض، أشار فيها إلى دور الحوار الوطني في تحقيق التعاضد والتعاون بين أبناء المجتمع، ورأى أن المحاور لا بد له من أن يسهم في بناء مجتمعه بكل ما أتيح له من قوة فكرية وجسدية لتقوية المجتمع لا لتدميره، مؤكداً أهمية انطلاق الحوار من كتاب الله وسنة نبيه الكريم التي بينت موقف الرسل مع أممهم، ومجادلتهم لهم.
وتضمنت كلمة المفتي توجيهاً بضرورة أن يكون الحوار مبنياً على ما جاء في الكتاب والسنة، وأن يكون التعاون على البر والتقوى، لافتاً إلى ضرورة أن يحمل المحاور «فكراً سليماً وقلباً مليئاً بالخير سليماً من الغل والحقد». كما تناولت كلمته مفاهيم الحوار وضوابطه، مشير إلى أن المحاور لابد أن يسهم في بناء مجتمعه بكل ما أتيح له من قوة فكرية وجسدية، لتقوية المجتمع لا لتدميرهن، «ولا بد من أن يكون هناك حب لأوطان المسلمين، والمحافظة على الوطن المسلم أمانة في عنق كل مسلم».
وفي جملة متتابعة من الإشارات عن الحوار وضوابطه، قال المفتي العام: «حوارنا يجب أن يكون منطلقاً من ديننا وكتاب ربنا الذي بيّن فيه موقف الرسل من أممهم ومجادلتهم لهم، لرد الباطل وإظهار الحق». ويجب أن يقطع حوارنا «خط الرجعة على من يريد تمزيق الكلمة وإيجاد البلبلة بين أفراد المجتمع، وأن يكون حوارنا مناقِشاً لقضايانا حتى نكون على بصيرة من أمرنا».
وشدد في حديثه على دور وسائل الإعلام لتكون وسائل توجيه وإرشاد وإبراز للفضائل تهدف لجمع الكلمة وتوحيد الصفوف، وتقضي على كل منحل، وأن يؤصِّل الحوار حب الإسلام وحب القيادة وما فيها من خير، وحب الوطن بعيداً عما تقدمه الفضائيات وبعض المنتديات من فكر منحرف، ليكون حوارنا حوار خير وبركة.
فيما تطرق نائب وزير التربية والتعليم الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، في بداية حفلة الافتتاح إلى دور المركز في التدريب على الحوار، إذ وجّه الشكر إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز راعي الحوار، موضحاً أن الملك عبدالله «حصد من الألقاب أحسنها، ومن المكانة أسماها، وانطلق بدعوته للحوار إلى العالم أجمع».
وأشار ابن معمر إلى حرص خادم الحرمين الشريفين على أن يتكاتف جميع المثقفين والكُتّاب وأهل الفكر والإعلاميين لنشر ثقافة الحوار، والاحتفاء بها كقيمة نبيلة مستنيرة، ترفض التصنيفات الفكرية بين أبناء الوطن ولا تفرق بين مواطن وآخر، فالجميع معنيون بقضايا الوطن والجميع أبناء وطن واحد».
____________________________
مصدر الخبر: موقع لجينيات
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[07 - Jul-2009, صباحاً 02:17]ـ
هكذا فليكن .. خير وسيلة للدفاع هي الهجوم(/)
أقوال علماء الأمة في بدعة المولد
ـ[أبو عبد الله عادل السلفي]ــــــــ[07 - Jul-2009, صباحاً 02:10]ـ
أقوال علماء الأمة في بدعة المولد
1 - الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني المالكي رحمه الله: قال: (لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون .. إلخ) [السنن والمبتدعات (ص: 143)].
2 - الإمام ابن الحاج رحمه الله: قال: (فصل في المولد: ومن جملة ما أحدثوه من البدع، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة) [المدخل: (2/ 2 - 10)].
3 - الإمام أبو عمرو بن العلاء رحمه الله:
قال: (لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب - هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه رسول الله وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه، وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول) [الحاوي للسيوطي (1/ 190)].
5 - الشيخ نصير الدين المبارك الشهير بابن الطباخ رحمه الله: قال: (ليس عمل المولد من السنن).
6 - الحافظ أبو زرعة العراقي رحمه الله: قال: (لا نعلم ذلك -أي عمل المولد- ولو بإطعام الطعام عن السلف) [تشنيف الآذان (ص: 136)].
7 - الإمام الشاطبي المالكي رحمه الله:
فقد عد أنواع البدع ومنها (اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وذمه المولد) [الاعتصام (ص: 34)].
8 - ظهير الدين جعفر التزمنتي رحمه الله: قال: (عمل المولد لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له -أي النبي- إعظاماً ومحبة لا يبلغ جمعنا الواحد منهم ولا ذرة منه).
9 - شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: قال: (وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية، كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر من ذي الحجة، وأول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلها، والله سبحانه وتعالى أعلم) [مجموع الفتاوى (25/ 298)].
10 - الشيخ محمد عبد السلام خضر الشقيري رحمه الله: قال: (فاتخاذ مولده موسماً والاحتفال به بدعة منكرة، وضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير كيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة وأتباعهم) [السنن والمبتدعات بالأذكار والصلوات (ص: 138)].
13 - العلامة الألباني رحمه الله:
قال: (ونحن -وإياهم- مجمعون على أن هذا الاحتفال أمر حادث لم يكن، ليس فقط في عهده صلى الله عليه وسلم، بل ولا في عهد القرون الثلاثة، ومن البدهي أن النبي في حياته لم يكن ليحتفل بولادة إنسان ما إنما هي طريقة نصرانية مسيحية لا يعرفه الإسلام مطلقاً في القرون المذكورة .. ) [من شريط بدعة المولد].
14 - الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: قال: (لا شك أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة بعد أن انتشر الجهل في العالم الإسلامي، وصار للتضليل والإضلال والوهم والإيهام مجال عميت فيه البصائر، وقوي فيه سلطان التقليد الأعمى، وأصبح الناس في الغالب لا يرجعون إلى ما قام عليه الدليل على مشروعيته، وإنما يرجعون إلى ما قاله فلان وارتضاه علان، فلم يكن لهذه البدعة المنكرة أثر يذكر لدى أصحاب رسول الله، ولا لدى التابعين وتابعيهم ... إلخ) [فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/ 54)].
15 - شيخ الإسلام ابن باز رحمه الله: قال: (وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به .. حتى أتى هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في دين الله) [التحذير من البدع (4 - 5)].
16 - العلامة محمد بن عبد اللطيف رحمه الله: قال: (إن عمل المولد من البدع المنكرات والأعمال المنكرات) [الدرر السنية (8/ 285)].
17 - الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
(يُتْبَعُ)
(/)
قال: (وأنكر الإمام محمد بن عبد الوهاب ما كان عليه الناس في تلك البلاد وغيرها من تعظيمالموالد والأعياد الجاهلية، التي لم ينزل الله بها سلطاناً، ولم ترد به حجة شرعية ولا برهان، لأن ذلك فيه مشابهة للنصارى الغالين في أعيادهم الزمانية والمكانية، وهو باطل مردود في شرع سيد المرسلين) [مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (ص: 44)].
18 - العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قال: (الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل التقرب إلى الله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم عبادة، وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أبداً أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد بدعة محرمة) [مجلة المجاهد (عدد/ 22)].
20 - الشيخ العلامة حمود التويجري رحمه الله:
قال: (فالذين يتخذون المولد عيداً ليسوا من الذين ترجى لهم المثوبة على هذه البدعة، وإنما هم من الذين تخشى عليهم العقوبة على مخالفتهم للأمر الذي كان عليه رسول الله وأصحابه) [الرد القوي على الرفاعي والمجهول ابن علوي (ص: 223)].
22 - العلامة عبد الله بن حميد رحمه الله:
قال: (فالمقيمون لتلك الحفلات وإن قصدوا بها تعظيمه صلى الله عليه وسلم فهم مخالفون لهديه، مخطئون في ذلك، إذ ليس من تعظيمه أن تبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل، وحسن النية وصحة القصد لا يبيحان الابتداع في الدين) [الرسائل الحسان في نصائح الإخوان للشيخ ابن حميد (ص: 39)].
23 - العلامة الفوزان حفظه الله: قال: (وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي فلم نجد له أصلاً في سنة رسول الله، ولا في سنة خلفائه الراشدين، إذاً فهو من محدثات الأمور، ومن البدع المضللة) [حقوق النبي بين الإجلال والإخلال (ص: 139)].
24 - العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله:
قال: (الاحتفال بالموالد وتخصيصها بذكر أو دعاء أو أناشيد أو دف أو صلاة أو أي عبادة أو شعار يتخذ فيها إعلاماً بهذا اليوم: يوم المولد، سواء كان مولد نبي أو ولي أو من تدعى ولايته، كالرفاعي والبدوي والبيومي والدسوقي وغيرهم في جل أصقاع العالم الإسلامي أو عظيم من الولاة أو العلماء أو ما يتخذه بعض الناس من اتخاذ عيد لمولده بمناسبة إطفاء ثلاثين شمعة، أي مضي ثلاثين سنة، وهكذا في كل عام، كل هذا بدعة ضلالة، ومنكر يجب إنكاره، ولا عهد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم به قبل اتخاذ العبيدين في عام (362) مولد النبي صلى الله عليه وسلم، إبان حكمهم بمصر، ثم امتد إحداثهم للأعياد حتى جعلوا في كل يوم عيداً للنبي صلى الله عليه وسلم على مدار العام، ثم انتقلت هذه إلى بعض أهل السنة، ووقع بسببه معارك كلامية، وافتراءات على من أنكر هذه البدعة وأنه يبغض النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاهم) [تصحيح الدعاء (ص: 110 - 111)].
كما أن هناك من المستحسنين لهذه البدعة من يقر ويعترف بأن الاحتفال بالمولد أمر محدث، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته من بعده يفعلونه.
ومن هؤلاء:
1 - السيوطي: حيث قال: (أول من أحدث فعل ذلك -أي: الاحتفال بالمولد- صاحب إربل الملك المظفر) [حسن المقصد ضمن الحاوي للفتاوى (1/ 189)].
2 - السخاوي: حيث قال: (أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها بالمقاصد الحسنة) [نقلاً من المورد الروي في المولد النبوي لملا علي قاري (ص: 12)].
3 - أبو شامة: حيث يقول: (ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور) [الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص: 95)].
4 - محمد علوي مالكي: حيث يقول: (فالاحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، فهو بدعة ولكنه حسنة) [حول الاحتفال بالمولد (ص: 19)].
5 - يوسف الرفاعي: حيث يقول: (إن اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبوي الشريف، أمر مستحدث بعد عصر النبوة، بل ما ظهر إلا في أوائل القرن السادس الهجري) [الرد المحكم المنيع (ص: 153)].
وبهذه النقولات يتضح جلياً أن السلف الصالح لم يحتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن تركهم إياه إلا لكونه لا خير فيه.
وكل خير في اتباع من سلف**************** وكل شر في ابتداع من خلف
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
________________منقول بتصرف_________________
ـ[ابو محمد الغامدي]ــــــــ[07 - Jul-2009, مساء 01:23]ـ
شكرا لك ... بارك الله فيك ...(/)
" أصول وضوابط في دراسة السيرة النبوية الشريفة "1
ـ[خالد عبد المعطى كروم]ــــــــ[07 - Jul-2009, صباحاً 05:50]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
" أصول وضوابط في دراسة السيرة النبوية الشريفة "1
"عبد اللَّطيف بن محمَّد الحسن"
يكفي دلالةً على القناعةِ بأهميةِ دراسةِ السِّيرة تلك الكتاباتُ المتكاثرة التي تُحاول الإفادةَ من السِّيرة بأكثر من صورةٍ. ولِمَا لمنهج الكاتبِ من تأثيرٍ في كتاباتِهِ؛ فإنَّ مِن المهمِّ السعيَ إلى تحديدِ أُطُرٍ منهجيةٍ ضابطةٍ للدِّراسةِ والكتابةِ. وهذه محاولةٌ لرسمِ بعضِ المعالمِ والضَّوابطِ أرجُو بها النَّفعَ، وأنْ تتبعَها دراساتٌ أكثرُ نُضجاً من ذَوي الاهتمامِ والاختصاصِ2.
أولاً: فهم حقيقة الإسلام ومنهجه المتكامل:
يكتسب هذا القيد مكانته من جهة عجز مَن يفتقده عن قراءة أحداث السِّيرة قراءةً موضوعية تمكنه من سلامة فهم الأحداث، وتقصِّي أسبابها، ومعرفة دوافعها، وتفسيرها بما يتفق مع رُوح الإسلام.
فمن المهم (أن يُعنى بالجانب التشريعيِّ الذي يحتكم إليه المجتمعُ، وتُوضَّح الضوابطُ الخلقية والقانونية التي تحكم حركةَ الأفراد والمجتمعات، ولا يُمكن الفصلُ بين الجانبِ السياسيِّ والعسكريِّ، والجانب الخلقيِّ والتشريعيِّ، خاصة في القرونِ الأولى من تاريخ الإسلام؛ حيث تتشابك العلاقاتُ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية بالعقيدة تشابكاً وثيقاً بحيثُ يصعبُ فهم حركة التَّاريخ في تلك المرحلةِ دُونَ فهمِ رُوحِ الإسلامِ ومبادئِهِ) 3.
إزاء هذا الضابط نرى أنفسنا أمام خطرين اثنين:
أولهما: افتقاد بعض الباحثين والدارسين إلى المرجعية الشرعية.
وثانيهما: قراءة السِّيرة بأنظمة معرفية أخرى: رأسمالية، واشتراكية، وعلمانية، وقومية من الخارج، ومحاولة تقطيعها والانتقاء من أحداثِها، وفصلها عن نسقها المعرفي وسياقها ومناسباته4.
ونظير هذا: قراءة السِّيرة بخلفيةٍ بدعيةٍ صُوفيةٍ أو رافضيةٍ .. ونحوها؛ فالرَّافضةُ مثلاً: يُحللون أحداث السِّيرة تحليلاً يتسقُ مع انحرافاتِهم العَقَدية!
ثانياً: ترك المنطقِ التَّسويغيِّ:
ينبغي أن تنطلق دراسة السِّيرة من اليقين بعزة الإسلام وأحقيته في الحُكْمِ والسِّيادةِ، وأنَّ الله لا يقبلُ ديناً سواه، وأنه لا يُفهم إلا من خلال دراسة السِّيرة.
ولذا وجب البُعدُ عن الرُّوحِ الانهزاميةِ في تحرير السِّيرة وتحليلها، وخاصة في الجهاد.
ومن المواضيع التي ينهزم أمامها التسويغيون ولا يجدون لها مُسوِّغاً على حدِّ زعمهم مسألة قتل يهود بني قُريظة لمَّا قبلوا حُكْمَ سعد بن معاذ فيهم وكان حليفَهم في الجاهلية, فَحَكَمَ فيهم بحُكْمِ اللهِ: أنْ يُقتلَ رجالُهم، وتُسبى نساؤهم وذراريهم. هنا يصعب الموقفُ على مَن في قلبِهِ انهزاميةٌ، فيسعى للتشكيكِ في ثبوت القصة.
وهي ثابتةٌ بلا شك5.
ثالثاً: اعتبار القرآن الكريم مصدراً أولاً في تلقي السِّيرة وفهمها:
لدراسة السِّيرة من خلال كتاب الله ميزاتٌ عدة، منها:
- أنَّ مُدارسته عبادة عظيمة.
- اشتمالُ القُرآنِ على إشاراتٍ تفصيليةٍ لا تُوجدُ في مصدرٍ آخر، كما في أحداث زواج زينب -رضي الله عنها-.
- دِقَّةُ وصفِهِ للأحداثِ والشُّخوصِ، حتَّى يُصوِّر نبضات القلب، وتقاسيم الوجه، وخلجات الفؤاد، وهذه خصيصةٌ تنقلُ القارئَ إلى جَوِّ الحَدَثِ ليعيشَ فيه.
- تركيزُهُ على خصائصِ سيرةِ النَّبيّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- , مثل: كونِهِ بَشَرَاً، وأنَّ رسالته عامةٌ، وأنَّهُ خاتمُ النَّبيّين. ومنها: ربطه بين قصة الحدث وسيره وبين العقيدة والإيمان والقضاء والقدر.
- بيانه حِكْمَةَ الحَدَثِ ونتائجَهُ وحِكْمَةَ اللهِ في تقديره، وهو الدَّرسُ التربويُّ المطلوب6.
وبدراسة السِّيرة من القرآنِ يتحولُ الحَدَثُ من قصةٍ في زمانٍ ومكانٍ مُعينين إلى درسٍ كبيرٍ مُتكاملٍ يتعدَّى ظُروفهما .. يُتلى إلى قيامِ السَّاعةِ7.
إنَّ مَن يعيشُ السِّيرة من خلال القُرآنِ وصحيحِ السُّنةِ لا تعود السِّيرة في حسِّه مجرد أحداث ووقائع، وإنما تصيرُ شيئاً تتنامى معه مشاعرُهُ الإيمانية تجاه الجماعةِ المؤمنةِ، ووعيه الإيماني بالسُّنن الرَّبانيةِ8. ومع أهميةِ هذا النَّوعِ مِن الدِّراسةِ فإنَّهُ لم يلقَ بعدُ اهتماماً يتناسبُ معه9.
(يُتْبَعُ)
(/)
رابعاً: تمحيص الصَّحيحِ من الأخبار فيما يتعلَّقُ بالعقيدةِ والشَّريعةِ:
النَّاسُ في اشتراطِ تمييز الصَّحيحِ من الضَّعيفِ في رُواياتِ السِّيرة على قولينِ مشهورينِ:
الأول: مَنْ لم يشترط التمحيصَ وأجاز إيرادَ كلِّ مروياتِ السِّيرة، واحتجَّ بأنَّ كَتَبَة السِّيرة لم يعتمدوه ولم يحرصُوا عليه. واستدلُّوا بما اشتُهِر عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه قال: (ثلاثةُ كتبٍ ليس لها أصولٌ: المغازي، والملاحم، والتفسير) 10. ويمكن نقاش دليلهم
واستدلالُهم من أوجهٍ11:
أ- أنَّ ثبوتَ هذه المقولةِ عن الإمام أحمد موضعُ نظرٍ12، ومَن ذا الذي يقول: إنه لا يثبتُ شيءٌ في مغازي المسلمين؟ فأينَ ما في الصِّحاحِ والسُّنن، وأينَ ما ذكره الإمامُ أحمدُ نفسُه في مسندِهِ؟
ب - وفي حالِ ثبوت الرِّواية فإنَّهُ لم يقلْ: لم يَصِحَّ فيها شيءٌ، ولكن قالَ: ليس لها أصولٌ. وقوله: ثلاثة كُتُبٍ يدل على أنَّ مرادَهُ: (كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحتها؛ لسوء أحوال مُصنفيها، وعدم عدالةِ ناقليها، وزيادات القُصَّاص فيها) 13.
ج - أنه حتَّى لو نَفَى الصِّحَّة عنها فإنَّ نفيَها لا ينفي الحُسْن، ولا يستلزمُ الضَّعفَ أو الوضعَ.
د - يحملُ قولُهُ على الحال الغالب؛ فإنَّ هذه الفنونَ غالبُ رواياتِها ليس لها أسانيدُ متصلةٌ14.
أما القول الثاني: فيُمثله د. أكرم العمري؛ حيثُ يقولُ: (المطلوبُ اعتمادُ الرِّواياتِ الصَّحيحةِ وتقديمها، ثم الحَسَنةُ، ثم ما يُعتضد من الضَّعيفِ لبناء الصُّورة التَّاريخيةِ لأحداث المجتمعِ الإسلاميِّ في عصرِ صدرِ الإسلامِ ... وعند التعارضِ يُقدَّمُ الأقوى دائِماً .. أمَّا الرِّواياتُ الضَّعيفةُ التي لا تقوى أو تُعتضد فيُمكن الإفادةُ منها في إكمالِ الفراغ الذي لا تسدُّهُ الرِّواياتُ الصحيحةُ والحسنةُ على ألا تتعلق بجانبٍ عقديٍّ أو شرعيٍّ؛ لأنَّ القاعدةَ: (التشدد فيما يتعلَّقُ بالعقيدة أو الشريعة) 15. ولا يخفى أنَّ عصرَ السِّيرة النَّبَويَّة والخلافة الراشدة مليءٌ بالسَّوابقِ الفقهية، والخلفاء الراشدون كانوا يجتهدون في تسيير دفة الحياة وفق تعاليم الإسلام؛ فَهُمْ موضع اقتداءٍ ومُتابعةٍ فيما استنبطُوا من أحكامٍ ونُظُمٍ لأقضيةٍ استجدتْ بعد توسع الدولةِ الإسلاميةِ على إثر الفتوحِ.
أما الرِّواياتُ التَّاريخيةُ المتعلقةُ بالعمران: كتخطيطِ المدن، وزيادة الأبنية، وشق الترع .. أو المتعلقة بوصف ميادين القتال وأخبار المجاهدين الدالة على شجاعتهم وتضحيتهم فلا بأسَ من التساهلِ فيها) 16.
وهذا هو المنهجُ المعتبرُ عند الأئمةِ المحققين، يشهد به صنيعُ الذَّهبيّ في (تاريخ الإسلام)، وابنِ سيدِ النَّاسِ في (عُيون الأثر) 17، وابنِ حَجَرٍ في (الفتح) 18، وكذلك ابن القيم وابن كثير.
أمَّا ما يُؤخذ من الرِّواياتِ التَّاريخية فهو ما اتفقَ عليه الإخباريون 19.أمَّا اشتراطُ الصِّحَّة في كلِّ خبرٍ تاريخيٍّ والذي مشى عليه بعضُ المُؤلِّفين في السِّيرة فاختزلوا كثيراً من أحداثِها فإنَّ ذلك يترتبُ عليه تضييع ثروة علمية كبرى، وإهدار الاستفادة منها في مجالاتٍ تربويةٍ وإداريةٍ .. ونحوها؛ حيث تضعفُ الثِّقةُ في كلِّ ما استُنبط منه20.
يبقى: كيف تدوّن السِّيرة على ضوء المنهج السابق: هل تذكر كل الأحاديث بنصوصها أم يجمع بين الروايات في سياق واحد؟ الظاهر: هو الطريق الثاني؛ تحاشياً لتشوش القارئ، وتشتت ذهنه بانقطاع الأحداث، وتكرر بعضها، وعدم وضوح صورة متسلسلة متكاملة للسيرة، ثم إنه صنيع الزهري في روايته لحادثة الإفك التي رواها مسلم عنه 21.
خامساً: معرفةُ حدودِ العقلِ في قبولِ النُّصوصِ وردها:
يرى العديدُ من الدَّارسين وخاصة من المستشرقين أنَّ عُلماء المسلمين أهملوا نقدَ المتون، وأنَّ ذلك لغياب عقليتهم النقدية. وهذا مردود، وهذه بعض أمثلة لمحاكمات تاريخية مستندة إلى نقد المتن:
1 - رفض ابنُ حزم العددَ المذكور عن عدد جند المسلمين في أُحُدٍ؛ بناءً على محاكمة المتن وفق أقيسةٍ عقليةٍ بحتةٍ.
(يُتْبَعُ)
(/)
2 - قدَّم مُوسى بن عُقبة غزوةَ بني المصطلق إلى السَّنةِ الرَّابعةِ خِلافاً للأكثرين الذين جعلُوها في السنة السادسة؛ لاشتراك سعدِ بن مُعاذ فيها، وهو مُتوفَّى عقب بني قريظة وهي في السنة الرابعة. وتابعَهُ على تقديمِ تاريخِها ابنُ القيم والذَّهبيّ.
3 - أخَّر البُخاريّ غزوةَ ذات الرقاع إلى ما بعد خيبر؛ نظراً لاشتراك أبي مُوسى الأشعري وأبي هُريرة فيها، وقد قَدِما بعد خيبر، وتابعه على تأخيرِها ابنُ القيم وابنُ كثير وابنُ حجرٍ، خِلافاً لرأي ابنِ إسحاق والواقديّ في تقديمِها.
4 - الخلافُ حولَ تشريعِ صلاةِ الخوفِ معظمه مبنيٌّ على محاكمةِ المتنِ. الأمثلة كثيرة؛ ولكن من المهم أن يُقالَ: إنَّ حفظ الروايات قد استنفدَ طاقة الأوائل، وأتى بعدهم من لخَّص وذيَّل عليها وانتقى منها، وهذا عملٌ نقديٌّ. وفي مؤلَّفاتٍ مُتأخِّرةٍ تَبْرُزُ محاكماتٌ دقيقةٌ للمتون، كما في: البداية والنهاية، وفتح الباري، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية,
قال ابنُ تيمية -رحمه الله-: (الأحاديث التي ينقلها كثيرٌ من الجُهَّالِ لا ضابطَ لها، لكن منها ما يُعرف كذبُهُ بالعقل، ومنها ما يُعرف كذبُهُ بالعادةِ، ومنها ما يُعرف كذبُهُ بأنه خلافُ ما عُلِمَ بالنَّقلِ الصَّحيحِ، ومنها ما يُعرفُ كذبُهُ بطرقٍ أُخرى) 22.
كما يحسب في عداد تقويم العقلية النقدية لدى المسلمين خدمتهم لنصوص أحاديث الأحكام خدمة بالغة، وجهودهم في كتب أصول الفقه التي تُنبئ عن عقلية فذة. وإذا علمنا أنَّ للمُؤرِّخين القُدامى كتباً في فنون أخرى لم يجزْ لنا أنْ نتهمهم بإهمال المتون، كما يجبُ مُراعاةُ عنصر الزمن، فلا تقوَّم جهودُهم بمقاييس أنجزها التقدمُ العلميُّ اليوم؛ لئلا يُغمطوا حقَّهم.
على أنَّ علمَ مصطلح الحديث قد اشتملَ على مباحثَ تُشكِّلُ الجانبَ النَّظريَّ لنقد المتون، ولكن القصور حصلَ في تطبيق ذلك على الرِّواية التَّاريخيةِ، فلم تحظَ بما حَظِيتْ به الأحاديثُ النَّبَويَّة من العنايةِ 23.
لقد انزلق المطالبون بنقد المتون؛ حيث أجروا أحكامَ العقل في المتون الثابتةِ، وجعلُوا ذلك أساساً للردِّ والقبولِ، وذلك أمرٌ تتفاوتُ فيه العقولُ، وإنما يجيءُ الإشكالُ من جهةِ قُصُورِ العقلِ عن إدراكِ الخطابِ للتوفيقِ بينه وبين النُّصوصِ الأُخرى.
وربما يُثبت مَن لم يلتزمْ منهجَ المحدِّثين حديثاً واهياً لصحة معناه، وقد يردُّ رواية الشيخين لظنه تعارضها مع مبادئ الإسلام وقواعده، وهذا تحكيمٌ ضعيفٌ للعقل 24.
ومما وقعوا فيه خلالَ دراسةِ السِّيرة نفيُ المعجزات الثابتة بالنَّقل الصحيح، وهو في حقيقتِهِ انصياعٌ للفكر الماديِّ والفلسفات الوضعيةِ، مع أنَّ المسلمَ لابُدَّ له من الاعتزازِ الذي يُحقق له الاستقلالَ التام في النَّظرِ والبحثِ العلميِّ 25.
ـ[حفيد صلاح الدين]ــــــــ[23 - Jul-2009, مساء 08:34]ـ
جزاك الله خيرا اخي الكريم ونفع بك .. استفدت كثيرا.
ـ[خالد عبد المعطى كروم]ــــــــ[25 - Jul-2009, صباحاً 02:39]ـ
بارك الله فيك ..
ما أنا الا ناقلا"
والسلام عليكم(/)
" أصول وضوابط في دراسة السيرة النبوية الشريفة "2
ـ[خالد عبد المعطى كروم]ــــــــ[07 - Jul-2009, صباحاً 05:53]ـ
سادساً: فهمُ العربيةِ ومعرفةُ أساليبِها:
(امتازَ التأليفُ في العُصُورِ الأُولى بقوةِ الأسلوبِ وفُحُولةِ المعاني وجَزَالةِ الألفاظِ وإشراق الدِّيباجةِ والتزام أساليب العربِ ومذاهبهم في البيان) 26 فدعتِ الحاجةُ لدارسِ السِّيرة إلى حُسنِ فهمِ العربيةِ وأساليبِها؛ ليحسن التعامل مع رواياتِ السِّيرة؛ إذِ المطلوبُ في فهمِها والاستنباط منها أنْ يتمَّ وفقَ قواعد العربيةِ وأساليبِها دُونَ تعسفٍ أو تمحُّلٍ في التفسيرِ 27.
سابعاً: الالتزام بالمصطلحات الشرعية:
قَسَّمَ اللهُ -تبارك وتعالى- النَّاسَ ثلاثةَ أقسامٍ: مؤمناً، وكافراً، ومنافقاً كما في صدر سورة البقرة, وجعلهم حزبينِ: أولياء الرَّحمن، وأولياء الشَّيطان، فالواجبُ الالتزام بهذه التسميات، وعدمُ العدولِ عنها إلى مثل: يميني، يساري 28، ليبرالي ... إلا عند الحاجةِ للتعريف باتجاهاتِ بعض الأفراد الذين يترتب على معرفةِ ذلك منهم مصلحةٌ، مع الحرص على التحديدِ ما أمكن. وفائدةُ التحديدِ في تقليلِ التمييعِ والتضليلِ الذي يسعى إليه المُفسدون وأشياعُهم؛ حيث يحرصُون على التعميةِ وتجاهلِ الأسماءِ الشَّرعيةِ التي يترتبُ عليها أحكامٌ، وتستلزم ولاءً أو براءً.
ثامناً: صدق العاطفة:
من أُسسِ الكتابة في السِّيرة ودراستها توفرُ المحبةِ الصادقةِ لصاحبِها -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- والعاطفة الحية التي تُشعِرُ بمدى الارتباطِ الحقيقيِّ قَلْباً وقَالباً، والتفاعل الحقيقي مع أحداث سيرته29.
ولقد عبَّر الشيخُ محمد الغزالي عن عاطفتِهِ الجيَّاشة, فقالَ في مُقَدِّمَة "فقه السِّيرة" 30: (إنني أكتبُ في السِّيرة كما يكتبُ جنديٌّ عن قائدِهِ، أو تابعٌ عن سيدِهِ، أو تلميذٌ عن أستاذِهِ، ولستُ- كما قلتُ- مُؤرِّخاً مُحايداً مبتوتَ الصِّلةِ بمن يكتبُ عنه). ودِراسةُ السِّيرة تعبُّداً للهِ وتقرباً إليه تُنمِّي ذلكَ الحُبَّ، وتسقي تلك العاطفةَ.
تاسعاً: الوفاء بحقوق المصطفى -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- دون غُلوٍّ ولا جفاء:
ينأى عن سنةِ النَّبيّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ومنهج سَلَفِ الأمةِ في دراسة السِّيرة فريقان 31:
1 - قومٌ قصَّرُوا في حقِّ النَّبيّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وما يجبُ له من الإجلالِ والتَّوقيرِ والتعظيمِ، فدرسوا سيرتَهُ كما يدرسون سائرَ الشَّخصياتِ الأُخرى، فنظرُوا لجوانبِ العظمةِ البشريةِ والقيادةِ والعبقريةِ والبُطولةِ والملك والإصلاحِ الاجتماعيِّ، مُغفلينَ الجانبَ الأعلى في حياتِهِ، وهو تشرفه بوحي اللهِ- عَزَّ وجَلَّ- وختم النبوةِ والرِّسالةِ. ولهؤلاء يحسنُ سياقُ خبرِ أبي سُفيان يومَ فتحِ مكَّةَ؛ حيثُ قالَ للعبَّاسِ لمَّا رأى كتائبَ الصَّحابة -رضي الله عنهم-: واللهِ, لقد أصبحَ مُلكُ ابنِ أخيكَ اليومَ لعظيماً، فقال العبَّاسُ: ويحك يا أبا سفيان، إنَّها النُّبوةُ، قال: فنعم إذا 32.
2 - وآخرون بالغُوا في التعظيمِ وغلوا في منزلةِ الرَّسُول - صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فلم يَرُقْ لهم وصفُهُ بالبشريةِ، بلْ رُبَّما خَطَرَ لبعضِهم أنَّهُ ضَرْبٌ من الجفاءِ! مع أنَّ كونَهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بَشَراً عبداً لله -عَزَّ و جَلَّ- من مُسلَّماتِ العقيدةِ، وخِلافُهُ ضَرْبٌ من الضَّلالِ؛ فقدْ قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (لا تُطروني كما أطرتِ النَّصارى ابنَ مريمَ؛ فإنَّما أنا عبدٌ، فقُولُوا: عبدُ اللهِ ورسولُهُ) 33.
فالحقُّ وَسَطٌ بينَ الطَّرفينِ؛ ولدراسةِ السِّيرة انطلاقاً من ذلك أثرٌ كبيرٌ في العقيدةِ والعبادةِ والسُّلوكِ والدَّعوةِ والتَّأسِّي والاقتداء.
عاشراً: تحديد هدف الكتابة والشريحة المخاطبة بها:
على كاتب السِّيرة معرفةُ الشَّريحةِ المرادِ مخاطبتُها، وفهمُ الأسلوبِ المناسبِ الذي تُؤدَّى به. وعليه كذلكَ أنْ يُعيِّنَ غرضَهُ من الكتابةِ، وماذا يُريد مِن: معالجةٍ جديدةٍ، أو طرحٍ للأحداثِ بأسلوبٍ جديدٍ، أو تعليلٍ لقضايا منغلقةٍ، أو تركيزٍ على أحداثٍ أغفلَها الكُتَّابُ 34.
(يُتْبَعُ)
(/)
فمثلاً المرحلةُ المكيةُ مرحلةٌ تربويةٌ خَصبةٌ كُتبتْ فيها كثيرٌ من الكتاباتِ، ولا تزالُ بحاجةٍ إلى بسطٍ في بعضِ جوانبِها وزواياها، ومِنْ ذلكَ:
1 - موقفُ الجاهليةِ من الدَّعوةِ والمؤمنين بها؛ فأعداء الدَّعوةِ ليسُوا قريشاً وحدَهُم، بل كل الجاهلية .. ثقيف وهوازن وغيرهما. وإنَّما برزتْ قريشٌ؛ لأنهم عشيرته -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الأقربون، ولكن تخصيصُهم بالحديثِ يوحي بمحليةِ الدَّعوةِ، وهو خطأٌ جَسِيمٌ.
2 - موقفُ المؤمنينَ مِن الاضطهادِ، بالمقارنةِ بينَ حالهِم قبلَ الإسلامِ وبعده، وكيفَ صنعُهم الإسلامِ حتَّى هانَ على المؤمنينَ من العُقُوباتِ ما كان أخفه هو غايةُ التهديدِ في الجاهليةِ كالطَّردِ من القبيلةِ مثلاً.
3 - الدَّورُ التَّربويُّ العظيم لدارِ الأرقمِ مدرسة المؤمنين السابقين الأولين، والمؤسف أن الأخبار عنها قليلة، مع أنها تميزت بإعطاء منهجٍ تربويٍّ متكاملٍ 35. ولعلَّ من الكتب المفيدة في دراسةِ المرحلةِ المكيةِ: في ظِلال القُرآن، لسيد قطب -رحمه الله- 36.
حادي عشر: العناية بتحليل الأحداث والتعليق والموازنة:
بذل العلماءُ المتقدِّمُون جُهُوداً مُضنيةً في حفظِ العلمِ وروايتِهِ أشغلتهم في بعضِ الأحيانِ عن العنايةِ بتحليلِ الأخبارِ ودراستِها والنَّظرِ في أسبابِ الأحداثِ ومُلابساتِها.
وفي عصورِ الضَّعفِ لم يأخذْ جانبُ التَّحليلِ والدِّراسةِ حقَّهُ؛ (بسبب النَّظرةِ التجزيئيةِ للقَضَايا، والسَّطحيةِ في التَّعاملِ مع الرِّواياتِ، وعدمِ وضوحِ التصورِ الإسلاميِّ لحركةِ التَّاريخ ودُورِ الفردِ والجماعةِ، والعلاقةِ الجدلية بين القدرِ والحريةِ وقانون السَّببيةِ في الرَّبطِ بين المقدماتِ والنَّتائجِ. فضلاً عن أنَّ الكتبَ التَّاريخية القديمة لا تُمدنا بمنحى واضحٍ في التَّحليلِ والتصورِ الكليِّ؛ بسببِ اعتمادِها على سَرْدِ الرِّواياتِ فقط؛ إذْ قلَّما يُشيرُ المُؤرِّخ الإسلاميُّ القديمُ إلى السُّنن والنَّواميسِ والقوانين الاجتماعيةِ التي تحكم حركةَ التَّاريخ، رغم أنَّ القُرآنَ الكريمَ لفتَ نظرَ المسلمين إلى ذلك كلِّه بوضوحٍ، بل إنَّ أحداً مِن مُؤرِّخي الإسلامِ لم يحاولْ إعادةَ صياغةِ النَّظرةِ القُرآنيةِ للتَّاريخِ وتقديم الوقائع والتطبيقات والشَّواهد القرآنية عليها بشكلِ نظرياتٍ كُلِّيةٍ حتَّى وقت متأخر عندما كتبَ ابنُ خَلْدُون مُقدمتَهُ) 37.
ولغيابِ النَّظرةِ التحليليةِ في دِراسة السِّيرة فقد غلب عليها الطَّابعُ التسجيليُّ السَّرديُّ الذي يُحاولُ إثباتَ الوقائعِ ووصف تطورِ الأحداثِ وتقرير النتائج دُونَ الالتفاتِ إلى المقدماتِ ومحاولةِ اكتشافِ المنهجِ الذي يُسَيِّرها. ومع أنَّ الدراسات شملتْ وصفاً دقيقاً لكلِّ أحوالِ النَّبيّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأفعالِهِ وكلِّ ما يتصلُ به .. إلا أنَّ الحديثَ عن المعجزاتِ والُمؤيِّداتِ الغيبيةِ كان على حسابِ سُنن عالمِ الشَّهادةِ التي يتحرَّكُ في إطارِها ويصنع الأحداثَ ويحقق النتائج38.
(الحقُّ أنَّ المحدِّثين في باب التحليلِ والتعليقِ والموازنةِ بين المواقفِ قد أرْبَوا على المتقدِّمين، وأكسبُوا السِّيرة جِدَّةً ورُواءً، وقد تفاوتُوا في ذلكَ على حسبِ تفاوتِهم في المراتبِ، وسعةِ العلمِ والأفقِ، والاطلاعِ على سيرِ الآخرين) 39. ولكن غالبُ هذه الدِّراساتِ قد ركَّزَ على جانبِ إثباتِ النُّبوةِ، وإبراز الخصائصِ. وهو أمرٌ لهُ مُسوِّغُهُ الظرفيُّ في الصِّراعِ مع المخالفين. واهتمَّ جُزءٌ آخرُ باستخراجِ الأحكامِ والتوجيهاتِ والفوائدِ، واهتمَّ آخرونَ بالتفسيرِ الحركيِّ لتسويغِ بعضِ مواقفِ الحركةِ الإسلاميةِ المعاصرةِ.
ثاني عشر: الاهتمام بتحرير المنهج النبويِّ في سائر المجالات:
(يُتْبَعُ)
(/)
بقيت العنايةُ بالمنهج قليلةً، مع أنه بإمكانِ النَّظرةِ الشُّموليةِ لهذه الجهودِ العلميةِ الضَّخمةِ الآنفةِ الذِّكرِ أنْ تستخلصَ البِنيةَ الهيكليةَ العامةَ للمنهجِ النَّبويِّ في نواحيهِ المختلفةِ 40. نعم .. إنَّ استخلاصَ المنهجِ مطلبٌ ضروريٌّ، بيدَ أنه ليس بالأمرِ اليسيرِ، خِلافاً لما قد يتوهمُّهُ بعضُهم حين ظنُّوا أنَّ (المنهج النبويِّ) على طرف الثُّمام، وأنَّ نظرةً عجلى على السِّيرة العطرة، أو جزءٍ من السنة المطهرة، أو انتقاء مقاطع مِن هنا أو هناك كافيةٌ للإحاطةِ بهذا المنهجِ الفذِّ، وبناء حتمياتٍ تاريخيةٍ على تلك الأفهامِ العجلةِ. وتصوُّر بعضٍ أن بالإمكان إعادة إنتاج العهدين المكي والمدني، أو تمثيلهما في أي واقع يُعَدُّ مجازفة كبيرة
إنَّ المنهجَ حين يُطلقُ في إطارٍ معرفيٍّ إنَّما يُرادُ به قانونٌ ناظمٌ ضابطٌ يُقنن الفكرَ ويضبطُ المعرفةَ التي إنْ لم يضبطْها المنهجُ فقد تتحولُ إلى مُجرَّدِ خطراتٍ انتقائيةٍ مهما كانتْ أهميتُها لا يمكنُ تحويلُها إلى ضوابطَ فكريةٍ وقوانينَ معرفيةٍ تنتجُ الأفكارَ وتُولِّدُ المعارفَ وتضبطُ حركاتها وتُميِّزُ بينها؛ فبالمنهجِ يُمكن أنْ نحُدد طبيعةَ المعرفةِ وقيمتها وحقلَ عملِها واتجاهِها وكيفيةِ البناءِ عليها والتوليدِ منها ...
إنَّ أيَّ فكرٍ تتضاربُ مقولاتُهُ وتتناقضُ لا يُعتبرُ فِكْراً منهجياً حتَّى لو تمكَّنَ أصحابُهُ من تقديمِ مختلفِ التأويلاتِ التوفيقيةِ: كالتَّأويلِ، والمقاربةِ، والتلفيقِ، وغيرِها. ولذلكَ فإنَّ إطلاقَ مُصطلحِ: (منهج النَّبيّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-) و (المنهج الإسلامي) على ما يصلُ الباحثون إليهِ باجتهادٍ شخصيٍّ أو فرديٍّ لابُدَّ أنْ يُحتاطَ فيه، كأنْ يُقالَ: على ما نَرَاهُ، أو على ما توصَّلنا إليه ... إلخ) 41.
مطلوبٌ اليوم أكثرُ مِن أيِّ وقتٍ مَضَى قراءةُ السِّيرة ودراستُها دراسةً استراتيجيةً في مختلفِ الحالاتِ الاجتماعيةِ والتربويةِ والعلميةِ والإداريةِ والسِّياسيةِ والاقتصاديةِ والحركيةِ والأمنيةِ والثقافيةِ .. ففي السِّيرة بيانٌ لجميعِ الحالاتِ أو أصولِها؛ خِلافاً لصنيعِ بعضِ كُتَّابِ السِّيرة حين يُصورون حياةَ النَّبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ على أنها صراع وحروب وغزوات وسرايا، ويغفلون عن الجوانب الأخرى42.
لكن المطلوب: دقة تحليل الواقع المعاش من خلال مُتخصصين، لا مُتحمِّسين فقط، ثم دراسة السِّيرة وتحليلها، ثم تحديد مواقع الاقتداء من مسيرة السِّيرة، أو اكتشاف المرحلة من السِّيرة التي تمثل حالة الاقتداء وكيفيته من خلال ظروف الحال نفسه 43.
ثالث عشر: تحديد هدف الدراسة وهو الاقتداء والتأسِّي:
من العبثِ اعتبارُ سيرةِ النَّبيّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، لمجرَّدِ التَّسليةِ وإبراز عظمةِ الرِّجال؛ بل إنَّ سيرتَهُ هدايةٌ للنَّاسِ، وترجمةٌ عمليةٌ لدِّين الله -عَزَّ و جَلَّ- وتصور للإسلامِ يتجسدُ في حياةِ صاحبِ الرِّسالةِ، تطبيقاً للمبادئِ والقواعدِ والأحكامِ النظريةِ 44. ولذا قالَ الزُّهريُّ: (في عِلْمِ المغازي عِلْمُ الآخرةِ والأُولى) 45. و لمَّا وعى الصَّحابة وسلفُ الأمةِ هذا الغرضَ اكتسبتِ السِّيرة في حياتِهم مكانةً عِلْميةً تليقُ بها وبهم. قال عليُّ بنُ الحُسين: (كنَّا نتعلَّمُ مغازيَ رسولِ اللهِ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- كَمَا نتعلَّمُ السُّورةَ مِن القُرآنِ) 46؛ لأنه لا غِنى لمن يُريدُ الاقتداءَ به عن معرفةِ سيرتِهِ. والاقتداءُ أساسُ الاهتداءِ? لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً?الأحزاب: 2147.
ولكن كيف نتعاملُ مع السِّيرة في هذه المرحلةِ الُمتغيِّرةِ، وكيف يكونُ الاقتداءُ؟ الواقعُ يتغيَّرُ، ووسائلنا في العمل والاقتداء وقراءة القيم لا تتغير، والسِّيرة اتخذتْ لكلِّ حالةٍ ما يُناسبها، كما قالَ النَّبيّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لعمَّارِ بنِ ياسرٍ حينَ أكرهه المشركون على سبِّ النَّبيّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وذكر آلهتِهم بخيرٍ: (إنْ عادُوا فَعُدْ) 48
(يُتْبَعُ)
(/)
آية التأسي نزلت في غزوة الأحزاب لتبين أنَّ تمام الاقتداءِ إنَّما يكونُ في شدةِ البأسِ والضِّيقِ وفَوَاتِ الدُّنيا لمن تعلَّق بالآخرة، فلا يكون الاقتداءُ في اليُسرِ دُونَ العُسرِ، ولا في الحاجياتِ والتحسينياتِ دُونَ الضروريات من مقاصدِ الشَّريعةِ، وليس المقصودُ التقليلَ من شأنِ الاقتداءِ في العاداتِ؛ فذلك مُهمٌّ في صياغةِ الشَّخصيةِ المتكاملةِ.
نزلت آيةُ الأحزابِ وقد بلغتِ القلوبُ الحناجرَ، وحين استنجدَ الصَّحابة بالرَّسُول- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- عندما واجهتهم الصخرةُ الكبيرةُ, حاول تفتيتَها بالمِعولِ طبقاً للسُّننِ الجاريةِ مُؤمِّلاً النَّصرَ 49. (فقيمة الاقتداء وعطاؤه وعظيم ثوابه عندما يكون في العزائم والقضايا الكبيرة التي قد يمتحن صاحبها في صدق إيمانه وقوة يقينه، فتفوته بعض النتائج في الدنيا، ويخسر المعركة، لكن الاقتداء يحميه ويحول بينه وبين السقوط، ويرتفع به من الوقوف عند النتائج القريبة إلى إبصار العواقب والمآلات .. ذلك أن مظنة الارتكاز في الاقتداء هي رجاء الله واليوم الآخر واستمرار الذكر الذي يجلِّي هذه الحقيقة، ويؤكد حضورها واستمرارها: ? لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ? الأحزاب: 21) 50.
ولكل مخلص أن يتساءل: ما نصيبُ السِّيرة النَّبَويَّة في المناهجِ التَّربويةِ اليومَ؟ وما أثرُ معرفتِها في سُلُوكِ العاملينَ في ميادينِ الدَّعوةِ والتَّربيةِ والتَّعليمِ؟
رابع عشر: معرفة مواضع الاقتداء من فعله صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
معرفة أحوال أفعاله صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وأقسامها مبحث أصولي يهم دارس السِّيرة.
وفعله صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لا يخلو إمَّا أنْ يكونَ صدَرَ منه بمحضِ الجِبِلَّةِ، أو بمحضِ التَّشريعِ، وهذا قد يكونُ عامَّاً للأمة، وقد يكون خاصَّاً به -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فهذه ثلاثةُ أقسامٍ:
القسم الأول: الأفعالُ الجِبِلَّيَّةُ: كالقيامِ والقُعودِ والأكلِ والشُّربِ، فهذا القِسمُ مُباحٌ؛ لأنَّ ذلكَ لم يُقصدْ به التَّشريعُ ولم نُتعبَّدْ به، ولذلك نُسِبَ إلى الجِبِلَّة، وهي الخِلْقةُ.
القسم الثاني: الأفعال الخاصة به -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- التي ثبت بالدَّليلِ اختصاصُهُ بها كالجمعِ بين تِسعِ نسوةٍ؛ فهذا القِسمُ يحرُمُ فيه التَّأسِّي به.
القسم الثالث: الأفعال البيانية التي يقصد بها البيان والتشريع، كأفعال الصَّلاة والحج، فحكم هذا القسمِ تابعٌ لما بيَّنَهُ؛ فإنْ كانَ المبيَّنُ واجِباً كانَ الفعلُ المبيِّنُ له واجِباً، وإنْ كانَ مندُوباً فمندوبٌ) 51.
خامس عشر: معرفة كيفية الاستفادة منها في الواقع:
الدِّراسةُ المفيدةُ للسِّيرةِ تحصلُ حينَ تُدرَسُ على أنَّها سُننٌ ربَّانيةٌ يُمكنُ أنْ تتكررَ كلما تكررتْ ظروفُها، ولا تتحققُ أبداً حينَ ننظرُ للسِّيرةِ على أنَّها مُجرَّدُ أحداثٍ مُفردةٍ قائمةٍ بذاتٍها حدثتْ زمنَ البعثةِ النَّبَويَّةِ ... بل هيَ آياتٌ وعِبَرٌ في شؤونِ الحياةِ كلِّها، وإلا ضاعَ رصيدُها وقوتُها الدَّافعةُ لأجيالِ المسلمين؛ فهي تربطُ المسلمُ بالسُّننِ الرَّبانيةِ، وتربطُ قلبَهُ باللهِ –تعالى- 52.
إنَّ كلَّ حركةِ إصلاحٍ أو تغييرٍ تعجزُ عن الاستفادةِ من السِّيرة في صياغةِ مناهجِها وحلِّ مُشكلاتِها هي بعيدةٌ عن الاقتداءِ؛ لأنَّ الواجبَ تجريدُ السِّيرة من قيدِ الزَّمانِ والمكانِ لتجيب عن أسئلة الواقع ومشكلاته. وهذا النوع من الدراسات قليل جداً؛ إذ جلّ الدراسات لا تعبر عن عصر مؤلفها، ولا تخدم احتياجات واقعه، ولا تطرق مشكلاته.
قد تكون المشكلة كامنة أحياناً في غياب المقاصد الحقيقية التي تمثل معاني الخلود عند دارسي السِّيرة أي قدرتها على التعامل مع جميع الظروف مما جعلها عند كثيرين تاريخاً لا مصدراً للاهتداء والتشريع.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهي لا شك تاريخ، ولكنها تاريخٌ وحاضر ومستقبل: تاريخٌ زماناً ومكاناً، وحاضرٌ عطاءً ومصدراً للتشريع، ومستقبلٌ رؤية ًواستشرافاً. وإذا كان التَّاريخ مصدراً للدرسِ والعبرةِ فالسِّيرة أَوْلى؛ لأنها فترةٌ مُسددةٌ بالوحي، وحقبةُ بيانٍ عمليٍّ للدِّينِ. لقدْ سببَ غيابُ هذا المنطلقِ إغراقاً في الفقهِ النَّظريِّ سواء الذي يسيرُ خلفَ المجتمعِ، أو البعيد عن واقعِهِ كما سببَ تراجُعاً في الفقهِ التطبيقيِّ (فقه التنزيل) , فصارتْ مشكلاتُ المسلمينَ تنشدُ الحلَّ المستوردَ. إنَّ مما يُؤكِّدُ أهميةَ الانطلاقِ من ذلك المنطلقِ حين التعامل مع السِّيرة ما يُشير إليه ترتيبُ سُورِ القُرآنِ وآياتِهِ, والسِّيرة بيانٌ عمليٌّ للقرآنِ فلم يجئْ ترتيبُهُ حسب نزولِهِ زَمَاناً ومَكَاناً؛ لئلَّا يبقى المتأسِّي أسيرَ الزَّمانِ والمكانِ الماضيينِ، بل ليبقى مُسخِّراً للزَّمنِ مُتحكِّماً فيه يستطيعُ تحديدَ الموقعِ المناسبِ للاقتداءِ من خلالِ قيمِ القُرآنِ الكريمِ ومسيرةِ السِّيرة بحسب الظُّروفِ والإمكاناتِ وطبيعة أقدارِ التدينِ التي تحدد مكان الاقتداء من السِّيرة ... هذا وإلا بقيت السِّيرة في خانة التبرك والفخر تصاغ في شكل موالد وموائد تشيع فيها البدعة، وتضيع فيها السنَّة، وتضيع معها الأوقات53. وفي سيرة سلفنا إضاءاتٌ للمستنيرين بنورِها، فهذا أبو بكر الصِّدِّيق -رضي الله عنه- يقاتلُ مانعي الزَّكاةِ، ويقولُ لعمرَ بنِ الخطَّاب لمَّا حاولَ تأجيلَ قتالِهم:
(أجبَّارٌ في الجاهليةِ، وخَوَّارٌ في الإسلامِ؟! إنَّهُ قد انقطعَ الوحيُ، وتَمَّ الدِّين، أَوَ ينقصُ وأنا حيٌّ؟!) 54، فلم يتقيَّدْ بقيدِ الزَّمانِ، وهو ما قبل فرضية الزكاة في صدر الدعوة. ولذا فإن من الخطأ أن نريد إعادة مراحل السِّيرة التي كانتْ قبلَ اكتمالِ شرائعِ الإسلامِ، فنكتفي ببعضِها ردْحاً من الزَّمنِ، ونحمل النَّاسَ على شيءٍ من الدِّين في مرحلة من الزَّمنِ55 فذلكَ (تبسيطٌ شديدٌ للأمورِ من ناحيةٍ، وتجاوزٌ لتحليلِ ومعرفةِ أهمِّ الأبعادِ التي غابتْ عن محاولاتِ التغييرِ، وأدَّتْ إلى تراجعِها) 56.
ولكي يتضحَ جانبُ التبسيطِ فإنَّهُ يُردُّ على مَن أرادَ تقييدَ الإفادةِ من السِّيرة بالزَّمانِ بتقييدِها بالمكانِ! فهل يُطيقُهُ؟ ولابُدَّ أنْ نلاحظَ -حالَ الإفادةِ من مُعطياتِ السِّيرةِ- أنَّهُ لا يُمكنُ أنْ تُنتِجَ الوسائلُ والتصرفاتُ التي استعملَها رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- النتائجَ نفسَها إذا استعملَها سِواهُ؛ لاختصاصِ الرَّسُول -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بالوحي والتَّسديدِ من اللهِ -عَزَّ و جَلَّ- 57.
ولِذَا، فإنَّهُ تبقى للسيرةِ النَّبَويَّة صفةُ المعياريةِ الخالدةِ في الإطارِ العمليِّ التطبيقيِّ، وليس ذلكَ أبداً لممارساتِ أحدٍ غيرِهِ كائناً مَنْ كانَ، فلا يجوزُ إسقاطُ السِّيرةِ على تصرفاتِ بعضِ الأفرادِ أو الجماعاتِ لتسويغِ بعضِ الممارساتِ وإكسابِها المشروعيةَ، سواء قبلَ التصرفِ أو بعدَهُ، وسواء في ذلكَ القِراءاتُ الحَرَكِيَّةُ أو العسكريةُ أو الأمنيةُ أو الاقتصاديةُ أو التربويةُ ما دامتْ فُصِّلتْ حَوَادِثُها على تصرفاتٍ مُعيَّنةٍ، والتي لا يُمكنُ أبداً أنْ تكونَ مِعْياراً، بل هيَ في الحقيقةِ صفحةٌ من التَّاريخ تُفيدُ الدَّرسَ والعِبْرةَ58.
وفي الختام: لعلَّ فيما سبقَ من الضَّوابطِ محاولةً لرسمِ معالمَ في كتابةِ السِّيرة ودراستِها؛ والمرجُو أنْ تبعثَ لدى المهتمين المبادرةَ بنقدِها وتقويمِها، والسعيَ لتحريرِ منهجٍ علميٍّ متينٍ في دراسةِ سيرةِ الهادي -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
تهميش:
1 - نقلاً من " مجلة (البيان) اللندنية, العدد (147) , صفحة (62) "
2 - طالعت مقدمات عددٍ من كُتُبِ السِّيرةِ، حيثُ لم أجدْ دراسةً مُفردةً، وقُبيل الانتهاءِ من كتابةِ الموضوعِ وجدتُ مُقَدِّمَة في السِّيرة اشتملتْ على جمُلةٍ من الضَّوابطِ المُهمةِ أملاها د. عبد الرحمن المحمود في بعضِ دروسِهِ العلميةِ فاستفدتُ منها كثيراً.
3 - د. أكرم ضياء العمري، في السِّيرة النَّبَويَّة الصَّحيحةِ: 1/ 18.
4 - انظر: مُقَدِّمَة عمر عبيد حسنة لكتاب: في السِّيرة النَّبَويَّة قراءة لجوانب الحماية والحذر، ص 25، 26.
(يُتْبَعُ)
(/)
5 - مُقَدِّمَة في السِّيرة، د. المحمود والقصة أخرجها مسلم، ح/ 1766.
6 - انظر: كيف نكتبُ التَّاريخ الإسلاميَّ، محمَّد قطب 81
7 - مُقَدِّمَة في السِّيرة النَّبَويَّة، د عبد الرحمن المحمود (مخطوط).
8 - انظر: كيف نكتبُ التَّاريخ الإسلاميَّ، لمحمَّد قطب: 81.
9 - كتاب: السِّيرة في القُرآنِ، لمحمد عزَّة دروزة، في مجلَّدينِ كبيرينِ، وحيدٌ في بابِهِ، ولا يخلُو مِن مُلاحظاتٍ، فلا يزالُ المجالُ شَاغِرَاً.
10 - أخرجَهُ الخطيبُ البغداديُّ في الجامِعِ، الجزء الثامن (2/ 224).
11 - انظر: "السُّنَّةُ ومكانتُها في التَّشريع"، للسِّباعيِّ: 344.
12 - في إسنادها: محمد بن سعيد الحرَّاني، قالَ ابنُ حَجَرٍ: شيخٌ (التقريب: 848)، وقال النَّسائيُّ: لا أدري ما هُو (التهذيب 5/ 113) (فروايتُهُ لا يُحتجُّ بها، وإنَّما تُكتبُ للاعتبارِ، وذلكَ إشعارُ ضعفٍ) (مرويات غزوة بدر، باوزير: 34).
13 - الجامع للخطيب 2/ 224.
14 - انظر: "فتاوى ابن تيمية": 13/ 346، و"البرهان" للزركشيِّ: 2/ 651، و"الإتقان" للسيوطيِّ:2/ 228.
15 - ولا يُفهم من هذا ردُّ أحاديث الآحاد في باب الاعتقاد ,فهو خلاف منهج أهل السنة، مُقَدِّمَة في السِّيرة، د. المحمود.
16 - السِّيرة، للعمري: 1/ 40، وانظر: التزامه هذا المنهجَ في مقدمتِهِ، ص 19.
17 - السَّابق: 1/ 41.
18 - انظر: تحقيق مواقف الصَّحابة، لأمحزون: 1/ 98 - 100.
19 - العمري، مصدر سابق: 1/ 20.
20 - التَّاريخ الإسلاميُّ مواقفُ وعِبَرٌ، د عبد العزيز الحميدي، 1/ 28 - 35.
21 - انظر: صحيح مسلم، ح/ 2770، شرح النووي، 17/ 156.
22 - مِنهاجُ السُّنَّةِ النَّبَويَّة، 8/ 105، ولابن تيمية قاعدةٌ للتمييز بين الصِّدقِ والكذبِ في المنقولاتِ في غايةِ الأهميةِ تجدها في "منهاج السنة"، 7/ 34 43، 7/ 419 479، وقد أنشأ (صادق عرجون) في كتابه: (خالد بن الوليد) نموذجاً محسوساً لمنهج النقد التَّاريخي جدير بالمطالعة, وقد ناقش فيه عدداً من الحوادثِ التي اضطربت فيها الرِّواياتُ والآراءُ مناقشةً عقليةً، وحاكمها محاكمةً دقيقةً, انظر مثلاً: ص: 265 - 279.
23 - د. العمري: 1/ 12 17.
24 - ولقد ردَّ الغزاليُّ في (فقه السِّيرة ص: 10) رواية البُخاريِّ في أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- غزا بني المصطلق وهم غارُّون، بناءً على أنه لا تجوزُ مُباغتةُ العدو إلا بعد إنذارِه، مع أنَّهُ يجوزُ ذلك مع مَن بلغتْهم الدَّعوةُ, انظر: مناقشة لطيفة لرأيه في: أضواء على دراسة السِّيرة، للشامي: 44 - 46.
25 - د. العمري، مصدر سابق: 1/ 17.
26 - أبو شهبة، في السِّيرة النَّبَويَّة: 1/ 26.
27 - انظر: صنيع د العمري في السِّيرة: 1/ 20.
28 - مُقَدِّمَة في السِّيرة، د المحمود.
29 - انظر أضواء، للشامي، 36.
30 - فقه السِّيرة، ص 5.
31 - انظر: محمد رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، مدخل لدراسة السِّيرةِ النَّبَويَّةِ، د/ محمد الغمراوي، ص 15.
32 - ذكره ابن حجر في المطالب العالية المسندة: 4/ 420 (ح 4303) وقال: هذا حديث صحيح.
33 - أخرجه البُخاريُّ، كتاب الأنبياء، ح/ 3445، (فتح 6/ 551).
34 - انظر أضواء، للشامي: 36، 37.
35 - انظر: محمد قطب، مصدر سابق: 59 72.
36 - انظر: الشامي: مصدر سابق: 39.
37 - د العمري، في السِّيرة: 1/ 14 - 15.
38 - الطيب برغوث، في "منهج النَّبيّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في حماية الدعوة": 45
39 - محمد أبو شهبة، "السِّيرة النَّبَويَّة": 1/ 17.
40 - انظر: الطيب برغوث، مصدر سابق.
41 - طه جابر العلواني، في مقدمته للسابق: 36 - 37.
42 - من المحاولات الجيدة في هذا الصدد: كتاب "منهج النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في حماية الدعوة"، للطيب برغوث، وكتاب "في السِّيرة النَّبَويَّة, قراءة لجوانب الحماية والحذر"، د إبراهيم علي.
43 - انظر: عمر حسنة، مصدر سابق: 27.
44 - د محمد سعيد البوطي، في "فقه السِّيرة": 21، 41.
45 - أخرجه الخطيب في الجامع، الجزء الثامن: 2/ 252.
46 - المصدر السابق.
47 - انظر كلاماً قيِّماً لابن القيم في "زاد المعاد"، 4/ 69 70.
48 - أخرجه الحاكم في المستدرك، 3/ 358، وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذَّهبيّ وأخرجه البيهقيُّ، 8/ 208، وابن سعد في الطبقات، 3/ 249.
49 - كما في الحديث الذي رواه البُخاريّ، ح 4101 (الفتح 7/ 456).
50 - عُمر عبيد حسنة، مصدر سابق: 29 - 32.
51 - معالم أصول الفقه عند أهل السنة، محمد الجيزاني: 127 - 132 وفي تفصيل الموضوع رسالة قيمة في أفعال الرَّسُول، د محمد الأشقر, وانظر: أفعال الرَّسُول، للعروسيِّ.
52 - انظر: كيف نكتب التَّاريخ الإسلامي، محمد قطب: 81.
53 - انظر: عمر عبيد حسنة، مصدر سابق: 21 - 23، 28 - 29.
54 - ذكره أحمد بن عبد الله الطَّبريّ في "الرياض النضرة في مناقب العشرة"، 2/ 45، 1/ 451، وقال: (خرجه النسائيُّ بهذا اللفظ، ومعناه في الصَّحيحين) ولم أقف عليه.
55 - مُقَدِّمَة في السِّيرة، د المحمود.
56 - طه العلواني، مصدر سابق، 27، 28.
57 - انظر: السابق، 26.
58 - انظر: عمر عبيد حسنة، مصدر سابق: 24 25.نقلاً من " مجلة (البيان) اللندنية, العدد (147) , صفحة (62) "
"عبد اللَّطيف بن محمَّد الحسن"(/)
قينان الساحر ... وقينان الغبي
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[07 - Jul-2009, صباحاً 09:41]ـ
قينان الساحر ... وقينان الغبي
محمد السيف
ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه أن أرفخشذ بن سام بن نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان له ولد اسمه "قينان". وأن هذا الولد لم يرد له ذكرٌ في التوراة ولا في شيء من الكتب المنزلة لأنه كان ساحراً! بل إنه تجرأ وادعى الألوهية لنفسه!!
ويذكر بدر الدين العيني في كتابه عمدة القارئ أن أهل التواريخ إذا ذكروا سلسلة النسب بين إبراهيم و نوحٍ ـ عليهما السلام ـ أسقطوا منها ذكر "قينان" بن أرفخشذ، بسبب ما قيل عن اشتهاره بالسحر والدَّجل!
كان هذا في سالف الزمان وقديم الأوان، فقينان الأكبر كان ساحراً صاحبَ دجل (حسب ما ينقله الطبري وغيره من أهل التواريخ).
وأما قينان "الأصغر"، المعاصر الذي يأكل ويشرب بواسطة الكتابة بجريدة الوطن، فله صفة أخرى تختلف عن صفة قينان "الأكبر" ابن أرفخشذ.
قينان "الأصغر" له صفة تميز بها حتى صارت علماً عليه. لكنه ـ ولشدة فرحه بهذه الصفة ـ لم ينتظر حتى يمضى زماننا، ويأتي المؤرخون من بعدنا ليذكروا صفة قينان "ألأصغر" كما ذكروا من قبلُ صفة الساحر قينان "الأكبر".
لم ينتظر "الأصغر" إلى ذلك الحين، لأنه ـ فيما يبدو ـ يخشى أن يعبث المؤرخون بسيرته، ويكتموا أهم صفاته ومزاياه، فأحب أن يؤرخ لنفسه بنفسه.
في عدد يوم الخميس قبل الماضي من جريدة الوطن كتب قينان "الأصغر" نقداً لرجل الأعمال المعروف عبدالرحمن الجريسي، ومما قاله هناك: "حتى لا يظن الجريسي أو القراء أنني ((أستهبل))، ((لابد أن أوضح لهم أنني من فرط غبائي)) وعدم قدرتي على التحليل والاستشراف لا أفهم هدف أيَّ شيء حتى أرى نتائجه أمامي". اهـ.
هذا ما قاله "الأصغر" عن نفسه بالنص، فالغباء المفرط هي الصفة التي تميز بها قينان، و التي حرص على تدوينها و تعريف القراء بها قبل فوات الأوان.
قينان يقول: أنا لا "أستهبل" لكن مشكلتي الغباء المفرط.
وتعلمون ـ أيها الأحبة ـ أن الغبي ليس بحاجة لأن يتكلف الغباء والهبل، لأن الله أغناه عن ذلك بما وهبه من غباء فطري، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والغباء ليس شراً محضاً، ولو لم يكن من فوائده إلا تقدير الناس لظروف الأغبياء، وعدم مؤاخذتهم في كثير من يقولون ويفعلون.
من أول ما قرأت تعقيب "صاحب الغباء المفرط" على مقالة الشيخ سعد البريك، وأنا أتحاشى التعليق على كلامه، لأني لو كتبت فلن أستطيع منع نفسي من وصفه ـ صراحةً ـ بالغباء. وأنا أعلم أن ذلك الوصف لن يروق للكثير من الأفاضل أصحاب الأدب الرفيع الذين سيبادرون بالقول: (لا تشتم الرجل وناقش أفكاره)، لكن ها هو قينان "الأصغر" يختصر علينا العناء، ويقرُّ بأن مشكلته الكبرى تكمن في محتويات الرأس المحمول فوق كتفيه.
بدأت القصة ـ كما تعلمون ـ حين كتب الشيخ سعد البريك مقالةً تناول فيها مصطلح "الدولة المدنية"، وذكر أن هذه اللفظة في الأصل يُعبَّر بها عن دولة لا تحتكم إلى دين، (حتى وإن كان البعض يستخدمها بحسن نية).
والشيخ بكلامه هذا يشير لحقيقة قرَّرها الكثير من الباحثين في بيان أصل نشأة هذه اللفظة التي بدأ تداولها في حدود القرن السابع عشر الميلادي، عند احتدام النزاع في أوربا بين الكنيسة النصرانية والتيارات المناوئة لها. حيث حاول خصوم الكنسية التحرر من تسلطها عن طريق السعي إلى تأسيس دولة لا مدخل للدين في أنظمتها وقوانينها، وإنما تحتكم في شرائعها وقوانينها إلى عقد اجتماعي قائم على أساس المصلحة الدنيوية (المدنية) بعيداً عن الخضوع لأي سلطة مقدسة بما في ذلك سلطة الدين.
حقيقة تاريخية معروفة كُتب فيها الكثير والكثير. والشيخ سعد البريك حين ذكر ذلك لم يخترع كلاماً من عند نفسه، وإنما أكَّد على ما شاع وعرف لدى الباحثين أهل المعرفة والاختصاص. لكن "قينان" ـ وبحكم ثقافته الواسعة، وغبائه المفرط ـ فوجئ بكلام الشيخ سعد، فكتب يقول متعجباً مستنكراً: "لم يسبق أن أحداً قال أو فهم أو استنبط أن الدولة المدنية تناقض الإسلام وتتصادم معه، لا من المنظرين المتخصصين في بلادنا أو العالم، ولا من العوام التواقين إلى دولة مدنية تحت ظلال الشريعة المحمدية السمحة، لم يفهم أو يستنبط أن الدولة المدنية تتناقض مع الإسلام إلا
(يُتْبَعُ)
(/)
الدكتور سعد البريك".
هذا ماقاله الأصغر بنصه وحرفه، فهو بعد أن اطلع على كتابات العالم كله لم يجد أحداً قبل الشيخ سعد البريك (لا من المتخصصين ولا من العوام) ذكر أن الدولة المدنية تتعارض مع الإسلام!!
ولو أن قينان ذكر رأيه الخاص، وقرَّرَ أنه لا يرى تعارضاً بين الدولة المدنية والإسلام لهان الأمر، ولقلنا إن هذا رأي معروف لطائفة من الناس وإن كانوا مخطئين. لكنه أنكر أن يكون أحدٌ في العالم كله بطوله وعرضه ذكر هذا التعارض، مع أن الكتابات في ذلك أكثر من أن يحاط بها. لهذا السبب قلت: إني لو علقت على كلام قينان فلن أستطيع منعَ نفسي من وصفه بالغباء المفرط، وهو ما وصف به نفسه لاحقاً ولله الحمد والمنه.
المضحك في القصة كلها أن قينان ـ في رده على الشيخ سعد البريك ـ كان يفصح عن غبائه المفرط بلغة الذكي المثقف المتعالي الواسع المعرفة، فهو يخاطب الشيخ سعداً ويقول: "إذا خاض المرء فيما لا يحسن جاء بالبدع".
ويقول: إن "الدكتور سعد لا شك يملك مؤهلات الواعظ الجيد معرفة ولغة وخطابة في أمور العبادات والمعاملات، أما السياسة ومفاهيمها وتطبيقاتها، فلها أربابها المختصون فيها العارفون بكواليسها وظواهرها". ويزيد على ذلك ويقول: "أشعر أن الدكتور سعد البريك يحتاج إلى القراءة والاطلاع على الكثير من علوم الدنيا ليضيفها إلى ما لديه من محفوظات من علوم الدين".
هذا عبارات "الأصغر" بنصها، والتي تثبت بالفعل أنه يعاني من مشكلة في الفهم والإدراك لا بدَّ من مراعاتها عند التعامل معه.
في عدد الخميس الماضي، جاء كاتب آخر، لديه مشكلة قريبة من مشكلة قينان "الأصغر"، وهو أستاذ اللسانيات "الأكبر" د. حمزة المزيني، جاء لينتصر لصاحبه "قينان"، فكتب مستغرباً من الدكتور سعد البريك لأنه في شرحه لمفهوم الدولة المدنية: "اقتصر على الاستشهاد بنصوص كثيرة لمصريين وفلسطينيين وعراقيين وتونسيين". ولأنه "لم يورد نصاً واحداً لكاتب سعودي عن مفهوم الدولة المدنية".
هذا أقصى ما استطاع أن يدافع به المزيني عن غباء صاحبه، ونسي أستاذ اللسانيات (أو تناسى) أن صاحبه "الأصغر" بسبب غبائه المفرط أنكر أن يكون أحدٌ في العالم كله (وليس في السعودية فقط) يرى أن الدولة المدنية تعارض الإسلام. فأستاذ اللسانيات ـ عافاه الله ـ ظهر بصورة الأطرش في الزفة، حين أراد أن يشارك في حوار لا يدري شيئاً عن مضمونه، ولا عن أي شيء يدور.
لكنَّ هذه النقطة لم تكن أطرف مافي مقالة المزيني، فقد تكلم ـ كالعادة ـ عن تيار الإسلام السياسي، وذكر أن هذا التيار ترخَّص في إطلاق وصف "الليبرالية" و"العلمانية" على كتاب سعوديين. ثم قال: "ولما كان هؤلاء لا يملكون دليلاً واحداً مقنِعاً على صحة انطباق أي من الوصفين على سعوديين معينين فإنهم يعمدون إلى الغموض الذي يرون أنه يمكن أن يمنع عنهم خطر المساءلة".
وموضع الطرافة في هذا الكلام أن د. المزيني كتبه يوم الخميس بجريدة الوطن دفاعاً عن "قينان" الأصغر. وفي اليوم التالي كتب "قينان" بنفسه، وفي الجريدة نفسها يقول: "إن في بلادنا المملكة العربية السعودية تيارين سياسيين واضحين، الأول والأقدم والأضعف هو "التيار الوطني الليبرالي" المتدثر بعباءة الإصلاح ... والتيار الثاني، هو تيار "الإسلام السياسي" وهو الأحدث والأقوى والأكثر جماهيرية".
فإذا كان د. حمزة المزيني لا يثق بأصحاب "الإسلام السياسي" ولا يصدق كلامهم، و يريد أن يعرف من هم السعوديون الذي ينطبق عليهم وصف "الليبرالية" فليسأل صاحبه "الأصغر" الذي يدافع عنه ليخبره عن رموز التيار "الوطني الليبرالي" الذي يتدثر بعباءة الإصلاح. ولعله يسأله ـ أيضاً ـ عن سبب تعمُّده الغموض في ذكر هذا التيار، وهل مقصوده منع خطر المساءلة عن نفسه.
لندع الآن أستاذ اللسانيات، ولنرجع لصاحب الغباء المفرط. ففي مقالته الأولى عن الشيخ سعد البريك قال: "أنا أعرف أن الدكتور البريك لا يملك ولا يستطيع أن يقدم دليلاً واحداً، واحداً فقط على أن بين ظهرانينا، ومن مواطنينا السعوديين، من يشكك في الإسلام أو يتربص بالوطن أو القيادة لا سراً ولا جهراً".
أيها الأحبة: اقرأوا هذا الكلام جيداً، وانظروا كيف جزم "الأصغر" أنه لا يوجد مواطن سعودي يشكك في الإسلام، أو يتربص بالوطن والقيادة لا سراً ولا جهراً.
(يُتْبَعُ)
(/)
اقرأوا هذا الكلام، ثم ارجعوا معي قليلاً إلى الوراء لمدة شهر واحد فقط، وسوف تجدون صاحب الغباء المفرط كتب مقالةً ينتقد فيها قاضياً حكم بالتفريق بين امرأة سنية وزوج إسماعيلي المذهب، وذكر "قينان" في مقالته تلك أن من بيننا جهلاء وهمجاً ومغرضين، ثم قال: "هم جهلاء فعلاً لأنهم لا يعرفون ولا يفهمون سماحة إسلامنا ووسطيته. وهم همج لأنهم لا يدركون خطورة ما يفعلون. وهم مغرضون إذا كانوا يفهمون ويدركون، لأنهم يستهدفون (فعلاً) عقيدتنا، ووحدتنا الوطنية".
انظروا لحجم هذا التناقض الصارخ لتدركوا حجم المصيبة التي يحملها "الأصغر" فوق كتفيه. فقينان في أحد المقالين يرى أن هناك من بيننا من يستهدف (فعلاً) عقيدتنا ووحدتنا الوطنية. لكنه بعد شهر واحد صار متأكداً أن الشيخ البريك لا يستطيع أن يقدم دليلاً واحداً على أن بين ظهرانينا من يشكك في الإسلام أو يستهدف الوطن والقيادة لا سراً ولا جهراً!
فمن الواضح أن الغاية التي يريد أن يصل إليها "قينان" هي التي تحدد وجود الأعداء من عدمهم. فإذا كان "الأصغر" يهدف للاستعداء واستثارة الدولة، فهناك (فعلاً) أعداء يستهدفون ديننا ووحدتنا الوطنية لا بدَّ أن تقف الدولة في وجوههم. و أما إذا كان في مقام الدفاع عن "الليبراليين الوطنيين" فليس هناك أحدٌ يستطيع أن يقيم دليلاً واحداً على وجود مواطن سعودي يشكك في الإسلام أو يستهدف الوطن.
نقطة أخيرة وقفت معها طويلاً في مقالة "الأصغر" عن المجتمع المدني، ولم أستطع منع نفسي من الضحك وأنا أقرأها. فقد قال المحروس للشيخ سعد: "أحب أن أوضح للدكتور نقطتين. أولاهما: أن التخصص مطلب ديني وعقلي وحضاري ... ". وقال: "أنا أربأ بالدكتور الذي يعظ الناس صباحاً ومساءً أن يغالط، لكنني أقولها بصراحة، إذا خاض المرء فيما لا يحسن جاء بالبدع".
هذا الكلام الذي خطه "قينان" بيده لا يُبقي مجالاً للشك في حقيقة المشكلة العقلية التي يعاني منها "الأصغر". فهو يُذَكِّر ويعظ بأن المرء إذا خاض فيما لا يحسن جاء بالبدع، وينادي بأن التخصص "مطلب ديني، وعقلي، وحضاري". فإذا تذكرتم الآن كم مرةً خاض المحروس فيما لا يحسن سابقاً، وإذا رأيتموه لاحقاً يناقش مسألة تتعلق بالشرع من حيث التحليل والتحريم، أو يخوض في أحكام الخلوة والاختلاط والحجاب. أو رأيتموه ينتقد قاضياً حكم في مجال تخصصه، فاعلموا أن الغباء المفرط أنساه أن التخصص مطلب ديني وعقلي وحضاري، وأن من خاض فيما لا يحسن جاء بالبدع.
وكذلك إذا قرأتم مقالته الأخيرة التي قرَّر فيها أن السعودية ليست دولة "دينية"، فاعلموا أن غباءه المفرط هو الذي جعله يتصور أنه يمدح بلده حين يقرِّر ويعلن للآخرين أنها دولة ((لا دينية))!!
----------------------
للكاتب / محمد بن سيف(/)
رسالة في القدر لابن عثيمين رحمه الله
ـ[أسامة شبل السنة]ــــــــ[07 - Jul-2009, مساء 04:44]ـ
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.واشهد أن لا اله آلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فبلٌغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى اله واصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد
أيها الاخوة الكرام: إننا في هذا اللقاء الذي نرجو أن يفتح الله علينا فيه من خزائن فضله ورحمته وان يجعلنا من الهداة المهتدين ومن القادة المصلحين ومن المستمعين، المنتفعين، نبحث في أمر مهم يهم جميع المسلمين ألا وهو ((قضاء الله وقدره)) والأمر ولله الحمد واضح، ولولا أن التساؤلات قد كثرت ولولا أن الأمر اشتبه على كثير من الناس، ولولا كثرة من خاض في الموضوع بالحق تارة وبالباطل تارات ونظرا إلى أن الأهواء انتشرت وكثرت وصار الفاسق يريد أن يبرر لفسقه بالقضاء والقدر، ولولا هذا وغيره ما كنا نتكلم في هذا الأمر.
والقضاء والقدر ما زال النزاع فيه بين الأمة قديما وحديثا فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فنهاهم عن ذلك واخبر انه ما اهلك الذين من قبلكم ألا هذا الجدال (1).
ولكن فتح الله على عباده المؤمنين السلف الصالح الذين سلكوا طريق العدل فيما علموا وفيما قالوا وذلك أن قضاء الله تعالى وقدره من ربوبيته سبحانه وتعالى لخلقه فهو داخل في أحد أقسام التوحيد الثلاثة التي قسم أهل العلم إليها توحيد الله عز وجل:
القسم الأول: توحيد الألوهية، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة.
القسم الثاني: توحيد الربوبية وهو إفراد الله تعالى بالخلق والملك والتدبير.
القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته.
(1) رواه الترمذي،كتاب القدر باب ما جاء في التشديد على الخوض في القدر رقم (2133) وابن ماجة في المقدمة، باب في القدر رقم (85).
فالأيمان بالقدر هو من ربوبية الله عز وجل ولهذا قال الأمام احمد رحمه الله تعالى: القدر قدرة الله لانه من قدرته ومن عمومها بلا شك وهو أيضا سرٌ الله تعالى المكتوم الذي لا يعلمه آلا الله سبحانه وتعالى. مكتوب في اللوح المحفوظ في الكتاب المكنون الذي لا يطٌلع عليه أحد ونحن لا نعلم بما قدٌره الله تعالى في مخلوقاته ألا بعد وقوعه لو الخبر الصادق عنه.أيها الاخوة: أن الأمة الإسلامية انقسمت في القدر إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: غلوا في إثبات القدر وسلبوا العبد قدرته واختياره وقالوا: أن العبد ليس له قدرة ولا اختيار وانما هو مسير لا مخير كالشجرة في مهب الريح، ولم يفرقوا بين العبد الواقع باختياره وبين فعله الواقع بغير اختياره. ولا شك أن هؤلاء ضالون لأنه ما يعلم بالضرورة من الدين والعقل والعادة أن الإنسان يفرق بين الفعل الاختياري والفعل الإجباري
القسم الثاني: غلوا في إثبات قدرة العبد واختياره حتى نفوا أن يكون الله تعالى مشيئة أو اختيار أو خلق فيما يفعله العبد وزعموا أن العبد مستقل بعمله حتى غلا طائفة منهم فقالوا أن الله تعالى لا يعلم بما يفعله العباد ألا بعد أن يقع منهم وهؤلاء أيضا غلوا وتطرفوا تطرفا عظيما في إثبات قدرة العبد اختياره.القسم الثالث: وهم الذين آمنوا فهداهم الله لما اختلف فيه من الحق وهم أهل السنة والجماعة سلكوا في ذلك مسلكاً وسطاً قائماً على الدليل الشرعي وعلى الدليل العقلي وقالوا أن الأفعال التي يحدثها الله تعالى في الكون تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما يجريه الله ـ تبارك وتعالى من فعله في مخلوقاته فهذا لا اختيار لأحد فيه كإنزال المطر وانبات الزرع والأحياء والإماتة والمرض والصحة وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تشاهد في مخلوقات الله تعالى وهذه بلا شك ليس لأحد فيه اختيار وليس لأحد فيها المشيئة فيها لله الواحد القهار.
(يُتْبَعُ)
(/)
القسم الثاني: ما تفعله الخلائق كلها من ذوات الإرادة فهذه الأفعال تكون باختيار فاعليها و أرادتهم لان الله تعالى جعل ذلك إليهم قال الله تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم) (التكوير:28) وقال تعالى (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) (آل عمران 152) وقال تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (الكهف: 29) والإنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختياره وبين ما يقع منه باضطرار واجبار فالإنسان ينزل من السطح بالسلم نزولاً اختيارياً يعرف انه مختار ولكنه يسقط هاوياً من السطح يعرف انه ليس مختاراً لذلك ويعرف الفرق بين الفعلين وان الثاني إجبار والأول اختيار وكل إنسان يعرف ذلك.
وكذلك الإنسان يعرف انه إذا أصيب بمرض سلس البول فالبول يخرج منه بغير اختياره وإذا كان سليما من هذا المرض فان البول يخرج منه باختياره. ويعرف الفرق بين هذا وهذا ولا أحد ينكر الفرق بينهما. وهكذا جميع ما يقع من العبد يعرف فيه الفرق بين ما يقع اختياراً وبين ما يقع من العبد يعرف فيه الفرق بين ما يقع اختياراً وبين ما يقع اضطراراً وإجباراً بل إن من رحمة الله عز وجل أن من الأفعال ما هو باختيار العبد ولكن لا يلحقه كما في فعل الناسي والنائم ويقول الله تعالى في قصة أصحاب الكهف: (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) (الكهف: 18) وهم الذين يتقلبون ولكن الله تعالى نسب الفعل إليه لان النائم لا اختيار له ولا يؤاخذ بفعله، فنسب فعله إلى الله عز وجل ويقول صلى الله عليه وسلم (من نسى وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) (1)
فنسب هذا الإطعام وهذا الاسقاء إلى الله عز وجل لأن الفعل وقع منه بغير ذكر فكأنه صار بغير اختياره وكلنا يعرف الفرق بين ما يجده الإنسان من آلم بغير اختياره وما يجده من خيفة في نفسه أحياناً بغير اختياره ولا يدرى ما سببه وبين أن يكون الألم هذا ناشئاً من فعل الذي اكتسبه أو الفرح ناشئاً من شي هو الذي اكتسبه وهذا الآمر ولله الحمد واضح لا غبار عليه.
(1) رواه مسلم، كتب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر رقم (1155).
أيها الاخوة: أننا لو قلنا بقول الفريق الأول الذين غلوا في إثبات القدر لبطلت الشريعة من اصلها لان القول بان فعل العبد ليس له فيه اختيار يلزم من أن لا يحمد على فعل محمود ولا يلام على فعل مذموم لانه في الحقيقة بغير اختيار وارادة منه وعلى هذا فالنتيجة أذن أن الله تبارك وتعالى يكون ـ تعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ ظالما لمن عصى إذا عذبه وعاقبه على معصيته، لانه عاقبة على أمر لا اختيار له فيه ولا إرادة وهذا بلا شك مخالف للقران صراحة يقول الله تبارك وتعالى: (وقال قرينه هذا ما لدى عتيد (23) القيا في جهنم كل كفار عنيد (24) مناع للخير معتدٍ مريبٍ (25) الذي جعل مع الله آلها آخر فالقياه في العذاب الشديد (26) قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد (27) قال لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد (28) ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد) [ق:23 - 29].
فبين سبحانه أن هذا العقاب منه ليس ظلما بل هو كمال العدل لانه قد قدم إليهم بالوعيد وبين لهم الطرق وبين لهم الحق وبين لهم الباطل ولكنهم اختاروا لانفسهم أن يسلكوا طريق الباطل فلم يبق لهم حجة عند الله تعالى: (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) [النساء: 165] فان الله تبارك وتعالى نفى أن يكون للناس حجة بعد إرسال الرسل لانهم قامت عليهم الحجة بذلك فلو كان القدر حجة لهم لكانت هذه الحجة باقية حتى بعد بعث الرسل لان قدر الله تعالى لم يزل موجودا قبل إرسال الرسل أذن فهذا القول يبطله الواقع كما فصلنا بالأمثلة السابقة.
أما أصحاب القول الثاني فانهم أيضا ترد عليهم النصوص والواقع ذلك لان النصوص صريحة في أن مشيئة الإنسان تابعة لمشيئة الله عز وجل (لمن شاء منكم أن يستقيم (28) وما تشاءؤن آلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير: 28، 29] (وربك يخلق ما يشاء ويختار) [القصص:68] (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم) [يونس: 25].
(يُتْبَعُ)
(/)
والذين يقولون بهذا القول هم في الحقيقة مبطلون لجانب من جوانب الربوبية وهم أيضا مدعون بان في ملك الله تعالى ما لا يشاء ولا يخلقه والله تبارك وتعالى شاء لكل شي خالق لكل شي مقدر لكل شي وهم أيضا مخالفون لما يعلم بالاضطرار من أن الخلق كله ملك لله عز وجل ذواته وصفاته لا فرق بين الصفة والذات ولا بين المعنى وبين الجسد أذن فالكل لله عز وجل ولا يمكن أن يكون في ملكه ما لا يريد تبارك وتعالى لكن يبقى علينا إذا كان الآمر راجعا إلى مشيئة الله تبارك وتعالى وان الآمر كله بيده فما طريق الإنسان أذن وما حيلة الإنسان إذا كان الله تعالى قد قدر عليه أن يضل ولا يهتدي؟
فنقول الجواب عن ذلك. أن الله تبارك وتعالى إنما يهدى من كان أهلاً للهداية، ويضل من كان أهلاً للضلالة، ويقول الله تبارك وتعالى. (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) [الصف:5] ويقول تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم ولعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به) [المائدة:13].
فبين الله تبارك أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه، والعبد كما أسلفنا آنفاً لا يدرى ما قدر الله تعالى له، لانه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور.
فهو لا يدرى هل قدر الله له أن يكون ضالا أم أن يكون مهتديا؟ فما باله يسلك طريق الضلال ثم يحتج بان الله تعالى قد أراد له ذلك أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول أن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم؟ أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة وقدريا عند الطاعة كلا لا يليق بالإنسان أن يكون جبريا عند الضلالة والمعصية فإذا ضل أو عصى الله قال هذا آمر قد كتب على وقدر على ولا يمكنني أن اخرج عما قضى الله تعالى للطاعة والهداية زعم أن ذلك منه ثم من به على الله وقال أنا أتيت به من عند نفسي فيكون قدريا في جانب الطاعة جبريا في جانب المعصية هذا لا يمكن أبداً فالإنسان في الحقيقة قدرة وله اختيار وليس باب الهداية باخفى من باب الرزق واخفي من أبواب طلب العلم. والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قدر له ما قدر من الرزق ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً لا يجلس في بيته ويقول أن قدر لي رزق فانه يأتيني، بل يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.في حديث ابن مسعود رضى الله عنه (أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه واجله وعمله وشقي أم سعيد) (1). فهذا الرزق أيضا مكتوب كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لزرق الدنيا ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم أن البابين واحد ليس بينهما فرق فكما انك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوى مرضك ومع ذلك فان لك ما قدر من الأجل لا يزيد ولا ينقص، ولست تعتمد على هذا وتقول أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وان قدر الله لي أن يمتد الأجل امتد. بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى انه اقرب الناس إن يقدر الله الشفاء على يديه فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفى العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا؟ وقد سبق أن قلنا أن القضاء سر مكتوم لا يمكن أن تعلم عنه فأنت الآن بين طريقين طريق يؤدى بك إلى السلامة وإلى الفوز والسعادة والكرامة وطريق يؤدى بك إلى الهلاك والندامة والمهانة وأنت الآن واقف بينهما ومخير ليس أمامك من يمنعك من سلوك طريق اليمين ولا من سلوك طريق الشمال إذا شئت ذهبت إلى هذا وإذا شئت ذهبت إلى هذا فما بالك تسلك الطريق الشمال ثم تقول أن قدر على آفلا يليق بك أن تسلك طريق اليمين وتقول انه قٌدٌر لي فلو انك أردت السفر إلى بلد ما كان أمامك طريقان إحداهما معبد قصير آمن والآخر غير معبد وطويل ومخوف لوجدنا انك تختار المعبد القصير الآمن ولا تذهب إلى الطريق الذي ليس بمعبد وليس بقصير وليس بآمن هذا في الطريق الحسي أذن فالطريق المعنوي مواز له ولا يختلف عنه أبداً ولكن النفوس والأهواء هي التي تتحكم أحياناً
(يُتْبَعُ)
(/)
في العقل وتغلب على العقل والمؤمن ينبغي أن يكون عقله غالبا على هواه وإذا حكم عقله فالعقل بالمعنى الصحيح يعقل صاحبه عما يضره ويدخله فيما ينفعه ويسره.
(1) رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، ذكر الملائكة رقم (3208) ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه رقم (2643)
بهذا تبين لنا أن الإنسان يسير في عمله الاختياري سيراً اختيارياً وانه كما يسير لعمل دنياه سيراً اختيارياً وهو أن شاء جعل هذه السلعة أو تلك تجارته، فكذلك أيضا هو في سيره إلى الآخرة يسير سيراً اختيارياً، بل أن طرق الآخرة أبين بكثير من طرق الدنيا لان بين طرق الآخرة هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. فلابد أن يكون طرق الآخرة اكثر بيانا أجلى وضوحا من طرق الدنيا. ومع ذلك فان الإنسان يسير في طرق الدنيا التي ليس ضامنا لنتائجها ولكنه يدع طرق الآخرة التي نتائجها مضمونة معلومة لأنها ثابتة بوعد الله و الله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد.
بعد هذا نقول: أن أهل السنة والجماعة قرروا هذا وجعلوا عقيدتهم ومذهبهم أن الإنسان يفعل باختياره وانه يقول كما يريد ولكن أرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته ثم يؤمن أهل السنة والجماعة بان مشيئة الله تعالى تابعة لحكمته وانه سبحانه و تعالى ليس مشيئته مطلقة مجردة ولكنها مشيئة تابعة لحكمته لان من أسماء الله تعالى الحكيم والحكيم هو الحاكم المحكم الذي يحكم الأشياء كوناً وشرعاً ويحكمها عملاً صنعاً والله تعالى بحكمته يقدر الهداية لمن أرادها لمن يعلم سبحانه وتعالى انه يريد الحق وان قلبه على الاستقامة ويقدر الضلالة لمن لم يكن كذلك لمن إذا عرض عليه الإسلام يضيف صدره كأنما يصعد في السماء فان حكمة الله تبارك وتعالى تأبى أن يكون هذا من المهتدين آلا أن يجدد الله له عزماً ويقلب أرادته إلى إرادة أخرى والله تعالى على كل شي قدير ولكن حكمة الله تأبى إلا أن تكون الأسباب مربوطة بها مسبباتها.
ومراتب القضاء والقدر عند أهل السنة والجماعة
أربع مراتب:
المرتبة الأولى: العلم وهى أن يؤمن الإنسان أيمانا جازما بان الله تعالى بكل شي عليم وانه يعلم ما في السماوات والأرض جملة وتفصيلاً سواء كان ذلك من فعله أو من فعل مخلوقاته وانه لا يخفى على الله شي في الأرض ولا في السماء.
المرتبة الثانية: الكتابة وهى إن الله تبارك وتعالى كتب عنده في اللوح المحفوظ مقادير كل شي.وقد جمع الله تعالى بين هاتين المرتبتين في قوله. (آلم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض أن ذلك في كتاب أن ذلك على الله يسير) [الحج:70] فبدا سبحانه بالعلم وقال أن ذلك في كتاب أي انه مكتوب في اللوح المحفوظ كما جاء به الحديث عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم. (أن أول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال رب ماذا اكتب؟ قال اكتب ما هو كائن فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة)) (1).
ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما نعمله أشي مستقبل أم شي قد قضى وفرغ منه؟ قال ((انه قد قضى وفرغ منه)) (2) وقال أيضا حين سئل: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب الأول قال (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) (3).
(1) رواه أبو داود، كتاب السنة، في باب القدر رقم (4700) والترمذي،كتاب القدر رقم (2155).
(2) رواه أحمد (1/ 29) والترمذي،كتاب تفسير القران باب ومن سورة هود رقم (3111).
(3) رواه البخاري،كتاب الجنائز باب موعظة المحدث عند القبر رقم (1362) ومسلم كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه رقم (2647).
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل فأنت يا أخي اعمل وأنت ميسر لما خلقت له.
ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ((فآما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى (7) وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى)) [الليل: 5 ـ 10]
(يُتْبَعُ)
(/)
المرتبة الثالثة: المشيئة وهى أن الله تبارك وتعالى شاء لكل موجود أو معدوم في السماوات أو في الأرض فما وجد موجود إلا بمشيئة الله تعالى وما عدم معدوم إلا بمشيئة الله تعالى وهذا ظاهر في القران الكريم وقد اثبت الله تعالى مشيئته في فعله ومشيئته في فعل العباد فقال الله تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم (28) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير: 28، 29] (ولو شاء ربك ما فعلوه) [الأنعام: 112] (ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) [البقرة: 253].
فبين الله تعالى أن فعل الناس كائن بمشيئته وأما فعله تعالى فكثير قال تعالى (ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها) [الأنعام:13] وقوله (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) [هود 118] إلى آيات كثيرة تثبت المشيئة في فعله تبارك وتعالى فلا يتم الأيمان بالقدر إلا أن نؤمن بان مشيئة الله عامة لكل موجود أو معدوم فما من معدوم إلا وقد شاء الله تعالى عدمه وما من موجود إلا وقد شاء الله تعالى وجوده ولا يمكن أن يقع شي في السماوات ولا في الأرض إلا بمشيئة الله تعالى.
المرتبة الرابعة: الخلق آي أن نؤمن بان الله تعالى خالق كل شي فما من موجود في السماوات والأرض إلا الله خالقه حتى الموت يخلقه الله تبارك وتعالى وان كان هو عدم الحياة يقول الله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملاً) [الملك: 2] فكل شي في السماوات أو في الأرض فان الله تعالى خالقه لا خالق إلا الله تبارك وتعالى وكلنا يعلم أن ما يقع من فعله سبحانه وتعالى بأنه مخلوق له فالسماوات والأرض والجبال والأنهار والشمس والقمر والنجوم والرياح والإنسان والبهائم كلها مخلوقات الله وكذلك لهذه المخلوقات من صفات وتقلبات أحوال كلها أيضا مخلوقة لله عز وجل.ولكن قد يشكل على الإنسان كيف يصح أن نقول في فعلنا وقولنا الاختياري انه مخلوق لله عز وجل. فنقول نعم يصح أن نقول ذلك لان فعلنا وقولنا ناتج عن أمرين.
أحدهما: القدرة
والثاني الإرادة:
فإذا كان فعل العبد ناتجا عن أرادته وقدرته فان الذي خلق هذه الإرادة وجعل قلب الإنسان قابلاً للإرادة هو الله عز وجل وكذلك الذي خلق فيه القدرة هو الله عز وجل وكذلك الذي خلق فيه القدرة هو الله عز وجل ويخلق السبب التام الذي يتولد عنه المسبب نقول إن خالق السبب التام خالق المسبب أي أن خالق المؤثر خالق للإثر فوجه كونه تعالى خالقا لفعل العبد أن نقول فعل العبد وقوله ناتج عن أمرين هما:
1ـ الإرادة
2ـ القدرة
فلولا الإرادة لم يفعل ولولا القدرة لم يفعل لانه إذا أراد هو عاجز لم يفعل وإذا كان قادرا ولم يرد لم يكن الفعل فإذا كان الفعل ناتجا عن إرادة جازمة وقدرة كاملة فالذي خلق الإرادة الجازمة والقدرة الكاملة هو الله وبهذا الطريق عرفنا كيف يمكن أن نقول إن الله تعالى خالق لفعل العبد وألا فالعبد فهو الفاعل في الحقيقة فهو المتطهر وهو المصلى وهو المزكي وهو الصائم وهو الحاج وهو المعتمر وهو العاصي وهو المطيع لكن هذه الأفعال كلها كانت ووجدت بإرادة وقدرة مخلوقين لله عز وجل والأمر ولله الحمد واضح.
وهذه المراتب الأربع المتقدمة يجب أن تثبت لله عز وجل وهذا لا ينافى أن يضاف الفعل إلى فاعله من ذوى الإرادة.
كما نقول النار تحرق والذي خلق الإحراق فيها هو الله تعالى بلا شك فليست محرقة بطبيعتها بل هي محرقة بكون الله تعالى جعلها محرقة ولهذا لم تكن النار التي ألقى فيها إبراهيم محرقة لان الله قال لها (كوني بردا وسلاما على إبراهيم) [الأنبياء: 69] فكانت بردا وسلاماً على إبراهيم فالنار بذاتها لا تحرق ولكن الله تعالى خلق فيها قوة الإحراق وقوة الإحراق هي في مقابل فعل العباد كإرادة العبد وقدرته فبالإرادة والقدرة يكون الفعل وبالمادة المحرقة في النار يكون الإحراق فلا فرق بين هذا وهذا ولكن العبد لما كان له إرادة وشعور واختيار وعمل صار الفعل ينسب إليه حقيقة وحكماً وصار مؤاخذا بالمخالفة معاقبا عليها لانه يفعل باختيار ويدع باختيار.
وأخيرا نقول: على المؤمن أن يرضى بالله تعالى رباٌ ومن تمام رضاه بالربوبية أن يؤمن بقضاء الله وقدره ويعلم انه لا فرق في هذا بين الأعمال التي يعملها وبين الأرزاق التي يسعى لها وبين الآجال التي يدافعها، الكل بابه سواء والكل مكتوب والكل مقدر وكل إنسان ميسر لما خلق الله.
أسال الله عز وجل أن يجعلنا ممن ييسرون لعمل أهل السعادة وان يكتب لنا الصلاح في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين(/)
عمارة المساجد كيف تتحقق؟
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[07 - Jul-2009, مساء 10:33]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
يا أهل الايمان! أهل الخير والاحسان
بيوت الله عزوجل تُنأديكم
فبادروا الى عِمارتها
يقول المولى تبارك وتعالى في سورة التوبة 18
إنما يَعمُرُ مساجد اللهِ مَنْ آمنَ باللهِ واليومِ الآخرِ وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا اللهَ, فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ( http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=46&ID=1218#docu)
ويقول المولى تبارك وتعالى في سورة النور 36 - 37:
في بيوتٍ أذِنَ الله أن تُرفعَ ويُذكرَ فيها اسمه, يُسبِّحُ لهُ فيها بالغدُّوِّ والآصال * رجالٌ لا تُلهيهِم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّبُ فيه القلوبُ والأبصار
عباد الله: إن المساجد التي هي بيوت الله , وهي خير بقاع الأرض وأحبها إلى المولى جل وعلا. لهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: أحب البقاع إلى الله مساجدهاوأبغضها إليه أسواقها
والإسهام في بناء المسجد وعمارته بالمصلين (أهل الله عزوجل وخاصته) , هو من سمات أهل الإيمان الذين يرجون موعود الله والدار الآخرة. وعمار ة المساجد على نوعين:
الأول: عمارة معنوية
ويُعنى بها عمارتها بروّادها, بالمصلين أهل الايمان, أهل الله وخاصته, وهذه هي الأساس والهدف من وجود المساجد , اذ ما فائدة وجود مساجد بلا مُصلين؟ فالعمارة المعنوية هي الركن الركين والأصل الأصيل في عمارة المساجد, ويُعنى بالعمارة: آداء الصلاة في المساجد بأوقاتها الخمسة كما أمر الله تعالى, وقراءة القرآن الكريم, وحلقات الذكر, واتخاذها منطلقاً للعلم والتوجيه والتربية وما الى ذلك من أعمال ترضي الله عزوجل, رغبةً منا في أن يتحقق فينا قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي الجليل:
وعزتي وجلالي اني لأهيم باهل الأرض عذاباً, فاذا نظرتُ الى عُمّارَ بيوتي, والى المتحابين فيَّ, والى المستغفرين بالأسحار, صرفتُ ذلك عنهم
ولعلّ هذا الحديث الجليل يُبيّنُ لنا معنى العمارة بوضوح, ولا يَعمُرُ بيوته عزوجل الا بالمصلين
الثاني: العمارة الحسية
ويُعنى بها: بناء مكان يأوي إليه الناس ليُصلوا فيه ويتعبدوا ربهم تحت جدرانه, والعناية بشؤونه وحفظه من الأوساخ والأدران , لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما, قال: قال صلى الله عليه وسلم: من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة.
ومن حديث السيدة عائشة رضي الله عنها , قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تُنظّف وتُطيب.
فبادروا عباد الله عزوجل الى عمارة بيوت الله عزوجل بكلا العمارتين , المعنوية قبل الحسية, فالمعنوية هي الأصل الأصيل والركن الركين, لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبو هريرة رضي الله عنه
فُضلتُ على الأنبياء بست ثم ذكر منها وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً
ومن حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه انذ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
جُعلتْ لي كل الأرض طيبة مسجداً وطهوراً
ومن حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال:
فُضلنا على الناس بثلاث: جُعلت صفوفنا كصفوف الملائكة, وجُعلت لنا الأرض مسجداً , وجُعلت لنا تربتها طهوراً إذا لم نجد الماء.
ومن حديث ابن عباس وحذيفة وأنس وأبي أمامة وأبي ذر رضي الله عنهم قالوا: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:
جعلت لي الأرض طهوراً ومسجدا
وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله! أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام , قلت: ثم أي؟ قال: ثم المسجد الأقصى, قلت: كم بينهما؟ قال:أربعون سنة , ثم أينما أدركتك الصلاة فصلِّ فهو مسجد ( http://majles.alukah.net/#docu)
أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
نفعنا الله واياكم بالقرآن العظيم, وجعلنا الله واياكم من متبعي هديه صلى الله عليه وسلم الى يوم الدين, وىخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين(/)
أحسن الطرق لتفسير القرآن
ـ[أبو عبد الأكرم الجزائري]ــــــــ[08 - Jul-2009, صباحاً 01:44]ـ
أن أصح الطرق لتفسير القرآن الكريم أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له. بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - رحمه الله تعالى-: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: ?إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا? [النساء:105].
وقال تعالى: ?وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ? [النحل:64]، وقال تعالى: ?وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ? [النحل:44].
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني السنة، والسنة أيضاً تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن.
وقد استدل الإمام الشافعي ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - رحمه الله تعالى- وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك.
السنة وحي من الله، والسنة نوعان:
النوع الأول: الأحاديث القدسية التي يضيفها النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه ويقول فيها: (قال الله)، فهذا من كلام الله لفظاً ومعنى كالقرآن، فالقرآن كلام الله لفظاً ومعنى خلافاً للأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله معنى قائم بالنفس، وخلافاً للمعتزلة الذين يقولون: القرآن مخلوق.
وهذا كفر وضلال، ولهذا كفر الأئمة والعلماء من قال: القرآن مخلوق، وتكفيرهم لقائل ذلك هو على وجه العموم، أما الشخص المعين فلا بد من أن تقوم عليه الحجة، فمن قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر.
والأشاعرة يقولون: القرآن كلام الله، وكلام الله معنى قائم بنفسه ليس بحرف ولا صوت، أما الحروف والأصوات فهي مخلوقة، وليس في المصحف شيء من كلام الله؛ لأن كلام الله معنى قائم بنفسه، وما في المصحف هو عبارة عن كلام الله، وهذا الذي ذهب إليه الأشاعرة يوافق المعتزلة في نصف مذهبهم؛ لأن المعتزلة يقولون: القرآن لفظه ومعناه مخلوق.
والأشاعرة يقولون: لفظه مخلوق ومعناه قائم بنفسه تعالى ليس بمخلوق، وهذا من أبطل الباطل، فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه.
فيجب على كل مسلم أن يعتني بهذا القرآن العظيم، فإنه سعادة الأمة وفلاحها ونجاحها.
فالنوع الأول من السنة؛ هو الأحاديث القدسية التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله)، كحديث أبي ذر ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
فهذا كلام الله لفظه ومعناه وهو كالقرآن، إلا أنه يختلف عن القرآن في الأحكام، فالقرآن يتعبد بتلاوته، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته، والقرآن لا يمسه إلا المتوضئ، والأحاديث القدسية يمسها غير المتوضئ، والقرآن معجز في لفظه ومعناه، والحديث القدسي ليس كذلك.
والنوع الثاني: الأحاديث النبوية التي ليست قدسية، وهذه الأحاديث معناها وحي من الله تعالى، ولفظها من النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا تنسب إلى الرسول، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، ومعناها من الله؛ لأنها وحي ثان، قال تعالى: ?وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى? [النجم:3 - 4].
(يُتْبَعُ)
(/)
وما ذكره بعض مؤلفي كتب علوم القرآن كالسيوطي ( http://213.175.193.17/admin/index.php) في الإتقان وغيره من أن الحديث القدسي لفظه من النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله فإنه خطأ يتمشى على مذهب الأشاعرة، والسيوطي ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - رحمه الله- ليس عنده تحقيق في هذا، فهذا قد يشكل على بعض الطلبة إذا وجده في الإتقان للسيوطي ( http://213.175.193.17/admin/index.php) وفي غيره من كتب أصول التفسير، فمن وجد ذلك فليعلم أن هذا يتمشى على مذهب الأشاعرة.
والصواب أن الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله كالقرآن، إلا أن الأحكام تختلف كما تقدم. وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في شئون الحياة العادية لا يعتبر من الوحي، كأن ينزل في المكان الفلاني، ويبول في المكان الفلاني، ويجلس في المكان الفلاني، ونحو ذلك.
فالصواب في هذه المسألة: أن هذه من الأمور العادية، ولا يشرع الاقتداء به فيها، وقد كان ابن عمر ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - رضي الله عنهما- يتتبع الأماكن التي يتنزل فيها النبي صلى الله عليه وسلم اجتهاداً منه، فكان ينزل في المكان الذي كان ينزل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر البخاري ( http://213.175.193.17/admin/index.php) شيئاً من هذا، فقال: كان ابن عمر ( http://213.175.193.17/admin/index.php) يتتبع أماكن كثيرة.
ولكنه خالف في هذا كبار الصحابة كالصديق ( http://213.175.193.17/admin/index.php) وعمر ( http://213.175.193.17/admin/index.php) وغيرهم؛ فإنهم لم يتتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأماكن، ولهذا لما رأى عمر ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - رضي الله عنه- قوماً يأتوا إلى الشجرة التي بايع عندها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أمر بقطعها.
والمقصود أن الأمور العادية التي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة ليست من التشريع. وأما ما كان يفعله مع زوجاته صلى الله عليه وسلم فإنه ينظر فيه، فإن كان على سبيل التشريع فإنه يقتدى به فيه، مثل معاملته لزوجاته ونحو ذلك، ومثله ما كان يفعله في البيت من الطهارة والغسل ونحو ذلك مما نقله إلينا أزواجه صلى الله عليه وسلم. وكلام الله في القرآن يتفاضل، هذا هو الصواب.
فسورة ?قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ? تعدل ثلث القرآن، وآية الكرسي أفضل آية في كتاب الله، والفاتحة أفضل سورة في كتاب الله، فكلام الله يتفاضل، وبعضه أفضل من بعض، وإذا كان القرآن كلام الله يتفاضل فالحديث القدسي كذلك يتفاضل.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة. فأول طريقة من طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن.
تفسير القرآن بأقوال الصحابة
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ ( http://213.175.193.17/admin/index.php) حين بعثه إلى اليمن: (فبم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله).
وهذا الحديث في المسند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه. هذا الحديث سنده جيد كما ذكر المؤلف -رحمه الله-، وجود سنده كذلك شيخ الإسلام ( http://213.175.193.17/admin/index.php) وابن القيم ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، وفيه أن الإنسان يعمل بكتاب الله، فإن لم يجد فإنه يعمل بالسنة، فإن لم يجد فإنه يجتهد، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً ( http://213.175.193.17/admin/index.php) قال له: (بم تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ... ).
وأما نحن فإننا إذا بحثنا ولم نجد في السنة دليلاً فإننا نأخذ بأقوال الصحابة إذا لم تتعارض، فقول الصحابي إذا لم يعارضه قول صحابي آخر يؤخذ به، فإن عارضه قول صحابي آخر تساقطا، فحينئذٍ يرجع إلى أصول الشريعة وقواعدها.
ذكر بعض أئمة التفسير من الصحابة
(يُتْبَعُ)
(/)
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك؛ لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، لاسيما علماءهم وكبراءهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين المهديين وعبد الله بن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - رضي الله عنهم-.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير ( http://213.175.193.17/admin/index.php): حدثنا أبو كريب ( http://213.175.193.17/admin/index.php) حدثنا جابر بن نوح ( http://213.175.193.17/admin/index.php) حدثنا الأعمش ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن أبي الضحى ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن مسروق ( http://213.175.193.17/admin/index.php) قال: قال عبد الله ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - يعني ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php)-: والذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته.
هذا من حرص الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- على العلم، فعبدالله بن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - رضي الله عنه- يحلف أنه ما من آية إلا وهو يعلم أين نزلت وفيم نزلت وفيمن نزلت، يقول: ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه حتى أتعلم منه وأستفيد منه.
وجابر بن عبد الله ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - كما ذكر البخاري ( http://213.175.193.17/admin/index.php) في صحيحه- رحل إلى عبدالله بن أنيس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) من المدينة إلى الشام في طلب حديث واحد، واشترى لهذه المهمة بعيراً، وكانت المسافة شهراً كاملاً.
فهذا هو حرص الصحابة الكرام، ولهذا بلغوا تلك المنزلة، فجابر ( http://213.175.193.17/admin/index.php) يشتري لهذه المهمة بعيراً مع قلة ذات اليد، والآن الكتب كلها موجودة، والصحاح والسنن كلها مدونة، والحمد لله، وكل شيء الآن متوفر، والمهم هو الحرص والعناية والتفهم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وقال الأعمش ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - أيضاً- عن أبي وائل ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php) قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( http://213.175.193.17/admin/index.php): حدثنا الذين كانوا يقرئونا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً.
وبهذا فضلوا على من بعدهم، فتعلموا العلم والعمل جميعاً، ونحن الآن ينقصنا العمل والتطبيق.
ابن عباس ترجمان القرآن
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
وقال ابن جرير ( http://213.175.193.17/admin/index.php): حدثنا محمد بن بشار ( http://213.175.193.17/admin/index.php) وحدثنا وكيع ( http://213.175.193.17/admin/index.php) حدثنا سفيان ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن الأعمش ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن مسلم ( http://213.175.193.17/admin/index.php) قال عبد الله ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - يعني ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php)-: نعم ترجمان القرآن ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php). ثم رواه عن يحيى بن داود ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، عن إسحاق الأزرق ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، عن سفيان ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، عن الأعمش ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، عن مسلم بن صبيح ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، عن أبي الضحى
(يُتْبَعُ)
(/)
( http://213.175.193.17/admin/index.php)، عن مسروق ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، عن ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php) أنه قال: نعم الترجمان للقرآن ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php). مسلم بن صبيح ( http://213.175.193.17/admin/index.php) هو غير الربيع بن صبيح ( http://213.175.193.17/admin/index.php).
ومسلم بن صبيح ( http://213.175.193.17/admin/index.php) يروي عن أبي الضحى ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، وأبو الضحى ( http://213.175.193.17/admin/index.php) يروي، عن مسروق ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، عن ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، وفي بعض الطرق: (عن أبي الضحى ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php)) وهذا إسناد منقطع؛ لأن أبا الضحى ( http://213.175.193.17/admin/index.php) لم يسمع من ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، بل بينهما واسطة.
وقوله: نعم الترجمان للقرآن ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) هذه شهادة من ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php) لابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - رضي الله عنهما-.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: ثم رواه عن بندار ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن جعفر بن عون ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن الأعمش ( http://213.175.193.17/admin/index.php) به كذلك، فهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php) أنه قال عن ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) هذه العبارة، وقد مات ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php) - رضي الله عنه- في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده عبد الله بن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) ستاً وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php)؟!
يعني: إذا كان ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php) شهد لابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) بقوله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) في حياته ثم توفي وعاش بعده ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) ستاً وثلاثين عاماً وهو يتعلم ويجتهد فكيف سيكون علمه؟!
وقد كان عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، لكنه كان حريصاً على العلم، وقد أخذ من الصحابة، وكان له زميل من الأنصار في أول الطلب، فقال زميله من الأنصار: يا ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php)! تظن الناس يحتاجون إلينا! فتركه ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) وانصرف الأنصاري، وقال: الناس ليسوا بحاجة إلينا، والصحابة كثيرون.
فشمر ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) في طلب العلم، فكان يأتي إلى الصحابة في بيوتهم، وكان إذا بلغه حديث عن بعض الصحابة أو أراد أن يأخذ العلم منه أتى إلى بابه، ثم توسد ذراعه ونام تحت الباب حتى يخرج، فإذا خرج قال: ما لك يا ابن عم رسول الله؟ ألا أخبرتني؟ ألا طرقت علي فأخرج؟ وما زال يجتهد ويحرص ويجد ويجتهد ويستغل الوقت في الأخذ عن الصحابة حتى بلغ شأناً عظيماً في العلم، ومات كثير من الصحابة وبقي، فصار مرجع الناس في العلم، وصار الناس يأتون إليه من كل مكان، وكان يجلس للناس بعد صلاة الفجر، فيأتيه أهل التفسير، ثم يأتيه أهل الحديث، ثم يأتيه أهل اللغة، ثم يأتيه جميع أصحاب الفنون حتى يرتفع الضحى.
وذلك الأنصاري الذي تركه لم يكن عنده شيء من العلم، فلما رأى حال ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) ورأى ما أوتي من العلم ومجيء الناس إليه قال لبعض أصحابه: هذا أعقل مني يعني ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php)؛ لأنه بقي في طلب العلم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وقال الأعمش ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن أبي وائل ( http://213.175.193.17/admin/index.php): استخلف علي ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عبد الله بن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) على الموسم، فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة -وفي رواية سورة النور- ففسرها تفسيراً لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا، ولهذا غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ( http://213.175.193.17/admin/index.php) في تفسيره عن هذين الرجلين: عبد الله بن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php) وابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php).
السدي الكبير ( http://213.175.193.17/admin/index.php) ثقة يروي عن ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) وعن ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، فهو يروي عن أبي مالك ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن أبي صالح ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php)، ويروي عن عروة ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن ابن مسعود ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو سند السدي الكبير ( http://213.175.193.17/admin/index.php).
وقوله: استخلف علي ( http://213.175.193.17/admin/index.php) عبد الله بن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) على الموسم أي: جعل ابن عباس ( http://213.175.193.17/admin/index.php) أميراً على الحج في خلافته.(/)
الحوقلة مفهومها ودلالتها العقدية
ـ[أبو عبد الله عادل السلفي]ــــــــ[08 - Jul-2009, صباحاً 07:06]ـ
الحوقلة مفهومها ودلالتها العقدية
إعداد: أ د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
الأستاذ في كلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة
المقدمة
الحمد لله ربّ العالمين، به سبحانه نستهدي، وإياه نستكفي، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم، وهو المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أما بعد؛ فإنَّ للأذكار الشرعية مكانةً عالية في الدين، ومنزلة رفيعة في نفوس المؤمنين، وهي من أجل القربات، وأفضل الطاعات، ولها من الثمار اليانعة والفضائل المتنوعة والخيرات المتوالية في الدنيا والآخرة ما لا يحصيه ويحيط به إلاّ الله عز وجل.
والكتاب والسنة مليئان بالشواهد العديدة والأدلة المتنوعة على فضل الذكر ورفيع قدره وعلو مكانته وكثرة عوائده وفوائده على أهله الملازمين له والمحافظين عليه.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} [1].
وقال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [2].
وقد أخرج الترمذي،وابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا أنبّئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله" [3].
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سبق المفرِّدون، قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: الذّاكرون الله كثيراً والذّاكرات" [4].
وروى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه مثلُ الحيّ والميّت" [5].
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ثم إنَّ هذه الأذكار الشرعية إضافة إلى دلالة النصوص على عظم فضلها وكثرة خيراتها وعوائدها، فإنَّها تمتاز بكمال معناها وجمال ألفاظها وتنوع دلالاتها وقوة تأثيرها وشمولها لحقائق الإيمان وأبواب الخير، فهي من جوامع كلم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومن محاسن هذا الدّين العظيم، مع الأمن الكامل فيها من الشطط والانحراف في المعاني والدلالات أو التكلف والتقعر في الألفاظ والعبارات.
بل جاءت بألفاظ جزلة وكلمات مختصرة ودلالات عميقة، فهي يسيرٌ لفظُها ونطقها، عظيم معناها ومقصودها، كثير أجرها وثوابها، واسعة خيراتها ومنافعها، متعددة فوائدها وثمراتها.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وأرشد إليه بقوله عليه الصلاة والسلام في وصف أحد هذه الأذكار: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" [6].
وهذا شأن جميع الأذكار الشرعية خفيفةٌ على اللسان، ثقيلةٌ في الميزان، حبيبةٌ إلى الرحمن، مع التفاضل بينها والتمايز حسبما دلت عليه نصوص الشريعة.
ومع ما في الأذكار الشرعية من الكمال والجمال في معانيها ومبانيها إلاّ أنَّك ترى في كثير من عوام المسلمين من يعدل عنها وينصرف إلى أذكار مخترعة وأدعية مبتدعة ليست في الكتاب ولا في السنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "ومن أشدّ الناس عيباً من يتخذ حزباً ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان حزباً لبعض المشايخ، ويدع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيّد بني آدم وحجة الله على عباده " [7].
(يُتْبَعُ)
(/)
يضاف إلى ذلك ما لدى كثير من المسلمين من الجهل وعدم العلم بمعاني الأذكار الشرعية العظيمة ودلالاتها النافعة القويمة، مما يستوجب مضاعفة العناية بالأذكار النبوية علماً وتعليما، وشرحاً وبيانا، وتوضيحاً وتذكيرا، لتعلم مراميها، وتفهم مقاصدها، وتتضح دلالتها، لتؤدّي بذلك ثمراتها النافعة، وفوائدها الحميدة وخيرها المستمر.
قال ابن القيم – رحمه الله -: " وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ القلب اللسان، وكان من الأذكار النبوية، وشهد الذاكر معانيه ومقاصده " [8].
هذا وإنَّ من الأذكار النبوية العظيمة التي كان يحافظ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكثر من قولها، ويحثّ على الإكثار منها والعناية بها "الحوقلة"، وهي قول " لا حول ولا قوة إلاّ بالله"، فإنَّ هذه الكلمة العظيمة لها من الفضائل والفوائد والثمار ما لا يحصيه إلاّ الله، وفيها من المعاني العميقة والدلالات المفيدة ما يثبت الإيمان، ويقوي اليقين، ويزيد صلة العبد بربّ العالمين.
ولما كان الأمر بهذه المثابة وعلى هذا القدر من الأهمية رأيت إفرادَ هذه الكلمة بهذا البحث الذي جعلته بعنوان " الحوقلة: مفهومها، وفضائلها، ودلالاتها العقدية ".
ورغم أهمية هذا الموضوع وشدّة الحاجة إليه إلاّ أني لم أر من أفرده بالتأليف سوى رسالتين:
إحداهما: لجلال الدين السيوطي، سمّاها ((شرح الحوقلة والحيعلة)) وهي من أول تأليفه سنة ((886 هـ)) كما في كشف الظنون للحاج خليفة [9]، ولم أقف عليها.
الثانية: لجمال الدين يوسف بن عبد الهادي، أسماها ((فضل لا حول ولا قوة إلاّ بالله))، وقد خصها بذكر ما يتعلق بفضل هذه الكلمة.
وقد رأيت أن يكون طرقي لهذا الموضوع من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: مفهوم الحوقلة.
المبحث الثاني: فضائلها.
المبحث الثالث: دلالاتها العقدية.
المبحث الرابع: في التنبيه على بعض المفاهيم الخاطئة فيها.
ومن الله تبارك وتعالى أستمد العون واستمنح التوفيق، فلا حول ولا قوة إلاّ به، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
المبحث الأول: مفهوم الحوقلة:
أولاً: المراد بالحوقلة:
الحوقلة كلمةٌ منحوتة من " لا حول ولا قوة إلاّ بالله "، وهذا الباب سماعي، وهو من الفعل الرباعي المجرد كما هو مقررٌ في كتب الصرف.
والنحت ("هو أن ينحت من كلمتين أو أكثر كلمة واحدة تدل على معنى الكلام الكثير، وذلك على النحو التالي:
أ - النحت من كلمتين مركبتين تركيباً إضافياً مثلما نحتوا من عبد قيس: عبقسي.
ب – النحت من جملة مثل: بسمل أي: قال بسم الله، حوقل، قال: لا حول ولا قوة إلاّ بالله" [10].
ويقال لها أيضا ((الحولقة))، قال النووي – رحمه الله -: ((قال أهل اللغة: ويعبر عن هذه الكلمة بالحوقلة والحولقة …)) [11].
وقال في موضع آخر: ((ويقال في التعبير عن قولهم لا حول ولا قوة إلاّ بالله الحوقلة، هكذا قاله الأزهري والأكثرون، وقال الجوهري الحولقة، فعلى الأول وهو المشهور الحاء والواو من الحول، والقاف من القوة، واللام من اسم الله تعالى، وعلى الثاني الحاء واللام من الحول، والقاف من القوة، والأول أولى لئلا يفصل بين الحروف)) [12].
ويلاحظ على هذا أمران:
1 – أنَّ الذي ذكره الأزهري في تهذيب اللغة ونقله عن بعض أهل اللغة كالفراء وابن السكيت ((الحولقة)) وليس ((الحوقلة)) [13].
2 – تعليل أولوية لفظ ((حوقل)) على لفظ ((حولق)) بحجة عدم الفصل بين الحروف غير واضح، لأنَّ ((حولق)) ليس فيها فصل بين الحروف.
ثانياً: معنى ((لا حول ولا قوة إلاّ بالله)):
الحول: هو التحرك، يقال: حال الرجل في متن فرسه يحول حولاً وحوُولاً إذا وثب عليه، وحال الشخص إذا تحرك، وكذلك كلُّ متحول عن حاله [14].
والقوة: هي الشدّة وخلاف الضعف، يقال: قوي الرجل، كرضي، فهو قويٌّ وتَقوَّى واقتوى أي: صار ذا شدّة، وقوّاه الله أي: أعطاه القوة وهي الشدّة وعدم الضعف [15].
فمعنى لا حول ولا قوة إلاّ بالله أي: لا تحول من حال إلى حال، ولا حصول قوة للعبد على القيام بأيِّ أمر من الأمور، إلاّ بالله، أي: إلاّ بعونه وتوفيقه وتسديده، وقد ورد في بيان معنى هذه الكلمة وتوضيح المراد بها عن السلف وأهل العلم نقول عديدة من ذلك:
(يُتْبَعُ)
(/)
1 – قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في ((لا حول ولا قوة إلاّ بالله)) أي: ((لا حول بنا على العمل بالطاعة إلاّ بالله، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلاّ بالله)) رواه ابن أبي حاتم [16].
2 – وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال في معناها أي ((لا حول عن معصية الله إلاّ بعصمته، ولا قوة على طاعته إلاّ بمعونته)) [17].
3 – وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معناها أي: ((أنا لا نملك مع الله شيئاً، ولا نملك من دونه، ولا نملك إلاّ ما ملكنا مما هو أملك به منا)) [18].
4 – وسئل زهير بن محمد عن تفسير ((لا حول ولا قوة إلاّ بالله)) فقال: ((لا تأخذ ما تحبّ إلاّ بالله، ولا تمتنع مما تكره إلاّ بعون الله)) رواه ابن أبي حاتم [19].
5 – وسئل أبو الهيثم الرازي (ت276هـ) وهو إمام في اللغة عن تفسير ((لا حول ولا قوة إلاّ بالله)) فقال: ((الحول: الحركة، يقال حال الشخص إذا تحرك، فكأنّ القائل إذا قال: لا حول ولا قوة، يقول: لا حركة ولا استطاعة إلاّ بمشيئة الله)) [20].
6 – وقيل معناها: ((لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلاّ بالله)) [21].
وجميع هذه الأقوال متقاربة في الدلالة على المعنى المراد بهذه الكلمة العظيمة؛ ولهذا قال النووي – رحمه الله – بعد أن أورد بعض هذه الأقوال: ((وكلُّه متقاربٌ)) [22].
ثالثاً: إعراب ((لا حول ولا قوة إلاّ بالله)):
((لا)): نافية للجنس.
((حول)): اسم لا، مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف، وتقديره كائن أو موجود.
((ولا)) الواو عاطفة، ولا نافية للجنس أيضا.
((قوة)) اسم لا، وخبرها محذوف، وتقديره كائنة أو موجودة.
((إلاّ)) أداة استثناء.
((بالله)) جار ومجرور، متعلق بالخبر المحذوف.
وقد ذكر أهل اللغة أنَّه يجوز في إعراب ((لا حول ولا قوة إلاّ بالله)) خمسة أوجه [23]، بيانها كما يلي:
1 – ((لا حولَ ولا قوةَ إلاّ بالله)) بفتحهما بلا تنوين.
2 – ((لا حولَ ولا قوةً إلاّ بالله)) بفتح الأولى ونصب الثاني منوناً.
3 – ((لا حولٌ ولا قوةٌ إلاّ بالله)) برفعهما منونين.
4 – ((لا حولَ ولا قوةٌ إلاّ بالله)) بفتح الأول ورفع الثاني منوناً.
5 – ((لا حولٌ ولا قوةَ إلاّ بالله)) برفع الأول منوناً وفتح الثاني.
وإلى هذه الوجوه الخمسة يشير ابن مالك – رحمه الله – في ألفيته حيث يقول:
مفردةً جاءتك أو مكررة
عملَ إنّ اجعلللا في نكرة
وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه
فانصب بها مضافاً أو مضارعه
حول ولا قوة والثان اجعلا
وركّب المفرد فاتحاً كلا
وإن رفعتَ أوّلاً لا تنصبا [24]
مرفوعاً أومنصوبا أو مركبا
ثم إنَّ في هذه الكلمة صيغةً من صيغ الحصر وهي ((إلاّ))، بل عدّها السكاكي من أهم صيغ الحصر [25].
قال الأخضري في أرجوزته مشيراً إلى صيغ الحصر:
وأدوات القصر إلاّ إنّما
عطفٌ وتقديم كما تقدّما ([26])
المبحث الثاني: فضائل ((لا حول ولا قوة إلاّ بالله)):
لقد وردت نصوص كثيرة في السنة في بيان فضل هذه الكلمة وعظم شأنها، وقد تنوعت هذه النصوص في الدلالة على تشريف هذه الكلمة وتعظيمها،مما يدل بجلاء على عظم فضل هذه الكلمة ورفعة مكانتها، وأنها كلمة عظيمة ينبغي علىكلِّ مسلم أن يعنى بها ويهتمّ بها غاية الاهتمام، وأن يكثر من قولها لعظم فضلها عند الله، وكثرة ثوابها عنده،ولما يترتب عليها من خيرات متنوعة وفضائل متعددة في الدنيا والآخرة، ومما يدل على فضل هذه الكلمة العظيمة ما يلي:
1 – أنَّها وردت في عدة أحاديث مضمومة إلى الكلمات الأربع الموصفة بأنها أحبّ الكلام إلى الله.
فقد ثبت في المسند وسنن الترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما على الأرض رجلٌ يقول لا إله إلاّ الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، إلاّ كُفِّرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر)) [27].
(يُتْبَعُ)
(/)
وثبت في سنن أبي داود والنسائي والدار قطني وغيرهم عن ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن فعلّمني شيئاً يجزيني قال:" تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله "، فقال الأعرابي هكذا وقبض يديه فقال: هذا لله فما لي، قال:"تقول: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني" فأخذها الأعرابي وقبض كفيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أمَّا هذا فقد ملأ يديه بالخير " [28].
2 – ورودها معدودةً في الباقيات الصالحات التي قال الله عنها: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [29].
فقد روي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والحمد ولا حول ولا قوة إلاّ بالله"، رواه أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي [30]، ولكن في إسناده أبو السمح دراج بن سمعان صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف [31]، وهذا منها.
لكن جاء عدُّ لا حول ولا قوة إلاّ بالله في جملة " الباقيات الصالحات" عن غير واحد من الصحابة والتابعين، فقد روى الإمام أحمد في مسنده أنَّ أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه سئل عن " الباقيات الصالحات " ما هي؟ فقال: ((هي لا إله إلاّ الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله)) [32].
وروى ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه سئل عن " الباقيات الصالحات " فقال: لا إله إلاّ الله، والله أكبر، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله [33].
وعن سعيد بن المسيب قال: ((الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله)) [34].
وروى ابن جرير الطبري عن عمارة بن صياد قال: "سألني سعيد بن المسيب عن " الباقيات الصالحات "، فقلت: الصلاة والصيام، قال: لم تصب، فقلت: الزكاة والحج، فقال: لم تصب، ولكنَّهنَّ الكلمات الخمس: لا إله إلاّ الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله" [35].
وأثر ابن المسيب هذا يوهم أنَّ " الباقيات الصالحات " محصورةٌ في هؤلاء الكلمات الخمس، والذي عليه المحققون من أهل العلم أنَّ " الباقيات الصالحات" هنّ جميع أعمال الخير، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَات} قال: "هي ذكر الله، قول لا إله إلاّ الله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، وأستغفر الله، وصلى الله على رسول الله، والصيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد والصلة وجميع أعمال الحسنات وهن الباقيات الصالحات، التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السموات والأرض" [36].
3 – إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنَّها كنزٌ من كنوز الجنة.
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنا إذا علونا كبّرنا، وفي رواية: فجعلنا لا نصعد شرفاً ولا نعلو شرفاً ولا نهبط في واد إلاّ رفعنا أصواتنا بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنَّكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، ولكن تدعون سميعاً بصيراً"، ثم أتى عليّ وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، فقال: "يا عبد الله بن قيس، قل: لا حول ولا قوة إلاّ بالله فإنَّها كنزٌ من كنوز الجنة"، أو قال:" ألا أدلك على كلمة هي كنزٌ من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلاّ بالله " [37].
قال بعض أهل العلم في التعليق على هذا الحديث: كان عليه [الصلاة و] السلام معلِّماً لأمته فلا يراهم على حالة من الخير إلاّ أحبّ لهم الزيادة،فأحب للذين رفعوا أصواتهم بكلمة الإخلاص والتكبير أن يضيفوا إليها التبري من الحول والقوة فيجمعوا بين التوحيد والإيمان بالقدر" [38]، وقد جاء في الحديث:" إذا قال العبد لا حول ولا قوة إلاّ بالله، قال الله: أسلم واستسلم" رواه الحاكم بإسناد قال عنه الحافظ ابن حجر: ((قوي)) [39].
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي رواية:" ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، فيقول الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم" رواه الحاكم وقال: ((صحيح ولا يحفظ له علة)) ووافقه الذهبي.
قال النووي – رحمه الله -: ((ومعنى الكنز هنا أنَّه ثواب مدخرٌ في الجنة، وهو ثوابٌ نفيسٌ كما أنَّ الكنز أنفس أموالكم)) [40].
وقال ابن حجر – رحمه الله: ((كنزٌ من كنوز الجنة من حيث أنَّه يدخر لصاحبها من الثواب ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا؛ لأنَّ من شأن الكانز أن يعد كنزه لخلاصه مما ينوبه والتمتع به فيما يلائمه)) [41].
4 – ورود الأمر بالإكثار منها والإخبار أنَّها من غراس الجنة.
روى الإمام أحمد وابن حبان عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مرَّ على إبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام فقال: ((يا محمد مُرْ أمَّتَك أن يكثروا من غراس الجنة، قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلاّ بالله)) [42].
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلاّ بالله فإنَّها كنزٌ من كنوز الجنة " [43].
5 – إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنَّها بابٌ من أبواب الجنة.
روى الإمام أحمد والحاكم عن قيس بن سعد بن عبادة أنَّ أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه قال: فمرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت فضربني برجله وقال:" ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى، قال: لا حول ولا قوة إلاّ بالله" [44].
6 – تصديق الله لمن قالها.
روى الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم، أنَّه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنَّهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:" إذا قال العبد: لا إله إلاّ الله والله أكبر، قال: يقول الله تبارك وتعالى: صدق عبدي لا إله إلاّ أنا وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلاّ الله وحده، قال: صدق عبدي لا إله إلاّ أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلاّ الله لا شريك له، قال: صدق عبدي لا إله إلاّ أنا لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلاّ الله له الملك وله الحمد، قال: صدق عبدي، لا إله إلاّ أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلاّ الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، قال: صدق عبدي لا إله إلاّ أنا ولا حول ولا قوة إلاّ بي".
ثم قال الأغر شيئاً لم أفهمه، قلتُ لأبي جعفر: ما قال؟ قال: ((من رُزِقهنّ عند موته لم تمسّه النار)).
وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني ـ رحمه الله: وهو حديث صحيح [45].
قال ابن القيم – رحمه الله -: ((الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبدَه، فإنَّ الذاكر يخبر عن الله تعالى بأوصاف كماله ونعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبد صدَّقه ربُّه، ومن صدّقه اللهُ تعالى لم يحشر مع الكاذبين، ورجي له أن يحشر مع الصادقين)) [46].
فهذه بعض الفضائل الدالة على عظم مكانة هذه الكلمة، ورفعة شأنها، وكثرة عوائدها وفوائدها، وعظم ما يترتب عليها من أجور عظيمة وخيرات جليلة وفوائد متنوعة في الدنيا والآخرة.
وقد نظم ابن العراقي – رحمه الله – جملةً من الفضائل الواردة لهذه الكلمة في أبيات لطيفة فقال:
قوة إلاّ فهي للداء دوا
يا صاح أكثر قول لا حول ولا
فوز امرئ لجنة المأوى أوا
وإنَّها كنز منالجنة يا
عبدي واستسلم راضياً هوا
له يقول ربنا أسلم لي
وأنشد أيضاً لنفسه:
تنل أيَّ كنز من الجنة
تبرّأ من الحول والقوة
تبيت وتصبح في جنة
وسلِّم أمورك لله كي
إلهك ذي الفضل والمنة
ولا ترج إن مسّخطب سوى
أداء الفرائض والسنة
وواظب على الخير واحرص على
من غلٍّ وحقد ومن ظنَّةٍ [47]
وكن سالم الصدرللمسلمين
المبحث الثالث: دلائل ((لا حول ولا قوة إلاّ بالله)) العقدية:
إنَّ هذه الكلمة العظيمة التي سبق ذكر بعض فضائلها وبيان شيء من ميزاتها ومحاسنها ذاتُ دلالات عميقة ومعان جليلة تشهد بحسنها، وتدل على كماله وعظم شأنها وكثرة عوائدها وفوائدها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإنَّ أحسن ما يستعان به على فهم دلالاتها ومعرفة معانيها ومقاصدها قولُ النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه:" ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، فيقول الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم" [48].
وقد روى ابن عبد الهادي في كتابه " فضل لا حول ولا قوة إلاّ بالله " بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "من قال بسم الله فقد ذكر اللهَ، ومن قال الحمد لله فقد شكر الله، ومن قال: الله أكبر فقد عظّم اللهَ، ومن قال: لا إله إلاّ الله فقد وحّد الله، ومن قال: لا حول ولا قوة إلاّ بالله فقد أسلم واستسلم وكان له بها كنزٌ من كنوز الجنة" [49].
وروي عن ابن عمر أنَّه قال: " سبحان الله هي صلاة الخلائق، والحمد لله كلمة الشكر، ولا إله إلاّ الله كلمة الإخلاص، والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض، وإذا قال: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، قال الله تعالى: أسلم واستسلم" [50].
فهي كلمة إسلام واستسلام، وتفويض وتبرّؤ من الحول والقوّة إلاّ بالله، وأنَّ العبد لا يملك من أمره شيئاً، وليس له حيلةٌ في دفع شر، ولا قوةٌ في جلب خير إلاّ بإرادة الله تعالى، فلا تحوّل للعبد من معصية إلى طاعة، ولا من مرض إلى صحة، ولا من وهن إلى قوة، ولا من نقصان إلى كمال وزيادة إلاّ بالله، ولا قوة له على القيام بشأن من شؤونه، أو تحقيق هدفٍ من أهدافه أو غاية من غاياته إلاّ بالله العظيم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فأزمّةُ الأمور بيده سبحانه، وأمور الخلائق معقودةٌ بقضائه وقدره، يصرفها كيف يشاء ويقضي فيها بما يريد، ولا رادّ لقضائه، ولا معقّب لحكمه، فما شاء كان كما شاء في الوقت الذي يشاء، على الوجه الذي يشاء من غير زيادة ولا نقصان، ولا تقدّم ولا تأخر، له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله النعمة والفضل،وله الثناء الحسن، شملت قدرته كلَّ شيء، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [51]، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [52]، ومن كان هذا شأنه فإنَّ الواجب الإسلامُ لألوهيته والاستسلام لعظمته، وتفويض الأمور كلِّها إليه، والتبرّؤُ من الحول والقوة إلاّ به، ولهذا تعبّد الله عباده بذكره بهذه الكلمة العظيمة التي هي باب عظيم من أبواب الجنة وكنز من كنوزها.
فهي كلمة عظيمةٌ تعني الإخلاص لله وحده بالاستعانة، كما أنَّ كلمة التوحيد لا إله إلاّ الله تعني الإخلاص لله بالعبادة، فلا تتحقق لا إله إلاّ الله إلاّ بإخلاص العبادة كلِّها لله، ولا تتحقق لا حول ولا قوة إلاّ بالله إلاّ بإخلاص الاستعانة كلِّها لله، وقد جمع الله بين هذين الأمرين في سورة الفاتحة أفضل سورة في القرآن، وذلك في قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالأوّل تبرّؤٌ من الشرك، والثاني تبرّؤٌ من الحول والقوّة، وتفويضٌ إلى الله عز وجل، والعبادة متعلّقة بألوهية الله سبحانه، والاستعانة متعلّقة بربوبيّته، العبادة غاية، والاستعانة وسيلة، فلا سبيل إلى تحقيق تلك الغاية العظيمة إلاّ بهذه الوسيلة: الاستعانة بالله الذي لا حول ولا قوة إلاّ به.
ويمكن أن نلخص الدلالات العقدية لهذه الكلمة العظيمة في النقاط التالية:
1 – أنَّها كلمة استعانة بالله العظيم، فحريٌّ بقائلها والمحافظ عليها أن يظفر بعون الله له وتوفيقه وتسديده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ((وقول " لا حول ولا قوة إلاّ بالله " يوجب الإعانةَ؛ ولهذا سنّها النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذّن: حيّ على الصلاة، فيقول المجيب: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، فإذا قال: حي على الفلاح، قال المجيب: لا حول ولا قوة إلاّ بالله.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال المؤمن لصاحبه: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [53] ولهذا يؤمر بهذا من يخاف العين على شيء، فقوله: ما شاء الله، تقديره: ما شاء الله كان، فلا يأمن؛ بل يؤمن بالقدر ويقول: لا قوّة إلاّ بالله، وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه المتفق عليه،أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"هي كنز من كنوز الجنة" والكنز مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع؛ وذلك أنَّها تتضمن التوكل والافتقار إلى الله تعالى.
ومعلوم أنَّه لا يكون شيء إلاّ بمشيئة الله وقدرته، وأنَّ الخلق ليس منهم شيء إلاّ ما أحدثه الله فيهم، فإذا انقطع طلب القلب للمعونة منهم وطلبها من الله فقد طلبها من خالقها الذي لا يأتي بها إلاّ هو، قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [54] وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [55] وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [56] وقال تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [57]
وقال صاحب يس: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [58] ولهذا يأمر الله بالتوكل عليه وحده في غير موضع، وفي الأثر: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده)) [59]
ولهذا ورد في السنة مشروعية قول هذه الكلمة عند خروج المسلم من منزله لقضاء أموره الدينية أو الدنيوية استعانةً بالله واعتماداً عليه، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قال – يعني إذا خرج من بيته – بسم الله، توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، يقال له: كفيت، ووقيت، وهديت، وتنحى عنه الشيطان، فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي " رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح. [60]
ولهذا أيضاً جعل بعض أهل العلم هذه الكلمة في مستهل ومفتتح مؤلفاتهم طلباً للإعانة من الله عز وجل كما في مقدمة صريح السنة للطبري، والأربعين في دلائل التوحيد للهروي، والصفات للدار قطني وغيرها.
2 - تضمنها الإقرار بربوبيّة الله وأنَّه وحده الخالق لهذا العالم، المدبّر لشؤونه، المتصرف فيه بحكمته ومشيئته، لا يقع شيءٌ في هذا العالم من حركة أو سكون، أو خفض أو رفع، أو عز أو ذل، أو عطاء أو منع إلاّ بإذنه، يفعل ما يشاء ولا يُمانع ولا يُغالب، بل قد قهر كلَّ شيء، ودان له كلُّ شيء، كما قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [61] وقال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [62] وقال تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [63]، فالقائل لتلك الكلمة مقرٌّ بهذا، مذعن به، معترف أنَّ أموره كلَّها بيد ربّه ومليكه وخالقه لا قدرة له على شيء ولا حول ولا قوة إلاّ بإذن ربّه ومولاه، وبتوفيق سيّده ومليكه، ولهذا إليه يلجأ، وبه يستعين، وعليه يعتمد في كلِّ أحواله وفي جميع شؤونه.
3 – تضمنها الإقرار بأسماء الله وصفاته، إذ القائل لهذه الكلمة ـ ولا بد ـ مقرٌّ بأنَّ المدعو المقصود الملتجأ إليه بهذه الكلمة غنيٌّ بذاته، وكلُّ ما سواه فقيرٌ إليه، قائم بذاته وكلُّ ما سواه لا يقوم إلاّ به، قديرٌ لذاته وكلُّ ما سواه عاجز لا قدرة له إلاّ بما أقدره، متصف بجميع صفات الكمال ونعوت العظمة والجلال، وكلُّ ما سواه ملازمه النقص، وليس الكمال المطلق إلاّ له سبحانه وتعالى، فلعظمة أسمائه وكمال نعوته وصفاته استحق أن يقصد وحده، وأن لا يلجأ إلاّ إليه.
(يُتْبَعُ)
(/)
4 – وفي هذا دلالةٌ وإشارة إلى التلازم بين التوحيد العلمي بقسميه: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، والتوحيد العملي الذي هو توحيد الألوهية.
فإنَّ العبد إذا أقرّ بربوبية الله وكماله في أسمائه وصفاته فإنَّ ذلك يستلزم أن لا يلجأ إلاّ إليه، ولا يقصد أحداً سواه، وإن لم يفعل ذلك فإنَّه لا يكون موحداً بمجرد إقراره بربوبيّة الله وإيمانه بأسماء الله وصفاته، فلو أقرّ بما يستحقه الرب تعالى من الصفات، ونزهه عن كلِّ ما ينزه عنه، وأقرّ بأنه وحده خالق كلِّ شيء لم يكن من أهل الإيمان والتوحيد ما لم يشهد أنَّه لا إله إلاّ الله، ويعمل بمقتضى ذلك فلا يعبد إلاّ إيّاه، ولا يتوكل إلاّ عليه، ولا يعمل إلاّ لأجله.
5 – تضمنها الإقرار بألوهية الله، وأنَّه وحده المعبود بحق ولا معبود بحق سواه، وذلك في قوله ((إلاّ بالله)).
والله معناه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين)) [64] وقد جمع رضي الله عنه في هذا التفسير بين ذكر الألوهية وهي الوصف المتعلق بالله من هذا الاسم فهو سبحانه المألوه المعبود المرجو المطاع الذي لا يستحق العبادة أحدٌ سواه، وبين وصف العبد وهو العبودية؛ إذ إنَّ عباد الله هم الذين يعبدونه ويألهونه ويقومون بطاعته وحده لا شريك له.
ثم إنَّ هذا الاسم مستلزمٌ لجميع أسماء الله الحسنى دالٌ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين له، ولهذا كان من خصائص هذا الاسم أنَّ الله جلّ وعلا يضيف سائر الأسماء إليه كقوله: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [65] ويقال: العزيز الحكيم الرحيم من أسماء الله، ولا يقال الله من أسماء الرحمن، فلهذا الاسم شأنه ومكانته وخصائصه.
قال ابن منده – رحمه الله -: ((فاسم الله معرفة ذاته، منع الله عز وجل خلْقَه أن يتسمّى به أحدٌ من خلقه، أو يدعى باسمه إله من دونه، جعله أوّلَ الإيمان، وعمود الإسلام، وكلمة الحق والإخلاص، ومخالفة الأضداد والإشراك فيه، يحتجز القائل من القتل، وبه تفتتح الفرائض وتنعقد الأيمان، ويستعاذ من الشيطان، وباسمه يفتتح ويختم الأشياء، تبارك اسمه ولا إله غيره)) [66]
6 – تضمنها الإيمان بقضاء الله وقدره، ولهذا ترجم لها الإمام البخاري في كتاب القدر من صحيحه بقوله: ((باب: لا حول ولا قوة إلاّ بالله))، ودلالة هذه الكلمة على الإيمان بالقدر ظاهرة؛ إذ فيه تسليم العبد واستسلامه وتبرّؤه من الحول والقوة، وأنَّ الأمورَ إنَّما تقع بقضاء الله وقدره.
قال ابن بطال: ((كان عليه [الصلاة و] السلام معلِّماً لأمته فلا يراهم على حالة من الخير إلاّ أحبّ لهم الزيادة، فأحبّ للذين رفعوا أصواتهم بكلمة الإخلاص والتكبير أن يضيفوا إليها التبرّي من الحول والقوّة فيجمعوا بين التوحيد والإيمان بالقدر)) [67]
7 – أنّ فيها معنى الدعاء الذي هو روح العبادة ولبُّها، وقد ذكر الإمام البخاري – رحمه الله – في كتاب الدعوات من صحيحه باباً بعنوان: ((باب قول لا حول ولا قوّة إلاّ بالله))، فهي من جملة الأدعية النبوية النافعة المشتملة على معاني الخير وجوامع الكلم.
8 – أنَّ فيها الإيمان بمشيئة الله النافذة، وأنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنّ مشيئة العبد تحت مشيئة الله، كما قال الله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [68] فلا قدرة للعبد على القيام بما يشاء من الخير وما يريده من المصالح إلاّ أن يشاء الله، قال الله تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [69]
9 – أنَّ فيها الإقرارَ من العبد بفقره واحتياجه إلى ربّه في جميع أحواله وكافة شؤونه، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [70]
وقد بيّن الله سبحانه في هذه الآية الكريمة أنّ فقر العباد إليه أمر ذاتي لهم لا ينفك عنهم، وهو ثابتٌ لهم لذواتهم وحقائقهم من كلِّ وجه، لا غنى لهم عن ربّهم وسيّدهم طرفة عين ولا أقلّ من ذلك.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال ابن القيم – رحمه الله -: ((اعلم أنَّ كلَّ حي – سوى الله – فهو فقيرٌ إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضرّه، والمنفعة للحيّ من جنس النعيم واللذّة، والمضرّة من جنس الألم والعذاب، فلا بد من أمرين: أحدهما هو المطلوب المقصود المحبوب الذي ينتفع به ويتلذذ به، والثاني هو المعين الموصل المحصل لذلك المقصود والمانع لحصول المكروه والدافع له بعد وقوعه.
فهاهنا أربعة أشياء: أمر محبوب مطلوب الوجود، والثاني أمر مكروه مطلوب العدم، والثالث الوسيلة إلى حصول المحبوب، والرابع الوسيلة إلى دفع المكروه، فهذه الأمور الأربعة ضرورية للعبد، بل ولكلِّ حي سوى الله، لا يقوم صلاحه إلاّ بها.
إذا عرف هذا فالله سبحانه هو المطلوب المعبود المحبوب وحده لا شريك له، وهو وحده المعين للعبد على حصول مطلوبه، فلا معبود سواه ولا معين على المطلوب غيره، وما سواه هو المكروه المطلوب بعده، وهو المعين على دفعه، فهو سبحانه الجامع للأمور الأربعة دون ما سواه، وهذا معنى قول العبد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فإنَّ هذه العبادة تتضمن المقصود المطلوب على أكمل الوجوه، والمستعان هو الذي يستعان به على حصول المطلوب ودفع المكروه، فالأوّل من مقتضى ألوهيّته، والثاني من مقتضى ربوبيّته)) [71]
10 - أهمية الارتباط بالله في جميع الأمور الدينية والدنيوية،وإذا صح هذا الأمر من العبد قوي يقينه وزاد إخلاصه وعظمت ثقته بالله،والمؤمن الصادق يصحبه هذا الأمر في كلِّ أحواله وجميع شؤونه، فهو في صلاته وصيامه وحجه وبره وغير ذلك من أمور دينه يطلب الحولَ والقوّة على تحقيق ذلك والقيام به وتتميمه من الله تعالى، وفي جلبه للرزق وطلبه للمباح وغير ذلك من أمور دنياه يطلب الحول والقوة على تحصيل ذلك ونيله من الله تبارك وتعالى، فهو معتمد على الله في جلب حوائجه وحظوظه الدنيوية ودفع مكروهاته ومصائبه، ومعتمد على الله في حصول ما يحبّه هو ويرضاه من الإيمان واليقين والصلاة والصيام والحج والجهاد والدعوة وغير ذلك.
11 – أنّ فيها رداًّ على القدريّة النفاة، الذين ينفون قدرة الله ويجعلون العبد هو الخالق لفعل نفسه دون أن يكون لله عليه قدرة، فقول العبد ((لا حول ولا قوّة إلاّ بالله)) فيه إثبات القدرة والمشيئة لله، وأنّ حول العبد وقوّته إنَّما يكون بالله، ولهذا كانت هذه الكلمة متضمنةً الردّ على القدريّة النافين لذلك.
قال ابن بطال: ((هذا بابٌ جليل في الردّ على القدرية؛ وذلك أنَّ معنى لا حول ولا قوة إلاّ بالله أي: يخلق الله له الحول والقوّة وهي القدرة على فعله للطاعة أو المعصية كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنَّ الباري تعالى خالق لحول العبد وقدرته على مقدوره، وإذا كان خالقاً للقدرة فلا شك أنَّه خالق للشيء المقدور)) [72]
12 – أنَّ فيها رداًّ على الجبرية النافين لمشيئة العبد وقدرته القائلين بأنَّ الإنسان مجبور على فعل نفسه، وأنَّه كالورقة في مهب الريح لا حول له ولا قدرة، فقول ((لا حول ولا قوّة إلاّ بالله)) متضمنٌ إبطال ذلك وتكذيبه، وذلك لتضمنها إثبات القوّة والحول للعبد، وأنَّ ذلك إنَّما يقع له بمشيئة الله وقدرته {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [73] [.
فهذه بعض دلالات هذه الكلمة العظيمة، وشيء من معانيها الجليلة الدالة على رفعة مكانتها وعظم شأنها وكثرة فوائدها وعوائدها والله تعالى أعلم.
[ COLOR=#ff0000] المبحث الرابع: في التنبيه على بعض المفاهيم الخاطئة حول ((لا حول ولا قوّة إلاّ بالله))
مر معنا في المباحث السابقة معنى هذه الكلمة العظيمة وشيء من فضائلها، وذكر جملة من دلائلها العقدية، وسيكون الحديث في هذا المبحث عن ذكر بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بهذه الكلمة سواء في لفظها أو في معناها.
1 – فمن ذلك أنَّ من الناس من يخطئ في استعمال هذه الكلمة فيجعلها كلمة استرجاع ولا يفهم منها معنى الاستعانة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ((وذلك أنّ هذه الكلمة (أي: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله) هي كلمة استعانة لا كلمة استرجاع، وكثيرٌ من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعاً لا صبراً)) [74].
(يُتْبَعُ)
(/)
2– ومن ذلك ما حكاه بعض أهل اللغة أنّه يقال فيها ((لا حيل ولا قوّة إلاّ بالله)) [75].
قال النووي – رحمه الله: ((وحكى الجوهري لغةً غريبة ضعيفة أنَّه يقال لا حيل ولا قوّة إلاّ بالله بالياء،وقال الحيل والحول بمعنى)) [76].
3 – ومن ذلك اختصار بعض العوام لها عند نطقها بقولهم ((لا حول الله))، وهذا من الاختصار المخلِّ، مع ما فيه من الغفلة عن كمال الأذكار الشرعية في مبانيها ومعانيها.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عن ذلك فقال: ((كأنّهم يريدون ((لا حول ولا قوّة إلاّ بالله)) فيكون الخطأ فيها في التعبير، والواجب أن تعدل على الوجه الذي يراد بها فيقال ((لا حول ولا قوّة إلاّ بالله)) [77].
4 – ومن ذلك تحريف معناها عن غير وجهه وصرف دلالاتها عن مقصودها بالتأويلات البعيدة والتحريفات الباطلة، كقول يحيى بن ربيع الأشعري ((فإنَّها – أي كلمة لا حول ولا قوّة إلاّ بالله – توقف على كلِّ جهة ما يليق بها، وتجعل للعبد قدرة كسبية حالية، وتجعل الإسناد للرب سبحانه وتعالى عن كلِّ شريك في ذاته وصفاته وأفعاله، وتثبت الاقتدار من العبد، وتثبت أحوالاً بلا واسطة وقدرة في جبر، وهذا من الحُكْم العجيب جاءهم ليوافق قوله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله على نصّها من غير تأويل)) [78].
قلت: بل هو عين التأويل الباطل، حيث جعل هذه الكلمة دالة على قول الأشاعرة بأنَّ العبد له قدرة غير مؤثرة يسمونها الكسب، ومحصل ذلك تقرير قول الجبرية القائلين بنفي القدرة عن العبد؛ إذ لا فرق بين من يثبت للعبد قدرة غير مؤثرة، وبين من ينفي قدرته أصلاً، ولهذا صرح هنا بأنَّها ((قدرة في جبر)) لأنَّها قدرة غير مؤثرة، وغاية ذلك أنَّ العبد مجبور على فعل نفسه كقول الجهمية سواء، والله أعلم.
وختاماً فإني أحمد الله الكريم على ما منّ به ويسر من إعداد هذا البحث، وأسأله سبحانه أن يتقبله بقبول حسن، وأن يجعله نافعاً لعباده، إنَّه جوّاد كريم، وهو سبحانه أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
________________
[1] سورة الأحزاب، الآيات (41 - 44).
[2] سورة الأحزاب، الآية (35
[3] سنن الترمذي (رقم: 3377)، سنن ابن ماجه (3790)، والمستدرك (1/ 496)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم: 2629).
[4] صحيح مسلم (رقم: 2676).
[5] صحيح البخاري (رقم: 6407).
[6] رواه البخاري (رقم: 7563).
[7] مجموع الفتاوى (12/ 525).
[8] الفوائد (ص: 247).
[9] كشف الظنون (2/ 1040)
[10] التطبيق الصرفي للدكتور عبده الراجحي (ص: 29). وانظر للاستزادة: المبدع في التصريف لأبي حيان (ص: 101)، المغني في تصريف الأفعال لمحمد عبد الخالق عضيمة (ص: 107)، تصريف الأفعال ومقدمة الصرف لعبد الحميد عنتر (ص: 127).
[11] شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 27).
[12] المصدر السابق (4/ 87) ونقله الشوكاني في نيل الأوطار (2/ 38).
[13] انظر: تهذيب اللغة (3/ 373)، و (13/ 156).
[14] انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 121)، ومجمل اللغة (1/ 258) كلاهما لابن فارس.
[15] انظر: معجم مقاييس اللغة (5/ 36)،ومجمل اللغة (3/ 736)، والقاموس المحيط للفيروز ابادي (ص: 171).
[16] أورده السيوطي في الدر المنثور (5/ 393).
[17] ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (13/ 26).
[18] ذكره ابن علان في الفتوحات الربانية (1/ 242).
[19] أورده السيوطي في الدر المنثور (5/ 394).
[20] تهذيب اللغة للأزهري (5/ 243).
[21] ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 26).
[22] المصدر السابق (17/ 27).
[23] انظر: شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 395) وتفسير القرطبي (3/ 174) وشرح صحيح مسلم للنووي (4/ 87) و (17/ 25).
[24] متن الألفية (ص: 21).
[25] انظر: مفتاح العلوم للسكاكي (ص: 289).
[26] منظومة الجوهر المكنون في علم البلاغة للأخضري (ص: 29).
[27] المسند (2/ 158، 210)، وسنن الترمذي (رقم: 346)، ومستدرك الحاكم (1/ 503). قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في صحيح الجامع (رقم:5636): ((صحيح)).
(يُتْبَعُ)
(/)
[28] سنن أبي داود (رقم: 832)، وسنن النسائي (2/ 143)، وسنن الدارقطني (1/ 313 - 314).وقال الألباني في صحيح أبي داود (1/ 157): ((سنده حسن)).
[29] سورة الكهف، الآية (46).
[30] المسند (3/ 75)، وصحيح ابن حبان (الإحسان) (رقم: 840)، والمستدرك (1/ 512).
[31] انظر: تقريب التهذيب (310).
[32] المسند (1/ 71).
[33] تفسير الطبري (15/ 255).
[34] المصدر السابق (15/ 254).
[35] المصدر السابق (15/ 256).
[36] المصدر السابق مع الجزء والصفحة نفسها.
[37] صحيح البخاري (رقم:4205، 6384)، وصحيح مسلم (رقم: 2704).
[38] فتح الباري (11/ 501)
[39] فتح الباري (11/ 501).
[40] شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 26).
[41] نقله ابن علان في الفتوحات الربانية (1/ 238).
[42] المسند (5/ 418)، وصحيح ابن حبان (الإحسان) (رقم:821).
[43] المسند (2/ 333)، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (رقم: 1528).
[44] المسند (3/ 422)، والمستدرك (4/ 290)، وانظر: الصحيحة (4/ 35 – 37).
[45] سنن الترمذي (رقم:3430)، وسنن ابن ماجه (رقم: 3794)، وصحيح ابن حبان (رقم:851)، ومستدرك الحاكم (1/ 5)، والسلسلة الصحيحة (رقم: 1390).
[46] الوابل الصيب (ص: 160)
[47] انظر: فضل لا حول ولا قوة إلاّ بالله لابن عبد الهادي (ص:39 40).
[48] تقدم تخريجه.
[49] فضل لا حول ولا قوة إلاّ بالله لابن عبد الهادي (ص:35).
[50] رواه رزين كما في مشكاة المصابيح للتبريزي (2/ 718).
[51] سورة يس، الآية (82).
[52] سورة فاطر، الآية (2).
[53] سورة الكهف، الآية (39).
[54] سورة فاطر، الآية (2).
[55] سورة يونس، الآية (107).
[56] سورة الأنعام، الآية (17).
[57] سورة الزمر، الآية (38).
[58] سورة يس، الآيتان (23 - 24).
[59] مجموع الفتاوى (13/ 321 - 322).
[60] أبو داود (رقم: 5095) والترمذي (رقم:3426) وصححه الألباني في تحقيقه للكلم الطيب لابن تيمية (ص: 49).
[61] سورة الأعراف، الآية (54).
[62] سورة فاطر، الآية (2).
[63] سورة يونس، الآية (3).
[64] رواه ابن جرير في تفسيره (1/ 54).
[65] سورة الأعراف، الآية (180).
[66] التوحيد لابن منده (2/ 21).
[67] فتح الباري (11/ 501).
[68] سورة التكوير، الآيتان (28 – 29).
[69] سورة الكهف، الآية (39).
[70] سورة فاطر، الآية (15).
[71] طريق الهجرتين لابن القيم (ص:53).
[72] نقله ابن علان في الفتوحات الربانية (1/ 242 - 243).
[73] سورة التكوير، الآيتان (28 29.
[74] الاستقامة (2/ 81).
[75] انظر: تهذيب اللغة للأزهري (5/ 244)، والصحاح للجوهري (4/ 1682)
[76] شرح صحيح مسلم للنووي (4/ 87)
[77] مجموع فتاواه ورسائله رحمه الله، جمع فهد السلمان (ص: 129).
[78] الفتوحات الربانية (1/ 242).
______________________________ __________________
مجلة الجامعة الإسلامية العدد 117
________________(/)
احذروا بدع شهر رجب الحرام
ـ[سمير عبد الخالق]ــــــــ[08 - Jul-2009, صباحاً 07:58]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
الحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة على خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنته الى يوم الدين وبعد
يقول المولى تبارك وتعالى في محكم تنزيله الكريم في سورة التوبة 36:
إنَّ عدَّةَ الشُّهورِ عند الله اثنا عَشَرَ شهراً في كتاب الله يوم خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ منها أربْعة حُرُمٌ ذلك الدِّين القَيِّم فلا تظْلِمُوا فيهنَّ أَنْفُسَكمْ
كما هو معلوم السنة عند الله عزوجل اثني عشر شهرا, ويقصد بالأشهر هنا: الأشهر القمرية أو الهجرية, وليست الشمسية, , ويطيب لي أن أسردها لمن لا يحفظها, فهي على التوالي: المحرم , صفر , ربيع الأول , ربيع الثاني , جمادى الأولى , جمادى الثانية , رجب , شعبان , رمضان , شوال , ذو القعدة, وذو الحجة
وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهم: اختصَّ الله أربعة أشهر منها جعلهنّ حُرُماً وعظَّم حُرُماتهنّ، وجعل الذَّنب فيهنّ أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم.
والأشهر الحرم وردت في الصحيحين من أبي بكرة رضي الله عنه , أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال: إنَّ الزَّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حُرُمٌ، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجَّة، والمحرَّم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان
وفي تسمية هذه الأشهر الأربعة بالأشهر الحرم هناك قولان
الأول: لعظمها وعظم حرمتها, وحرمة الذنب فيها
والثاني: لتحريم القتال فيها
ولتسمية شهر رجب رجبا أيضا قولان:
الأول: لأنه كان يُعظَّم، وقالوا: رَجَبَ فلانٌ مولاه، أي عظَّمه
والثاني: لأنَّ الملائكة تترجَّب للتَّسبيح والتَّحميد فيه
بدع رجب المنكرة
ومن العجيب أنَّ الناس قد أحدثوا في شهر رجب بدعاً كثيرةً لم ينزل الله بها من سلطان، وهذه البدع التي سأذكرها نبَّه عليها أئمة الإسلام وعلماؤه قديما وحديثا، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيِّم، والشاطبي، والاألباني وابن باز وابن العيثنين وابن حجر رحمهم الله تعالى رحمة واسعة.
من هذه البدع على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: الصلاة وهي عند المبتدعين في الدين على أنواع ثلاثة:
* الصلاة الألفية: وهذه الصلاة يصلونها في اليوم الأول من شهر رجب.
* صلاة أُمِّ داود: وهذه الصلاة يصلونها في منتصف شهر رجب.
* صلاة الرَّغائب او الاثني عشرية: وهذه الصلاة عبارة عن اثني عشر ركعة يصلونها في أول ليلة جمعة من شهررجب ما بين صلاتي المغرب والعشاء أو بعد العشاء، وهذه الصلاة تصلى ركعتين ركعتين كتروايح رمضان , غير أنها تتيبع قراءة مخصوصة: يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب , وسورة القدر ثلاث مرات, وقل هو الله أحد اثتي عشرة مرة, وهذه الصلاة محدثة أُحدثت بعد القرن الرابع هجري.
ثانياً: الصيام, والمبتدعين فيه على أصناف:
* فمنهم من يحرص على صيام اليوم الأول والثاني والثالث منه، وقد أخذوا هذا الصيام من الأحاديث الموضوعة التالية:
من صام ثلاثة أيام من شهرٍ حرامٍ الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة
صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين، والثاني كفارة سنتين، ثم كلّ يوم شهراً
رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أُمَّتي
وكلُّ هذه الأحاديث موضوعة لم يثتبت صحتها عند أهل العلم.
*ومنهم من يصوم اليوم السابع منه فقط، ويُصلِّي صلاة الرَّغائب في تلك الليلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والصواب الذي عليه المحقِّقون من أهل العلم النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم، وعن الصلاة المحدثة، وعن كلَّ ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة، وإظهار الزينة ونحو ذلك.
* ومنهم من يصوم الشهر كلَّه. قال ابن رجب رحمه الله: وأما الصِّيام فلم يصحّ في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وجاء عن السَّلف أنهم كانوا ينهون عن صيام رجب كاملاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
فقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب أكفَّ الرِّجال في صوم رجب حتى يضعونها في الطعام , ويقول: ما رجب؟! إنَّ رجباً كان يُعظِّمه أهل الجاهلية، فلما كان الإسلام تُرِكَ ........ وفي رواية: كره أن يكون صيامه سُنَّة.
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينهى عن صيام رجب كلِّه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أنه رأى أهله يتهيأون لصيام رجب، فقال لهم: أجعلتم رجب كرمضان! وألقى السِّلال، وكسر الكِيزان.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرى أن يفطر منه أياماً، وكرهه أنس بن مالك وسعيد بن جبير وغيرهم رضي الله عنهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه معيَّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحُجَّة.
ثالثاً: زيارة قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر, على أنّ زيارته مشروعة في أي يوم وأي شهر وأي سنة , وليست زيارته مخصوصة بشهر معين ولا بيوم معين, ولكن تخصيصها بهذا الشهر لهو من البدع التي لم يرد عليها دليل، فتخصيص عبادة بوقت لم يُوقِّته الله عزوجل ولا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , لهو من البدع المحرَّمة؛ فلنتنبَّه ولنحذر.
رابعاً: الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين منه، وقراءة قصة المعراج، وإطعام الأطعمة والولائم, وهذا من البدع المنكرة , والاحتفال بدعة لا يجوز, وذلك لعدة وجوه:
الأول: أنَّ أهل العلم مختلفون في تحديد تاريخ وقوع هذه الحادثة العظيمة اختلافاً كبيراً، ولم يقم دليل على تعيين ليلته التي وقع فيها، ولا على الشهر الذي وقع فيه.
الثاني: لو ثبت تعيين تلك الليلة لم يجزْ لنا أن نحتفل فيها، ولا أنْ نُخصِّصها بشيء لم يشرعه الله ولا رسوله.
الثالث: أنه يحصل في تلك الليلة وذلك الاحتفال أمورٌ منكرة. قال بعض أهل العلم: وقد تفنَّن الناس بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرةً، كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشُّموع والمصابيح فيها.
وأختم البحث ببيان بدع رجب المنكرة , لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي المملكة العربية السعودية سابقا, رحمه الله رحمة واسعة:
وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأتِ في الأحاديث الصحيحة تعيينها، لا في رجب ولا في غيره، وكلُّ ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث , ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجزْ للمسلمين أن يخصُّوها بشيء من العبادات، ولم يجزْ لهم أن يحتفلوا بها؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصُّوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبيَّنه الرَّسول صلى الله عليه وسلم للأُمّة، اما قولا أو فعلا, ولو وقع شيء من ذلك لعُرفَ واشتهر، ولَنَقَلهُ الصحابة رضي الله عنهم إلينا، فقد نقلوا عن نبيِّهم صلى الله عليه وسلم كلَّ شيء تحتاجه الأُمّة، ولم يُفرِّطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كلِّ خير، ولو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لسبقونا اليه.
وهذا ما وفقنا الله عزوجل اليه في حصر بدع شهر رجب, وفقنا الله واياكم لما يحبُّ ويرضى وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة, وصلى الله وسلم وبارك على علم الهدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه, وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.(/)
قواعد مهمة لمن أراد نقاش المخالفين لدعوة الشيخ محمد - رحمه الله
ـ[أبو عبد الأكرم الجزائري]ــــــــ[08 - Jul-2009, مساء 02:49]ـ
http://www.wahabih.com/185.htm هذا رابط المقال وهو مهم جدا خاصة في هذا الزمن الذي كثر فيه اعداء الأسلام الصحيح من اهل الأهواء والبدع واهل الألحاد والكفر
ـ[أبو علي الذهيبي]ــــــــ[09 - Jul-2009, صباحاً 12:37]ـ
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=3029&highlight=%DE%E6%C7%DA%CF+%E3% E5%E3%C9+%C3%D1%C7%CF+%E4%DE%C 7%D4
ـ[ابن شهاب الزهري]ــــــــ[09 - Jul-2009, صباحاً 03:30]ـ
في هذا الزمن الذي كثر فيه اعداء الأسلام الصحيح من اهل الأهواء والبدع واهل الألحاد والكفر
ما هذا الغلو
ليس كل من تكلم في الشيخ هو من هؤلاء(/)
يا أهل السنة ... من يتصدى لهؤلاء ..
ـ[صارم الجزيرة]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 01:11]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أيها الأخوة الشرفاء ... أحييكم تحية من أعماق فؤادي وأسأل الله لكم التوفيق والسداد ..
يا أيها الأخوة ... ما بالنا نحن أهل السنة والجماعة صرنا بهذا الضعف نرى الباطل باطلاً ولا نرمي إليه سهامنا حتى نغلبه ونرغم أنفه ...
فإذا جاز اشتغال أهل الباطل في باطلهم مع معرفتنا ببطلان ما يذهبون إليه، فلم لا يجوز لنا أن نتحد جميعاً في محاربة أمثال هؤلاء المبتدعة والخارجون على نطاق الحق والحقيقة ...
يا أيها الأخوة: غيرتي على منهج أهل السنة من التميع جعلني أكتب لكم هذه الكلمات ... من يريد معرفة الحقيقة فليدخل كثيراً من المواقع التي يتبناها فكر الأشاعرة وغيرهم ممن صار منهجهم الحط من قدر علماء سلف الأمة، وتمميع مسائل العقيدة وجعلها من الأمور السائغة التي لا بأس من الخلاف فيها ولاحرج من الأخذ بأحد الأقوال حتى لو كان هذا سببا من أسباب الوقوع في الشركيات بل والكفريات والعياذ بالله.
أتمنى أيها الأخوة وليس كل الأخوة بل المتأصلين علمياً القادرين على الرد والإجابة عن شبه أهل البدع زيارة هذا الموقع ومحاولة أن يدلي بدلوة حتى لا يصير لأمثال هؤلاء شأواً فيتعالون ويهرفون بما لا يعرفون ....
الموقع هو: ######
ومعذرة أيها الأخوة إن كان هناك قسوة في كلامي ولكنها الحمية على دين والله والحق والسلام.
ـ[محب الشيخين]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 01:49]ـ
الله المستعان، ويا أخي أوصيك بوصية من أخيك الصغير تقبلها لا تدخل لمزابلهم وأبعد عن نفسك الشبه وكن قريبآ من أهل العلم بارك الله فيك "
ـ[أسامة شبل السنة]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 04:56]ـ
اخي الكريم إياك وهذه المواقع فإنك إذا دخلت إليها بقلب سليم خرجت منها بقلب مشوش فهم إنما وضعوا هذه المواقع
ليشككوا في عقيدة اهل الصلاح بنضريات فلسفية وطلاسم يونانية فهم ياخذون عقيدتهم من أقوال أرسطو وأفلاطون
وأني لاأوكل نفسي للردعليهم فما أنا إلا طالب علم ولاكن هناك من هم اهل لذالك ممن تخصصوا في رد الشبهات و ممن هم متمكنون في عقيدتهم فاهمون لاقوال السلف وآثارهم فهم اولا بهم بل ومنهم اعلم بعقائدهم من انفسهم ممن سبق وممن هم حاضرون وستمسك بوصية اخيك المحب فهي خير لك وعسى ان يهدينا الله جميعا إلى طريق الهدى والخير و الصلاح
ـ[ابن أبي الخير]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 06:25]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوتي الكرام،أرى انه يجب ان نفرق في هذه المسألة مع هؤلاء بين أمرين:
هو أن هؤلاء اتخذوا آراء الآشاعرة و الماتريدية وغيرهم مما ينسب لمدرسة الخلف، على علات هذا التسمية التي أعتقد أنها تحتاج إلى تحرير علمي، قلت اتخذوا آراء هؤولاء لتغطية عيبهم الرئيس ألا وهو التصوف وبصورته المقيتة ونسبوا أنفسهم إلى خيار الأمة وهم الفقهاء مدعين النسبة إلى المذاهب الفقهية الأربعة التي استقرت الأمة على قبول أقوالهم.
-أن الأمة في بعض فتراتها غلب عليها التصوف و صار علما خاصة بعد القرن الثامن او السابع قبله من الصعب تدقيق مثل هذه المسائل، و لقد انكر حتى بعض منتسيبه هذه الانحرافات الخطيرة.
و لهذا فلا نخلط أكان مظهر القبورية نتيجة الأصل العقدي و آراؤه في مسائل الأسماء و الصفات أم كان نتيجة الأصل العملي التعبدي و انحرافاته في مسائل القربة و الدعاء، لذا فإذا اتيت و بدات تناقشهم في مسائل المذهبية الفقهية و مسائل العقيدة - الأشاعرة و الماتردية- فلن تخرج أبدا بحل و لن ترد شبههم، و إذا ناظرتهم في باب السلوك و أصوله العلمية المعتبرة عندهم وسعيت إلى تبيان مدى صلتها للأصول العلمية عند الفقهاء، فأرى أنه هنا يمكنك ان تصل إلى نتيجة في مناظرتك و إن لم ترد شبههم في أحسن الأحوال قد يزداد يقينك بما تعتقد
ـ[العاصمي من الجزائر]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 06:29]ـ
قد يفيدك هذا الرابط الذي أفادنيه أحد الاخوة
http://ahlalhdeeth.cc/vb/showthread.php?p=915219
ـ[صارم الجزيرة]ــــــــ[10 - Jul-2009, صباحاً 08:58]ـ
جزاكم الله خيراًَ وسدد الله خطاكم على طريق الخير، وأشكركم على نصحكم غاية الشكر، لكن لتعلموا أيها الأخوة أن الاستسلام لمثل هذه الأفكار وفتح الباب على مصراعية دون رادع له أثره البالغ، فالقوم لديهم من الأساليب ما يجعل من أفكارهم تسود وتنتشر بسرعة هائلة والواقع شاهد على ذلك.
ولكن أين طلبة العلم البارعين في هذا المجال ... لماذا لا تقوم لنا قائمة في تنظيم الرد على أمثال هؤلاء شبهة شبهة حتى نفيد ونستفيد ونقمع دابر هؤلاء ....
تعرض بعدها على عدد من المشائخ ليزيدها نوراً وبرهاناَ، وبعدها ننشرها في الآفاق بعون الله، ترون ياإخون الموضوع صار أكبر من مسألة خلافات فقهية أو اجتهادات أصولية، الأمر صار دعوة إلى ما يدعوا إلى الشرك في عبادة الله .. فهل واجبنا أن نسكت .... ؟؟؟ بالله عليكم أجيبوا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[العاصمي من الجزائر]ــــــــ[10 - Jul-2009, صباحاً 09:21]ـ
بل الواجب هو الرد والتصدي ودحض الشبهات وقمع المعاندين فالأمر أصبح مقلقا فعلا .. ولا أقل من أن يتفرغ بعض طلاب العلم الأقوياء لتتبع ما يعرض في تلك المواقع وتحرير ردود مخرسة حولها فقد أضحت فتنة للعوام وصغار الطلبة عصمني الله وإياك من الزلل
ـ[صارم الجزيرة]ــــــــ[10 - Jul-2009, صباحاً 10:28]ـ
بيض الله وجهك أخي وكثر الله من أمثالك ... لنسعى في هذا الخير ..
ـ[ابن أبي الخير]ــــــــ[10 - Jul-2009, مساء 02:04]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني لا تنسوا من فضلكم أن هناك أسابا موضوعية -إن صح اللفظ-لاستقواء المخالف وعل منها:
-الأحداث الجسام بعد ما يسمى بـ:11سبتمبر، واتخاذها بعضهم سبيلا للصد عن الدعوة إلى الله و خاصة ما نسميه بالسلفية,
-نتيجة السابق: سعي النصارى و البروتستانت منهم لإحياء التصوف ومدارسه، يمكن للبعض إجراء دراسة مفيدة في هذا الباب حول مدى استفادة المتصوفة من هذه الأحداث وعلاقاتهم بالدوائر الماكرة في الغرب، وهذا بحث لعمري جيد لمن يتصدى له.
- السلبيات التي تعتري بعض المتدينين و الخطباء، عبر إقحام قراءاتهم للنصوص الشرعية،دون إعمال الاعتبارت العلمية المؤهلة، اقحاهمها أقول في نوازل العصر، أو اشغال الناس بمسائل لا تتداول لدى العامة وما قصة بعض الخطباء حول مفهوم البدعة عنا ببعيد، وزيادة على كل هذا طامة الطوام ألا وهو محاولة إلغاء التراث الفقهي الهائل عبر عدة طرق، ليس موضوعها بل يحتاج هذا لبحث منفرد.
لكن بالتجربة العامةُ تكره الغرب لما عاناه الناس منهم في الاستعمار، وتكره ذوي السلطان للفساد المنتشر و الظلم، و إذا و جد الباحث الخط الذي يربط بين هؤلاء وهؤلاء وهو هذا وليس من باب بخس الناس أشياءهم لأمكن تبيان عوار هؤلاء " السياسي" فضلا عن الأخلاقي و التعبدي.(/)
ما صحة هذه الفتاوى المنسوبة الى المشائخ ابن باز وابن عثيمين والالباني رحمهم الله؟
ـ[حفيد صلاح الدين]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 05:58]ـ
اخواني الاكارم سلام الله عليكم ورحمته وبركاته:في مكان ما في بلاد الاسلام المقسمة ينشغل بعض المحسوبين على الاسلام بحملتهم الانتخابية والدخول في البرلمانات الشركية اعاذنا الله منها .. والاسوأ من ذلك انغماس بعض هؤلآء في تحالف خبيث مع احزاب علمانية مرتدة في غاية الكفر والالحاد"كالحزب الاشتراكي الديمقراطي- والاحزاب الشيوعية" بحجة مصلحة الدعوة .. زعموا.! مع العلم ان هؤلاء الظلمة يستندون الى اقوال وفتاوى منسوبة الى الشيوخ الافاضل بن باز وابن عثيمين والالباني رحمهم الله رحمة واسعة .. فالمطلوب من السادة اخواني واساتذتي اسعافنا بحقيقة هذه الاقوال المنسوبة ومن ثم حقيقة هذه التحالفات الخبيثة في نظر الشرع .. واعلموا ايها الاخوة ان المسئولية عظيمة وها نحن نستنصركم ونستنصحكم من اجل تبصير المسلمين وانقاذهم من تلك المهالك والمزالق العظام .. جزاكم الله خيرا
ـ[العاصمي من الجزائر]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 06:38]ـ
أخي الكريم: فتوى الشيخ ابن عثيمين موجودة على موقعه وهي فتوى خاصة لواقع معين وليست منهجا عاما وهي متعلقة بالمشاركة لا بالتحالف والله أعلم
ـ[حفيد صلاح الدين]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 07:15]ـ
احسنت اخي العزيز .. حبذا لو تكرمت بنقل الفتوى هنا نصا لانني لم اعثر عليها في الموقع ..
والشيء الثاني الذي اطلبه منك ومن كل فاضل اخر ان يسعفنا بما يستطيع من الادلة واقوال العلماء المعاصرين وغيرهم حول منع تلك التحالفات الكفرية .. وجزاكم الله خيرا
ـ[العاصمي من الجزائر]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 07:30]ـ
هذا هو الرابط أي الفاضل:
http://www.ibnothaimeen.com/all/sound/article_16230.shtml
ـ[جمال البليدي]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 11:33]ـ
(بالنسبة لفتوى هؤلاء العلماء فهي مقيدة بضوابط شرعية, ومنها: تحقيق المصلحة الكبرى, أو دفع المفسدة الكبرى بارتكاب الصغرى, مع بقية ضوابط هذه القاعدة, ولكن دعاة "الانتخابات" لم يراعوا هذه الضوابط) نقلا عن كتاب تنوير الظلمات بكشف مفاسد الإنتخابات للشيخ عبد الله الإمام بتقديم الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله.
وقد ذكر الشيخ بعدها شروط هذه القاعدة وبعض ضوابطها إن شئت أنقلها لك.
ـ[حفيد صلاح الدين]ــــــــ[10 - Jul-2009, صباحاً 12:36]ـ
الاخ العاصمي احسنت وجزاك الله خيرا ..
الاخ جمال شكرا على اهتمامك وارجو ان لا تبخل علينا باي شيء بارك الله فيك ..
ولا ادري والله اي مصلحة اكبر من التوحيد.؟ واي مفسدة هي اكبر من الشرك.!! الدخول في تلك المجالس الشركية هو بحد ذاته من نواقض التوحيد ..
ـ[غالب الساقي]ــــــــ[10 - Jul-2009, صباحاً 12:44]ـ
رأي الشيخ الألباني جواز انتخاب الأصلح وعدم جواز الترشيح
ـ[حفيد صلاح الدين]ــــــــ[11 - Jul-2009, صباحاً 08:34]ـ
الاستاذ جمال البليدي وفقك الله انتظر نقولاتك الطيبة وجزيت خيرا .. الفاضل غالب الساقي حفظك الله: على اي شيء بنى الشيخ الالباني رحمه الله اختياره ذاك؟ وما هو المستند والدليل.؟ حتى لا نكون من المقلدين .. ! وما وجه التفريق.؟ وهل يقول الشيخ رحمه الله بإعمال "مراعاة المصلحة والمفسدة" في التوحيد.؟ أرجو إفادتي وجزاك الله خيرا .. !
ـ[ابوالبراء]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 05:10]ـ
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=6616
ـ[ابو ربا]ــــــــ[02 - Sep-2009, صباحاً 10:37]ـ
اخي حفيد صلاح الدين حفظك الله صور لنا المسألة حتى ننقل لك اقوال العلماء فيها(/)
سؤال عن كتاب تسهيل العقيدة الإسلامية للدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين؟
ـ[محب المواريث]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 08:06]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة أعضاء المنتدى المبار ك أريد أن أسألكم (مارأيكم في كتاب تسهيل العقيدة الاسلامية
للدكتور: عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين من اقتناه أو له معرفة بهذا الكتاب فما رأيه فيه؟)
ـ[جمال سعدي]ــــــــ[09 - Jul-2009, مساء 08:11]ـ
http://www.mediafire.com/?ehxzhndqwlo
ـ[شعيب عتيق]ــــــــ[10 - Jul-2009, مساء 05:55]ـ
الأخ الكريم
الكتاب من الكتب النافعه في العقيدة وقد قرأته مرات، الكتاب مبسط ومدعم بالأدلة، وقد رأيت الكتاب في متناول أحد المشايخ وأوصاني به.
وقد ترجم الكتاب إلى عدة لغات بعد اختصاره.
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[10 - Jul-2009, مساء 09:20]ـ
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الجبرين استاذ بكلية المعلمين بالرياض قسم الدراسات الاسلامية
وله عدة مؤلفات اخرها شرح لعمدة الفقة لابن قدامة وقد قرّض هذا الكتاب الشيخ العلامة
عبد الله بن جبرين والشيخ العلامة عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية.
ـ[شهاب الدين السعدي]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 12:18]ـ
قام شيخنا مصطفى بن العدوي - حفظه الله - بتحقيق المختصر - تهذيب تسهيل العقيدة - وطبعه وهو يقوم بتوزيعه مجاناً كما أنه جعله منهج العقيدة للطلبة الصغار (المتوسط والثانوي) في الدورة التي تعقد في مسجده صيفياً
ـ[أنس ع ح]ــــــــ[13 - Jul-2009, مساء 05:43]ـ
نسأل الله أن يتغمده برحمته
وأن يجزيه عن المسلمين خير الجزاء
وأن يجعله مع السفرة الكرام البررة في الفردوس الأعلى من الجنة
إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
ـ[أبو أحمد العنزي]ــــــــ[13 - Jul-2009, مساء 11:09]ـ
نسأل الله أن يتغمده برحمته
وأن يجزيه عن المسلمين خير الجزاء
وأن يجعله مع السفرة الكرام البررة في الفردوس الأعلى من الجنة
إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
الذي توفي هو الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين ... وليس صاحب الكتاب الذي هو عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين.
غفر الله لشيخنا العلاّمة ابن جبرين ..
ـ[أنس ع ح]ــــــــ[14 - Jul-2009, صباحاً 11:54]ـ
الذي توفي هو الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين ... وليس صاحب الكتاب الذي هو عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين.
غفر الله لشيخنا العلاّمة ابن جبرين ..
نعم هذا صحيح جزاك ربي خيراً
ـ[ابن عبد الله الغريب]ــــــــ[11 - Jul-2010, مساء 06:38]ـ
نعم إنه من الكتب الجميلة جدا في الطرح فهو سهل العبارة، كثير الأدلة،
رحم الله مؤلفه
ـ[محمد بن سعود]ــــــــ[11 - Jul-2010, مساء 10:26]ـ
والمؤلف من المتمكنين في العلم، وتشهد مؤلفاته وبحوثه بعلو كعبه واقتداره.
وهو الآن عضو في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، زرته قبل أسابيع.
ـ[ابن عبد الله الغريب]ــــــــ[14 - Jul-2010, صباحاً 12:58]ـ
والمؤلف من المتمكنين في العلم، وتشهد مؤلفاته وبحوثه بعلو كعبه واقتداره.
وهو الآن عضو في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، زرته قبل أسابيع.
أخي الكريم الشيخ عبد الله بن جبرين توفي منذ سنة تقريبا
أظنك تقصد شيخا آخرا
ـ[أنس ع ح]ــــــــ[14 - Jul-2010, صباحاً 08:23]ـ
أخي الكريم الشيخ عبد الله بن جبرين توفي منذ سنة تقريبا
أظنك تقصد شيخا آخرا
انظر للمشاركة رقم 8
ـ[رودريقو البرازيلي]ــــــــ[14 - Jul-2010, صباحاً 08:35]ـ
انظر مشاركة رقم 8 ..
فرق بين الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز
و بين الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن - رحمه الله
كلاهما الجبرين.
*
ـ[ابن عبد الله الغريب]ــــــــ[14 - Jul-2010, مساء 01:57]ـ
نعم إخوة جزاكم الله خيرا، فقد ظننت أن ابن عبد الرحمن هو ابن عبد العزيز
شكرا على التوضيح(/)
الفيلم الهولندي المسيء للإسلام تعليق، ونقد، وتوجيه
ـ[خالد عبد المعطى كروم]ــــــــ[10 - Jul-2009, صباحاً 03:43]ـ
السلام عليكم
أولاً:
إن الصراع بين الحق والباطل قديم، وما يزال جنود الباطل يقفون في وجه الحق في كل عصر ومصر، فيخذلهم الله تعالى بقوة الحق، ويقذف الله تعالى بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.
ومنذ أن خُذل إبليس وترك استجابة أمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام بدأ الكيد للحق وأهله، وطلب إبليس من ربِّه الإنظار، لا ليتوب، بل ليكيد، وليُكثر من أتباعه، فيدخل وإياهم نار الله تعالى، وهناك سيقف خطيباً فيهم ويقول: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم/ 22.
ثانياً:
قد تعرَّض الإسلام لمكائد كثيرة وكبيرة، ولكنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ دينه؛ لأنه جعله خير الأديان وخاتمتها.
ثالثاً:
نقف هنا مع حدَث حديث، لن يكون الأخير؛ لوجود شياطين الإنس والجن، ومحاولاتهم اليائسة البائسة للنيل من هذا الدين، وكتابه المقدس والنبي العظيم صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحدَث هو ما صنعته يد الإثم والبهتان المسمَّى " غيرت فيلدرز "، زعيم حزب " الحرية "، وهو يميني هولندي متعصِّب، أراد أن يطعن في هذا الدين العظيم؛ ليُعرف، وليحصِّل مكاسب سياسية، لكنَّ الله تعالى خذله، وسيُخذل أكثر وأكثر، إن شاء الله، فأنتج ذلك الحاقد " فيلماً " قصيراً لا يتجاوز 17 دقيقة عن الإسلام والقرآن ملأه بالأكاذيب والافتراءات، وقد سمَّاه " فِتنة "!، ولو عُرض ما قاله وقاءه على معهد أو جامعة " أكاديمية ": لكان حقه التوبيخ والإهانة؛ لعدم موضوعيته؛ ولتحريفه وتزويره للحقائق.
وقد بدأ فيلمه وأنهاه بوضع صورة مشينة للنبي صلى الله عليه وسلم مما رسمته اليد الآثمة المجرمة، يد الرسام الدنماركي، وهي تمثل في أول الفيلم قنبلة على عمامة صورة للنبي صلى الله عليه وسلم – في زعمه – وهي في أول اشتعالها، وفي آخر الفيلم تصل الشعلة لنهايتها، وتنفجر! وهو يريد بذلك إيصال رسالة خسيسة بأن الإسلام جاء للدمار والخراب، وأن السكوت عنه سيؤدي إلى زوال الحضارات والأمم غير المسلمة!.
رابعاً:
يمكننا تقسيم وقفاتنا مع ذلك الفيلم السيئ إلى عدة أقسام:
1. آيات مقتطعة عن سياقاتها، ومحرَّفةٌ معانيها.
ومن أمثلة ذلك:
أ. أول الآيات في فيلمه قراءة هي قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) الأنفال/ 60.
وقد أوصل القراءة إلى هذا الحدِّ، ولم يُكملها، وأراد إثبات لفظ (تُرهِبون) للدلالة على أن الإسلام هو الإرهاب، وهو ما يسعى كثيرون من الحاقدين والجهلة للصقه بالإسلام.
ولسنا نخجل مما في كتاب ربنا تعالى، ولسنا ننكر هذه الآية، بل نتعبد الله بقراءتها، ونسأله التوفيق للعمل بها، ونرد على استدلاله بهذا المقطع بوجهين اثنين – خشية الإكثار وخروج الرد عن منهج الموقع -:
الأول: أن هذا الذي أنكره على الإسلام هو ما تفعله الدول الكبرى والعظمى، فهي تنتج الأسلحة الفتاكة، والقنابل النووية والذرية، والطائرات، والغواصات، وغيرها؛ حماية لنفسها؛ وإرهاباً لأعدائها خشية أن يتعدى أحد عليها! وهو المراد بهذه الآية، ولم يطمع الكفار المحتلون ببلاد المسلمين إلا عندما عطَّلوا العمل بهذه الآية، ومن آخر أمثلة ذلك: العراق، حيث ضغطوا على حكومته لتدمير أسلحته، وصواريخه، فلمّا تمَّ ذلك، وتأكدوا منه: غزوا البلد، واحتلوه، وساموا أهله سوء العذاب.
(يُتْبَعُ)
(/)
الثاني: أن تكملة سياق الآية بعدها يفسِد عليه ما أراده من إلصاق الإرهاب – بمفهومه هو وعصابته – بالإسلام، والآية التي بعدها مباشرة: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الأنفال/ 61.
ب. وثاني آية مسموعة في ذلك الفيلم: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/ 56.
ومن تدليس هذا المخرج أنه جاء بهذه الآية ليبين للمشاهدين أن الإسلام يأمر بحرق المخالفين له حتى تنضج جلودهم! وأن هذا من تشريع الله لهم.
والرد عليه من جهتين:
الأولى: أن فعله تدليس أخرق؛ لأن الله تعالى يذكر فيها عقوبة الكفار يوم القيامة! وليس هي في الدنيا، وقد جاء بعدها ذِكر جزاء المؤمنين الموحدين، فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) النساء/ 57.
والثانية: أن أدنى تأمل في الآية يبين به كذب وافتراء وتدليس هذا المخرج، ففي الآية قول الله تعالى (بدَّلْنَاهم جُلُوداً غَيْرَهَا) وهل يملك المسلمون تبديل جلود من احترقت جلودهم في الدنيا؟!.
2. صورٌ مفبركة، أو غير دالة على مراده، أو هي منكرة في الإسلام أصلاً.
ومن أمثلتها:
أ. صور لمجموعة من الرافضة – الشيعة – تجرح نفسها وأبناءها بالآلات الحادة، فتُدمى رؤوسهم، في منظر بشع سيء، وهذا ليس من ديننا، وإنما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام جهلاً منهم وضلالاً.
والصورة التي فيها سيوف مرفوعة عليها دماء: أيضاً هي من صور الرافضة في مناسبات عندهم، وقد أفهم المخرجُ الكذابُ النّاسَ أنها لمسلمين! وأنهم للتو قد انتهوا من حفلة تقطيع رؤوس للكفار!.
ب. ومن الصور المضحكة الواضحة الكذب: صور لنساء مسلمات منتقبات يرفعن لوحات كُتب عليها " بارك الله في هتلر "!.
ونقول: وهذا واضح أنه كذب وتدليس، فإن ديننا يمنعنا من الدعاء لمن مات كافراً، قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة /113، فكيف تدعو نساء منتقبات ملتزمات بأحكام الإسلام لهتلر بالبركة.
3. مقاطع مرئية، بعضها يحتوي حقّاً لا ريب فيه، وبعضها تزوير للحقائق، وتدليس على المشاهدين.
ومن أمثلة ذلك:
أ. لقاء مفبرك مع طفلة صغيرة، وواضح أنهم لم يحسنوا تمثيلها، ولا فبركتها، وذلك من وجهين:
الأول: أنها محجبة، وهم يسألونها عن دينها! فلم التلبيس والتدليس وكأنه أمر طبيعي غير مفبرك؟!.
والثاني: أن الطفلة الممثلة! سئلت عن رأيها في اليهود والنصارى، فقالت: قردة وخنازير.
وهذا ليس من ديننا، فليس فيه أن اليهود والنصارى قردة وخنازير، وإنما فيه أن طائفة من اليهود السابقين احتالوا على شرع ربهم، فعاقبهم الله تعالى فمسخهم قردة، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) البقرة/ 65، وقال تعالى: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) الأعراف/ 166.
ب. ومن المقاطع المرئية المقطوعة عن سياقاتها: مقطع ذلك الخطيب الذي يُخرج السيف، ويتوعد الكفار!.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا الشيخ معروف، وهو عراقي، رفع السيف في خطبته تهييجاً للناس على الجهاد ضد الكفار المحتلين لبلده - وقد قتله الرافضة عليهم من الله ما يستحقون -، وماذا يراد من المسلمين إذا احتلت بلادهم؟ التسليم لأموالهم وأعراضهم، وانتظار القتل، أو الرضا والعفو عن المحتل المجرم؟! بل الإسلام دين العزة، والكرامة، والمسلمون يأبوْن الذل، ولا بدَّ من قتال المحتل، وهذا مؤيد من أديان الأرض وشرائعه جميعاً، بل رأس الاحتلال نفسه قال: لو احتلت بلدي لقاتلت المحتل، وعلى فرض تصديقه أنه يقاتل ولا يفر: فهو لم يقل إلا الحقيقة والواقع، أي: أن المحتل يقاتَل.
فما هو المنكر في جهاد المسلمين لمن احتل أرضهم؟
خامساً:
انصبت الأفكار الرئيسية جميعاً على الطعن في الإسلام، من خلال: السخرية والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال الطعن في القرآن، وأنه كتاب " فاشي "! كما قال في الفيلم، ومن خلال التنبيه على خطر المساجد، وكل ذلك حاوله المخرج في فيلمه القصير عن طريق المقاطع المرئية، والصور المؤثرة، ومن خلال الموسيقى المصاحبة لهما، لكنه فشل فشلاً ذريعاً؛ لاستعماله الكذب، والتزوير، والتدليس، وهو ما لن يقبله منه المشاهد، حتى لو كان كافراً.
وقد أرجع الله تعالى مكر المخرج على نفسه، فقد انكبَّ الناس في " هولندا " على الكتب الإسلامية، وعلى المصاحف، لشرائها، والنظر فيها، وسيرون فيها ما يبين كذب وتزوير ذلك المخرج الفاشل، وقد حصل بالفعل، فقد أسلم ثلاثة أشخاص من تلك البلاد بعد عرض الفيلم، وقد هددت شركات هولندية برفع قضايا على النائب المخرج إذا قاطعت الدول الإسلامية منتوجاتها، وسيبوء ذلك النائب المخرج بالخزي والعار، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
سادساً:
قد نصر الله تعالى دينه نصراً مبيناً، فمنذ الإعلان عن قرب عرض الفيلم والمؤسسات والحكومات والأفراد من غير المسلمين ينكرون على النائب فعله، ويبينون عدم ربط الإسلام بالعنف والإرهاب، وأن المسلمين هم ضحايا للإرهاب مثل غيرهم، ومن هؤلاء المنكرين الرافضين لفعل ذلك النائب المخرج: رئيس وزراء هولندا، وله كلام قوي في إنكاره ورفضه، وسكرتير هيئة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، وجمع من الساسة، والقادة، والدول، وقد رفضت المحطات الفضائية العامة والخاصة عرض هذا الفيلم، ولم يجد إلا موقعاً في " الإنترنت " لينشره.
وجاء في " مفكرة الإسلام " (السبت 22 ربيع الأول 1429هـ، 29 – 3 - 2008م):
" ففي بروكسل: أدان البرلمان الأوروبي هذا الفيلم المسيء؛ حيث هاجم رئيس البرلمان " هانز غيرت بوتيرنغ " بشدة النائب الهولندي " فيلدرز " قائلاً في بيان له: إن محتوى الفيلم " يبدو مصمماً لاستفزاز الحساسية الدينية للمسلمين في هولندا وأوروبا والعالم ".
وأضاف قائلاً: " نيابة عن البرلمان الأوروبي أرفض بشدة تأويل الفيلم بأن الإسلام ديانة عنيفة "، مشيراً إلى أنه يصادق تماماً على بيان الحكومة الهولندية الرافض لفيلم (فتنة) ".
وكذلك أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا اعتبر فيه الفيلم الذي تبلغ مدته 15 دقيقة " معادياً للإسلام " و " مهيناً " و " ينشر الكراهية " انتهى.
وأما المسلمون فقد تحركوا في الإنكار، والشجب، وإخراج البيانات والتحذيرات من الاستمرار في الإساءة لشعائر ديننا ورموزه، وقد هددت بعض الدول بقطع علاقاتها مع هولندا، وطالب نواب في بعض الدول بطرد السفير الهولندي، ومقاطعة البضائع الهولندية، وعلى الضعف والتفرق الذي يعيشه المسلمون يعتبر هذا نصراً عظيماً للإسلام، حيث يوجد من يدافع عن ديننا من الكفار والمسلمين، وقد بعث رئيس وزراء هولندا نفسه رسالة لشيخ الأزهر يبين له فيها رفض حكومته لإنتاج هذا الفيلم وعرضه، وأن هناك قضية مرفوعة في المحاكم الهولندية.
فكيف سيكون الأمر والحال لو أن المسلمين كانوا على قلب رجل واحد، وكان لهم من القوة ما يهابهم الحاقدون الأفاكون بسببها؟!.
سابعاً:
الذي تبين لنا أن ذلك النائب الكاذب أراد تحقيق أهداف من خلال فيلمه ذاك، ومنها:
1. كسب شخصي، للشهرة، والفوز بالانتخابات.
(يُتْبَعُ)
(/)
2. إرضاء اليهود، وقد وضح ذلك في فيلمه في عدة مقاطع يُظهر فيه الشفقة عليهم! وهم محتلون مجرمون، وفي الوقت الذي تكلَّم فيه عن القتل عند المسلمين: نسي أو تناسى أمرين:
الأول: أن الذي حرق الملايين من اليهود: نصراني! وهو هتلر! وقد ذكر في كتابه " كفاحي " أن هذا كان بأمر الله!.
والثاني: أن اليهود قتلوا وشردوا من المسلمين أعداداً كبيرة، ولم يخجلوا من أنفسهم في معركتهم الأخيرة على " غزة " أن يسموا فعلهم " محرقة "!.
3. تنبيه الغرب على ارتفاع نسبة المسلمين في بلادهم، وأن كثرة أعداد المسلمين تشكل خطراً على أوربا!.
4. تنبيه أوربا عموما، وهولندا على وجه الخصوص من انتشار المساجد فيها، وقد بان ذلك من خلال نشره لصور مساجد في هولندا؛ ليحذر من وجودها.
5. محاولة منع المصحف من التداول في أوربا، ومقارنة القرآن الكريم بكتاب هتلر " كفاحي "! ومن هنا فقد وصف القرآن بـ " الفاشي "! وهو مصطلح يشير إلى العنف والقسوة.
وقد خذل الله هذا النائب المخرج بذلك العمل الهزيل، المليء بالكذب، والافتراء، وسيرى الناس الفرق بين الكذب والحقيقة عندما يطلعون على القرآن الكريم، وعلى ما كتب عنه وعن الإسلام من عقلاء أقوامهم، وسيكون هذا الفيلم دافعاً لهم لتلك القراءة، وذلك الاطلاع، إن شاء الله، ولعله يكون سبباً لإنقاذ كثيرين من الضلالة.
ثامناً:
وصفُ الإسلام بالإرهاب والعنف: هو الرسالة الأصلية لهذا الفيلم، وهذا: ليس إلا إفكاً مفترىً، فالإسلام دين الرحمة، والعدل، والإنسانية، وهو الذي أنقذ أهل الأديان من جور حكامهم، ومخالفيهم، كما كان الحال في " الأندلس "، وفي " مصر " وغيرهما من البلدان التي كان يسام فيها أهل المخالفة سوء العذاب، حتى اليهود منهم!.
قال " إسرائيل ولفنسون ":
" إن الخسارة القليلة التي لحقت بيهود بلاد الحجاز ضئيلة بالقياس إلى الفائدة التي اكتسبها اليهود من ظهور الإسلام، لقد أنقذ الفاتحون المسلمون آلافاً من اليهود كانوا منتشرين في أقاليم الدولة الرومية، وكانوا يقاسون ألواناً من العذاب ".
" اليهود والتحالف مع الأقوياء " الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي، بواسطة مقال الأستاذ خالد جودة " الفارق الإنساني بين حضارة الإسلام وثقافة الغرب ".
وليس الإسلام دين ذل وهوان، فالجهاد في سبيل الله من شعائره، ومن أعظم الأعمال فيه، وهو مشروع لحماية المسلمين من عدوهم، ولتبليغ دين الله تعالى، ونشر كلمة التوحيد في آفاق الأرض، وليس في الإسلام أنه يُكره الناس على دخوله؛ لأن من شرط الإسلام الصدق والإخلاص، فإذا لم يتصف بهما فسيكون منافقاً بين صفوف المسلمين، ولا يحرص الإسلام على وجود هذا الصنف الدنيء بين أفراده، بينما نجد القساوسة والرهبان قد ساهموا في إجبار الناس على اعتناق النصرانية في أوربا وغيرها، حتى بلغ القتلى من أجل ذلك الهدف أعداداً مهولة، قال المؤرخ " بريفولت " إنها من 7 – 15 مليوناً!.
ومن الظلم البيِّن الالتفات إلى أخطاء بعض المسلمين مما ينكره علماؤه وأئمته من قتل الأبرياء، ونسبة ذلك للإسلام – كما جاء في بعض مقاطع في الفيلم نحو تفجير قطارات لندن ومدريد وأمثال ذلك، فهذا كله أنكره أهل العلم مع أنه لم يكن ابتداء من أحد، وإنما كان ردة فعل من الظلم والقهر - وفي الوقت ذاته يغفل هؤلاء عن قتلى الحرب العالمية الأولى والثانية والتي مات فيهما عشرات الملايين – قتلى الحرب الأولى: 14 مليوناً! وقتلى الثانية: 55 مليوناً! - ولم تكن بين المسلمين والنصارى، بل كانت بينهم أنفسهم، وعن قتلى اليابان من القنبلة الذرية الأميركية، وقتلى الهنود الحمر من الأمريكان، وقتلى الشعوب الآسيوية من الأمريكان أيضاً، وقتلى المستعمرين المحتلين.
ويغفلون عن الدمار والإرهاب الذي جاءت به الحملات الصليبية على بلاد المسلمين، ويغفلون عما تفعله أمريكا وحلفاؤها اليوم في أفغانستان، والعراق، وما فعله الصرب بمباركة القساوسة في المسلمين في " البوسنة "، وغير ذلك الكثير والكثير، وإن نسي التاريخ أشياء: فإنه لا ينسى " محاكم التفتيش "، وخاصة تلك التي كانت في " إسبانيا ".
قال " غوستاف لوبون " في كتابه " حضارة العرب ":
(يُتْبَعُ)
(/)
" وعاهد " فرديناند " العربَ على منحهم حرية التدين، واللغة، ولكنه في سنة 1499م: لم تكد تحل: حتى حلَّ بالعرب دور الاضطهاد، والتعذيب الذي دام قروناً! والذي لم ينته إلا بطرد العرب من " أسبانية "، وكان تعميد العرب كرهاً فاتحة ذلك الدور، ثم صارت " محاكم التفتيش " تأمر بإحراق كثير من المعمَّدين على أنهم من النصارى، ولم تتم عملية التطهر بالنار إلا بالتدريج، لتعذر إحراق الملايين من العرب دفعة واحدة!.
ونصح كردينال طليطلة التقي! الذي كان رئيساً لمحاكم التفتيش بقطع رؤوس جميع من لم يتنصر من العرب، رجالاً، ونساءً، وشيوخاً، وولداناً، ولم ير الراهب الدومينيكي " بليدا " الكفاية في ذلك، فأشار بضرب رقاب من تنصر من العرب، ومَن بقي على دينه منهم، وحجته في ذلك: أن من المستحيل معرفة صدق إيمان من تنصر من العرب، فمن المستحب إذن قتل جميع العرب بحد السيف؛ لكي يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، ويُدخِل النار من لم يكن صادق النصرانية منهم! ....
ولا يسعنا سوى الاعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين.
" حضارة العرب " (ص 270 – 272) باختصار.
ومن يتأمل الآن يجد أن أهل الإرهاب هم أهل الأديان الأخرى من النصارى، واليهود، والهندوس، والسيخ، ويجد أن المسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، فمتى يستيقظ النيام من نومهم؟! ومتى يصحو الغافلون من غفلتهم؟!.
ونقول لهذا النائب الكاذب الذي يدعونا لتمزيق آيات إرهابية من القرآن الكريم – على حد زعمه -: تعال لنر كتابك المقدَّس ماذا فيه من الإرهاب - بنفس زعمك -:
إن كنت يهوديّاً تؤمن بالعهد القديم: فهاك ما فيه مما ينسب إلى الرب تعالى مما قاله لموسى:
في " سفر التثنية " (20، 10 – 17): " إذا دَنوتَ منَ القرية لتقاتِلهم ادعُهم أوّلاً إلى الصّلح ... فأمّا القرى التي تعطَى أنت إيّاها فلا تستحيِ منها نفسًا ألبتّة، ولكن أهلِكهم إهلاكًا كلَّهم بحدِّ السيف الحَيثِيّ والأموري والكنعاني والفرزي، كما أوصاك الربّ إلَهُك ".
وإن كنت نصرانيّاً وأردت شيئاً من العهد الجديد: فهاك بعض ما فيه:
في " متَّى " (10/ 34 – 36): يروى فيه عن عيسى عليه السلام قال: " لا تظنّوا أني جِئت لأحمِلَ السلام إلى العالم، ما جِئتُ لأحمل سلاماً بل سَيفاً، جئتُ لأفرّق بين الابن وأبيه، والبنتِ وأمّها، والكَنَّة وحماتها، ويكون أعداء الإنسان أهل بيته ".
وللاستزادة: ينظر كتاب " السيف بين القرآن والكتاب المقدس " للدكتور حبيب عبد الملك:
http://www.elforkan.com/7ewar/showthread.php?t=7597 (http://www.elforkan.com/7ewar/showthread.php?t=7597)
تاسعاً:
الواجب على المسلمين الآن:
1. عدم إحداث مشكلات في بلادهم، من مظاهرات تُحطم فيها الممتلكات، أو تراق فيها الدماء.
2. إرجاع الأمر إلى العلماء والحكماء لمعالجة الأمر، هذا أو غيره مما يشبهه.
3. السعي نحو التمسك بالإسلام قولاً وعملاً، فهذا من جهة يساهم في انتشار الإسلام، ومن جهة أخرى يغيظ الكفار الحاقدين على الإسلام وأهله.
4. الدعوة إلى الله بحكمة وعلم، وتوزيع المصاحف المترجمة، والكتب الإسلامية الميسرة على غير المسلمين، والاستعانة في ذلك بالمؤسسات الإسلامية الموثوقة، والعلماء الثقات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإسلام سؤال وجواب
http://islamqa.com/ar/ref/111922 (http://islamqa.com/ar/ref/111922)(/)
مقارنة بين عالمين في مسائل العقيدة
ـ[شعيب عتيق]ــــــــ[10 - Jul-2009, مساء 05:47]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الكرام ارجوا منكم التعاون معي في توجيهي إلى كتاب أو رسالة قامت بمقارنه بين عالمين في مسائل العقيدة، لأنني أريد اعمل مقارنة بين إمامين في مسائلهم العقدية، وتوضيح مدى الاتفاق والاختلاف بينهم من خلال كتبهم، منتظر منكم المساعدة والتوجيه، بارك الله فيكم
شعيب عتيق
ـ[ابو مصعب البدري]ــــــــ[11 - Jul-2009, صباحاً 04:54]ـ
جلاء العينين في محاكمة الاحمدين في كتاب واحد
او
وهناك كتاب الصارم المسلول
والسيف المسلول للسبكي بعض المحققين عند تحقيقه قارن بين الكتابين من اوجه كثيرة
ـ[محمد داود المصري]ــــــــ[18 - Nov-2010, مساء 10:43]ـ
المقارنة بين ابن حجر وابن رجب في شرح صحيح البخاري: كتاب الإيمان
ـ[أبو أويس علي الخطيب]ــــــــ[19 - Nov-2010, صباحاً 07:42]ـ
أبو حامد الغزالي وابن تيمية
ـ[الطيب صياد]ــــــــ[19 - Nov-2010, مساء 02:03]ـ
كل له أن يشير عليك بما يحب، فأئمة الإسلام كثير، و لكن لا أعرف: هل تقصد علماء السنة؟ أم غيرهم؟
إن كنت تقصد ما بين أهل السنة فخذ مثلا:
- عكرمة البربري و الحسن البصري،
- أبو حنيفة النعمان و مالك بن أنس
- يحيى بن سلام الأفريقي و سحنون بن سعيد
- محمد بن وضاح القرطبي و بقي بن مخلد
و إن كان من غيرهم أعني بين سني و غيره فخذ مثلا:
- أحمد بن حنبل و أبو الحسن الأشعري
- ابن عبد البر النمري و أبو حامد الغزالي
و إن كا من غيرهم:
- ابن رشد الحفيد و الغزالي
- محمد شلتوت و محمد رشيد رضا
الأسماء كثيرة، (ابتسامات ... )
وفقكم الله(/)
ما صح عن ليلة النصف من شعبان محاضرة مفرغة لشيخ رسلان ارجو التثبيت
ـ[الرجل المحترم]ــــــــ[10 - Jul-2009, مساء 09:38]ـ
الخطبةُ الأُولى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ? [آل عمران: 102].
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا? [النساء: 1].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا? [الأحزاب: 70 - 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فعن جماعةٍ مِنَ الأصحابِ - رضوان الله عليهم جميعًا - مِنْ طُرُقٍ شَتَّى يَشُدُّ بعضُها بعضًا: عن أبي بكرٍ وأبي هريرةً و عبدِ اللهِ بن عمرو وأبي ثعلبةَ الخُشَنِي ومعاذِ بن جبل وعوفِ بن مالكٍ وعائشةَ - رضوان الله عليهم جميعًا - عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «يَطَّلِعُ اللهُ تبارك وتعالى إلى خلقِهِ ليلةَ النِّصفِ مِنْ شعبان فيغفرُ لجميعِ خلقِهِ إلا لمشركٍ أو مُشاحن». وهذا الحديثُ حديثٌ صحيحٌ بمجموعِ طُرُقِهِ لا شكَ في ذلك ولا ريبَ فيه.
فأمَّا طريقُ عائشةَ - رضوان الله عليها - فقد أخرجَهُ الترمذي وابنُ ماجه في قصةٍ في آخرها ذكرت ما ذكرَ الرسولُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنَّ الله يغفر في ليلةِ النصفِ من شعبان لأكثرَ من عددِ شعرِ غنم كَلْب». وكلب: قبيلة مغنمةٌ كثيرةُ الأغنام, فذكرت عائشة ما نسبت إلى الرسولِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قولٍ في آخرِ قصةٍ تجدُها في المصادرِ المذكورةِ إلا أنَّه حديثٌ ضعيف؛ لأنَّ فيه حجاج بن أرطئة وهو مدلسٌ معروفٌ وقد عنعنه, وأمَّا طريقُ أبي ثعلبةَ الخُشَنِي فإنَّه أخرجه البيهقي في ((الشُّعَب)) بإسنادٍ حسن عنه عن الرسولِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: «يَطَّلِعُ اللهُ - جَلَّت قدرتُهُ - إلى خلقِهِ في ليلةِ النصفِ من شعبان, فيغفرُ للمؤمنينَ, ويُملي للكفرينَ, ويدعُ - أي: يترك - أهلَ الحقدِ بحقدِهِم حتى يدعُوهُ». ومن طريقٍ أخرى أخرجها الطبراني في ((المعجم الكبير)) بإسنادٍ حسن مثلُهُ.
وأنت إذا ما نظرتَ إلى ما صَحَّ في ليلةِ النِّصفِ مِنْ شعبان وجدتَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُقررُ: «أنَّ اللهَ - جَلَّت قدرتُهُ - يَطَّلِعُ إلى خلقِهِ في ليلة النصف فيغفرُ للمؤمنين, ويُملي للكافرين, ويدعُ أهلَ الحقدِ بحقدِهِم حتى يدعُوهُ».
وفي الحديث الذي تكاثرت طُرُقُهُ حتى صارت به إلى جَادَّةِ الصِّحَةِ - بلا ريبٍ ولا شك -: «يَطَّلِعُ اللهُ تبارك وتعالى إلى خلقِهِ في ليلةِ النصفِ من شعبان فيغفرُ لجميعِ خلقِهِ إلا لمُشركٍ أو مُشاحن». والحديثان كما ترى يكادان ينطبقان معنى, يغفرُ اللهُ ربُّ العالمين لجميع خلقِهِ إلا لمشركٍ أو مُشاحن, فيغفر للمؤمنين, ويدعُ - بالإِمْلَاءِ - الكافرينَ فيما هم عليه من كفرٍ وشرك, ويدعُ أهلَ الحقدِ بحقدهم حتى يدعوه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ففي ((صحيح مسلم)) أنَّ الله جَلَّتْ قدرتُهُ - كما روى أبو هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يُفَتِّحُ أبوابَ الجنةِ في كل اثنين وخميس, فيغفرُ اللهُ ربُّ العالمين للمؤمنين إلا رجلًا كانت بينه وبين أخِيهِ شحناءُ - كانت بينه وبين أخيه بغضاءُ - فيقول اللهُ جَلَّ وعَلَا: أَنْظِرَا - أي: أَجِّلَا, أي: دَعَا, أي اتركا - هذين حتى يصطلِحَا. فلا ينعمانِ بالغفرانِ الذي يلحقُ غيرَ المشاحنين في كل اثنين وخميس, إذ تُفَتَّحُ أبواب الجنة, وإذ تَهُبُّ نسماتُ نفحاتِ, رحماتِ اللهِ ربِّ العالمين.
إنَّ العلماءَ - رحمةُ الله عليهم - يصيرونَ في جملتِهِم إلى ما رواه ابنُ أبي شامةَ عن أبي بكر بن العربي المالكي - رحمةُ الله عليه - سواءٌ في ((العارضة)) أو في ((الأحكام)) يقول: إنَّه لم يصح في ليلة النصف من شعبان حديثٌ يساوي سَمَاعَهُ. يقولُ: إنَّه لم يصح في ليلةِ النصفِ من شعبان حديثٌ يساوي سماعه.
وأمَّا الشيخُ الإمامُ - رحمه الله - فإنَّه في ((السلسلة الصحيحة)) بعد ما تَتَبَّعَ مستقرئًا طُرُقَ الحديثِ فأربت على ثماني طُرُق, نظرَ فيها وبحثَ فيها مستقصيًا مستقرئًا حتى خَلُصَ في المنتهى إلى قولِهِ - رحمه الله -: ومِنْ هذا الاستقصاءِ نعلمُ أنَّ الذين قالوا من أهلِ العلمِ بأنَّه لم يصح في ليلةِ النصفِ حديثٌ إنَّما أوتوا من عدمِ بذلِ الجهد في استقصاءِ الطُرُقِ وتَتَبُّعِهَا كما ترى فيما بين يدَيك. فهذا ما قاله - رحمه الله -.
وعليه فإنَّ الصَّنْعَةَ الحديثيةَ تقضي في المنتهى بأنَّه صحَّ في ليلةِ النصفِ أحاديث منها: ما هو مذكورٌ بطُرُقِهِ عن جملةٍ من الأصحابِ: «أنَّ الله جَلَّتْ قدرتُهُ يَطَّلِعُ ليلةَ النصفِ إلى خَلْقِهِ, فيغفرُ لجميعِ خَلْقِهِ إلا لمشركٍ أو مُشاحن». ثم ما قالَهُ أبو ثعلبةَ يرفعُهُ إلي النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أنَّ الله جَلَّتْ قدرتُهُ يَطَّلِعُ إلى خَلْقِهِ في ليلةِ النصف من شعبان فيغفرُ للمؤمنينَ, ويُملي للكافرينَ, ويدعُ أهلَ الحقدِ بحقدِهِم حتى يدعُوهُ». ولكنَّ الحديثَ الذي أخرجَهُ ابنُ ماجه في سننِهِ عن عليٍّ - رضوان الله عليه - يرفعُهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّ اللهَ جَلَّتْ قدرتُهُ عَلَّمَهُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من لدنه علمًا فهو يبلغُهُ لا يكتمُهُ, وإنَّما يؤديه أداءً للأمانةِ ونُصحًا للأمَّةِ فيقول: «إذا كانت ليلةُ النصفِ من شعبان فقوموا ليلَهَا, وصوموا نهارَهَا». فهذا حديثٌ موضوع, في سندِهِ ابن أبي سَبْرَةَ, قال فيه الإمامان أحمدُ وابنُ معينٍ - رحمهما الله جلَّ وعَلَا -: كان يضعُ الحديث - يعني: ابن أبي سَبْرَةَ -. فكان يكذبُ على النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويضعُ الأحاديثَ, وهذا حديثٌ مكذوبٌ موضوعٌ لا يصحُّ بشيءٍ من وجوهِ الصِّحَةِ, بل إنَّه لا يقعدُ عن مرتبةِ الضعفِ إذ يتنزلُ إلى مرتبةِ الوضعِ والكذبِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
فإذن؛ ليس معنى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم دَلَّنَا على أنَّ ليلةَ النصفِ ليلةٌ شريفةٌ يعطي فيها اللهُ ربُّ العالمينَ من قبساتِ أنوارِ رَحَمَاتِهِ خَلْقَهُ, وأنَّ اللهَ تبارك وتعالى لا يُفيضُ هذا العطاءَ على المشركينَ ولا على المشاحنين, وإنما جمعَهُمَا في قرنٍ, ويا بؤسَ ما جُمِع, وقد جعلَ اللهُ ربُّ العالمين المشركَ مع المشاحنِ في خندقٍ واحدٍ, فلا يغفرُ اللهُ ربُّ العالمين في ليلةِ النصفِ - مع عمومِ المغفرةِ لجميعِ أهلِ الأرضِ - لا يغفرُ لمشركٍ ولا لمشاحن, مَنْ عندَهُ البغضاءُ في قلبِهِ, ومَنْ انطوى صدرُهُ على الغِلِّ والحقدِ والحسدِ فهذا بِمَبْعَدَةٍ عن المغفرةِ.
وفي ((صحيح سنن ابنِ ماجه)) عن عبدِ الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: «قيل للنبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أفضلُ الناس؟ فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كلُّ مَخْمُومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ - كلُّ مخمومِ القلب صدوق اللسان هذا أفضلُ الناس -, فقالوا: يا رسولَ اللهِ صدوق اللسان عرفناه, فما مخمومُ القلب؟ قال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هو التَّقِيُّ النَّقِيُّ الذي لا إثمَ فيه ولا بغي ولا غِلَّ فيه ولا حسد».
(يُتْبَعُ)
(/)
فأفضلُ الأعمالِ عند اللهِ ربِّ العالمين وأفضلُ الخلقِ عند اللهِ جلَّ وعلا سلامةُ الصدرِ ومَنْ كان عن الغِلِّ والحسدِ مُنَزَّهًا, ومِنْ ذلك مُبَرَّئًا, وأمَّا مَنْ انطوى قلبُهُ على شيءٍ من ذلكَ فهو بِمَبْعَدَةٍ من المغفرةِ في ليلةِ النصفِ من شعبان مع عمومِ المغفرةِ لأهلِ الأرضِ, إلا للمشركِ الذي يشركُ باللهِ ربِّ العالمين مَعَهُ غَيرَهُ فإنَّ ذلك لا يُغْفَرُ بحالٍ من الأحوالِ لا دنيا ولا آخرة, إذا ما ماتَ على ذلكَ ولم يَتُبْ منه مُنِيبًا مُوَحِّدًا, وكذلك الذي انطوى قلبُهُ على الشحناءِ, على البغضاء, على الغِلِّ, على الحسد, فهذا متروكٌ مُهْمَلٌ, وهذا بِمَبْعَدَةٍ أنْ ينالَهُ شيءٌ مِنْ عمومِ المغفرةِ التي تتنزلُ على الخَلْقِ في ليلةِ النصفِ من شعبان.
هذا ما صحَّ في هذه الليلةِ لا ما يذهبُ إليه الشيعةُ, ولا ما يتقصى على آثارِهِم فيه قَصًّا المتصوفةُ, إذ يجتمعونَ في المساجدِ في ليلةِ النصفِ في صلاةِ المغربِ, يقومُ قائمُهُم بعدَ الصلاةِ يُصَلُّونَ ما يُسَمَّى بصلاةِ الرَّغَائِبِ! وهي في ليلةِ النصف! وفي أولِ رَجَب! وهي صلاةٌ أَلْفِيَّةٌ لمن استطاعها منهم وكان في بدعتِهِ جَلْدًا وعليها مُقِيمًا, ويُصَلُّونَ مِئَةَ ركعةٍ, كلُّ ركعةٍ تُصَلَّى بسورةِ الإخلاص عَشْرًا عَشْرًا فهذه ألفٌ فهي صلاةٌ ألفية, لم يَتَّبِعْهَا ولم يأخذ بها ولم يفعلْهَا خيرُ البَرِيَّةِ ولا أحدٌ من أصحابِهِ رضوان الله عليهم, وإنَّما هي عملٌ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ!
ويا الله! العجب كيف يُتَقَرَّبُ إلى اللهِ ربِّ العالمين بما لم يَشْرَع؟!
وكيف يُتَقَرَّبُ إلى اللهِ ربِّ العالمينَ بالضلالةِ؟!
وهذا نبيُّكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم صَحَّ عنه قولُهُ: «كُلُّ بدعةٍ ضلالة, وكُلُّ ضلالةٍ في النارِ». فلم يستثنِ من ذلك شيئًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وإنَّما جَمَعَ ذلك إلى ذلك فهو حَصَبُ النارِ - نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ -.
وأخرج الطُّرْطُوشِيُّ - رحمه الله - في كتاب ((الحوادث والبدع)) أنَّه سَمِعَ من أبي محمدٍ المقدسي رحمه الله - الإمام - قال: إنَّ أولَ ما أُحدثت صلاةُ الرَّغَائِبِ التي تُصلَّى في أول رَجَب وفي النصفِ من شعبان أول ما أحدثت في أول سنةِ أربعٍ وثمانيينَ وأربعمائةٍ من هجرةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم, - قال - قَدِمَ علينا ببيتِ المقدسِ رَجُلٌ يُقال له (ابنُ أبي الحمراء) فدخلَ المسجدَ الأقصى, وكانَ حسنَ الصوتِ؛ فصلَّى بعدَ صلاةِ المغربِ فائتمَ به رجلٌ وأَحْرَمَ بعد ذلك وراءَهُ ثانٍ, فما فرغَ مِنَ الصلاةِ حتى كانت جماعةً عظيمة, ثم جاءَ مِنَ السَّنَةِ التي تلت فصلَّى كما صلَّى في السَّنَةِ الفائِتَةِ, ثم استطابت عندنا في بيتِ المقدسِ تلكَ الصلاةِ, يُصَلِّيهَا النَّاسُ في مساجدِهِم, ويصلونها في دُورِهِم وفي بيوتِهِم. فهذا أول العهد بإحداثِ تلك البدعة في القرنِ الخامسِ من هجرةِ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وبعد القرونِ الثلاثةِ المُفَضَّلَةِ, وما لم يكن يومئذٍ دِينًا فلنْ يكونَ في يومٍ مِنَ الأيامِ دِينًا.
وأمَّا الدعاءُ الذي يُنسبُ إلى عبدِ اللهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه وأرضاه - فهو منه بريءٌ, وهو منه بَرَاء, وعبدُ اللهِ أَجَلُّ وأعظمُ عند اللهِ ربِّ العالمينَ مِنْ أنْ يتورطَ - ولا أحدٌ مِنَ الأصحابِ رضوان الله عليهم - في الافتئاتِ على الشَّرْعِ الأَغَرِّ وفي الإتيانِ بالإِحْدَاثِ في دِينِ اللهِ ربِّ العالمينَ وبإلصاقِ شيءٍ بِدِينِ محمدٍ الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وما خانَ أمينٌ قط, ولكن ائتُمِنَ غيرُ أمينٍ فخَان, ولا يُؤتَى النَّاسُ قط مِنْ قِبَلِ علمائِهِم وإنَّما يُسْتَفْتَى غيرُ عالمٍ فَيُفْتِي بالخطأ - لا بالصوابِ - وحينئذٍ يُؤتَى النَّاسُ كذلك كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ عبدِ اللهِ ابن عمرو الذي أخرجَهُ الشيخان: «إنَّ اللهَ لا يقبضُ العِلْمَ انتزاعًا ينتزعُهُ مِنَ النَّاسِ, وإنَّما يقبضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلماءِ, حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا, فَأَفْتَوا بغيرِ عِلْمٍ, فَضَلُّوا وأَضَلُّوا».
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا الدعاءُ الذي يأخذُ به النَّاسُ في ليلةِ النصفِ من شعبان, يحسبونَ تَبَعًا للشيعةِ وللضُّلَالِ ممن حادوا عن صراطِ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّ ليلةَ النصفِ من شعبان هي التي أنزلَ اللهُ ربُّ العالمينَ فيها قوله: ?حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ? [الدخان:1 - 2] , ثم يقولُ ربُّنا تبارك وتعالى ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ? [الدخان:3 - 4] , فيظنُّ الظَّانُّ أنَّ هذه الليلةَ المباركةَ هي ليلةُ النصفِ من شعبان, وليس كذلك؛ لأنَّ اللهَ ربَّ العالمينَ لمَّا ذَكَرَ القرآنَ العظيمَ بعدما ذَكَرَ ما ذَكَرَ مِنَ الحروفِ المُقَطَّعَةِ تَحَدِّيًا للعربِ بهذا القرآنِ العظيم وهم أربابُ الفصاحةِ وأُولُوا البيان, ثم بَيَّنَ اللهُ ربُّ العالمينَ أنَّ هذا القرآنَ العظيمَ إنما تكلمَ اللهُ ربُّ العالمينَ به من هذه الحروف التي عندكم مَعْشَرَ البُلَغَاءِ وأهلَ الفصاحة, اللهُ ربُّ العالمينَ جَعَلَ هذا القرآن, اللهُ ربُّ العالمينَ أنزلَ هذا القرآن, اللهُ ربُّ العالمينَ تَكَلَّمَ بهذا القرآنِ العظيم هكذا, ويتحداكم به وعندكم أَبْجَدِيَّتُكُم, فإنْ كنتم صادقينَ حقًّا فلتُقْبِلُوا عليها ولْتَقْبَلُوا التَّحَدِّي, ولْتَأْتُوا بِمِثْلِ أقصرِ سورةِ منه.
ثم ذكرَ القرآنَ العظيمَ - الكتابَ المبين -, ثم قالَ ربُّنا جَلَّ وعَلَا: ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ?, فعادَ الضميرُ إلى القرآنِ المذكورِ, إلى الكتابِ المبينِ, إلى الذِّكْرِ الحكيم, ثم قالَ ربُّنا جَلَّتْ قدرتُهُ: ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ? [القدر: 1] , ولم يأتِ ربُّنا تبارك وتعالى هاهنا بهذه الكِنَايَةِ ذَاكِرًا قَبْلَهَا ما تعودُ عليه ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ? [القدر: 1] , فالضميرُ في ?أَنزَلْنَاهُ? ضميرُ النَّصبِ, ضميرُ المفعولية لا ضميرُ الفاعليةِ ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ?, ربُّنا جَلَّ وعَلَا ?أَنزَلْنَاهُ? أي: القرآنَ العظيم, هذا القرآنُ العظيمُ ضميرُهُ هاهنا ضميرُ النَّصبِ, هاهنا ضميرُ المفعوليةِ, في قولِهِ تعالى: ?أَنزَلْنَاهُ? على أيِّ شيءٍ يعودُ وليس هنالك من مذكورٍ قبلَهُ يعودُ إليه ويرجعُ عليه؟ وإنَّما جعلَ اللهُ ربُّ العالمينَ ذلك كذلك, وجَعَلَ اللهُ ربُّ العالمينَ هذا الذي يُعَادُ عليه - وهو القرآنُ العظيمُ - مُسْتَغْنِيًا عن الذِّكْرِ لِشُهْرَتِهِ, ومُسْتَغْنِيًا عن الذِّكْرِ لِذِكْرِهِ وعَظَمَتِهِ, فقال ربُّنا جَلَّ وعَلَا - إذ لا يَلْتَبِسُ ذلك على فَهْمِ أحدٍ, ولا يدخلُ ذلك بِاللَّبْسِ على عقلِ أحدٍ -: ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ?, ويسمعُ السَّامِعُ فَيَفْهَمُ أنَّ المَعْنِيَّ هاهنا بالإِنْزَالِ هو القرآنُ العظيم ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ*سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ? [القدر: 1 - 5] , فهذه الليلةُ ليلةٌ ذاتُ قَدْرٍ, ذاتُ شَرَفٍ, أو هي ليلةٌ ذاتُ تقديرٍ؛ إذ القَدْرُ هو التقديرُ كما قال ربُّنا جَلَّ وعَلَا في مطلعِ سورةِ الدُّخَان: ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا? - أي: في تلك الليلةِ المباركةِ - ?يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ? [الدخان: 3 - 4].
إذ جَعَلَ اللهُ ربُّ العالمينَ التقديرَ الأزليَّ - التقدير الأزلي - الذي كَتَبَ اللهُ ربُّ العالمينَ فيه مقاديرَ الخلائِقِ قبلَ أنْ يَخْلُقَ اللهُ ربُّ العالمينَ السماواتِ والأرض بخمسينَ ألفَ سنةٍ, كما في الحديثِ الصحيحِ: «إذ خَلَقَ اللهُ ربُّ العالمينَ أولَ ما خَلَقَ القَلَمَ, فقال له: اكتب. قال: ما أكتب أي ربِّ؟ قال: اكتبْ مقاديرَ الأشياءِ إلى يومِ القيامةِ» , فجرَى القلمُ بما هو كائنٌ بما سبقَ في عِلْمِ اللهِ ربِّ العالمينَ, وعِلْمُ اللهِ جَلَّ وعَلَا سابقٌ لا سائقٌ, لا يستلزمُ الجَبْرَ ولا يكونُ له لازمًا وإنَّما هو صفةُ انكشافٍ, فكَتَبَ القَلَمُ ما هو كائنٌ قبل خَلْقِ السماواتِ والأرض بخمسينَ ألفَ سَنَةٍ, ثم جَاءَ بعد ذلك التقديرُ
(يُتْبَعُ)
(/)
الحَوْلِيُّ بعد التقديرِ العُمُرِيِّ الأول والتقديرِ العُمُرِيِّ الثاني, ثم أتى بعد ذلك التقديرُ اليومي, وفي هذا الذي ترى من هذا التقديرِ الحَوْلِيِّ يقولُ اللهُ جَلَّ وعَلَا في كتابِهِ العظيم: ?فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ? [الدخان: 4] , يعني: في ليلةِ القدرِ في ليلةٍ ذاتِ قدرٍ وشرفٍ, وفيها يصيرُ من كان خاملًا أرادَ اللهُ ربُّ العالمينَ له الرِّفْعَةَ, وأرادَ اللهُ ربُّ العالمينَ له العِزَّةَ, وأرادَ اللهُ ربُّ العالمينَ به العطاءَ والحبورَ, فهذا يصيرُ ذا قدرٍ من بعدِ ضَعَتِهِ ومن بعد تَنَزُّلِهِ, وفيها يتزوجُ الخَلْقُ ما يتزوجون بينها ثم يُولدُ لهم, وإنَّ الواحدَ منهم قد نَزَلَ الإذنَ بقبضِ رُوحِهِ في تلك الليلةِ فلا يدورُ الحولُ حتى يكون ما يكون, وما يحجُّ من حَاجٍّ ولا يعتمرُ من معتمرٍ إلا وكُلُّ ذلك يجعلُهُ ربُّ العالمينَ في النسخةِ الحوليةِ التي تتنزل بها الملائكةُ المُكَرَّمُونَ من اللوحِ المحفوظِ, ثم ?كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ? [الرحمن: 29] , تقديرٌ يومي ويُبدي ربُّك جَلَّ وعَلَا في كونِهِ ما يشاءُ وهو على كلِّ شيءٍ قدير.
في التقديرِ العُمُرِيِّ الأول الذي يحدثُ مرةً واحدةً في العُمُرِ - وقد حدث -, إذ حدثَ في عالم الذَّرِّ ?وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ? [الأعراف: 172] , فاللهُ ربُّ العالمينَ أشهدنا في عالم الذرِّ على أنفسِنَا فهذا هو التقدير العُمُري الأول.
و أما التقدير العُمُري الثاني ففي جوفِ الرَّحِمَ بعد أربعينَ في أربعين في أربعين, فيأتي المَلَكُ ويكتبُ ما شاءَ اللهُ ربُّ العالمينَ, ثم في هذا التقديرِ السنويِّ يذهب كثيرٌ من الخَلْقِ جَهْلًا - وربما لا قصدَ فيه, وإنَّما هو من سوءِ تَلَقِّي العلم والاضطرابِ فيه - يذهبونَ إلى أنَّ ذلك إنَّما يكونُ في ليلةِ النصفِ من شعبان, وإنَّما هو في الحقيقةِ في ليلةِ القدرِ من رمضان ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ? - أي: القرآنَ العظيم - ?فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ? [الدخان: 3] , ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ? [القدر: 1] , ثم ?فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ? [الدخان: 4] من أمرِ هذا التقديرِ.
فيقفُ الواقفُ في مسجدٍ من مساجدِ المسلمينَ يُقْبِلُ على اللهِ ربِّ العالمينَ - بِزَعْمِهِ! -: اللهمَّ! يا ذا المنِّ و لا يمن عليه, ويا ذا الفضل! ولا يُتَفَضَّلُ عليه إن كنت قد كتبتني عندك في أمِّ الكتابِ شَقِيًّا أو مطرودًا أو محرومًا فامحُ ذلك وأثبت غيره!!
إلى غير ذلك مما يتشدقونَ به وليس كذلك.
وإنَّما الليلة التي يُفْرَقُ فيها كلُّ أمرٍ حكيمٍ هي ليلةُ القدرِ ليلةُ التقدير, فلم يصحَّ في ليلةِ النصفِ من شعبان إلا عمومُ المغفرةِ لأهلِ الأرضِ خَلَا ما كان مشركًا أو كان مُشَاحِنًا؛ لأنَّ اللهَ ربَّ العالمينَ لا يحبُّ إلا من كان صدوقَ اللسانِ مخمومَ القلبِ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ فيه ولا حسدَ؛ لأنَّ الدِّينَ ما أتى إلا من أَجْلِ أنْ يُغَيِّرَ النَّاسَ, فإذا كان الإنسانُ عاجزًا بالدِّينِ عن التغييرِ فأيُّ شيءٍ أفادَهُ الدِّينُ إذن؟!
إنَّما وظيفةُ الدِّينِ في الحياةِ أنْ يُغَيِّرَ المرءُ مما هو عليه من ضلالٍ وانحرافٍ وسوءِ سيرةٍ وسوءِ طَوِيَّةٍ وسوءِ قصدٍ, يُغَيِّرَهُ الدِّينُ إلى ما يحبُّهُ اللهُ ربُّ العالمينَ ويرضَاهُ باطنًا وظاهرًا.
فإذا كانَ عاجزًا عن التغييرِ فقل لي بربِّكَ فأيَّ شيءٍ أفادَهُ دِيْنُ اللهِ ربِّ العالمين؟!
وبأيِّ شيءٍ مِنْ دِيْنِ اللهِ ربِّ العالمينَ استفادَ وانتفعَ؟!
وإنَّما هو بِمَبْعَدَةٍ من هذا كُلِّهِ!!
(يُتْبَعُ)
(/)
وأمَّا أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد كانت أهواؤُهم الغَرَزِيَّةُ الطبيعيةُ التي هي مركوزةٌ في طبائعِهِم لا يستطيعُ الواحدُ معها حِيْلَةً, ولا يستطيعُ لها دفعًا, وإنَّما يسيرُ على مقتضاها مِنْ غيرِ ما تثريبٍ عليه ولا لومٍ لفعلِهِ, ومِنْ غيرِ أنْ يكونَ مُوآخذًا على شيءٍ يأتي به مما جرت به جِبِلَّتُهُ في أمرِ مطعومٍ ومشروبٍ وما أشبه مما جعلَهُ اللهُ ربُّ العالمينَ حلالًا في دنيا اللهِ جَلَّ وعَلَا, بل يضربُ اللهُ ربُّ العالمينَ المثلَ فيه بمحمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ قُدِّمَ له ضِبَابٌ - جمعُ (ضَبٌ) وهو حيوان جبلي معقدُ الذَّنَبِ - فَقُدِّمَ إليه ذلك على مائدتِهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فلمَّا هَمَّ بأنْ يهويَ إلى ذلك آخذًا به قالتْ واحدةٌ من أمهاتِ المؤمنينَ مِنْ داخلٍ - وكان معه بعضُ الأصحابِ رضوان الله عليهم جميعًا قد تَحَلَّقُوا حولَ طعامِ نبيِّهِم صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فأتى الصوتُ: ألا تخبرونَ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما هو آكل؟ فقال: وما هو؟ قالوا: هذه ضِبَابٌ يا رسولَ الله, فرفعَ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَدَهُ وتَنَحَّى جانبًا, كان خالدٌ - رضوان الله عليه - عند خالتِهِ في بيتِ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: حرامٌ هو يا رسول الله؟ فقال: لا, ولكنه طعامٌ لم أجده بديارِ قومي فأجدُ نفسي تَعَافُهُ - فأجدُ نفسي تكرهه؛ لأني لم أعتد عليه ولم أتعود على النظرِ إلى مثلِهِ فضلًا عن الإقبالِ عليه طَاعِمًا وآكلًا -, وحينئذٍ لمَّا أخبرَ الرسولُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من لا يعافُهُ بأنَّه إنَّمَا امتنعَ عنه لا مِنْ أَجْلِ الحُرْمَةِ وإنَّمَا مِنْ أَجْلِ الطَّبْعِ والجِبِلَّةِ وأنَّه يَعَافُهُ - لا أكثر - أهوى إليه خالدٌ - رضوان الله عليه - فأكلَهُ رَضِيَ اللهُ ربُّ العالمينَ عنه وعن الصحابةِ أجمعينَ.
إذن؛ أمرُ الجِبِلَّةِ أمرٌ مقررٌ محترمٌ في الشرعِ, ومع ذلك تجدُ أصحابَ نبيِّنَا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستقيمُ غرائزُهُم تستقيمُ جِبِلَّاتُهُم على جِبِلَّةِ محمدٍ, وهي أعدلُ فطرةٍ قضاها ربُّ العالمينَ خَلْقًا قطُّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
وهذا أنسٌ - رضوان الله عليه – يقول: لم أكن أحبُّ الدُّبَّاءَ. وإنما كان يعافُهَا ويكرهُهَا, وإذا ما طُبِخَتْ في بيتِ أمِّ سُلَيْمٍ - وهي أمُّ أنس - ربما لم يقرب البيتَ حتى تذهبَ رائحتُهَا طُرًّا, ومع ذلك يقول: ولكني لما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحبُّهَا ويتتبعُهَا في جوانبِ الصَّحْفَةِ في جوانب القَصْعَةِ - كان النبيُّ يحبُّ الدُّبَّاءَ ويتتبعُهَا صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جوانبِ القصعةِ - قال: لما رأيتُ ذلك من النبيِّ صلي الله عليه و على آله وسلم وعلمتُهُ صِرْتُ أحبُّهَا, فهي من أحبِّ الأكلِ إليَّ, من أحبِّ الطعامِ إليَّ.
فانظر كيف استقامت الفطرةُ هاهنا على الفطرةِ السَّوِيَّةِ المستقيمةِ أعدلِ فطرةٍ قط وهي فطرةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ غيرِ أنْ يكونَ هناكَ شيءٌ مِنْ إلزامٍ, ومِنْ غيرِ أنْ يكونَ ذلك مُتَقَرَّبًا به في الحقيقةِ إلى اللهِ ربِّ العالمينَ, وإنَّمَا هي المحبةُ, وإنَّمَا هي المحبةُ تتغلغلُ في ثَنَايَا ذراتِ خلايا البدنِ حتى يستقيمَ الأمرُ على أمرِ المحبوبِ الأكبرِ وعلى أمرِ المُحَبِّ الأعظمِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وحينئذٍ تقتربُ فطرةٌ مِنْ فطرةٍ, وتستقيمُ قدمٌ على قدمٍ, وحينئذٍ تستقيمُ الجَادَّةُ ليلُها كنهارِهَا لا يَزِيغُ عنها ولا يَضِلُّ عنها إلا هالكٌ.
فالنبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانَ أصحابُهُ رضوان الله عليهم أكرمَ الخَلْقِ عندَ اللهِ ربِّ العالمينَ بعدَ الأنبياءِ والمرسلينَ, كان الصحابةُ يتأثرونَ محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ويتتبعونَ أحوالَهُ ظاهرةً وباطنةً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي اللهُ ربُّ العالمينَ عنهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
فلا تصدق أبدًا أنَّ واحدًا مِنْ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمكنُ أنْ يخالفَ النبيَّ عامِدًا, ولا تصدق أبدًا - فهو أبعدُ عن التصديقِ وأوغلُ في الخيالِ وفي أوديةِ الوَهَمِ - لا تصدق أبدًا أنَّ واحدًا مِنْ أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألصقَ بالدِّينِ ما ليسَ فيه أو اقتصَّ مُنْقِصًا مِنَ الدِّينِ ما هو فيه فذلك كذلك - أي: الزيادةُ في الدِّينِ و الحذف منه حذوَ النعلِ بالنعلِ -.
وأصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكرمُ وأعلى كعبًا وأنقى صدرًا وأصفحُ عندَ اللهِ ربِّ العالمينَ عن كُلِّ دَنِيَّةٍ لا يقربونها أبدًا, اللهُ ربُّ العالمينَ اختارَهُم لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم, تركوا ما تركَ, وأخذوا بما أخذَ, وتكلموا بما قال, وأَدَّوا الأمانةَ, ونصحوا الأمَّةَ, فرضوانُ اللهِ عليهم أجمعين.
أسألُ اللهَ جَلَّتْ قدرتُهُ وتقدست أسماؤُهُ أنْ يَحْشُرَنَا في زُمْرَةِ نبيِّنَا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنَّه على كُلِّ شيءٍ قديرٌ.
الخطبةُ الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صلاةَ وسلامًا دائمينِ متلازمينِ إلى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ:
فقد أخرجَ أبو داودَ والنَّسَائي وغيرُهُمَا عن الحِبِّ ابن الحِبِّ أسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنه وعن أبيه وعن أُمِّهِ أمِّ أيمنَ حاضنةِ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وأيمن هو أخو أسامةَ لِأُمِّهِ رضي الله عنه وعن أُمِّهِ وعن أبيه قال: «قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما لي أراكَ تصومُ في شهرِ شعبانَ ما لا تصومُ في غيرِهِ من الشهورِ - يعني خَلَا رمضان -؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذا شهرٌ يَغْفُلُ عنه أكثرُ النَّاسِ بينَ رجبٍ ورمضانَ, تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى اللهِ جَلَّ وعَلَا؛ فأنا أحبُّ أنْ يُرْفَعَ عملي فيه وأنا صائمٌ».
هذا حديثٌ صحيحٌ ثابتٌ يوضحُ فيه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّ الأعمالَ تُرفعُ الرفعَ السنويَّ, تُرفعُ الأعمالُ رفعًا يوميًّا كما هو معلوم إذ يتعاقبونَ فيكم بالليلِ والنهارِ ملائكةٌ كما أخبرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في صلاةِ الصبحِ وفي صلاةِ العصرِ, تُرفعُ الأعمالُ إلى اللهِ ربِّ العالمينَ هكذا يوميًّا, ثم تُعرضُ على اللهِ ربِّ العالمينَ كما مَرَّ في حديثِ مسلمٍ وغيرِهِ أنَّها تُعرضُ على اللهِ ربِّ العالمينَ, ويغفرُ اللهُ ربُّ العالمينَ إلا لمشركٍ ورَجُلٍ كانت بينَهُ وبينَ أخيهِ شحناء فيقولُ اللهُ جَلَّ وعَلَا: أَجِّلَا هذين - أَنْظِرَا هذين - حتى يَصْطَلِحَا, فهذا عرضٌ أسبوعيٌّ في كُلِّ يوم اثنين وخَميس.
ثُمَّ يأتي العَرْضُ السَّنَوِيُّ على ربِّ العِزَّةِ بأعمالِ خَلْقِهِ - جَلَّ وعَلَا - في شهرِ شعبان كما أخبرَ خليلُ الرَّحمنِ محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذا شهرٌ يَغْفُلُ عنه أكثرُ النَّاسِ إذ إنَّه يقعُ بينَ رجبٍ, وهو شهرٌ مِنَ الأشهرِ الحُرُمِ, والعربُ كانت حتى في جاهليتِهَا تقدسُ وتحترمُ الأشهرَ الحُرُم - فكيف واللهُ ربُّ العالمينَ نَصَّ على أنَّها حُرُمٌ بِحُرْمَةِ اللهِ ربِّ العالمينَ إلى أنْ يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها؟! -, فالعربُ كانت تُقَدِّسُهُ في الجاهليةِ, والمسلمونَ أشدُّ معرفةً لقدرِ الأشهرِ الحُرُمِ في هذا الإسلامِ العظيمِ, فالنَّاسُ يعرفونَ قَدْرَ شَهْرِ رجب, وأمَّا شهرُ رمضان فإنَّه شهرُ القرآنِ, وشهرُ القيامِ والذكرِ, وشهرُ الصيامِ, وهو شهرٌ معلومُ الفضيلةِ عند النَّاسِ كافةً, وأمَّا هذا الشهرُ شهرُ شعبان - وما سُمِّيَ شعبانَ إلا لأنَّهُم كانوا يتشعبونَ فيه في أمرِ الغزوِ إذ يخرجونَ مِنَ الشهرِ الحَرَامِ متعطشينَ إلى سفكِ الدماءِ كما كانَ الشأنُ في الجاهليةِ؛ فسُمِّيَ شعبان لهذا الأمرِ الذي مَرَّ ذِكْرُهُ - فيقولُ نبيُّنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنَّ هذا الشهرَ يقعُ بينَ شهرين معلومي القدرِ, معروفي الفضلِ عند النَّاسِ كافةً, وعليه فيغفُلُ عنه أكثرُ النَّاسِ, ثم إنَّه تُعْرَضُ فيه
(يُتْبَعُ)
(/)
الأعمالُ وتُرْفَعُ, وأنا أحبُّ أنْ يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ, هذا كلامُهُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإذا كانَ عملُهُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو العملُ الذي تتشرفُ به الإنسانيةُ, وتفخرُ به البشريةُ, والذي لا تجدُ فيه هَنَةً مِنَ الهَنَاتِ, ولا تجدُ فيه - حاشا لله - سقطةً مِنَ السَّقْطَاتِ, ومَعَ ذلكَ يُحِبُّ مع كمالِ تمامِ عملِهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنْ يرفعَ هذا العملُ العظيمُ إلى اللهِ ربِّ العالمينَ وهو صائمٌ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
في حالةٍ مِنْ حالاتِ شرفِ النَّفسِ معلومة لكل من كان صائمًا بالحقيقةِ, لكل مَنْ صامَ قلبُهُ وصامت جوارحُهُ تَبَعًا فصامَ تَصَوُّرُهُ وصامَ فكرُهُ وصامَ يقينُهُ عن الوقوعِ في كلِّ ما يُغْضِبُ اللهَ جَلَّ وعَلَا, لكل مَنْ كان صائمًا يعلمُ حالةَ شرفِ النَّفسِ التي تكونُ عليها النَّفسُ وشرفِ الروحِ عندما تكونُ موصولةً باللهِ ربِّ العالمينَ قاطعةً حاسمةً لمادةِ اللَّذةِ التي تجري في العروقِ بالشهواتِ لكي تصفوَ النفسُ مقتربةً من ربِّ الأرضِ والسماواتِ.
يُحِبُّ نبيُّكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم مَعَ كمالِ تمامِ عملِهِ أنْ يُعِرَضَ عملُهُ على اللهِ ربِّ العالمينَ وهو صائمٌ, فكيف بِمَنْ عملُهُ بجوارِ عملِ نبيِّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كَحَبَّةٍ من رَمْلٍ في صحراءَ متراميةِ الأطرافِ لا يبلغُ الطرفُ مَدَاهَا, ولا تنتهي القدمُ إلى مُنْتَهَاهَا؟
فكيف بِمَنْ عملُهُ بجوارِ عملِ نبيِّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كقطرةٍ في بحرٍ أو أقل؟
كيف والنِّسْبَةُ هاهنا غيرُ معقولةٍ ولا مفهومةٍ؟!
كيف لا يُحِبُّ المرءُ ولا يحرصُ الإنسانُ أنْ يُعْرَضَ عملُهُ في هذا الشهرِ على اللهِ ربِّ العالمينَ وهو صائمٌ كما كانَ الشأنُ عند نبيِّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟
ونعودُ لما بدأنا به مِنْ أمرِ أحاديثِ نبيِّنَا صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي صَحَّتْ في ليلةِ النصفِ من شعبان, فإنَّ العبادةَ العظيمةَ في ليلةِ النِّصفِ لم يأتِ بها أثرٌ مِنْ كتابٍ ولا مِنْ سُنَّةٍ, ولا مِنْ هَدْيِّ صاحبٍ ولا إجماعِ أُمَّةٍ, ولم يأتِ بها شيءٌ مِنَ الآثارِ ولو كانتْ ضعيفةً منقوصةً أنها تُخَصُّ بقيامٍ, أو أنَّها تُخَصُّ بعبادةٍ بِعَيْنِهَا دونَ ما يفعلُ الإنسانُ في سائرِ ليالِيهِ إنْ كانت تلكَ عادتُهُ, وإنْ كانَ كذلك دَأْبُهُ وكذلك يسيرُ مع اللهِ ربِّ العالمينَ باحثًا عن مَرْضَاةِ رَبِّهِ جَلَّ وعَلَا, فإن كانَ كذلكَ فلا بأسَ.
وأيضًا ليلةُ النِّصفِ مِنْ شعبان هكذا تَخْصِيصُهَا بالقيامِ شيءٌ لم يأتِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابِهِ رضوان الله عليهم أجمعينَ.
وأمَّا صيامُ النِّصفِ فإنْ كانَ تَخْصِيصًا لِتَوَهُّمِ مزيدِ فضلٍ فهذا ابتداعٌ في دِينِ اللهِ ربِّ العالمينَ لم يأتِ به أَثَرٌ مِنْ كِتَابٍ ولا مِنْ سُنَّةٍ ولا مِنْ فعلِ صاحبٍ ولا إجماعِ أُمَّةٍ, وأمَّا إنْ كانَ يصومُ الخامسَ عَشَر مِنْ شهرِ شعبان على أنَّه مِنَ الأيامِ الغُرِّ البِيضِ فهذه بِذَاتِهَا قد وَرَدَ فيها النَّصُّ الصحيحُ, وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم حريصًا على أنْ يصومَ الأيامَ البِيض, فإنْ وَقَعَ هذا اليومُ في عادةِ مَنْ يصومُ الأيامَ الغُرَّ البِيضَ مِنْ كُلِّ شهرٍ هجريٍّ مباركٍ فهذا كذلك, وإلا فقد وَقَعَ في ابتداعٍ؛ إذ يحسبُ متوهمًا أنَّ النبيَّ حَضَّ على ذلك, وقد مَرَّ ذِكْرُ حالِ الحديثِ إذ هو حديثٌ مكذوبٌ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت ليلةُ النِّصفِ مِنْ شعبان فقوموا ليلَهَا, وصومُوا نهارَهَا». هذا كَذِبٌ مصنوعٌ مُخْتَلَقٌ موضوعٌ على نبيِّنَا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأمَّا ما هنالك مِنَ العبادةِ فقد وضَّحَهَا الحديثُ العظيمُ: «إلا لمشركٍ أو مشاحن».
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذن؛ فإنَّ العبادةَ الجليلةَ التي يحرصُ عليها المرءُ في ليلةِ النصفِ وفي كُلِّ ليالِي العامِ - بل في كُلِّ لحظةٍ من لحظاتِ العُمُرِ الذي أعطَاهُ اللهُ ربُّ العالمينَ هبةً لعبدٍ مِنْ عبادِهِ في دنياه - يحرصُ الإنسانُ على أنْ يكونَ مُبَرَّءًا مِنَ الشركِ مُنَزَّهًا عنه؛ لأنَّ اللهَ جَلَّتْ قدرتُهُ قد مضتْ مشيئتُهُ بأنْ لا يغفرَ أنْ يُشْرَكَ به, فلا يغفرُ اللهُ ربُّ العالمينَ من هذا الدِّيوَانِ شيئًا ولو كانَ يسيرًا - ولا يسيرَ فيه على الإطلاقِ -, إلا أنَّ المرءَ ينبغي أنْ يكونَ حريصًا في ليلةِ النصفِ مِنْ شعبان على أنْ يكونَ طاهرَ الجَنَانِ مُبَرَّأَ الأركانِ مِنْ أنْ يكونَ واقعًا فيما يغضبُ العزيزَ الدَّيَّانَ, بل يكونُ باحثًا عن مرضاةِ الرحيمِ الرحمنِ, على المرءِ أنْ يكونَ مجتهدًا في الخَلَاصِ مِنَ الشركِ ظاهرًا وباطنًا بتصفيةِ القلبِ مما يَعْلَقُ به من الشوائبِ وما يجرُّ إليه الشركُ مِنْ تلك المادةِ القذرةِ بالحَمْئَةِ المسنونةِ من تلك الشحناءِ بالبغضاءِ بالغِلِّ بالحسدِ.
ويا لله! هل تجدُ أحدًا من المسلمينَ نقيَّ الفطرةِ سَوِيَّ الطَّوِيَّةِ يمكنُ أنْ ينطويَ باطنُهُ على مثلِ هذا القَذَرِ لأحدٍ من المسلمين؟!
«ولا يؤمنُ أحدُكُم حتى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ» كما قالَ الرسولُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم, لا يؤمنُ أحدُكُم إيمانًا صحيحًا كاملًا مُعْتَبَرًا في ميزانِ اللهِ ربِّ العالمينَ مقبولًا عندَ اللهِ ربِّ العالمينَ حتى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ, فكيف بتلك المادةِ القذرةِ مِنَ الشحناءِ, مِنَ الحقدِ, مِنَ الغِلِّ, مِنَ الحسدِ, مِنَ البغضاءِ, تنطوي عليها نَفْسٌ مشوهةٌ حتى يَتَشَوَّهَ الظاهرُ تَبَعًا؟!
ويا لله! والله لو كُشِفَ الحجابُ لرأيتَ هناك نُفُوسًا وراءَ تلكَ المادةِ العظميةِ الجلديةِ اللحميةِ نُفُوسًا سَبُعِيَّةً ونُفُوسًا كَلْبِيَّةً, إلى غيرِ ذلك مِنْ أجناسِ الحيواناتِ, كُلٌّ على حسبِ ما صارَ إليهِ مِنْ تلكَ الميزاتِ التي تميزتْ بها تلك الحيوانات, فنسألُ اللهَ أنْ يُطَهِّرَنَا مِنَ المَعَائِبِ ظاهرًا وباطنًا إنَّهُ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ.
العبادةُ العظيمةُ - عبادَ اللهِ! - في هذه الليلةِ إنَّما هي بتخليةِ القلبِ للهِ ربِّ العالمينَ مُبَرَّءًا مِنْ كُلِّ عيبٍ, مُنَزَّهًا مِنْ كُلِّ شركٍ, مُوَحِدًا ربَّهُ جَلَّ وعَلَا توحيدًا صحيحًا بالانطراحِ بينَ يديهِ, وبالانطراحِ على عتباتِ رَحَمَاتِهِ راجيًا ما عندَهُ مِنَ الفضلِ, خائفًا مما لديهِ مِنَ العقابِ والعذابِ أنْ ينزلَ بساحتِهِ, راجيًا وخائفًا, مقبلًا لا مُدْبِرًا, متقصيًا أثرَ نبيِّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظاهرًا وباطنًا, بعيدًا عن كُلِّ حقدٍ وغشٍ وحسدٍ, مُنَقِّيًا لذاتِهِ مِنْ داخلِهَا, مخمومَ القلبِ كما قال رسولُ الربِّ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أفضلُ النَّاسِ مَنْ كانَ صدوقَ اللسانِ مخمومَ القلبِ, الذي لا ينطوي على إثمٍ ولا بغي, التقيُّ النقيُّ الذي لا إثمَ فيه ولا بغي, ولا غِلَّ فيه ولا حقدَ ولا حسدَ».
هذا حديثٌ ثابتٌ عن نبيِّكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوضحُ أفضلَ النَّاسِ عند اللهِ وأكرمَ النَّاسِ في ميزانِ اللهِ ربِّ العالمينَ مَنْ هَذَّبَ النَّفْسَ وصَفَّاهَا, وَرَقَّ القَلْبَ وأعلاهُ على منهجِ اللهِ ربِّ العالمينَ كتابًا وسُنَّةً, وأمَّا مَنْ دَسَّاهَا فقد خابَ كما قَرَّرَ ربُّنا جَلَّ وعَلَا في كتابِهِ العظيمِ.
على المرءِ أنْ يُصْلِحَ ما أفسدَهُ, وعلى الإنسانِ أنْ يَصِلَ ما قطعَهُ, وعلى المرءِ أنْ يكونَ مُتَوَقِّيًا حَذِرًا, فإنَّ التقوى كما بَيَّنَ أُبَيٌّ - رضوان الله عليه - للفاروقِ عمرَ - رضي الله عنه وأرضاه - إذ يسألُهُ وهو الفاروقُ الذي أتَاهُ اللهُ ربُّ العالمينَ ما آتاهُ مِنَ الخيرِ والفضلِ والعطاءِ الجزيلِ, الذي يقولُ فيهِ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنَّه مِنَ المُحَدَّثِينَ, مِنْ أصحابِ الإلهامِ, كانَ يتنزلُ القرآنُ على ما يَرَى في كثيرٍ مِنَ المواضعِ كما هو معلومُ - رضوان الله عليه وعلى الصحابةِ أجمعينَ -, لا يستنكفُ أنْ يسألَ إذا لم يعلم عن الأمرِ الذي لا يعلمُهُ مَنْ يَعْلَمُهُ, فيقولُ: يا أُبَي! ما التقوى؟ فيقولُ:
(يُتْبَعُ)
(/)
يا أميرَ المؤمنينَ: أمَا سِرْتَ في طريقٍ ذِي شوكٍ؟ قالَ: بلى. قال: ما صَنَعْتَ؟ قال: شَمَّرْتُ واجتهدتُ. قال: فتلكَ التقوى.
فانظر إلى هذا الصحابيِّ الجليلِ - الذي هو أَقْرَأُ أُمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كيفَ نَوَّرَ اللهُ ربُّ العالمينَ بَصِيرَتَهُ, وألقَى اللهُ ربُّ العالمينَ النُّورَ على لسانِهِ, وحَمَلَ عمرَ - رضوان الله عليه - حَمَلَهُ من وادِي المعاني إلى وادي المبانِي, وأخذَ بيدِهِ - رضوان الله عليهِمَا - إلى وسيلةٍ توضيحيةٍ تعليميةٍ ظاهرةٍ بأمرٍ حسيٍّ معلومٍ مُشَاهَدٍ - بل هو مُجَرَّبٌ -؛ لأنَّهُ سألَهُ عمَّا يصنعُ عندما يسيرُ في طريقٍ ذي شوكٍ, فَقَرَّرَهُ بدءًا: أمَا سِرْتَ في طريقٍ ذي شوكٍ؟ فعادت في المَخِيلَةِ الذهنيةِ العُمَرِيَّةَ وقائعُ مرتْ - وهي كثيرةٌ -, إذ كان يرعَى الغنمَ للخَطَّابِ, وكان الخَطَّابُ غليظَ الطبعِ جدًّا؛ فكان يضرِبُهُ ويُجِيعُهُ ويؤذيهِ كما أخبرَ هو عن أبيهِ بَعْدُ - رضوان الله عليه -, وكان يُدْعَى (عُمَيْرًا) , كان يُدْعَى (عُمَيْرًا) فَسُمِّيَ عُمَر - رضوان الله عليه -, كان مُتَوَقِّيًا, واللهُ ربُّ العالمينَ شهيدٌ على ذلكَ خبيرٌ به, إذ كانَ يَخْطبُ يومًا ومُسترسلًا في خَطَابَتِهِ كما ينبغي أنْ يكونَ لسانُ الفاروقِ - رضوان الله عليه -, ثم فجأةً حَادَ عن النهجِ الذي كانَ فيه سالكًا, وحادَ عن القصدِ الذي كانَ إليهِ قاصدًا, ثم أخذَ يقولُ مخاطبًا نفسَهُ: يا ابن الخَطَّابِ! لقد كنتَ وَضِيعًا فَرَفَعَكَ اللهُ, وكنتَ ذَلِيلًا فَأَعَزَّكَ اللهُ, وكنتَ تُدْعَى (عُمَيْرًا) فأصبحتَ تُسَمَّى (عُمَر) , وكنتَ, وكنتَ, وكنتَ .... , حتى صِرْتَ أميرًا للمؤمنينَ. ثمَّ عاد إلى وَصْلِ ما انقَطَعَ من خُطْبَتِهِ, فلمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عليه صحبُهُ فقالوا: سمعنَا منكَ اليومَ حديثًا عجبًا, فأيُّ شيءٍ هذا؟! قال: إنِّي قد أعجبتني نفسِي في حالِ خَطَابَتِي فأردتُ أنْ أُؤدِّبَهَا, وأنْ أُلْزِمَهَا حَدَّهَا, وأنْ أُعَرِّفَهَا قَدْرَهَا - رضوان الله عليه -.
ومع ذلك وهو مُعَلِّمُ التقوى الخبيرُ بمسالكِهَا, النَّبِيهُ لجميعِ مَزَالِقِهَا, الحريصُ على تَتَبُّعِ كُلِّ ما أتى فيها يسألُ أُبَي - رضوان الله عليه -: ما التقوى يا أُبَيُّ؟ فيأخذُ أُبَيٌّ يدَاهُ إلى جَادَّةِ المعلومِ المُشاهدِ المُجَرَّبِ: أمَا سِرْتَ في طريقٍ ذي شوكٍ وأنتَ ترعى للخَطَّابِ أغنامَهُ, وأنتَ سائرٌ في سبيلِ اللهِ ربِّ العالمينَ مجاهدًا, وأنتَ تَعُسُّو بالليلِ تتفقدُ أحوالَ الرَّعِيَّةِ التي جعلَهَا اللهُ ربُّ العالمينَ مُعَلَّقَةً بخيطِ رقبتِكَ, أمَا سِرْتَ في طريق ذي شوكٍ؟ قال: بلى. قال: مَا صنعتَ؟ قال - في لَفْتَةٍ عُمَرِيَّةٍ ذكيةٍ مختصرةٍ مِنْ غيرِ ما إسهابٍ ولا تعويلٍ على كلامٍ لا يُفيد قالَ -: شَمَّرْتُ واجتهدتُ.
وانظر إليه مُشَمِّرًا وقد بانتْ ساقُهُ - رضوان الله عليه -, وقد أخذَ بِحُجْزَةِ إِزَارِهِ له رافعًا, ثم هو مجتهدٌ يجعلُ الخَطْوَ رفيقًا, ويجعلُ الأناةَ رائدًا, ويجعلُ التمهلَ سائقًا, وينزلُ على أطرافِ الأصابعِ يُمَكِّنُ لرجلِهِ لقدمِهِ شيئًا مِنْ بعدِ شيءٍ يَتَوَقَّى, فإذا ما أحسَّ بأولِ أثرٍ مِنْ ألمٍ تَوَقَّى عن الألمِ رافعًا, يقولُ: فتلكَ التقوى يا أميرَ المؤمنينَ.
وهذا دربُ الحياةِ مليءٌ بأشواكِهَا, مليءٌ بأشواكِ الحياةِ في التعاملِ مع الخَلْقِ, في التعاملِ مَعَ الخَلْقِ المُفْضِي حتمًا إلى شحناءَ لا يحبُّهَا اللهُ ربُّ العالمينَ ولا يرضَاهَا, إلى أحقادٍ وأحسادٍ, إلى همومٍ و غُمومٍ, إلى ظلمٍ وطغيانٍ وعُدْوَانٍ, وكذا التعاملُ مَعَ البشرِ, كما قالَ الشاعرُ الأولُ:
عَوَى الذئبُ فَاسْتَأْنَسْتُ بالذئبِ إذ عَوَى ... وَصَوَّتَ إنسانٌ فكدتُّ أطيرُ
هكذا, هكذا في دربِ الحياةِ في أشواكِهَا, فعلى المرءِ أنْ يكونَ مُتَوَقِّيًا, وأنْ يُعْطِيَ كَلَّ ذي حقٍّ حَقَّهُ, وأنْ يأخذَ بزمامِ القلبِ بيدٍ مِنْ حديدٍ حتى يُقِيمَهُ على صراطِ ربِّنَا الحميدِ حتى لا يَزِلَّ ولا يَضِلَّ, وحتى لا يأخذَ الهَوَى بزمامِ قلبِهِ فيُطَوَّحَ به في مَطَارِحَ لا تليقُ بمؤمنٍ أبدًا فضلًا عن أنْ يكونَ محسنًا, فضلًا عن أنْ يكونَ للغفرانِ راجيًا.
(يُتْبَعُ)
(/)
فهذا هذا - عبادَ اللهِ! -, فليلةُ النصفِ فيها هذا الفضلُ, فيها عمومُ المغفرةِ إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ.
فاللهمَّ! طَهِّرَنَا وبَرِّئْنَا من الشركِ ظاهرًا وباطنًا.
اللهمَّ! طهرنَا مَنَ الشحناءِ ظاهرًا وباطنًا.
اللهمَّ! أحسنْ أحوالَنَا, وأخلص نياتِنَا.
اللهمَّ! أحسن أحوالَنَا, أحسن أحوالَنَا, وحَسِّنْ أعمالَنَا, وأخلص نياتِنَا لوجهِكَ الكريمِ يا ربَّ العالمينَ! ويا أرحمَ الراحمينَ! ويا أكرمَ الأكرمينَ.
اللهمَّ! أَحْيِنَا ما عَلِمْتَ الحياةَ خيرًا لَنَا, وتَوَفَّنَا إذا كانت الوفاةُ خيرًا لَنَا.
اللهمَّ! أَحْيِنَا ما عَلِمْتَ الحياةَ خيرًا لَنَا, وتَوَفَّنَا إذا كانت الوفاةُ خيرًا لَنَا.
اللهمَّ! أَحْسِنْ خاتمَتَنَا - يا ربَّ العالمينَ! -.
اللهمَّ! إِنَّا نعوذُ بِكَ أنْ يَتَخَبَّطْنَا الشيطانُ عندَ الموتِ, نعوذُ بِكَ أنْ يَتَخَبَّطْنَا الشيطانُ عندَ الموتِ.
اللهمَّ! طَهِّرْ قلوبَنَا, طَهِّرْ قلوبَنَا.
اللهمَّ! طَهِّرْ قلوبَنَا, طَهِّرْ قلوبَنَا, بَلِّغْنَا مِمَّا يُرْضِيكَ آمالَنَا, بَلِّغْنَا مِمَّا يُرْضِيكَ آمالَنَا.
اللهمَّ! ثَبِّتْ أقدامَنَا, واهْدِ قلوبَنَا, اهْدِ قلوبَنَا, اهْدِ قلوبَنَا.
اللهمَّ! اسْلُلْ سَخِيمَةَ قلوبِنَا, اسْلُلْ سَخِيمَةَ قلوبِنَا.
اللهمَّ! اسْلُلْ حقدَ قلوبِنَا, اسْلُلْ حسدَ قلوبِنَا, اسْلُلْ غِلَّ قلوبِنَا.
اللهمَّ! اغفرْ لَنَا ولإخوانِنَا الذينَ سبقونَا بالإيمانِ, ولا تجعلْ في قلوبِنَا غِلًّا للذينَ آمنُوا.
اللهمَّ! لا تجعلْ في قلوبِنَا غِلًّا للذينَ آمنُوا. اللهمَّ! لا تجعلْ في قلوبِنَا غِلًّا للذينَ آمنُوا.
اللهمَّ! خُذْ بأيدِينَا إليكَ, وأَقْبِلْ بقلوبِنَا عليكَ.
اللهمَّ! يا ربَّ العالمينَ! ويا أرحمَ الراحمينَ! ويا أكرمَ الأكرمينَ! ويا ذَا القوةِ المتين! اللهمَّ! أَدْرِكْ أُمَّةَ نبيِّكَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم. اللهمَّ! أَلِّفْ بينَ قلوبِ أبنائِهَا, أَلِّفْ بينَ قلوبِ أبنائِهَا.
اللهمَّ اجمعْ شملَ المسلمينَ, اجمعْ شملَ المسلمينَ, وَحِّدْ صفوفَ المسلمينَ.
اللهمَّ اسْتُرْ عوراتِ المسلمينَ, وآمِنْ روعَاتِ المسلمينَ. اللهمَّ! آمِنْ روعَاتِ المسلمينَ.
اللهمَّ! احْقِنْ دماءَ المسلمينَ. اللهمَّ! سَلِّمْ وطنَنَا وجميعَ أوطانِ المسلمينَ, سَلِّمْ وطنَنَا وجميعَ أوطانِ المسلمينَ, وطَهِّرْ أرضَ المسلمينَ - يا ربَّ العالمينَ! - مِنْ كُلِّ غَازٍ معتدٍ أثيمٍ.
يا أكرمَ الأكرمينَ! ويا أرحمَ الراحمينَ! ويا ذَا القوةِ المتين! أَلِّفْ بينَ قلوبِ المسلمينَ حُكَّامًا ومحكومينَ, واجْمَع الجميعَ على طاعتِكَ - يا ربَّ العالمينَ! -.
اللهمَّ! خُذْ بأيدِينَا إليكَ, وأَقْبِلْ بقلوبِنَا عليكَ. اللهمَّ! احْرُسْنَا بعينِكَ التي لا تنامُ, وبِرُكْنِكَ الذي لا يُضَامُ, وبقدرتِكَ علينَا, لا نَهْلِكُ وأنتَ رَجَاؤُنَا.
اللهمَّ! اخْتِمْ لَنَا بِخَاتِمَةِ السَّعَادَةِ أجمعينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ.(/)
هل من مترجم للدكتور إمام عبد الفتاح إمام صاحب الكتب الفلسفية؟؟
ـ[أبو دجانة السلفي]ــــــــ[10 - Jul-2009, مساء 10:40]ـ
هل من مترجم للدكتور إمام عبد الفتاح إمام صاحب الكتب الفلسفية؟؟
ـ[أبو دجانة السلفي]ــــــــ[18 - Jul-2009, مساء 07:01]ـ
????????????
ـ[أبو الطيب المتنبي]ــــــــ[18 - Jul-2009, مساء 07:30]ـ
هل بحثت في تتمة الأعلام، أو ذيل الأعلام، أو نثر الدرر للمرعشلي، أو إتمام الأعلام لنزار أباظة و محمد رياض المالح
إذا لم تجدها في تيك الكتب فاكتب لي تاريخ وفاته حتى أعرف أن أبحث لك عن الترجمة(/)
الحيز والمكان والجهة والخلاء
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[10 - Jul-2009, مساء 11:16]ـ
الحيز والمكان والجهة والخلاء
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن البدعة لو كانت باطلا محضا لظهرت وبانت وما قبلت , ولو كانت حقا محضا لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة؛ فإن السنة لا تناقض حقا محضا لا باطل فيه , ولكن البدعة تشتمل علي حق وباطل.
درء التعارض (1|120)
ولو تأمل طالب العلم في كثير من ضلالات أهل البدع وأخطائهم , لوجدها على هذا النحو , ظاهرها التنزيه وحقيقتها التعطيل والتحريف , وقد يكون من أسباب الخلط الاعتقاد قبل الاستدلال , فأخذ كثير من القواعد والأقوال على وجه التسليم ثم البناء على هذا الاعتقاد الخاطئ أو التسليم الفاسد ,وهذا بين في كثير من المسائل التي خلط فيها أهل البدع.
ومن مسائل ذلك نفي صفة العلو لله تعالى التي دل على إثباتها مئات النصوص والتي هي من الضروريات ومعارضتها بالأقيسة النظرية والعقلية والشبه الفلسفية.
الأشاعرة ومعتقدهم فوق العالم أو خارج العالم
يعتقد الأشاعرة أن فوق العالم أو خارجه خلاء , ويعنون بالخلاء الفراغ الموهوم الذي يمكن أن يحل فيه الشيء.
ففي شرح المواقف: (وأما) الخلاء (خارج العالم فمتفق عليه) إذ لا تقدر هناك بحسب نفس الأمر (فالنزاع) فيما وراء العالم إنما هو (في التسمية بالبعد فإنه عند الحكماء عدم محض) ونفي صرف (يثبته الوهم) ويقدره من عند نفسه، ولا عبرة بتقديره الذي لا يطابق نفس الأمر، فحقه أن لا يسمى بعداً ولا خلاء أيضا. (وعند المتكلمين) هو (بعد) موهوم كالمرفوض فيما بين الأجسام على رأيهم.
شرح المواقف (1|566) للجرجاني
وهذا الخلاء عند الأشاعرة منهم من يجعله أمرا عدميا وهم الأكثر , ومنهم من يجعله أمرا وجوديا كالرازي.
وقد رد عليهم ابن رشد فقال: وليس لهم أن يقولوا: إن خارج العالم خلاء , وذلك أن الخلاء قد تبين في العلوم النظرية امتناعه لأن ما يدل عليه اسم الخلاء ليس هو شيئا أكثر من أبعاد ليس فيها جسم أعني طولا وعرضا وعمقا لأنه إن وقعت الأبعاد عنه عاد عدما , وإن أنزل الخلاء موجودا لزم أن تكون أعراض موجودة في غير جسم وذلك لأن الأبعاد هي أعراض من باب الكمية.
الكشف عن مناهج الأدلة (148)
وقال ابن رشد: والمقدمة .. القائلة إن العالم في خلاء يحيط به كاذبة أو غير بينة بنفسها ,ويلزم عن وضعه هذا الخلاء أمر شنيع عندهم وهو أن يكون قديما، لأنه إن كان محدثا احتاج إلى خلاء.انتهى
بيان تلبيس الجهمية (1|222)
فترتب على هذا الاعتقاد أن خارج العالم أو فوقه خلاء وفراغ موهوم , ومنهم من يجعله وجودي دخلت شبهة الحيز والجهة والمكان.
الحيز , المكان , الجهة
فقالوا: لو كان فوق العرش ولو كان مختصا بجهة العلو للزم من ذلك أنه متحيز أو في مكان أو في جهة.
قال ابن رشد: والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هو أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان, وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية.
الكشف عن مناهج الأدلة (145)
وقد رد العلماء عن من هذه الشبه بدقة متناهية , وأصول منضبطة , توافق السمع والنظر والعقل واللغة والفطرة.
ومن تلك الأصول طلب الاستفسار عن المعاني التي لم ترد في الكتاب والسنة , فالتفصيل في مثل هذه الألفاظ يزيل الإشكال.
فهؤلاء أخذوا هذه الألفاظ بالاشتراك وتوهموا وأوهموا إذا كان له صفة العلو كان في جهة أو حيز أو مكان كما يكون الإنسان في بيته ثم رتبوا على ذلك أنه يكون محتاجا إلى غيره , والله تعالى غني عن كل ما سواه , وهذا موضع الاشتباه , ولذلك أجاب أهل السنة عن ذلك بالاستفصال عن المراد بهذه الألفاظ.
فهذه الألفاظ تحتمل أمورا وجودية وأمورا عدمية , فإن كانت وجودية فأهل السنة ينزهون الله تعالى عن الحلول في شيء من مخلوقاته , وإن كانت عدمية , فالعدم لا شيء , ولا إشكال في وصف الله تعالى بالعلو , وإليك التفصيل:
الحيز
(يُتْبَعُ)
(/)
قال شيخ الإسلام: إن المتحيز في لغة العرب التي نزل بها القرآن يعنى به ما يحوزه غيره كما في قوله تعالى: {أو متحيزا إلى فئة} فهذا تحيز موجود يحيط به موجود غيره إلى موجودات تحيط به , وسمى متحيزا لأنه تحيز من هؤلاء إلى هؤلاء , والمتكلمون يريدون ب التحيز ما شغل الحيز والحيز عندهم تقدير مكان ليس أمرا موجودا؛ فالعالم عندهم متحيز , وليس في حيز وجودي, والمكان عند أكثرهم وجودى.
الرد على المنطقيين (1|239)
وقال: وأما التحيز الذي يعنيه المتكلمون فأعم من هذا فإنهم يقولون العالم كله متحيز , وإن لم يكن في شيء آخر موجود إذ كل موجود سوى الله؛ هو من العالم وقد يفرقون بين الحيز والمكان فيقولون الحيز تقدير المكان , وكل قائم بنفسه مباين لغيره بالحهة متحيز عندهم , وإن لم يكن في شيء موجود.
ولهذا يقول بعضهم: التحيز من لوازم الجسم ويقول بعضهم: هو من لوازم القيام بالنفس كالتحيز والمباينة , وعلى هذا التفسير فالحيز إما وجودي وإما عدمي فإن كان عدميا فالقول فيه كالقول في معنى الجهة العدمية , وإن كان وجوديا فإما أن يراد به ما ليس خارجا أو ما هو خارجا عنه فالأول مثل حدود المتحيز وجوانبه فلا يكون الحيز شيئا خارجا على المتحيز على هذا التفسير , وأما أن يعني به شيء موجود منفصل عن المتحيز خارج عنه فهذا هو التفسير الأول وليس غير الله إلا العالم؛ فمن قال إنه في حيز موجود منفصل عنه فقد قال: إنه في العالم أو بعضه , وهذا مما قد صرحنا بنفيه , وإذا كان كذلك فلا بد من تفصيل المقال ليزول هذا الإبهام والإجمال.
الفتاوى الكبرى (6|357)
وقال: وأما لفظ المتحيز فهو في اللغة اسم لما يتحيز إلى غيره كما قال تعالى {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة} وهذا لا بد أن يحيط به حيز وجودي , ولا بد أن ينتقل من حيز إلى حيز , وعلم أن الخالق جل جلاله لا يحيط به شيء من مخلوقاته؛ فلا يكون متحيزا بهذا المعنى اللغوي , وأما أهل الكلام فاصطلاحهم في المتحيز أعم من هذا؛ فيجعلون كل جسم متحيز والجسم عندهم ما يشار إليه فتكون السموات والأرض وما بينهما متحيزا على اصطلاحهم وإن لم يسم ذلك متحيزا في اللغة , والحيز تارة يريدون به معنى موجودا وتارة يريدون به معنى معدوما , ويفرقون بين مسمى الحيز ومسمى المكان؛ فيقولون المكان أمر موجود , والحيز تقدير مكان عندهم؛ فمجموع الأجسام ليست في شيء موجود؛ فلا تكون في مكان وهي عندهم متحيزة , ومنهم من يتناقض فيجعل الحيز تارة موجودا وتارة معدوما كالرازي وغيره كما بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع؛ فمن تكلم باصطلاحهم وقال إن الله متحيز بمعنى أحاط به شيء من الموجودات فهذا مخطىء؛ فهو سبحانه بائن من خلقه وما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق , وإذا كان الخالق بائنا عن المخلوق امتنع أن يكون الخالق في المخلوق وامتنع أن يكون متحيزا بهذا الاعتبار , وإن أراد بالحيز أمرا عدميا؛ فالأمر العدمي لا شيء, وهو سبحانه بائن عن خلقه؛ فإذا سمي العدم الذي فوق العالم حيزا , وقال يمتنع أن يكون فوق العالم لئلا يكون متحيزا؛ فهذا معنى باطل لأنه ليس هناك موجود غيره حتى يكون فيه , وقد علم بالعقل والشرع أنه بائن عن خلقه كما بسط في غير هذا الموضع.
بيان تلبيس الجهمية (1|521)
الجهة
قال شيخ الإسلام: وقد قدمنا فيما مضى أن لفظ الجهة يراد به أمر موجود وأمر معدوم؛ فمن قال إنه فوق العالم كله لم يقل أنه في جهة موجودة إلا أن يراد بالجهة العرش ,ويراد بكونه فيها أنه عليها كما قيل في قوله: أنه في السماء: أي على السماء , وعلى هذا التقدير؛ فإذا كان فوق الموجودات كلها وهو غني عنها لم يكن عنده جهة وجودية يكون فيها فضلا عن أن يحتاج إليها, وإن أريد بالجهة ما فوق العالم؛ فذلك ليس بشيء ولا هو أمر وجودي حتى يقال أنه محتاج إليه أو غير محتاج إليه , وهؤلاء أخذوا لفظ الجهة بالاشتراك وتوهموا وأوهموا إذا كان في جهة كان في شيء غيره كما يكون الإنسان في بيته ثم رتبوا على ذلك أنه يكون محتاجا إلى غيره والله تعالى غني عن كل ما سواه وهذه مقدمات كلها باطلة.
بيان تلبيس الجهمية (1|520)
المكان
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال: وما ذكره ابن رشد في اسم المكان يتوجه من يسلم له مذهب أرسطو , وأن المكان هو السطح الداخل الحاوي المماس للسطح الخارج المحوي , ومعلوم أن من الناس من يقول: إن للناس في المكان أقوالا آخر منهم؛ من يقول: إن المكان هو الجسم الذي يتمكن غيره عليه ومنهم من يقول: إن المكان هو ما كان تحت غيره وإن لم يكن ذلك متمكنا عليه ومنهم من يزعم أن المكان هو الخلاء وهو أبعاد
والنزاع في هذا الباب نوعان: أحدهما معنوي كمن يدعي وجود مكان هو جوهر قائم بنفسه ليس هو الجسم وأكثر العقلاء ينكرون ذلك.
والثاني: نزاع لفظي وهو من يقول المكان من يحيط بغيره يقول آخر: ما يكون غيره عليه أو ما يتمكن عليه.
ولا ريب أن لفظ (المكان) يقال على هذا وهذا ومن هنا نشأ تنازع أهل الإثبات: هل يقال: أن الله تعالى في مكان أم لا؟ هذا كتنازعهم في الجهة والحيز لكن قد يقر بلفظ الجهة من لا يقر بلفظ (الحيز) أو (المكان) وربما أقر بلفظ الحيز أو المكان ومن لا يقر بالآخر وسبب ذلك إما إتباع ما ورد أو اعتقاد في أحد اللفظين من المعنى المردود ما ليس في الآخر.
وحقيقة الأمر في المعنى أن ينظر إلى المقصود فمن اعتقد أن المكان لا يكون إلا ما يفتقر إليه المتمكن سواء كان محيطا به أو كان تحته؛ فمعلوم أن الله سبحانه ليس في مكان بهذا الاعتبار ومن اعتقد أن العرش هو المكان وأن الله فوقه مع غناه عنه فلا ريب أنه في مكان بهذا الاعتبار.
درء التعارض (3|221)
وقال: وأما علماء المسلمين فليس عندهم ولله الحمد من ذلك ما هو خفي بل لفظ المكان قد يراد به ما يكون الشيء فوقه محتاجا إليه كما يكون الإنسان فوق السطح , ويراد به ما يكون الشيء فوقه من غير احتياج إليه مثل كون السماء فوق الجو وكون الملائكة فوق الأرض والهواء وكون الطير فوق الأرض.
ومن هذا قول حسان بن ثابت رضي الله عنه
تعالى علوا فوق عرش إلهنا ... وكان مكان الله أعلى وأعظما
مع علم حسان وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله غنى عن كل ما سواه , وما سواه من عرش وغيره محتاج إليه , وهو لا يحتاج إلى شيء وقد أثبت له مكانا ... وقد يراد بالمكان ما يكون محيطا بالشيء من جميع جوانبه؛ فأما أن يراد بالمكان مجرد السطح الباطن أو يراد به جوهر لا يحس بحال؛ فهذا قول هؤلاء المتفلسفة , ولا أعلم أحدا من الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة المسلمين يريد ذلك بلفظ المكان وذلك المعنى الذي أراده أرسطو بلفظ المكان عرض ثابت لكن ليس هذا هو المراد بلفظ المكان في كلام علماء المسلمين وعامتهم ولا في كلام جماهير الأمم علمائهم وعامتهم ,وأما ما أراده أفلاطون فجمهور العقلاء ينكرون وجوده في الخارج وبسط هذه الأمور له موضع آخر
منهاج السنة (2|357)
وقال: أن يقال لفظ الحيز والمكان قد يعني به أمر وجودي وأمر عدمي وقد يعني بالمكان أمر وجودي وبالحيز أمر عدمي , ومعلوم أن هؤلاء المثبتين للعلو يقولون: إنه فوق سماواته وعلى عرشه بائن من خلقه , وإذا قالوا: إنه بائن من جميع المخلوقات؛ فكل ما يقدر موجودا من الأمكنة والأحياز فهو من جملة الموجودات فإذا كان بائنا عنها لم يكن داخلا فيها فلا يكون داخلا في شيء من الأمكنة والأحياز الوجودية على هذا التقدير , ولا يلزم قدم شيء من ذلك على هذا التقدير
وإذا قالوا: إنه فوق العرش لم يقولوا: إن العرش كان موجودا معه في الأزل بل العرش خلق بعد أن لم يكن وليس هو داخلا في العرش ولا هو مفتقر إلى العرش بل هو الحامل بقوته للعرش ولحملة العرش؛ فكيف يلزم على هذا أن يكون معه في الأزل؟ بل كيف يلزم على هذا أن يكون داخلا في العرش أو مفتقرا إليه وإنما يلزم ما ذكره من لا بد له من شيء مخلوق يحتوي عليه , وهذا ليس قول من يقول: إنه بائن عن جميع المخلوقات.
درء التعارض (3|266)
فالملخص: أن إثبات العلو لله جل وعلا لا يلزم منه الجهة والحيز والمكان الوجودي , وأما ما يتوهمه العقل من ذلك , فالعقل يفرض المستحيل والعدم , وهو عند التحقيق لا شيء , ومن اعتقد منهم أن خارج العالم خلاء وجودي فقد ناقض المعقول ولزم منه لوازم فاسدة كما تقدم من كلام ابن رشد.
والله أعلم.
ـ[أبو أويس الفَلاَحي]ــــــــ[10 - Jul-2009, مساء 11:52]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك .. الشيخ عبدالباسط الغريب
ـ[أسامة شبل السنة]ــــــــ[11 - Jul-2009, صباحاً 03:05]ـ
بارك الله فيك أجدت وأفدت وأحسنت ونفع الله بك
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 10:07]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
ـ[العاصمي من الجزائر]ــــــــ[15 - Sep-2010, مساء 10:00]ـ
يرفع .. رفع الله قدر كاتبه(/)
كيف يبحث سعيد فودة عن الحقيقة؟
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[10 - Jul-2009, مساء 11:41]ـ
هذا مقال لكاتب وباحث أردني من خلفية أشعرية كتب هذا المقال عن سعيد فودة في نقده لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
كيف يبحث سعيد فودة عن الحقيقة؟
محمد العواودة
من أهم ما يميز الفكر الصادق، أنه فكر حر، لا يبحث إلا عن الحقيقة، وهو ما يُلزم الذات بالاتصال والانفصال معرفيا مع موضوعها عند نقد المعرفة - التي تطلب الحق والحقيقة - بحسب ما يتوافر لها من حق على مطلب البحث، الذي تكون فيه الحقيقة مطلبا رئيسيا ليس إلا.
وتأسيسا على ذلك، فليس أظلم من ناقد للمعرفة، وهو يمارس النقد تحت طائل طلب الحقيقة، أن يدعي سلفا أنه توصل للحق " مطلقا "، والأظلم منه، أن يدعي الحق من فكر جاهز، فتكون الحقيقة هي ما تمثله تلك الأفكار والأحكام المعدة سلفا، والملقنة في اللاوعي تلقينا؛ حيث تكون الحقيقة امتصت امتصاصا من معارف مسبقة لتصديرها إلى الوعي العام كحقائق ويقينيات مطلقة، وإذ ذاك فان دعوى البحث الحر تكون تكرارا، وتكريسا للانتصار لتلك للمعرفة المعدة سلفا،أوتشويشا على الحقائق الأخرى التي تكون ضدا على مفاهيمه، أو حقائقه التي يرى أنها مطلقة، حيث يجب أن لا تخضع للخطأ أو للنقد.
هذا على الأقل، ما يمكن للمطالع في كتابات سعيد فودة أن يخرج به من تصورات وفهوم من تلك الكتابات، ومن تشخيص للذهنية التي يتحرك فيها هاجس الكاتب في صياغته للمعرفة التي يسميها " نقدا " لاستخلاص الحق من بين الفكر المضطرب، ولكن القاريء المدقق لتلك الكتابات،لا يحتاج إلى كبير جهد حتى يعرف من صريح عباراته انه لا ينتمي بشكل من الأشكال إلى الفكر الحر الذي يبحث عن الحقيقة، التي من أهم شروطها فصل الذات عن الموضوع كما قلنا، حتى يتسنى استخلاص الحق من بين اضطراب الأفكار.
كرس فودة معظم كتاباته في نقد المعارف الدينية التي أسس لها ابن تيمية، وهذا من حقه كباحث عن الحقيقة، ولكن النقد عندما ينطلق من هاجس معرفي آو موجه ايدولوجي، كما سيتبين لاحقا، فانه لا مجال لحاذق أن يسمي ذلك النقد نقدا ولا الحقيقة حقيقة وحقا، لأن الحقيقة ببساطة ستكون متصلة في الذات المتوترة، الملقنة بالأفكار والآراء المسبقة تلقينا، وهو بالضبط ما ينطلق به فودة في كتاباته.
وحيث أنه ليس من مقصود هذا المقال الدفع عن آراء وأفكار ابن تيمية وإن كانت جديرة بذلك، فيما أنتجه من معارف مميزة في دقيق المعرفة وجليلها، كباحث ومفكر غير ملقن، مع اعتقادنا أنه يطرد عليه من سنن الكون كما يطرد على غيره في غير المعصومين من احتمال للصواب والخطأ، وهو ما يستوجب على المنصف الدفع عما أصاب فيه وعذره فيما أخطأ فيه، إلا أن هذا المقال يحاول الكشف عن منهجية النقد التي مارسها فودة على آراء وأفكار ابن تيمية ونقدها، فإذا أبطلنا هذه المنهجية بالحكمة التي تقول " ما بني على باطل فهو باطل "، فلا حاجة للقاريء عندئذ أن يبحث في تفاصيل ما كتبه فودة.
أقام فودة منهجيته النقدية على أربعة أعمدة هي: الهدم بالتهمة، والبناء على الادعاء، والتغبيش على الواقع، والمصادرة على المطلوب بالحشو الفلسفي الزائد، وهذه المنهج يمكن لبسيط الدراية أن يتوصل إليه من كتابات الرجل بمجرد قراءة مقدمات كتبه، " نقض الرسالة التدمرية "، " الموقف "،" تدعيم المنطق " وهي الكتب التي تكشف بوضوح عن تلك التقية التي مارسها على متنه في نقد ابن تيمية.
الهدم بالاتهام
عندما يقبل الباحث على مشروع كتابة نقدية، يجب أن يتحلى بالإنصاف والتساوق مع المنهجية العلمية الصارمة التي تفصل الذات عن الموضوع، وتجعل الموضوع خاضعا بالكلية للجهاز المعرفي الذي يشتغل عليه في تحليله ونقده، كما يكون التفكيك بغيته الهدم والبناء معا بما توافق وتنافر مع ذلك الجهاز الذي يشتغل عليه، وليس مناطه الهوى والرغبة والاشتهاء، والتلبيس والمقايسة على فهوم معرفية مسبقة متوترة بهواجس المعرفة المؤدلجة، وهو ما نجده بتمام الكلام وكماله عند السيد فودة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبينما يكون من ضرورات المقدمة عند الكاتب المنصف أن يفصح عن جهازه المعرفي للقاريء الذي يرسم به مناهجيته في النقد والتحليل التي يميز بها الحق من بين الفكر المضطرب، لم يقدم فودة شيئا من ذلك، واستعاض بدلا منه بمنهجية الهدم بالاتهام المباشر على فكر ابن تيمية، انطلاقا من الملقن في الذهن، والممتص من المسبق، كقوله في مقدمة " نقض الرسالة التدمرية " وأما عندنا، فما كتبه – ابن تيمية – واضح في مذهب الضلال، ونص صريح في نصرة مذاهب المجسمة والكرامية المبتدعة، ونحن في ردنا عليه ونقضنا لكلامه لا يتوقف هجومنا لصد أفكاره وتوهماته على موافقة الناس لنا ( ... ) ولذلك فإنهم لما ناظروه وبينوا له أنه لا دليل له على ما يقول طلبوا منه الكف عن الدعوة لهذا المذهب البطال فلما أبى حكموا عليه بالسجن، وهو عقاب أمثاله ممن ناقض أهل الحق وتفرد برأيه ودعا الناس إليه من غير وجه حق، لما يحدث ذلك من اضطرابات وفتن " وكان الأجدى بفوده من هذا الاتهام والهجوم الذي يثير الفتن بين الناس الصادر عن تفرده وإعجابه برأيه، الذي لا يتوقف على موافقة الناس لفكره كما يقول، أن يثبت لهم هذه التهمة بما يضفيه من مصداقية على صفاءه المعرفي الخالص لوجه الله تعالى، وليس انطلاقا من أحكام ماضوية مسبقة.
البناء على الادعاء
وبينما يكون من واجبات البحث الأصيل أن لا يبنى على ادعاءات مسبقة، حتى لا تكون نتيجة البحث إعادة لمقولات مكرره، ومعاودة الاتصال بالمؤدلج، يصر فودة على السير في طريق سلفه من المخاصمين لابن تيمية، فمن خلال هذا الادعاء الذي لا يستند إلى منهجية معززة بجهاز معرفي، فان ذلك قد أعطى فودة قدرة على الحركة الاعتبارية والممارسة العقلية الغائية، التي تلتصق التصاقا بالسابق والمؤدلج، وباعتباره كذلك، فإنه سعى سعية في إلصاق السابق والمؤدلج بابن تيمية بادعاء أنه " ألف بين قطع مذهب التجسيم ورتبه ونظمه حتى أسس أركانه وكان يسميه بمذهب السلف مجانبة منه للصواب، وتعصبا لرأيه ومحض عناد، وقد ألف كتبه لنصرة المذهب والتبس الأمر على كثير من الخلق من العلماء والعوام " وهذا البناء المبني على اتهام مسبق بتضليل ابن تيمية يجعل القاريء يتعفف من الخوض في البناء الذي قامت عليه تفاصيل كتاباته.
التغبيش على الواقع
التغبيش على الواقع هو ثالث أثافي المنهج الذي اتبعه فودة، فالواقع أن أفكار ابن تيمية لاقت رواجا كبيرا في هذا العصر، وذلك لأسباب عدة، أهمهما أنها مؤطرة بجهاز معرفي تمفصلي، حيث مارس النقد على الفكر الإسلامي هدما وبناء على الجذر المعرفي الطبيعي للعصمة، وبالتالي فإنه مهما افترق أو اتفق مع الآخر، فإنه يبقى في المجال التداولي لذلك الجذر، وهو ما يبعد عنه تهمة التضليل والتعاند التي يتهمه بها فوده، عوضا عن ميزة التجديد التي تتمتع بها كتابات ابن تيمية، التي أتت على العرفان الباطني والبيان الفلسفي الكلامي، الذي غرقت به الأمة منذ الصدر الإسلامي الأول.
إن منهج التغبيش على الواقع الذي ابتدعه فودة، " ومن هذا الباب اهتممت أن أنقد بعض الكتب التي كتبها ابن تيمية، وذلك للأثر الكبير الذي يلاحظ لفكره على كثير من الناس في هذا العصر " يفسر غائية مضمرة في نفسه، وهو بالضبط ما ينكره عن نفسه وعن سابق معرفته وتلقينه " وقد ظن كثير من العوام وتابعهم على ذلك من انتسب إلى العلماء إن علماءنا المتقدمين الذين قاوموا أفكار ابن تيمية إنما فعلوا ذلك حسد من عند أنفسهم "، ونكرانه لهذا، هو في محل الإثبات بما اعترف به من انتشار فكر ابن تيمية في هذا العصر، وحسد له علاقة بالصعود الإسلامي الذي اتكأ على أفكار ابن تيمية في العصر الحديث.
المصادرة على المطلوب بالحشو الفلسفي الزائد
وهذا فن من فنون الفلسفة، تمكن المتفلسف من المراوغة وتتيح له الحركة خشية الاحتباس الفكري، الذي يمكن للخصم أن يثبته فيه، كما تمنحه مساحة ذهنية لممارسة التقية المعرفية التي تستبطن الذات، وتفريغها فلسفيا على الموضوع، وإن كان فودة يحاول إلصاق هذا النوع الفلسفي على ذات ابن تيمية " لأنه اعتاد إتباع أساليب لفظية تتيح له التهرب عند المسائلة، وتترك لمن لم يتيقن فهم مراده التشكك فيما قصده، والرجل لا نظن نحن فيه إلا أنه تقصد ذلك،"، لكن القاريء لكتابات فودة، سيرى مدى التصاق ما وصف فيه ابن تيمية ملتصقا في كتاباته، هي نفسها التي اعتمد فيها اعتمادا كبيرا على الحشو الكلامي والفلسفي، فيما قد ينجيه عند المتابع من الهروب من تقية التكريس للمذهب الأشعري " المتأخر " واحيائية جديدة لعلم الكلام، الذي كان ما كان منه في صناعة الفتن بين الأمة الإسلامية.
أخيرا، سيكشف المطالع في كتابات سعيد فودة مقدار الظلم الذي مارسه على ابن تيمية فيما اسماه " نقدا " باسم طلب الحقيقة، وفي حقيقتها ما هي إلا هدم يقوم على الادعاء من تلقينات كلامية وفلسفية مسبقة،وتغبيش على واقع انتشار فكر ابن تيمية كمصلح ومجدد في الأمة، وحشو فلسفي للتشويش على الحقيقة التي حاول نقضها وترسيمها بالتلقين من خصوم الإمام السابقين منهم واللاحقين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 04:20]ـ
بارك الله فيكم ..
وأسأل الله للكاتب التوفيق لما يُحب ويرضى.
ـ[العطاب الحميري]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 09:52]ـ
جزى الله الشيخ سليمان خيرا
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 10:05]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم(/)
كلام ابن حزم الاندلسي عن زنادقة الشعوبية الفارسية
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[11 - Jul-2009, صباحاً 10:26]ـ
قال الامام ابو محمد ابن حزم الاندلسي الفارسي رحمه الله:
والاصل في اكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الاسلام ان الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الامم وجلالة الخطير في انفسهم حتى انهم كانوا يسمون انفسهم الاحرار والابناء وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على ايدي العرب وكانت العرب اقل الامم عند الفرس خطراً تعاظمهم الامر وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الاسلام بالمحاربة في اوقات شتى ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق.
وكان من قائمتهم ستقادة واستاسيس والمقنع وبابك وغيرهم وقيل هؤلاء رام ذلك عمار الملقب بخداش وابو سلم السراج فراوا ان كيده على الحيلة انجع فاظهر قوم منهم الاسلام واستمالوا اهل التشيع باظهار محبة اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشناع ظلم علي رضي الله عنه ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى اخرجوهم عن الاسلام فقوم منهم ادخلوهم الى القول بان رجلاً ينتظر يدعى المهدي عنده حقيقة الدين اذ لا يجوز ان يؤخذ الدين من هؤلاء الكفار اذ نسبوا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الكفر وقوم خرجوا الى نبوة من ادعوا له النبوة وقوم سلكوا بهم المسلك الذي ذكرنا من القول بالحلول وسقوط الشرائع.
واخرون تلاعبوا فاوجبوا عليهم خمسين صلاة في كل يوم وليلة واخرون قالوا بل هي سبع عشر صلاة في كل صلاة خمسة عشر ركعة وهذا قول عبد الله بن عمرو بن الحرث الكندي قبل ان يصير خارجياً صغرياً وقد سلك هذا المسلك ايضاً عبد الله بن سبا الحميري اليهودي فانه لعنه الله اظهر الاسلام لكيد اهله فهو كان اصل اثارة الناس على عثمان رضي الله عنه واحرق علي بن ابي طالب رضي الله عنه منهم طوائف اعلنوا بالالهية.
ومن هذه الاصول الملعونة حدثت الاسماعيلية والقرامطة وهما طائفتان مجاهرتان بترك الاسلام جملة قائلتان بالمجوسية المحضة ثم مذهب مردك الموبذ الذي كان على عهد انوشروان ابن قيماد ملك الفرس وكان يقول بوجوب تاسي الناس في النساء والاموال.
قال ابو محمد فاذا بلغ الناس الى هذين الشعبين اخرجوه عن الاسلام كيف شاؤا اذ هذا هو غرضهم فقط فالله الله عباد الله اتقوا الله في انفسكم ولا يغرنكم اهل الكفر والالحاد ومن موه كلامه بغير برهان لكن بتمويهات ووعظ على خلاف ما اتاكم به كتاب ربكم وكلام نبيكم صلى الله عليه وسلم فلا خير فيما سواهما.
واعلموا ان دين الله تعالى ظاهر لا باطن فيه وجهر لا سر تحته كله برهان لا مسامحة فيه واتهموا كل من يدعوا ان يتبع بلا برهان وكل من ادعى للديانة سراً وباطناً فهي دعاوي ومخارق واعلموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها ولا اطلع اخص الناس به من زوجة او ابنة او عم او ابن عم او صاحب على شيء من الشريعة كتمه عن الاحمر والاسود ورعاة الغنم ولا كان عنده عليه السلام سر ولا رمز ولا باطن غير ما دعي الناس كلهم اليه ولو كتمهم شيئاً لما بلغ كما امر ومن قال هذا فهو كافر فاياكم وكل قول لم يبن سبيله ولا وضح دليله ولا تعوجاً عنما مضى عليه نبيكم صلى الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم.
المصدر كتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل ( http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=240&CID=3&SW= الاسماعيلية# SR1))
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[12 - Jul-2009, مساء 05:51]ـ
بارك الله فيكم ..
وهنا بحث يتعلق بشعوبية " الشيعة " منهم:
http://www.dd-sunnah.net/records/view/id/1808/
ـ[مرثد]ــــــــ[18 - May-2010, صباحاً 12:19]ـ
كلام نفيس
رحم الله الإمام(/)
الشيخ حامد العلي: العلاقة بين قضية مسلمي الأيغور،والمشروع الغربي لتقويض النهوض الصيني
ـ[ابو نذر الرحمان]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 09:56]ـ
العلاقة بين قضية مسلمي الأيغور، والمشروع الغربي لتقويض النهوض الصيني!
،
حامد بن عبدالله العلي
،
ليس بخاف علينا، الخوف الأمريكي من عملاق الصين الناهض، وأنَّ أمريكا تقود الغرب اليوم في مشروع تقويض النهوض الصيني، ومحاصرة الصين، وأنها ـ كما فعلت في قضيتي البوسنة، وكوسوفو على سبيل المثال ضدّ روسيا ـ لن تفوّت إستثمار فرصة التميّيز الصيني ضدّ الأقليات العرقية، والدينية، الصينية، إستثمارها لذلك المشروع.
،
ذلك أنَّ العبث بمثل هذه القضايا الداخلية، قد غدا لعبة مفضّلة يستمتع بها الغرب، لإزعاج القوى المنافسة له على المسرح الدولي.
،
وما عليك إلا أن تتجوّل في لندن، وواشنطن، وباريس .. إلخ، لترى (دكاكين) لكلّ أشكال المعارضة، السياسة، والطائفية، والعرقية، للدول التي يتوقّع الغرب أن يحتاج إلى إبتزازها، أو مساومتها، أو إزعاجها، يوما ما، من شيعة القطيف، إلى معارضي شافيز!
،
ولاريب أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية، لديها مثل هذه المشكلات، وجعبتها مليئة بالتمييز ضد الأقليات، وإضطهادهم، ولكن ليس ثمّة قوى عالمية منافسة للغرب، قادرة على أنْ تردّ صاعها هذا، بصاعين، وذلك لأسباب كثيرة، منها ما يملكه العالم الغربي، من مقدرات لايملكها غيره، وأقواها التنسيق التام بين مؤسساته العملاقة، فهو عندما يتعامل مع الحضارات العالمية المنافسة، يتعامل معها من منطلق أنَّه حضارة غربية واحدة، تتحرك بنسق واحد، وهذا ـ قاتله الله ـ من أعظم أسباب قوته.
،
ونعلم أنَّ حلم الغربيّين أن يفصلوا التبت، وكذلك الأيغور من الصين ـ والأيغور خاصة لأن معظم الصواريخ البالستية الصينية في إقليمهم الغني بالثروات أيضا ـ ليكونا مثل جورجيا، وما حولها، بإزاء روسيا، ليس لمنحها إستقلالا حقيقيّا، ولكن قواعد متقدِّمة، ومخالب قطّ، تحاصر التنين الصيني.
،
ولهذا فقد دعت ألمانيا كلَّ المعارضين الأيغور، الذين أتوْا إلى برلين من كلِّ فج عميق، لإقامة مؤتمرهم العام، الأسبوع الماضي، وتحدثوا عن إعادة إحياء إنفصال تركستان الشرقية، موطن الأيغور، التي ضمتها الصين في أربعينات القرن الماضي.
،
كما أنّنا لم ننس حلم (الشرق الأوسط الكبير)، وأنَّ هدفه هو تكوين هلال عملاق من دول تدور في الفلك الغربي، تشمل أفغانستان، وباكستان، وإيران ـ بعد تغيير النظام فيها ـ وعراق ما بعد الإحتلال الأمريكي، لتطويق الصين، وروسيا، يشبه ما كان يسمى (حلف بغداد) عام 1955م، الذي كان يشمل تركيا، والعراق والخليج الذي كان تحت بريطانيا، وباكستان، وإيران الشاه، للتصدي للتوسع الشيوعي آنذاك.
،
وندري أنّ الغربيين يريدون اليوم أنّ يثيروا قضية مسلمي الأيغور ـ ولاحظوا غض النظر الغربي عن مجاهدي الأيغور، والتغاضي عن إلحاقهم بما يسمى "الإرهاب" حتى تم استثناؤهم بمعاملة خاصة في غوانتنامو! ـ لا حبّا في الإسلام والمسلمين، ولا شفقة على حقوق الأقليات، بل ـ إضافة إلى ما ذكرنا أوّل المقال ـ لإظهار الصين بصورة الدولة المعادية للعالم الإسلامي، وذلك بعد أن نجحت الصين في منافسة الغرب، في الحصول على عقود فلكية في بعض الدول الإسلاميِّة، وأخذ التنين الصيني يستعرض قوَّته متجوِّلا في مناطق غنيَّة بالثروات، كان الغرب يراها حكراً عليه، لاسيما في أفريقيا.
،
كما أنه ليس بعازب عنَّا، أنَّ الصين منذ أن تأسست دولتها الحديثة، ليس لها تاريخ إستعماري خارج حدودها ضد أمّتنا، وحتىّ عندما دخلت شركاتها الكبرى في إفريقيا، لم تحشر أنفها كما يحشره الأمريكيون بغطرستهم المعهودة في كلِّ شيء، وقد ارتاح الإفريقيون لهذا الشريك المسالم الجديد.
،
ولم تفعل ما فعله الغرب فينا من الكوارث، والمآسي، بدأ من تأسيس الكيان الصهيوني وحمايته، ومروراً بالإستعمار البغيض، وإنتهاءً بما يفعله اليوم من محاربة الإسلام، وإحتلال بلاده، وتشويهه، وملاحقته في العالم بأسره، حتى ملاحقة مؤسساته الخيريّة، وما تفعله من خدمات إنسانيّة حتى فريضة الزكاة!
،
(يُتْبَعُ)
(/)
غير أنَّ هذا كلَّه لايعني أنْ لانثير قضية الإضطهاد الصيني لمسلمي الأيغور، وغيرهم من مسلمي الصين، ونحشد الطاقات الممكنة لردع الصين عن مصادرة حقوقهم.
،
فمسلمو الأيغور في الصين، قد أسهموا في صناعة ذروة أمجاد الإسلام، ذلك أنَّهم هم الجنس الذي تحدر منه السلاجقة، الفاتحون العظام في تاريخنا، وجاء منهم بنو عثمان، الذين أسسوا أعظم إمبراطورية إسلامية، بل أعظم إمبراطورية في التاريخ، انضوى تحتها كلُّ العالم الإسلامي في إتحاد عالمي، هيمن على المعمورة.
،
وقد استغلت الصين الأجواء التي دهمت العالم بعد 11/ 9، فأمعنت في ملاحقة الناشطين الأيغوريين، بإلصاق تهمة العلاقات مع "الإرهاب" بهم.
،
ثم انطلقت عملية إضطهاد واسعة لمسلمي الأيغور، من إغلاق المساجد، والمدارس الإسلامية، والإعتقالات، والتعذيب، والمحاكمات غير عادلة، وتدمير الممتلكات، إلى الإعدامات.
،
كما وضعت السلطات خططا بعيدة المدى، لإضعاف المسلمين، وتقوية الأعراق الأخرى في إقليمهم.
،
ومن الأمثلة على ما في هذه الخطط، من التمييز العنصري، تطبيق قانون (الطفل الواحد) على الأيغور المسلمين بكلِّ قسوة، والتساهل مع غيرهم، حتى تغيَّر التوزيع السكاني في الإقليم، وبعد أن كان المسلمون في تركستان الشرقية يشكِّلون أكثر من 90% سنة 1942م ارتفعت نسبة الصينيين بعد هذه الخطط، إلى حوالي 40%!
،
هذا مع أنَّ المعلومات التي تخرج عن إضطهاد المسلمين في إقليم تركستان الشرقية، الأيغور، ضئيلة جداً، ولا تمثِّل إلاَّ أقل القليل من الحقيقة، بسبب منع السلطات الصينية، وسائل الإعلام، والمنظمات الحقوقية، من كشف الحقائق.
،
وبعد:
،
فكم هو الأسى يعصر القلب، أن لايجد مسلمو الأيغور، إلاّ الغرب المتآمر على حضارتنا، ليعقدوا فيه مؤتمرهم، في زمن صارت بضع قضايا المسلمين فيه، مادة تحُرق في مشهد الصراع العالمي على الثروات، والهيمنة.
،
وأمر آخر يثير الأسى، والعجب، وهو تلك الألسن التي كانت صامتة، عندما كان الغرب ـ الذي يتباكى اليوم على مسلمي الأيغور ـ يقف بكلِّ قوته مع الصهاينة، وصواريخهم تدكُّ مساجد، ومستشفيات غزة، دكّا دكّا، وتقتل نساءهم، وأطفالهم، واليوم انطلقت تلك الألسن، (تلعلع) على قضية الأيغور!
،
ما بالها لاتتحمَّس لقضية من قضايا المسلمين، إلاَّ ما يتوافق مع الأطماع الغربية؟!!
،
ولكن لاعجب فهي نفسها الألسنة التي كانت تصرخ بالجهاد ضد الإتحاد السوفيتي في أفغانستان، ثم لبقايا نفوذه في البوسنة، ثم صار الجهاد عندها ضد المشروع الأمريكي، فتنةً، وإرهاباً!!
،
وعلى أية حال، فإنَّ واجبنا اليوم الوقوف مع محنة مسلمي الأيغور ضد القمع الصيني.
،
أولاً: لأنَّ هذا واجبنا مع كلِّ شعب مسلم، واجب تفرضه عقيدة الولاء.
،
وثانيا: لتصل رسالة صارمة من أمِّتنا إلى الصين، مفادها أنَّ إضطهادهم للمسلمين في الصين، لن يكون إلاَّ في صالح الغرب الذي يستغلّ هذا التمييز العنصري، لوضع الصين اليوم، في صورة العداء مع الحضارة الإسلامية، لتخلو الساحة العالمية للأطماع الغربية، وصهاينتهم، وبعدها لن يرقبوا ـ كما الغرب دائما ـ في مسلم إلاَّ، ولا ذمَّة.
،
فيا أيها الصين، خيرٌ لك أنْ تسالمي هذه الأمة الإسلامية، فهي الأمَّة التي سيكون لها المستقبل بإذن الله تعالى.
والله حسبنا، عليه توكّلنا، وعليه فلتوكّل المتوكّلون(/)
التلازم بين العقيدة والخلق
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 10:24]ـ
التلازم بين العقيدة والخلق
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم , أما بعد:
مسألة التلازم بين الأصل وهو الاعتقاد وبين الفرع وهو الأعمال دلت عليها نصوص كثيرة في الكتاب والسنة بل نص العلماء أن ما يكون من فساد فرعي كسوء خلق وما شابه ذلك؛ لا يكون إلا لنقص في الأصل وهو الاعتقاد!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فلا ريب أن الاعتقادات توجب الأعمال بحسبها فإذا كان الاعتقاد فاسدا أورث عملا فاسدا ففساد العمل وهو الفرع يدل على فساد أصله وهو الاعتقاد كذلك الأعمال المحرمة التي تورث مفاسد كشرب الخمر الذي يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء فهذه المفاسد الناشئة من هذا العمل هي فرع لازم للأصل ففسادها يدل على فساد الأصل وهكذا كل أصل فهو علة لفرعه وموجب له.
بيان تلبيس الجهمية (3|78)
وهذه مسألة مهمة فأهل السنة والجماعة أولى الناس بالصدق والأمانة والخلق الحسن ومكارم الأخلاق والعفة والكرم وبذل الإحسان إلى غير ذلك.
ولا يصح أن يتكل المسلم على صحة الاعتقاد فيفسد العمل , ففساد الفرع دليل على خلل في الأصل.
فهل من نصوص أخرى من كلام العلماء يؤيد ذلك , وجزاكم الله خيرا.
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 10:56]ـ
وهذا نص آخر من كلام شيخ الإسلام
قال رحمه الله: وأبو محمد بن قتيبة في أول كتاب مختلف الحديث لما ذكر أهل الحديث وأئمتهم وأهل الكلام وأئمتهم؛ قفى بذكر أئمة هؤلاء ووصف أقوالهم وأعمالهم , ووصف أئمة هؤلاء وأقوالهم وأفعالهم بما يبين لكل أحد أن أهل الحديث هم أهل الحق والهدى , وأن غيرهم أولى بالضلال والجهل والحشو والباطل , وأيضا المخالفون لأهل الحديث هم مظنة فساد الأعمال إما عن سوء عقيدة ونفاق , وإما عن مرض في القلب وضعف إيمان؛ ففيهم من ترك الواجبات واعتداء الحدود والاستخفاف بالحقوق وقسوة القلب ما هو ظاهر لكل أحد , وعامة شيوخهم يرمون بالعظائم وإن كان فيهم من هو معروف بزهد وعبادة ففي زهد بعض العامة من أهل السنة وعبادته ما هو أرجح مما هو فيه.
ومن المعلوم أن العلم أصل العمل وصحة الأصول توجب صحة الفروع والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين إما الحاجة وإما الجهل؛ فأما العالم بقبح الشيء الغني عنه فلا يفعله اللهم إلا من غلب هواه عقله واستولت عليه المعاصي فذاك لون آخر وضرب ثان.
مجموع الفتاوى (4|54)
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[11 - Jul-2009, مساء 10:58]ـ
/// بارك الله فيكم يا شيخ عبدالباسط .. وموضوعكم غاية في الأهميَّة.
/// ممَّا يضارع موضوعك وإن لم يكن في أصله تماماً معرفة أنَّ السَّلفيَّة ليست مجرَّد عقيدة يعتقدها المرء في قلبه، دون أن تصلح لسانه وجوارحه.
/// من متن العقيدة الواسطيَّة لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: " .. أما بعد، فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة وهو ...
ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء، أبرارا كانوا أو فجارا، ويحافظون على الجماعات، ويدينون بالنصيحة للأمة ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وشبك بين أصابعه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) ويأمرون بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء.
ويدعون إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه و سلم: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا).
ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
ويأمرون ببر الوالدين، وصله الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، والرفق بالمملوك.
وينهون عن الفخر والخيلاء، والبغي، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفسافها.
وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة، وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم".
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[12 - Jul-2009, صباحاً 04:58]ـ
جزاك الله خيرا وبارك فيك(/)
ابحث عن موضوع معاصر
ـ[طالبه]ــــــــ[12 - Jul-2009, مساء 04:36]ـ
السلام عليكم
ابحث عن موضوع في العقيدة معاصر لبحث الماجستير
ممكن مسااااااااعده ولكم الشكر
ـ[ابو نذر الرحمان]ــــــــ[12 - Jul-2009, مساء 09:04]ـ
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
اختي في الله اقترح عليك:
1 دراسة مقارنة بين المرجئة الاوائل و مرجئة العصر
2 دراسة مقارنة بين الخوارج الاوائل و غلاة التكفير اليوم
لانني رايت سرعة تسرب سرطان الارجاء و التكفير في الامة الاسلامية
و تستطيعين دمج الموضوعين في موضوع واحد و تحققين رسالة قيمة تنتفع بها الامة الاسلامية
ـ[أروع]ــــــــ[12 - Jul-2009, مساء 11:08]ـ
الأحكام العقدية المتعلقة بالمسلمين الجدد وحديثي الاسلام ...
ـ[حارث البديع]ــــــــ[13 - Jul-2009, صباحاً 03:08]ـ
(العلمانيين الجدد)
وبيان اقسامهم والتركيز على العلمانيين
الذين يدعون قربهم من الدين.
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[13 - Jul-2009, صباحاً 07:44]ـ
سبحان الله دخلت إلى الموضوع وكان في ذهني الارجاء فوجدت الاخ ابو نذر الرحمان قد سبقني
فتذكرت العلمانية فرأيت الاخ حارث البديع ايضاً قد سبقني ولكن هناك موضوع ثالث وهو
مراكز الدراسات الغربية (راند واخواتها) واستهدافها للعقيدة الاسلامية
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[13 - Jul-2009, مساء 12:20]ـ
ملامح انتشار سلوكيات مذهب عبادة الشيطان عبر الوسائل الاعلامية المختلفة
ـ[طالبه]ــــــــ[13 - Jul-2009, مساء 05:09]ـ
ابو نذر الرحمن - اروع - حارث البديع- يحيى ابو زكريا-ماجد العتيبي-محمد المبارك
اشكركم جميعا،،، الاستاذ محمد كان الموضوع يراودني لكن اعتقد انه لو يدعم باستبيان كذلك اقتراح ابو زكريا اعتقد لابد من استبيان خصوصا لمن لايستطيع ان يجوب البلدان العربيه فهل من الممكن ان يكونالاعتماد في البحث على استبيان في العقيدة؟؟؟
ايضا اتمنى لو اجد موضوع معاصر عن الاثنا عشريه
شاكرة تفاعلكم
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[13 - Jul-2009, مساء 05:29]ـ
الاخت طالبه عقيدة الشيعة الاثنى عشرية قتلت بحثاً والمكاتب كل يوم تقذف بالمزيد
ولكن هناك الشيعة الزيدية او الاسماعيلية فما أولف عنهم قليل جداً مقارنة بغيرهم
ـ[طالبه]ــــــــ[14 - Jul-2009, مساء 11:33]ـ
يعطيك العافيه اخي الفاضل
فرق الشيعة الاخرى ليست بذات الاهميه والانتشار بمثل الاماميه
اخي اعجبني موضوع راند ... لكن هل المضمون يكفي لاعداد رساله؟؟
ثم من هن اخوات راند؟؟ مراكز بحوث اخرى او ماذا؟؟
هل لم يسبق بحث الموضوع ... لاني في كل موضوع ارشحه ابحث واجد ان الموضوع قد بحث ...
وسؤال اخير .. وعذرا على كثرة الاسئلة .. لكني احب ان اعرف الاجابه قبل ان اكلم المشرف ..
هل يستحق الموضوع البحث ... بمعنى هل سيكون ذا قيمة ... لاني لا اريد بحثي زيادة عدد؟؟
لك الشكر سلفا(/)
امتاع الآذان بنظم منة الرحمن للشيخ ياسر برهامي نظمها الشيخ عبد الغني النفاض
ـ[محمود صلاح محمد]ــــــــ[13 - Jul-2009, صباحاً 02:14]ـ
امتاع الآذان بنظم منة الرحمن
للشيخ ياسر برهامي
نظمها الشيخ عبد الغني النفاض
حمل النظم مسموعا
من هنا ( http://www.salafishare.com/arabic/30...Q4/EA3S849.wmv)
نرجو الدعاء بظهر الغيب
ـ[النورسى]ــــــــ[14 - Jul-2009, صباحاً 12:13]ـ
خيرا
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[14 - Jul-2009, صباحاً 07:22]ـ
حفظ الله شيخنا العظيم ياسر برهامى وباقى أفذاذ الاسكندرية
آمين(/)
عدم جواز إفشاء الأسرار المصرفية والطبية
ـ[ظمأ الهواجر]ــــــــ[13 - Jul-2009, مساء 01:44]ـ
الدكتور عبد الرحمن السند في حوار مع الملتقى الفقهي:
لا يجوز إفشاء الأسرار المصرفية والطبية وهناك استثناءات
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله السند رئيس قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء، وعميد عمادة التعليم عن بعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، وأحد فقهاء المعاملات المالية ومن المهتمين بقضايا فقهية معاصرة، ومن ذوي الثقافة الفقهية الموسوعية، كما له أنشطة فقهية ودعوية، وهو معروف بجهوده وإسهاماته العلمية والأكاديمية في أوساط الفقهاء وطلبة العلم وله حضور فاعل في الندوات والأندية الفقهية ..
ولمزيد من التفاصيل فضلاً الضغط على الرابط هناااااا ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=450&aid=10070) :)(/)
ثلاث اسس في مبحث آيات الصفات لـ"الشنقيطي صاحب اضواء البيان"
ـ[ابو عبد الملك الجهني]ــــــــ[13 - Jul-2009, مساء 01:46]ـ
اعلموا ان مبحث آيات الصفات دل القرآن العظيم على انه يتركز على ثلاث اسس من جاء بها كلها فقد وافق الصواب وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي (ص) واصحابه والسلف والصالح ومن اخل بواحد من تلك الاسس الثلاثة فقد ضل وكل هذه الاسس الثلاثة يدل عليه قرآن عظيم.
(وهذه الاسس هي):
1 - ان تنزهوا ربكم عن مشابهة صفات الخلق.
2 - ان تؤمنوا بما وصف به نفسه او وصفه به رسوله (ص) ايمانا مبنيا على اساس التنزيه على نحو {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
3 - وتقطعوا الطمع في ادراك الكيفية لأن الله يقول: {ولا يحيطون به علما}
من محاضرة للشيخ محمد الامين الشنقيطي (منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات)
وقد فرغت هذه المحاضرة في كتاب الرحلة الى افريقيا وقامت بطبعة دار الفوائد ..(/)
نظرة على برامج قناة دليل
ـ[أبو ممدوح]ــــــــ[13 - Jul-2009, مساء 05:39]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته:
قناة دليل هذه القناة التي بدأت تنحوا منحاً غير سليم و خصوصاً بعد فضيحة حلقة السينما.
المهم أني تصفحت موقعها للاطلاع على ماتذيعه هذه القناة من برامج فوجدت مصائب من الناحية الشرعية و الله المستعان.
و أول ملاحظة هي برنامج بعنوان " الفقه السياسي" و أي فقه هذا اذا كان يروج للديمقراطية و حرية تشكيل الأحزاب هكذا بإطلاق!
و أن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة! نفس شبهات الليبراليين.
الحلقة بعنوان: "التعددية الحزبية 4/ 3/1430هـ"
http://www.idaleel.tv/idaleel/files.asp?num=&filenum=1516
المقدم: نجد بعض التنظيمات - وإن كانت إسلامية أو غير إسلامية - فيها نوع من التعصب وعدم القبول بالآخر إلى درجة نفي الآخر من الوجود الفكري, ومن الوجود الاجتماعي؛ فيفعل كل ما في وسعه لكي يزيل الآخر عن الوجود. هذا الإشكال أو هذه الأمراض, ما سر نشوئها وظهورها؟
هل هو انعدام الحرية في هذه المجتمعات؟ أو أنه أمر يتعلق بصنمية في التفكير, وأن الإنسان لا يقبل بالآخر؟ رغم أن الأمور أمور اجتهادية في أصلها.
الدكتور: الأحزاب السياسية والتنظيمات السياسية ذات المرجعية الإسلامية ربما-في بعض الأحيان - تعتقد بإنها تمتلك جميع الإجابات عن جميع الحلول.
المقدم: أو تمتلك الحقيقة؟!
الدكتور: أو تمتلك الحقائق المطلقة. وطبعاً هذا من الوهم, ولا يعبر عن حقيقة الأشياء. طبعاً المسئول عن هذه الأشياء هو البرامج التكوينية والتأثيرية التي تُلقن للأعضاء ولأفراد هذه الجماعات. ينبغي أن تمتلك قيادات الأحزاب نوعاً من الرشد والنضج؛ لكي تقدم بضاعتها على أساس أنه اجتهاد إلى جانب اجتهادات أخرى. كلما ارتفع منسوب الرشد ومنسوب النضج لدى القيادات التي تحارب التعصب الحزبي, وتحارب التفرق المذموم, وتعتبر بأن هناك عناصر للتكامل بينها وبين باقي الأحزاب, وبأن نحن نختلف في أشياء نتيجة تقديرات مختلفة, ونتيجة اجتهادات مختلفة, ونتيجة فهومات مختلفة, ولن ندعي امتلاك الحقيقة, ولن نحتكر الحديث باسم الدين أو باسم السياسة - كلما ارتفع منسوب الرشد والنضج والتكوين والتأطير كلما خفت مثل هذه العصبيات. وطبعاً هنا لابد أن نسمي توجه مجموعة من الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية التي تجنبت في تسمياتها الإشارة إلى الحزب الإسلامي. الدكتور: تصرح بأنها أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية؛ وهذا يعني لي أنها تقتبس من الإسلام، وتستلهم منه برامج اجتماعية واقتصادية, وتؤمن بأن الإسلام يحمل الكثير من الحلول للبشرية في النشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي, لكنها لا تزعم أنها تتوفر على الفهم الوحيد أو الفهم الحقيقي للدين, وإنما هي تقدم اجتهادها إلى جانب اجتهادات أخرى. ولكن طبعاً الأحزاب الأخرى - حتى ذات الطبيعة الليبرالية, أو ذات الطبيعة الاشتراكية مثلاً - لا تنزوي عنها صفات الإسلام؛ بل هي تكون أحرص منها على تثبيت صفة الإسلام بالنسبة للجميع؛ حتى يصبح الإسلام مرجعية للدولة ومرجعية لجميع الأحزاب؛ كل منها يأخذ حسب قدرته على الاجتهاد وحسب قدرته على الفهم.
أصبح الليبراليين و الاشتراكيين أحرص من المسلمين على تثبيت صفة الاسلام في المجتمع الى الله المشتكى.
ليست هناك صيغة اليوم أسمى وأنضج من هذه الآلية (يقصد الديمقراطية الكفرية)؛ ولذلك الناس الذين يريدون أن يخلقوا اشتباكاً بين المفاهيم (بين الشورى مثلاً والديمقراطية) نقول لهم: " ائتونا بشيء أفضل من الديمقراطية يحقن دماء المسلمين, ويحل المشكلة" كوسيلة وكآلية لحسم الخلافات.
اذن اين الاسلام كحل للمشكلة اذا كنت تعترف بالنظام الاسلامي؟
وفي حلقة أخرى بعنوان:"الحرية السياسية من منظور إسلامي 18/ 3/1430 هـ"
http://www.idaleel.tv/idaleel/files.asp?num=&filenum=1920
(يُتْبَعُ)
(/)
بما أن التعددية أصيلة في شريعة الإسلام، وبالتالي فالتعددية حتى في السياسة مقبولة، أنا في رأيي أننا نقبل حتى وجود أحزاب سياسية بمرجعيات غربية، يعني في رأي الدكتور نسمح للعلمانيين و الاشتراكيين و القوميين و هلم جراً من المتردية و النطيحة أقول نسمح لهم بتكوين الأحزاب و الدعوة الى الحادهم لأن هذا من سماحة الاسلام -ماشاء الله-.
وفي موضع آخر يُشَبِّه من يكفر بالديمقراطية بالغلاة!!!
والغلاة .. أقصد بهم المدرسة الإسلامية التي تكفِّر الديمقراطية والأحزابو نأتي الى الباقعة التي لم أقرأ بأن فقهائنا جائوا بها وهي تقسيم البيعة الى بيعة سياسية و بيعة دينية!!!
المقدم: هناك أستاذ محمد من يستعمل بعض النصوص ويستثمرها ويضعها في غير محلها لا يستثمرها، وإنما يضعها في غير محلها، كالنصوص المتعلقة بالطاعة .. طاعة الإمام، ويستخدمها من أجل الإكراه السياسي، ومعلومٌ أنه " لا إكراه في الدين "، فكيف أن يكون إكراه في السياسة؟ فمنها أحاديث كثيرة متعلقة بطاعة الإمام: " أطيعوني ما أطعت الله فيكم "، قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو الذي ينبغي أن يطاع في كل شيء، فكيف تعلقون على هذا الأمر؟
الضيف: في رأيي يجب التمييز ما بين البيعة الدينية وما بين البيعة السياسية .. البيعة الدينية كانت للرسول - صلى الله عليه وسلم - وبالتالي أي واحد كان خارج البيعة فيمكن قد يموت ميتة الجاهلية، لكن البيعة الدينية ليست هي البيعة السياسية .. البيعة السياسية معناها: الولاء والطاعة بالمعروف، فإن لم تحكم بما أنزل الله فلا طاعة لك، وبالتالي يجب أن أميز بين الأمرين، بين البيعة الدينية والتي تمَّت للرسول - صلى الله عليه وسلم- والبيعة السياسية التي تمت للرسول -صلى الله عليه وسلم- وما بين البيعة السياسية فقط للمسلمين، لماذا؟ لأن كثير من يقول مات وليس في عنقه مات ميتة الجاهلية.
و في برنامج "نبض الحياة" يتم وصف الرقية الشرعية بأنها "شعوذة على الهواء "!!
شعوذة على الهواء 23/ 11/ 1429هـ
المقدم: طلع الخناقة دي كلها ساحتها قناة فضائية من القنوات اللي بتدعي إن هي بتعالج السحر والمس وكذا، وقدامهم حالة وبيخرجوا الحالة بالضرب وبالصراخ وبالعويل وبالتكسير؛ موضوعنا انهاردة شعوذة على الهوا؛ نناقش الموضوع ونشوف الفضائيات دورها إيه في الموضوع؟ خصوصاً الفضائيات اللي معمولة عشان كده وهل بتتقاضى وبتكسب مبالغ هائلة من وراء هذا الدجل وهذه الشعوذة؟ هل بتتكسب هذه الأموال من وراء آلام الناس ولا بتعمل إيه بالضبط؟ ده اللي هنعرفه ولكن بعد ما نقدم ضيوفنا.
http://www.idaleel.tv/idaleel/files.asp?num=&filenum=1977
فضلاً عن أن القناة تستقبل في برامجها من لم يحلم في حياته بأن يتواصل مع الصالحين وهم الليبراليين وهذه مواضيع في هذا المنتدى لها علاقة:
قناة دليل وتقديم امثال عبده خال؟!!
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=29912
سجل توقيعك لمطالبة مشايخنا الكرام بإنكار المنكر (قناة دليل مثالاً حيا)
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=21750
فضلاً عن أهل البدع الذين يستقبلون في القناة فأكاد أجزم أن القناة مخترقة من العصرانيين أمثال:
د. يسري محمد هاني
د. خالد عبد الله
د. جاسم السلطان
وظهر في القناة من يخالف منهج السلف في العقيدة مثل:
مشايخ المجلس العلمي الأعلى بالمغرب الذين منعوا الشيخ المغراوي من التدريس في المغرب و هاجموه لأنه خالف ثوابت الأمة في نظرهم و هي العقيدة الأشعرية!
وفي هذا الاسبوع يستقبل البرنامج سيء الصيت: البيان التالي الفنان: فايز المالكي صاحب البطولة في فلم مناحي.
بالمصادفة أثناء بحثي عن حلقة السينما في البيان التالي وضعت في غوغل "البيان التالي" فظهر لي من ضمن النتائج فيلم مصري بهذا العنوان فهل ياترى مصادفة أن يكون اسم البرنامج مطابق لاسم الفيلم؟
لاأدري ماذا بقي؟
الاستراتيجية الجديدة لأهل الانحراف هي نشر الليبرالية بمن ظاهره الالتزام فالحذر ياإخوة.
ـ[أبو ممدوح]ــــــــ[14 - Jul-2009, صباحاً 05:23]ـ
نسأل الله أن يوفق القائمين على القناة لتصحيح مسيرتها.
ـ[أبو ممدوح]ــــــــ[15 - Jul-2009, مساء 03:29]ـ
لا تعليق!!!
ـ[أبو سعد الشرقي]ــــــــ[15 - Jul-2009, مساء 04:50]ـ
طيب أخي ما هو منهج القناة بالضبط , فعلاً برامجها والمستضافون لديها مشكوك بهم ...
ـ[شذى الجنوب]ــــــــ[15 - Jul-2009, مساء 11:26]ـ
طيب أخي ما هو منهج القناة بالضبط , فعلاً برامجها والمستضافون لديها مشكوك بهم ...
انا سأجيبك:
القناة لها منهج قامت ومشروع كبير قامت لأجله يتلخص في ايجاد خطاب ديني جديد قابل للتطوير والحداثة، هذه عبارة عبدالعزيز قاسم وهو عنصر مهم جدا في هذه القناة.
ـ[أبو خالد الكمالي]ــــــــ[15 - Jul-2009, مساء 11:48]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أراها بحمد الله قناة طيبة مبارك فيها، و أما من يريد أن تكون القناة تعبر عن رأيه! فالأفضل له أن يُنشئَ قناةً خاصة به يعرض فيها ما يعتقده من الحق، و لكن
لا يلزم الآخرين بما هو يراه.
ما القناة الإسلامية التي تركتموها تعمل لتنجز؟
وماذا قدمت كبديل لتلك القنوات؟
أم أن الاتهام و التبديع و التضليل و انتقاد الآخرين هو فقط ما تستطيعون؟
قناة المجد حُذِّرَ منها.
اِقرأ حُذِّرَ منها.
الناس حُذِّرَ منها.
الرسالة حُذِّرَ منها.
الفجر حُذِّرَ منها.
فأخرجوا لنا قناةً سلفية!! و أرونا جهدَكم و نشاطَكم!
هذا ولستُ مدافعا عن ما وقع في تلك القنوات من الأخطاء، لكني محسن ظني في جميع المشايخ و الدعاة، و أرى بأنهم على الأقل لهم أجر الاجتهاد.
والله المستعان.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو بكر المكي]ــــــــ[15 - Jul-2009, مساء 11:58]ـ
أم أن الاتهام و التبديع و التضليل و انتقاد الآخرين هو فقط ما تستطيعون؟
قناة المجد حُذِّرَ منها.
اِقرأ حُذِّرَ منها.
الناس حُذِّرَ منها.
الرسالة حُذِّرَ منها.
الفجر حُذِّرَ منها.
فأخرجوا لنا قناةً سلفية!! و أرونا جهدَكم و نشاطَكم!
والله المستعان.
http://majles.alukah.net/images/icons/icon4.gif
مع بالغ احترامي لك أخي .. ففي كلامك نظر:
أخي: بارك الله فيك ..
قبل الحديث عن برامج أي قناة، لابد من الحديث عن أمورٍ عدة:
1 - منشئ القناة؟ من هو، وما سِجلُّه في أمة الإسلام.
2 - نظام القناة ومنهاجها؟
3 - الأخير: برامجها، وهي الثمرة الناتجة.
ومن ثمارهم يعرفون! فدعوة رجال الأئمة الأماجد آتت ثمارها صحيحة مباركة، وأما غيرهم فأعمالهم شاهدة عليهم .. والأيام بين الفريقين!! والله غالب على أمره ..
وللأسف: لم تستطع أن تناقش ما كتبه الأخ، فوقعت فيما نهيت عنه!!
http://majles.alukah.net/images/icons/icon4.gif
وليس كل الأمثلة تسلمُ لك.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[16 - Jul-2009, صباحاً 12:29]ـ
يناقش إيه بس؟؟!!
وهو ده كلام يتناقش؟؟!!
فأكاد أجزم أن القناة مخترقة من العصرانيين أمثال:
د. يسري محمد هاني
د. خالد عبد الله
هذا مثال على الكذب والبهتان ..
وياليت صاحب الموضوع وشذى الجنوب بالذات ..
يشرحان لي كيف بات هؤلاء بين عشية وضحاها من العصرانيين؟؟!!
في الانتظار!!
ـ[شذى الجنوب]ــــــــ[16 - Jul-2009, صباحاً 12:31]ـ
يناقش إيه بس؟؟!!
وهو ده كلام يتناقش؟؟!!
هذا مثال على الكذب والبهتان ..
وياليت صاحب الموضوع وشذى الجنوب بالذات ..
يشرحان لي كيف بات هؤلاء بين عشية وضحاها من العصرانيين؟؟!!
في الانتظار!!
راجع ردي يا أبا فهر.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[16 - Jul-2009, صباحاً 12:46]ـ
راجعتُ فلم أجد جواباً ..
ـ[أبو خالد الكمالي]ــــــــ[16 - Jul-2009, صباحاً 02:56]ـ
أبو بكر المكي ( http://majles.alukah.net/member.php?u=10151) :
بارك الله فيك على ردِّك، و جزاك الله خيرًا.
ولكني لم أرَ الصواب حليفَك.
وأما عن منشئ القناة، فلا أعرفه.
و لكن أقول: و إن كان منشئها من أفسق المسلمين، فإن هذه حسنة من حسناته، و عمل صالح مبرور، لا يجوز نسفه لكون الرجل من الفساق!
هذا إذا كان فعلا الرجل من غير الصالحين.
أما عن منهج القناة، فأعطِنا إياه نقرأه!
و أما برامجها، فما رأيتُ منها إلا خيرًا.
و أما نقاش كاتب الموضوع، فلست بحاجة لذلك.
فأنا لا أُناقش هل أصابت قناة دليل أم أخطأت، و لكني أقول إن أخطؤوا فلهم أجر الاجتهاد.
ـ[تعارف]ــــــــ[16 - Jul-2009, صباحاً 04:09]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أراها بحمد الله قناة طيبة مبارك فيها، و أما من يريد أن تكون القناة تعبر عن رأيه! فالأفضل له أن يُنشئَ قناةً خاصة به يعرض فيها ما يعتقده من الحق، و لكن
لا يلزم الآخرين بما هو يراه.
ما القناة الإسلامية التي تركتموها تعمل لتنجز؟
وماذا قدمت كبديل لتلك القنوات؟
أم أن الاتهام و التبديع و التضليل و انتقاد الآخرين هو فقط ما تستطيعون؟
قناة المجد حُذِّرَ منها.
اِقرأ حُذِّرَ منها.
الناس حُذِّرَ منها.
الرسالة حُذِّرَ منها.
الفجر حُذِّرَ منها.
فأخرجوا لنا قناةً سلفية!! و أرونا جهدَكم و نشاطَكم!
هذا ولستُ مدافعا عن ما وقع في تلك القنوات من الأخطاء، لكني محسن ظني في جميع المشايخ و الدعاة، و أرى بأنهم على الأقل لهم أجر الاجتهاد.
والله المستعان.
احسنت اخى الفاضل اوافقك
وصاحب الموضوع مشكور على غيرته
بوركتم جميعا
ـ[شذى الجنوب]ــــــــ[16 - Jul-2009, صباحاً 04:22]ـ
راجعتُ فلم أجد جواباً ..
كان ردي هكذا:
انا سأجيبك:
القناة لها منهج قامت ومشروع كبير قامت لأجله يتلخص في ايجاد خطاب ديني جديد قابل للتطوير والحداثة، هذه عبارة عبدالعزيز قاسم وهو عنصر مهم جدا في هذه القناة.
لاحظ .. تكلمتُ عن القناة ككل ولم أذكر سين أو صاد ممن تطالبني أنت بأن أفسر لك كيف صاروا عصرانيين!!
علما أني لا أعرف المذكورين أصلا!
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[16 - Jul-2009, صباحاً 04:34]ـ
وإذا كان التعليق على القناة ككل = أيكون تعليقاً على موضوع شرق فيه صاحبه وغرب حتى أتى بالكذب الفصيح؟؟!!
ألا يربأ العاقل بنفسه أن يُعلق تصديقاً على مالا يعقل صدق مفرداته؟؟
وأخرى:
أيؤخذ منهج القناة من تصريح مذيع فيها؟؟
مالكم كيف تحكمون!!
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[16 - Jul-2009, صباحاً 07:30]ـ
/// بل يؤخذ منهج القناة من النَّظر في برامجها ورجالها يا أبا فهر، ومن تستضيفهم فيها (ممَّن شرَّق وغرَّب)، ثمَّ قد ينطق بعض هؤلاء بما يتكرَّر مثله في هذه القناة دون نكير من مذيع أو مراجعة للخط .. ومثل هذا لا يخفى إلَّا على من يتعصُّب للشيء دون نظرٍ برويَّة.
/// ويجب أيضًا في الاتجاه المقابل التوسُّط والإنصاف في الكلام عن الأعمال المبذولة ههنا وهناك ..
/// ولا بأس ببيان الخطأ المرتكب في قناة إسلاميَّةٍ ما .. خاصَّة .. القناة (الإسلاميَّة) الفلانيَّة واجهة للصوفيَّة ولمن يحارب السَّلفيَّة، والأخرى غالب برامجها جيِّدة بل لها السَّاحة، ولكن عليها ملاحظات في إنشاء قناة لمنشدين وإشغال الناس باللهو والعبث الخارج عن الحد المقبول ونحو ذلك .. وأخرى تستضيف بعض المخبطين من المتصوفة .. وأخرى تسمَّى إسلاميَّة (والإسلام منها بريء) وتحارب حدود الإسلام وشرائعه بحجة العصرنة والتنوير، فهي على منهج الإسلام الأمريكي القبيح .. وهكذا.
/// وهذا القدر من النَّقد ينبغي أن يقابل بنقاش يكشف وجهة نظر أولئك القائمين ممَّن قد يخطؤن في الاجتهاد، وقد يكون خطأ ظاهرًا يضعف إيجاد مبرِّر له .. أو منهج التزمه فتنتهي المناقشة عند هذا الحد.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو ممدوح]ــــــــ[16 - Jul-2009, صباحاً 10:53]ـ
يناقش إيه بس؟؟!!
وهو ده كلام يتناقش؟؟!!
هذا مثال على الكذب والبهتان ..
وياليت صاحب الموضوع وشذى الجنوب بالذات ..
يشرحان لي كيف بات هؤلاء بين عشية وضحاها من العصرانيين؟؟!!
في الانتظار!!
أما د. يسري محمد هاني
فهو من جماعة الاخوان حاملة لواء العصرنة و تمييع الدين و ان أردت الدليل فأنا في الخدمة؟
د. خالد عبد الله
هذا الرجل رأيته بعيني يجلس مع نساء متبرجات و لايغض بصره
وهذا لقاء معه
http://www.forsanelhaq.com/showthread.php?t=51257
جاء فيه:
ألا ترى أن هناك مشكلة تكمن في أن كثيرا من الدعاة يهتمون بالأمور الفرعية مثل النقاب فرض أم لا ودخول الحمام بالقدم اليمنى أم اليسرى على حساب الأمور الأساسية؟
نحن في أمس الحاجة إلى التوليفية فلا يمكن أن أتجاهل سنة عن النبي مثل دخول الحمام بالقدم اليمنى وفي نفس الوقت لا يجوز أن يصبح ذلك هو شغلي الشاغل في الحياة، ولا يجب أن ندور في فلك الاتجاهات الأربعة كما يقول الشيخ الغزالي "النقاب- اللحية- الموسيقى- الملابس"، وأنا هنا لا أقلل من شأن هذه الأشياء ولكن لا يعقل أن نظل نتكلم طوال حياتنا عن هذه الأشياء، أحيانا أجد بعض السلفيين أو بعضا ممن ينتمون إلى السلف ذوي لحية كثيفة وجلباب قصير ولهم زوجات منتقبات ومع ذلك فهم ينطوون على "ركام من مساوئ الأخلاق" فتجد الزوجة "تردح" وقد يكون هو فظ اللسان في التعامل مع الناس وكأنه لا يعرف شيئا من نهج الرسول صلى الله عليه وسلم إلا هذا الشكل.
ولما يتعرف الناس على هذه المساوئ سيكون انطباعهم بأن هذا هو الدين .. أليست هذه دعاية سيئة للإسلام؟
ولهذا أحب الدعاة السلفيين الذين يقولون بأنه ليست كل امراة منتقبة نضعها فوق رأسنا ونقول إنها ماحصلتش وليس كل ملتحٍ رضي الله عنه وأرضاه، وعليه فمع هذا الشكل نريد ثقافة العمل على أرض الواقع لأن هذه التي تحكم على الإنسان ما إذا كان متدينا بالفعل أم متدينا بادعاء، خاصة وأن المصالح والسبوبة دخلوا في الدين، فقد تجد اليوم من يحسب نفسه على تيار السلف مزايدة على الشدة، وهناك من يحسب نفسه على تيار الصوفية حتى يستفيد من ذلك من أكل وأموال وقد يكون لا يصلي أساسا، ولهذا فنحن نحتاج إلى فلترة نضمن من خلالها ألا يكون هناك مسافة كبيرة جدا بين القول والعمل، ما نجح الصحابة هو أن بين القول والعمل صفر وما جعلنا نفشل هو أن بين القول والعمل المسافة بين السماء والأرض، أذكر أن هناك واقعة حدثت في عصر النبي إذ طالت صلاة الجماعة فلم يحتملها أحدهم فسلم بمفرده وخرج من المسجد، لو حدث هذا الآن لاتهمه كثيرون بأنه فاجر وكافر ولقال له البعض "يعني لو كان ماتش كورة كنت هتمشي"، لكن النبي لم يعاتب من ترك الصلاة وإنما عاتب الإمام "معاذ بن جبل" قال له "أفتان أنت"، وعليه فنحن في حاجة إلى هذا المنهج الوسطي.
ويكفي أن تعلم بأنه يحسب على الدعاة الجدد أو المودرن!
ـ[أبو ممدوح]ــــــــ[16 - Jul-2009, صباحاً 11:22]ـ
و اقرأوا معي التشكيك في نزاهة علمائنا في حلقة "سد الذرائع 8/ 4/1430 هـ"
http://www.idaleel.tv/idaleel/files.asp?num=&filenum=2106
المقدم: طب إذا أدركنا أو تيقنا أو قطعنا أن هذا الفقيه لديه مشكلة هو مع قيادة المرأة للسيارة، وليس في المجتمع مشكلة، وإنما هو بنفسه، أو بمن يحيطون به من حوله هم الذين لديهم مشكلة خاصة، فكيف يكون موقفنا من هذه الفتاوى.
الضيف: يعني نحن الآن لا نريد أن نحمل، أو نكن الاتهام لأحد يعني، لكن نقول نقرر الحكم بناء على ما تحقق، وتبين من المفاسد التي تترتب عليه.
المقدم: لماذا نطرح هذا السؤال يا دكتور، لأن أحياناً، أحياناً وليس الكل وإن شاء الله الكل نزيه، لكن بعض هؤلاء الذين يصدرون مثل هذه الفتاوى، واقعهم الشخصي واقع غير نزيه، وهذا يجعلك تتردد في قبول مثل هذه الفتوى، أو يجعلك تتردد في الثقة في مثل هذه الفتاوى، لما تنظر أحياناً إلى واقع بعض الفقهاء، أو واقع بعض المفتين، يدل واقعهم على أنهم فعلاً يستغلون الدين، فيفتون أحياناً بفتاوى واقعهم الشخصي، وواقعهم الذي يتعاملون فيه يخالف ما يتكلمون به، فهل أنا الآن ملزم أن آخذ هذه الفتوى؟
الضيف: إذا ظهر وتبين أن هذا المفتي له حظ لنفسه من وراء هذه الفتوى، فحين إذاً فتواه لم تعد ملزمة، بل إنها فقدت مصداقيتها ومشروعيتها، نحن لا نتحدث أمثال هؤلاء، وإنما نتحدث عن المفتين الذين هم محل ثقة، ويبينون حكم الله تعالى بناء على ما ظهر لهم من الدليل الراجح في هذه المفسدة، والدليل الراجح في قضية سد الذريعة هو المفسدة الغالبة أو الكثيرة، التي تترتب على هذا الفعل المشروع، بقطع النظر عن موافقة المرأة أنها تقود السيارة، أو لا تقود السيارة في بعض البلاد، لكن الذي أقرره أو الذي أردت طرحه من وراء هذا المثال؛ أنه قد تختلف التقديرات، وتقرر في بلد بأن المفسدة كثيرة، وفي بلد أخر بأن المفسدة قليلة ونادرة، هذا محتمل وممكن وقد يقع، من أنه قد تكون في بعض البلاد الفعل المشروع في هذا البلد يؤدي إلى مفسدة كثيرة، بينما يؤدي إلى مفسدة قليلة ونادرة في بلد آخر، فيختلف الحكم بناءً على هذا التقدير.
و اقرؤا ماذا قيل في القناة عن الاختلاط: (لذا لاتتعجبوا عندما يقوم مقدم برنامج البيان التالي بجعل امرأة معدة تقارير!! لأن المفسدة قليلة من هذا الاختلاط و له حاجة مهنية)
المقدم: لا يمكن أن نقول الاختلاط جائز بإطلاق، أو محرم بإطلاق؟
الضيف: هو في الأصل، نحن نقول أنه الأصل هو الفصل بين الجنسين، هذا هو الأصل، لكن الاختلاط قد يكون له داعي، قد يكون حاجة مثل الآن في الجامعات له حاجة علمية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[16 - Jul-2009, مساء 12:23]ـ
بارك الله فيك أبا ممدوح
ـ[أبو بكر المكي]ــــــــ[16 - Jul-2009, مساء 12:37]ـ
أبو بكر المكي ( http://majles.alukah.net/member.php?u=10151) :
بارك الله فيك على ردِّك، و جزاك الله خيرًا.
ولكني لم أرَ الصواب حليفَك.
وأما عن منشئ القناة، فلا أعرفه.
و لكن أقول: و إن كان منشئها من أفسق المسلمين، فإن هذه حسنة من حسناته، و عمل صالح مبرور، لا يجوز نسفه لكون الرجل من الفساق!
هذا إذا كان فعلا الرجل من غير الصالحين.
أما عن منهج القناة، فأعطِنا إياه نقرأه!
و أما برامجها، فما رأيتُ منها إلا خيرًا.
و أما نقاش كاتب الموضوع، فلست بحاجة لذلك.
فأنا لا أُناقش هل أصابت قناة دليل أم أخطأت، و لكني أقول إن أخطؤوا فلهم أجر الاجتهاد.
غفر الله لك أخي الحبيب الفاضل ..
مرادي من المشاركة: أن الأخ أثار مسائل مهمة، وأنت بادرته برد عنيف، ومرادي: أن نناقش ما كتبه فنقبل الحق الذي فيه!
أخي: إن الواجب على القنوات أن تتقي الله فيما تعرضه على الشاشات، ويا حسرتاه على مقام الإرشاد والتوجيه! لما تولاه أئمة هذا الدين ومن اقتدى بهم ومن اتقى الله = آتى ثمرة طيبة مباركة لازلنا نرى آثارها!
وأيضًا: لقد سعت قنوات عدة في نشر الوسطية (والمقصد طيب ولا شك) لكن: هل وفقوا في بيان الوسطية الحقة؟
لقد برزت للعيان أوابد تخر الجبال لها هدا!!
وفي رأيي: إن حالات تطرأ على القنوات تَرى فيها مادة مبتذلة، ولغة بعيدة عن (التأصيل الشرعي)، ولهذا أمثلة عدة.
وفقكم الله جميعا، وكفانا شر كل ذي شر،،، وتابع يا أبا ممدوح ..
ـ[شذى الجنوب]ــــــــ[16 - Jul-2009, مساء 04:57]ـ
منهج القناة يعرف من غالب ما يعرض فيها والغاية التي تسعى لإيصالها لعامة الناس، قناة دليل مثلا تسعى جاهدة لإزالة الحواجز بيننا وبين من نختلف معهم في الأصول كالليبراليين وغيرهم، تجري لقاءات مع رموزهم وتعطيهم فرصة تحسين صورتهم أمام عامة الناس ومن خلال قناة دينية!
وقد يكال لأولئك الرموز المديح مع أن كتاباتهم تشهد على كم هائل من الغيض والحقد يحملونه للشرع!
ثم النتيجة أن الجمهور الرافض لهم ابتداء يتقبلهم شيئا ما، ليس مهما -عند دليل- أن يكون قبول الجمهور دفعة واحدة، بل مجرد الرضى بالاستماع لهم في أول الأمر يكفي، يريدون جمع الأطياف كلها في بوتقة الخلاف السائغ!
لا يريدون رفض لفكر ما فالجميع أخ وخلافة سائغ ومقبول جدا، وغاية ما بيننا وبينهم الحوار المؤدب، ثم كأن شيئا لم يكن!
وتسعى دليل أيضا لاسقاط العلماء الراسخين واحلال أصحاب الفتاوى اللينة ورواد منهج التيسير أمثال هذا الذي يتكلم في قيادة المرأة للسيارة!
هناك من يتابع القناة من العوام لنفترض أنها تعرض في كل أسبوع برنامج فتوى لمثل هذا الشيخ أو الدكتور وهو يردد أن المفتي هنا الذي يحرم كذا عنده مشكلة شخصية خارجة عن نصوص وقواعد الشرع مع المسألة التي يفتي فيها!
كيف سيكون انطباع المشاهد العامي عن العلماء هنا؟
يعني بكل سهولة سيتم اسقاطهم، وسيقال مستقبلا -ومن منطلق ديمقراطي إسلامي!!!!! - الشعب لا يريد هؤلاء العلماء لأنهم متشددين ومتحجرين وظلاميين ............... الخ
ثم إني كنت أظن -الكلام موجه لأبي فهر- أن هجر المخالف في الأصول والتحذير منه من أصول المنهج السلفي، لكنه فيما يبدو صار التواصل معهم من مهمات التعامل العصري مع المخالف ولذا نجد ألا باس في استضافة من يسخر بثوابت الدين من خلال كتاباته!!
عبده خال مثلا تمت استضافته في برنامج في قناة دليل، اتدري من هو؟ وما منهجه؟؟
اتدري أنه سخر في رواية فسوق بثوابت ومسلمات؟؟
ثم يستضاف ويكال له المدح!!!
حسبي الله ونعم الوكيل وكفى.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[16 - Jul-2009, مساء 04:59]ـ
كالوا له المدح فقط؟؟
سبحان الله!
أوقع هذا؟؟!!
يعني كانت الحلقة في تكريمه ومدحه؟؟!!
لا يريدون رفض لفكر ما فالجميع أخ وخلافة سائغ ومقبول جدا، وغاية ما بيننا وبينهم الحوار المؤدب، ثم كأن شيئا لم يكن!
هذا كذب!
ـ[أبو خالد الكمالي]ــــــــ[16 - Jul-2009, مساء 09:20]ـ
غفر الله لك أخي الحبيب الفاضل ..
(يُتْبَعُ)
(/)
مرادي من المشاركة: أن الأخ أثار مسائل مهمة، وأنت بادرته برد عنيف، ومرادي: أن نناقش ما كتبه فنقبل الحق الذي فيه!
أخي: إن الواجب على القنوات أن تتقي الله فيما تعرضه على الشاشات، ويا حسرتاه على مقام الإرشاد والتوجيه! لما تولاه أئمة هذا الدين ومن اقتدى بهم ومن اتقى الله = آتى ثمرة طيبة مباركة لازلنا نرى آثارها!
وأيضًا: لقد سعت قنوات عدة في نشر الوسطية (والمقصد طيب ولا شك) لكن: هل وفقوا في بيان الوسطية الحقة؟
لقد برزت للعيان أوابد تخر الجبال لها هدا!!
وفي رأيي: إن حالات تطرأ على القنوات تَرى فيها مادة مبتذلة، ولغة بعيدة عن (التأصيل الشرعي)، ولهذا أمثلة عدة.
وفقكم الله جميعا، وكفانا شر كل ذي شر،،، وتابع يا أبا ممدوح ..
جزاك الله خيرا.
تلك القنوات أراها تقوم بجهد طيب.
قناة إقرأ فيها أخطاء .. لكن أسأل الله أن يديمَ بقاءها، فقد قدمت خيرا كثيرا.
و قناة الرسالة فيها أخطاء .. لكن أسأل الله أن يديمَ بقاءها، فقد قدمت خيرا كثيرا.
و قناة المجد فيها أخطاء .. لكن أسأل الله أن يديمَ بقاءها.
و الأمر نفسه مع قناة دليل، و قناة الناس، و بقية القنوات الفضائية الإسلامية التي تدعو إلى الخير.
وقوع الخطأ أمر لا يستدعي كل هذا التحذير، فقد أخطأ بعض علماء المسلمين في مسائل العقيدة، و غلطوا، و خالفوا المنهج السلفي الذي ندندن حولَه!
فهل نهجرهم لأن هجر المخالف من أصول المنهج السلفي؟
أم نعتذر لهم .. و نعتقد بأن لهم أجر الاجتهاد؟!
إن كان الهجران هو الحل، فسنهجر فلانا الذي زل في مسألة الغناء و بناء الكنائس، و سنهجر فلانا الذي يجرح الدعاة، و سنهجر فلانا الذي قال بجواز القيام ببدعة ما، و سنهجر فلانا الذي قال بأن الله ليست له يد .. و هلم جرّى!
أخي الكريم:
تنتقدون على القناة أشياءً أراها صوابا من القناة.
فنعم هناك من يلبس عباءة الدين ليصل إلى غاياته .. فأين التشكيك في علمائنا؟
بعد وفاة ابن جبرين .. رأينا القناة المباركة كيف حزنت على رحيل الشيخ، و رأينا العلماء يتصلون في القناة (رغم أن هجر المخالف من أصول المنهج السلفي. و عندكم القناة مخالفة للمنهج السلفي!).
فهل القناة تشكك في هؤلاء العلماء الذين اتصلوا؟ و الذين ذُكروا في الحلقة؟ مستحيل. كيف تذكرهم في برامجها بخير، ثم تشكك فيهم؟
كيف تستضيفهم ثم تشكك فيهم؟ هذا محال.
أما قضية الاختلاط .. فلهم أجر الاجتهاد (إن اعتبرناهم مخطئين)!
فما بالكم إذا لم يكونوا مخطئين؟!
ـ[أبو خالد الكمالي]ــــــــ[16 - Jul-2009, مساء 09:24]ـ
" وتسعى دليل أيضا لاسقاط العلماء الراسخين واحلال أصحاب الفتاوى اللينة ورواد منهج التيسير أمثال هذا الذي يتكلم في قيادة المرأة للسيارة! "
ضاقت نفسك عن قبول الخلاف في مسألة قيادة المرأة للسيارات؟!
أتدري أن أكثر علماء المسلمين (من خارج المملكة) يرون جواز قيادة المرأة للسيارات؟!
فإذا نشأتَ أنت في بيئة تُحرِّم هذا الأمر، و تعتبره عيبا (عادات و تقاليد .. و إلا فالتفحيط حرام، لم لا يكون شأنُه شأنَ قيادة المرأة للسيارات؟! و الضرر المترتب على التفحيط أشد و أخطر و متحقق!).
فاعلم أن غيرَك نشأ في بيئة ترى هذا الأمر عادي، فحاول أن تتقبل وجهة نظر غيرك، و تعرف لمَ اعتقد هذا الأمر و دعا إليه، دون أن تسعى لنسفه، و نسف القناة التي استضافته.
علما بأني لا أعرف الشخص الذي تكلم، ولا يهمني معرفة من هو.
هل البرامج التي أعدتها القناة عن الشيخ ابن جبرين هي برامج تسعى لإسقاط العلماء الراسخين؟
هذه تهمة خطيرة، و أرجو أن تقيم عليها أدلة واضحة بينة دعتك لهذا القول الخطير!
و إلا فاسمح لنا بهجرانك! فقد خالفت المنهج السلفي!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
ـ[أبو زرعة حازم]ــــــــ[16 - Jul-2009, مساء 10:30]ـ
أولا أنا لا أوافق الأخ أبو ممدوح في كل ما طرحه إلا أن الحق يقال أن أكثر كلامه صحيح.
قناة دليل فيها النافع كبرنامج التفسير المباشر وغيره لكنه قليل كماً نسبة إلى الخبث الذي يعرض مثلاً*برنامج الشاهد الذي يقدمه أنور عسيري وهذا الرجل لا يفقه شيئاً في دين الله تعالى وأكثر مواضيعه شاذة
منها الدراما التاريخية ورمضان 1/ 9/1429هـ
استضيف فيه المخرج السينمائي السوري نجدت أنزور) مداخلاً في حلقة
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا فهرس نصوص برنامج الشاهد لمن أراد الإطلاع
http://www.idaleel.tv/idaleel/folders.asp?num=513
جزاك الله خيرا.
تلك القنوات أراها تقوم بجهد طيب.
قناة إقرأ فيها أخطاء .. لكن أسأل الله أن يديمَ بقاءها، فقد قدمت خيرا كثيرا.
أسأل الله أن يريحنا منها عاجلاً غير آجل فالخير الذي فيها مغمور في برامج تقدمها نساء سافرات ومحجبات وصوفية قبورية ومميعون
و قناة الرسالة فيها أخطاء .. لكن أسأل الله أن يديمَ بقاءها، فقد قدمت خيرا كثيرا.
مثل سابقتها إسلام بلا منهج إلا أن يكون المنهج الأمريكي ... استفتاء حول الحجاب وحد الردة ...
و قناة المجد فيها أخطاء .. لكن أسأل الله أن يديمَ بقاءها. آمين ولكن أمورها لا تبشر بخير فلم يعد فيها برامج نافعة إلا خمس أو ست ساعات في الأسبوع وهي ستنتج -لا أقول ستعرض- مسلسلاً قريباً وكثرت فيها البرامج الغثائية وأصبح فيها برامج تعتني بالمسرح وبرنامج اسمه (شخصيات فنية وكتبوا تحته بالإنكليزية Artists= فنانون) فكأنه استحيوا من كلمة فنانون ويبدو أن هذه هي توجهات المالك الجديد [/ QUOTE]
و الأمر نفسه مع قناة دليل، و قناة الناس، و بقية القنوات الفضائية الإسلامية التي تدعو إلى الخير. وكذا هذه القنوات النافع فيها قليل وقناة الناس لا منهج لها.
وقوع الخطأ أمر لا يستدعي كل هذا التحذير، فقد أخطأ بعض علماء المسلمين في مسائل العقيدة، و غلطوا، و خالفوا المنهج السلفي الذي ندندن حولَه!
فهل نهجرهم لأن هجر المخالف من أصول المنهج السلفي؟
أم نعتذر لهم .. و نعتقد بأن لهم أجر الاجتهاد؟!
إن كان الهجران هو الحل، فسنهجر فلانا الذي زل في مسألة الغناء و بناء الكنائس، و سنهجر فلانا الذي يجرح الدعاة، و سنهجر فلانا الذي قال بجواز القيام ببدعة ما، و سنهجر فلانا الذي قال بأن الله ليست له يد .. و هلم جرّى!
أخي الكريم:
تنتقدون على القناة أشياءً أراها صوابا من القناة.
فنعم هناك من يلبس عباءة الدين ليصل إلى غاياته .. فأين التشكيك في علمائنا؟
بعد وفاة ابن جبرين .. رأينا القناة المباركة كيف حزنت على رحيل الشيخ، و رأينا العلماء يتصلون في القناة (رغم أن هجر المخالف من أصول المنهج السلفي. و عندكم القناة مخالفة للمنهج السلفي!).
لم يقل أحد أن القناة مخالفة للمنهج السلفي بل الكلام من الإخوة على هجر المخالف كان انتقاداً للقناة لاستضافتها بعض المخالفين وأنها يجب أن تقاطعهم يا أخي بارك الله فيك افهم كلام من يحاورك ثم رد عليه.
ولم يقل أحد أنها ليست سلفية وطبعاً ستحزن على وفاة الشيخ رحمه الله وهل هم من الروافض والقبورة الذين فرحوا بالخبر قبحهم الله.
[/ QUOTE]
وأخي أبا خالد إني أحبك في الله وأرجو ألا تحمل في قلبك لي إلا كما أحمل لك والدين النصيحة(/)
تنبيه متعلق بكتابٍ للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن في الرد على ابن جرجيس
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[13 - Jul-2009, مساء 06:16]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ – رحمه الله – كتابان في الرد على داود بن جرجيس:
الكتاب الأول: " منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس "، قال في أوله (ص 11 ط دار الهداية): (ومن سنة أربع وخمسين ومائتين يبلغنا ويُرفع إلينا عن رجل من أهل العراق أنه تصدى لجمع تلك الشبه من أماكنها، وتتبعها من مظانها، فصار يبدي من الشبهات ما يمج سماعه، ويكفي الناقد في رده نظره واطلاعه، ويظهر بطلانه ببدائه العقول، ولا يتوقف الحكم بفساده على نظر في المعقول والمنقول، وقد رُفع إليّ رسالة سماها " صلح الإخوان "، فيها من تحريف الكلم عن مواضعه، والكذب على أهل العلم، وعدم الفقه فيما ينقله ويحكيه من كلامهم ما لايحصيه إلا الله .. إلخ). فهو ردٌ على رسالة ابن جرجيس " صلح الإخوان " التي دعا فيها إلى صرف العبادة لغير الله، حاشدًا حوالي خمسين موضعًا من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، يزعم أنها تشهد لضلاله!
إلا أن الشيخ عبداللطيف لم يتم رده. قال الشيخ ابن مانع - رحمه الله – في مقدمة " دلائل الرسوخ " (ص 5) مبينًا السبب: (مات قبل إكماله. قالوا: لأنه اشتغل بتأليف رد آخر على طاغية من أهل نجد من إخوان ابن جرجيس، فتم هذا الرد، وسماه " مصباح الظلام "). ومصباح الظلام رد به على ابن منصور - كما هو معلوم -، وهو – أي ابن منصور – من المتأثرين بابن جرجيس، وله قصيدة في مدحه!
وهنا شيئ عنه:
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/k/k09.rar (http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/k/k09.rar)
ولذا قام الشيخ محمود شكري الألوسي – رحمه الله – بإكمال " منهاج التأسيس "، بكتابه " فتح المنان "، وتجد طبعته الأخيرة هنا:
http://ahlalhdeeth.cc/vb/showthread.php?t=178660 (http://ahlalhdeeth.cc/vb/showthread.php?t=178660)
الكتاب الثاني: " دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ ": قال في أوله: (أما بعد؛ فقد وقفت على أوراق أرسلها الملا داود بن سليمان الجرجيس العاني العراقي إلى بعض أصحابنا؛ فرأيت فيها من الصد عن سبيل الله، والدعوة إلى عبادة الأولياء والصالحين، ودعائهم، والحث على قصدهم في الملمات والشدائد، والإلحاد في آيات الله، وتحريف الكلم عن مواضعه، ما لايسع السكوت عليه .. ) إلخ. وهو رد على أوراق لابن جرجيس أرسلها إلى نجد، دعا فيها إلى صرف العبادة لغير الله، وتهجم فيها على دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -.
وقد طُبع الكتاب أول مرة بهذا العنوان عام 1305هـ. ولكنه كما قال الشيخ ابن مانع – رحمه الله – في مقدمته للطبعة الثانية: (نفذت طبعته، وقل وجوده حتى نسي، أو كاد يُنسى).فطبعه الشيخ المانع بالعنوان السابق عام 1381هـ، على نفقة الشيخ علي بن ثاني، حاكم قطر، رحمه الله.
ثم صورته الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالعنوان السابق، عام 1402هـ.
- ثم قام الشيخ عبدالسلام آل عبدالكريم – رحمه الله – بتحقيق كتاب " دلائل الرسوخ " عام 1408هـ، وطباعته بعنوان: " تحفة الطالب والجليس في كشف شُبه داود بن جرجيس ". قائلاً (ص 13): (طُبعت هذه الرسالة باسم " دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ " في طبعتي عام 1382هـ و 1402هـ، وقد سماها بهذا الاسم الألوسي في كتابه " المسك الأذفر "، ويُنظر في الطبعة الأولى هل هي بهذا الاسم أم لا؟ ونسب الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ في كتابه " مشاهير علماء نجد "، ص 75 تسمية هذه الرسالة بهذا الاسم إلى الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع، الذي كان مشرفًا على الطبعة الثانية).
مرجحًا أن العنوان الصحيح هو " تحفة الطالب .. "، لسببين: (الأول: أنه الاسم المثبت على النسختين الخطيتين – اللتين اعتمدهما -. والثاني: أنه الاسم المعتمد عند المترجمين للمؤلف) ومثّل بصاحب " الدرر السنية " الشيخ عبدالرحمن بن قاسم – رحمه الله -، وصاحب " مشاهير علماء نجد " – كما سبق -.
(يُتْبَعُ)
(/)
قلتُ: والصواب – في نظري – أن عنوانه الأصلي " دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ "، وأما " تحفة الطالب والجليس " فقد يكون عنوانًا آخر له، فيما بعد. – الله أعلم ممن - وأدلة هذا:
1 - قول الشيخ محمود شكري الألوسي – رحمه الله – في ترجمة داود بن جرجيس من كتابه " المسك الأذفر " (ص 460): (رد عليه الشيخ عبداللطيف، عالم نجد، بكتاب مفيد، سماه: " دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ "). فالتسمية من الشيخ عبداللطيف لا من الألوسي، كما ذكر الشيخ عبدالسلام.
2 - قول الشيخ ابن مانع – رحمه الله – في مقدمته للطبعة الثانية (ص 4): (فانتدب للرد عليه .. الشيخ الإمام عبداللطيف بكتاب جليل سماه " دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ ").
فهو – أيضًا - ينسب تسمية الكتاب لمؤلفه الشيخ عبداللطيف. فكيف يكون هو الذي سماه من عند نفسه؟!
3 - جاء التلميح لاسم الكتاب في التقريظ الشعري للكتاب من الشيخ عبدالقادر البغدادي، في قوله (ص 9 ط 2 وأظنها في الطبعة الأولى؛ لأن ابن مانع اعتمدها كما هي):
(" دلائلٌ " أشرقت كالشُهب أرسلها
عبداللطيف رجومًا للشياطين).
4 - ومثله قول علي أفندي، (ص 13 ط 2):
(أحكمتَ للورى " دلائل " قصدٍ
صار فيها على الهدى استدلال
" رسّخت " في قلوب قوم هداة
وذوو الزيغ عن هنالك زالوا).
-أما مانقله الشيخ عبدالسلام عن صاحب " مشاهير علماء نجد " من نسبة تسمية الكتاب للشيخ ابن مانع، فقد سبقه لهذا النقل الأستاذ علي جواد الطاهر في " معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية " (2/ 842 - 843). وقال بعدها: ( .. مما يُذكر أن مؤلف " مشاهير علماء نجد " نفسه ذكر اسم الكتاب في مؤلفه " علماء الدعوة " السابق على المشاهير: " دلائل الرسوخ .. "). يُنظر: " علماء الدعوة " (ص 49).
قلت: وقد تراجع صاحب " مشاهير علماء نجد " في الطبعة الثانية من كتابه (ص 98) عن نسبة تسمية الكتاب " دلائل الرسوخ " للشيخ ابن مانع، ونسبها لصاحبه بقوله: (طبعه بعنوان " دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ "). فلعله تبين له خطأ تلك النسبة، وأن العنوان من وضع صاحب الكتاب الشيخ عبداللطيف. والله أعلم.
تنبيهات:
1 - قال الشيخ البسام - رحمه الله - في كتابه " علماء نجد .. " (1/ 210) عند ترجمة الشيخ عبداللطيف: (من مؤلفاته رحمه الله: " تأسيس التقديس في الرد على داود بن جرجيس " وأكمله الشيخ محمود شكري الألوسي، وسُمي الكتاب باسمَين آخرين: أحدهما " تحفة الطالب والجليس في الرد على داود بن جرجيس "، والآخر " دلائل الرسوخ .. " وبهذا الاسم الأخير طُبع).
فقد أضاف الشيخ البسام اسمًا ثالثًا للكتاب! (فليُحرر)، والمشتهر أن " تأسيس التقديس " عنوان رد الشيخ أبابطين - رحمه الله – على ابن جرجيس، وهو مطبوع.
وقد وهم الشيخ البسام – رحمه الله – في قوله: (وأكمله الشيخ محمود شكري الألوسي)؛ لأن الألوسي – رحمه الله – أكمل " منهاج التأسيس " – كما سبق -. ومن الغريب أن الشيخ البسام لم يذكر " منهاج التأسيس " ضمن مؤلفات الشيخ عبداللطيف، مع أنه الأشهر. فهل اشتبه عليه الكتابان؟ الله أعلم.
2 - قال محقق " المسك الأذفر "؛ للألوسي: الدكتور عبدالله الجبوري (هامش ص 460): (و"منهاج التأسيس" هو نفسه "تأسيس التقديس"). والصواب أنهما كتابان – كما سبق -.
3 - قال الدكتور عبدالله الطريقي في " معجم مصنفات الحنابلة " (6/ 160) في ذكر مصنفات الشيخ عبداللطيف: (منهاج التأسيس .. )، (تحفة الطالب والجليس " دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ ") ثم قال: (يحسن التأكد هل هو المتقدم أو غيره؟).
والصواب – كما سبق – أنه غيره. فـ" منهاج التأسيس " يرد فيه الشيخ على كتاب ابن جرجيس " صلح الإخوان ". و" دلائل الرسوخ .. " يرد فيه على أوراق بعثها ابن جرجيس إلى نجد.
والله أعلم. ومن عنده فضْل علمٍ فليجُد به ..
ـ[العطاب الحميري]ــــــــ[14 - Jul-2009, مساء 11:00]ـ
جزاكم الله خيرا ورفع قدركم
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[15 - Jul-2009, مساء 04:37]ـ
وجزاكم خيرًا أخي الكريم العطاب الحميري ورفع قَدركم ..
وللفائدة فـ" منهاج التأسيس " حققته الأستاذتان الفاضلتان: شريفة السنيدي، ولطيفة الصقير.
ـ[جذيل]ــــــــ[17 - Jul-2009, صباحاً 01:51]ـ
وللفائدة فـ" منهاج التأسيس " حققته الأستاذتان الفاضلتان: شريفة السنيدي، ولطيفة الصقير.
الشيخ سليمان رفع الله قدرك ..
هذا التحقيق جديد او قديم .. وأين يباع ..
وفقك الله
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[17 - Jul-2009, صباحاً 03:48]ـ
ورفع ربي قَدرك ..
لم تُطبع بعد. 1424هـ (جامعة الإمام). http://www.kfnl.gov.sa:88/hipres/images/ara/spacer.gifhttp://www.kfnl.gov.sa:88/hipres/images/ara/spacer.gifhttp://www.kfnl.gov.sa:88/hipres/images/ara/spacer.gif(/)
نسبيَّة الحقيقة في الفكر الليبرالي
ـ[زين العابدين الأثري]ــــــــ[13 - Jul-2009, مساء 07:04]ـ
نسبيَّة الحقيقة في الفكر الليبرالي
ياسر بن عبدالله بن عبدالعزيز السليّم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن كلَّ دينٍ صحيح؛ جاء مرشداً للإنسان، وهادياً له إلى طريقِ الحق، ومكمِّلاً لما فيه من النقائص التي تعتريه، فهو مخلوقٌ إن تجرد عن الإيمان بالله والانقياد لأوامره واجتناب نواهيه؛ كان في أسفل سافلين، فهو - بلا إيمانٍ وطاعة - يعيش طبيعةً بائسة: " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ... " (1).
وإن من أكبر الجرائم التي قد يرتكبها الإنسان: استجابته لعدوه الشيطان، ليبدأ معه رحلةَ التحريف والضَّياع، وينساقَ خلف رَكْبِ الأهواءِ والرَّغبات، فيُقدِّمها على نصُوصِ الشرع المُطهَّر، ودلالاته الواضحة، وحقائقه النيِّرة، ليفقد الإنسانُ تلك المعايير التي بها يَعرف الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والهدى من الضلال.
ومن هنا يَكثر التخبُّط والزيغ، وينقاد الفكر تبعاً للأهواء، وتَخضع العقيدة تحت لواءِ العقل الإنساني، الذي إن ابتعد عن نور الوحي وآثار النبوة؛ وقف حائراً أمام الحقائقِ والأسرار والمعارف، وعاش فوضىً حياتية بعيدة كل البعد عن العبوديةِ الخالصةِ المتجرِّدة لله تعالى.
ومن نتائج استجابة الإنسان للشيطان؛ خرجت لنا تلك المذاهبُ المنحرفة، والأفكارُ المخدوعة، التي تعتمد - اعتماداً كلياً - على النظرةِ النقديةِ الفلسفيةِ لكلِّ ثابت، وتتقنَّع بمبدأ الحريَّةِ والانفتِاح، وتركضُ خلف العدو الكافر بدعوى التطور والتقدم. ومن تلك المذاهب: (الليبرالية) (2).
والليبرالية تفيضُ بالمبادئ والأفكار المتناقضة التي لجأ إليها أربابُ هذا الفكر؛ لأجل الهروبِ من قيود الاستعباد المزعوم، حتى أظهروا أقوالاً عجيبة، وقواعدَ مضطربة، تجعل الإنسانَ يعيش في حَيرةٍ وشك، يصير معها الحقُّ باطلاً، والباطلُ حقاً، وتتلاشى معها المبادئُ والقيم، وينقطع بها عن مصادر التلقي في الدين الحق، فيعيش في جهلٍ وانحراف.
ومن تلك المبادئ قولهم بـ (نسبية الحقيقة)، وهو ما سيأتي تفصيله وبيانه، وتحليله وتشخيصه، ونقده وتقويمه، سائلاً الله أن يمدني بالعون والسداد، وأن يشكر سعي من كان خلف هذا البحث، إشرافاً وتوجيهاً، ودلالةً وعوناً، اللهم آمين.
تعريف الليبرالية
لم يتفق صنَّاع الليبرالية والمنظِّرين لها على تعريفٍ يُحدد معناها بوضُوح، لكنهم اتفقوا على وصفها بـ " الحرية المطلقة "، يقول دونالد سترومبرج: «إنَّ كلمة الليبرالية مصطلحٌ عريض، وغامض، ولا يزال إلى يومنا هذا على حالةٍ من الغموض والإبهام» (3).
و «الليبرالية فكرةٌ ليست من صنع عَقلٍ بشري واحد، ولا وليدةَ بيئةٍ ثقَافيةٍ أو ظروفٍ زمَنيةٍ واحدة، فقد تعددت تعريفاتها بعد أن استقرت فلسفةً فكرية غربية وضعية، تنزع إلى المادية والفردية والتحرر من كل قيدٍ أو ثابت، إلا ثابت عدم الثَّبات» (4).
والليبرالية هي - في الأصل - مصطلحٌ أجنبيٌّ مُعرَّب، مأخوذ من ( Liberalism ) في الإنجليزية، و ( Liberalisme ) في الفرنسية، وهي تعني: (التحررية)، ويعود اشتقاقها إلى ( Liberty ) في الإنجليزية، و ( Liberte ) في الفرنسية، ومعناها الحرية (5).
تقول الموسوعة البريطانية: «وحيث إن كلمة Liberty ( الحرية) هي كلمةٌ يكتنفها الغموض فكذلك هو الحال مع كلمة (ليبرالي)».
وقد جاء في موسوعة (لالاند) الفلسفية تعريف الليبرالية بأنها: «الانفلات المطلق بالترفع فوق كل طبيعة».
وقد عرَّفها المفكر اليهودي (هاليفي) بأنها: «الاستقلال عن العلل الخارجية، فتكون أجناسها: الحرية المادية والحرية المدنية أو السياسية، والحرية النفسية والحرية الميتافيزيقية (الدينية)».
وعرفها الفيلسوف الوجودي (جان جاك روسو) بأنها: «الحرية الحقة في أن نطبق القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا».
وعرفها الفيلسوف (هوبز) بأنها: «غياب العوائق الخارجية التي تحد من قدرة الإنسان على أن يفعل ما يشاء» (6).
(يُتْبَعُ)
(/)
وعرفها المفكر (برنيس) بأنها: «الاستقلال الناتج عن غياب الإكراه، سواء كان ببواعث مادية خارجية، أو بواعث داخلية أخلاقية، والناتج أيضاً عن قوة إعمال العقل».
وجاءَ في موسوعة (ويكيبيديا) الإلكترونية وصفُ الليبراليةِ بأنها: «حركة وعي اجتماعي وسياسي داخل المجتمع، تهدف لتحرير الإنسان فرداً وجماعة من القيود الأربعة (السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية) ... وتعترض الليبرالية على تدخل الدين في الأمور الشخصية بشكل عام، وهي بهذا مقاربة للعلمانية بشكل كبير» (7).
وفي (موسوعة المورد العربية) عُرِّفتْ الليبراليةُ بأنها: «معارضة المؤسسات السياسية والدينية التي تحدد من الحرية الفردية، وهي تطالب بحق الفرد في حرية التعبير وتكافؤ الفرص» (8).
وجاء في (الموسوعة الميسرة) بأنَّ الليبرالية هي: «مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي» (9).
وهكذا نرى أن تعريفات الليبرالية تتفق على أنها انكفاءٌ على النفس مع انفتاحٌ على الهوى؛ بحيث لا يكون الإنسان تابعاً إلا لنفسه، ولا أسيراً إلا لهواه، وهو ما اختصره المفكر الفرنسي (لاشييه) في قوله: «الليبرالية هي الانفلات المطلق».
وكذا فإن لليبرالية جوهرٌ أساسي يتفق عليه جميعُ الليبراليين في كافةِ العصُور مع اختلافِ توجُّهَاتهم وكيفيةِ تطبيقها كوَسيلةٍ من وسَائلِ الإصلاح والإنتاج، هذا الجوهرُ هو: «أنَّ الليبرالية تعتبر الحرية المبدأ والمنتهى , الباعث والهدف , الأصل والنتيجة في حياة الإنسان , وهي المنظومة الفكرية الوحيدة التي لا تطمع في شيء سوى وصف النشاط البشري الحر، وشرح أوجهه والتعليق عليه» (10).
فالليبراليةُ تدعو إلى الحريةِ المطلقة التي لا تعترفُ بدينٍ ولا شرعٍ ولا نصٍ مُقدَّس ولا عادَاتٍ ولا تقاليد، وتجرُّ الإنسانَ كي ينصاعَ إلى الهوى والشهوة، وتجعله قائماً على الحظوظِ الشخصيَّة ونبذ الأصول المتينة، والقواعدِ الرَّصينة، التي منها انطلق سلفُ هذه الأمَّة في فهمِ الدين وعبادةِ رب العالمين.
نسبيَّة الحقيقة
أولاً / تعريف " نسبيَّة الحقيقة ":
النسبيةُ - بشكلٍ عام - هي مبدأ فلسفي يرى أنَّ كلَّ وجهاتِ النظر صحيحةٌ شرعيةٌ متساوية، وأنَّ كل الحقائق نسبيةً إلى الفرد. وهذا يعني أن كلَّ الأوضاعِ الأخلاقية، والأنظمةِ الدينية، والأشكال الأدبية، والحركاتِ السياسية؛ حقائقٌ نسبية للفرد.
«وفي النسبية مقياس السلوك هو ذواتنا، فما هو الحق والعدل في عين شخص ربما لا يكون حقاً وعدلاً في عين شخص آخر. ولا أحد يستطيع أن يزعم أنه هو على الحق والصواب أو الحقيقة المطلقة» (11).
يقول أحد الكتَّاب: «كيف لنا أن نقرر حقيقة الحقيقة، أهي مطلقة أم نسبية؟ سؤال حيرني كثيراً، وأضحى يشغل تفكيري نهاراً وليلاً، هل يمكن أن نقود الحقيقة في مسارها؟ أو ليست الحقيقة أيدولويجية يتم تيسيرها برغبة ما نحو صفة وحراك وخطاب معين؟!. لو كانت الحقيقة متمثلة في كائن لبحثت عن مكنوناتها وأوصافها وشموليتها.
لو كانت الحقيقة كيانا ملموسا لصعب أيدلجته وتحويره وتسييسه، لكنها مدلولات تخيلية تتسم بالمراوغة وكل ما هو غير حقيقي. أهي وعي حر متمرد على قيوده؟! أسئلة كثيرة هبت هي وغيرها فجأة لتعلن انتماءها إلى مستودع مكنون من الأسرار والمعطيات، منجم يستوعب المقدس، ويحتضن الملكية، وينادي بمحاكمة الخطيئة» (12).
فيُقال: إنَّ الحق الذي يدعيه (زيد) من الناس شيءٌ غيرَ الحق الذي يدّعيه (عمرو)، فأيهما أحقّ بالحق؟! وأيهما أولى بالاتباع؟! وأيّهما الذي يملك الحقيقةَ المطلقة، فيملك معها تخطئةَ غيره، والقطعَ بضَلال مذهبه؟!.
وهذه التساؤلات ونحوها أثارها الفلاسفةُ قديماً، ونوقشت كثيراً في كتبهم وملتقياتهم، فطرقتْ أسماع الناس مقولة: (الحقيقة المطلقة لا يطالها أحد)، أو (لا أحد يحتكر الحق والصواب)، أو (ليس ثمةَ إلا الحقيقةُ النسبية)، أو (الحق المطلق لا يملكه أحد)، وغيرِها من العبارات المشابهة .. «وفحواها: أنه لا أحد يمكنه القطع بأن معتقده هو الحق، وأن معتقدَ غيره خطأٌ قطعاً، وأقصى ما يمكنه الجزم به أن رأيه صوابٌ يحتمل الخطأ، وأن رأي غيره خطأ يحتمل الصواب، وهو ما يُسمى بنسبية الحقيقة» (13).
(يُتْبَعُ)
(/)
فنسبيةُ الحقيقة تقتضي أنْ «ليس هناك أحد يقول أن منهجي وطريقي هو المنهج الصحيح الوحيد، لذا يجب أن لا نقهر أحداً على قبول منهج ما أو طريقة معينة» (14).
يقول الأستاذ بسطامي سعيد حول " نسبية الحقيقة " وبيانِ ملامحها: «هل حقائق الدين نسبيَّة؟ .. إذا قيل إن الفكرة إما خاطئة أو صائبة بغض النظر عن الزمان الذي شهد ظهورها، قالت العصرانية: "ولكن إدراك حقائق الدين مسألة نسبية، فليس هناك صواب مطلق، وإن الحقيقة الثابتة تختلف الأنظار إليها باختلاف زاوية سقوط الشعاع الفكري". والكاتب الذي قرأت له هذا القول لا يقدم دليلاً أو حجة، بل يكتفي بالإشارة إلى أن نظرة الإنسان إلى الأشياء نظرة جزئية، وليست نظرة شاملة كاملة وإن هذه النظرة هي بحسب معارف المرء وثقافته، وبحسب اهتماماته والزاوية التي ينظر منها.
وقضية النسبية ( Relativism ) في الحق ( truith ) أو في الأخلاق ( ethich ) قضية فلسفية، تتناحر حولها الفلسفة منذ أن عرف الإنسان الفلسفة، وكعادة الفلاسفة في مناقشة القضايا تتعقد وتتشابك الآراء، والفلاسفة وحدهم هم الجديرون بأن يغرقوا في مثل هذه المباحث، وهل استطاعت الفلسفة يوماً ما أن تحل لغزاً؟!.
وفي بساطة نتساءل ما المقصود بأن الحقيقة نسبية؟ إذا كان المقصود أن معرفة الإنسان قاصرة وعمله قليل، وأنى له بالعقل الذي يدرك الأشياء إدراكاً شاملاً، فهذا ليس موضع اختلاف، والبشرية بما فيها من عجز وقصور مؤهلة لإدراك قدر من المعارف تكفيها لأداء مهامها في هذا الفترة القصيرة من عمرها على الأرض.
وإذا كان المقصود أن الإنسان لا يصل إلى حقيقة، وكل ما عنده من حقائق لا يمكن القطع والجزم بها، ولا يمكن الاتفاق حولها، فأول ما يواجه هذا القول من نقد أن يُسأل: ما الدليل على أن هذا القول صادق؟ فإذا قُدمت الأدلة على صدقه وأثبتت أنه حقيقة، فهو اعتراف بأن لدينا على الأقل حقيقة نطمئن إليها، وهو اعتراف ينقض ما قُدمت الأدلة لإثباته، وإذا كان القول بأن الحقيقة نسبية أمر نسبي أيضاً ولا يمكن القطع والجزم به، فكيف يؤخذ به؟ ثم كيف يفسر من يقول إن الحقيقة نسبية ذلك القدر المشترك من الحقائق بين أفراد النوع البشري على اختلاف بيئاتهم وظروفهم وعصورهم؟!
الأهم من ذلك أن يُسأل: هل هناك منهج صحيح للوصول إلى حقائق الدين، أم أن الدين كما هي النظرة الغربية له، لا معايير ولا مقاييس لتحديد حقائقه، بل هو مثل مسائل الآداب والفن مسألة "ذوق"، لا تقوم على منهج علمي محدَّد، أو معايير منضبطة؟!.
إن مصادر حقائق الدين ثلاثة أشياء: النصوص الموحاة، ومعاني هذه النصوص، والاستنباط منها، ولكل واحد من هذه الأقسام منهج علمي محدَّد مضبوط، فهناك منهج علمي لتوثيق النصوص، ومنهج لطريقة فهمها، ومنهج للاستنباط منها، وما يتوصل إليه عن طريق هذه المناهج حقائق لا شك في ذلك.
قد يحدث تغيير أو تبديل للنصوص، أو قد يحدث خطأً في الفهم، أو يحدث خطأ في الاستنباط، ولكن هذه مسألة أخرى، ومعالجتها تكون بإثبات ما حدث من تحريف بالدليل والبرهان، أما إطلاق العموميات، والقول بأنَّ حقائق الدِّين مسألة نسبية يدركها كلٌ على حسب المعرفة المتاحة، ويراد من وراء ذلك رفض فكر العصور الماضية! فقول لا تسنده حجَّة، ولا يمكن قبوله» (15).
ويقول الأستاذ غازي التوبة: «نسبية الحقيقة إحدى الركائز التي تقوم عليها الثقافة الغربية منذ نهضة أوروبا الحديثة، ويربط المفكرون الغربيون بين تلك الركيزة، وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة بالمجتمع، ويعتقدون أن تغير الحقائق الحياتية يقتضي نسبية الحقيقة» (16).
ثانياً / منشأ القول بـ" نسبية الحقيقة ":
هذا القولُ أنشأه الفلاسفة السوفسطائيون (17) - وعلى رأسهم الفيلسوف بروتاغوراس - الذين ظهروا في اليونان ما بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد؛ حيث كانت اليونان تغرق في بعضِ الأفكارِ المتباينة، والمذاهب المتنوعة؛ فلجؤا إلى هذا القَولِ في تأييدِ الآراءِ المتناقِضَة؛ إما شكاً في الجميع، أو تخلصاً من جُهد طلب الحقيقة.
(يُتْبَعُ)
(/)