ـ[أبو عبد الله الشاوي]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 02:24]ـ
السلام عليكم
لكل أخ استغرب كلام الشيخ ناصر العقل
هذه مقالة الشيخ عبد العزيز ال الشيخ المفتي علها تسكن الروع و قد قال مثلها أو ابلغ منها الشيخ العلامة بكر رحمه الله
اليكموها:
المفتي: يا إخواني تفسير سيد قطب في ظلال القرآن هو كتاب ليس تفسير لكنه قال تحت ظلال القرآن يعني كأنه يقول للمسلمين هذا القرآن نظام الأمة تعيش في ظلاله و استقوا من آدابه و انهلوا من معينه الصافي وأقبلوا بقلوبكم على القرآن لتجدوا فيه علاج لمشاكلكم و حل قضاياكم وتفريج همومكم إلى آخره.
والكتاب له أسلوب عال في السياق أسلوب عال، هذا الأسلوب الذي كتب به السيد كتابه قد يظن بعض الناس بادئ بدء من بعض العبارات أن فيها شركا أو أن فيها قدحا في الأنبياء أو أن وأن .. ، ولو أعاد النظر في العبارة لوجدها أسلوبا أدبيا راقيا عاليا لكن لا يفهم هذا الأسلوب إلا من تمرس في قراءة كتابه، والكتاب [كلمة غير واضحة] لايخلو من ملاحظات كغيره لا يخلو من ملاحظات و لا يخلو من أخطاء لكن في الجملة أن الكاتب كتبه منطلق غيرة وحمية للإسلام، والرجل هو صاحب تربية وعلوم ثقافية عامة وماحصل منه من هذا التفسير يعتبر شيئا كثير [الجملةالسابقة غير واضحة] فيؤخذ منه بعض المقاطع النافعة والمواقف الجيدة والأشياء التي أخطأ فيها يعلى [غير واضحة] عذره قلة العلم وأنه ليس من أهل التفسير لكنه صاحب ثقافة عامة وعباراته أحيانا يفهم منها البعض خطأ لأن أسلوبه فوق أسلوب من يقرأه، فلو أعاد النظر مرارا لم يجد هذه الاحتمالات الموجود وإنما هو أسلوب من الأساليب العالية التي يتقاصر عنه فهم بعض الناس فربما أساء الظن، والمسلم لا ينبغي [كلمة غير واضحة] على وجود المعايب، فليأخذ الحق ممن جاء به، ويعلم أن البشر جميعا محل التقصير والخطأ، [كلمة غير واضحة] والعصمة لكتاب الله و لقول محمد صلى الله عليه وسلم، ماسوى الكتاب والسنة فالخطأ محتمل فيه لاسيما من إنسان عاش في مجتمعات لها مالها وسافر للغرب سنين وإلى آخره، لكن كفانا منه ماوجد في هذا السفر من بعض المقاطع والكلمات النافعة التي لو قرأها الإنسان مرارا لرأى فيها خيرا كثير.
المحاضرة كاملة من موقع الدعوة الخيرية - كتاب التوحيد-الدرس السادس
http://www.al-daawah.net/suond/saif1426/almufti/tawheed/6th.rm
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 02:29]ـ
حزاك الله خيرا أبو عبدالله الشاوى
يا إخواني تفسير سيد قطب في ظلال القرآن هو كتاب ليس تفسير
وقال الشيخ محمد اسماعيل انه كتاب تفكير لاتفسير
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 12:48]ـ
على تعريف التفسير فى مباحث التفسير فى كتب علوم القرءان لاينطبق على الظلال انه تفسير
وانطر باب تفسير القرءان فى كتاب مناهل العرفان
وهذا ليس فيه تنقيص من قدر الظلال بل كل مجاهد وكاتب على ثغر
والعلماء يقولون ان الظلال اضافة جديدة للمكتبة الاسلامية
تجد فيه ما لا تجده فى امهات كتب التفسير
والامة محتاجة لكله(/)
الرد على الكاتبة نورة عبد العزيز الخريجي (الظالمة لنفسها)
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[18 - Jun-2008, صباحاً 10:02]ـ
الرد على الكاتبة نورة عبد العزيز الخريجي (الظالمة لنفسها)
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد كتبت نورة عبد العزيز الخريجي في جريدة الوطن مقالاً بتاريخ 12/ 6/1429الموافق 16 يونيو 2008م العدد (2817) تحت عنوان ما نتمناه لإمامة المسجد النبوي الشريف، وقامت تهاجم إماماً من خيرة أئمة المسجد النبوي، ولتعلم الكاتبة الظالمة لنفسها أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، والاستهزاء بالعلماء أمر عظيم وصاحبه على خطر عظيم إن لم يتب إلى الله عز وجل فقد قال رجل في غزوة تبوك ما رأينا مثل قُرَّائنا هؤلاء أَرْغَبَ بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء يعني رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء فقال له عَوْفُ بن مالك كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجلُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحلَ وركبَ ناقته فقال يا رسول الله إنما كنّا نخوض ونتحدثُ حديثَ الركب نقطع به عنا الطريق قال ابن عمر كأني أنظر إليه متعلقاً بنِسْعَة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة تَنْكبُ رجليه وهو يقول إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ما يلتفت إليه وما يزيده عليه فإن الاستهزاء بالله ورسوله كفر مخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله والعلماء لأنهم ورثة الأنبياء والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة ولهذا لما جاؤوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة والرسول لا يزيدهم على قوله أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، وكل ما كتبته هذه الكاتبة الظالمة لنفسها عن هذا الإمام كذباً وافتراء باتفاق مصلي المسجد النبوي، بل هو إمام من الأئمة الأعلام نفع الله به الإسلام والمسلمين والجميع يتمنى قراءته وإمامته بهم في المسجد النبوي وقد نفع الله بعلمه كثيراً من طلاب العلم وزوار المسجد النبوي في دروسه بالمسجد النبوي وكتبه الكثيرة، ويشهد بذلك القاصي والداني، وإقبال الناس على خطبه ودروسه وتلاواته بالمكتبة الصوتية بالمسجد النبوي دليل شاهد على ذلك، ولا غرو فهو إمام مبارك من منبع وأصل مبارك نفع الله به وبأجداده الأمة الإسلامية في أرجاء المعمورة بنشر السنة ومحاربة البدعة، فلتتق الله هذه الكاتبة الظالمة لنفسها المعتدية على غيرها ولتعلم بأن الله قال: ما بلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة،
وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: (اجعل كبير المسلمين عندك أباً، وصغيرهم ابناً، وأوسطهم أخاً، فأي أولئك تحب أن تسيء إليه)
وقال يحي بن معاذ الرازي: (ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره،وإن لم تفرحه فلا تغمه،وإن لم تمدحه فلا تذمه)،
ولا نجاة للمسلم إلا بتقوى الله والخوف من عقابه قال طلق بن حبيب: (إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى، قالوا وما التقوى؟ قال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ,وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه:" كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار بالله جهلاً.
قال بعض الحكماء:
وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه
أموت ويبقى كلما قد كتبته ** فياليت من يقرأ كتابي دعا ليا
لعل إلهي يعفو عني بفضله ** ويغفر زلاتي وسوء فعاليا.
وقال الله تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) وصلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
كتبه أبو عبد الله محمد بن محمد المصطفى
المدينة النبوية في 13/ 6 / 1429 هـ
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[18 - Jun-2008, صباحاً 11:00]ـ
بارك الله فيكم .. وهدى الله نورة. فلها مقال شهير تسخر فيه من " الهيئة " قبل أكثر من 15 سنة تقريبًا!
ظننتها ارعوت أو انشغلت عن الخير وأهله. ولكن ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[غالب بن محمد المزروع]ــــــــ[18 - Jun-2008, صباحاً 11:17]ـ
بارك الله فيك ...
ونسأل الله للكاتبة الهداية والصلاح -آمين-
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 12:32]ـ
إليكم نص مقال الكاتبة هداها الله
ما نتمناه لإمامة المسجد النبوي الشريف
الاثنين 12 جمادى الآخرة 1429هـ الموافق 16 يونيو 2008م العدد (2817) السنة الثامنة
كتاب اليوم نورة عبدالعزيز الخريجي
سأذكر باختصار الأحق بالإمامة في الصلاة ومكروهات الإمامة في صلاة الجماعة من المذهب الحنبلي مذهب هذه البلاد لنرى مدى تطبيقه في المساجد عامة والمسجدين الشريفين خاصة إلا أن المثال سيكون على المسجد النبوي الشريف حيث شرفني الله بالسكنى في بلد الرسول صلى الله عليه وسلم فالأحق بالإمامة الأجود قراءة لقوله عليه الصلاة والسلام (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ثم الأعلم بالسُنة فالأقدم هجرة والأقدم سناً ثم الأتقى ثم الأورع.
ولا يؤم رجل قوماً يكرهونه كراهية دينية لقوله عليه الصلاة والسلام ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون .. الحديث أخرجه ابن ماجة وتكره إمامة منْ لا يفصح ببعض الحروف ولن أكتم سراً إذا ذكرت أنه للأسف لا تطبق هذه الشروط وخاصة أولها وأهمها الأجود قراءة تشمل صوتاً رخيماً في قراءته وحلاوة في تلاوته وطلاوة وجاذبية في أدائه مع إتقان كامل للقراءة على قواعد التجويد ومراعاة المعنى في أحوال الوقف والابتداء جيد المخارج سليم الأداء سواء في المساجد العامة حيث يتصارع على هذا المنصب المحق له وغير المحق فالدين في سياسته الشرعية هو الذي يحدد صلاحية الأشخاص للمناصب الشرعية وليست الأهواء والصفات العرقية.
ولقد كان الملك عبدالعزيز يتمتع ببصيرة نافذة تتجاوز وقتها إلى مستقبل الأمور حين وحدَّ الصلاة في الحرمين بإمام واحد من مصر تجتمع فيه الشروط المطلوبة للإمام حين لم يكن في هذه البلاد من أهلها الكفء لإمامة المسجدين الشريفين ولم ينحز لأبناء بلده أو يجامل معارفه بأن يتعلموا جودة القراءة مع إمامة الحرمين! أما الآن إذ استغنينا عن أئمة من خارج البلاد فلنا العذر بذلك بعد أن انتشر التعليم بصفة عامة ومدارس تجويد القرآن بصفة خاصة هنا وكثرت الأصوات الندية في التلاوة من أبناء البلاد فإذا كانت قبل ثلاثة عقود تنقل صلوات المسجدين من المذياع وبصعوبة تلتقط في الأرجاء الشاسعة من البلاد فما بال خارجها إلا أن التطور الهائل في وسائل الاتصال من فضائيات وشبكة عنكبوتية جعل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يتابعون صلوات المسجدين بهيبة وإجلال لشرف المكانين ولهم ملاحظاتهم على الأئمة كما لو كانوا في نفس المكان فالنحنحة والسعال يصلان إليهم! ولقد كتب شيخنا الفاضل عبيدالله أمين كردي يرحمه الله في جريدة البلاد بتاريخ 10ذي القعدة 1418 عن أحد أئمة المسجد النبوي الشريف الذي تم تعيينه في ذلك العام قاضياً وإماماً بعد أن كثر الحديث عن أخطائه في التجويد وأغلاطه في الحفظ والأهم لا يفصح بعض الحروف لعيب خلقي في حنجرته مثال ذلك العين في العالمين يقرأها الآلمين والدال في يوم الدين يقرأها التين والعين في نعبد يقرأها نأبد والمغضوب يقرأها المخطوب والضالين يقرأها الظالين وقد أجمع جمهور العلماء على أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة وخطأ في حرف منها يبطل الصلاة ولذلك ترى بعض الإخوة من الشافعية يعيدون الصلاة بعد إمامته والضاد يقولها ظ معظم الآيات ورضي (رظي) والمرعى إلى المرأى بل إن الأطفال الذين يحفظون القرآن مجوداً يكتشفون أخطاءه حتى في دعائه يخيل إليك أنه أعجمي يتعلم اللغة العربية وبالفعل تم توقيفه من الصلاة الجهرية حتى يكمل دورة أخرى في التجويد وبعد فترة أعادوه للجهرية والخطب وختم القرآن صحيح أنه في العشر سنوات تحسن وليس التحسن المطلوب وأحياناً لا يستطيع التحكم في مخارج الحروف والسؤال كيف تم تعيينه وهو يفتقد الشرط الأول للإمامة؟ هل المسجد النبوي الشريف مكان للتعليم وكثير لهم أحقية شرف الإمامة فيه وأين منا قدوتنا سيد البشر الذي كان الناس سواسية لديه وإن مُنِحَت لمن لا تنطبق عليه الشروط فاعتذاره عنها له الأجر عند الله فماذا سيقول لسيد البشر وهو يخطئ في كتاب الله في محرابه ومنبره؟ وهناك الأحق منه بذلك من هذه لبلاد؟ ولماذا نذهب بعيداً وفي المدينة المنورة يوجد فيها شيخ القراء إبراهيم الأخضر من أكثر المقرئين إتقاناً ويقرأ على القراءات السبع وقد تولى إمامة المسجد النبوي لسنوات؟ وفي مدينة الإيمان الدكتور محمد أيوب الذي حصل على عدد من الإجازات في القراءات وقد كان إماماً متعاوناً للمسجد النبوي لعام 1410 حيث ختم بالمصلين تراويح رمضان ومازال حتى اليوم تسجيل تختيمه هو المطلوب في الأسواق وكم أتألم في فجر 29رمضان عندما يصدح تختيم مكة المكرمة في أسواق مدينتي الحبيبة دون تختيمها؟
اختيار المقرئين الأجود الآن يسيراً مع انتشار محطات وقنوات القرآن الكريم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 05:28]ـ
طيب بصراحة: هل ترون أن (بعض) ما ذكرتُه الكاتبة كذبًا ومبالغة؟!!!!
ما لاحظتْهُ لاحظه كثيرون. .
ثم صحيح لماذا استُبعد صاحب الصوت الندي محمد ايوب الذي قل مثيله في هذا الزمان، عن إمامة المسجد النبوي؟
عموما رد أبو عبدالله المصطفى أيضا فيه مبالغة.
والمبالغة في الثناء أو المدح تأتي بنتيجة عكسية.
غير اني وأشهد الله على ما أقول لا أوافق الكاتبة في إمعانها في الاستهزاء، والتشهير. وكذل في كثير مما ذكرت، ونقدها لا داعي له حتى وإن كان بأسلوب أفضل لأنه أيضا لن يفيد.
ـ[غالب بن محمد المزروع]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 09:20]ـ
بارك الله فيك أخي أبا عبد الله
وكان الأولى بك ذكر نص مقال الكاتبة ابتداءً، كما أنك أغلظت القول للكاتبة؛ بطريقة فيها شيء من المبالغة!!
ومن وجهة نظر شخصية لي فإن كثيرًا من كلام الكاتبة لا يبعد عن الصواب ...
كما أنه يحمد لها عدم التصريح باسمه ...
أوليس المطلوب منا أن نحسن الظن بالآخرين، ونأخذ ماقالوه على أنه غيرة على الدين؟
ثم أليس في النقد عمومًا وسيلة لتصحيح الأخطاء؛ وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بكلام الله تعالى؟!
وأين؟! في أحد الحرمين الشريفين، حيث تنقل الصلوات الجهرية منهما لبقاع كثيرة في أنحاء المعمورة؟!
فلا يلزم مثلًا أن يكون الإنسان قاضيًا أو عالماً بالشريعة أن يكون كذلك مؤهلًا لإمامة المسلمين
في المسجد الحرام أو في مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
ولكن!!!
ولكن الكاتبة - أصلحها الله- أخطأت الأسلوب؛ وذلك أن قامت بنشر ذلك على الملأ!!
لأنه عندما يتعلق الكلام بالقدوات فما هكذا تورد الإبل!!
وقد جاء في الحديث: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) ...
فينبغي أن تخاطب الجهة المسؤولة من قبل هذه الدولة المباركة -سدّدها الله-
وهي الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين ممن لهم صلاحية من أهل العلم؛
حيث يبرزون الملاحظات الشرعية مدعّمة بأقوال أهل القراءات؛ لأنهم هم أرباب هذا الفن ...
وكذلك يناصح هذا الإمام بالمواجهة (الغير مشهودة من الناس) وليس بالتشهير به في وسائل الإعلام بهذه الطريقة!!
سدّدنا الله وإياك بالقول الثابت -آمين-
ـ[روعة الخاطر]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 05:12]ـ
الله يهدي الجميع وياليتك اخي لم تذكر الاسم .........
وبالمناسبه هذه من الطرق التي يتبعها بعضهم كحرص منهم على الدين والله اعلم بالنيات
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[29 - Jun-2008, صباحاً 11:25]ـ
جزاك الله خيراً ومما يدلك على أن ما كتبته هذه المرأة اتباع منها للهوى أن ملايين المسلمين الذين يصلون خلف هذا الإمام بالمسجد النبوي خلال أكثر من عقد من الزمن منهم العلماء ومنهم الفقهاء ومنهم الملوك ومنهم الرؤساء والأمراء ومنهم القراء والصالحون ممن قدموا على هذا المسجد المبارك من جميع أنحاء المعمورة أو من أهل المدينة النبوية ولم يعترض أحد سوى هذه المرأة التي أثارت هذه الفتنة والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، والاعتراض المعتبر لا يكون إلا من أصحاب الاختصاص المعروفين وليس كل من هب ودب وليس من أهل هذا الشأن ولا علاقة له به، أسأل الله عز وجل أن يصلح القلوب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[31 - Aug-2008, صباحاً 12:17]ـ
و من هذا الإمام الذي تقول الكاتبة أنه يقول الحمد لله رب الآلمين! ... غير المخطوب عليهم!
و كون المقال منشور في جريدة الوطن يدعو لسوء الظن!
و الذي أعلمه أيضاً أن البعض عنده تشدد في التجويد ذكر بعض العلماء مثالاً لذلك التشدد في القلقلة حتى تصبح حرفاً، و التشدد في الغنة و المد، و إذا لم تمد مداً طويلاً أنكر عليك مع أن المد فيه وجوه، و يبالغ في مخارج الحروف حتى كأنه سيتقيأ عند نطق الحروف الحلقية
و إذا لم تتشدد مثله قال إنك لا تعرف التجويد!
بل بعضهم إذا صرت لا تقرأ بالمقامات، قال إنك لا تجيد الترتيل و الأداء! أي أنك لست موسيقاراً بارعاً تجيد التغني بالقرآن، لأنك لم تحضر عند أم كلثوم لتتعلم منها المقامات كما كان بعض القراء يفعلون! و لللأمانة فإن البعض لا يدعو لتعلم مقامات الغناء الفارسية التي يستخدمها أصحاب السمسمية! و لكن المقامات التي يسمونها عربية النهاوند و الصبا و الحجازي! و لا أدري ما الفرق بينها، هل يظن أن الأخرى هي لحون العرب! التي ذكرها ابن الجزري و ورد فيها الحديث
فهذا المتشدد في التجويد و الأداء لا يصلح حكماً فهو الخصم و الحكم
و نسأل الله ألا نصل إلى ما وصل إليه المتصوفة من هز الوسط مع الذكر
و الله الموفق
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[31 - Aug-2008, صباحاً 01:51]ـ
و نسيت أن أضيف إن كان بعض الناس عنده عيب في حنجرته فلعل بعضهم عنده عيب في إذنه(/)
التعايش السلمي
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 12:22]ـ
منقول من موقع نور الاسلام
التعايش السلمي
الحمد لله؛ هدانا للإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، أحمده على عظيم نعمه، وأشكره على إحسانه ومننه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خلق عباده حنفاء فاجتالتهم الشياطين فصرفتهم عن دين الله تعالى، وأحلت لهم ما حرم ربهم عليهم، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله؛ لا خير إلا دلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه، تركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فاتقوه حق التقوى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (الحشر: 18 - 19).
أيها الناس:
من حكمة الله سبحانه وتعالى في عباده أن ابتلاهم بالكفر والإيمان، والخير والشر، وجعلهم حزبين، فحزبٌ أولياءُ الرحمن أعداء الشيطان، وحزبٌ آخرُ هم أعداء الرحمن، أولياء الشيطان، وكلف سبحانه أولياءه بإقامة الدين والثبات عليه، ووعدهم بالنعيم المقيم في الآخرة، وابتلاهم بأولياء الشيطان، الذين ينشرون الكفر والضلال، ويصدون عن سبيل الله تعالى، ويحاربون أولياءه عز وجل.
إنهما فريقان: فريق حق، وفريق باطل، وجندان: جند الرحمن، وجند الشيطان، هكذا أراد الله تعالى؛ ابتلاء وامتحانا للبشر: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (التغابن: 2).
وفي آية أخرى ((فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ)) (فاطر: 8).
وفي آية ثالثة ((فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ)) (الأعراف: 3).
وفي آية رابعة ((فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)) (الشورى: 7).
وكان سبحانه وتعالى - ولا يزال - قادرا على جعل البشر كلهم من أوليائه، وعلى هدايتهم كلهم للإيمان، ومجانبتهم للكفر والعصيان، ولكن إرادته النافذة، وحكمته البالغة تأبى ذلك؛ كما هو مقرر في كثير من الآيات: ((وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ)) (الأنعام: 1.7).
وفي آية أخرى: ((وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا)) (السجدة: 13).
وفي ثالثة: ((وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى)) (الأنعام: 35).
وفي رابعة: ((وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)) (هود: 118 - 119)
بل بين سبحانه وتعالى أن الهداية له، وأن الخلق مهما عملوا على هداية من كتبت عليه الضلالة فلن يهتدي: ((مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ)) (الأعراف: 186).
((فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ)) (الجاثية: 23).
وخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم في كثير من الآيات بهذا المعنى العظيم فقال سبحانه: ((أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ)) (يونس:99 - 1 .. ).
وفي أخرى: ((إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)) (القصص: 56).
وفي ثالثة: ((وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً)) (المائدة: 41). وفي رابعة: ((إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ)) (النحل: 37).
وفي خامسة: ((وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ)) (النمل: 81).
وبسبب هذا الاختلاف والتمايز بين الفريقين كانت العداوة والبغضاء، والاحتراب والقتال، الذي ذكره الله تعالى بقوله سبحانه: ((الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)) (النساء: 76).
(يُتْبَعُ)
(/)
ويخاطب المؤمنين يحذرهم من الكفار فيقول سبحانه: ((إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً)) (1.1).
حقائق ناصعة لا لبس فيها ولا غموض، وآيات بينات محكمة لا تحتاج إلى تفسير وبيان، نزلت من لدن لطيف خبير يخبرنا فيها ربنا جل جلاله عن طبيعة الصراع بين المؤمنين والكفار، وأنه صراع على الدين، لا على المصالح الدنيوية، وأنه دائم ما دام على الأرض كفار ومؤمنون، وأن الكفار لا يزالون جادين في إخراج الناس من دينهم لو استطاعوا، وأنهم متفانون في إطفاء نور الله تعالى الذي هو الإيمان، ومستميتون في جعل كلمة الله تعالى التي هي كلمة التوحيد سفلى، ويأبى الله تعالى إلا أن يتم دينه، وأن يجعل كلمته العليا؛ وذلك بنصر المؤمنين، وتأييدهم بجنده، ودحر الكفر وأهله: ((وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)) (البقرة: 217).
((يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) (التوبة: 32 – 33).
((وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا)) (التوبة: 4.).
وإذا كان الكفار قد فعلوا بالرسل عليهم السلام ما فعلوا مما قص الله تعالى علينا خبره في القرآن، فكيف لا يفعلون ذلك بأتباع الرسل في هذا الزمان؟!: ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)) (إبراهيم 13).
والكفار من قوم شعيب قالوا له: ((لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)) (الأعراف: 88).
والكفار من قوم لوط عليه السلام تآمروا عليه وقالوا: ((أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)) (النمل: 56).
وأخبر الله تعالى عن مشركي قريش أنهم اجتمعوا على الشر، وتواصوا بالباطل، وتمالئوا على النيل من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن قبيلتهم، وخير الناس فيهم: ((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ)) (الأنفال: 3.).
وفي آية أخرى: ((وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا)) (الإسراء: 76).
إذا تقرر هذا الأصل العظيم الذي قرره القرآن، من دوام عداوة الذين كفروا للذين آمنوا، وأنها عداوة دينية لا دنيوية، فهل يمكن أن يخدع المؤمنون بأكبر خدعة في هذا العصر، وهي خدعة التعايش السلمي بين أهل الحق وأهل الباطل.
إن الحق والباطل ضدان لا يجتمعان ولا ينتفيان، ومن قال غير ذلك فقد قال محالا؛ إذ في الزعم بإمكان اجتماعهما وتآلفهما وتعايشهما تكذيب لما أخبر الله تعالى من ديمومة العداوة بينهما في كثير من الآيات القرانية، ونفي لتاريخ طويل من تنازعهما واحترابهما، وفي الزعم بانتفائهما تكذيب للقرآن الذي أخبر ببقائهما إلى آخر الزمان، وتعطيل لحكمة الله تعالى في ابتلاء البشر وامتحانهم ببقائهما.
وأما التعايش السلمي بين أنصار الحق وأتباع الباطل فغير واقع في تاريخ البشر، ولا هو ممكن أيضا؛ لأن أهل الحق مأمورون بنشر الحق ونصره، والقضاء به على الباطل، كما أن أهل الباطل مدفوعون من الشياطين إلى نشر باطلهم ونصره، والقضاء به على الحق، فلا بد أن يخضع أحد الفريقين للآخر، وفي حال خضوع أنصار أحدهما، وهيمنة أنصار الآخر يسود هدوء يسميه الجاهلون تعايشا سلميا، وهو خنوع وضعف أصاب أنصار أحدهما لحساب أنصار الآخر.
فإن كان الضعف قد أصاب أنصار الحق، لحساب جند الباطل كفارا كانوا أم مبتدعة ضلالا؛ فإن الظلم والبغي والخوف يسود في الأرض التي ساد الباطل فيها، وتسفك دماء بريئة في سبيل الشيطان وجنده؛ كما حصل في أزمان الحروب الصليبية، والاجتياح التتري، ثم الاستعمار بشقيه القديم والحديث.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكما وقع من المبتدعة الباطنيين لما تمكنوا في بعض ديار أهل الإسلام. وكما يقع في هذا العصر الذي كانت الغلبة فيه لصهاينة أهل الكتاب على سائر البشر.
بل إن التاريخ يثبت أن الظلم والبغي قد وقع بين أهل الباطل بعضهم على بعض، في حروب عقائدية شرقية وغربية خلفت دموعا ودمارا، وأفنت بشرا كثيرا.
وأما إن كانت الدائرة لأهل الحق على أهل الباطل فإن العدل والأمن يسود في الأرض التي ساد الحق فيها؛ كما وقع من المسلمين لما فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، وحكموا بين العباد بشريعة الله تعالى التي هي الحق والعدل والرحمة. وبشهاده الكفار من الروم والفرس والترك واللاتين وغيرهم أن حكم المسلمين فيهم أيام الفتوحات الإسلامية كان أعدل فيهم وأرحم بهم من حكم ملوكهم وأباطرتهم، وما نعمت كثير من شعوبهم بالعدل والرحمة إلا لما تفيأت ظلال حكم الإسلام، وكان كثير من أفرادهم يهربون من ظلم ملوكهم إلى عدل أهل الإسلام. ودون المكذبين والمشككين في ذلك كم كبير من كتب التاريخ، وشهادات المؤرخين غير المسلمين على ذلك.
إن مصطلح التعايش السلمي لم يرد في الكتاب ولا في السنة، بل فيهما ما يناقضه ويبطله، ولا وقع عمليا في التاريخ القديم ولا المعاصر، وإنما تم سكُّ هذا المصطلح في أروقة السياسة الصهيونية، ومن ثَمَّ صُدِّر للمسلمين قبل أربع وثلاثين سنة عقب انتصار المسلمين على اليهود في حرب العاشر من رمضان، ثم إدخال النفط كسلاح في الحرب؛ فاخترع الصهاينة هذا الشعار ورفعوه لتخفيف الضغط عليهم، ورد المسلمين عنهم، فحصل لهم ما أرادوا. ثم صار سلاحا يستخدمونه إذا رأوا أن المعارك ليست في صالحهم.
ومع مرور الأيام تم تطوير هذا المصطلح الحادث، وتحول إلى دعوة فكرية، لها امتداد عقدي يسعى بجد لنشر الإلحاد في بلاد المسلمين، وذلك بالسماح للمرتدين بإظهار ردتهم، وتمكين المنصرين من العمل في أوساط المسلمين، والقضاء على عقيدة الولاء والبراء، وادعاء أن الحق خفي، وأن الأديان قد فرقت البشر، ولا يجمعهم إلا قبول أهل الحق بالباطل، بل إخضاع الحق لباطلهم الإلحادي، وكل هذا الضلال يجري ترويجه ونشره، والدعاية له تحت مسمى: (التعايش السلمي) الذي ما رأيناه إلا قيدا قُيِّد به أهل الحق عن نشر حقهم، والمطالبة بما يجب لهم، ورد العدوان عليهم، ورفع الظلم عنهم. وكان هذا الشعار عونا لأهل الباطل في نشر باطلهم، والمحافظة على ما اغتصبوه من بلاد المسلمين وحقوقهم؛ ليستريح أهل الباطل في ظله، ويخدعوا به أهل الحق، ومن ثم ينطلقون إلى ظلم جديد، بعد الاستعداد الجيد، وتخدير المسلمين، وهكذا رأينا فيما عشنا من سنوات ماضية.
إن الإسلام قد أعطى كل ذي حق حقه، وأمر بالتعامل مع المخالفين كل بحسب فعله وجريرته من غير ظلم ولا بخس ولا تعدي؛ فالمحاربون من الكفار والمنافقين لهم الحرب والقتال، بما يدفع شرهم، ويزيل خطرهم، ويكسر شوكتهم. وأما المسالمون الذين يريدون الأمان، وقد قبلوا بحكم أهل الإسلام فلهم الحماية والذمة والأمان، توفى لهم عهودهم، وتبذل لهم حقوقهم، لا يَظلمون ولا يُظلمون، مع الإحسان إليهم، والبر فيهم، وتأليفهم على الإسلام لعلهم يسلمون.
وأما المنافقون: فإن أظهروا ردتهم عوملوا معاملة المرتدين، وإن أخفوها عوملوا معاملة المسلمين، ووكلت سرائرهم إلى الله تعالى.
وليس في الإسلام مصطلحات مائعة، ولا شعارات براقة خادعة، ولا يحتاج المسلمون لمن يكمل لهم نقصا في دينهم، أو يدلهم على خير أغفلته نصوصهم؛ فإن الله تعالى ما قبض رسوله صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل دينه، وأتم نعمته، وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم هذا الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده المؤمنين.
ألا فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم، ولا تخدعو بشعارات أعدائكم؛ فإن الله تعالى ما كلف العباد أن يغيروا الواقع وهم لا يطيقون ذلك، ولكنه سبحانه أمرهم بالتمسك بدينهم، والثبات عليه إلى الممات: ((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) (الزخرف: 43)
وفي الآية الأخرى: ((اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)) (الأنعام: 1.6).
بارك الله لي ولكم في القرآن.
الخطبة الثانية
(يُتْبَعُ)
(/)
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله – وأطيعوه.
أيها المسلمون: لم يكتف أهل الباطل في هذا العصر بما يملكون من أسباب القوة المادية في حربهم لأهل الحق، بل عمدوا إلى التزوير والخداع بالقذف بهذه الشعارات البراقة عند الحاجة إليها؛ ليتلقفها المخدوعون من أبناء الأمة المسلمة، ويظنوا أن الخلاص بها، فيثقون فيها أعظم من ثقتهم بربهم، ويتمسكون بها أكثر من تمسكهم بدينهم، وينافحون عنها أشد من منافحتهم عن حقوقهم، ثم ما يلبثون إلا قليلا حتى يتبينوا أنها كانت شعارات كاذبة، وأمان خادعة، قذف بها الأعداء إليهم ليخدعوهم ليس إلا، وربما علموا ذلك، ولكنهم يأملون فيها كأمل المريض الهالك في المسكنات التي تسكن ألمه ولا تزيل مرضه، بل ربما زادته مرضا إلى مرضه.
أن أهل الباطل في هذا العصر يدعون إلى التعايش السلمي وهم لا يزالون جادين في إنتاج الأسلحة المدمرة، وافتعال الحروب الطاحنة، وزيادة ميزانيات التسلح، وإجراء التجارب النووية، والسعي في نزع أسلحة المسلمين، ومراقبتهم والتشديد عليهم في ذلك، فإذا كانوا ينوون التعايش السلمي مع المسلمين فلأيي حرب هذا السلاح كله؟!
إنهم في الوقت الذين يدعون فيه إلى التعايش السلمي يقتلون المسلمين في كل مكان، ويدمرون بلدانهم بوحشية بالغة، وهمجية لا يتخليها إنسان، ويلقون قنابلهم المدمرة التي لا تفرق بين مقاتل وغير مقاتل. ورأينا صورا من تعايشهم السلمي فيما أقاموه من حروب وغزو لبلدان المسلمين، ونقلت عدساتهم قبل أيام صورا لأطفال يهود يكتبون على صواريخهم وقنابلهم رسائل لأطفال لبنان يقولون فيها: (موتوا مع كل الحب، موتوا بسلام).
وفي رسالة أخرى كتبت صبية يهودية: (صديقي اللبناني: واثقة جدا أنك سوف تسمع رسالتي قبل أن تقرأها؛ فهي قوية إلى حد الشلل، ومدوية إلى حد التمزق، أشتاق إليك كثيراً، كن بالقبر).
وصدقت هذه الصبية اليهودية فيما كتبت إذ نزلت هذه القنابل على أهل قانا في لبنان فأوردت كثيرا من أطفالهم مقابرهم.
ومن صور تعايشهم السلمي معنا أن مجلس حاخاماتهم في فلسطين المحتلة قد دعا الحكومة اليهودية إلى إصدار الأوامر بقتل المدنيين في لبنان وغزة، مشيراً إلى أن التوراة تجيز قتل الأطفال والنساء في زمن الحرب.
وأما أذنابهم من بني جنسنا فكم ملئوا الأسماع والأبصار داعين إلى التعايش السلمي، ونبذ العصبية للدين، ثم ما رأيناهم يتعايشون هم سلميا مع من يدعونهم إلى التعايش السلمي؛ بل كانوا أشد المحاربين لهم، يسخرون بدينهم، ويحرضون الأعداء عليهم، ويدلون على عورات المسلمين، ولا يقبلون في صحفهم وفضائياتهم إلا من كان مؤدلجا لخدمة الأعداء مثلهم، حتى سموا بالمارينز العرب، من شدة تفانيهم في حربهم لإخوانهم وبلدانهم، وخدمتهم لأعدائهم، فيا له من تعايش سلمي نطقوا به، ودعوا غيرهم إليه، وحسبنا الله ونعم الوكيل عليهم وعلى ظلمهم وإفترائهم.
تلك - يا عباد الله- حقيقة هذه الدعاوى التي لا يصدقها من كان عنده مسكة عقل، فضلا عن مؤمن بالله تعالى، وهو يرى أن الأحداث تكذبها، ويرى أن تلك الشعارات أضحت من أسلحة الأعداء يستخرجونها متى أرادوا المناورة والخداع مرة أخرى، ولا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، وقد لدغ المسلمون في هذا العصر من جحور اليهود والنصارى والمنافقين عشرات المرات، فمتى يستفيقون؟!
ولا خلاص لأهل الحق في هذا العصر من الذل والهوان، واستضعاف الكافرين والمنافقين لهم إلا بتوبتهم من ذنوبهم، واجتماعهم على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وتعظيم نصوص الكتاب والسنة، ونبذ كل ما لا يتوافق معها أيا كان مصدره، ومهما كان قائله، مع إخلاص الدين لله تعالى، والإلحاح عليه بالدعاء الصادق.
وصلوا وسلموا على نبيكم.
الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل
ـ[ابو القعقاع]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 05:31]ـ
بارك الله فيك أخي على هذا النقل المبارك والموفق وليت قومي يعلمون حقيقة هذه الدعوات التي عمت فأعمت وزاد شررهاوكثر المتساقطون في وحلها من علماء ودعاة وطلبة علم بل أبتلينا بمن يجهل من لم يشارك ويبارك لمثل هذه القواصم عياذا بالله من ألتباس الحق بالباطل وجزاك الله خيراويسرني أن أكون أول مشارك في التعليق على هذا الموضوع الماتع وكل المواضيع التي قدمتها كانت مميزة ومفيدة أقولها بعيدا عن المجاملة:ودمت مسددا
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 09:25]ـ
وفيكم بارك الله
وليت قومي يعلمون حقيقة هذه الدعوات التي عمت فأعمت وزاد شررهاوكثر المتساقطون في وحلها من علماء ودعاة وطلبة علم بل أبتلينا بمن يجهل من لم يشارك ويبارك لمثل هذه القواصم عياذا بالله من ألتباس الحق بالباطل
خطوات الشيطان نعوذ بالله منها ونسأل الله السلامة و العفو و العافية في الدين و الدنيا والاخرة أفضل ما يرجوه المسلم في هذا الزمان لنفسه و اهله.(/)
حداثي وشيخ يتفقان على (الخصوصية السعودية) ... وبرقية مشرفة للملك فهد
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 04:46]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
للمملكة العربية السعودية مكانةٌ وخصوصيةٌ يتفق عليها كلُ عاقل؛ يستوعب ظروف نشأتها، وماتحتويه أرضها " جزيرة العرب " من أماكن مقدسة، هي مهوى أفئدة المسلمين من كل مكان، فهي متميزة شكلاً ومعنى عن غيرها من البلاد: (خذ هذه الأمثلة: تحكم بالشريعة – يحتوي عَلمها على الشهادتين – لا يُنكس – للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها هيئة قائمة – مناهجها وفق دعوة الكتاب والسنة - الانضباط الشرعي في قضايا المرأة - تعليمًا وعملا - ... الخ)، وللمزيد طالع رسالة خصائص جزيرة العرب للشيخ بكر أبوزيد - رحمه الله -، على هذ الربط:
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=83&book=1404
ولايخفى أن المفسد الذي لايهتم إلا بنشر الفساد في هذه البلاد، يتضجر ويقلق من هذه الخصوصية التي تقف حائلا بين المجتمع وتقبل فساده؛ لذا تجده يسخر منها، أو يُهون من شأنها. أما العاقل من أبناء الأمة - من هذه البلاد أو غيرها - فإنه يُدرك الخصوصية السعودية، التي يراها خصوصية له أيضًا، ويفرح بها، ويحث عليها؛ لأنها إن ضاعت، فقد غُزيت الأمة في عقر دارها. فتجده لايرضى لها أن تكون نسخة مكررة من غيرها من بقية دول العالم الإسلامي؛ فضلا عن الغربي. وعلى هذا - كما مر - اتفقت نظرة العقلاء؛ من المتدينين أو غيرهم. وإليكم شهادتين من شخصين متنافرين في وجهتهما، متفقَين في نظرتهما للخصوصية السعودية ..
شهادة الروائي الحداثي: الطيب صالح
قال في مقالٍ حديث له بمجلة المجلة (عدد 1470) وتاريخ 19/ 4/2008م:
(حين احتفل السعوديون بالذكرى المئوية لتأسيس دولتهم العتيدة، كان لاحتفالهم طعم خاص ونكهة خاصة. كان الاحتفال رصيناً كما يليق بهذه الدولة الرصينة. وقد أتيح لي في تلك الأيام أن أكون هناك. لم أر صواريخ نارية تُطلق في الهواء ولا بالونات، ولا طوابير من الشباب والأطفال، يجوبون شوارع المدينة، ويهزجون بالأناشيد الحماسية، رافعين صوراً ضخمة لقائد المسيرة وحامي العشيرة، ولا أياً من مظاهر الطبل والزمر التي تصحب هذه المناسبات في بعض البلاد - وهو في حد ذاته أمر يدعو إلى الغبطة، وينبئك بالكثير عن هذه الدولة - وقد لفتت نظري كلمة الأستاذ عبد الرحمن السماري في صحيفة "الجزيرة"؛ كأنه يدافع فيها أو يعتذر عن هذا الأسلوب السعودي في الاحتفال يقول:
"لقد احتفلنا بالمناسبة بطريقتنا: نعم، نحن لنا خصوصيتنا ولنا تميزنا ولنا منهجنا، لن تكون احتفالاتنا مثل احتفالات الآخرين أبداً، لأن دستورنا غير دستورهم: دستورنا هو القرآن الكريم وهو منهجنا، ومنه انطلقت هذه البلاد وإليه تحتكم في كل شؤونها. في المناسبة المئوية، كنا نسترجع الذكريات ونبحث في سنين خلت، ونستلهم العبر، ونقرأ الدروس ونقيم تجربتنا أكثر من أنه احتفال".
صدقت ولكنه احتفال أيضاً. و لم تكن بحاجة إلى الدفاع أو الاعتذار. الناس جميعاً قد أدركوا أن ثمة تاريخاً سعودياً مميزاً، وأسلوباً مميزاً في الحكم، ونهجاً سعودياً مميزاً في السياسة، بدأ العالم يفهمه أكثر فأكثر، ويفهم أن هذا التميز السعودي ينبع من قيم إنسانية أصيلة جديرة بالاحترام.
ولا يخفى أن الدولة السعودية دولة ليست كغيرها من الدول؛ لأنها تقوم على أرض باركها الله، وجعلها منطلقاً وحمى لدينه الحنيف، وفيها المدينتان المباركتان اللتان تهفو إليهما قلوب المسلمين شرقاً وغرباً.
وإن كان العاهل الكريم لهذه الديار الكريمة قد ارتضى لنفسه لقب "خادم الحرمين الشريفين" فإن الأقدار بذلك قد ألبسته عباءة من شرف، لا يدانيه أي شرف).
شهادة الشيخ أبي الحسن الندوي – رحمه الله –
قال في خطابٍ وجهه للملك فيصل – رحمه الله – عندما كان وليًا للعهد:
(حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز ولي العهد المعظم ورئيس الوزراء حفظه الله ورعاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعد! فأدام الله عليكم النعم التي أكرمكم بها، ووفقكم لما فيه رضا الله، وثناء المسلمين وشكرهم وطيب الذكر وخلود الأثر ولسان صدق في الآخرين، وما هو وفاء وقيمة لمواهبكم العظيمة والفرص السانحة الكريمة التي منَّ الله بها عليكم.
إنه من المقرر المعلوم لديكم أن هذه البلاد ليست ككل البلاد التي ينظر في قضاياها، ومدنيتها، وتقدمها، وترفيه أهلها، وتنظيم معارفها، وتوجيه الرأي العام فيها كأي بلد في الشرق والغرب، إنها بلاد أراد الله وقضى أن تكون عاصمة الإسلام ومعقل الدين، ومثابة لقلوب المسلمين، وإنها مقدمة ووديعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجت ببعثته من الظلمات إلى النور، ومن الخمول والعزلة والانطواء والاختفاء في حاشية الأمم تحت ركام التاريخ، إلى الشهرة والقيادة، والمركزية في العالم، وانتشرت لغتها وثقافتها في أوسع رقعة من الأرض، وفي أطول مساحة من الزمن، وفي أوسع دائرة وأكثرها تنوعاً من الشعوب والأمم.
فمما يقتضيه الدين والشعور بالأمانة والمروءة والشرف والاعتراف بالواقع التاريخي والعملي ومراعاة عواطف المسلمين المنتشرين في مشارق الأرض ومغاربها، ومما تقتضيه السياسة الحكيمة أن يكون كل ما يُقرر ويسنُّ، ويدعى إليه ويسمح به في مصلحة من مصالح الحكومة، وفي كل ناحية من نواحي الحياة العامة، خاضعاً لشخصية هذه البلاد الخاصة، ورسالتها، ومركزها في العالم، والدعوة التي قامت بها في الماضي، وعُرفت بها في الحاضر، وليُتجنب كل التجنب عن كل ما ينافي عقيدتها ومبادئها، ويرزؤها في شخصيتها ومعنوياتها، مهما جر ذلك على هذه البلاد من النفع المادي، وعلى أهلها من الترفيه والتسلية والخصب، وإن هذه البلاد وقادتها أولى بهذه التضحية في سبيل المبدأ من الشيوعيين في روسيا والرأسماليين في أمريكا، الذين لا يسمحون أبداً بما ينافي مبدأهم وسياسة بلادهم مهما صغر وتفه، ومهما تضخم نفعه المادي وربحه المالي.
وقد يعتقد بعض الناس أن في هذا التوسع والانطلاق في مواد التسلية وتقليد الأقطار المتمدنة التي سارت وراء الغرب في أساليب التعليم وبرامج الإذاعة وتطبيق مظاهر الحياة الغربية مما لا تقدم ولا تؤخر في نهضة البلاد وقوتها، ترفيهاً للشعب، وتحقيقاً لمطالبه، وعلاجاً للتذمر، وشاغلاً له عن التفكير الخاطئ، وتقدماً بالبلاد - ومع الأسف والاعتذار- لا أوافق على ذلك في ضوء التجربة والتاريخ، فليس هذا هو العلاج، وماء البحر المالح الأجاج لا يزيد الشارب إلا عطشاً، إنما العلاج هو تحقيق العدالة الاجتماعية الإسلامية، والتقدم بصناعة البلاد وتجاربها، وإيجاد الوسائل الكفيلة للرزق الحلال، والسير في طريق الاكتفاء الذاتي، وكفالة البلاد لنفسها، وإنشاء المصانع، وترخيص الحياة وحاجياتها، والتقليل أو التحديد من أسباب البذخ والكماليات، والترفيه الكريم المشروع، الذي ليس ضيقاً ولا محدوداً؛ كما يعتقد من لا يعرف الشرع وطبائع البشر.
أما التقليد والتفكير المترهل الذي ينجرف مع التيار، والذي لا مقاومة فيه، والذي يخضع لكل دعاية، ويُسرع إلى تحقيق كل مطلوب؛ فهو خطر على البلاد، وخطر على الحكومة، وهو ينشر في أقرب وقت التفسخ الخلقي والميوعة، وضعف الشخصية، الذي تعانيه البلاد الأخرى، وقد أفلت الزمام من أيدي قادتها ومصلحيها؛ فأصبحوا لا يملكون من أمرها شيئاً.
ثم إن هذا الاتجاه يُفقد هذه البلاد حرمتها وقداستها وشخصيتها، ويقطع صلتها عن الماضي، ويحول بين هذه البلاد وقادتها، وبين نصر الله ورحمته التي لا انتصار ولا عز ولا كرامة، ولا سلامة ولا عافية بغيرها، فالعدو قوي ماكر، لا يحترز من شيء في سبيل مراميه البعيدة، وعزائمه الخبيثة، وفيه الحرمان من أسباب نصر الله ورحمته التي لا غنى بنا عنها.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن هذه البلاد لو سارت في هذا الاتجاه الذي يدعو إليه بعض الناس، الاتجاه الذي سارت فيه مصر، وسورية، ولبنان، من الحرية المطلقة والترفيه غير المحدود وغير المقيد بالشرع والأخلاق، وسارت في اتجاه القومية كما يدعو إليه كثير في الخارج، واعتبرت نفسها قطراً من الأقطار، ودولة من الدول، ومجتمعاً من المجتمعات البشرية الكثيرة، ليست لها شخصية خاصة، ولا رسالة، ولا دعوة، ولا حدود مستمدة من الشرع الإسلامي تقف عندها، فإنها تصبح بلداً من البلاد الكثيرة التي لا قيمة لها في خريطة العالم، ولا في هيئة الأمم، وضاعت - لا سمح الله- الجهود التي بذلها أجيال المسلمين الأولى، ولا قيمة لبلاد يترفّه أهلها، ويأكلون كما تأكل الأنعام، ويموتون كما تموت الحشرات، ولا رسالة ولا دعوة، ولا عقيدة ولا مبدأ ولا شخصية، ولا خُلق، وفقدت احترام العالم الإسلامي وقيادته، ورهبة أوربة وقادتها، وإجلالهم، والمكانة التي كانت تشغلها في التاريخ، وتستطيع بقليل من الجهد والعزم أن تشغله في الحاضر، إنه سقوط في الهمة وضعف في التفكير، وجبن في الإرادة، أربأ بنفس كل عاقلٍ عنه.
إنني كفرد يدين لهذه البلاد في دينه وعقله وثقافته، أستحث هممكم ومواهبكم وما أكرمكم الله به من جاه ومنصب ونفوذ، لمحاربة هذا الاتجاه الخطر، إذا وجد في زاوية من الزوايا الخاصة والعامة، وتجنيد جميع قواكم في سبيل حفظ شخصية هذه البلاد الإسلامية العربية، وتوجيه التفكير والرأي العام، والصحافة والإذاعة، والأدب والمعارف، إلى ما يغرس في نفوس الشعب وشبابه وجيله الناشئ: الإيمان والحماس الديني والغيرة الإسلامية وحب الأخلاق والفضيلة، وكراهة الإثم والفسوق والفحشاء، ويرسي فيهم القيم الإسلامية، ويجعلهم جديرين لحمل المسؤولية الكريمة العظيمة التي يرشحهم لها الإسلام، وترشحهم لها هذه البلاد .. ) إلى آخر نصيحته المنشورة في كتابه " خطابات صريحة، 32 - 35".
برقية مُشرفة للملك فهد - رحمه الله - تؤكد الخصوصية السعودية
(صاحب السمو الملكي الرئيس العام لرعاية الشباب
نشير إلى برقية سموكم رقم 1174وتاريخ 3/ 4/1422هـ، بشأن طلب التوجيه حيال الدعوة الموجهة من رئيس مهرجان القاهرة الدولي السابع للأغنية، ورئيس الجهاز التنفيذي لمركز المؤتمرات للفنان / سراج عمر للمشاركة في لجنة تحكيم مهرجان القاهرة الدولي السابع للأغنية الذي سيُقام خلال الفترة من 1 - 9/ 6/1422هـ. ونخبركم بأنه لايجوز الزج باسم المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي في مثل هذه المهرجانات وغيرها من المحافل الخاصة بالغناء والطرب والموسيقى، ونرغب إليكم من الآن فصاعدا الحرص على عدم المشاركة الرسمية في مثل هذه المهرجانات والمحافل مع عدم الرفع عن ذلك مطلقًا. فأكملوا ما يلزم بموجبه. وقد زودنا الجهات ذات العلاقة بنسخة من أمرنا هذا للاعتماد. فهد بن عبدالعزيز رئيس مجلس الوزراء).
http://m7ml.com/uploads/440dd41368.jpg (http://m7ml.com/)
الخلاصة
مكانة السعودية المميزة بين الناس - مسلمهم وكافرهم -، وثقلها الدولي، وقوتها المعنوية؛ أتت بسبب خصوصيتها الدينية، وأنها مأرز الإسلام، وستبقى مابقيت هذه الخصوصية وحوفظ عليها، فمن أعز الله وشرعه؛ سيُقابل بالمثل منه تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان). لهذا؛ فإن مَن يزينون للدولة: التفريط في هذه الخصوصية بدعاوى مزخرفة كثيرة - خاصة مانراه منهم من تسارع في إقحام المرأة السعودية في أتون الاختلاط والتبرج - هم يضرونها ولا ينفعونها، شعروا أو لم يشعروا، وإن ادعى بعضهم أن هذا يسبب تخفيف الضغط على البلاد من الأعداء!! وغفل هذا وأمثاله، أن الأعداء لن يقفوا عند هذه الأمور، بل سيتجرأون على غيرها، إن رأوا تهاونًا وطواعية، مصداقًا لقوله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم). وتغافل هذا وأمثاله عن قوله صلى الله عليه وسلم: (من أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس). وأن خير ما يدفع كيد الأعداء: الثبات على شرع الله، والاعتصام به، وتأمين " الجبهة الداخلية "، وجمعها على عقيدة ومنهج أهل السنة - ولا عبرة بالشواذ بعدها -. وعندها لن يشكل الأعداء أي خطر، بل سيصدق فيهم قول الله: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا).
فالواجب على الدولة - وفقها الله - عدم السماع لهذا المزين وأمثاله؛ لأنهم يُساهمون في إضعاف مكانة البلاد، وتجرئة الأعداء عليها، والحيلولة بينها وبين نصر الله ورعايته، وحينها لا ينفع الندم. أسأل الله أن يوفق ولي أمرنا لما يُحب ويرضى، ويرزقه البطانة الصالحة، التي تعينه على أمري الدين والدنيا. والله الهادي ..
ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 04:53]ـ
تكالب الأعداء على بلد التوحيد والسنة حرسها الله .... جزاك الله خيرا يا شيخ سليمان ووفقك
محبكم
أبو الحسن الأثري
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 04:59]ـ
وبارك فيك أخي أباالحسن ..
ومصيبتنا في أعداء الدخل، الذين قال لله عنهم: (هم العدو) ..
والحل كما قال شيخنا: الركبان - وفقه الله -:
(ينبغي على خادم الحرمين: التدخل لوقف هذ العبث).
والله يقول: (ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا) ..
ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 05:05]ـ
صدقت ... أصلح الله للملك عبدالله البطانة
ومن جميل ما سمعت من الأمير سلمان حفظه الله ووفقه لنفع الإسلام والمسلمين
سئل عن موضوع فقال السائل وهو صحفي (رجال الدين) أثناء سؤاله؟
فقال الأمير كلنا رجال دين لا يوجد عندنا رجال دين كلنا في خدمة هذا الدين ولولا أن الله وفقنا لخدمة هذا الدين ما كانت هذه الدولة (الكلام بمعناه والعهد قديم)
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 08:30]ـ
رحمك الله يا أبا فيصل (ستذكرني إذا جربتَ غيري،،،، وتبكي عشرتي زمنا طويلًا).
وأملنا بالله كبير.
وبالنسبة للخصوصية التي تقلق البعض، فعندكم الكاتب بصحيفة الوطن عبد الله المطيري يا كثر ما كتب عنها وتهكم عليها ردّ الله كيده في نحره.
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل ونفع بجهودكم.
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 11:24]ـ
بارك الله في قلمكم شيخ سليمان،،،
وللإخواننا في المملكة العربية السعودية أقول: يا ملح الأرض لا تفسدوا،،،
ولتكن لكم في البلاد الإسلامية الأخرى عبرة وعظة، وليس الخبر كالمعاينة،،،
ـ[إمام الأندلس]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 12:05]ـ
صدقت أخي المرادي ...
نخشى على المملكة أن يحصل لها ماحصل لسائر البلدان .. بحيث فقدت خصوصيتها ..
تذكرت ذات مرة كنت في حوار في البالتوك مع بعض الليبراليين السعوديين في غرفتهم النتنة حجاز. وكانوا يطعنون في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. بشكل قبيح جدا .. وفي نفس الوقت كانوا في حوارهم يتزلفون للحكام بشكل وقح ...
سألتهم .. مالذي ستقدمه الليبرالية للشعب السعودي؟
فبدل أن يجيبوا علي قالوا لي بكل سفالة ووقاحة
أنت مغربي ... مادخلك بشؤون السعوديين .. روح اتكلم عن بلدك ...
قلت لهم قد اكتوينا بنار الليبرالية في بلادنا .. ورأينا ماقدمته لنا .. زعموا أنهم سيثقفون الشعب ويجعلونا متحضرين ومتنورين فزادونا جهلا وتخلفا .. حكمتنا العلمانية ولا تزال تحكمنا ولم تقدم إلينا شيء ..
فأخاف عليكم أن يصيبكم مثل ماأصابنا ...
وكنت قد تسللت لغرفتهم باكثر من اسم لعلمي انهم سيطردوني ... فطردوني باسم سيد قطب .. ثم تكلمت باسم المودودي ثم طردت مرة اخرى ثم باسم الحسن البنا فطردت والحمد لله أولا واخرا ..
يومها سيقول البعض "أكلت يوم اكل الثور الأبيض"
ـ[جولدن توربان]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 08:40]ـ
أخي الكريم سليمان الخراشي
هذه نصيحة مُحِبٍ مُخلِص عَلِم الله
نصيحة لا أبتغي من ورائها مالاً عند مسؤول أو جاهٍ عند سلطان
فإن أمثالك من الفضلاء تكفيه آيةٌ في كتاب الله أو حديثٌ لرسول الله لتكون رادعاً له إذا ذُكِّر بها والله حسيبُك
"الذين يُبَلِّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله, وكفا بالله حسيباً"
نعيذك يا شيخ سليمان أن تتحول إلا بوقٍ إعلامي يُروِّج لنظام حاكم ... أيَّ نظام ... أو يطبّل لسُلالة مالِكة ... أيَّ سلالة
أنت أكبر مقاما من هذا عند محبيك وأرفع شئنا من ذلك عند المتوسممين فيك خيرا
الحقيقة يا شيخ إنني لا أستطيع إعذارك بعدم الإحاطة بالحقائق في هذه الأمور
فإن كنت لاتعلم فإني أُحيلك لكتاب خطير حديث الإصدار
اسمه:
"تذكرة أولى النهى والعرفان بآيات الواحد الدَّيان وذِكر حوادث الزمان"
من إصدار مكتبة "الرُّشد" في بلاد الحرمين الشريفين
كاتبه شاهد من أهلها, خادمٌ مطيع, ومُوالٍ شنيع
اقرأ يا شيخ مابه من الحكايات, وكيف سارتِ العمليات, لتعلم كيف كانت البدايات, وحجم ما ارتُكب من خيانات في حق أُمة صارت كالأموات, لتعلم يا شيخ أن الله لايهدي كيد الخائنين.
"قل إن كان أباؤُكم وأبناؤُكم وإخوانُكم وأزواجُكم وعشيرتُكم واموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها, أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله, فتربصوا حتى يأتيَ الله بأمره, والله لا يهدي القوم الفاسقين"
فقل الحق يا شيخ ولو على نفسك وارض ربك وانصر دينك تعيش سعيدا وتموت شهيدا وتنال حبَّ المخلصين ...
"وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ, ومغفرةٌ من اللهِ"
ـ[عادل آل موسى]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 09:55]ـ
جزاك الله خيرا ياشيخ سليمان و نفع الله بكم و بعلمكم ..(/)
تعقيبي على د حاتم العوني بخصوص دعوة الشيخ محمد بن عبدلوهاب (نُشر في الإسلام اليوم)
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 06:40]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الإخوة في موقع الإسلام اليوم على نشرهم للتعقيب، وكنتُ أتمنى من د حاتم - هداه الله - أن يجيب عن تعقيبي بذكر الأمثلة، أو يتواضع قليلا، ويعترف بخطأ جوابه؛ بدلا من هذا الإصرار على التشكيك والتشويش .. أو الاكتفاء بقوله: (و المسائل التي أشار السائل إليها موجودة في التاريخين المذكورين , لا يمكن أن ينكرها من قرأها)! مع الانتباه إلى أنه يتحدث هنا عن " التاريخين المذكورين "، وفي فتواه عن " دعوة الشيخ محمد .. " بأكملها!
رابط التعقيب:
http://www.islamtoday.net/
( بحوث ودراسات).
رابط مقال يفيد في التحاور مع أمثال د حاتم:
http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/127.htm
وفق الله الجميع لما يُحب ويرضى ..
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 06:51]ـ
بارك الله فيك شيخنا سليمان ..
ومعذرة الرابط الأول ما يفتح (صفحة بيضاء). لو تكرمت تعطينا عنوان تعقيبك على العوني.
جزاك الله خير ورفع قدرك.
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 06:54]ـ
وبارك فيكِ
تقصدين قبل التعديل!
http://www.islamtoday.net/
( بحوث ودراسات).
ـ[أسامة بن الزهراء]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 06:59]ـ
بارك الله فيك يا شيخ سليمان
المنتدى فيه نوع حماية، ولذلك لا يمكن إدراج الرابط
وهذا نص الجواب والتعقيب:
الدعوة الإصلاحية رد وتعقيب
الشريف حاتم العوني 14/ 6/1429
18/ 06/2008
سبق وأن نشر الموقع فتوى بعنوان (التكفير في تاريخ ابن بشر وابن غنام) للدكتور الشريف حاتم العوني وفي وقت لاحق وصل إلينا تعقيب عليها بقلم الشيخ (سليمان بن صالح الخراشي)، وقد أحيل التعقيب المشار إليه إلى الشريف العوني، الذي وافانا لاحقاً برد على تعقيب الشيخ (سليمان بن صالح الخراشي)، والموقع يضع كل ذلك النقاش والحوار العلمي بين أيدي القراء نشراً للفائدة
الفتاوى
العنوان
التكفير في تاريخ ابن بشر وابن غنام
المجيب
د. الشريف حاتم بن عارف العوني
التصنيف
الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ
19/ 5/1429هـ
السؤال
لدي تساؤل عن التكفير الذي في تاريخ ابن غنام، وابن بشر، وعلاقته بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، بعد:
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) دعوة إصلاحية، لكنها ليست معصومة، فالخطأ يقع عند دعاتها في تقرير المسائل، وفي الممارسة العملية أيضا، كغيرها من الدعوات الإصلاحية. لكن من حاكمها إلى زمن ظهورها بإنصاف علم أن خيرها أكثر من شرَها بكثير، وأنها أقرب للحق بمراحل من الواقع الإسلامي في زمنها، وأن أتباعها في باب المعتقد أولى بالسلف من غيرهم (وإن أخطؤوا). ولذلك فإن الثناء عليها لا يعني عصمتها من الخطأ، ولا أن نجمد على آرائها ومواقفها، بل لا بد من التصحيح والتصويب، من غير جور ولا محاولة بخس للحقوق.
والأهم هو أن نحرر مسائل العلم دون تقليد، وأن نعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال، وأن لا نتحزب إلا للكتاب والسنَّة. فإن اضطرتنا الدراسة إلى ذكر صاحب فضل ببيان الخطأ الذي وقع منه فلا نحاول النيل منه، بل يجب أن نزن خطأه بصوابه؛ لكي لا نظلم فضله.
ومشكلتنا من طائفتين في الدعوة النجدية: غلاة فيها (وهم كثيرون في أتباعها)، وغلاة عنها (وهم كثيرون في منافريها)، والفضيلة وسط بين رذيلتين.
أما المنافرون لها فقد كتب عنهم كثيرون، وكنت قد كتبت مقالا عن لون منهم في مقال قديم لي بعنوان (الحجاز والتسامح الديني).
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما الغلاة فيها من أتباعها فدليل الغلو فيهم هو رفض النقد، وعدم قبول التخطيء، ولو كان بأدب وعلم وإنصاف، وإلا فكم هم من أتباع الشيخ (رحمه الله) قديما وحديثا الذين خطؤوا الشيخ أو مدرسته في بعض الأقوال، ومن منهم كان قد علا صوته مطالبا بضرورة إعادة النظر في بعض الآراء؟! هل يمكن أن تكون بعض آراء شيخ الإسلام ابن تيمية قابلة للنقد (كتسلسل الحوادث وفناء النار وغيرهما)، وكذلك لا يخلو عالم من خطأ، خاصة في العلم الذي أكثر من الخوض فيه، ثم لا يكون للشيخ محمد بن عبد الوهاب أخطاء أسوة بغيره؟ إن كان له أخطاء، فلماذا لا تدرس؟ ولماذا لا ينبه عليها. والأهم: لماذا يصمت أكثر الأتباع عن نقد الشيخ باحترام كغيره من أهل العلم. بل لقد أصبح تخطيء الشيخ عند كثيرين منهم كافيا للاتهام بالبدعة، والخروج عن دائرة أهل السنَّة.
وهنا أذكر أن ادعاء العصمة لغير المعصوم قد لا يعترف بها الذي يعتقدها، لكن إن كان لا يقبل تخطيء الذي يعظمه، فقد وصل حد ادعاء العصمة دون أن يشعر، على حد قول القائل: كل ما خالف قول إمامنا مؤول أو منسوخ!
ويبقى أهل الاعتدال والإنصاف قلة في كل مدرسة وبين أتباع كل إمام، فالإنصاف في الناس (الناس كلهم) عزيز، وهذه دعوة إلى تكثير سواد أهل الإنصاف، لأن الحق الذي نفخر به في دعوة الشيخ سيموت إن لم نحيه بالنقد العلمي البناء.
بداية تعقيب: الشيخ سليمان بن صالح الخراشي
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا تعقيب على السؤال الموجه للدكتور حاتم الشريف – وفقه الله للحق – عن "الوهابية"، والجواب الذي أجاب به.
أما السؤال فيقول:
(لدي تساؤل عن التكفير الذي في تاريخ ابن غنام، وابن بشر، وعلاقته بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)!
والتعقيب: أن السؤال من أساسه ساذج وغريب! أستغرب أن ينساق معه الدكتور حاتم، قبل أن يُرشد صاحبه إلى تصحيحه.
فهل من الممكن أن أسأل الدكتور حاتم العوني فأقول:
(لديّ تساؤل عن التكفير الذي في كتب العلماء)!
أو
(لديّ تساؤل عن التكفير الذي في كتب د حاتم الشريف)!
ولا شك أنه سيُكفر اليهود والنصارى على الأقل؟!
فهل سيقبل مني مثل هذا السؤال؟
كان المفترض على الدكتور قبل أن ينساق و يجيب، أن يُصحح السؤال، ويُرشد السائل.
فيقول: المفترض ياسائل أن لا تسأل عن (وجود) التكفير في هذا الكتاب أو ذاك؛ لأن التكفير لايخلو منه كتاب من كتب المسلمين؛ وعلى قمتها كتابهم المنزّل (القرآن). إنما ينبغي أن تسأل عن: هذا التكفير، هل هو بحق أو لا؟
أما جواب الدكتور حاتم - هداه الله – فربما فهم منه أنه يُشكك القارئ في دعوة التوحيد، التي لم يشتهر الشيخ محمد – رحمه الله -، أو أئمة الدعوة بعده إلا بها!
والتعقيب:
1 - ملخص الجواب: أن الشيخ محمد - رحمه الله - غيرُ معصوم!
وهل من شكٍ في هذا الأمر؟
لو كان الشيخ معصومًا – عند متابعيه في دعوة التوحيد -، لوجدتهم يتبعون أقواله في الفقه. والواقع أن العلماء في هذه البلاد وغيرها يخالفونه في مسائل ليست بالقليلة من مسائل الفقه، بل بعض طلبة العلم لا يعرف أقواله الفقهية -رحمه الله -، ولك أن تسألهم لتتأكد من هذا.
فالشيخ ودعوته لا يُذكرا إلا في مسائل التوحيد، التي وفقه الله لتجديدها، في مجتمع قد انتشرت فيه الشركيات والبدع والانحرافات، فقولك: غير معصوم؛ معناه أنه قد أخطأ في هذه المسائل، فهلا بينتها بوضوح؟
ودعوى "عدم العصمة" ليست مسوغًا لرد الحق، أو تشكيك الناس فيه. فأنت بهذه الطريقة كحال من يجد رجلا يصلي أو يذكر الله حسب السنة، فيقول لمن حوله: انتبهوا .. فهذا الرجل غير معصوم!! فيقول له العقلاء: نعم هو غير معصوم، لكنه في هذه (الحال) قد وافق الحق.
2 - قولك: (فالخطأ يقع عند دعاتها في تقرير المسائل). ليتك تذكر مسألة من هذه المسائل من كتب الشيخ - رحمه الله -؛ ليكون النقد بعيدًا عن الإنشائية، والاتهامات المجردة.
3 - قولك: (وأنها أقرب للحق بمراحل من الواقع الإسلامي في زمنها)!
إذًا أين الحق؟! فالمسلم يريده، ولا يكفيه " القرب " منه فقط!
(يُتْبَعُ)
(/)
والدكتور يذكرني – هنا - برد الشيخ صالح الفوزان – وفقه الله – على الصابوني الأشعري عندما قال: (حينما تقرأ العنوان الذي وضعه لمقالاته – وهو: عقيدة أهل السنة في الميزان! - تستغربه؛ لأن وضع عقيدة أهل السنة في الميزان معناه فحصها ومعرفة هل هي صواب أو خطأ؟ وهذا تنقيص من قدرها، لاسيما والمراد بأهل السنة عند الإطلاق القرون المفضلة ومن تبعهم بإحسان .. ).
فليت الدكتور دلنا على الحق نفسه؛ لأننا لا نعرف في هذا المجال إلا: توحيد أو بدعة أو شرك.
4 - قولك: (ومشكلتنا من طائفتين في الدعوة النجدية: غلاة فيها - وهم كثيرون في أتباعها-، وغلاة عنها - وهم كثيرون في منافريها -، والفضيلة وسط بين رذيلتين). أظنك وقعت في " الوسط .. الغلط "! الذي ذكرته في مقالٍ لي سابق (سأنشره بعد التعقيب)، فبعض الناس يتوهم أن " الوسط "، هو الصواب دائمًا، وإن كان الخيار بين حق وباطل!
5 - قولك: (هل يمكن أن تكون بعض آراء شيخ الإسلام ابن تيمية قابلة للنقد - كتسلسل الحوادث وفناء النار وغيرهما - .. ). يظهر أنك لا تعرف رأي شيخ الإسلام في المسألة الأولى، وإلا لما قلت هذا، فالنقد يوجه لمن أساء فهم كلامه لا له - رحمه الله -، وأما الثانية فكذب عليه. والتفصيل في كتاب " دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام "؛ للدكتور عبد الله الغصن – وفقه الله -. ولا علاقة لهذا – سواء ثبت أو لم يثبت - بتخطئة الشيخ محمد في مسائل التوحيد.
6 - قولك: (ثم لا يكون للشيخ محمد بن عبد الوهاب أخطاء أسوة بغيره؟)!! هل هي تخطئة بالقوة! ليتك تذكر لنا أخطاء الشيخ في مسائل التوحيد.
7 - قولك: (بل لقد أصبح تخطيء الشيخ عند كثيرين منهم كافيا للاتهام بالبدعة، والخروج عن دائرة أهل السنَّة). من قال هذا بإطلاق؟! لكن من خطأه في أمر التوحيد؛ ليُسوغ أو يُهون من البدع أو الشركيات، فهو يستحق التبديع والتضليل.
8 - الخلاصة: أن جواب الدكتور مجرد " إنشاء "؛ ثمرته العملية: تشكيك القارئ في دعوة التوحيد التي وفق الله لها الشيخ - رحمه الله -، وكفى بهذا بهتانًا وصدًا عن سبيل الله، كان الأولى بالدكتور المنصف! أن ينأى بنفسه عنه، مهما كانت المسوغات، التي لا تخفى على من يعلم السر وأخفى. وأنا وغيري منتظرون لأمثلة الخطأ الواقع في تقرير مسائل التوحيد عند الشيخ، مع تذكير الدكتور حاتم بما هو أولى بالانتظار منه، أعني: الاجتهاد منه ومن يوافقه في نشر الكتب والمقالات التي تُقرب التوحيد الصافي، والسنة، بين يديَ عامة المسلمين؛ خاصة ممن تأثر ببدع الصوفية، وهم على بعد رمية حجر منه.
والله الهادي ..
تنبيه: نُشرت فتوى الدكتور في موقع "الإسلام اليوم"، تحت عنوان: (الوهابية بين الغلاة فيها والغلاة عنها)!! وهو عنوان مستغرب؛ لأن هذا اللقب من اختراع خصوم الدعوة السلفية، فهل يرضى القائمون على الموقع أن يُحشروا معهم، إذ نأوا بأنفسهم عن دعوة الشيخ؟! هداهم الله، وسخر جهودهم في نشر عقيدة السلف، والعلم الشرعي القائم على الكتاب والسنة.
نهاية تعقيب: الشيخ سليمان بن صالح الخراشي
وقد عقب الشيخ الشريف د. حاتم العوني بالتعقيب التالي:جواب على التعقيب
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: فقد قرأت التعقيب على فتواي, والتي أجدها جوابا واضحا. وليس من المصلحة تطويل الجواب وذكر شواهده, بل اختصارُه وضبطُ عباراته، و المسائل التي أشار السائل إليها موجودة في التاريخين المذكورين , لا يمكن أن ينكرها من قرأها, وفي بعضها اختلاف واقعٌ بين دُعاة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنفسهم.
ولا أجد هناك داعيا للجواب عن التعقيب بأكثر من هذا الجواب المختصر, و لا يستلزم أكثر منه.
والله أعلم. والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله.
نهاية تعقيب الشيخ د. حاتم العوني
تعقيب من قسم الدراسات والبحوثنشكر فضيلة الشيخ سليمان بن صالح الخراشي على تنبيهه حول لفظ (الوهابية)، وقد تم تعديل عنوان الفتوى إلى -التكفير في تاريخ ابن بشر وابن غنام-.
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 07:53]ـ
أخي الحبيب الشيخ سليمان الخراشي وفقه الله تعالى:
حقيقة أنا ليس لي اطلاع على كتب ورسائل أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب اللهم إلا الكتاب الرائع الفرد كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد، أما مثلًا الدرر السنية ونحو ذلك فليس لي اطلاع عليها.
لكن حقيقة لا أوافق حضرتكم في ردكم على الدكتور المحدث حاتم العوني حفظه الله تعالى فأرى أن فتواه كانت منصفة جدًا، وهذا هو الميزان الذي يجب أن يحاكم به كل فرد وكل جماعة.
وشتان بين ذلك وبين وضع عقيدة السلف في الميزان، فكل فرد يوضع في الميزان كائنًا من كان خلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما شرع الله تعالى فلا.
وانتقادي لفكر طائفة معينة من العلماء أو الدعاة فإنما هو انتقاد لطريقة فهمهم للشرع المطهر لا للشرع نفسه والعياذ بالله.
أما بالنسبة لقضية التكفير فالواضح أن السائل يقصد نوعًا معينًا به، فهناك عهد ذهني إن صح التعبير!
وهناك بعض القضايا وقف الخلافب ينها بين العلماء السلفيين أنفسهم كبعض قضايا الموالاة وكقضايا لعذر بالجهل ونحو ذلك.
لذلك فلا أظن أن هذه الفتوى مما تعاب على الدكتور حاتم، خاصة والرجل له جهود طيبة في خدمة السنة المطهرة.
وجزاكم الله خيرًا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 07:58]ـ
[ CENTER]
وكنتُ أتمنى من د حاتم - هداه الله - أن يجيب عن تعقيبي بذكر الأمثلة، أو يتواضع قليلا، ويعترف بخطأ جوابه؛ بدلا من هذا الإصرار على التشكيك والتشويش .. أو الاكتفاء بقوله: (و المسائل التي أشار السائل إليها موجودة في التاريخين المذكورين , لا يمكن أن ينكرها من قرأها)! ..
بارك الله فيك شيخ سليمان، وهذا ما لحظته من أول وهلة في رد العوني.
نفع الله بك شيخنا الكريم.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 10:56]ـ
يقول الشيخ سليمان الخراشي: رابط مقال يفيد في التحاور مع أمثال د حاتم ..
ثم تُطالع الرابط فتجد في مطلعه قول الشيخ الخراشي:
((هذه ثمان قواعد أو تمهيدات أراها مهمة لمن أراد الدخول في النقاش مع المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - استللتها من كتابي " ثناء العلماء على كتاب الدرر السنية والرد على من تطاول عليه "؛ كحسن المالكي)).
فهل يرى الشيخ الخراشي أن مثل الدكتور حاتم كمثل المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - (؟؟)
أرجو الجواب ..
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 10:56]ـ
...............
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 10:59]ـ
أبدا يا أبافهر!
لاتحمّل كلام الشيخ سليمان مالايحتمل
لكن لابأس أن تحمل كلام الدكتور حاتم ماتشاء
هذا منطق الخراشي، ومن وافقه!!!!!!!!!!!!
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 11:01]ـ
بارك الله فيك شيخ سليمان، وهذا ما لحظته من أول وهلة في رد العوني.
نفع الله بك شيخنا الكريم.
العوني هو الشيخ الكريم المحدث الشريف حاتم العوني، أستاذ الحديث، عضو مجلس الشورى.
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 11:02]ـ
أبدا يا أبافهر!
لاتحمّل كلام الشيخ سليمان مالايحتمل
لكن لابأس أن تحمل كلام الدكتور حاتم ماتشاء
هذا منطق الخراشي، ومن وافقه!!!!!!!!!!!!
........................
تم التحرير من قبلي. . الأمل الراحل
احتراما لشيخنا صاحب الموضوع وفقه الله
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 11:16]ـ
جزاكم الله خيراً شيخنا سليمان على تعقيبكم ومناصحتكم، وأسأل الله أن ينفع بها وأن لا يحرمكم أجرها،،،
وفي الحقيقة من يقرأ جواب!! الشيخ د. الشريف حاتم العوني - وفقه الله - لا يجد شيئاً، كسراب بقيعة،،،
نعم، يُستشف من الجواب الهروب من الجواب!!، حتى لا أقول الترفع عن الجواب!!!،،،
وللتذكير فالتعقيب وجوابه نشرا في صفحة (بحوث ودراسات) (!!)؛ فلا تعليق،،،
ـ[رائد]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 01:00]ـ
لا أوافق الخراشي في منهجيته في التأليف وأسلوبه في التعامل مع كتب الآخرين وهذا يوافقني عيه كثير من الإخوة وقد نصحناه كثيرا لكنه لايقبل ولا يتراجع وآخرها ما فعله مع كتاب السلمي (الليبرالية)
لكنني هنا أوافقه تماما!!!
فالدكتور العوني مسكون بحب المخالفة للسائد من الافكار وطريقته في نقد دعوة كبيرة في مقام دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بكلمات تلقى على عواهنها وفي باب الافتاء تعتبر فضيحة كبيرة
أولا: هو ينتقد حركة كبيرة فيها علماء كثيرون والسؤال عن كتابين تاريخيين وهذا مخالف للأسلوب العلمي ... وزاد الطين بلة أنه يرمي الكلام دون شواهد ثم يهرب بعد نقده .. فهل هذا دعوة لعصمة نفسه؟ يمكن ان يلزم بذلك كما ألزم المدافعين عن الشيخ بها لمجرد دفاعهم
ثانيا: نشر كلامه في الفتاوى!! فهل من الحكمة والمصلحة ومراعاة مقتضى الحال أن يفتي في حركة لها مؤيدون بكلام في نصف صفحة .. واين ستدخل فتواه؟ هل ستدخل في الفتوى في الحركات الاصلاحية ام التاريخية ام العقيدة؟!! وهل مثل هذا يسمى فتوى في الاصطلاح؟
ثالثا: من معرفتي بالعوني انه ضيق العطن يصارع في المناقشات الحديثية كأنها عقائد ... فلماذا يغضب من مناقشة غيره له في قضايا أكبر مما يصارع فيه
ثالثا: العوني يتحدث كثيرا عن الحوار مع الآخر لكنه لا يحتمله ممن يوافقه في اصل العقيدة
******************
ونصيحتي للعوني أن لا يسقط نفسه وينشغل بالمصطلح ويبتعد عن إشعال الحروب العلمية فهذا أزكى وأنفع له ولمحبيه
ـ[الحمادي]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 01:20]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
بارك الله في الإخوة جميعاً
لم أشأ الدخول في نقاش مقالات الشيخ حاتم وفقه الله، لأمور عدة
لكن أودُّ التعليقَ هنا بما يلي:
لا شك أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب بشرٌ يخطيء ويصيب، وأن خطأه أكثر من صوابه
وأن خير دعوته الإصلاحية أكثر من شرها، وأنها أقرب إلى الحق من غيرها
ولا شك أيضاً أن من الناس من يغلو في هذه الدعوة المباركة، ومنهم من يجفو
وقد رأيت أشخاصاً يصح تصنيفهم من الغلاة، وآخرين من الجفاة
وهذا الكلام المجمل -الذي تفضَّلَ به الشيخ حاتم- وإن كان مفيداً، لكنه ليس جديداً ولا مختصاً بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فلا يكفي جواباً لسؤال السائل
ثم إن هذا الكلامَ الإجماليَّ في نقد الدعوات الإصلاحية مُشكِلٌ، إذ يفتح البابَ لكل معارض
لتلك الدعوة؛ سواء أكانت معارضته بحقٍّ أم بغير حق، بل تفتح الباب لأهل البدع والصوفية
والرافضة وغيرهم؛ بحجة أن الشيخ غير معصوم، وأن صوابه أكثر من خطئه
وكلٌ يأخذ ما يناسبه من هذا الكلام المجمل، ويحتج به على تغليط الدعوة الإصلاحية
وكون الشيخ محمد يخطيء حقٌّ لا تَرَدُّد فيه أبداً، ولكن لابد هنا من تحديد مواطن الخطأ حتى لا يكون النقد
إجمالياً، إذ النقد الإجمالي لا فائدة منه، لا ستواء الدعوات والأشخاص والمؤسسات في الدخول تحت ذلك النقد
ولا اختصاص بدعوة أو شخص أو مؤسسة دون آخر في النقد الإجمالي
إضافة إلى مفسدة فتح الباب لأهل البدع والضلال على اختلافهم
والواجب أن يقال لكل مُنتقِدٍ إماماً من أئمة السنة أو دعوة من دعوات أئمتهم= اكتب نقدَك على وجه التفصيل
وبيِّن المؤاخذات التي تراها، وأوجه الخلل، حتى يمكن مناقشتها تحديداً، وقد يتبيَّن بعد ذلك صحة الانتقاد أو خطئه
ونسلم حينئذ من مثل هذا الكلام المجمل الذي يحتمل أوجهاً كثيرة
وما تفضَّل به الشيخ حاتم يصح أن يقال في الإمام مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأحمد وابن تيمية وغيرهم
من أئمة أهل السنة، وهو كلامٌ يفيد عدم عصم أولئك الأئمة الكبار، وأنهم على جلالتهم لا يسلم أحدهم من الخطأ
وهذه فائدة جليلة، لكنها ليست مختصة بدعوة الشيخ محمد
ولعلي أختم بالنصيحة لنفسي وإخواني من طلاب العلم بالتأني في التصدر
وألا يهجم المرء على المسائل الكبيرة إلا بعد دراسة عميقة
وأن يراجع كلٌ منا أهل العلم الكبار خاصة في مسائل الاعتقاد، وتميُّز أحدنا في باب من العلم أو أبواب لا يسوِّغ له الهجوم على غيره مما لم يتضلَّع فيه
ولم يدرسه دراسة كافية
وهذه النصيحة أقولها لنفسي أولاً، ولإخواني الفضلاء ثانياً
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 01:23]ـ
- الإخوة الكرام جميعًا (كلٌ باسمه): بارك لله فيكم ..
- الأخ الكريم: محمد العبادي: اعذرني؛ فلن أقبل منك؛ لأنك غير معصوم! (هذا منطق د حاتم! الذي أيدته.)، لعلك تعيد النظر في قراءة تعقيبي عليه. وأيضًا تقرأ في كتب أئمة الدعوة السلفية، وتتخطى الحواجز. بوركت.
- الأخ الكريم: أبافهر: هو مثلهم في عدم فهم: أسباب التكفير، التي يستنكرها. لا في السوء والقصد. ومقالي مستل من كتابي " ثناء العلماء على كتاب الدرر السنية " الذي قلتُ في مطلعه عن المناوئين (ص 10): (وهذا ليس بغريب عليهم، كما سبق، ولكن مما يسوء المرء ويجعله يأسى؛ تناغم بعض الفضلاء مع حزب المنافقين والمرضى).
تابع هنا: http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=3390
وفق الله الجميع للخير ..
(تنبيه: تعقيبي أرسل باسمي مجردًا. ووصف " فضيلة الشيخ " حسن ظن من الشيخ الطريري - وفقه الله -، وما أنا إلا طالب علم أفيد وأستفيد. وقد استفدتُ كثيرًا من كتابات د حاتم الحديثية البديعة، وغيره من أهل السنة).
ـ[رائد]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 01:33]ـ
" لا شك أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب بشرٌ يخطيء ويصيب، وأن خطأه أكثر من صوابه "
هذه العبارة في كلام الاخ الحمادي غريبة
فقوله (أن خطأه أكثر من صوابه) فيه غرابة لانه يدل على انه تتبع أخطاءه وصوابه ووضع لها قائمة فتبين ان خطأه أكثر .. وهذا لم يحصل
هذه عبارة عن محاولة للتفكير في العبارات التي ترمى جزافا!!
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 01:35]ـ
الأخ الكريم: رائد: هي سبق قلم من الشيخ عبدالله دون شك. وتأمل سياق الكلام. (ماقبلها وبعدها)، وهي مقتطعة من فتوى د حاتم. بوركت ..
ـ[ابو عمر السلفي]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 02:32]ـ
لا شك أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب بشرٌ يخطيء ويصيب، وأن خطأه أكثر من صوابه
وأن خير دعوته الإصلاحية أكثر من شرها، وأنها أقرب إلى الحق من غيرها
سبحان الله!!!
عندما يقال دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يُفهم إلا التوحيد وضده الشرك!
فهل في الدعوة إلى العقائد خطأ وصواب؟؟؟
وهل الدعوة الإصلاحية التي نقلت الناس من الشرك الأكبر إلى التوحيد الخالص فيها من الشر ما وصف بالقليل؟؟؟؟
××××××××××
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الحمادي]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 02:51]ـ
وقع هنا خطأ
ينظر المشاركة الآتية
ـ[الحمادي]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 02:56]ـ
بارك الله فيك أخي رائد وفي أخي أبي مصعب
ظاهرٌ من سياق كلامي أن قولي: (وأن خطأه أكثر من صوابه) سبق قلم، كما نبَّه أخي أبو مصعب
والصواب: (وأن صوابه أكثر من خطئه)
وأحسب أنَّ مرادي من هذه العبارة (صواب الشيخ أكثر من خطئه) ظاهر
فصواب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وصواب الأئمة قبله أحمد والأوزاعي وابن تيمية
بل صواب الصحابي الجليل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكذا غيرهم= أكثر من خطئهم بلا شك
ومرادي أنَّ هذا كلامٌ صحيح لكنه مجمَل، ولا يفيد شيئاً عند النقد والتقويم
فهذه العبارة يقولها من يعتقد خطأ الشيخ بنسبة 40%
ويمكن أن يقولها من يعتقد خطأ الشيخ بنسبة 5% بل أقل من ذلك
كما أنه قد يقولها من يعتقد صواب منهج الشيخ في مسائل الاعتقاد وخطأه في بعض الفروع الفقهية أو في المنهج الحديثي
أو في تفسيره لبعض الآيات أو غير ذلك مما يحتمل النظر والاجتهاد
وبالمقابل قد يقولها من يعتقد خطأ الشيخ في كثير من مسائل الاعتقاد التي قررها
فهي كلمةٌ مجملة حَمَّالة أوجه، ولا تفيد عند النقد والتقويم
ولعل مرادي اتضح، وهو واضح من كلامي وسياقه سابقاً فيما أحسب
ـ[أبو عبدالرحمن]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 04:02]ـ
قولك يا شيخ عبدالله: إن صواب الشيخ أكثر من خطئه تقليل من قدره
أحسبك من أهل العلم الذين يزنون الكلام
ومثل هذا لا يقال عن إمام من أئمة أهل السنة
رحمه الله تعالى
ـ[الحمادي]ــــــــ[19 - Jun-2008, صباحاً 06:54]ـ
قولك يا شيخ عبدالله: إن صواب الشيخ أكثر من خطئه تقليل من قدره
أحسبك من أهل العلم الذين يزنون الكلام
ومثل هذا لا يقال عن إمام من أئمة أهل السنة
رحمه الله تعالى
بارك الله فيك يا أبا عبدالرحمن، وشكر لك حسن ظنك
وعذراً؛ فلم أرَ تعقيبك إلا الآن
قد بينت مرادي، وأحسبه واضحاً
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 02:45]ـ
الحمد لله وحده ...
1 - التعبير بالمثلية هاهنا يا شيخ سليمان تعبير معيب جداً ....
والشيخ ما أساء فهم التكفير وإنما يرى في الكتابين تكفير غالٍ بالفعل وليس هذا رأيه وحده ...
وسواء أخطأ في هذا أم أصاب فلا يجوز بحال أن تحيل في مناقشته هذه الإحالة ولا أن تقول هو مثلهم ..
وليس هناك نقطة التقاء بينه وبين المناوئين ولا حتى في هذه النقطة، ولو كان .. فنقاط المفارقة أكبر وأكبر ..
واستعمال مثل هذا الأسلوب في المناقشات مع أهل السنة لا يليق بمريد الإصلاح ..
2 - هل جواب الشيخ حاتم كان جواباً تاماً مفيداً للسائل (؟؟)
لا بالطبع .. وأغلب ظني أنها كانت فكرة في نفسه فوجد لها متنفساً في هذا السائل .. وكان من الممكن أن يعرض فكرته في تضاعيف الجواب التام المفيد وهذا لم يحدث ..
3 - هل في كل ما قاله الشيخ عن الدعوة الإصلاحية حاتم خطأ علمي واحد (؟؟)
لا. وأرجو أن يريني أحد الفضلاء هذا الخطأ العلمي الواحد أكن له من الشاكرين.
4 - هل ليس هناك فائدة فيما ذُكر عن عدم عصمة الشيخ كما يقول الشيخ الحمادي (؟؟)
لا بالطبع بل الفائدة مهمة ومهمة جداً ...
وأصلُ ذلك أن الحكم بعدم العصمة لجميع الأئمة بلسان المقال هو قول غالب الأمة في كل زمان ومكان ..
ثم يقع في بعض الأمكنة والأزمنة .. تغير في هذا الحال يُعرف بالقرائن ..
كالذي تراه من واقع أهل الشام مع الشيخ الألباني ..
وكالذي تراه من واقع أهل مصر مع بعض دعاتهم ..
وكالذي تراه في كل زمان ومكان يعم فيه مذهب إمام معين ..
ومن حكمة الداعية والمصلح حينها أن يؤكد ويُكرر على عدم العصمة لأن الجميع وإن اعترفوا بها بلسان المقال، فأنت تجد في بعض أحوالهم ما يخالف هذا ..
وآية ذلك: قول القائل: اذكر لنا أخطاء الدعوة هذه (؟؟)
وقول القائل: هل في دعوة الشيخ للتوحيد أخطاء قليلة (؟؟!!)
يقصد: لا قليلة ولا كثيرة ..
ولا تصدر هذه الأسئلة إلا ممن وقر في قلبه من غير أن يشعر أن الشيخ لم يخطئ ..
وإلى هؤلاء قصد الشيخ بجوابه ..
وسواء أحكمنا بخطأ أو صواب هذه النظرة .. فيبقى أنها نظر واجتهاد من صاحبها يؤجر عليه يقيناً ..
ولا يليق أن يُقابل مثل هذا بهذا الجواب الانفعالي من الشيخ الخراشي .. ولولا انفعال الشيخ لما أحال على الرابط الذي أحال عليه .. ولما اعتذر عن إحالته بهذا الاعتذار الذي لا يساعده عليه لا واقع الحال ولا حتى ألفاظ العربية ..
5 - ولو أراد الإخوان هنا خطأ يوجهون إليه نقدهم .. فليوجهوا هذا النقد للشيخ الخراشي حيثُ جعل الثمرة العملية لمقال الشيخ حاتم هي تشكيك الناس في عقيدة التوحيد ..
قولك: (بل لقد أصبح تخطيء الشيخ عند كثيرين منهم كافيا للاتهام بالبدعة، والخروج عن دائرة أهل السنَّة). من قال هذا بإطلاق؟! لكن من خطأه في أمر التوحيد؛ ليُسوغ أو يُهون من البدع أو الشركيات، فهو يستحق التبديع والتضليل.
وهذه من أعجب تعليقات الشيخ سليمان .. وهي أجنبية تماماً عن الشيخ حاتم ومقاله .. وكان الواجب من الشيخ الخراشي أن يؤيد الشيخ حاتم فيمن يجعل مجرد تخطئة الشيخ محمد مسوغاً للتبديع .. أما رده فهو رد يأبى حتى الموافقة على الحق .. والذي يخطئ الشيخ في مسألة في التوحيد لا يقصد بذلك تهوين البدع والشركيات لأن محل التخطئة عنده ليس ببدعة ولا شرك ..
مثال: من ذهب إلى أن الحلف بغير الله ليس شركاً؛لضعف الحديث .. وحكم بخطأ الشيخ في تلك المسألة .. هل نحكم عليه بأنه يهون من شأن الشرك (؟؟)
لا بالطبع.ولا يحكم بهذا إلا سقيم الفهم.
وهذا الذي قال بهذا وحكم بخطأ الشيخ .. مخطئ ولا شك -عندي-ولكنه متكلم في العلم على طرائق أهل العلم يؤجر أجر أهل العلم ..
ولو قال الشيخ الخراشي: إنما قصدتُ من يخطيء الشيخ؛بسوء نية ..
قلنا: ومن ذا الذي حشر أولئك هنا أو أدخلهم في صفنا نحن معاشر أهل السنة (؟؟)
أما النفسية التصنيفية التي أصابتها الوسوسة من كل تنبيه على خطأ أو تحذير من باطل ولو صدر من إمام=فلا تليق بنا جميعاً ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عادل آل موسى]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 02:50]ـ
الله يوفق الشيخ حاتم
و الشيخ سليمان لما يرضيه ...
اللهم آمين
ـ[سعد معاذ]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 03:43]ـ
أود أن أقول كلمة لعلها تجد أذنا واعية:
أولا: مثل هذه الكتابات ليست وليدة الساعة ولا صناعة الفكر الخاص بفلان أو علان بل هي عمليات استنساخ مشوهة لم يكن لها ما يزينها في القلوب ويحسنها في العقول إلا أسماء القائلين بها ولولا ذلك لذهبت أدراج الرياح كما ذهبت من قبل وقد تكتبت بأيد أشد وفهوم أحد ..
ثانيا: ما الهدف وراء هذه الحملات المتناسخة؟ الهدف قد يكون سياسيا وسواء أشعر قائله بذلك وتحمل تبعته أم كان ضحية التصدير والشهرة التي يحرك بها أعداء الإسلام بعض النماذج، وقد يكون الهدف نفسيا له بعد تاريخي يختص بالقائل وعائلته، وقد يكون الهدف اجتهاديا علميا وإن كنت لا أعتقده لأن المجتهد الباحث عن الحق لا بد له من البحث والتقصي، ولا بد له من معرفة الحال التي تمر بها الأمة طي يقول كلمته دون أن يحمل المسلمين لأواء معركة تنقص من قوتهم وتزيدهم تشرذما .... وهناك أسباب أخرى لا أريد الإطالة بذكرها ...
ثالثا: الواجب على العقلاء عندما يحدوا النظر في كلام المستنسخين أن ينظروا إلى الأحداث التاريخية والسياسية المحركة مع ملاحظة طريقة تفكير العدو الأكبر (أمريكا) وسياستها في خلق عدوات متأزمة لا حلول لها تصدع بها الصف وتورث الوهن وتحتل بها القلوب و العقول قبل أن تحتل الأرض والحقول!! قد يكون الصمت علاجا نافعا جدا مع العمل الدؤوب على نشر الخير وتعميق الفهم بالدين من خلال قراءة القرآن والاعتناء بتفسيره، والاطلاع على السنة النبوية وفهم مقاصدها، وسبر أقوال الصحابة وتاريخهم العملي، لنستطيع أن ننتج مجتمعا قويا متماسكا ينطلق في فهمه للحياة من خلال أصول لا يأتيها الباطل من بين يدها ولا من خلفها.
ولعلنا نترك الباقي لساعة تنفح بسكينتها
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 03:45]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الإخوة في موقع الإسلام اليوم على نشرهم للتعقيب، وكنتُ أتمنى من د حاتم - هداه الله - أن يجيب عن تعقيبي بذكر الأمثلة، أو يتواضع قليلا، ويعترف بخطأ جوابه؛ بدلا من هذا الإصرار على التشكيك والتشويش .. أو الاكتفاء بقوله: (و المسائل التي أشار السائل إليها موجودة في التاريخين المذكورين , لا يمكن أن ينكرها من قرأها)! مع الانتباه إلى أنه يتحدث هنا عن " التاريخين المذكورين "، وفي فتواه عن " دعوة الشيخ محمد .. " بأكملها!
رابط التعقيب:
http://www.islamtoday.net/
( بحوث ودراسات).
رابط مقال يفيد في التحاور مع أمثال د حاتم:
http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/127.htm
وفق الله الجميع لما يُحب ويرضى ..
/// لا يلزم الشيخ حاتم ولا غيره الرد على كل تعقيب، كما تفعل أنت أيضًا أحيانًا ياشيخ سليمان حين يتعقُّبك أحد الناس ههنا أو في مكان آخر، فالخطب سهل.
/// وأمَّا الإحالة إلى الرابط في التحاور مع مناوئي دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب! فلا داعي له وإلماحٌ غريبٌ، إن فُهِم على ظاهره ففيه اعتداءٌ شنيعٌ على الشيخ حاتم، والله أمرنا بالإنصاف مع العدو فكيف بالرفيق الموافق؟!، وما ذكره الأخ أبوفهر كاف في بيان سبب ذلك.
/// لم أرَ في كلام الشيخ حاتم ما يستحقُّ إثارة الغبار حوله، وما أشار إليه واقعٌ موجودٌ فلم نخفي رؤوسنا في الرمال.
/// ولم تعد الدنيا الآن كما كان قبل زمان، الجاهل يستطيع البحث عن طريق محركات البحث ليصل إلى مراده.
/// أمَّا ما أشار إليه أخونا الشيخ الحمادي من البيان، فلقوله وجهة نظر، لكن تبقى القضيَّة اجتهاديَّة، تختلف فيها وجهات النَّظر، ومن ذلك استشعار حاجة السائل أوالسائلين، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
/// وكأنَّ مجمل السؤال والجواب وسياقهما هو: إن كانت ثَم انتقادات أواختلافات في بعض أفراد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومدرسته المباركة من داخلها أوخارجها -وافقناها أوخالفناها- فإنَّنا لسنا كالمبتدعة ندَّعي لها العصمة، وبيننا نحن المستفيدون من هذه المدرسة، ومنهم الشيخ حاتم اختلافٌ مع تلك المدرسة؛ لأنَّنا لا نتعصَّب لها في كلِّ شيءٍ.
وبس ..
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 03:48]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
اتفضل يا شيخ سليمان ...
استنساخ (!!!)
وأعداء الإسلام (!!!)
وعائلته (!!!)
ويستبعد أن يكون اجتهاداً علمياً (!!)
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 03:57]ـ
/// الأخ سعد معاذ .. لم لا تضع الحروف على النقاط، وتصرِّح بمقصدك ممَّا تريد أن تجد له آذانا صاغية.
/// فما علاقة قضية الاستنساخ الذي أشرت إليه، والأمريكان ... الخ، بموضوع الشيخ حاتم؟!
ـ[الحمادي]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 04:30]ـ
أود التنبيه ابتداءً إلى أنني غير ملزم بما يقوله غيري
رأيي سأظهره -إن شئت- في مشاركاتي
4 - هل ليس هناك فائدة فيما ذُكر عن عدم عصمة الشيخ كما يقول الشيخ الحمادي (؟؟) لا بالطبع بل الفائدة مهمة ومهمة جداً ...
وأصلُ ذلك أن الحكم بعدم العصمة لجميع الأئمة بلسان المقال هو قول غالب الأمة في كل زمان ومكان ..
ثم يقع في بعض الأمكنة والأزمنة .. تغير في هذا الحال يُعرف بالقرائن ..
كالذي تراه من واقع أهل الشام مع الشيخ الألباني ..
وكالذي تراه من واقع أهل مصر مع بعض دعاتهم ..
وكالذي تراه في كل زمان ومكان يعم فيه مذهب إمام معين ..
ومن حكمة الداعية والمصلح حينها أن يؤكد ويُكرر على عدم العصمة لأن الجميع وإن اعترفوا بها بلسان المقال، فأنت تجد في بعض أحوالهم ما يخالف هذا ..
وآية ذلك: قول القائل: اذكر لنا أخطاء الدعوة هذه (؟؟)
وقول القائل: هل في دعوة الشيخ للتوحيد أخطاء قليلة (؟؟!!)
يقصد: لا قليلة ولا كثيرة ..
ولا تصدر هذه الأسئلة إلا ممن وقر في قلبه من غير أن يشعر أن الشيخ لم يخطئ ..
وإلى هؤلاء قصد الشيخ بجوابه ..
وسواء أحكمنا بخطأ أو صواب هذه النظرة .. فيبقى أنها نظر واجتهاد من صاحبها يؤجر عليه يقيناً ..
ولا يليق أن يُقابل مثل هذا بهذا الجواب الانفعالي من الشيخ الخراشي .. ولو انفعال الشيخ لما أحال على الرابط الذي أحال عليه .. ولما اعتذر عن إحالته بهذا الاعتذار الذي لا يساعده عليه لا واقع الحال ولا حتى ألفاظ العربية ..
بارك الله فيك أخي الفاضل
قد أثبتُّ الفائدة ولم أنفها، وذلك في قولي:
وهذه فائدة جليلة، لكنها ليست مختصة بدعوة الشيخ محمد
فالتوكيد على عدم عصمة العالم، وأنه بشر يخطيء ويصيب له ثمرة ظاهرة
وما أشرتَ إليه -وفقك الله- أيضاً غير مختص بدعوة الشيخ محمد رحمه الله
ولكن إطلاق مثل هذا القول دون تفصيل -خاصة عند الاستفصال- يجعل القاريء في حيرة
ماهي الأخطاء التي يريد الشيخ حاتم؟
أهي أخطاء في تقرير التوحيد؟
أم في الحكم على بعض الأقوال والأفعال بأنها شرك؟
أم في تطبيق ذلك وتحقيقه في الواقع؟
أم أن الأخطاء متعلقة بالاستدلال أحياناً؛ فقد يستدل بحديث ضعيف ولا يكون في الباب غيره؟
أما أنها أخطاء في الاستدلال ببعض الآيات؟
أم ماذا؟
كل هذا وغيره واردٌ على ذهن القاريء، فما المراد تحديداً؟
ألا يلزم البيان في مثل هذه الحال؟ بلى، والله
خاصة مع أولئك المثقفين الذين يقرؤون انتقادات كثيرة موجهة لتلك الدعوة
بل طلاب العلم المحبين للشيخ حاتم، والذين قد لا يضعون كلام الشيخ في حجمه الطبيعي
وكما تمس الحاجة إلى التوكيد على عدم عصمة العالم، أو منهجه الذي يسير عليه عندما ينتشر التعصب له ولأقواله= فالحاجة أمسُّ إلى أن يكون النقد واضحاً تتميَّز فيه جوانب النقد، وتُعرف الأخطاء التي يراها المنتقد؛ خاصة إذا كانت تلك الدعوة قائمة على الدعوة إلى التوحيد والاعتقاد، ونبذ الشرك وأهله، ومحاربة البدع، فهي دعوةٌ قامت على ذلك، ولها أعداؤها منذ قيامها، فتزداد الحاجة إلى التوضيح
وليست هذه المطالبة علامةً على التعصب -كما أشرت وفقك الله- ولكن لأجل البيان، ولمعرفة ما إذا كان النقد صحيحاً أو خاطئاً
وإن كان صحيحاً فيُعرف ما أخطأ فيه ذلك العالم حتى لا يتابع على خطئه
ويعرف حجم ذلك الخطأ، ومتعلَّقاته؛ أهو متعلق بالتوحيد وتقريره؟ أم في الحكم على بعض الأفعال والأقوال بالشرك؟ أم في جانب الاستدلال ببعض النصوص؟ أم في الفقه؟ أم في الحديث؟ ... إلخ
ـ[ابو القعقاع]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 04:53]ـ
أود التنبيه ابتداءً إلى أنني غير ملزم بما يقوله غيري
رأيي سأظهره -إن شئت- في مشاركاتي
بارك الله فيك أخي الفاضل
قد أثبتُّ الفائدة ولم أنفها، وذلك في قولي:
فالتوكيد على عدم عصمة العالم، وأنه بشر يخطيء ويصيب له ثمرة ظاهرة
وما أشرتَ إليه -وفقك الله- أيضاً غير مختص بدعوة الشيخ محمد رحمه الله
ولكن إطلاق مثل هذا القول دون تفصيل -خاصة عند الاستفصال- يجعل القاريء في حيرة
ماهي الأخطاء التي يريد الشيخ حاتم؟
أهي أخطاء في تقرير التوحيد؟
أم في الحكم على بعض الأقوال والأفعال بأنها شرك؟
أم في تطبيق ذلك وتحقيقه في الواقع؟
أم أن الأخطاء متعلقة بالاستدلال أحياناً؛ فقد يستدل بحديث ضعيف ولا يكون في الباب غيره؟
أما أنها أخطاء في الاستدلال ببعض الآيات؟
أم ماذا؟
كل هذا وغيره واردٌ على ذهن القاريء، فما المراد تحديداً؟
ألا يلزم البيان في مثل هذه الحال؟ بلى، والله
خاصة مع أولئك المثقفين الذين يقرؤون انتقادات كثيرة موجهة لتلك الدعوة
بل طلاب العلم المحبين للشيخ حاتم، والذين قد لا يضعون كلام الشيخ في حجمه الطبيعي
وكما تمس الحاجة إلى التوكيد على عدم عصمة العالم، أو منهجه الذي يسير عليه عندما ينتشر التعصب له ولأقواله= فالحاجة أمسُّ إلى أن يكون النقد واضحاً تتميَّز فيه جوانب النقد، وتُعرف الأخطاء التي يراها المنتقد؛ خاصة إذا كانت تلك الدعوة قائمة على الدعوة إلى التوحيد والاعتقاد، ونبذ الشرك وأهله، ومحاربة البدع، فهي دعوةٌ قامت على ذلك، ولها أعداؤها منذ قيامها، فتزداد الحاجة إلى التوضيح
وليست هذه المطالبة علامةً على التعصب -كما أشرت وفقك الله- ولكن لأجل البيان، ولمعرفة ما إذا كان النقد صحيحاً أو خاطئاً
وإن كان صحيحاً فيُعرف ما أخطأ فيه ذلك العالم حتى لا يتابع على خطئه
ويعرف حجم ذلك الخطأ، ومتعلَّقاته؛ أهو متعلق بالتوحيد وتقريره؟ أم في الحكم على بعض الأفعال والأقوال بالشرك؟ أم في جانب الاستدلال ببعض النصوص؟ أم في الفقه؟ أم في الحديث؟ ... إلخ
بارك الله فيك أخي فليتهم يجبون بوضوح
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 05:44]ـ
/// ما ذكرتموه يا شيخ عبدالله وجهة نَظَر محترمة تبقى قولًا في طريقة الجواب بالإجمال أوالبيان في القضيَّة محلَّ النقد.
/// ولمخالفك أنْ يحتجَّ بأنَّ لكلِّ مقام مقال، أو أنَّ القضيَّة المسؤول عنها مسألةٌ في المنهج لا في العقيدة، وهذه لا تختصُّ بأهل الاختصاص في العقيدة.
/// فالسَّائل وقرَّاء وروَّاد "الإسلام اليوم" قد لا تبلغ عقولهم تفصيل ما أجمله الشيخ عن الانتقادات الموجَّهة إلى "الدعوة أوالمدرسة الوهَّابيَّة" -إن صحَّت التسميَّة مع تحفُّظنا لها-، فاكتفى ببيان منهج السَّلفيِّين أو الـ-وهَّابيين- في التعامل مع تراث هذه المدرسة المباركة.
/// ولا أدري هل كلام الشيخ فوق سيكون مسعفًا لما أراه وجهة نظر لي وهاهو اقتباس شيءٍ منه:
ولا أجد هناك داعيا للجواب عن التعقيب بأكثر من هذا الجواب المختصر, و لا يستلزم أكثر منه.
[/ FONT]
/// وأمَّا من ظنَّ أنَّ الشيخ يهاجم المدرسة أوعقيدتها أوأعلامها فقد توهَّم وأبعد النجعة كثيرًا.
/// كيف ومقال العوني مليءٌ بإشارات الثناء عليها وعلى إمامها ومؤسٍّسها -إن صحَّ التعبير- كما في المقال المنقول فوق.
/// كتبت هذا لا تعليقًا على انتقاد الشيخ عبدالله الحمادي الذي هو وجهة نظر محترمة -لكنِّها غير ملزمة-؛ بل لأنِّي رأيت من انساق وراء نقد الشيخ الخراشي دون رويَّةٍ أوتأنٍّ.
/// وما أحوجنا إلى التأنِّي في نقد كلام الناس اليوم، بعيدًا عن الانطلاق من أحكام مسبقة، أومواقف قديمة، أوأخطاء قد تكون وقعت من شخص المنتقد، وما أحدٌ يدِّعي العصمة، ولا الشيخ حاتم، كيف وهو ينتقد من يعطي العصمة بتصرِّفه مع بعض من يكون علمًا أوإمامًا لا ينازعه فيه الشيخ حاتم. [/ SIZE][/COLOR]
ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 05:48]ـ
أخي الحبيب الشيخ سليمان الخراشي وفقه الله تعالى:
حقيقة أنا ليس لي اطلاع على كتب ورسائل أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب اللهم إلا الكتاب الرائع الفرد كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد، أما مثلًا الدرر السنية ونحو ذلك فليس لي اطلاع عليها.
لكن حقيقة لا أوافق حضرتكم في ردكم على الدكتور المحدث حاتم العوني حفظه الله تعالى فأرى أن فتواه كانت منصفة جدًا، وهذا هو الميزان الذي يجب أن يحاكم به كل فرد وكل جماعة.
وشتان بين ذلك وبين وضع عقيدة السلف في الميزان، فكل فرد يوضع في الميزان كائنًا من كان خلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما شرع الله تعالى فلا.
وانتقادي لفكر طائفة معينة من العلماء أو الدعاة فإنما هو انتقاد لطريقة فهمهم للشرع المطهر لا للشرع نفسه والعياذ بالله.
أما بالنسبة لقضية التكفير فالواضح أن السائل يقصد نوعًا معينًا به، فهناك عهد ذهني إن صح التعبير!
وهناك بعض القضايا وقف الخلافب ينها بين العلماء السلفيين أنفسهم كبعض قضايا الموالاة وكقضايا لعذر بالجهل ونحو ذلك.
لذلك فلا أظن أن هذه الفتوى مما تعاب على الدكتور حاتم، خاصة والرجل له جهود طيبة في خدمة السنة المطهرة.
وجزاكم الله خيرًا.
/// تقول أنك ما اطلعت على كتب أئمة الدعوة فلماذا التعقيب إذن
/// جهود الشيخ بارك الله فيه في خدمة السنة النبوية لا تعني أنه لا يخطأ أو لاينتقد
/// الشيخ حاتم حفظه الله أرسل الكلام في هذه الفتوى ولم يبين من الغلاة وما هي الأخطاء وأين أخطائه في التوحيد!! هذه تساؤلات من حقنا أيها الفاضل أن نوردها وأن نسمع ردها أما أن يرسل الكلام هكذا من غير بيان!!
/// أحسب أن تعليقك إنما كان من محب و كلنا ذلك الرجل الذي يحب مثل الشيخ حاتم .. ولكن الحق أحب حتى لا نقع في التعصب الذي ننقمه على الصوفية والحزبيون ومن شاكلهم فنحن أهل سنة وجماعة الحق أحب إلينا من أبائنا نسأل الله أن نحيا على التوحيد والسنة وأن نموت عليها
أبدا يا أبافهر!
لاتحمّل كلام الشيخ سليمان مالايحتمل
لكن لابأس أن تحمل كلام الدكتور حاتم ماتشاء
هذا منطق الخراشي، ومن وافقه!!!!!!!!!!!!
ليتك سكت بحلم إذ لم تعلق بعلم!!
ـ[شذى الجنوب]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 06:44]ـ
القضية سهلة فلا داعي لكل هذه التفريعات والتشنيعات على الشيخ سليمان!!
المطلوب من الشيخ عوني الشريف مشكورا الإتيان بأمثلة على ما وصم به دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أو ابن غنام وبن بشر، كل من ادعى دعوى لا بد أن يقيم على دعواه بينات!!
الآن البعض يثور لتشبيه بعيد للشيخ حاتم بالمناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ويغض الطرف عن اتهام علماء ودعوة اصلاحية بالتكفير؟؟
التهمة لا تتعلق بمسائل الفروع الاجتهادية بل بقضايا أصولية، واتهام بالتكفير!!، وهو ما يدندن حوله الصوفية والشيعة وأدعياء الوسطية والاعتدال كمحسن العواجي وغيره .. !!، بل أمريكا نفسها وابواقها هنا يدندنون حول هذه المسألة، وكلنا يعلم كيف الصق بالوهابية تهمة الارهاب والتكفير وو .. الخ، فعندما ياتي شيخ بحجم الشريف ويلقي بهذه التهمة على كاهل دعوة الشيخ محمد فأقل شيء أن نطالبه بالدليل من كلام الشيخ أو من كلام تلاميذه الذين خصهم بهذه التهمة!!
والدعاوى إن لم تقيموا عليها البينات فأصحابها أدعياء
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 07:23]ـ
ليتك سكت بحلم إذ لم تعلق بعلم!!
شكر الله لك نصحك، وسدد قولي وقولك
ولاأريد ان أرد على قولك، حفظا لصفاء القلوب ونقاء الألسنة.
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 07:34]ـ
أيها الاخوة الكرام بارك الله فيكم ..
جملة القول بأن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيها أخطاء= شيء، والقول بأنه هو رحمه الله كان مخطئا في بعض - أو في كثير - من المسائل شيء آخر، والاجمال في نسبة الخطأ الى عموم الدعوة أو الى الشيخ نفسه أو من تابعوه ووافقوه دون تفصيل في مقام الفتيا كما تفضل الشيخ الحمادي ليس من الفطنة في شيء، سيما والسؤال لم يكن في عموم الدعوة أصلا، وقد عنون الاخوة في موقع الاسلام اليوم للفتوى بذاك العنوان الذي قاموا فيما بعد بتغييره، جزاهم الله خيرا.
فالسائل كان يسأل في التكفير الذي في كتابين بعينهما,, وهذا واضح .. والشيخ لم يكن يدري بحال المستفتي دراية كافية، فهو - على ما يظهر لي - سائل يرسل بسؤال مكتوب عبر الانترنت .. ولكن لعله ظنه طالب علم لأنه يسأل عن كتابين من كتب التاريخ، وعن أمر دقيق فيهما، لا يكون الاطلاع عليه والسؤال عنه غالبا الا من طالب علم .. ولكن هذا لا يغني من التحرز من احتمال ألا يكون ذلك السائل طالب علم على منهج صحيح! فلو أن الشيخ تكلم بهذا الذي قاله في محاضرة لبعض طلبته جوابا على سؤال سأله من علم منه استقامة المنهج والمعتقد، وكان الحضور من أمثاله ممن لا يخشى عليهم أن يكون في هذا الكلام فتنة لهم، لكان جوابا طيبا جدا، وفائدة عزيزة اذ يريد تحذيرهم من الغلو في الشيخ أو نسبة العصمة اليه من حيث لا يشعرون، وما الى ذلك - مع أنه أمر خارج عن أصل السؤال نفسه. فلو كان حال المستفتي والوسط الذي يطلق فيه الكلام على هذا الحال، فلا بأس، وعلى الراغب من هؤلاء في البحث للاستزادة في فهم ما يقصده الشيخ، أن يبحث عن ذلك في مظانه، ولا يخشى عليه من الاغترار بقول المناوئين حينئذ.
ولكن الشيخ وضع الكلام هكذا على موقع يدخله كل أحد، دون بيان أو تفصيل، وكأن كل من سيقرأه ويطالعه هو من طلبة العلم الضابطين للمنهج والفهم، وهذا ليس بمتحقق، بل العكس هو الصحيح! فان كان الحال كذلك، ولا نعلم حال المستفتي تحقيقا، والكلام يوضع ليكون في متناول كل أحد، منضبطا كان أو منحرفا، فانه مما يؤخذ في نظري على الشيخ أن يتكلم به في هذا المقام ثم يقصر عن البيان منعا لوقوع الفتنة! المسألة مسألة ضبط لتوجيه الكلام أيها الأحبة، ليس أكثر، والا فكلنا نقول بأنه لا معصوم الا صاحب الوحي صلى الله عليه وسلم، وكل يؤخذ منه ويرد الا هو عليه السلام! ولكن من الذي يأخذ وماذا يأخذ وماذا يترك، ومن المخاطب بهذا الكلام وما أثره عليه، وقد ملأ الأفق دعاوى المبتدعة في كل مكان؟؟ أليس هذا ضابطا ضروريا عند اطلاق الكلام في تلك المسألة الحساسة ونحوها من المسائل والمقام مقام فتيا؟؟
أبا فهر تقول أن مجرد طلب بعض الاخوة لهذا التفصيل من الشيخ في كلامه عن الامام النجدي رحمه الله يدل على غلوهم فيه وهذا خطأ! فليس الأمر اليوم في شأن الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كما هو في أمر الامام مالك والامام الشافعي وغيرهما - رحم الله الجميع - ممن لا خلاف بين سائر طوائف الأمة المخالفة لمعتقد اهل السنة على امامتهم - عدا الرافضة ومن تفرع عنهم! فهؤلاء الأئمة وان كانوا أئمة سنة الا أنهم لا يتربص بهم اليوم للنيل من امامتهم أمثال من هم متربصون بدعوة الشيخ عبد الوهاب رحمه الله في كل مكان يتذرعون له بكل ذريعة!
فأنا أوافقك يا أبا فهر بكل قلبي وجوارجي في أنه رحمه الله لم يكن معصوما، وفي أنه بالجملة كانت له أخطاء قلت أو كثرت، كسائر الأئمة وأهل العلم رحمهم الله .. ولكن المسألة في نظري مسألة في باب فقه المفتي والمستفتي ومراعاة حال السائل، وهذه في نظري هي ما لم يوفق فيها الشيخ حاتم حفظه الله، والله أعلم.
ـ[محب الأدب]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 07:43]ـ
الحمد لله وحده ...
1 - التعبير بالمثلية هاهنا يا شيخ سليمان تعبير معيب جداً ....
والشيخ ما أساء فهم التكفير وإنما يرى في الكتابين تكفير غالٍ بالفعل وليس هذا رأيه وحده ...
(يُتْبَعُ)
(/)
وسواء أخطأ في هذا أم أصاب فلا يجوز بحال أن تحيل في مناقشته هذه الإحالة ولا أن تقول هو مثلهم ..
وليس هناك نقطة التقاء بينه وبين المناوئين ولا حتى في هذه النقطة، ولو كان .. فنقاط المفارقة أكبر وأكبر ..
واستعمال مثل هذا الأسلوب في المناقشات مع أهل السنة لا يليق بمريد الإصلاح ..
2 - هل جواب الشيخ حاتم كان جواباً تاماً مفيداً للسائل (؟؟)
لا بالطبع .. وأغلب ظني أنها كانت فكرة في نفسه فوجد لها متنفساً في هذا السائل .. وكان من الممكن أن يعرض فكرته في تضاعيف الجواب التام المفيد وهذا لم يحدث ..
3 - هل في كل ما قاله الشيخ عن الدعوة الإصلاحية حاتم خطأ علمي واحد (؟؟)
لا. وأرجو أن يريني أحد الفضلاء هذا الخطأ العلمي الواحد أكن له من الشاكرين.
4 - هل ليس هناك فائدة فيما ذُكر عن عدم عصمة الشيخ كما يقول الشيخ الحمادي (؟؟)
لا بالطبع بل الفائدة مهمة ومهمة جداً ...
وأصلُ ذلك أن الحكم بعدم العصمة لجميع الأئمة بلسان المقال هو قول غالب الأمة في كل زمان ومكان ..
ثم يقع في بعض الأمكنة والأزمنة .. تغير في هذا الحال يُعرف بالقرائن ..
كالذي تراه من واقع أهل الشام مع الشيخ الألباني ..
وكالذي تراه من واقع أهل مصر مع بعض دعاتهم ..
وكالذي تراه في كل زمان ومكان يعم فيه مذهب إمام معين ..
ومن حكمة الداعية والمصلح حينها أن يؤكد ويُكرر على عدم العصمة لأن الجميع وإن اعترفوا بها بلسان المقال، فأنت تجد في بعض أحوالهم ما يخالف هذا ..
وآية ذلك: قول القائل: اذكر لنا أخطاء الدعوة هذه (؟؟)
وقول القائل: هل في دعوة الشيخ للتوحيد أخطاء قليلة (؟؟!!)
يقصد: لا قليلة ولا كثيرة ..
ولا تصدر هذه الأسئلة إلا ممن وقر في قلبه من غير أن يشعر أن الشيخ لم يخطئ ..
وإلى هؤلاء قصد الشيخ بجوابه ..
وسواء أحكمنا بخطأ أو صواب هذه النظرة .. فيبقى أنها نظر واجتهاد من صاحبها يؤجر عليه يقيناً ..
ولا يليق أن يُقابل مثل هذا بهذا الجواب الانفعالي من الشيخ الخراشي .. ولولا انفعال الشيخ لما أحال على الرابط الذي أحال عليه .. ولما اعتذر عن إحالته بهذا الاعتذار الذي لا يساعده عليه لا واقع الحال ولا حتى ألفاظ العربية ..
5 - ولو أراد الإخوان هنا خطأ يوجهون إليه نقدهم .. فليوجهوا هذا النقد للشيخ الخراشي حيثُ جعل الثمرة العملية لمقال الشيخ حاتم هي تشكيك الناس في عقيدة التوحيد ..
وهذه من أعجب تعليقات الشيخ سليمان .. وهي أجنبية تماماً عن الشيخ حاتم ومقاله .. وكان الواجب من الشيخ الخراشي أن يؤيد الشيخ حاتم فيمن يجعل مجرد تخطئة الشيخ محمد مسوغاً للتبديع .. أما رده فهو رد يأبى حتى الموافقة على الحق .. والذي يخطئ الشيخ في مسألة في التوحيد لا يقصد بذلك تهوين البدع والشركيات لأن محل التخطئة عنده ليس ببدعة ولا شرك ..
مثال: من ذهب إلى أن الحلف بغير الله ليس شركاً؛لضعف الحديث .. وحكم بخطأ الشيخ في تلك المسألة .. هل نحكم عليه بأنه يهون من شأن الشرك (؟؟)
لا بالطبع.ولا يحكم بهذا إلا سقيم الفهم.
وهذا الذي قال بهذا وحكم بخطأ الشيخ .. مخطئ ولا شك -عندي-ولكنه متكلم في العلم على طرائق أهل العلم يؤجر أجر أهل العلم ..
ولو قال الشيخ الخراشي: إنما قصدتُ من يخطيء الشيخ؛بسوء نية ..
قلنا: ومن ذا الذي حشر أولئك هنا أو أدخلهم في صفنا نحن معاشر أهل السنة (؟؟)
أما النفسية التصنيفية التي أصابتها الوسوسة من كل تنبيه على خطأ أو تحذير من باطل ولو صدر من إمام=فلا تليق بنا جميعاً ..
كلام عميق ودقيق ... يستحق كاتبه الإجلال والإكبار
وفق الله الأخوة المتحاورين لكل خير
وأرانا جميعاً الحق حقاً ورزقنا اتباعه
والباطل باطلاً ورزقنا اجتنابه
آمين
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 09:15]ـ
الشيخ الفاضل عبد الله الحمادي، أنت حبيب وكذا الشيخ الخراشي والله يعلم، ولم يقل أحد أن لك رأياً معيناً .. وأرجو أن تسمع مني ..
1 - المختص بالشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة هو الزمان والمكان والسائل والمجيب والموقع نفسه وغالب رواده وبلد الجميع ..
2 - لم أقل أن كل سائل عن أخطاء الشيخ وعلماء الدعوة يُعد متعصباً فمنهم من يريد الجواب التفصيلي .. ولكن الغالب ليسوا كذلك .. فهذا السائل -غالباً-يسأل متحفزاً ينتظر الجواب؛كي يثثبت بالدليل القاطع أن ما عده الشريف العوني من أخطائهم ليس بخطأ .. وهؤلاء -غالباً-لا يستحضرون في أذهانهم ما يُمثلون له على أن الشيخ يخطئ ..
ومع ذلك دعنا نسأل: لو اعتقد الإنسان أن الشيخ محمد وعلماء الدعوة لم يخطئوا قط في مسائل التوحيد أصولاً وفروعاً .. وأخطأوا في غيرها .. هل يكون قائلاً بالعصمة (؟؟)
الجواب: لا بالطبع .. ليس هذا الاعتقاد هو مكمن الخطأ ..
مكمن الخطأ أن يقشعر جلدك وأن تصرخ طالباً الأمثلة إذا قال لك أحد أهل السنة إن للشيخ وعلماء الدعوة أخطاء ..
ليس لك أن تنفعل وتكتب هذا الذي كتبه الشيخ سليمان ولا أن تسأل عن خصيصة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالكلام عن العصمة كما فعل الشيخ الحمادي ..
بل الأمر سهل وقدِّر أن كل الأمثلة التي سيضربها الشريف العوني ليست أخطاء على الراجح ثم قل:
نعم أيها الشريف العوني للشيخ محمد وعلماء الدعوة أخطاء ولكنا نعتقد أنه ليس منها في أبواب التوحيد شئ،فإن كنت ترى هذا فهذا اجتهادك الذي تؤجر عليه، ولكنا دعنا نضع أمثلة هذه الأخطاء على بساط البحث علك تهتدي إلى صواب قولنا .. ووللشريف العوني حينها ألا يجيببك إلى هذا وأن يؤجله إلى مجال أرحب .. بس خلاص.
هذا هو ما ينبغي أن يقع بين أهل السنة لا غيره ..
تنبيه: السؤال بين في أن مجال الأخطاء هو الغلو في بعض أبواب التكفير .. فهم هذا السائل وفهمه عنه الشيخ .. وتكلم على أن الجميع فهموه ..
هل فهم الشيخ عن سائله وعن الجميع صواب أم لا (؟؟)
هل هناك بالفعل غلو أم لا (؟؟)
هذه أسئلة توضع محل البحث بهدوء .. بعيداً عن المناوئين ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[بحر القلزم]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 12:28]ـ
قال الشيخ سليمان وفقه الله: [قولك: (فالخطأ يقع عند دعاتها في تقرير المسائل). ليتك تذكر مسألة من هذه المسائل من كتب الشيخ - رحمه الله -؛ ليكون النقد بعيدًا عن الإنشائية، والاتهامات المجردة].
يا قوم لماذا الحيدة؟ الشيخ سليمان يطالبكم بمثال واحد فقط! أفعجزتم عنه؟! إن كان الأمر كذلك فهلا واحد منكم تبلغ به الشجاعة أن يخطيء أخانا وحبيبنا الدكتور حاتما أو يطالبه بمثال واحد فقط على ما قاله، فوالله إننا لنحب حاتما، ولكن الحق أحب إلينا منه!!
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 12:35]ـ
الإخوة الكرام جميعًا: بارك الله فيكم وفي إضافاتكم. ولعل الشيخ الحمادي قال ما أريد قوله.
لكن لفائدة الأخ عدنان بخاري - وفقه الله - الذي قال لي:
(لا يلزم الشيخ حاتم ولا غيره الرد على كل تعقيب) .. فالشيخ الطريري - وفقه الله - هاتفني، وأخبرني أن تعقيبي سيُعرض على د حاتم؛ ليُعقب عليه. فلا إلزام مني - رعاك الله -، بل وعد منهم.
- ومن باب المزاح أقول عن الإخوة المعترضين (خاصة أبافهر!):
انتبهوا إخواني الكرام واحذروا من مقالات أبي فهر؛ لأنه غير معصوم، وإن كان صوابه أكثر من خطئه!، واحذروا ادعاء العصمة له، حتى وإن لم تقولوا هذا بألسنتكم، فمن المؤكد أنكم تعتقدون هذا في سركم!
فاتقوا الله .. عباد الله .. فديننا لا عصمة فيه لغير الموحى إليه، لا أبوفهر ولا غيره!
ولاتطلبوا مني أمثلة على أخطائه، فهي معروفة معلومة، يعلمها الجن والإنس ..
ـ[الحمادي]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 12:59]ـ
الأخ الكريم أبو فهر وفقه الله وبارك فيه
لم ألحظ في مشاركتك الأخيرة ما يستوجب مزيداً من المناقشة، فقد سبق ما يناسب جواباً عنها
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 02:11]ـ
/// دعونا نخرج بخلاصة من هذا الأخذ والرَّدِّ: ماذا نخرج من الضجَّة المثارة حول مقال الشيخ حاتم؟
/// بسؤالٍ: انتقاد من انتقد الشيخ حاتم في ذاك المقال كان لم؟ هل كان لأجل إجمال جوابه وعدم بيانه؟
/// فقد تقدَّم أنَّ البيان والإجمال محلُّ وجهة نظر وحكمةٍ من المفتي إلى حال السَّائل أوالقرَّاء للموقع.
/// وقد يُخالف الشيخ في هذه النظرة.
/// وهي وجهة نظر -دون تعصُّبٍ-؛ لكنِّها لا تستحقُّ كلَّ هذه الضَّجَّة المثارة! ودخول بعض من يطعن ويحاول ربط الأمور بنظريات مؤامرة وخرافاتٍ لا توجد إلا في ذهنه!
/// خرجنا من هذه .. !
/// أم هل كان الانتقاد لأجل كلامه في العقيدة وهي ليست تخصُّصًا له؟
/// فقد تقدَّم في تعقيبٍ سابقٍ أنَّ المسألة ليست عقديَّة بقدر ما تكون بيانًا للمنهج، وأنَّ السائل -ويبدو أنَّه عامُّيٌّ في هذا الباب وإلَّا لم سأل- ينبغي توجيهه إلى أنَّ المدرسة الإصلاحيَّة النجديَّة لا يدِّعي أتباعها والمحبُّون لها العصمة، بل مازالوا مختلفين في قضايا هي محلُّ بحث وأخذ وردٍّ بينهم.
/// خرجنا من هذه أيضًا ..
/// أم هل الانتقاد لأجل محاولة التشكيك في دعوة الشيخ محمد أوالحطِّ منها، كما يلحظ من إشارات كلام بعض الإخوة، والظنِّ بتوهُّم ووسوسة أنَّ الشيخ قد نكص على عقيبه وصار مناوئًا لدعوة التوحيد!
/// لا أظنُّ أنَّ ثَمَّة من يقول بها وهو يعقل ما يقول، فضلًا أن يصرف لأجله الوقت في المناقشة.
/// فماذا بقي إذن؟
/// سيظلُّ نقاش العقلاء من الإخوة حول قضيَّةٍ واحدة في وجهة نظري: هل كان الشيخ حاتم مصيبًا في طريقة ولغة جوابه عن الفتوى أم مخطئًا؟
/// وفي كلا الأمرين .. فهما وجهتا نظرٍ قد تقدَّم الكلام عن وجاهة القائلين بهما، ولكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها ..
ـ[ابو عمر السلفي]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 05:28]ـ
ولولا ذلك لذهبت أدراج الرياح كما ذهبت من قبل وقد تكتبت بأيد أشد وفهوم أحد ..
ستذهب والذي لا اله إلا هو كما ذهبت غيرها
فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد نفت عن نفسها الخبث (المناوئين أو المتلبسين) بإتباعها للسلف ونصرتها للأصل الأول في هذا الدين الحنيف ولا عزاء للجاهلين.
ـ[الحمادي]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 06:27]ـ
بارك الله في الأحباب جميعاً
وغنيٌ عن القول أنَّ ما مضى من نقدي لما ذكره الشيخ حاتم لا يعني اتهامَه أو الحطَّ من مكانته
فمكانته محفوظة، ومحبته في الله قربة، ولولا إحسان الظن به لكان الرد مغايراً
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 09:22]ـ
/// أحب أن أضيف إضافةٍ أيضًا .. وهي أنَّ دفاعنا عن الشيخ حاتم في هذه المسألة أوغيرها ليس تعصُّبًا له ولا لآرائه، بل دفاعًا عن وجهة نظرٍ لرجلٍ له وزنٌ في مجال العلم والدعوة، رضي من رضي، وأبى من أبى.
/// فالرجل له صيت، ونفعه ظاهرٌ بيِّنٌ، وأسأل الله أن يثبِّته على الحقِّ ويرزقه الإخلاص والمتابعة للسُّنَّة -وهو من دعاتها- فيه دومًا.
/// أمَّا التعصُّب له فأعوذ بالله منه، ومن ذا يقبل أن يكون تابعًا لغيره -مهما بلغ من العلم والفضل- متعصِّبًا له في كل فكر أوقولٍ له، ذيلًا مردِّدًا لصوابه وخطئه =إلَّا قاصر العقل والفهم والعلم؟
/// وما عرفت يومًا أنَّ الشيخ نفسه يرضى أن يكون له تبعٌ يقلِّدونه بعمًى ويتعصَّبون له مطلقًا؟ إذن لضرُّوه أكثر ممَّا نفعوه.
/// وليس ذا له اختصاصٌّ بالشيخ حاتم -وفَّقه الله- بل هو مثالٌ يحتذى مع غيره أيضًا ممَّن قد يناوئه أو يخالفه لطلب حقٍّ أودفاعٍ عنه (من أهل الفضل).
/// وتبقى معاناة الخلاف في الرأي بين أهل العلم والفضل مع مثلهم أو ممَّن دونهم في كل شيءٍ يسوغ الخلاف فيه مجالًا ينضح بشتَّى الاتجاهات، ما بين حاسدٍ متربِّص، ومحبٍّ عاتبٍ، وجاهل مستفهم حائر، و .. عاذر، ٍ مدركٍ لذلك كلِّه.
/// ومرَّةً أخرى .. فنقاش بعض الإخوة -مع اختلاف المقاصد- لآراء الشيخ -أوغيره- يدلُّ على مكانةٍ له في السَّاحة، وإلَّا لأُهْمِل كلامه كما يُهْمَل قول كثيرٍ من الرُّويبضة الذين قد يسعفهم الوقت أوالحال بين فينة وأخرى بالظهور على أكتاف الآخرين ولو بباطل أوعدوان وبغي أوسوء طويَّة.
/// أصلح الله منَّا القلوب والأحوال، ورزقنا الفهم والإنصاف وطلب الحقِّ، دون مجاملة ولا مداهنة ولا عداون.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 09:50]ـ
///بارك الله فيكم ياشيخ عدنان
///ومشكلة البعض هو استبطان الموقف المخالف من الغير دون النظر في الرأي الذي يحتاج إلى نقاش ومدارسة، بتجرد علمي.
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 01:11]ـ
مثال: من ذهب إلى أن الحلف بغير الله ليس شركاً؛لضعف الحديث .. وحكم بخطأ الشيخ في تلك المسألة .. هل نحكم عليه بأنه يهون من شأن الشرك (؟؟) ....
/// بارك الله فيكم يا أبافهر .. مثَّلت بمسألةٍ محلَّ خلاف (في الشِّرك الأصغر) وأمره أهون، كيف لو ضربتُ لكم مثالًا في الخلاف بين أتباع الدعوة الوهَّابيَّة -كما توصف- في مسألةٍ هي من الشِّرك الأكبر عند الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب كما يتبيَّن من كلامه، وكذا عند بعض أتباع المدرسة، وليست كذلك بل ذريعة إلى الشِّرك -وبس- عند آخرين.
ألا وهي مسألة طلب الدعاء من الأموات.
/// إليكم في هذا الرَّابط نقاش قديم في المسألة قبل سنين:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16527
/// وأنا أسأل ههنا من خطَّأ الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب في قوله بالشِّركيَّة الصغرى في الحلف بغير الله، أوغلَّطه في قوله بالكبرى في سؤال الدعاء من الأموات هل يكون مناوئًا للشيخ، ولو كان من بعض أتباعه وأصحاب مدرسته.
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 01:33]ـ
/// وفي موقع "الإسلام اليوم" ذكر كثيرٌ من المعقبين أمثلةً مستفيضة فيما طُلِب من مسائل التكفير في الولاء والبراء وغيرها.
/// وأحبُّ الإشارة إلى مسألة التخصُّص التي أخذت على الشَّيخ وعدم التزامه بالكلام في علم الحديث، فنعم .. لو فُهِم التَّخصُّص على أنَّه لا يسمح لأحدٍ أن يلمَّ بشيءٍ من العلوم الضَّروريَّة الأخرى كالعقيدة والفقه، وفهم الكتاب والسُّنَّة ...
/// ونعم .. لو كان الشَّيخ قد تكلَّم في غير تخصُّصه ههنا فأخطأ، لكن أين الخطأ؟ وقد تقدَّم تجلية خلاصة الضجَّة المثارة.
/// ثمَّ الحكمة ضالَّة المؤمن، فلم لا تحاكمونه إلى قوله دون النَّظر إلى تخصُّصه، أخطأ في الكلام في غير التخصُّص أم في الكلام في المسألة؟
/// وأيضًا .. لِمَ يُباح لبعض النَّاس الكلام والنقد للناس في كلِّ شيءٍ في مسائل من الفقه والعقيدة وغيرهما، ويمنع غيره من الكلام في قضيَّة لا ينبغي أنْ تفوت طالب علم فضلًا عن متخصِّص في علم الحديث، وهي معرفة العقيدة والمنهج الصَّحيح لدعاتها.
/// هناك أمورٌ ينبغي تجليتها، بعيدًا عن التشنُّج والعصبيَّة.
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 02:23]ـ
الأخ الكريم: عدنان:
كنتُ أتمنى أن تكتفي بتعقيب أو اثنين أو ثلاثة!
لكن يظهر أن هذه المسألة تهمك، فلا بد من كشفها بوضوح، خشية أن تنتهي بتشويش.
- تقول - أصلحك الله -:
(وفي موقع "الإسلام اليوم" ذكر كثيرٌ من المعقبين أمثلةً مستفيضة فيما طُلِب من مسائل التكفير في الولاء والبراء وغيرها)!!
رجعتُ لهذه الأمثلة المزعومة؛ فوجدتها مجرد تهويل، مناسب أن يردده عامي أو غبي أو مبتدع، لكنه لا يليق - أبدًا - بطالب علم يعي مسائل التكفير وضوابطه، ولغة العلماء فيه.
وهي (أي الأمثلة) - بالمناسبة - مستلة بنصها من كتاب الزيدي حسن المالكي! (يُقال أيضًا إن من كتبها ليس هو بل غيره من المنتكسين! " ظلمات بعضها فوق بعض ").
وقد أجبتُ عنها " كلها " في كتابي " ثناء العلماء على كتاب الدرر .. " في الرابط السابق. وأعيده هنا - لطلبة العلم فقط -:
http://www.saaid.net/book/9/2272.zip
فأنت بين أمرين:
1 - إما أن لايكون عندك علم بهذه المسائل "؛ فشفاء هذا أن تسأل العلماء، وتربأ بنفسك أن تكون مجرد صدىً للمالكي وأمثاله.
2 - وإما أن تُصر على رأيك بأن في دعوة الشيخ " غلوًا في التكفير "! فيلزمك أن تبين لنا هذا من كتب الشيخ، بأنه قال كذا في كتاب كذا، أو كفر من يقول كذا، أو يفعل كذا .. وهذا غلو في التكفير؛ لدليل كذا وكذا من الشرع.
وأنا مستعد للدخول معك أو غيرك في نقاش؛ لعلنا نستفيد. (مع علمي بترقب عيون أهل البدعة ولاعقي تراب القبور لمثل هذه النقاشات التي يأملون أن تفرمل من انطلاقة دعوة التوحيد، ولكن لابد من مثل هذا النقاش المجلي لما في صدور من قال الله عن من شابههم " وفيكم سماعون لهم ").
(يُتْبَعُ)
(/)
- مع تذكيرك وغيرك من الفضلاء (خاصة ممن يعيشون في بلاد تظهر فيها مشاهد الشرك والبدعة)، أن يجدُّوا في نشر عقيدة التوحيد، ومكافحة تلك المظاهر بمختلف الجهود، والانشغال بما فيه نفع البلاد والعباد.
وفقكم الله ..
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 02:36]ـ
/// الأخ الكريم سليمان الخراشي .. وفقك ربي .. أربأ بك أن تواصل الاستعجال في اتهام من خالفك بتهمٍ جاهزةٍ قبل عقل كلامه جيدًا.
/// وأنصحك بمثل نصحك أن تتمهَّل في إنزال الردود والهجمات على إخوانك من أتباع منهج السَّلف، وأن تمضي على طريقة طلبة العلم بعرض تلك الردود على أهل العلم؛ حتى يحصل الشفاء، قبل إثارة الضَّجَّة وإشغال الناس من لا شيء!، ممَّا يكون له أثر في (فرملة) الدعوة إلى التوحيد، وفرجة للخارجين والمناوئين.
/// وليكن في علمك أنِّي لا أعرف كتاب حسن المالكي ولم أره بعيني، ولا أدري عن أي شيءٍ تتكلَّم؟! يبدو أنَّك تتخيَّل في مقالي شيئًا لم أكتبه ولم أرده.
/// إذ أريد أن أفهم: هل قرأت تعقيباتي كلَّها حتى تلمِّح باتهامي، هل قلتُ إنَّ مشايخ الدعوة فيهم غلو في التكفير؟ هكذا بإطلاق!
/// وأربأ بك أن تستلَّ من تعقيباتي ما تريد وتردَّ عليه بنفسٍ لا يخلو من تهمة جاهزة مبنيَّة على سوء ظنٍّ، كما هو شأن بعض الناس.
/// وأذكِّرك أيضًا أنَّ ثَمَّة استشكالات لبعض كلامٍ لك في موضوع الدكتور السَّعيدي أعرضْتَ عن الجواب عنها، ممَّا يماثل ما عتبت عليه الدكتور حاتم، واستحببت له التواضع أوالتراجع، فهل تتواضع أوتتراجع وتجيب عن استشكالاتي بارك الله فيكم.
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=16734
/// ثم أتمنى أن ترضى لنفسك ما ترضاه لغيرك، واهتمامي بهذا الموضوع وغيره شأنٌ لي لا أدري ما همَّك فيه؟! فهل أقلب عليك السؤال لأعرف ما همَّك في هذا الموضوع أيضًا، وحاتم الشريف وفلان وفلان؟!
/// وقد أطرفْتَ والله كثيرًا عند ذكر مشاهد الشرك والبدعة الظاهرة في البلاد التي أعيش فيها!، فهل بيَّنت لي ما تقصد حتى أفهم مرادك يقينًا.
/// أعانكم الله.
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 01:48]ـ
الأخ الكريم: عدنان: بورك فيك. وهذا الظن بك.
ـ[ابن رشد]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 03:43]ـ
اللهم ألف بين قلوب طلبة العلم
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 10:20]ـ
/// وفيك بورك يا أخي الكريم، وجزاك خيرًا على حسن ظنِّك.
/// تم إغلاق الموضوع بناء على طلب صاحبه الأخ الكريم سليمان الخراشي وفقه الله، في رسالةٍ خاصة بعثها إليَّ.
/// والحمدلله رب العالمين.(/)
تعقيب من شيخِنا الفَوزان على حماد السالميّ: ما معنى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
ـ[سلمان أبو زيد]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 07:41]ـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ما معنى: ? لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ?
قرأتُ للكاتب: حماد السالميّ مقالا في جريدة الجزيرة في العدد الصادر يوم الأحد 11/ 6/1429هـ بعنوان: (من مكة عبد الله أسمعها) ساق فيه الكاتب مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين: الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه اللَّهُ ـ ومما قاله في آخر ما كتب:
أولاً: نحن إذن أمام رؤية حضارية جديدة تبلورت صورتها في مكة ونأت بالدين الإسلامي أن يكون وسيلة للتخاصم والعدوان والاستعداء: ? لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ? [الكافرون: 6]
والملاحظ على هذه الجملة:
1ـ قوله: (نحن إذن أمام رؤية حضارية جديدة تبلورت صورتها من مكة)
نقول للكاتب: هذه الرؤية ليست جديدة وإنما هي رؤية الإسلام ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً. فالملك ـ حَفِظَهُ اللَّهُ ـ إنما نادى باسم الإسلام الذي جاء به مُحَمَّدٌ ـ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم ـ منذ أربعة عشر قرنا وزيادة.
2 ـ قوله: (ونأت بالدين الإسلامي أن يكون وسيلة للتخاصم والعدوان والاستعداء)
ونقول للكاتب: التخاصم طبيعة البشر كما قال تعالى: ? وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ? [هود: 118ـ119] فلا يسلم من التخاصم إلا من رحمه الله بإتباع الأنبياء والتمسك بالدين الصحيح. ولا بد من مخاصمة المخالفين للرسل بدعوتهم إلى الحق ورد شبهاتهم قال تعالى: ? وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ? [النحل: 125] قال تعالى: ? فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ? [الفرقان: 52] أي جادلهم بالحجج القرآنية والبراهين الربانية أعظم الجهاد وأكبره ? لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ? [الأنفال: 42] وليس ذلك من العدوان وإنما هو من الدعوة إلى الله لصالح المخالف ليرجع إلى الحق.
3ـ قوله تعالى: ? لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ? [الكافرون: 6] إنما تقال للكفار إذا رفضوا قبول الحق ودعونا إلى إتباعهم فحينئذ نتمسك بديننا ونتبرأ من دينهم. وليس معنى ? لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ? أننا نتركهم على كفرهم دون أن ندعوهم إلى الحق لإخراجهم من الظلمات إلى النور ونجاهدهم إذا تطلب الأمر جهادهم لكف عدوانهم على الإسلام والمسلمين كما قال تعالى: ? وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ? [البقرة 217] فهذا الدين قام على الدعوة والجهاد كما قال تعالى: ? وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [آل عمران: 104]
فلا يجوز للمسلمين ترك البشرية تعيش في ضلالها وعند المسلمين الهدى والنور قال تعالى: ? كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ? [آل عمران: 110] فهذه الأمة مكلفة بدعوة غيرها من الأمم لإخراجها من الظلمات إلى النور قال تعالى: ? كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ? [إبراهيم: 1]
ثانيًا: ثم قال الكاتب: (وإذا أردنا أن نثبت مصداقيتنا في ترجمة شفافة لهذه الصورة الجميلة التي رسمناها بأنفسنا في مواجهة بقية أصحاب الديانات الأخرى فينبغي أن نعمد فوراً إلى تربية أسرية وشعبية خالية من كل شوائب الماضي الذي ينضح بالكراهية ويحرض على العداء ويعمم التخلف ويسوق الطالبانية الظلامية من طرق عدة في بلدنا هذا وفي كثير من بلدان المسلمين)
والملاحظ على هذا المقطع من كلام الكاتب:
(يُتْبَعُ)
(/)
1ـ أن الصورة الجميلة لم نرسمها نحن وإنما رسمها لنا ديننا منذ أنزله الله على رسوله ـ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم ـ فما علينا إلا إتباع ما جاء به ديننا لأنه دين كامل كما وصفه الله تعالى بقوله: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ? [المائدة: 3] وبين لنا ربنا في هذا الدين الكامل كيف نواجه أصحاب الديانات الأخرى وذلك بالدعوة ونشر الخير وكف العدوان.
2 ـ قوله: (نعمد فوراً إلى تربية خالية من كل شوائب الماضي الذي ينضح بالكراهية ويحرض على العداء) .. إلخ ما قال.
نقول له:
1 ـ ماضي المسلمين وحاضرهم (والحمد لله) ليس فيه شوائب ما دام مستمداً من كتاب الله وسنة رسوله وما عليه سلف الأمة وأئمتها بل هو طريق مستقيم أمرنا الله بإتباعه والسير عليه فقال سبحانه: ? وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ? [الأنعام 153] فهو دين خالص من الشوائب.
2 ـ ديننا لا ينضح بالكراهية إلا لمن يكرهه الله ورسوله من الكفار والمنافقين فنحن نكره من يكرههم الله ورسوله ونحب من يحبهم الله ورسوله قال تعالى: ? لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [المجادلة: 22]
والولاء والبراء في الله أصل من أصول عقيدتنا لن نتخلى عنه.
3 ـ قوله عن ماضينا أنه يعمم التخلف ويسوق الظلامية من طرق عدة في بلدنا هذا.
نقول له: ماضينا والحمد لله السائر على الكتاب والسنة يعمم التقدم والرقي وبلدنا هذا ولله الحمد بلاد العقيدة السليمة والأمن والاستقرار والحكم بالشريعة التي أنزلها الله.
ثالثًا: قال: (ينبغي أن نستبدل ثقافة التسامح بثقافة التصادم).
نقول له: التسامح يكون في حدود ما شرعه الله من الأحكام الشرعية ولا يكون بالتنازل عن شيء من ديننا لإرضاء الآخرين فذلك هو المداهنة المحرمة بالكتاب والسنة وليس من التسامح.
رابعًا: قال: (وأن نعيد ترتيب البيت الإسلامي في المجتمع الإسلامي من خلال تعليم محايد).
نقول له: ترتيب البيت الإسلامي يكون بالرجوع إلى الكتاب والسنة والاعتقاد السليم وهذا ما يقوم عليه التعليم عندنا ولله الحمد من خلال ما نَدْرسه ونُدَرِسه من كتب العقيدة المقررة في مدارسنا ومساجدنا وهي عقيدة تحارب الشركيات والمبتدعات وتحث على اجتماع الكلمة على الحق ومنهج الكتاب والسنة ونحن لا ندعو الناس إلى أن يتبعونا أو يتبعوا فلانًا وعلانًا وإنما ندعوهم إلى إتباع الكِتَاب والسُّنَّة وما كان عليه سلف الأمة وهذا هو التعليم المحايد الذي لا انحياز فيه وهو كلمة سواء بيننا وبين المخالف: ? قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ? [آل عمران: 64].
وأخيرًا، أَسألُ اللَّهَ لِي وللكَاتبِ: حماد السالميّ التَّوفيق لما فيه الخير والصَّلاح.
وصلى اللَّهُ وسلَّم على نبينا محمَّد وآله وصحبه.
كتبه:
صَالِح بن فَوْزَانَ الفَوْزَان
عضو هيئة كبار العلماء
12/ 6/1429 هـ
ـ[سلمان أبو زيد]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 07:46]ـ
المصدر: الموقع الرّسمي لِشيخِنا صَالِحٍ الفَوْزَان.
( http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/MyNews/tabid/87/Default.aspx?more=454&new_id=122)
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 11:33]ـ
جزاك الله خيراً أخي الكريم سلمان، ونفع الله بالشيخ الفوزان وبجهاده، آمين ...
لكن، أين أنت؟!!، حفظك المولى ووفقك ...
ـ[روعة الخاطر]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 05:15]ـ
جزاك الله خير شيخنا الفاضل واعانك في الجهاد من اجل الكلمة الحق
ـ[أسماء]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 05:36]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله عنا كل خير على هذا النقل القيم
ـ[محمدالعدناني]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 06:31]ـ
[ثالثًا: قال: (ينبغي أن نستبدل ثقافة التسامح بثقافة التصادم).
نقول له: التسامح يكون في حدود ما شرعه الله من الأحكام الشرعية ولا يكون بالتنازل عن شيء من ديننا لإرضاء الآخرين فذلك هو المداهنة المحرمة بالكتاب والسنة وليس من التسامح. [/ color][/CENTER]
يظهر لي أن الجملةالصحيحة:
ثالثا قال: ينبغي أن نستبدل ثقافة التصادم بثقافة التسامح ...
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سلمان أبو زيد]ــــــــ[23 - Jun-2008, مساء 06:28]ـ
الإخوان الفضلاء:
شَكَرَ اللَّهُ لكم مروركم،وتشريفكم.
الأخ المكرَّم / فَريد المراديّ ـ حفظه اللَّهُ تَعَالَى ـ:
جزاكم اللَّهُ خيرًا،
وأقول جوابًا على تساؤلكُم:
أنَا مَشغولٌ ولكن لا يكاد يوم إلا وأتابع مقلات المشايخ والأحباب.
وأتمنى أن أتفرغ أكثر لأستفيد منكم ومن ملحوظاتكم على ما أنشر وأكتب.
وأنا أتهيأ لمتابعة دورة جامع شيخ الإسلام ... وخاصة دروس شَيخِنا ابنِ جِبرينٍ وشَيخِنا البَرَّاك وشَيخِنا الرَّاجِحيِّ.
أسألُ اللَّه تعالى التَّوفيق وإخلاص النِّية،إنَّهُ كريمٌ مجيبٌ.
أخُوكُم المُحِبّ
سَلْمَانُ بْنُ عَبْدِ القَادِِرِ أَبُو زَيْدٍ
عَفَا اللَّهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ،آمِين.
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[25 - Jun-2008, مساء 11:27]ـ
الأخ المحترم / سلمان أبو زيد - وفقه المولى -:
أنعم به شغلاً؛ الاشتغال بالعلم والحضور عند المشايخ، ويعلم الله أننا نستفيد كثيراً من مواضيعكم ومشاركاتكم ...
أعانكم الله وزادكم توفيقاً وسداداً، واسلم لمحبك ...
ـ[أبو محمد العائذي]ــــــــ[26 - Jun-2008, صباحاً 12:15]ـ
باركَ اللّهُ فيكَ ياسَلْمَانَ بْنُ عَبْدِ القَادِِرِ أَبُو زَيْدٍ
وَجزى اللّهُ شَيخنَا صَالِحَ الفَوزانَ خَيرَ الجَزاء.
ـ[سلمان أبو زيد]ــــــــ[12 - Jul-2008, مساء 02:16]ـ
الأَخ الحَبِيب / أَبَا مُحَمَّدٍ العَائذيّ:
جَزَاكُم اللَّهُ خَيرًا،وباركَ فِيْكُم.
ـ[جولدن توربان]ــــــــ[15 - Jul-2008, صباحاً 08:45]ـ
ثانيًا: ثم قال الكاتب: ( ...... شوائب الماضي الذي ينضح بالكراهية ويحرض على العداء ويعمم التخلف ويسوق الطالبانية الظلامية من طرق عدة في بلدنا هذا وفي كثير من بلدان المسلمين)
لفت نظري عدم تعليق الشيخ الفوزان - حفظه الله - على هذه الكلمة الضبابية الظلامية للمدعو حمَّاد في حق طالبان .... فهل سقطتْ سهواً من الشيخ؟ وهل حقا طالبان ظلامية؟ ماذا ترى أنت يا أخ سلمان أبو زيد؟
ـ[أبو عائشة المغربي]ــــــــ[20 - Jul-2008, صباحاً 04:16]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزى الله شيخنا الفوزان على هذا الرد الطيب، لكن وددت لو الشيخ حفظه الله تعالى علق على كلمة خادم الحرمين في افتتاح حوار الاديان، وخاصة ما ذكره من ان سبب التباعد هو تعصب اهل كل دين لدينهم،واعتقاد ان ما عليه هم هو الحق.
وفي انتظار تعليق شيخنا الفوزان أرجو من الإخوة هنا التعليق، مع التجرد للحق وعدم الخوف في الله لومة لائم، وهذا الظن بهذا الملتقى وأهله.
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[20 - Jul-2008, صباحاً 04:20]ـ
لفت نظري عدم تعليق الشيخ الفوزان - حفظه الله - على هذه الكلمة الضبابية الظلامية للمدعو حمَّاد في حق طالبان .... فهل سقطتْ سهواً من الشيخ؟ وهل حقا طالبان ظلامية؟ ماذا ترى أنت يا أخ سلمان أبو زيد؟
سبحان الله وبحمده،، سبحان الله العظيم ,,
يا حلم الله على خلقه!!!!
ـ[سلمان أبو زيد]ــــــــ[12 - Oct-2008, مساء 04:46]ـ
جزاكم اللَّهُ خيرًا.(/)
سلسلة حلقات ردّ الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 04:00]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الأولى
أيها الإخوة السلام عليكم ورحمة الله
وقفتُ على مقال منشور في هذا الموقع الطيب (الألوكة) بعنوان ((فك الشفرة الجزائرية وفتح الأيقونة الباريسية)) كتبه محمد المبارك. وهذا المقال منشور في كثير من المواقع الإسلامية، والغرض منه الحديث عن شخصية الأمير عبد القادر الجزائري، ولكن بطريقة ومضمون لم يسبق إليهما، وطبعًا لا يُقرُّ عليهما!
وقبل أن أبدأ بالرد على مغالطات صاحب المقال، أود أن أبدأ بمسألة ذكَرَها صاحب المقال معتمدًا عليها؛ ويذكرها بعضُ من خاض في عرض الأمير عبد القادر ويظنون أنها ثابتة أو صحيحة ويبنون عليها أحكامهم، ويبالغ بعضهم كاذبًا فيقول إنها متواترة!! ويحاول البعض أن يدلّس على الناس فيوهمهم أنّ بعض علماء الحديث الكبار في عصرنا هذا؛ قد أثبتها!!
وهذه المسألة هي ما رواه عبد الرحمن الوكيل في المقدمة التي كتبها لكتاب الإمام برهان الدين البقاعي رحمه الله (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) نقلاً عن الصفحة الأولى من نسخة الشيخ محمد نصيف الذي أهدى هذا الكتاب إلى الشيخ محمد حامد الفقي ليطبعه حيث قال: وقد كتب الشيخ الجليل محمد نصيف على نسخته ما يأتي: "أقول أنا محمد نصيف بن حسين بن عمر نصيف: سألت السائح التركي ولي هاشم عند عودته من الحج في محرم سنة 1355هـ عن سبب عدم وجود ما صنفه العلماء في الرد على ابن عربي، وأهل نحلته الحلولية والاتحادية من المتصوفة؟ فقال: قد سعى الأمير السيد عبد القادر الجزائري بجمعها كلها بالشراء والهبة، وطالعها كلها، ثم أحرقها بالنار، وقد ألف الأمير عبد القادر كتاباً في التصوف على طريقة ابن عربي. صرّح فيه بما كان يلوّح ابن عربي، خوفاً من سيف الشرع الذي صرع قبله:" أبو الحسين الحلاج "، وقد طبع كتابه بمصر في ثلاث مجلدات، وسماه المواقف في الواعظ والإرشاد، وطبع وقفاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله".انتهى [ص14]
وأقول: إذا كان ما رواه الوكيل عن الشيخ محمد نصيف صحيحًا، فإننا مع احترامنا للشيخ محمد نصيف ولمنزلته، لا يمكن أن نقبل هذا الكلام لأنه كلام غير مقبول أبداً وليس علمياً ولا منطقياً!! والذين يقبلونه هكذا على علاّته عندهم مشكلة ولا ريب، ونحن مسلمون نكتب في منتدى أهل الحديث، فيجب علينا أن نقتفي طريقة أهل الحديث في قبول الروايات وردّها، فما بالك برواية عجيبة كهذه؟!
أوّلاً ـ لماذا لم يترجم الشيخ نصيف لشخصية السائح التركي ولي هاشم؟ من هو، وما منزلته العلمية، ومتى ولد، وما عمله واختصاصه، وعَمَّن تلقى تلك الرواية عن الأمير؟ أسئلة كثيرة يجب أن تُعرف قبل القبول برواية شخص مجهول الحال!
ثانياً ـ من المعروف أن الشيخ محمد نصيف من أشهر أصحاب المكتبات في مدينة جُدّة والمهتمّين بالكتب، فما حاجته إلى سؤال أحد السّائحين الأتراك عن تلك الكتب؟ وهل ذلك التركي أعلم بالكتب والمخطوطات من الشيخ نصيف؟ وقد ذكر عبد الرحمن وكيل ص13 أنّ السيد أحمد زكي أهدى صورة مخطوط (تنبيه الغبي) للشيخ محمد نصيف سنة (1352هـ) أي قبل اجتماعه بالسائح التركي بثلاث سنوات!! إذن عمَّ كان يسأله والكتاب عنده؟!
ثالثاً ـ إنّ سؤال الشيخ نصيف غريب، فما هي الكتب التي صُنّفت في الرد على ابن عربي؟ نحن لم نسمع أو نقرأ عن كتاب صنّف لأجل الرّد على ابن عربي غير كتاب الإمام البقاعي (تنبيه الغبي)، فلماذا لم يذكر لنا الكتب المفقودة التي صنّفت في الرد على ابن عربي؟ وجواب السائح التركي أغرب منه فقد زعم أنّ الأمير اشترى جميع (انتبه جميع) تلك الكتب والمخطوطات وأحرقها!!
ونحن نرى أنّ كتاب البقاعي كان موجوداً عند الشيخ نصيف وقد طُبع! إذن فالمخطوط لم يُحرق والحمد لله، وكذلك كتب التراجم التي ترجمت لابن عربي وانتقدته، مثل (ميزان الاعتدال) و (لسان الميزان) و (سير أعلام النبلاء) و (العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين) وغيرها من الكتب كلّها موجودة ومطبوعة، إذن فمخطوطاتها لم تحرق والحمد لله، فعن أي كتب يسأل الشيخ نصيف؟ وأيّ جواب هذا الذي افتراه السائح التركي؟!!
(يُتْبَعُ)
(/)
رابعاً ـ إنّ الأمير عبد القادر توفي سنة (1300هـ)!، والشيخ نصيف من مواليد (1302هـ)! () أي بعد وفاة الأمير بسنتين، والسائح التركي لا نعرف من هو ولا تاريخ مولده، ولكنّ اللقاء جرى بينه وبين الشيخ نصيف سنة (1355هـ)!!! أي بعد وفاة الأمير بخمس وخمسين سنة! فمن أين لهذا السائح التركي تلك المعلومات؟ شراء جميع تلك المخطوطات أو استيهابها ثمّ الاطلاع على ما فيها وبعد ذلك إحراقها!!
إنّ واحدة من تلك المعلومات تحتاج من راويها أن يكون معاصراً للأمير ومخالطاً له ومطلعاً على أعماله واتصالاته، فما بالها غابت عن كل من خالط الأمير واجتمع به وعاش معه من العلماء والوجهاء والأدباء والأعيان الذين ترجموا له وكتبوا عن سيرته، وظفر بها السائح التركي المجهول والذي يفتقر إلى كل تلك الصفات؟!
خامساً ـ إن حادثة مثل هذه (إحراق مخطوطات) هي حادثة كبيرة جداً، ومن الغريب والمستبعد جداً ألاّ يعلم بها أحدٌ من أهل الشام على مختلف طبقاتهم، فكل من ترجم للأمير عبد القادر، وهم من تيارات مختلفة: ففيهم الصوفي وفيهم السلفي وفيهم الكافر وفيهم المسلم وفيهم المستشرق والمغرض وفيهم المؤرخ الحر وفيهم الأدباء، كل هؤلاء لم يذكروا هذه الحادثة أو يشيروا إليها لا من قريب ولا من بعيد!! فكيف علم بها السائح التركي وحده؟ وكيف قَبِل منه هذا الخبر الشيخ محمد نصيف؟!
وهؤلاء العلماء ذكروا ما للأمير وما عليه بإنصاف وعدل.
سادساًـ من المعلوم عند أهل العلم أن السلطان سليم العثماني هو من أشد الناس تعظيماً وتقديساً لابن عربي، وبعد دخوله إلى الشام أسرع وأمر ببناء مقام للشيخ ابن عربي بصالحية دمشق في أعلى الجبل وفق إشارة الشيخ ابن عربي في أحد كتبه!! [انظر (منتخبات التواريخ لدمشق) للحصني 2/ 573] (وكان يعبّر عن هذه الإشارة بعض شيوخ المتصوفة بقولهم: إذا دَخَلَت السِّين في الشين ظَهَرَ مقام محيي الدين! إذن فلتكن السين هي رمزٌ للسلطان سليم والشين رمزٌ للشام)
ومن المعلوم أيضاً عند أهل العلم أن السلطان سليم قام بمصادرة مخطوطات الحديث والسنة من الشام ومصر وألقاها في أقبية الآستانة (وهذا قبل أن يولد أجداد الأمير عبد القادر)، وآخر من اطلع على هذه المخطوطات من العلماء المشاهير الحافظ ابن حجر العسقلاني،رحمه الله، فلماذا لم يذكر أحد من أهل التواريخ أن السلطان سليم أحرق الكتب التي ترد على ابن عربي؟ ولماذا لم يقم بهذا الفعل أصلاً مع تعصبه الشديد لابن عربي؟ [والدليل على ما قاله أهل العلم من المؤرخين هو عثور الأستاذ أحمد زكي على مخطوط (تنبيه الغبي) في خزائن القسطنطينية (استنبول)!!. انظر مقدمة عبد الرحمن الوكيل ص13
فائدة: [الأستاذ أحمد زكي باشا والملقّب بشيخ العروبة كان من أصدقاء الأمير سعيد الجزائري حفيد الأمير عبد القادر]
سابعاً ـ إنّ الدولة العثمانيّة في كلّ أطوارها كانت ترسّخ التصوّف وتشجّعُ عليه في كلّ أرجاء دولتها، وهي التي أنشأت الأضرحة والقباب والمقامات والزوايا وأجرت لها الأوقاف، وعيّنت كبار شيوخ التصوف مُتَولِّين على الأوقاف الإسلامية. وكما نعلم فإنّ المتصوفة يعظّمون ابن عربي ويقدّسونه فهل يريد منا الشيخ نصيف أن نقبل أن جميع هؤلاء المتعصبين لابن عربي من السلطان سليم وباقي السلاطين والولاة مروراً بمشيخة الطرق والأضرحة لم يتعرّضوا للكتب الرادة على ابن عربي عبر تلك القرون كلها وحافظوا عليها واعتنوا بها، وتركوا التفكير بإحراقها، حتى إذا أهلَّ زمان الأمير عبد القادر؛ ذلك القائد الفذ والأديب الشريف، أقدم على التفكير بهذه الطريقة وقام بتنفيذها؟!!!
إنّ هذا حقاً لأمر عجيب ولا يمكن القبول به عند العقلاء.
وألفت الانتباه إلى أنّ السيوطي نفسه؛ وهو الذي ردّ على كتاب الإمام البقاعي؛ كان يعتقد بولاية ابن عربي ولكن كان يقول بحرمة قراءة كتبه!
وجلّ شيوخ التصوف كان هذا مذهبهم ينهون أتباعهم عن نسخ كتب ابن عربي أو قراءتها مع إقرارهم بولايته!! ويقولون للناس إن الفقهاء الذين ينتقدون ابن عربي لم يفهموا كلامه ونحن نعذرهم فهم أهل الظاهر وابن عربي من أهل الباطن!!
إذن فما الحاجة إلى إحراق كتب العلماء التي انتقدت ابن عربي؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ليس هناك حاجة طبعاً سوى أن مختلق هذه القصّة (السائح التركي!) أراد أن يشوّه صورة الأمير عبد القادر فحسب، فالأمير صوفي المشرب في الأصل وهذا يكفي عند البعض لأن يكون مباح العرض والدم فيفترى عليه بالباطل وتلصق به التهم.
ثامناً ـ أنا أعلم أنّ الأمير عبد القادر كان صوفيّ المشرب وقرأ "الفتوحات المكيّة"، ولكن هذا لا يسمح لي أن أجزم من عند نفسي بأنّه كان موافقاً لابن عربي في كلّ شذوذاته وانحرافاته، كيفَ لي ذلك وأنا أقرأُ في كتاب المواقف؛ الذي نَسَبه الشيخ محمد نصيف للأمير! (وليس له)؛ قولَ الأمير: "وما يُنسَبُ لسيدنا خاتم الولاية محيي الدين مِنَ الكتب المؤلّفة في علم التدبير والكيمياء، ولغيره من الأولياء الدّاعين إلى الله تعالى؛ فزورٌ وافتراء، فإنّه مُحالٌ أنْ يَدُلَّ وليٌ من أولياء الله، عبادَ الله على ما يقطعهم عن الله تعالى ... وكذا ما يُنسَبُ لسيدنا محيي الدين، من الكتب المؤلّفة في الملاحم والجِفْر كالشّجرة النعمانيّة وغيرها .. وكذا الفتاوى المنسوبة إليه، كذبٌ وزور".انتهى [المواقف 2/ 709]
فكما ترون فإنّ الأمير عندما اطّلَعَ على كلامٍِ يُنسبُ للشيخ ابن عربي ووجَدَه مخالفاً للشريعة أسرعَ فنفاه عنه وذلك في كتابه الخاص بعلوم القوم، والسبب في ذلك أنّ الأمير نشَأ على محبّة من يُسمّونهم أولياء الله، ومنهم ابن عربي. فمن باب حُسنِ ظنّه به نفى عنه ما رآه مخالفاً للشرع.
ولَسْتُ هنا في معرض تصويب أو تخطئة كلام الأمير في نفي تلك الكتب أو إثباتها، ولكنّ الذي أُريد بيانه أنّ الأمير صرَّح بعدم موافقته على الكلام المخالف للشرع الذي نُسِبَ لابن عربي، فكيفَ يسمح البعض لأنفسهم أن يجزموا بأنّ الأمير كان على معتقد الشيخ ابن عربي من الحلول والاتحاد؟!
كما فعل الشيخ محمد نصيف الذي لم يكتف بذلك بل قال: ((وقد ألف الأمير عبد القادر كتاباً في التصوف على طريقة ابن عربي. صرّح فيه بما كان يلوّح ابن عربي)). سبحان الله!
وانظروا إلى تحذير الأمير من ذلك عندما كان يشرحُ بعض إشارات الصوفيّة قال في آخر كلامه:
" واحذر أن ترميَني بحلولٍ أو اتّحاد أو امتزاج أو نحو ذلك، فإني بريء من جميع ذلك ومِنْ كل ما يُخالف كتابَ الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم .. ".انتهى [المواقف 2/ 869]
وانظروا إلى قوله: " ... فإنّ هلاكه أقرب، ونجاته أغرب، إذ للشيطان فيه مدخلٌ واسع وشبهة قويّة فلا يزال أبو مُرّة (يعني إبليس) معه يستدرجه شيئاً فشيئاً يقول له: الحقُّ ـ تعالى ـ حقيقَتُكَ، وما أنتَ غيرُه، فلا تُتْعِب نفسك بهذه العبادات، فإنّها ما وُضعت إلا للعوام الذين لم يصلوا إلى هذا المقام، فما عرفوا ما عَرَفت، ولا وصلوا إلى ما إليه وصلت. ثمّ يُبيحُ له المحرّمات، ويقول له: أنتَ ممَّن قال لهم: اعملوا ماشئتم فقد وجبت لكم الجنّة، فيُصبِحُ زنديقاً إباحيّاً حلوليّاً، يمرقُ من الدِّين كما يمرق السهم من الرميَّة".انتهى [المواقف 3/ 1043]
يقول شارل هنري تشرشل: ((إن العرب ينسبون نجاح وحظّ عبد القادر السعيد إلى تعضيد سميّه العظيم (يقصد بسميّه الشيخ عبد القادر الجيلاني)، ولكن كلّما سُئلَ عبد القادر عن عقيدته في هذه الخرافة، أجاب بلا تغيير، مُشيراً بإصبعه إلى السماء، "إنّ ثقتي في الله وحده")).انتهى [(حياة الأمير عبد القادر) ترجمة أبي القاسم سعد الله ص46]
وهذا نصٌّ واضح يرويه هنري تشرشل (البريطاني المسيحي) مباشرة عن الأمير ـ فقد لازمه مدة خمسة أشهر في دمشق سنة 1860م يسأله عن حياته العائلية ووقائعه في الجزائرـ وبعد أن سأله مراراً عن عقيدته فيما يعتقده بعض المتصوفة من أنّ نجاح الأمير كان بسبب عناية الولي الجيلاني به ومساندته له، كان جواب الأمير ثابتًا دائماً، كان يُشير بإصبعه إلى السماء ويقول:"إنّ ثقتي بالله وحده"!! وهذه النصوص التي سقتها لكم هي نصوص ظاهرة الدلالة يصرّح فيها الأمير عن معتقده، فلا يجوز أن يُتغافل عنها ويُصار إلى الكلام عنه بالتخرّص والتوهّم!! بل يتعيّن الاعتماد عليها وطرح ما يخالفها.
وسيأتي مزيدٌ لبيان فكر وعقيدة الأمير عبد القادر عند الحديث على كتاب المواقف إن شاء الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
أعتقد أنّ هذه الأشياء التي ذكرتها لكم تبيّن بوضوح عدم صحة الرواية التي أوردها الشيخ محمد نصيف عن السائح التركي، على جميع الصُعد، فهي لا تصح سنداً ولامتناً ولا مقبولة عقلاً، ومتعارضة مع الحقيقة والواقع، فقد زعم راويها أنّ الأمير اشترى كل تلك الكتب وأحرقها، وها نحن نرى اليوم جميع تلك الكتب موجودة ومحفوظة! فالأخذ بهذه الرواية ليس من الدّين في شيء.
وأعجب من ذلك أنّ بعض الذين أوردوا هذه الرواية فهموا منها شيئاً لم يُذكر فيها! وصاغوه كما يروق لهم، فقالوا: إن الأمير عبد القادر من ألد أعداء دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وكان يُحرق كُتبه وكتب ابن القيّم!!
ودليلهم على ذلك هو الرواية التي ساقها الشيخ محمد نصيف.
ولا أدري من أين ظهر لهم اسم شيخ الإسلام ابن تيمية في كل تلك الرواية؟!
لعلّهم ظنوا أنّ الإمام ابن تيميّة، رحمه الله، كان الوحيد الذي يُنكر على ابن عربي، ومِنْ ثَمَّ فالكتب التي أحرقها الأمير عبد القادر هي كتب الإمام ابن تيميّة، ومن هنا استشفّوا العداوة بين الرجلين!
وهذا والله أمرٌ عجيب! أيكون الحكم على العلاقات بين الرجال بهذه الطريقة السقيمة؟!
توهّمٌ أوّل مضافٌ إلى توهّمٍ ثان والتوهمان مبنيان على رواية باطلة، وبعد ذلك الخروج بحكم ما أنزل الله به من سلطان. ثم "نحن أهل الإسلام وأهل الحديث!! "
إنّ الواجب على الذي يدّعي هذا الكلام أن يأتي بالبرهان والدليل على كلامه، وإلاّ فهو ساقط الرواية وليس بثقة؛ هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فالموقف عصيب والدّيان شديد العقاب.
وأنبّه هنا إلى أمر هام وهو أنّ علماء عصرنا الذين ترجموا لابن تيمية وابن القيم وكذلك المحققين الذين تولوا إخراج تراثهما المكتوب، لم يشيروا لا من قريب ولا من بعيد إلى حادثة إحراق كتبهما. وتفرّد بذكر هذه الحادثة صاحب مقال فك الشيفرة وأمثاله من الذين يلقون أوهامهم هنا وهناك في (الإنترنت)، وهم ليسوا من أهل العلم بل وغير معروفين.وليس لهم أي مستند أو برهان لما ذكروه وافتروه!!
والأمير له بعض الكتب والرسائل، لا يوجد في أي منها تعريض بشيخ الإسلام أو بغيره.
وبعد مطالعتي لتراث الأمير عبد القادر لم أقف على شيء يدل على نفور الأمير من ابن تيمية. ولكنني وقفت على بعض النصوص، التي كتبها السيد أحمد بن محيي الدين الحسني الأخ الأصغر للأمير عبد القادر وتلميذه النجيب وهو صوفي المشرب أيضًا (وهو من أصفياء العلاّمة جمال الدين القاسمي)، هي أقوى في الدلالة وأظهر من تلك التي اعتمد عليها أدعياء العداوة بين الرجلين؛
1ـ جاء في كتاب (نثر الدر وبسطه) لأحمد بن محيي الدين الحسني (وهو مطبوع سنة 1324هـ) في الصفحة 102: (( .. ثمّ إنّ مما يُستغرب منه ويُتعجّب ما كنتُ سمعته من بعض طلبة وقتنا، وهو أنّ العلاّمة المحقق الشيخ ابن تيميّة رحمه الله تعالى ألّف كتاباً حاول فيه تعليل المسائل الفقهيّة التي عجز فحول العلماء عن تعليلها، واستنبطَ لها جميعها تعليلات مقبولة، فاستبعدتُ ذلك منه كل البعد، وعددته من الأشياء المحالة أو الشبيهة بالمحال، إذ لا يمكن للإنسان أن يلتمس لتلك الأشياء تعليلاً مقبولاً إلاّ أن يكون بقوة كشفيّة أو ملكة وهبيّة. فلربما يصحّ ذلك لمن أطلعه الحق تعالى على ما هنالك وتخرج وقتئذ عن كونها تعبّديّة .. )) انتهى
إذن فالسيد أحمد الأخ الأصغر للأمير وتلميذه المخلص إذا أورد اسم شيخ الإسلام قال عنه: ((العلاّمة المحقق الشيخ)) ثمّ يقول ((رحمه الله تعالى))، مع أنّ الكلام الذي سيسوقه إنما هو في معرض الرد والمخالفة، فهل يمكن أن يُفهم من كلامه أنّه من ألدّ أعدائه؟
وانظروا إلى ما قال الهيتمي بحق شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سُئل عنه فأجاب بقوله: ((ابن تيمية عبدٌ خذَلَه الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذله وبذلك صرّح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله)).انتهى [انظر فتاوى الهيتمي ص114].
(يُتْبَعُ)
(/)
بمقارنة بسيطة بين كلام السيد أحمد الحسني وبين كلام الهيتمي يستطيع العاقل أن يميّز بين من هو مبغضٌ وعدوّ، وبين من يحترم الآخر مع مخالفته له في المذهب الفقهي. ومِِنْ ثَمَّ يستطيع القول إنّ الهيتمي مبغضٌ وعدوٌ لابن تيميّة، ولكنه لا يستطيع أن يقول ذلك أبداً عن السيد أحمد، وغرضي من هذا أن موقف السيد أحمد هو بالضرورة يعبّر عن موقف أخيه وأستاذه الأمير عبد القادر.
2ـ وجاء في كتاب السيد أحمد بن محيي الدين الحسني (نُخبة ما تُسرُّ به النواظر) وهو مخطوط موجود عندي، وقد قدَّم له العلاّمة جمال الدين القاسمي؛ يقول السيد أحمد في الصفحة 173
: (( .. وما أحسن قول العلاّمة محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيّم الدمشقي الحنبلي في وصف الحور العين في نونيّته المشهورة رحمةُ الله عليه .... )).انتهى، ثم أورد (32) بيتاً منها.
أهذا وصف الأعداء الألداء بعضهم لبعض؟! وابن القيّم هو من أخص تلاميذ ابن تيميّة ووارث منهجه.
إذن أستطيع أن أرى من خلال هذين النصين أن من زعم أنّ الأمير يكره ابن تيميّة وابن القيم هو متخرّص ومتكلّم بغير علم ولا تقوى.
وللفائدة فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يكن مكروهاً من قِبَل العلماء ولا الناس ولا المتصوفة؛ لا في عصره ولا بعد ذلك، وإنما كان له بعض المنافسين الذين حاولوا أن ينالوا منه، ولكن هذا لم يكن له أي أثر عند الناس، وفقهاء المذاهب الأربعة المتأخرون نقلوا عنه واستشهدوا بكلامه في كتبهم؛ ولم يظهر التحامل على ابن تيمية والتعريض به على نحو عريض إلاّ في هذا العصر وذلك لأسباب أظن أنني غير محتاج إلى ذكرها في هذا المقام. والشيء نفسه يُقال بحق ابن القيّم رحمه الله.
وإنني أشهد أنني رأيت أناساً من المتصوفة، بل ومن غلاتهم يقفون على قبر الشيخ ابن تيمية في دمشق خلف مشفى التوليد الجامعي وفي حرم كلية طب الأسنان القديمة، ومدخل رئاسة جامعة دمشق، ويقرؤون له الفاتحة كما هي عادتهم إذا زاروا القبور. (وقبره مع قبر صاحبيه) هي القبور الوحيدة المتبقّية من مقابر الصوفية! (المقبرة التي دُفن فيها ابن تيمية اسمها مقابر الصوفية).
والآن سآتي على بيان فساد الادعاء الثاني، وهو توهّم أن الأمير أحرق كتب ابن تيمية.
إن شيخ الإسلام لم يتعرّض فيما أعلم لتأليف جزءٍ خاص في الرد على ابن عربي، وإنما هو ذكره في فتاويه ورسائله خلال حديثه عن انحرافات الصوفية. وكان يذكر عباراته التي في (فصوص الحكم والفتوحات) وينتقدها ويصفها بما تستحق من الضلال إلى الكفر، ولكنّه لم يتعرّض لتكفير شخص ابن عربي مباشرة، بل انظروا ماذا قال عنه في الفتاوى: (( .. المَقَالَةُ الأُولَى مَقَالَةُ ابنِ عَرَبِيٍّ صَاحِبِ فُصُوصِ الحكم. وَهِيَ مَعَ كَونِهَا كُفْرًا فَهُوَ أَقْرَبُهُم إلَى الإِسلامِ لِمَا يُوجَدُ فِي كَلامِهِ مِنْ الكَلامِ الجَيِّدِ كَثِيرًا وَلأَنَّهُ لا يَثبُتُ عَلَى الاتِّحَادِ ثَبَاتَ غَيرِهِ بَل هُوَ كَثِيرُ الاضْطِرَابِ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ مَعَ خَيَالِهِ الوَاسِعِ الَّذِي يَتَخَيَّلُ فِيهِ الحَقَّ تَارَةً وَالبَاطِلَ أُخرَى. وَاَللَّهُ أَعلَمُ بِمَا مَاتَ عليه)) انتهى. [مجموع الفتاوى 1/ 141]
وقال: ((وَهُوَ قَوْلُ بَقِيَّةِ الاتِّحَادِيَّةِ لَكِنَّ ابنَ عَرَبِيٍّ أَقْرَبُهُم إلَى الإسلام وَأَحسَنُ كَلامًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ بَينَ الظَّاهِرِ وَالمَظَاهِرِ فَيُقِرُّ الأَمرَ وَالنَّهيَ وَالشَّرَائِعَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيهِ وَيَأْمُرُ بِالسُّلُوكِ بِكَثِيرِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ الْمَشَايِخُ مِن الأَخْلاقِ وَالعِبَادَاتِ وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِن العِبَادِ يَأخُذُونَ مِن كَلامِهِ سُلُوكَهُم فَيَنتَفِعُونَ بِذَلِكَ وَإِن كَانُوا لا يَفقَهُونَ حَقَائِقَهُ وَمَن فَهِمَهَا مِنهُم وَوَافَقَهُ فَقَد تَبَيَّنَ قَولَهُ)). انتهى [مجموع الفتاوى 1/ 196] وفي الجزء الثاني من مجموع الفتاوى ص464: ((وإنما كنتُ قديماً ممن يُحسن الظن بابن عربي ويُعظّمه: لِمَا رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثيرٍ من "الفتوحات"، و"الكُنْه" ()، و"المحكم المربوط"، و"الدرة الفاخرة"، و"مطالع النجوم"، ونحو ذلك. ولم نكن بعد اطلعنا على حقيقة مقصوده، ولم نطالع الفصوص
(يُتْبَعُ)
(/)
ونحوه، وكنا نجتمع مع إخواننا في الله نطلب الحق ونتبعه، ونكشف حقيقة الطريق، فلما تبيّن الأمر عرفنا نحن ما يجب علينا ... )) ثمّ ذكرَ طامّات من أقوال ومعتقدات غلاة الصوفية الفلاسفة وختمها بقوله: ((وهذه المعاني كلها هي قول صاحب الفصوص (يعني ابن عربي) والله تعالى أعلم بما مات الرجل عليه، والله يغفر لجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات {ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم})). انتهى [مجموع الفتاوى2/ 469]
فهل في هذا الكلام ما يحمل على الحقد على ابن تيميّة؟ وهل في كلام ابن تيمية أي رائحة شدّة وتعسّف أو حقد على ابن عربي؟
وروى الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة ابن عربي، قال: وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخُنا أنه سمع الشيخ عز الدين ابن عبد السلام يقول عن ابن العربي: ((شيخ سوء كذّاب، يقول بقدم العالم ولا يحرِّم فرجاً)).انتهى
وقال تقي الدين السبكي: ((ومَنْ كان مِنْ هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره، فهم ضُلال جهالٌ، خارجون عن طريقة الإسلام، فضلاً عن العلماء)). انتهى. قال ذلك في باب الوصية من شرح المنهاج ونقله الكمال الدَّميري والتقي الحصني.
إننا إذا قارنا بين ما قاله الإمام العز بن عبد السلام أو السبكي وأبو حيان الأندلسي والبقاعي وغيرهم في ابن عربي وبين ما قاله ابن تيميّة، تبيَّن لنا كم كان الإمام ابن تيميّة متلطفاً في العبارة، ورعاً في الوصف مع الجرأة في بيان الحق ودحض الباطل. والشيء نفسه يُقال بحق ابن القيّم.
إذن فإحراق كتب هؤلاء أولى من إحراق كتب ابن تيمية وابن القيم!
ومع ذلك أقول للذين يصرّون بغير حق على اتهام الأمير بحرق كتب ابن تيميّة وابن القيّم.
هل تدرون أين وُجِدَت كُتب شيخ الإسلام ابن تيمية؟ وهل تدرون أين كانت تُحفظ وتتعهد بالرعاية؟ إلى أن يسّر الله طبعها ونشرها.
لقد وُجد مجموع فتاوى ابن تيمية بتمامه تقريباً في دمشق، موطنِ الأمير عبد القادر ومكان نفوذه وسلطته، في المكتبة الظاهريّة غير البعيدة عن دار الأمير عبد القادر! فكيف يزعمون أنه أحرقها؟
أم أنهم سيقولون إنها فاتته، إذن ماذا كان يحرق؟! وكيف لم يستحوذ عليها كما ادّعى السائح التركي، مع أنها تحت يده في دمشق؟
وإليكم ما قاله الشيخ محمد بن عبد الرحمن العاصمي، في مقدّمة مجموع الفتاوى المطبوع، قال: ((إن أباه الشيخ عبد الرحمن العاصمي الحنبلي رحمه الله بدَأَ بجمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميّة في نجد سنة 1340 هـ (انتبه للتاريخ) فوجد منها ثلاثة مجلّدات عند الشيخ محمد بن عبد اللطيف ثمّ قال:" وكانت نجدٌ وما زالت ـ بحمد الله ـ أسعد الأقاليم بالانتفاع بمؤلّفات شيخ الإسلام، وتداولها وتدريسها"
[طبعاً هذا الكلام بعد وفاة الأمير عبد القادر وقبل قصّة الشيخ نصيف مع السّائح التركي فتنبَّه!]
ثمّ استخرَج من مكتبة الحرم المكي عدداً منها؛ كما تحصّل على مسائل من بعض العلماء الأفاضل. وأمّا فَرَحُه الكبير فقد كان عندما عَثَرَ في المكتبة الظّاهريّة بدمشق على الكمّ الأكبر من الفتاوى قال:" .. ثمّ تصفّحتُ ((المجاميع)) وهي تزيد على (150) مجموعة، وقد اشتَمَلَت على مسائل ونبذٍ لا توجد في غيرها، وهي بخطوط قديمة، وفيها من خطّ شيخ الإسلام بيده ما يزيد على (850) صحيفة. ومن تلك المجاميع ((مجموعة مسودة)) كلّها بخطّه، لا يوجد شيء منها في المكاتب، ولا غيرها عدد صفحاتها (664) .. "
ويتابع الحديث عن بحثه في المكتبات الأهليّة (الخاصّة) بدمشق فيقول: " فوجدتُ عند الشيخ حسن الشطي كتابين في الوقف ضمن مجاميع لشيخ الإسلام، وعند محمد حمدي السفرجلاني مسائل في التراويح والإمامة وغيرها .. وعند أحمد عبيد وإخوانه مسائل ... ".انتهى انظر مقدّمة مجموع الفتاوى بقلم الشيخ محمد بن عبد الرحمن العاصمي النجدي الحنبلي.
إذن بعض كتب شيخ الإسلام كانت في بلاد الحرمين قديماً، ولكن عُثر على معظم تراثه في دمشق! حيث كان يعيش الأمير عبد القادر، وحيث كانت دار الكتب الظاهرية التي أنشأها ومدّها بالمخطوطات والكتب أحدُ ألمع تلامذة الأمير عبد القادر والمقرّبين منه إنه الشيخ طاهر الجزائري السمعوني السَّلَفي، والأمير كان يمدّه بالمال والمخطوطات، ومعظم المخطوطات التي كانت عند الأمير أعطاها للشيخ طاهر، والمكتبة الظاهرية أُسِّسَت سنة 1879م يعني قبل وفاة الأمير بخمسة أعوام. والشيخ طاهر يُجلّ الأمير كثيرًا ورثاه بمرثيّة من أبدع ما قيل.
والذي أرشد الشيخ عبد الرحمن العاصمي إلى مجموع فتاوى ابن تيميّة، هو الأمير عبد المجيد حفيد الأمير عبد القادر، الذي كان أمينًا للمكتبة الظاهرية قرابة أربعين سنة! وللفائدة فإن الأمير عبد المجيد هو الذي كان يقدم التسهيلات للشيخ المحدّث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، أثناء وجوده في المكتبة الظاهرية. وكان الأمير عبد المجيد يأخذ برأي الإمام ابن تيمية في بعض المسائل!
وبالمناسبة فإن هواة الطعن في الرجال بالتشهي يتّهمون الشيخ طاهر الجزائري بالماسونية!
إذن على طريقتهم فإنّ الماسون هم الذين حافظوا على تراث شيخ الإسلام ابن تيمية! وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أعتقد أن في هذا القدر من التوضيح والبيان كفاية لمن يريد الحق.
وفي المشاركة القادمة إن شاء الله سأبدأ بالرد على التهم والتخرصات التي ساقها صاحب فك الشيفرة الجزائريّة. وسأجعل الرد مقسمًا على حلقات أتناول فيها التهم واحدة إثر أخرى.
والحمد لله ربّ العالمين
خلدون بن مكّي الحسني
للبحث صِلة
هناك ملف منسق يمكن تحميله من المرفقات
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالقادر بن محي الدين]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 04:20]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل هذه السلسلة هي نتاج مداخلتك عبر قناة المستقلة؟
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 04:52]ـ
الأخ الكريم خلدون الحسني الجزائري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله في هذا الموقع مفيداً لإخوانك، مستفيداً منهم، بورك فيك ...
وأرجو من إدارة الموقع السماح له بطرح ما عنده حول موضوع الأمير عبد القادر الجزائري، وللعلم فإن الأخ خلدون من أحفاد الأمير، وهو صاحب كتاب (إلى أين أيها الحبيب الجفري؟!)، وقد كانت له مشاركة متميزة عبر قناة " المستقلة " قبل شهور حول حياة الأمير عبد القادر ...
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 05:13]ـ
السلام علييكم ورحمة الله
أخي عبد القادر الحلقات التي سأنشرها إن شاء الله بدأت بكتابتها منذ أشهر، أي قبل مشاركتي في قناة المستقلة
وأشكر الأخ فريد المرادي على لطفه واهتمامه.
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 03:06]ـ
بارك الله فيكم أستاذي لي ملاحظة حول صياغة بعض الحجج حيث يغلب عليها الطابع النظري المنطقي البرهاني بعيدا عن استقراء الواقع التاريخي فمثلا استدلالكم على نفي التضييق على كتب شيخ الاسلام بكون التضييق لم يطل كتب الامام السبكي مع انهما يقولان بنفس المقولة في الاتحادية فبما أن السبكي كان نقده أشد من نقد بن تيمية و السبكي لم تصادر كتبه و لم يضيق عليها اذن كتب ابن تيمية لم يضيق عليها و معلوم أن استعمال البرهان المنطقي في دراسة التاريخ يفضي الى كوارث لأنه يفيد العلم بالامكان الذهني للشيء فقط لا وقوعه خارجا و هو ما يلمس في قضيتنا لأن كل من تابع الاشارات التاريخية حول مسار كتب شيخ الاسلام يلمس التضييق الذي مورس عليها من مختلف العصور من لدن شيخ الاسلام الى عهد قريب و كون غيره ممن هو محل تعظيم من غلاة المتصوفة و الأشاعرة و المقلدة قد انتقد مثل ما انتقده هو لا يعني ان كل رؤوس هؤلاء-بله عوامهم- قد أحاطوا به علما و من أحاط منهم به علما فقد يكتمه ككتمان أهل الكتاب لتناقض انكارهم للحق مع تصديق كتبهم و كتب ائمتهم له أو يعرض عنه أو يتأول له و قد وقع امثالها في التاريخ كثيرا كالتي حكاها شيخ الاسلام نفسه أثناء كلامه عن الفتن بين الحنابلة و الأشاعرة و تضييق هؤلاء على أولئك ثم لما ابرز لهم كلام الامام الأشعري وجد موافقا لما يقوله الحنابلة و معبرا عنه بكلام أفضل من كلام الامام الموفق و غيره ... بل و الواقع التاريخي قد يشهد بان كثيرا من القوم كانوا يضيقون على كتب شيخ الاسلام و يرغبون في كتب الامام ابن القيم مثلا مع أنهما يصدران من مشكاة واحدة فلو طبقنا البرهان المنطقي في التأريخ لقلنا أن الامام ابن القيم يعادي ابن عربي كشيخه ابن تيمية و الامام ابن القيم كانت كتبه مرغوبة عند الطوائف و لم يضيق عليها اذن كتب شيخ الاسلام لم يضيق عليها أو يقال مثلا أن الامام ابن عابدين كان يعظم شيخ الاسلام و الامام بن عبد الوهاب لم يخرج عن ما خطه شيخ الاسلام اذن الامام ابن عابدين كان يعظم دعوة الامام بن عبد الوهاب .... و هكذا ..
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 05:33]ـ
الأخ ابن الرومية السلام عليكم ورحمة الله، وشكرًا لمشاركتك الواضح فيها أنك تقرأ بإمعان ونصيحتك على الرأس والعين.
وجوابًا على ماذكرت؛ أقول: كلامك صحيح فيما يخص إثبات الوقائع التاريخية بالاستدلال النظري المنطقي، وهذا ما أميل إليه وأعتمده. وأنا لم أعتمد في ردي لدعوى إحراق كتب ابن تيمية والذي هو موضوع بحثي على البرهان النظري الفلسفي!
والمثال الذي ضربتُه إنما كان بعد إنتهائي من الرد العلمي العملي الملموس الذي يثبت بطلان تلك الحادثة، وكان جوابًا على الذين أوجدوا تلك التهمة بالطريقة النظرية البحتة، فأجبتهم في نهاية كلامي بمثل ما افترضوا!
إذن الذين يتهمون الأمير بحرق كتب ابن تيمية هم الذين يستعملون التوهم أو الربط النظري الفلسفي، في إثبات حدث تاريخي هام لم يذكره أحد من المؤرخين أو العلماء!!!
وأما أنا فلم أستعمل ذلك الأسلوب أبدًا في نفي ذلك الحدث. والبحث أمامك يا أخي!
(يُتْبَعُ)
(/)
وأنا لم أتطرّق لموضوع التضييق على كتب شيخ الإسلام، وليس هذا غرض بحثي، وإنما أخاطب الذين افترضوا تلك الحادثة بالتوهم المحض حين زعموا دون أي مستند ولو منطقي أنه يلزم من مقولة السائح التركي العجيبة ـ والتي ليس فيها أي ذكر لابن تيمية أو ابن القيّم ـ أنّ المقصود بالكتب المحرقة كتب ابن تيمية وابن القيّم!!! فأخبرتهم أنه يلزمهم بحسب طريقة تفكيرهم أن يصرفوا ذلك الفهم إلى كتب السبكي أو البقاعي أو الآخرين، فهي أقرب للاستدلال النظري، وهذا مرفوض طبعًا!
وأما أنا فلا أعتمد إلاّ على الأدلة الواضحة والروايات الثابتة في إثبات أي واقعة تاريخية.
وإذا سمحت لي أخي الكريم ووسعني صدرك الرحب إن شاء الله، فإنني أجد كلامك في الحديث عن مسألة التضييق على كتب ابن تيمية يعتمد على الاستدلال النظري المنطقي! فأنت لم تأت بأي شاهد أو بيّنة تاريخيّة تثبت أنّ القوم أو غيرهم كان يضيّق على كتب ابن تيمية!
والواقع المشاهد يثبت أنّ كتبه كانت موجودة ومتوافرة ولم تُفقد، بدليل أنّ العلماء المتأخرين عنه على مختلف مذاهبهم نقلوا عنه من كتبه، وكذلك بدليل وجود عدة نسخ من كتبه بين أيدي الناس في دمشق حيث مقام ابن عربي وأتباعه، كما ذكر الشيخ العاصمي في مقدمة الفتاوى، بل وأكثر من ذلك بقاء جزء كبير من كتبه بخطه هو، يعني حتى نسخته الأصلية محافظ عليها، والذي أودعها في المكتبة الظاهرية هو الشيخ طاهر الجزائري تلميذ الأمير وبعلمه وحضوره وهو في حينها صاحب النفوذ الأكبر في الشام!!!
وأنا لم أقرأ لأحد من علماء الإسلام المتأخرين ما يفهم منه التضييق على كتب ابن تيمية. طبعًا لا أزعم أنني استقصيت هذا الأمر بسعة.
ولكن أستطيع أن أقول مبدئيًا: إن جميع الوقائع الثابتة واليقينية التي تفيد العلم، تثبت خلاف ما تقول! فما رأيك؟
وأعود إلى صلب بحثي في هذه الحلقة، فأقول إن الزعم بأن الأمير عبد القادر أحرق كتب ابن تيمية، هو زعم باطل ولا يستند إلى مستند علمي صحيح ولا إلى مستند نظري منطقي.
وأضم صوتي إليك أخي ابن الرومية فأقول إنّ الذين يثبتون تلك الحادثة التاريخية وغيرها من الوقائع التاريخية إنما يُحْدِثون في تاريخنا كوارث تفضي إلى مالا تحمد عقباه دنيا وآخرة.
أرجو أن أكون قد فهمت كلامك على الوجه الذي أردتَه، وأرجو أن أكون أوضحت لك المسألة ... بارك الله فيك، والسلام عليكم.
ـ[غالب بن محمد المزروع]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 06:09]ـ
الأخ الكريم: خلدون مكي الحسني
أهلًا بك أخًا لنا في الله في هذا المجلس الطيّب المبارك ...
وشكر الله لك إيرادك هذه المعلومات الهامَّة؛ ففيها مايستحق التأمل والنظر والإعتبار ...
ونحن معك متابعون، ومنتظرون الحلقات القادمة ...
ـ[سراج بن عبد الله الجزائري]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 09:33]ـ
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
وفقك الله
لا يوجد ملف في المرفقات
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 03:07]ـ
شكرًا للأخوين غالب وسراج على مشاركتهما، وبارك الله فيكما
ويمكنكم التحميل من هذا الرابط:
http://www.djelfa.info/dj_img/emir_abdelkader.doc
ـ[الطاهر عمر الطاهر]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 10:01]ـ
أحسن الله إليك يا "سي خلدون" مقال ينبئ عن دراية واسعة بتراث الأمير
لكن قولك:
... وأنا أقرأُ في كتاب المواقف؛ الذي نَسَبه الشيخ محمد نصيف للأمير! (وليس له) ...
كيف توصلت إليه
ـ[توبة]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 10:17]ـ
صحيح ليت الأستاذ الفاضل خلدون يفيدنا أكثر بهذا الخصوص.
وأما وحدة الوجود والمواقف، فبعضهم يقطع بنسبته إليه، ولحفيده الأمير "خلدون مكي الحسني" مقال بعنوان: إظهار المعارف في تبرئة الأمير عبد القادر من كتاب المواقف، وأخبرني أنه يعد كتابا في هذا الشأن (فقد استشكلت عليه بعض إشكالات في مراسلة لي معه تثبت -إن صحت- نسبة المواقف إلى الأمير؛ ففنَّدها)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=705240&postcount=2
وبارك الله فيكم.
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 11:59]ـ
الاستاذ الفاضل خلدون الحسني حفظه الله.
السلام عليكم و رحمةالله وبركاته
استاذي الفاضل:
انتم عقدتم هذا الموضوع لمناقشة ما ورد في مقال "كاتب الموضوع" من سردٍ لبعض مقالات اهل العلم و المؤرخين بشأن الامير عبدالقادر الجزائري
و بالتالي فإن "كاتب الموضوع" يجد نفسه مدعواًّ للنقاش العلمي في هذا الموضوع ـ شاء هو ذلك أم أبى ـ.
===================
و لكن تقديراً لفضلكم فإنِّي سأرجئ أي مداخلة لي في الموضوع حتى تنتهون من مشاركاتكم النافعة بإذن الله.
و لذلك فإنِّي أرجو تقديراً لعلمكم و فضلكم ألاَّ يشطَّ بنا النقاش عن جادة البحث العلمي الموضوعي الى "الشخصنة" المرفوضة في مثل هذا المنتدى العلمي فإنَّها حيلة من لا دليل معه، او التعصب الأسري البعيد عن ميزان العدل والانصاف.
============================
كما ارجو ان نسلك منهجاً علمياً واضحاً، فعلى سبيل المثال هل كتاب "المواقف" للأمير عبدالقادر فنحتج به ـ له أو عليه ـ، أم أنَّه منحول و منسوبٌ اليه فنربأ بأنفسنا عن التشبُّع به.
و في المقابل فلتعلم استاذي الفاضل اني ـ كغيري من روَّاد هذا المنتدى ـ من احرص الناس على الذب عن اي شخصية مسلمة سليمة المعتقد.
=========================
و لذلك فإني أجعل القُرَّاء الكرام حكماً عدلاً بيننا ـ ولا أراكم إلاَّ كذلك فاعلين ـ، فمتى ما قامت البينة للقرَّاءالكرام ـ على عدم صحة ماورد في الموضوع عن اولئك الاعلام من نسبة الامير عبدالقادر الى الحلول و الاتحاد و التصوف المذموم، و كذلك الماسونية او التخذيل عن مواجهة المستعمر في بلاد الشام ـ فإني ارجع عن كل ما نقلتُه عنهم، بل و التزم بأن أراسل المنتديات المنشور فيها الموضوع لحذفه، متى ما اتخذ النقاش الطابع العلمي الرصين الذي يليق بكم.
بارك الله فيكم و نفع بكم.
محبكم: "كاتب الموضوع"
.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[22 - Jun-2008, صباحاً 12:57]ـ
بارك الله في الأستاذ خلدون - الذي شرفنا في بيته -. وفي الأستاذ محمد المبارك. ورأيي أن ينتهي أ/ خلدون من تعقيبه؛ ثم نستمع لرأي أ / المبارك. بعدها كلُ قارئ يدلي بدلوه، بعدل وعلم.
وفق الله الجميع لما يُحب ويرضى ..
ـ[عبدالقادر بن محي الدين]ــــــــ[22 - Jun-2008, صباحاً 01:04]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستاذي الكريم لقد كثر الحديث عن كتاب "المواقف" هل هو مما خطته أنامل الأمير عبد القادر - رحمه الله- أم أن الكتاب منسوب اليه؟
ما لمسته من حديثك عبر قناة المستقلة أنك تنفي نسبة الكتاب للأمير جملة وتفصيلا أو أن الكتاب فيه بعض كلام الأمير ولكن ليس كل مافيه هو له.
وعند رجوعي الى ماقاله الأستاذ الكبير الدكتور أبو القاسم سعد الله - حفظه الله وأطال عمره -
يقول:" ومن أشهر مؤلفات الأمير كتاب (المواقف) الذي يقع في ثلاثة مجلدات , وكان الأمير قد استغرق في التصوف منذ حجّه , وقد اختلى في غار حراء أثناء مجاورته. وفي دمشق كانت له خلوة يتعبد فيها. وفي آخر سنواته ازداد تعمقاً في هذا الباب , وكان يطالع أمهات كتب التصوف ومنها الفتوحات المكية وفصوص الحكم لابن العربي , الذي يعده شيخه الأكبر. ويبدو أنه قد تأثر به كثيراً في (المواقف) إذ بناها على نظريات شيخه , حسب العارفين بهذا الفن. , , , وكتاب (المواقف) يضم 372 موقفاً , وقد طبع مرتين أولاهما كانت في عهد ابنه محمد , اي سنة 1911. وقد قدم الأمير كتابه بعبارات صوفية مغرقة ووشح ذلك بمقامة أدبية -خيالية عن معشوقة تشبه معشوقة ابن الفارض. وكل موقف من مواقفه تقريباً يبدأ بآية ذات معنى توحيدي أو صوفي , ثم يأخذ في شرح الآية شرحاً صوفياً يتغلب عليه الفكر الباطني الذي يعبر عنه بالأسرار والغيبة عن الشهود , وطالما عرّ ض الأمير بأهل الرسوم وعلماء الظاهر الذين لا يدركون أسرار الوجود ولا الحقيقة الإلهية. , , , وقد أورد عدداً من المرايا التي حدثت له , وجاء بأخبار و (مواقف) حدثت له , يقظة أو مناماً منذ كان في الجزائر , ولا سيما منذ حج ثانية. يقول الأمير في المقدمة: " هذه نفثات روحية , وإلقاءات سبوحية , بعلوم وهبية , وأسرار غيبية , من وراء طول العقول , وظواهر النقول , خارج عن أنواع الاكتساب , والنظر في كتاب , قيدتها لإخواننا الذين يؤمنون بآياتنا , , ,". ومن الواضح أنه كتب المواقف "لإخوانه" الصوفية أو الذين لهم استعدادات صوفية , مؤمنين بمبادئ أهل الباطن ذوي اللقاءات السبوحية , , ,.
آمن الأمير بوحدة الوجود تبعاً لشيخه ابن عربي. وهو يتمنى أن يكون إيمانه كإيمان العجائز.
ومما يذكر أن الناشر للمواقف اعتمد على عدة نسخ. منها نسخة الأمير بخط يده. وقوبلت على نسخة جمال الدين القاسمي التي كانت بدار الكتب الظاهرية , ثم نسخة عبد الرزاق البيطار (وهو صديق الأمير وتلميذه) وكانت على هذه النسخة تعاليق بخط الأمير نفسه.
تاريخ الجزائر الثقافي للدكتور أبو القاسم سعد الله الجزء السابع
وحسبنا أن نذكر أستاذي الكريم أن الدكتور أبالقاسم سعد الله- وفقه الله- قد قضى ربع قرن يجمع مادة كتابه (تاريخ الجزائر الثقافي) , داخل البلاد وخارجها في المكتبات الأوربية والأمريكية , فضلاً عن العربية والإسلامية كما ذكر هو ذلك في مقدمته , والأمثلة على ذلك كثيرة فقد ذكر في سلسلته (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر الجزء الثاني أنه عثر على النسخة المسروقة من كتاب تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر واخبار الجزائر).
يقول الدكتور:" وقد استمر بحثي عنها في كل المظان الممكنة: دمشق والاسكندرية واسطانبول وباريس , وهي البلدان التي تردد عليها المؤلف والتي يوجد فيها منم يهمه موضوع الكتاب , وكانت النتائج دائماً مخيبة للأمل , ولكن اليأس لم يتطرق إلى البال , وزاد حماسي للبحث أن الطبعة الثانية للكتاب التي صدرت بعناية الدكتور ممدوح حقي لم تقدم نقداً ما لقضية النسخة المسروقة , , , وفي زيارتي إلى اسطانبول بتاريخ أغسطس 1970 , تمكنت من الاطلاع على نسخة مخطوطة من كتاب (تحفة الزائر. . .) في احدى مكتبات اسطانبول.
والدكتور سعد الله لا يتكلم جزافاً في المسائل التاريخية ومن قرأ أبحاثه يعلم حقيقة ما نقول , , ,
فهو عندما تكلم عن كتاب المواقف وأثبت نسبته للأمير ذكر معه أن الكتاب قوبلت نسخته على نسخة جمال الدين القاسمي التي كانت بدار الكتب الظاهرية , ثم نسخة عبدالرزاق البيطار وكانت على هذه النسخة تعاليق بخط الأمير نفسه.
يقول سعد الله:" إننا نرجح أن" عودة" الأمير إلى التصوف بتلك الصفة التي تدعو للدهشة كانت هروباً من محاولات استعماله في أدوار لم ير الفرصة سانحة للقيام بها , وقد كانت له همة قعساء ومروءة شماء أيضاً. فرأى أن خير ما يبتعد به هو اللجوء إلى الفتوحات المكية وفصوص الحكم لابن عربي , وغيرها من كتب الحقيقة الصوفية , , , وكثيراً ما وجدناه في (المواقف) يردد عبارة معينة , وهي أنه كان في حالة مشاهدة فصعق فكلمه الله وقال له: إنني أنا الله لا إله إلا أنا , وكان يحصل له , كما أخبر , بعد الرجوع إلى الحس , فرح وبشارة.
وجاء في (المواقف) الأول قوله: " إن الله قد عودني أنه مهما أراد أن يأمرني أو ينهاني أو يبشرني أو يحذرني أو يعلمني علماً. . . إلا ويأخذني مني مع بقاء الرسم , ثم يلقي إليّ ما أراد بإشارة آية كريمة من القرآن , ثم يردني إليّ فأرجع بالآية قرير العين ملآن اليدين , ثم يلهمني ما أراد بالآية ".
وحسبي أني قد أحلتك إلى مليئ ,, والله أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[24 - Jun-2008, مساء 02:09]ـ
أيها الإخوة السلام عليكم
أولاً؛ أشكر الأخ الشيخ سليمان على ترحيبه ولطفه، وأنا أوافقك الرأي.
وثاثيًا؛ أقول للأخ محمد المبارك: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وهذه مبادرة طيبة منك. وتصريحك بأنك إذا ظهر لك الحق ستعدل إليه وترجع عن الخطأ لهو مما يبشّر بالخير، وهذا هو الظنّ بك. وأنا ألتزم بهذا أيضًا!
وأنا لم أفهم ما تقصده من قولك ((الشخصنة)) في هذا المقام! فالشخصنة مثل "الأنسنة" أي جعل الشيء كالأشخاص أو كالإنسان.
وأما حديثك عن التعصب الأسري، فهل لمست في الحلقة الأولى شيئًا من ذلك؟
أرجو أن لا يُعوَّل على هذه المسألة، ولا يخاطبني بها أحد، فهي كما قلتَ حيلة من لا دليل معه!
ولو أنني يا أخي وجدتُ في مقالك إحالات إلى العلماء أو المؤرّخين الذين نقلتَ عنهم ما كتبت، لكان ردّي موجهًا إليهم! ولكنني لم أجد أي إحالة سوى إحالة إلى كلام د. عبد الجليل التميمي ودون ذكر المصدر، ومع ذلك فإنّ الكلام الذي نقلته عنه لم تقف عنده، وإنما ذهبت تبني عليه أشياء أخرى، لذلك وجدتني مضطرًا للرد على كلامك. أقول لك هذا لتعلم أنه لا يوجد أي شيء شخصي بيني وبينك، فاطمئن.
والموضوع علمي بحت لا دخل للعواطف فيه، وأعتقد أنّك لمست من الحلقة الأولى أنني ملتزم بجادة البحث العلمي لا أحيد عنها، وهذا هو طبعي ومذهبي.
وأمّا ما ذكَرْتَه عن كتاب المواقف. فيا أخي أنا ملتزم بمنهج علمي واضح. وعندما استشهدت بكتاب المواقف، كان ذلك من باب إلزام القائلين بصحة نسبته إليه بما فيه. فكل من يقول بأن الأمير هو مؤلّف المواقف يلزمه ضرورة أن يقبل احتجاجنا عليه به.
وأمّا أنا فأنفي أن يكون الأمير مؤلّف ذلك الكتاب، لذلك لا يُحتج عليّ بما فيه.
وهذا ميزان علمي صحيح.
وأرجو منك يا أخي أنّك إذا وجدت في كلامي أيّ شدة أن تتقبلها بصدر رحب من أخيك، فطبيعة الكتابة النقدية كما تعلم جافة، بل إنّ الكتابة بحد ذاتها فيها جفاف إذا لم تكن تسمع أو ترى الكاتب، وأنت تعلم من خلال تصدّيك للكتابة في الرجال وذكر مثالبهم والمؤاخذات عليهم، طبيعة الكلام النقدي فمثلك أدرى به. وأنا إن شاء الله إذا رددتَ عليّ بعلم لن أغضب لنفسي، فأرجو أن لا تغضب أنت أيضًا لنفسك، وليكن غضبنا جميعًا لله وحده. وفي الحقيقة فإنّ ردّي ليس موجهًا إليّك، وإنما هو لمجموع من تكلّم في عرض الأمير.
وأما الحاكم على ما نقول فهو العلم والميزان العلمي بثوابته وقواعده، وأما المحكّمين فهم أهل العلم وطلاّبه من القرّاء الكرام، أما عموم القرّاء ففيهم قليل ممن لا يُلتفت إلى حكمه، وأنت رأيت كيف بدأ بعضهم (في ملتقى أهل الحديث) يرد بكلام لا يمت إلى العلم أو الأدب والأخلاق بصلة، بل ويستقوون بكلام أهل البدع والضلال علينا، وذلك على مرأى من المشرفين!.
ثالثًا؛ أقول للأخ عبد القادر: نعم، الأستاذ أبو القاسم سعد الله أستاذ كبير ومؤرّخ راسخ القدم
وأنا أعتمد على الكثير من تحقيقاته وأعماله.
ولكن يا أخي علينا أن نفرّق بين ما يحقق فيه الأستاذ، وبين ما ينقله نقلاً فقط، دونما أي تحقيق في الموضوع!
فمثلاً الكلام الذي نقلتَه عنه بخصوص كتاب المواقف، ينقله الأستاذ سعد الله بحروفه من الصفحة الأولى لكتاب المواقف، وهذا الكلام من إنشاء الجهة القائمة على الطبع!
والأستاذ سعد الله لم يبحث في هذا الموضوع، وإنما اكتفى برواية ما قاله طابعو الكتاب (الذين لم تُعرف شخصياتهم إلى اليوم!!)، وما ذكره من تحليل لأسباب انتقال الأمير إلى هذا النوع من التصوف إنما هو مبني على قراءته لكتاب المواقف. وبالطبع فإنّ كل من يقرأ كتاب المواقف سيقول مثل ذلك أو أكثر.
على كل حال الحديث عن كتاب المواقف سيأتي في حلقة مستقلة، فأرجو عدم فتح هذا الموضوع إلى حينها، لأنني لن أتمكن من الإجابة عن الأسئلة بعد اليوم.
والسلام عليكم
ـ[أيمن أحمد ذوالغنى]ــــــــ[25 - Jun-2008, مساء 03:10]ـ
حيا الله أخانا الحبيب الفاضل د. خلدون بن مكي الحسني
طبيب الأسنان الجراح البارع، وطالب العلم الجاد المحقق ..
وإن مشاركتك في الألوكة لهي إثراء للموقع ولمجلسه العلمي،
فلا تحرمنا من بحوثك وفوائدك ...
وجزيت خيرًا على هذه المادة الطيبة التي تنبئ عن شخصية علمية أصيلة،
وعناية بالتحقيق والتوثيق ..
بارك الله فيكم ووفقكم إلى المزيد ..
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[25 - Jun-2008, مساء 04:44]ـ
وفَّقكم الله للهدى ... وفي انتظار ما تُسفر عنه المناقشات العلمية الهادئة.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[26 - Jun-2008, مساء 04:49]ـ
حيّاكم الله وبيّاكم أخي أبا أحمد، الأستاذ أيمن ذو الغنى
شكرًا لحسن ظنكم بي
وأسأل الله أن يسددني وإيّاكم.
وأشكر الأخ زكرياء التوناني على مشاركته
وإن شاء الله تكون المناقشات هادئة، وتسفر عن خير.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[26 - Jun-2008, مساء 04:56]ـ
الأخوين الكريمين الطاهر عمر الطاهر، وتوبة؛ السلام عليكم ورحمة الله
أعتذر عن تأخري في الرد، وإن شاء الله يأتيكم بحث مستقل في موضوع كتاب المواقف.
وشكرًا لمشاركتكم، ولطفكم.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[26 - Jun-2008, مساء 07:18]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثانية
نُشر في الكثير من المواقع الإسلامية!! مقال للأخ (محمد المبارك) بعنوان ((فك الشفرة الجزائريّة وفتح الأيقونة الباريسيّة)) والقارئ للعنوان يظن أنه سيطلع على خفايا ووثائق تكشف شيئًا عن السياسة في الجزائر وفرنسة، ولكن سرعان ما يتلاشى هذا الظن عندما يجد القارئ نفسه أمام مقال يترجم للأمير عبد القادر فحسب!! ولكن أيّ ترجمة؟ إنها ترجمة غير مسبوقة ولا يُقرُّ الكاتب عليها، فهي وإنْ بدأَتْ بذكر شيء من مآثره ومزاياه، إلاّ أنها في صلبها لا تُبقي للأمير أي خصلة حميدة إلاّ جرّدته منها، وألصقت به خصال السوء.
كل ذلك دون ذكر أي مصادر أو مراجع أو إحالات لكتب أو علماء. اللهم ما كان من ذكر لأقوال بعض رجال الماسون ولكن أيضًا دون ذكر المصادر والإحالات!
وإذا راجعنا تاريخ تلك الحقبة، وترجمة الأمير عبد القادر في كتب المغاربة والمشارقة الذين عاصروه أو كانوا قريبًا من عصره، وهم بالعشرات، فسنجد خلاف ما ذكره صاحب المقال!
وتحت إلحاح الكثير من الإخوة والأساتذة الكرام، كتبتُ ردًا على ذلك المقال، أُبيّن فيه ما وقفتُ عليه في كتب العلماء والمؤرّخين من الحقائق والوثائق، وذلك لتجلية الموضوع وإظهار الحقيقة.
وتشمل حلقات الرد على بعض التوضيحات التاريخية والتراجم، إضافة إلى دفع الشُّبه والاتهامات.
وأنا في ردي هذا إنما أنطلق من مبدأ الذَّب عن أعراض المسلمين الذي أُمِرْنا به، فلا يجوز لي وأنا أرى ظلمًا واقعًا بأحدٍ من المسلمين ـ أيًّا كان مذهبه ـ وأعلم أنه بريء منه، أن أسكت عنه أو أتجاهله. لا يجوز هذا لي ولا لغيري أبدًا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)). [وعِرْضُ الرجل: موضع المدح والذم فيه].
وأنطلق من قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح: [((انصر أخاك ظالماً أو مظلومًا)). فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: ((تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره))]
وأنا ـ إن شاء الله ـ في بحثي هذا سأنتصر للأمير عبد القادر (المظلوم) والذي انتقل إلى الدار الآخرة فلا يستطيع أن ينتصر لنفسه، وسأنصفه وأدافع عن عرضه بالحق. وذلك لأنني على اطّلاع جيد على تاريخ حياته وسيرته وآثاره. وهو في حياته لم توجه إليه أي تهمة من هذه التهم الجديدة!!
وسأنصر الأخ محمد المبارك والإخوة الخائضين في هذا الموضوع بإبداء النصح لهم، وذلك بعرض الحقائق والبيّنات التي لم يقفوا عليها، وأدعوهم إلى الاعتماد على الحقائق عوضًا عن الظنون. والاطمئنان لأقوال المسلمين العدول، والانصراف عن الأخذ بأقوال غيرهم وخصوصًا الماسون.
يقول الله عزَّ وجلّ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58]
ويقول تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15]
وإذا وجد الأخ محمد المبارك في خطابي شدّة فليعلم أنني لا أضمر له في نفسي بغضًا أو كرهًا، وإنما خاطبته بلهجة النقد العلمي فحسب، وقد ترفّقت به كثيرًا، مع أنه في مقاله لم يترفّق بالأمير، ولم يترك فضيلة إلاّ جرّده منها، ولم يدع نقيصة إلاّ ووصمه بها، حتى إن القارئ لمقاله ليظن نفسه أمام أبشع شخصية عرفتها الإنسانية.
وأرجو أن تجد كلماتي عنده وعند الذين خاضوا خوضه، صدرًا سليمًا، وقبولاً حسنًا. وأسأل الله تعالى أن يرشدنا جميعًا إلى سواء السبيل وصراطه المستقيم، وكلي أمل ألاّ نصل إلى آخر حلقات هذا البحث إلاّ وقد آب الأوّابون وانصلح الحال.
فأقول مستعيناً بالله العظيم:
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول الأخ محمد المبارك في مقاله (فكّ الشفرة): ((ومما حُفِظ عن الأمير خلال تلك الحوارات قوله:" لو كان العالم يسمعني لجعلت من المسلمين والمسيحيين إخوةً ولعملنا معاً من أجل إرساء السلام في العالم"ولعلَّ هذه الجملة كانت هي البروتوكول الذي انتهجه فيما بعد الأمير و التزم به كلالالتزام)).انتهى
يقول مما حُفظ! طيِّب، مَنْ حفظه لنا يا أخي؟ سمِّ لنا العلماء المسلمين الذين حفظوا هذه المقولة كما ذكرتها! وأين أوردوها؟
ويبدو أنّ الأخ كاتب المقال لم يتنبّه إلى أمر هام وهو أنه أمام جملة شرطية مبدوءة بأداة الشرط [لو]! وهي: حرفُ امتناعٍ لامتناع، أي تدلُّ على امتناع الجواب لامتناع الشرط!!! ففي قولكَ: (لو درسَ لنجح) امتناعُ النجاح لامتناعِ الدَّرْس!
إذن عندما يقول الأمير: ((لو أصغى إليَّ المسلمون والنصارى لرفعت الخلاف بينهم))
فالذي يُفهم من هذا الكلام امتناع رفع الخلاف بين المسلمين والنصارى لامتناع إصغائهم!
فكيف تكون هذه الجملة منهجًا يلتزمه الأمير وهي ممتنعة؟!!
وللعلم فإنّ هذه المقولة أوردها عدّة أشخاص في الإنترنت وكل واحد منهم يأتي بها في صيغة مختلفة عن الأخرى، وذلك لأنهم ينقلونها بالمعنى أو مترجمة عن لغات أخرى. ولكن أغرب ما رأيت في نقل هذه المقولة هو ما كتبه (عبد الحق آل أحمد)؛ ولا أدري إن كان هذا اسمه الحقيقي؛حيث قال:" قال الأمير عبد القادر الجزائري: ((لو أصغى إلي المسلمون و النصارى، لرفعت الخلاف بينهم، ولصاروا إخوانا، ظاهرا و باطنا، ولكن لا يصغون إلي)).اهـ من [ذكرى العاقل و تنبيه الغافل: ص/107] ". انتهى
والغرابة في هذا النقل أنّ كاتبه ينقله هذه المرة من مصدره الأصلي وهو رسالة ((ذكرى العاقل وتنبيه الغافل)) للأمير عبد القادر الجزائري. ولكنّه نقَلَه بعد أن سلخه عن سياق الكلام، فحذف ما سبقه وما لحقه لكي يُظهر العبارة بوجهٍ يساعده على ما يريد. ومِنْ ثَمَّ حَكَمَ على الأمير بأنه يدعو إلى المؤاخاة مع النصارى!!!
وأقول: إنّ رسالة (ذكرى العاقل) هي رسالة كتبها الأمير عبد القادر إلى علماء فرنسة يدعوهم فيها إلى الإسلام؛ وقد بدأها بالكلام على ضرورة إعمال النظر وترك التقليد، ثم بيّن فضل العلم والعلماء، وبيان انقسام العلم إلى محمود ومذموم، ثم بيّن فضل العلم الشرعي، وتحدث عن ضرورة إثبات النبوة التي هي منبع العلوم الشرعية، وتحدث عن قصور المكذبين للأنبياء، وبرهن لهم أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأنبياء، ثم تحدث عن الكتابة وضرورة التصنيف.
وبالطبع فإن هذه الرسالة موجهة إلى غير المسلمين وطريقة الخطاب فيها تراعي حال المخاطبين من أهل الكتاب، كما أمرنا الله تعالى في قوله: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125].
فينبغي على القارئ لها أن يستحضر هذا الأمر، ولا ينظر إليها بوصفها رسالة إلى علماء المسلمين في بيان عقيدة المؤلف! هذا أولاً
وأمّا ثانيًا؛ فهذه الرسالة المطبوعة إنما هي الترجمة العربية للنص الفرنسي المترجم عن الأصل العربي!
فيجب على القارئ لها أن يدرك أنّ الألفاظ التي صيغت بها ليست من إنشاء المؤلِّف (الأمير) وإنما هي ألفاظ المترجِم لها من الفرنسية، وكذلك المعاني هي ما فهمه المترجِم من النص الفرنسي!
وكذلك يجب أن يدرك أنّ النص الفرنسي أيضًا صِيْغَ على النحو الذي فهمه المترجم الفرنسي من النص العربي!
إذن نحن أمام نصّ تعرّض لشيء من التشويه عندما تُرجِمَ من العربية إلى الفرنسية وكذلك عندما تُرجِمَ من الفرنسية إلى العربية!!
ليس هذا فحسب وإنما يجب على القارئ أن يعلم أنّ النص الفرنسي الموجود هو نصٌّ محرّف!! والفرنسيون يخفون الأصل العربي الذي كتبه الأمير بخطّه، ولا يروّجون إلاّ للنص الفرنسي أو النص العربي المترجم عن الفرنسي.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا الذي أقول ليس ظنًا أو تخمينًا، وإنما عندي دليل عليه. فقد ذكر محمد باشا في كتابه (تحفة الزائر) قصة هذه الرسالة فقال: ((إنّ علماء باريس تذاكروا في علماء الإسلام المشاهير، وانتهى بهم الحديث إلى ذكر الأمير ومؤلفاته التي اتصلت بأيديهم ومواعظه التي كان يلقيها على من يجتمع به منهم، وأجوبته على أسئلتهم التي كانوا يبعثونها إليه، فوقع اتفاقهم على أن يثبتوا اسمه في ديوان العلماء من كلِّ أُمّة وملّة من أهل القرون الماضية، فأثبتوه وكتبوا إليه يخبرونه بذلك فكتب إليهم رسالةً ضمّنها علومًا جمّة ذَكرَ في خطبتها ما نصّه: (((الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين، ورضي الله تعالى عن العلماء العاملين، أمّا بعد: فإنه بلغني أنّ علماء باريس كتبوا اسمي في ديوان العلماء، ونَظَموني في سلك العظماء، فحمدت الله على ستره عليَّ حتى نظر عباده بالكمال إليّ؛ وقد أشار عليَّ بعض المحبين منهم أن أكتب إليهم بعض الرسائل، فكتبتُ هذه العجالة، وسميّتها "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل" ورتبتها على مقدمة وثلاث أبواب ... إلخ))).انتهى
هذا هو الأصل العربي الذي افتتح به الأمير رسالته، وللأسف ليس لدينا إلاّ هذا الجزء الذي نقله محمد باشا. وإذا قارناه بما كُتبَ في الرسالة المطبوعة باللغة العربية المترجمة عن الفرنسية وجدنا أنه حتى في هذه الافتتاحية الصغيرة (خمسة أو ستة أسطر) وقع حذفٌ وزيادة وتحريف للنص الأصلي!!
وإليكم النص المطبوع والمنشور (المحرّف): (() الحمد لله ربّ العالَمين. ورضي الله تعالى عن العالِمين. أما بعد: فإنه بلغني أن علماء بريز. وفّقهم العليم الحكيم العزيز. كتبوا اسمي في دفتر العلماء. ونظموني في سلك العظماء. فاهتززت لذلك فرَحا. ثم اغتممت ترَحا. فرِحت من حيث ستر الله عليّ. حتى نظر عبادُه بحسن الظن إليّ. واهتممت من كون العلماء استسمنوا ذا ورم. ونفخوا في غير ضرم. ثم أشار عليّ بعض المحبين منهم بإرسال بعض الرسائل إليهم. فكتبتُ هذه العجالة للتشبه بالعلماء الأعلام. ورميت سهمي بين السهام.
فتشبهوا إن لم تكونوا منهمُ ***** إن التشبه بالكرام رباحُ
وسميتُ هذه الرسالة (ذكرى العاقل. وتنبيه الغافل) ورتبتها على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة ... إلخ ()). انتهى
إنّ كل قارئ يقظ وسليم الصدر، سيرى بوضوح الفوارق الكثيرة بين النصين (الأصلي والمحرّف)!!
لقد حذف المزور الصلاة على النبي بدايةً ـ التي وصفه فيها الأمير بخاتم النبيين لأنّ الرسالة تتضمن إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين ـ، ثمّ حذف كلمة العلماء العاملين، ووضع مكانها كلمة العالِمين!!، ثم غير كلمة باريس فجعلها باريز، وأضاف جملةً كاملة فيها دعاء وثناء على علماء باريس أتى بها مسجوعة، وبعد ذلك حذف المزوّر الجملة التي حمِد اللهَ فيها الأمير، ووضع مكانها جملاً ليس فيها معنى الحمد، ثم أضاف كلامًا وشعرًا، وكل ذلك ليس له وجود في كلام الأمير!!
حتى بيت الشعر جاء بصيغة غير الصيغة المعروفة والتي لا تخفى على الأمير الشاعر! وهي:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلَهمْ*****إن التشبه بالكرام فلاحُ
وسيدرك القارئ الفطن أنّ المحرّفين للنص الأصلي هم من المستشرقين الفرنسيين أو من عملائهم من نصارى الشرق (لبنان) بخاصة! (وأعني بذلك أنّه كان بحوزتهم النص العربي الأصلي يستعملون ألفاظه ومبانيه، في صياغة النص المحرّف).
وللعلم فإنّ النص المترجم إلى العربية طُبِع أوّل مرة في لبنان دون ذكر اسم الناشر أو دار النشر!!
وقبل أن أنقل لكم كامل الصفحة التي اقتُصّت منها تلك العبارة. سأنقل لكم بعض الجمل والعبارات التي وردت في رسالة الأمير حتى تكونوا على شيء من الاطلاع على فحوى هذه الرسالة.
(والرسالة مطبوعة وأنا أدعو الجميع لقراءتها بأنفسهم).
(يُتْبَعُ)
(/)
قال الأمير عبد القادر في مقدمة الرسالة في معرض حثّ علماء فرنسة (والغرب) على إعمال عقولهم لكي يصلوا إلى الدين الحق: ((اعلموا أنه يلزم العاقلَ أن ينظر في القول ولا ينظرَ إلى قائله، فإن كان القول حقًا قبِلَه سواء كان قائله معروفًا بالحق أو الباطل، فإنَّ الذَّهب يُستخرج من التراب والنرجسَ من البصل والتِرياقَ من الحيّات ويُجْتنى الورد من الشوك؛ فالعاقل يعرفُ الرجال بالحق ولا يعرف الحقَّ بالرجال)).انتهى [ص5]، ثمّ قال: ((والمتبوعون من الناس على قسمين، قسمٌ عالمٌ مُسْعِدٌ لنفسه ومسعدٌ لغيره وهو الذي عرف الحق بالدليل لا بالتقليد ودعا الناس إلى معرفة الحق بالدليل لا بأن يقلّدوه، وقسمٌ مُهلِكٌ لنفسه ومهلك لغيره وهو الذي قلَّد آباءَه وأجداده فيما يعتقدون ويستحسنون وتَرَكَ النَّظرَ بعقله ودعا الناسَ لتقليده، والأعمى لا يصلح أن يقود العميان؛ وإذا كان تقليد الرجال مذمومًا غيرَ مرضيّ في الاعتقادات فتقليد الكُتب أولى وأحرى بالذم، وإنّ بهيمةً تُقاد أفضل من مقلِّدٍ يَنْقَاد. وإن أقوال العلماء والمتدينين متضادّةٌ في الأكثر واختيارُ واحد منها واتِّبَاعُه بلا دليل باطلٌ لأنّه ترجيحٌ بلا مرجِّح فيكون مُعارَضًا بمثله)).انتهى [ص6ـ7]؛ وفي معرض كلامه على فضل العلم والعلماء قال: ((ويُدرَكُ شرفُ العلم مطلقًا من حيث هو علمٌ بشيئين، أحدهما شرف الثمرة والثاني قوة الدليل. وذلك كعلم الأحكام الدينية الشرعية وعلم الطب، فإن ثمرة علم الدين السلامة في الدارة الآخرة وهي الحياة الأبدية. وثمرة الطب السلامة في الدنيا وهي سلامة بدنية منقطعة. فيكون علم الدين أشرف لأنه سببٌ لسلامة أبدية لا تنقطع)).انتهى [ص22]؛ وقال: ((وأشرفُ العلوم النافعة معرفةُ الله تعالى ومعرفة حكمته في أفعاله وفي خلق السموات والأرض وما فيهما وما بينهما)).انتهى [ص33]؛ وفي معرض كلامه عن الفرق بين الإنسان وغيره من المخلوقات قال: ((ولما كان المقصود الأعظم من خلق الإنسان هو معرفة خالقه وعبادته أكرمَ اللهُ الإنسان وميّزه بصفة أخرى أشرفَ من الكل وهي العقل، فبه يعرف الإنسان خالقَه ويدرك المنافع والمضار في الحال والمآل)).انتهى [ص35ـ36]؛ وفي معرض نقده لعلماء فرنسة قال: ((وقد اعتنى علماء افرنسا ومن حذا حذوهم باستعمال العقل العملي وتصريفه فاستخرجوا الصنائع العجيبة والفوائد الغريبة فاقوا بها المتقدمين وأعجزوا المتأخرين، رقوا بها أعلى المراقي، وحصل لهم بها الذكر الباقي، فلو استعملوا مع هذا العقلَ النظري في معرفة الله وصفاته وفي معرفة حكمته في خلق السموات والأرض وما يلزم للإله من الكمال وما يتقدس عنه من النقص وما يمكن في حقّه أن يفعله وأن لا يفعله لكانوا حازوا المرتبة التي لا تدرك والمزية التي لا تُشرَك، ولكنهم أهملوا استعمال هذه القوة النظرية حتى إنهم لا يُسمَع منهم لها ذاكر ولا يعثر عليها في كتبهم ناظر)).انتهى [ص40]؛ وقال: ((وأقلّ أحوال من يقصد بعلم النجم الاطلاعَ على المغيبات أنه خوض في فضول لا ينفع، فإن المقدورَ واقعٌ والاحتراز منه غير ممكن، وأحكام النجوم ظنٌ خالصٌ والحكم بالظن حكمٌ بجهل)).انتهى [49]؛ وقال ((اعلموا وفّقكم الله أنَّ العقل وإن بلغ من الشرف والاطلاع على حقائق الأشياء ما بلغ فثَمَّ علوم لا يصل إليها ولا يهتدي إلى الاطلاع عليها إلاّ بتصديق الأنبياء واتباعهم والانقياد إليهم)).انتهى [ص50]؛
وقال: ((فالذي يدعو الناس إلى التقليد المحض مع عزل العقل جاهل، والمكتفي بمجرد العقل عن العلوم الشرعية مغرور، فإياكم أن تكونوا من أحد الفريقين وكونوا جامعين بينهما، فإن العلوم العقلية كالأغذية والعلوم الشرعية كالأدوية، وقلوب الخلق كلها مرضى ولا علاج لها إلاّ بالأدوية التي ركّبها الأنبياء، وهي وظائف العبادات، فمن اكتفى بالعلوم العقلية تضرر بها كما يتضرر المريض بالغذاء. كما وقع لبعض الناس فإنهم قالوا الإنسان إذا حصل له المعقول وأثبتَ للعالم صانعًا وصل إلى الكمال المطلق فتكون سعادته على قدر علمه وشقاوته على قدر جهله، وعقلُه هو الذي يوصله إلى هذه السعادة. وإيّاكم أن تظنوا أنّ العلوم الشرعية مناقضةٌ ومنافرةٌ للعلوم العقلية، بل كلُّ شيء جاء عن الأنبياء مما شرعوه للناس لا يخالف العقول السليمة؛
(يُتْبَعُ)
(/)
نعم يكون في شرائع الأنبياء ما تستبعده العقول لقصورها عنه، فإذا عرفتْ طريقَه عرفتْ أنه الحقُّ الذي لا ينبغي العدول عنه. مثاله في شرع الإسلام الذهب والفضة فإن الشرع يمنع من اختزانهما من غير إعطاء بعضها للفقراء والمساكين، ويمنع من اتخاذ الأواني للأكل والشرب منها، ويمنع من بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة بزيادة، فإذا قيل لإنسان أعطِ بعضها للفقراء وإلاّ تُحرق بالنار! يقول أنا تعبت وجمعتُها فكيف أعطيها مَنْ كان نائمًا مستريحًا هذا خارج عن العقل؟ وإذا قيل له لا تأكل ولا تشرب في أواني الذهب والفضة وإلاّ تُحرق بالنار! يقول أنا أتصرف في ملكي ولا ينازعني فيه أحدٌ فكيف أُعاقب على التصرف في ملكي هذا خارج عن العقل؟ وإذا قيل له لا تبعْ الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة بزيادة وإلاّ تُحرق بالنار! يقول أنا أبيع وأشتري بِرِضًا مني ومن الذي أتعامل معه ولولا البيع والشراء لخربت الدنيا وتعطلت المنافع هذا شيء خارج عن العقل. وكلامه هذا صحيح فإن العقل غير مدركٍ للعقاب على هذه الأمور، فيحتاج العقل إلى التعريف، فيُقال له الحكمة التي خلق الله الذهبَ والفضة لأجلها هي أنّ قِوامَ الدنيا بهما وهما حجران لا منفعة في أعيانهما إذ لا يرُدَّان حرًّا ولا بردًا ولا يُغذيان جسمًا، والخلق كلهم محتاج إليهما من حيث أنّ كل إنسان محتاج إلى أشياء كثيرةٍ في مطعمه وملبسه، وقد لا يملك ما يحتاج إليه ويملك ما يستغني عنه كمن يملك القمح مثلاً وهو محتاج إلى فرس، والذي يملك الفرس قد يستغني عنه ويحتاج إلى البُرّ فلا بدّ بينهما من معاوضة ولابُدَّ من تقدير العِوَض إذ لا يعطى صاحب الفرس فرسَه بكل مقدار من البُر، ولا مناسبة بين البُر والفرس حتى يُقال يُعْطَى منه مثلَه في الوزن أو الصورة فلا يدري أن الفرس كم يسوى بالبُر فتتعذر المعاملات في هذا المثال وأشباهه. فاحتاج الناس إلى متوسط يحكم بينهم بالعدل فخلق الله الذهب والفضة حاكمين بين الناس في جميع المعاملات، فيُقال هذا الفرس يسوى مئة دينار وهذا القَدر من البُر يسوى مثلَه؛ وإنما كان التعديل بالذهب والفضة لأنه لا غرض في أعيانهما وإنما خلقهما الله لتتداولهما الأيدي ويكونا حاكمين بالعدل، ونسبتهما إلى جميع الأموال نسبة واحدة، فمن ملكهما كأنه ملَكَ كلَّ شيء، ومن ملك فرسًا مثلاً فإنه لا يملك إلاّ ذلك الفرس، فلو احتاج إلى طعام ربما لم يرغب صاحب الطعام في الفرس لأنّ غرضه في ثوبٍ مثلاً فاحتيج إلى ما هو في صورته كأنه ليس بشيء وهو في معناه كأنه كل الأشياء. والشيء إنما يستوي نسبته إلى الأشياء المختلفات إذا لم تكن له صورة خاصّة؛ كالمرآة لا لون لها وتحكي كل لون. فكذلك الذهب والفضة لا غرض فيهما وهما وسيلتان إلى كل غرض؛ فكل من عمل فيهما عملاً لا يليق بالحكمة الإلهية فإنه يُعاقب بالنار إن لم يقع السّماح)).انتهى [54ـ57].
وفي معرض كلامه على إثبات النبوّة واحتياج كافة العقلاء إلى علوم الأنبياء قال: ((وإذا ثبت أنّ اللهَ تعالى فاعلٌ مختار لا عِلّةٌ موجبة وثبت أن إرسال الأنبياء ممكن غير محال في حقه، وجاءت الأنبياء بما يصدقهم من المعجزات الخارقة للعادة لزم تصديقهم)).انتهى [ص65]؛ ثم قال: ((ولو أن قائلاً قال إن هذا الإبريق تكوّن بنفسه من غير قصد قاصدٍ حكيم، ولا فعلِ فاعلٍ بل اتفق تكوُّنه بنفسه كما اتفق تشكل هذه القطعة بهذا الشكل الخاص من غير قصد قاصد حكيم ولا جعل جاعل، لشهدت الفطرة السليمة بأن هذا القول باطل محال؛ ومتى ثبت القول بالفاعل المختار ثبتَ حدوث العالم، ومن عرف هذا سهل عليه معرفة النبيّ)).انتهى [ص67]؛ وقال: ((فإذا قال قائل إن هذا المنقول عنهم (يعني الأنبياء) خرافات وكذب! فنقول له ما بال الناس لا ينقلون نقلاً متواترًا عن غير الأنبياء مثلَ ما نقلوا عن الأنبياء؟)).انتهى [ص68]
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال: ((وأساس الديانة وأصولهُا لا خلاف فيها بين الأنبياء من آدم إلى محمد، فكلّهم يدعون الخلقَ إلى توحيد الإله وتعظيمه واعتقاد أن كل شيء في العالم صُنعه. وإلى حفظ النفس والعقل والنسل والمال، فهذه الكلّيات الخمس لا خلاف فيها بين الأنبياء، وجميعُ الشرائع متفقة عليها، وحاصلها يرجع إلى تعظيم الإله والشفقة على مخلوقاته، وطريان النسخ على هذه الكلّيات الخمس مُحال، وإنما النسخ يمكن في الشرائع الوضعية، وهي الأشياء التي يجوز ويصح أن لا تكون مشروعة، دون الأحكام العقلية كتوحيد الإله وما ذكرنا معه من الكلّيات)).انتهى [ص71].
والآن إليكم النص الذي وردت فيه عبارة الأمير التي يُراد من اجتزائها وتدليسها الطعن فيه بغير حق. وقد وردت في معرض احتجاجه على النصارى بأن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين قال: ((والنسخُ في الحقيقة ليس هو إبطال وإنما هو تكميل .... واليهود هم الذين اعتدوا في السبت فمسخهم الله قردةً وخنازير. وقال المسيح ما جئتُ لإبطال التوراة بل جئتُ لأكملها، قال صاحب التوراة "النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والجروح قصاص" وأنا أقول "إذا لطمك أخوك على خدّك الأيمن فضع له خدك الأيسر. وجوابُ النصارى لليهود هو جواب المسلمين للنصارى، والذي قاله المسيح قاله محمد، فإنه قال "ما جئتُ لأُبطل الإنجيل والتوراة وإنما جئتُ لأكملهما. ففي التوراة أحكام السياسة الظاهرة العامة، وفي الإنجيل أحكام السياسة الباطنة الخاصة، وأنا جئتُ بالسياستين جميعًا، جئتُ بالقصاص {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وهو إشارة إلى السياسة الظاهرة العامة، وجئتُ بالعفو {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وهو إشارة إلى السياسة الباطنة الخاصة. وهذا دليلٌ على أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين؛ لأن النبوّة حكمةٌ، والحكمةُ إمّا عملية أو علمية أو جامعة بينهما، وحكمة موسى كانت عمليةً لاشتمالها على تكاليفَ شاقة وأعمال متعبة، وحكمة المسيح كانت علمية لاشتمالها على التجرد والروحانيات والتصوف المحض، وحكمة محمدٍ جامعةٌ بينهما، فلا يجيءُ نبيٌّ بعده غير المسيح فإنه ينزل ثانيًا إلى الأرض لأنّ الذي يجيء بعد محمد إن كانت حكمته عملية فموسوي وإن كانت حكمته علمية فمسيحي، وإن كانت جامعة بينهما فمحمدي، فقد انختمت عليه النبوّة بالضرورة. فالدين واحدٌ باتفاق الأنبياء، وإنما اختلفوا في بعض القوانين الجزئية، فهم كرجالٍ أبوهم واحد وأمهاتهم متعددة؛ فتكذيب جميعهم أو تكذيب البعض وتصديق البعض قصورٌ؛ ولو أصغى إليَّ المسلمون والنصارى لرفعتُ الخلاف بينهم ولصاروا إخوانًا ظاهرًا وباطنًا، ولكن لا يصغون إليّ لِمَا سبق في علم الله أنه لا يجمعهم على رأي واحد؛ ولا يرفعُ الخلافَ بينهم إلاّ المسيح عند نزوله ولا يجمعهم لمجرَّد كلامه مع أنه يحيي الموتى ويبرئُ الأكمه والأبرص، ولا يجمعهم إلاَّ بالسيف والقتل، ولو جاءَني مَنْ يريد معرفة طريق الحق وكان يفهم لساني فهمًا كاملاً لأَوصلته إلى طريق الحق من غير تعب لا بأن يُقلّدني بل بأن يَظْهَرَ الحقُّ له حتى يعترف به اضطرارًا.
وعلوم الأنبياء من حيث خطابهم للعامة دائرةٌ على ما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم، وما جاؤوا ليجادلوا الفلاسفة ولا لإبطال علوم الطب ولا علوم النجم ولا علوم الهندسة وإنما جاؤوا باعتبار هذه العلوم على وجهٍ لا يناقض التوحيد، ونسبة كل ما يحدث في العالم إلى قدرته وإرادته سبحانه .. )).انتهى [ص75ـ78].
هذا ما قاله الأمير عبد القادر، والقارئ يرى بوضوح الاختلاف الكبير بين إيراد تلك المقولة ضمن سياقها، وبين سلخها عن سياقها!. فالأمير يتحاور مع العلماء النصارى ويبيّن لهم الحقائق بطريقة تتناسب مع طبائعهم وتفكيرهم، فضرب لهم المثل بداية باليهود وكيف اعترضوا على النصارى وأنكروا نبوّة المسيح، ورفضوا مبدأ النسخ والتكميل في الشرائع .. إلى غير ذلك من الاعتراضات. ثم ذكّرهم بما ردّت به النصارى على اليهود! ثم قال لهم لقد اعترضتم على المسلمين بمثل ما اعترض عليكم اليهود، ونحن نجيبكم بمثل ما أجبتم اليهود! فإذا كنتم تعدّون أنفسكم على الحق وأنّ ما رددتم
(يُتْبَعُ)
(/)
به على اليهود حق، فيلزمكم من ذلك أن تقبلوا ردّنا عليكم وتُقِرّوا بأنّ الإسلام هو آخر الشرائع وأنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء. ولا يليق بكم أن تعترضوا علينا بما اعترض به اليهود عليكم، لأنكم في ردّكم عليهم بيّنتم بطلان أصل اعتراضهم.
والقارئ يلاحظ أن الأمير لم يقل: لو أصغى إليّ المسلمون واليهود!! وإنما قال والنصارى، إذن نحن لسنا أمام فكرٍ يدعو إلى توحيد الأديان أو إزالة الفوارق بين المسلمين والكافرين، كما يتوهّم البعض، وإنما نحن أمام محاورة يُجْرِيها مسلمٌ مع أهل الكتاب من النصارى حصرًا ـ لأنّهم تعرّضوا لمثل ما تعرّض له المسلمون ـ يحاولُ فيها إلزامهم بالقواعد العقلية التي استندوا إليها في صراعهم مع اليهود.
ومع ذلك أعود فأقول إنّ العبارة ليس فيها الإشكال الذي يظنه البعض. فالجملة صدّرها الأمير بحرف الشرط (لو)، وهو كما يعرف دارسو العربية: حرفُ امتناعٍ لامتناع، أي يدلُّ على امتناع الجواب لامتناع الشرط!!! ففي قولك: (لو درسَ لنجح) امتناعُ النجاح لامتناعِ الدَّرْس!
إذن عندما يقول الأمير: ((لو أصغى إليَّ المسلمون والنصارى لرفعت الخلاف بينهم))
فإنّ العربي يفهم من هذا الكلام امتناعَ رفعِ الخلاف بين المسلمين والنصارى لامتناع إصغائهم!
ومع ذلك فإنّ الأمير أوضح العبارة كي لا تلتبس على أحد، فقال: ((ولكن لا يُصغون إليّ لِمَا سبق في علم الله أنه لا يجمعهم على رأي واحد؛ ولا يرفعُ الخلافَ بينهم إلاّ المسيح عند نزوله ولا يجمعهم لمجرَّد كلامه مع أنه يحيي الموتى ويبرئُ الأكمه والأبرص، ولا يجمعهم إلاَّ بالسيف والقتل)).انتهى
فهل يبقى بعد هذا البيان أي غموض في العبارة؟ لقد قرر الأمير ما استقرّ في عقيدة كل مسلم أنّ النصارى ـ في مجموعهم ـ لن يصغوا إلى المسلمين ولن يعترفوا بالإسلام إلاّ بعد نزول المسيح عليه السلام، ليس هذا فحسب، بل إنهم حتى بعد نزول المسيح لن يستعملوا عقولهم ولن يصغوا بآذانهم وقلوبهم، وإنما سيدفعهم المسيح إلى ذلك بالسيف والقتل!!
فهل في هذا الكلام أي مطعن في عقيدة الأمير الإسلامية؟!.
وما كان الأمير ليتودد إلى النصارى ولو ظاهرًا، وهو عندما كان في أَسْرِهم وفي متناولهم، وسمع من بعض أعيانهم ورجالاتهم كلامًا ينتقصون فيه دين الإسلام، كتبَ كتابًا يرد فيه عليهم ووضع له عنوانًا جريئًا قويًا لا يهابُ فيه أحدًا منهم مع أنه يعلم أنه تحت سلطانهم، ولكنّه الإيمان الراسخ بالله وحده، والعزّة بدين الإسلام، والقوة في الدفاع عن هذا الدين. وعنوان الكتاب:
[المقراضُ الحادّ لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد]؛وهو مطبوع
وحتى لا أدع أيّ مجال للمشككين أقول: لقد صرّح الأمير عبد القادر ـ بكل اطمئنان وبأوضح بيان ـ بعقيدته في اليهود والنصارى وذلك في رسالته الجوابية إلى مفتي الشام السيد محمود أفندي الحمزاوي، الذي سأله عن بعض الطوائف والأديان. وقد أثبتَ هذه الرسالة محمد باشا في تحفة الزائر وهي من آخر رسائل وفتاوى الأمير!!؛ جاء فيها: (( ... وأمّا قولك أنّ منطوق الآية الشريفة في سورة الحج أنّ المشركين ليسوا هم النصارى ([1] ( http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=43653#_ftn1)) .. الخ. فاعلم أنّ النصارى هم أتباع المسيح عليه السلام، وأُمَّته ممن كان تابعًا للمسيح قبل ظهور محمد عليه السلام فهو من أفضل الخلق وأعلاهم درجة، وبعد ظهور محمد عليه السلام مَنْ آمن به فله أجران ويحشر مع الناجين الآمنين ومَنْ كفرَ بما جاء به محمد من النصارى وغيرهم فيُسمّى كافرًا لا مشركًا، إلاّ من قال في المسيح عليه السلام أنه ابن الله ومن اليهود في عُزير أنه ابن الله فهو مشرك والنصارى الحقيقيون هم الذين يعتقدون أن المسيح عليه السلام روحُ اللهِ وكلمتُه ألقاها إلى مريم العذراء البتول عليها السلام وأنه رسول الله إلى بني إسرائيل بشرعٍ ناسخ لبعض شرع موسى عليه السلام والإنجيل المُنزّل عليه كلام الله تعالى حقيقةً لا مجازًا. وفِرَقُ النصارى واعتقاداتهم المختلفة أنتَ أعلم بها فلا نطيل الكلام بذكر مذاهبهم وفِرَقهم. وبالجملة فالنصارى أجهل الناس بالمعقول والإلهيات. والكفرُ: إمّا كفر إنكار، وهو أن يكفر بقلبه ولسانه، وإما كفر جحود وهو أن يعرف
(يُتْبَعُ)
(/)
الحق بقلبه ولا يقرّ بلسانه، وإما كفر عناد وهو أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه ولا يدين به، وكفر نفاق وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه، والجميع سواء في أنه من لقيَ اللهَ تعالى بواحد منهم لا يُغفر له. فقد بان لك أنّ أهل الكتاب لا يُقال فيهم مشركون وإنما يُقال لهم كفّار؛ فإنّ الكافر اسمٌ لمن لا إيمان له بمحمد وبما جاء به من الشرائع والأحكام، ومَنْ أخفى الكفرَ وأظهر الإيمان فهو المنافق، وإن طرأَ عليه الكفر بعد الإيمان فهو المرتد، وإن كان متدينًا ببعض الأديان والكتب المنسوخة فهو الكتابي، وإن قال بقدم الزمان والدهر ونسبَ الحوادث له فهو الدّهريّ، وإن كان لا يُثبتُ الباري تعالى فهو المعطّل، وإن كان يجعل مع الله إلهًا آخر فهو المشرك؛ وشريعة محمدٍ عليه السلام نسخت الشرائع المتقدمة كلّها، فلا يقبل الله تعالى دينًا اليوم من أحدٍ ولو عبدَ اللهَ بعبادة الثّقلين؛ الإنس والجن؛ إلاّ مَنْ عبدَ اتّباعًا بمحمدٍ عليه السلام)).انتهى [تحفة الزائر2/ 246]
وبعد فإنني أعتقد أنّ الأمر أصبح جليًا لا لبسَ فيه.
وأُذكّرُ كل من يتسرّع في اتّهام الآخرين ويُطلق عليهم أحكام الردة والكفر وموالاة الكفرَة، بقول الله تعالى: {ستُكتَبُ شهادتهم ويُسْألون} [الزخرف:19]
([1]) في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج:17]
وهناك أمر هام جدًّا أريد أن أنبّه عليه: وهو أنّ بعض الأوربيين قرؤوا أو سمعوا عبارات وكلمات من الأمير عبد القادر ففهموا منها معنىً ما، ثمّ ترجموها إلى لغاتهم بحروفهم وأدبيّاتهم، ثمّ جاء بعد ذلك بعض العرب ليقرؤوها ويفهموا منها فهمًا جديدًا قريبًا من المعنى الأجنبي ثمّ بعد ذلك يعيدوا ترجمتها إلى العربيّة. فماذا تكون النتيجة؟ النتيجة أننا نقرأ كلامًا بعيدًا عن الأصل في المعنى. أو لا وجود له، وسأضرب بعض الأمثلة:
استمعَ شارل هنري تشرشل (البريطاني) لخطبة من خطب الأمير عبد القادر وكان من ضمن الخطبة استشهادٌ بآيات من القرآن، فانظروا كيف ترجم تشرشل الآيات التي قرأها الأمير:
1ـ الآية الأولى: يقول تشرشل نقلاً عن الأمير: (( .. فأنتم تعلمون ما نصّ عليه القرآن الكريم من أنّ {النمل يغلب الفيلة وأنّ الجرذان تقتل الأسود}.انتهى [حياة الأمير لتشرشل ص150]
2ـ الآية الثانية: {دع الظلم يسقط على رأس صاحبه}.انتهى [المرجع السابق ص168]
3ـ الآية الثالثة: {من الأفضل أن تكون مظلومًا من أن تكون ظالماً}.انتهى [المرجع السابق ص168]
4ـ الآية الرابعة يقول تشرشل: ((وألقى خطبة كان موضوعها آية قرآنية يلوم فيها محمدٌ صهره عليًا على قتل خمسمئة كافر بعد أن استسلموا)).انتهى [المرجع السابق ص207]
5ـ الآية الخامسة {أنا لا أوجّه الطلقة بل الله هو الذي يوجّهها}.انتهى [المرجع السابق ص146].
أرأيتم كيف تتحرّف الأشياء! هل سمعتم بتلكم الآيات؟ هل يظن عاقلٌ أن الأمير (الحافظ لكتاب الله) يقول تلك الآيات وعلى مسمعٍ من المسلمين أيضًا؟!
الواضح تمامًا أن تشرشل البريطاني فهم معنىً ما من الآيات التي ذكرها الأمير ثم ترجمه للغته ثم أتى المترجم العربي ففهم معنى آخر من الترجمة الأجنبية فصاغه بالعربية على النحو الذي رأيناه.
وقد قال الأستاذ أبو القاسم سعد الله عن ترجمة الآية الأولى: ((ولعل الأقرب إلى هذا المعنى قوله تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}، وقال عن الآية الثانية: والأقرب إلى هذا المعنى هو قوله تعالى: {ولا يحيق المكر السيئ إلاّ بأهله})).انتهى.
وأما الآية الخامسة فالمقصود ولا ريب قوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}.
هكذا يفعل العقلاء والمنصفون.
وهناك أمثلة أخرى كثيرة وأظن أن ما أوردته يكفي لتوضيح الفكرة.
والحمد لله رب العالمين
خلدون بن مكيّ الحسني
للبحث صِلَة إن شاء الله
ـ[عبد الرحمان المغربي]ــــــــ[27 - Jun-2008, صباحاً 01:56]ـ
بارك الله فيك ... يا حفيد الأمير ...
ـ[عبدالقادر بن محي الدين]ــــــــ[29 - Jun-2008, صباحاً 01:21]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن كل من يريد أن يتصدى لدراسة الأمير عبد القادر وفهم شخصيته عليه أن يأخذ في اعتباره عدة عوامل ومواقف في حياته , وأن يبذل جهده في الابتعاد عن كل مجازفة , ويسعى أن يكون موضوعياً قدر المستطاع , والموضوعية مما يتغنى بها كثير من المعاصرين , لكنك لا تراها في أعمالهم إلا قليلاً , وهاهنا كلمة للأستاذ عمر بن قينة جعلها منهاجاً لدراسته عن الدّيسي قال:" جعلت نصب عيني في البحث الحقيقة العلمية هدفاً لا أتردد في إعلانها لحظة عند العثور عليها , ولو نقضت لي رأياً سابقاً , أو أغضبت صديقاً عزيزاً , إلى أن قال: فكنت أثني على الديسي عندما يستدعي الموقف ثناء , وأذم أفكاره وأحمله وزرها عندما أراه يتنكر لعقله , أو يسهو عن عقيدته, كنت راصداً له أسجل ما له وما عليه , , , "
لكن ينبغي أن يعلم أيضاً أن ما ذهب إليه بعض الإخوة من نقد لبعض الأمور التي قال بها الأمير أو غيره , ليس الغرض منه الحكم على الأشخاص المنتقدين في نفس الأمر ولا استنقاصهم ,بل هو بيان الحق بحسب علمي , فإننا منهيون أن تمنعنا مهابة أي كان من قول الحق, أما الناس فمرجعهم إلى الله , ثم ينبئهم بما كانوا يعملون.
والله أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[29 - Jun-2008, صباحاً 03:07]ـ
جزاكم الله خيرااا
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[29 - Jun-2008, صباحاً 03:09]ـ
قال العلاّمةُ الشيخُ عبدُ الرّحمنِ بنُ يحي المعلميّ العُتميّ اليماني رحمه الله [1]، متكلّمًا عن الأسبابِ الدّافعةِ إلى عدم الإعتراف بالحقّ بعد علمِه و تبيُّنِه، و عن بواعثِ التّمادي على الباطلِ:
((الدّينُ على درجاتٍ: كفٌّ عمّا نهُي عنه، و عملٌ بما أُمر به، و اعترافٌ بالحقّ، واعتقادٌ له وعلمٌ به. ومخالفةُ الهوى للحقِّ في الكفّ واضحةٌ، فإنّ عامَّة ما نهي عنه شهواتٌ و مستلذّاتٌ، و قد لا يشتهي الإنسانُ الشّيءَ مِنْ ذلكَ لذاته، ولكنّه يشتهيهِ لعارضٍ. و مخالفةُ الهوى للحقّ في العمل واضحةٌ، لما فيه من الكُلفة و المشقّةِ.
و مخالفةُ الهوى للحقِّ في الإعترافِ بالحقّ من وجوهٍ: [2]
الأوّلُ: أنْ يرى الإنسانُ أنّ اعتراف بالحقّ يستلزمُ اعترَافَه بأنّه كان على باطلٍ [3]، فالإنسان يَنشأُ على دينٍ أو اعتقادٍ أو مذهبٍ أو رأيٍ يتلقّاهُ من مربّيهِ ومعلّمهِ على أنّه حقٌّ، فيكون عليه مدّةً، ثمّ إذا تبيّن له أنّه باطلٌ شقَّ عليه أن يعترفَ بذلكَ، وهكذا إذا كان آباؤه أو أجداده أو متبوعُه على شيءٍ، ثمّ تبيّن له بطلانُه، و ذلك أنه يرى أنّ نقصَهم مستلزمٌ لنَقصِه، فاعترافُه بضلالهم أو خطأِهم إعترافٌ بنقصه، حتى أنّك لترى المرأةَ في زماننا هذا إذا وقفتْ على بعض المسائلِ التي كان فيها خلافٌ بين أمّ المؤمنين عائشةَ و غيرِها منَ الصّحابة، أخذتْ تحامي عن قولِ عائشةَ، لا لشيءٍ، إلا لأنّ عائشَةَ امرأةٌ مثلُها، فتتوهّمُ أنّها إذا زعمت أنّ عائشة أصابتْ و أنّ مَنْ خالفها من الرّجالِ أخطأوا، كان في ذلك إثباتُ فضيلة لعائشة على أولئك الرّجال، فتكون تلك الفضيلةُ فضيلةً للنّساء على الرّجال مطلقًا، فينالها حظٌّ من ذلك، و بهذا يلوحُ لك سرُّ تعصّبِ العربي للعربي، و الفارسي للفارسي، و التركي للتركي، وغير ذلك.حتى لقد يتعصّبُ الأعمى في عصرنا هذا للمَعَرّي!.
الوجهُ الثّاني: أنْ يكونَ قدْ صارَ لهُ في الباطلِ جاهٌ و شهرةٌ و معيشةٌ، فيشقُّ عليه أن يَعترفَ بأنّه باطلٌ فتذهبُ تلك الفوائدُ.
الوجه الثالثُ: الكِبْرُ، يكونُ الإنسان على جهالةٍ أو باطلٍ، فيجيءُ آخَرُ فيبيّنُ له الحُجّةَ، فيرى أنّه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافُه بأنّه ناقصٌ، و أنّ ذلك الرّجلَ هو الذي هداهُ، ولهذا ترى من المنتسبينَ إلى العلم من لا يشقُّ عليه الإعترافُ بالخطأ إذا كان الحقُّ تبيّنَ له ببحثه و نظره، و يشقُّ عليه ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّنَ له.
الوجهُ الرابعُ: الحسدُ، و ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّن الحقَّ فيرى أنّ اعترافَه بذلك الحقِّ يكون اعترافًا لذلك المُبيِّنِ بالفضل و العلم و الإصابةِ، فيَعْظُم ذاك في عيون النّاس، ولعلّه يتبَعه كثيرٌ منهم، و إنّ لتجدُ [4] منَ المنتسبينَ إلى العلم من يحرصُ على تخطئةِ غيره من العلماءِ و لو بالباطل، حسدًا منه لهم، ومحاولةً لحطِّ منزلتهم عندَ النّاسِ.))
--------------------------
[1]: في كتابه: " القائدُ إلى تصحيحِ العقائدِ " [بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله و نشر المكتب الإسلامي، ط 3، 1404]
[2]: أي: عدم اعتراف صاحب الهوى بالحقّ يكون من أسباب. [أبو حاتم]
[3]: كذا في الأصل، ولعلّ الصوّاب: أن يرى الإنسان أنّ اعترافه بالحقّ ... [أبو حاتم]
[4]: كذا، و الصّواب: و إنّك لتجد ... [أبو حاتم].
.............................. .............................. .............................. .............................. .............................. ..........
((و مخالفةُ الهوى للحقِّ قد تكونُ لمشقَّةِ تحصيلهِ، فإنّهُ يحتاجُ إلى البحثِ و النّظرِ، و في ذلك مشقّةٌ، و يحتاجُ إلى سؤالِ العلماءِ و الاستفادةِ منهم و في ذلك ما مرَّ في الاعتراف، و يحتاج إلى لزومِ التّقوى طلباً للتّوفيقِ و الهدى و في ذلك ما فيهِ منَ المشقّةِ.
(يُتْبَعُ)
(/)
و قد تكونُ لكراهيةِ العلمِ و الاعتقاد نفسهِ و ذلك من وجهات [1]، الأوّلُ ما تقدّمَ في الاعترافِ، فإنّه كما يشقُّ على الإنسان أن يعترفَ ببعض ما قد تبيَّنَ له، فكذلك يشقّ عليه أن يَتبيّنَ له، فيشقُّ عليهِ أن يتبيّنَ بطلانَ دينه، أو اعتقادِه، أو مذهبِه، أو رأيِه الذي نشأ عليه؛ و اعتزَّ به و دعا إليه، و ذبَّ عنه، أو بطلانَ ما كان عليه آباؤُه و أجدادُه و أشياخُه، ولا سيما عندما يلاحِظُ أنّه إن تبيّنَ له ذلك تبيّن أنّ الذين كان يُطريهم و يُعظِّمُهم، ويُثني عليهم بأنهّم أهلُ الحقِّ و الإيمانِ و الهدى و العلم و التّحقيقِ، هم على خلافِ ذلك، و أنّ الذين يحَقرُهم و يذمُّهم و يسخَرُ منهم و ينسبُهم إلى الجهلِ و الضّلالِ و الكفرِ هم المحقّونَ [2]، و حسبُك ما قصّهُ اللهُ عزّ و جلّ من قول المشركينَ، قال تعالى: {وَ إِذْ قَالُوا اللّهُمَّ إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بَعَذَابِ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]. فتجدُ ذَا الهوى كلّما عُرضَ عليه دليلٌ لمخالفيه أو ما يوهنُ دليلاً لأصحابهِ، شقَّ عليه ذلك و اضطربَ و اغتاظَ و سارع إلى الشّغَبِ، فيقول في دليل مخالفيه: هذه شبهةٌ باطلةٌ مخالفةٌ للتقطيعات [3]، و هذا المذهبُ مذهبٌ باطلٌ لم يذهبْ إليه إلاّ أهلُ الزيغ و الضّلال ... ، و يؤكّدُ ذلك بالثّناءِ على مذهبه و أشياخِه ويُعدّدُ المشاهيرَ منهم ويُطريهم بالألفاظ الفخمةِ، و الألفاظ الضّخمة، و يَذكُر ما قيل في مناقبِهم و مثالبِ مخالفيهم، و إن كان يعلمُ أنّه لا يصحُّ، أو أنّه باطلٌ!
و من أوضحِ الأدلّة على غلبةِ الهوى على النّاس أنهم - كما تراهم - على أديانٍ مختلفة، ومقالاتٍ متباينةٍ، ومذاهبَ متفرّقةٍ، وآراء متدافعةٍ، ثمّ تراهم كما قال الله تبارك و تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الرّوم: 32]
فلا تجدُ من ينشأُ على شيءٍ من ذلك و يثبتُ عليه؛ يرجعُ عنه إلاّ القليل، و هؤلاء القليل يكثر أن يكون أوّلَ ما بعثهم على الخروج عمّا كانوا عليه أغراضٌ دنيويةٌ. [4]
و من جهاتِ الهوى أن يتعلّقَ الاعتقادُ بعذاب الآخرة فتجدُ الإنسان يهوى أن لا يكون بعثٌ لئلاَّ يؤخذَ بذنوبه، فإن علِمَ أنّه لا بدّ من البعثِ هَوِيَ أن لا يكون هناك عذابٌ، فإن علم أنّه لا بدّ من العذاب هَوِيَ أن لا يكون على مثله عذاب كما هو قولُ المرجئةِ، فإن علم أنّ العُصاةَ معذّبونَ هَوِيَ التوسّعَ في الشّفاعة، وهكذا.
و من الجهاتِ أنّه إذا شقّ عليه عملٌ كالأمر بالمعروف و النّهيِ عنِ المنكر، هوي عدمَ وجوبِه، و إذا ما ابتُليَ بشيءٍ يشقُّ عليه أن يتركَهُ كشُرب المُسْكِرِ هوي عدمَ حُرمَتِه. و كما يهوى ما يخفّ عليه فكذلك يهوى ما يخفّ على من يميلُ إليه، و ما يشتدُّ على من يكرهه، فتجد القاضيَ و المفتِيَ هذا حالهُما. و منَ المنتسبين إلى العلمِ من يهوى ما يُعجب الأغنياءَ و أهلَ الدّنيا، أو ما يعجب العامّة ليكون له جاهٌ عندهم و تُقبِلَ عليه الدنيا، فما ظهرت بدعةٌ، و هَوِيَها الرّؤساءُ و الأغنياءُ و أتباعهم إلا هَوِيَها و انتصرَ لها جمعٌ من المنتسبين إلى العلم، ولعلّ كثيرًا ممّن يخالفها إنّما الباعثُ لهم على مخالفتها هوى آخرُ وافق الحقَّ، فأمّا من لا يكون له هوى إلا اتّباعُ الحقّ فقليلٌ، و لا سيما في الأزمنة المتأخّرة، وهؤلاء القليل يقتصرونَ على أضعفِ الإيمان، و هو الإنكارُ بقلوبهم و المسارَّةُ به فيما بينهم، إلا منْ شاء اللهُ.)) انتهى ما أردتُ نقلَه من كلامهِ رحمه الله. من الصّفحة 12 إلى الصفحة 15.
------------------------
[1]: كذا هي الكلمة في الأصل.
[2]: ما أحسن ما قال عليٌّ رضي الله عنه لابن الكوّاءِ: هل تدري ما قال الأوّلُ؟ ((أحببْ حبيبَك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما، وأبغضْ بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبَك يوما ما)). [رواه الإمامُ البخاري في الأدب المفرد، قال العلّامة الألباني: حسن لغيره موقوفا، وقد صحّ مرفوعا، (صحيح الأدب المفرد ً 360)].
[3]: لعلّها: القطعيات، و الله أعلم.
[4]: اللهمّ سلّم سلّم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[01 - Jul-2008, صباحاً 12:21]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثالثة
لقد بدأ الكاتب مقاله متعجبًا من سبب اهتمام العالَم بشخصيّة الأمير عبد القادر، وتحدَّث عن أفلام تبثُّها قناة العربيّة وغيرها، وقال: ((وكأن الرجل إنما توفي عن وقتٍ قريب جداَّ)). وبصرف النظر عن صياغة عبارته، فإنها عبارة عجيبة! وهل الاهتمام بالأشخاص يكون تَبَعًا لتاريخ وفاتهم أم بحسب مكانتهم وقَدْرِهم وما تركوه من أثر؟
وحتى لا أطيل أقول للأخ الكاتب ولغيره: لا تعجب أبدًا من اهتمام العالم العربي والغربي بالشخصيات المرموقة والفذّة في أي وقت وعصر، فهذا أمر طبيعي ومطلوب.
ولكن تعجّب من فعلهم ومن خبثهم! نعم إنّ الذي يفعلونه اليوم هو مكرٌ شديد، مستغلين جهل بعض أبناء أمّة الإسلام وغفلتهم.
ثمّ لماذا تتعجب والسيناريو الذي اعتمد عليه الفيلم قريب جدًا من محتوى مقال (فكّ الشفرة)؟!
أمّا قناة العربيّة فليس لها من ذلك الفيلم اللّعين أي دور سوى الترويج له. لأنّ الفيلم قد أعدته قناة أوربية (فرنسية ألمانية) وبثّته في الغرب موجهاً للجالية المسلمة هناك من أجل أغراض فاسدة سأبينها لاحقاً.
فمنذ سنوات اتصلت بي مندوبة تلك القناة وأخبرتني أنّ فريقاً من العاملين في القناة جاء إلى دمشق ويريدون أن يجتمعوا بي ليجروا معي لقاءً تلفزياً، فقلت لها وما الموضوع؟ قالت فيلم وثائقي عن الأمير عبد القادر. قلت لها الأمير مات في القرن التاسع عشر (1883م) ونحن اليوم في القرن الواحد والعشرين فكيف تصورون فيلمًا وثائقيًا عنه؟! ولم يبق أحدٌ ممن عاصره على قيد الحياة! ولا توجد لديكم أي أفلام مصورة في حياته! فما معنى فيلم وثائقي؟ قالت نحن نجتمع مع أفراد من أسرته في عدّة بلدان ونسألهم عنه ثم يكون الفيلم!
قلت وبمن التقيتم؟ قالت لا عليك نحن نريد أن نتحدث معك الآن. قلت حسنًا فأين (سيناريو) الفيلم حتى أطلع عليه. قالت نأتيك به لاحقًا. قلت هل من الممكن أن أرى ما صورتموه إلى الآن؟
قالت سأسأل المدير وأردّ لك الجواب. وبعد أيام اتصلت بي وقالت هل أنت جاهز للتصوير؟ قلت لا حتى أرى ما عملتم سابقًا. قالت أعدك أن ترى كل شيء. قلت هذا لا ينفع. ثم ما جنسية من سيجري معي اللقاء عربي أم فرنسي؟ قالت فرنسي. قلت ومن سيترجم كلامي؟ قالت لدينا مختصون في هذا المجال سيعتنون بذلك. قلت هذا لا يروق لي لأنني أخشى من سوء الترجمة والموضوع حساس فأنتم تريدون الحديث عن تصوّف الأمير وعن سيرته في دمشق. قالت كن مطمئنًا. قلت ومع من سأجتمع؟ قالت مع (المدموزيل) الآنسة فلانة! وفريق التصوير. قلت لها والله أنا لا يمكن أن أجلس مع امرأة فرنسية أو غيرها للحديث أصلاً، فكيف مع التصوير هذا لا يمكن. ثم عاودت الاتصال بي فرفضتُ الأمر جملةً.
ثمّ إنهم ذهبوا والتقوا ببعض أفراد الأسرة (الفاتح بن سعيد بن علي بن الأمير عبد القادر) والسيدة (بديعة بنت مصطفى بن محيي الدين بن مصطفى الأخ الأصغر للأمير عبد القادر)
وقد لامني بعض الأصحاب على امتناعي من اللقاء التلفزي في حينها.
وبعد مدّة ظهر الفيلم إلى الوجود وأذيع في أوربة، ثمّ اشترته قناة العربيّة فيما يبدو.
وعندما شاهدتُ الفيلم حمدتُ الله أنني لم أقع في شَرَك هؤلاء الخبثاء.
فالفيلم لم يعرّج أبدًا على جهاد الأمير للفرنسيين في الجزائر سبعة عشر عامًا وتفاصيلِ ذلك، وإنما بدأ الفيلم بالحديث عن الأمير ومساعدته للمسيحيين وحبّه ومساندته لهم، وعن "ماسونيّته"، ثم صاروا يصورون بعض الشبّان من السياح الفرنسيين في الجزائر فيقول له أحدهم: نعم أذكر أنّ الأمير كان يقول كن مع اليهودي يهوديًا ومع المسيحي مسيحيًا بل ومع المشرك مشركًا!!!
ثم زعموا أن الأمير دفن بجانب قبر الرئيس هواري بومدين!! وكأنّ هواري بومدين مات قبل الأمير! لقد حمل هواري بومدين رُفات الأمير عندما نقلوه من الشام إلى الجزائر، وأوصى أن يُدفن هو بجانب الأمير.
وأما عن لقاءات الأسرة فلم يظهروا أيًا منها واكتفوا بمقطع مجتزأ مع السيد الفاتح يصرح فيه بأن الأمير ليس ماسونيًا ويطالب بالعناية بآثاره وأملاكه.
(يُتْبَعُ)
(/)
إذن الفيلم يريد أن يصور للعرب والمسلمين أنّ الأمير عبد القادر إنما هو رجل ماسوني يحب اليهود والمشركين، فإذا كان له منزلة في قلوبكم فما عليكم إلاّ أن تتبعوه! أو تنبذوه وتعادوه!
ـ وللفائدة فإن الفرنسيين لمّا خسروا حربهم في الجزائر واضطروا إلى الخروج منها خائبين، صاروا يدّعون أنّ خروجهم كان لأغراض سياسية أو لأسباب تكتيكية أو أو .... ثمّ صاح بهم أحد عقلائهم وقال مخاطبًا الشعب الفرنسي المصعوق بخروجه من الجزائر بعد 132سنة: ((باختصار القرآن أقوى من فرنسة)) فهذا اعتراف منه أنّ الثورة في الجزائر كانت ثورة دينيّة. لذلك عمدت السلطات الفرنسيّة بكل ما لديها من أدوات الإعلام لزرع فكرة معاكسة، فما كان من الرئيس هواري بو مدين (واسمه الحقيقي محمد بو خروبة) إلاّ أن قرر نقل رُفات الأمير من دمشق إلى الجزائر ليُحْيي عند الناس ذكرى جهاد الأمير للفرنسيين ذلك الجهاد الإسلامي!! وليوصل رسالة للفرنسيين أن حربنا معكم كانت منذ البداية حرب جهاد وأن الشعب الجزائري شعب مسلم يعتز بدينه!
والحقيقة أن الغرب يحسب ألف حساب لشخصيّة الأمير بسبب أنه يرسم للمسلمين المثال الذي يمكن أن يحتذوا به في خلق الإمارة الإسلاميّة وإعلان الجهاد المسلح على الصليبيين والمعتدين؛ لأنهم يعلمون أن الأمير استطاع مع ثلّة من الرجال المؤمنين أن يؤسس دولة دستورها الإسلام وينشئ جيشاً ضمن أرض الجزائر، المحتلة أصلاً من قبل أكبر قوة عسكرية في ذلك الوقت (فرنسة)، وأن يجاهدها ويكبدها الخسائر الفادحة ويحطم كبرياءها.
الغرب يخشى من شخصيّة الأمير عبد القادر لأنه أحد رواد ثورة الإصلاح الديني، لقد حارب الأمير الصوفي بعض شيوخ الطرق الصوفية المنحرفين في الجزائر وقاومهم وحارب الشعوذة والتدجيل وعبادة الشيوخ، وكل هذا مدوّن في كتب تاريخ الجزائر ومسجل بالوثائق، ولكن من المؤسف أنّ أمّة {اقرأ} لا تقرأ!!
حتى إن بعض الكتّاب والمؤرخين عدّوا الأمير عبد القادر وعبد الكريم الخطابي من المتأثّرين بالحركة الوهّابيّة (انظر حاضر العالم الإسلامي، والحركة الوطنية الجزائرية)، وهذا طبعًا بتعريفها العام كحركة إصلاح ديني لها جيش يدعمها، لا من حيث الاتفاق على كل مبادئ الحركة ومعتقداتها.
فالأمير مشربه صوفي ويختلف مع الفكر الوهابي، ولكنه متفق معه على وجوب إزالة الفساد الديني والجهل الشرعي.
((وكذلك الأمر كان مع الشيخ محمد بن علي السنوسي شيخ الطريقة السنوسية الذي رحل إلى مكّة وتأثّر بالإصلاح الوهابي دون تقليده، والسنوسية تشبّعت بأفكار الشرق، ولا سيما الفكر الوهّابي)) والكلام للدكتور أبي القاسم سعد الله. [انظر الحركة الوطنية الجزائرية لسعد الله ص373 و403]
وكذلك من المتأثرين بالفكر الوهابي من صوفية الجزائر (شريف ورقلة: إبراهيم بن أبي فارس) [المصدر السابق ص372]
على أيّة حال، الدروس التي يمكن أن تستفاد من سيرة الأمير عبد القادر تمثل خطرًا كبيرًا على الغرب وأتباعه، لذلك هم حريصون على تشويه هذه الشخصيّة، فلا مسوغ لتعجّب كاتب المقال لأن كل تلك الأفلام التي تحدَّثَ عنها إنما هي للتشويه والتضليل.
قال بعض المؤرخين الفرنسيين (( ... إنّ عبد القادر قد تحدّى أكبر الجيوش في وقته، واخترع حرب العصابات، ووضع أسس الوطنية الجزائرية، وأعطى لغيره دروسًا في المهارة والالتزام للدبلوماسيين ... )) انتهى [لاتياد ص43]. وكما قيل: والفضل ما شهدت به الأعداء.
وقد علّق على هذا الكلام كبير المؤرخين في الجزائر الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله فقال: ((ولكن هذا الكاتب نسيَ أن ينبّه إلى أنّ عبد القادر هزَمَ أكبر جنرالات وماريشالات فرنسا عندئذ، وأنها (أي فرنسا) نَكَبَته في وطنه وقومه وتآمرت عليه مع جيرانه وعزلته حتى عن علماء الدين، ونصَبَت ضده شبكة من الجواسيس والخونة، وتقوّلت عليه الأقاويل الكاذبة، وخانت وعدها معه بتركه يذهب حيث اختار. ولكن هناك كتّاب آخرون يذكرون أن الأمير كان باعث الوطنية الجزائرية. فقد وصَلَ خطابه أعماق الشعب، وحرّك نداؤه ضمير الأرض، وهزّ صوته أركان الوطن فإذا بريح الوطنية تطوي المسافات وتجتاز الحدود القَبَلِيّة والطرق الصوفية والإقليمية لتصبح شعلة واحدة تحرق وجه العدو الدخيل، لم يكن الجهاد وحده هو الذي جعل الناس يضحّون
(يُتْبَعُ)
(/)
ويتبعون راية الأمير، بل كانت هناك مشاعر متأججة حباً في الأرض وحباً للوطن الجديد الذي رسم حدوده الأمير، وجعل عليه قُضَاتَه وخلفاءه وممثليه، واعترف له العدو بحدوده.
وكان الأمل أكبر من الواقع وكان الزمن أقصر من الأجل، ولو طال العهد لازدهرت الدولة الجديدة وأثمرت الآمال العريضة ولأخصب الدِّين والفكر والعلم والفن في عصرٍ كان العالم الإسلامي كله فيه ينتظر مثلَ هذا الوليد.
لقد ظهرت قبل ذلك الحركة الوهّابية فإذا بها تُضرب قبل أن تكشف عن وجهها الحقيقي، وكشَفت "نهضة" محمد علي عن وجهها فإذا هو وجهٌ علماني سلطاني يبتسم في وجه الأجنبي ويُكشّر في وجه المواطنين. وأخذ سلاطين آل عثمان " يُنظّمون" دولتهم المتداعية فإذا الإصلاحاتُ مفاسدٌ، وإذا الأعداءُ هم المصلحون جالسين يملون على (السلطان) محمود وعبد المجيد وعبد العزيز وأنور (باشا) ومصطفى أتاتورك ما عليهم أن يفعلوا وما عليهم أن يتركوا.
إنّ دولة الأمير الوليدة لم تحاربها فقط جيوش فرنسا حبًا في التسلط والبطولة وطمعًا في إنشاء إمبراطوريّة، ولم يقف ضدّها فقط "الكولون" (يعني المستوطنين الأوربيين) بمحاريثهم وأموالهم لكي يستغلوا الأرض المغتصبة ويَسْتَثْروا على حساب الجزائريين، بل حاربتها أيضًا ظاهرًا وباطنًا، الكنيسة والماسونية (الصهيونية)، كما حاربها سلاطين المسلمين وحتى بعض علمائهم النائمين!
حاربتها الكنيسة لأنها اعتبرتها حركة جهاد إسلامي متوثب فيه انتعاش ونهضة للإسلام الراكد إذا انتصرت، واعتبرت الكنيسةُ نفسُها عمَلَها ذلك استمراراً للصليبية التي خاضت في الشرق والغرب حروباً ضارية ضد الإسلام والمسلمين، بما فيها الأندلس ووهران، وتآمرت عليها الماسونية خصوصًا في الدوائر المحيطة بالحكومة الفرنسية وحاشية الملك وقطعان التراجمة والمستشرقين الذين توافدوا على الجزائر، لأنّ دولة الأمير كانت دولة عربيّة سلفيّة، شريفة، لو انتصرت لكانت خطراً عظيماً على مخططات الماسونية ـ الصهيونية في الشرق!!، ولكانت أول دولة توحّد العرب على كلمة الجهاد كما وحّدتهم عليها زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وزمن الخلفاء الراشدين)).انتهى [(الحركة الوطنية الجزائرية) لأبي القاسم سعد الله ص274ـ275]. [وأظنّ أن الدكتور سعد الله يقصد بالسلفية هنا المعنى العام لها، لا المفهوم الذي استقرّت عليه اليوم].
ويتابع الأستاذ أبو القاسم فيقول: ((وقال فريق من الكتّاب الفرنسيين: إنّ الأمير رجل دين وجهاد وتصوّف، وقالوا: إنّ الدِّين تغلّب على دولته في جميع مجالاتها ومظاهرها: الجيش، المالية، القضاء، حتى العملة والسكّة)) [بيسه شينار "عبد القادر وعبد الكريم" في مجلة الدراسات الآسيوية والإفريقية) ص143ـ 160].
((ويرى فريقٌ آخر أنّ الأمير هو مؤسس الوطنية والسيادة في الجزائر، وأنه جَدَّدَ في الاقتصاد بإبطال الخَرَاج على الرعيّة والامتيازات "للمخزن"، والإبقاء فقط على الزكاة والعشور، وجدد في القضاء فسوى بين الناس وطبّق نصوص القرآن على الجميع، وخصص راتباً قارًّا للقاضي، وجدد في العسكرية فجعل خدمة الوطن واجبة على الجميع، وجدد في مفهوم الدين والتصوف فلم تعد القادريّة هي المثل وإنما جعل وحدة الشعب كله هي الهدف)). [رينيه كاليسو في (هيسبريس ـ ثمودا) ص120ـ 124].
ثمّ يقول الدكتور سعد الله: ((إنّ الأمير في نظري هو موقظ الضمير الوطني الجزائري بأفعاله وأقواله طيلة عهد جهاده الذي بلغ سبعة عشر عامًا. لقد كان هدفه الأساسي إيقاظ وإذكاء ذلك الضمير بجعله الجهادَ في سبيل الله وسيلة، والوحدة الشعبية هدفاً. ولعلّ الأمير قرأ جيداً واستفاد كثيراً من مقولة ابن خلدون:"إنّ العربَ لا تجتمع إلاّ على عصبيّة أو دين" فجعل الأمير العصبية نصب عينيه واستحضر عهد البعثة النبوية وعهد الصحابة، ولم يكن يفرّق في ذلك بين أبناء الجزائر في الأصل فقد كانوا عنده جميعاً عرباً ومسلمين، سواء كانوا سكان مدن أو جبال أو صحار، وسواء كانوا يتكلّمون العربية أو لهجات محليّة. وإنما ظهر عليه أنه لم يرتح لبعض زعماء الكراغلة (وهم أبناء الأتراك من أمهات جزائريات) لأنهم بدؤوه بالإساءة إليه وتعاونوا مع عدوّه. وبينما لم يتدخل في العادات القبلية ولا في سلوكات الطرق الصوفية فإنه كان يُخاطب الجميع
(يُتْبَعُ)
(/)
بلغة الدِّين والوطن والوحدة ويُذكرهم بماضيهم المجيد ويرغّبهم في التحرر والنهضة والاعتماد على النفس. ولذلك أحبّه الجميع وندم الذين خالفوه أحياناً على فعلهم وجاؤوه تائبين متوسلين. وقد عرفوا قدره أكثر بعد أن غاب عنهم وترك فراغاً لم تملأه أيّة شخصيّة من بعده، لأنّ كل من ظهر بعده كان يفتقر إلى العناصر التي تمتع بها الأمير، وهي تحديد الهدف وخدمته بكل الوسائل: الحرب والدبلوماسية والشجاعة والرأي والإخلاص.
ولعلّ هذه القِيَم هي التي جعلت الأمير هو البطل المغوار الذي تتحدث عنه قصص الفروسية العربية والفارس الغازي الذي ذكَّرَ الناس بعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعقبة بن نافع، في وقت لم تبق من هؤلاء إلا ذكريات الكتب وأحاديث الأسمار. وقد لاحظ أعداؤه المعاصرون له أن الأمير لا يمكن خيانته مِمَّن تبعه، رغم أن كثيرًا من عظماء الرجال انتهوا بخيانة بعض المخلصين لهم، وقد حاول الفرنسيون أن يجدوا خائناً يغتال الأمير أو يضع له السم فباؤوا بالفشل. فهو محاربٌ مِقْدَام لا تجده إلاّ متقدّماً أمام الجميع، وهو في نظر البعض مجاهدٌ يطلب الموت لتوهب له الحياة. ولذلك لم يكن بحاجة إلى حراسة ولا بوابين. وقد وصفه الواصفون عندئذ بأنه كان بسيط اللباس والأكل والمظهر، وأن التواضع والزهد والذكاء والحزم من سماته، وأن في إمكانه أن يأكل (الكسكسي) تحت أية خيمة (وهي أكلة جزائريّة مشهورة)، وأن يشرب من أي نهر ومن أي كوب يشاء دون أن يخاف سماً، وأن يضع رجله حيث يشاء دون أن يخشى كميناً من أحد [بوجولا (دراسات) 2/ 103]. فهو فارس الفوارس وحامي الذِّمار وربُّ السيف والشعر.
إنّ كبار العسكريين الفرنسيين الذين حاربوا الأمير (وكذلك وزيرهم للحربية ـ الماريشال سولت) قد فهموا جيداً خطّة الأمير، وعملوا ما في وسعهم على عرقلة تنفيذها لأنها تُخرجهم من الجزائر، وتُعيد مجدَ الإسلام، وتبعثُ تيارًا جديدًا اسمه القوميّة العربية. وقد تعاونوا في ذلك، كما قلنا، مع الكنيسة والماسونية وأغبياء المسلمين (سلاطين وعلماء) لكسر شوكة الأمير، الممثل لهذا الفجر الجديد. ولنرجع إلى كتابات بوجو، وسولت، وفاليه، ودوفيفييه، ولاموريسيير الخ. فإن فيها الجواب اليقين عمّا كانوا يحسونه منه ويلاحظونه عليه في هذا المجال، وكيف خططوا وعملوا على إطفاء شعلته قبل أن تحرقهم)).انتهى كلام د. سعد الله.
ويقول هنري تشرشل (البريطاني المسيحي): ((إن سياسة عبد القادر السامية لا تستطيع صبرًا على هذا الخرق الفاضح لمبادئ القرآن الواضحة الصريحة. إن ذلك الكتاب المقدس لم يُؤيّد ولم يُقرّ مبدأ الخضوع. فشعاره الذي لا يقبل المساومة ولا الرحمة هو الانتصار أو الموت والسيف في اليد في سبيل الله. ولمّا كان عبد القادر مفسِّراً غيوراً، ومدافعاً جسوراً عن ذلك الكتاب المؤثر بكل عظمته البطولية، فإنّه قد جعل واجبه الأساسي حمايةَ القرآن بيقظةٍ لا تعرف الكلل ولا التواني، ومقابَلَةَ أبسط خروج عن مبادئه بشدة لا تعرف التراجع)).انتهى [(حياة الأمير لتشرشل) ترجمة سعد الله ص69]
ويروي تشرشل ردّ الأمير على الجنرال تريزل وفيه: (( .. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ ديني يمنعني من السماح لمسلم أن يكون تحت سلطة المسيحي)).انتهى [المصدر السابق ص96]
وفي جواب آخر ((إن العرب لا يمكن أن يقبلوا حتى أن يسمعوا بالعيش تحت سلطة المسيحيين، ولو كانت سلطة اسمية، وإذا كانت فرنسا ساعية لوضع العربي تحتها بالقوة فمعنى ذلك أنها ستدخل حرباً لا نهاية لها)).انتهى [المصدر السابق ص110؛ الكاتب البريطاني يصوغ كلام الأمير بطريقته الإنكليزية فهم يستعملون كلمة عربي مقابل مسلم فتنبّه]
ويقول تشرشل: ((لم يتردد الأمير في أن يطلب أن يكون كل مسلم مقيم في منطقة فرنسية يجب أن يكون تحت سلطته الشرعية هو فقط! وهو في هذا الطلب كان يسعى أن يُطبق ويُنفّذ مبدأً كان، في نظره، أولى من كل اعتبارات دنيوية، لأنه مبدأ قائم على ماهية القرآن الأساسية وهو أنه لا يجوز لأي مسلم مهما كانت الظروف، إذا أمكن، أن يعترف عن طواعية أو يستسلم إلى حكم مسيحي)).انتهى [المصدر السابق ص113]
(يُتْبَعُ)
(/)
وجاء في جواب الأمير لأحد الفرنسيين قوله: ((سوف أنزل من هذه الصخرة الشماء،كما ينزل النسر من عشه، لكي أطهّر مدن الجزائر وعنّابة ووهران من المسيحيين)).انتهى [المصدر السابق ص139]
لقد ضرب الأمير نقودًا خاصّة بإمارته الإسلاميّة، فهل تعلمون ما نُقِشَ عليها؟ أما القطعة الأولى فنُقش عليها الآية الكريمة {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه}، وأما القطعة الأصغر منها فنُقش عليها الآية الكريمة {إنّ الدين عند الله الإسلام}.
والحديث في هذا الشأن طويل جدًا لا يمكن اختزاله في أسطر ضمن رد على مقال.
ومَن يريد التوسع في الموضوع فما عليه إلاّ الرجوع إلى كتاب "الحركة الوطنية الجزائرية" وكتاب "تاريخ الجزائر الثقافي" و"أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر" و"محاضرات في تاريخ الجزائر" (بداية الاحتلال) كلّها لمؤرّخ الجزائر الكبير الدكتور أبي القاسم سعد الله، وكتاب "كفاح الجزائر من خلال الوثائق" للدكتور يحيى بو عزيز، وكتاب "حاضر العالم الإسلامي" للأمير شكيب أرسلان، وكتاب "تحفة الزائر" لمحمد باشا، وكتاب "المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر" لإسماعيل العربي، وكتاب (حلية البشر) للعلاّمة عبد الرزاق البيطار. وهناك الكثير غيرها أيضًا. وكذلك يمكن للباحثين الرجوع للكثير من المخطوطات والوثائق التي حققها بعض العلماء، مثل (منشور الهداية في كشف حال من ادَّعى العلم والولاية) للشيخ عبد الكريم الفكون الجزائري؛ تحقيق د. أبو القاسم سعد الله.
وأنتقل الآن إلى الفقرة الثانية من المقال:
ذكر الكاتب في بداية مقاله في ترجمة الأمير فقال: هو الشيخ عبد القادر بن محيي الدين الحسني!!
ثمّ قال حيث يصل نسبه بالإمام الحسين بن علي!! (وأظن هذا خطأً كتابيًا) والصواب: الحسن بن عليّ.
ثم نقل عمود النسب الخاص بالأمير فقال:" ..... عبد القادر ابن محي الدين ابن مصطفى ابن محمد ابن المختار ابن عبد القادر ابن أحمد ابن محمد ابن عبد القوي ابن يوسف ابن أحمد ابن شعبان ابن محمد ابن أدريس ابن أدريس ابن عبدالله (المحض) أبن الحسن (المثنى) أبن الحسن (السبط) ...... انظر:"الأمير عبد القادر" – سلسلة الفن والثقافة – وزارة الإعلام والثقافة الجزائرية – الجزائر / ص 1974" انتهى
العجيب حقًا أن ينقل سلسلة نسب الأمير من مجلة (سلسلة الفن والثقافة) من مقال كتبه أحدهم (لم يذكره لنا الكاتب) وساق فيه نسب الأمير على نحو لا وجود له في كتب التاريخ والأنساب التي كَتَبَت عن أسرة الأمير عبد القادر أو حياته، وكل من ينظر في سلسلة النسب هذه يجدها مبتورة وقد سقط منها اثنا عشر جدًّا فقط!! وفيها أسماء محرّفة.
ثم عقد الكاتب المقارنة بين هذه السلسلة العجيبة وبين السلسلة الصحيحة التي ساقها محمد باشا مؤلّف كتاب (تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر)، والعجيب أن الكاتب لا يعرف أنّ محمد باشا هو ابن الأمير عبد القادر، فقال عنه إنه قريب الأمير!!
وبعد ذلك خرج الكاتب بنتيجة وهي أنّ نسب الأمير غير موثوق به!!
فقال: ((.إلاَّ أن قريبه الأمير محمد أورد سلسلة أخرى تختلف كلياً في كتابه:" تحفة الزائر في مآثر الأمير عبدالقادر وأخبار الجزائر "، ممَّا يُضعف الثقة في هذه النسبة الشريفة، لا سيما إذا عرفنا أ ن النسبة الشريفة من شروط الوصول الى مرتبة القطبية عند المتصوفة، كما أننا إذا علمنا أيضاً أن الصوفية يجوِّزون الاكتساب الروحاني للنسبة الشريفة تقلُّ الثقة عندنا بتلك السلاسل النسبية المسبوكة)).انتهى
ثم زاد في التشكيك في نسب الأمير فقال (إن النسبة الشريفة هي من شروط الوصول للقطبية عند الصوفية)، فهذا يعني أنه ربما ادعى الأمير هذه النسبة كي يدّعي القطبية فيما بعد! وكذلك زعم أن الصوفيّة يقولون بالاكتساب الروحاني للنسب!!
وأقول: ما هذا الكلام أيها الكاتب؟ وكيف رضيته لنفسك وأنت الذي صدّرت مقالك بعنوان فك الشفرة الجزائريّة؟!!
إنّ من يعتمد على مقالة في مجلة ثقافة وفنون ويقرأ فيها كلامًا فيه سقط طباعي وتصحيف شنيع، عليه ألاّ يخوض في الأنساب!!
كيف يتكلم في الأنساب وهو لا يعرف أنّ مؤلف كتاب (تحفة الزائر) هو الابن الأكبر للأمير عبد القادر، أمير الجزائر الذي يريد أن يفكّ شيفرته!!
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعد كل هذا ذهب الكاتب يتدخّل بباطن الأمير، ويزعم أنّه كان يسعى للوصول إلى القطبية الصوفية!! ولا أدري من أين أتى بتلك المعلومة؟!
إنّ قبيلة الأمير في الجزائر اسمها قبيلة بني هاشم، وأسرة الأمير عبد القادر من أشهر الأسر الإدريسيّة في المغرب ورجال هذه الأسرة جلّهم من العلماء والشيوخ وأصحاب السيادة والوجاهة في تلك الأقطار، وتراجمهم زاخرة في كتب ومؤلفات علماء المغرب والجزائر والشام، وذِكْرُ نسبهم وفروعهم أشهر من أن يدلّ عليه، لا في عهد الأمير عبد القادر بل قبله بقرون!!
فإذا كان الكاتب لا يريد أن يقرّ بنسب الأمير، فماذا سيفعل في كتب العلماء التي ألّفت قبل أن يولد الأمير بل وقبل أن يولد جدّه وجدّ جدّه وجدّهم!!
كل ما على الكاتب أن يفعله هو أن يرجع إلى الكتب التالية ليعلم فداحة خطئه.
1. كتاب "عِقْدُ الجُمان النَّفيس في ذكر الأعيان من أشراف غَريس" للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله التوجيني.
2. كتاب "جوهرة العقول في ذكر آل الرّسول" للشيخ عبد الرحمن بن محمد الفاسي.
3. كتاب "فتح الرحمن شرح عقود الجمان" للشيخ محمد بن محمد بن أحمد بن أبي القاسم الجوزي الراشدي المزيلي.
4. كتاب "البستان في ذكر العلماء الأعيان" للفقيه عبد الله الونشريسي.
5. كتاب "رياض الأزهار في عدد آل النبي المختار" للمَقَّرِيِّ التلمساني.
6. كتاب "حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر" للشيخ عبد الرزاق البيطار.
7. كتاب "تعطير المَشام في مآثر دمشق الشام" للعلاّمة جمال الدين القاسمي.
وغيرها ....
هذه الكتب ذكرتْ عمود النسب الخاص بأسرة الأمير باتفاق، وأمّا الكتب التي ترجمت للأمير أو لإخوته أو لآبائه واكتفت بالتنبيه على نسبه الإدريسي الحسني فهي بالعشرات.
وإليكم عمود النسب الخاص بالأمير عبد القادر والمتفق عليه عند أهل العلم، والذي لا يجوز اعتماد غيره: [هو عبد القادر بن محي الدّين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبد القادر بن أحمد المختار ابن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد القوي بن علي بن أحمد بن عبد القوي بن خالد بن يوسف بن أحمد بن بشّار بن محمد بن مسعود بن طاوس بن يعقوب بن عبد القوي بن أحمد بن محمد بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله المحض ابن الحسن المثنّى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه].
فلو أنّ باحثًا متخصصًا بالتاريخ والأنساب قرأ هذه الكتب وغيرها ثم قرّر صحة نسب الأمير من عدمها بطريقة علمية لكان كلامه مقبولاً ومحترمًا.
أما أن يأتي شخص لا خبرة له بالأنساب فيقرأ سلسلة نسب مغلوطة في جريدة أو مجلة ثم يقرر من تلقاء نفسه صحة ذلك النسب أو عدمها، فهذا لا يمكن القَبول به أو السكوت عنه.
ثمّ من أين أتى الكاتب بمسألة ادعاء القطبية عند الأمير؟ نريد مرجعًا!
وكما أسلفت فلا حاجة بالأمير إلى أن يدعي النَّسب ونَسَبُه ثابت قبل أن يولد هو وأبوه وجدّه!!
ولقد غفل الكاتب عن حقيقة دامغة وهي أنّ الشعب الجزائري التفّ حول السيد محيي الدين والد الأمير، لأنه مِنْ أشهر الأدارسة في تلك الأقطار، وهذا مدوّن في كل الكتب التي وثّقت تلك المرحلة!!
وليس للأخ الكاتب أي سلف من العلماء والمؤرّخين! فيما ذهب إليه من التشكيك بنسب الأمير.
وللفائدة فإن درجة القطبية عند المتصوفة لا يشترط فيها النسب أبدًا، وهذا معروف في كتبهم الكبرى، وهناك بعض جهلة الصوفية المتأخرين اشترطوا ذلك فردّ عليهم علماء الصوفية أنفسهم (انظر رسالة الشيخ عبد الله الغماري الصوفي ((كرامات وأولياء)) التي بيّن فيها بطلان قول من قال بشرط النسب الشريف للقطبيّة)
ثم إن ادعاء الكاتب بجواز اكتساب النسب روحانيًا عند الصوفية، ادعاءٌ بدون بيّنة، فليته ذكر لنا مرجعًا من مراجع الصوفيّة ينص على ذلك.
أيها الإخوة إنّ الله تعالى يقول في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135]
والحمد لله ربّ العالمين
خلدون بن مَكِّي الحسني
للبحث صِلَة
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[01 - Jul-2008, مساء 09:58]ـ
استاذنا العزيز ودكتورنا الفاضل ابا ادريس خلدون الحسني حفظه الله
نحن في انتظار جديدكم
بارك الله فيكم و نفع بكم
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[02 - Jul-2008, صباحاً 01:09]ـ
الأخ الكريم محمد المبارك، وبارك الله فيكم أيضًا،
وأنا لم أبلغ مرتبة الأستاذية بعد، وحسبي أن أكون طالب علم وباحث عن الحقائق،,أسأل الله السداد
لقد عرضت الحلقتين الثانية والثالثة، والرابعة ستكون الخميس إن شاء الله، خلتك قرأتها!
فأنا أعرضها في موضوع جديد، وليس ضمن هذه الحلقة، هكذا ارتأى بعض الإخوة
وكنتُ أتمنى أن يكون هناك خانة ثابتة أدرجُ فيها الحلقات بتتابع حتى لا يتشتت القراء!
على كل حال الحلقات كلها موجودة الآن في المنتدى، وضمن مجلس قضايا فكرية معاصرة، نزولاً عند رغبة الإخوة في الإشراف
وأتمنى لك قراءة ممتعة ومفيدة
أخوكم
خلدون بن مكّي الحسني
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[02 - Jul-2008, صباحاً 02:12]ـ
جزاكم الله خيراا
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[02 - Jul-2008, مساء 06:15]ـ
بارك الله فيك ..
حبذا لو كانت الحلقات في مقال واحد، بدل هذا التشتيت.
وأن يُقتصر - مؤقتًا - على موقع واحد لنشرها؛ لأني أراك تنشرها هنا وفي الجلفة وفي الملتقى.
وقد كلمني الأستاذ محمد المبارك يقترح هذا؛ لأنه ينتظر فراغك من الحلقات؛ لينشر ماعنده.
وفقكم الله ..
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[02 - Jul-2008, مساء 08:34]ـ
/// جزى الله الدكتور خلدون الحسني خيرًا على إفادته ومعلوماته القيِّمة، وقد قمت بتعديلات ودمج لمواضيعه الثلاثة تحت الموضوع الأول، حتى تحصل الفائدة ويتَّقى التشتُّت بالدخول ههنا وهناك، فأعتذر له إن ساءه ذلك، وأتمنَّى أن لا يكون كذلك.
/// وقمت أيضًا بتثبيت الموضوع؛ لتعمَّ به الفائدة، وتسهل المتابعة.
/// ونرجو من الدكتور مواصلة بقية الحلقات تحت هذا الموضوع؛ سلامة من التشتت، وتلبية لطلب من يحب متابعة موضوعه الماتع.
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[02 - Jul-2008, مساء 09:10]ـ
جزاكم الله خيراا أخي البخاري على الجمع و التثبيت
فالموضوع هام و يحتاج في رأيي لنقاش مباشر
ـ[أبو عبد الله الشاوي]ــــــــ[03 - Jul-2008, صباحاً 04:19]ـ
بارك الله فيكم و شكر الله للاخوة المشرفين
نحن نتابع بتمعن و ما أسعدنا بكلام الدكتور الحسيني.
و الله لنفرح اشد الفرح أن نربح شخصية مثل الامير و أن لا يكون كما يروج عنه و الاسعد من ذلك أن يكون من أصحاب النعيم و مغفرة الرب الرحيم
واصلوا بارك الله فيكم
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[03 - Jul-2008, مساء 04:55]ـ
أيها الإخوة السلام عليكم ورحمة الله
أشكر الشيخ سليمان الخراشي والأخ عدنان البخاري على اهتمامهما بالموضوع. بارك الله فيكم.
وأشكر الأخ أبا عبد الله الشاوي، على مشاركته الكريمة.
وبارك الله فيكم أخي أبا عبد الرحمن عبد القادر
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[03 - Jul-2008, مساء 05:20]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الرابعة
نلاحظ أن الأخ محمد المبارك في مقاله (فك الشفرة) إذا ذَكَرَ الشيخ محيي الدين الحسني وسبب التفاف الشعب الجزائري حوله قال: هو شيخ الطريقة القادرية، وإذا تكلّم عن ثقافة الأمير عبد القادر قال عنه إنه كان يُعد لاستلام الطريقة القادرية بعد أبيه، ولمّا تكلم على جهاد الأمير ونهايته وضع له عنواناً (نهاية الحركة القادريّة!!)
أقول: أيها الإخوة إن والد الأمير عبد القادر وكذلك جدّه كانا من الصوفيّة ولهم طريقة هي القادريّة، هذا أمر لا ينكره أحد. ولكن أن يُقال إنّ الشعب الجزائري التفّ حول الشيخ محيي الدين لأنه قادري فهذا بعيد.
أولاً هناك عدّة طرق كانت منتشرة في الجزائر والقادريّة ليست أوسعها بل التجانية هي أوسع الطرق انتشاراً وكذلك الشاذلية والدرقاوية والرحمانية وغيرها كثير ..
فلماذا يلتف الشعب حول القادرية فحسب ويترك باقي الطرق؟ مع العلم أنّ الذين بايعوا السيد محيي الدين كانوا من مختلف الطرق!
والحقيقة كما أسلفت أن سبب التفاف الشعب حول السيد محيي الدين هو كونه من أعلى وأثبت الأشراف الأدارسة نسباً في تلك الأقطار، ولأنّه من أهل العلم ومن أهل الصلاح والرأي، كما ترجم له علماء المسلمين.
ثمّ إن اقتصار الكاتب على وصف السيد محيي الدين بأنه شيخ الطريقة القادريّة، لا يُعطي الصورة الحقيقية للرجل.
فكل من ترجم للسيد محيي الدين وصفه بالعالم العامل، المشتغل بتدريس الفقه والحديث والتفسير واللغة وغيرها من علوم الشريعة، إضافة إلى تصوّفه.
إذن فهناك فرق بين السيد محيي الدين، وبين من يسمون بشيوخ الطرق الصوفية، الذين ليس لهم أي نصيب من العلم والمعرفة، وإنما حسبهم أنهم يجمعون الناس في زواياهم لأورادهم وأناشيدهم والرقص الصوفي والأكل والشرب.
إنّ زاوية السيد محيي الدين وصفها العلماء بأنها كانت معهداً للعلوم الشرعيّة يدرّس فيها جميع أصناف العلوم. (وللفائدة فإنّ مذهب السيد محيي الدين هو محاربة الرقص الصوفي "الحضرات")
(يُتْبَعُ)
(/)
فإذا أردنا أن نصف السيد محيي الدين بإنصاف فإننا نقول عنه: إنه من أهل الدين، صاحب علم وعمل، وجمع إلى ذلك النسب الشريف والخلق الأصيل وكان له معهد للعلوم الشرعيّة، وكان صوفيًا تلقى الطريقة القادريّة ونشرها، وأجاز الناس بأورادها، ولكنه متفقه بالمذهب المالكي ومنضبط به .. وهو من الذين يصنّفون ضمن ما يُسمِّيه الأستاذ سعد الله (بالتصوف السلفي)؛ لا أن نقتصر على وصفه بالقادري وانتهى الأمر، لأننا بذلك نكون قد وجّهنا أذهان القراء إلى صورة واحدة (وهي الطرقيّة أو التصوف الجاهل).
[من الذين وصفهم الأستاذ سعد الله بأنهم من دعاة التصوف السلفي، الشيخ عبد الرحمن الأخضري، والشيخ محمد بن علي الخروبي، والشيخ أحمد زروق، والشيخ عبد الكريم الفكون. انظر تاريخ الجزائر الثقافي 1/ 507؛ 527؛530]
والعجيب من الكاتب أنه لمّا تكلّم عن ثقافة الأمير قال: إن والد الأمير كان يُعدّه لمشيخة القادرية من بعده!!!! وأنا أسأله ما مصدر معلوماتك عن هذا الأمر؟
يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله: ((إن الأمير عبد القادر فوق الطرق الصوفية كلها، أي إنه كان يعمل من أجل فكرة أشمل وهي الدين والوطنية)).انتهى [الحركة الوطنية الجزائرية ص400]
قال الكاتب: ((لقد كان الأمير عبدالقادر ذا ثقافة علمية واسعة، فقد كان أبوه الشيخ محيي الدين يُعِدُّه لمشيخة الطريقة القادرية من بعده، وحتى تكتمل صورة الأمير عبد القادر، فقد تلقى الشاب مجموعة من العلوم فقد درس الفلسفة (رسائل إخوان الصفا - أرسطوطاليس - فيثاغورس) ودرس الفقه والحديث فدرس صحيح البخاري ومسلم، وقام بتدريسهما، كما تلقى الألفية في النحو، والسنوسية، والعقائد النسفية في التوحيد، وايساغوجي في المنطق، والإتقان في علوم القرآن)) انتهى
والسؤال: هل هذه العلوم يتلقاها من يُعدّ ليصبح شيخ طريقة؟!
وأقول للكاتب من أين علمت أنه درس رسائل إخوان الصفا؟ ففيما قرأتُه عن الأمير من تراجم لم أجد أحدًا ذكرها، مع أنهم ذكروا الكثير مما لم يورده الكاتب أصلاً! وسؤالي ليس استنكارياً وإنما يهمني أن أعرف المصدر.
يقول شارل هنري تشرشل: ((إن الأمير قرأ أعمال أفلاطون، وفيثاغورث، وأرسطو، ودرس كتابات مشاهير المؤلفين من عهود الخلافة العربية عن التاريخ القديم والحديث، وعن الفلسفة، واللغة، الفلك، والجغرافية، بل حتى عن الطب، وقد تجمّعت لديه مكتبة ضخمة)).انتهى [حياة الأمير عبد القادر ص47. تفرّد تشرشل بذكر كتب أفلاطون وفيثاغورث وأرسطو!!]
لقد قرأتُ في كتاب الدكتور أبي القاسم سعد الله (تاريخ الجزائر الثقافي) 1/ 520، كثيراً من التعليقات على زوايا الطرق الصوفية التي كانت منتشرة في تلك الأيام، وكان ينقلُ كلام العلماء المعاصرين لتلك الزوايا والطرق والمنتقدين لبعض شيوخها وانحرافهم وتعاونهم مع الاستعمار، ولما وصل إلى الحديث عن جدّ الأمير وهو الحاج مصطفى والطريقة القادريّة، وصفه بأنه من علماء الوقت وصلحائه وأنه أنشأ زاوية بغرض أن تكون مركزًا للتعليم ومبعثًا للطريقة القادريّة، وبعد وفاته تولى أمر الزاوية ولده السيد محيي الدين الذي كان من شيوخ العلم المشهود لهم، وأصبح الشيخ محيي الدين يلقن أوراد الطريقة القادرية وينشر العلم من الزاوية التي كانت عبارة عن معهد ... إلى أن قال: كما أن القادرية قد اندمجت غداة الاحتلال في تيار الحركة الوطنية مستعملة نفوذها الروحي للدعوة إلى الجهاد ضد الفرنسيين)).انتهى كلام سعد الله.
ولم يذكر أي طعن فيه أو في زاويته كما فعل بباقي الزوايا والطرق. وما ذلك إلاّ للفرق الكبير بينها.
ملاحظة: [ينبغي أن نفرّق بين العلماء أو الفقهاء المتصوّفين الذين تلقوا أورادًا لبعض الطرق الصوفية، وبين رجال الطرق (الطرقيين) الذين ـ في أغلبهم وعامتهم ـ جهّال وأصحاب أغراض شخصية، ويعتمدون على الدجل والشعوذة!!]
وقال الدكتور سعد الله في معرض كلامه عن الأمير: (( .. إن المقاومة قد أخذت عليه كل الوقت وأصبح رمزاً لجمع الكلمة وتوحيد الشعب تحت راية الوطنيّة وليس مرابطًا يلقن أوراد الطريقة القادرية)).انتهى [المرجع السابق1/ 522]
والآن سأعرض لكم بعض النقول العلمية المتصلة بالموضوع:
أولاً؛ ترجمة السيد مصطفى بن محمد بن المختار الراشدي الحسني؛
(يُتْبَعُ)
(/)
ترجَمَهُ حفيدُه السيد أحمد الحسني فقال: ((كان رحمه الله عالماً عابداً زاهداً يُلقّب بسيبويه الإقليم، وكان يحفظ كتاب التصريح على التوضيح للشيخ خالد الأزهري عن ظهر قلب كحفظه الفاتحة، وأَقْرَأَ ألفيّة ابن مالك قراءة تحقيق وبحثٍ وتدقيق في محلٍّ واحد ثماني عشْرة مرّة، وأجازه إجازة عامّة الشيخ مرتضى الزَبيدي صاحب "تاج العروس" وكتَبَها له في نحو كرَّاسة، وقد كانت له المشيخة التّامة على جميع علماء الإقليم وكانت له الكلمة المسموعة عند الباي محمد حاكم وهران، وقد كان المذكور يُجلّه ويُوقّره وجعلَ له رئاسة المسجد الكبير "بمُعسْكَر".
ثمَّ انتقَلَ إلى وادي الحمام واختطَّ به قريةً سمّاها الراشديّة ثمّ غلَبَ عليها اسم "القيطنة" وذلك سنة 1198هـ وبنى بها مسجدًا ومحلاًّ لقراءة القرآن العظيم ومحلاًّ لطلبة العلم، وعيّنَ لهم مصروفًا من عنده في كل يوم، وتوفّي سنة اثنتي عشرة ومئتين وألف (1212هـ) عن ثلاثٍ وستين سنة عند ماءٍ يُعرف بعين غزالة)).انتهى [ترجمته في (نخبة ما تُسر به النواظر) لأحمد الحسني ص120]
ـ وقال عنه الشيخ عبد الرزاق البيطار في (حلية البشر): ((الفاضل الإمام والكامل الهمام، كعبة الأفاضل ومعدن الفضائل ... )).انتهى
ثانيًا؛ ترجمة السيد محيي الدين بن مصطفى (والد الأمير)، قال عنه العلاّمة جمال الدين القاسمي: ((كان عالماً زاهدًا عابدًا مربيًا صوفيًا تشدّ إليه الرِّحال، ذا أُبّهة وصولة وعظمة، وقد كساه الله تعالى من الهيبة والعظمة عند أهل إقليم الجزائر ما لم يتفق لغيره، وكان مقصوداً لقضاء الحوائج الدينية والدنيوية .. )). انتهى من كتاب (تعطير المشام).
وقال عنه الشيخ عبد الرزاق البيطار: ((هو الشيخ العالم العامل، والفرد الأوحد الفاضل، بقيّة السلف .... العفيف الحسيب والشريف النسيب .. )).انتهى انظر (حلية البشر).
ومما قاله فيه الأستاذ المهدي البوعبدلّي في بحثه بعنوان " وثائق أصيلة تُلقي الضوء على حياة الأمير عبد القادر" نُشِرَ في مجلّة الثقافة التي تصدرها وزارة الثقافة الجزائريّة وفي عددها الخاص بالذكرى المئويّة لوفاة الأمير عبد القادر العدد 75 رجب وشعبان 1403 أيار ماي 1983
((" ... وهناك وثائق من بينها مرثيّة لأحد تلامذة الشيخ محيي الدين، ضمّنها الفنون التي كان يدرّسها الشيخ محيي الدين بمعهد القيطنة، التي أسسها والده السيد مصطفى بن المختار الذي كان بدوره أمثلَ فقهاء عهده وأدبائه، وقد تركَ عدّة رسائل بخطّه. وهي تعطينا صورة حقيقيّة عن ثقافة السيد محيي الدين، وتُبيِّن أنّ معهد القيطنة لم يقتصر على تعليم القرآن ومختصر خليل، بل كانت تدرس فيه فنون كالتفسير والحديث وعلوم اللغة، وصاحب هذه المرثيّة هو العالم المحدّث الشيخ محمد بن معروف الونشريسي المتوفى في تونس سنة 1265هـ كما ذكرَ ذلك تلميذه علي بن الحاج موسى إمام ضريح الثعالبي بالجزائر في عهده، وقد هاجر من الجزائر بعد الاحتلال وكان الأمير كلّفه بترشيح القضاة بناحية "شْلف" و " ونشريس " وقد عثرنا على وثائق تُثبت ذلك، وهذه بعض الأبيات من المرثيّة المذكورة:
يحقّ لجفني أن تسيلَ دموعُه ****** على سيدٍ ذي حكمة وبراعة
سما وارتقى وسادَ أهل زمانِه ****** بذا يشهدُ العدول كالمستفيضة
إلى أن قال:
ترى كتُبَ ابن حاجب وخليلنا ***** وألفيّة ابن مالك مع غنية
وسعد وسلّم وجمع جوامع ***** وتفسير ما يتلى كتاب وسنُّة
يقولون: من لنا بكشف رموزها ***** وحلّ غريب اللفظ عند القراءة
ومعرفةِ الصحيح من ضده إذا ***** تعارضت الآثار من غير ميزة
إلى أن قال:
فيا أسفي على ربيع قلوبنا ***** مزيل الصدا عنها بعلم وحكمة
ويا أسفي على خليفةِ مالكٍ ***** إمامنا محيي الدين شيخي وقدوتي
وُلِدَ رحمه الله سنة تسعين ومئة وألف وتوفّي يوم الأحد سنة تسع وأربعين ومئتين.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذه ترجمة مختصرة لوالد وجدّ الأمير، وأمّا تراجم باقي آبائه وأجداده المذكورين في سلسلة نسبه الإدريسي الحسني، فهي مثبتة في كتب التواريخ والتراجم وغيرها، وقد جمعتُها في كتاب أُعِدُّه للتعريف برجال وأعلام أسرة الأمير عبد القادر، وكذلك أبحث فيه السيرة الذاتية للأمير بحثًا تاريخيًا، وأتعرّض فيه للشبهات التي أثيرت حوله، وما هذه الحلقات إلاّ اختصار لبعض مباحث هذا الكتاب، وأسأل الله أن ييسر لي إتمامه قريبًا.
وما ذكرته في هذه الحلقة من تراجم ونقول إنما هو بيانٌ يوضِّح بعض الحقائق؛ حتى تكون الصورة كاملة عند القارئ، وفيه فوائد تاريخية.
ولكن الأمر العجيب حقًا هو قول الكاتب واصفاً نهاية جهاد الأمير عبد القادر (الأمير الشرعي للجزائر) المبايع من قبل الشعب الجزائري، والذي دام 17 عاماً، بقوله ((نهاية الحركة القادرية))!!!
سبحان الله! ماذا سيُفهم من هذا العنوان؟
ومن أين أتى بهذا الوصف؟ ومن سلفه فيه؟ وما هي مراجعه ومصادره؟
الذي يُفهم منه أنّ الكاتب سمّى قيادة الأمة والبيعة للأمير وحمل راية الجهاد بالحركة القادرية!! وعدَّ نهاية الحرب بأنها نهاية للحركة القادرية!!
والذي يُفهم من كلامه أنّ جهادَ الصليبيين المعتدين، وجمع كلمة المسلمين والقيام بشؤون الدولة الإسلامية إنما هي تعاليم الطريقة القادريّة فحسب! ولذلك فإنّ الأمير لمّا أُسقط في يديه وحوصر واضطر إلى التسليم، انتهت بذلك الحركة القادرية وانتهت أطول وأعنف مرحلة كفاح عسكري تعرّض لها الفرنسيون في الجزائر. وهذا حقًا؛ كلام عجيب!!!
وكان يكفي الكاتب أن يعنون لتلك الفقرة كما عنون لها كل المؤرخين والعلماء من جميع المشارب بـ (انتهاء مرحلة المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر).
ـ ومن أغرب ما وصف به كاتب المقال الأمير قوله: ((و ممَّا يُؤخذ على الأمير حبه للمال و السلطة الذين يخلطهما بحب العفو و المسامحة في أحيان كثيرة ((.انتهى
لماذا لا يذكر لنا الكاتب مصادره التي يستقي منها معلوماته؟! فهذا الوصف لا يصدر إلاّ عن شخص معاصر للأمير يعرفه عن قرب، فمن أين حصل الكاتب على معلوماته هذه؟
المعروف عن الأمير والمشهور عنه أنه كان متقشفاً لا يلبس إلاّ البسيط من الثياب، ويُرى عليه ثوب واحد سنواتٍ طويلةً لا يغيّره! والمشهور والثابت عنه كثرة إنفاقه للمال في وجوه الخير، وقد مات وعليه ديون من كثرة ما كان يمنح الناسَ، علماءَهم وعامَّتَهم.
وانظروا كيف كان أعداء الأمير عبد القادر يصفونه!
يقول أحد المؤرّخين الفرنسيين: (( .. كان احتقاره للثروة وعزوفه عن مظاهر البذخ من المظاهر المميزة لشخصيّته)).انتهى [(المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر) لإسماعيل العربي ص218]
ويقول الجنرال بيجو (وهو من ألدّ أعداء الأمير) واصفاً الأمير: (( .. وقبل أن أدخل في الحديث معه، أخذتُ أتأمّل وجهه وكسوته لحظة. إنه شاحب اللون، وصورته قويّة الشبه بالصورة التقليدية المعروفة للمسيح. وعيناه مثل لحيته، كستنائيّة اللون. ومظهره العام يدل على التقوى والخشوع. وهو بعد النظرة الأولى يخفض عينيه ثم لا يحدّق في الأشياء أبداً. وأما كسوته فهي عادية ومستعملة في حدود ثلاثة أرباعها. إنه لمن الواضح أنّ الرجل يلتزم التقشّف والبساطة)).انتهى [المصدر السابق ص160ـ 161].
ومليحة شهدت لها ضرَّاتها ***** والفضل ما شهدت به الأعداء
ويقول الكولونيل تشرشل: ((لقد كان عبد القادر معارضًا لكل المصاريف التي تصرف فيما لا فائدة فيه، حتى إنَّ المبلغ الذي اعتاد المسلمون أن يخصصوه للاحتفالات والمهرجانات في أهم الأعياد الدينية، وجَّهه هو إلى أغراض خيرية. ففي مناسبة ختان أحد أبنائه استغرب أهل (بروسة) أنه بدلاً من المسيرة الغالية العادية، مع كل ما تستلزمه من أُبَّهة وبهرجة الفرسان والأعلام والموسيقا، كان هناك جمعٌ من الفقراء مجتمعين أمام منزله يتلقون من يديه هدايا الخبز والملابس والنقود. إنّ هذا كان في عين عبد القادر أفضلَ احتفال بهذه الشعيرة المقدسة)).انتهى [حياة الأمير عبد القادر ص275].
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد ذكر هذه الحادثة محمد باشا فقال: ((التمس (الأمير) من أعيان البلد (بروسة) أن يقيّدوا له أولاد الفقراء المحتاجين للختان فقيّدوا (يعني كتبوا) نحو الخمسمئة، فأمر بختانهم (مع أبنائه) على نفقته ... وتعجب أهل بروسة لأن من عادة أعيانهم أنهم يحتفلون للختان وسائر الأفراح بضرب الموسيقا والطبول والزمور، والأمير احتفل بكثرة الصدقات والمبرات فترى جماهير الفقراء والمحتاجين حول داره يتناولون أنواع الأطعمة والألبسة والدراهم، وكانوا على كثرتهم يرفعون أصواتهم بالدعاء له، وهو يقول اربعوا على أنفسكم واشكروا الله تعالى)).انتهى [تحفة الزائر 2/ 62]
وأمّا علماء المسلمين الذين ترجموا للأمير، فقد وصفوا شدة كرمه وسخائه وزهده. وسيأتي مزيد من التوضيح لهذه المسألة لاحقاً.إن شاء الله
******************************
قال صاحب (فك الشفرة): ((ورحل الأمير عبد القادر إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية، وبوعدٍ غير واضحٍ من الإمبراطور الفرنسي بتنصيبه إمبراطوراً على البلاد العربية)).انتهى
أقول: لماذا لا يذكر لنا الكاتب مصادر معلوماته؟
والمعلومة الجديدة هي وعد نابليون بتنصيب الأمير إمبراطوراً على البلاد العربيّة!!
لقد طالعت كثيرًا من الكتب (العربية والأجنبيّة) التي تحدّثت عن قصة تسريح الأمير، وليس في واحد منها هذه المعلومة!
ومما يُذكر في هذا المقام، أنّ الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث عندما قرر إطلاق سراح الأمير من سجنه، أمر الماريشال "بيجو" أن يكتب للأمير يخبره بأنّ الحكومة الفرنسية كانت تريد أن تطلق سراحه وترسله إلى مكّة حيث يريد، ولكن الأصوات في مجلس العموم أجبرتها على ترك ذلك، وأنه ربما تمضي سنوات عديدة ولا يتيسّر له التوجه إلى المواضع التي طلبها، ثمّ أشار بيجو على الأمير فقال: ((أشير عليك .. أن توطّن نفسك على جعل فرنسا وطنًا لك، فتطلب من الحكومة أن تعطيك أملاكًا جيدة في أرضها ينتج لك منها ما تعيش به كواحد من كبرائها مع مداومتك على أداء وظائفك الدينية كما تريد وبلوغ مرادك في تربية أولادك .... فهذا ما أشير به بحسب حقوق الإنسانية وبالخصوص عليك لِمَا ألمَّ بك من المصائب مع اتصافك بالصفات الحسنة التي وهبها الله لك، راجيًا قبول تحياتي المقدمة مع الإكرام والاحترام.في 28/ 1/1849م))
فأجابه الأمير بقوله: ((لو جمَعَت فرنسا سائرَ أموالها ثمّ خيّرتني بين أخذها وأكون عبدًا، وبين أن أكون حرًّا فقيرًا مُعْدمًا، لاخترت أن أكون حرًّا فقيرًا، فلا تراجعوني بمثل ذلك الخطاب فإنه ليس عندي بعد هذا الخطاب جواب، وإلى الله تُرجعُ الأمور، وبيده كشْفُ هذا الديْجور)).انتهى [تحفة الزائر 2/ 26ـ27]، (وكان عمر الأمير في حينها 41 عامًا!)
وما ترويه كتب السياسة المعاصرة هو أنّ الدولة العثمانية لمّا توالت هزائمها أمام روسيا وغيرها، وبدأ الوهن والضعف في حكمها وسقط كثير من الأقطار التي كانت تحت سلطتها (ومنها الجزائر)، قامت في بلاد الشام طليعة من دعاة الاستقلال وبحثوا مصير سورية، وعقدوا المؤتمرات السريّة في دمشق سنة 1877م (وكان عُمر الأمير في حينها 72 عاماً!) واقترحوا فصل البلاد عن الدولة العثمانية، وتنصيب الأمير عبد القادر مليكاً عليها، لأنهم وجدوا فيه الحلّ الأمثل للوضع البائس الذي كانت عليه البلاد، لما يتمتّع به الأمير من هيبة واحترام عند العثمانيين والعرب على حدٍّ سواء! وعندما عرضوا على الأمير هذا الموضوع لم يتحمّس له، ولم يرفضه، ولكنّه نصح أن يظلّ الارتباط الروحي بين البلاد الشاميّة والخلافة العثمانية قائماً، وأن يبقى السلطان العثماني سلطاناً على الشام أيضاً.
وأمّا المشروع الفرنسي الجديد الذي ظهر سنة 1870م!!! والذي كان يرمي إلى إنشاء إمبراطوريّة عربيّة تمتد من شمالي بلاد الشام حتى قطاع عكّا يرأسها الأمير عبد القادر، فقد رفضه الأمير بشدّة!
وهذا معروف عند المتابعين لتلك الشؤون في ذلك الوقت.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد رفض الأمير عبد القادر هذا المشروع لأنّه مطلب فرنسي استعماري. وبعد سبع سنوات، عندما ظهر المشروع العربي القومي تردّد في قبوله، كان عدم تحمّس الأمير لهذا الأمر ناشئاً عن احترامه لمبدأ الخلافة الإسلاميّة. ثم جاء مؤتمر برلين وتولّى عبد الحميد الخلافة وأصبح سلطاناً فتأخّر الحلّ العربي.
أما علماء المسلمين المتابعون لشؤون الأمير، أمثال الشيخ عبد الرزاق البيطار، وجمال الدين القاسمي، وأديب الحصني، وجميل الشطي، وأمثالهم فلم يذكروا شيئاً عن ذلك أبداً. حتى إنّ السياسي الكبير والمؤرخ المخضرم الأمير شكيب أرسلان صاحب الاطلاع الكبير وشبكة المعارف الواسعة،لم يشر إلى شيء من ذلك عند ترجمته للأمير في حاضر العالم الإسلامي!!
ولكي أزيل اللبس أقول مختصرًا ما قاله المؤرّخون لتلك الحقبة:
عندما خُلِّي سبيل الأمير عبد القادر كانت الدولة العثمانية مقطّعة الأوصال، وبدأت تخسر ممالكها الواحدة تلو الأخرى، وأصبح السلطان العثماني مضطراً إلى التساهل مع الدول الأوربيّة والخضوع للكثير من رغباتها، وفي الوقت نفسه كثُر المفتونون بأوربا وأنظمتها ضمن رجالات السلطان المتنفّذين وكانوا من المعادين للحكم الإسلامي، كما قويت الدعوات القوميّة والعصبيّة التركية، وزاد النفوذ اليهودي في الدولة، وزاد اتفاق الدول الأوربيّة على ضرورة الإجهاز على الدولة العثمانية، هذا إضافةً إلى تردي الأحوال المعيشية في بلاد الشام وشدّة جَور الولاة على الناس، وظهور الحروب الطائفيّة، ثمّ انتصار الروس على الدولة العثمانية. في هذه الأجواء عقد زعماء بلاد الشام مؤتمر دمشق السري للنظر في استقلالها عن العثمانيين، واجتمع رأيهم على تنصيب الأمير عبد القادر أميراً عليها: ((ورأوا فيه أملهم الوحيد، لأنه الشخصية التي تستطيع إقناع الأتراك بحق العرب في الاستقلال، وهو الذي يمكن أن تتفق عليه كلمة الدول الأوربيّة ذات المصالح المتصارعة في المنطقة بعد ما قام به أثناء الفتنة، وفوق كل ذلك فهو المجاهد ذو النسب الشريف والعالم ذو المقام الرفيع والمحايد الذي يمكن أن تهابه وتنضوي تحت لوائه مختلف الطوائف والملل والعشائر في المنطقة)).انتهى [مقدمة "حياة الأمير عبد القادر" لسعد الله ص26]
ومع ذلك لم يتحمّس الأمير لذلك، وما هي إلاّ أيام ويتسلّم السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة وبدأ يبطش بكل من يدعو إلى اعتماد الفكر الغربي، واهتمّ بالجيش وقَوَّى مركز الخلافة، وأخذ يدعو للجامعة الإسلامية، فعندها ارتاح الأمير واطمأن وصار يرفض أي عرض له بتسلُّم الحكم إلى أن مات. [وقد عاصر الأمير خلال وجوده في الشرق أربعة من الخلفاء العثمانيين هم: عبد المجيد وعبد العزيز ومراد الخامس وعبد الحميد الثاني]
هذا الذي أقول هو كلام شديد الاختصار لأنّ الحديث عن تلك الحقبة يقتضي وقتاً طويلاً وليس محل بحثنا الآن،
ولكن إليكم بعض النقول التاريخيّة للاستئناس؛ جاء في كتاب"التاريخ الإسلامي" للأستاذ محمود شاكر 8/ 185: ((ومن الذين فُتنوا بأوربا وأفكارها رجال كان لهم دور خطير في الدولة أمثال أحمد مدحت باشا رئيس مجلس الدولة، وصاحب اليد الأولى في خلع الخليفة عبد العزيز وقتله، وفي خلع الخليفة مراد الخامس. وهؤلاء المفتونون كانوا بعيدين عن معرفة الإسلام، لذا كانوا يتّهمون الخلفاء بالحكم المطلق، ويُطالبون بوضع دستور للدولة إذ يريدون أن تكون على نمط الدول الأوربيّة النصرانية، وأن يكون دستورها من وضع البشر بالشكل الذي عليه الدساتير الأوربيّة، ولا يقبلون أن يكون القرآن الكريم (كتاب الله) دستور الأمّة، وهو الذي يحدّ من تصرفات الخليفة وصلاحياته، وما ذلك إلاّ عِداءً للإسلام، وانبهاراً بالحياة الأوربيّة، وانهزاماً نفسياً، وتحقيقاً للشهوات والأهواء الذاتية.
وزاد النفوذ اليهودي في الدولة مع أطماع اليهود، ومع تَسَلُّم يهود الدونمة عدداً من المراكز الرئيسيّة، وقد نسيَ الناسُ أصلَهم وحقيقتهم، وطبيعة اليهود، إذ أظهروا الإسلام وعاشوا مع أبنائه واختلطوا بهم، يؤدّون الصلاة أمامهم بل يُؤدّون الحج ..
(يُتْبَعُ)
(/)
وزاد اتفاق الدول الأوربيّة على الإجهاز على حياة الرجل المريض، إذ كانوا يطلقون هذا اللقب على الدولة العثمانية، وإن ظهرت الاختلافات بين تلك الدول، فظهرت روسيا من جهة، والدول الأخرى من جهة ثانية.
في وسط هذه التيارات والأمواج المتلاطمة تسلّم عبد الحميد الثاني الخلافة .. )).انتهى
ويقول الدكتور أبو القاسم سعد الله: ((وإذا صدقنا ما جاء في كتاب "سطور من رسالة" فإنّ الأمير كان لا يرفض الدعوة التي تجعل منه رأسًا للحركة ولكنه كان يرى أنّ الوقت لم يحن بعد وأن الفكرة في حاجة إلى نضج، ... ولا ندري إن كان الأمير جسّ نبض الموضوع مع السلطات العثمانية وممثلي الدول الأجنبية في المنطقة قبل اتخاذ موقف نهائي. ومهما يكن الأمر فإن الدولة العثمانية قد دخلت من جديد في حرب مع اليونان، وجاء مؤتمر برلين (1878) وتولى السلطنة عبد الحميد الثاني (1876)، وتقدمت السن بالأمير، فتجمّد المشروع مؤقتاً)). انتهى [مقدمة (حياة الأمير عبد القادر) ص27]
ومرّ معنا سابقاً ما قاله الأستاذ سعد الله: (( .. وأخذ سلاطين آل عثمان " يُنظّمون" دولتهم المتداعية فإذا الإصلاحاتُ مفاسدٌ، وإذا الأعداءُ هم المصلحون جالسين يملون على (السلطان) محمود وعبد المجيد وعبد العزيز وأنور (باشا) ومصطفى أتاتورك ما عليهم أن يفعلوا وما عليهم أن يتركوا)).انتهى
إذن المؤرخون المتخصصون لا يستطيعون الجزم في تصورهم لحقيقة الأحداث، وإنما تعاملوا مع المعلومات الواردة بإنصاف وحذر! فليتنا نقتدي بهم.
ـ وأما قول الكاتب أنّ الأمير توقف في اسطنبول ثم استقر في الشام، فيحتاج إلى توضيح.
لأنّ الاتفاقيّة التي تمت بين نابليون الثالث والسلطان العثماني تقضي بإقامة الأمير في مدينة (بروسة)! إذن الأمير سيسافر من فرنسا إلى الحاضرة العثمانية ليستقر في بروسة، وكان السلطان قد خصص للأمير داراً كبيرة هناك (على جهة التمليك) مع مخصصات مالية، إلاّ أنّ السلطان رأى أنّه من الأفضل أن ينتقل الأمير عبد القادر إلى الشام كي يساعده في تحسين الأوضاع هناك!، فتشاور السلطان مع نابليون، وتعلل بأن الأمير لم يطب له المقام في بروسة بسبب كثرة الزلازل، فوافق نابليون على انتقال الأمير إلى دمشق.
وقد نظم الأمير قصيدة جميلة يبيّن فيها حزنه على مفارقة مدينة بروسة التي عاش فيها ثلاث سنوات وله فيها أطيب الذكريات فقال:
أبى القلبُ أن ينسى المعاهد من بُرْسا ***** وحبّي لها؛ بين الجوانح، قد أرسى
أكلّفه سلوانها، وهو مغرمٌ ***** فهيهات! أن يسلو وهيهات! أن ينسى
تباعدتُ عنها؛ ويحَ قلبي! بعدها ***** وخلّفتها، والقلبُ،خلفي، بها أمسى
بلادٌ لها فضلٌ على كل بلدة ***** سوى، مَن يشدّ الزائرون، لها الحِلسا
عليَّ محالٌ بلدةً غيرها، أرى ***** بها الدين، والدنيا، طهورًا ولا نجسا
وجامعها المشهور؛ لم يك مثله ***** به العلم مغروسٌ. به كم ترى درسا
سقى الله غيثًا، رحمةً وكرامةً ***** أراضٍ، بها حلَّ الأحبّة، من بُرْسا
[نزهة الخاطر في قريض الأمير عبد القادر ص33]
وقد منح السلطانُ الأميرَ ألف كيس ذهبي عوضاً عن داره التي تركها في بروسة.
أمّا الراتب السنوي الذي خصصه نابليون للأمير فهو تعويض عن الإساءة التي تعرّض لها الأمير بخيانة الحكومة الفرنسية لعهودها معه، وتعويض عن أملاك أسرته التي صادرتها الحكومة الفرنسية في الجزائر، ومنعتهم من حق العودة إلى الجزائر، والأمير كان مضطراً إلى الإنفاق على أسرته كلها وعلى الجالية التي كانت معه، وكان هذا الراتب قد اتفق عليه السلطان العثماني مع نابليون ورضي نابليون بدفع هذه الأموال في مقابل أن يتكفّل السلطان ببقاء الأمير في المشرق وعدم عودته إلى الجزائر. والأموال التي تفرضها الدول الغربية تعويضاً عن إساءة صدرت منها تجاه أي شخص أمرٌ معروف.
ثمّ إنّ السلطان العثماني عندما عرض على الأمير عبد القادر أن يخصص له من بيت مال المسلمين مرتبًا شهريًا يفي بحاجته وحاجات من معه، رأى الأمير باجتهاده أنه من الأفضل أن يقبل المرتب الذي خصصته الحكومة الفرنسية ليوفّر مالَ خزينة المسلمين. وهذا أحد الأسباب التي دفعت الأمير للقبول بالتعويض المالي من فرنسة.
يقول محمد باشا:"ولأول وصول الأمير إلى بروسة عرضَ عليه واليها بإذن السلطنة العظمى تعيين مرتب شهري يقوم بشؤونه، فسُرَّ الأمير بذلك ودعا للدولة العليّة وشكرها على اهتمامها بأمره الشكرَ الجزيل، ثم قال له إن الإمبراطور نابليون عيّن لي من النقود ما يكفي من النّفقة، وأمّا مولانا السلطان المعظّم فقد تفضّل علينا بما هو أعظم من الدنيا بما فيها وهو تنازل عظمته وإنعامه عليَّ بالكفالة عند الدولة الفرنساوية وهذه الكفالة هي السبب الأقوى في حياتنا الجديدة ولولاها ما خرجنا من قبضة الأسر، وهذا الإنعام لا يوازيه شيءٌ ولا يقابله شكرٌ".انتهى [تحفة الزائر 2/ 54]
فلو كان الأمير يحب المال وجمع الثروة كما يتهمه البعض لما وقف هذا الموقف الذي لم نسمع بمثله إلاّ في النادر من الرجال على مرّ العصور.
على كل حال الحديث عن الحالة المادية للأمير سيأتي في حلقة قادمة إن شاء الله.
والحمد لله ربِّ العالمين
خلدون بن مكِّي الحسني
للبحث صِلَة إن شاء الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[03 - Jul-2008, مساء 08:14]ـ
/// حيا الله الدكتور الكريم خلدون الحسني .. وقد قمت بتغيير عنوان موضوعكم بناء على طلبكم الذي وصلني على البريد، وأستسمحكم في شيءٍ آخر فعلته وهو تكبير خط مقالك الأخير، فقد كان صغيرًا.
/// وأمتع الله بكتاباتكم، ووفقكم وسددَّكم فيها.
ـ[جمال الجزائري]ــــــــ[04 - Jul-2008, صباحاً 09:37]ـ
استاذنا العزيز ودكتورنا الفاضل ابا ادريس خلدون الحسني حفظه الله
حياكم الله وبياكم بين إخوانكم في موقع الألوكة
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[04 - Jul-2008, مساء 07:55]ـ
///أخي الكريم السيد عدنان البخاري بارك الله فيكم وفي جهودكم، وأشكرك على اهتمامك، ولطفك، جزاكم الله خيرًا.
///وأشكر الأخ العزيز السيد جمال الجزائري، على ترحيبه الطيب، حياكم الله وبيّاكم.
ـ[أبوالوليد الأثري]ــــــــ[04 - Jul-2008, مساء 10:05]ـ
الأستاذ خلدون حياك الله
و شكرا لفتحكم النقاش في هذا الموضوع الذي يهمني ـ شخصيا ـ كثيرا، و أبحث في أغواره من سنين و إلى وقتنا الحالي
أرجو أن تكون إطلالتك موفقة إن شاء الله و معها المفيد و النافع الجديد
أخوك
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[05 - Jul-2008, صباحاً 03:47]ـ
بارك الله فيكم أستاذ خلدون متستمتع و متابع لتطور مجرى هذا النقاش العلمي الشيق والثري
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[06 - Jul-2008, صباحاً 12:58]ـ
أيها الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله
///الأخ أبوالوليد الأثري، بارك الله فيكم، وأرجو أن أكون قدمت ما فيه فائدة، مع العلم أنني أختصر جدًا، وأنا أتعرّض فقط للمسائل التي تثار من جديد، وتلتبس على البعض. وأمّا التفاصيل فيطول عرضها الآن، مع أنها توضح كثيرًا السيرة الذاتية والمسيرة العملية للأمير، وبدون شك فإن الذي يقرأ الكتب الموسّعة التي تعرضت لتاريخ الأمير أو لتاريخ تلك الحقبة، سيتبيّن له الفرق الكبير بين حقيقة ما كان عليه الأمير، وبين ما يُقال عنه وعن أقرانه اليوم.
سأسعى؛إن شاء الله؛ إلى تجلية بعض الجوانب في هذه الحلقات، وإن كان في العمر بقية، أتابع الجوانب الأخرى. شكرًا لمشاركتك.
///الأخ الكريم ابن الروميّة، سَميُّ شيخنا ابن الروميّة الإشبيلي المالكي ثم الظاهري، أحببتك من اسمك، وأنا سعيد لأنّك مستمتع بالموضوع، ومشاركاتكم الكريمة هي التي تشجعني على المتابعة. شكرًا لكم.
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[06 - Jul-2008, صباحاً 02:44]ـ
يا حبذا لو تطيلون النفس قليلا شيخنا أبا ادريس فبحثكم لا يمل
ـ[عبدالقادر بن محي الدين]ــــــــ[06 - Jul-2008, صباحاً 03:03]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الراشدية التي ذكرها الأستاذ في معرض بحثه يراد بها مدينة معسكر وقد قالوا إن نسبتها ترجع لراشد بن يحي بن علي بن حمود , وقد كان للراشدية هذه مكانة علمية مرموقة , وكان بينها وبين تلمسان منافسة علمية حادة , ومن أعلام هذه المنطقة الشيخ مصطفى الرماصي , وهو صاحب الحاشية على شرح التتائي على مختصر خليل , وقد كانت محل عناية وحفاوة من العلماء شرقاً وغرباً ومنهم الشيخ الدردير الذي كان أول من أدخل كتابه إلى هذه البلاد تلميذه محمد بلقندوز المستغانمي , وكذلك اعتمد على تلك الحاشية الشيخ البناني الفاسي.
وبالقيطنة التي ولد بها الأمير أسس الشيخ مصطفى بن المختار (ت: 1212) جد الأمير عبد القادر أواخر القرن الثاني عشر زاوية للطريقة القادرية , وقد غدت هذه الزاوية معهداً ذاع صيته فيما بعد , وممن تولى الاشراف عليها الشيخ عبد القادر المشرفي رحمه الله.
وبارك الله في الجميع
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[07 - Jul-2008, مساء 06:04]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الخامسة
(يُتْبَعُ)
(/)
بدايةً أريد أن أنبّه الأخ محمد المبارك، والإخوة القرّاء إلى موضوع هام في هذا المقام: لقد أُنشِأت في الدول الكبرى كالاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وزارة اسمها (وزارة الحقيقة) هدفها غسل الأدمغة وتشويه الحقيقة وإعادة كتابة التاريخ وفق ما يناسب توجهاتها السياسية والثقافية. ومما قاله أحد المؤسسين لهذه الفكرة:"الخطوة الأولى في تصْفِيَة شعبٍ ما: هي أن تمسح ذاكرته. دمّر كُتُبَه، وثقافَتَه، وتاريخه، ثم اجعلْ شخصًا ما يكتبُ كتُبًا جديدة، واصنع ثقافة جديدة، واخترع تاريخًا جديدًا. ولن يمرَّ وقتٌ طويل حتى تبدأ الأمّة بنسيان ماذا تكون وماذا كانت".انتهى [من كتاب (موت الغرب) لـ باتريك بوكانان؛ عن مجلّة الحرس الوطني العدد 256 شعبان 1424هـ]
********
والآن نصل إلى العنوان العريض الذي وضعه الأخ محمد المبارك صاحب (فك الشفرة): (التحول الكبير في حياة الأمير)
وشرح هذا العنوان في أسطر قليلة بدأها بقوله: ((لم تُحيِّرني شخصية مثل شخصية الأمير عبد القادر الجزائري، فهذا الأسد الهزبر و الفارس الضرغام نجده يتحول بعد مجيئه من فرنسا إلى خادم مطيع و مريد متحمس للدولة الفرنسية و إلى كل ما يمت إلى الفرنسيين بِصِلة)).انتهى
هذه والله كبيرة!! من أين للكاتب أن الأمير تحوّل إلى خادم مطيع ومريد متحمس لفرنسا وإلى كل ما يمت إلى الفرنسيين بصلة؟!! ما هي مصادرك؟ وأين هي مراجعك؟ وكيف طاوعتك يدك في خطّ هذا الكلام؟! أهكذا يكون أدب الكلام مع أحد أكبر الشخصيات الإسلامية المجاهدة في العصر القريب؟!
من أين أتيت بهذا الوصف وهذا التحليل؟! وما هي الخدمات التي قدّمها الأمير لفرنسا وللفرنسيين؟ ليت الكاتب أشار إلى بعضها على الأقل! ليبيّن لنا على ماذا اعتمد في تشنيعه وطعنه بالأمير عبد القادر!
أما إلقاء الكلام هكذا وعلى عواهنه والتشهير بعظماء الأمّة بالتشهي، فهذا غير مقبول ولا نرضاه لكاتب المقال.
ثم بدأ الكاتب يعلل أسباب التحول المزعوم للأمير. فقال إنّ الأسباب التي تقف وراء ذلك هي أنّ الفرنسيين عرفوا كيف يخاطبونه وهم الذين تعرّفوا إلى الشخصيّة الشرقيّة جيداً بعد دخولهم إلى مصر!!! والأمر الآخر أنّ الأمير كان ذا ثقافة واطلاع واسعين، وهو من أهل الذكاء ودقّة المشاهدة. لذلك استطاع الفرنسيون أن يقلبوا كيان الأمير ويؤثّروا على عقله الراجح!! هكذا زعم.
وأقول: إذا كان الفرنسيون قد تعرَّفوا الشخصية الشرقية جيدًا في مصر فما دخل ذلك بالشخصيّة المغربية الجزائريّة؟! وكلنا يعلم الفوارق الشخصيّة بين أهل مصر وأهل الجزائر، ولا يمكن أن يقال إن التعامل مع كلتا الشخصيتين واحد. أو أن التخاطب معهما يكون بالطريقة نفسها.
ثمّ إذا كان تمتّع الشخص بالذكاء ودقة المشاهدة والاطلاع الواسع والثقافة الغزيرة يجعله عرضة للوقوع في فخّ المستشرقين، فما حال قليل العلم والبليد ومنعدم الثقافة والغبي؟!
أيها الإخوة ما الداعي لكل سوء الظن هذا، والكاتب أمام شخصيّة مسلمة قادت شعبها إلى الجهاد والعزّة.
ثمّ يضعنا الأخ كاتب (فك الشيفرة) أمام إحدى تحليلاته لسبب تحوّل الأمير من مجاهد إلى خادم (حسب زعمه)!
وهي قوله: ((ذلك البغض الشديد للدولة العثمانيّة)).انتهى
وأقول: البغض والحب صفتان قلبيتان لا يمكن الاطلاع عليهما إلاّ إذا صرّح صاحبهما بما في قلبه.
فمن أين للكاتب هذا الادّعاء؟!
إنّ الأمر الثابت أنّ الجزائريين (والأمير واحد منهم) كانوا ساخطين على الولاة الأتراك في الجزائر (الدايات والبايات) وذلك بسبب ظلمهم وتسلّطهم وتفريطهم بحق الرّعية، وإطلاق يد التجار اليهود في الجزائر، بل وتسليم الكثير منهم مناصب في الدولة. ولكنهم لم يكونوا ساخطين على الخليفة العثماني!!! ونحن نعلم أن الذريعة التي اتخذها الفرنسيون لغزو الجزائر هي لطم الداي حسين القنصلَ الفرنسي على وجهه [والذين حرّضوا الداي على ذلك هم تجار اليهود الذين يريدون الحصول على ديونهم ورباها من الحكومة الفرنسية]، وبعد وصول الأسطول الفرنسي وتغطرس الداي حسين بنفسه وغروره بقوته سقطت مدينة الجزائر بسهولة وسلّم الداي التركي نفسه، وجمع أهله وأمواله وغادر الجزائر وتركها للفرنسيين، وكذلك فعل الباي حسن والي وهران.
(يُتْبَعُ)
(/)
(وهنا يجب أن يتنبّه الجميع لأمر هام جدًا وهو أنّ الذريعة التي احتجّ بها الفرنسيون هي لطم الداي حسين لقنصل فرنسا، وهاهو يستسلم لهم فيتركونه يجمع أهله وأمواله ويُغادر الجزائر بسلام! في حين استمرت الجيوش الفرنسية بالتوغل في أراضي الجزائر واحتلالها. وفي هذا أكبر دليل على أنّ نية الاحتلال كانت مُبيّتة من قبل والاستعداد لها كان قبل حادثة اللطم وإنما كانت فرنسا تتحين الظروف).
فماذا يريد الكاتب من الشعب الجزائري أن يفعل؟ ولو رجع الكاتب إلى أوّل مقاله لوجد نفسه يذكر سبب التفاف الشعب حول والد الأمير. وإليكم ما ذكره الكاتب: ((ولم يمض وقت طويل حتى تعرضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكنت فرنسا من احتلال العاصمة فعلاً في 5 يوليو 1830م، واستسلم الحاكم العثماني سريعًا، ولكن الشعب الجزائري كان له رأي آخر.
المبايعة: فرّق الشقاق بين الزعماء كلمة الشعب، وبحث أهالي وعلماء "وهران" عن زعيم يأخذ اللواء ويبايعون على الجهاد تحت قيادته، واستقر الرأي على "محيي الدين الحسني" شيخ الطريقة القادرية في وقته، ووالد الأمير عبد القادر،وعرضوا عليه الأمر، ولكن الرجل اعتذر عن الإمارة إلاَّ أنَّه قبل قيادة الجهاد. فأرسلوا إلى صاحب المغرب الأقصى ليكونوا تحت إمارته، فقبل السلطان "عبد الرحمن بن هشام" سلطان المغرب، وأرسل ابن عمه "علي بن سليمان" ليكون أميرًا على وهران)).انتهى
ويقول الأستاذ الدكتور سعد الله: ((أمّا سلاطين المسلمين فقد رأينا أن بني عثمان كانوا في غفلة من الزمان، لم يبق لهم من الإسلام إلا الشعارات والطقوس والظلال، ولم يبق لهم من لغة القرآن إلا العبارات الدينية التي تقال في المناسبات، بل لم يبق لهم من القوة إلاّ قوة التآمر على بعضهم البعض وقوة الاستبداد بالمسلمين وقوة الحريم والمَحْظيّات الأوربيات. فمن أين لهم نجدة عبد القادر بن محيي الدين ولم ينجدوا حتى غرقاهم في (نفارينو)؟! ([1] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=124823#_ftn1)) ثم كيف ينجدونه وقد أعلن أنّه عربي هاشمي وشريفٌ من آل البيت، ولم يطلب منهم لقبًا أو قفطانًا؟ ألم يَذُقْ شعبُه ووالده وهو شخصيًا من ممثلي أولئك السلاطين في بلاده أنكى المعاملات وأقسى الإهانات؟)).انتهى [الحركة الوطنية ص275]
فماذا يريد الكاتب من الأمير أن يفعل؟ السلطان العثماني لم يتحرك لمساعدة الجزائر، والوالي العثماني سلّم المدينة وهرب، ودبّ الشقاق بين الناس وبدأت الفوضى، والشعب اجتمعت كلمته على واحد منهم ليقود فرض العين (جهاد الصليبيين الغزاة) والسيد محيي الدين رفض القبول بالبيعة احترامًا للخليفة العثماني ولسلطان المغرب، وحتى لا يفرّق شمل المقاومة الجزائريّة اقترح مبايعة سلطان المغرب، لأنّه أقرب جهة إسلامية حاكمة منهم، وبعد إخفاق كل تلك المحاولات ماذا يفعلون؟ الواجب الشرعي يحتّمُ تأْميرَ رجل عليهم ليقودهم ويوحّد كلمتهم، وهذا كان بمشورة كل أهل العلم في تلك النواحي ووقع اختيارهم على شخص الأمير عبد القادر، فهل هذا دليل على البغض الشديد للدولة العثمانية كما يقول الأخ الكاتب؟!
وقد أثبت د. عبد الجليل التميمي في كتابه (بحوث ووثائق في التاريخ المغربي) المراسلات التي جرت بين الأمير عبد القادر وبين السلطان العثماني عبد المجيد، والصدر الأعظم، والتي شرح فيها الأمير لهما وضع البلاد، والنكبات المتوالية التي يُلحقها جيش الاحتلال الفرنسي بها، ثم طلب منهما المساعدة والتأييد، والدعم العسكري والسياسي. [انظر الكتاب المذكور ص195 ـ 199؛ نقلاً عن كتاب مع تاريخ الجزائر للدكتور يحيى بو عزيز]، كما أثبت هذه المراسلات غيره من المؤرخين، ولكنني تعمدت إيراد النقل عن التميمي بالذات لأنّ كاتب (فك الشيفرة) يعتمد عليه في بعض التهم التي يوجهها إلى الأمير.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإليكم نص البيعة الذي حرّره العالم الجزائري الشهير محمود بن حوّا المجاهري. جاء في النص بعد الديباجة: ((لمّا انقرضت الحكومة الجزائريّة من سائر المغرب الأوسط واستولى العدو على مدينة الجزائر ومدينة وهران، وطمحتْ نفسُهُ العاتية إلى الاستيلاء على السهول والجبال، والفدافد والتلال، وصار الناسُ في هرج ومرج وحيص وبيص ... قام مَنْ وفّقهم الله للهداية من رؤساء القبائل وكبرائها وصناديدها وزعمائها، فتفاوضوا في نصب إمامٍ يُبايعونه على الكتاب والسنّة فلم يجدوا لذلك المنصب الجليل إلاّ ذا النسب الطاهر، والكمال الباهر، ابن مولانا السيد محيي الدين، فبايعوه على كتاب الله العظيم وسنّة نبيّه الكريم)).انتهى [(المقاومة الجزائرية) لإسماعيل العربي ص43]
وكما هو ثابت في جميع المراجع فإن الأمير عبد القادر كان منذ اللحظة الأولى من تسلّمه لراية الإمارة والجهاد وإلى آخر أيامه على اتصال مستمر مع الخليفة العثماني، وهذه قصائد الأمير تتوالى في مدح الخليفة العثماني ورسائله إليه معروفة مشهورة وعندما أُفرج عن الأمير سافر إلى الآستانة، ونزل تحت حكم السلطان والخليفة الذي كَفِلَه، فأين ذلك البغض المتوهّم في ذهن الكاتب؟!
كان ينبغي على الأخ محمد المبارك أن يُفرّق بين استياء الشعب من الوُلاة المتخاذلين وبين بغضهم للخلافة العثمانيّة.
ثم هل إذا كان الأمير لا يحب العثمانيين ـ بزعم الكاتب ـ يجعله يتحوّل من مجاهد للفرنسيين مدّة 17سنة أذاقهم فيها الويلات ونكّس أعلامهم ورؤسهم وتكسّرت عصا الماريشالية الفرنسية عشرات المرّات بسببه، إلى خادم للفرنسيين!!! والله هذا قولٌ عجيب!!!
والله تعالى يقول: {وإذا قلتم فاعدلوا} [الأنعام: 152]
وإليكم بعض ما قاله المؤرّخون الثقات حول هذه المسألة.
يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله شيخ المؤرخين في الجزائر (وهو ليس من المتصوفة): (( .. لقد ملّ كثير من الناس ظُلْمَ الأتراك العثمانيين وجمودهم على حالة واحدة، ونظرتهم الأرستقراطية ـ الدكتاتورية، وابتزازهم للمال دون تقديم البديل من علم وفكر وتقنيات، برغم أنهم في قرارة قلوبهم يعرفون أنهم يشتركون معهم في الدين، ولو لم يبق من هذا الدين المشترك إلا القشور))
وفي معرض حديثه عن الباي حسن والي وهران قال: ((ولم يكن التقدم في السن هو السبب الوحيد في انسحاب الباي حسن. فقد كان يحس بأنه حاكم لا تربطه بالمحكومين أيّة رابطة ماعدا التسلط والإرهاب والفائدة المالية. وقد ظلّ في الحكم طيلة سنوات فلم يصلح الأوضاع المعاشية للناس ولم يجعل نفسه حاكمًا محبوبًا أو قريبًا من المواطنين ..... يُضاف إلى ذلك أنه خيّرهم بين الوقوف معه أو تسليم نفسه للفرنسيين، ولم يخيرهم بين الجهاد والاستسلام. ولو فعل لوجدهم، كما كانوا في الماضي، سبّاقين لدعوة الجهاد والدفاع عن الوطن ضد العدو الفرنسي ..... ولكن الباي حسن فضّل أن يسلّم مفاتيح المدينة إلى العدو بعد أن ضمن له هذا الخروج سالماً من وهران ثم من الجزائر إلى حيث يريد))
ثم قال: ((أما أهل المدن فقد فكّروا في حل ديني وسياسي يضمن الأمن والاستقرار وذلك بالدخول في طاعة حاكم مسلم يمنحونه البيعة التي كانت في أعناقهم للباي حسن .... لقد فكّروا في السلطان العثماني (انتبه أخي القارئ) فإذا هو بعيد كلّ البعد عاجز كل العجز عن توفير ما يرغبون فيه ما دام قد عجز عن إنقاذ مدينة الجزائر، وإذا هو مشغول بحروبه في البلقان وفي غيره))
إلى أن قال: ((وها هو حصار وهران (حصار ضربه المجاهدون على الجيش الفرنسي) لا يقوده الموظفون الإداريون في حكومة الباي حسن، الذين حنّكتهم التجارب وعرفوا أسرار المدينة، ولا يقوده أعيان الحضر من أمثال ابن نونة أو حمادي الصقال الذين امتلأت جيوبهم بالمال وبطونهم بالشحم، ولا يقوده أيضًا أولئك "الأتراك" الطامعون في السلطة والاستبداد أمثال إبراهيم بوشناق ومصطفى المقلش، ومحمد المرصالي، ومصطفى بن عثمان، وإنما قاده رجلٌ خرج من زاوية القيطنة، يقرأ القرآن ويدعوا إلى الجهاد (يقصد الحاج محيي الدين الحسني والد الأمير).)).انتهى
(يُتْبَعُ)
(/)
وخلال حديثه عن مبايعة الشعب للأمير قال الأستاذ سعد الله: ((فالرجل شريف من آل هاشم ومن آل البيت؛ أو المَحْتِدُ العربي والنَّسَبُ النَّبوي .... وهو المتعبّد في مسجد القيطنة والعاكف في مكتبة الوالد: يذكر الله ويتأمل في خلقه ويقرأ كتابه، ويحفظ أشعار وآثار الأقدمين، وهو الواقف على ما كان في الشرق من تخلّف وتحوّل، وما كان في الغرب من تقدم وتسلط .... وتجمهر الفقراء والفلاحون والجنود في سهل غريس يؤمّنون على البيعة ويدخلون في حزب الجهاد تحت راية أمير المؤمنين الجديد .... وجلس الأمير يضع الخطط للمستقبل، فعيّن كتابه ووزراءه، وقوّاده وولاته، ولم يراعِ فيهم إلا الكفاءة والإيمان وتحرير البلاد ..... ولكي يُسْكِتَ الأصوات التي قد تنتقده، اعتمد على الشريعة الإسلامية في أحكامه وجعل دستوره هو القرآن، مستعينًا بسيرة السلف الصالح))
وكان د. سعد الله قال قبل ذلك في وصف الأمير والفَرْق بينه وبين البايات التركية: ((إنه بطل كأبطال اليوم يرجع إلى الشعب ويحسّ بنبضاته، ويتقمص آماله، ويحتكم إلى القرآن والسنة وآثار السلف، وينفتح على الحضارة والعلم والعقل، ويستمد طموحه من الشرف والجهاد والوطنيّة)).انتهى [من كتاب الحركة الوطنية الجزائرية ص157إلى 173]
وفي ص122 قال الأستاذ سعد الله يصف الأمير في معرض الحديث عن القيادة الدنيوية والقيادة الروحية: ((ولكن الحاج عبد القادر (الأمير) تقمّص القيادتين معًا، ولذلك أصبح أميرًا للمؤمنين وليس شيخ زاوية (مرابطا) أو شيخ عرش (قائد أو آغا .. )).انتهى
وقال عنه ص400: ((الأمير عبد القادر فوق الطرق الصوفية كلها، أي إنه كان يعمل من أجل فكرة أشمل وهي الدين والوطنية)).انتهى
وكان الأخ محمد المبارك في (فك الشيفرة) قد أتحفنا بنقل كلام للأمير فقال: وقد وجّه خطابه الأول إلى كافة العروش قائلاً: "… وقد قبلت بيعتهم (أي أهالي وهران وما حولها) وطاعتهم، كما أني قبلت هذا المنصب مع عدم ميلي إليه، مؤملاً أن يكون واسطة لجمع كلمة المسلمين، ورفع النزاع والخصام بينهم، وتأمين السبل، ومنع الأعمال المنافية للشريعة المطهرة، وحماية البلاد من العدو، وإجراء الحق والعدل نحو القوي والضعيف، واعلموا أن غايتي القصوى اتحاد الملة المحمدية، والقيام بالشعائر الأحمدية، وعلى الله الاتكال في ذلك كله".انتهى
وأنا أسوقه للتذكير به،
ثم ساق الأخ الكاتب ظاهرةً، فقال إن الأمير قد اعتمد عَلَمًا مغايرًا للعلم العثماني الخاص بالجزائر، ثم راح يصف العَلَم، ثمّ خرج منها بتحليل عجيب،فقال:"ولم يكن ظهور هذا العلم بمحض الصدفة في هذه الفترة بل كان يرمز إلى استقلال سياسي عن الدولة العثمانية، فكانت بذلك من أوائل الحركات الانفصالية التجزيئية التي أعلنت الخروج على الخلافة الاسلامية العثمانية".انتهى
أقول: لقد كانت المقاومة في الجزائر على أقسام، أهمها: قسم الشرق وقسم الغرب، وكان هناك أشخاص مازالوا متمسكين بالولاية التركية في الجزائر كالباي أحمد في قسنطينة مثلاً، وهم رافضون للاتحاد مع الأمير أو مبايعته، وكانوا يوجهون له الضربات من الخلف خلال معاركه مع فرنسا، فليس من الحكمة في شيء أن يرفع الأمير علمًا مماثلاً لِعَلَمهم فتختلط الأمور على الجند والمجاهدين، والأمير مع أنه لم يتفق مع أولئك الأشخاص إلاّ أنه لم يحاربهم أبدًا، ولم يَكِدْ لهم مع فرنسا كما فعلوا هم به، فهؤلاء الأتراك أو الموالين لهم في النهاية قد سلّموا البلاد للفرنسيين ومنهم من تعاون مع فرنسا وطعنوا المجاهدين من الخلف. [والكلام للأستاذ سعد الله]
ولكن أغرب ما في كلام كاتب (فك الشفرة) هو قوله عن جهاد الأمير والبيعة له:"فكانت بذلك من أوائل الحركات الانفصالية التجزيئية التي أعلنت الخروج على الخلافة الاسلامية العثمانية".انتهى
إذا كان جهاد الأمير للفرنسيين، ومقاتلته للصليبيين الغزاة يُعد عند الكاتب خروجًا على الخلافة، فماذا سيقول عمن كان واليًا للسلطان ثمّ انقلب عليه وتفرّد بالحكم؟ وماذا سيقول عمّن كان مسلمًا فقاتل الجيش العثماني المسلم، وخرج على الخليفة؟ كل هذا وليس هناك أي وجود لا للصليبيين ولا لأي محتل أجنبي!!
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد انفصل الوالي محمد علي باشا عن الخلافة العثمانية وانفرد بحكم مصر ووجه جيوشه إلى الشام ووصل إلى مشارف اسطنبول. وكذلك الحال في بلاد "نجد" حيث قام محمد بن سعود وحارب العثمانيين وأسس الدولة السعودية الأولى التي وصلت حتى حوران في الشام، وهذا قبل ولادة الأمير عبد القادر!!
فإذا كان الكاتب مقتنعًا بأنّ الأمير خرج على الخلافة!!، فكيف ساغ له أن يقول عن جهاده إنه من أوائل الحركات الانفصالية التجزيئيّة التي أعلنت الخروج على الخلافة، وهناك من سبقه إلى ذلك بعقود بل قبل ولادته؟!! مع أن تلك القناعة هي من الغرائب حقًا، إذ كيف يسمى المجاهد للجيش الفرنسي الصليبي خارجًا عن الخلافة؟!
وأين أعلن الأمير الخروج عن الخلافة؟ ومن روى هذا الخبر؟ وأعجب من ذلك أننا نتحدث عن بلاد تابعة للخلافة العثمانية سقطت تحت الاحتلال الفرنسي الصليبي فتخلّت عنها الخلافة فقام الشعب يجاهد هذا المعتدي، فإذا بكاتب (فك الشفرة) يصف مقاومة الأمير للغزو الصليبي بأنها من أوائل الحركات الانفصالية التجزيئيّة التي أعلنت الخروج على الخلافة!!!!
والله كلام عجيب غريب.
ولم يكتف الكاتب بذلك، فتابع يقول:"وقد عاد الأمير ليكمل ذلك الدور في بلاد الشام، فقد كانت الجمعية الماسونية قد أخذت على عاتقها محاربة الخلافة العثمانية لكونها كانت تقف سداً منيعا أمام الأطماع العالمية في العالم العربي والاسلامي، ولذلك فقد حاولت الجمعية آنذاك بتدبيرٍ من الأمير عبد القادر الجزائري رئيس المحفل السوري الماسوني آنذاك اغتيال متصرف جبل لبنان العثماني للاستقلال عن الدولة العثمانية".انتهى
أقول: عن أي دور يتكلم الكاتب؟ طبعًا هو يقصد الخروج عن الخلافة، وقد رأيتم بطلان هذا الادّعاء، وأمّا اتهامه الأمير بأنه دبّر لاغتيال متصرف جبل لبنان، نزولاً عند رغبة الجمعية الماسونية التي يرأس أحد محافلها!
فنقول له: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [النمل: 64]
لم يكن هناك متصرف لجبل لبنان إلاّ بعد حادثة 1860م، وكان أول متصرف هو داود باشا الأرمني، ولم يقتله أحد! فمن أين أتى الكاتب بهذه الأخبار؟!
وأُعيد ما قاله المؤرخ الكبير أبو القاسم سعد الله لمناسبة الحال: ((إنّ دولة الأمير الوليدة لم تحاربها فقط جيوش فرنسا حباً في التسلط والبطولة وطمعاً في إنشاء إمبراطوريّة، ولم يقف ضدّها فقط "الكولون" (يعني المستوطنين الأوربيين) بمحاريثهم وأموالهم لكي يستغلوا الأرض المغتصبة ويستثروا على حساب الجزائريين، بل حاربتها أيضاً ظاهراً وباطناً، الكنيسة والماسونية (الصهيونية)، كما حاربها سلاطين المسلمين وحتى بعض علمائهم النائمين.
حاربتها الكنيسة لأنها اعتبرتها حركة جهاد إسلامي متوثب فيه انتعاش ونهضة للإسلام الراكد إذا انتصرت، واعتبرت الكنيسةُ نفْسُها عمَلَها ذلك استمراراً للصليبية التي خاضت في الشرق والغرب حروباً ضارية ضد الإسلام والمسلمين، بما فيها الأندلس ووهران، وتآمرت عليها الماسونية خصوصًا في الدوائر المحيطة بالحكومة الفرنسية وحاشية الملك وقطعان التراجمة والمستشرقين الذين توافدوا على الجزائر، لأنّ دولة الأمير كانت دولة عربيّة سلفيّة، شريفة، لو انتصرت لكانت خطراً عظيماً على مخططات الماسونية ـ الصهيونية في الشرق!!، ولكانت أول دولة توحّد العرب على كلمة الجهاد كما وحّدتهم عليها زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وزمن الخلفاء الراشدين)).انتهى [الحركة الوطنية الجزائرية ص274ـ275].
لقد أفشل الأمير مخططات الكنيسة والماسونية في الجزائر وكذلك في الشام، ولكن كاتب (فك الشيفرة) للأسف؛ يعتمد فيما يبدو على ما يروّجه بعض الحاقدين على الأمير.
تنبيه: بعد هزيمة الأمير عبد القادر وغدر الحكومة الفرنسية به وسجنه في فرنسا، اعترفت الدولة العثمانية على لسان سلطانها بالسيادة الفرنسية على الجزائر وذلك سنة (1847م)، وبعد ذلك حدث تقارب بين الفرنسيين والعثمانيين، وشاركت قوات جزائرية فرنسية في حرب القرم إلى جانب الدولة العثمانيّة!!! [انظر الحركة الوطنية ص342،ص373]
فما رأي الكاتب في هذا؟!
والحديث عن الماسونية سأتناوله في الحلقات القادمة إن شاء الله.
وختامًا أنبه إلى مسألة هامّة وهي أنّ الخلافة العثمانيّة حفَّت الأمير عبد القادر برعاية كاملة وحفاوة مطلقة منذ قدومه إلى الآستانة إلى أن مات، وخصصت له الأموال والامتيازات وكان مسموع الكلمة عند السلاطين والولاة، وعُيّن أبناؤه في مناصب حكومية عليا في اسطنبول وحصلوا على أعلى الأوسمة والألقاب، وكذلك أبناء إخوته كانوا مقرّبين جداً من الخليفة وأوكل إليهم العديد من الوظائف الدينيّة كالإفتاء ونقابة الأشراف على كامل الممالك العثمانية؛ وغيرها من الوظائف، وفَرَضَ لهم الخليفة بعد وصولهم إلى بلاد الشام مرتبات شهريّة، وعندما مات الأمير شيَّعته فِرَقٌ من الجنود العثمانيين، واستمرّت الدولة العثمانية على هذا الاحترام والإكرام للأمير وأهله إلى أن خُلِع السلطان عبد الحميد وبدأت جماعة الاتحاد والترقي بالحكم.
فهل كاتب (فك الشفرة) مقتنع بأنّ الخلافة العثمانية بكل رجالاتها وسلاطينها لم تشعر بخطط ونيّات الأمير المعادية لها، سواء عندما كان الأمير في الجزائر أو بعد قدومه إلى دمشق إلى أن مات؟! مع العلم أن السلاطين العثمانيين كانوا بمجرد ظهور بعض الشبهات حول أي شخص وسوء نيّتِه تجاههم يسرعون لاستئصاله.
ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله
خلدون مكي الحسني
للبحث صِلَة إن شاء الله
[1]ـ أثناء حربها مع اليونان قبل ذلك بقليل.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[11 - Jul-2008, صباحاً 03:35]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة السادسة
ثمّ ينتقل الأخ محمد بن حسن المبارك؛ كاتب (فك الشفرة) إلى حَدَثٍ جديد وهو بيان مدى تصوّف الأمير عبد القادر، فيقول: "الأمير تربَّى في بيئة صوفية، بل قد نشأ على تقديس يصل إلى حد الجنون لشخصية ابن عربي الحلولي الاتحادي، و أمثاله من الاتحادية الحلولية كالحلاج والتلمساني وابن الفارض وغيرهم".انتهى
وأقول: لو اكتفى الكاتب بقوله إن الأمير تربّى في بيئة صوفية لسلّمنا له ذلك، ولكنه أبى إلاّ أن يُضرِب عن كلامه الأول فقال: بل ... الخ
وسؤالي للكاتب: من أين له أن الأمير نشأ على تقديس ابن عربي والحلاّج والتلمساني وابن الفارض تقديسًا يصل إلى حد الجنون؟!! إنه لم يكتف بذكر التقديس وحدَه، بل وصل به إلى حدّ الجنون! وهذا والله من العجائب.
والأمير بدأ اهتمامه بابن عربي وكتبه بعد قدومه إلى دمشق، فمن أين للكاتب أنّ الأمير نشأ على تقديسه؟!
لقد ألّف السيوطي ردًا على كتاب (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) يردّ فيه على الإمام البقاعي، وكذلك ألّف ردًا مماثلاً على كتاب (المقراض القارض في تكفير ابن الفارض) يردّ فيه على البقاعي رحمه الله، ومع ذلك لم نجد من يصف السيوطي بأنه يقدس ابن عربي إلى درجة الجنون! ونحن ليس لنا أن نقول سوى أنه دافع عن ابن عربي وردّ على من كفّره. وأما دعوى التقديس إلى حد الجنون فهذه تحتاج إلى برهان واضح. ولذلك كان على الكاتب أن يبرهن على دعواه!!
ولكنه بدلاً من البرهنة على هذه الدعوى راح يأتي بأفكار ظنيّة تساعده على تقوية الموضوع وجعله من المسلمات. فقال:"بل قد أتمَّ الأمير تدريس كتاب الفتوحات لابن عربي على طلبته مرارا، وألف كتابه "المواقف" على مذهب ابن عربي، بل و قد اختار السكنى في دمشق لكونها بلد ابن عربي الذي أقام فيه، ويقال أنه سكن في نفس البيت الذي عاش فيه ابن عربي بعد أن قام بإصلاحه و دُفِن ـ أيضاً ـ بجوار ابن عربي".انتهى
وأقول: الذي ذكره المؤرّخون أن الأمير قرأ الفتوحات المكيّة مرّتين فقط!
ثم هل كل من قرأ أو قرّأ الفتوحات يكون بالضرورة مقدِّسًا لابن عربي أو موافقًا له في كل مذهبه؟!!
إنّ كتاب الفتوحات المكيّة ليس من الكتب التي يدرّسها الصوفية لطلابهم، وإنما هو كتاب للخاصّة منهم، وتجتمع تلك الخاصّة لقراءته محاولين فكّ معمّياته ورموزه كما يقولون!.
وأنا لا أحب هذا النوع من الكتب ولا أرضى به أبدًا، ولكن أريد أن أنبّه الإخوة على أنّ الإمام الذهبي قال في ترجمة ابن عربي: ((ولا ريب أن كثيرًا من عباراته له تأويل إلا كتاب "الفصوص"!)).انتهى [سير أعلام النبلاء]
ومرّ معنا في الحلقة الأولى أنّ شيخ الإسلام ابن تيميّة قرأ الفتوحات وقال: ((وإنما كنتُ قديماً ممن يُحسن الظن بابن عربي ويُعظّمه: لِمَا رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثيرٍ من "الفتوحات" .. )).انتهى [الفتاوى2/ 464]
وللعلم فإنّ الأمير أَرْسَلَ إلى قونية في تركيا الشيخ محمد الطنطاوي (جد الشيخ علي رحمه الله) والشيخ محمد بن محمد المبارك الدلسي سنة 1289هـ، لتصحيح نسخته من الفتوحات التي اقتناها في دمشق على نسخةٍ بخط ابن عربي نفسه موجودة هناك. وبعد عودتهما بدأ الأمير بقراءة الفتوحات ومات بعد ذلك سنة 1300هـ يعني بعد عشر سنوات من حصوله على النسخة المصححة!
وسبب إرسال الشيخين لتصحيح النسخة، أنّ الأمير لمّا اقتنى نسخة الفتوحات استشكل بعض العبارات فيها، وغلب على ظنّه أنها محرّفة أو مزيدة (هكذا ظن)، وذلك لأنّ المشهور والثابت أنّ ابن عربي عالمٌ كبير , وفقيه أصوليّ، وهو ظاهري المذهب، وهو الذي اختصر كتاب (المحلّى لابن حزم)، وله رسائل في أصول المذهب الظاهري، وكتبه ومؤلّفاته كثيرة جدًّا، إذن هو ليس من الجهلاء والمشعوذين أو أدعياء العلم المخرّفين، لذلك فإنّ الأمير شكّ في بعض العبارات فأراد أن يتيقّن من ثبوتها فأرسل من يطابق له المخطوط. فلمّا أتته النسخة محققةً، سلك في شرح العبارات الخطيرة الواردة فيها مسلكَ كثير من أهل العلم، الذين ذهبوا إلى قبول كلام ابن عربي الموافق للشرع، وأخذوا في تأويل كلامه الذي يخالف الشرع، وحمْلِه على محامل حسنة، وذلك من باب إحسان الظنّ به واستبعاد كون
(يُتْبَعُ)
(/)
عالم مثله يتكلّم بما يُخالف الشريعة. هذا ما ذهب إليه القوم!
وفي أيّامنا هذه اجتمعتُ بشيخ من شيوخ التصوف المعروفين في الشام، وكان يمدح ويثني على ابن عربي كثيرًا، فسألتُه: ما تقول في وحدة الوجود؟ فأجابني قائلاً: "وحدة الوجود بمعنى أنّ كل ما في الكون هو عينُ الله، الشجر والبشر والحجر، هي كفرٌ وقائلها كافر!! وكلام ابن عربي ليس على هذا المعنى".انتهى
إذن هكذا يعتقد هذا الرجل المعظّم لابن عربي، فهل يجوز لي بعد أن سمعتُ منه أن عقيدة وحدة الوجود كفرٌ وقائلها ومعتقدها كافر، أن أصفه بأنه على عقيدة وحدة الوجود لأنّه يعظّم ويوقّر ابن عربي؟! لا يجوز هذا أبدًا.
إنّ العلاّمة جمال الدين القاسمي، رحمه الله، أحد أكبر علماء السلف في بلاد الشام، بل هو رائد التوجه السلفي فيها، كان يستشهد في كتبه ومؤلّفاته بكلام ابن عربي في "الفتوحات المكّية"، ويصفه بالشيخ الأكبر قُدِّس سرّه! [انظر (قواعد التحديث) ص359]، فهل سيجرؤ أحد على وصف العلاّمة القاسمي بأنّه على مذهب ابن عربي لأنه يحترمه ويستشهد بكلامه؟!!
هذا سيكون من البلاء العظيم، والشر الجسيم!
وهذا المسلك الذي سلكه الأمير وغيره، سلكَه مِنْ قبلهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنّه كان إذا وقف على كلام مُريب وفاسدٍ في ظاهره لأشخاص يرى أنهم من أهل الصلاح أو العلم، يؤوله أو يلتمس لهم الأعذار، ولا يطعن فيهم!
مثال: قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: ((فهذا التوحيد: هو الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، وإليه تشير مشايخ الطريقة وعلماء الدين؛ لكن بعض ذوي الأحوال قد يحصل له في حال الفناء القاصر سكرٌ وغيبة عن السِّوى؛ والسكر وجدٌ بلا تمييز.
فقد يقول في تلك الحال سبحاني أو ما في الجبة إلا الله أو نحو ذلك من الكلمات التي تؤثر عن أبى يزيد البسطامي أو غيره من الأصحّاء، وكلمات السكران تُطوى ولا تُروى ولا تؤدّى؛ إذا لم يكن سكره بسببٍ محظور من عبادة أو وجه منهي عنه. فأما إذا كان السبب محظورًا لم يكن السكران معذورًا لا فرق في ذاك بين السكر الجسماني والروحاني فسكر الأجسام بالطعام والشراب، وسكر النفوس بالصور، وسكر الأرواح بالأصوات)).انتهى [الفتاوى 2/ 461]
وفي معرض حديثه عن مذهب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، ووروده في كلام ابن عربي وغيره قال: ((وكثير من أهل السلوك، الذين لا يعتقدون هذا المذهب: يسمعون شعر ابن الفارض وغيره، فلا يعرفون أن مقصوده هذا المذهب، فإن هذا الباب وقع فيه من الاشتباه والضلال، ما حيّر كثيرًا من الرجال)).انتهى [الفتاوى 2/ 297]
ويقول ابن تيمية: ((ولهذا قال أهل العلم والدين،كأبي يزيد البسطامي وغيره، لو رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي، وقال الشافعي لو رأيتم صاحب بدعة يطير فى الهواء فلا تغتروا به)).انتهى [الفتاوى 11/ 666]
وقال شيخ الإسلام: ((قد جمع أبو الفضل الفلكي كتابًا من كلام أبي يزيد البسطامي سمّاه "النور من كلام طيفور" فيه شيء كثير لا ريب أنه كذب على أبي يزيد البسطامي، وفيه أشياء من غلط أبي يزيد، رحمة الله عليه، وفيه أشياء حسنة من كلام أبي يزيد وكل أحد من الناس يؤخذ قوله ويترك إلا رسول الله)).انتهى [الفتاوى13/ 257]
والأشد وضوحًا في هذا المسلك هو الإمام ابن القيّم، وكتابه (مدارج السالكين) الذي شرح فيه كتاب "أبي إسماعيل الهروي" (منازل السائرين) أكبر برهان على ذلك. فإن القارئ يقف على كلامٍ للهروي، مخالفٍ للشريعة، وفيه عقيدة وحدة الوجود، ومع ذلك فإنّ الإمام ابن القيّم كان يعتذر له ويؤوّله بحيث ينفي عن الهروي تهمة القول بوحدة الوجود أو غيرها. وحجّة ابن القيّم في ذلك هي أنّ الهروي من أهل الدين والصلاح، ولا يُتصوّر منه أن يتكلّم بخلاف الشرع! (وهي حجّة الأمير نفسها مع ابن عربي)
قال الهروي: ((الدرجة الثالثة: صفاء اتصال. يُدْرِج حَظَّ العبودية في حق الربوبيّة! ويُغرق نهايات الخبر في بدايات العيان، ويطوى خِسَّة التكاليف في عين الأزل))!!!
(يُتْبَعُ)
(/)
فعلّق عليه الإمام ابن القيّم قائلاً: ((في هذا اللفظ قلق وسوء تعبير، يَجْبُرُه حُسْنُ حالِ صاحبه وصدقُه، وتعظيمُه لله ورسوله. ولكن أبى الله أن يكون الكمال إلاّ له. ولا ريب أن بين أرباب الأحوال وبين أصحاب التمكن تفاوتًا عظيمًا .. )) إلى أن قال ((ولولا مقَامُه في الإيمان والمعرفة، والقيام بالأوامر، لكُنَّا نُسيء به الظنّ)).انتهى [مدارج السالكين3/ 150ـ155]
وقال الهروي: ((وأمّا التوحيد الثالث: فهو توحيدٌ اختصّه الحقُّ لنفسه، واستحقّه لقدره، وألاح منه لائحًا إلى أسرار طائفةٍ مِنْ أهل صفوته، وأخْرَسَهم عن نَعْته، وأعجزهم عن بثِّه))!!! 3/ 511
ثم أنشد هذه القوافي الثلاثة 3/ 513 وهي:
ما وحَّدَ الواحِدَ مِنْ واحد * إذْ كلُّ مَنْ وحَّدَه جاحدْ
توحيدُ مَنْ يَنْطِقُ عن نَعْتِه * عاريّة أبطَلَها الواحد
توحيده إيَّاه توحيده * ونَعْتُ مَنْ يَنْعَتُه لاحد
فراح الإمام ابن القيّم رحم الله يؤول هذا الكلام والشعر ويحمله على محامل حسنة، قال 3/ 515: ((فيُقال ـ وبالله التوفيق ـ: في هذا الكلام من الإجمال والحق والإلحاد مالا يخفى))
إلى أن قال: ((والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما: أعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عليه. وقد كان شيخ الإسلام (يقصد الهروي) ـ قدس الله روحه ـ راسخًا في إثبات الصفات، ونفي والتعطيل، ومعاداة أهله وله في ذلك كتب مثل كتاب (ذم الكلام) وغير ذلك مما يخالف طريقة المعطلة والحلولية والاتحادية)).انتهى [مدارج السالكين3/ 521]
وكان ابن القيّم قال قبل ذلك: ((وقد خبط صاحب المنازل في هذا الموضع، وجاء بما يرغب عنه الكُمَّل من سادات السالكين والواصلين إلى الله. فقال: "الفكرةُ في عين التوحيد: اقتحامُ بحرٍ الجحود"، وهذا بناءً على أصله الذي أصَّله، وانتهى إليه كتابه في أمر الفناء، فإنه لمّا رأى أن الفكرة في عين التوحيد تُبعِدُ العَبْدَ من التوحيد الصحيح عنده، لأن التوحيد الصحيح عنده:لا يكون إلا بعد فناء الفكرة والتفكّر، والفكرة تدل على بقاء رسمٍ، لاستلزامها مفكِّرًا، وفعلاً قائمًا به، والتوحيد التامّ عنده: لا يكون مع بقاء رسم أصلاً، كانت الفكرة عنده علامة الجحود واقتحامًا لبحره، وقد صرَّحَ بهذا في أبياته في آخر الكتاب)).انتهى [مدارج 1/ 147]
إلى أن قال: ((فرحمة الله على أبي إسماعيل فتحَ للزنادقة باب الكفر والإلحاد، فدخلوا منه وأقسموا بالله جهد أيمانهم: إنه لمنهم وما هو منهم وغَرَّه سراب الفناء، فظن أنه لُجّة بحر المعرفة، وغاية العارفين، وبالغ في تحقيقه وإثباته، فقاده قَسْرًا إلى ما ترى)).انتهى [مدارج1/ 148]
وفي عبارة أوضح يقوا ابن القيّم: ((وأما صاحب "المنازل" ـ ومن سلك سبيله ـ فالتوحيد عندهم نوعان: أحدهما غير موجود ولا ممكن، وهو توحيد العبد ربه فعندهم:
ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد
والثاني توحيدٌ صحيح، وهو توحيد الربّ لنفسه، وكل من ينعته سواه فهو ملحد، فهذا توحيد الطوائف، ومَن الناسُ إلاّ أولئك؟ والله سبحانه أعلم)).انتهى [مدارج السالكين 3/ 449]
إذن عندما يغلب على ظنّ الإنسان صلاح وعلم وتديّن شخص ما، فإنّه إذا وجد في كلامه عبارات تخالف الشريعة في ظاهرها، يسارع إلى تحسين الظنّ به، وحمل كلامه على محمل حسن والاعتذار له.
وهذا هو عينُ ما فعله الأمير عبد القادر مع الشيخ ابن عربي، والأمير لم يكن مبتدعًا في ذلك وإنّما سبقه إلى ذلك الكثير من علماء الإسلام، من زمن ابن عربي إلى زمن الأمير!!
والذي يتّهم الأمير بأنه على معتقد وحدة الوجود لأجل احترامه لابن عربي، فهو في الواقع يتّهم جماهير كبيرة من العلماء الذين أثنوا على ابن عربي أو على الهروي، ودافعوا عنهما.
روى المقَّري في كتابه (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) فقال: ((وفي الكتاب المسمى بـ "الاغتباط بمعالجة ابن الخيّاط" تأليف شيخ الإسلام قاضي القضاة مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الشيرازي الفيروزآبادي الصدّيقي صاحب القاموس، قدّس الله تعالى روحه، الذي ألّفه بسبب سؤالٍ سئل فيه عن الشيخ سيدي محيي الدين بن عربي الطائي قدّس الله تعالى سرّه العزيز في كتبه المنسوبة إليه، ما صورته:
(يُتْبَعُ)
(/)
ما تقول السادة العلماء شدّ الله تعالى بهم أزر الدين، ولمَّ بهم شعث المسلمين، في الشيخ محيي الدين بن عربي في كتبه المنسوبة إليه كالفتوحات والفصوص، هل تحلّ قراءتها وإقراؤها ومطالعتها؟ وهل هي الكتب المسموعة المقروءة أم لا؟ أفتونا مأجورين جواباً شافياً لتحوزوا جميل الثواب، من الله الكريم الوهّاب، والحمد لله وحده.
فأجابه بما صورته: الحمد لله، اللّهم أنطقنا بما فيه رضاك، الذي أعتقده في حال المسؤول عنه وأدين الله تعالى به، أنّه كان شيخ الطريقة حالاً وعلماً، وإمام الحقيقة حقيقة ورسماً، ومحيي رسوم المعارف فعلاً واسماً:
إذا تغلغل فكر المرء في طرفٍ ... من بحره غرقت فيه خواطره
وهو عباب لا تكدره الدّلاء، وسحاب لا تتقاصر عنه الأنواء، وكانت دعواته تخترق السبع الطّباق، وتفترق بركاته فتملأ الآفاق ( ... )
وأما كتبه ومصنّفاته فالبحار الزواخر، التي لجواهرها وكثرتها لا يُعرف لها أول ولا آخر، ما وضع الواضعون مثلها ( ... ) ومن خواص كتبه أن من واظب على مطالعتها والنظر فيها، وتأمّل ما في مبانيها، انشرح صدره لحل المشكلات، وفك المعضلات، وهذا الشأن لا يكون إلا لأنفاس من خصّه الله تعالى بالعلوم اللدنية الربانية، ووقفت على إجازة كتبها للملك المعظم فقال في آخرها: وأجزته أيضاً أن يروي عني مصنّفاتي، ومن جملتها كذا وكذا، حتى عد نيّفاً وأربعمائة مصنف، منها التفسير الكبير الذي بلغ فيه إلى تفسير سورة الكهف عند قوله تعالى " وعلّمناه من لدنّا علماً " وتوفّي ولم يكمل، وهذا التفسير كتاب عظيم، كل سفر بحر لا ساحل له، ولا غرو فإنّه صاحب الولاية العظمة، والصديقية الكبرى، فيما نعتقد وندين الله تعالى به. وثم طائفة، في الغي حائفة، يعظمون عليه النكير، وربّما بلغ بهم الجهل إلى حد التكفير، وما ذاك إلا لقصور أفهامهم عن إدراك مقاصد أقواله وأفعاله ومعانيها، ولم تصل أيديهم لقصرها إلى اقتطاف مجانيها:
عليّ نحت القوافي من معادنها ... وما عليّ إذا لم تفهم البقر
هذا الذي نعلم ونعتقد، وندين الله تعالى به في حقه، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصورة استشهاده: كتبه محمد الصديقي الملتجئ إلى حرم الله تعالى عفا الله عنه)).انتهى [نفح الطيب2/ 176]
والمجد الفيروزآبادي هو شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني (والحافظ لم يطعن في شيخه لأجل هذا الكلام، وإنّما كان يكتفي بالاعتراض على إيراد شيخه الفيروزآبادي لكلام ابن عربي في كتبه، ومعلوم موقف الحافظ ابن حجر الرافض بحزم لمذهب ابن عربي!!)
فعندما يقرأ الأمير أو غيره مثل هذه الترجمة، مضافًا إليها عشرات الإشادات والثناءات من علماء وفقهاء، في شخص ابن عربي، مع ما يتصف به الرجل من سعة العلم والأدب، فإنهم لا شك سيحسنون الظن به. وهذا لا يعني أبدًا أنهم على معتقده.
فكيف إذا كان في كلامهم ما يصرّحون فيه برفض هذه العقائد الفاسدة، واستنكارهم لها؟
وقد مرّ معنا في الحلقات السابقة، تبرّؤ الأمير من عقائد الحلول والاتحاد والوحدة، وانتقاده الدهريين والمعطلة، والفلاسفة!!!
قال الأمير: ((واحذر أن ترميَني بحلولٍ أو اتّحاد أو امتزاج أو نحو ذلك، فإني بريء من جميع ذلك ومِنْ كل ما يُخالف كتابَ الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم .. )).انتهى [المواقف 2/ 869]
وقال: (( ... فإنّ هلاكه أقرب، ونجاته أغرب، إذ للشيطان فيه مدخلٌ واسع وشبهة قويّة فلا يزال أبو مُرّة (يعني إبليس) معه يستدرجه شيئاً فشيئاً يقول له: الحقُّ ـ تعالى ـ حقيقَتُكَ، وما أنتَ غيرُه، فلا تُتْعِب نفسك بهذه العبادات، فإنّها ما وُضعت إلا للعوام الذين لم يصلوا إلى هذا المقام، فما عرفوا ما عَرَفت، ولا وصلوا إلى ما إليه وصلت. ثمّ يُبيحُ له المحرّمات، ويقول له: أنتَ ممَّن قال لهم: اعملوا ماشئتم فقد وجبت لكم الجنّة، فيُصبِحُ زنديقاً إباحيّاً حلوليّاً، يمرقُ من الدِّين كما يمرق السهم من الرميَّة".انتهى [المواقف 3/ 1043]
(يُتْبَعُ)
(/)
[ملاحظة: إنني سأتكلّم على كتاب المواقف بالتفصيل لاحقًا إن شاء الله، ولكن حتى لا يلتبس على بعض الإخوة استشهادي بكتاب المواقف أقول: نعم إن كتاب المواقف المطبوع ليس من تأليف الأمير، ولكن له فيه كلام كثير، جمعه وضمّه إلى أمثاله حتى خرج في ثلاثة مجلدات الشيخ محمد الخاني، لذلك فإنني أستشهد بكلام الأمير الموجود في المواقف! وألزم به الذين يقطعون بنسبته إليه]
وليس من الضروري أن يكون الأمير قرأ كلام الإمام الذهبي في ابن عربي، ومع ذلك فإنّه إذا قرأه ربّما يجد فيه ما يدفعه لحسن الظن به! قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: ((ابن العربي: العلاّمة صاحب التواليف الكثيرة محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي الحاتمي المرسي ابن العربي، نزيل دمشق.
ذكر أنه سمع من ابن بشكوال وابن صاف، وسمع بمكة من زاهر بن رستم، وبدمشق من ابن الحرستاني، وببغداد. وسكن الروم مدة، وكان ذكيًا كثير العلم، كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب، ثم تزهد وتفرد، وتعبد وتوحد، وسافر وتجرد، وأتهم وأنجد، وعمل الخلوات وعلق شيئًا كثيرًا في تصوف أهل الوحدة.
ومن أردئ تواليفه كتاب "الفصوص" فإن كان لاكفر فيه، فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة فواغوثاه بالله! وقد عظّمه جماعة وتكلّفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات، وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخنا أنه سمع الشيخ عز الدين ابن عبد السلام يقول عن ابن العربي: شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم ولا يحرّم فرجًا.
قلتُ: إن كان محيي الدين رجع عن مقالاته تلك قبل الموت، فقد فاز، وما ذلك على الله بعزيز.
توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وست مئة. وقد أوردت عنه في "التاريخ الكبير".
وله شعر رائق، وعلم واسع، وذهن وقاد، ولا ريب أن كثيرًا من عباراته له تأويل إلا كتاب "الفصوص"!)).انتهى
وأما قول الأخ الكاتب إن الأمير اختار الإقامة بدمشق لأنها دار إقامة ابن عربي فهو ظنّ منه فيما يبدو؛ وطبعًا ظنٌ غير صحيح، وليته أتى بدليل على ذلك. وقد ذكرنا سابقًا أن الأمير اختار مكّة لإقامته، والذي يُذكر في المراجع التاريخية أنه طلب من الحكومة الفرنسية تأمين سفينة توصله إلى ميناء الإسكندرية أو عكّا، وذلك لأنّ هذين الميناءين هما المنفذ للوصول إلى مكّة المكرّمة.
وما ذكره الكاتب من سكنى الأمير في دار ابن عربي بعد أن قام بإصلاحه فأيضًا غير صحيح،
إن الأمير بعد قدومه إلى دمشق استقبله واليها واستضافه في أحد الدور التابعة للحكومة، وبعد بقائه في تلك الدار مدّةً قصيرة اشترى الأمير عدة دور صغيرة في حيّ العمارة بدمشق القديمة وهدمها وبنى مكانها دارًا واسعة وانتقل إليها وهي أبعد ما تكون عن مقام ابن عربي! [فمكان إقامة ابن عربي ومقامه يقعان خارج أسوار مدينة دمشق بمسافة بعيدة جدًا. في أعلى سفح جبل قاسيون]
وأما أنه دُفن بجانب قبر ابن عربي فصحيح، ومازال قبره باقيًا إلى اليوم مع أنّ الحكومة الجزائريّة نقلت رفاته إلى الجزائر سنة 1966م.
ولكن أحب أن أنبّه هنا على أمر هام جدًّا، وهو أنّ الأمير كان قد اشترى أرضًا بجانب مقبرة الدحداح القريبة من حي العمارة شمال الجامع الأموي، وجعلها مقبرة وأوقفها على أسرته، ولمّا ماتت أمّه دفنها في وسطها، وأوصى أن يُدفن إلى جوارها (وهذا ثابت ومشهور عند أفراد أسرته إلى اليوم)، وحبّه لأمه وتعلقه بها معروف وذَكَرَه جلّ الذين ألّفوا عن حياته. ولكن عندما مات الأمير أشار بعض الشيوخ على أولاده أن يُدفن إلى جوار ابن عربي، وترددوا في الأمر إلى أن اجتمعت الآراء على دفنه بجوار ابن عربي، فاجتمع مجلس إدارة الولاية للمذاكرة في هذا الأمر ووافق عليه بعد ترخيصٍ من الباب العالي.
إذن من ادّعى أن الأمير أوصى أن يُدفن بجانب قبر ابن عربي فادّعاؤه باطل. ووصيّة الأمير موجودة وليس فيها هذا الطلب!
من المعلوم كيف كان ـ وما زال ـ المعتقدون بابن عربي يعقِدون دروسهم في مقام ابن عربي!
وللفائدة فإنّ الأمير عبد القادر لم يُدرّس أبدًا في مقام ابن عربي، وإنما كانت دروسه في دار الحديث، أو في الجامع الأموي، أو في المدرسة الجقمقيّة، أو في داره الخاصّة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا كانت هذه الظنون من الكاتب إنما وضعها ليبرهن على شدة تقديس الأمير لابن عربي، فماذا عن ادّعاءاته بخصوص تقديس الحلاج والتلمساني؟ هل سكن في دورهم أيضًا أو رحل واستوطن في بلادهم؟!!
ثمّ لماذا الزج بأمثال هؤلاء في معرض الحديث عن علاقة الأمير بابن عربي؟!!
من المعلوم الفرق الكبير بين هذه الشخصيات الثلاثة، وإذا كان البعض يلصق الأمير بابن عربي بحجة كتاب المواقف أو بتلك الظنون والأوهام، فما هي حجّتهم عندما يلصقون به الحلاج والتلمساني؟؟
مرَّ معنا سابقًا قول ابن القيّم في دفاعه عن الهروي: ((ولولا مقَامُه في الإيمان والمعرفة، والقيام بالأوامر، لكُنَّا نُسيء به الظنّ)) وكذلك قوله: ((والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما: أعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عليه))
إذن هناك قرائن تدل على حال الرجل وما يريد. والإنكار الذي وجّه إلى ابن عربي إنما هو في اشتمال عباراته وأشعاره لكلامٍ مخالف لظاهر الشرع، ولا يجوز السكوت عنه.
أمّا الحلاّج فكل من يقرأ سيرته يعلم أنه كان مشعوذًا ودجالاً، وليس من أهل العلم والتديّن، وظهرت منه أفعال منافية للدين. [انظره في (سير أعلام النبلاء) للذهبي]، وأما التلمساني فأمره أشد وأدهى، فقد كان يتُهم بالخمر والفسق والقيادة. [انظره (تاريخ الإسلام) للذهبي]
وكذلك كل من اتهمهم العلماء بأنهم يقولون بالحلول والاتحاد أو وحدة الوجود حقيقةً، نجد في سيرهم أنهم كانوا إما تاركين للصلاة أو منتهكين للمحارم أو منحطين إلى أرذل الأخلاق.
وأنا الآن لست بصدد الحديث عن ابن عربي، والناس فيه على فرق ثلاث.
وإنما أنا بصدد الحديث عن الأمير عبد القادر، فإذا كان العلماء يدافعون عن أشخاص تلفّظوا بكلام مرفوض شرعًا، بحجة أنهم أهل علم وصلاح ومقامهم في الإيمان عال. فكيف يكون موقفنا ممن يحترم أولئك الأشخاص فحسب ولم يتلفّظ بكلامهم بل تبرّئ من تلك المعتقدات؟
والذي شُهِد له بالصلابة في الدين، والتقوى والصلاح، والذي حَفِظَ القرآن وعمره خمسة عشر سنة، وتلقى الفقه والحديث، وجاهد في سبيل الله، وحكّم القرآن والسنة في شؤون إمارته كلها، وواظب على حضور الجمع والجماعة إلى آخر يوم من حياته، بل لم يفوّت الصلاة على وقتها جماعة وهو في بلاد الصليبيين وفي معاقلهم (قصر فرساي) وذلك أثناء زيارته لفرنسة مبعوثًا من قِبَل السلطان عبد المجيد خان، يقول محمد باشا: ((ثم نزل الأمير إلى الجنينة في ساحة السراية وصلى الظهر بمن معه من رفاقه، ثمّ ودّع الجنرال، وركب العربة المعدّة له وتوجه إلى غابة بلونيا وصلى العصر بمرأى من جموع كثيرة اجتمعت لرؤيته. أخبرني بعض من كان حاضرًا معه أنّ جميع من كان موجودًا في ذلك اليوم بتلك الغابة من الفرنساويين وغيرهم وقفوا صفوفًا ينظرون إلى صلاته ويمدحونه على إظهار شعائر دينه، ثم قال: والحق يُقال إن منظر الأمير منتصبًا للصلاة أمام الجميع خاشعًا لحضرة الحق تعالى، لَمِنَ المناظر التي تتحرك بها القلوب وتصرفها إلى جانب الحق تعالى، وبعد أن أتمّ صلاته توجّه إلى محلّ نزوله؛ واتّخذت الحكومة على محل صلاته سياجًا من حديد احترامًا له، وهو موجود لهذا العهد)).انتهى [تحفة الزائر2/ 158]
و هو الذي درّس الفقه المالكي والحديث النبوي، في الجامع الأموي ودار الحديث والمدرسة الجقمقيّة، وأجاز العلماء وطلاب العلم بصحيح البخاري ومسلم وموطّأ مالك، وإجازاتهم مازالت محفوظة إلى اليوم، ودرّس كتاب (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي و (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض، و (الرسالة) لابن أبي زيد القيرواني، وراسل أكابر علماء عصره وراسلوه أمثال الإمام الفقيه علي بن عبد السلام التسولي المالكي المغربي (الذي وضع كتابًا يعرض فيه أسئلة الأمير والجواب عليها وهو مطبوع)، والشيخ محمد الهادي العلوي الحسني القاضي بفاس (وجوابه للأمير موجود في تحفة الزائر 1/ 251)، ومفتي المالكية بمصر العلاّمة محمد عليش (الذي كان يُنكر بشدة على منحرفي الصوفيّة) وقد أثبت أسئلة الأمير في كتابه الشهير [فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك (ص 328)]، والعلاّمة الشيخ حسن العدوي المالكي (وجوابه مثبت في تحفة الزائر 2/ 124)، وغيرهم
(يُتْبَعُ)
(/)
من علماء الشام والحجاز وتركيا، ولم يرد أي طعن فيه من جميع علماء عصره!!! وكان محلّ تقدير عندهم، وكل من ترجم له من العلماء في عصره أو قريبًا منه إنما كانوا يثنون عليه وعلى دينه؟ وأشرفَ على غسله وتكفينه الشيخ الأزهري عبد الرحمن عليش ابن الشيخ محمد المذكور آنفًا.
يقول الشيخ جميل الشطي في وصف الأمير: ((هو السيد عبد القادر ابن السيد محيي الدين ابن السيد مصطفى الجزائري المغربي الحسني نزيل دمشق، الأمير الشهير، السيد الخطير، العالم العارف، بحر العلوم والمعارف .... وبالجملة فقد كان إمامًا جليلاً عالمًا عاملاً، نبيلاً نبيهًا، زاهدًا ورِعًا، مُهابًا شجاعًا كريمًا حليمًا، رحمه الله تعالى وجعل الجنّة مثواه)).انتهى [(أعيان دمشق) للشطي ص179]
وهؤلاء العلماء الذين مدحوا الأمير وراسلوه أو لازموه، وعرفوه عن قرب، وحضروا دروسه في العقيدة والحديث، كانوا لا يسكتون عن فضح المنحرفين والزنادقة، بل يشنّعون فيمن ظهرت منه أفعال تعارض الشريعة، فهذا الشيخ عبد الرزاق البيطار في كتابه (حلية البشر) وفي الجزء الذي ترجم فيه لشيخه الأمير عبد القادر؛ يترجم قبله لـ "سعيد الخالدي الدمشقي الشاذلي اليشرطي" فيقول عنه:
ولد سنة إحدى وعشرين بعد المائتين والألف ونشأ من أول عمره في العبادة، والطاعة والزهادة، وزيارة الأولياء والجلوس في مجالس العلماء ... وقد بدأ المترجم بتعلم ما لا بد منه، وما لا يستغني المكلف عنه، ثم التفت إلى التعلم، والاستفادة والتفهم ... ولم يزل مستقيمًا على حاله متخلصًا من أوحاله، إلى أن حضر إلى "داريا"خليفة من خلفاء الشيخ علي المغربي اليشرطي الشاذلي وكان قد أرسله من عكا، واسمه الشيخ أحمد البقاعي، فأخذ المترجم عنه الطريق، ثم بعد ذلك ذهب إلى زيارة الشيخ في عكا فحضر من عنده وقد انعكست حالته، وانقلبت إلى ضدّها في الظاهر طاعته، وعلاه طيشٌ وجنون، ومن المعلوم أن الجنونَ فنون، فذهب رونقه، وبان نورقه، واستثقل أمره وانخفض قدره، فترك الفقه والأصول والمعقول والمنقول، واستخف بالعلماء، وجحد فضيلة الفضلاء، وأنكر العلم والعمل، وعن كثير من التكليفات اعتزل، وقال هذه واجبة على المحجوبين لا على المحبوبين؟! وكان كثيراً ما يتكلم بالكلام، الذي لا يرتضيه مَنْ في قلبه ذرةٌ مِنَ الإسلام، وصار لا يقول بواجب ولا مسنون، ويقول إن التمسك بذلك محض جنون، ومن دخل في الطريق وترقى في المقامات صارت ذاته عين الذات، وصفاته عين الصفات، وهل يجب على الله صلاة أو صيام بحال، وهل يقال في حقه عن شيء حرام أو حلال، وأمثال ذلك كثير لا يرام، ولو أردنا أن نطيل به لخرجنا عما يقتضيه المقام. وقد وافقه على ذلك عدة أشخاص، قد خرجوا من الدين ولات حين مناص، فتجاهروا بالآثام، ولم يتقيدوا بحلال أو حرام مع أن شيخهم الأستاذ (يعني: علي المغربي) قد أنكر عليهم، ووجه أشدّ الملام إليهم، وكتب لهم ينهاهم عن ذلك، ويزجرهم عن هذه المسالك، وهم يؤولون كلامه، حتى صاروا فرقة ذات متانة وحمية، وما زال يتفاقم أمرهم، ويكثر جمعهم، إلى أن نفى الحاكمُ بسببهم أستاذَهم إلى جزيرة قبرص، ناسبًا القصور إليه، وكان المترجم خطيبًا في قرية كفرسوسيا وهي قرية من الشام تبعد قيد ميل، وكان منها معاشه، مع التعظيم والتبجيل، ...
ثم بعد مدة طويلة عفت الحكومة عنهم على أنهم لا يعودون إلى أمثال هذه الرذيلة، ولا إلى الملابس البذيلة، فعاد المترجم إلى قريته، ومحل إقامته وخدمته، ورجع إلى حاله الأول وما رجع عن زيغه ولا تحول، فأعرض عنه أهل البلد ونصبوا له شرك النكد، إلى أن فصلوه، ووضعوا مكانه تلميذه وبمصلحته وصلوه، فعاد المترجم بعياله إلى الشام، وتزايد أمره بما يقتضي الاعتراض والملام، إلا أنه قد ضاقت يده، وهبط قدره وسؤدده، وذهب جماله وسقط كماله، فذهب إلى داريا يقري الأولاد، ودنياه تعامله بعكس المراد، وذلك كله لاتّباعه الباطل، وتمسكه بما ليس تحته سوى الشقاء من طائل، وكنت أنصحه بالرجوع إلى المطلوب، فيقول لي أنت عن الحقيقة محجوب، لو قطع رأسي وتفصلت أوصالي لا رجعت عن طريقي وحالي. فمرة كنت أمشي وإياه في الصحراء فرأى امرأة قروية قد لبست لباساً أحمر فقال لها يا حبيبي عملتَ نفسكَ امرأة ولَبِسْتَ اللباس الأحمر! ومرة رأى هرًا فصرخ وقال له عملتَ نفسكَ هرًّا وتظن أني
(يُتْبَعُ)
(/)
ما عرفتك. وكان يقول عن إبليس إنسان كامل. وأمثال هذا كثير، مما لا يقول به جليل ولا حقير، ويقول للاّئمين أنتم أهل الرسوم، المتمسكون بظاهر العلوم، ونحن الصوفية أهل الطريقة، والوجدان والحقيقة. وما علم أن ذلك من أكبر الغلط، ومن قال به فقد سلك مسلك الشطط، وهل تجدي من غير شريعة طريقة، أو تصلح بما لا تمسك له بالقرآن والسنة حقيقة. قال صاحب الأسفار في شرحه على رسالة الخلوة للشيخ الأكبر قدس الله سرهما: (("وصية" يا أخي رحمك الله قد سافرت إلى أقصى البلاد، وعاشرت أصناف العباد، فما رأت عيني، ولا سمعت أذني، أشرّ ولا أقبح ولا أبعد عن جناب الله من طائفة تدعي أنها من كمل الصوفية وتنسب نفسها إلى الكمال، وتظهر بصورتهم، ومع هذا لا تؤمن بالله ورسله ولا باليوم الآخر ولا تتقيد بالتكاليف الشرعية، وتقررُ أحوال الرسل وما جاءوا به بوجه لا يرتضيه مَنْ في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، فكيف من وصل إلى مراتب أهل الكشف والعيان، ورأينا منهم جماعة كثيرة من أكابرهم في بلاد أذربيجان وشيروان وجيلان وخراسان لعن الله جميعهم*، فالله الله يا أخي لا تسكن في قرية فيها واحد من هذه الطائفة، لقوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}،وإن لم يتيسر لك ذلك فاجهد أن لا تراهم ولا تجاورهم فكيف أن تعاشرهم وتخالطهم؟ وإن لم تفعل فما نصحتَ نفسك والله الهادي)).انتهى، وما زال المترجم على حاله خائضًا في أوحاله، إلى أن تمرض وتوفي رابع عشر جمادى الأولى سنة ألف ومائتين وأربع وتسعين. ودفن في جوار سيدنا بلال الحبشي نسأل الله أن يكون رجع عمّا كان عليه وتاب إلى الله وآب إليه)).انتهى [حلية البشر 2/ 669ـ673]
*وقد علّق الشيخ محمد بهجة البيطار، من شيوخ دمشق السلفيين، على هذا الكلام فقال: ((أقول:وقد وصل شرّهم وضرّهم إلى أرض الشام، وسمعنا ورأينا بعض من يرتكب تلك الآثام، عليهم من الله ما يستحقّون)).انتهى
والشيخ بهجة البيطار يصف الأمير عبد القادر فيقول: ((العالم المجاهد الكبير. وعين الشام وهامها وسيدها وهمامها)) وليس في كلامه عليه إلاّ الثناء والتوقير!! [وذلك في تعليقاته على (حلية البشر)]
وحين ترجم الشيخ عبد الرزاق للأمير: فإنه أثنى عليه الثناء كلّه وبالغ في مدحه، ولم يشر إلى أي شيء يخدش دينه. ولا أريد الإطالة في عرض وإيراد كل ما قيل في الأمير من الثناء والمدح.
ولكن هناك هام أمرٌ أحب أن أنبّه عليه:
وهو أنّ الشيخ عبد الرزاق البيطار يُعدُّ في ذلك العصر من أوائل علماء الشام الذين أخذوا بمذهب السلف، ولاقى بسبب ذلك كثيرًا من الفتن والمصائب، وعاداه كثير من شيوخ الشام، واتّهموه بتأسيس مذهب جديد، وكذلك كان الحال مع تلميذه العلاّمة جمال الدين القاسمي الذي سُجن وحُورِبَ بسبب عقيدته السلفيّة، ومحاربته للخرافات والانحرافات!!
يقول الشيخ محمد بهجة البيطار في ترجمة جدّه الشيخ عبد الرزاق: ((فهو في بلاد الشام من أوّل العلماء بلا شبهة ولا مراء، لأنّه أوّل من أخذ بالدليل، وجاهد في هذا السبيل، ورفع فوق رؤوس أهل الحق راية السنّة والتنزيل)) ثمّ نقل قول العلاّمة القاسمي فيه: ((إن الشيخ عبد الرزاق البيطار ذاك العالم الجليل؛ ممن اشتهر بالإنكار على أرباب الخرافات، وممن يقاوم بلسانه وبراهينه تلك الخزعبلات، فإنّه ممن لا تأخذه في إبانة الحق لومة لائم، ولا يصده عتب عاتب ولا قومة قائم، وله صدع بالحق عجيب، وعدم محاباة ومداراة، وكل ما يروى من حكايات المتمفقرين فإنه يزنه بميزان العقل فإنْ أباه ردَّه جهارًا، وقابل قائله بالصد إنكارًا، وطالما صرّح بالإنكار على من يُنادي مَنْ يعتقد فيه العامّة من الأموات ويستشفع به في قضاء الحاجات، ويعرّفهم ما قاله السلف في هذا الباب مِنْ أنه أمرٌ ما أَذِنَ اللهُ به، إذ أمر بدعائه وحده، فدعاء غيره مما لا يرضيه كما صرّح به في غير آية من كريم الكتاب، وقصْده ترقية العامّة عن نداء أحدٍ إلاّ الله، وعدم تعليق القلب إلاّ بالخالق تبارك وتعالى)).انتهى [انظر مقدمة (حلية البشر) 1/ 12ـ17]
هذا العالمُ الصادع بالحق كتبَ مقالةً سنة 1296هـ إثر ذيوع خبر وفاة الأمير، ثم ظهور بقائه حيًّا وإنما كان مريضًا، يحمد الله فيها فقال: ((نحمدُك يا منعم على إحسانك، ونشكرك على جزيل امتنانك، حمدًا وافيًا بوافر آلائك، وشكرًا مكافيًا لمُتكاثِر نَعْمائك، يا راحم المتضرّعين، ما أرأفك، ويا منّان على المنقطعين ما أعطفك، ويا ذا الرحمة والجود ما أحلمك، ويا دافع النقمة بلطفك ما أحكمك وأعظمك، قد غمرتنا بجميل المعروف، وأغرقتنا في بحر لطفك الموصوف، وأسبلت علينا سترك الجميل، وأدمت لنا حصنك الجليل، مَنْ أنقذتنا به من أودية الغواية، إلى فسيح الرشاد والهداية، وعرّفتنا به المطلوب، وهديتنا بهدايته إلى الصراط المرغوب، وكشفت به لنا عيوبًا كنّا نعتقدها طاعة، ودللتنا به على نهج السنّة والجماعة؛ الأمجد الأوحد، والعَلَم المفرد، بحر الأكارم، وحبر العوالم، .... يد السماحة لكل طالب، وباب الدخول لكل راغب، الرافع بفضائله أعلام الرايات الدينيّة، والقامع بدلائله معاندي الشريعة المحمديّة، أمير الأمراء، وقطب مدار الفضلاء، .... الحسيب النسيب، والشريف الماجد الأريب، السيد عبد القادر الحسني، أدام الله بقاءه وجُوْدَه الهني، .... إلخ)).انتهى
وليس غرضي من هذا النقل ذكر ما فيه من مبالغة في المديح وتعداد الأوصاف (على عادة أهل ذلك العصر)، وإنما غرضي ما قاله الشيخ البيطار مِنْ كون الأمير عبد القادر هو الذي دلّهم على نهج السنة والجماعة، ونفّرهم من البدع التي كانوا يظنون أنها طاعات!
وإن شاء الله أتابع الحديث عن تطور فكر الأمير، وأثره في تلامذته وأصحابه، وآثاره في بعث الصحوة في بلاد الشام، لاحقًا.
والحمد لله ربّ العالمين
خلدون بن مكّي الحسني
للبحث صِلة إن شاء الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[كلنا دعاة]ــــــــ[11 - Jul-2008, مساء 03:06]ـ
د. خلدون بن مكي الحسني
والله اني احبك في الله
والله ان كتابك الى اين ايها الحبيبب اروع كتاب قرأته في الردود
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم انيثيبك
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[11 - Jul-2008, مساء 05:10]ـ
بالتوفيق شيخنا العزيز خلدون الحسني
-------
و لدي استفسار عن عدد حلقات هذه السلسلة المباركة.
فليتكم تفيدوننا بذلك
بارك الله في علمكم و منهجكم
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[12 - Jul-2008, صباحاً 02:37]ـ
/// و الله أخي المبارك أتمنى أن يطول البحث أكثر و لا أدري رأي الأخوة و لا زلنا نستمطر الشيخ أبا ادريس سقاه الله من حوض النبي (ص) لقد ذكرنا ما انسينا و أشغلنا بما شغلنا عنه تخنقني العبرة و تضيق عن الوصف العبارة.
ـ[ابن عبدالكريم]ــــــــ[12 - Jul-2008, صباحاً 06:33]ـ
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل / خلدون الحسني على هذا البحث الماتع , و جعل ما تكتبونه في ميزان حسناتكم يوم القيامة ... و لكن عندي تنبيه بسيط على هذا المقطع ..
بدايةً أريد أن أنبّه الأخ محمد المبارك، والإخوة القرّاء إلى موضوع هام في هذا المقام: لقد أُنشِأت في الدول الكبرى كالاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وزارة اسمها (وزارة الحقيقة) هدفها غسل الأدمغة وتشويه الحقيقة وإعادة كتابة التاريخ وفق ما يناسب توجهاتها السياسية والثقافية. ومما قاله أحد المؤسسين لهذه الفكرة:"الخطوة الأولى في تصْفِيَة شعبٍ ما: هي أن تمسح ذاكرته. دمّر كُتُبَه، وثقافَتَه، وتاريخه، ثم اجعلْ شخصًا ما يكتبُ كتُبًا جديدة، واصنع ثقافة جديدة، واخترع تاريخًا جديدًا. ولن يمرَّ وقتٌ طويل حتى تبدأ الأمّة بنسيان ماذا تكون وماذا كانت".انتهى [من كتاب (موت الغرب) لـ باتريك بوكانان؛ عن مجلّة الحرس الوطني العدد 256 شعبان 1424هـ]
لعلك وهمت شيخنا الفاضل , أو وهمت مجلة الحرس الوطني في النقل عن " باتريك بوكانان ". فلا يوجد في أي من هذه الدول - و لم يوجد في يوم من الأيام - وزارة باسم وزارة الحقيقة. و إنما هي وزارة خيالية إخترعها الكاتب الشهير " جورج أورويل " في روايته ذائعة الصيت " 1984 " * , ثم صارت مثلا شهيرا يضربه الناس في الغرب - خاصة مثقفوهم - ليسخروا به من الأكاذيب التي تضلل بها بعض الحكومات شعوبها.
أما أنه يوجد - أو وجد في يوم ما - وزارة حقيقية بهذا الاسم , فلا. و إنما هو - كما أسلفنا - تشبيه يضرب لتقريب الصورة.
---------------------------------------------------
* و المقطع الذي تفضلتم بذكره من أشهر مقاطع الرواية.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[13 - Jul-2008, صباحاً 04:10]ـ
أيها الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله
///الأخ (كلنا دعاة) أحبّك الله الذي أحببتني لأجله، وأسأل الله أن يتقبّل مني ويجعلني عند حسن ظنّك بي.
وشكرًا لمشاركتك الطيبة ولدعائك، جزاك الله خيرًا.
///الأخ محمد المبارك، وفّقني الله وإيّاك لكل خير. ليس هناك عدد محدد لهذه الحلقات، ولكنها قاربت تنتهي
///الأخ أبو عبد الرحمن، بارك الله فيك، وأحسن إليك، ولعلّي إن شاء الله، أتابع عرض بعض المواضيع المتعلّقة بتاريخ الجزائر، وبعض القضايا الشرعية المتعلّقة بالموضوع، بعد الانتهاء من هذه السلسلة.
///الأخ الكريم ابن عبد الكريم، جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم، وشكرًا لمشاركتك الكريمة، وتنبيهك المفيد.
ولقد أعدت قراءة المقال المنشور في مجلة الحرس الوطني، وكنت قرأته سنة 1424، فوجدت الأمر كما تفضّلت أخي الكريم فإنّ باترك بوكانان (وفقًا للمجلة) يشبّه أساليب الكتّاب الذين يدمّرون التاريخ بأساليب (الأخ الأكبر) في رواية جورج أوريل "1984"، ولكن المقطع الذي نقلتُه عنه، عزاه إلى كتاب (تفريق أمريكا) فقال: ينقل آرثر شليسنجر عن شخصية من كتاب ميلان كونديرا، كتاب الضحك والنسيان؟، تقول: الخطوة الأولى في تصفية شعب هي ... الخ
وفي الحقيقة إن طريقة عرض الكتاب في المجلة فيها تداخل فأحيانًا لا تميّز الكلام لمن لبوكانان أم لأوريل أم للآخرين الذين ينقل عنهم. فلذلك اكتفيت بالعزو إلى كتاب بوكانان الذي ينقل عن أولئك.
وأما فيما يخص وزارة الحقيقة فالوهم منّي ولاشك، فهذا الاسم أطلقه فيما يبدو أوريل على الهيآت والمؤسسات التي أنشأتها الدول بغرض تشويه التاريخ والحقائق وهذه المؤسسات موجودة ولكن ليس بهذا الاسم وإنما تحت مسمّيات أخرى تتخفى بها. ويقصد الكاتب بـ (وزارة الحقيقة) أي التي تشوّه الحقيقة!
وعليه فإنّ عبارتي غير دقيقة، وسأعيد صياغتها، والفضل يعود إليكم في تنبيهي إلى هذا الخطأ، فجزاكم الله عني خير الجزاء.
وتجدون في المرفقات صورتين لصفحتين من المقالة في مجلة الحرس.
http://file9.9q9q.net/img/19347197/scanimage2.jpg[/url
http://file9.9q9q.net/img/65735591/scanimage3.jpg (http://file9.9q9q.net/preview/19347197/scanimage2.jpg.html)
[url]http://file9.9q9q.net/Download/19347197/scanimage2.jpg.html
http://file9.9q9q.net/Download/65735591/scanimage3.jpg.html
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[13 - Jul-2008, صباحاً 05:23]ـ
/// بارك الله في الإخوة جميعًا .. طلب مني الدكتور الفاضل إلحاق هذا التعديل في أثناء آخر مقال له في هذه السلسلة، وهي جملة: (والحافظ لم يطعن في شيخه لأجل هذا الكلام، وإنّما كان يكتفي بالاعتراض على إيراد شيخه الفيروزآبادي لكلام ابن عربي في كتبه، ومعلوم موقف الحافظ ابن حجر الرافض بحزم لمذهب ابن عربي!!).
/// أحببت التنبيه لهذا حسب طلب الدكتور وفقه الله ونفع به.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[15 - Jul-2008, صباحاً 12:05]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة السابعة
إنّ الذي يطلع على تاريخ الجزائر في الحقبة التي سبقت الاحتلال الفرنسي وما بعدها، يُدرك أنّ ما قيل ويُقال في الأمير إنما هو للتعتيم عن حقيقة الوضع الذي كان سائدًا حينها، إنّ الدول الصليبيّة ما كانت لتفضح عملاءها المخلصين، وما كانت لتسلّط الأضواء عليهم، لأنّ في ذلك تنبيهًا للمسلمين على طبيعة العملاء وماهيتهم، فإذا تنبّه المسلمون لذلك فإنهم سيسعون للقضاء على أمثال أولئك العملاء، وسيتجنّبون العمل معهم، وسيكتمون أسرارهم عنهم، وفي هذا إضعاف للصليبيين وتَخْييبٌ لمخططاتهم.
ولذلك نجد أنّ الفرنسيين قبل إقدامهم على غزو الجزائر قاموا بدراسة الوضع هناك وأنشؤوا علاقات بالجهات التي تعهَّدت لهم بتقديم العون الكامل، وقبل نزول أول جندي فرنسي على الشواطئ الجزائريّة نزل المؤرّخون الفرنسيون الذين بدؤوا من فورهم كتابة أحداث التاريخ كما تشتهي أنفسهم، فصوّروا هزائم جيوشهم النكراء على أيدي المجاهدين الجزائريين على أنها انتصارات وملاحم بطوليّة، وأخذ رسّاموهم يرسمون لوحات النصر الكاذب ويرسلونها لتُزَيّن بها جدران القصور في باريس، وألّفوا عشرات الكتب يشوّهون فيها تاريخ الجزائر؛ يرفعون الوضيع ويضعون الرفيع، ويقلبون الحقائق فيجعلون من الجزائر بلدًا جاهلاً متخلفًا بحاجة للحضارة الفرنسية، إذن فهم أتوا ليحضّروا الشعب الجزائري (كما تزعم أمريكا اليوم عن سبب غزوها وتدميرها للعراق!)
وللفائدة فإن تقارير الباحثين الفرنسيين أمثال (فانتور ديباردي، وروزيه) تثبت أن عدد المتعلمين في الجزائر غداة الاحتلال كان يفوق عدد المتعلمين في فرنسا! [تاريخ الجزائر الثقافي 1/ 320]
وجعلوا تدميرهم لأكثر من 700 مسجد إضافة إلى أعداد كبيرة من المعاهد والزوايا، من الارتقاء بحضارة الجزائر!! وهلمّ جرّا ...
ومن ذلك أنّهم صاروا يشوّهون تاريخ أبطال المقاومة في الجزائر الذين لم يخضعوا للإغراءات الفرنسيّة، والذين كشفوا وفضحوا المخطط الفرنسي الاستعماري وتصدّوا لأذناب هذا المستعمر الغازي، وأثبتوا للعالم أن الشعب الجزائري شعبٌ أَبِيّ عزيزُ النفس، قويّ الإيمان بربّه عزَّ وجلّ، لا يُعطي الدّنية في دينه، وأنّه استطاع بعتاده القليل والبسيط أن يحطّم جحافل الجيوش الفرنسيّة المدججة بالمدافع والأسلحة النارية الحديثة، وألحق الهزيمة بالحملات المتتابعة ووسم جباه الجنرالات بوسم العار والخذلان.
لقد كتبَ المؤرخون الفرنسيون عن أحد رموز الثورة في الجزائر بعد الأمير عبد القادر وهو الملقّب بـ (بو معزة) الذي دوّخ الجيوش الفرنسية سنوات متتالية، ثمّ سجنه الفرنسيون في الجزائر، وحاول الهروب عدة مرات إلى أن أطلق سراحه نابليون الثالث سنة 1849م، فتوجّه إلى المشرق وانخرط في الجيش العثماني وقاتل معه في حرب "القرم" على روسيا حتى استشهد. هذا المجاهد الشهير قال عنه الفرنسيون: ((لقد كانت معه أميرة فرنسية تعلمه الرشاقة والضرب على البيانو!)) أرأيتم كيف يشوّهون صور رجالنا! [انظر الحركة الوطنية ص312]
وكذلك فعلوا مع المجاهدة (للاّ فاطمة) التي قادت الجهاد في (الزواوة) إلى أن أُسِرَت في إحدى المعارك وسُجِنت وماتت في السجن، رحمها الله. حيث جعلوا تعاونها مع بعض زعماء الجهاد من باب العلاقات العاطفية والإعجاب بالجمال المتبادل، في تعريض واضح بها وبالمجاهدين لا يخلو من الدس الأخلاقي والسياسي! [المرجع السابق ص414]
وغيرهم كثير ...
(يُتْبَعُ)
(/)
وبالمقابل كان المؤرخون الفرنسيون يتسترون على رموز الخيانة والعمالة من الجزائريين سواء أهل السياسة أو أهل الجاه أو الشيوخ!، فإنّك تكاد لا تجد كتابًا فرنسيًا مروَّجًا يتحدّث عن هؤلاء لا في القديم ولا في أيامنا هذه، وإنما الحديث كلّه منصبّ على أبطال الثورة ابتداءً من الأمير عبد القادر وصولاً إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله! أليس الأمر لافتًا للنظر؟ أليس الأمر مريبًا؟ أليس الأمر واضحًا؟ وإلاّ فلماذا يصرّ الفرنسيون على إظهار الأمير عبد القادر وحده بمظهر الصديق لهم؟
وإذا كان فعل الأعداء ـ في تشويه صورة خصمهم الذي حطّم كبرياءهم في الجزائر وفي الشام ـ متوقّعًا؛ فالعجيب هو تقبّل بعض المسلمين لهذا الهراء!
وحتى لا أطيل عليكم أنقلُ لكم مقطعًا من خطبة ألقاها الشيخ محمد التجاني الكبير صاحب السجادة الكبرى (التجانية) ـ وهو خليفة الشيخ أحمد التجاني الأكبر مؤسس هذه الطريقة، وهذا "الخليفة" يسيطر على جميع أرواح "الأحباب" المريدين التجانيين في مشارق الأرض ومغاربها ـ بين يدي الحكومة الفرنسية في 23/المحرم/ 1350هـ[بعد وفاة الأمير بخمسين سنة] لكي يَظْهَر لكم طبيعة الوضع الذي كان يكابده الأمير عبد القادر من خيانة رؤساء الطرق الصوفية المنحرفة في تلك البلاد.
وأنا أنقل من مصادر موثوقة؛ لا من مصادر صليبية أو مشبوهة!
في كتاب (مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني) لمفتي المالكية في المدينة المنوّرة العلاّمة محمد الخضر الشنقيطي،رحمه الله، وَرَدَتْ خطبة لشيخ التيجانية في الجزائر في حينها،
جاء في خطبة التجاني: (( .. إنه من الواجب علينا إعانة حبيبة قلوبنا (يعني فرنسة) مادياً وأدبياً وسياسياً، ولهذا فإنني أقول لا على سبيل المنّ والافتخار، ولكن على سبيل الاحتساب والتشرّف بالقيام بالواجب: إنّ أجدادي قد أحسنوا صنعًا في انضمامهم إلى فرنسا قبل أن تصل بلادنا، وقبل أن تحتل جيوشها الكرام ديارنا.
ففي سنة 1838م كان جدّي سيدي محمد الصغير ـ رئيس التجانية يومئذ ـ أظهر شجاعة نادرة في مقاومة أكبر عدو لفرنسا، الأمير عبد القادر الجزائري، ومع أنّ هذا العدو ـ يعني: الأمير عبد القادر ـ قد حاصر بلدتنا عين ماضي، وشدد عليها الخناق ثمانية أشهر، فإنّ هذا الحصار تمَّ بتسليمٍ فيه شرفٌ لنا نحن المغلوبين، وليس فيه شرف لأعداء فرنسا الغالبين، وذلك أنّ جدّي أَبَى وامتنع أن يرى وجهًا لأكبر عدو لفرنسا، فلم يُقابل الأمير عبد القادر!!
وفي سنة 1864م كان عمي سيدي أحمد ـ صاحب السجادة التجانية يومئذ ـ مهَّد السبيل لجنود الدوق دومال، وسهّل عليهم السير إلى مدينة (بسكرة)، وعاونهم على احتلالها.
وفي سنة 1870م حملَ سيدي أحمد هذا تشكرات الجزائريين للبقية الباقية من جنود (التيرايور) الذين سَلِموا من واقعة (ريش ـ هوفن)، وواقعة (ويسانبور)، ولكي يُظهر لفرنسا ولاءه الراسخ وإخلاصه المتين، وليُزيل الريب وسوء الظن اللذين ربما كانا بقيا في قلب حكومتنا الفرنسية العزيزة عليه ـ يعني: من حيث كونه مسلمًا ولو بالاسم فقط ـ برهن على ارتباطه بفرنسا ارتباطاً قلبياً، فتزوّج في أمد قريب بالفرنسية الآنسة "أوريلي بيكار" (مدام أو أيّم التجاني بعدئذ)، وبفضل هذه السيدة ـ نعترف به مقروناً بالشكر ـ تطورت منطقة (كوردان) هذه ضاحية من ضواحي (عين ماضي) من أرض صحراوية إلى قصر منيف رائع، ونظراً لمجهودات مدام أوريلي التجاني هذه المادية والسياسية فإنّ فرنسا الكريمة قد أنعمت عليها بوسام الاحترام من رتبة "جوقة الشرف")).
[[وأحمد التجاني هذا لمّا تزوج في سنة 1870م بهذه المرأة الفرنسية، كان أول مسلم جزائري تزوج بأجنبيّة (غير مسلمة)، وقد أصدرت هي كتابًا فرنسيًا أسمته: (أميرة الرمال) تعني نفسها، وقد ملأته بالمثالب والمطاعن على الزاوية التجانية، وذكرت فيه أنّ أحمد التجاني إنما تزوجها على يد الكردِنال "لافيجري" على حسب الطقوس الدينية المسيحيّة، وذلك لأن قانون الزواج الفرنسي كان دينياً مسيحياً لا مدنياً!، ولما توفي عنها أحمد هذا خلفه عليها وعلى السجادة التجانية أخوه علي!! ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ولمّا أنعمت فرنسا بوسام الشرف على هذه السيدة، قالت الحكومة في تقريرها الرسمي ما نصّه: لأن هذه السيدة قد أدارت الزاوية التجانية الكبرى إدارة حسنة كما تحب فرنسا وترضى!، ولأنها كسبت للفرنسيين مزارع خصبة ومراعي كثيرة، لولاها ما خرجت من أيدي العرب الجزائريين (التجانيين)، ولأنها ساقت إلينا جنودًا مجنّدة من (أحباب) هذه الطريقة ومريديها، يجاهدون في سبيل فرنسا صفًا كأنهم بنيان مرصوص!! .. انتهى
ومع أنّ الأحباب التجانيين يتبركون بهذه السيدة ويتمسكون بآثارها ويتيممون لصلواتهم على التراب الذي تمشي عليه، ويسمونها (زوجة السيدين)، فإنها لا تزال مسيحيّة كاثوليكية، ومن العجيب أن أكثر من إحدى وستين سنة قضتها كلها في الإسلام وبين المسلمين! من (1870 إلى 1931) لم تغيّر من مسيحيّتها شيئًا، وهذا دليل على ما كانت تكنّه في قلبها لهؤلاء (الأحباب) الذين حكّموها في رقابهم وأموالهم!!]] انتهى [هذا التوضيح من مراسل مجلة الفتح التي نقلت خطبة التجاني، ومجلة الفتح في ذلك الوقت هي المجلة التي يثق بها المسلمون جميعًا].
ولنرجع إلى الاعترافات؛ ثم قال محمد التجاني الكبير: وفي سنة 1881م كان أحدُ (مقاديمنا) سي عبد القادر بن حميدة مات شهيدًا!! مع الكولونيل فلاتير حيث كان يعاونه على احتلال بعض النواحي الصحراوية.
وفي سنة 1894م طلبَ منّا جول كوميون والي الجزائر العام يومئذ أن نكتبَ رسائل توصية، فكتبنا عدّة رسائل، وأصدرنا عدّة أوامر إلى أحباب طريقتنا في بلاد الهكار (الطوارق) والسودان نخبرهم بأن حملة "فو ولامي" الفرنسية هاجمة على بلادهم، ونأمرهم بأن لا يقابلوها إلاّ بالسمع والطاعة!، وأن يعاونوها على احتلال تلك البلاد، وعلى نشر العافية فيها!! ..
وفي سنة 1906ـ1907م أرسل المسيو "جونار" والي الجزائر العام يومئذ ضابطَهُ المترجم مدير الأمور الأهلية بالولاية العامة سيدي "مرانت"! برسالة إلى أبي المأسوف عليه سيدي البشير، فأقام عنده في زاوية كوردان شهرًا كاملاً لأداء مهمّة سياسية، ولتحرير رسائل وأوامر أمضاها سيدي البشير والدي ـ رئيس التيجانية يومئذ ـ ثمّ وجّهت إلى كبراء مرّاكش وأعيانها وزعماء تلك البلاد وجلّهم ـ أو قال: وأكثرهم ـ تجانيون من أحباب طريقتنا نبشّرهم بالاستعمار الفرنسي، ونأمرهم بأن يتقبلوه بالسمع والطاعة والاستسلام والخضوع التام، وأن يحملوا الأمّة على ذلك، وأن يسهّلوا على جيوش فرنسا تلك البلاد!!.
وفي الحرب العالمية الكبرى أرسلنا ووزعنا في سائر أقطار شمال إفريقية منشورات تلغرافية وبريدية استنكارًا لتدخّل الأتراك في الحرب ضد فرنسا الكريمة وضد حلفائها الكرام، وأمرنا أحباب طريقتنا بأن يبقوا على عهد فرنسا وعلى ذمتها ومودتها. [شارك مع فرنسا في الحرب العامة أكثر من (200.000) مقاتل جزائري قُتل منهم (62.000) فداء لفرنسا! انظر (حاضر العالم الإسلامي) للأمير شكيب أرسلان 2/ 176].
وفي سنة 1913م إجابةً لطلب الوالي العام للجزائر أرسلنا بريدًا إلى المقدّم الكبير للطريقة التجانية في السنغال سيدي الحاج "عثمان ساي" نأمره بأن يستعمل نفوذنا الديني الأكبر هنالك في السودان لتسهيل مأمورية "كلوزيل" الوالي العام للجزء الشمالي من إفريقية الغربية ـ أي: لكي يسهّل عليه احتلال واحة شنقيط ـ
وفي سنة 1916م إجابةً لطلب المريشال "ليوتي" عميد فرنسا في مراكش كان سيدي علي ـ صاحب السجادة الرئيس الذي كان قبلي ـ كتبَ مئة وثلاث عشرة رسالة توصية، وأرسلها إلى الزعماء الكبار وأعيان المغاربة يأمرهم بإعانة فرنسا في تحصيل مرغوبها وتوسيع نفوذها وذلك بواسطة نفوذهم الديني! ..
وفي سنة 1925م في أثناء حرب الريف أرسلتُ أنا ـ حبيبنا ـ المخلص ومريد طريقتنا ومستشارنا المعتبر حُسني سي أحمد بن الطالب إلى المغرب الأقصى، فقام بدعاية كبرى ـ وبروباغندا ([1] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=postreply&t=16969#_ftn1)) ـ واسعة في حدود منطقة الثوار، وتمكن من أخذ عناوين الرؤساء الكبار والأعيان الريفيين و"المقاديم" وأرباب النفوذ على القبائل الثائرة، وكتبنا إليهم رسائل نأمرهم فيها بالخضوع والاستسلام لفرنسا، وقد أرسلنا هذه الرسائل إلى "مقدّمنا" الأكبر في فاس، فبلّغها إلى المبعوث إليهم يداً بيد.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبالجملة فإنّ فرنسا ما طلبت من الطائفة التجانية نفوذها الديني إلاّ وأسرعنا بكل فرح ونشاط بتلبية طلبها وتحقيق رغائبها، وذلك كله لأجل عظمة ورفاهية وفخر حبيبتنا فرنسا "النبيلة"!! .. والله المسؤول أن يخلّد وجودها بيننا لنتمتّع برضاها الخالد!!. وختم خطبته هذه بالثناء العاطر على الموظفين الفرنسيين وعلى الضباط العسكريين واحدًا واحدًا، ومدح الوالي العام ووصفه بأنه (المستعمر الأكبر).
وما انتهى الشيخ من خطبته حتى نهض ليوتنان كولونيل "سيكوني" رئيس البعثة العسكرية وشكر الشيخ وأثنى عليه، ثم قال له: "من كمال مروءتك وإحسانك يا سيدي الشيخ (المرابط) أنك لم تذكر ولا نعمة واحدة من النعم التي غمرتني بها، فأنت الذي أنجيتني من الطوارق الملثّمين، وأنقذتني من أيديهم .. وهكذا جعل الكولونيل يذكر مناقب أخرى للشيخ كثيرة. انتهى [من كتاب العلامة محمد الخضر الشنقيطي مفتي المالكية بالمدينة المنوّرة (المتوفى سنة 1355هـ = 1936م)، في ردّه على شيخ التيجانية وطريقته ص616ـ 621. وهذه النقول جمعها تلميذه فضيلة الشيخ إبراهيم القطّان. واسم كتاب العلامة الشنقيطي (مُشتهى الخارف الجاني في ردّ زلقات التجاني الجاني)].
يقول المؤرّخ الإسلامي الكبير الأستاذ أبو القاسم سعد الله: ((إنّ الأمير (عبد القادر) قد اطلع على رسائل بخط التيجاني إلى أهل الأغواط يذكر فيها أنه خليفة الله في أرضه!!؛ وأُخرى إلى حاكم الجزائر (الفرنسي) يقترح عليه أن يُشغل الأمير من جهة البحر وهو يكفيه من جهة البر!!)).انتهى [الحركة الوطنية الجزائرية 1/ 217]
ويقول سعد الله: ((إن هذا التجاني قد كتب (يوليو 1839) قبل استئناف الحرب مع الأمير، إلى المارشال "فاليه" يقترح عليه البرنامج التالي للتعاون ضد الأمير!: كون أعيان العرب طلبوا منه هو (التجاني) أن يكون أميرًا عليهم، فأجابهم بأن الإمارة تقتضي وسائل الحرب وهم لا يجدونها في الصحراء. تعيين فرنسا لباي على (المْدِيّة) {لاحظ أنها ما تزال عندئذ تحت الأمير} على أن يكون هو التجاني كبير أهل البادية، ويكون الباي المذكور هو الواسطة بينه وبين "فاليه"، ويتعهد بطاعته والدخول تحت نظرخ ويدفع إليه الزكاة والعشور، وبذلك "نبعد من كان غريبًا عنك أو عدوًا لك" وإن العرب غاضبين من الأمير لأنه "قدّم الصغير وأبعد الكبير" ثم إنه "رجل يجهل قواعد العلاقات التي توجد بين الناس ـ القُوى ـ" وهو بدوي، والبدو لا يعرفون شيئًا من ذلك)).انتهى بحروفه [المرجع السابق ص219]
والتيجانية كانوا منذ البداية رافضين للوجود والحكم العثماني وثاروا عليه ووقعت بينهم حروب، ولذلك أسرعوا وتحالفوا مع الفرنسيين الذين أقنعوهم بأنهم يريدون مساعدتهم للتخلص من العثمانيين، وتنصيبهم حكّامًا على الجزائر بدلاً عنهم!!
وكان الأمير عبد القادر حاصَرَ قلعة التيجانية وهزمهم، وجاء في رسالته إلى وكيله في وهران الحاج الطيب: ((إنّ الله تعالى قد حمّلنا مسؤولية النظر في صلاح المسلمين وتوجيه جميع أهل هذه البلاد إلى شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. لقد توجهنا إلى الصحراء لا للإضرار بالمسلمين الحقيقيين ولا لإخضاعهم وتخريبهم ولكن لإيقاظ إيمانهم وجمع شملهم وإقامة النظام بينهم. وكلّهم استجابوا لدعوتنا وأطاعوا بقدر ما تسمح به ظروفهم، ولم يتخلّف إلاّ التجاني. وقد وجدنا أنفسنا وجهًا لوجه أمام الذين كان قد غرر بهم وزيّن لهم العصيان، فكانوا مستعدين لمحاربتنا، وناشدناهم حبَّ الله ورسوله لكي ينضموا إلينا، وذكرناهم لهذا الغرض بآيات من الذكر الحكيم، ولكن كل ذلك بدون جدوى، فيئسنا من رجوعهم إلى الحق ومع ذلك خفنا أن تكون الرأفة بهم سببًا في ضياع الهدف المنشود، وهذا الهدف هو جمع العرب جميعًا على كلمة واحدة وتعليم الجاهل شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومنع انتشار الشرور بينهم، وحفظهم من انتشار الفساد إليهم من بعض المدن .. )). انتهى [حياة الأمير لتشرشل ص132، وطبعًا الكلام مترجم عن الأصل]
ومن صور تفشي الجهل بأحكام الشريعة ما ذكره الأستاذ سعد الله عن "العيّاشي": {في بلدة عين ماضي مركز الطريقة التيجانية يقول "العياشي": (إن النساء فيها كنّ غير محجبات ويخالطن الحجيج يبعن ويشترين) [تاريخ الجزائر الثقافي 1/ 176]}
(يُتْبَعُ)
(/)
أعرِضُ هذه الأحداث والاعترافات لأُبيِّن للقراء والباحثين حقيقةً غابت عن أكثرهم، وهي أنّ الحالة الاجتماعية الدينيّة التي كانت تعيشها الجزائر تحت الحكم العثماني كانت في غاية التدهور والانحطاط؛ وقد عمّ وشاع التصوف المنحرف وكثُرَت رجالاته،: ((ونشأت تحالفات بين أرباب الطرق الصوفية وبين الحكّام الظّلَمة، فقد كان بعض رؤساء الزوايا والدراويش يرشون الولاة ليسكتوا عن ابتزازهم لأموال الناس والتعدي على الحرمات والأعراض. فقد رُويَ أنّ المرابط قاسم ابن أم هانئ كان له رعايا وأتباع كثيرون في قسنطينة ونواحيها وكان له فقراء يرقصون ويشطحون ولعابهم يسيل، وربما يتضاربون؛ وقد قيل عنه أنه أنكر التأثير لله وادّعى أنه هو الذي يملك التصرف!! وكان أصحابه يدفعون الرِّشا إلى الحكام. وكان الشيخ (طراد) في عنّابة صاحب طريقة ولمّا توفي تولاّها ابنه ودخل في خدمة الأمراء وصار يعطيهم الجبايا والخراج للاستعانة بهم على الفريق الذي يعارضه. وطغى هذا الصنف من شيوخ التصوف على حساب تصوف الزهد والعبادة والأخلاق! ولكن كثرة هذا الصنف المنحرف خلال العهد العثماني وسكوت أرباب السلطة عليه وتبادل الرِّشا والهدايا بين الطرفين تدل على المرض الذي أصاب المجتمع الجزائري آنذاك، دينياً وسياسيًا وأخلاقيًا. فهذا الصنف من أدعياء التصوف كان يستعمل جميع الوسائل لاستغلال العامة ونشر الجهل والخرافة بينها)).انتهى [ملخصًا من كتاب تاريخ الجزائر الثقافي 1/ 476 للمؤرخ الكبير الدكتور أبي القاسم سعد الله]
((كما نادى أحمد بن ساسي البوني (1139هـ)، بإسقاط التدبير تمامًا عن الإنسان، واعتبر أن هذا الإنسان مسير لا مخيّر حتى كان ما أصاب الله به البلاد من تأخر ومن ظلم وفساد،كان لمصلحة لا يعلمها إلاّ هو ولا حاجة للإنسان أن يثور أو يرفض أو ينتقد الظلمة والمفسدين والمتسببين في التخلّف)) .. ((وهذا الحسين الورثلاني (1193هـ) كان مذهبه في التصوف اتباع الطريقة الشاذليّة وسلوك علم الباطن ونقد الفقهاء الذين اعتبرهم أعداء للصالحين والأولياء .. وكان يقول إن المرابطين يكتبون في اللوح المحفوظ! وأشاد بنبوءة سيدي خالد (خالد بن سنان العبسي؛ قبل الإسلام)، وكان الورثلاني كمعظم أتباع الطريقة الشاذلية، يُبدي اهتمامًا بشؤون الدنيا وملذات الحياة)). انتهى [المرجع نفسه 1/ 484ـ 495].
((وكان شُرب الخمر والسماع وتعاطي الربا وتناول الحشيش والخنا أمورًا شائعة عند بعض العلماء))، ((وكان الشيخ محمد الحاج قد ظهر عليه الجذب وكَثُرَ الخَنَا على لسانه والتفوه به أمام الذكور والإناث على السواء، وكان يأكل الحشيشة ويعطيها لمن يزوره، بل إنه يلزمه بأكلها. وعندما مات له قِطٌ (وكانت له قطط كثيرة) أَسِفَ عليه وصنع له كفناً وجعل له مشهداً ومدفناً. والغريب أن خاصة وعامة قسنطينة قد جاؤوا للجنازة ولتعزية الشيخ في فقيده!!!
وكان الشيخ محمد ساسي يقول في غنائه: كنتُ صاحب الخضر والآن أنا سيّده! وكان يذكر في قصائده أنه عرج إلى السماء وكشف له الحجاب)).انتهى [المرجع السابق 1/ 414 ـ 490 والدكتور سعد الله ينقل من عدّة مراجع ومخطوطات من أبرزها مخطوط لأحد العلماء المصلحين في الجزائر وهو الشيخ عبد الكريم الفكون (1073هـ) وكتابه اسمه (منشور الهداية في كشف حال من ادّعى العلم والولاية) وهو مطبوع بتحقيق الدكتور سعد الله]
ويقول الأستاذ سعد الله عن حالة كثير من علماء المسلمين في عصر الأمير: ((وأمّا علماء المسلمين، فقد كان أغلبهم، كما قال ابن العنّابي، منشغلين بتكوير وتكبير العمائم، وإطالة أكمام الجبائب، وصبغ اللحى والشوارب، والتكثير من حبّات السبح، والتحذلق والحوقلة والسبحلة، والتقرّب من ذوي السلطان، والنقاش حول الحلال والحرام. أمّا أمر الجهاد عندهم، بما في ذلك أعظم الجهاد الذي هو كلمة حقٍ عند سلطان جائر، فقد أصبح من الذكريات الخوالي، لا يُقرأ إلا كآيات في القرآن أو عبارات في الأحاديث النبوية، أو في أبواب الجهاد في الكتب الفقهية. فلما جاءهم ليون روش (وهو جاسوس فرنسي ادّعى الإسلام) صُحْبَةَ الشيخ محمد التجاني بفتوى تقتضي وقف الجهاد ضد أعداء الدين، آمنوا وصدقوا ووضعوا أختامهم. كانت الفتوى التي أحكم صياغتها روش بالتعاون مع علماء السوء في الجزائر، تقول
(يُتْبَعُ)
(/)
للمجاهدين الجزائريين: ضعوا أسلحتكم فأنتم في بلد إسلامي، وإنه إذا تغلّب العدو الكافر على المسلمين فإنه لا يجوز لهؤلاء مجاهدته لأن ذلك ضرب من الانتحار، ولا تجب عليهم أيضًا الهجرة لأن الجزائر ليست دار حرب بل هي ما تزال دار إسلام ما دام العدو الكافر قد تعهّد بترك المسلمين يقومون بأمر دينهم. وليس عليهم أن يتبعوا الأمير ولا أن يشايعوا أي مجاهد أو مهدي منتظر، يُعلن أنه رجل الساعة جاء لطرد الكافرين. (وقد حمل هذه الفتوى ليون روش ومحمد التجاني إلى علماء القيروان والأزهر والحرم المكي واستطاعوا أن يظفروا بتوقيع العلماء هناك أيضًا)!!!!!!
لقد خذل أولئك العلماء الأمير في جهاده وأثّروا في حركته، ربما أكثر مما أثّرت فيه لا مبالاة سلاطين آل عثمان أو سيوف سلطان فاس. وقد قال أحد الباحثين الفرنسيين المتفقهين في شؤون الاستعمار:"وقد أدّت هذه الوثيقة (الفتوى) في وقتها أكبر خدمة لتأسيس احتلالنا للجزائر")).انتهى [انظر (الطرق الصوفية الإسلامية) لـ ديبون وكو بولاني.الحركة الوطنية الجزائرية ص275ـ276]
((وراسل الأميرُ علماءَ الجزائر ورجال الطرق الصوفية فيها يطلب منهم دعوة الناس للجهاد وإجابة دواعي الشرع واستخدام نفوذهم الروحي عند السكان من أجل مصلحة الوطن والدين. وقد عيّن منهم الكثير في وظائف دولته وجعلهم الأمناء على مصير دولته في أغلب الأحيان وقد صدق معه بعضهم إلى آخر رمق. ولكن بعضهم تآمروا عليه وحاربوه أو لم يفهموا مهمّته أو تغلّبت عليهم الأنانية وحب المصالح الدنيوية، بل إن بعضهم قد خان الله ورسوله في ربطه علاقات ودّية مع العدو وشاركه كبح حركة الجهاد الشعبية)) [المصدر السابق ص276ـ277]
((وقد أعلن الحاج علي شيخ التجانية بـ (تماسين) سنة 1844م عند احتلال (بسكرة) بقيادة الدوق دومال، أنّ ذلك من قضاء الله، ونَصَحَ بعدم التعرض للفرنسيين)) [المصدر السابق ص420]
((إنّ احتلال الفرنسيين لـ "بسكرة" و"الأغواط" و"عين ماضي" كان بمساعدة الطريقة التجانية)) [المصدر السابق ص288]
وبسبب هذه الأجواء الخرافية والمنحرفة والمنبطحة أمام شهوات المال والسلطة استطاع المتربِّصون بالجزائر أن يجدوا لأنفسهم المُعين الرخيص الذي سيمكنهم من احتلالها والبقاء فيها، وكما مرّ معنا من قبل فإن شيخ الطريقة التيجانية كان يتعامل مع فرنسا ويوصي أتباعه بها خيرًا من قبل أن تطأ جيوشها الجزائر، وآخر يمنع من التعرض للفرنسيين لأنهم أهل ذمّة بزعمه، وآخر يقول للناس إنّ الأمير عبد القادر خارجي! خرج على ولاة الأمر الفرنسيس!!، وقديمًا كان البوني يمنع من الثورة على الظلمة والمعتدين، وهكذا ..
وصحيح أن الأمير عبد القادر صوفيّ المشرب ومن أسرة متصوّفة، حال كل الناس في تلك الحقبة، إلاّ أنهم لم يكونوا من ذلك الصنف المنحرف الذين ضاعت عندهم المبادئ الإسلامية الأساسية، بل إنهم كانوا منضبطين بالفقه والشريعة. ومعهدُهم، معهد القيطنة أكبر شاهد على ذلك، فقد كانوا يدرِّسون فيه علوم القرآن واللغة والفقه وكتب الحديث، وهذه رسائلهم ومخطوطاتهم كلها تدل على محاربتهم للغناء الصوفي ولمجالس الإنشاد والحضرات (الرقص الصوفي)، بل إنّ السيد محيي الدين الحسني والد الأمير عبد القادر لما جاء إليه محمد بن الشريف البربري الدرقاوي وتكلّم بكلام فيه شطحٌ صوفيّ ما كان منه إلاّ أن استتابه وأمر بتأديبه، كما ينص عليه الفقه المالكي [انظر (تحفة الزائر) لمحمد باشا 1/ 75]. ومن الأدلّة على انضباطهم وعدم انحرافهم كباقي المتصوفة، أنّ جميع الكتب التي ألّفت في فضح الزائغين من المتصوفة وعددت أسماء شيوخهم لم تذكر ولم تتعرض لذكر أحد من أسرة الأمير وكلهم كانوا من أهل العلم وفيهم متصوفة، ولكنّ أحدًا لم يصفهم بالمشعوذين أو المدجلين، ولم يسجل عليهم التاريخ أيّ تحالف مع الطغاة والمجرمين، وبالمقابل فإن المؤرخين عندما يذكرون الشيوخ الصادقين وأهل العلم العاملين، نجدهم يعدّون الحاج مصطفى جدّ الأمير عبد القادر وابنه السيد محيي الدين من علماء الوقت وصلحائه وممن ساهم في نشر العلم الصحيح. [تاريخ الجزائر الثقافي لسعد الله 1/ 520]
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن الأدلة أيضًا، أن الناس فور وقوع الحادث الجلل واقتحام جيوش الفرنسيين لأرض الجزائر أسرعوا والتفوا حول السيد محيي الدين وأسرته وبايعوه لعلمهم بصدقه وتمسّكه بالشرع الحنيف واستقامته على أحكام الشريعة، بخلاف الكثير من شيوخ الطرق الذين أسرعوا وانضموا إلى فرنسة وتحالفوا معها على السيد محيي الدين وولده الأمير عبد القادر!
وهذا الأمير عبد القادر يعاني من جيوش المتصوفة المنحرفين ومن جيوش الخونة الخارجين أكثر مما عاناه من جيوش فرنسا!! وبسبب أولئك الطرقيين المنحرفين استطاعت فرنسة أن تبقى في الجزائر أكثر من [130] سنة! ولمّا قامت الثورة الجزائريّة كانت الطرق الصوفية أحد أهم العوائق في وجهها (إلاّ القليل ممن رحم الله) وهذا شيخ الطريق العليوية يأمر أتباعه باغتيال الشيخ المجاهد عبد الحميد بن باديس أكثر من مرّة ولكن الله أنجاه والحمد لله!
((إن زعيم الطريقة "الطيبية" في المغرب كان من أوائل المُدجّنين في التسعينيات من القرن الماضي (1890)، ولم يكتف الاستعمار باستخدامه في أغراضه التوسعيّة بل زوّجه من امرأة أوربية وجعل منه مُخدِّراً للعامّة)) [الحركة الوطنية الجزائرية ص295]
وللأمانة أقول لقد تحدّث الأستاذ أبو القاسم سعد الله عن دور الطرق الصوفية في التاريخ الإسلامي وبيّن أنهم لعبوا أدوارًا إيجابيّة زمن الأزمات، ومما قاله: ((وكان الحاج السعدي ومحيي الدين والبركاني وأحمد الطيب بن سالم مِنْ أوائل الذين رموا بعمامة التصوف ولبسوا خوذة الجهاد، رغم أنهم من زوايا معروفة في نواحيهم)) إلى أن قال ((لم يفهم زعماء التجانية عندئذ دورَ الطرق الصوفية في التاريخ الإسلامي، وهو دورٌ قلنا أنه إيجابي زمنَ الأزمات وروحي زمن الازدهار الإسلامي. وقد كانت الجزائر (والإسلام) في أعنف الأزمة خلال العقدين الأولين من الاحتلال، فإذا بمعظم الطرق الصوفية تتحرك في الاتجاه التاريخي المذكور إلاّ التجانية والحنصالية والعيساوية ... فقد رأت غير ذلك)).انتهى [الحركة الوطنيةص301]
ولما تحدّث الدكتور سعد الله عن الأُسر الجزائريّة التي قاومت الغزو الفكري والديني، رغم عملية الفرنسة التي عرفتها الجزائر خلال القرن الماضي قال: ((ومن تلك العائلات خرجت المعارضة الثقافية والسياسية للاستعمار الفرنسي في القرن العشرين، مثل عائلة ابن باديس،والأمير عبد القادر،وابن سماية، وابن جلول،الخ. ونفس الشيء يقال عن عائلات الطرق الصوفية أيضًا)).انتهى [الحركة الوطنية ص254]
إذن فرنسا دمّرت معهد القيطنة وزاويتها ومسجدها لأنّها تابعة للأمير عبد القادر، وأمّا زاوية التيجاني وأمثاله فبقيت!
وفرنسا تشوه صورة الأمير عبد القادر الذي حاربها وتصفه بالصديق والماسوني، في حين تسكت عن العميل الحقيقي والصديق الحقيقي التيجاني!!
وخطبة التيجاني التي نقلتها لكم كانت بعد وفاة الأمير عبد القادر، وقد وصفه فيها بأنّه العدو الأكبر لفرنسا، وهذا يدلكم على حال الأمير الحقيقيّة التي مات عليها، وأنه كان يُنظر إليه على أنه عدو لفرنسا لا صديق!!
فالذي يريد أن يخوض في الحديث عن الرجال وتصنيفهم، فإنَّ العدل والإنصاف يحتّمان عليه توخّي الدقّة والانضباط في وضع الأحكام والأوصاف، لا أن يُطلق الكلام هكذا على عواهنه. فلا يجوز أن يُجرَحَ رجلٌ ما في عقيدته وعرضه وانتمائه لدينه وأمّته، لمجرّد أنه صوفي أو سالك لإحدى الطرق الصوفية! ولا يجوز إلصاق أي انحراف خطير به دون دليل واضح، ولا يجوز اتّهامه بكل ما صدر من بعض المارقين أوالمتفلسفين من الصوفية! لأجل أنه صوفي.
وخصوصًا عندما نتحدث عن تلك العصور السالفة التي كان جلّ الناس ومعظمهم، يغلب عليهم التصوف وأخذ الطريقة، ونكاد لا نجد في تلك الأزمان أحدًا إلاّ وهو يفتخر بطريقته وأورادها وولاية شيوخها، سواء كان من عامّة الناس أو من علمائهم أو حكّامهم، وكذلك تجدهم يعظّمون كل من قيل فيه أنّه وليّ وذلك من باب الطاعة وتوقير أولياء الله؛ هذا هو الطابع العام للمسلمين في القرون التي حكمت فيها الدولة العثمانية المرسّخة للتصوف (من القرن العاشر إلى بدايات القرن الرابع عشر الهجري)، والعلماء الذين تصدّوا لبيان انحرافات المتصوّفة وضلالاتهم في ذلك الوقت، كانوا من الصوفيّة! ومن المنتمين لبعض الطرق كالشاذلية أو
(يُتْبَعُ)
(/)
القادرية، فهذا الشيخ الفقيه عبد الرحمن الأخضري صاحب (السلّم المنورق) ينظم أرجوزة طويلة جدًّا (346بيتًا) يهاجم فيها جهال المتصوفة ويفضح ضلالاتهم وبدعهم، مع أنه كان شاذليًا!
جاء فيها:
والرقصُ والصراخ والتصفيق ... عمداً بذكر الله لا يليق
وإنما المطلوبُ في الأذكارِ ... الذكرُ بالخُشوع والوقارِ
فقد رأينا فرقةً إنْ ذَكَروا ... تَبَدَّعوا وربّما قد كفروا
وفعلوا في الذكر فعلاً منكراً ... صعبًا فجاهدهم جهادًا أكبرا
خلّوا من اسم الله حرف الهاء ... فألحدوا في أعظم الأسماء
لقد أتوا والله شيئاً إدّاً ... تخرمنه الشامخات هداً
والألف المحذوف قبل الهاء ... قد أسقطوه وهو ذو إخفاء
وزعموا أن لهم أحوالا ... وأنهم قد بلغوا الكمالا
والقوم لا يدرون ما الأحوال ... فكونها لمثلهم محال
حاشا بساط القدس والكمال ... تطؤه حوافر الجهال
والجاهلون كالحمير الموكفه ... والعارفون سادة مشرفة
وقال بعض السادة المتبعة ... في رجز يهجو به المبتدعة
ويذكرون الله بالتَّغْبِير ... ويشْطَحون الشَّطح كالحمير
وينبحون النبح كالكلاب ... طَريقُهم ليست على الصَّواب
وليس فيهم من فتى مطيع ... فلعنة الله على الجميع
قد ادَّعوا مراتباً جليلة ... والشرع قد تجنَّبوا سبيله
قد نبذوا شرعة الرسولِ ... والقوم قد حادوا عن السبيلِ
لم يدخلوا دائرة الحقيقة ... كلا ولا دائرة ا لطريقة
لم يقتدوا بسيد الأنام ... فخرجوا عن ملَّة الإسلام
لم يدخلوا دائرة الشريعة ... وأولعوا ببدعٍ شنيعة
لم يعملوا بمقتضى الكتاب ... وسنَّةِ الهادي إلى الصَّواب
قد مَلَكَت قلوبَهم أوهام ... فالقوم إبليس لهم إمام
[انظرها في مجموعة الرسائل المنيرية الجزء الرابع]
وكذلك الشيخ عبد الكريم الفكون، وغيرهم كثير، ومرَّ معنا آنفًا كيف كان السيد محيي الدين القادري والد الأمير، يستتيب أدعياء الصوفية إذا صدر منهم ما يخالف الاعتقاد الصحيح.
وليس من العلم في شيء، ولا من الإنصاف، أن ننظر إلى أهل تلك الأزمان بمنظار اليوم، فنقيّمهم ونصنّفهم بناءً على ما استقرَّ في عالم اليوم، ففي هذا العصر منَّ الله على أمّة الإسلام برجالٍ جدَّدوا لها أمر دينها، ونشروا العلم الصحيح، وساعدهم في ذلك النهضة العامّة وانتشار التعليم ووسائله، فكثرت الكتب المطبوعة من مختلف العلوم: التفاسير، والفتاوى، والأصول، والفقه، وكتب الحديث وشروحها، في حين أنه لم يكن يتيسّر لكثير من أفراد الأمّة في العصور السالفة الحصول على نسخة من كتابها العزيز القرآن!!
فارتفع عن الأمّة الجهلُ، وساد العلم، وارتقى التفكير، وصار الذين كانوا بالأمس يؤمنون ببعض الأساطير والخرافات، ينبذونها ويأنفون من قبولها؛ وصار الذين كانوا بالأمس يتكلّفون تأويل كلام الفلاسفة ويحملونه على محامل حسنة ويعدّون ذلك من أفضل القُرَب وأعلى أبواب العلم، يرفضونه وينهون عن قراءته ونشره!
وبعد أن وصفَ الأخ محمد المبارك الأمير بأنه يقدّس ابن عربي، أتى بهذه القصّة فقال: ((و قد تواتر عنه أنه كان يشتري كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن قيم الجوزية بأغلى الأثمان ليحرقها، و ذلك أنهم كانوا يفتون بكفر ابن عربي، كما يؤججون روح الجهاد في الشارع المسلم.بل كان يشتري جميع ما صُنِّف في الرد على ابن عربي ثم يتلفه)).انتهى
يقول الكاتب إنه قد تواتر أن الأمير كان يشتري كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم بأغلى الأثمان ثم يحرقها!!
ولعلّه من المناسب أن أُذكّر أخي الكاتب بشروط تواتر الخبر
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح النخبة متحدثًا عن الخبر: ((فإذا جمع هذه الشروط الأربعة وهي:
1ـ عددٌ كثير أحالت العادة تواطؤهم أو توافقهم على الكذب.
2ـ رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء.
3ـ وكان مستندَ انْتِهائِهم الحِسُّ. (أي الأمر المُشاهد أو المسموع)
4ـ وانضاف إلى ذلك أن يصحب خبرَهم إفادةُ العلم لسامعه. (أي العلم اليقيني لا العقلي)
فهذا هو المتواتر)).انتهى [نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ص39]
فأين هذا الخبر الذي ساقه الكاتب من هذه الشروط، بل أين هو من شرط واحد منها، بل أين هو هذا الخبر أصلاً؟؟
وأقول: لماذا المجازفة في الكلام والتهويل، والقضية لا يوجد ما يساعد على ثبوتها.
ومع ذلك سأتجاوز مسألة الزعم بتواتر هذا الخبر، وسأرضى بوجود خبر آحاد صحيح يثبتها.
وأنا أُطالب الأخ الكاتب أن يأتيني بهذا الخبر، وهذا ليس طلبًا عاديًّا، وإنما هو فيصلٌ في المسألة!!
وأذكّر بأن رواية الشيخ محمد نصيف التي يعتمد عليها البعض ـ على نكارتها وضعفها ـ ليس فيها ذكر ابن تيمية ولا ابن القيم لا من قريب ولا من بعيد!!
وأدهى من ذلك أن الكاتب علَّل ذلك بأنهما كانا يكفّران ابن عربي ويؤججان روح الجهاد في الشارع المسلم!!!
أولاً؛أنا أطالب الكاتب بإيراد النقول التي صرّح فيها الإمامان ابن تيمية وابن القيم بتكفير شخص ابن عربي!!
وثانيًا؛هل نسي الكاتب أنّ الأمير عبد القادر كان قد قاد الجهاد في سبيل الله مدّة 17 عامًا، وتابع أبناؤه من بعده الجهاد في سبيل الله فهذا ابنه "عبد المالك" يستشهد في المعارك مع الإسبان لتحرير المغرب، وهذا ابنه "علي" يجاهدُ مع إخوانه في ليبيا الجيوشَ الإيطالية، وهذا ابنه "عمر" يشنقه جمال باشا السفاح لأنه كان يقف معارضًا لسياسة التتريك ومحو اللسان العربي وينتقد جمعية الاتحاد والترقي وجماعة حزب تركيا الفتاة، وهذا حفيده "عبد القادر بن علي" يغتاله لورانس البريطاني برصاصات وهو على فرسه بعد المغرب في دمشق، وما ذلك إلاّ لأنّه كان يقف بالمرصاد لتحركات الإنكليز الاستعماريّة.
فكيف ساغ للكاتب أن يجعل بث روح الجهاد في المسلمين من الأمور التي تُسخط الأمير عبد القادر؟!
ثم ختم كلامه بقوله: ((بل كان يشتري جميع ما صُنِّف في الرد على ابن عربي ثم يتلفه)).انتهى
وقد بينتُ في الحلقة الأولى من ردّي عدم صحّة هذا الكلام من أصله. فحبّذا الرجوع إليه.
والحمد لله رب العالمين
خلدون بن مكي الحسني
للبحث صِلَة إن شاء الله
*********************
([1]) كلمة لاتينية بمعنى الدعاية
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[15 - Jul-2008, مساء 09:45]ـ
جزاكم الله خيرااا يا شيخنا أبا ادريس على هذه التجلية
و الله معلومات غاية في الخطورة و الاهمية
و لا نفتئ نطلب المزيد
ـ[شتا العربي]ــــــــ[19 - Jul-2008, مساء 09:42]ـ
جزاكم الله خيرا
تسجيل متابعة
وفقكم الله جميعا
ـ[أبو هارون الجزائري]ــــــــ[22 - Jul-2008, صباحاً 12:47]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم على هذه التوضيحات.
لقد أسأت الظن بالأمير عبد القادر ـ رحمه الله ـ في يوم من الأيام بسبب الشبهات التي أشيعت حوله، فأسأل الله المغفرة.
ـ[أيمن أحمد ذوالغنى]ــــــــ[22 - Jul-2008, مساء 01:38]ـ
أبا إدريس الحبيب ما زلنا معك
نتابع تحقيقاتك الماتعة وفوائدك النفيسة
زدنا مما أنعم الله به عليك،
فإننا إليه بالأشواق ...
ـ[ابن رشد]ــــــــ[24 - Jul-2008, صباحاً 08:07]ـ
ذب الله عن عرضك ... كما ذببت عن عرض العلماء
ـ[عبدالقادر بن محي الدين]ــــــــ[24 - Jul-2008, مساء 06:07]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حبذا أستاذنا الكريم أن تجمعوا هذه السّلسلة في ملف كي يتسنى لنا الاحتفاظ بها وبارك الله فيكم
ـ[أسماء]ــــــــ[03 - Aug-2008, مساء 02:37]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير الجزاء
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[18 - Aug-2008, مساء 01:26]ـ
للرفع ..
وحبذا ياشيخ خلدون لو أكملتم.
بارك الله فيكم و في الجميع.
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[18 - Aug-2008, مساء 02:41]ـ
/// هل من مخبرٍ عن الشيخ خلدون فقد انقطع عن المنتدى من فترة طويلة؟
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[19 - Aug-2008, صباحاً 12:22]ـ
تسجيل انتظار .. خاصة ما وعد به الشيخ من تفنيد نسبة كتاب المواقف نسأل الله ان ييسر له أموره
ـ[وجيب]ــــــــ[01 - Sep-2008, مساء 01:47]ـ
الإخوة الكرام علمنا من مصادر موثوقة أن الدكتور خلدون
اعتقل في دمشق الأسبوع الماضي
وكانت أجهزة الأمن قد اقتحمت بيته قبل شهر ونصف
وصادرت جميع كتبه وأوراقه وحاسوبه العادي والمحمول ... إلخ
وكل ذلك بسبب التقارير التي رفعت عنه بسبب كتابه عن الجفري
فنرجو له الدعاء بالفرج العاجل
ولا حول ولا قوة إلا بالله
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[01 - Sep-2008, مساء 03:07]ـ
اللهم اكشف كرب الشيخ خلدون.
و فك اسره، و فرج عنه همَّه.
و لا حول و لا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.
ـ[أبو الحسن الأزهري]ــــــــ[01 - Sep-2008, مساء 05:06]ـ
الإخوة الكرام علمنا من مصادر موثوقة أن الدكتور خلدون
اعتقل في دمشق الأسبوع الماضي
وكانت أجهزة الأمن قد اقتحمت بيته قبل شهر ونصف
وصادرت جميع كتبه وأوراقه وحاسوبه العادي والمحمول ... إلخ
وكل ذلك بسبب التقارير التي رفعت عنه بسبب كتابه عن الجفري
فنرجو له الدعاء بالفرج العاجل
ولا حول ولا قوة إلا بالله
هذه هي الصوفية!!!!!!!!!!!!!!
ما عرفنا منهم إلا الإيذاء في جميع البلاد ونقول للجفري وبني نحلته:
عاشت الصوفية
ـ[أبو الحسن الأزهري]ــــــــ[01 - Sep-2008, مساء 05:07]ـ
اللهم اكشف كرب الشيخ خلدون.
و فك اسره، و فرج عنه همَّه.
و لا حول و لا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.
اللهم آمين
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[02 - Sep-2008, صباحاً 12:10]ـ
اللهم اكشف كرب الشيخ خلدون.
و فك اسره، و فرج عنه همَّه.
و لا حول و لا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.
آمين و بارك الله فيك شيخ محمد لو يبقى التثبيت حتي يعود الشيخ الينا سالما غانما
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[20 - Sep-2008, مساء 05:58]ـ
أيها الإخوة والأحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله تعالى أن يبارك لنا جميعًا في شهرنا هذا، وأسأله تعالى أن يجعلنا في المقبولين
وأسأله تباركت أسماؤه أن يثبتنا بقوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يفرغ علينا صبرا
بعد هذا الانقطاع الذي قُدّر عليّ، سأعود إن شاء الله لنشر تتمة الحلقات التي بدأتها في رد الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري، في أقرب وقت.
وأشكر جميع الإخوة على مشاركاتهم ودعائهم واهتمامهم.
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[20 - Sep-2008, مساء 06:20]ـ
/// يعاد تثبيته ترقبًا لمشاركاتكم الجديدة .. وفقكم الله
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[20 - Sep-2008, مساء 07:00]ـ
الحمد لله على عودتكم، بارك الله فيكم ...
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[20 - Sep-2008, مساء 07:07]ـ
الحمدلله على عودتكم سالمين شيخنا الكريم.
جمع الله لكم بين الاجر و السلامة و العافية.
ـ[عبدالقادر بن محي الدين]ــــــــ[20 - Sep-2008, مساء 08:11]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله على سلامتكم شيخنا الكريم وبارك الله فيكم
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[21 - Sep-2008, صباحاً 05:51]ـ
الحمد لله على عودتكم شيخنا الكريم
ـ[معاصر]ــــــــ[21 - Sep-2008, مساء 02:36]ـ
الحد لله على عودة شيخنا بالسلامة ,أسأل الله أن يجعل ما لاقاه في ميزان أعماله وأن ينفعنا بعلمه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[21 - Sep-2008, مساء 08:38]ـ
السلام عليكم ورحمة الله، أشكر جميع الإخوة على لطفهم وترحيبهم، وإليكم الحلقة الثامنة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثامنة
انتقل الأخ محمد مبارك في مقاله (فك الشفرة) بعد كل تلك المقدمات عن تصوف الأمير وتقديس ابن عربي وغيره، إلى الحديث عن ابن عربي ذاته. ولا يهمني الآن ما ذكره الأخ الكاتب عن ابن عربي فليس هو موضوع بحثي؛ وكلُّ كلامٍ صدر من ابن عربي أو غيره، فيه مخالفة للشريعة أو استخفاف بأصول الدين وقطعيّاته فهو مردود ومرفوض، وأما شخص ابن عربي فقد تحدّث عنه علماء الإسلام الأثبات المعاصرين له أمثال الإمام العز ابن عبد السلام، ومن جاء بعدهم، وقد أوردتُ بعضًا من كلامهم في كتابي [إلى أين أيها الحبيب الجفري؟!]، ولكن الذي يهمني هو النتيجة التي خرج بها الكاتب بعد حديثه عن ابن عربي.
لقد استنتج أن عقيدة وحدة الوجود عند ابن عربي تصحح عقيدة وحدة الأديان التي يكثر الحديث عنها اليوم وتتلاقى مع الماسونية!
وطبعًا هذا كلام غير دقيق. والكاتب لم يفرّق بين هذه المسميات في مقاله، لذلك نجد أنها متداخلة، والقارئ سيفهم أن الحلول يقابل وحدة الوجود، ووحدة الوجود تقابل الماسونية، والماسونية تقابل وحدة الأديان، ووحدة الأديان تقابل وحدة الوجود!
نعم إنّ بعض هذه المسميات يتقاطع مع بعضها الآخر في جزء من الأجزاء من الناحية الفلسفية ولكن ليس ضمن المفاهيم المستقرّة اليوم والتي يجري التعامل مع تلك المسميات وفقًا لها.
يقول الكاتب: ((ونظرية وحدة الوجود تقول بأن الله عز و جل موجود ـ و العياذ بالله ـ في كل مكان، و بذلك تصحِّح نظرية وحدة الأديان الذي أسماه ابن عربي (دين الحب) أيما تصحيح، بحيث تنضوي تحته كل عقيدة)).انتهى
تعريف وحدة الوجود عند الكاتب غير دقيق! وما ذكره هو عقيدة ومذهب الجهميّة!
وأنا لا أريد الخوض في تفاصيل هذا الموضوع حتى لا نشتت القرّاء ولكن سأنبّه على أشياء منه.
أولاً، الحلول: ((مذهبٌ يعتقد أصحابه أنّ الله تعالى حالٌّ في كل شيء، وفي كل جزء من كل شيء متحدٌ به، حتى صار يصح أن يطلق على كل شيء أنه الله، تغليبًا للاهوت على الناسوت.
والعقيدة الحلولية نجدها عند فرقة من المتصوّفة، وهي ليس وقفًا عليهم، وإنما لها جذورها في الديانات المجوسية والهندية واليهودية والنصرانيّة. فاليعاقبة، من النصارى القائلين بحلول الله سبحانه في جسد المسيح عليه السلام: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72]
وعقيدة الحلول الموجودة عند المتصوفة تخالف المعتقدات الإسلامية؛ لأنهم يقصدون بها أن روح الله تعالى حلّت في بعض الأجسام التي اصطفاها واختارها، فانقلبت هذه الأجسام البشرية إلى آلهة تسير على الأرض وتعيش بين الناس.
أشهر القائلين بالحلول (الحلاّج)، وقد شرح عقيدة الحلول بقوله:"مَنْ هذَّبَ نفسه في الطاعة، وصبر على اللذات والشهوات، ارتقى إلى مقام المقرّبين، ثم لا يزال يصفو ويرتقي في درجات المصافاة حتى يصفو عن البشرية، فإذا لم يبق فيه من البشرية حظّ حلَّ فيه روح الإله الذي حلَّ في عيسى ابن مريم، ولم يُرِدْ حينئذ شيئًا إلاّ كان كما أراد، وكان جميع فعله فعل الله تعالى"
وكذلك (أبو يزيد البسطامي)، فقد روي عنه أنه دخل مدينة فتبعه فيها خلقٌ كثير، فالتفت إليهم وقال: {إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدون}. فقال الناس: "جُنَّ أبو يزيد" وتركوه.
وتُشبه عقيدة الحلول عند المتصوفة عقيدة التجلّي، إذ يكون فيها تجلي الذات الإلهية باسمٍ أو صفة. يقول (عبد الكريم الجيلي):"ومنهم من تجلّى الله عليه بصفة السمع، فيسمع نُطقَ الجمادات والنباتات والحيوانات وكلام الملائكة واختلاف اللغات ... وفي هذا التجلّي سمعتُ علم الرحمانية من الرحمن، فتعلمت قراءة القرآن، فكنتُ الرطل وكان الميزان، وهذا لا يفهمه إلاّ أهل القرآن"
(يُتْبَعُ)
(/)
من أشهر الفرق القائلة بالحلول، الحلاّجيّة والعذاقرة، إذ تعتقد الأولى أنّ روح الله حلّت في الحلاّج، والأخرى أنها حلّت في محمد بن السلمقاني الملقّب بأبي العذاقرة.
وقد أفتى الفقهاء بكفر هذه الفرق، وقالوا إنّ غايتها إفساد عقيدة التوحيد عند المسلمين، فالله مُنَزَّهٌ عن أن يحلَّ بشيء أو يحل به شيء)).انتهى [الموسوعة الإسلامية الميسّرة 5/ 936]
ثانيًا؛ إنّ وحدة الوجود: (مذهب فلسفي يوحِّد بين الله والعالم،ولا يُقِر إلاّ بوجود واحد هو الله، وكل ما عداه أعراضٌ له. وقد نشأت هذه الفكرة عن أصل ديني صدر عن البراهمة، وعن آراء علميّة ترمي إلى تفسير التغير والثبوت في العالم، وقد قال هذا إكسانوفان والرّواقيون، وظهر في الأفلاطونيّة الحديثة والفلسفة الحديثة إذ مَثّله سبينوزا، وتجلّت آثاره في مثاليّة نيتشه وهيغل.
أمّا المسلمون فقد ظهر هذا المذهب بتوضيح جديد عندهم، ذكره الشيخ محيي الدين ابن عربي وابن سبعين وسواهما، وقد حاولوا شرحه بما لا يناقض عقيدتهم، فصعب الأمر، ووقعوا في إشكالات عجزوا عن تأييدها. ولذا جاء غير هؤلاء ليتحدّث عن وحدة الشهود بديلاً عن وحدة الوجود، بأن يُشاهد العارف هذه الحقيقة (وحدة الوجود) في ذات الله سبحانه وتعالى، واتفق الجميع على ضرورة التركيز على وحدة المعبود، وهذا الأسلم والأوضح، وقد دعا إلى هذا الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام)).انتهى [الموسوعة الإسلاميّة الميسّرة 10/ 2194]
وأقول: إن وحدة الوجود هي عقيدة ونظرية ظهرت قبل الإسلام وكان يقول بها كثير من الفلاسفة، والمصيبة الكبرى أن الذين خاضوا في الفلسفة من الصوفية اعتمدوا هذه النظرية. وبدأت هذه النظرية عندما ظنّ الفلاسفة أن الإله ـ الذي أثبتوا وحدانيّته بدايةً ـ لمّا أراد أن يوجد الخلق أوجَدَه من ذاته أي فصله عن ذاته، فالخلق كلّه جزء من الإله!! وهكذا راحت تكبر هذه النظرية وتحوّل الفلاسفة المثبتون للوحدانية بالأمس إلى ملاحدة ومشركين. وهذه النظرية لا ترى وجودًا لشيء اسمه أديان أصلاً.فهي لا تثبت ربًا ولا تثبت عبدًا فالكل واحد!! (والعياذ بالله)
ثالثًا، وأما وحدة الأديان فالمعروف أن أصحاب هذه الدعوة اليوم يزعمون أنّ جميع الأديان متفقة على الجوهر والكل يعبد الإله الواحد، فلا داعي للتصادم بين أهل تلك الأديان، وعليهم أن يتعايشوا وينسوا الفوارق بينهم ليحيوا بسلام. وهم لا ينطلقون من مفهوم وحدة الوجود أبدًا، وأصحاب هذه الدعوة اليوم يتمثلون في بعض الجمعيات الاجتماعية والإنسانية الموجودة في أوربة.
رابعًا، إن وحدة الوجود ووحدة الأديان لا علاقة لها بالحلول والاتحاد. الذي هو حلول الإله في مخلوقاته واتحاده معها! (عياذًا بالله)
خامسًا، إنّ الماسونية التي اتخذ المجمع الفقهي الإسلامي قراره الشرعي حولها في دورته 15/ 7/1978م =10/شعبان/1398هـ، كما جاء في البند السابع لقرار المجمع هي:"في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور، ويهودية الإدارة العليا العالمية السرية، وصهيونية النشاط".انتهى
والكل بات يعلم اليوم أنها دعوة لمحو الدين الإسلامي والديانة المسيحية وجعل الديانة اليهودية هي الوحيدة التي تحكم العالم، فالشعب اليهودي هو الذي يمثل الإنسان الكامل وهو الوحيد الذي يستحق الحياة، وأما ما سواه فهم خدم أو بهائم! ولذلك هم يسعون لإعادة بناء هيكل سليمان فوق كامل المسجد الأقصى. إذن فهم لا يقولون بوحدة الأديان أبدًا، ولا شأن لهم بوحدة الوجود، وإنما هم يهودٌ فحسب يؤمنون بكتبهم التي وضعوها وبنبوآتهم، وينتظرون مليكهم الأعور الدجال! ومن هذه الحيثية (أي الديانة اليهودية) يكون لعقيدة الحلول مدخلٌ في الماسونية، لا لكونها تدعوا للقضاء على الأديان الأخرى وإنما لأن العقيدة اليهودية فيها مفهوم حلول الرب في العبد!
هذه أهم التعاريف باختصار وإجمال.
ولنرجع إلى ما يقوله الكاتب:"و بالتالي فإن الوجودية والماسونية يدوران في فلكٍ واحد ".انتهى
لقد أورد الكاتب بدايةً خلال حديثه عن ابن عربي أقوالاً له تثبت اعتقاده بوحدة الوجود، ثم استنتج أن وحدة الوجود والماسونية يدوران في فلك واحد.
وقد تبيّن لكم الفرق الكبير بين نظرية وحدة الوجود وبين الماسونية، فالربط بينهما بعيد وغير مقبول!
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول الكاتب: ((و بالتالي فإن الوجودية و الماسونية يدوران في فلكٍ واحد، و لذلك لم يكُن بِدعاً من الرأي أن ينتهج الأمير الخط الماسوني بعد المذهب الوحدوي لكونه بذلك لم يخرج عن نفس المسار، و إنَّما انتقل من مدار إلى مدار)).انتهى
إن طريقة إثبات التُّهم بالاستدلال النظري مرفوضة، فكيف إذا كان هذا الاستدلال غير صحيح؟!
وكان الأولى بالكاتب أن يبرهن على دعوى انتهاج الأمير للمذهب الوحدوي، وأن يبرهن على انضمام الأمير إلى الماسونية، ثم بعد ذلك يتابع استنتاجاته!
مع العلم أنّ الطريقة التي يتّبعها الأخ الكاتب في حديثه عن الأمير إنما هي طريقة وضع النظريات، والاستدلال لها بالظنون والأشياء البعيدة أو بكلام غير ثابت، ثم يجعلها من الثوابت المبرهن عليها!!!
وهذا شيء لا يمت للدراسات العلمية بصلة عمومًا، فكيف إذا كان الموضوع يتعلّق بإطلاق حكم الكفر والردة على رجل مسلم مشهود له بالعلم والتديّن والجهاد؟!!
ثم قال الكاتب الأخ محمد المبارك:"وقد يقال أن ناحية التصوف كانت ناحية فلسفية بحتة عند الأمير ولكن ذلك ليس بصحيح، فنجد أن الجزائري يعتقد بمخاريق وكرامات الصوفية".انتهى
إن رأي الكثير من الأساتذة المتخصصين والدارسين لفكر الأمير عبد القادر هو أنّ كلام الأمير في مسائل التصوف التنظيري كان من ناحية فلسفية فحسب، وذلك لأنّه كان ملتزمًا بالفتوى على المذهب المالكي، ولم يوجد في سلوكه حتى موته أي مظهر من مظاهر اعتقاد تلك الفلسفات، مثلما وُجد في سلوك غيره من أمثال ابن سبعين والتلمساني وابن هود الأندلسي وغيرهم ممن كانوا في زمن الأمير أيضًا وقد ذكرتُ سيرة أحدهم في الحلقات السابقة!!
ورأيُ أولئك الأساتذة ـ وهم من مشارب وأديان مختلفة ـ مبني على قواعد وأدلة وبراهين عرضوها في كتبهم ودراساتهم. ولكن الأخ محمد المبارك رفض هذا الرأي وقال عنه إنه غير صحيح دون أن يأتينا ببرهان أو دليل؟! وإنما اكتفى بقوله:" ولكن ذلك ليس بصحيح، فنجد أن الجزائري يعتقد بمخاريق وكرامات الصوفية".انتهى!!
طبعًا هو يقصد خوارق وكرامات، لأنّ المخاريق هي المناديل، أو الخِرَق المفتولة، أو السيوف، أو السياط!!
وما أغرب هذا الاستدلال! هل الاعتقاد بالكرامات أو الخوارق التي قد تقع لبعض الصالحين ويجريها الله لهم أو على أيديهم هو الدليل على أنّ صاحب هذا الاعتقاد يكون ضرورة من القائلين بالفكر الصوفي المنحرف؟! إذن ما أكثرهم إذا لم نقل بأنهم جمهور المسلمين. وهذا كلام غير مقبول أن يُتّهم جمهور المسلمين بالانحراف لأجل الاعتقاد بالكرامات!
لقد ساق الأخ الكاتب قصّة يستدل بها على الكرامات والخوارق التي كان يعتقدها الأمير، وهي قصّة وقوف الأمير عند قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم. روى الكاتب نقلاً عن النبهاني أنّ الأمير قال:"…لما بلغت المدينة طيبة، وقفت تجاه الوجه الشريف بعد السلام عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى صاحبيه الذين شرفهم الله تعالى بمصاحبته؛حياةً وبرزخًا؛ وقلت: يارسول الله، عبدك ببابك، يارسول الله،كلبك بأعتابك (في المواقف كليمك!)، يارسول الله، نظرة منك تغنيني، يارسول الله، عطفة منك تكفيني، فسمعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لي: ((أنت ولدي، ومقبول عندي))، بهذه السجعة المباركة. وما عرفتُ هل المراد ولادة الصلب،أو ولادة القلب، والأمل من فضل الله أنهما مرادان معًا، فحمدتُ الله تعالى".انتهى النقل الذي أورده الكاتب. مع أنّ القصّة لم تنته ولها تتمة طويلة، سأكتفي بنقل الجزء المباشر لقوله فحمدتُ الله تعالى. قال الأمير:"ثمّ قلتُ في ذلك الموقف: اللهم حقق هذا السماع برؤية الشخص الشريف، فإنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضمِنَ العصمة في الرؤية فقال: ((من رآني فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي)). وما ضَمِنَ العصمة في سماع الكلام. ثم جلستُ تجاه القدمين الشريفين، معتمدًا على حائط المسجد الشرقي، أذكرُ الله تعالى فصعقت وغبت عن العالم وعن الأصوات المرتفعة في المسجد بالتلاوة والأذكار والأدعية وعن نفسي، فسمعتُ قائلاً يقول: هذا سيدنا التّهامي، فرفعتُ بصري في حال الغيبة؛ فاجتمع به بصري، وهو خارج من شباك الحديد، من جهة القدمين الشريفين. ثمّ تقدَّم إلى الشباك الآخر، وخَرَقَه إلى جهتي؛ فرأيته ـ صلى
(يُتْبَعُ)
(/)
الله عليه وسلم ـ فخمًا مفخّمًا بادنًا متماسكًا، غيرَ أنّ شيبه الشريف أكثر، وحُمرة وجهه أشدّ مما ذكَرَه أصحاب الشمائل. فلمّا دنا منِّي، رجعتُ إلى حسّي، فحمدتُ الله تعالى".انتهى [المواقف1/ 16]
وهذه القصّة أوردها الأمير ضمن حديثه على قوله تعالى {وأمّا بنعمة ربّك فحدّث}، وأنا لا أجد فيها شيئًا من الخوارق أو العجائب، كل ما في الأمر أن الرجل دفعه شوقه وحبّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكلّم بتلك الكلمات أمام واجهة القبر الشريف، فظنّ أنه سمع جوابًا ولكنّه لفقهه ومعرفته بأصول الدين أقرّ بأنّ هذا السماع قد يكون توهمًا أو شيطانيًا، فقال:" اللهم حقق هذا السماع برؤية الشخص الشريف، فإنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضمِنَ العصمة في الرؤية فقال: ((من رآني فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي)). وما ضَمِنَ العصمة في سماع الكلام"
فهل هذا كلام الخرافيين أو أدعياء الكرامات؟
وبعد أن حصلت له الرؤية المناميّة لشخص النبيّ صلى الله عليه وسلم، نجده صادقًا مع نفسه ومع الآخرين عندما قال:" فرأيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخمًا مفخّمًا بادنًا متماسكًا، غيرَ أنّ شيبه الشريف أكثر، وحُمرة وجهه أشدّ مما ذكَرَه أصحاب الشمائل"
وهذا أيضًا دليل على علمه واطلاعه وصدقه.
وهذه القصّة لا تقدّم ولا تؤخّر وليس فيها أي مستند لمن يريد أن يثبت أن الفكر الصوفي للأمير هو على طريقة المنحرفين، فضلاً عن جعلها حجة في رفض قول الباحثين إن الناحية الصوفية كانت عند الأمير ناحية فلسفية بحتة.
تنبيه: بعض المتسرّعين جعل من هذه القصّة دليلاً على ادّعاء الأمير للنسب الشريف! وهذا عجيب منهم فليس فيها ما يساعد على هذا الاستنتاج. وربما قالوا ذلك لعدم فهمهم المقصود من القصة. فنسب الأمير مشهور ومستفيض قبل هذه القصة بل وقبل ولادة الأمير، فآباؤه وأجداده من المشاهير والكبراء في المغرب العربي ونسبهم معروف وهو من أثبت الأنساب وأشهرها، فليس هناك ما يدفع الأمير لادعاء النسب.
ولو كان هذا المقصود لقال الأمير هذا دليلٌ على نسبي الشريف، لكنه لم يفعل وإنما قال:" وما عرفتُ هل المراد ولادة الصلب،أو ولادة القلب" والسبب أن ولادة الصلب معروفة ومتحققة، والمهم عنده هو ولادة القلب ـ أي يكون بذلك وارثًا محمّديًا ـ ولصدقه وأمانته لم يتحكّم في تأويل الكلام وإنما أبقاه على إطلاقه وعمومه.
وأنا هنا أتعامل مع هذا القصص والأحوال بتجرّد وأضعها ضمن سياقها الصحيح وأشرحها ضمن مصطلح أهلها.
وماذا سيقول الأخ محمد المبارك عن الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي (541ـ620هـ) فقد قال في كتابه الكبير "المغني": ((وقال أحمد، في رواية عبد الله، عن يزيد بن قُسَيْط، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يسلم عليَّ عند قبري، إلا ردَّ الله عليّ روحي، حتى أرُدَّ عليه السلام). قال: وإذا حج الذي لم يحجَّ قطُّ ـ يعني من غير طريق الشام ـ لا يأْخُذُ على طريق المدينة، لأني أخاف أن يحدُثَ به حَدَثٌ، فينبغي أن يقصد مكة من أقصر الطرق، ولا يتشاغل بغيره.ويروى عن العتبي، قال: كنت جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيٌّ، فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعتُ الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا} وقد جئتك مستغفرًا لذنبي، مستشفعًا بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:
يا خيرَ من دُفِنَت بالقاعِ أعْظُمُهُ **** فطابَ مِنْ طيبهِنَّ القاعُ والأَكَمُ
نفسي الفداءُ لِقَبْرٍ أنت سَاكِنُه **** فيه العفافُ وفيه الجودُ والكَرَمُ
ثم انصرف الأعرابي، فحَمَلَتْنِي عيني، فنمتُ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال: يا عُتبيُّ، الْحَقِ الأعرابيَّ، فبشِّرْهُ أن الله قد غفرَ له)).انتهى [المغني 5/ 465]، وقد أورد هذه القصّة أيضًا صاحب الشرح الكبير الإمام عبد الرحمن المقدسي الحنبلي (682هـ) 3/ 494؛ وكذلك الإمام ابن كثير في تفسيره.
فهل سيقول الكاتب عن هؤلاء الأئمّة أنهم يعتقدون بكرامات وخوارق الصوفية، إذن فهم من المنحرفين أصحاب العقائد الباطلة؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
مع العلم أنّ هؤلاء أوردوا هذه الحكاية معتقدين بها، بدليل أن الإمام ابن قدامة قال خلال حديثه عن آداب زيارة القبر الشريف والأدعية التي يستحب ذكرها: ((اللهم إنك قلت وقولك الحق: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا} وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي، مستشفعًا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين، وأنجح السائلين، وأكرم الآخرين والأولين، برحمتك يا أرحم الراحمين)).انتهى [المغني 5/ 467]
فما قول الأخ الكاتب؟ وأنا أسوق هذه القصّة لوجه التشابه مع قصة الأمير.
وماذا سيقول إذا قرأ قول عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل؛ قال "سمعتُ أبي يقول: حججتُ خمس حجج منها ثنتين [راكبًا] وثلاثة ماشيًا، أو ثنتين ماشيًا وثلاثة راكبًا، فضللتُ الطريق في حجة، وكنتُ ماشيًا فجعلتُ أقول: يا عباد الله دلّونا على الطريق؛ فلم أزل أقول ذلك حتى وقعتُ على الطريق!!!، أو كما قال".انتهى [مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله ص245]
وماذا سيقول إذا قرأ كلام الإمام ابن القيّم؟ قال ابن القيّم: ((فصل: ومن الرُّقى التي ترُدُّ العين ما ذكر عن أبي عبد الله الساجي، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فَارِهة، وكان في الرفقة رجلٌ عائن، قَلَّما نظر إلى شيء إلا أتلفه، فقيل لأبي عبد الله: احفَظْ ناقَتك من العائن، فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل، فأُخْبِرَ العائِنُ بقوله، فتحيَّن غيبة أبي عبد الله، فجاء إلى رحْله، فنظر إلى الناقة، فاضطربت وسقطت، فجاء أبو عبد الله فأُخْبِرَ أن العائنَ قد عانها، وهي كما ترى، فقال دلُّوني عليه، فدُل، فوقف عليه، وقال: بسم الله، حَبْسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابِسٌ، وشِهابٌ قابسٌ، رَدَدْتُ عينَ العائن عليه، وعلى أحبِّ الناس إليه!!!، {فارجعِ البصرَ هل ترى من فُطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير} فخرجتْ حدقتا العائن!!!، وقامت الناقةُ لا بأس بها)).انتهى [زاد المعاد 4/ 174]
إنّ هذه القصص (وهناك الكثير من مثلها) أغرب بكثير من القصّة التي ساقها الأخ الكاتب عن الأمير، وعلى طريقة الاستنتاج التي يعتمدها الكاتب يمكن للبعض أن يصف هؤلاء العلماء بالانحراف والاعتماد على الخرافة والأوهام، وتبني عقائد باطلة!!
إنّ عدم قبول الكثير من العلماء لأمثال هذه القصص لم يحملهم على الطعن برواتها أو القائلين بها، وإنما اكتفوا بنقدها وعدم الرضا بحجيتها، مع الاعتذار للعلماء الذين احتجوا بها أو رووها.
وعلينا ملاحظة أنّ القصّة السالفة المروية عن الإمام أحمد سندها صحيح وهي في غاية الغرابة، فمن يُنادي؟ وبمن يستعين؟ ومع ذلك لا نجد أحدًا يطعن في توحيد الإمام أحمد أو في معتقده لأجل هذه القصة.
والأغرب منها قصّة ابن القيّم رحمه الله، فهي تشتمل على مخالفات شرعية إضافة إلى أسطوريتها وخرافيتها!! ومع ذلك فنحن نلتمس العذر للإمام وذلك من باب حسن الظن به، ولدينه وعلمه.
والغرض من كل ما سبق أن الباحث الذي يريد أن يتكلّم في الرجال وفي التاريخ يجب عليه أن يلتزم منهجًا ثابتًا وميزانًا واحدًا، وإذا كان من المسلمين فإنّ دينه يحتّم عليه ذلك لأنّ الدين هو تقوى الله وهو العدل والإنصاف، فمن غير المقبول أن يطعن في رجل بسبب قصّة ما، ولا يطعن بآخر يعتقد القصة نفسها. لأنه إذا كان الإنسان يتعامل مع الأشياء بعدل وتجرد بعيدًا عن التعصب والأهواء فإنّ حكمه سيبقى واحدًا لا يتغير مع تغير الأشخاص المحكوم عليهم.
فإمّا أن يكون الحكم منصرفًا إلى القصّة بحد ذاتها فيُقال عنها قصة باطلة أو غير صحيحة أو لا تجوز شرعًا، دون التعرض للأشخاص المحتجين بها. وإما أن يُحكم على الأشخاص بسببها حكمًا واحد لا يتغيّر بتغيرهم.
والحمد لله ربّ العالمين
خلدون مكّي الحسني
للبحث صِلة إن شاء الله
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[22 - Sep-2008, مساء 05:04]ـ
بعض تعليقات شيخنا الكريم أرجو أن لا تشتت البحث
(يُتْبَعُ)
(/)
فيما يتعلق بوحدة الوجود و نفي أن اهل الوحدة لا يقولون بان الله في كل مكان لأن هذا اعتقاد الجهمية هو نفي خاطئ لأن معروف أن الوحدويين سموا جهمية بهذا المعنى لأن لازم قولهم ان الله في كل مكان و قد التزموه .. كما ان الجهمية وحدويون لأن قولهم أن الله في كل مكان يلزم منه قول الوحدويين ان الله لم يكن قط بائنا من خلقه و قد التزموه و قد عير ائمة السلف الطائفتين بالقولين اللازمين و أكفروهما بهما فبينهما اشتراك في هذا الأصل و هما فيه فرقة واحدة فاذا انضم الى ذلك ما يؤدي به القول بالوحدة من القول بالجبر و تعطيل الصفات جميعا علم أن الوحدويين هم جهمية محضة و الجهمية وحدويون متقدمون ... و كذلك الأمر يقال في الحلول فبينه و بين الوحدة عموم و خصوص الا أنهما يتفقان في نفس الأصل و القائل بالحلول يؤديه قوله ضربة لازب الى جواز الوحدة و لهذا عامة من قال بالحلول كالنصارى و الحلاج و غيره قالوا بالوحدة لتبرير مقالتهم في الحلول اذ القولان مشتركان كما قلنا في نفس الأصل الذي فسروا به الوجود و علته ... و لهذا عامة الأئمة تقرن الحلول مع الوحدة في كلامها و لا تفرق بينهما لاتحاد مآلهما .... و تمنيت شيخنا الكريم لو لم تجزم بنسبة الامام ابي يزيد اليهما لعدم ثبوت القضية عليه مع ما له من الرد على الجهمية و الوحدويين و نحن في مقام تحقيق ... ثم كما ان التجهم يؤدي الى الحلول و القول بالوحدة فكذلك من لوازمه الصريحة وحدة الأديان و قد التزموها أيضا لأن القول بان الكل واحد في التصور و العلم يلزم منه عدم التمييز في القصد و الطلب و عدم التزام دين بعينه و ان كل الطرق واحد و ان كل الآلهة ما عبدت الا بحق و ان في كل اله عبد ما عبد الا الله و لهذا كان رواد وحدة الأديان من قديم قبل ان تنفجر في العصر الحديث هم ائمة الجهمية و من ثم الوحدويين في كل دين و في كل عصر و رؤوسهم في الغالب ممن يروجونها و يؤصلون لها هم من اليهود من السامري و بولس ثم عبد الله بن سبأ و المريسي فموسى بن ميمون فسبينوزا ... و المحققون من اليهود و تبعهم محققو النصارى على عقيدة الدهرية هذه و لوازمها من انكار اليوم الاخر و القول بفناء الجنة و النار و لاعقاب ولاثواب كما هو محض قول الجهم و من هذا التقاطع في صلب عقيدة اليهود و النصارى في تحريفهما لدين الله نشأت الماسونية على هذين المبدأين في عهد فرسان الهيكل فما بعده الى عصر الأنوار و البنائين الأحرار لهذا تجدهم ينعقون بنفس ما ينعق به اهل الوحدة من اتحاد الخلق و الخالق و وحدة الأديان لهذا من بنودهم ان كل عضو مهما كان دينه لا يجب ان يرتد عنه بل يستخدمه للغاية المحددة من طرف الهيكل حتى يصلوا الى توحيد الانسانية في حرية و اخاء و مساواة على يد امير السلام المنتظر ... و يمكن مقارنة شعرالوحدوي ابن عربي و شعر اليازجي الماسوني مثلا في وحدة الأديان ليرى مدى التطابق -و ليس فقط الترابط-و ان هذا الكفر ملة واحدة
ـ[أبو شهاب التلمساني]ــــــــ[25 - Sep-2008, مساء 05:20]ـ
الحمد لله على عودتك، متابع لهذه السلسلة القيمة.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[25 - Sep-2008, مساء 11:05]ـ
حيّاك الله أخي أبا شهاب وإليك الحلقة 9
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة التاسعة
والآن مع السبب الرابع الذي وضعه الأخ محمد مبارك كاتب (فك الشيفرة) لتعليل التحول في شخصية الأمير؛ قال الكاتب:"حب الأمير للسلطة وبالتالي احتياجه الشديد للمال".انتهى
ثمّ نقلَ قول عبد الجليل التميمي: ((إن المتتبع لحياة الأمير عبد القادر بدمشق، سوف يثير انتباهه تكالب الأمير على اقتناء الدور والأراضي الفلاحية، والحصول على المال مهما كانت الوسائل المتبعة في ذلك. ففي البداية أقرت الحكومة الفرنسية منح الأمير راتباً سنوياً بما قدره 15.000 فرنك فرنسي (كذا)، وقد بلغ مع السنين ما قدره 300.000 فرنك فرنسي وهو في ذلك الوقت مبلغ خيالي للغاية، بل يفوق ميزانيات كثير من المصالح الحكومية العثمانية، ولسنا من السذاجة بحيث نعتقد أن ذلك الكرم الفرنسي إنما كان حُباًّ من الامبراطورية الفرنسية لشخص الأمير عبد القادر، و تقديراً منها لجهاده ضد الفرنسييين، دون أجندة عمل فرنسية كان الأمير ـ في المقابل ـ مطالبٌ (كذا) بتنفيذها بكلِّ دقَّة، ولعلَّ تلك الأجندة قد أسفرت عنها
(يُتْبَعُ)
(/)
المواقف الأميرية المتضامنة مع المصلحة الفرنسية "العليا" خلال ما سيمر بنا من الأحداث المتتالية!!!)).انتهى
(والأخ محمد المبارك ينقل كلام التميمي من كتاب الماسوني إسكندر شاهين، فيما يبدو، دون الإشارة إلى ذلك!! والله أعلم)
وأقول: مازال الأخ كاتب (فك الشفرة) يصر على وضع الأوهام التي في ذهنه بصورة عناوين ثم يحتار كيف يأتي بما يبرهن عليها!
فهاهو يعود لاتهام الأمير بأنه يحب السلطة ـ وهو اتهام لم يُسبق إليه ـ والعجيب أنه يستدل بكلام لآخرين ليس فيه أنّ الأمير يحب السلطة!!
وقد بيّنت سابقًا عدم حرص الأمير على تكبير وارده المالي، وعدم سعيه للسلطة في الحلقات السابقة.
على كل حال، إن عبد الجليل التميمي كاتب من هذا العصر فهو طبعًا لم يعاصر الأمير ولا أبناءه وهو في كثير مما كتب لم يكن متحريًا للحق، وهو متحامل فيما يبدو على الأمير إلى درجة أنه يبالغ في تخيّلاته وتحليلاته المبنية على أسس باطلة وكتابات فرنسية زائفة، بل إنّ الاتهامات التي وجهها للأمير لا وجود لها حتى في تلك الكتابات، وأمَّا ألفاظه! فالقارئ يلمس تدنّيها!
وعلى كل حال إنّ وصف الأمير بأنه متكالب على شراء الأراضي والدور، عجيب.
إن الأمير لم يكن مختلفًا عن غيره من أصحاب الأموال في عدد ما يملكه من عقارات، بل إن بعض أثرياء الشام كانوا يملكون أكثر منه بكثير، مع أنه يختلف عنهم في حجم مسؤولياته وأضيافه ومبرّاته!
وإنّ كثيرًا من الأراضي التي اشتراها إنما كان يهبها للذين رافقوه من الجزائر أو للمهاجرين الذين لحقوا به، وبعضها كان لتأمين فرص العمل لهم، وقد أوقف الكثير منها للجزائريين المهاجرين، فمثلاً هناك قرية "الهوشة" في فلسطين اشتراها الأمير ووهبها للجزائريين هناك، وكذلك الأمر في أطراف دمشق وغوطتها، كما اشترى طاحونة (الإحدى عشريّة) وجعلها لتوفير حوائج الفقراء , وهكذا.
وإذا قارنا بين أملاك الأمير وأملاك كبار التجار والوجهاء في الشام لوجدناها قليلة، فقد كان لبعضهم قرىً كاملةٌ وقصورٌ فارهة وأكياس مكدّسة من الذهب. فما بالك بالولاة العثمانيين والباشاوات؟
إنّ دار الأمير الكبيرة التي في زقاق النقيب بحي العمارة والمقرّ الرئيسي له يسميها البعض قصر الأمير! (ودور الأمير سمّيت قصورًا لأن ساكنها هو الأمير لا لأنها تشبه القصور) وبمقارنة بسيطة بينها وبين قصر أسعد باشا العظم الشهير بدمشق يتبيّن الفارق الكبير جدًا بينهما. فقصر الأمير لا يعدو أن يكون بيتًا كبيرًا واسعًا قياسًا إلى بيوت الطبقة المتوسطة في دمشق، في حين أنّ قصر (العظم) هو قصر بكل معنى الكلمة، فمساحته كبيرة جدًا وفيه حدائق كثيرة وساحات وباحات وبحيرات ماء متعددة وأجنحة وغرف وكله أقواس ومقرنصات مذهّبة وأسقف أخشبية موشّاة بالذهب والصدف، واللوحات الفسيفسائية وغيرها .. يحتاج المرء ساعات طويلة حتى يتجول في أنحائه.وهو من المعالم المعمارية الأثرية في دمشق. وليس شيء من ذلك في دار الأمير.
وانظروا إلى طريقة التهويل التي اتبعها التميمي، فهو يضاعف الأرقام من عند نفسه من (150.000) إلى (300.000) ثمّ يقول: ((وهو في ذلك الوقت مبلغ خيالي للغاية، بل يفوق ميزانيات كثير من المصالح الحكومية العثمانية)).انتهى
أرأيتم إلى التهويل! وحتى أبيّن لكم حجم تلك الأرقام، أقول: لقد اشترى ميشال بوشناق ـالتاجر اليهودي الجزائري ـ حليةً من فرنسا بمبلغ (30.000) فرنك، وباعها لباي قسنطينة بمبلغ (3.520.000) فرنك، أي بربح يقرب من ثلاثة ملايين وربع المليون!! (وهذا في عصر الأمير عبد القادر) [المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر) لإسماعيل العربي ص8]
فإذا كان والي مدينة من مدن الجزائر يشتري حلية بملغ (3.520.000) دفعة واحدة، فكيف ساغ للتميمي أن يزعم أن مبلغ (300.000) وهو أقل من عُشر ذلك المبلغ، يفوق ميزانيات كثير من المصالح الحكوميّة العثمانيّة؟!
وفي الحقيقة إنّ ما ذكره التميمي غير صحيح أصلاً!
(يُتْبَعُ)
(/)
فقد فرضت فرنسا للأمير مبلغًا قدره (5.000) ليرة ذهبية فرنسية في السنة! وهي تساوي (100.000) فرنك، ثمّ بعد سنوات ولمّا تبيّن للحكومة الفرنسية أن ذلك المبلغ لا يكفي لسدّ نفقات الأمير (الذي يُنفق على أسرته ومن لحق به من المهاجرين وبعض أهل الشام)، زادوا المبلغ بالاتفاق مع السلطان العثماني، فصار (7.500) ليرة ذهبية في السنة وهي تساوي (150.000) فرنك في السّنة،وهذا آخر ما تلقّاه الأمير.
والتميمي قام بمضاعفة الرقم من (150.000) إلى (300.000) جهلاً منه أو لأغراض أخرى!
إذن الرقم الحقيقي والثابت في جميع المراجع المعتمدة هو (150.000)؛ وكما بينتُ آنفاً فإنّ هذا الرقم ـ وإن كان كبيرًا ـ فهو ليس بالكبير جدًّا فضلاً عن أن يكون خياليًا كما يظن التميمي!
إنّ رجلاً واحدًا من رجال الكنيسة الفرنسية الذين أقاموا في الجزائر وهو (الأسقف ديبوش) كان يتقاضى راتبًا سنويًا قدره (25.000) فرنك! بصرف النظر عن واردات الكنيسة الخاصة. [الحركة الوطنية ص387]
ولكي تتضح الصورة أكثر أقول: لقد كان المرتّب الذي يتقاضاه خلفاء الأمير الثمانية في الجزائر أثناء حكم الأمير لها، يبلغ (52.800) فرنك سنويًا، هذا بصرف النظر عن التموين واللباس والنفقات المتفرقة. [انظر المقاومة الجزائرية ص220]
ثم يحاول التميمي أن يتحذلق فيقول:"ولسنا من السذاجة بحيث نعتقد أن ذلك الكرم الفرنسي إنما كان حُباًّ من الامبراطورية الفرنسية لشخص الأمير عبدالقادر، و تقديراً منها لجهاده ضد الفرنسييين، دون أجندة عمل فرنسية كان الأمير ـ في المقابل ـ مطالبٌ بتنفيذها بكلِّ دقَّة،و لعلَّ تلك الأجندة قد أسفرت عنها المواقف الأميرية المتضامنة مع المصلحة الفرنسية "العليا" خلال ما سيمر بنا من الأحداث المتتالية!!! "
وأقول: صدق أبو الطيب عندما قال:
إذا ساء فِعْلُ المرء ساءت ظُنُونُه ... وصدَّق ما يعتادُهُ من تَوَهُّمِ
وعادى مُحبّيه بقول عُدَاته ... وأصبح في ليلٍ من الشك مظلمِ
أيها الإخوة سأعرض لكم بعض الوقائع حتى يتضح لكم حجم تلك الأرقام وسبب دفعها.
بعد دخول القيادة الفرنسية إلى مدينة الجزائر سنة 1830م قامت بنهب خزينة المدينة وكان فيها ما مقداره (400.000.000) أربعمئة مليون فرنك فرنسي كما ذكرت ذلك المصادر الفرنسية [مذكرات شانكا رنييه] انظر (الحركة الوطنية الجزائرية لسعد الله ص22).
ولكي تتوضح الصورة أكثر، فإن الداي علي باشا الذي كان قد نقل مقر الحكم من قصر الجنينة إلى أعالي القصبة، استعمل لنقل محفوظات الخزينة خمسين بغلاً كل ليلة طَوال خمسة عشر يومًا!!! [المرجع السابق ص21].
وفي سنة واحدة كانت واردات الأوقاف الإسلامية التي اغتصبتها فرنسا في مدينة الجزائر العاصمة وحدها قد بلغت حسب إحصاءاتهم (1.035.914.25) فرنك!! [انظر تابلو سنة 1842،ص298] (الحركة الوطنية لسعد الله ص257).
هذه مدينة واحدة فما بالكم بمدن الجزائر جميعها؟ بل وقراها ومزارعها. طبعًا هذه كانت أموالاً جاهزة، ولكن فيما بعد توالت الغلال وثروات الجزائر لتصب في الخزينة الفرنسية وهي بالمليارات، ((وكما صرّح الفرنسيون أنفسهم أنهم لم يقوموا بحملة سابقة في أي مكان مثل حملة الجزائر إذ إن الحملات الأخرى كانت تكلّفهم ـ ولو نجحوا فيها ـ أموالاً طائلة وخسائر مالية معتبرة، بينما حملة الجزائر قد فاضت على تعويض التكاليف)) [المرجع السابق ص21]
وإنّ أملاك أُسْرة الأمير عبد القادر في الجزائر كبيرة، أضف إليها أملاك المهاجرين مع الأمير، وقد استولت عليها وعلى غلالها وعائداتها الحكومة الفرنسية، ومن ثَمَّ أحبَّ نابليون الثالث أن يعوّض الأمير ومن معه عن تلك الأملاك المغتصبة، بعد أن سرّحوهم إلى بلاد الشام، وذلك حتى يضمنوا لهم سبل العيش ولا يرجعوا إلى الجزائر!! فليس هذا من الكرم الفرنسي ولا من حب فرنسا للأمير، وكذلك ليس مقابل أي وظيفة تطلبها فرنسا من الأمير.
وأنا أطالب التميمي والأخ محمد مبارك أن يذكرا لنا أجندة العمل التي طلبت فرنسا من الأمير أن ينفذها بدقة!!! .. بزعمهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول العلاّمة جمال الدين القاسمي، رحمه الله: ((ثُم إنّ إخوة الأمير لمّا أطلقت فرنسة سراحهم من سجونها، عادوا إلى الجزائر واستقرّوا في مدينة (عنّابة) على الساحل الجزائري الشرقي، ورتّبَت لهم الحكومة الفرنسيّة المرتّبات الكافية، ثمّ بدا للسيد محمد السعيد الأخ الأكبر للأمير أن يسيرَ إلى تونس ويستوطنها مع إخوته وأبنائه لوَفْرَة علمائها وفُضَلائها، فكاتَبَ أحدَ أمرائها يستشيره؛ فرحّبَ به ووَعَدَه أن يقوم بجليل شأنه؛ فَعَرَضَ أمرَ الرِّحلَة على وكيل الفرنسيين في عنّابة؛ فأُجيب بأنّه لا يُسرَّح ما لم يُسلِّم راتبه؛ فأَجابَ بالتّسليم عن نفسه وإخوته، فهيّأت فرنسا باخرةً، ونقلته مع إخوته من عنّابة إلى الشام، وأَلْحَقَتهم بأخيهم الأمير عبد القادر، ورَفَضَت لهم سُكنى تونس إبعادًا لهم عن قارة المغرب كليًا، خوفًا من إقبال العموم عليهم، لِمَا لهذا البيت في المغرب من عِظم الشهرة وكبر الاعتقاد في نفوس العامة والخاصة، فقضت سياستهم إلحاقهم بأخيهم الأمير، فقدموا دمشق سنة 1273 هـ أي بعد قدوم الأمير عبد القادر بسنة)).انتهى [(طبقات مشاهير الدمشقيين) للعلاّمة القاسمي ص83]
فهل هذه المرتبات كانت أيضًا في مقابل تنفيذ أجندة فرنسيّة بدقة؟! وانظر كيف أنهم أرادوا التحول إلى تونس لوفرة العلماء هناك، ولأجل ذلك تخلّوا عن تلك المرتبات (والتي هي تعويض عن أملاكهم التي اغتصبتها فرنسة)، ومع ذلك أبعدتهم فرنسة إلى الشام خوفًا منهم!
ثمّ إن هذه المخصصات المالية بقيت مستمرة حتى بعد وفاة الأمير، وكان أولاده الستة عشر وبعض إخوته يقبضونها وينفقونها على الأسرة والأتباع، فهل هم برأي التميمي ينفذون الأجندة الفرنسية بدقّة لقاء هذا المرتب؟! وكان بعض أولاد الأمير يشغلون مناصب عليا في الدولة العثمانية (في مجلس الأعيان) كالأمير محيي الدين والأمير علي، وعندما دخلت تركيا الحرب العالمية على الحلفاء (وفيهم فرنسا) كان أبناء الأمير يساندون تركيا في مواجهة فرنسة، وكان الأمير عليّ يقوم بمهمّات سياسية وعسكرية لمصلحة الدولة العثمانية، فعن أي أجندة عمل يتحدث التميمي؟!
يقول الكولونيل تشرشل في معرض حديثه عن المخصصات المالية التي يقبضها الأمير من الحكومة الفرنسية: (( .. وعند التأمل في عادات عبد القادر يصبح هذا الدخل أكثر مما يحتاجه، بل يصبح بذخًا، وكان يمكنه أن يعيش عيشة أمير بهذه الثروة وينغمس في التباهي، ولكنه كان خاضعًا لمبادئ أخرى. فعبد القادر الذي كان دائمًا معارضًا لإرضاء النفس قد نظر إلى هذا المرتّب الكبير كأمانة، لذلك قرر أن يأخذ منه ما هو ضروري لمصاريفه الخاصة، وأن يصرف الباقي على الآخرين. فقد كرّس دخْلَه على تلبية حاجات كثير من أولئك الذين رفضوا بنبلٍ أن ينفصلوا عن مصيره، بل إنّه كان قادرًا على أن يغمر بكرمه جهات أخرى. ولم يكد يحتفظ لنفسه ولعائلته بسوى النصف من ذلك المبلغ أما الباقي فقد وزّعه في شكل رواتب على قوّاده وأتباعه الذين كانوا في حاجة ماسة، وفي شكل صدقات على الفقراء، وهبات إلى المساجد، وغير ذلك من الأغراض الخيرية، كما أنه كان يصرف من دخله على أخويه وعائلتيهما)).انتهى [حياة الأمير ص274]
أقول: وهذا الكلام فيه إنصاف بخلاف كلام التميمي، إلاّ أنه غير دقيق. أولاً للأمير أربعة إخوة في دمشق وليس اثنان. ثانيًا ما كان ينفقه الأمير شهريًا كمرتبات ثابتة للعلماء والمشايخ وأعمال الخير أكبر بكثير من إنفاقه على أسرته وموظفيه. وعندي وثيقة نادرة، وهي المخطوط الخاص بالنفقات الشهرية للأمير، وهو بخط كاتبه الخاص وفيه بيانات تفصيلية وبأسماء الأشخاص أيضًا تُثْبت ما أقول.
ويتابع الأخ كاتب (فك الشفرة) مسلسل الاتهامات فيقول:"و عندما قرر الأمير أن يقوم ببعض الإصلاحات على الدارين اللتين سلمتهما له الإدارة العثمانية في الشام ـ بعد أن قامت بتأثيثهما ـ ألحَّ الأمير لدى وزير خارجية فرنسا والسفير الفرنسي باستانبول للقيام بتدخلات لدى الحكومة العثمانية في تمليكه للدارين، لأنهما محتاجان إلى الإصلاح والزيادة ولايمكن اصلاحهما قبل استملاكهما، ـ كما ألح على السفير نفسه للتوسط لدى الدولة العثمانية للحصول على مبلغ مالي من الحكومة العثمانية لذلك، وقد قدمت له الدولة العثمانية مبلغاً قدره
(يُتْبَعُ)
(/)
ألف بورسه، أي 100.000 فرنك. وكان ذلك المبلغ يساوي ثلاثة أضعاف المبلغ الذي قرر أن يشتري به مسكنا".انتهى
وأقول: كُل هذا الكلام غير صحيح، والمراجع التاريخيّة التي تحدثت عن أملاك الأمير في دمشق تذكر خلاف هذا الكلام. والكاتب لم يُبيّن مصدر هذا الكلام المتناقض!
إنّ الدولة العثمانية استأجرت للأمير دار عزّت باشا الرئيس لينزل فيها وقتيًا، وبعد ذلك أصدرت الدولة العليّة أمرها إلى والي الشام ليساعد الأمير في اختيار دارٍ لإقامته الدائمة تكون لائقة به، فوقع اختيار الوالي والأمير على دارٍ، فاشتراها الأمير من ماله الخاص (وكان السلطان قد أنعم على الأمير عند رحيله إلى دمشق بألف كيس ذهبي بدلاً من الدار التي كان أهداها إليه في بروسة) وكان المكان الذي وقع عليه الاختيار مؤلفًا من دارين واسعتين بينهما دار صغيرة (في زقاق النقيب ـ نقيب الأشراف ـ بالعمارة وكان أصل تلك الدار لآل القباقيبي).
وبعد شراء المكان أُصلِحت الداران وجُهِّزَتا، وانتقل إليها الأمير وترك الدار التي استأجرتها له الدولة العثمانية. وكانت ضيافة الأمير وعائلته في ولايتي بيروت ودمشق جارية من الولايتين بأمر الدولة العليّة!! وكان السلطان العثماني قد خصص لأفراد الأسرة مرتبات شهريّة. [انظر تحفة الزائر 2/ 66، وغيرها من المراجع]
وهذا يُظهر بكل جلاء بطلان الكلام الذي ساقه الكاتب.
وللعلم فإن أثمان البيوت في ذلك الوقت كانت أقل بكثير مما يظن الكاتب أو صاحب ذلك الكلام.
وأمّا التهمة الجديدة فهي ادّعاؤه أنّ الأمير كان يطلب وساطة وزير الخارجيّة الفرنسي والسفير الفرنسي في اسطنبول للحصول على المال من السلطان!!!!
وهذا قلبٌ للحقائق، فالأمير كان محلّ عناية وتكريم واهتمام السلاطين العثمانيين الذين عاصرهم، والرسائل المتبادلة بينهم لهي من الأدلّة على شدة صلته بهم وشدة حبّهم له.
وأعجب من ذلك إصرار الكاتب على إيهام القرّاء بأن صلة الأمير بفرنسا كانت أشد من صلته بالدولة العثمانية!!
يقول محمد باشا: ((إنّ الأمير جاء إلى القسطنطينية منفيًا سنة 1269هـ/1853م، وبعد وصوله إليها دُعيَ للاجتماع بحضرة السلطان الغازي عبد المجيد خان فتشرّف بلقائه، ورحّب به السلطان وأحسن السؤال عن أحواله وشَكَرَه على ما كابده في الدفاع عن الدين والوطن، وحَمِدَه على صبره على ما قاساه أيام احتجازه عند الفرنسيس، ومدح الإمبراطور نابليون الثالث على وفائه بالعهد والقيام بشأنه، وكان السلطان غاية في التلطف والتعطف ولين الجانب، وكان بصحبة الأمير رفيقاه في الجهاد السيد قدور بن علال وخادمه قره محمد. وكان الإمبراطور نابليون الثالث طلبَ من السلطان عبد المجيد كفالة عن الأمير!! (وذلك عندما قرر إطلاق سراح الأمير وإرساله إلى اسطنبول)، فعقد السلطان جلسة خاصة للمذاكرة في شأن الكفالة فقال شيخ الإسلام عارف حكمت بك للسلطان: "إذا لم تكن لمولانا السلطان حسنة مع كثرة حسناته إلاّ هذه لكفى أن يكفل هذا الرجل المجاهد وينقذه من الأسر"، فحينئذ أجاب السلطان له بالكفالة)).انتهى [انظر تحفة الزائر 2/ 51ـ53]
فهل يُعقل أن يطلب الأمير من الفرنسيين التوسط له عند السلطان والسلطان هو الذي كفله وأراحه من أَسْر الفرنسيين وأنزله في جواره؟!
وهل يُعقل أن يطلب الأمير وساطة أحد عند السلطان، والناس كانوا يتوسّطون الأمير لدى السلطان لما له عنده من منزلة وحظوة؟
سبحان الله!
ثم يذكر الكاتب أنّ الأمير كان يعيش في دمشق عيشة الملوك!!
أقول: إنَّ الأمير كان في وضع مالي جيد جدًّا، ولكن لا يصل إلى حد عيشة الملوك!!
وأنى له عيشة الملوك وهو يتقاضى راتبًا شهريًا لينفقه على نفسه وأهله وأتباعه، والأمير مات وعليه ديون!
ثم يفسّر لنا الكاتب عيشة الملوك فيقول: "إنّ الأمير كان محاطاً بـ 180 شخصاً من عائلته".انتهى
فلا أدري أهكذا تكون حياة الملوك؟ أن تكون مسؤولاً عن 180 فردًا من أسرتك يجعلك من الملوك؟
ثم من أين للكاتب هذا العدد؟ ليسمّهم لنا! إنّ أفراد أسرة الأمير في حياته لا يتجاوزون الأربعين. (وهذا الرقم يشمل أولاد الأمير وحريمه وإخوته وأبناءهم!)
ثم يقول: وكان يعمل عند الأمير (2000) حارس ومزارع وموظف، وشيئًا فشيئًا التحق بهم (15.000) جزائري ومغربي وتونسي لخدمة الأمير!!!!
وكما يقولون في المثل الدارج (كيف عرفت أنها كذبة؟ قال: من كبرها!)
سبعة عشر ألف خادم للأمير!! سبحان الله.
أتدري أخي الكاتب كم كان عدد سكان مدينة دمشق في حينها؟
إن عددهم كان قرابة (250.000) أو أكثر بقليل، وهذا العدد يشمل الرجال والنساء والأطفال، فإذا صرفنا النظر عن عدد النساء والأطفال، يكون عدد الرجال العاملين على أكبر تقدير (60.000) تقريبًا!! فهل يريد الكاتب أن يُقنعنا أنّ ثلث أو ربع السكان كانوا حرسًا وخدمًا للأمير؟؟!!
وهل يدري كم يحتاج هؤلاء لنفقات وتأمين سكن وغيرها ... ؟
وكأنّ الأمير كان يعيش وحده في دمشق، ونسي الكاتب أن دمشق كانت من أهم الولايات العثمانية وفيها عدد كبير من الباشاوات وأصحاب النفوذ والمال.
إنّ الأمير لمّا كان في الجزائر حالة حربه مع فرنسة والتي كانت تحاول شراء بعض الخونة ليغتاله لم يكن له حرّاس! فما حاجته للحرس في الشام؟
وقبل كل ذلك من أين للكاتب هذه المعلومات وهذه الأرقام الخيالية أصلاً؟؟؟
في الوثائق التي بين يديّ ـ ومنها دفتر بيان النفقات الشهرية والسنوية للأمير ـ لا يوجد فيها أيّ ذكر لحرّاس!! ومجموع الموظفين والخدم فيها هو (30) فقط! منهم عَشْرُ خادمات لحريم الأمير (الزوجات والبنات والأخوات) ولبعض أبنائه الصغار. وباقي العدد يشمل كاتب الأمير، ووكيل الحسابات، وعامل الحديقة والبواب و (العشّي) و (الصُفْرَجي) و (القَهْوجي)، والجمَّالين وسُيّاس الخيل، و (الخولي)!
فانظروا كيف ارتفع العدد من (30) إلى (2000) إلى (17.000)!!! في سِباحة خيالية، بل فوق الخيال!
ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
خلدون بن مكي الحسني
للبحث صِلَة إن شاء الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[علي الغامدي]ــــــــ[02 - Oct-2008, مساء 02:36]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التاريخ لايبرر والرد لم يبتعد عن التقرير ولكنه أصل تأريخه
صدق من قال التاريخ لايرحم ... ولكن لايتعظ الامراء
ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[06 - Oct-2008, مساء 06:38]ـ
الأخ الكريم الأستاذ: "خلدون مكي حسني"- وفقني الله و إياك لمرضاته- قلت في مقالك: " وكلُّ كلامٍ صدر من ابن عربي أو غيره، فيه مخالفة للشريعة أو استخفاف بأصول الدين وقطعيّاته فهو مردود ومرفوض ".اهـ
و لي أسئلة آمل الإجابة عليها بكل وضوح وهي:
1 - ما موقفك من الكلام المنسوب للأمير عبد القادر الجزائري كما في كتاب: (المواقف .. ) و (ذكرى العاقل و تنبيه الغافل) و الديوان المنسوب إليه بغض النظر عن صحة نسبتها إليه؟!
2 - فهل ترى من رد على الأقوال المنسوبة للأمير في الكتب السابقة محق أم مبطل لمجرد عدم نسبة الكتب إليه؟!
3 - هل لك رد العقائد الشركية و المخالفات الشرعية في أصول الدين في تلك الكتب وبغض النظر عن صحة نسبتها إليه، لأنها منتشرة و باسمه؟!
4 - رأيت العديد من الصور الفوتغرافية للأمير عبد القادر الجزائري وقد حوت نياشين للإستدمار الفرنسي الكافر وصلبان فما قولك؟!
5 - وفي الختام رأيت بعض الصور لجزء من مخطوطات كتبه ومنها ديوانه فهل هي له أم مزورة و مكذوبة عنه؟! و لعلي في المستقبل أرفق لكم صورة منها إن شاء الله تعالى.
وأسأل الله تعالى الإخلاص في القول و العمل، و بالله التوفيق.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[07 - Oct-2008, صباحاً 12:38]ـ
الأخ عبد الحق آل أحمد؛ السلام عليكم ورحمة الله.
كنت سأترك الجواب على أسئلتك إلى وقت آخر حتى لا أخرج عن صلب موضوع الحلقات التي أنا بصددها، ولكنني خشيت أن تظن أن ذلك لغرض آخر، لذلك قررت أن أجيبك باختصار، والموضوع ليس سجالاً بيننا الآن، وإن شئت التوسع لاحقًا فلا مانع إن شاء الله.
1ـ جوابًا على سؤالك الأول أقول: لقد وضعتَ الإجابة بنفسك وهي قولي: ((وكلُّ كلامٍ صدر من ابن عربي أو غيره، فيه مخالفة للشريعة أو استخفاف بأصول الدين وقطعيّاته فهو مردود ومرفوض))؛ وأزيدك توضيحًا: إن أي عبارة أو قصيدة فيها ما يدل على وحدة الوجود أو الحلول والاتحاد فهي مردودة على قائلها كائنًا من كان! فوحدة الوجود والاتحاد والحلول من عقائد الفلاسفة الزنادقة، وحكمها الشرعي أنها كفر وخروج عن الدين.
لذلك أقول: إن العبارات المشكلة الواردة في كتاب "المواقف" يمكن الحكم عليها بالفساد أو الإلحاد، ولكن دون الحكم على الأمير لأنّنا في شكٍ من ثبوت ذلك الكلام عليه، ولأنه لم يسبقنا إلى ذلك أحدٌ من علماء المسلمين المعاصرين للأمير أو القريبين من عصره، وسيأتي بيان ذلك في بحث مستقل أتناول بطلان نسبة هذا الكتاب إلى الأمير.
والأشعار التي نقَلْتَها أنت من كتاب المواقف وعلّقت عليها بقولك:" [تنقل الأمير من الإسلام إلى دين اليهود و النصارى وهذه ردة صريحة] " ليست له وموجودة في الكتب القديمة لأمثال ابن هود الأندلسي. لذلك كان إطلاقك لحكم الردة على الأمير فيه تسرع منك، وأنت غير مسبوق بذلك ولا سلف لك بهذا، وأنت لم تتثبت من ذلك وكان يكفيك استنكار تلك الأبيات الشنيعة!
وأما كتاب "ذكرى العاقل" فلم أجد فيه أي عبارة يمكن الحكم عليها بالكفر أو الشرك أو الزندقة. والعبارة التي نقلْتَها عنه في موضوعك (التنبيه على شركيات وطوام عقدية عند الأمير عبد القادر الجزائري)، وعلّقتَ عليها بقولك: " [دعوته للأخوة مع النصارى الكفار] "
قد بيّنتُ في الحلقة الثانية المقصود منها، وأوردتها ضمن السياق الواردة فيه، وليس فيها المعنى الذي فهمتَه أنت وبعض الناس. وبيّنتُ أنك سلختها من سياقها وأبرزتها بقالب مشوه، ولولا ذلك لما كان من الممكن أن يُفهم منها المعنى الفاسد الذي رميت به الأمير، فليتك ترجع إلى الحلقة الثانية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما ديوان الأمير، فالأبيات التي استنكرتَها على الأمير وعلقتَ عليها بقولك:" [الأمير يشرك بالله العظيم شركا واضحا جليا] ". لا يُسلّم لك أبدًا، وستسأل عنه يوم الحساب. والياء في هذه الأبيات هي ياء الندبة! وليست ياء النداء!! وهذه الياء لا يندب بها إلاّ العلم المشهور. والندبة لها أساليبها الأدبيّة يعرفها أهل اللغة والأدب، والقارئ لمثل هذا النوع من الشعر يجب عليه أن يستحضر هذا المعنى. ولا يُحكم على المتكلّم بأنه يستغيث بغير الله إلاّ إذا كان واضحًا في كلامه، كأن يقول يا رسول الله أو يا وليّ الله أدركني أو ارزقني. وليس في تلك الأبيات شيء من ذلك، ويمكنك أن تقول إنني لا أحب هذا النوع من الشعر أو الأولى عدم التلفظ بكلام يلتبس على البعض، أما أن تقول هذا شرك واضح وجلي! فلا توافق عليه. وكلامي ليس خاص بشعر الأمير وحده، وإنما هو عام لأي شعر أو كلام مشابه.
2ـ وبناءً على ما سبق فإن جوابي على سؤالك الثاني هو أنك لم تكن محقًا في ردّك لأنك لم تحكم على الكلام وإنما حكمت على الشخص دون أدنى تثبّت ووصفتَه بأنه ملحد ومشرك وخرافي مرتد!!!، وافتريت عليه قصة إحراق كتب ابن تيمية وزعمتَ أنها متواترة مع أنه لا أ صل لها (راجع الحلقة الأولى)، ووصفته بالعميل للفرنسيين،وطعنت في جهاده وجرّدته منه، كل ذلك دون أي دليل يشفع لك!! وقلتَ في حقّه بالحرف الواحد: ((والوقت ثمين وأشرف من أن يبذل في تتبع زبالات أفكار المدسوسين من قبل أعداء الإسلام والمنحرفين فكريا عن عقيدة السلف الصالح)). فحكمت عليه بأنه مدسوس من قبل أعداء الإسلام، وأن أفكاره زبالة!!
فهل تظن أنك بعد كل هذا الهجوم والطعن والتكفير والتشهير العاري عن الدليل والبيّنة متقربٌ إلى الله وعلى خير ومحقٌ أيضًا؟؟!! يغفر الله لي ولك.
3ـ وأما العقائد الشركية والمخالفات الشرعية الموجودة في "المواقف" أو غيره فلا مانع من الحديث عنها وبيان بطلانها وسقوطها، ولعل ذلك يكون في موضوع مستقل وموقفي منها معروف وأنا بفضل الله كنتُ وما أزال أتصدى لمثل تلك العقائد وأرد عليها (وهل ما أعانيه اليوم إلا بسبب ذلك!!)، أما الحلقات التي أنا بصددها الآن فهي تعالج اتهامات وشبهات باطلة تثار حول شخص الأمير، فإذا كان لديك أي إشكال فيما كتبته فيها فيمكنني بيانه الآن.
4ـ وأما سؤالك عن النياشين. فالجواب:أولاً إن هذه النياشين حصل عليها الأمير بعد فتنة دمشق سنة 1860 وقد روت الأميرة بديعة عن جدّتها السيدة زينب بنت الأمير عبد القادر أن هذه النياشين وضعها مرّة واحدة وأخذت له صورة واحدة ولم يكن سعيدًا بذلك، والغرض أن ترسل إلى الصحف الأوربيّة فيرى الأوربيون بأعينهم تكريم ملوكهم وحكامهم للرجل الذي كانوا بالأمس يطعنون فيه ويظهرونه بصورة المتعصب الحاقد على المسيحية وأن حربه مع فرنسا كانت فقط لأنهم مسيحيون لا لأنهم غزاة معتدون!! واليوم هم يعترفون أنه لا يحقد على الديانة المسيحية وإنما يتعامل مع أصحابها المعاهدين (أهل الذمة) وفقًا لأحكام الإسلام، فلا يسمح بتقتيلهم بخلاف المعتدين والغزاة منهم.تقول الأميرة بديعة: ((هذا ما كنت أسمعه من جدتي زينب عندما كانت تنظر إلى صورته هذه وتقول: كم كان أبي حزيناً عندما وضعنا له هذه الأوسمة لأخذ صورة فوتوغرافية له، وقد وُضعت مرة واحدة ولغاية واحدة كما أسلفت)) [انظر أصحاب الميمنة] وهذه القصة لم تتفرد الأميرة بديعة بذكرها فهي معلومة للكثيرين.
وإذا تسابق الرسامون لرسمها بأشكال مختلفة كلٌ كما يشاء فهذا لا ذنب للأمير فيه. ثانيًا هذه النياشين ليست خاصة بالفرنسيين وحدهم وإنما فيها نياشين من الخليفة العثماني وهو أكبرها، ثم نياشين أخرى لعدة من الملوك والقياصرة، وسيأتي الحديث عنها بالتفصيل في حلقة مقبلة وستجد فيها براءة الأمير مما تظن. وأما جعلك لتلك النياشين دليلاً على عمالة الأمير للاستعمار فهذه كبيرة! وليتك تحريت قبل أن تقدم على هذا الطعن والتشهير.
5ـ وأما ما ذكرته من صور لمخطوطات، فهناك بعض المخطوطات موجودة في بعض المكتبات فلا أدري عن أيها تتحدث، ولكن أستطيع أن أقول لك جازمًا أنه لا وجود لمخطوط لكتاب المواقف بخط الأمير، وكذلك لديوان الأمير. فالأمير لم يكتب المواقف ولم يضع ديوانًا. والديوان إنما جمعه ابنه الأمير محمد وكتَبه بخط يده والمخطوط عندي وليس له أي صورة! والمواقف كتبه الشيخ محمد الخاني بعد وفاة الأمير وسيأتيك بيان ذلك في محلّه إن شاء الله.
أخي عبد الحق أسأل الله تعالى أن يجعلني وإيّاك ممن يتّبعون الحق، وكل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون، أسأل الله تعالى أن نكون منهم، فهذا مما يرفعنا عند الله وعند الناس. وأرجو أن تتابع الحلقات كلها إلى نهايتها.
والحمد لله رب العالمين.
ـ[ابا اسحاق]ــــــــ[07 - Oct-2008, مساء 09:53]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك شيخنا الكريم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[08 - Oct-2008, مساء 02:58]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة العاشرة
قال الأخ محمد مبارك، صاحب (فك الشفرة):"و من ثمَّ تَمَّت سرقة المخطط برًمَّته ـ انجليزيا ـ من الحقيبة الفرنسية.ليتم بعد ذلك تطبيقه بحذافيره على يد الجنرال البريطاني الشهير "اللنبي" لتنصيب دمية أخرى هي "الشريف فيصل بن الحسين".انتهى
تحدّث الأخ محمد مبارك في (فك الشفرة) عن المخططات الفرنسية وإخفاقها والمخططات الإنكليزية التي حلّت محلّها، وأتى بكلام غريب. وليس الآن مجال بيان تاريخ تلك الحقبة.
ووصَفَ الكاتب الملك فيصل بن الحسين بالدمية الأخرى موحيًا أن الأمير هو الدمية الأولى!!
ثم جعل سيرة الملك فيصل كأنها تتمة أو مشابهة لسيرة الأمير عبد القادر، وشتان ما بين السيرتين، فالأمير عبد القادر لم يتحالف مع فرنسا في حياته ولم يأمنها قط! بل جاهدها وقاتلها، ولم يستعن في حياته كلها بالأجنبي الصليبي!!
وهذا الكلام شَهِد به أعداء الأمير وخصومه؛ فقد ذكر الأستاذ المهدي البوعبدلي: ((أنه في الملتقى الذي أقامه "الكوليج دو فرانس" بباريز سنة 1977م، والذي كان موضوعه ((حياة الأمير عبد القادر في المشرق))، ألقى أحد الباحثين الفرنسيين وهو الأستاذ "شوفالي فاجرون" محاضرةً هامة، وكانت لدراسته أهمية عظمى حيث أثبت الجانب السياسي من حياة الأمير في المشرق، وهي أنّه لمّا وقف موقفه المشرّف إزاء مذابح المسيحيين الذين دافع عنهم دفاعَ من لا تأخذه في الله لومة لائم، انقلب الرأي العام الفرنسي وتبيّن لهم قيمة الرجل، فرأى نابليون أنّ الفرصة سانحة لعرض مملكة المشرق على الأمير، إلاّ أن الأمير لم يسعه إلاّ الاعتذار عن قَبولها رغم المغريات، وقال لرسول نابليون:"إنّ هدفي لم يكن في يوم من الأيّام تولية المملكة، وإنما ظروف بلادي جعلتني أتولى الدفاع عنها، فقُدْتُ جيوشَها، وشاء الله أن تطوى صفحة الجهاد فانتقلت للجهاد الأكبر وهو خدمة العلم والدين" [طبعًا الكلام مترجم عن الفرنسية]، وهنا علّق المحاضر على هذه الصفحة والظروف التي اجتازتها بلاد المشرق، فقال: ((لم تكن أمنية رجال الحكم الفرنسي العثور على رجل عربي قوي يتولى حكم بلاد المشرق بإعانتهم؛ بل كان يشارك الفرنسيين في البلوغ إلى هذا الهدف الإنكليز أيضًا، وقد بلَغَت إنكلترا هدفها إذا وجدت الملك فيصل، إلاّ أنّ فرنسا من سوء حظّها وجدت في طريقها الأمير عبد القادر، وشتّان ما بين الشخصيّتين)).انتهى [من مقال للأستاذ المهدي البوعبدلي بعنوان (وثائق أصيلة تلقي الضوء على حياة الأمير عبد القادر) منشور في مجلة الثقافة الصادرة عن وزارة الثقافة في الجزائر العدد 75 رجب 1403هـ،أيار 1983م؛ ص134]
ويتابع صاحب (فك الشفرة) فيقول:" لقد كان المخطط الفرنسي لوراثة التركة العثمانية يقضي بالسعي للقضاء على الخلافة العثمانية من خلال تأجيج ثورة عربية يترأسها بعض المنتسبين للبيت النبوي،و يقوم بجر جميع تلك البلدان الى حظيرة الهيمنة الفرنسية".انتهى
ولا بأس هنا من كلمات لكشف بعض المغالطات التاريخية التي أوردها الكاتب.
أولاً، إنّ الدولة العثمانية التي يتحدث عنها الكاتب ويسميها الخلافة العثمانية، لم تعد في حقيقتها تمثّل الخلافة الإسلاميّة في ذلك الوقت، فقد صعد رجال حزب الاتحاد والترقي إلى سدّة الحكم وكانوا هم المتصرفين في البلاد، وليس للخليفة أي ثقل حقيقي، ورجال الاتحاد والترقي كانوا يسيرون على النهج الأوربي ويرفضون الحكم الإسلامي (وسيأتي معنا قريبًا كيف يصفهم الكاتب بالماسونيين) وأنا وإن كنت لا أقبل وصفه ذلك لأنه بلا دليل؛ فإنني أعلم أنهم ((كانوا أصحاب طموحات واسعة وخبرة قليلة وتعصب للقومية التركية وابتعاد عن الدين، فاستطاعت المخابرات البريطانية واليهود أن يستغلوهم ويضعوا لهم الخطط سِرًّا وهم لا يدرون إلى أين يسيرون، منهم المخلص لبلده ونفسه، ومنهم ما هو دون ذلك، ولكن لا يدري ماذا يُفعل به!)) [كما يقول الأستاذ محمود شاكر،انظر التاريخ الإسلامي 8/ 208]
(يُتْبَعُ)
(/)
وكانت البلاد العربية تعيش في حالة من الضياع والبؤس، والناس قد ضاقوا ذراعًا بسياسات رجال الاتحاد والترقي الذين ينقلون البلاد من حرب إلى حرب، ومن بؤس إلى بؤس، وفوق ذلك ضاعت عندهم الرابطة الإسلاميّة! (اقرؤوا عن وحشية جمال باشا السفاح في بلاد الشام)
فهل إذا أراد بعض المصلحين العرب المسلمين أن يفصلوا بلادهم عن هؤلاء صاروا خونة ومدمرين للخلافة الإسلامية المزعومة؟ وماذا سيقول الكاتب عن دولة آل سعود التي حاربت العثمانيين وانفصلت عنهم؟
ومع ذلك فإنّ المرحلة التي يتحدث عنها الكاتب هي مرحلة ما بعد وفاة الأمير عبد القادر، وكل تلك الأحداث التي ساقها إنما جرت بعد وفاة الأمير بعقود،بـ (36سنة) تحديدًا، فما شأن الأمير بها؟ ولماذا يحمّله تبعاتها؟ وأغرب من ذلك أنّ الكاتب صنَّف الأمير موظفًا لفرنسا، ثم قال:"واستلم الدور بعده الملك فيصل الموظف لبريطانيا"، ومعلوم أنّ فرنسا وبريطانيا كانتا متنافستين ومتخالفتين، وكل واحدة منهما تساند العرب والمسلمين لأجل الحد من توسّع الأخرى.وقد نبّهتُ آنفًا إلى فساد المقارنة بين الأمير والملك فيصل!
ويقول صاحب (فك الشفرة):"و من الغرابة بمكان أن يقوم الطابور الخامس الماسوني السوري وقبل يومين من وصول الأمير فيصل بإعلان استقلال البلاد باسم الشريف حسين، ورفع العلم العربي على سارية دار الحكومة، و من ثمَّ تبدأ عملية تنظيم وإكمال تشكيلات الدولة العربية و الجيش العربي، و إزالة كل ما يمت للعهد العثماني و اللغة التركية بِصلة، كل ذلك بسرعة غريبة و سطوة عجيبة، بينما لم يكن من أعلن استقلال البلاد، و حَكَم البلاد خلال ذَين اليومين الطويلين في تاريخ الأمة الاسلامية إلا الأمير محمد سعيد الجزائري القطب لأعظم للمحفل الأكبر السوري العربي الماسوني، وحفيد الأمير عبدالقادر الجزائري".انتهى
لقد تحدّث الكاتب في مقاله عن دخول جيش الملك فيصل إلى الشام، ثمّ تعجّب من كون الأمير سعيد حفيد الأمير عبد القادر هو الذي أعلن استقلال سورية ورفع العلم العربي على السراي قبل وصول الملك فيصل بيومين، وبدأ الكاتب كلامه فوصف الأمير سعيد ومن معه بالطابور الخامس الماسوني!!!
المطّلعون على تاريخ الأمير سعيد يعلمون أنه انتسب إلى الجمعية الماسونية، وقد صرّح هو بذلك في مذكراته ولم يستره، وذلك لأنّه ـ مثل كثيرٍ من وجهاء وعلماء الشام ومصر في ذلك الوقت ـ انخدع بما تروّجه تلك الجمعية عن نشاطاتها وأهدافها، فقد كانت تزعم أنها جمعية عالمية تدعوا إلى التضامن ومساعدة المنكوبين في العالم أجمع، وغير ذلك من الأعمال الخيرية، فالمنتسب إليها كان يفتخر بذلك، ولكنّ الأمير سعيد بعد مدّة ارتاب في أمرها وصار يتهرّب من أعضائها ثم تركها وانفصل عنها، تمامًا مثلما فعل كثيرٌ من الذين انتسبوا إليها في تلك الحقبة! (وكتبَ مقالاً يهاجم فيه الماسونية سنأتي على بيانه في حلقة الماسونية)
ونحن اليوم بعد أن انكشفت حقيقة الماسونية عمومًا، وإن كنّا لا نقرّ هؤلاء على انتسابهم إليها، ونعدُّ ذلك من الغفلة الشديدة، وضعف النظر، فإننا لا نتّهمهم في نيّاتهم، وخصوصًا بعد أن انفصلوا عن تلك الجمعيّة وتبرّؤا منها، وكذلك عندما نجد في سِيَرِهم ما يتعارض مع أغراض الماسونية وتوجهاتها.
وأنا لا أريد في هذا المقام أن أنتقل عن موضوعنا الأصلي إلى موضوع الأمير سعيد، ولكن لضرورة المقام سأعرض موجزًا سريعًا يبيّن كيف أعلن الأمير سعيد استقلال سورية وحقيقة علاقته بشريف مكّة الحسين وابنه فيصل.
وسأعتمد على بعض المراجع المستقلة والمحايدة والمعتمدة ومنها كتاب (جهاد نصف قرن) للأستاذ الجامعي أنور الرفاعي، ومزيّة هذا الكتاب أن كاتبه شخص أكاديمي محايد، ومعاصر لتلك الحقبة وينقل الأحداث من وثائق مشهورة وثابتة مع ذكر المصدر وتاريخه، وأحيانًا يرفق صورة الوثيقة التي ينقل عنها،ولكن سأبدأ بذكر ترجمة الأمير سعيد في كتب التراجم الكبيرة والشهيرة:
أولاً ـ قال المؤرّخ الشهير محمد أديب آل تقي الدين الحصني؛ وهو معاصر للأمير سعيد؛ في كتابه (منتخبات التواريخ لدمشق) في ترجمة الأمير محمد سعيد:
(يُتْبَعُ)
(/)
((منهم الأمير سعيد بن الأمير علي باشا، وقد أحيا ذكر أبيه وجدّه الأمير عبد القادر بالكرم والأخلاق الحسنة وقد قلّدته الأتراك وكالة الحكم المباشر لهذه البلاد بعد تركهم لها بأن يدافع أهلها عنها وتكون مستقلة تحكم نفسها بنفسها ولها الحق بأن تختار أي دولة تسعفها على نهضتها وذلك قبل دخول الجيش الإنكليزي لها! ولما دخل الأمير فيصل على رأس ذلك الجيش كما أسلفنا لك ذلك مفصلاً، أَخَذَ الحكم المؤقت من يد الأمير سعيد وبهذه البرهة اغتالت يدٌ أثيمة أخاه الأمير عبد القادر، وأبعدته السلطة الإنكليزية إلى خارج سورية، إلى أن دخلت الجيوش الإفرنسية عندئذ رجع إلى دمشق وهو خير خلَف لذلك السلف ولولا ضيق المقام لسردنا جميع الوقائع المبرورة التي جاهد بها)).انتهى [منتخبات التواريخ 2/ 742]
ثانياً ـ قال خير الدين الزركلي؛ وهو مؤرخ وسياسي كبير معاصر للأمير سعيد؛ في كتابه الشهير (الأعلام):
((الجزائري (1300 - 1390هـ = 1883 - 1970م) محمد سعيد بن علي بن عبد القادر بن محيي الدين الحسني الجزائري: حفيد الأمير عبد القادر صاحب الثورة الأولى على الفرنسيين في الجزائر. ولد وعاش في دمشق وتعلم بها، وبالأستانة. وقام برحلة إلى المدينة المنورة (سنة 1332هـ) صنف بها نور الدين بن عبد الكريم بن عزوز التونسي (الرحلة المدينية - ط) وأشرف صاحب الترجمة على تصنيف كتاب عن والده سمي (تاريخ الأمير علي الجزائري - ط) وكان له موقف كريم في دمشق، يوم خرج الجيش العثماني منها وبقي فيها جمال باشا الصغير آخر قواد ذلك الجيش فقابله الأمير سعيد وأخذ منه (500) بندقية سلح بها بعض الدمشقيين والمغاربة لحفظ الأمن. وأعلن استقلال سورية قبل دخول الجيشين العربي والبريطاني.
وألَّف حكومة وطنية مؤقتة أقرَّها أول داخل من الجيشين (الشريف ناصر بن علي) فعاشت يومين. وأَبْعَدَه عن الحكم مندوبون آخرون عن فيصل بن الحسين قبل دخول فيصل، منهم لورنس، ونوري السعيد!! ثم نفاه الإنكليز إلى مصر.
وعاد إلى دمشق بعد الاحتلال الفرنسي (1920م) فأقام إلى سنة 1966م ورافق جثمان جدّه (عبد القادر) يوم نقله من دمشق إلى الجزائر، واستقر إلى أن توفي بها)).انتهى
من هاتين الترجمتين يتضح أن ما تعجّب منه الكاتب من إعلان الأمير سعيد لاستقلال سورية، ووصفه إيّاه بأنه من الطابور الخامس الماسوني، غير صحيح ومخالف للحقيقة!!!
ثالثاً ـ يروي لنا الأستاذ أنور الرفاعي في كتابه (جهاد نصف قرن) الحادثة التالية:
((نادى جمال باشا السفاح الأميرَ سعيدًا وقال له:"سأسافر مع الحملة إلى (الترعة) ويجب أن تكون أنت معي عندما أدخل مصر"
الأمير:"ما نفعي مع الحملة وما فائدة دخولي مصر إلى جانبك؟ "
جمال:"سأكلفك بقيادة فرقة خاصة"
الأمير:"ماذا تراني أُعِد؟ "
جمال:"استصحب معك اثنين من رجالك ليكونوا خدامًا لك، ونحن نكفيك مؤونة كل ما يلزمك"
وبعد أيّام، بينما كان الأمير مضطرًا لإعداد وسائل السفر مع موكب جمال، هبط دمشق الجنرال الألماني (فافيوس) الذي أعطاه العثمانيون اسم (عبد الكريم باشا)! وكان فيما سبق واليًا على بعض المستعمرات الألمانية في إفريقيا، وأستاذًا لأولاد الإمبراطور غليوم الثاني، وكان الناس في دمشق يتساءلون عن معنى وجود الجنرال الألماني في دمشق وبصحبته حاشية خاصة، منها ثلاثة مترجمين أحدهم مستشرق ألماني يتقن العربية، وثانيهم مسيحي لبناني، وثالثهم شيخ مسلم بعمامة من بخارى، وفي تلك الأثناء قابل قنصل ألمانيا في حيفا (لوتفيت) الأميرَ سعيدًا في داره وقال له:"يا سمو الأمير! إني أعلم أنك تعمل من مدة في سبيل إثارة الجزائريين ضد فرنسا؛ وأنت تتمنى أن تصل إلى الجزائر لتقودها إلى الاستقلال، وها هي الفرصة سانحة، فإن هناك بعثة ألمانية ستذهب إلى شمال إفريقيا فيمكنك مرافقتها وتحقيق برنامجك"
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي اليوم التالي دُعي الأمير لمقابلة جمال باشا الذي ابتدره قائلاً:"تغيّرت خطتي، فلن ترافقني إلى مصر، وإنما سترافق بعثة عبد الكريم باشا الألمانية، وهي ذاهبة إلى شمال إفريقيا، وستمر في طريقك على طرابلس الغرب، وسترى السيد السنوسي فيها، فاكتب له قبل أن تصل وأخبره بقدومك وبأنك تحمل رسالة شخصية مني إليه، وأخبره شفهياً بأني سأهاجم ترعة السويس، فيجب على السنوسي عندما يسمع بوصول حملتي إلى الترعة لمهاجمة مصر، أن يهاجم من ناحيته مصر أيضاً فنضعها بين نارين، وليضرب المصريين على رؤوسهم ويسوقهم إلى الحرب كالـ ... " وسلّم جمال باشا في الحال الأمير سعيداً رسالة مختومة؛ وأمره بالاستعداد للرحيل في الغد.
صدّق الأمير سعيد أقوال جمال، وخفق قلبه فرحاً لسيره إلى بلاده الأولى، وفي الغد كان في محطة الحجاز في عربة خاصة تُقلّ بعثة عبد الكريم باشا الألماني ..
وفي الطريق التفت الأمير إلى الجنرال الألماني وقال له:"أين نحن ذاهبون؟ وما هي خطتنا؟ وما هو طريقنا؟ " فأجاب الجنرال:"نحن ذاهبون إلى إفريقيا الشمالية" فاطمأن قلب الأمير وأخذ يطلّ من نافذة القطار، وينظر إلى الأفق البعيد ويتخيل الرحلة الجميلة، ويتصور وصوله إلى طرابلس واتصاله بالسيد السنوسي و ...........
وصادف عندما أشرف القطار على محطّة (العُلا) أنّ الأمير التفت إلى أحد كبار مرافقي البعثة الأتراك وهو (سامي بك) متصرّف (نجد) وأراد أن يتحقق من سلامة الطريق و .... وقال له:"يا سامي بك هل طريقنا جميعه في أمان؟ أم هو محفوف بالأخطار؟ وما هي تفاصيل مخطط السير؟ "
فأومأ سامي بك إلى الأمير أن يخرجا معاً إلى رواق القاطرة، وظنّ الأمير أنّ مثل هذا الحديث عن مخطط الرحلة يجب أن يبقى سرًا لا يبلغ مسامع الجنود خشية الجاسوسية وافتضاح الأسرار، فترك مقعده، وانتحى بمتصرّف نجد ناحيةً ودار بينهما حديثٌ لم يسمعه غيرهما:
سامي بك:"يا سمو الأمير إني أقدّر فيك وطنيتك وأعترف بشجاعتك، ولأنك أمير من سلالة الأمراء فمن واجبي أن أصدقك القول ولا أخدعك. ليس هدف هذه البعثة الألمانية الذهاب إلى إفريقيا الشمالية، وإنما هدفها الوصول إلى مستعمرات ألمانيا في إفريقيا الوسطى، ولها مهمة خاصة في البلاد العربية، فقد زوّد جمال باشا الجنرال الألماني بصلاحيات واسعة في الجزيرة العربية! وسوف تصل هذه البعثة إلى المدينة المنوّرة، مدينة الرسول عليه السلام، وستدخل هذه البعثة الأماكن المقدسة!! وطريقها هذا سرٌّ لم يطلعوك عليه"
وكان الإيمان والحماس الديني باديًا على وجه والي نجد وهو يتحدَّث، فأطرق الأمير سعيد هنيهة، وعلِم أنّ حديث قنصل ألمانيا في حيفا له وحديث جمال باشا، والرسالة التي يحملها، وجواب عبد الكريم باشا في الطريق، كان كله مؤامرة عليه، وخشي أن تكون أوامر جمال أن يقتله في الطريق.
فالتفت إلى محدِّثه وقال له:"ولكن هل يجوز لك أن ترافق هذه البعثة وأنت تعلم هدفها، وتسمح لها أن تكشف عورات المسلمين في أماكنهم المقدسة؟ .. "
سامي بك:"نحن مأمورون وليس باستطاعتي الرفض، مع أن سير البعثة إلى الحجاز ليس من رأيي"
الأمير:" وكيف السبيل إذن لنمنعها من تحقيق برنامجها؟ "
سامي بك:"اكتب برقية سريّة إلى محافظ المدينة المنورة وأخبره أن يحذّر الجنرال الألماني من القدوم إلى المدينة، والمحافظ لا بد وأن يثق فيك لمكانتك الممتازة في قلوب الجميع"
الأمير:"حسنًا! عندما أنزل مدينة (العُلا) سأبرق إلى بصري باشا والي المدينة البرقية التالية: (أنا مع بعثة ألمانية مُرادها المرور من المدينة المنورة، وذلك فيه ضرر على مصالح الدولة، فأرجو أن تعارض قدومنا ببرقية جوابية بقولك إن مرورنا من الأراضي المقدسة فيه خطر على حياتنا وعلى هياج السكان)
ونجحت الخطة، فإن جواب بصري باشا والي المدينة وصل كما نرجو؛ واطّلع الجنرال الألماني على فحواه، وتمتم وكأنه أدرك أن في الأمر سرًّا، وأخذ ينظر إلى الأمير سعيد شَزْرًا، ورضي أن يغيّر خطة سفره، وأن يتجه إلى ساحل البحر الأحمر، فيكون طريقه إلى الجنوب بحريًا على حذاء الشواطئ العربية ثم تأخذه نقّالة بُخارية إلى الشواطئ الإفريقية حيث يصل إلى هدفه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي (العُلا) كلّف رِفادة باشا شيخ عشيرة (البلي) أن يُهيّئ قافلة للبعثة، وأن يؤمن بمفرده سلامة البعثة من (العلا) إلى (الوجه) على ساحل البحر الأحمر.
وبعد سبعة أيام من رحلة صحراوية بحماية ورفقة رفادة باشا أشرفت البعثة على (الوجه)، وهنا بدأت الخلافات بين قائد البعثة الجنرال الألماني وبين الأمير سعيد فقد رفض الأمير الخضوع لأوامر الجنرال بتركه البعثة والسير مع القافلة التي تحمل العتاد والذخيرة، ذلك لأن هذا ليس من خصائص الأمير، فالأمير مرافق للجنرال وليس مرافقًا للمؤن والحاجيات، وخاصة أن ذلك يسير بحماية رفادة باشا.
وفي (الوجه) وزّع الجنرال رجاله على ثلاثة مراكب شراعية، وضَعَ الأمير في أحقرها، ولم يكتف بذلك، بل كان نصيب الزورق الذي يُقِلّ الأمير أن يحمل جميع ما تحمله البعثة من مواد متفجرة وبنزين، فشعر الأمير أن الجنرال يضمر له الشر، وأن أقل حادثة يمكن أن تفجر البارود أو تحرق البنزين وبذلك تنتهي حياة المركب ومَنْ عليه ... وبعد أربعة أيام من رحلة بحرية وصلت البعثة إلى (ينبُع)، فنزل الجنرال وقام بمهمة خاصة لم يدر الأمير شيئًا عنها لأنه مُنِعَ من النزول إلى البر، وكذلك مُنع من أن يطأ اليابسة عندما وصلت البعثة إلى (جُدّة)، وحاول الجنرال أن يفعل مثل ذلك عندما وصلت إلى (القنفذة)؛ أحد موانئ (عسير)؛ بعد سير سبعة عشر يومًا، ولكن الأمير، مخالفًا لجميع الأوامر الصادرة إليه، غادر المركب ومعه خادمه الخاص (مسعود الجزائري) وبقي في (القنفذة) رافضًا جميع المحاولات التي قام بها الجنرال ليحمله على تغيير عزمه، وكاد الخلاف ينتهي بينهما إلى تحكيم النار والبارود، واضطر عبد الكريم باشا الألماني إلى ترك الأمير في (القنفذة)، وأن يتابع سيره دونه.
عرّف الأمير بنفسه لشيخ (القنفذة)، فاحترمه أيما احترام، وقدّم له المعونة الكافية، وأرسل من يرافقه إلى مدينة (الليث)، وهنا اتصل الأمير بالقائمقام فأكرم وفادته، وقدّم له الرواحل وأدِلاَّء ليسير إلى مكة ومنها إلى المدينة ثم يعود أدراجه إلى دمشق.
وفي مكة كانت أولى مقابلات الأمير سعيد بالشريف حسين شريف مكة، ولم يكن الأمير على علم بمساعي بريطانيا لتهيئة الثورة العربية، ومفاوضاتها للشريف حسين. فظنّ الأمير أن واجبه المقدس أن يُقنع الشريف بضرورة تأييد الدولة العَليّة صاحبة الخلافة الإسلامية، فبعد أن أكرمه الشريف وأنزله في جناح خاص من قصره بمكة المكرمة، اجتمع به، وكان مما قاله الأمير بعد التعارف وتبادل عبارات الترحيب والشكر:
الأمير:"أنت تعلم أن الصليب يحارب الهلال اليوم. وأنت ابن رسول الله. فيجب أن تكون على وفاق مع الخليفة العثماني"
الشريف:"ولكن الاتحاديين كَفَرَة لا يتبعون تعاليم الدين، ولقد قاوموني. ولقد حاول الوالي وهيب باشا قتلي، وهاجمني في قصري، ووضع يده على أوراقي ورسائلي الخاصة"
الأمير:"ولكنك يا شريف! أنت ثاني رجل في الدولة العلية بعد الخليفة، وإذا حدث للحكومة حادث فلا أحق منك أن يتقلدها، لنسبك من رسول الله، ولمقامك العظيم عند جميع المسلمين، ومن لنا أمير غيرك إذا أصيب الخليفة؟ "
الشريف:"أبداً! أبداً! لا أطمع بالملك، ولا أطمع بمنصب يزيد عن حماية الكعبة الشريفة"
الأمير:"أنا على رأيك أيها الشريف، لسوء إدارة الاتحاديين، وإني أكره جمال باشا شخصيًا، ولكن أرى أن واجبي في تأييد الخليفة الشرعي ... "
وأخذ الأمير يشرح للشريف حسين ما جرى له مع جمال باشا وتفصيلات الرحلة الشاقة ... وانتهى الأمر بالشريف حسين أن فوّض إلى الأمير سعيد أن يُحسِّن العلاقات بينه وبين جمال.
وقد حمل الأمير سعيد ذلك إلى جمال باشا في دمشق ومهّد السبيل للتفاهم بين الطرفين. والراجح أن اتفاق جمال باشا مع الشريف فيصل ابن الشريف حسين في دمشق؛ يوم أقام فيصل في دمشق كان على أثر وساطة الأمير سعيد.
وقد جاء وصف هذه المقابلة ونتيجتها في جريدة الجامعة الإسلامية التي تصدر في (يافا)، في عددها (562) وتاريخ الأربعاء في 23 صفر 1353هـ الموافق 6 حزيران 1934م بتوقيع الأمير نفسه)).انتهى [من كتاب (جهاد نصف قرن) لأنور الرفاعي ص54 إلى ص59]
(يُتْبَعُ)
(/)
ويتابع الأستاذ أنور الرفاعي فيقول: ((وكان الأمير سعيد قد كتب رسالة شكر من المدينة المنورة إلى الشريف حسين بمكة، وكتب من دمشق رسالة أخرى شرحَ فيها للشريف حسين مساعيه لدى جمال باشا. ووصلته رسالة جوابية بخط الشريف حسين وتوقيعه تُعدّ وثيقة من الوثائق التاريخية، وفيها يُبيّن الشريف حسين أنه لابد وأن الشريف فيصلاً قد قابل الأمير.
ونصّها: (((عزيزنا الكامل السيد الشريف الأمير محمد سعيد بن الأمير علي ابن مولانا المرحوم السيد الأجلّ عبد القادر الحسني؛ حفظه الله ورعاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد تناولنا بغاية السرور كتابيك الأول من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ والثاني من دمشق الفيحاء وفرحنا بهما لأنهما قد وافيا ببشائر عافيتك التي نتمنى من الله أن يديمها عليك وعلى والدك وأهلك وعشيرتك موفقين لكل ما فيه سعادة الأمة وخير الإسلام. ويكفيك يا بني من الفخار أن تمثل بمناهجك السامية جلال فضائل شرفكم الباذخ الذي تتوجت به مفارق آبائك وأجدادك من سلالة ذلك البيت الطاهر الكريم.
إنا لا نعد خدماتنا التي ذكرتها بالإطراء والثناء إلا جزءًا من بعض ما تفرضه الإسلامية علينا لخدمة الدين الحنيف والخلافة العظمى والبلاد العزيزة المحبوبة، مؤملين من الله عزَّ وجلّ أن يوفقنا لإيفاء تلك الواجبات حقها وأن يمنحنا السداد في الأقوال والأعمال بما تقرّ به عين جدك الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه.
أدعو لوالدك بنجاح مساعيه وأن يرده إليك سالماً في دينه ودنياه وأن يسمعنا عن أخباره ما تسر به الأفئدة.
أنجالنا يهدوك سلامهم. ولابد أن فيصل قد حظي بمشاهدة طلعتك البهيّة بالفيحاء. إننا لا نزال نذكرك كما تذكرنا والله يتولى رعايتك أيها العزيز.
20/ 5/1333هـ أمير مكة
حسين))).انتهى [جهاد نصف قرن ص63ـ65]
ويتابع الأستاذ أنور فيقول: ((قدم فيصل دمشق في 26 آذار عام 1915م، فتلقاه جمال باشا بحرارة .... وبقي في دمشق هذه المرة ستة أسابيع .... وكانت أولى مقابلات الأمير سعيد مع الشريف فيصل خلال تلك الإقامة القصيرة ... وقد زاره في منزل آل البكري وذكر له ما سعاه لدى جمال باشا عن حسن التفاهم بين قادة الدولة العثمانية وشريف مكة، مع العلم أنّ انضمام الحسين إلى جانب الحلفاء لم يكن قد تم بعد .. )) [المرجع السابق ص63]
((وعاد فيصل من الأستانة، وتردد على دمشق مرات، وتم الاتفاق بينه وبين قادة العرب فيها على الثورة، وكان والده قد أتم اتفاقه مع البريطانيين، وكان جمال باشا في دمشق يكرم فيصلاً من ناحية ويراقبه من ناحية أخرى، وكان الأتراك يتوددون للشريف حسين وأولاده ويكرمونهم، ولكنهم كانوا يخشونهم ويخافون أن يقوموا عليهم؛ وكأن تلك المراسلات السرية بين حسين ـ مكماهون، قد شمّ الأتراك رائحتها أو تنبّؤوا حدوثها دون أن يتمكنوا من كشف أسرارها والوقوف على حقيقتها، فكانت كل حركة وسكنة من الأشراف أولاد الحسين تؤوَّل لدى المقامات التركية. ويروي الأمير سعيد إحدى قصص جمال باشا والشريف بقوله:"بينما كنتُ في دارٍ لي "بالجسر الأبيض"، قدم الشريف فيصل، فاستقبلته استقبالاً يليق بمثله، .. وبعد أن استوى بنا المكان أخذ يحدثني والدمع يترقرق في عينيه:
فيصل:"أحب أن أحدثك يا أمير بحديث جرى لي اليوم مع جمال باشا، وآخذ به رأيك"
الأمير:"خيراً إن شاء الله"
فيصل:" طلبني جمال (باشا السفاح) وقال لي:"بلغني أنّ أخاك الشريف علي، قد وصل المدينة المنوّرة وأخذ يتصرف بأمور ليست من اختصاصاته، وأخشى أن يكون غير مخلص النية نحو الدولة العثمانية، وأنت تعلم أنني لا أسكت عن إنسان مهما علت منزلته، ولن أسمح له أن يحيد عن طريق الإخلاص للدولة، لذلك أرى أن تكتب لأخيك الشريف علي حالاً، بأن يغادر المدينة ويعود من حيث أتى، وإلاّ فسأضطر لشنقه .. "
(يُتْبَعُ)
(/)
الأمير:"يا سمو الشريف! نحن أبناء عمومة، ننتمي إلى الأسرة النبوية الشريفة، ونحن على السرَّاء والضرَّاء، ومن واجبي أن أحميك وأمنع عنك وعن أخيك أذى جمال السفاح، وخاصة أنني أنا الذي كنت واسطة الصلح بين الشريف والدك وبين جمال، فإن شئت سرتُ أنا إلى جمال ودافعت عنك وعن أخيك وأفهمته أن الحجاز تحت إمارتكم، وأنتم تتنقلون أينما شئتم وحيثما أردتم، وليس لأحد عليكم سلطان، ولا لرجل مهما علت مرتبته في الدولة أن يمنعكم من دخول المدينة أو غيرها من مدن السلطان، وإما أن تترك دمشق وتعود إلى والدك، تخبره بسوء نيات جمال، وأنا على استعداد لإيصالك إلى الحجاز سالماً آمنًا مع عدد من رجالي الذين أعتمد عليهم دون أن يتمكن جمال وعيونه من معرفة شيء من أمركم، وإما أن تعود إلى دار آل البكري وتمتنع عن الحضور إلى مقر جمال باشا حتى ينجلي الموقف، ويرجع عن ظلمه لكم أو ترى فيه رأيًا"
فيصل:"ولكنك تعلم أنني لا أستطيع أن أقوم بعمل إلا بما يأمرني به والدي وقد كتبت له بتفصيل ذلك اليوم. وأنا بانتظار جوابه"
الأمير:"إنني أخشى أن يكون جمال قد أضمر لكم الشر، ولا بد أنكم ستنتقمون منه شر انتقام، ولكن الزمن لم يحن لمثل هذا العمل، وعلى كلٍ إذا امتنعتَ عن المجيء إلى مقرّه، فإنه لابد سيسترضيك لأنه بحاجة إلى مساعدتك أنت وجميع عائلة والدك الكريم"
وقد اعتكف فيصل بالفعل في دار آل البكري لم يخرج منها يومه وليلته، فأرسل إليه جمال يسأله عن سبب تغيبه واعتذرَ له عما بدر منه، وقال له:"نحن في حالة حرب، ولذلك كنت حريصًا على أن أراقب كل حركة وسكنة حتى لا يقع ما يضر بصالحنا، وقد علمتُ بحسن نية أخيك، وأرى أن نكون دائمًا على وفاق، لذلك سأرسل برقية إلى بصري باشا بأن يلاطف أخاك ويحسن معاملته؛ وأنت أبرق إلى أخيك أن يتفاهم مع الوالي حتى لا يحدث ما يشوش الحالة في المدينة ويقلق بال الباب العالي")). انتهى [المرجع السابق ص 65 إلى ص67]
((انتهت حملة الترعة التي أعدّها (جمال باشا السفاح) لغزو مصر إلى الفشل، وظهرت نيات جمال باشا نحو العرب وزعمائهم، فأخذ ينفي العائلات إلى الأناضول ويراقب حركات سادة العرب، وألّف ديوانًا عرفيًّا في (عاليْه) وأمر بالقبض على عدد من كبار رجالات القوم من مسلمين ومسيحيين وأخذ يحاكمهم بتهمة التآمر على سلامة الدولة العثمانية والاتصال بالدول الأجنبية ... وفي 6 أيار 1916م أُعدم شنقًا واحد وعشرون شخصًا مِنْ عِلْيَةِ القوم .. )) [المرجع السابق ص68ـ72]
((وكانت الأمور في الدولة العثمانية تسير من سيِّىء إلى أسوأ؛ فإن إعدام الشهداء في 6 أيار لم يزد العرب إلاّ بغضاً بجمال والأتراك، وإن الشريف فيصل الذي كان في مزرعة آل البكري يوم الحادثة المشؤومة، صاح صيحته الشهيرة:"طاب الموت يا عرب" وكانت اتفاقات الشريف حسين مع البريطانيين قد انتهت، والعرب استعدوا لإعلان الثورة)) [المرجع السابق ص76]
يقول الأستاذ محمود شاكر في (التاريخ الإسلامي) 8/ 227: ((وقد أثارت هذه الإعدامات شيئًا من النقمة على جمال باشا خاصّةً، وسُمّي الذين أُعدموا بالشهداء، وكان حجةً لثورة الشريف حسين على الدولة إذ أرسل ابنه فيصلاً ليتوسط لدى هؤلاء فأراد جمال باشا أن يُلقي القبض عليه فاختبأ وأرسل لوالده فاندلعت الحركة من مكّة، وكان قد تمّ التفاهم مع الإنكليز، وهُزِم العثمانيون)).انتهى
قال الأستاذ أنور الرفاعي: (( .. يمَّمَ الأمير عبد القادر الحفيد (شقيق الأمير سعيد) وجهه شطر الحجاز كعبة آمال المسلمين. وفي مكة تعرّف بالشريف حسين ..... وقبل أن يُغادر الأمير عبد القادر (المشهور بالأمير عبدو) مكة المكرمة، حضر موسم الحج، وكان موسمًا مزدحمًا كثير الحجاج من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وأخرج الحسين عَلَماً وصلى عليه أربعون ألف مسلم من الحجاج، وطاف بالعلم سبع مرات حول الكعبة، ثم سلّمه للأمير عبدو ليرفعه على سراي دمشق باسم الحسين ملك العرب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد جاء في جريدة البيرق البيروتية في عددها (984) وتاريخ 19 تموز 1932م وصفٌ لرحلة الأمير عبدو (الشهيد) إلى الحجاز من مقال بتوقيع الأمير محمد سعيد، نقتطف منه ما يلي:"وفي الحقيقة إن الخدمة الجليلة التي قام بها الشهيد عبد القادر نحو الوطن سوف تقدرها الأجيال المقبلة حق قدرها ويدونها التاريخ في أمجد صفحة من صفحاته بمداد الفخر والإعجاب، وقد كان هذا الشهيد السبب في تأخير احتلال سورية مدة سنة، وإذا علم الناس بأن الاحتلال كان مقررًا لسورية وليس هناك معاهدة يستند عليها، كما صرّح لي الأمير فيصل بنفسه في وهيد، لعرفوا عندئذ مقدار الخدمة التي أداها الشهيد لوطنه. ومما يدل على شدة تعلقه بالله وفرط إخلاصه لوطنه وأمته أنه حين فرّ من بروسة مقر منفى عائلته وقطع تلك المسافة الشاسعة إلى أن وصل إلى مكة بقي متنكرًا عن الناس لابسًا النعل الحجازي والثوب الأبيض البسيط حتى تمكن من القيام بشعائر الحج خير قيام لا يشغله من مشاغل الدنيا وسفاسفها شاغل. ولما علم ملك العرب الحسين بن علي بمقدمه نصب له مضربًا إلى جانب مضاربه وخطب في السوريين قائلاً: (هذا أميرٌ من أمرائكم، وزعيمٌ من زعمائكم، تعرض لأشد الأخطار رغبة بأداء الفريضة وحبًّا بخدمة بلاده وأمته وهو يتوارى عن الناس لكي يكون عمله خالصًا لله وحده فعليكم أن تقتدوا به وتسيروا في أثره) ثم أمر بتسليمه عَلَمَ القيادة الذي جاء ذكره وطلب منه الذهاب للعقبة ليكون إلى جانب نجله الأمير فيصل".انتهى
((واجتمع الأمير عبدو في العقبة بالأمير فيصل قائد الجيش العربي، فأكرمه فيصل كما أكرم جميع قادة العرب ومشايخها وزعمائها، وكان (لورنس البريطاني) يرافق الأمير فيصل، ويدبر الخطط الحربية، ويقدّم الذهب الوهّاج إلى الأمير فيصل ليوزعه على القبائل العربية دون ما حساب ... وسار لورنس والأمير عبدو إلى (الأزرق)، وطلب لورنس من الأمير عبد القادر أن يسير برجاله ـ وقد أصبحت تحفّ به ثلة من المتطوعين الذين أُعجبوا ببطولته وشهامته ـ وأن ينسف الجسر الحديدي في وادي خالد قرب تل شهاب، فأبى الأمير عبدو وقال:"إن مهمتي أنا هي قتل جمال باشا الذي شنق أحرار العرب وأبرياءها، وهزئ بعائلتنا وكرامتها وأهانها بشنق الأمير عمر، أمّا نسفُ جسرٍ حديدي يسبب قطع خط الرجعة على آلاف من الجيوش المسلمة التابعة للدولة العثمانية فليس من الإيمان في شيء، فهم مسلمون قبل أن يكونوا أتراكًا، وهم عرب على الغالب، وقد حاربوا إلى جانب تركيا لأنها كانت هي صاحبة البلاد، واليوم عندما يطلب إليهم الانضمام إلى جيوش الثورة العربية فلا يرفضون، ولا يجوز لي أن أعمل على إيقاعهم أسرى في أيديكم أو على قتلهم برصاصكم ... "
ومن هنا نقم لورنس على الأمير عبدو وأضمر له ولأسرته الشر، وترك الأمير عبدو لورنس غاضبًا، وسار برجاله نحو دمشق فلما وصل جبل الدروز اتصل بزعمائها ورفع علم الحسين الذي كان معه، وكان ذلك إخلاصًا منه للحسين الملك الجديد على العرب، وإن خالف أوامر حليفه لورنس الإنكليزي ..
ثمّ عفت الدولة العثمانية عن الأمير عبدو، ونزل دمشق، واحتفظ بعلم الحسين في دار أبيه)).انتهى [جهاد نصف قرن) لأنور الرفاعي ص79 إلى ص81]
وأما قصة رفض الأمير عبدو لطلب الضابط البريطاني لورنس بنسف الجسر الحديدي، وتركه له فقد ذكرها أكثر من مرجع. وأهمها ما ذكره لورنس نفسه في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة) ص390، وكتابه (ثورة الصحراء) ص103، حيث خصص صفحات تحدّث فيها عن الأمير عبدو وشقيقه الأمير سعيد، ووصف الأول بالتعصّب الديني وأنّ إسلامه وقف ضد مسيحيّته، وكان يصفه بعدوّه القديم. وفي تلك الصفحات برزت نفسيته العِدائية نحوهما بوضوح تام.
(يُتْبَعُ)
(/)
يتابع الأستاذ أنور الرفاعي فيقولك: (( .. وما كاد الأمير سعيد يستقر بدمشق ويتصل بأنصاره وأعوانه ـ وكانت الثورة العربية قد اندلعت وتراجع الترك عن الجزيرة العربية وأصبحت فلسطين وسورية مهددة، وأُسندت قيادة الجيش في فلسطين إلى جمال باشا المرسيني المعروف بجمال باشا الصغير تمييزًا له عن جمال السفاح ـ حتى رأت الدولة العثمانية حاجتها إلى الأمير شديدة، ليقوم بمهمة الوسيط بينها وبين الأمير فيصل قائد جيوش الثورة العربية، فلقد حاولت تركيا أن تسترضي فيصلاً، بعد أن سبق السيف العذل، وبعد أن أطلق والده الملك حسين أول رصاصة إيذانًا بثورة العرب الكبرى وبعدما تقدمت جيوش الثورة العربية وضيّقت على الأتراك في الحجاز، وضربت سكة حديد الحجاز وتقدمت شمالاً وأخذت تستعد لدخول سورية في الوقت الذي أصرّ فيه الملك حسين على الحلفاء تسيير حملة إلى فلسطين تساند الجيش العربي، وكانت بريطانيا تهيئ حملة الجنرال (اللنبي) التي حررت فلسطين عن قريب من أيدي العثمانيين ولكنها مع الأسف حررتها من حكم، لتكبلها بحكم أشد وأقسى، نعم في هذه الوقت وصلت إلى الأمير سعيد رسالةٌ شخصية مع موفد خاص من قبل جمال باشا المرسيني يرجوه فيها التكرم بزيارته في مقر قيادته في (السّلط) في شرقي الأردن وكان ذلك في أواخر شهر تموز عام 1918م.
وقد أخذ جمال المرسيني يشرح للأمير موقف الجيوش العثمانية المتخاذل، وقوة الأمير فيصل والجيوش العربية، ويستفز حماسة الأمير الدينية، ويقول له:"لقد هاجمت جيوش الأمير فيصل جيوشنا وأعملت فيها السيف، ونحن مسلمون قبل كل شيء، ويجب حقن دماء المسلمين، والصلح خير الحلول بيننا، ولقد جرت بين الأتراك والأمير فيصل مراسلات من عدة شهور لم تأت بطائل، وإني لم أجد الآن خيرًا منك ليذهب إلى فيصل ويقوم بدور الوسيط في الصلح بيننا وبينه، وذلك لشرف عائلتك، ولانتسابك إلى الرسول العربي الكريم صلى الله عليه وسلم كانتساب الأمير فيصل، فأنتم أبناء عم، ولمقدرتك ومقامك عند الجميع ولإخلاصك إلى الخليفة العثماني وحبك لحقن دماء المسلمين ... "
((فرضي الأمير سعيد هذه المهمة الخطرة ولكن المشكلة كانت كيف يستطيع الأمير سعيد اجتياز الحدود بين الجيشين التركي والعربي، وكيف يتوصل إلى الاجتماع بالأمير فيصل ... واقترح الأمير سعيد أن يتصل هو بالأمير فيصل ويستمزج رأيه بالاجتماع به وبعد الاتفاق معه سيذهب إليه، وأعجبت الفكرة جمال باشا وترك أمر ذلك جميعه للأمير سعيد ... وأرسل الأمير سعيد أحد رجاله الذين يعرفون البلاد معرفة تامة برسالة خاصة منه إلى الأمير فيصل فجاءه الجواب:
((قيادة الجيوش العربية الشمالية
ديوان الأمير
تاريخ 3 ـ 2 القعدة 1336هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده.
حضرة الأخ الكريم؛
تلقيت كتابك وسررت على صحتك، عسى الباري يحفظك، ولعلمي بصفاء نيّتك وخلوصك وما بيننا من الروابط الودية، أُحرّرُ لك هذا، أولاً لإعلامك عن صحتي ولله الحمد، ثانيًا لئلا تتهمني بقلة الوفاء، وإلا ما كنتُ أرى لزومًا للرد على كتابك لأنني قد جربت أصحابك، وجرَت بيننا أحاديث تحريرية ولم أر لذلك أدنى ثمرة، وتأكدت من ذلك بأنهم يريدون المماطلة لاكتساب الفرص ليس إلاّ.
إنْ كنتَ تريد المواجهة شخصيًا فأهلاً وسهلاً وإنني على العهد، وإن جئت لإبداء بعض ما يُظهرونه لك ويُضمرون خِلافَه، فلا أرى لزومًا لتعبك، ولذلك فهنا أمرين: إن كانوا أعطوك ما تتوثق به عن صفاء نيتهم وبيدك ما يثبت ذلك، فمرحبًا بك، وتأتي الليلة القابلة الموافق 3 - 4 القعدة 1336هـ وهي ليلة الأحد الموافق مساء 10 أغسطس إفرنجي، وفي الساعة الواحدة عربي في وادي (عقيقه) الواقع جنوب سمنة القبلية، وسيكون في ذلك المحل "فانوس" أحمر مع من يلزم لخدمتكم، فاعتمدوا عليهم وامشوا بمشورتهم. وإن كانوا قد أجبروك على المجيء ولا بيدك ما يطمئن به قلبك، فأنت بمحلك والعرب وشأنهم.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التوقيع: أخوك فيصل)).انتهى
[كتاب (جهاد نصف قرن) لأنور الرفاعي ص88]
(يُتْبَعُ)
(/)
ولي هنا تنبيه: كما ترون فالجميع يخاطب الأمير سعيد والأمير عبدو على أنّهما تابعان مخلصان للدولة العثمانية، وكذلك تصرفاتهما تدل على ذلك، والولاة العثمانيون أيضًا يتعاملون معهما بوصفهما مخلصان للخلافة العثمانية، ولم يمر معنا أنهما فعلا شيئًا يخالف ذلك!!
(( .. وكان اجتماع الأمير فيصل بالأمير سعيد في (وهيد) بحضور نوري باشا السعيد وفائز بك الغصين أمين سر سمو الأمير فيصل الخاص في ذلك العهد، واستمعوا جميعًا إلى أقوال الأمير سعيد الداعية إلى إحلال الوفاق بين الأتراك والعرب، والضنّ بدماء المسلمين، وكان الأمير فيصل يصر على انسحاب تركيا من البلاد العربية وإعلان استقلالها استقلالاً ناجزًا والاعتراف بتتويج الملك حسين ملكًا عليها، وهي نفس الاتفاقات التي كانت بين والده الشريف حسين ومكماهون البريطاني والتي قامت الثورة العربية على أساسها، ولما كان الأمير سعيد لا يملك مثل هذه الصلاحية وإعطاء مثل هذه الوعود، هنّأ الأمير فيصل على إيمانه بمستقبل العرب وعلى تشبثه باستقلال العرب، وتمنى له التوفيق واستأذنه عائدًا يحمل رسالة الأمير فيصل الجوابية إلى جمال المرسيني، وقد أملاها الأمير فيصل باللغة التركية على أمين سره فائز بك الغصين وترجمتها:
""إلى حضرة جمال باشا قائد الجيش الرابع:
يا حضرة القائد العام
تسلمت كتابكم المؤرخ في 5/ 8/1336هـ والذي تفضلتم بإرساله مع الأمير سعيد وليس لي ما أقوله بالنسبة إلى شخصكم لما أعرفه فيكم قديمًا من الشعور الطيب والعواطف النبيلة التي خبرتها بالذات ولكن هذا لا يمنعني من القول بأن هذه الكتب والرسائل التي لا أزال أتلقاها من وقت إلى آخر وأجيب عليها منذ نحو تسعة أشهر سواء من حضرتكم وسواء من غيركم من كبار القوم ليست سوى إضاعة للوقت فيما لا يفيد إذ لم أر فيها ما يدل على روح إسلامية صحيحة وبذلك لم يبق لي أمل ما في الوفاق والاتفاق. ومع أن زيارة الأمير سعيد بعثت شيئًا من الأمل في نفسي إلا أن هذا لا يمنعني من تنبيهكم إلى حالتكم العامة، ووضعكم العسكري صار في أقصى درجة من الخطر وستؤيد الأحداث قولي هذا الذي أقوله بلسان المسلم المخلص الصادق لا بطريق التهديد، والله يعلم أن ما أكتبه إليكم بهذا الشأن مصدره الوجدان الذي يهيب بي إلى نصحكم وتحذيركم. إن العرب لا يطلبون شيئًا من الترك، إن كل ما يطلبونه هو أن يعيشوا أحرارًا وعلى وفاق تام واتحاد معهم.
إن للعرب مطلبًا صريحًا وواضحًا يلحّون في تحقيقه وإجابته ولا يتنازلون عنه وإني أصارحكم به وهو: (إن العرب يريدون منكم أن يكون حالهم معكم كحال بافاريا مع ألمانيا)، إن قبول هذا الاقتراح يربط بين قلبي الأمتين برباط متين لا تنفصم عراه كما إني أَعُدُّ القَبولَ بأقلَّ منه جناية تُجنى على هاتين الأمتين الإسلاميتين فلا يتجدد بعد ذلك الزمن الذين يعودون فيه إلى دواوين الحرب العرفية وإلى أحكام الإعدام والشنق وإلى الفتاوى المزيفة وإلى ترديد عبارات (الأصابع الأجنبية) أو الخروج على السلطان فتجدد القلاقل والمصائب.
والخلاصة إنني أختم كتابي قائلاً بأنني على أتم استعداد للدخول في المفاوضات متى قبلت الحكومة التركية اقتراحي هذا مقدمًا احترامي إليكم. في 5/ 11/1336هـ
فيصل "".انتهى
(نص الكتابين نشرته جريدة الكفاح عدد 1652 وتاريخ الخميس 26/ربيع الأول/1365هـ،و28/شباط/ 1946 بتوقيع الأمير سعيد نفسه). [وانظر كتاب (جهاد نصف قرن) ص89 إلى ص92]
((ويضيف الأمير سعيد زيادة عما ذكرناه في وصف مقابلته للأمير فيصل ما جاء في سلسلة مقالاته في جريدة الجامعة الإسلامية الذي نقتطف منه بعض فقرات وردت في عدد 9 تموز 1934م وهي:"" .. وبعد العناق والسلام بدأنا بالحديث وسلمته كتاب جمال باشا فقرأه وأكثر الإمعان فيه، وما لبث أن استأذن بالذهاب ودخل إلى فرع متصل بالصيوان وهو عبارة عن خيمة صغيرة فيها منضدة للكتابة، وجلس حوله فائز بك الغصين ونوري باشا السعيد. وبعد محادثة نصف ساعة على التقريب جاء الأمير (فيصل) وأرباب معيّته وبيده كتاب يحتوي على جوابه لجمال باشا فناولني إيّاه قائلاً:"هاك جواب جمال باشا اقرأه. وبعد قراءته عرضتُ رأيي على الأمير بوجوب كتابة (دردنجي أردو قومانداني جمال باشا حضرتلرينه) بدلاً من (جمال باشا به) تبعًا لحسن المجاملة التي
(يُتْبَعُ)
(/)
ما أنقص جمال فيها شيء. فرأى الأمير رأيي وضرب على هذه العبارة وكتب حسبما اقترحت.
.. وبعد هذا تداولنا في الشؤون وما يجب اتخاذه من تدابير إذا امتنع الترك عن الموافقة على الاستقلال وسألت الأمير عن العهود والشروط التي تقررت بينهم وبين الإنكليز فيما يتعلق بسورية وما هي الخطة التي تقررت بين الجانبين، فأجابني بما يأتي حرفيًا: "ليس هناك لا عهود ولا شروط يا أخي، إنما الذي تم القرار عليه هو أننا سنهاجم سورية وفلسطين، فكل قوة من القوى الثلاثة الإنكليز والإفرنسيين والعرب تسبق فتحتل بلدًا تسيطر عليها إلى أن تنظر الدول المتحالفة في أمرها، من أجل ذلك إذا أردتم أن تضمنوا استقلال بلادكم فلا تنتظرونا، بل عندما تسمعون بقرب الجيوش منكم أعلنوا الاستقلال ولو بتضحية إذ ربما تأخر الجيش العربي وتقدم غيره".انتهى [المرجع السابق ص93]
(ونشرت جريدة الأيام والمقطم عام 1923 تصريحات الأمير سعيد كاملة حول هذا الموضوع)
وحمل الأمير سعيد الرسالة الجوابية من الأمير فيصل واتجه إلى مقر جمال باشا المرسيني.
(( .. وكان الأمير سعيد قد أخذ يناقش جمال باشا في مستقبل البلاد العربية وموقف الأتراك من حركة العرب؛ ويقنعه بضرورة الاتفاق مع العرب والقَبول بمطالب الملك حسين جميعها وكان مما قاله:"هل تعتقد أن باستطاعة الجيوش العثمانية الصمود أمام هجمات الجيش العربي والإنكليزي؟ "
جمال:"لا أعتقد هذا أبدًا"
الأمير:"إذن أليس من الأنسب أن تعلنوا أنتم استقلال البلاد فتكون لكم يد بيضاء على الأهالي، وسوف تنتهي الحرب بشكل ما، وستبقى العلاقات بينكم وبين العرب حسنة، ولا يشعر الأهالي بفرق بين حكومتكم والحكومة العربية المقبلة، لأنهما حكومتان مسلمتان"
وقَبِلَ جمال المرسيني وجهة نظر الأمير سعيد وعقد هيئة أركان حربه وعرض عليهم الفكرة ووافق الجميع إلاّ واحدًا.
وكتبوا إلى العاصمة التركية لأخذ موافقة أولي الشأن، ووافق السلطان محمد رشاد، وكتب بذلك أمرًا، ولكن (طلعت) و (أنور) و (جاويد) قادة الاتحاديين أهملوه ولم يرسلوه إلى سورية وكانت الحوادث تمر بسرعة؛ ولم يجدوا الوقت الكافي لتحقيق اقتراح الأمير سعيد)).انتهى [المرجع السابق ص94] و [انظر مذكرات عن القضايا العربية والعالم الإسلامي ص126]
وكانت أخبار تقدم الجيش العربي والإنكليزي وانهزامات الجيش التركي تَرِدُ إلى مدينة دمشق، والأهالي يشاهدون ارتباك الأتراك وحلفائهم الألمان فيها، وكان الناس ينتظرون سقوط مدينتهم على أيدي الجيوش العربية أو الجيش البريطاني بين لحظة وأخرى. (( ... وكان جمال باشا المرسيني؛ بعد أن عاد الأمير سعيد من (وهيد) وأيقن أن الصلح مع الأمير فيصل ضربٌ من المحال؛ كلّف الأمير سعيدا بأن يُؤلف من المغاربة الموجودين في سورية قوة محلية لحفظ الأمن ولمساعدة الجيوش التركية وأعطى قيادة هذه القوة إلى أخيه الأمير عبدو الذي سار بها إلى (إزرع) ليحول دون اتصال الجيش العربي بجبل الدروز، وبقي أفراد من هذه القوة المغربية حول الأمير سعيد بدمشق، ولكن الترك لم يستطيعوا أن يصمدوا أمام زحف العرب والإنكليز فتراجعوا إلى الكسوة ([1] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=postreply&t=16969#_ftn1)) وأخلوا حوران وجبل الدروز وتراجع الأمير عبدو إلى دمشق، وكانت المدينة في حالة فوضى مستحكمة، فقناصل الدول تغادر المدينة، والناس في هرج ومرج، والشائعات تبلبل الأفكار، والوالي العثماني لم يُعرَف مقرُّه، فقد فرَّ في الظلام من المدينة؛ وخشيَ عقلاء القوم من حدوث فتنة في المدينة، وانتشار الغوغاء واللصوص في أسواق المدينة للسلب والنهب، وسارع الأمير سعيد إلى مقابلة جمال باشا المرسيني الذي كان قد نقل مركزه إليها وقال له:"إن المدينة أصبحت في حالة فوضى لا مثيل لها، والناس لا يعرفون ما يعملون، وأخشى وقوع حوادث تسيء إلى سمعة المدينة؛ وإني كجدّي عبد القادر العظيم في عام 1860م أرغبُ في المحافظة على الأرواح، ومنع الاعتداء على النساء والأطفال، والوقوف دون النهب والسلب، وما قد يحدث بين الطوائف من أناس لا خلاق لهم .. "
جمال:"كيف العمل؟ والجيش مشغول بالانسحاب والأعداء يتقدمون نحو العاصمة والإشاعات أن طلائعهم أصبحت في الغوطة وسيدخلون المدينة بين لحظة وأخرى"
(يُتْبَعُ)
(/)
الأمير:"أرى أن نجمع زعماء الأحياء ليتفقوا على المحافظة على أحيائهم ويؤلفوا حرسًا وطنيًا كما كان الحال في فرانسا وقت الثورة الإفرنسية وبذلك نأمن وقوع حوادث محلية أهلية"
جمال:"حسناً، افعل ما بدا لك"
ولكن اجتماع زعماء الأحياء لم يُثمر ثمرته المطلوبة، فعاد الأمير سعيد إلى جمال باشا وقال له:"لم يعد وقت للتفكير والاستشارة، فالبلد في غليان شديد، ومُرَوّجو الإشاعات يقلقون الناس ويعملون على إشعال الفتنة. وأنا سأقوم بتوزيع رجالي المغاربة على مداخل الحارات لأمنع التعدي وأحفظ النظام"
جمال:"حسنًا! وأرجو أن يحافظ رجالك عليّ أنا أيضًا"
الأمير:"بما أني سآخذ على عاتقي حماية المدينة فإني أرى أن تأمر الفرق الباقية لديك بالانسحاب من دمشق هي والجنود الألمانية الموجودة فيها بمعدّاتهم وأسلحتهم حتى لا يقع أي اشتباك بين جيشكم المنسحب وجيوش الثورة العربية الظافرة وحتى تسْلم المدينة من الخراب والتدمير .. "
جمال:"رأيك في مكانه، وسأنفذ اقتراحك". واعتبر الأمير سعيد نفسه مسؤولاً عن دمشق فأسرع إلى داره في حي العمارة وجمع أصحابه وأنصاره، وأصدر لهم الأوامر المختلفة بالمحافظة على الأمن والنظام وتسهيل انسحاب الجيش التركي المنهزم. وكان ممن تطوع للمحافظة على الأمن والنظام في المدينة ومنع التعدي وحماية الأقليات الدينية العالم الجليل الشيخ رضا العطار، وكان ضابطًا في الجيش التركي)).انتهى [جهاد نصف قرن ص96ـ 97]
(والشيخ محمد رضا العطار كان قاضيًا في دمشق ومن العلماء الكبار فيها وله عدة رسائل وكتب ودواوين شعر، توفي في دمشق سنة 1372هـ وهو والد الداعية الكبير عصام العطار صهر الشيخ علي الطنطاوي. والجميع أصولهم من الجزائر!)
(( .. ثم قصدَ (الأمير سعيد) إلى دار الحكومة أمام ضفة بردى يحفّ به ثلاثة من أسرته الأمراء وهم الأمير جعفر والأمير محمد الباقر والأمير حسن، يحمل كلٌّ منهم بندقية، ووجد على طول الطريق بين السراي وأوتيل فيكتوريا صفّين من الخيّالة (الدَّرك) المحلّي بقيادة أمين بك الطرابلسي، فجاوزهم، وصعد درج السراي ولم يجد فيها أحدًا ودخل غرفة الوالي .. وجلس في كرسيّه، يأمر وينهي.
وشَعَرَ الأمير سعيد أن واجبه الآن أن ينفِّذ ما وعد به الشريف حسين يوم اجتمع في مكّة أثناء رحلته الأولى في طليعة الحرب، وأن يحقق وعد أخيه الأمير عبدو للشريف حسين عندما استلم منه العلم وحمله إلى دمشق واحتفظ به في الدار؛ فنادى صديقه المرحوم معروف الأرناؤوط والمرحوم عثمان قاسم وقال لهما:"اذهبا إلى بيتنا في العمارة واتياني بعلم الحسين بن علي الذي أحضره أخي عبد القادر معه من مكة"، وما هي إلا لحظات حتى شهدت دمشق موكبًا من المواكب الضخمة يذكرنا بمواكب الحج وسفر المحْمَل الشريف، فقد حمل الأرناؤوط وعثمان العلم العربي، وركبا في عربة الأمير سعيد الخاصة، وسار أمامهما عدد من المتطوعين المغاربة يحمون العلم بسلاحهم ودمائهم؛ وهرع السكان من كل حدب وصوب ينشدون ويهزجون أهازيج الفرح والسرور، ويعلنون ولاءهم لهذا العلم العربي، وانضمامهم إلى الثورة العربية، وما كاد يصل إلى ساحة الشهداء (المرجة) حتى أصبح ألوفًا مؤلفة، وخرج الأمير سعيد من السراي، واستلم العلم بيده ورفعه على سراي الحكومة بين الهتافات والتحيات .....
تابع القسم الثاني
[1] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=postreply&t=16969#_ftnref1) ـ من مقال لجميل بيهم: المنار الجديد العدد (13).
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[08 - Oct-2008, مساء 03:02]ـ
ونترك وصف هذه الساعة التاريخية إلى جريدة المقتبس التي كان يصدرها العلاّمة الجليل الأستاذ محمد كرد علي، التي صدرت ذلك اليوم ووصفت رفع علم الحسين على السرايا وبيان الأمير سعيد وصفَ شاهد عيان، قالت المقتبس:""كان يوم أمس الاثنين سنة 1918 تشرين الأول من الأيام الكبرى في تاريخ الناطقين بالضاد عامة وقاطني حاضرة الشام خاصّة؛ خَفَقَ فيه العلم العربي ذو الألوان الأربعة على الرؤوس بعد أن طال العهد ونَسيت الأمة العربية أنّ الدهر ربما أعادها سيرتها الأولى وبدلها من عسرها يسرًا ومن يأسها أملاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
اخفُقْ علَمَ محمد بن عبد الله القرشي النبي الأمين ومَثِّلْ للبشر عظمة الأمويين ببياضك والعباسيين بسوادك واليمانيين باحمرارك وجيش النبوة باخضرارك، واتلُ على الناس:
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفًا ... أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بيضٌ صنائعنا، سودٌ وقائعنا ... خضرٌ مرابعنا، حمرٌ مواضينا "")).انتهى
ونقلتْ هذا المقال مع كلمة الأمير سعيد التي ألقاها في حينها جريدةُ النضال في عددها 1226 الصادر في يوم الجمعة 10/صفر/1363هـ الموافق 4/شباط/1944م. [كتاب (جهاد نصف قرن) ص98 ـ 101]
دمشق في آخر عام 1918م
بقي الأمير سعيد طوال الليل يتابع الأحداث مع رفاقه (( .. وفي الصباح الباكر كلّف شاكر بك الحنبلي كتابة كتابين أحدهما للقائد الإنكليزي والآخر للقائد الإفرنسي لإبلاغهما تأسيس الحكومة الوطنية ولإنذارهما بعدم جواز دخول الجنود الأجنبية قبل إشعار هذه الحكومة، عِلمًا منه بأن جيش الأمير فيصل لا يزال بعيدًا عن الشام وكان هو على علم واتفاق مع الأمير فيصل في (وَهيْد) غربي معان يوم اجتمع إليه فطلب منه فيصل أن يُعلن هذا الاستقلال وأن لا ينتظر قدومه خشية أن تسبقه جيوش الاحتلال.
وما طلع فجر 1/ 10/1918م حتى أحاطت بالمدينة جنود جيش يتجاوز العشرة آلاف جندي من جنود الإنكليز يتقدمه ماجور أوسترالي اسمه (الماجور آرتر أولدن) فأرسل الأمير رسولاً قابل القائد وسأله عن مطلبه فقال إنه يقصد احتلال فندق فكتوريا ورفع العلم الإنكليزي عليه بصفته أول جيش دخل، كما كان مقررًا بين الجيش الإنكليزي والجيش الإفرنسي وقيادة الجيوش الشمالية التابعة للجنرال (اللنبي).
وأمر الرسول بالرجوع ثانيًا وإبلاغ قائد الحملة ودعوته إلى الحضور إلى قيادته فأخَذَتِ القائد ريبةٌ لعلمه أن جمال الصغير كان بالأمس يسكن الفندق ولم يعلم ما حصل في الليل.
وما طال تردده بل ذهب إلى دار الحكومة ولما وصل إلى رتاج السراي خاطب السيد عبد الحليم اللاذقاني بالإنكليزية قائلاً:"إذا كان هناك حاكمٌ فليأت لعندي" وبقي حذرًا وسلاحه بيده مع زملائه الضباط. وخرج الأمير إلى الشرفة وخاطب القائد باللغة الإنكليزية قائلاً له:"اصعد إلى هنا، هنا الأمير سعيد" فبغت القائد حينما سمع صوتًا جهوريًا بالإنكليزية يُملي عليه أمرًا عسكريًا فما وسعه إلا الامتثال.
ولما دخل الميجر الاسترالي (آرتر أولدن) قائد الطليعة الإنكليزية التي دخلت دمشق، على الأمير في دار الحكومة بادره قائلاً بواسطة الترجمان:"ولماذا دخلت شاهرًا السلاح لمدينة مستقلة لها نظامها ولها تقاليدها؟ "
فردّ الضابط قائلاً:"دخلت بأمر من الجنرال (اللنبي) لمدينة يحكمها الترك لاحتلالها احتلالاً عسكريًا"
وردَّ عليه الأمير:"إذن ينبغي أن تعلم أنك على خطأ بقولك أنك دخلت لاحتلال مدينة تركية وما كان ينبغي لك أن تدخل وجيشك شاهرين سلاحكم لمدينة تملك حريتها واستقلالها، ولولا أنكم تنتسبون إلى حكومة حليفة لما اعتبرناكم ضيوفًا عندنا وطلبنا إليكم أن تنسحبوا"
وإزاء هذا الأمر الواقع لم يسع الماجور إلا أن يتراجع بنظام مجيبًا الأمير بقوله:"يا سمو الأمير! نحن لم ندخل إلى العاصمة بقصد الإساءة إلى حكومة حليفة لنا بل جئنا لنضع هذا الجيش تحت تصرفكم لتتمكنوا بواسطته من توطيد الأمن بعاصمةٍ خلت من رجال الأمن والشرطة"
فقال الأمير:"إن الأمن في البلاد كان بيد أهل البلاد زمن الترك وأنت حينما دخلت بجيشك هل وجدت غير الهدوء والسكينة والنظام؟ ولما كان عندنا من الجند المتطوع ورجال الدّرك والشرطة ما يخولنا إمدادكم بصفتكم حلفاء فنحن على استعداد لمعونتكم"
فانحنى الماجور وشكر الأمير ورجاه أن يمدّه بأدلاّء يذهبون معه لجهة باب شرقي حيث لايزال في تلك الجهة فلول من بقايا الجيش التركي والألماني.
ونادى الأمير الأميرالاي زكي بك العظمة وعزت بك الخوجة وأمرهما بالذهاب مع الجيش الإنكليزي شرطَ أن لا يتدخلا بأي أمر حين لقاء فلول الترك بل عليهما أن يأمراهم بالتسليم باسم الحكومة المؤقتة. وهكذا حصل، وقد سلّم الترك لمجرد إخطارهم بالتسليم من قِبَل الضابطين العربيين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وما كادت هذه الحادثة تنتهي حتى دخل الشريف ناصر ووراءه 30 فارسًا فدخل على سمو الأمير وسلم عليه ولمّا علم أنه رسول الأمير فيصل وأول طليعة له؛ ولمّا كان الأمير ليس ممن يشتغلون في خدمة الوطن لطمعٍ وهو يعلم أخلاق الناس ما يعلم، وخوفًا من أن يحدث تصدع في الصفوف من أجل هذا الكرسي المؤقت الذي شغَلَه بكل جرأة ودراية، كلّف الشريف ناصر بإشغال كرسي الحكم ريثما يصل الأمير فيصل، فاعتذر هذا بمرضه الشديد وقال له:"يا للعجب أما تلقيت كتابًا من الأمير يرجوك فيه إدارة الحكم حتى حضوره؟ " فأجابه بالنفي.
وقد ظهر أن الأمير فيصل بعث بكتاب مع فائز بك الغصين سلّمه بالفعل لجماعة زعمت أنها من أنصاره، وقد لعبت أيدي الطامعين بهذه الرسالة؛ وبناءً على إصرار الشريف ناصر بعدم إمكانه إشغال هذا المنصب لمرضه كلّفه الأمير سعيد أن يكتب له تفويضًا بإدارة الحكومة حتى حضور الأمير فيصل، فكتب ما يلي: (إن سمو الأمير محمد سعيد مكلّف بإدارة الحكومة لحين حضور مولانا سمو الأمير فيصل) الإمضاء ناصر بن راضي رسول الأمير))
((وأمر الأمير سعيد جماعته باستصحاب الشريف ناصر وجنوده إلى داره العامرة بالعمارة والقيام بضيافتهم. وما كاد يذهب الشريف إلى دار الإمارة حتى دخل (لورنس) ومِنْ ورائه جموع العرب وفي مقدمتهم سلطان باشا الأطرش والشيخ عودة أبو تايه وغيرهم.
فتقدم الأمير من لورنس وأبلغه بأن هنا حكومة مؤقتة أعلنها باسم جلالة الملك حسين وأراه العلم الذي أتى به الأمير عبدو أخوه من الحجاز، فدخل لورنس البهو الكبير وهناك أخذ ذوو المطامع بدس الدسائس بحق الأمراء الذين كان لهم الفضل بتوطيد الأمن ولولا قيامهم بعملهم المفاجئ وإعلانهم الاستقلال لَنَسَفَ الألمان العاصمة بالمدافع التي وضعت بجبل قاسيون وأُعدت لنسفها في آخر لحظة، ولكن إعلان الاستقلال بتلك الجرأة أوقعهم بتلاشٍ فلم يتمكنوا من غايتهم وإن تمكنوا من إحراق الذخائر ونسف باركات السيارات في أطراف المدينة ولا تزال آثارها باقية إلى الآن في باب شرقي والقدم)).
((ولما كانت هناك خطة مدبّرة ترمي إلى وضع الحكومة تحت نفوذ الإنكليز الذين لم يمكنهم الأمراء الجزائريون من بغيتهم فقد أصبح وجود الأمراء على رأس الحكم عقبة كأداء في سبيل المطامع الإنكليزية وتأمينًا لهذه الغاية فقد دسّ بعضهم على الأمراء بأنهم يتآمرون مع الشريف ناصر الذي أخذوه إلى دارهم مع أن دعوتهم للشريف ناصر صدرت بناءً على حقوق الضيافة، ولصلة الأمير سعيد بالأمير فيصل صلةً سبقت كل هذه الحوادث يوم مقابلته له في 6 آب بمقر جيوشه بـ (وهيد) غربي معان وما قام الأمير سعيد بكل هذه الحركات إلا لإنقاذ البلاد من الفوضى وإبعاد مطامع الأجانب عنها وكان يصرف على الفرقة المتطوعة من ماله الخاص مما لم يُسبق له نظير بين الذين اشتغلوا بالسياسة ومع ذلك فقد تنحى عن الحكم بملء إرادته واختياره تاركًا الحكم لذوي المطامع وإن ما كتبه (لورنس) في كتابه (ثورة في الصحراء) لأعظم دليل على صدق ما نقول.
وبينما كان الشريف ناصر على وشك الجلوس على مائدة الأمير سعيد جاء رسول (لورنس) وهمس في أذن الأمير طاهر، بوجوب ذهاب الشريف ناصر مع أحد الأمراء إلى مقرّ الحكومة حالاً، فرفض الأمير عبدو أخو الأمير سعيد الطلب وأجاب الرسول بأن الشريف يحضر بعد تناول الطعام.
وما ذهب الرسول إلا ليعود بسرعة البرق لينذر الشريف ناصر بهذا القول:"إذا لم يحضر الشريف ناصر إلى دار الحكومة سريعًا، فإني أحضره بالقوة وألقي القبض على الأمير سعيد"
وامتنع الشريف ناصر عن الطعام حينما سمع هذا الإنذار وطلب من الأمير سعيد أن يرافقه قائلاً:"ربما حدث حادث مهم أو جاء خبر من الجبهة يدعو إلى ذهابنا حالاً"
جرت هذه الحوادث بينما كان الأمير (سعيد) منهمكًا في الإشراف على الموائد لمئات الضيوف والحاضرين وقد تصرف الأمير عبدو دون علم أخيه وكان .. كثير الاعتداد بنفسه وله مواقف مع لورنس يوم كلّفه بنسف الجسور فوق نهر اليرموك للخط الحجازي (ورفض ذلك).
(يُتْبَعُ)
(/)
وما كادت السيارة تذهب، حتى انتخب الأمير عبدو عشرة من فرسانه المغاربة يحملون البنادق الألمانية والسيوف فوصل إلى السراي حينما كان أخوه يهمّ بدخولها، وكان في الصالون الكبير رضا باشا الركابي، ونوري الشعلان، وشكري الأيوبي، ورضا العابد، وأحمد قدري، وشريف الكيلاني وغيرهم، وكانت الجنود الإنكليزية التي لحقت بلورنس تحيط بالسراي مع فرسان من جماعة نوري الشعلان!.
ولما دخل (الأمير عبدو) كان الشرر يتطاير من بين عينيه لِما سمع من تهديد لورنس ـ وهو البطل الوحيد الذي لم يقهر لورنسَ في الصحراء سواه ـ وقد اعترف لورانس بشجاعته في كتابه (ثورة في الصحراء) وعدّ ذلك تعصّبًا دينيًا.
وقد ضحى الأميران بالمال والروح في هذا السبيل دون أن تبدو منهما بادرة طمعٍ بالمناصب والمقامات ومع ذلك كانا عرضة للدسائس التي كادت تودي بحياتهما معًا لولا مشيئة الله أن تنحصر الكارثة بواحد منهما)).
((واقترب الأمير عبدو من أخيه وهمس في أذنه مستأذنًا بالكلام فنصحه بالصبر ولكن هذا، وكان الغضب آخذًا منه كل مأخذ، قال بصوت جهوري مخاطبًا لورنس:"يالورنس! أنت تهدد أبناء عبد القادر بالسجن مساقًا بدسائس الدسّاسين وأنت تعلم أننا لا نخشى الحبس ولا الموت بل لا نخشى أحداً سوى الله، نحن أتينا بهذا العَلَم الذي يخفق منذ الأمس وقد استلمته من الملك حسين بن علي بعد أن طيف به حول الكعبة وصلى عليه أربعون ألف مسلم، وهو يخفق الآن فوق الرؤوس ولن يتزحزح من مكانه حتى تراق آخر نقطة من دمائنا حسبنا أننا أعلنا الاستقلال ووطدنا الأمن وإذا كان الخصام على هذا الكرسي فنحن نرفسه بأرجلنا"
وما كاد يصل إلى هنا، وكان لورانس قابعًا لا يتكلم، بل يحمرّ ويصفرّ، حتى وقف الدكتور أحمد قدري، فقال للأمير عبدو:"هناك سوء تفاهم يا أمير". فغضب وقال:" لا يجوز لأحد أن يقاطعني" واستمرّ في كلامه وتقدم من شكري الأيوبي ووضع يده على رأسه وقال له:"ألم نتعاهد يا شكري على خدمة هذه البلاد بكل تضحية دون أن نطمع بالمناصب؟ فقال: نعم.
فقال:"إذن استلموا هذا الكرسي المؤقت، المفروض علينا المحافظة على هذا العلم وعلى استقلال البلاد"
وما كاد يصل إلى هذا الحد حتى قام أخوه؛ وقد عَرَفَ بالدسيسة؛ فقبّله وقال له: حقًا يا أخي أنت جدير بأن تكون حفيدًا لعبد القادر. والتفت للحاضرين وقال لهم:"إني تنازلت مقدمًا عن هذا الكرسي للشريف ناصر ولم أشغله إلا للضرورة المحتمة وها أنا نزولاً على رأي أخي أتنازل عنه باختياري"
ثم انصرف الأميران، وما كاد يصلان إلى دارهما حتى اضطرب حبلُ الأمن واضطرت السلطة لوضع المدافع الرشاشة على منافذ الطرق لأن العشائر من عربان ودروز كانت تملأ المدينة وما أوقفها عن الاصطدام ببعضها سوى الخضوع للأمراء الذين لهم محبتهم وشعبيتهم في نفوس أبناء الوطن ولأنهم كانوا يبذلون المال بكرم في سبيل إعلاء كلمة الوطن.
ومرّ بعض الفرسان الدروز متجهين نحو حي الأكراد لغزوه لثأر قديم عليه، فما كان من وطنية الأمير عبدو إلا أن ركب فرسه بمفرده وأرجعهم من قرب جادة الشيخ محيي الدين .. وكان هذا خاتمة أعمالهم.
وامتلأت الساحات بالقتلى ويربو عددها على الثلاثين ملقاة جثثهم بالطرق ورُفِعت أعواد المشانق أمام دار الحكومة للإرهاب ولولا خوف هياج الشعب لرُفِعَ على أعواد المشانق كثيرٌ من الأبرياء.
وإنّا رعايةً لهذه الظروف نضرب صفحًا عن التفصيل وفيه ما تبيض له وجوه وتسودّ له وجوه)).انتهى [من كتاب (جهاد نصف قرن) لأنور الرفاعي ص103 إلى ص 109]
كان الضابط البريطاني لورنس شديد الكره للجزائريين وبخاصة للأمير عبدو لأنه لمس فيه قوة، ووجده عقبة كبيرة في طريق مخططاته، ووصفه فيما بعد في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة) بعدوّه القديم، ورفض باسم بريطانيا تأليف هذه الحكومة المؤقتة، وعيّن شكري بك الأيوبي سرًا حاكمًا عسكريًا على جميع المناطق في حالة دخول القوات البريطانية التي أرسلها الجنرال (اللنبي) لاحتلال المدن، ودخول مدينة دمشق، ورفع العلم البريطاني على مقر الوالي التركي المنسحب، قبل دخوله إلى جانب الأمير فيصل.
(يُتْبَعُ)
(/)
إنّ الكولونيل لورنس البريطاني والجهات الاستعمارية وعملاءهم أدركوا منذ أمدٍ أن الأمير سعيدًا وأخاه الأمير عبد القادر الحفيد (عبدو) لن يكونا متعاونين معهم وأنهما أصحاب مبادئ إسلامية يصعب تجاوزها، ومِنْ ثَمَّ فإنهما سيكونان عقبةً في طريق الاستعمار، فلا بد من إزاحتهما عن الطريق وبسرعة!!
وفي صباح اليوم التالي حصل حادث أليم ومفجع؛ لقد اغتيل الأمير عبدو في شارع العفيف، وهو على صهوة حصانه، بطلقات نارية أُطلقت عليه من الخلف فأصابت ظهره وكان فيها حتفه، رحمه الله.
((وبينما كان الأمير سعيد ذاهبًا لملاقاة محمد علي التميمي الذي عينه مديرًا للشرطة يوم إعلانه الاستقلال، لقيه هذا المدير ومعه قائد الدرك سعدي كحّالة فوق جسر المرجة فأشارا لسيارته بالوقوف، فوقف الأمير وهو خالي الذهن من كل حادث فسألهم ماذا تريدون؟ فأجابوه: إن رضا باشا الركابي يطلبك. فقال ها أنا ذاهب إليه. وهكذا صعد الأمير إلى السراي، وما كاد رضا باشا الركابي يشعر بمجيئه من ياوره حتى دخل غرفة معاونه وكان يومئذ عادل أرسلان فسأله الأمير:"ماذا تريدون مني؟ " فأجابه: ليس الباشا هو الذي طلبك وإنما الماجور (ستيرلنك). فترك الغرفة وأراد الذهاب لعند الماجور فاعترضه سعدي كحّالة ومحمد علي التميمي وسألاه فيما إذا كان يحمل سلاحًا فنهره الأمير وقال:"ألا تستحي من توجيه هذا السؤال إلى من ولاّك هذا المنصب وله الفضل فيما حصلت عليه البلاد؟ " فوجم التميمي واحمرّ خجلاً ولم يزد كلمة واحدة، ولمّا أراد الأمير أن يركب سيارته أُبلِغ أنها صودرت بأمر الحاكم العسكري وقدّم له رجال البوليس عربة حقيرة فامتنع عن ركوبها وفضّل المشي على الأقدام، ولمّا مُنع عن ذلك قال للشرطة:"إما أن أسير على قدمي وإما أن تركبوني هذه العربة وأشار إلى عربة الحاكم الواقفة أمام دار الحكومة، وهذه العربة أيضًا صودرت من جنرال تركي اسمه مصطفى رمزي باشا، وهكذا ركب الأمير العربة وحولها عشرات من فرسان الدرك المدججين بالسلاح ووجهتُهم سراي المشيرية التي كانت مشغولة من الإنكليز فأدخلوه على الماجور (ستيرلنك) فرحّب به، ولمّا سأله عن سبب طلبه بهذا الشكل الذي يتنافى مع العدل ولا يتناسب مثل هذا الإجراء مع أمير له عمله الإنساني وخدمة الوطنية، فأجابه ستيرلنك بأنك موقوف لإرسالك (للرملة) أنت وأخوك لعند الجنرال (اللنبي). وقد كتم عنه قتل أخيه خشية أن يثور. فأجابه الأمير:"إن مثلنا لا يحتاج أن يرسل موقوفًا فنحن على استعداد للذهاب حيث شئتم من تلقاء أنفسنا ونحن مستعدون أيضًا أن نأتيكم بكفلاء، ونحن جبيننا ناصع ولا نخشى من أحد إلا الله الواحد الأحد ما دمنا لم نفعل شيئًا يخالف القانون"
فقال ستيرلنك: إن ما تقوله صحيح ولكني مأمور بإرسالكم مخفورين إلى الرملة. فأخذوا الأمير إلى غرفة خاصة بقي فيها إلى المساء.
وبعد هذا جاء ضابط إنكليزي واستصحب الأمير مع نفرين من البوليس الإنكليزي إلى معتقل (المزّة) فوضعوه بغرفة على التراب لا تحتوي على شيء من مقاعد ولا فرش .. )) [جهاد نصف قرن ص122]
وعند منتصف الليل سُمِح لابن عمّه الأمير كاظم أن يدخل عليه ليُخبره باستشهاد أخيه.
وعندما سأل الأمير سعيد الجنرال البريطاني عن سبب اعتقاله ((أجابه الجنرال بأن الحكومة تتهمه وأخاه بأنهما ادّخرا السلاح وساعدا الأتراك!! (انتبه أخي الكاتب والقارئ) وغير ذلك من التهم التي لا تنطبق إلا على الذين سوف يكشف الزمان عن ماضيهم الأسود)) [المرجع السابق ص125]
ثمّ سُمِحَ للأمير سعيد بالذهاب إلى بيته وقتيًّا. ((وما كاد الأمير سعيد يعود إلى بيته ويستقرّ به المقام حتى أخذت وفود المدينة تأتي للسلام والتعزية وكان في مقدمة من حضر العلماء وعلى رأسهم المحدّث الشيخ بدر الدين الحسني والعلاّمة السيد محمد بن جعفر الكتّاني)) [المرجع السابق ص125]
وبعد يومين من دفن الأمير عبدو، أي في 5/ 10/1918 أذاع الأمير فيصل بلاغًا أعلن فيه تشكيل حكومة سورية دستورية عربية مستقلة [انظر (الوثائق التاريخية المتعلقة بالقضية السورية في العهدين الفيصلي والفرنسي) لـ حسن الحكيم ص37].
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي 10/ 12/1918، زار الأمير فيصل (لندن) العاصمة البريطانية، وفوجئ بتأكيد البريطانيين له أن اتفاقية سايكس ـ بيكو بتقسيم البلاد العربية أمر واقع، وأن ما حملهم على إخفائه عن والده الشريف حسين إنما هو رغبتهم في متابعة العرب الحرب إلى جانب الحلفاء على تركيا، كما أكدوا له بما لا لبس فيه أن بريطانيا العظمى غير مستعدّة للتراجع عن وعد بلفور الذي أعطته لليهود، وأن في نيّة بريطانيا منح فرنسا المناطق الساحلية الواقعة غربي دمشق ومدن حمص وحماة وحلب، وأما وعد بلفور فقد قضت به ظروف دولية. [انظر (السياسة الدولية في الشرق العربي) لـ عادل إسماعيل الجزء الرابع]
وعاد الملك فيصل خائبًا، وكان يَعِدُ نفسه منذ سنين لتولي عرش سورية ولبنان وفلسطين ووالده خليفة للعرب والمسلمين، عاد ليجد أن البلاد أصبحت كالطريدة تتقاسمها الذئاب الجائعة.
وأكتفي بهذا العرض وبتلك النقول التي تبيّن وبجلاء أن الاتهامات التي وجهها الأخ الكاتب للأمير عبد القادر وأحفاده، لاسيما الأمير سعيد، هي اتهامات باطلة.
وأظن أنه أصبح واضحًا للجميع أن الأمير عبد القادر وأبناءَهُ وأحفاده كانوا دائمًا موالين للخلافة العثمانية الإسلامية، ومعادين للسياسات الأوربية الاستعمارية. ولا أظن عاقلاً يصف المواقف التي وقفها الأمير سعيد أو الأمير عبدو بالمواقف الماسونية أو العميلة!
وللفائدة فإنّ الأمير سعيد الذي يتّهمه الكاتب بالعمالة والماسونية، كان يسعى وبكل جهد لأجل دعم الثورة الجزائرية لتحرير الجزائر من الفرنسيين، وكان يجري الاتصالات مع كل الزعماء والملوك العرب للحصول على دعمهم ومساندتهم، ومن هؤلاء الملك سعود بن عبد العزيز، وعندي صورة عن الرسالة الجوابيّة التي أرسلها الملك سعود للأمير سعيد وسأرفق صورتها لكم، وإليكم نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
المملكة العربية السعودية
عدد
15/ 1/2/ 689 في 14من شهر ربيع الأول سنة 1376
((من سعود بن عبد العزيز إلى صاحب السعادة الأمير محمد سعيد الجزائري سلّمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد فقد تسلمنا رسالة سموّكم المؤرخة 23 محرم 1376 وشكرنا لكم ما أعربتم عنه من عواطف طيبة كما شكرنا لكم هديتكم الثمينة التي هي كتاب الله عزوجل.
أما فيما يتعلق بقضية الجزائر فنحن والحمد لله ما توانينا منذ البداية عن بذل الجهود في مساعدتها كما أننا لن نتوانى بحول الله وقوته على ذلك فهي قضية العرب والمسلمين أجمعين.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه خير الإسلام والعروبة والسلام)).انتهى
وبالمناسبة فإنّ الأمير سعيد كان يحترم دولة آل سعود ويرفض أي صدام معها، وكان له دور بارز في منع الصدام وهذا يشهد له به المؤرّخون.
يقول الأستاذ المؤرخ أنور الرفاعي: ((فأخذت الإشاعات تروج بأن الأمير فيصل يرغب بإرسال الجنود العرب السوريين إلى الحجاز لقتال عبد العزيز بن سعود الذي كان قد اختلف مع الملك حسين في الجزيرة العربية، واتّجهت أنظار اللبنانيين إلى الأمير سعيد لترشيحه على عرش سورية ولبنان، فلقد جاء في جريدتي النادي والروضة اللتين تصدران في بيروت بتاريخ 26 تموز 1919 مايلي:""في دار سمو الأمير سعيد عبد القادر
ما بلغ منشور التجنيد في الشام مسامع أهل حلب وحمص وحماه حتى توافدت الجماهير لبيت سمو الأمير سعيد من كل هذه الأقطار المذكورة يستغيثون به ويلتمسون ترشيحه للإمارة السورية حفظًا لحقوقهم وحقنًا لدماء أبنائهم الذين يتهددهم الموت في محاربة ابن سعود، وكلّهم برأي واحد، يؤيّدون هذا المبدأ بكل ما لديهم من القوة ويطلبون راية سورية مستقلة، شعارها حكومة ديموقراطية لا صبغة فيها لملك الحجاز؛ فوعدهم الأمير خيرًا ولو اقتضى الأمر بذل النفس والنفيس، فخرجوا وكلّهم صوت واحد يصرخ: فليحيا الأمير محمد سعيد"")) [جهاد نصف قرن ص135]
فائدة: إنّ المغاربة الجزائريين كانوا ـ ومنذ بداية قيام الدولة السعودية الأولى بمشاركة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ـ رافضين للانحياز إلى جانب دون آخر من المسلمين!
(يُتْبَعُ)
(/)
جاء في رسالة السيد محيي الدين بن مصطفى الحسني؛ والد الأمير عبد القادر؛ والتي أرسلها إلى أخيه السيد علي بو طالب، في رحلة الحج: (( ... فقد أنعم الله علينا بتمام الحج والعمرة، فلله الحمد والمنة؛ فقد يسّره الله علينا مع تضييق الزمان علينا لأنّ أهل مصر امتُحنوا بالفتنة وامتنعوا من الذهاب في البرّ وعطّلونا)) [وقصده بالفتنة ثورة المماليك على أمير مصر] إلى أن قال ((وعطلونا إلى الثاني عشر من ذي القعدة .. ثم قال: وعجّل اللهُ علينا بفضله فمكثنا في البحر ثمانية أيّام، الحاصل بين مكّة ومصر أربعة عشر يومًا، ووقفنا بالأربعاء ... إلى أن قال: ((إنّ السلطان [أي أمير مكّة فيما يظهر] حاصر خلقًا كثيرًا من الحجاج المغاربة وأجبرهم على الخروج ليجعلهم عسكرًا يتقوى بهم على الوهّابيين [والحرب التي تحدث عنها محيي الدين كانت بين أمير مكة وأمراء نجد الوهابيين] ثم قال: ((وكذلك كان مصير الركب الشامي ـ ثمّ ذكرَ أنّ المغاربة رفضوا كما رفضَ أهل الشام التجنيد الإجباري، واستعمل المغاربة السلاح ومات من الجانبين أموات)).انتهى [بحروفه من مقال للأستاذ المهدي البوعبدلي بعنوان (وثائق أصيلة تلقي الضوء على حياة الأمير عبد القادر) منشور في مجلة الثقافة الصادرة عن وزارة الثقافة في الجزائر العدد 75 رجب 1403هـ،أيار 1983م ص134، والتعليقات التي بين المعقوفتين للبوعبدلي].
وللفائدة: فإن الأمير سعيد ـ الذي يصرّ البعض في أيّامنا هذه على اتهامه بالماسونية مع أنّه تبرّأ منها وتركها! ـ كان مسلمًا محافظًا على صلاته إلى آخر لحظة من حياته، ليس هذا فحسب بل إنه ما ترك صلاته ولا تكاسل عنها حتى وهو في المعتقلات وفي أصعب الظروف. يروي لنا الأستاذ أنور الرفاعي ما جرى مع الأمير سعيد وهو في المعتقل في مصر بأوامر الجنرال (اللنبي): ((وفي (القنطرة) اقتيد الأمير إلى معسكرات الاعتقال الكبرى التي أقامها البريطانيون لأسرى الترك، واستقبله ضابط إنكليزي قاده إلى خباء كبير وسط فسحة صغيرة تحيط بها الأسلاك الشائكة، وفي وسطها سرير واحد أُعدَّ له؛ أما رفيقاه فما كان عليهما إلا افتراش الثرى. وفي الصباح استيقظ الأمير على عادته، وبعد الوضوء خرجَ فأذّنَ بصوت عالٍ وتقدّم لصلاة الصبح، فإذا عشرات من العمال والأسرى المسلمين الذين استيقظوا على صوته وهو يُنادي: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح. وهي أوّل مرّة يسمعونها في تلك المعتقلات، فسارعوا إلى مصدر الصوت واقتدوا به في الصلاة، وبعد أداء فريضة الصبح التفّوا حوله، وعرفوه وحيّوه، مما أزعج قادة المعسكرات وخشوا حدوث فتنة وتمنوا الخلاص منه)).انتهى [جهاد نصف قرن ص153]
وأختم الكلام عن الأمير سعيد بما قاله الأستاذ أنور الرفاعي في نهاية حديثه عن جهود الأمير سعيد إبّان الانتداب الفرنسي: ((ولم يقْصِر الأمير سعيد همّه ونشاطه على هذا الباب من العمل في الحقل الوطني بل كان في طليعة العاملين في شتى ميادين الجهاد الوطني، فلقد ترأس 1ـ جمعية الخلافة الإسلامية عقب الحرب العالمية الأولى على أثر إخراج أتاتورك سلائل آل عثمان من بلاد الجمهورية التركية وإنهائه الخلافة العثمانية.
2ـ وترأس لجنة الدفاع عن الخط الحديدي الحجازي الذي اغتصبته شركة دمشق ـ حماة وتمديداته واستثمرته. ونجح في المساعي بإعادة الخط إلى الأوقاف الإسلامية.
3ـ وترأس جمعية مقاطعة شركة الكهرباء والترامواي في دمشق لغلوها في استثمار امتيازاتها.
وكان كل من يمر بالبلاد من شخصيات شرقية وغربية يتصل بالأمير ويعجب بنشاطه وثقافته ووطنيته وكرمه، كـ (شوكت علي) زعيم المسلمين في الهند الإسلامية وغيرهم.
كما كان الأمير على اتصال بالسنوسيين زعماء طرابلس الغرب يؤيدهم في أعمالهم ضد الطليان، وكان الأمير سعيد إلى جانب هذا وذاك دائم التفكير بوطنه الأول "الجزائر" الذي جاهد لأجله جدُّه الأكبر عبد القادر ودافع عنه دفاع الأبطال، فكان لا ينقطع عن العمل في سبيل استقلاله في كل فرصة مواتية ... )) [(جهاد نصف قرن) ص183]
(يُتْبَعُ)
(/)
وأخيرًا وليس آخرًا فإن الأمير سعيد كان له موقف عظيم من المخطط اللعين الذي يقضي بسلخ فلسطين من الجسد العربي، ((وعندما أوشكت الحرب العالمية الثانية على النهاية وانكسرت دول المحور واستسلمت ألمانيا، شعر الجميع بنشاط الصهيونيين وميل الرأي العام الأوربي والأمريكي المنتصر على الألمان إلى مشاريع اليهود العامة، فشعر الناس بكارثة عظيمة ستنزل بفلسطين وبالعرب فيها، وشعر الأمير سعيد كما شعر كثير غيره من المخلصين أن الاستعداد لحمل السلاح أمرٌ يحتمه قانون تنازع البقاء في فلسطين، فما كاد يُعلَن قرار التقسيم الجائر حتى نشر الأمير نداءً عامًا وزّعه على جميع أنحاء العالَمين العربي والإسلامي يدعوهم فيه إلى حمل السلاح، ويدعو المغاربة أبناء شمال إفريقية الأشاوس بصورة خاصة إلى تلبية نداء الواجب المقدس في بطاح فلسطين، نقلته أكثر الصحف العربية، وقد نشرته مجلة "المصري أفندي" في عددها 16 تاريخ 25/ 12/1947م تحت عنوان: ((هبّوا إلى حمل السلاح معشر العرب))، ونشرته جريدة "الإصلاح" الجزائرية في عددها 71 من السنة الحادية والعشرين بتاريخ 25/ربيع الأول/1367هـ الموافق 5/ 2/1948م بعنوان: ((نداء من حفيد الأمير عبد القادر بمناسبة حادث تقسيم فلسطين .. ))
(( .. ومن أشهر برقياته تلك التي بعثها إلى الجامعة العربية ونشرتها أكثر الصحف السورية والمصرية، منها جريدة "العلم الدمشقية" في عددها 445 تاريخ 19/ 2/1948م وهي:
الأمير الجزائري وموقف الجامعة العربية
فيما يلي نص البرقية التي بعث بها سمو الأمير سعيد الجزائري إلى الجامعة العربية
مصر: أمين الجامعة العربية
باسم الإفريقيين المغاربة ورجال الثورة في سورية وفلسطين الذين درسوا معنى الموت حق الدراسة، مستعدون وأنا على رأسهم لإنزال ضربة ساحقة على رأس الصهيونية المجرمة آخذين على أنفسنا خوض الحرب حتى النهاية دفاعًا عن أولى القبلتين، معلنين للملأ ولجامعتكم الكريمة أن إفريقية الشمالية بما فيها طرابلس الغرب جزء لا يتجزأ من القارة العربية، ولا يمكن نهوض الإسلام والعرب وتوطيد السلم العام إلا بتحريرٍ كامل. اللهم إنا قدمنا أرواحنا في سبيلك حاكمين على الأثَرَة والأنانية بالموت، اللهم فاشهد. الأمير سعيد. انتهى
ولم يكتف بالبيانات والبرقيات بل تبرّع من ماله الخاص لتأليف فرقة مغربية تحمل السلاح وتحارب إلى جانب المجاهدين العرب والفلسطينيين، وصار يخرج معهم إلى ميدان التدريب العسكري ... )).انتهى [(جهاد نصف قرن) ص227ـ228]
ملاحظة مهمة: كان الأمير سعيد يمتلك أراضي واسعة ومزارع في منطقة الجولان، فعرض عليه بعض اليهود أن يبيعها لهم مقابل قرى كاملة في حوران (وذلك قبل 1948)، فرابه الأمر وشعر أن هذا الإغراء يخفي وراءه أمرًا خطيرًا، فرفض العرض ولم يلتفت للإغراءات المالية.
فبعد هذا العرض هل يُقال عن أمثال الأمير سعيد (الطابور الماسوني الخامس)؟؟!!
لقدكان الأولى بالأخ محمد مبارك صاحب (فك الشفرة) أن لا يتسرّع في إطلاق التهم والأوصاف الشنيعة.
وأظن أنه أصبح واضحًا الآن دور الأمير فيصل ووالده الشريف حسين، ومن وافقهما.
وأسوق تعليق المؤرّخ الكبير الأستاذ محمود شاكر على الأحداث التي جرت مع الشريف حسين وابنه فيصل وحلفائهم من أهل الشام ولبنان، حيث قال: ((ويمكن القول إن عددًا من الزعماء المسلمين العرب كانوا يريدون إصلاح الجهاز الإداري، وتأدية الخدمة العسكرية محليًا، والمحافظة على اللغة العربية ولا يريدون الانفصال عن الدولة العثمانية وتجزئتها أبدًا. غير أنهم وقعوا في شباك أصحاب الفكر القومي، والآراء الغربية، والافتتان بأوربا، وبالتالي بالتأثير النصراني، والتوجيه الخارجي، والاتصالات الأجنبية، والجهل لا يُعفي من المسؤولية، والسذاجة لا يرضى بها الإسلام. أمّا النصارى من رعايا الدولة العثمانية ودعاة القومية فقد كانوا على صلة بالأجنبي، ويطالبون بالانفصال ويدعون إلى ذلك، ويُعادون الإسلام بكل وقاحة)).انتهى [التاريخ الإسلامي 8/ 227]
والحمد لله رب العالمين
خلدون بن مكي الحسني
للبحث صِلَة إن شاء الله
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[09 - Oct-2008, صباحاً 03:33]ـ
الأخ عبد الحق آل أحمد؛ السلام عليكم ورحمة الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
كنت سأترك الجواب على أسئلتك إلى وقت آخر حتى لا أخرج عن صلب موضوع الحلقات التي أنا بصددها، ولكنني خشيت أن تظن أن ذلك لغرض آخر، لذلك قررت أن أجيبك باختصار، والموضوع ليس سجالاً بيننا الآن، وإن شئت التوسع لاحقًا فلا مانع إن شاء الله.
1ـ جوابًا على سؤالك الأول أقول: لقد وضعتَ الإجابة بنفسك وهي قولي: ((وكلُّ كلامٍ صدر من ابن عربي أو غيره، فيه مخالفة للشريعة أو استخفاف بأصول الدين وقطعيّاته فهو مردود ومرفوض))؛ وأزيدك توضيحًا: إن أي عبارة أو قصيدة فيها ما يدل على وحدة الوجود أو الحلول والاتحاد فهي مردودة على قائلها كائنًا من كان! فوحدة الوجود والاتحاد والحلول من عقائد الفلاسفة الزنادقة، وحكمها الشرعي أنها كفر وخروج عن الدين.
لذلك أقول: إن العبارات المشكلة الواردة في كتاب "المواقف" يمكن الحكم عليها بالفساد أو الإلحاد، ولكن دون الحكم على الأمير لأنّنا في شكٍ من ثبوت ذلك الكلام عليه، ولأنه لم يسبقنا إلى ذلك أحدٌ من علماء المسلمين المعاصرين للأمير أو القريبين من عصره، وسيأتي بيان ذلك في بحث مستقل أتناول بطلان نسبة هذا الكتاب إلى الأمير.
والأشعار التي نقَلْتَها أنت من كتاب المواقف وعلّقت عليها بقولك:" [تنقل الأمير من الإسلام إلى دين اليهود و النصارى وهذه ردة صريحة] " ليست له وموجودة في الكتب القديمة لأمثال ابن هود الأندلسي. لذلك كان إطلاقك لحكم الردة على الأمير فيه تسرع منك، وأنت غير مسبوق بذلك ولا سلف لك بهذا، وأنت لم تتثبت من ذلك وكان يكفيك استنكار تلك الأبيات الشنيعة!
وأما كتاب "ذكرى العاقل" فلم أجد فيه أي عبارة يمكن الحكم عليها بالكفر أو الشرك أو الزندقة. والعبارة التي نقلْتَها عنه في موضوعك (التنبيه على شركيات وطوام عقدية عند الأمير عبد القادر الجزائري)، وعلّقتَ عليها بقولك: " [دعوته للأخوة مع النصارى الكفار] "
قد بيّنتُ في الحلقة الثانية المقصود منها، وأوردتها ضمن السياق الواردة فيه، وليس فيها المعنى الذي فهمتَه أنت وبعض الناس. وبيّنتُ أنك سلختها من سياقها وأبرزتها بقالب مشوه، ولولا ذلك لما كان من الممكن أن يُفهم منها المعنى الفاسد الذي رميت به الأمير، فليتك ترجع إلى الحلقة الثانية.
وأما ديوان الأمير، فالأبيات التي استنكرتَها على الأمير وعلقتَ عليها بقولك:" [الأمير يشرك بالله العظيم شركا واضحا جليا] ". لا يُسلّم لك أبدًا، وستسأل عنه يوم الحساب. والياء في هذه الأبيات هي ياء الندبة! وليست ياء النداء!! وهذه الياء لا يندب بها إلاّ العلم المشهور. والندبة لها أساليبها الأدبيّة يعرفها أهل اللغة والأدب، والقارئ لمثل هذا النوع من الشعر يجب عليه أن يستحضر هذا المعنى. ولا يُحكم على المتكلّم بأنه يستغيث بغير الله إلاّ إذا كان واضحًا في كلامه، كأن يقول يا رسول الله أو يا وليّ الله أدركني أو ارزقني. وليس في تلك الأبيات شيء من ذلك، ويمكنك أن تقول إنني لا أحب هذا النوع من الشعر أو الأولى عدم التلفظ بكلام يلتبس على البعض، أما أن تقول هذا شرك واضح وجلي! فلا توافق عليه. وكلامي ليس خاص بشعر الأمير وحده، وإنما هو عام لأي شعر أو كلام مشابه.
2ـ وبناءً على ما سبق فإن جوابي على سؤالك الثاني هو أنك لم تكن محقًا في ردّك لأنك لم تحكم على الكلام وإنما حكمت على الشخص دون أدنى تثبّت ووصفتَه بأنه ملحد ومشرك وخرافي مرتد!!!، وافتريت عليه قصة إحراق كتب ابن تيمية وزعمتَ أنها متواترة مع أنه لا أ صل لها (راجع الحلقة الأولى)، ووصفته بالعميل للفرنسيين،وطعنت في جهاده وجرّدته منه، كل ذلك دون أي دليل يشفع لك!! وقلتَ في حقّه بالحرف الواحد: ((والوقت ثمين وأشرف من أن يبذل في تتبع زبالات أفكار المدسوسين من قبل أعداء الإسلام والمنحرفين فكريا عن عقيدة السلف الصالح)). فحكمت عليه بأنه مدسوس من قبل أعداء الإسلام، وأن أفكاره زبالة!!
فهل تظن أنك بعد كل هذا الهجوم والطعن والتكفير والتشهير العاري عن الدليل والبيّنة متقربٌ إلى الله وعلى خير ومحقٌ أيضًا؟؟!! يغفر الله لي ولك.
(يُتْبَعُ)
(/)
3ـ وأما العقائد الشركية والمخالفات الشرعية الموجودة في "المواقف" أو غيره فلا مانع من الحديث عنها وبيان بطلانها وسقوطها، ولعل ذلك يكون في موضوع مستقل وموقفي منها معروف وأنا بفضل الله كنتُ وما أزال أتصدى لمثل تلك العقائد وأرد عليها (وهل ما أعانيه اليوم إلا بسبب ذلك!!)، أما الحلقات التي أنا بصددها الآن فهي تعالج اتهامات وشبهات باطلة تثار حول شخص الأمير، فإذا كان لديك أي إشكال فيما كتبته فيها فيمكنني بيانه الآن.
4ـ وأما سؤالك عن النياشين. فالجواب:أولاً إن هذه النياشين حصل عليها الأمير بعد فتنة دمشق سنة 1860 وقد روت الأميرة بديعة عن جدّتها السيدة زينب بنت الأمير عبد القادر أن هذه النياشين وضعها مرّة واحدة وأخذت له صورة واحدة ولم يكن سعيدًا بذلك، والغرض أن ترسل إلى الصحف الأوربيّة فيرى الأوربيون بأعينهم تكريم ملوكهم وحكامهم للرجل الذي كانوا بالأمس يطعنون فيه ويظهرونه بصورة المتعصب الحاقد على المسيحية وأن حربه مع فرنسا كانت فقط لأنهم مسيحيون لا لأنهم غزاة معتدون!! واليوم هم يعترفون أنه لا يحقد على الديانة المسيحية وإنما يتعامل مع أصحابها المعاهدين (أهل الذمة) وفقًا لأحكام الإسلام، فلا يسمح بتقتيلهم بخلاف المعتدين والغزاة منهم.تقول الأميرة بديعة: ((هذا ما كنت أسمعه من جدتي زينب عندما كانت تنظر إلى صورته هذه وتقول: كم كان أبي حزيناً عندما وضعنا له هذه الأوسمة لأخذ صورة فوتوغرافية له، وقد وُضعت مرة واحدة ولغاية واحدة كما أسلفت)) [انظر أصحاب الميمنة] وهذه القصة لم تتفرد الأميرة بديعة بذكرها فهي معلومة للكثيرين.
وإذا تسابق الرسامون لرسمها بأشكال مختلفة كلٌ كما يشاء فهذا لا ذنب للأمير فيه. ثانيًا هذه النياشين ليست خاصة بالفرنسيين وحدهم وإنما فيها نياشين من الخليفة العثماني وهو أكبرها، ثم نياشين أخرى لعدة من الملوك والقياصرة، وسيأتي الحديث عنها بالتفصيل في حلقة مقبلة وستجد فيها براءة الأمير مما تظن. وأما جعلك لتلك النياشين دليلاً على عمالة الأمير للاستعمار فهذه كبيرة! وليتك تحريت قبل أن تقدم على هذا الطعن والتشهير.
5ـ وأما ما ذكرته من صور لمخطوطات، فهناك بعض المخطوطات موجودة في بعض المكتبات فلا أدري عن أيها تتحدث، ولكن أستطيع أن أقول لك جازمًا أنه لا وجود لمخطوط لكتاب المواقف بخط الأمير، وكذلك لديوان الأمير. فالأمير لم يكتب المواقف ولم يضع ديوانًا. والديوان إنما جمعه ابنه الأمير محمد وكتَبه بخط يده والمخطوط عندي وليس له أي صورة! والمواقف كتبه الشيخ محمد الخاني بعد وفاة الأمير وسيأتيك بيان ذلك في محلّه إن شاء الله.
أخي عبد الحق أسأل الله تعالى أن يجعلني وإيّاك ممن يتّبعون الحق، وكل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون، أسأل الله تعالى أن نكون منهم، فهذا مما يرفعنا عند الله وعند الناس. وأرجو أن تتابع الحلقات كلها إلى نهايتها.
والحمد لله رب العالمين.
أحسنتم شيخنا
ـ[عبدالقادر بن محي الدين]ــــــــ[10 - Oct-2008, مساء 08:06]ـ
بارك الله فيك وجزاك الله خيراً
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[13 - Oct-2008, مساء 07:42]ـ
/// بارك الله فيكم وجزاكم خيرًا.
ـ[محمد أمجد البيطار]ــــــــ[19 - Oct-2008, مساء 09:20]ـ
شيخنا الكريم أبا إدريس
كنت وما زلت معكم أتابع .... واصل وصلكم الله بطاعته
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[22 - Oct-2008, مساء 11:02]ـ
جزاكم الله خيرااا شيخنا أبا ادريس
ـ[ابو صالح النوبي]ــــــــ[31 - Oct-2008, مساء 07:05]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي اشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسجل هنا تقديرى واعتزازي بما تقوم به موقع اللألوكة بارك الله في القائمين عليها وسدد الله خطاكم
كما اسجل شكري لما تناوله استاذنا الفاضل / خلدون فهي بحق تفنيد رائع واستدلال جيد وهي ليست جديدة عليك. واسأل الله أن ويوفقك ويسدد خطاك ويغفر لي ولك وللمسلمين أجمين أنه جواد كريم ابو صالح النوبي
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[02 - Nov-2008, صباحاً 01:40]ـ
أخي أبا صالح النوبي السلام عليكم ورحمة الله
أشكرك على مشاركتك الطيّبة، وأسعدني رأيك في هذه الحلقات، أسأل الله أن ينفع بها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبارك الله فيك، وأحسن إليك، ووفقني وإيّاك إلى ما فيه رضاه.
وإنني أغتنم هذه المشاركة لأجدد شكري للإخوة المشرفين والقائمين على موقع الألوكة؛ وأخصّ بالشكر الأخ الكريم الشيخ سليمان الخراشي، الذي كان له الفضل في تيسير نشر هذه الحلقات في هذا الموقع الطيّب.
فبارك الله في الجميع وجزاهم خير الجزاء.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[02 - Nov-2008, صباحاً 01:50]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الحادية عشرة
والآن مع شبهة جديدة عجيبة؛
قال الأخ محمد مبارك صاحب (فك الشفرة):"فقد عرف عن الامير عبد القادر افتتانه بالحضارة الفرنسية، و علاقته الوطيدة بالفرنسيين".انتهى
ولكي يُبرهن على هذا الادّعاء راح يستدل له بدليلٍ هو: أنّ الأمير كان يُعامل الأسرى الفرنسيين معاملة حسنة؛ يداوي جرحاهم ويطعمهم ويسقيهم ولا يسمح بقتلهم، وبعد ذلك يقوم بمبادلتهم مع الأسرى الجزائريين الذين بقبضة فرنسا!!!
أرأيتم إلى هذا الاستدلال العجيب!
يقول صاحب (فك الشفرة):"و مما يحتفظ به التاريخ عن الأمير عبد القادر الجزائري أنه قد عمل أثناء معاركه ضد الغزو الاستعماري الفرنسي للجزائر، على سن وتطبيق مجموعة قوانين حول كيفية معاملة الأسرى الفرنسيين المعتقلين من جيش العدو، ومن ذلك: "اعتبار أن أي فرنسي يتم أسره في المعارك يجب ان يعتبر أسير حرب، وأن يعامل كذلك إلى أن تتاح فرصة تبادله مقابل أسير جزائري"، مع أن الفرنسيين كانوا حينذاك يستخدمون سياستَي الأرض المحروقة والإبادة الجماعية؟؟.
ـ كما حدد الأمير عبد القادر بأن "على أي عربي في حوزته أسير فرنسي، أن يعامل هذا الأخير معاملة حسنة. وفي حال شكوى الأسير من سوء المعاملة، فلن نكون العقوبة مجرد اسقاط المكافأة، بل قد يرافق ذلك عقوبات أخرى".
ـ ولضمان عدم قتل الأسير الفرنسي فإن "أي عربي يقدم أسيرا فرنسيا يحصل على مكافأة قدرها 8 دورو (وهي العملة الجزائرية التي تساوي 5 سنتيم).!!!!! انتهى
ولم يكتف بذلك حتى قال:"إن أعدادا من الأسرى الفرنسيين القدامى الذين تلقوا علاجا من قبل الأمير، كانوا يأتون من مناطق نائية في اتجاه قصر "بو" وقصر "أمبواز" حيث كان الأمير معتقلا، لتحية من كان المنتصر بالأمس".انتهى
سبحان الله. لقد جعل الأخ محمد مبارك التزامَ الأمير عبد القادر بأوامر الشريعة الإسلامية في كيفيّة معاملة أسرى الحرب دليلاً على افتتانه بالحضارة الفرنسية!!! وكأنّ الفرنسيين هم الذين يحسنون معاملة الأسرى في حين أنّ الإسلام لا يحض على حُسْن معاملتهم وإنما يأمر بتعذيبهم وتقتيلهم!!
وهذا الادّعاء ليس فيه تشويه لصورة الأمير، وإنما فيه انتقاص للشريعة الإسلامية ـ عن غير قصد ـ التي يُوحي الكلام أنها لا تأمر بالإحسان إلى الأسرى!
فهل نسيَ كيف أمرنا الله تعالى بمعاملة الأسرى؟ وهل نسيَ كيف كان رسول الله يُعامل أسراه؟
قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان:8]
ولمّا أُتي الحجّاج بن يوسف بأسير، قال لعبد الله بن عمر: قم فاقتله، فقال ابن عمر: ما بهذا أُمرنا، يقول الله: {حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منًا بعد وإما فداءً} (محمد: 4)؛ [مصنف ابن أبي شيبة 6/ 498]
والبحث طويل وأساسيّاتُه يعرفها عامة المسلمين.
ثمّ جعل صاحب (فك الشفرة) شعور الأسرى الفرنسيين بفضل الأمير عليهم عندما أحسن معاملتهم وهم أسرى لديه؛ وهم الذين تعوّدوا الإساءة للأسرى الذين في أيديهم ومعاملتهم بوحشية؛ دليلاً على علاقة الأمير الوطيدة بالفرنسيين!!
والله إن هذا لشيءٌ عُجاب!!!
عن أي علاقات يتكلّم الكاتب والأمير في حالة حرب شرسة مع فرنسا يُقتّل جنودها وضباطها ويشردهم ويردهم خزايا وخاسرين ويضطرهم لأكل لحم القطط والكلاب!!، ويأسر منهم الكثير ليبادلهم بالأسرى الجزائريين؟!
عجيب والله! إذا كانت العلاقات وطيدة برأي الكاتب ووقع كل هذا القتل والأسر والتشريد! فكيف إذا كانت العلاقات عدوانية؟!
لقد كان الجنود الفرنسيون معجبون بشخصيّة الأمير الفذّة، فهو عسكريٌ محنّك استطاع أن يهزم الجيوش الفرنسية المدججة بأحدث وأثقل الأسلحة، وهو لا يملك إلاّ سيفه ومسدسه!
(يُتْبَعُ)
(/)
وهو السيد الشريف المتخلّق بالآداب الإسلاميّة السامية التي لم يكن الأوربيون المتوحشون يجدون في معاجمهم مفردات لتلك الأخلاق والسجايا!
وتذكر المصادر التاريخية أن عددًا ليس بالقليل من الجنود والضباط الفرنسيين أعلنوا إسلامهم وانضموا إلى جيش الأمير وكانوا يُشرفون على تدريب جيشه وتصنيع المدافع وبعض الأسلحة.
يقول الكولونيل شارل هنري تشرشل: ((لقد كان مدربو جيش الأمير النظامي من المشاة، من الفارّين من الجيش الفرنسي. وقد ازداد هؤلاء الفارّون إلى أن أصبحوا أخيراً يكوّنون كتيبة خاصة بهم، وقد حاربوا ضد مواطنيهم (الفرنسيين المسيحيين) بكل شجاعة وإقدام لا يكاد الجندي المسلم يزاحمهم فيها)).انتهى [انظر (حياة الأمير عبد القادر) لتشرشل ص141]
ويقول تشرشل في صدد حديثه عن انبهار الجيش الفرنسي بأخلاق وأعمال الأمير عبد القادر: ((وقد قال أحد الضباط الفرنسيين الكبار بعد ذلك:"لقد كان علينا أن نخفي هذه الأشياء بقدر ما نستطيع على جنودنا، لأنهم لو اطلعوا عليها لما كان في استطاعتنا أبدًا أن نجعلهم يحاربون عبد القادر بنفس الاندفاع والحماسة)).انتهى [المصدر السابق ص204]
((وكان الأسرى الفرنسيون يتبرعون، عند إطلاق سراحهم، بالسلاح لأحد خلفاء الأمير وهو ابن علال بن مبارك تكريمًا له)).انتهى [المصدر السابق ص204]
ويذكر هنري تشرشل أن: ((الأمير عبد القادر أثار في صدور الجنرالات الفرنسيين مشاعرَ الإعجاب البطولي، وكانوا ينشدون اللقاء به دون جدوى، بينما كلّف مواهبهم العسكرية غالياً)).انتهى [انظر حياة الأمير لتشرشل ص120]
ولا غرابة في موقف الجنود الفرنسيين من الأمير عبد القادر؛ وإليكم مثالاً قريباً: ففي الحرب العالمية الثانية، وبعدما عُيّن الماريشال "رومل" قائدًا للجيوش الألمانية في شمال إفريقية، راح يُنكّل بالقوات البريطانية والفرنسية ويذيقها الهزائم المتتالية، وكانت مناوراته العسكرية البارعة تُعدّ من المعجزات بنظر قوات التحالف، إلى أن وصل بقواته إلى مدينة "العَلَمين" قرب الإسكندرية.
عندئذ أيقن الإنكليز وحلفاؤهم الفرنسيون أنّ الخطر داهم، فعزلوا قائد قوات الحلفاء في شمال إفريقية الجنرال "ألكسندر"، وعيّنوا بدلاُ منه عبقريّة عسكرية مماثلة لرومل هو الجنرال "المنتوغمري" ... فتسلّم القيادة فورًا، وفوجئ، كما قال في مذكراته، أنّ القائد لجيوش الحلفاء في الواقع رومل وليس ألكسندر!! فأحاديث الجنود البريطانيين والفرنسيين كانت تدور عن معجزات رومل العسكرية ومناوراته الناجحة والرائعة.
ولَمَسَ الإعجاب الشديد لدى جيوشه برومل إلى درجة أنّ البعض لم يتورّعوا عن إلصاق صورته في مهاجعهم!!
مما دعا المنتوغمري إلى عقد ندوات وإلقاء دروس في الوعي القومي وأخطار الإعجاب بالعدو. [انظر (أصحاب الميمنة) ص152]
وأمّا الأمير عبد القادر فإن الأمر لم يكن مقتصرًا على شجاعته ومهارته العسكرية وعبقريّته القتالية! فإنّ التزام الأمير بالأخلاق الإسلامية الحميدة، وتطبيقه للأوامر الشرعيّة الخاصة بشؤون الحرب والقتال والأسرى، حمَلَ أعداءه على محبّته والإعجاب به، وعلى الإعجاب بدين الإسلام، فتحوّل الكثير من الضباط والجنود الفرنسيين إلى الإسلام، وانحازوا إلى معسكر الأمير والجزائريين، وساعدوا في تدريب جيش المجاهدين، وفي بناء معامل الأسلحة، وفي التخطيط الحديث للمعارك مع الجيش الفرنسي المعتدي، وبذلك كان النصر للمجاهدين وللدعوة الإسلامية في ذلك العصر، بعدما كانت الدعاية الأوربيّة تشوّه صورة الإسلام والمسلمين وتظهرهم بمظهر المتوحشين.
فكيف أصبحت هذه المنقبة والمكرمة للأمير بنظر الأخ محمد المبارك مذمّة ومثلبة؟؟!!
ولا حول ولا قوة إلاّ بالله
خلدون مكي الحسني
للبحث صِلة إن شاء الله
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[04 - Nov-2008, مساء 08:35]ـ
جزاكم الله شيخنا الحبيب أبا ادريس
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[11 - Nov-2008, صباحاً 01:19]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثانية عشرة
أريد أن أنبّه إلى شيء هام وهو أن الأخ الكاتب صاحب (فك الشفرة) لم يقف عند الطعن بالأمير عبد القادر وحده، أو بحفيده الأمير سعيد، وإنما تعدّاه إلى الطعن بذرية الأمير عبد القادر، وإلى الطعن بكبار علماء الشام ومفتيها ومحدّثيها وأشرافها!!!
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد اتّهم كبار رجالات الإسلام في الشام في ذلك العصر بالانخراط في سلك الماسونية معتمدًا على كلام المدعو شاهين مكاريوس؛ منهم: الشريف الشيخ محمود الحمزاوي مفتي دمشق الشام، والشيخ المحدّث سليم العطار، والعلاّمة الشيخ محمد المنيني مفتي دمشق، و المُحدّث وابن شيخ المحدّثين في الشام الشيخ أحمد مسلم بن عبد الرحمن الكزبري، والعلاّمة الكبير الشيخ محمد الطنطاوي (جدُّ شيخنا العلامة علي الطنطاوي رحمه الله)، ونقيب الأشراف بدمشق السيد حسن تقي الدين الحصني، وغيرهم ...
ونحن إذا عدنا إلى الكتب التي ترجمت لهؤلاء الرجال الكبار مثل (الأعلام) للزركلي،و (حلية البشر) للبيطار، و (روض البشر) للشطي، و (منتخبات التواريخ) لأديب الحصني، لوجدنا أنفسنا أمام شخصيات مرموقة نزيهة وصفها العلماء المعاصرون لها بالعلم والتقوى والديانة والفضيلة، والعلماء الذين ترجموا لهم لم يكونوا يجاملون أو ينافقون لأحد، وقد ذكروا بعض الأشياء التي ينتقدونها على بعض تلك الشخصيات، وتعرّضوا كذلك إلى شيء من المؤاخذات، ولكن ليس في شيء منها أي جرح في الإيمان والديانة، ولو كانوا من الماسون لذكروا ذلك عنهم. ولكن فيما يبدو لا يعلم أحد أنهم من الماسون إلاّ مكاريوس هذا!!
وأمّا ذريّة الأمير فليس في كتب التراجم والتاريخ ما يقدح فيهم أو ينسبهم إلى الماسونية، ولعلّ الأخ محمد المبارك استقى كلامه من مكاريوس أو أنه اغترَّ بمقال على الإنترنت لكاتبه: (أبوعبدالله همَّام بن محمد الجزائري)، وفيه أتى بكلام لم يذكر مصدَرَه! وفيه أن أحد رجال الماسون وهو شاهين مكاريوس يزعم أنّ أبناء الأمير محمد ومحيي الدين وعلي وعمر كانوا من الماسون!! هكذا وبكل بساطة! وأنا أتعجّب من الإخوة الذين يكتبون المقالات وينشرونها في الإنترنت كيف يستسيغون الركون إلى كل من هبَّ ودبّ، وكتب وشغّب، أوكان ماسونيًا أو يهوديّا؟!
أنتم تطعنون في رجال مسلمين لم تعاصروهم ولا تعرفونهم ولم تقرؤوا عنهم شيئًا، ولم يسبقكم إلى الطعن فيهم أحدٌ من علماء المسلمين أو مؤرِّخيهم؟! واكتفيتم بكلام شخص ماسوني!!
أمّا الماسوني شاهين مكاريوس هذا فقد ترجم له الزركلي فقال: ((شاهين بن مكاريوس (1853 - 1910م): من مؤسسي جريدة (المقطّم) بمصر، وأحد أصحاب (المقتطف) ومنشئ جريدة (اللطائف) ولد في قرية "إبل السقي" من (مرج عيون - بلبنان) ونشأ في بيروت يتيمًا فقيرًا، قُتِلَ أبوه في حادثة سنة 1860م، وحملته أمه إلى بيروت حيث كانت تعوله من عملها في خدمة الدكتور فانديك، فتعلم فن الطباعة، وتولى إدارة مجلة المقتطف ببيروت سنة (1876م) ورحل إلى مصر مع زميليه يعقوب صرّوف وفارس نمر.
وخدم الماسونية بكتبه: (الجوهر المصون في مشاهير الماسون - ط) و (الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية - ط) و (الدر المكنون في غرائب الماسون - ط) و (الآداب الماسونية - ط).)).انتهى
إذن الرجل ماسوني، فَقَدَ والده بعدما قتله الدروز في لبنان في أحداث 1860م، واضطرّت أمّه للعمل خادمةً لتتمكن من إعالته، فنشأ يتيمًا فقيرًا ناقمًا، وانخرط في الماسونيّة، واستفرغ وسعه في الكتابة عنها والترويج لها.
ولمّا كان الفضل ـ في إنقاذ المسيحيين من مذبحة 1860م ـ لعلماء المسلمين وكبرائهم أمثال الأمير عبد القادر والشيخ الحمزاوي والعطار والمنيني .. وغيرهم، ثقُلَ على أمثال ابن مكاريوس (الذي فقد أباه في تلك المذبحة) أن يشهدوا بالفضل لأصحابه لأنّهم من المسلمين! وغيرُ المسلمين لا يُطيقون أن يُنسَبَ الفضل والخير للمسلمين، فما كان منهم إلاّ أن ألصقوا صفة الماسونية بكل من ساهم في إنقاذ وحماية المواطنين المسيحيين في بلاد الشام! ونحنُ لا نجد في كل ما كتبه الكتّاب المسيحيون عن مذبحة 1860م الغربيون منهم أو الشرقيون؛ أيّ إشارة إلى فضل الشريعة الإسلامية التي طبّقها كبار رجال الإسلام في صيانة أعراض النصارى وحقن دمائهم، وإنما أثنوا على أولئك الرجال وألحقوهم بالماسونية زورًا وبهتانًا!!
(يُتْبَعُ)
(/)
على كل حال فإنني سآتي على تفاصيل هذا الموضوع في الحلقات القادمة إن شاء الله، ولكن لي هنا تعقيب سريع حول أبناء الأمير: فالأمير محمد باشا كان من الأعيان الفضلاء، تلقى العلوم الشرعيّة واهتمّ بالتاريخ وكان مقرّبًا عند السلطان عبد الحميد خان وكان برتبة فريق في الجيش العثماني إلى وفاته بالأستانة سنة 1331هـ. وله عدّة رسائل ومؤلّفات منها: "عقد الأجياد في الصافنات الجياد"، ومختصره "نخبة عقد الأجياد" كلاهما في الخيل ومحاسنها وما قيل فيها، و (مجموع ثلاث رسائل) إحداها 1ـ (ذكرى ذوي الفضل في مطابقة أركان الإسلام للعقل)، والثانية (كشف النقاب عن أسرار الاحتجاب)، والثالثة (الفاروق والترياق في تعدد الزوجات والطلاق).
وكل ما ذُكر مطبوع.
وترجمته موجودة في عدة كتب منها [الأعلام، والأعلام الشرقية،وإيضاح المكنون]
وأما الأمير محيي الدين باشا، فمن أهل العلم والأدب، حفظ القرآن عن ظهر قلب وهو ابن تسع سنين، وحفظ المتون وتفقّه على أيدي كبار العلماء في الجزائر والشام، وكان مقرّبًا عند سلاطين آل عثمان، وكان من رجال الدولة العثمانية، ورقّاه السلطان عبد الحميد خان إلى رتبة (مير ميران) أي أمير الأمراء، وفي سنة 1303هـ رقّاه إلى رتبة (روملي بيكلر بيكي)، وعيّن له معاشًا شهريًا كبيرًا، حيث إنه رفض بعد وفاة أبيه معاش دولة فرنسا التي طلبت منه أن يكون من رعيّتها هو وإخوته. وفي سنة 1305هـ منحه السلطان عبد الحميد رتبة الفريقية مع الياورية العظمى (يعني جعله قائدًا لفرقة عسكرية ومساعدًا للسلطان)، وفي سنة 1307هـ عيّنه السلطان عبد الحميد عضوًا في مجلس التفتيش العسكري. وكان مقرّبًا من العلماء، وكان قد التحق بالمجاهدين في الجزائر وشارك في ثورة 1871م؛ ومات في الأستانة سنة 1336هـ، وقصّته مشهورة وقد فصّل القول فيها صديقه وخليله العلاّمة الشيخ عبد الرزاق البيطار في كتابه (حلية البشر)، وأثنى عليه كثيرًا العلاّمة السلفي الدمشقي الشيخ محمد بهجة البيطار رحمه الله. وانظر ترجمته في (حلية البشر)، و (الأعلام)، و (تاريخ علماء دمشق).
وأمّا علي باشا، فكان من رجال الدولة العثمانية المشاهير وهو الرئيس الثاني لمجلس الأمة العثماني، والنائب عن ولاية دمشق، وهو من أهل الدين والصلاح ومن الشجعان، وهو عثماني النزعة، وكان مبعوثًا من الحكومة العثمانية إلى ليبيا لدعم المجاهدين، وكانت له جهود كبيرة ومشهودة في مقاتلة الجيوش الإيطالية هو وولده الأمير عبد القادر الحفيد! وكان من أشهر المدافعين عن الجامعة الإسلامية. ومما قاله فيه بعض أفاضل الكتّاب الذين وضعوا كتابًا خاصًّا لتاريخه: ((ولمّا كان الأمير علي باشا محبوبًا من أهالي طرابلس الغرب بصورة خاصة وكان له في قلوب أهالي مراكش وتونس والجزائر أكبر احترام،أحبّت الدولة العثمانية أن تستخدم عاطفة هذا الحب في مصلحتها فأناطت بالأمير مشروع الاتحاد الإسلامي الإفريقي)).انتهى [تاريخ الأمير علي ص27].
وقالوا: ((وكانت حياته جهادًا في سبيل عظمة الخلافة الإسلامية والجامعة المحمّدية التي لا حياة للعالم الإسلامي المنتشر في أقطاع المسكونة بدونها ولا نشور لمجده إلا بالتمسك بها فإنها الجامعة الوثقى التي تنادي بالمسلم العربي إلى أشد وثاق المحبّة مع أخيه الهندي والصيني والجاوي والكردي وغير ذلك من بقية شعوب الإسلام .. )).انتهى [تاريخ الأمير علي ص44]
وتوفي في الأستانة في الثاني من رجب سنة 1336هـ. [انظر ترجمته في (الأعلام) للزركلي، وفي (تاريخ الأمير علي)]
وأمّا ابنه الأمير عبد القادر (الحفيد) ((فقد عاش بين القبائل الرُّحَّل الضاربة في البطحاء الجرداء يُماشي هذه القبائل الجموحة النافرة بأخلاقها وأذواقها ومشاعرها .. ويُحادث كل قبيلة بلسانها ولهجتها ويقدم على تحمّل حرّ الهاجرة والقيظ طروبًا مسرورًا فرحًا كأنما هو لا يشعر بلذة مثل هذه اللذة التي تنشأ فيه من عيش البداوة والقفر .... ترك القصر وضجيجه والبيت وعجيجه ونزل في هذه البطحاء)).انتهى [تاريخ الأمير علي ص173ـ175].
وقد ذكرت في الحلقة العاشرة بعضًا من مواقفه الإسلامية، إلى أن اغتاله رجال الكولونيل البريطاني لورنس في دمشق!
(يُتْبَعُ)
(/)
وأمّا الأمير الهاشمي بن عبد القادر فغادر دمشق بعد وفاة أبيه ووصل إلى الجزائر وكان مصدر قلق للسلطات الفرنسية المحتلة ووضعوه في إقامة جبرية، وكان لولده الأمير خالد الدور الأكبر في تأسيس حركة التحرر الوطنية الجزائرية وإظهارها إلى الوجود. [انظر الثورة الجزائرية في عامها الأول للدكتور محمد العربي الزبيري ص70]
وأمّا الأمير عبد المالك فقد التحق بالمجاهدين في المغرب وقُتِل هناك سنة 1343هـ = 1924م.
قال عنه الزركلي في الأعلام: ((عبد المالك بن عبد القادر بن محيي الدين الجزائري: مجاهد كان مع أبيه في المشرق. ورحل إلى المنطقة الخليفية بالمغرب، لمناوشة الدولتين الفرنسية والاسبانية.
وظل يقاوم ويحرض الناس على الجهاد إلى أن قتل في قبيلة "بني تنزين" من الريف برصاصة من بعض الأعداء ونقل إلى تطوان ودفن فيها)).انتهى [ترجمته في الأعلام، والذيل التابع لإتحاف المطالع ـ خ]
وأمّا الأمير الشاب عمر فقد شنقه جمال باشا السفّاح لأنّه كان يُعارض سياسة التتريك ومحو اللسان العربي، وينتقد جمعية الاتحاد والترقي وجماعة حزب تركيا الفتاة! وقد أثنى عليه العلاّمة السلفي محمد بهجة البيطار في جملة الذين شنقوا في ذلك اليوم.
كل هؤلاء ترجم لهم الأمير شكيب أرسلان، وهو سياسي مخضرم ويعرف رجالات الماسون ويذكرهم، ومع ذلك لم يصف أحدًا من أبناء الأمير بالماسونية!! والأمير شكيب على صلة قوية بأبناء الأمير. [انظر حاضر العالم الإسلامي 2/ 172]؛ وكذلك ترجم لهم (عدا الهاشمي وعمر) المؤرّخ السياسي الكبير الزركلي في الأعلام، ولم يذكر أنّهم انتسبوا إلى الماسونية! مع أنه في موسوعته يذكر المنتسبين إلى الماسونية.
وترجم لهم مؤرخون آخرون أيضًا ولم يذكروا عنهم مسألة الماسونية، ونحن إذا نظرنا في سِيَرهم فلا نجد أي شيء ينسجم مع الفكر الماسوني!
وأمّا أحفاد الأمير فلم يُذكر أنّ أحدًا منهم انتسب إلى الماسونية سوى الأمير سعيد وليس الأمر كما يُظن وقد بيّنا شيئًا من سيرته فيما سبق وسيأتي المزيد عند حديثنا عن الماسونية. وقد سجّل لنا التاريخ رجالاً منهم كانوا من المجاهدين والشهداء أمثال الأمير عز الدين والأمير عبد القادر الحفيد، وكان منهم علماء أمثال الأمير جعفر عضو المجمع العلمي بدمشق وقد أثنى عليه كثيرًا العلاّمة محمد كرد علي المشهور بطعنه في الماسونية ورجالها. وكذلك الأمير عبد المجيد أمين المكتبة الظاهرية. والحديث عن أحفاد الأمير وذريته يطول وليس هذا محلّه، المهم أنّ الطعن فيهم واتهامهم بالماسونيّة دون دليل واضح أو برهان لا يجوز.
ثم يعود صاحب (فك الشفرة)، فيقول: "وقد كان الأمير عبد القادر ـ خلال وجوده في الشام ـ دائما ما يفزع الى القنصلية الفرنسية عند تعذُّر بعض مهامه، بل و كذلك في شئونه (كذا) الخاصة كما مرَّ بنا، فقد كانت هناك علاقة وطيدة بينه وبين الدولة الفرنسية الاستعمارية".انتهى
وأقول: بعد هذا الاتهام الشنيع، ألا يجد الأخ الكاتب نفسه بحاجة لإيراد دليل واحد على الأقل ليثبت صحة ما يدّعيه؟ فمن أين له أنّ الأمير كان يفزع إلى القنصلية الفرنسية لتحل له مهامه وشؤونه الخاصة أيضًا!
ثم يضرب لنا مثالاً على دعواه فيقول:"فقد تمت وساطة فرنسية لدى الباب العالي للسماح للأمير عبد القادر بالإقامة في الشام".انتهى
مرَّ معنا سابقًا قول صاحب (فك الشفرة) أن الأمير خرج من سجنه في فرنسا ليمر مرورًا باسطنبول في طريقه إلى دمشق. وبينتُ في حينها بطلان كلامه (فالأمير لم يكن في طريقه إلى دمشق ولم يكن هذا في باله، وإنما اتجه من اسطنبول إلى بروسة وبقي فيها ثلاث سنوات). وهو الآن يناقض نفسه فيقول إن هناك وساطة جرت لينتقل الأمير من تركيا إلى دمشق.
وقد بيّنتُ لكم سابقًا القصّة كاملة كما ذكرها المؤرخون الثقات وهي أنّ السلطان العثماني هو الذي تدخّل لدى إمبراطور فرنسا ليسمح بانتقال الأمير من "بروسة" في تركيا إلى دمشق وليس العكس. لأنّ السلطان هو الذي تكفّل بالأمير وكان الاتفاق بينه وبين نابليون الثالث على أن يقيم الأمير في "بروسة"، فلمّا أراد السلطان أن ينتقل الأمير إلى دمشق، أعلم نابليون بذلك وجرى الانتقال بعد موافقته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم يضرب الكاتب مثالاً آخر فيقول: "فأثناء إقامته في منفاه في سوريا كان الأمير عبد القادر كثيراً ما يتدخل لانقاذ المسيحيين ((العملاء لفرنسا والجواسيس لها ضد المسلمين)) ".انتهى
وهنا أيضًا الاتهام دون أية بيّنة أو برهان! من أين يأتي بهذه الاتهامات؟ ولماذا لا يذكر لنا تلك الحوادث ومَنْ ذكرها؟ ومن هم الجواسيس والعملاء المسيحيين الذين أنقذهم الأمير؟
وهكذا نرى بوضوح سقوط هذه التهمة.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58]
ثم يعود الأخ الكاتب إلى التهمة القديمة التي بدأ بها مقاله، وهي تهمة العمالة السافرة لفرنسا والعمل على تمزيق الدولة الإسلامية. وقد بينتُ سقوط هذه التهمة سابقًا فلا أطيل بشرحها، ولكنني أكتفي بتذكير الإخوة القراء بأنّ الأمير هو الذي حافظ على كيان دولة الخلافة الإسلامية العثمانية وخرّب المخططات الأوربية لتفكيك تلك الدولة، فهو الذي صدّ الأسطول الفرنسي الذي نزل بميناء بيروت سنة 1860م لاحتلال بلاد الشام وفصلها عن تركيا. فردّه الأمير بحنكته وصدق فعاله، فعاد الأسطول الفرنسي خائبًا ذليلاً، لكن ليعود مرّة أخرى لينفذ مخططه الماكر والخبيث، وذلك سنة 1920م، وبذلك يكون الأمير قد أخّر تمزيق الدولة العثمانية ستين سنة!!؛ 23سنة في حياته و37 سنة بعد وفاته!! (وسيأتي معنا في الحلقة القادمة تفصيل ذلك كله وبيانه إن شاء الله).
ويستدل صاحب (فك الشفرة) على فرية العمالة لفرنسا بقول التميمي: ((إننا لانعرف ولا وثيقة واحدة صادرة عن الأمير تشجع الحركات الانتفاضية في بلاده (الجزائر)، أو على الأقل مساندته المعنوية لعدد من الزعماء الجزائريين الذين أبلو البلاء الحسن حتى آخر رمق من حياتهم. بل إن الأمير ذهب لاحترام وعده إلى حد التنكر لابنه محي الدين الذي تحول سراً إلى الجزائر لانقاذ البلاد من فرنسا سنة 1870)).انتهى
وأقول: إنّ الاعتماد على قول التميمي لا يرفع عن الكاتب المسؤولية.
إن التميمي مؤاخذٌ فيما يقول ـ وهو متحامل على الأمير ـ فإنّ عدم معرفته بأي وثيقة صادرة عن الأمير تشجع الثوّار، لا يعني عدم وجود هذه الوثائق، وإنما يعني جهله بها، وإن عدم اطلاعه على حقيقة موقف الأمير من الحركات الانتفاضية في الجزائر لا يسمح له بالتدخل في باطن الرجل! وكان الأولى به أن يقف عند حدود معرفته لا أن يتخرّص ويُعرّض بالأمير!!
ثم عن أية وثائق يتحدث؟ والإدارة الاستعمارية الفرنسية لم تترك لنا أي وثيقة صحيحة يُرجع إليها!
وإنما هم يُفرِجون عن بعض الوثائق التي لا تخدم تاريخنا، أو يروّجون لوثائق مزيفة ومزوّرة.
ولمن يريد الاضطلاع على شيء من هذا فأحيله على كتاب (المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر) للأستاذ إسماعيل العربي من الصفحة 150 إلى الصفحة 155؛حيث تحدث عن كيفية تزوير الفرنسيين للوثائق الجزائرية في الأرشيفات الفرنسية وذلك عندما كان في باريس يجري بعض أبحاثه سنة 1950م؛ يعني قبل استقلال الجزائر!!
وللعلم فإن اسم الأمير ورد في عدّة وثائق تتعلق بثورة بلاد القبائل سنة 1857م، وثورة أولاد سيدي الشيخ سنة 1864 و1881م، وثورة 1871م؛ وكانت السلطات الفرنسية في الجزائر تتوجس من الأمير خيفة وكانت تصرّح بأنه على صلة بأهل الجزائر من الثوار وغيرهم. [انظر (حياة الأمير عبد القادر) ترجمة سعد الله ص25]، ولذلك كانت الحكومة الفرنسية مصرَّة على منع عودة الأمير إلى الجزائر إلى أن مات. ومع ذلك فإنّ الكتّاب الفرنسيين صاروا يروّجون أن الأمير لم يكن راضيًا عن بعض الثورات وخصوصًا ثورة 1871م، لكي يوقفوا تأسّي الشعب الجزائري بسيرة ونضال الأمير عبد القادر الذي بقي اسمه ونضاله ومواقفه موردًا ينهل منه المقاومون الجزائريون وقوة معنوية تحفّز إرادتهم وهمّتهم؛ كما يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله. [المرجع السابق ص25]
وعلى كل حال فإن الوثائق التي لم يطلع عليها التميمي اطلع عليها المؤرّخ الدكتور يحيى بوعزيز؛ ونشرها في كتابه (كفاح الجزائر من خلال الوثائق)، ونجد فيها ما يردُّ على التميمي والمعتمدين على كلامه.
(يُتْبَعُ)
(/)
فمن ذلك أن الدكتور بوعزيز ذكر في كتابه السابق ص347 تحت عنوان: (وثائق جديدة عن موقف الأمير عبد القادر والدولة العثمانية من الثوار المقرانيين عام 1871م) وهو يرد على المزاعم الفرنسية التي تقول أن الأمير كان مستنكرًا لثورة المقرانيين. فقال ص349: ((إننا لم نلاحظ، فيما عثرنا عليه من رسائل الأمير، على ما يدل على غضبه عن المقرانيين، بل على العكس، فإنه أبدى عطفه عليهم بعد محنتهم الكبرى عام 1871م وما بعده، عندما هاجروا بجموع غفيرة إلى تونس. وهذا يعني عدم وجاهة آراء الفرنسيين تجاه موقف الأمير نحو زعماء ثورة 1871، خاصة المقرانيين منهم. والدليل على أنّ الأمير لم يكن ضدهم، ولا يحقد عليهم، هو قيامه بمراسلة السلطات التونسية ليستوصيها بهم خيرًا بعد أن هاجروا إلى هناك. ومما ذكره في رسالته إلى الوزير التونسي رستم، قوله: (((فإنّ ولدنا الشريف الأثيل السيد الحاج محمد بوزيد المقراني ورَدَ علينا بالديار الدمشقية المحروسة ... ثم المأمول من السيادة أن تستوصوا خيرًا بولدنا المذكور ووالده وإخوته، وأن تلاحظوهم بالمساعدة فيما يعرض لهم من الأمور وأن لا تقطعوا على المهاجرين كافّة ما تعوّدوه من إحسانكم وتواصل أفضالكم))).
وفي رسالة أخرى إلى الوزير خير الدين قال له: ((( .. وإنه بلغنا وصول الفئة المقرانية وأولاد يلّس إلى الحاضرة ملتجئين إلى سطوتك التي هي أقوى ما يشد به الملتجئ أزره، ويعضد أمره، وهم في هذا لا شك مصيبون في اجتهادهم ظافرون بنجاح مرادهم وكيف لا وقد أمّوا دولةً لم تزل ولا تزال مأوى القاصد وملجأ الوارد .... ومع ذلك فلا نخلّي كتابنا هذا من تقديم الرجاء إلى مقامها الأسما والتوصية النافعة إلى جنابك الأسنى بأن تشملهم بلحظة تخلصهم من غوائل الدهر وتنقذهم من شرك الكدر والقهر))) ولم يكتف بهذا الاقتراح والتوصية فطلب منه، فيما إذا كانت الظروف غير مناسبة بتونس، قائلاً: (((وإلاّ فأشيروا عليهم بالتوجه إلى هذه الأقطار عسى الله أن ييسر عليهم فيها بلوغ الأوطار)))، واستوصاه خيرًا بعد ذلك بمن دعاه: (((عوض ولدنا السيد مصطفى العقبي))).
وفي رسالته إلى الوزير خزندار عبّر عن نفس الرغبة في الاعتناء بالفئة المقرانية، وأولاد يلّس، ورعاية عوض ولده مصطفى العقبي، أو توجيههم جميعًا إلى الديار الدمشقية.
ويتابع الدكتور بوعزيز قائلاً: إن هذه الرسائل دليلٌ واضح على أنّ الأمير عبد القادر يعطف على المقرانيين، وأن معارضته لابنه خلال ثورة هؤلاء لم تكن بسبب كرهه لهم أو مواقف بعضهم ضده خلال ثورته في صدر الاحتلال. وما أحوج تاريخ الجزائر إلى إبراز كل وثائقه الوطنية ونشرها من أجل تصحيح مثل هذه المواقف والآراء المتحيزة، والمغرضة، التي ما انفكّ الكتّاب الفرنسيون يبدونها ويسجلونها حتى مسخوا تاريخ الجزائر مسخًا لا نظير له في تاريخ الشعوب الأخرى، وخاصة فترة الكفاح الوطني خلال القرن التاسع عشر)).انتهى [(كفاح الجزائر) ص349 ـ351]
وبهذا يظهر بوضوح سقوط التهمة التي يروج لها صاحب (فك الشفرة) بالاعتماد على كلام التميمي!
والوثائق التي كان يطالب بها قد ظهرت والحمد لله، فهل سيرجع عن اتهامه للأمير؟
وأحب أن أضيف إلى تلك الوثائق وثائق أخرى هي في حوزتي، وفيها بيان بالمرتبات الشهرية التي كان يخصصها الأمير لآل المقراني في دمشق وذلك بعد هجرتهم إليها بعد محنتهم وفشل ثورتهم في الجزائر، فهل يُعقل أن يكون الأمير غير مؤيد لثورتهم ثم هو بعد ذلك يوصي بهم خيرا، ليس هذا فحسب وإنما يلجؤون إليه ويلوذون به؟ ونحن على علاقات طيبة معهم إلى يومنا هذا.
وأمّا ما زعمه التميمي ونقله عنه كاتب (فك الشفرة) وغيره، مِنْ تنكّر الأمير لذهاب ابنه محيي الدين للمشاركة في الثورة على فرنسة في الجزائر. فهو أيضًا غير صحيح. وما ذكرناه آنفًا من عطف الأمير على المقرانية ومساندته لهم وتوصية الوزراء في تونس بهم، وهم الذين انضم إليهم ولده محيي الدين، لأكبر دليل على أنّ الأمير ليس معارضًا للثورة ولا لمشاركة ابنه فيها من حيث المبدأ.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتفاصيل القصّة رواها لنا العلاّمة عبد الرزاق البيطار في كتابه (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر) والبيطار صديقٌ حميم لمحيي الدين وفي الوقت نفسه هو من خواصّ الأمير عبد القادر، إذن هو أدرى الناس بتفاصيل هذه القصّة. وهو لم يذكر أن الأمير استنكر ذهاب ابنه أو غضب عليه! ولم يلمح إلى ذلك أبدًا.
المهم في الموضوع أنّ العلاّمة البيطار بعد سرده لقصة توجه السيد محيي الدين إلى الجزائر ومشاركته في ثورة 1288هـ (1871م)، وتمكن الجيوش الفرنسية في النهاية من السيطرة على الوضع قال: ((والتمست دولةُ فرانسا من حضرة والدِه إرسالَ أمرٍ ونصيحةٍ له)).انتهى
إذن فرنسا طلبت من الأمير أن ينصح ولده ويأمره بالعودة! وذلك تطبيقًا للمعاهدة التي بين الأمير ونابليون الثالث والتي تنصّ على عدم عودة الأمير أو أحد أبنائه إلى الجزائر للمشاركة في أي قتال.
ومن الوثائق التي أوردها الدكتور يحيى بوعزيز، رسالة أرسلها الأمير عبد القادر إلى ابن عمّه الطيب بن مختار قاضي مدينة معسكر. وقد أثبت نصّها في كتابه كفاح الجزائر ص279، وإليكم النص:
(((الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم.
ابن عمّنا العلاّمة سيدي الطيب ابن المختار قاضي معسكر حفظكم الله ورعاكم ومن كل مكروه حماكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فقد وصلنا مكتوبكم المؤرّخ بأواخر ذي الحجة وحمدنا الله على عافيتكم وكمال الخصب في مواطنكم. ثم اعلمْ أنه بلغني أن محيي الدين ظهر في نواحي الصحراء الشرقية مع أنني لم آذن له إلاّ في الإسكندرية ونواحيها بقصد تغيير الهواء لما كان لازمه من أنواع الأمراض فاحذروا متابعته وحذروا الأحباب منه فإنه محضُ عبث؛ والعاقل من اتعظ بغيره، وتثبت في جميع أموره، فقد ألقى بنفسه فيما يؤول به ما لا خير فيه. إنا لله وإنا إليه راجعون
يُغمى على المرء في أيّام محنته ... حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسنِ
والسلام. أخوكم عبد القادر في 20 محرم الحرام 1288))).انتهى
وأريد أن أنّبه إلى أمر هام وهو أنّ الكيفية التي اعتمدها الأستاذ بوعزيز لقَبول الوثائق هي ـ وياللأسف ـ كيفية لا تعتمد على أصول بحثية علمية في التوثيق (كمطابقة الخط وكشف التزوير، ومعارضة الوقائع الصحيحة لها أو اتفاقها معها). لذلك علينا أن نكون حذرين من قبول أي معلومة فيها إذا لم تعضدها قرينة صحيحة.
ومع ذلك فإننا إذا نظرنا في هذه الرسالة نجدها منسجمة مع ما قاله البيطار من أن فرنسا طلبت من الأمير أن يرسل لولده طلب نصيحة وأمر بالعودة، وكذلك نجد أن أسلوب الكلام فيها مشابه لأسلوب الأمير. ومضمونها: أنّ الأمير لم يأذن لولده بالذهاب إلى الجزائر، وهو بذلك ينبّه إخوانه وأحبابه في الجزائر أنّ محيي الدين ليس أهلاً لاستلام قيادة حرب، وأنّه مريض، ولا خبرة له في القتال. (وهذا من حق الأمير أن يقوله؛ تمامًا كما فعل والده من قبل سيدي محيي الدين بن مصطفى عندما أشار على الناس في الجزائر بمبايعة ابنه عبد القادر لما رأى فيه من القوة والحنكة والشجاعة). وليس في كلام الأمير أي اعتراض على محاربة فرنسة أو الثورة عليها! وإنما اعتراضه على جعل محيي الدين قائدًا لتلك الثورة. ولذلك يمكننا مبدئيًا تصديق هذه الرسالة ريثما يجري التحقق من ثبوتها.
في حين أنّ باقي الرسائل التي أثبتها الأستاذ بوعزيز لا يمكن القَبول بها أبدًا والتزوير فيها مُفتضح، وظاهر كل الظهور. وفيها الوثيقة التي اعتمد عليها عبد الجليل التميمي في اتهامه للأمير بتأييد فرنسة والتخلي عن ابنه. وقد قال الدكتور أبو القاسم سعد الله عن هذه الوثيقة: ((والوثيقة المنسوبة إليه (يعني الأمير) قد تكون مزورة لخدمة أغراض داخلية)).انتهى [حياة الأمير، ترجمة سعد الله ص25].
ومن الأسباب التي تدعونا لرفض هذه الرسائل، وتُثبت تزويرها:
1ـ هذه الرسائل موجهة إلى القناصل الفرنسيين بدمشق وطرابلس الغرب يُعْلِمُهم الأميرُ فيها أن ابنه محيي الدين قد توجّه إلى الجزائر.
وهذا خلاف المصادر التاريخية التي أثبتت أن القنصل الفرنسي هو الذي أبلغ الأمير بتوجه ابنه إلى الجزائر، وأنّ الحكومة الفرنسية هي التي طلبت من الأمير أن يأمر ولده بالعودة.
(يُتْبَعُ)
(/)
2ـ إن مضمون تلك الرسائل فيه سبٌ ودعاء على ولده محيي الدين بل وفيها يتمنى موته، ويتبرأ منه إلى درجة أن لا ينسبه إليه!!
3ـ الكلام في تلك الرسائل يوحي أن جميع القبائل الجزائرية كانت راضية بالحكم الفرنسي وأن محيي الدين هو الذي جاء ليؤلّبها على فرنسة! وطبعًا هذا غير صحيح. وإنما هو دليل على أنّ الكاتب لهذه الرسائل إنما هي الحكومة الفرنسية!
4ـ إن أسلوب الكلام في جميع تلك الرسائل عامّي ومفكك وفيه تعابير أوربية (فرنسية مترجمة)، وإذا قارناه بأي رسالة ثابتة للأمير نجده لا يشبه أسلوب الأمير مطلقًا. بل ولا يرقى إليه، وإنما صِيغ بقلم فرنسي مقيم في الجزائر.
5ـ في الرسالة الأخيرة نجد فيها أن الحكومة الفرنسية هي التي تتوسط لدى الأمير ليصفح عن ولده!!! وفيها معلومات غير صحيحة ومخالفة للواقع. (وتأمّلوا في هذه المهزلة صارت الحكومة الفرنسية هي التي ترجو من الأمير أن يسامح ابنه الذي ذهب للمشاركة في الثورة عليها ومجاهدتها، يعني فرنسا راضية عن فعل محيي الدين والأمير هو الغاضب! أرأيتم إلى هذا السقوط في التزوير!!)
وإليكم بعض النماذج:
1ًـ في الرسالة المزعومة والموجهة إلى قنصل فرنسة بدمشق جاء فيها: (( ... فإذا استحسنتم جنابكم تتخابرون (كذا) مع الوزير فإذا أحسن عنك (كذا) مساعدته (كذا) أكتب (كذا) مكاتيب خصوصية لكل قبيلة من القبائل الذين (كذا) مع المفسد (كذا) بعد أن يعرفوني (كذا) أين هو وأسماء القبائل هم (كذا) عندهم (كذا) ليتحقق الناس أنني بريء منه ومن عمله)). انتهى [كفاح الجزائر ص279]
أرأيتم إلى هذا النص المقطع الأشلاء والركيك. أيُعقل أن يكتب شخص عربي كلامًا كهذا؟
فما بالكم بالأمير العالم والأديب والشاعر؟
2ً ـ جاء في النداء المزعوم من الأمير إلى سكان الجزائر: ((إن ولدنا التعيس (كذا) محي (كذا) الدين قد تجاسر من مدة (كذا) وذهب ضد (كذا) إرادتنا إلى نواحي المغرب وبمقتضى (كذا) ما بلغنا أنه اتحد مع بعض الأشقياء وشرعوا في زرع الفساد وعمل الحركات في جهات (كذا) حكومية (كذا) قسنطينة التي من شأنها سلب راحة الأهالي ...... وعليكم أن تردعوا جهالكم من موافقته وعدم المداخلة (كذا) في عمل أو هيجان (كذا) وأن تحرضوهم على الخضوع لأوامر الحكومة الفرنساوية التي تحسب (كذا) سيادتها قد وطدت الراحة التامة في بلادكم وكثرت ثروتكم ورفعتكم إلى أعلى درجة من المجد والترقي محترمة شرائعكم الدينية وعظمة نبيكم وكتابكم. والذين يتجاسرون على المساعدة في سلب الراحة وإلقاء البلاء بل (كذا) يستحقون غضب الله لأنه يكره الشر ويحب الخير .. )) انتهى [كفاح الجزائر ص280]
وكأننا نقرأ كلمة لقسيس في كنيسة فرنسية في الجزائر، سواء من جهة التراكيب الدينية أو التراكيب اللغوية، أو من جهة إظهار فرنسة بأنها راعية للدين الإسلامي. ونحن نعلم كيف كانت الأوضاع في الجزائر في ذلك الوقت من هدم للمساجد أو تحويلها إلى مستودعات واصطبلات وكنائس، ومحاربة الدين ونشر التنصير!! وهذه الرسالة لم تمهر بختم الأمير في النهاية!!! ولم يوضع لها تاريخ محدد كالعادة في سائر الرسائل!! وقد لاحظ الدكتور بوعزيز هذه الأشياء وأشار إلى بعضها في النص.
3ً ـ جاء في الرسالة المزعومة من الأمير إلى وكيل قنصل فرنسا بدمشق: ((فنقول إننا مصممين (كذا) ألا نراه مدة حياتنا قط (كذا) وذلك ليس فقط في بيت واحد بل كنا معتمدين (كذا) على أننا لا نوجد معه (كذا) في مدينة واحدة ولذلك أطردنا (كذا) من دارنا حريمه وأولاده!! ...... والحالة المزعجة الموجود هو بها الآن (كذا) عرفوه (كذا) جرم الجنون الذي ارتكبه ونتأمل أن يكون ذلك كفالة له في المستقبل (كذا)، ولا حراعة (كذا) لنا لإطالة الشرح إذا (كذا) أننا مخجولين (كذا) من تصرف محي (كذا) الدين الخبيث ... )).انتهى [كفاح الجزائر ص281]
وهنا أيضًا نرى بوضوح التحطيم الإعرابي وسقامة النص العربي والأخطاء الإملائية. إضافة إلى المعلومات الخاطئة ففي الرسالة قرأنا أن الأمير يقول أنه طرد حريمَ وأولاد ابنه محيي الدين!!
وهذه سقطة كبيرة من مزوِّري هذه الرسائل، بها انفضح أمرهم وانكشف باطلهم وتزويرهم وكذبهم؛ فمن المعلوم والثابت أن السيد محيي الدين لم يكن له أي زوجة أو أولاد عندما سافر إلى الجزائر ليلتحق بثورة 1871م، وإنما تزوج بعد عودته!! وتأخّر إنجابه للأولاد.
ولكن غاب هذا عن المزورين، ففضحهم الله!! وهذا أكبر دليل وبرهان على بطلان تلك الرسائل وسقوطها، ولا يمكن أن تعدّ من الوثائق ولا يُبنى عليها حكم!
ثم إذا لم يستح مزوّر هذه الرسالة من قوله إن الأمير طرد زوجة ابنه وأولاده من داره؟! فكيف يقبل مؤرّخ جزائري مثل هذا الكلام؟! والأمير كان يصفح ويسامح الذين خانوه في الجزائر ويضمهم إلى جواره وينفق عليهم!
ويزعمون أنّ كل هذا الغضب من الأمير على ابنه لأنه ذهب وشارك في ثورة 1871م، ومرَّ معنا آنفًا كيف كان الأمير يوصي الوزراء في تونس بآل المقراني خيرًا وهم الذي أشعلوا ثورة 1871م!!
وكذلك استضاف الأمير آل المقراني؛ الذين هربوا من الجزائر بعد ثورتهم؛ في دمشق وأكرمهم وكان ينفق عليهم! فما هذا التناقض؟ كيف يغضب الأمير على ابنه لمشاركته في الثورة، ثمّ هو يكرم زعماء الثورة ويوصي بهم خيرًا ويكتب الرسائل والتوصيات ويرسلها، دون أن يخشى من فرنسة وجواسيسها؟ أفلا تعقلون؟!!!!
أظن أنّ ما ذكرته فيه الكفاية لبيان سقوط تلك التهم. وأسأل الله تعالى أن يرزقنا السداد ويلهمنا الصواب.
ولا حول ولا قوة إلا بالله
خلدون مكي الحسني
للبحث صِلة إن شاء الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[13 - Nov-2008, مساء 09:34]ـ
بارك الله فيكم - شيخ خلدون - على هذه الحقائق التاريخية؛ التي تنقض ما نشر هذه الأيام في بعض الصحف عندنا على لسان واسيني الأعرج من إثبات استسلام الأمير عبد القادر وتبرأه من ابنه محيي الدين والوثوق بكتاب (المواقف)، مع الرد على الفاضلة الأميرة بديعة - حفظها المولى -،،،
وفقكم الله لإتمام هذه الحلقات، وأساله - سبحانه - أن يهدينا جميعا لما اختلف فيه من الحق بإذنه،،،
ـ[عبدالقادر بن محي الدين]ــــــــ[14 - Nov-2008, مساء 06:26]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أحسب أن ما أتى به الكاتب (واسيني الأعرج) هو من بنات رأسه ,,,فلقد ذكر هذه العباارة قبله الإمام العلامة محمد البشير الإبراهيمي - قال رحمه الله " .. ولما اجتمع على عبد القادر تدبير الأقدار وتخاذل الأنصار وقعود الجار , استسلم , ولكن الجزائر لم تستسلم , وبقيت الثورات مشتعلة في جهات القطر , لم تفقد إلا صبغتها العامة الشاملة لجهاتها الأربع من حدود (وجدة) إلى مخارم (أوراس) في حدود تونس ,,, " (في قلب المعركة لمحمد البشير الإبراهيمي مع تصدير الدكتور: أبو القاسم سعد الله ص:162).
ـ[أحمد البكري]ــــــــ[15 - Nov-2008, مساء 04:23]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت في كتاب بالانجليزية بأن عبد القادر الجزائري قد طلب الانتساب للماسونية, فما صحة هذه الدعوى؟؟
وهل هذا هو خط الجزائري؟
http://img91.imageshack.us/img91/4428/0010jd1.jpg (http://img91.imageshack.us/my.php?image=0010jd1.jpg)
http://img91.imageshack.us/img91/0010jd1.jpg/1/w376.png (http://g.imageshack.us/img91/0010jd1.jpg/1/)
]
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[17 - Nov-2008, صباحاً 02:00]ـ
الأخ أحمد البكري السلام عليكم ورحمة الله
فيما يخص دعوى انضمام الأمير إلى الماسونية سيأتيك الجواب عنها مفصّلاً في الحلقات الثلاث القادمة إن شاء الله، وعلى كل حال هي دعوى غير صحيحة.
وأمّا الرسالة التي عرضتها (وهي فيما يبدو موجّه إلى الكولونيل تشرشل) فلم أطلع عليها سابقًا، وهي مؤرّخة بتاريخ 1273هـ أي في سنة وصول الأمير إلى دمشق قادمًا من تركيا عبر ميناء بيروت. وهذا غريب! والختم الذي بأسفلها يشبه ختم الأمير ولكنه يبدو تام الاستدارة، في حين أن ختم الأمير شبه بيضوي (دائري مفلطح قليلاً).
وأمّا خطّ كاتبها فليس خط الأمير عبد القادر قطعًا. وأنت إذا نظرت في الوثائق الصحيحة النسبة إلى الأمير فستجد الفارق الكبير بين المميزات المكوّنة لخط الأمير ومميزات خط تلك الرسالة.
فمثلاً لفظ الجلالة في قوله (الحمد لله وحده) لا يشبه في رسمه خط الأمير، فالأمير يكتب لفظ الجلالة بأسلوب خاص وذلك بإطالة اللام الأولى فيه وتحويل اللام الثانية إلى سن قصير.
وكذلك حرف الدال في كلمة (الحمد) وكلمة (وحده) لا يشبه رسم الدال في خط الأمير فالأمير يكتبه إلى الأسفل ولا يجعل له امتدادًا إلى الأعلى إلا بمقدار سن صغير.
وكذلك حرف الميم في آخر الكلمة بعيد جدًا عن أسلوب الأمير، وكذلك حرف اللام ألف (لا) لا يشبه رسم الأمير البتّة!! كما في الكلمات: الأوفى، الأوفر، إلاّ، الأحوال، الأعمال، الأولى، السلام ...
هذا فضلاً عن أسلوب الخطاب وبعض الألفاظ: فمثلاً يقول له (الكردنيل) بدل (الكولونيل) وهذا غريب جدًا. وكذلك يقول (الشريف خاطركم) وهذا تركيب غريب أيضًا!
وما أخبرتكم به عن المزايا المكوّنة لخط الأمير ليس من اجتهادي فحسب، وإنما هي مقتبسة من تقارير الخبرة الفنيّة التي أجراها خبير الخطوط والوثائق العالمي الأستاذ هشام غراوي.
وستجد مرفقًا بكلامي مقاطع صغيرة من أحد تلك التقارير، بخط الخبير، وفيها رسوم توضيحيّة.
وإن شاء الله تعالى سأخصص بحثًا مختصرًا أعرض فيه نماذج من رسائل الأمير.وأتحدث فيه عن مسألة التزوير التي مارستها فرنسة في كتابة رسائل وصكوك باسم الأمير وغيره.
/// الصورة الأولى:
http://www.al-qatarya.org/up/get-11-2008-meo2rpav.jpg (http://www.al-qatarya.org/up)
/// الصورة الثانية:
http://www.al-qatarya.org/up/get-11-2008-yga1k92y.jpg (http://www.al-qatarya.org/up)
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[27 - Nov-2008, مساء 10:01]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثالثة عشرة
إنّ سلسلة التهم السابقة التي وجّهها الأخ محمد المبارك صاحب (فك الشفرة) للأمير، انتهت باتهام الأمير عبد القادر بالماسونية!!
فتحت عنوان الأمير في بلاد الشام، بدأَ التهمة الجديدة، مستدلاً بأحداث جبل لبنان (اقتتال الموارنة والدروز) والتي امتدت إلى دمشق سنة (1277هـ،1860م) فسعى الأمير عبد القادر في حينها لإطفاء نار تلك الفتنة وتخييب آمال مشعليها، فعدَّ كاتبُ المقال أنّ في ذلك دليلاً على ماسونية الأمير وعمالته لفرنسا!!!
قال في (فك الشيفرة):"قبل عام 1860 كان المتصرف العثماني يقيم في جبل لبنان بينما يشرف على جميع لبنان و سورية، و إثر ما عرف في التاريخ اللبناني بفتنة الجبل تدخل الأمير عبدالقادر للتوسط لدى الدولة العثمانية لصالح (ثورة يوسف بك كرم الماروني في (1859 ـ 1860 م) التي ثارت على داود باشا اول متصرف عثماني على الجبل اللبناني، و طالبت بالحكم المحلي لموارنة الجبل، ثم دعت الى التدخل الفرنسي بصوت مطرانها "طوبيا عون" ... وحين أفرزت تلك الفتنة غضباً عارماً في دمشق والشام على المسيحيين الذين راسلوا و جلبوا المستعمر الاجنبي الفرنسي إلى ديار المسلمين، قام الأمير عبد القادر، باعتراف العديد من قادة تلك الفترة بحماية و إنقاذ حوالي 12000 مسيحي ويهودي احتموا بالأمير من غضب جماعات ثائرة، و قد حمل مع أتباعه السلاح من أجل ذلك. وهو ما دفع العديد من ملوك وقادة تلك الفترة ورجالات الدين إلى منح الأمير أوسمة شرف عرفانا لإنقاذ أرواح عدد من رعاياهم بمن فيهم قناصلة روسيا وفرنسا واليونان وأمريكا و قد انتهت تلك الفتنة بالتدخل الاجنبي الفرنسي، و بعد تلك الخدمة الجليلة للتاج الفرنسي تهاطلت على الأمير الأوسمة والنياشين من عدد كبير من رؤساء الدول الأوربية، وعلى الخصوص من نابليون الثالث الذي وشحه وسام الشرف الفرنسي الأول، ونتيجة لذلك أخذت تنتشر في أوربا التآليف التي مجدت الجانب الإنساني للأمير وتسامحه".انتهى
ثمّ راح يستدل بأقوالٍ لماسونيين وصليبيين حاقدين معاصرين! (أمثال: جرجي زيدان، وأنطوان عاصي، وشاهين مكاريوس)!!!
وإذا كان بعض الكتّاب ـ غير المسلمين أو غير المتدينين ـ يرضى بأمثال هؤلاء ليحتج بهم على رجال الإسلام ويطعن فيهم، فما كان ينبغي على الأخ محمد المبارك أن يرضى بذلك!
لأنّ المسلمين أصحاب العقيدة الصحيحة والمنهج القويم، لا يقبلون أبدًا بأمثال هؤلاء ولا بمن ينقل عنهم، بل يلقون بهم وبكلامهم، ولا يرضون إلاّ بكلام الثّقات الأتقياء من أهل الإسلام!
وإنّ كل ما نقله الكاتب عن هؤلاء، مِنْ أحداثٍ وتحليلٍ لها باطلٌ وغير صحيح، وكي أُبيّن بطلان تلك المزاعم لا يكلّفني الأمر أكثر من عرض وقائع تلك الحادثة بصدق وأمانة كما وردت في المصادر الموثوقة والمشهورة. وسيظهر للقارئ عندها الحقُ جليًا دون الحاجة لأي شرح أو تحليل.
ولكن هناك أمرٌ هام أريد أن أنبّه عليه: وهو أنّ الأخ محمد مبارك صاحب المقال قام بخلطٍ عجيب للأحداث التاريخية، وأدخل الوقائع في بعضها على نحوٍ لم يُسبق إليه، وبعد ذلك أخذَ يستنتج ما يشاء من هذا الخليط العجيب ويصوغه وكأنّه مسلَّمة تاريخية! وهذه مصيبة كبرى!
لذلك سأضطر لتجلية الموضوع حتى يتبيّن له وللجميع حقيقة ما جرى.
أولاً؛ بدأ الكاتب كلامه متحدِّثًا عن حادثة تاريخية مشهورة وهي المعروفة باسم (فتنة الجبل) سنة 1860م في لبنان والتي امتدت فيما بعد إلى دمشق، فزعم أنَّ الفتنة كانت بثورة يوسف كرم على المتصرف العثماني "داود باشا" وأنّ الأمير تدخل لصالح ثورة يوسف كرم!! وهذا خلط عجيب! ولن أطيل في شرحه ويكفيني أن أعرض لكم ما قاله الأستاذ خير الدين الزركلي في موسوعته "الأعلام" عن يوسف كرم؛ قال: ((يوسف بن بطرس كرم (1238 - 1306هـ = 1823 - 1889م): شجاع لبناني ماروني، يُنْعَت ببطل لبنان. من أهل قرية "إهدن" أقامه الأمير حيدر الشهابي حاكمًا عليها بعد أبيه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعيَّنه الوالي "فؤاد باشا" على إثر حادثة 1860م "وكيل قائم مقام" في بلده. ولم يلبث أن اعتزل العمل، طامحًا إلى أن يكون متصرفًا "وطنيًا" للبنان بعد أن تنتهي مدة المتصرف "الأجنبي" داود باشا، فاعتقله "الباشا" فؤاد، ونفاه إلى الآستانة (سنة 1861م) فَفَرَّ (سنة 1864م) عائدًا إلى بلده.
وقلق منه داود باشا فأراد القبض عليه، فقاتله، وكثر أنصار يوسف، وظهرت بسالته، ونشبت بينه وبين العساكر اللبنانية معارك. وتوسط القنصل الفرنسي، فأخرجه "تحت الحماية الفرنسية" إلى فرنسة (سنة 1867م) فتنقل في أوربة. واستقر في "نابلي" بإيطالية، محتفظًا بجنسيته العثمانية، معلنًا أنه لم يخرج على السلطان، بل دفع عن نفسه ظلم "داود" ومات في "نابلي" ونقل أقاربه جثمانه إلى "إهدن" وأقيم له فيها "تمثال" بعد مدة)).انتهى
إذن صار واضحًا الآن أنّ ما يُسمّى ثورة يوسف كرم كانت بعد انتهاء فتنة الجبل المشهورة سنة 1860م، وخروج يوسف كرم على المتصرف العثماني وقتاله كان سنة 1864م!!، والذي توسّط ليوسف كرم لدى العثمانيين هو القنصل الفرنسي!! ولم يحدث أي تدخل عسكري أجنبي!!
ثانيًا؛ إليكم الآن وقائع حادثة 1860م (فتنة الجبل) وذلك من المراجع الإسلامية الموثوقة.
وكنتُ أريد الاختصار في عرضها ولكنني رأيت أن أتوسّع قليلاً في ذلك، والسبب هو أنّه كما يُقال: "التاريخ يُعيد نفسه" وأحداث لبنان اليوم ما هي إلاّ امتداد وتكرار للأحداث التي جرت في السابق (سنة 1841م ثمّ 1845م ثمّ 1860م ثم 1864م .. ثم .. ) وكان كبير الفاتيكان الذي سبق الحالي قال ضمن كلمة له: ((لبنان أكثر من وطن: إنه رسالة!!))، ونحن نرى بوضوح اهتمام الغرب بلبنان واستخدامه دائمًا لزعزعة المنطقة واتخاذه ممرًا لتمرير خططهم ومشاريعهم!! فلعلّنا نستخلص العِبَر!
جاء في التاريخ الإسلامي للعلاّمة محمود شاكر قوله:
((فبعد وفاة الخليفة العثماني محمود الثاني تسلّم الخلافة ولده عبد المجيد الأوّل سنة (1255هـ،1839م)، وكانت الدولة العثمانية قد بدا ضعفها وكان "محمد علي" الوالي على مصر قد أعلن انفصاله عن الدولة العثمانية وصارت له أطماعه الخاصة وزادت قوّته، فخشيت الدول الأوربية الاستعمارية (انكلترا وفرنسا والنمسا وبروسيا) من احتمال استيلائه على إسطنبول، وهنا قد تتدخل روسيا لأنها مرتبطة في ذلك الوقت مع الدولة العثمانية بمعاهدة دفاع مشتركة، لذا فقد قدّمت دول أوربا لائحة مشتركة من (روسيا وانكلترا وفرنسا والنمسا وبروسيا) تطلب من الخليفة الجديد ألاّ يُقرَّ موضوعاً في شأن يتعلّق بوالي مصر دون الرجوع إليهم، وفي الوقت نفسه فإنهم مستعدون للتوسط بينهما، فَقَبِلَ الخليفة اللائحة، واجتمع السفراء عند الصدر الأعظم وتداولوا الرأي، وظهر تباين في وجهات النظر. روسيا تريد أن تحتفظ بالمعاهدة الدفاعية مع الدولة العثمانية التي تُبقيها تحت حمايتها، وانكلترا وفرنسا تخشيان من ذلك وترغبان أن تكون لهما قطعات بحرية في المضائق بحيث تشاركان، وتمنعانها من التفرّد بالتصرف في شؤون الدولة وحدها. ومن ناحية أخرى فإنّ فرنسا تود دعم محمد علي وأن يحتفظ بما أخضعه، وانكلترا لا تريد ذلك منافسةً لفرنسا على مركزها في مصر، وخوفاً من منافستها على طريق الهند، والنمسا وبروسيا تريان في قوّة محمد علي خطراً على أوربا خشية من أن يُسيطر على الدولة العثمانية ويُعيد لها الحياة، فهما أقرب إلى انكلترا. وبعد فشل لقاءات، وتهديدات بالانسحاب، ودعوة إلى مؤتمرات، نجحوا في عقد اتفاقيّة عام (1256هـ =1840م) بين انكلترا وروسيا وبروسيا والنمسا بعد انسحاب فرنسا! ومحاولة اتفاقِها مباشرة مع الدولة العثمانية ومحمد علي وتشجيعه على رفض مطالب انكلترا، ودعمه إن عارضته انكلترا)).
[[طبعًا هذه الأحداث تجري والجيوش الفرنسية كانت قد احتلت الجزائر ودخلت في حروب طاحنة مع الأمير عبد القادر، وكان الأمير يجاهد الفرنسيين في الجزائر، ومحمد علي كان يبعث بجنود من مصر لمساعدة الفرنسيين في حربهم على الأمير!!]]
(يُتْبَعُ)
(/)
((ولمّا كانت فرنسا قد انسحبت من تلك الاتفاقية، عادت للتحايل على منافستها انكلترا التي بدأت تحرّض سكان جبال لبنان من دروز وموارنة وغيرهم. وبدأ تحرّك الأساطيل الإنكليزية والفرنسية على سواحل بلاد الشام. وكانت خطّة فرنسا هي دعم الموارنة ومحمد علي لكي تضمن نفوذها في بلاد الشام، في حين كانت خطّة انكلترا دعم الدروز وتحريضهم على النصارى!!
ولكنّ الحكومة الفرنسيّة ضَعُفت، وسَحَبَت قواتها البحرية إلى مياه اليونان ثم إلى فرنسا، وتركت سواحل مصر والشام لسفن إنكلترا، فاقتصر العمل على إنكلترا مع دعمٍ قليل من النمسا. وأنزلت إنكلترا قواتها شمال بيروت، وبدأت المعارك، وهُدِّمت أكثر المدينة وأُحْرِقَت، وكذا بقيّة الثغور الشاميّة، وتمكّنت القوات الإنكليزيّة ومَنْ معها من أخذ الموانئ وإجلاء جيش محمد علي.
اعتدى الدروز على الموارنة عام (1257هـ =1841م)، ودخلوا دير القمر، وارتكبوا أبشع الأعمال. (طبعاً الأمير عبد القادر مازال في الجزائر!! وليس له وجود في الشام قبل سنة 1273هـ، 1856م) فَعَزَلَ الخليفةُ الأميرَ "بشير الشهابي"، ووضع والياً عثمانياً مكانه، وحُرِمَ الجبل مما كان له من امتيازات، ولم تقبل الدول الأوربية ذلك، فاضطر (الخليفة) أن يُعيد للجبل امتيازاته، وأن يُعيّنَ قائمقام درزي وآخر ماروني وذلك عام (1258هـ). ولكن الأمر لم يستقم لاختلاط الطوائف في القرى، فرأى الخليفة ضمّ شمال الجبل ـ أي منطقة الموارنة ـ إلى ولاية طرابلس، فاحتجّ الموارنة، فأرسلَ من يدرس الموضوع ويُقدّم الحلول، فلم يُفد ذلك شيئاً، وأصرّ الدروز أن يبقى الموارنة تحت سلطانهم، وفضّل بعدئذ الموارنة أن يتبعوا ولاية أخرى من أن يكونوا تحت سلطان الدروز، فاستحسن الخليفةُ الرأي، ولكن لم يُعجب الدروز فقاموا باعتداءاتهم الثانية عام 1261هـ)). (أيضًا الأمير مازال في الجزائر)!!
((وبعد ذلك أرسلت الدولة العثمانية جيوشها واحتلت المنطقة كلّها، وأعلَنت فيها الأحكام العرفية. ثمّ اتفقت الدول الأوربيّة مع الخليفة على تشكيل مجلس يضم أعضاء من المجموعتين ومن غيرهم. ولم تنته القضيّة إلاّ بمذابح عام 1277هـ/1860م)).
[كانت الدول الاستعمارية تحتال بكل ما تستطيع لكي توجد لنفسها قدمًا في أراضي الدولة العثمانية، ومن تلك الحيل قضيّة حماية رعايا الدولة من النصارى، وكذلك مقدّسات النصارى!]
((وهاهي فرنسا بحكم الامتيازات القنصلية في الدولة العثمانية تملّكت الإشراف على الكنائس في بيت المقدس، ثمّ انتقل هذا الإشراف لروسيا بسبب انشغال فرنسا بحروب نابليون، فلما انتهت فرنسا مما تعاني أرادت العودة إلى ما كانت عليه فحصل خلاف بين رجال الكنائس الكاثوليك والأرثوذكس، فشكّلت الدولة العثمانية لجنة من رجال كنائس مختلفي المذاهب، فأقرّوا بحق فرنسا في ذلك فاحتجّت روسيا وهددت بالحرب ... ورفض الخليفة أيضاً من السفير الروسي حق حماية روسيا للنصارى المقيمين في الدولة العثمانية.
وبدأ التوتر يرتفع بين الدولتين وتحركت الأساطيل البحرية وتقدمت الجيوش الروسية، ثم عقد مؤتمر للتوفيق بين الدولتين ولكن الخليفة رفض مطالب روسيا، وشجّعت انكلترا وفرنسا الدولة العثمانية في عدم الخضوع لطلبات الروس، وكان موقف فرنسا وانكلترا ضد روسيا خوفاً على مصالحهم لا حباً بالمسلمين. وجرى اتفاق بين الدولة العثمانية وفرنسا وانكلترا على محاربة روسيا وذلك في (12/ 6/1270هـ =11/ 3/1854م)، واقتضى ذلك الاتفاق أن ترسل فرنسا خمسين ألف جندي، وتبعث انكلترا بخمسة وعشرين ألفاً، وأن تجلوَ هذه الجنود عن الدولة العثمانية بعد خمسة أسابيع من الصلح مع روسيا. وبدأت حرب "القرم"، ثمّ جاءت معاهدة باريس وقبلت روسيا بشروط الدول المتحالفة.
وأعقب ذلك بحث بعض الشؤون الأوربية، فاتفقوا على تكوين دولة واحدة من إقليمَي "الأفلاق والبغدان" ([1] ( http://majles.alukah.net/#_ftn1)) شبه مستقلّة تُسمى حكومة الإمارات المتحدة وتكون تحت حماية جميع الدول، أي إخراجها من تَبَعية الدولة العثمانية، ووقع ذلك في باريس عام (1275هـ =1859م)، وكان الخليفة قد أصدر بعض التعليمات الإدارية في سبيل الإصلاح وهو ما عُرِفَ باسم (الخط الهمايوني) وذلك عام (1272هـ =1856م).
(يُتْبَعُ)
(/)
وأوجدت الدول النصرانية كذلك مشكلاتٍ في الصرب، والجبل الأسود، والبوسنة والهرسك، لتفصلها عن الدولة العثمانية، فبدأت تقوم الثورات، وتمنع دولُ أوربا الدولةَ العثمانية من قمع هذه الثورات بتهديد الدولة، وقطع العلاقات السياسية معها، بل غالبًا ما كانت الدول الأوربية هي التي تدعم الثورات وتثيرها، وأصبح سفراء هذه الدول شركاء في السلطة تقريبًا!!
وأُثيرت آنذاك مشكلة جزيرة "كريت"، وحدَثَ اعتداءٌ على النّصارى في "جُدّة"، وأُصيب قنصل فرنسا، وهدَّأ والي "مكّة" الوضع غير أنّ الانكليز قد ضربوا "جُدّة" بالمدافع!)).انتهى [انظر التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر الجزء 8 /من ص173 إلى ص181]
كل هذه الأحداث والأمير لم يدخل دمشق بعد! فالأمير رست سفينته في ميناء بيروت في (27/ 3/1273هـ = 24/ 11/1856م).
إذن فرنسا وانكلترا وروسيا وغيرها كانوا يسعون للقضاء على دولة الخلافة العثمانية وكانوا يستعينون بالأقليات النصرانية الموجودة في أراضي الدولة العثمانية لإيجاد الذرائع للتدخل في تلك الأراضي ومن ثَمَّ فصلها عن دولة الخلافة واحتلالها!
فكانت الفتنة الطائفية في الشام: يقول الأستاذ محمود شاكر: ((تساهل السلطان عبد المجيد مع الدول الأوربية فاستقرت الأوضاع في إقليمي الأفلاق والبغدان، والصرب، واشتعلت الفتنة في بلاد الشام، إذ اعتدى الموارنة على الدروز عام (1276هـ =1860م) فقام الدروز يأخذون بالثأر، وامتد اللهيب من جبل لبنان إلى طرابلس، وصيدا، وزحلة، ودير القمر، واللاذقية، ودمشق ... وأسرعت الدولة العثمانية فأرسلت فؤاد باشا، وقضى على الفتنة، وعاقب المسؤولين عنها، كلاً بما يستحق، واحتجّت الدول الأوربيّة وهددت بالتدخل، وكانت متفرّقة الرأي، ثمّ أجمعت واتفقت على أن ترسل فرنسا ستة آلاف جندي لمساعدة الدولة فيما إذا عجزت عن إطفاء الفتنة ـ حسب زعمها والحجّة التي اتخذتها ـ وأنزلت فرنسا قواتها في بيروت في (22 المحرّم 1277هـ= 9/ 8/1860م) بعد اتفاق الدول الأوربيّة الذي تمّ قبل أسبوع (15 المحرم)، وهذا الاتفاق تَدَخَّلَ في شؤون الدولة التي أحسَنَت القيام بمهمّتها لكن كان القصد تقوية النصارى، وإظهارهم بمظهر القوة، وأنّ أوربا كلّها من خلفهم، لتزداد قوتهم، ويخشى خصومهم بأسهم. وجرى الاتفاق مع فؤاد باشا على أن يعوّض النصارى على ما خسروه، ويُمنح أهل الجبل حكومةً مستقلّةً تحت سيادة الدولة، وأن يرأس هذه الحكومة رجل نصراني لمدّة ثلاث سنوات، ولا يحق عزله إلاّ برأي الدول الأوربية، وتقترحه الدولة العثمانية، وتوافق عليه أوربا، وقد اختير أوّل حاكم "داود الأرمني" ... هذا التساهل قد ألزم فرنسا بالانسحاب من الشام، إذ أخلت المناطق التي دخلتها في (27/ 11/1277هـ) أي بعد عشرة أشهر وخمسة أيام من دخولها.
وتوفّي الخليفة العثماني عبد المجيد في (17/ 12/1277هـ))).انتهى [من التاريخ الإسلامي8/ 181ـ182]
وقال الشيخ عبد الرزاق البيطار في كتابه (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر):
((وقعت فتنة بين الدروز والنصارى في جبل لبنان واشتد بسببها الضرب والطعان، وعاثت طائفة الدروز وفسقوا، وانتظموا في سلك الطغيان واتّسقوا، ومنعوا جفون أهل الذمة السّنات، وأخذوا البنين والبنات من حجور الأمهات، وخرّبوا القرايا والبلدان، وسفكوا الدماء وحرقوا العمران، ونهبوا الأموال ومالوا عليهم كل الميل، وبادرت لمساعدتهم والغنيمة معهم دروز الجبل الشرقي تجري على خيولها جري السيل، ولم يروا في ذلك معارضًا ولا منازعًا، ولا مدافعًا ولا ممانعًا، والنصارى بين أيديهم كغنم الذبح، هم وأموالهم وأولادهم وبلادهم غنيمة وربح، ودام هذا الأمر واستقام، إلى ابتداء ذي الحجة الحرام، سنة ست وسبعين بعد الألف والمائتين، وقد هرب كثير من النصارى إلى الشام، ظانّين أن الحكومة تحميهم من الدروز اللئام، فصارت الدروز تدخل إلى الشام بأنواع السلاح، ويخاطبون الأشقياء بقولهم كنا نظن بكم الفلاح، لقد أخلينا البَرَّ من النصارى، وأنتم عنهم كأنكم سكارى، فاذبحوهم ذبح الأغنام، وأذيقوهم كأس الحمام، واغنموا ما عندهم من الأموال والأمتعة الكلية، وأن الحكومة بذلك راضية مرضية، ولو لم يكن لها مراد بذلك، ما مكنتنا من إذاقتهم كؤوس المهالك، والوالي ساكت عن هذا الأمر كأنه لم
(يُتْبَعُ)
(/)
يكن عنده خبر، حتى ظن أكثر القاصرين أن هذا الواقع عن أمر شاهاني صدر .... وما زالت الأشقياء تتطاول أعناقها، وتتزايد لهذه الأفعال أشواقها، والدروز في كل وقت يجددون لهم همة، ويتواردون عليهم أمة بعد أمة، وقد قامت لديهم الأفراح، وزالت عنهم برفع القيد الهموم والأتراح ........... وصاروا يتكلمون بكلام، لا يليق إلا بالأشقياء اللئام، كقولهم حنا يقول لنخلة، إسماعيل الأطرش حرق زحلة، وأمثال ذلك خصوصاً مما يدل على التخويف والتهديد، وصارت الأولاد تقوله على طريقة الأناشيد، فذهب بعض النصارى إلى والي البلد، لينقذهم من هذا الهم والنكد، وكان ذلك يوم الاثنين من ذي الحجة الحرام، سنة ألف ومائتين وست وسبعين من هجرة سيد الأنام، فأمر الوالي بالقبض على بعض الأولاد، فمسكوا منهم جملة وقيدوهم بالحديد وأمروهم بالكنس والرش تأديبًا لهم عن هذا الفساد، فقامت عصبة جاهلية في باب البريد من الجهال الطغام، ونادوا بأعلى صوتهم يا غيرة الله ويا دين الإسلام، وكان الوقت قبيل العصر من ذلك اليوم المرقوم، وتلاحقت الأشقياء إلى حارة النصارى كأنه لم يكن عليهم بعد ذلك عتب ولا أحد منهم على فعله مذموم، وأقبلت عليهم الدروز أفواجاً أفواجا، واشتغلوا بالحرق والقتل والسلب والنهب أفراداً وأزواجا .....................
والوالي ما زال على إهماله، وسكوته وعدم سؤاله، غير أنه عين للمحافظة أربعة من الأعيان، اثنين من المدينة واثنين من الميدان، فقام من كان من الميدان حق الحماية، وقصر من عداهما في البداية والنهاية، غير أن سعادة الأمير المعظم، والكبير المفخَّم، حضرة الأمير السيد عبد القادر الجزائري قد بذل كامل همته في ذلك، وبذل أمواله ورجاله في خلاص من قدر عليه من المهالك، واستقامت النار تضطرم في حارة النصارى سبعة أيام، والناس فوضى كأنه لم يكن لهم إمام، فلما أحضروا من أحضروه من النصارى إلى الميدان، وقد امتلأت البيوت أخذنا نطوف عليهم نهنيهم بالسلامة ونطيب قلوبهم بالأمن والأمان، وكنا ما نرى منهم غير دمع سائل، وبصر جائل، وقلب واجف، ورجاء قليل وبال كاسف، وهذه تقول أين ولدي؟ وهذه تقول قد انفلق كبدي، وهذه تقول مالي، وهذه تقول كيف احتيالي؟ والرجال منهم حيارى وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ...
ولما علم دروز الجبل الشرقي أن أهل الميدان، قد أدخلوا النصارى في حصن الأمان، ووضعوهم في أماكنهم مع عيالهم، واجتلبوا لهم سرورهم بقدر الإمكان وراحة بالهم، تجمعوا وتحزبوا وتوجهوا إلى الشام، إلى أن وصلوا إلى أرض "القدم" بالكبرياء والعظمة والاحترام، ثم أرسلوا خبراً إلى الميدان إمّا أن تسلمونا النصارى لنذيقهم كؤوس المنية، ونبيدهم بالكلية، وإما أن ننشر بيننا راية القتال، ونطوي بساط السلم واستقامة الحال، فبرز أهل الميدان إليهم بروز الأسد، وقالوا لهم بلسان واحد ليس لكم على قتالنا من جَلَد، أظننتم أنكم تصلون إليهم، وتحكمون بما تريدون عليهم، إن ذلك أمر محال، إياكم أن تتوهموه بحال، إننا وحق من أحيا الأشباح بالأرواح، لا نسمح لكم منهم بقلامة ظفر وليس لكم في مطلوبكم من نجاح، وكثر القيل والقال، وكانت البيداء قد امتلأت من الفرسان والأبطال، وتجمع الصفان، وتقابل الصنفان، وارتفع العجيج وعلا العجاج، وكثر الضجيج من كل الفجاج، وأشْهَرَ كلٌ سلاحه، واعتقد أن في قتل عدوه فلاحه، وأن شرر الموت ينقدح من ألحاظه، ويفصح بصريح ألفاظه، فلما رأى الدروز ما كان، من المشاة والركبان من أهل الميدان، علاهم الوجل، وقد خاب منهم الأمل، وضاق بهم من الأرض فضاؤها، وتضعضعت من أركانهم أعضاؤها، فتنازلوا عن العناد إلى الوداد، وقالوا نحن العين وأنتم لها بمنزلة السواد، وليس لنا عنكم غنى، وأنتم لنا غاية المنى، ونزيلُكم عندنا مصون، ومن كل ما يضره مأمون، والذي وقع منا كان هفوة مغفورة، وسقطة هي بعفوكم مستورة، فقابِلوها بالسماحة والغفران، ونحن وإياكم أحباب وإخوان، ثم تفرقوا بعد الوداع، وانقاد كل منهما للسلم وأطاع، وتفضل الله وأنعم، وحسم مادة الشر وتكرم ...
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا زال أهل الميدان في الليل والنهار، يحرسون النصارى من الأشقياء والأشرار، إلى السادس والعشرين من محرم الحرام، دخل الشام محمد معمر باشا ومعه أربعة آلاف جندي من عسكر النظام، وفي غرة محرم سن سبع وسبعين، دخل خالد باشا المصري للنظر في أمر هذه الخيانة، وكان قبل دخوله بيوم قد سافر أحمد باشا المذكور أولاً إلى بيروت متوجهاً إلى الآستانة، وفي حادي عشر المحرم الحرام، دخل ناظر الخارجية فؤاد باشا إلى الشام، مرخَّصاً من قبل الدولة وباقي الدول، مهما شاء أجرى ومهما أراد فعل، ومعه عوضاً عن أحمد باشا المترجم المذكور عبد الحليم باشا المشير المشهور، واجتمع بالشام من العساكر السابقة واللاحقة نحو ثلاثين ألفاً، ثم بعد ثلاثة أيام، أمر بعقد مجلس عام، وطلب فيه مأخوذات النصارى ومسلوباتهم، ومغصوباتهم ومنهوباتهم، وذلك يوم الخميس خامس عشر المحرم، وشدد غاية التشديد، وأكد أعظم تأكيد، ولما أصبح صباح الجمعة سادس عشر المحرم، وجد الناس أثمان الشام قد امتلأت من العساكر، وقد أغلقوا أبواب البلد ولم يعرف أحد ما الأمر إليه صائر، فدخل على الناس من الهم والكدر، ما هو عبرة لمن اعتبر)).انتهى [انظر (حلية البشر) للبيطار 1/ 261ـ267] (وقد كان للشيخ البيطار رحمه الله، دورٌ بارز وموقف حميد في إخماد هذه الفتنة).
هذا عرضٌ تاريخي مختصر لتلك الأحداث، ولكن ما هو دور الأمير عبد القادر الجزائري فيها؟
لقد كان للأمير عبد القادر دور هام في السيطرة على نتائج تلك الحوادث.
أوردتُ في الحلقة الثانية قولَ المؤرخ المحقق الدكتور أبي القاسم سعد الله، وهو: ((أنّ الماسونيّة تآمرت على دولة الأمير عبد القادر في الجزائر، لأنّ دولة الأمير كانت دولة عربيّة سلفيّة، شريفة، لو انتصرت لكانت خطرًا عظيمًا على مخططات الماسونية ـ الصهيونية في الشرق!!، ولكانت أوَّل دولة توحِّدُ العربَ على كلمة الجهاد كما وحّدتهم عليها زمنَ الرسول صلى الله عليه وسلم، وزمن الخلفاء الراشدين)).انتهى [الحركة الوطنية الجزائرية ص274ـ275].
إذن فالأمير كان متيقظًا للمخطط الاستعماري الذي تسعى الصليبيّة العالمية والصهيونية اليهودية لتنفيذه، وأساس هذا المخطط هو القضاء على دولة الخلافة الإسلامية، واقتسام أراضيها وممالكها في الشرق والغرب وجعلها تحت حكمهم. وكان الأمير على خبرة بأساليب المستعمرين التي يحتالون بها للوصول لأغراضهم. وخلال مدّة حربه مع فرنسا في الجزائر أدرك الأمير مدى أهمية بلاد الشام للدول الأوربيّة، والمساعي التي تبذلها تلك الدول لاحتلال تلك البلاد.
وبعد وصول الأمير إلى دار الخلافة واستقراره في "بروسة" قرر السلطان العثماني عبد المجيد خان أن ينتقل الأمير إلى دمشق، وذلك لأن السلطان أدرك أن وجود الأمير في دمشق سيكون مفيداً لدولة الخلافة.
(((وبالفعل فبعد انتقال الأمير إلى دمشق شعر بالتحركات الأوربية في بلاد الشام، ولمّا بدأت أحداث جبل لبنان راح الأمير يحذّر رؤساء البلد من عاقبة اشتعال هذه الفتنة، وما هي العواقب المترتبة عليها، وكيف يمكن للغرب أن يستغلّ هذا الحدث، بل وحتمية وقوف الغرب نفسه وراء هذه الفتنة، وكان يحثهم على بذل المجهود في درء هذه الفتنة، لكن لم تلق كلماته آذانًا صاغية، ولا قلوباً واعية!)))
(((ففي سنة (1276هـ،1860م) مازالت تلك الفتنة تتعاظم وتشتعل نيرانها والدولة العثمانية غير ملتفة إلى تسكين تلك الفتنة، إلى أن وصلت نارها إلى دمشق وبدأ الغوغاء من الناس بالتعرض للمسيحيين بالضرب والقتل، وكان موقف والي دمشق أحمد باشا ورؤساء الجند سلبياً من الفتنة وذلك لقلّة عدد الجند، لكنّه قدّم لرجال الأمير المساعدة والسلاح. وتحرّكت إِحَنُ المسلمين على النصارى وتذكروا ما نالهم من "حنّا بك البحري" وطائفته من الاعتداء أيّام دخول جيش مصر بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد علي فقام بعض المشايخ والوجهاء في دمشق وشجعوا الغوغاء على قتل المسيحيين، وسبب ذلك هو تجبر النصارى وتكبرهم وتجاوزهم حدّهم وخروجهم عن العهود الذميّة، وتعلّقهم بالدول الإفرنجيّة! وكذلك بسبب المرسوم السلطاني المسمّى بـ (الخط الهمايوني) الذي تضمّن بعض الامتيازات للنصارى على حساب المسلمين))).انتهى ملخصًا [انظر (تحفة الزائر) 2/ 93، و (نخبة ما تسر به النواظر) ص251]
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد صدر هذا المرسوم كما مرّ معنا سابقاً تحت ضغط من الدول الأوربيّة، قال تشرشل:"فالدول المسيحية، بانتزاعها من الترك قانون (خط همايون) سنة 1856م، قد جعلتهم يضعون السكين على رقبتهم".انتهى [حياة الأمير لتشرشل ص278]
يقول محمد باشا: ((والباعث للأمير على حمل تلك المشاق تأييد الدولة العليّة والدفاع عن حوزتها إذ لو لم يقف في وجوه الغوغاء لاستأصلوا النصارى واستلحموهم وتفاقم الأمر أكثر مما وقع وبذلك يحصل للدولة من الارتباك ما لا يخفى، ولعناية الله بصاحب الخلافة العظمى ورعايته لسلطنته لم يقع أدنى خلل يتشبّث به الأعداء لإلحاق الضرر بالدولة العليّة، ولم يزل الأمير يعاني المشاق إلى أن حضر صاحب الدولة فؤاد باشا وزير الخارجية إلى دمشق، ولأوّل وصوله أجرى فيها حكومة عرفية خارجة عن القوانين المعتادة فقبض على ألوف من أهلها حتى امتلأت بهم السجون وأمر برد المسلوبات وعيّن لذلك مجالس مخصوصة في محلات البلدة وأنحائها فجمعوا أغلبهم، وأجرى ما أمر بإجرائه من إمعان النظر وتحقيق الدعاوي ثم فعل ما رآه صواباً واقتضته السياسة، فقتل من ثبت عليه القتل أو قامت عليه البينة بأنه أثار الفتنة أو وافق عليها ونفى جماعة من الأعيان والعلماء لتقصيرهم عن تدارك الأمر وكف أيدي الغوغاء ... )) انتهى [تحفة الزائر 2/ 94]
ويقول السيد أحمد بن محيي الدين الحسني: ((ومن الأشخاص الذين قررَ فؤاد باشا أن يشنقهم: الشيخ عبد الله الحلبي، وعمر أفندي الغزي، وعبد الله بيك من رؤساء المجلس، ومفتي البلد طاهر أفندي، ونقيب الأشراف العجلاني وغيرهم من وجوه البلد وأكابرها. فلما سمع الأمير بذلك ذهب إلى فؤاد باشا وعارضه كل المعارضة، فقال له فؤاد باشا: لابُدّ من ذلك ولا مندوحة عمّا هنالك. لأنّ إطفاء نار تلك الفتنة لا يتم إلاّ بقتل أولئك الأشخاص. وما زال الأمير يُعارضه ويُراجعه إلى أن قَبِلَ رجاءَهُ فيهم وصرف عنهم القتل إلى النفي المؤبّد، فنُفيَ بعضهم إلى قبرص، وبعضهم إلى جزيرة رودس. وبعد نفي أولئك أمر فؤاد باشا بقتل الوالي أحمد باشا ومعه بعض باشاوات العسكر.
وإنما عارض الأمير كل المعارضة في دفع القتل عن المذكورين لنِسْبَة بعضهم إلى العلم والبعض إلى الشرف، وفي قتلهم إهانة للدين المحمدي. . وما دافع الأمير عن تلك الجماعة ـ مع شدّة عداوتهم له وهم الذين أمروا بإحراق بيته ـ إلاّ لكون موتهم ثلمة في الإسلام)).انتهى [مخطوط (نُخبة ما تُسر به النواظر .. ) ص254]
إذن الدّول الأوربيّة الصليبيّة أوجدَت هذه الفتنة لتكون ذريعةً لها في احتلالها لبلاد الشام وفصلها عن الدولة العثمانية، ولم تكد تلك الفتنة تبدأ حتى رأينا القادة والملوك الغربيين يطالبون الدولة العثمانية بحماية المسيحيين وإلاّ سيتدخلون بجيوشهم لحماية إخوانهم في الدين (زعموا)، وما هي إلاّ أيام حتى رأى الناس الأسطول الفرنسي يرسو في ميناء بيروت ويُنزل قواته الغازية!!
وفي هذا أكبر دليل على النية المبيّتة والتخطيط المسبق لهذا الغزو، وما قضية المسيحيين إلاّ ذريعة؛ وما أشبه اليوم بالأمس!
وكانت فرنسا قد استطاعت إقناع أوربا أن تتولى هي أمر هذه الحملة بسبب قربها المذهبي من المسيحيين في لبنان، ولكونها المشرفة على الكنائس في بيت المقدس، في حين لم تستطع إنكلترا فعل ذلك لأنها على خلاف كبير في المذهب مع نصارى الشرق (فالإنكليز برتوستانت، ونصارى الشام أرثوذكس وكاثوليك)، لذلك عمدت إنكلترا لدعم الدروز حتى يكون لها مدخل في البلاد لتفويت الفرصة على منافستها فرنسا، والنتيجة واحدة بالنسبة للمسلمين، ففرنسا وإنكلترا في النهاية أعداء لهم! (المهم أنّ التحرّك الفرنسي كان بمباركة الإنكليز!!)
ومن الأدلّة على ضلوع فرنسا في الفتنة وأنها هي المُشعلة لها، أنّ الأمير عبد القادر أثناء قيامه بإطفاء تلك الفتنة والسيطرة على الأوضاع ومطاردة الغوغاء الذين هجموا على حي العمارة حيث دارُ الأمير التي يحتمي بها بعض النصارى، ألقى رجالُه القبضَ على بعض المهاجمين، فإذا فيهم عدد من المسيحيين اللبنانيين!!! نعم نصارى لبنانيون متنكرون بلباس المسلمين يقومون بقتل النصارى في دمشق. لماذا؟ لكي يعطوا فرنسا الذريعة لاحتلال البلاد بحجة الدفاع عن النصارى! [انظر كتاب (أصحاب الميمنة إن شاء الله) ص215]
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا التصرف ليس جديدًا، فعلى مرّ العصور كان المستعمرون يلجؤون لقتل بعض رعاياهم أو أبناء دينهم ويلصقون التهمة بالمسلمين (أو غيرهم) لكي يتسنى لهم تهييج شعوبهم وحملهم على القتال والاحتلال. والأمثلة في عصرنا هذا كثيرة كما لا يخفى.
وعندما بدأت الدول الأوربيّة تحرّكها وأرسلت إلى الدولة العثمانية تستنكر ما يجري في الشام، تكفّلت الدولة العثمانية للدول الغربية بأنها ستنتقم من الذين أشعلوا الفتنة وتقتصّ لرعاياها من النصارى ـ وذلك لكي لا تعطي للدول الأوربية الفرصة للتدخل في بلاد الشام ـ فبعثت فعلاً فؤاد باشا (كما مرَّ معنا) أحد وزرائها العظام وفوضت إليه الأمر في جميع ما يفعل، فلما دخل الشام أمر برد الأموال المنهوبة، ثم شرع بالقبض على كل من سعى في تلك الفتنة فقتل منهم مَنْ قتل، ونفى من نفى. وانطفأت الفتنة.
(((ومع ذلك فإنّ الدول الأوربيّة؛ التي كانت عازمة على احتلال بلاد الشام؛ تظاهرت بأنها لم تقنع بما فعلته الدولة العثمانية، وأرسلت جيوشها ومراقبيها تحت قيادة الأسطول الفرنسي الذي رسا في ميناء بيروت، وما كان يخشى الأمير عبد القادر حدوثَهُ قد حدث فعلاً، فقد نزلت القوات الفرنسية في ميناء بيروت وتوجهت قواتها بريًا باتجاه جبال الدروز بحجّة القضاء عليهم، فتدخل الأمير لدى فؤاد باشا وطلب منه أن يبذل كل جهده في منع الجيش الفرنسي من تقدّمه، وبيّن له أن هذا الأمر إذا بدأ فإنه لن ينتهي إلا باحتلال سورية، لأن القتال في الأماكن الجبلية صعب وسيستغرق زمناً طويلاً، ومِنْ ثَمَّ ستجلب فرنسا إلى المنطقة أعدادًا كبيرة من الجنود ومع الوقت سيكون لديها الاستعداد الكامل لغزو المنطقة! (فالأمير خبير بالخطط والحيل الفرنسية)!
وجرت مفاوضات بين فؤاد باشا والجنرال الفرنسي "بوفور" إلاّ أنهما لم يتفقا. فقرر الجنرال الفرنسي الزحف باتجاه دمشق والتي سيبدأ بقصفها أولاً!
فلمّا بلغ الأمير أن قائد الحملة الفرنسية الجنرال بوفور يريد قصف دمشق من الصالحيّة، تمهيدًا لدخول دمشق، بعث الأمير برسالة لبوفور يطلب منه أن يوافيه في البقاع. وتوجّه الأمير ليلاً ومعه بعض أتباعه إلى معسكر الجيش الفرنسي واجتمع بالجنرال وأظهرَ له سوء عاقبة ما اعتمد عليه، فأصرَّ الجنرال على قصف دمشق ودخولها، فهدَّدهُ الأمير وقال له إنّهم إذا قصفوا دمشق أو حاولوا دخولها فإن العهود التي بينه وبين دولة فرنسا تصبح لاغية، وأنه سيكون أوّل المدافعين والمقاومين لأي حملة فرنسية تهاجم البلاد، وسيعود للجزائر ويباشر الجهاد هناك من جديد! فعندها عدلت فرنسا عن قصدها ورجعت الجيوش الفرنسية إلى بلادها خائبة وبلا طائل!))).انتهى [(نُخبة ما تُسر به النواظر .. ) ص258، و (تحفة الزائر) 2/ 95].
وهكذا استطاع الأمير عبد القادر بحنكته، وبُعْدِ نظره، والتزامه الكبير بالمسؤولية وبأوامر الشريعة الإسلامية، أن يحافظ على تماسك الدولة العثمانية، ويُبطل المخطط الأوربي لاقتطاع بلاد الشام من الدولة العثمانية، ويمنع جيوش فرنسا من دخول الشام ويردّها على أعقابها خائبة.
ولمّا رأى فؤاد باشا شجاعة المغاربة وما جُبِلوا عليه من قوة الجأش وشدّة الإقدام فاوض الأمير في أن يعيّن منهم كتيبة ليكونوا في خدمة الدولة العليّة، فوافق الأمير على طلب فؤاد باشا واختار منهم أربعمئة فارس وجعل السيد محمد بن فريحة رئيسًا عليهم.
ولمّا بلغتْ أخبارُ هذه الواقعةِ الهائلة حَضْرَةَ الخليفة العثماني عبد المجيد خان، وما صنعه الأمير في سبيل طاعة الخليفة وأداء واجب خدمته، أظهر الخليفة رضاه العالي بفعله وأنعم عليه بالنيشان المجيدي العالي الشان من الرتبة الأولى وأرفق معه فَرَمَانًا وحملهما إلى الأمير الصدرُ الأعظم علي باشا، وإليكم نصّ الفرمان:
(يُتْبَعُ)
(/)
((قد أحاط علمي الشريف السلطاني بحال الحميّة الدينيّة الثابتة في أصل فطرة الأمير عبد القادر الجزائري، زيدَ فضلُه، وخلوصه الأكيد الوطيد لطرف دولتي العليّة، وقد اضطره كل منهما لاستعمال الهمّة والغيرة الكليّة الفائدة في الخدمة المرغوبة وهي تخليص عدد كثير من تبعة دولتي العليّة الواقعين بأيدي الأشقياء الظالمين عند وَقع الفتنة والعناد مؤخرًا في الشام من بعض ذوي التوحش الجاهلين بالوظائف العليّة الإسلاميّة والأحكام الجليلة الشرعيّةوحيث أنّ حركته الحسنة قد استوجبت لدى سلطنتي زيادة المحفوظيّة ووقعت موقع الاستحسان ولأجل حسن توجهاتي السلطانية الحاصلة في حقّه والمكافأة العلنيّة على خدمته الخيرية الواقعة، أحسنتُ إليه بنيشاني المجيدي الهمايوني من الرتبة الأولى، وأصدرتُ له فرماني السلطاني المعلوم المؤْذن بالمكارم الملوكانية في أول صفر الخير سنة سبع وسبعين ومئتين وألف)).انتهى
فسُرَّ الأمير بهذا الإنعام السلطاني ورفع إلى حضرة الخليفة كتابًا يشكره فيه ويلخص له ما حدث، جاء فيه: (( ... ثمّ لمّا وقعت حادثة الشام وانتُهِكت محارم الله بلا احتشام،وتعيّنَ على كل فردٍ من العباد بذل المجهود في دفع ذلك الفساد، قمتُ بأداء ما قدرت عليه من هذه الفريضة العينية؛ والنيّةُ الصحيحة في ذلك تحصيلُ رضاء الله تعالى ثمّ طاعةُ الدولة العليّة ... )).انتهى [الرسالتان مثبتتان في (تحفة الزائر) لمحمد باشا 2/ 96ـ98]
وتوالت مكاتيب الشكر وقصائد التهنئة بالورود على الأمير من الدول والأدباء والشعراء والعلماء والأعيان اقتداءً بالدولة العثمانية.
ومنها رسالة من قائد الثورة في الداغستان والشيشان الشيخ (محمد شامل الداغستاني) رحمه الله؛ ونصّها:
(( .. إلى من اشتهر بين الخواص والعوام، وامتاز بالمحاسن الكثيرة عن جملة الأنام، الذي أطفأ نار الفتنة قبل الهيجان، واستأصل شجرة العدوان، رأسها كأنه رأس شيطان، المحبّ المخلص السيد عبد القادر المنصف؛ السلام عليكم وبعد: فقد قرع سمعي ما تمجّه الأسماع، وتنفر عنه الطباع، من أنه وقع هناك بين المسلمين والمُعاهَدِين ما لا ينبغي وقوعه من أهل الإسلام، وربما كان يُفضي إلى امتداد العناد بين العباد في تلك البلاد، ولذلك عند سماعه اقشعرّ منه جلدي، وعبست طلاقة وجهي، وقلتُ (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)، وقد تعجبتُ كيف عميَ من أراد الخوض في تلك الفتنة من الولاة عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا من ظلم مُعَاهَدًا أو انتقصه حقّه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة"وهو حديث حسن، ثمّ لما سمعتُ أنّك خفضت جناح الرحمة والشفقة لهم وضربت على يد من تعدّى حدود الله تعالى وأخذت قصب السبق في مضمار الثناء واستحقيت لذلك، رضيتُ عنك والله تعالى يرضيك يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون لأنك أحييت ما قال الرسول العظيم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، ووضعتَ من يتجرّأ على سنّته بالمخالفة نعوذ بالله من تجاوز حدود الله، ولكوني ممتلأً بالرضى عنك كتبتُ إليك إعلاماً بذلك. والسلام. حرر سنة 1277هـ شامل الغريب)).انتهى
فأجابه الأمير برسالة جاء فيها: ((الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى سائر إخوانه من النّبيين والمرسلين، إنه من الفقير إلى مولاه الغني عبد القادر بن محيي الدين الحسني إلى الأخ في الله تعالى والمُحب من أجله الإمام شامل كان الله لنا ولكم في المقام والرحيل وسلام الله عليكم ورحمته وبعد، فإنه وصلني الأعز كتابكم وسرّني الألذ خطابكم، والذي بلغكم عنّا ورضيتم به منّا من حماية أهل الذمة والعهد، والذَّب عن أنفسهم وأعراضهم بقدر الطاقة والجهد، هو كما في كريم علمكم مقتضى أوامر الشريعة السّنية، والمروءة الإنسانية، فإنّ شريعتنا متممة لمكارم الأخلاق، فهي مشتملة على جميع المحامد الموجبة لائتلاف اشتمال الأطواق على الأعناق. والبغيُ في كل الملل مذموم ومرتعه وخيم ومرتكبه ملوم ولكن:
يُقضى على المرء في أيام محنته **** حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسنِ
فإنّا لله وإنا إليه راجعون على فقد أهل الدِّين وقلَّة الناصر للحق والمعين، حتى صار يظنُّ من لا علم له أنّ أصل دين الإسلام الغلظة والقسوة والبَلادة والجفوة، فصبرٌ جميل والله المستعان ..
حرر في أول جمادى الأولى 1277)).انتهى [انظر (تحفة الزائر) ص114ـ 115]
إن الناظر في كلام الأمير في جوابه للسلطان وللشيخ شامل يرى بوضوح أنّ الأمير يشرح سبب موقفه من أحداث 1860م بأنه الالتزامُ بأوامر الشريعة الإسلامية في دفع الفساد، والعدلُ مع أهل الذمة ونصرةُ خليفة المسلمين، وكلامه صحيح ولا يستطيع أحدٌ إنكاره، فالواجب على كل مسلم عاقل أن يعتمد هذا الكلام، فهو كلام ثابت صحيح صرّح به الأمير نفسه وهو موافق للشريعة. وأما ما سواه فهو كذب ومفترى وتأباه الشريعة!
تابع القسم الثاني!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[27 - Nov-2008, مساء 10:12]ـ
ـ والآن ما هو موقف فرنسا وإنكلترا وباقي دول أوربا الصليبيّة؟ تلك الدول التي كانت بالأمس تصرخ وتنادي بالدفاع عن المسيحيين في بلاد الشام وحرّكت جيوشها وأساطيلها لهذا الغرض، وها هي ترتد خائبة لم تصنع شيئًا للمسيحيين وتركتهم دون إمدادهم بالقوة التي وعدتهم بها! بل رضيت بالتدابير العثمانية، التي كانت ترفضها من قبل!
وحقيقة الأمر أنّ الدولة العثمانية المسلمة هي التي حمت النصارى في الشام (سواء من رعاياها أو من الأجانب) وأنقذتهم من الفتنة، وكذلك فإنّ الأمير عبد القادر الجزائري الذي تعرفه الشعوب الأوربيّة بوصفه قاهرَ فرنسا وجيوشها الصليبيّة، والمدافع عن حمى الإسلام والمسلمين في الجزائر، والمتعصّب لدين الإسلام، هو الذي تولّى أمر إطفاء الفتنة وإنقاذ المسيحيين أفرادًا ورجال دين. عملاً بأحكام الشريعة الإسلاميّة! وقد كافأته الدولة العثمانية وشكرت صنيعه.
وفي الوقت نفسه هو الذي أحبط المخطط الأوربي، وخيّب مساعي الجيش الفرنسي، وفوّت الفرصة على الصليبيين لتقويض دعائم الخلافة الإسلاميّة. وهذا ولّدَ غيظًا شديدًا في صدور ملوك فرنسا وأوربا على الأمير، الذي ظنّوا أنهم قد استراحوا منه، وقضوا على حركته المقاومة لهم.
وبالمقابل فإنّ سكوت حكّام الدول الأوربيّة سيفضح أمرهم أمام نصارى الشرق ويكشف كذبهم وادّعاءهم الغيْرَة على أبناء دينهم، وسيُعرّي أغراضهم الدنيئة، ومطامعهم الجشعة، التي هم على استعداد لسفك دماء أبناء دينهم في سبيل تحقيقها!! فما العمل؟
لم يكن أمام ملوك وحكّام أوربا حلٌّ يخرجهم من ورطتهم إلاّ أن ينضموا إلى صفوف المباركين والمهنّئين والشاكرين والمادحين للأمير عبد القادر.
فبدأت كتب الشكر والنياشين والأوسمة والهدايا الاعتبارية، تتوالى على الأمير من الملوك والقياصرة. وسأثبتُ لكم نصوصها نقلاً من كتاب (تحفة الزائر ص99):
1 ـ {صورة المرسوم الممضي بخط يد قيصر الروس المرسَل صحبةَ النيشان}
((نحن اسكندر الثاني إمبراطور وافطركراطور جميع الروسيين .. إلى آخر الألقاب.
إلى الأمير عبد القادر، اقتضت رغبتنا أن نُشْهِرَ التفاتنا إليكم بشهامتكم وعملكم بما اقتضته الإنسانيّة، واجتهادكم في إنقاذ ألوف المسيحيين من أهالي دمشق، الذين وُجدوا في خطر عظيم.
اقتضى الحال أننا سمّيناكم من أعظم فرسان رتبتنا الإمبراطورية الملوكانية المشهورة بالنسر الأبيض، وهذه علامتها واصلة إليكم ونحن لم نزل باقين على المحبّة لنحوكم بالاعتبار الإمبراطوري الملوكي.
حُرر في بطرسبورج في يناير سنة ستين وثمانمئة)).انتهى
2ـ {صورة ما كتبه ملك اليونان}
((نحن "أوتون" بنعمة الله ملك اليونان قد أعطينا الأمير عبد القادر النيشان الكبير رتبة أولى من صنف نيشاننا الملوكي، المدعو بنيشان المخلص. المؤرخ يوليه سنة 1833 وأرسلناه إليه ليحمله ويستعمله بمقتضى أمرنا، وبناءً على ذلك أصدرنا له هذا المرسوم ممضيًا منا، ثمّ من وزير بلاطنا الملوكي والتعلقات الخارجية. حرر في أثينا بتاريخ سبتمبر 1860)).انتهى
3ـ {صورة المرسوم الممضي بخط ملك بروسيا صحبة النيشان}
((نحن غليوم بنعمة الله تعالى ملك بروسيا .. إلى آخر الألقاب. قد منحنا الأمير عبد القادر بن محيي الدين نيشان صليب النسر الأحمر من الطبقة الأولى. وقد أعطينا إرادتنا هذه لأجل تملّكه الحقيقي لهذا الوسام، حاوية توقيعنا وإمضانا مع الختم الملوكي من بالسبيرج في 12/ 11/1861)).انتهى
4ـ {نص تحرير ملك إيطاليا}
((إنّ عظيم تصرّفكم في أمر المسيحيين في الحوادث الشاميّة قد أثبتت أمام أوربا أنّكم ممن حاز المزايا الحربية العظيمة، خصوصًا في الحادثة الدمشقية، التي أنقذتم فيها النفوس الكثيرة، فكان ذلك حلية لنفسكم الكريمة المصطفاة، ثم إنه يوجد بيني وبينك أيها الأمير العزيز، مواصلة أفرحُ بذكرها وهي محبّة الحريّة التي تجعل تابعيها محافظين على العدالة الحقيقيّة، وإذا كنتَ في أيّامك السابقة لم يمكنك الحصول على النجاح التام على حسب مرغوبك، فهذا لا يكون مانعًا لاكتسابك ـ بالنظر لشجاعتك القوية ـ الاحترام والاعتبار من جانب أهل الحرب المعاصرين لك، والذين يقاتلون في صالح استقلالية الشعوب. ونظرًا لشهادتي بهذا الاحترام المخصوص لشخصك
(يُتْبَعُ)
(/)
الكريم، فأنا مرسل إليك الآن الشريطة الكبرى، نيشان موريس والعاذر، وهو أقدم نياشين الخيولية والفروسية، وهو يسلّم لك على يد اثنين من ضباطي، وهما الكاواليردي كاستيلونو، والكونت دي كاستيلونيه، القادمين إلى حضرتك لأجل هذا الأمر. وإني أوصي بهما شديد اعتنائك، وأرجو أن تصادفك السعادة فيما بين يديك أيها الأمير السعيد، نظير النّدا الذي يقطر من السماء ليعطي الإقبال إلى الأرض، والمأمول قبول هذا الدعاء مني لأجلك في المستقبل، كما أرجو أن تعتقد تمام محبّتي.
حرر في مدينة تورين بتاريخ سبتمبر سنة 1860
محبّك فيكتور عمانوئيل)).انتهى
5ـ {نص ما كتبه وزير خارجيّة فرنسا}
((أيها الأمير السامي، إنّ خبر الحوادث الشاميّة قد طرق مسامع الدولة الفرنساوية، وإجابة لطاعة مولاي الإمبراطور وإرادته، بادرتُ الآن بإعلان اعتباره السامي والتشكر الوافر من طرف جلالته على السعي الذي تكرّمتم به على الأهالي المسيحيين والراهبات والمبعوثين الفرنساويين وجمهور القناصل بتلك الواقعة المحزنة.
والمزية العظيمة في ذلك هي مشاهدة همتكم العليّة التي جعلتكم وقاية لحياة ألوف المساكين، وجعلت محلّكم ملاذًا لهم في وقتٍ كان الأشقياء الخارجون عن الطاعة يرتكبون القبائح المخالفة لأوامر الباري تعالى، ولما تقتضيه الإنسانية. أما الإمبراطور نظرًا لمعرفته بعليّ همتكم وكرم أخلاقكم، فإنه لم يتعجب مما أظهرتموه من الإقدام في ذلك الوقت الضنك، وهو الآن يشعر بداعٍ ذاتي يدعوه إلى أن يخبركم عن فرحه الشديد الذي أثّر فيه تأثيرًا قويًا بإجراء ما أجريتموه، وأنا أرجوكم قبول التهاني الشخصية مني التي أضيفت، أيها الأمير السامي، تأكيدات سمو اعتباري لحضرتكم في 31/ 8/1860)).انتهى
ثمّ حضرَ رئيس المترجمين في دائرة الوزراء الفرنساوية مبعوثًا من لدن الإمبراطور إلى حضرة الأمير وقدّم إليه نيشان "الليجون دونور" المرصّع من الرتبة الأولى، وبلّغه اعتبار الإمبراطور وسائر الفرنساوية لمقامه العظيم. انتهى ["الليجون دونور" تعني: وسام الشرف].
6ـ {نص تحرير قنصل دولة إنكلترا في دمشق}
((إلى عظمة الأمير السيد عبد القادر. المعروض لسعادتكم أنني قد أُمرت من الحكومة الإنكليزية الفخيمة أن أبيّن لكم حاسّيتها الفائقة، نظرًا لما أظهرتموه من حقوق الإنسانية بتخليص جماعة كبيرة من المسيحيين، الذين لولا ذلك لهلكوا بين أيدي أهل القَسَاوة في المذبحة الأخيرة بدمشق، وبسلوك عظمتكم عرفت الحكومة الإنكليزية مقامكم الرفيع للغاية، ثم أعرض أنّ هذا الشرف الذي صيّرني واسطة لتقديم حاسيات دولة إنكلترا الفخيمة إلى حضرتكم، أعتبره شرفًا عظيمًا لا مزيد عليه، وقد كنتُ شاهدت اجتهاد عظمتكم في تخليص عدّة أناس كانوا مضطهدين، حتى إنني حصلتُ بذلك على حاسيات التعجب. والآن لي الشرف بأن أكون مبلغًا لكم ما سطرته، وداعيًا لعظمتكم.
حرر في 24/ 8/1860 من قنصلاتو دولة إنكلترا في دمشق))
وبعد هذا بعثت الملكة بندقيةً هدية للأمير مكتوبًا على ظهر صندوقها: من حضرة جلالة ملكة المملكة المتحدة بريطانيا العظمى إلى صاحب السمو الأمير عبد القادر، تذكارًا للمساعدة الخيرية المبذولة للمسيحيين في دمشق سنة 1860.انتهى
إذن إنّ أوّل مَنْ منح الأمير تقديرًا ونيشانًا ووسامًا هو الخليفة والسلطان العثماني، وباسم الدولة العثمانية. فهذا يدل أنّ موقف الأمير من أحداث فتنة النصارى في الشام، كان في جانب الدولة العثمانية وخدمة مصالحها، ونصرة سلطانها، ولذلك استحقّ هذا التكريم.
وأما النياشين والأوسمة الأوربيّة فقد علمتم سببها ومناسبتها، والقضية كما رأيتم لا علاقة لها بالماسونية لا من قريب ولا من بعيد!! وإنما هي أوسمة منحتها الدول والحكومات، وليس جمعيات سريّة! والأمير لم يضعها إلاّ مرّة واحدة وأُخِذَت له صورة واحدة، ولم يكن سعيدًا بذلك؛ كما روى عنه أبناؤه؛ وكان الغرض من تلك الصورة أن تنشر في الصحف الأوربيّة فيرى الشعب الأوربي بنفسه تكريمَ ملوكه وحكَّامه للرجل الذي كانوا بالأمس يطعنون فيه ويظهرونه بصورة العربي المسلم المتعصِّب والحاقد على المسيحية، والهمجي المتعطش للدماء، وأن حربه مع الفرنسيين كانت فقط لأنهم مسيحيون لا لأنهم غزاة معتدون!! واليوم هم يعترفون بأنه داعية سِلم لا سفّاح،
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا يحقد على الديانة المسيحية وإنما يتعامل مع أصحابها المعاهَدِين (أهل الذمَّة) وفقًا لأحكام الإسلام، فلا يسمح بالاعتداء عليهم وتقتيل العُزَّل منهم، بخلاف المعتدين والغزاة. تقول الأميرة بديعة بنت مصطفى الحسني متحدِّثَةً عن قصة صورة الأمير بالأوسمة: (( ... وما من شيء يُحمل إلا لهدف، وهدف الأمير لم يكن للتزيّن أو التفاخر، لأنه كان يحمل وسامًا واحدًا يعتزّ به، وهو وسام الجهاد. والدليل على ذلك عدم ظهوره في أي مناسبة بهذه الأوسمة، وأنه لم يذهب بها إلى احتفالات افتتاح قناة السويس عام 1864م ولا غيرها. وكانت غايته من أخذ صورة بها هو تحذير جميع الأطراف من العودة إلى مثل تلك المغامرات الخطيرة. لقد أراد من إشهارها القول للمستعمرين إني جعلت خططكم هباءً منثورًا، وما أرسلتموه من تقدير لعملي هو ميثاق منكم بعدم العودة للتفريط في حقّ الإنسانية. وأراد القول للذين أسرفوا على أنفسهم: حذار أن تثقوا بالمستعمرين! فلقد غرّروا بكم ودفعوكم إلى عمل طائش طالما حذّرتكم منه. انظروا، لقد تبرّؤوا منكم وقدموا الأوسمة صاغرين لمن وقف ضد طموحاتهم. هذا ما كنت أسمعه من جدتي زينب عندما كانت تنظر إلى صورته هذه وتقول: كم كان أبي حزينًا عندما وضعنا له هذه الأوسمة لأخذ صورة فوتوغرافية له، وقد وُضعت مرة واحدة ولغاية واحدة كما أسلفت)).انتهى [انظر (أصحاب الميمنة إن شاء الله) ص224].
وقد يتساءل البعض فيقول إنه رأى هذه الأوسمة في عدّة صور مختلفة للأمير عبد القادر.
وفي الجواب أقول: ليس بين أيدينا للأمير عبد القادر الجزائري سوى أربع صور فوتوغرافية شخصية، واحدة منها فقط فيها تلك الأوسمة! أمّا الثلاث الأُخَر فيظهر فيها الأمير بزيّه المعروف (الجبّة والعِمامة) ونحن لا نشاهد هذه الصور الأربع في معظم وسائل الإعلام والنشر! في حين أن الصور الأخرى المنتشرة ـ وياللأسف ـ في الصحافة والإعلام العربي والغربي إنما هي صور مرسومة ومتخيّلة وفيها اختلاف كبير في شكل الأمير وهيئته!
والصور الفوتوغرافية الحقيقية للأمير أُخِذَت له في عدّة مناسبات أشهرها تلك التي كان حاضرًا فيها حفل افتتاح قناة السويس سنة (1869م)، والناظر إلى تلك الصورة يجد الأمير فيها بلباسه البسيط (الجبة والعمامة) ولا وجود لأي أوسمة أو نياشين (سواء التي حصل عليها سنة 1860م أو غيرها!)، مع أنّ الحفل يحضره ملوك وأباطرة العالم، وكانت العادة في ذلك العصر أنّ الشخصيات المرموقة إذا حضرت مثل تلك الاحتفالات تزيّنت بكل ما تملكه من أوسمة ونياشين!
ولو نظرنا إلى صورة بعض رجال الدولة العثمانية في ذلك الوقت لرأينا صدره وبطنه قد غُشّي بالأوسمة والنياشين والأشرطة، والمتصفح لكتب التراجم والأعلام المصوَّرَة يرى صور الوُلاة ورجال الدولة العثمانيين وكثيرًا من الوجهاء في تركيا ومصر والشام وقد غشّيت صدورهم بالأوسمة، وكانت عادة منتشرة!
في حين أن المعروف عن الأمير أنه لم يكن يضع تلك الأوسمة حتى في المناسبات الرسمية وكان مظهره دائمًا عاديًا وبسيطًا، كيف لا وهو الذي كلما ازدادت شهرته وتعظيم الناس له ازداد تواضعًا وتبسّطًا، هذا كان منهجه وطريقته كما وصفه المترجمون له. والأمير كان ذائع الصيت مُحْتَرَمًا عند الجميع ومآثره معروفة فلا حاجة له إلى إظهار الأوسمة أو ما شابهها ليلفت انتباه الآخرين. بخلاف غيره!!
والناظر إلى الصورة الفوتوغرافية الشخصية للأمير والتي فيها تلك الأوسمة، يجد أنّ الأوسمة الثلاثة التي وُضِعت أعلى الصدر إنما هي الأوسمة العثمانية!، وإلى أسْفَلَ منها يجد الأوسمة الأربعة الأخرى، وأمّا الشريط الأحمر الذي يتقلّده فهو وسام (الليجون دونور) الفرنسي.
والعجيب أنّ بعض الناس المروّجين لتهمة انتساب الأمير إلى الماسونية، إذا سُئِلوا عن دليلهم على ما يزعمون؟ أجابوا بأنّ الشريط الأحمر الذي على صدر الأمير هو شعار الماسونية!!
وهذه سقطة كبيرة منهم، وسببها أنهم يجهلون أوصاف ورتب الأوسمة الخاصة بكل دولة. كما يجهلون شعارات الماسونية. فليس في شعارات الماسونية هذا الشريط (الوسام)، في حين أنه وسام معروف ومشهور وهو وسام (الليجون دونور) الفرنسي، وهذا مثبت في المراجع المتخصصة في هذا الشأن.
ومن بين الأوسمة الأوربية يوجد وسام فيه صليب!
(يُتْبَعُ)
(/)
وأنا لا أدافع عن الأمير في وضعه لذلك الوسام الذي فيه صليب، ولكن بناءً على كل ما ذُكر، لا يجوز لأحد أن يزعم أنّ وضعه لذلك الوسام دليل على الماسونية أو العمالة فضلاً عن الردّة!! فالموضوع كلّه عبارة عن اجتهاد فيما يُسمّى بالتكتيك السياسي ربما يُخطئ فيه الرجل وربما يُصيب؛ فهو يضع وسامًا فيه صليب ولا يضع صليبًا مستقلاً وبين الحالين فرق واضح؛ فإذا أراد بعض الباحثين المتخصصين والمطّلعين أن يحكم في القضيّة فله أن يقول: أخطأ الرجل أو أصاب. وليس له أكثر من ذلك، ولا يجوز له أن يسرح بخياله إلى ما هو أبعد من ذلك.
ويبدو أن حقيقة هذه الأوسمة والنياشين غابت عن الأخ محمد مبارك، وكما رأيناه في البداية يزعم أنّ الفتنة بدأت بقتل داود باشا مع أنها في الحقيقة انتهت بتنصيب داود باشا حاكمًا على جبل لبنان!! راح يروّج الآن لفكرة جديدة وهي أنّ الفتنة انتهت بالتدخل الأجنبي في بلاد الشام، وبذلك يكون الأمير قد قدّم خدمة جليلة للتاج الفرنسي!!
إذن الأحداث دائمًا مقلوبة عند الأخ صاحب (فك الشفرة)!!
لقد زعم أنّ الفتنة انتهت بالتدخل الأجنبي مع أنّ جميع المراجع التاريخية ـ والواقع أيضًا ـ تُأكّد أنّ الفتنة انتهت بجلاء القوات الأجنبية مخذولة.
وجميع المراجع ـ بل والوقائع ـ تُبيّن أن الأمير قدّم خدمة جليلة للدولة العثمانية، في حين يصرّ صاحب (فك الشفرة) وغيره على جعل تلك الخدمة في صالح فرنسا!!
ومَنْ هذا الذي يمكنه أن يقبل بهذا الكلام؟! وعن أي خدمة للتاج الفرنسي يتحدث الكاتب؟
الأمير أحبط المخطط الفرنسي الأوربي، وأجبر بحنكته ودهائه الجيوش الفرنسية على الرحيل، وحافظ على التبعيّة لدولة الخلافة، وحاز على رضا الخليفة (أمير المؤمنين)، وأنقذ بلاد الشام من الاحتلال الصليبي (الذي عاد ليحتلّ بلاد الشام ولكن بعد ستين سنة!! من أحداث فتنة النصارى هذه، أي بعد 37 سنة من وفاة الأمير).
ثمّ إنّ الأمير لم يكن المتصرف الوحيد في هذه الأحداث، لقد كان لوزير الخارجيّة العثمانية فؤاد باشا الدور الأكبر في إنهاء تلك الفتنة، وذلك بتوجيهات من الخليفة، وإنما كان دور الأمير هو منع استفحال الفتنة وتدهور الأوضاع ريثما يصل فؤاد باشا، وكما رأينا فإنّ فؤاد باشا هو الذي ردَّ المظالم وهو الذي سجن المتورطين في الفتنة وهو الذي أعدم وقتل ونفى! وهو الذي تفاوض مع الأوربيين، وهو الذي عيّن الحاكم النصراني لجبل لبنان، طبعًا ذلك كلّه بتوجيهات من الخليفة.
وهذا الموضوع لا يحتاج لكثير توضيح، فالأمير ليس له أي صفة حكوميّة رسميّة، وليس له أي منصب عسكري أو قيادي، فلا يمكنه أن يفعل ما فعله الوزير فؤاد باشا، فليس للأمير أي صلاحيات تمكنه من ذلك. والذي دفعَ الخليفة العثماني لشكر الأمير ومكافأته على موقفه، هو أنّ الأمير قام بدورٍ أنقذ فيه الدولة العثمانية من ورطة كبيرة بدافعٍ من التديّن والإخلاص لدولة الخلافة،
وهو غير مؤاخذ إن وقف على الحياد ولزم بيته وانعزل عن الأحداث!
فإذا كان البعض يرى أنّ إنقاذ الرعايا المسيحيين العزّل والنّازلين تحت الحكم الإسلامي هو خدمة للتاج الفرنسي أو الإنكليزي، فعليه أن يقول إنّ الخليفة ووزيره قاما بهذه الخدمة وليس الأمير عبد القادر! وطبعًا فإن هذا الكلام ضربٌ من الجنون.
والسؤال الذي كان يجب على الأخ الكاتب أن يسأله لنفسه قبل أن يتهم الأمير؛ هو:ما الذي استفادته فرنسا من موقف الأمير من أحداث 1860م؟؟ وما الذي استفادته إنكلترا؟؟
لقد مرّ معنا آنفًا كيف أنّ النصارى اللبنانيين كانوا يقتلون النصارى في دمشق بأمر من فرنسا لتتخذ من ذلك ذريعة للاحتلال؛ ومرّ معنا في رسالة الشكر التي بعثتها الحكومة البريطانية للأمير ثناؤها على موقف الأمير الإنساني تجاه المسيحيين!! ونحن نعلم (وفقًا لجميع المصادر التاريخيّة التي مرّت معنا سابقًا) أن بريطانيا هي التي حرّضت الدروز على النصارى!! وهي التي أغرتهم بقتلهم!! واليوم هي تثني على الأمير وتمدحه لأنه حمى النصارى!!!
ثمّ يأتينا البعض ليقول لنا إنّ الأمير خدم التاج الفرنسي أو التاج البريطاني!
(يُتْبَعُ)
(/)
أتمنى أن أكون قد أوضحت أحداث جبل لبنان وفتنة النصارى التي وصلت إلى دمشق، ودور الأمير عبد القادر في إطفائها، وإحباطه للمشروع الأوربي القاضي بفصل بلاد الشام عن الدولة العثمانية تمهيداً لاحتلالها. وبذلك تسقط الشبهة التي أوردها صاحب (فك الشيفرة) حول الأمير كسائر الشبه السابقة. وفي الحلقة القادمة سأتابع مسألة الماسونية بتفاصيلها إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين
خلدون مكي الحسني
للبحث صِلة إن شاء الله
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[29 - Nov-2008, مساء 08:18]ـ
جزاكم الله شيخنا الحبيب أبا ادريس و يعلم الله أنا في الجزائر ظلمناه بقلة الإطلاع على تاريخه و ظلمه المسؤولون عن الكتب الدراسية اذا خلال دراستي لم يمر علي غير أن الأمير صاحب قلم و سيف على الأعداء و بايعه الناس و قد حارب الإستدمار الفرنسي حتى تمكن الفرنسيون من نفيه وهنا لا يزيدون على هذا , فقد غمطوه حقه فقد قام بدور عملاق في المشرق كما قام به في المغرب رحمه الله و أشبه عند النصارى صلاح الدين في دوره في الحد من العدوان على النصارى فسبحان الله كيف يكال للأمير بمكيالين تطفيف و أي تطفيف و الأنصاف يقتضي الكيل بمكيال العدل و الصدق
و الله المستعان
كما قال سفيان الثوري -رحمه الله- إلى عباد بن الخوّاص رحمه لله بتصرف فقال:
أمابعد:
فإنك في زمان كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوّذون أن يدركوه ولهم من العلم ماليس لنا ولهم من القدم ماليس لنا فكيف بنا حين أدركناه على قلة علم ,وقلة صبر ,وقلة أعوان على الخير ,وفسادمن الناس , وكدر من الدنيا؟!
فعليك بالأمر الأوّل , والتّمسك به وعليك بالخمول , فإن هذا زمن الخمول وعليك بالعزلة ,وقلة مخالطة النّاس ,فإذا كان الناس إذا التقوا ينتفع بعضهم ببعض , فأما اليوم فقد ذهب ذلك والنجاة في تركهم فيما نرى
كان يقال: اتقوا فتنة العابد الجاهل والعالم الفاجر فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون واياك أن تكون كمن يحب أن يعمل بقوله أو ينشر قوله أو يسمع قوله فإذا ترك ذاك منه عُرف فيه فتفقد نفسك واعمل بنية واعلم أنه قد دنا الناس أمر يشتهي الرّجل أن يموت
والسلام
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[05 - Dec-2008, مساء 04:01]ـ
بارك الله فيكم يا شيخ خلدون
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[09 - Dec-2008, مساء 01:23]ـ
وفيكم بارك الله يا أخ محمد، وعيدكم مبارك إن شاء الله.
ـ[أبو عبد الأعلى]ــــــــ[14 - Dec-2008, مساء 08:47]ـ
جزاك الله خيرا يا شيخ خلدون على هذه الحقائق النفيسة.
و ليتك تضعها على ملف وورد.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[15 - Dec-2008, صباحاً 12:01]ـ
وجزاكم الله خيرا يا أخي (أبو عبد الأعلى)، وإن شاء الله يكون ما طلبت.
وأرجو أن تتابع معنا الحلقة 14.وهي إن شاء الله قبل الأخيرة.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[15 - Dec-2008, صباحاً 12:25]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الرابعة عشرة
بيّنتُ في الحلقة الماضية كيف اتّخذ الأخ محمد مبارك صاحب (فك الشفرة) من أحداث 1860م التي بدأت في جبل لبنان ثم انتقلت إلى دمشق، حجّة لاتهام الأمير عبد القادر بالعمالة السافرة لفرنسا وبانتسابه إلى الجمعية الماسونية.
وبعد ذلك أكّد تهمة الماسونية بالاستشهاد بكتب وأقوال لبعض رجال الماسونية أمثال: أنطوان عاصي، وإسكندر شاهين، وشاهين مكاريوس، وجرجي زيدان!!
وقبل أن أبدأ بتبيين سقوط هذه التهمة، أرى من الضروري جدًّا (ومن باب الذِّكرى لجميع المؤمنين) التنبيه على مسألة خطيرة وهي مسألة الاستشهاد بكلام أشخاص صليبيين أو ماسونيين للطعن برجال مسلمين!!
قديمًا كان هذا الشيء لا وجود له عند أهل الإسلام على مختلف مشاربهم، فلا يُعقل أن يطعن مسلم في مسلم بناءً على شهادة يهودي حاقد أو صليبي مُغرض! وإنما العمدةُ في ذلك على شهادات الثقات من المسلمين! فصفة الإسلام وحدها لا تكفي بل لا بدّ معها من صفة الثقة.
والله تعالى علّمنا ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] (وهذه الآية نزلت في أحد المسلمين!)
إذن إذا كان المُخبر لنا مسلمًا فاسقًا لا تُقبل روايته، فكيف بالفاسق من غير المسلمين؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
وكيف بالفاسق الحاقد الماسوني؟!!!
ولمّا كان الأخ صاحب (فك الشفرة) يَعُدُّ المنتسب إلى الماسونية شخصًا عميلاً خائنًا، فهو إذن مُقرّ بأن رجال الماسونية أشخاص أشرار أعداء للإسلام وفيهم خصال السوء، فكيف رضي أن يستشهد بكلامهم ويعتمد عليه في الطعن برجال الإسلام؟!
وأنا إن شاء الله سأبيّن بكل وضوح ومع الأدلّة والبراهين الساطعة براءة الأمير من تهمة الانتساب إلى الماسونية ومن تهمة الرِّدة والانحياز للكافرين والعمالة لهم، التي يوجهها إليه بعضهم. ولكن قبل ذلك أنا مضطر لتفنيد (يعني إبطال) المراجع التي يعتمد عليها بعضهم وبيان عدم صحة ما فيها.
لقد بدأ الأخ صاحب (فك الشفرة) كلامه بقوله:" وهناك نص ماسوني موثق كتبه الدكتور انطوان عاصي رئيس معهد الطقوس في المحفل الأكبر اللبناني الموحد راداًّ فيه على بديعة الحسني حفيدة الأمير الجزائري ـ والتي أنكرت ماسونية الأمير ـ لإثبات ماسونية الجزائري ناقلاً فيه عن مصادر معروفة و موجودة".انتهى
أقول: هل أنطوان عاصي شخص موثوق به عند الكاتب ومصادره الماسونية معروفة وموثّقة؟!
ولكي أعطي القرّاء صورة سريعة عن هذا المرجع أقول: أنطوان العاصي هذا هو شخص لبناني مسيحي معاصر، وليس ممن عاصروا الأمير عبد القادر ولا أبناءه.
وكلامه وردَ في كتابٍ للبناني آخر هو إسكندر شاهين وعنوان الكتاب هو ((الماسونية ديانة أم بدعة)) طباعة بيروت 1999م.
والقارئ لهذا الكتاب يدرك بسرعة تفاهته! فمن العنوان يحاول الكاتب إظهار الماسونيّة على أنّها ديانة قديمة أو حالة روحية عند المتدينين، يَبْلغونها بعد قطع أشواط في الترقي الفكري والروحي! ويحاول جاهدًا أن يُفهم القرّاء أن الماسونية لا علاقة لها باليهودية، وأنّ توراة موسى سَرَقَت معالم التوراة الكنعانية وطمست وشوهت معالمها، فلذلك لا يمكن القول إن الماسونية بنت الصهيونية أو إسرائيل، فهي نقيضها تمامًا!! ... ولكن هناك ماسونية صهيونية، وهي التي خططت لمجازر الأرمن في تركيا إبّان الحرب العالمية الأولى. وأنه يجب التفريق بين ماسونية وأخرى وبخاصّة أن هناك [52] مذهبًا ماسونيًا يستحيل اتحادها لأن لكل مذهب نظرة فلسفية خاصّة!!!
وأنّ مؤسس الماسونية هو المهندس (حيرام آبي) باني هيكل سليمان، لا كما يزعم اليهود أن الملك سليمان هو مؤسس الماسونية!! (وهناك من يقول إن سيدنا نوح هو مؤسس الماسونية!) وأنّ سليمان هو الذي أمر بقتل حيرام قبل خروجه من القدس، وأن قبر حيرام في مدينة صور اللبنانية!! وأنّ الماسونية انطلقت من مدينة صور حيث ولِدَ أول مذهب ماسوني وهو المذهب الكنعاني!! (بحسب كلام أنطوان عاصي) وأن الماسونية يعود وجودها إلى 2000 سنة قبل المسيح، فالسنة الماسونية الحالية 5999. (بزعم القطب الأعظم ضاهر ديب؛ ويبدو أنه ضعيف في الحساب!)؛ وأن محفل الشرق الأكبر اللبناني، الذي مركزه بيروت أعضاؤه مسلمون!!! وأنّ الماسونية اللبنانية تعُدُّ إسرائيل عدوًا طبيعيًا لها، وأن صراع الماسونية مع اليهود يعود في جذوره إلى اغتيال حيرام آبي على أيدي اليهود في زمن سليمان!! وأن الماسونية كانت على عداء شديد مع منظمة فرسان مالطا، وأنّ اليهود لم يكن يُسمح لهم الانتساب إلى الماسونية قبل القرن العشرين!!!
ثمّ يحاول جاهدًا أن يدلل على فضائل الماسونية ومزاياها بكلام لا يُقنع إلاّ الأغبياء. كل ذلك بلغة ركيكة مبتذلة لا يُفهم منها شيء بوضوح.
ثم يحاول أن يوهم أن الماسونية هي مسيحيّة، ثم يصفها بأنها العلمانية، ويختم تناقضاته بقوله "البابا يوحنا بولس الثاني (قبل الحالي) أَمَرَ بنشر نصّ صريح في مجلة أعمال الكرسي الرسولي في 1/ 3/1984م، يشكل الإعلان النهائي حول موضوع العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والماسونية (العلمانية)، أكد فيه عدم التوافق بين مبادئ الماسونية وعقيدة الكنيسة".انتهى
وبعد ذلك عمد إلى التفرقة بين الماسونيين؛ فمنهم من هو وطني محب للعربية، ومنهم من هو مرتبط بالغرب وبالأطماع الاستعمارية!!!! زعموا.
كما حاول أن يجعل كل منجزات النهضة في سورية ولبنان من مدارس ومعاهد ومجلات وجمعيات إنما هي بفضل الماسونية، كما أن كل رجال الفكر والنهضة العربية الإسلامية هم من الماسون ومن أعلى الدرجات ... !
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال عن محمد جميل بيهم! أنه كان رئيسًا للمحفل الماسوني (الاتحاد) ووصفه بأنه معارض بارز للانتداب الفرنسي!!!
وفي لبنان وحده يوجد اليوم ربع مليون ماسوني، بزعمه!
ثم أخذ الكاتب (إسكندر شاهين) يُسمي بعض المحافل فقال: ـ محفل مكة، محفل المدينة، محفل الملائكة، محفل أُميّة، محفل خالد بن الوليد، محفل عمر بن الخطاب، محفل الرياض، محفل العروة الوثقى، محفل محمد علي، محفل الملك حسين .. !!!
وأما أسماء رؤساء المحافل فهي محمد وأحمد ومحمود ومصطفى وحسن وحسين وإدريس .. وهكذا
وأما مواد التكريس (التثبيت) في بعض المحافل التي على طريقة (شراينر) فأُدخلت فيها بعض الآيات القرآنية!!!!
ولما تكلّم على انضمام الملك حسين إلى الماسونية قال: ((وما كاد نبأ انضمام جلالته إلى العشيرة الحرّة يصل إلى أبناء شعبه الوفي حتى زحفت الوفود إلى قصر بسمان مهنّئةً العاهل البطل!!)).انتهى
إذن الشعب الأردني كله مؤيّد للماسونية. فما رأيكم؟
ومن النصوص الشنيعة التي نقلها صاحب الكتاب (إسكندر شاهين) عن أقطاب الماسونية قولهم "وكان موسى يظن أن العالَم لا يشتمل على شيء سوى سيّارتنا هذه (لعله يقصد الأرض) وأنّ موسى قد غلط في زعمه هذا غلطًا فظيعًا".انتهى بهتانهم.
والمضحك أن إسكندر شاهين أورد صيغة القَسَم الماسوني وفيه يتعهدُ المنتسبُ إلى الماسونية ألا يكتب أو ينشر شيئًا عن الأسرار الماسونية. ونحن نقرأ من أول الكتاب إلى آخره أسرار الماسونية على لسان رؤسائها وأساتذتها وأقطابها ومُخرِّفيها!! (إلاّ إذا كان لديهم أسرار أخرى يخفونها عناوهذا يجعل كل ما جاء في الكتاب ساقطًا ولا قيمة له؛ فالحقيقة مخفيَّة ولا يجوز البوح بها وكل ما يُقال إنما هو أكاذيب وضلالات لا تنطلي على القارئ المتيقظ).
هذه هي العناوين العريضة للكتاب الأول الذي يحتج بما ورد فيه الأخ صاحب (فك الشفرة)!!
وفي الفصل الثاني من كتاب إسكندر شاهين تحت عنوان ـ الأمير عبد القادر الجزائري والماسونية في الشرق ـ يقول المؤلف: ((يختلف المؤرخون حول مسألة انتشار الماسونية في لبنان وسورية ففي حين يردها المؤرخ الماسوني جرجي زيدان إلى عام 1864م على يد الأمير عبد القادر الجزائري، تطالعنا المجلة الماسونية "الأكاسيا" عدد حزيران 1994م "بأن الماسونية انتشرت في سورية ولبنان سنة 1738م! وذلك بانضمام نخبة من رجالات دولتي المشرق سورية ولبنان إلى المحفل الأكبر الإقليمي العثماني ومقرّه الأستانة، وكان تابعًا للمحفل الأكبر الإنكليزي)).انتهى
وهكذا نرى كيف اختلف الدجاجلة، فهم يطوّرون كذبتهم وفقًا للأغراض المتوخّاة منها!
ثمّ أورد الكاتب مقالة للأميرة بديعة (حفظها الله) حفيدة الأمير عبد القادر تنفي فيها مسألة انتساب الأمير للماسونية وأثْبَتَتْ فيها وثائق وشهادات وتحقيقات علمية كلها تدعم ما تقول.
إلاّ أنّ الكاتب إسكندر شاهين لم يعلّق على شيء من ذلك واكتفى بإيراد رد أنطوان عاصي على مقال حفيدة الأمير.
والكاتب إسكندر كلما استغرق في التخليط والهلوسة، استشهد بكلام المدعو أنطوان عاصي. فكان "كضِغْثٍ على إبَّالَة".
والغريب أنّ الأخ صاحب (فك الشفرة) فيما يبدو اطلع على مقاطع من كلام أنطوان عاصي مجتزأة، لأنّه لو قرأ كلامه كاملاً لظهر له بوضوح كم هو مخلِّطٌ كبير، ومدى سقوط كلامه.
مثلاً: يقول أنطوان عاصي في ردِّه على حفيدة الأمير: "4ـ أُنشئ في نيويورك في 26/ 9/1872م نظام تحت اسم (النظام العربي القديم لأشراف المزار الصوفي). وأقيم على أساس (مزار صوفي إسلامي). أُسس هذا النظام سنة (656م)!. قبل تطوره أي بعد موت النبي محمد صلى الله عليه الصلاة والسلام (كذا) بأربع وعشرين سنة!!!
ويقول: فلنا أن نقول عن الماسونية: إنها يهودية، لأنها كذلك في بعض طقوسها ومراسمها ..
ولنا أن نقول: إنها مسيحيّة، لأنها تحث على السلم والوداعة والمحبة، وكل ما أتى به الدين المسيحي، من آيات التساهل واللين ...
ولنا أن نقول أيضًا: إنها محمّدية، لأنها في مجموع وصاياها وفلسفتها، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتشترط في الداخلين في سلكها كل فضيلة ومكرمة".انتهى
كل هذا الكلام قبل أن يبدأ بمسألة ماسونية الأمير.
ثم تابع العاصي كلامه بوصفِ نفسه أنه من الماسونيين العريقين! لا من المتطفّلين!!
(يُتْبَعُ)
(/)
إذن فهناك ماسون عريقون وآخرين متطفّلون! يا سلام على هذه الفائدة!
ثمّ راح يستدل على عراقة الماسونية، بتطابق نصوصها مع نصوص التوراة اليهودية التي هي أهم سند للماسون! ثم راح ينفي عن الماسونية تأثّرها باليهودية وأنّ الخطر اليهودي قد انحسر عنها!!! في تخبّطٍ وهلوسة منقطعة النظير وبِلُغةٍ لا تكاد تَفهم منها شيئًا. فضمن أسطر قليلة تجده يثبت الشيء وينفيه وينتسب إلى شيء ويتبرّأ منه وهكذا ... وبعد ذلك راح يبيّن أنّ الماسونية استلهمت أفكارها ومبادئها من الصوفيّة الإسلامية، طبعًا هذه بحد ذاتها طامّة من طوامّه وفِرْيَةٌ من مفترياته؛ ولكنه حتى يزيد الأمر وضوحًا برأيه، أخذ يعدد رموز التصوف الذين استلهمت منهم الماسونية فقال:"ما استلهمته الماسونية من الصوفية الإسلامية من ابن خلدون، وعمر بن الفارض، وأبو العلاء المعري".انتهى
فزاد هذا التوضيح منه الطين بِلَّةً، فما دَخْلُ ابن خلدون وأبي العلاء المعرّي بالتصوف؟! وابن خلدون أوّل ما بدأ مقدّمته هاجم فيها الصوفيّة!
وجميعنا يعلم أنّ أساس المبادىء الماسونية هو القضاء على الإسلام وغيره من الأديان وإبقاء الدين اليهودي حاكمًا للعالم، فكيف تكون الأفكار الماسونية مستمدّة من التصوف الإسلامي ومن كلام مؤرخ الإسلام ابن خلدون أو أبي العلاء المعرّي؟
ونسي العاصي ما كتبه قبل أسطر من أنّ الماسونية مستمدّة بالكليّة من التوراة اليهوديّة!
ثمّ بعد ذلك راح يتحدث عن أحداث 1860م فزعم أنّ تلك الفتنة كان وراءها الإنكليز بالتعاون مع وريث العهد المصري (يعني محمد علي) والدولة العثمانية نفسها، وذلك لإخضاع سورية للحكم العثماني!! فأرسلت فرنسا وبروسيا وإنكلترا (انتبه)! وإيطاليا والنمسا جيوشها البالغ عددهم (12.000) جندي بقيادة الجنرال بوفور الفرنسي لحماية الدروز والموارنة من المجازر التي ارتكبها بحقهم (الطورانيون الأتراك) بقيادة فؤاد باشا!!!
ثمّ قال العاصي: إنّ المجازر كانت بين الدروز والموارنة، وبين الدروز وبقيّة الفِرَق الإسلاميّة. فالدروز هم من أشعلوا الفتنة.
ثم قال: وكلّف نابليون الثالث الأمير عبد القادر بالتصدي للجيش الطوراني التركي للحفاظ على الأقليّات في الشرق!! ونجح الأمير في حماية النصارى فقلّده نابليون وسام الشرف. انتهى
أرأيتم إلى هذا التزوير السافر للتاريخ!!
لقد مرّ معنا في الحلقة السابقة تفصيل أحداث 1860م والعنوان العريض لها هو أنّ فرنسا حرّضت الموارنة على الدروز، وإنكلترا دعمت الدروز، ثمّ سيطرت الدولة العثمانية عن طريق وزيرها فؤاد باشا على مجريات الأمور، بعد أن قام الأمير عبد القادر بتهدئة الأوضاع.
والذي كان يُباشر القتل إنما هم الدروز والموارنة في لبنان، وأما في دمشق فأشقياء البلد مع الدروز، ولم يتدخل في أحداث القتل أي جندي تركي!
أمّا أنطوان هذا فتارة يقول إنّ إنكلترا هي التي كانت وراء الأحداث وهي التي حرّضت الدروز على قتل الموارنة، وتارة يقول إنّ العثمانيين هم الذين أشعلوا الفتنة وقتّلوا الدروز والموارنة، وتارة يقول إنّ الدورز كانوا يقتّلون الموارنة وباقي الفرق الإسلاميّة، وتارة يقول إنّ الإنكليز تحالفوا مع العثمانيين ومحمد علي على فرنسا، وتارة يقول إنّ فرنسا وإنكلترا أرسلتا جيشًا للتصدي للعثمانيين.
ومحمد علي؛ الذي هو حليف لفرنسا وخارجٌ على السلطان، صار عند أنطوان عاصي حليفًا لإنكلترا وللسلطان، والغرض من الفتنة كما نعلم جميعًا هو فصل سورية عن الدولة العثمانية، ولكنه صار عند العاصي أنطوان لإخضاع سورية للحكم العثماني!!! وكأنّ سورية ليست تحت الحكم العثماني!! والله هذا كلام يسبب الغثيان، لم أرَ في حياتي كتابًا كهذا! فأنطوان هذا يُناقض نفسه في كل سطر فلا تكاد تصل إلى نهاية السطر حتى تجد أن الكلام صار خلاف أوّله!
فانظروا كيف يكون التزوير والتحريف وقلب الحقائق.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويُتابع أنطوان عاصي فيقول: ((إنّ الأمير عبد القادر كان المناضل الأكثر شراسة على فرنسا في الجزائر، وهذا سبَّبَ له عداء نابليون الثاني الذي قام بسجن الأمير في فرنسا، ولكن بعد إطلاق سراحه كلّفه نابليون الثالث بمهمة إنقاذ المسيحيين في دمشق، ثم بعد ذلك أشاد الماسون بإنسانية الأمير وعرضوا عليه الانضمام إلى جمعيّتهم، ولكن هذا الانضمام تأخر لوجود خلافات بين الأمير وبين الماريشال الفرنسي الذي هو الأستاذ الأعظم للمحفل الماسوني، وبعد سنوات انضم الأمير للجمعية الماسونية)).انتهى
أرأيتم إلى هذا الهذيان! فتارة يزعم أنّ الأمير دخل في الماسونية وهو في السجن في فرنسا وبناء على ذلك كان يتلقى التكاليف من نابليون وأوّل تكليف له كان حماية النصارى في أحداث 1860م، وتارة يزعم أنّ الماسون عرضوا على الأمير الانضمام إليهم بعد أحداث 1860م وأنّه كان على خلاف مع الماريشال الفرنسي فلم ينضم إلاّ بعد خمس سنوات، وأنّه كان يُخفي نفسه وبقي في الظل.
لقد روّج الماسونيون مسألةَ كون الأمير ماسونيًا بِناءً على حمايته للنصارى في دمشق وأنّ ذلك كان بتكليف ماسوني. ثم هم يقولون إنّهم لم يعرضوا عليه الانتساب إلاّ بعد أحداث 1860م، وأنه قبلها لم يكن ماسونيًا. وهكذا كذبهم مفضوح دائمًا!
ولم يأت أنطوان بأي دليل يُثبت انتساب الأمير للماسونية وكذلك إسكندر شاهين في كل كتابه، مع أنّهم يروّجون للماسونية على أنها أمرٌ حسن والمنتسبون إليها هم من الكُمَّل (زعموا). والمحاولة البائسة والوحيدة التي قام بها إسكندر هذا لإيهام القرّاء بأنه يملك وثائق تثبت صحة ما افتراه على الأمير: هي أنّه عَرَضَ في نهاية الكتاب ـ ضمن الصور التي عرضها للشخصيات اللبنانية الماسونية المعاصرة ـ لوحة زيتية مشهورة للأمير عبد القادر وهو يثير حماس جنوده قبل إحدى معاركه مع فرنسا، ولكن بعد أن زوّر إسكندر مناسبتها فكتب تحتها (رسم يمثل الأمير عبد القادر على أبواب دمشق)! ومهما يكن الأمر فأي دليل في هذه اللوحة على صحّة ما يدّعيه؟!!
ووصف ـ في نهاية كلامه الغثّ ـ الماسونية ((بأنها حالة هيولية ما وراء العقل ثم ترتقي إلى الوحي أي "النيرفانا الهندية" وهي المرحلة الأخيرة قبل وصول قمّة التركيز التي هي "اليوغا")).انتهى؛ ورضي الكاتب صاحب (فك الشفرة) بهذا الكلام!!
إذن هذا هو الكتاب الذي عدَّه الأخ كاتب (فك الشفرة) من المصادر الموثوقة التي تثبت ـ برأيه ـ دون أدنى شك إدعاءاته على الأمير.
والجميع أصبح يرى مدى تهافت الكتاب ومؤلّفه ومدى سقوطه وسخافته، ومقدار الكذب المفضوح الذي حواه وانبنى عليه.
والذي يُفهم من كلام أنطوان عاصي وأمثاله أنّ الإمبراطور نابليون الثالث كان ماسونيًا، وأن ماريشالات الجيش الفرنسي كانوا من الماسون، وأن الإنكليز ماسون، وأن حماية الأمير للنصارى في أحداث 1860م كان بتكليف من الماسون، وكل هؤلاء نصارى والخدمة كانت للنصارى، إذن فالنصارى هم الماسون وليس اليهود أليس كذلك؟!
على كل حال سآتي على تفصيل هذا الموضوع وبيانه؛ إن شاء الله؛ عند معالجتي لحقيقة الماسونية.
ونعود الآن إلى الأخ كاتب (فك الشفرة)، فبعد فراغه من نقل كلام أنطوان عاصي، انتقل إلى مرجع ماسوني آخر وهو المدعو شاهين مكاريوس، ولكن على عادته يبدأ بمقدمة تساعده على عرض ما يريد فقال:" بعد أحداث سنة 1860 في جبل لبنان صارت دمشق عاصمة ولاية سورية في الدولة العثمانية". انتهى
يا سبحان الله! وماذا كانت قبل ذلك؟ عاصمة فرنسا!!!
ثمّ زعم أنّ الوالي العثماني الذي استلمها كان ماسونيًا، لأنّ دولة الخلافة العثمانية بزعمه كانت لا تعيّن إلاّ الماسون!! ثم بدأ الوالي العثماني بنشر الماسونية في دمشق بسرعة وجرأة وبعدها طلب من الأمير أن يتولى هو نشر الماسونية ودعمها، ولكي يثبت هذا الادعاء استشهد بكتاب شاهين مكاريوس.
لقد زعم مكاريوس ـ الماسوني الكبير ـ كما نقل كاتب (فك الشفرة) "أن الأمير التحق بالماسونية فأحبها وأحب أهلها، ومال إليها وإليهم كثيراً، وكان لا يخفي نفسه، وطالما جاهر بأنه من أعضائها".انتهى
ورضي الأخ صاحب (فك الشفرة) بهذا الكلام أيضًا!
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكن من هو شاهين مكاريوس؟ ((إنّه من مواليد (1269 - 1328 هـ = 1853 - 1910م): من مؤسسي جريدة (المقطّم) بمصر، وأحد أصحاب (المقتطف) ومنشئ جريدة (اللطائف) ولد في قرية "إبل السقي" من (مرج عيون - بلبنان) ونشأ في بيروت يتيمًا فقيرًا، قُتِلَ أبوه في حادثة سنة 1860م، وحملته أمه إلى بيروت حيث كانت تعوله من عملها في خدمة الدكتور فانديك، فتعلَّم فن الطباعة، وتولى إدارة مجلة المقتطف ببيروت سنة (1876م) ورحل إلى مصر مع زميليه يعقوب صرّوف وفارس نمر.
وخدم الماسونية بكتبه: (الجوهر المصون في مشاهير الماسون - ط) و (الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية - ط) و (الدر المكنون في غرائب الماسون - ط) و (الآداب الماسونية - ط).)).انتهى [انظر الأعلام للزركلي. (ط) تعني مطبوع]
إذن الرجل ماسوني، فَقَدَ والده بعدما قتله الدروز في لبنان في أحداث 1860م، واضطرّت أمّه إلى العمل خادمةً لتتمكن من إعالته، فنشأ يتيمًا فقيرًا ناقمًا، وانخرط في الماسونيّة، واستفرغ وسعه في الكتابة عنها والترويج لها.
قال عنه حسين حمادة: ((مؤسس محفل (اللطائف) وهو حائز على النيشان الماسوني العالي، وكاتب السر الأعظم للمحفل الأكبر الوطني المصري)).انتهى [شهادات ماسونية ص96] وكل كتبه الخاصة بالماسونية وضعها وطبعها بعد وفاة الأمير بسنوات!
ويروي شاهين مكاريوس في كتابه "الأسرار الخفية في الجمعية الماسونية" المطبوع في مصر سنة 1900م، أنّ نبيَّ الله ((سليمان بن داود ملك إسرائيل كان أوّل معلّم أعظم في الفرانماسونية واسم أمّه (بتشايع)، وأنه لم يكن له من أمه سوى أخ واحد اسمه أبشالوم، وأنّ (حيرام آبي) أستاذ الماسونيين الذين يقيمون له مأتمًا عند دخول الطالبين، وأنّه ابن أرملة من السوريين من سبط (نفتالي) كان أبو صوريًّا يعمل في النحاس، وأنه كان متعرّفًا بالأخوية الديونيسية، وأنه الناشر لأسرار تلك الأخوية)).انتهى [ص97 من كتاب حسين حمادة]
وفي كتابه "فضائل الماسونيّة" المطبوع بمصر سنة 1899م يخبرنا عن إحدى فضائل الماسونية فيقول في الصفحة 53 ((نجا أحد الماسون المدعو جورج كاروتر، إذ وقع في أيدي اللصوص فأرادو قتله لولا أنه أبدى الإشارة الماسونية، ففهم معناها زعيم اللصوص المدعو بيل أندرسن، فترجّل عن جواده، وصافحه مصافحة الإخوان، مما دعا جورج كاروتر ليشكر الماسونية بسبب خلاصه من الموت)) وعلّق الكاتب حسين حمادة على كلام مكاريوس فقال: على أنّ الروائي شاهين مكاريوس نسي أن يهنئ الماسونية على إدخال اللصوص في محافلها، وإلاّ فكيف لهم أن يفهموا إشارات الماسون إن لم يكونوا منهم؟)).انتهى [شهادات ماسونية لحمادة ص97]
هذا ما تيسر لي من كتابات هذا الشخص. فتأمّل!
ولمّا كان الفضل ـ في إنقاذ المسيحيين من مذبحة 1860م ـ لعلماء المسلمين وكبرائهم أمثال الأمير عبد القادر ومفتي الشام الشيخ الحمزاوي والعطار والمنيني .. وغيرهم، ثَقُلَ على أمثال ابن مكاريوس (الذي فقد أباه في تلك المذبحة) أن يشهدوا بالفضل لأصحابه لأنّهم من المسلمين!
وغيرُ المسلمين لا يُطيقون أن يُنسَبَ الفضل والخير إلى المسلمين، فما كان منهم إلاّ أن ألصقوا صفة الماسونية بكل من ساهم في إنقاذ وحماية المواطنين المسيحيين في بلاد الشام! ونحنُ لا نجد في كل ما كتبه الكتّاب المسيحيون عن مذبحة 1860م الغربيون منهم أو الشرقيون؛ أيّ إشارة إلى فضل الشريعة الإسلامية التي طبّقها كبار رجال الإسلام في صيانة أعراض النصارى وحقن دمائهم، وإنما أثنوا على أولئك الرجال وألحقوهم بالماسونية زورًا وبهتانًا!!
ـ ثم انتقل الأخ كاتب (فك الشيفرة) إلى الاستشهاد بكلام جرجي زيدان (وما أدراك ما جرجي زيدان)
لقد زعم جرجي:"أن الماسونية دخلت إلى الشام بمساعي الأمير وأنه أول من أسس المحافل الماسونية".انتهى، ورضي الأخ الكاتب بهذا الكلام أيضًا!
وانظروا إلى هذا التخبّط: فمرّة يقولون إنّ الماسونية كانت في بلاد الشام قبل الأمير وأن الولاة العثمانيين هم الذين أدخلوها، ومرة يقولون إنّ الماسون أسسوا محافلهم في الشام وسعى الأمير للانضمام إليها، ومرة يقولون إنّ الأمير هو الذي أدخل الماسونية إلى الشام، ومرّة يقولون إن الأمير في البداية كان يُخفي نفسه، ومرّة يقولون إن الأمير كان منذ البداية يُجاهر بنفسه، و ...
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعد ذلك يرى الأخ صاحب (فك الشفرة) أنّ هذه المصادر الماسونية هي مصادر موثوقٌ بها وعلمية وصالحة للاحتجاج على عمالة وردّة الأمير عبد القادر!! الذي شَهِدَ له المؤرِّخون والعلماء المسلمون أمثال مفتي المالكية العلاّمة محمد عليش وولده الشيخ الأزهري عبد الرحمن عليش، والعلاّمة عبد الرزاق البيطار وحفيده الشيخ محمد بهجة البيطار، والعلاّمة جمال الدين القاسمي، ومفتي الحنابلة الشيخ محمد جميل الشطي، وآخرون كُثر، شهدوا له بالفضل والدِّيانة والغَيْرة على دين الإسلام، وأشادوا بحرصه على إقامة أحكام الشريعة وحدودها، وسعيه الحثيث لنشر علوم الدين، حتى إنه إلى آخر أيّام حياته كان يُقْرِئُ صحيح البخاري ويُجيزُ به الطلبة والمشايخ، وكذلك موطأ مالك وغيره، فضلاً عن سنده في القرآن الذي أخذه عنه جمعٌ من المشايخ والطلاّب، وشهدوا له بمواظبته على حضور صلاة الجماعة في المساجد حتى وفاته، إلى غير ذلك من الخصال التي تدلّ على تمسّك الرجل بدينه وحرصه على اتباع سنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأحب أن أنبّه الإخوة القرّاء جميعًا إلى أمر هام وهو أن المدعو جرجي زيدان في كتابه الذي ادّعى فيه أنّ الأمير عبد القادر كان ماسونيًا، ادّعى أيضًا أن خلفاء المسلمين من الأمويين والعباسيين هم أول من أدخل الماسونية إلى المدينة والشام وبغداد، وادّعى أن الخليفة الوليد بن عبد الملك استعان بالماسون لبناء المسجد النبوي والمسجد الأموي بدمشق والمسجد الأقصى!!!
وأنّ الكثير من علماء المسلمين وفقهائهم وأمرائهم انتسبوا إلى الماسونية في حينها!!!
وزعم أنّ القائد صلاح الدين الأيوبي كان ماسونيًا!
ليس هذا فحسب فقد قال:"إنّ الله أسسَ أوّل محفل ماسوني في جنّة عدن وأن ميخائيل رئيس الملائكة كان أوّل أستاذ أعظم"!!
وكتاب (تاريخ الماسونية العام) لجرجي زيدان [مطبعة الهلال بمصر الطبعة الثانية (1920م)] ([1] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=170129#_ftn1)) في المجمل يشبه قصّة روائية خيالية كاتبها سكران! فهو يدّعي أنّ الماسونية قديمة قدمَ الإنسان ومع ذلك تعجّب من نبيّ الله عيسى ابن مريم فقال: ((ولا نعلم ما الدّاعي لإغفال السيد المسيح ذِكرَها مطلقًا، مع أنه تكلّم كثيرًا عن طائفتي الصديقيين والفريسيين المعاصرتين لها)).انتهى [تاريخ الماسونية ص19]، وزعمَ أن الماسون هم عمّالُ بناء، وأنهم كانوا أقوى وسيلة لنشر الديانة المسيحية [انظر ص42]، وأنّ كبار ملوك وحكام أوربا كانوا من الماسون!، وكان الماسون يحظون برعاية بابا روما ورجال الدين المسيحي [انظر ص60]، وأنهم المسؤولون عن بناء جميع المعابد والمساجد، وهم الذين بَنَوا مدينة بغداد وقرطبة وإشبيلية (قصر الحمراء)؛ وفجأة تحوّلوا من عمال بناء إلى دعاة ينشرون العلم والفضيلة!
ثمّ سردَ الوقائع والمنشورات التي تبيّن العداء الشديد الذي تضمره الكنيسة ورجالها تجاه الماسون، وأنهم كانوا يعدّون الماسونية مناقضة لعبادة الله وللديانة المسيحية، بل وللديانة على وجه العموم! (هذا أحد التناقضات الشديدة التي مُلِئ الكتاب بها) [انظر ص126]؛ وأنه لم يكن فيهم أي إسرائيلي، وإنما بدأ قبول الأعضاء الإسرائيليين في الماسونية سنة 1840م!! [انظر ص136].
وهو في كتابه يعترف أن الماسونية جمعية سريّة، ولكنه يعلل ذلك بأنه شأن جميع الحركات الإصلاحية، والأديان، ويضرب على ذلك مثلاً المسيح ابن مريم عليه السلام في أوّل أمره. ولكن غاب عن جرجي أنّ تكتُّم وسِرِّية جمعيته الماسونية استمر على الأقل من 2000 سنة قبل الميلاد إلى ما بعد 2000 سنة من الميلاد وإلى يومنا هذا!!
وسأعرض بعض أقواله وافتراءاته الشنيعة بحرفيتها:
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول المدعو جرجي زيدان في كتابه (تاريخ الماسونية العام) مطبعة الهلال بمصر الطبعة الثانية (1920م) ص50 تحت عنوان ـ الماسون في عهد الخلفاء ـ: ((أمّا فئات الماسون الذين جاؤوا المشرق وكان منهم جماعة في القسطنطينية فإنهم اكتسبوا شهرة عظيمة وكان يدعوهم الملوك من أنحاء فارس وبلاد العرب وسورية لبناء المعاقل والمعابد. من ذلك أنّ الخليفة الوليد بن عبد الملك استعملهم سنة (88) للهجرة في بناء المساجد في المدينة ودمشق وأورشليم وقد ذكر مؤرخو العرب ما يشير إلى شيء من ذلك!!)).انتهى [(تاريخ الماسونية العام) لجرجي زيدان ص50 ـ 51]
ثم عرضَ نصًا من تاريخ ابن خلدون فيه ذِكْرُ كتابةِ الوليد بن عبد الملك لأميره على المدينة عمر بن عبد العزيز يأمره بهدم الحجرات وبناء المسجد النبوي، وأن عُمر شرع في العمل بعد وصول الأموال والفََعَلَة (الذين يدَّعي جرجي أنهم ماسونيون!)
ويتابع جرجي فيقول: ((وما زالت جمعيات الإخوة البنائين الأحرار تتسع نطاقًا في "اسكوتلاندا" و"غاليا" حتى نهاية الجيل السابع وبداية الثامن إلى أيام الفتوحات الإسلامية سنة (718م) فانحطّت وضعفت شوكتها. حتى إذا جاءت أيام الخلفاء العباسيين وبُنِيَت بغداد فازدهرت تلك العاصمة وصارت إليها الصناعة برمّتها، ولا سيما صناعة البناء وكأنّ الماسونية انتقلت في ذلك القرن من أوربا إلى آسيا على أثر التمدن الإسلامي، وأصبحت جماعات البنائين على جانب من الكثرة والصولة في سورية والعراق وبلاد العرب. فانتظم في سلكها كثيرٌ من العلماء والفقهاء والأمراء. ويُستَدل على شيء من ذلك مما ورد في كتب التاريخ عن كيفية بناء مدينة بغداد)).انتهى [(تاريخ الماسونية) لجرجي ص51]
ثم عرض نصًّا من تاريخ ابن الأثير فيه ذِكْرُ كتابة الخليفة المنصور إلى الشام والجبل وغيرها يطلب الصُنَّاع. ثم ذكر حضور الحجاج بن أرطاة وأبي حنيفة! (وكأنه يعرّض بهما بعدما زعم انتساب العلماء والفقهاء إلى الماسونية في ذلك الوقت، كما عرّض بعمر بن عبد العزيز في النص السابق)
ثمّ زعم جورجي في حاشية الصفحة 53: أنه كان يوجد في بغداد أيام بنائها جمعية سريّة تشبه في مبادئها الجمعية الماسونية وبينهما علاقات وارتباطات واسمها (الروزكريسيان) وأن من أعضائها: الفارابي، والفضل بن سهل الفلكي، وخالد بن برمك، والمورياني وغيرهم. انتهى [(تاريخ الماسونية) لجرجي حاشية ص53]
والمطلعون على التاريخ والرجال، يدركون تمامًا لماذا اختار جرجي تلك الأسماء لتمرير فريته الشنيعة!
ويقول جرجي تحت عنوان ـ ريكاردوس قلب الأسد وصلاح الدين الأيوبي ـ: (( .. ويستلمح من الحادثة المشهورة التي حصلت بين هذا البطل! والسلطان صلاح الدين الأيوبي أثناء الحروب الصليبية في سورية أن هذا الأخير كان على شيء من الماسونية لأن المعاملة التي عاملها السلطان صلاح الدين لريكاردوس، مع كونه من أعداء وطنه ودينه، لا يمكن أن تحدث إلا عن ارتباط داخلي أشدُّ متانةً من رابطة الوطنية ألا وهي رابطة الأخوية الماسونية، والله أعلم)).انتهى [(تاريخ الماسونية) لجرجي ص60]
ويقول جرجي: ((وفي سنة (1380م) تم بناء حصن الحمراء وقصرها في غرناطة ويعد هذا البناء من أجمل مباني الأندلس (إسبانيا) إلى ذلك العهد، فإن ذلك القصر فريد في بدائعه وقد بني على نمط روماني كان متَّبعًا في القرن الثالث بعد الميلاد.أما بعد ذلك فلم يكن معروفًا عنه شيء، والظاهر أن هذا البناء وغيره من مثله في غرناطة قد بنتها جمعية ماسونية حافظت على ذلك النمط، وكانت في إسبانيا ثم فُقِدت أوراقها فلم يصل إلينا منها ما ينبئنا عن خبرها)).انتهى [تاريخ الماسونية ص65]
فإذا كانت الأوراق مفقودة ولم يصل من أخبار تلك الجمعية شيء فمن أين لهذا الكذّاب هذه المعلومات؟!
ويقول جرجي تحت عنوان ـ الماسونية في سورية ـ: (( ... إن الماسونية العملية انتشرت في أنحاء سورية في أوائل التاريخ المسيحي وأوائل الهجرة، وقد بنى البناؤون الأحرار (الماسون) بنايات عديدة لا تزال آثارها إلى الآن من الكنائس والجوامع والقلاع والأسوار .. )) ....
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم قال: ((ويظهر من مراجعة ما تقدّم أن الماسونيين في سورية لم يكونوا مضطهدين في أيّام الدولة الإسلامية كما كانوا في أيّام الدولة الرومانية قبلها، لأنك رأيت كيف كانوا يستدعونهم من أماكن شتى ويعهدون إليهم بناء المعابد والمدن والمعاقل. وقد انضم إليها كثيرون من أفاضلهم وعلمائهم)).انتهى [تاريخ الماسونية ص152]
إذن يريد جرجي أن يقنعنا بأنّ الماسون كانوا مضطهدين أيام الرومان، في حين أنهم لم يكونوا كذلك أيّام الدولة الإسلامية الأولى التي كانت ترعاهم وتتعامل معهم! فأرجو أن يتنبّه لهذا الأخ كاتب "فك الشفرة".
ويقول جرجي: ((أمّا شأن الماسونية عمومًا في تركيا فشأنها في سائر البلاد؛ هذا من قبيل العامّة واعتقاداتهم، أمّا من قبيل الدولة فلم تصادف مقاومة رسميّة مطلقًا. وإن تكن من الجهة الثانية لم تصادف تنشيطًا كبيرًا، على أنّ مولانا أمير المؤمنين قد كان في ريبة من أمرها ولكنّه علِمَ مؤخّرًا صحّةَ مباديها وإخلاصها لجلالته ولسائر الأمّة والوطن وقد تشّرفتْ برضائه عنها)).انتهى [تاريخ الماسونية ص161].
أقول: إنّ جرجي زيدان مات سنة 1914م وكان قد فرغ من تأليف تاريخ الماسونية قبل ذلك بسنوات، إذن فأمير المؤمنين الذي يتحدث عنه هو السلطان العثماني الخليفة عبد الحميد الثاني، على الأغلب (المتوفى سنة 1336هـ = 1919م، وانتهت خلافته سنة 1328هـ = 1911م)، وجرجي يدّعي أنه كان راضيًا عن الماسونية وأن الماسونية كانت مخلصة لجلالته ولسائر الأمّة! فما رأي الأخ محمد مبارك بهذا؟
ـ طبعًا هذه النقول اشتملت على مغالطات تاريخية كثيرة غير مسألة الماسونية!
أرأيتم إلى هذه المصادر التي يعتمد عليها البعض ويثق بما فيها؟!
أرأيتم إلى هذا البلاء! خلفاء المسلمين هم أوّل من أدخل الماسونية إلى بلاد المسلمين!!
فإذا كان الأخ كاتب (فك الشفرة) يرى كلام جرجي زيدان كلامًا يُوثَق به فهذا يعني أنه يقول بقوله في اتهام الخلفاء بالاستعانة بالماسون، وبانضمام علماء التابعين وتابعيهم إلى الماسونية، وكذلك يقرّه على اتهامه صلاح الدين بالماسونية (ولا أظنه يقول بذلك أبدًا) ولكن ما معنى أن يقبل كلامه في الأمير فقط!
إما أن يقبل الكل أو يرفض الكل فالمصدر واحد والاتهام واحد وانعدام البيّنة واحد.
وأمّا فيما يخص الأمير عبد القادر، فإنّ جرجي زيدان تعرّض لذكره في آخر كتابه تحت عنوان ـ الماسونية في دمشق ـ وهي فقرة تتألف من خمسة أسطر فقط!! بدأها بقوله: ((دخلت الماسونية الرمزية إلى دمشق بمساعي الطيب الذكر المغفور له الأمير عبد القادر الجزائري. وأوّل محفل تأسس فيها هو محفل سورية بشرق دمشق تحت (شرق إيطاليا الأعظم) ولا يوجد في دمشق غير هذا المحفل وقد ترأّسَ عليه كثيرون من أعيان البلاد وأمرائها. وقد لاقى اضطهادًا قليلاً إلاّ أنه تغلّبَ على كل الصعوبات فثبتَ بمساعي الإخوة وتنشيطهم)).انتهى [تاريخ الماسونية ص156]،
ثمّ تحدث بعد ذلك عن الماسونية في فلسطين ثم في تركيا إلى أن قرَّر تشرف الماسونية برضا السلطان عبد الحميد!! [ص161].
أقول: إذن الماسوني جرجي زيدان يزعم أنّ الأمير هو الذي أسس محفل "سورية" وأنه لا وجود لمحفل آخر في دمشق! وأنه لاقى اضطهادًا قليلاً! في حين أنّ الماسوني أنطوان عاصي يزعم أنّالأمير بعد عودته من باريس إلى سورية سنة 1865م أصبح عضوًا فخريًا في محفل "سورية" الذي كان ينتمي إلى الشرق الدمشقي. وهذا يعني أنّ المحفل كان موجودًا قبل الأمير!! ولكن يخالفهما الرأي صاحب (فك الشفرة) فهو يقول:تعاون راشد باشا مع الأمير عبد القادر بعد رجوعه من مصر بهذا الخصوص فأسَّسا محفل "سورية" أو الجمعية الماسونية، وكانت هذه الجمعية تتستر تحت اسم: (لجنة الإصلاح)!!! وصاحب (فك الشفرة) يعتمد في نقوله على جرجي وعاصي وأضرابهما!!. ومرَّ معنا قبل ذلك قول جرجي أن السلطان العثماني كان راضيًا عن الماسونية، وصاحب (فك الشفرة) يقول إن مخلص باشا والي دمشق كان ماسونيًا وينشر الماسونية بجرأة وأنه كلّف الأمير بنشر الماسونية!! ونقل عن مكاريوس أن مفتي دمشق ونقيب الأشراف فيها وشيخ الأموي ومحدّث الشام وكبار العلماء في دمشق كانوا من الأعضاء في ذلك المحفل!!
(يُتْبَعُ)
(/)
إذن من الذي كان يضطهد الأمير ومحفل "سورية" إذا كان الوالي والسلطان مؤيّدان، وشيوخ البلد والمُفْتُون فيها وأشرافها من الماسون؟!
فما هذا التناقض في الأقوال؟
ثم تحدث جرجي عن الماسونية في مصر إلى أن قال: ((وفي سنة 1845م [يعني عندما كان الأمير يجاهد الغزاة الفرنسيين في الجزائر!] تأسس في الإسكندرية تحت رعاية الشرق الأعظم الفرنساوي محفل اسمه "الأهرام" انضمَّ إليه كثيرون من الإخوة الماسونيين من جميع الطوائف والنزعات وكثُرَ أعضاؤه وكان يشتغل بعلم الحكومة المحليّة لا يخشى اضطهادًا ولا يبالي بما يقوله القائلون على غير هدى. ولهذا المحفل بالحقيقة الفضل الأعظم في بثّ التعاليم الماسونية في القطر المصري والتحق به قسمٌ عظيم من رجال البلاد من وطنيين وأجانب وفي جملتهم البرنس حليم باشا ابن ساكن الجنان محمد علي باشا والأمير عبد القادر الجزائري المشهور بالفضل والحلم وعزَّة النفس التي هي الصفات الماسونية الحقة!! وقد تمثلت في شخص هذا الرجل. ولا نزيد القارئ علمًا بما أتاه هذا الأمير في بلاده من البسالة وعلو الهمّة والحزم في حربه مع الفرنساويين في الغرب، وما أبداه من كرم الأخلاق والشهامة أثناء حادثة الشام المشهورة، فإنّه حمى في كنفه ألوفًا من المسيحيين الذين لولاه لهدرت دماؤهم والناس إذ ذاك فوضى لا سراة لهم)).انتهى [تاريخ الماسونية ص166]
ثم قال: ((ومن الرجال الذين شرَّفوا هذه العشيرة بحمايتهم، ورعوها بعين رعايتهم؛ سمو الخديوي إسماعيل باشا الأفخم!)).انتهى [تاريخ الماسونية ص171].
أقول: عندما وجد جرجي زيدان نفسه أمام مشكلة كبيرة وهي الفارق الكبير بين صفات رجال الماسون الذين يتحدث عنهم سواء في أوربة أو في الشرق (من أمثاله وأمثال مكاريوس) وبين صفات الأمير عبد القادر السامية والمخالفة تمامًا لصفاتهم الوضيعة، لم يجد بُدًّا من سرد صفات الأمير الحميدة التي لا يجهلها أحدٌ في ذلك الوقت، ثمّ علّق عليها قائلاً إنها هي صفات الماسونية الحقة!!!
والأمر الذي يستحق الوقوف عنده هو ادّعاء جرجي أن الذين التحقوا بمحفل الأهرام كانوا أصلاً من الماسون، ثمّ عطف عليه فقال والتحق بهم البرنس حليم باشا والأمير!! وكان ذكرَ قبل ذلك في الصفحة 158من تاريخ الماسونية، أنّ ((في الأستانة مجلس عالٍ تركي وهو المجمع الوحيد الوطني أسسه الأخ الكلي الاحترام البرنس حليم باشا وهو رئيسه طول حياته)).انتهى! وهذا يُفهم منه أنّ حليم باشا لمّا التحق بمحفل الأهرام كان ماسونيًا، وكذلك لمّا علّق على أعمال الأمير يُفهم من كلامه أنّ الأمير لمّا التحق بهذا المحفل كان ماسونيًا أيضًا! حيث جعل موقفه من أحداث 1860م من أثر الانضمام للماسونية، وكذلك فعل أنطوان عاصي حيث صرّح بأنّ الأمير كُلِّفَ رسميًا بإنقاذ المسيحيين من قِبَل الماسون!! فالذي يُفهم من هذا الكلام أنّ الأمير انتسب للماسونية قبل 1860م وهذا مخالف لما زعموه سابقًا من أنّ الأمير انتسب للماسونية سنة 1865م!!! ليس هذا فحسب فقد مرَّ معنا في البداية أنهم زعموا أنّ الأمير انضم للماسونية وهو في السجن في أمبواز، وفي هذا المقطع يوحي الكلام للبعض أن انتسابه كان سنة 1845م أي أثناء جهاده في الجزائر! ويؤيّده ما قاله عبد الحميد صمادي في مقالٍ له بعنوان ـ نظرات في الماسونيّة ـ وهو منشور على الإنترنت. قال: ((وفي عام 1845م تمّ تأسيس محفل آخر في الإسكندرية باسم (محفل الأهرام) رُخّص له من الدولة أيضًا، وبهذا المحفل التحق الأمير عبد القادر الجزائري بطل الثورة الجزائريّة المشهور بعد نفيه من السلطات الفرنسيّة إلى دمشق، ثمّ انتقاله إلى القاهرة!! وقبوله ضيافة (حليم باشا بن محمد علي باشا) الذي سبقه إلى الماسونيّة، حيث قام حليم باشا بتقديم الأمير إلى المحفل الأعظم في الإسكندرية، وجرى استثناؤه، ومنحه لقب أستاذ أعظم ـ البعض يعتبر أنّ الأمير كان ماسونيًّا قبل ذلك!! ـ.
و الأمير عبد القادر هو الذي أدخل الماسونيّة إلى الشام ..... ويؤكّد ذلك ما ورد في دائرة المعارف الماسونيّة: بأنّ المغفور له الأمير عبد القادر الجزائري الكبير أسّس أوّل محفل في دمشق، و سمّاه محفل سورية، وكان تابعًا للشرق الأعظم الإيطالي و ذلك سنة 1864م)).انتهى
(يُتْبَعُ)
(/)
طبعًا في كلام الصمادي أشياء عجيبة تفرّد بها وهي قوله أنّ الأمير انتقل من دمشق إلى مصر ونزل بضيافة حليم باشا، وهذا غير صحيح ومخالف لكل مَنْ كتب في سيرة الأمير بل ومعارض لمجريات الأحداث، على كل حال المهم في هذا النقل أنّه يؤكد مسألة ادّعاء الماسون انتساب الأمير للماسونية قبل 1864، وهذا يظهر بوضوح مدى تناقضهم وكذبهم. والمعلوم أنّ البرنس حليم باشا مات في أواخر سنة 1862م، إذن فمن غير المعقول أن يكون التقى بالأمير عبد القادر واستضافه، ((والأمير لم يقدم إلى مصر إلاّ في 5/ 1/1863م، والثابت أنّ الذي استقبل الأمير هو الخديوي سعيد باشا)). [انظر تحفة الزائر 2/ 121].
هذا كل ما استطاع جرجي زيدان أن يروّج له في كتابه بخصوص الأمير، وطبعًا كل ذلك دون أدنى بيّنة أو دليل، وإنما مجرّد افتراءات ضمن سلسلة تناقضات وتخبطات؟!
والعجيب حقًا كيف يرضى البعض الاستشهاد بكلام جرجي؟!
ومحلّ التعجب ليس محصورًا في سقوط وتفاهة كتاب جرجي، وإنما في شخص الكاتب نفسه. فإنّ المدعو جرجي زيدان هو أحد أركان الكذب والدجل في القرن الماضي، وهذا الصليبي الحاقد قد سخَّرَ حياته كلها لتشويه الإسلام والطعن فيه وفي رجاله، بدءًا من رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مرورًا بأصحابه وذريّته وأئمة المسلمين وانتهاءً بالأمير عبد القادر!! وقد أُلِّف الكثير من الكتب لفضح هذا اللّعين وكشف زوره وبهتانه، أذكر منها كتاب (نبش الهذيان من تاريخ جرجي زيدان) لفضيلة الشيخ أمين حسن الحلواني المدني المتوفى سنة (1316هـ = 1898م) وفيه بيان بالتزييف العجيب الذي قام به زيدان في نقله لأخبار التاريخ الإسلامي وأقوال رجاله، وكتاب (انتقاد تاريخ التمدن الإسلامي لزيدان) تأليف العلاّمة شبلي النعماني، وهو من رجال الإصلاح الإسلامي في الهند، المتوفى سنة (1332هـ = 1914م)، وحكم على جرجي بعد مناقشة أقواله والعودة إلى مصادره بأنه جريء على الكذب، عظيم التدليس. وكتاب (جرجي زيدان في الميزان) لشوقي أبو خليل الصادر سنة 1980م.
[1] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=170129#_ftnref1) ـ وكذلك في طبعة دار الجيل 1984م (بيروت).
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[15 - Dec-2008, صباحاً 12:35]ـ
وأرى من الضروري إعطاء الإخوة القرّاء لمحة إلى حياة هذا الشخص وآثاره الشنيعة، وذلك لخطورة أمره فهو لا يكتب إلاّ في التاريخ الإسلامي والأدب العربي، وقد يقع بعض الناشئة في شِباك أكاذيبه، وخاصة بعد أن يجدوا في منتديات إسلامية مقالات لمسلمين تستدل بأقول ذلك المأفون!
وسأنقل لكم ما لخّصه الأستاذ الفاضل الدكتور مازن بن عبد القادر المبارك الجزائري في مقاله (جرجي زيدان وتاريخ الإسلام) (مجلة "المنتدى" العدد 99).
((أما جرجي زيدان فهو نصراني من لبنان ولد عام 1861م. اتصل فكريًا بجمعيّة الشبّان المسيحيين التي انتسب إليها. هاجر إلى مصر وعمل في جريدة "الزمان"، وهي الصحيفة التي سمح لها الإنكليز بالصدور بعد أن عطّلوا صحافة مصر الحرة. قيل إنه عمل في الاستخبارات البريطانية، ورافق الحملة الإنكليزية إلى السودان. زار إنكلترا ثم عاد إلى مصر وعمل في مجلة "المقتطف" ولم يلبث أن أصبح صاحب مطبعة الهلال وأصدر مجلة الهلال، ومات سنة 1914م.
وكان اهتمامه فيما ألّف أو ترجم متصلاً بالتاريخ وتاريخ الإسلام، وتاريخ الأدب العربي، واللغة العربية، وهي من الموضوعات التي أثارت وما زالت تثير اهتمام الكثيرين!
ووضع جرجي عددًا من الكتب التاريخية منها تاريخ التمدن الإسلامي، وتاريخ مصر، وتاريخ إنكلترا، وتاريخ الماسونية .. وغيرها، كما أخرج سلسلة من الروايات بعنوان "روايات تاريخ الإسلام".
وعُرِفَ عنه أنه كان يُترجم بعض ما في كتب الفرنسيين ويُضيف ما ترجمه إلى كتبه دون إشارة تدل على الترجمة ليُوهم أنه من تأليفه، اتّهمه بذلك صراحة الأب اليسوعي لويس شيخو، وذكر الدكتور أبو خليل أمثلةً تَدُلُّ على ذلك وتُثْبِتُه))
(يُتْبَعُ)
(/)
((وذَكَرَ الدكتور عمر الدسوقي أن جرجي زيدان رافق الحملة النيلية إلى السودان سنة 1884م مترجماً بقلم المخابرات))، ((وسُئِلَ الدكتور أحمد الشرباصي عن روايات جرجي زيدان فأجاب:"إن هذه الروايات لا تليق بالمسلم قراءتها، لأنها وُضِعَت لتشويه التاريخ الإسلامي وتحريف حوادثه وقلب أموره رأسًا على عقب والنَّيْل من جماله وجلاله. وكأنما كانت هذه الروايات نتيجة لخطة أريد بها مسخ التاريخ الإسلامي في أنظار أهليه ..... ونجد في هذه الروايات أنّ صاحبها يدُسُّ في كل واحدة منها راهبًا من الرهبان يصوره بصورة البطولة، يدافع عن الحريّات أو يدعو إلى المكرُمات، فإن لم يختلق راهبًا اختلق ديرًا يصوّره على أنه معقل الجنود المسلمين الهاربين، وحصن المجاهدين المطَاردين .. ! "))
((قال الدكتور شوقي أبو خليل:"أبرز ما في حياة جرجي أنه أولاً: صَنَعَت شخصيّته المدارس التبشيرية في لبنان. ثانيًا: رجل استخبارات بريطانية" وقال: إنه "أظهر شعوبيةً وحقدًا على العرب، فلقد حقَّر جرجي ـ في ذهنه فقط ـ أمتنا وأظهر مساوئها، بل ما ترك سيئة إلاّ وعزاها لأمتنا، وابتزّ منها كل مكرُمة، لقد جعل جرجي العربَ غرضًا لسهامه .. يرميهم بكل نقيصة وعيب وشر"
وقال:"روايات جرجي زيدان تعمَّدَ فيها التخريب والكذب لأجل تحقير العرب عن سوء قصد لا عن جهل .. تعمّدَ التحريف وتعمّدَ الدسّ والتشويه، وتعمّدَ فساد الاستنباط مع الطعن المدروس! .. لعمالته الأجنبيّة وتعصّبه الديني الذي جعله ينظر إلى تاريخنا العربي الإسلامي وآداب اللغة العربية بعين السخط والحقد")).انتهى
ومن شدّة حقد جرجي زيدان على الإسلام والمسلمين أنه لم يترك أحدًا من أعلامهم إلاّ وتناوله بالتشهير والتشويه والطعن، فبدأ برسول الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ بالصحابة والخلفاء والفاتحين ..
لقد نذر حياته الخسيسة لتشويه الإسلام ورجاله، وذلك حتى يصرف غير المسلمين عن التفكير بالإسلام والدخول فيه، وليزرع البغضاء في قلوبهم تجاه المسلمين، وما أظنّه كان يحلم أن يأتي يوم تصبح فيه كتبه وكلماته مرجعًا لبعض المسلمين!!
وإليكم بعض أقواله الساقطة؛
· ((قال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن سطوته انتشرت في جزيرة العرب، ويسمى أتباعه المسلمين .... وهو لم يدع قافلة تمر بالمدينة إلاّ غزاها وفرّق أسلابها وأموالها بين رجاله"!!
· ووصف الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنه "تشغله فتاة تورّدت وجنتاها وذبلت عيناها، وتكسّرت أهدابها، واسترسل شعرها الأسود على ظهرها وصدرها"!!
· ومحمد بن أبي بكر ومروان بن الحكم يتنافسان على حب فتاة مسيحية.
· والصحابي ابن الحواري عبد الله بن الزبير "ملحد"!!!
· وسُكينة بنت الحسين "أمرت أشعب، وكان مضحكاً لها،أن يقعد على بيض حتى يفقس، وقعد أيامًا ثم فقس البيض وملأت فراريجه الدار، فسمتها بنات أشعب"!!
· وأما السيدة نائلة زوجة عثمان رضي الله عنهما، فيصفها جرجي قبّحه الله وصفًا أخجل أن أنقله [انظر عذراء قريش ص32]
· وعبد الرحمن الغافقي "له خباء من النساء، وفي خبائه عشرات من النساء، وهو هائم بحب إحدى الفتيات، وله قهرمانة تشرف على خباء نسائه .. وهي ذات نفوذ تولي وتعزل من تشاء"!!
· ويقول عن الخليفة المعتصم:"إنه أنشأ كعبة في سامرا ليحوّل المسلمين عن كعبة مكّة ويذهب بما بقي للعرب من مصادر الرزق حتى يميت عرب الحجاز لأنهم يرتزقون من الحُجّاج، فأنشأ كعبة في سامرّا ليغني المسلمين عن الحجاز، ولكنه ليس أول من فعل ذلك من الخلفاء أو الأمراء، فقد حاول ذلك الحَجَّاج والمنصور ولم يُفلحا"!!
يتابع الدكتور مازن المبارك قائلاً: وكأني بجرجي .. يظن أن الحج إلى الكعبة صادر بمرسوم أو أمر من الخليفة! وأن الخليفة يستطيع أن يبني كعبةً حيث يشاء، وأن يأمر المسلمين بالحج إليها، وأن المسلمين يطيعون فيستغنون عن كعبة بيت الله الحرام في مكّة!!
والجدير بالذكر أن التاريخ يقول عن الخليفة المنصور الذي يتهمه جرجي بمحاولة بناء الكعبة أنه مات محرماً في طريقه إلى الحج على بعد أميال من مكّة.
وما لنا نعدد الأسماء؟ ولم لا ننظر إلى ما قاله عن العرب والمسلمين كافّة؟
· يقول جرجي "لم يبق أحدٌ يحاربنا إلاّ ثلاثة: العرب والمغاربة والأتراك؛ والعربيّ بمنزلة الكلب (هكذا!) اطرح له كسرة واضرب رأسه، والمغاربة أكلة راس، والأتراك ما هي إلاّ ساعة حتى تنفد سهامهم، ثم تجول الخيول عليهم فتأتي على آخرهم، ويعود الدين إلى ما لم يزل عليه أيام العجم" [انظر (عروس فرغانة) ص168]
· وفي مجال الصراع بين العرب وخصومهم يقول "إن السِّخال لا تقوى على النطاح، والبغال لا صبر لها على لقاء الأُسْد"!!
· ويقول:"إنّ ما عند كسرى من ذهب وحجارة كريمة ذهبَ كلّه غنيمة للمسلمين، وهم يومئذ أهل بادية، حفاة عراة، لا يفرّقون بين الكافور والملح، ولا بين الجوهر والحصى .. فاقتسموا الآنية، وقطّعوا الأبسطة، ومزّقوا الستائر. وكان نصرهم من آيات تغلب البداوة على الحضارة"!!)).انتهى
هذا غيضٌ من فيض نتن من آثار جرجي زيدان ذلك الكذاب الأشر والحاقد والمزوّر القذر.
وهو المرجع الذي يعتمد عليه المتهجّمون على الأمير!
ومرّ معنا آنفًا كيف اتّهم الكذّاب جرجي القائد صلاح الدين بالماسونية، ومن قبله الخليفة الوليد بن عبد الملك! بل وعلماء المسلمين وفقهاءهم.
فالذي يفتري كل هذا الكذب والبهتان هل يصعب عليه أن يفتري على الأمير عبد القادر ويتهمه بالماسونية؟!
ثمّ إذا كانت الماسونية دخلت إلى سورية من أيام الوليد وصلاح الدين فلماذا يقول جرجي إن الأمير هو أول من أدخلها إلى سورية؟! الجواب: لأنّه كذّاب أشر في كلّ ما قاله وادَّعاه.
والعجيب من الأخ صاحب (فك الشفرة) أنّه لم يطلب من كل هؤلاء الكذّابين الحاقدين الصليبيين أي برهان أو بيّنة!!
والحديث عن تفاصيل قصّة ادعاء الماسونية لانضمام الأمير إليهم سيأتيكم إن شاء الله
في الحلقة القادمة.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
خلدون مكّي الحسني
للبحث صِلة إن شاء الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو الحسين العاصمي]ــــــــ[19 - Dec-2008, مساء 02:36]ـ
سلمت يمينك يا شيخ خلدون، وسدد الله قلمك ..
ـ[أبو عبد الأعلى]ــــــــ[19 - Dec-2008, مساء 02:42]ـ
بارك الله فيك و نفع بجهودكم.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[10 - Jan-2009, صباحاً 01:59]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أشكر الأخوين (أبو الحسين العاصمي) و (أبو عبد الأعلى) على دعائهما ولطفهما.
وكنتُ أرجأت نشر الحلقة الأخيرة بسبب الحرب العالمية الهمجية على المسلمين في غزّة،
أسأل الله تعالى أن يفرّج عن إخواننا في غزّة ويدفع عنهم عدوّهم، ويثبت أقدام المجاهدين ويُفرغ عليهم صبرا،
وأن يمدّهم بملائكة من عنده، وأن يسدد رميهم.
وأسأله تعالى وهو المنتقم الجبّار أن ينزل عذابه على جيش اليهود ويلقي في قلوبهم الرعب ويجعلهم يقتلون أنفسهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، ويردهم خزايا وخاسرين. آمين آمين آمين
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[28 - Jan-2009, مساء 04:34]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الخامسة عشرة
إنّ الذين اتّهموا الأمير عبد القادر الجزائري بالماسونية، لم يكن لديهم أي مستند صحيح! وإنما هي مجرّدُ تخرُّصات منشؤها إساءة الظن في فهم بعض الأحداث أو المواقف! ولقد مرَّ معنا سابقًا كيف استند بعضهم إلى حادثة 1860م ـ ومساهمة الأمير مع باقي أعيان دمشق في حماية المواطنين النصارى في دمشق من التقتيل ـ في جعلها دليلاً على ماسونية الأمير، وقد بينتُ سقوط هذا التخرّص وبطلانه.
وكذلك استند بعضهم إلى الأوسمة والنياشين التي مُنحت للأمير، وقد بيّنتُ قصّتها وبطلان هذا الافتراء. والبعض الآخر استند إلى كلام بعض الشخصيات الماسونية الحاقدةِ على الإسلام ورجاله، والمخرِّبَةِ لتاريخهم، أمثال المدعو جرجي زيدان، ومكاريوس! وقد بيّنتُ في الحلقة السابقة بطلان هذا المستند أيضًا.
وفي الفيلم المُغرض الذي تعرضه قناة "العربية" ([1] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=178879#_ftn1)) من حين لآخر ـ وهو الذي اقتبس منه الأخ صاحب "فك الشيفرة" فيما يبدو بعض فقرات مقاله ـ وجَّه المُخَطِّطُ للفيلم سؤالاً إلى أستاذ فرنسي يُدعى "برونو إيتيان" وهو عضو في معهد فرنسة الجامعي، عن علاقة الأمير بالماسونية؟
فأجابه الأستاذ الفرنسي قائلاً: ((إن الرسائل والإثباتات موجودة في الأرشيف الفرنسي .. ففي تلك الحقبة كان عبد القادر بحاجة إلى حلفاء في الغرب، إذ كان يُفكر أنّ الغرب لديه التكنولوجيا، والشرق لديه الروحانية. إذن كانت الكنيسة الكاثوليكية مع المسيو ديبوش أحد هذه العناصر الممكنة لهذا التبادل الذي يقوم على الحوار بين المسيحيين والمسلمين:هذه هي الماسونية)).انتهى بحروفه!
أرأيتم إلى هذا الخلط العجيب! الأستاذ الفرنسي عرّف الماسونية أنها تبادل بين الغرب والشرق، الشرق الذي يملك الروحانيات (يعني التديّن) والغرب لديه التِّقَانة الصناعية، فالذي ينقل التقانة من الغرب المسيحي إلى الشرق المسلم، ويجادل المسيحيين بالتي هي أحسن يكون ماسونيًا برأي هذا الأستاذ!!
وبناءً على هذا التقرير الفريد يمكننا إلصاق صفة الماسونية بمعظم رجالات المسلمين في عصرنا هذا!
وكما يرى الجميع فهذه شبهة مردودة بداهةً ولا حاجة إلى التطويل في ردّها.
والعجيب من الأخ محمد مبارك صاحب "فك الشفرة" أنه رضي بكلام هذا الفرنسي على نكارته، ولم يأخذ بكلام السيد الفاتح الحسني ابن سعيد حفيد الأمير عبد القادر الذي عُرِض في نفس الفيلم قبل كلام الأستاذ الفرنسي! والسيد الفاتح قال بكل وضوح وصراحة: ((أنّ والده الأمير سعيد كان ماسونيًا، ولكن جدّه الأمير عبد القادر لم يكن ماسونيًا قط ولديه إثباتات على ذلك!)).
(يُتْبَعُ)
(/)
كل هذه الشبهات ـ وغيرها مما سآتي عليه في هذه الحلقة ـ روّج لها بعض الكتّاب والصحفيين المشغولين بالشأن الماسوني إلى حدٍّ زائد! وعنهم وعن أمثالهم من الغربيين اقتبس واعتمد بعض الإخوة طلاب العلم ظنًا منهم أنّ ما كتبه هؤلاء صحيح أو ثابت! (كما جرى مع الأخ محمد المبارك صاحب "فك الشيفرة")، ولكن القارئ لتلك الكتب والمقالات يدرك بوضوح أنها غير علمية ولا يمكن الاعتماد عليها أو وصفها بالمراجع! وهي أشبه ما تكون بالأسلوب الصحفي غير المسؤول! يعني جمع أوراق وقصاصات وكلام من هنا وكلام من هناك، وتفاصيل كثيرة لا أساس لها، ثم دمج الجميع في سياق تسيطر عليه أفكار سابقة وأوهام مطبِقَة، وذلك إمّا رغبة في سَبْقٍ صحفي بخبر مدهش، أو لمرض نفسي مُزْمِن. كما نسمع اليوم مثلاً:
1ـ نهر الفرات موجود في الجزيرة العربية وليس في الشام!
2ـ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يُهاجر!!
3ـ كلمة "النساء" في اللغة العربية تعني "الرجال"!!
4ـ القائد التركماني أورخان بن عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه بن قيا ألب، عربي قرشي ومن المدينة!!
5ـ الخليفة الوليد بن عبد الملك استعمل الماسون لبناء المسجد الأقصى!!
6ـ القائد صلاح الدين الأيوبي ماسوني!!
ومن أمثال هذه الأخبار العجيبة السخيفة المخالفة للبدهيات.
في حين أنّ القارئ لكتب العِلْميين المحققين أهل التخصص، يجد الفارق الكبير بينها وبين تلك الكتب الصحفيّة. وأضرب لكم مثالاً على ما أقول بعرضِ مقطعٍ من كلام الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري المتخصص في الشؤون اليهودية وتوابعها، وذلك نقلاً من موسوعته الضخمة ((موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية)):ففي المجلد الخامس: الباب الحادي عشر: العبادات الجديدة؛تحت عنوان: الماسونية: تاريخ وعقائد،
يقول الأستاذ المسيري: ((ولكن الماسونية البريطانية لم تكن الماسونية الوحيدة التي انتشرت في المستعمرات، إذ إن الصراع الإمبريالي على العالم انعكس من خلال صراع بين الحركات والمحافل الماسونية، فكان كل محفل ماسوني يخدم مصلحة بلد ويمثله، تمامًا كما حدث صراع بين المبشرين البروتستانت والمبشرين الكاثوليك الذين كانوا يمثلون مصالح بلادهم. ويبدو أن بعض الشخصيات المهمة في العالم العربي أرادت أن تستفيد من هذا الصراع، وخصوصًا أن أعضاء هذه المحافل كانوا من الأجانب ذوي الحقوق والامتيازات الخاصة المقصورة عليهم. فكان الدعاة المحليون ينخرطون في هذه المحافل بغية توظيفها في خدمة أهدافهم، وحتى يتمتعوا بالمزايا الممنوحة لهم. وكان من بين هؤلاء الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والأمير عبد القادر الجزائري. ولعل هذه الشخصيات الدينية والوطنية حذت حذو ماتزيني وغاريبالدي وغيرهما ممن حاولوا الاستفادة من أية أطر تنظيمية قائمة. ولنا أن نلاحظ أن الأفغاني قد اكتشف حقيقة الماسونية في وقت مبكر، وتَوصَّل إلى الأسس العلمانية التي يقوم عليها خطابها الديني، ومِنْ ثَمَّ ناهض هذه الأفكار في كتابه الرد على الدهريين. أما عبد القادر الجزائري فلا توجد تفاصيل حول علاقته بالماسونية!! وإن كان قد حاول إيجاد أطر تنظيمية وتأسيسية لحركته مع الاستفادة من أسلوب التنظيمات الماسونية)).انتهى [موسوعة اليهود 5/ 385] {وليت الإخوة المهتمين بالموضوع يرجعون إلى بحث الماسونية في موسوعة المسيري فإنه بحث عميق ومفيد. أقول هذا بعد أن قرأت عشرة مراجع في موضوع الماسونية كان آخرها موسوعة المسيري، فوجدت أنّه قد أحاط بالقضيّة وهضمها واستطاع عرضها على الوجه الصحيح إن شاء الله}
القارئ يرى بوضوح أنّ الدكتور المسيري مستوعبٌ للمسألة من جميع أطرافها، ويضع الأشياء في نصابها. وهو يُحسن التعامل مع المعطيات، فعندما وقف أمام مسألة انضمام الأفغاني إلى الماسونية أثبتها لأنّه استطاع أن يتيقَّنَ هذه المعلومةَ من معطيات علمية وتحقيق فيها، ثم بعد ذلك عالج حقيقة هذا الانضمام ودوافعه، وبعد ذلك نبّه على معارضة الأفغاني للأفكار العلمانية التي يقوم عليها الخطاب الديني الماسوني. في حين نجد الدكتور المسيري عندما وقف أمام مسألة انضمام الأمير عبد القادر إلى الماسونية لم يجزم بثبوتها وإنما أوْرَدَها على صورة خبر يحتاج إلى دليل وعبّر عن ذلك بقوله: ((أما عبد القادر الجزائري فلا توجد تفاصيل حول
(يُتْبَعُ)
(/)
علاقته بالماسونية!!))
أليس عجيبًا أن إنسانًا مثل الدكتور عبد الوهاب المسيري ـ صاحب الموسوعة الكبيرة التي استغرق في تأليفها ووضعها عدة عقود من الزمن واستند فيها إلى كمٍّ هائل من المراجع والوثائق وهو الخبير في الشؤون الصهيونية ـ لم يجد أي تفاصيل عن علاقة الأمير بالماسونية، في حين نجد أن بعض الكتاب والصحفيين وهواة الكتابة في الإنترنت يسردون عشرات التفاصيل عن هذه العلاقة؟! والدكتور المسيري رحمه الله، توفّي من قريب سنة 2008م، فهو مُطَّلِعٌ على الكتب والمقالات التي صدرت في هذا الخصوص، ولو أنّه رأى أنّ المعلومات التي فيها تصلح للنظر لَنَظَرَ فيها، ولكنه كما هو ظاهر لم يرها ترقى لِيُنْظَر فيها أصلاً! وأظن أنّ الإخوة القرّاء الذين تابعوا معنا هذه الحلقات يشاركون الأستاذ المسيري رأيه، لأنه صار من الواضح أن المعلومات التي أوردها أصحاب تلك الكتب مصدرها واحد، وهو مصدر ساقط الاعتبار. وإذا كان الدكتور المسيري قد اقتصر على بيان عدم وجود تفاصيل حول علاقة الأمير بالماسونية، فأنا في هذه الحلقات أظن أنني أوضحت بجلاء تهافت جميع الشبه المتعلقة بذلك والتي عدَّها البعض ـ ويا للأسف ـ تفاصيل يُعتمد عليها! وسأتابع معكم إن شاء الله بيان سقوط باقي الشبه فيما يأتي.
فاليوم نحن أمام شبهة جديدة اعتمد عليها بعضهم في اتهامهم الأمير عبد القادر بالماسونية؛ إنها الرسالة التي بَعَثَتْ بها (الجمعية الفرانماسونية بفرنسة) إلى الأمير عبد القادر تشكره فيها على موقفه المشرّف من أحداث 1860م. وإليكم نصّها: ((إلى الأمير الأجلّ عبد القادر في دمشق، اعلم أيّها الأمير أنّ العالم المتمدِّن قد كلَّل هامَتَكم الشريفة المقدسة بإكليل الشرف والافتخار ونحن نقدّم إليكم فرحنا بكونكم تَسَمَّيْتُم: مِنَ المحكومِ لهم بحسن السيرة مِنْ أيّ فرقة كانوا أو دين، الذين أظهروا أنفسهم بكمال الإنسانية، وأنتَ أظهرتَ نفسك إنسانًا قبل الكل، ولم تسمع إلاّ إلى إلهامات ربّانية في قلبك أمَرَتك بمقاومة نار مشتعلة من الهيجان البربري والتعصب الجاهلي؛ نعم إنّك النائب الوحيد للأمّة القوية العربية، التي أوربا مديونة لها بقسم عظيم من تمدنها وعلومها التي استنارت بها، ولقد أثبتَّ بأعمالك وبكريم شيمك أنّ هذا الجنس لم ينحطَّ اعتبارُه السابق، وهو وإن كان الآن في سِنَةٍ من النوم فسَيَستيقظ للأعمال العظيمة باستدعاء نفسٍ قويّة نظير نفسِكَ. وانظر فرانسا التي كانت خصيمتك فإنها الآن عَرَفَت كيف تعتبرك وتبتهل بك، وما ذلك إلاّ لكونك أعطيت للتمدّن حقّه؛ أيها الأمير لك المجد والشكر تكرارًا، فالإله الذي نسجد له جميعًا والذي عرشه داخل قلوبنا وقلوب كافّة الكرماء يُتمم عمله بكم في الخير، أفلا يُنْظَر إلى العناية الإلهية، بعد تقلبات عديدة كيف أتت بكم إلى تلك البلاد لأجل تبديد ظلمات الجهل وإطفاء نار التعصب الجاهلي، وإنقاذ تعيسيْ الحظ من يد الجهلة. واعلم أيها الأمير الأجلّ أننا واثقون بأن تقبلوا منا هذه الرسالة وإن كانت لا قيمة لها. حرر في باريس 2/ 10/1860م)).انتهى [انظر (تحفة الزائر) 2/ 101]
هذه الرسالة لم تكن مكتومة أو سريّة، ولم يُخفها أحد من أسرة الأمير، وأول من نشَرَها هو محمد باشا ابن الأمير عبد القادر في كتابه المذكور.
وكما يرى القارئ فمضمون الرسالة عبارة عن شكر وثناء وإعجاب أبدته هذه الجمعيّة لشخص الأمير، وكيف لا تفعل ذلك وهي الجمعيّة التي تروّج لنفسها بأنها المعنيّة بحقوق الإنسان والأخوة الإنسانية والنجدة!! وليس في الرسالة أي شيء يشير إلى كون الأمير من أعضاء تلك الجمعية أو المنتسبين إليها، بل ليس فيها ما يدل على أنّ الأمير كان يعرف تلك الجمعية أصلاً! وإن أسلوب الخطاب فيها هو أوضح دليل على أنّ الأمير لا صِلَة له بهذه الجمعيّة.
فهل مجرَّدُ وصول رسالة من جمعيّةٍ ما إلى أي شخصيّة مشهورة، يُعدُّ دليلاً على صِلَة تلك الشخصية بتلك الجمعية؟ الجواب: طبعًا لا!
ولكي أزيد الموضوع وضوحًا أقول: تحدثتُ في حلقات مضت، عن موقف الأمير عبد القادر من الأحداث التي جرت سنة 1860م في دمشق (فتنة النصارى)، وكيف تلقى الأمير بعدها رسائل الشكر والتقدير والأوسمة من الخليفة والسلطان العثماني، وكذلك من ملوك وقياصرة أوربة.
(يُتْبَعُ)
(/)
لم يكن هؤلاء وحدهم الذين أرسلوا إلى الأمير رسائل الشكر والتقدير، وإنما شاركهم في ذلك الكثير من الأدباء والعلماء والوجهاء العرب، المسلمين والمسيحيين، الذين نظموا القصائد والمدائح وأهدوها إلى الأمير، وألّفوا الكتب التي تدوّن وقائع تلك الحادثة وأهدوها إليه أيضًا، وكذلك شاركت في ذلك بعض الجمعيات الخاصة والأهلية، ومنها ما هو أوربي أو أمريكي؛ فأرسلت إلى الأمير رسائل تشيد بمواقفه وأخلاقه وشرفه.
أذكر منها:
1ـ (جمعية عمل الخير وإعانة المصابين في البرّ والبحر). وهذا نصُّ ما بعثت به إليه: ((إنّ جمعية المصابين المؤلّفة من أعيان الأمصار ووجوه المدن الشهيرة في فرنسة، قد اتّفقت كلمتها على أن يكون الأمير عبد القادر رئيسَ شرفٍ لها، وإنما فعلتْ هذا لتؤكد له عظيم اعتبارها لجنابه الشريف، وجزيل تشكراتها الفائقة لما أبداه من أعمال الخير الجسيمة في سورية سنة ستين وثمانمئة، وبناءً على ذلك بعثت إليه هذا الرَّقيم كالشاهد على عقدها لِمَا اتّفقت عليه، وذلك في باريس آخر يونيو (حزيران) سنة إحدى وستين)).انتهى [تحفة الزائر 2/ 111ـ112]
2ـ (الجمعية الشرقية). وكانت الجمعية الأمريكية الشهيرة بالشرقية القائمة بتأليف تاريخ العالم، سبقت (جمعية عمل الخير) إلى مثل ما فعلته، وأرسلت إلى الأمير نسخةً من تقريرها؛ وصُورَتُه: ((بناءً على تقرير الجمعية الأميركانية الشرقية، وعلى قرار المجلس قد أعلنت بتعيين الأمير السيد عبد القادر بن محيي الدين، عضوَ شرفٍ لها تتشرف بذِكْرِه، وبعثت إليه بهذه النسخة المطابقة للأصل إعلانًا بما قررته في باريس في الثاني عشر من (تموز) سنة ستين وثمانمئة وألف)).انتهى [تحفة الزائر 2/ 112]
ونلاحظ في خطاب هاتين الجمعيّتين أنّ أعضاءها قاموا بتسمية الأمير رئيسَ شرفٍ للجمعية الأولى، وعضوَ شرفٍ للثانية!! في حين أنّ خطاب الجمعية الماسونية ليس فيه شيء من ذلك!!
فلو أراد أحدُ هواة توجيه التُّهم أنْ يختلق تُهمة ويُلصقها بالأمير، لكانت تلك التهمة هي انتساب الأمير إلى جمعية إعانة المصابين أو الجمعية الشرقية! لأنّه سيجد في نص رسالتيهما ما يُلبّس به على الجهلة من الناس! بخلاف رسالة الجمعية الماسونية التي لن يجد فيها العبارات التي تساعده على إلصاق تلك التهمة! ولكن العجيب أنّ الذي حصل هو العكس!!
ومع ذلك أقول: إنه حتى في نص الرسالتين الموجّهتين إلى الأمير من جمعية إعانة المصابين والجمعية الشرقية، ليس هناك ما يدلّ على انتساب الأمير إليهما البتّة! وكل ما في الأمر أن أعضاء الجمعيّتين عيّنوه عضوَ شرفٍ فيهما من تلقاء أنفسهم ودون أي طلبٍ منه، ولا شأن له هو في ذلك لا من قريب ولا من بعيد! وهذه جمعيات خيريّة وهي تشكره على صنيعه فلم يكن هناك أي ضرورة لرفض تصرفاتها تجاهه، بل لو حدث شيء من ذلك لكان في غير مصلحة المسلمين!
ونعود إلى ذكر الذين أرسلوا إلى الأمير رسائل الشكر والثناء:
3ـ (جمعية حماية بني الوطن)، وفي أيّام زيارته إلى مدينة "لوندرا" في بريطانيا ـ وذلك بعد زيارته لفرنسة سنة 1865م مُرْسَلاً من قِبَل السلطان للقاء نابليون الثالث ليطلب منه التوسط لدى قيصر روسيا لإطلاق سراح زعيم الجهاد الشيشاني، الشيخ شامل الداغستاني ـ قدَّمَتْ إليه هذه الجمعية تحريرًا صوْرَتُه: ((إلى سمو الأمير عبد القادر أما بعد: فنحن الواضعون اسمنا في هذا التحرير عمدة جمعية حماية بني الوطن قد سررنا وابتهجنا عندما سمعنا بوصولك إلى عاصمتنا لأننا نحب شخصك ونحترمه نظرًا لِمَا نعرفه من حسن أخلاقك، وصفاء طويّتك لسائر عباد الله، ولا يخفى أنّ مبادئ هذه الجمعية التي نحن مرتبطون بها، توجب علينا أن نحبّ ونحترم أبناء الشَّرَف، وتلزمنا بمراعاة مصالحهم؛ وقد رجَحَ ميلنا لنحوك لأنك مملوء بالشفقة والرحمة على عباده تعالى، وبرهان ذلك ما أبديته مع ألوف من مسيحيي دمشق حين التجؤوا إليك، فإنّك آويتهم وبالغت في الإحسان إليهم مع أنهم ليسوا من أبناء دينك! فنحن الآن بالنيابة عن نصارى هذه العاصمة نؤدي لك الشكر والثناء الجميل حيث أنك جبرت المنكسرين، ثم نخبرك أننا قد تمثّلنا بين يدي إمبراطور فرنسة وأدَّينا له ما يليق بعظمته من الشكر على إحسانه إلى سكّان الجزائر، ونفرح الآن بكوننا نخاطبك أيها السيد المحترم
(يُتْبَعُ)
(/)
ونسأل الله تعالى أن يديمك رحمةً للمساكين زمنًا طويلاً)).انتهى [تحفة الزائر 2/ 160]
4ـ جريدة (مندابلوسنمري) الفرنسية، التي نشرت في عددها الصادر في 4/ 8/1860م تحت عنوان: "عبد القادر أمير (مْعسكر) سابقًا" ما نصّه: ((إنّ حوادث سورية المحزنة قد أظهرت للوجود اسمًا كان محجوبًا بغياهب الغربة، وهو ذاك الاسم الذي طالما كررته ألْسِنَة الأمّة الفرنسوية بالرَّجفة والاضطراب؛ هو ذلك الاسم المرسوم بأحرف دمويّة من شاطئ نهر (شْلف) إلى رمال الصحراء في الجزائر. وقد أبدت له قناصل الدول ونصارى دمشق الشكران الجميل في سورية، وبذلك انكشف عن مزاياه الحجاب الذي كان ساترًا لها، وغدونا جميعًا نتبارك باسم عبد القادر؛ وهو الذي اقتحم الأخطار لأجل أولئك المساكين من أيدي سافكي الدماء ثمّ جمعهم في قصره وأفاض عليهم من سجال كرمه وبرّه، وقام فرسان المغاربة الأمناء بمساعدته أحسنَ قيام فبذلوا وسعهم في انقاذ المسيحيين وحمايتهم من اعتداء سفهاء الشام والدروز، هو ذلك الرَّجل الذي كان يلوح على وجهه أمارات الثبات، وعلامات الحزم والفطنة، مما يدل على شرفه واتّصال نسبه بالرسول! هو ذلك الرَّجل الذي أقام في منفاه سنين ولم يتغيّر عمّا كان عليه من المحافظة على الأوامر الشرعيّة!، وأداء الحقوق الثابتة للإنسانية، هو ذلك الرجل الذي كان عدوًا لدولة فرنسة وأقام مدّة سبع عشرة سنة ينادي بالجهاد فيها؛ ثمّ إنّ ما نَسَبَه إليه أعداؤه من الأفعال غير اللائقة كقتل الأسرى والحنث في اليمين إلى غير ذلك مما نسبوه إليه، ويأباه طبعُه الكريم، قد كذّبه تحريرُه الشهير الذي بعثه إلى لويس فليب ملك فرنسة الدّال على كرم أخلاقه ولطف جانبه ...... وغاية الأمر فإنّ مزايا الأمير وأخلاقه الكريمة كانت دليلاً على شرف نفسه وتقدّمه في الجزائر كما هو الآن في سورية، وبرهانًا قويًا على طهارة قلبه وإرادته الخير إلى سائر عباد الله .... الخ)).انتهى [انظر (تحفة الزائر) 2/ 112ـ113]
5ـ ونشرت جريدة فرنسية أخرى مقالاً فيه: ((الأمير عبد القادر هو ذلك الرجل الباسل الذي أبدى أمورًا وأعمالاً لم يكن أحدٌ يتصورها ولذلك كانت جديرة بأن تدوّن في أجمل تواريخ العالم، وآخر ما نقول إنّ عدونا القديم في الجزائر قد جعله الله الآن سببًا لإنقاذ المسيحيين في الشام)).انتهى [تحفة الزائر 2/ 114]
6ـ ليس هذا فحسب، ((ففي مدّة إقامة الأمير في الحجاز سنة1280هـ = 1864م، توفّي ملك اليونان وانعقد مجلس نواب الأمة اليونانية في أثينا للنظر فيمن يولونه عليهم ملكًا، فكتبوا اسم الأمير في المنتخبين لذلك، ونادى كثيرٌ منهم باسمه،
7ـ وكذلك أهل إسبانيا قد انتخبوه في جملة من انتخبوهم للمُلك عليهم حين وقوع الفتنة بينهم قبل أن يتولى ملكهم المتوفى أخيرًا. فتشكّر الأمير للأُمّتين على اعتبارهما لمقامه بما دلَّ على ما تكنّه صدورهم من احترامه وإعظامه)).انتهى [6و7 من تحفة الزائر 2/ 145] (يذكرني هذا بما حدث في أيامنا هذه عندما طلب بعض النواب الإسلاميين في الأردن من (هوغو شافيز) رئيس فنزويلة أن يكون رئيسًا للجامعة العربية أو رئيسًا لمنظمة المؤتمر الإسلامي! وما ذلك إلاّ بسبب موقفه الشجاع والرجولي عندما طرد السفير الإسرائيلي من فنزويلة وقطع علاقات بلاده مع إسرائيل فور وقوع الهجوم اليهودي الهمجي على غزّة 1430هـ /2009م، وزيادة على ذلك خطب عدة خُطَب هاجم فيها النظام الإسرائيلي ووبَّخه)
8ـ وكذلك كان معظم الشعب الفرنسي يحترم الأمير عبد القادر ويجلّه، وقد تجلّى ذلك بداية في الاحتفالات التي أقاموها بمناسبة إطلاق سراحه من السجن، وازدحام الناس بشدة في شوارع المدن الفرنسية التي كان يمرّ بها في طريقه من سجنه في "أمبواز" إلى العاصمة "باريس"، وليس لتلك الحشود همٌّ إلاّ النظر إلى الأمير ومحاولة مصافحته أو إلقاء التحيّة عليه. وحتى بعد سفر الأمير من فرنسة متّجهًا إلى "بروسة" في تركيّا وبقائه فيها ثلاث سنوات ثمّ انتقاله إلى دمشق وبقائه فيها تسع سنوات، عاد الأمير فزار فرنسة، بعد اثني عشر عامًا، وذلك خلال رحلته السياسية المشهورة التي بدأها بزيارة الخليفة العثماني في الآستانة؛ والتي كان من جملة أغراضها التوسط والشفاعة في أعيان دمشق الذين حكمت عليهم السلطات العثمانية بالنفي إلى "قبرص"
(يُتْبَعُ)
(/)
و"روديس" إثر حادثة (فتنة النصارى) سنة1860م التي فصّلت الحديث عنها سابقًا، وقد قَبِل الخليفة شفاعة الأمير وسرّح المنفيين وأعادهم إلى أوطانهم؛ ثم طلب الأمير من الخليفة التوسط لإطلاق سراح الشيخ شامل الداغستاني، فأخبره الخليفة أنه مستعدّ لكفالته واستقباله في أراضي الدولة العثمانية، ثم أرسَلَه إلى فرنسة ليُقابل الإمبراطور لويس نابليون، ويطلب منه التوسط لدى قيصر روسيا لإطلاق سراح الشيخ شامل؛ ((وعند وصول الأمير إلى مدينة "مرسيلية" استقبله حاكمها بالاحترام واهتزّت البلد بأهلها لقدومه، فإذا خرج من محلّ نزوله تبعته زُمَرُ الأهالي ينظرون إليه احتفالاً به واحتفاءً، وكانت جماعات كثيرة تجتمع في ساحة الدار النازل فيها، ويصرخون: "فليعش الأمير عبد القادر". وكذلك الحال في مدينة ليون وباريس.
واستنفرت الجرائد والمجلاّت للحديث عن الأمير وعن لطفه وكماله وافتخار بلادهم بزيارته)).انتهى [انظر (تحفة الزائر) 2/ 157ـ158]
9ـ واحتفل الشعب الأمريكي بتسمية إحدى مدنه في ولاية ( Iowa) باسم الأمير عبد القادر (وذلك بعد وفاته).وهذا الاسم باقٍ إلى اليوم.
إذن الشعوب الغربية كانت تحترم الأمير وتُكن له التقدير والإعجاب،
والسبب الأوّل: هو موقفه الشجاع في الدفاع عن بلده وهو شاب عمره خمس وعشرون عامًا، وإقامته للإمارة الإسلامية التي وقفت في وجه الاعتداء الفرنسي مدّة خمسة عشر عامًا،
والسبب الثاني: هو ثباته على مواقفه وثوابته الدينية مدّة سجنه خمس سنوات، على الرغم من التضييق عليه وصعوبة السجن وفقدانه لبعض أبنائه وأقاربه وأحبابه فيه.
والسبب الثالث: حزمُه في الدفاع عن دين الإسلام ورفضه لجميع المغريات والعروض الفرنسية التي تريد منه البقاء في فرنسة بصفة مواطن فرنسي!
والسبب الرابع: موقفه في الدفاع عن المواطنين النصارى العزّل في بلاد الشام عندما اعتدى عليهم الدروز وبعض أشقياء الشام. والغرب المسيحي كان يظن ويُوهَمُ أنّ جهاد الأمير وحربه على فرنسة إنما هو بسبب الحقد على المسيحيين، فلمّا شاهدوا الأمير يبذل وسعه في مساعدة المسيحيين المنكوبين في الشام، أدركوا أنه لا يضمر الكراهية أو الحقد للديانة المسيحية أو لمعتنقيها. وأنه ليس بالسفاح أو محب سفك الدماء، وإنما هو رجلٌ منضبط بأوامر دينه الإسلامي، الذي يأمره بجهاد المعتدين، وبالوفاء بذمّة الكتابيين النّازلين تحت الحكم الإسلامي!
والسؤال الموجه إلى الذين استندوا إلى رسالة الشكر الموجهة للأمير من الجمعية الفرانماسونية هو: هل سمعتم عن رجلٍ وُجِّهت إليه مثل كل تلك الرسائل والكتب والمقالات والأوسمة التي وُجِّهَت إلى الأمير عبد القادر؟!
وهل سمعتم عن رجلٍ يُرشَّح اسمُه ليكون رئيسًا لدولتين مثل اليونان وإسبانيا، مع أنّه عربي ومسلم؟!
وهل سمعتم عن رجل عربي مسلم أحبّته شعوب الغرب فأطلقت اسمه على بعض مدنها، وأعلنته رئيسَ شرفٍ لجمعيتها، وهتفت باسمه؟!
وهل سمعتم عن رجل عربي مسلم قاتل دولةً مثل فرنسة ولم يبقَ فيها بيتٌ إلاّ وفيه فقيد أذهبته سيوفُ جنودِ ذلك الرجل، ثم بعد ذلك تتعالى أصوات شعب تلك الدولة لإطلاق سراح ذلك الرجل ويتسابقون لمصافحته والتبرّك به؟!
وهل سمعتم عن رجلٍ تستنفر جرائد وصُحف الدولة، التي كان يقاتلها ويُحمِّلها الخسائر الكبيرة في أموالها وأبنائها، للدفاع عنه والانتصار له، ليس هذا فحسب بل تهاجم حكومَتَها ومواقفها المخزية الرامية إلى تشويه سمعة ذلك الرجل؟!
وهل سمعتم عن رجلٍ عربي مسلم تثني عليه المجتمعات الأوربيّة فتحمد له تمسّكه بشريعة الإسلام، وقيامه بفريضة الجهاد، وتُعلن له تشرّفها به لأنّه من ذريّة نبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟؟ ([2] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=178879#_ftn2))
إننا لم نسمع أن شيئًا مما سبق حدث لأحدٍ ـ من قرون سلفت إلى أيامنا هذه ـ إلاّ للأمير عبد القادر الجزائري، فهل يُعقل عندكم أن تكون كل تلك المزايا التي حصل عليها دليلاً على ماسونيّته؟!
ألا يوجد ماسوني آخر على وجه الأرض؟ إذن فلماذا لا يُكرّم ويُحتفى به مثل الأمير عبد القادر؟
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد عرف تاريخنا المعاصر رجالاً كثيرين أعلنوا انضمامهم إلى الماسونية وقدّموا لها خدمات كبيرة ومع ذلك لا نجدهم حصلوا على شيء مما حصل عليه الأمير من التكريم والاحترام العالمي!
إنّ الأمر واضحٌ لكل عاقل ومنصف؛ فإنّ ما جرى للأمير عبد القادر الجزائري لم يكن له أي صلة بأي جمعية خاصة أو سريّة، ولم يكن له أي صلة بعقائد مشبوهة أو انتماءات.
إن الذي جرى له ذو صلةٍ بشخصيّته الفذّة ومواقفه الحميدة المشهودة، بدءًا من قيامه بالجهاد وتأسيسه للدولة الجزائريّة الحديثة بجميع أركانها، وإنشائه للعلاقات الدبلوماسية مع دول العالم، مع أنه لم يتلقَّ أي تعليم عالٍ في الجامعات الأوربيّة المتخصصة بتلك العلوم!!، مرورًا بكريم أخلاقه وحسن تعامله مع خصومه وأعدائه وترفّعه عن الأحقاد والأضغان، وانتهاءً بدوره الكبير في إطفاء نار الفتنة في بلاد الشام، ومساعيه في استرداد دار الحديث الأشرفية وترميمها على نفقته، وروايته لكتب الصحيح (البخاري ومسلم) وغيرها، وعنايته بأهل العلم في الشام وغيرها، وخدماته الجليلة للدولة العثمانية وتوطيده لحكم الخلافة الإسلامية وردّ المعتدين عليها والرامين لتمزيقها، وسعيه الحثيث لإطلاق سراح المجاهد الكبير الشيخ شامل الداغستاني، ورعايته لإخوانه المجاهدين في الجزائر ومتابعة أخبارهم وتقديم العون لهم، إلى غير ذلك من الخصال وجميل الفِعال ..
الأمير عبد القادر شخصيّةٌ محسودة ولها خصوم وأعداء، فهو الشاب الحديث السِّن الذي بويع أميرًا على قبائل الجزائر، وكان هناك رجالٌ أكبر منه سنًّا ولهم في مجال الحكم والعسكرية سابقيّة، فكَبُرَ عليهم أن ينزلوا تحت حكمه ويُبايعوه، فانتصبوا له أعداءً ومخاصمين.
وكذلك هناك من أعلن الجهاد مثله ولكنه لم يستطع أن يصنع شيئًا مما صنعه هو، ولم تكن له الآثار العظيمة كتلك التي تركها الأمير عبد القادر، فثارت غيرته وامتلأ صدره غلاًّ وحسدًا على الأمير.
وفي بلاد الشام كان لحضور الأمير فيها أثرٌ كبير على بعض أعيانها ورجالاتها، حيث انصرفت أنظار الناس عنهم، واتّجهت نحو الأمير منذ الأيّام الأولى لوصوله، وما هي إلاّ أيّام قليلة ويصبح الأمير ملجأً للمحتاجين والمنكوبين وأصحاب الحاجات، ويقصده الولاة والعلماء للتوسط عند السلطان، لِما له عنده من منزلة رفيعة. وهو الذي شفع في بعض الوجهاء المعادين له! الذين كان يريد (الصدر الأعظم) فؤاد باشا أن يعدمهم، فخفف العقوبة إلى النفي، وبعد ذلك شفع فيهم الأمير عند السلطان لكي يرجعهم إلى بلادهم.
فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنّ أصحاب تلك الشخصيات أو أبناءهم أو الموالين لهم أخذوا يحاولون تشويه صورة الأمير لكي يجمّلوا صورهم ويُنقذوا سُمعتهم!
فإذا ذُكِرَ الجهاد وتألّق الأمير في مجاله؛ قال المتخاذلون عن الجهاد الذين لا يد لهم فيه ـ وبكل بلاهة وسفاهة ـ إنه صديق فرنسة وهي تُعينه!!
وإذا ذُكِرت الفتنة وتصدي الأمير لها وفقًا لأحكام الإسلام؛ قال المتورّطون فيها والمخالفون لشريعة الإسلام إنّه ماسوني!!
وإذا ذُكِرَت النهضة العلمية والتبصرة الفكريّة والدروس الحديثيّة والتمسّك بالسنّة النبويّة ونبذ التقليد، قال المتحجّرون، والمبتدعون، إنّه فيلسوف وجودي وعلى قدم ابن عربي!!
وإذا ذُكِرَ التزامه بأحكام الشرع الإسلامي في حُسْن معاملته للأسرى، ومحافظته على عهوده، قال الغافلون عن أحكام الشرع وآدابه، إنه مفتون بالحضارة الغربية!!
وإذا ذُكِرَت المواقف السياسية المتمسّكة بالمبادئ الإسلامية والمتحلّية ببعد النظر والحكمة والإخلاص، قال الفاقدون لهذه الصفات إنه يُنفذ المخططات الغربية!! (رمتني بدائها وانسلّت)
وإذا ذُكِرَ الكرم والسّخاء والبذل والعطاء واتّصاف الأمير بها؛ قال المحتكرون والأَشِحّاء والقابضون إنّه يتلقى الأموال من فرنسة لأنه موظف عندها!!
وهذا حال كل ذي نعمة وقدر عظيم؛ يقول الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} [النساء:54]
(يُتْبَعُ)
(/)
فإذا كان الحُسّاد يرمون خصومهم بالتهم والأباطيل، فهل يُعقل أن يَقْبل الدارسون للتاريخ والرجال، أو القرّاء من العرب والمسلمين هذه التهم ويُصدِّقوها دون دليل أو برهان؟!
والأمر ليس مقصورًا على الحسّاد والخصوم من العرب والمسلمين، وإنما دخل فيه أيضًا الكتّاب الغربيون الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للاعتراف بسمو شخصية الأمير عبد القادر ـ العربي المسلم ـ وبعظيم مآثره! ولكنهم حاولوا أن يصبغوا حديثهم عنه ومديحهم له بشيء من تراثهم المُتَهَرِّئ ومدنيّتهم الزائفة!
فها هو الكولونيل تشرشل عندما يتحدث عن التزام الأمير عبد القادر الديني وقيامه بشعائره وسعيه الدائم لمزيد من القُربات والطاعات، بخلاف حكّام الغرب وقادته العسكريين الذين لا هَمَّ لهم إلاّ الطغيان والزهو بجرائمهم الحربية وإسرافهم في الملاهي والملذات والفحش وصحبة العاهرات!
يقول: ((وطالما اشرأبّت نفس عبد القادر إلى تحقيق أملٍ ورغبة، وهي أن يكون قادرًا عاجلاً أو آجلاً، على إكمال واجباته الدينية بتتويجها بعملٍ آخر من أعمال العبادة. ففي عين المسلم الحقيقي ليس هناك رتبة دنيوية أو تقدير يمكن أن يُقارن بذلك مثل الميزة العالية التي يُطلق على صاحبها (مجاور النبي)، ولكي يحقق المرء هذه الميزة يجب عليه أن يُقيم باستمرار في مكّة أو في المدينة مدّة سنتين، أو على كل حال أن يبقى في الحرمين الشريفين حتى تتعاقب عليه حجّتان ويغادر الحجيج بعدهما الحرمين المذكورين.
وعندما سُئل ذات مرّة كيف يستطيع أن يفصل نفسه في مثل سِنِّه (55سنة) عن عائلته كل تلك المدة؟ أجاب:"حقيقةً إن عائلتي عزيزةٌ عليّ، ولكنّ الله أعزُّ منها".
ويُتابع تشرشل: ... ووصل إلى مكّة في الموعد المحدد .... وقد أمر له شريف مكّة بغرفتين في فِناء الحرم توضعان تحت تصرفه. وتهاطل عليه الزوّار، وبعد عشرة أيّام أعلن أن مدة الاستقبال قد انتهت. وسأل أن يُترك على انفراد وفي عزلة هادئة. وخلال الاثني عشر شهرًا الثانية لم يُغادر حجرته إلاّ للذهاب إلى الجامع الكبير (كذا). فكل وقته قد كرّسه للدراسات الدينية والتعبد والصلاة، وكان حماس فكره الديني قد استثير بأشد أنواع إنكار الذات، فلم يسمح لنفسه بسوى أربع ساعات من النوم، ولم يوقف صومه خلال الأربع والعشرين ساعة سوى مرة واحدة، وحتى عندئذ فإنه كان لا يتناول سوى الخبز والزيتون، وكان قد أَنهَك هذا التقشف القاسي الطويل قواه حتى ظهر على بدنه الحديدي .... (ثم تحدث كيف سافر إلى المدينة) ...
... وقد بقي عبد القادر في المدينة أربعة أشهر، مستأنفًا العمل الذي كان قد مارسه بينما كان في مكّة قرب قبر النبيّ! ([3] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=178879#_ftn3)) ، وكان حارس الضريح النبوي يطلب منه دائمًا أن يفحص الأشياء الثمينة التي يحتوي عليها: نذور الماس والجواهر والأحجار الكريمة، والذهب والفضة، المرسلة من الملوك والأمراء ورجال الدين والأعيان من جميع أنحاء العالم الإسلامي. ولكن عبد القادر كان يرفض حتى النظر إلى هذه الأشياء. فقد كان ينظر إليها على أنها تبذيرٌ وبذخ لا فائدة منه وسوءُ تصَرُّفٍ مُذْنِب في الثروة التي كان يمكن استعمالها في أعمال الخير والمصلحة العامة ...
وعندما حان وقت رحيله ..... ووصل مكّة .. في الوقت الذي يجب عليه أن يكون حاضرًا لأداء شعائر وفرائض عيد الأضحى!! للمرة الثانية. وبذلك يكون قد حقق وعده وغرضه فالتفت الآن عائدًا نحو أهله، وفي شهر يونيو سنة 1864 وصلَ إلى مدينة الإسكندريّة.
لقد نجح عبد القادر في تحقيق أعلى المراتب الدينية التي تعتبر أساسية وجليلة، بعد عملٍ شاق وإنكارٍ طويل للذات. ومن جهة أخرى أصبح يحمل شعار جمعيّة تقوم على مبدأ الأخوّة العالميّة. إن الجمعيّة الماسونية في الإسكندرية قد سارعت للترحيب بالعضو الجديد الشهير. فقد دعا المحفل الماسوني، المعروف بمحفل الأهرام، للاجتماع خصيصًا لهذه المناسبة، عشيّة الثامن عشر من يونيو. وأدخل عبد القادر في هذا النظام الصوفي الغامض. وقد أضيف إلى ميزة (مجاور النبي) ميزة (ماسوني حر ومقبول)، وهي العبارة العرفية المستعملة في هذا المقام)).انتهى مختصرًا من [حياة الأمير عبد القادر ص291ـ294]
(يُتْبَعُ)
(/)
إذن تحدث تشرشل عن تديّن الأمير عبد القادر من قيامه بالحج والمجاورة في الحرمين والخلوة للتعبد والتقرب إلى الله. في حين أنّ تشرشل نفسه ـ وهو من كبار الضباط البريطانيين ومن النبلاء ـ وكثير من الحكام والملوك وكبار الضباط الأوربيين لم يكن لهم نشاط أو اهتمام ديني، وإنما كانوا ينخرطون في سلك الماسون ويتبجّحون بعناوين عريضة ودعايات فارغة، فما الحل حتى يتساوى الطرفان؟ لقد زعم تشرشل أن الأمير انضمّ ـ كسائر ملوك وحكام أوربة ـ إلى الماسونية. ثمّ أطلق على الماسونية وصفًا عجيبًا فقال: "هذا النظام الصوفي الغامض"!!
إذن على رأي تشرشل الماسونية طريقة صوفية يتبعها الأوربيون فلا مانع من انضمام الأمير العربي المسلم إليها! ومتى كان هذا الانضمام؟ لقد كان في رحلة العودة من الديار المقدسة من الحرمين الشريفين بعد مجاورة دامت أكثر من سنة!! أليس هذا من الأخبار الفجّة والمستهجنة والتي لا يمكن تصديقها إلاّ بدليل قاطع وبرهان ساطع.
ضمن أسطر قليلة نجد تناقضًا عجيبًا، ففي البداية عرّف تشرشل الماسونية فقال:"جمعيّة تقوم على مبدأ الأخوّة العالميّة"، وبعد سطرين وصفها فقال:"هذا النظام الصوفي الغامض". ومرَّ معنا في الحلقة (14) تناقض الماسون أنفسهم في تعريف الماسونية، ومرَّ معنا أيضًا تضارب مزاعمهم في تاريخ انضمام الأمير إليهم، وتبيّن لنا سقوط جميع دعاويهم ومزاعمهم! فيمكنكم الرجوع إلى تلك الحلقة لمراجعة الموضوع.
إنّ تشرشل قال في مقدمة كتابه أن المعلومات التي يوردها عن الأمير مصدرها اللقاءات التي جرت بينهما طيلة الخمسة أشهر التي تردد فيها تشرشل إلى الأمير في دمشق. وذَكَرَ لنا أنّه غادر دمشق في مطلع سنة 1860م! (قبل حادثة النصارى) إذن الأحداث التي جرت للأمير بعد ذلك التاريخ لم يكن تشرشل يُعاينها من قريب، فضلاً عن تلقي تفاصيلها من الأمير. فمن أين إذن حصل تشرشل على هذه المعلومات؟ ولماذا لم يذكر مراجعه أو أدلّته على ما يقول؟
لقد اكتفى بالقول في مقدمته: ((ولم يكن يخطر على بالي وأنا أغادر دمشق في ربيع سنة 1860 أنّ فصلاً آخر كان يوشك أن يُضاف إلى تاريخه الغريب الكثير الوقائع، أو أنّ نجمه المجيد الذي كان يبدو أنه سيظل ساطعًا إلى الأبد، كان مقدّرًا له قريبًا أن يظهر فجأة من جديد بعظمةٍ أخرى ثاقبة. أمّا عن سلوكه الباهر النموذجي خلال المذبحة المخيفة التي تعرّض لها مسيحيو دمشق، وسط تواطئ السلطات التركية المخزية القاسية، فقد حصلتُ على تفاصيل على درجة كبيرة من الأهمية والصحة من مشاهدي العِيان. هذه هي إذن مادتي، ولم يبق لي إلاّ أن أنسقها وأصوغها، وقد فعلتُ ذلك. وإنني أدعو قرّائي، بكل هيبة وتواضع، أن يصدروا حكمهم على العمل نفسه)).انتهى [حياة الأمير عبد القادر ص37]
ولأنّ تشرشل يدعونا لإصدار الحكم على عمله، أقول: إن الباحثين استفادوا من كتاب تشرشل المعلومات التي ذكرها عن الأمير سماعًا منه، وهي في معظمها متّفقة مع ما ذكره عنه المؤرّخون العرب والمسلمون. ولكنه لم يغب عن ذهنهم أنّه أثناء كتابتِه عن الأمير وثنائه عليه كان يدسّ بعض المعلومات الكاذبة ليروّج للسياسة البريطانية المعادية للخلافة العثمانية بشدّة، وكتابه من أوّله إلى آخره طافحٌ بالعبارات الممتلئة بغضًا وكرهًا للأتراك العثمانيين، بل إنه كان يفتري عليهم ويزوّر تاريخهم إلى درجة مفتضحة. كما نرى في النص السابق!
وإذا كان مصدر معلوماته الأخيرة عن الماسونية والأمير،كما صرّح هو،"بأنه من مشاهدي عيان"، فلماذا لم يسمّهم لنا؟ لعلّهم من الماسون أنفسهم! وهم دون أدنى شك مستعدون لافتراء مثل هذه المزاعم بعد أن صدّهم الأمير حين دعوه للانضمام إليهم، وذلك كي لا يظهروا أمام العالم بصورة تُضعِفُ دعايتهم بأنهم جمعيّة الكبار والعظماء!!
على كل حال يبقى هذا الخبر مرفوضًا من الناحية التوثيقية ولا يمكن الاعتماد عليه ولا الركون إليه.
وإذا كان البعض يرى أن القَبول بكلام تشرشل أو جرجي زيدان لا بأس فيه! فأقول لهم إنّ القبول بكلام من هو أصدق منهم أولى وألزم. لقد روى السيد بدر الدين بن أحمد الحسني كلامًا يردّ مزاعم تشرشل وجرجي!
(يُتْبَعُ)
(/)
أقول: حدّثني ظافر بن أحمد مختار الحسني قال حدّثني جدّي بدر الدين بن أحمد الحسني قال سمعتُ عمّي الأمير عبد القادر يقول: ((عندما حضرت حفل افتتاح قناة السويس (سنة 1869م) أتاني بعض أعضاء الجمعية الماسونية يدعونني إلى الانضمام إليها، فقلت لهم إلى أي شيء تدعون؟ قالوا ندعو إلى التضامن والتكافل فيما بيننا. فقال لهم الأمير: لا يجوز عندنا نحن المسلمين أن يتكافل البعض دون الكل. فانصرفوا)).انتهى
وبدر الدين هو ابن السيد أحمد شقيق الأمير الأصغر، وهو أيضًا صهر الأمير زوجُ ابنته زهرة! وهو من المُعمَّرين عاش مئة سنة توفي في 1/ 12/1967م. وسأعرض شهادات أخرى لاحقًا.
وبعد انتشار إشاعة انضمام الأمير إلى الماسونية عَقِيْبَ وفاة الأمير، وتداولها من قبل بعض الصحف والجرائد المشبوهة (وبخاصة تلك التي كان يصدرها جرجي زيدان وأمثاله)، قامت بعض الجرائد والصحف المصرية واللبنانية بتكذيبه والاعتراض عليه، ومن الأدلة التي كانت تلك الصحف تعتمد عليها في تكذيب هذا الخبر هو قولهم: "إن الماسون يزعمون أن الأمير استقبل عضوًا في محفل الأهرام الماسوني بتاريخ 18/ 6/1864م!!! الموافق 14/ 1/1281هـ في الإسكندرية. ومع العلم أن الأمير في هذا التاريخ كان لم يزل في الحجاز، وهو لم يصل إلى الإسكندرية إلاّ بعد 14/ 5/1865م!! الموافق 19/ 12/1281هـ؛ ووصل إلى دمشق بتاريخ 19/ 1/1282هـ الموافق 13/ 6/1865م!!!! ".انتهى [كنتُ نقلت هذه المعلومات من صحيفة لبنانية وأخرى مصرية. ورجعت إلى بعض الكتب التي أرّخت للأمير عبد القادر فوجدت أنّ التواريخ المذكورة في تلك الصحيفة موافقة لما ذكرته تلك الكتب، وهي (تحفة الزائر 2/ 145) لمحمد باشا، و (حلية البشر 2/ 899) لعبد الرزاق البيطار، و (الأمير عبد القادر الجزائري ص26) لنزار أباظة].
والعجيب أنّ بعض المشتغلين بتلخيص كتب التراجم والتواريخ، وهو الأستاذ نزار أباظة، وضع كتابًا بعنوان (الأمير عبد القادر الجزائري العالمُ المجاهد) وقد جمعه من عدة مصادر أهمها (تحفة الزائر) و (حلية البشر) و (حياة الأمير) لتشرشل وكتاب جواد المرابط (التصوف والأمير عبد القادر)؛ وعندما تحدث فيه عن رحلة الحج وعودة الأمير منها ومروره بالإسكندرية أوردَ هذه المعلومة فقال: ((وفي الإسكندرية عرضَ عليه الماسونيون الدخول في جمعيّتهم (1) ثم توجّه إلى دمشق فوصلها في 19 المحرّم سنة 1282هـ = 13/ 6/1865م)).انتهى [الأمير عبد القادر ص26]
هذا كل ما قاله في هذا الخصوص ولم يزد عليه كلمة واحدة، واكتفى بوضع حاشية في أسفل الصفحة قال فيها: {(1) انظر مجلة الثقافة 269، ومجلة الحقائق مج2،ح2، ص2،78}.انتهى
وترك القارئ يفهم من عبارته وحاشيته ما يشاء! والذي يتبادر إلى ذهن القارئ أنّ هذه المجلاّت التي ذكرها في الحاشية تثبت الخبر الذي أورده في المتن، ثم يقرر القارئ من تلقاء نفسه: أقَبِلَ الأمير العرض أم لا!
راجعتُ مجلّة "الحقائق" لصاحبها السيد عبد القادر الإسكندراني، فوجدتُ أمرًا عجبا!!
أتدرون ماذا وجدت؟ لقد وجدت على الغلاف الخارجي للعدد المذكور نفسه إشارة إلى مقال في داخله ص77 بعنوان: (الأمير عبد القادر والجمعية الماسونية ـ وفيه تبرئة الأمير رحمه الله مما نُسِبَ إليه من دخوله في هذه الجمعيّة المجهولة الحقيقة والشروط) بقلم حفيد الأمير محمد سعيد الجزائري!
وإليكم نص المقال:
الأمير عبد القادر
والجمعية الماسونية
((في سنة ست وثمانين (1286هـ = 1869م) دُعيَ الأمير عبد القادر مع من دعي من ملوك أوربا ليحضر احتفال فتح ترعة السويس، وبينما كان عائدًا لسورية عن طريق الإسكندرية اغتنمت الجمعيّة الماسونيّة فرصة وجوده في ذلك القطر فأوفدت إليه هيئة من أعضائها لتعرض عليه المبادئ الماسونية، وعندما ذَكَرَ الوفدُ المشار إليه فضائلَ الماسون وخدمتها في الإنسانية، شكرها الأمير على عملها الذي ادَّعته شأنَ كلِّ رجل يدّعي له شخصٌ أنه يخدم الإنسانية ويسعى في سبيل خير البشر فيستحسن أعماله ويشكر مقاصده. فاتخذ بعض المنتمين للجمعية ذلك الاجتماع ذريعةً حسنة لِنِسبة دخول الأمير في جمعيّتهم، وبدؤوا يترجمون سيرته ويشكرون عظيم خدماته في الإنسانية. بيد أنّ هذا الاجتماع وتلك الدعوى لا تثبت ولا تحقق دخول الأمير في الجمعيّة الماسونية، لأنّ هذه الحجة ضعيفة تحتاج
(يُتْبَعُ)
(/)
إلى أدلّة مؤدية؛ ومن المعلوم أن لجمعية الماسون نظامًا كما لسائر باقي الجمعيات، تطبّق أعمالها بموجبه، ومن جملة مواد نظام جمعيّة الماسون أنه لا بد لكل شخص يريد الدخول إلى هذه الجمعية أن يطلب الانخراط بها بموجب استدعاء يلتمس منها قبوله فإذا تمَّ له ذلك واستحسنت الجمعيّة إدخاله، تكلّفه بوضع إمضائه في سجل أعمالها وعليه أن يكتب أنه دخل بإرادته واختياره؛ هذا ما يدّعيه أيضًا بعض أفراد الجمعيّة الذين ينسبون دخول الأمير في هذه الجمعية بمجرّد القول! وحيث أنّ وجودَ مثل هذه المواثيق المادية هي أعظم دليل وأقوى برهان بيد كل من يريد أن يُثبت حجته، فإنني أطالب كل من يدَّعي من أفراد هذه الجمعيّة انتظامَ الأمير بها، بإبراز هذه الوثائق الراهنة مطبوعةً نُسَخُها على الحجر؛ وما من أحدٍ يجهل خطَّ الأمير وإمضاءه؛ هذا ما نطالب به من يفترون على الأمير والجمعيّة معًا الكذب والبهتان. وأمّا نحن فإننا نقول إنّ الأمير عبد القادر الذي اشتهر بالتُقى وبصلابة الدِّين سيما وأنّه كان يُقيم الحدود الشرعيّة في هذه البلاد السوريّة كما أقامها في وطنه، لا يُخالف الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة ويدخل في جمعيّة سريّة لا يعلم حقيقتها إلاّ من انخرط بين جماعتها. وإننا بصرف النظر عن كون مبادئ هذه الجمعيّة حسنة أم سيّئة، فالشرع لا يسمح للمسلم أن يدخل بها قبل معرفته حقائقها، وقد قال الله تعالى {يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم} الآية، وقوله جلَّ شأنه {لا تجدُ قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم} الآية.
وقال رسوله عليه الصلاة والسلام (ليس منّا من عمل بسنّة غيرنا) رواه ابن عبّاس، وقال (ليس منا من تشبّه بغيرنا) رواه ابن عمرو رضي الله عنه، وأمثال هذه الآيات الكريمة والأحاديث النبوية كثيرة سيما وأنّ الجمعيّة الماسونية وأصلها (فران ماسون) أي البنائين مأخوذة عن الأمم الغربية والملل الأجنبيّة؛ ولا جرم أنّ جمعية مبدؤها خدمة الإنسانية وخطتها تعميم الأخوة والمساواة والحرية لا ترضى بأن يفتري بعضُ أفرادِها عليها الكذب قصدَ إغراء بعض الناس بنسبة دخول زيد وعمرو بها!
وخلاصة القول إن الجمعية التي هي على يقين من طهارة وجدانها لا تحتاج لترغيب لأنها ترتقي بسنّة طبيعيّة؛ وعليه فإنّا نحذّر كل من يتشدَّقون بنسبة انتظام الأمير بسلك الجمعيّة الماسونية أن يرجِعوا عن غِيّهم أو أن يأتوا لنا ببرهان من البراهين الآنفة {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.
ابن الأمير
محمد سعيد)).انتهى
([1]) أظن أنه لم يعد خافيًا اليوم ميلُ وانحيازُ هذه القناة إلى الجهات المعادية للإسلام والمسلمين!! ـ بعد حرب اليهود على المسلمين في غزّة والموقف المخزي لقناة "العربية" من أحداث تلك الحرب على وجه الخصوص.
([2]) ملاحظة: يتّخذ بعض الناس ـ في مجتمعاتنا العربية الإسلامية ـ من المديح أو الثناء الصادر من جهة الغرب اليهودي النصراني أو العلماني تجاه شخصيّة عربية مسلمة، وسيلة لاتهام تلك الشخصية! بصرف النظر عن طبيعة تلك الشخصية، وهذا فعلٌ غير صائب، لأنّ بعض كتّاب وعلماء الغرب المنصفين قد يُثني ويمدح رجال الإسلام إذا رأى فيهم فضائل ومحاسن ومزايا لا مجال لنكرانها. وأوضح مثال على ذلك هو كتاب (المئة الأوائل) فإنّ كاتبه اليهودي الأمريكي "د. مايكل هارت" جعل الشخصيّة الأولى في العالم هي شخصية نبيّ الإسلام سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
[3] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=178879#_ftnref3) ـ وهنا نلاحظ بوضوح جهل هذا الكاتب (تشرشل) بحقائق شهيرة وهي أنّ قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وليس في مكّة!! ولذلك من الخطأ الاعتماد على كل ما يذكره الكتّاب الغربيون عن الإسلام ورجاله!
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[28 - Jan-2009, مساء 04:40]ـ
فسبحان الله العظيم، الأستاذ أباظة أحال إلى مرجع فيه نصٌّ قاطع كتَبَه حفيد الأمير عبد القادر، ينفي فيه بشدّة وتَحَدٍّ دعوى انتساب الأمير إلى الجمعيّة الماسونية، وهذا المقال نُشِرَ بتاريخ رمضان 1329هـ أي بعد وفاة الأمير بتسع وعشرين سنة!! وقبل مئة سنة من يومنا هذا!!!
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد تحدّاهم الأمير سعيد أن يبرزوا شيئًا من الأدلّة المادية ولكنّهم لم يفعلوا!
إذن عندما ادّعى بعض الماسون انضمام الأمير إلى جمعيتهم لكي يرغّبوا الآخرين بالانضمام إليها، في الوقت الذي لم تكن فيه الماسونية تُهمةً، تصدى لهم حفيد الأمير ونفى مزاعمهم، ونشرت المجلات هذا النفي في حينها. وانتهت القضيّة، فلماذا نجد اليوم ـ وبعد مئة سنة من ذلك النفي ـ بعض الناس يعيدون الحديث في القضية بعدما انكشفت الماسونية وصارت تهمة؟!
وأرجو أن تلاحظوا معي التباين والاضطراب في قضيّة اجتماع الماسون بالأمير وعرضهم عليه الانضمام إليهم. فتارة يقولون إن ذلك حدث قبل 1860، وتارة يقولون إنه حدث سنة 1864، وتارة يقولون إنه حدث سنة 1869؛ وفي مقال الأمير سعيد أثبتَ أنّ ذلك حدث سنة 1869!! وكذلك الأمر فيما نقله السيد بدر الدين عن عمّه الأمير!
ومحلُّ تعجّبي من فعل الأستاذ أباظة أنّه أورد خبر لقاء الماسون بالأمير في متن كتابه ولم يُعلّق عليه بشيء مع أنه مطلعٌ على مقال الأمير سعيد. فما فائدة إيراد مثل هذا الخبر دون بيان قبول الأمير الانضمام أو لا؟!
على كل حال المهم أنه ظهر للجميع تهافت شبهات المروّجين لقصة انضمام الأمير إلى الماسونية.
ـ وبعد المقال الذي كتبه الأمير سعيد متحديًا فيه الذين يدّعون انتساب الأمير إلى الماسونية، خمدت أصوات أولئك الأشخاص.
طبعًا الشعوب العربية المسلمة بعلمائها وعامّتها لم تكن تلتفت إلى تلك الدعاوى فسُمْعَةُ الأمير عبد القادر عندهم من أصفى ما يكون لا يُعكّر صفوها تشويش المشوّشين!
ولكن بعد نكبة العرب والمسلمين سنة 1948م بسلخ جزء كبير من فلسطين عن جسم الأمّة، وبعد نكستهم سنة 1967م وخسارة ما تبقى من أرض فلسطين، وبعد توالي الهزائم وانحطاط الأمّة وضياع كرامتها، بدأت تظهر في طائفة من أبنائها أعراضٌ لمرض نفسي خطير، مرض يسبب لصاحبه الشلل، إنه مرض الانهزام النفسي الكُلّي، وبعد استحكام الشعور بالهزيمة عند المصاب بهذا المرض يلجأ إلى إيجاد الأعذار التي سيتّكئ عليها، وبعد تراكم عدد كبير من تلك الأعذار عند أولئك المصابين تكوّنت لديهم نظرية صارت تُعرف فيما بعد بنظريّة المؤامرة! وأيّ مؤامرة؟ إنها بزعمهم مؤامرةٌ أحْكَمَ نسج خيوطها وحياكتها حكماءُ صهيون، وتقوم على تنفيذها الحكومة الخفيّة أو الجمعيّة الماسونيّة، فكلّ ما يجري في العالم إنما هو بتدبيرهم وإرادتهم!! (زعموا) لأنّ كل رؤساء العالم ماسون وكل موظفي هيئة الأمم ماسون، وكل من يعارضهم يكون مصيره الهلاك، لأنّ الماسون يعرفون كل شيء ويهيمنون على كل شيء!
سبحان الله! لقد صار الماسون وحكماء صهيون عند أولئك الناس كأنّهم آلهة يشركونهم مع الله! والعياذ بالله.
وبدأت هذه النظرية تأخذ مكانها في كتابات بعض المعتقدين بها أو المروّجين لها، ثمّ تكاثرت مقالاتهم وصارت تغزو الصحف والجرائد اليومية، وكَثُرَ الحديث عن هذه المؤامرة ورجالاتها والمنخرطون في سلكها، أو الذين استُخْدِموا لتمرير خططها، وبدأت التُّهم تُلقى جزافًا ولا رقيب ولا حسيب!
وساهمت بعض الجهات في تغذية هذا التوجّه وتدعيمه، لأنها ستستفيد من رواج هذا الفكر واستقراره. وصحيح أنّ بعض الصحفيين يكتب عن الماسون وعمالتهم، من باب تأثّره بنظرية المؤامرة وبرتوكولات حكماء صهيون. إلاّ أنَّ البعض الآخر كان يكتب من باب استغلال تلك النظرية! والسبب أنّ البعض سيستفيد من هذا الأمر في درء الشبهات عن نفسه وتحييد خصومه، وصرف الأنظار عنهم، وإقناع الناس بالواقع المرير! ([1] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=185476#_ftn1))
ومما ساعد أصحاب هذا التوجّه على ترويج نظريتهم، أنّ بعض رجالات العرب والمسلمين انتسبوا إلى الجمعيّة الماسونية في وقت مضى ـ قبل تلك النكبات والنكسات ـ وأعلنوا انتسابهم إليها، وذلك لأنّه لم يكن هناك شيء ظاهر يبعث على الريبة فيها، بل على العكس كان يُنظر إلى تلك الجمعيّة على أنّها أمرٌ حسن، فهي تُنادي بالقيم الإنسانيّة وتدعو إلى مساعدة الآخرين وإلى النهوض بالأمم والرقي بها. هكذا كانت تروِّج لنفسها. وقد انضمَّ إليها في السابق أشخاص لا يُشك في نزاهتهم وصدق نيّاتهم، وهذا جعل المنتسبين الجدد يشعرون بالارتياح.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكن بعد مدّة من انتسابهم أحسّوا أنّ وراء تلك الجمعيّة أغراضًا خبيثة مخفيّة لا يُمكن أن يرضوا بها، وأدركوا أنّ تلك الجمعية ستستفيد من انضمامهم إليها لتمرير شيء من أغراضها، فما كان منهم إلاّ أن انسحبوا منها وانقطعوا عنها. بل أخذوا يحذِّرون منها، ويكتبون لفضحها.
ولعلّ كتابات الدكتور عبد الجليل التميمي عن الأمير عبد القادر والماسونية، كانت المصدر الثاني للصحفيين والمفتونين بالشأن الماسوني، بعد كتابات جرجي زيدان وشاهين مكاريوس!!
وعبد الجليل التميمي كان ينقل أشياء عن بعض الكتّاب الغربيين ولكنه يصبغها فيما بعد بنظرته السوداوية للأشخاص! ومرَّ معنا في حلقات سبقت اعتماد التميمي على رسائل مزوّرة ـ سمحت السلطات الفرنسية له ولغيره بالاطلاع عليها وتصويرها!! ـ في الطعن بالأمير وموقفه من الحركات الانتفاضية في الجزائر بعد خروجه منها. وبيّنتُ وقتها التزوير المفتضح لتلك الوثائق، وكذلك جهل الدكتور التميمي بالوثائق الحقيقية التي تُثبت عكس ما ادّعاه.
وبعد ذلك اعتمد عبد الجليل التميمي على كلام ووثائق "زافيني ياكونو" في دعم نظريته القائلة بانضمام الأمير إلى الماسونية! والوثائق المزعومة هي ثلاث رسائل موجّهة إلى الماسون وُضِعَ في نهايتها اسم الأمير عبد القادر وختمه!! وزعموا أنها بخط الأمير!! [بحث التميمي هو:الأمير عبد القادر الجزائري في السنوات الأولى من إقامته بدمشق]
وكتابات التميمي بهذا الخصوص غير علمية وغير موثّقة وهي تعكس رأيه ونظرته ونفسيّته وقد ضمّنها مواقفه القَبْلِيَّة من الأشخاص والأحداث! وعن التميمي نقل الصحفيون وهواة الماسونية تلك الرسائل واستنتاجات التميمي وزافيني منها!!
وأقول: لو كان التميمي والناقلون عنه في كتبهم يتحرّون الحقيقة لأمكنهم بمجرّد إلقاء نظرة سريعة عليها أن يقطعوا بأن تلك الرسائل ليست بخط الأمير حتمًا، ولو قرؤوها وقرؤوا ما فيها من ألفاظ عامّية وإملاء لا يصدر إلاّ عن شخص أعجمي حديث عهد بتعلّم العربية؛ لأيقنوا أنها ليست للأمير الذي يحفظ كتاب الله تعالى، ويروي حديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وينظم الشعر وكتاباته مشهورة ومعلومة!
وقد صدرت دراسات علميّة تُبيّن زيف وبطلان هذه الرسائل. ومن أهم تلك الدراسات والوثائق تقرير الخبرة الفنيّة الذي أعدَّه الخبير المحلّف الأستاذ هشام الغراوي بتاريخ (21/جمادى الأولى/1420هـ = 1/ 9/1999م) الخاص بدراسة إحدى تلك الرسائل وهي الرسالة الموجهة إلى محفل هنري الرابع، ظهرت في زمن متأخر، مضمونها شكر وثناء على جمعية المحفل وعلى أغراضها ودعاء لها ولأعضاء المحفل، وكاتب الرسالة يقول إنه مندرجٌ معهم في الأخوية المحبوبة!
وقد تناولها الأستاذ الغراوي بالدراسة الفنية وكانت النتيجة أنها مزوّرة بكل وضوح!
يقول الأستاذ هشام الغراوي؛ الخبير المحلّف بشؤون الوثائق: ((الوثيقة 4 تَبيَّنَ بالدراسة الفنية الكاملة عليها أنها مزوّرة أيضًا بكل وضوح في أسطرِها التسعة وختمِها وإمضائِها:
فالنصُّ خالٍ من الحمد بالأعلى (خلافًا لعادة الأمير فيما عهدناه في رسائله الصحيحة)، وجاءت الكتابة بالخط "الرقعي/المشرقي" من العصر التركي، وبعيدٌ كل البعد عن الخط المغربي للأمير بأدلة كثيرة جدًّا ظاهرة بالعين المجرّدة ولا تحتاج إلى تفصيل بعد الذي سبق لنا بيانه، وعدد هذه الأدلة يتجاوز "التسعة" بكثير، وفي مقدمتها التركيب الإنشائي المخالف تمامًا لأسلوب الأمير بكتاباته الصحيحة، فضلاً عن عدم معقولية ما فيها من كلامٍ مرفوض لا يُصدّق صدوره عن الأمير من حيث الدعاء لرجال الماسونية بأن يبلّغهم الله أقصى مرادهم (الذي كان مجهولاً في ذلك العصر، حينما لم تكن الماسونية قد انكشفت عالميًا على حقيقتها السرية الرهيبة)؛ وهي مؤرّخة في 10آب (آغسطوس 1864 وتحمل خاتمًا جديدًا لم نرَ مثله في الوثائق الصحيحة (الثابتة على ختم واحد) .. وكأنّ الأمير رحمه الله كان يملأ جيوبه بمجموعة من الأختام .. ثم يتعمّد أن يختم كل وثيقة بخاتم خاص بها! .. ويمتاز الخاتم المنسوب للأمير بهذه الوثيقة (4) بأنه محاط بإطار شبه دائري، وبمثابة ( out line) منتظم لا نجد له مثيلاً بالأختام الأخرى المزوّرة .. ولا الصحيحة!.)).انتهى [من التقرير الفني ص7ـ8]
(يُتْبَعُ)
(/)
طبعًا هذا الكلام ينطبق على الرسالتين الأخريين. وبهذا يتبيّن سقوط هذه الشبهة وهذه التهمة.
(والأستاذ هشام الغراوي خبير في الخطوط والوثائق والمخطوطات، وهو الخبير المحلّف بشؤون الوثائق لدى وزارة العدل السورية مدّة 28 سنة، من 1952 إلى 1979م. ويقيم في "أنقرة" بتركية، متفرّغًا للبحث العلمي بشأن المخطوطات والكتب العربية الأثرية، وهو مرجعٌ لكثير من الباحثين يساعدهم في قراءة المخطوطات وفكّ المستعصي فيها).
والآن مع شبهة جديدة: فبعدما تهاوت وسقطت جميع الحجج التي ساقها متَّهمو الأمير بالماسونية، اضطروا إلى اللّجوء لأشياء أخرى ولو كانت بعيدة، ولكن يمكن بتضافرها أن تخلق شكوكًا عند بعض الناس وتدعم حججهم الأولى!
قال الأخ محمد مبارك في (فك الشيفرة): ((كما لجأ إليه فردينان ديليسبس للتوسط من أجل إقناع العثمانيين بمشروع قناة السويس ـ والذي جلب الاستعمار الانجليزي فيما بعد ـ، و لذلك فقد كان الأمير عبدالقادر في طليعة المدعوين في الحفل الأسطوري الذي صنعه الخديوي إسماعيل في عام1869 م احتفالا بافتتاح القناة)).انتهى
أقول: ما هو مصدر هذا الكلام العجيب المخالف لما هو ثابت في المراجع الكبيرة التي تحدَّثت عن قصّة شق قناة السويس؟
إنّ في هذا الكلام عدّة مغالطات! أوّلها الزعم أنّ فردينان دوليسبس لجأ إلى الأمير عبد القادر لإقناع العثمانيين بمشروع القناة.
وهذا طبعًا غير صحيح البتّة ولا دليل عليه. والحقيقة أنّ دوليسبس لجأ إلى الأمير سعيد باشا ابن محمد علي باشا حاكم مصر. والقصّة هي أنّ محمد علي باشا كان على صلة بالدبلوماسي ماتيو دوليسبس المقيم في مصر، وكان ابنه الشاب فردينان صديقًا للأمير سعيد ومعلّمًا له. ودوليسبس له قرابة من الإمبراطورة أوجيني، وكان يعمل في القنصلية الفرنسية وكان أبوه من قبله قنصلاً في القاهرة، فكان دوليسبس وهو صبي يختلط ببيت محمد علي وعرف معظم الأمراء الذين حكموا مصر بعد ذلك، وكان الأمير محمد سعيد الذي صار بعد ذلك واليًا على مصر من خاصة أصدقاء دوليسبس. وسبب اختصاصه به أنّ محمد علي غضب عليه فنفاه إلى باريس فلمّا قصدها وجد بيت دوليسبس أهلاً وسهلاً، فكان يصحب دوليسبس ويرافقه أينما ذهب. [عن مجلة الهلال. ملخصًا عن مقالة للمستر كرابيتس القاضيالأمريكي في المحاكم المختلطة نشرها في مجلة "آسيا"]
وسبق أن عرض الفرنسيون مشروع القناة على محمد علي فلم يقبل به (خشية طغيان الماء على البلاد)، وبعد سقوط حكم نابليون وعودة أسرة دوليسبس إلى فرنسة عانت الفقر والضعف. وعندما وصل الأمير سعيد باشا إلى سدّة الحكم وصار خديوي مصر، أسرع فردينان دوليسبس وسافر إلى مصر والتقى بصاحبه القديم الأمير سعيد وعرض عليه مشروع شق قناة سويس، فما كان من الخديوي سعيد إلاّ أن وقّع وثيقة امتياز حفر القناة لدوليسبس وذلك سنة 1854م! (الأمير عبد القادر كان في ذلك الوقت مقيمًا في تركية بعد سنة من إطلاق سراحه). وبعد ذلك بسنوات أقرَّ السلطان العثماني الامتيازَ الممنوح لدوليسبس.
وبكلامٍ جامع يقول المؤرّخ الكبير محمود شاكر: ((وما إن تولّى ـ محمد سعيد ـ حتى عرضَ عليه صديقه المهندس الفرنسي فرديناند دولسبس مشروع قناة السويس فأعطاه امتياز ذلك، ودولسبس ابن قنصل فرنسة في الإسكندريّة وصديق محمد سعيد منذ الطفولة، غير أن هذا المشروع قد لقيَ معارضةً واسعة من قِبل الدولة العثمانية على اعتبار أن مصر ولاية منها، وشجّع على ذلك الرفض الإنكليز الذين يخشون من النفوذ الفرنسي في مصر، على حين تريد فرنسة بحصولها على هذا الامتياز أن يزداد نفوذها وتصبح المشرفة على طريق الهند. إلاّ أنّ نابليون الثالث إمبراطور فرنسة قد أيّد هذا المشروع بصورة تامّة، ومشى وراءه بكل إمكاناته، وحصل في النهاية على موافقة الخليفة)).انتهى [التاريخ الإسلامي 8/ 498]
والعجيب في كلام الأخ صاحب (فك الشفرة) أنّه جعل مشروع شق القناة تهمةً لأنّه كان سببًا في رأيه للغزو الإنكليزي!!
(يُتْبَعُ)
(/)
مع العلم أنّ سبب التدخل الأجنبي في شؤون الحكم بمصر، والذي تلاه فيما بعد الغزو البريطاني،لم يكن بسبب القناة وإنّما كان سببه تبذير وضخامة الإنفاق من الخزينة، الذي مارسه الخديوي إسماعيل، وبدأ بالاستدانة من البنوك الغربية بفوائد ربوية فاحشة، واضطر إلى بيع أسهم مصر من القناة فاشترتها إنكلترا، وأصبح لها النفوذ القوي في مصر وازدادت الديون على مصر، وبدأت الدول الأوربيّة تطالب بديونها، فبدأ التدخل الإنكليزي بشؤون الحكم في مصر إلى أن انتهى بالغزو والاحتلال. [راجع تفاصيل الموضوع في التاريخ الإسلامي الجزء الثامن من ص500 إلى ص507].
وبفَرْض أنّ الأمير عبد القادر توسّط عند السلطان للقَبول بهذا المشروع، فلماذا يرى البعض أن ذلك أمرٌ قبيح أو تهمة؟!
مصر كانت ولاية عربية مسلمة يحكمها مسلمون تابعون للسلطان العثماني، فما المانع من إقامة مشروع قناة سويس الذي سيحسّن أوضاع تلك البلاد ويدرّ عليها المال؟! وهل إذا طمع الأعداء فيها بسبب مزايا تلك القناة، يعني عدم صحّة الشروع بها؟! لقد غزت الجيوش الفرنسية مصر واحتلتها قبل شق تلك القناة، ثم تحررت البلاد ورجعت إلى أهلها، وبعد ذلك غزتها الجيوش البريطانية، وعادت وتحررت، ومن حينها إلى اليوم مصر تنعم بالوارد المالي الضخم الذي تدرّه عليها تلك القناة، وتتبوّأ مكانةً عالمية مميزة بسبب ذلك.
على كل حال إن أوّل من تحقق على يديه شق قناة تصل بين البحر المتوسط والبحر الأحمر هو سنوسرت الثالث أحد فراعنة السلالة الثانية عشر (2000ـ1800 قبل الميلاد)، ولمّا حكم ملك الفرس داريوس مصرَ سنة 510 قبل الميلاد أدخل على تلك القناة تحسينات كبيرة، وفي سنة 285 قبل الميلاد أعاد حفر القناة كلها بطلميوس الثاني، وفي سنة 98 قبل الميلاد أعاد الرومان استعمال القناة بعد أن أُهملَت في أواخر عهد البطالسة. [الموسوعة العربية 11/ 364]
وأمّا في عهد المسلمين فتذكر الموسوعة العربية أنه: ((لمّا فتح العرب المسلمون مصر، ووُلِّي عليها عمرو بن العاص (641ـ644م)، خطر له أن يحفر قناة تصل مباشرة بين البحرين المتوسط والأحمر، وتشقّ السهل المنبسط القليل الارتفاع، الممتد جنوبي "فرما"، وهي مدينة كانت قائمة على مقربة من موقع بور سعيد الحالي. ولكن الخليفة عمر بن الخطّاب عارض هذا المشروع، إذ جاء من يُنبّهه إلى أنّ شق البرزخ يُعرّض مصر كلها لطغيان مياه البحر الأحمر، فأمر الخليفة بالاكتفاء بإعادة قناة الرومان القديمة، لكي يتسنّى للسفن السفر إلى الحجاز واليمن والهند، وبذلك أعاد العرب قناة الرومان إلى الملاحة من الفسطاط إلى القلزم، في أقل من ستة أشهر (القلزم هو اللفظ العربي لاسم السويس القديم كليسما).
وقد سمّيت هذه القناة بقناة أمير المؤمنين، واستُخدمت زهاء 150سنة، لتنشيط التبادل التجاري بين البلاد العربية وأنحاء المعمورة كافة، وخاصة لنقل الحجاج إلى بيت الله الحرام، على أن الخليفة العبّاسي أبا جعفر المنصور أمر بردمها في نهاية القرن الثامن، كيلا تستخدم في نقل المؤن إلى أهل المدينة الذين تمرّدوا على سلطته، فتعطّلت بذلك الصلة مع البحرين مدة أحد عشر قرنًا.
وفي أثناء إقامة الفرنسيين في مصر، إثر الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت، درس المهندسون الذين رافقوا الحملة العسكرية، النيل والبحر الأحمر وبرزخ السويس، وبحث علماء الآثار عن بقايا الأقنية القديمة. ولم يكن من السهل على "دوليسبس" إقناع المسؤولين بفكرة فتح القناة، بسبب المخاوف القديمة من طغيان مياه البحر التي كانت تراود أفكار الناس. واستمر دوليسبس في بذل مساعيه مستفيدًا من صداقته للخديوي محمد سعيد، الذي أصدر فرمانًا في تشرين الثاني من عام 1854 يُعطي امتياز فتح القناة إلى دوليسبس، وصدَّق الباب العالي امتياز القناة في تشرين الثاني 1858، وكانت مدة الامتياز 99 سنة.
ومع العقبات الكثيرة التي واجهت هذا المشروع، فقد أمكن تدشينها في تشرين الثاني من عام 1869، وحضر الحفلة عدد من ملوك أوربا، ومنهم الإمبراطورة أوجين زوجة نابليون الثالث وامبراطور النمسا وأمير بروسيا {ألمانيا}.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبقيت القناة التي تمر عبر أراضي مصر، والتي حفرتها أَيْدٍ عربية، ملكًا لشركة السويس العالمية، ومركزها باريس إلى أن أممتها الحكومة المصرية في 26 تموز 1956 {يعني قبل نهاية الامتياز بـ 12سنة}، فغدت شركة مصرية (عربية) وطنية)).انتهى [الموسوعة العربية 11/ 365]
إذن هذه قصّة قناة سويس؛ وألفت انتباه القارئ إلى أنّ بعض الكتّاب يذكرون في كتاباتهم أنّ دوليسبس صديقٌ للأمير عبد القادر! وهذا خطأ أيضًا، ولعلّ السبب في ذلك أنهم أثناء قراءتهم لتاريخ مصر في عهد محمد علي وابنه الأمير سعيد، يكثُرُ الحديث عن الأمير وصديقه دوليسبس! ثم يأتي الحديث عن قناة سويس وعن حضور الأمير عبد القادر. فينصرف ذهنهم إلى أنّ المقصود بصديق دوليسبس هو الأمير عبد القادر مع أنّ المقصود هو الأمير سعيد باشا كما هو ظاهر في جميع النقول التي سقتها.
والعجيب من أولئك الكتاب إطلاقهم هذا الوصف (صديق الأمير) على بعض الأشخاص! فهل كل من يراسله الأمير أو يتصل به لسبب أو لآخر يكون صديقًا له؟ وكلمة صديق يستعملها العرب لدلالة معيّنة بخلاف الدلالة التي يريدها الأوربيون!
ولمزيدٍ من البيان أقول: إنّ معرفة الأمير بدوليسبس كانت بعد قناة السويس، فبعد افتتاح هذه القناة ونجاحها والثناء العالمي عليها، تحمّست فرنسة لإنجاز مشروع "البحر الداخلي الإفريقي" الذي يشتمل على أجزاء كبيرة من الأراضي التونسية والجزائرية، وذلك في عقد السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن التاسع عشر، ويقع حوض هذا البحر في المنطقة المحصورة بين خليج فابس على الساحل التونسي شرقًا، وجبال أولاد نايل وهضبة ميزاب غربًا، وجبال الأوراس والنمامشة وتبسّة والظهر التونسي شمالاً، وجبال مطمامة والهقّار جنوبًا. ولكن سكّان تلك الأراضي ترددوا في قبول هذا المشروع وعارضوه، لأنّ البحر المفتوح سيغمر قراهم وأراضيهم، فلجأ أصحاب هذا المشروع، وعلى رأسهم دوليسبس، إلى الأمير عبد القادر الجزائري وتَرَجَّوْهُ أن يكاتب أهالي وسكّان تلك المناطق ليقنعهم بفائدة المشروع. وليس ذلك لأن دوليسبس والحكومة الفرنسية أصدقاء للأمير كما يزعم البعض! وإنما لما يعلمه هؤلاء من المكانة العظيمة والمنزلة الرفيعة التي للأمير عند شعبه في الجزائر ومدى تأثيره فيه، على الرغم من كل الحواجز التي وضعتها واختلقتها فرنسة بين الأمير وشعبه!.
فلمّا اقتنع الأمير بجدوى هذا المشروع وما سيجلبه لبلاده من الخيرات الكثيرة في مستقبله المنظور ـ لأنّ الاحتلال الفرنسي لبلاده لن يدوم بل سيزول ـ كتبَ رسالة وأرسلها إلى الجزائريين يحثّهم فيها على تأييد هذا المشروع، وأوضح لهم الأهميّة التي ستنجم عن إنجاز هذا البحر، ودعَمَ آراءه بآيات من القرآن الكريم، وبأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن عندما اطلع بعض الناس (من أصحاب فكر الاتهام والتشكيك في سلف الأمّة) بعد قرابة قرنٍ من وفاة الأمير على رأيه في المشروع أسرعوا وأطلقوا أحكامهم المنتقدة للأمير على موقفه هذا.
وقد تأثّر بعض الباحثين بهذه الانتقادات وبما كانت تروّجه بعض الكتابات الفرنسية، ولكنه سرعان ما استدرك الأمر وصدع بالحق.
وأقصد بهذا المؤرّخ الأستاذ الدكتور يحيى بو عزيز رحمه الله، الذي تعرّض لموضوع البحر الداخلي بالدراسة والبحث في عدّة رسائل ومحاضرات ثمّ جمع مضمونها في كتابه (مع تاريخ الجزائر في الملتقيات الوطنية والدُّولية) ومنه نقلتُ الموضوع؛ يقول الدكتور يحيى بو عزيز معلّقًا على مراسلة الأمير للجزائريين بخصوص المشروع: (( .. وراسلهم وذلك مما يدل على بعد نظره وتفهّمه، وإدراكه للأهمية الاقتصادية لهذا المشروع الضخم، رغم أنه كان بعيدًا عن الميدان، وليس صاحب اختصاص في الموضوع. وقد نشرنا عن هذا الموضوع دراسة وثائقيّة بمجلّة الأصاله انتقدنا فيها موقف الأمير، ثمّ لمَّا تعمّقنا في الموضوع بالبحث والدراسة اكتشفنا أنه على حق، فصححنا ذلك في الملتقى الثالث عشر للفكر الإسلامي بـ "تامنراست" عندما تناولنا هذا الموضوع بالبحث والدراسة من جديد)).انتهى [(مع تاريخ الجزائر) ص235]
رحِم الله الأستاذ بو عزيز؛ وهذا الموقف منه يدلّ على حرصه وتمسّكه بالحق، وسرعة رجوعه عن الخطأ بمجرّد ما لاح له الحق. وهذا هو دأب المنصفين والمتّقين من علماء المسلمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد أَسِفَ الدكتور يحيى بو عزيز على عدم إنجاز مشروع البحر الداخلي وتمنّى لو يُعاد النظر فيه اليوم، فقال: ((إن مشروع هذا البحر الداخلي الإفريقي، عظيم الأهمية، كثير الفوائد والمزايا ويا حبّذا لو يُعاد التفكير في إنجازه مرة أخرى بعد أن تحررت شعوب المنطقة من الاستعمار الأوربي. فتسعى كلٌّ من تونس والجزائر ولربما ليبية، لدراسته من جديد وفقًا للتطورات العلمية والتقنية الحديثة. وتعمل على إنجازه بواسطة الخبرة الدولية، ورؤوس أموال الدول البترولية العربية الغنية التي تملك أرصدة ضخمة في البنوك الأجنبيّة الأوربيّة، والأمريكية، ولربما اليابانية كذلك.
إن هذا البحر، رغم ما سيغمره من أراضٍ وقرى عمرانية كثيرة، ستكون له آثار ونتائج إيجابيّة على مستقبل الصحراء وسكانها في الآماد البعيدة. لأنه سيقضي على الجفاف الحاد والعزلة الشديدة والتخلّف الفظيع. ويسمح للأساطيل البحرية أن تصل إلى أعماق الصحراء لإفراغ وشحن حمولاتها المختلفة، وإيصال مرافق الحضارة إلى السكان العزّل بسهولة، وييسر الاتصال بين أعماق الصحراء والعالم الخارجي.
وإذا ما أنجز هذا البحر الداخلي، فإنه سيضاف إلى قائمة المنجزات العملاقة للجزائر، وجيرانها من بلدان الشمال الإفريقي، وسيقضي على خرافة التفوق الأوربي كذلك، ويفتح المجال على مصراعيه للرأسمالية العربية لتستثمر في مشاريع التنمية الاقتصادية العربية الإسلامية، بدلاً من استثمارها في مشاريع الأغنياء المترفين في أوربا وأمريكا ولربما اليابان)).انتهى [(مع تاريخ الجزائر) ص88]
فرحمة الله على الدكتور يحيى بو عزيز، ورحمة الله على الأمير عبد القادر!
أمّا الشبهة قبل الأخيرة التي أثارها بعض الناس حديثًا حول الأمير فهي حقًا من أعجب الشُّبَه!!
ألا وهي النجمة السداسية الموجودة في شعار الختم الذي تُختم به بعض أوراق الأمير. وقد زعموا أنه ختم الأمير الخاص.
أقول: إنّ هذا الختم الذي يتحدّثون عنه ليس ختمًا خاصًّا بالأمير، وإنما هو ختم الإمارة والدولة! وكانت الأوراق الرسمية (كالمعاهدات والمراسيم) تختم به في أعلاها، وهو دائري الشكل مكتوب في محيطه البيت المشهور من قصيدة البردة للبوصيري:
((ومن تكن برسول الله نصرَتُه ... إنْ تَلْقه الأُسْد في آجامها تجِمِ)) وفي وسط الختم يوجد نجمة سداسية مرسومة بخطوط متقاطعة كتب في كل رأس من رؤوسها المثلّثة، على التسلسل ((الله، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، عليّ))؛ وفي وسط النجمة يرتسم الشكل المسدس المشهور لخلية النحل وكُتِب في وسطه: ((الواثق بالقوي المتين، ناصر الدين، عبد القادر بن محيي الدين))
وقد نصّ المؤرخون على كون هذا الختم خاصًّا بالإمارة الجزائرية [انظر على سبيل المثال كتاب (المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر) لإسماعيل العربي ص221].
وهذا الختم صنع سنة 1832م يعني قبل قيام إسرائيل بـ (116) سنة!
واليهود لم يتخذوا النجمة السداسية شعاراً لهم إلاّ بعد تأسيسهم لدولتهم المسخ!
وأمّا الماسون قبل الكيان الصهيوني فكان في شعاراتهم النجمة الخماسية وما زالت!
فكان على مثيري هذه الشبهة أن يتّهموا كل مَنْ في شعاره أو ختمه أو علم بلاده أو نقوشه ورسومه نجمة خماسية أنه ماسوني! لأنّها شعار للماسونية منذ نشأتها إلى اليوم بخلاف السداسية. وطبعًا هذا ضربٌ من الجنون أيضًا!
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: ((من رموز الماسونية: المثلث، والفرجار، والمسطرة، والمقص، والرافعة، والنجمة الخماسية، والأرقام 3 و5 و7)).انتهى [موسوعة اليهود 5/ 380]؛ ولم يذكر النجمة السداسية.
والنجمة السداسية هي شكل هندسي مشهور وكان يُعدُّ شعارًا لشمال إفريقية، ويمكن للناظر أن يجده منقوشًا أو مرسومًا في الكثير من الأبنية القديمة الباقية في الجزائر أو المغرب أو تونس ومصر ...
وكذلك يمكن أن يراه في الأبنية العثمانية الموجودة في شمال إفريقية أو في المشرق أو في تركية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعندنا هنا في دمشق نرى النجمة السداسية موجودة في معظم الأبنية العثمانية كالمساجد أو التكايا، وهي ظاهرة بوضوح ولونها أسود. هذا عدا النجمات السداسية المتشكلة من الرسوم والنقوش الهندسية المعروفة بـ (خط النقش العربي) والتي تظهر بوضوح في قطع الأثاث المصنوع من "الموزاييك" وكذلك في الجدران والأسقف الخشبية التي تزين بها الأبنية الفخمة.
وأكثر من ذلك: فإن كل أحد يستطيع أن يرى النجمة السداسية المفردة بكل وضوح على مآذن الجامع الأموي بدمشق؛ والذي بناه الأمويون قبل ثلاثة عشر قرنًا!!
وإنّ بعض ملوك وسلاطين المغرب وعلمائه أيضًا، اتّخذوا لأنفسهم أختامًا شخصيّة شعارها النجمة السداسية، وهذا قبل عصر الأمير عبد القادر. والناظر في كتب التراجم المصوّرة يقف على بعض هذه الأختام والشعارات. وأضرب لكم مثالاً على ذلك، الختمَ الخاص لسلطان المغرب سليمان بن محمد ويمكن رؤيته في موسوعة "الأعلام" للزركلي. وإليكم ترجمة هذا السلطان:
قال الزركلي: ((المولى سليمان (1180 - 1238 هـ = 1766 - 1822م) سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل، أبو الربيع، الشريف العلوي: من سلاطين دولة الأشراف العلويين في مراكش.
بويع بفاس سنة 1206هـ، بعد وفاة أخيه المولى يزيد. وامتنعت عليه مراكش، فزحف إليها سنة 1211هـ، فبايعه أهلها. وأقام فيها مدة ثم استوبأها، فانتقل إلى مكناسة، وتوفي بمراكش.
كانت أيامه كلها أيام ثورات وفتن وحروب، انتهت باستقرار الملك له، في المغرب الأقصى.
وكان عاقلاً باسلاً، محبًا للعلم والعلماء، له آثار في عمران فاس وغيرها، قال الكتاني: كان من نوادر ملوك البيت العلوي في الاشتغال بالعلم وإيثار أهله بالاعتبار. له حواش وتعاليق على الموطأ والمواهب)).انتهى
وقال عبد الحيّ الكتاني في "فهرس الفهارس" مترجمًا له: ((الفقيه البياني النحرير الناسك، له حواش وتعاليق على الموطأ وشرحها للزرقاني والمواهب وغيرها، وحاشية عليّ الخرشي في مجلدين، حلاّه أبو التوفيق الدمنتي في فهرسته بـ "السلطان الجليل، العلامة النبيل، الشريف الأفضل، الحجة الأكمل" .... وقال القاضي ابن الحاج في "الأشراف": " كان لا يجالس إلا الفقهاء، ولا يبرم أمراً من أمور مملكته إلا بعد مشاورتهم ولا يقبل منهم إلا النص الصريح، ويبالغ في الثناء عليهم وتعظيمهم وصلتهم ومودتهم وتفقد أحوالهم وأحوال كل من له صلة بهم"اهـ. وكان له اشتغال بقراءة التفسير والحديث غريب، انقطع لذلك وعكف عليه)).انتهى
ولم يكن أحد في السابق ينفر من هذه النجمة أو يستهجن وجودها قبل قيام دولة إسرائيل وجعلهم تلك النجمة شعارًا لهم. ومع ذلك فإنّ اليهود يرسمون شعارهم على شكل مثلثين متداخلين غير متحدين فيظهر الشكل يشبه النجمة السداسية.
وأمّا الماسون فهم لا يتخذون من النجمة السداسية شعارًا لهم وإنما شعارهم الفرجار والزاوية القائمة، وهم يرسمونه بحيث تتداخل الزاوية القائمة مع الفرجار فيظهر بشكل يشبه النجمة السداسية، وذلك لأنهم يرمزون بهذا الشكل إلى زعيمهم الذي يدعونه بـ "مهندس الكون الأعظم"
فليس من المقبول عقلاً أن يُقال إن دولة الأمير اتخذت رسم النجمة السداسية ضمن خاتمها الرسمي تشبّهًا باليهود أو تقليدًا لهم. واليهود لم يتخذوا ذلك الشعار إلاّ بعد أكثر من قرن من تصميم ختم الإمارة الجزائرية. ليس ذلك فحسب بل إن قائل ذلك لا يتهم الأمير وإنما يتهم كل الدولة الجزائرية في ذلك الوقت: القواد العسكريين والوزراء والخلفاء والشيوخ والشعب عامّة.
وكل ما في الأمر أنه رسم هندسي لا علاقة له بأي جهة لا من قريب ولا من بعيد.
أمّا الأمير عبد القادر فاتخذ لنفسه خاتمًا شخصيًا يختم به رسائله أو إجازاته. وهو ختم دائري صغير مكتوبٌ فيه: (عبد القادر بن محيي الدين) وكان يختم به الرسالة في نهايتها آخر الصفحة، بخلاف ختم الإمارة الذي يوضع في رأس الصفحة. وختم الأمير الخاص لا يوضع إلا في نهاية الرسائل أو الإجازات.
وأمّا آخر شُبهة وقفتُ عليها في اتهام الأمير، فهي ما ذكره الأخ صاحب"فك الشفرة" بقوله: ((كما قام بإنشاء مصرف دولي كان يموّل الطريق التي تربط ما بين دمشق وبيروت، ومن خلاله قام باستقبال أسرة آل روتشيلد اليهودية العالمية المُريبة "صانعة الملوك")).انتهى
(يُتْبَعُ)
(/)
أقول: هذا الكلام باطلٌ جملةً وتفصيلاً! وأنا لم أقف عليه في أي مرجع ولم أسمعه من أي شخص عارف مطلع، وأوّل مرّة سمعت به كان على لسان الفرنسي"برونو إيتيان" في الفيلم المُغرض الذي بثّته وتبثّه القناة المشبوهة "العربية"! ويبدو أنّ الأخ محمد مبارك اعتمد عليه كسائر الأقوال التي اقتبسها من هذا الفيلم! وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكل معطيات هذا الكلام مردودة بالوقائع الثابتة!
إنّ مهمّة إنشاء الطرق بين المدن والولايات والإنفاق عليها هي من صلاحيات الحاكم أو الوالي وبموافقة الباب العالي، ويُرصد لها ميزانيّة كبيرة؛ فكيف يُنسب هذا المشروع ـ شق الطريق بين دمشق وبيروت ـ إلى الأمير عبد القادر الذي لا يحمل أي صفة رسمية في الدولة؟ ومن أين للأمير أن يموّل مثل هذا المشروع وهو يحصل على مرتب شهري من الحكومة الفرنسية، وعطاءات من السلطان العثماني؟
وحقيقة الأمر أنّ الذي قام على مشروع الطريق بين دمشق وبيروت إنما هو "رشدي شرواني باشا" والي دمشق العثماني (من 1277 إلى 1280هـ تقريبًا) وفتحُ هذا الطريق يُعدُّ من منجزاته وآثاره. هذا ما تذكره المراجع التاريخية المتخصصة في هذا الشأن: قال أديب تقي الدين في "منتخبات التواريخ لدمشق": ((ثم جاء رشدي شرواني باشا، وهو من المطلعين على حقائق هذه البلاد، لأنه كان في معيّة فؤاد باشا بعمامة بيضاء سالكًا سلوك العلماء، وهو من أعضاء مجلس فوق العادة، ومن المريدين لهذه البلاد الإصلاح والسعادة، فانتفع به الوطن وحَمِدَ الناسُ أيّامَ ولايته، وأبقى من الآثار الحسنة ما يستوجب عليه الثناء لأنه كان فخر الأمراء وعين العلماء. وكان متقلدًا لمنصب الصدارة، وفي زمنه صار تشكيل الولايات، وطريق "الشوسة" بين بيروت ودمشق)).انتهى [منتخبات التواريخ 1/ 269]؛ و"الشوسة" اسم الشركة التي شقت الطريق.
والقارئ لتراجم وسِيَر الولاة العثمانيين على مدينة دمشق يرى أنّ شق الطرق وإصلاحها وبناء المدارس ومدّ الأسلاك البرقية وبناء الجسور وغير ذلك إنما هو من مهامهم، وتمويله يكون من خزينة الولاية! والدولة العثمانية كانت تستعين بشركات أجنبية إيطالية وألمانية وغيرها لإنجاز كثير من تلك المشاريع. (من بين تلك المشاريع إنشاء شبكة للاتصالات البرقية بين دمشق والمدينة المنورة).
ولكن الأمر العجيب الذي لا أدري كيف استساغه الأخ محمد مبارك أو غيره ممن خاض في هذا الموضوع، هو زعمه أنّ الأمير أنشأ مصرفًا دوليًا للتمويل ومن خلاله استقبل آل روتشيلد!!
فإمّا أنه غاب عنه معنى مصرف دولي أو أنه غاب عنه ما معنى آل روتشيلد!
الأمير عبد القادر كان ميسور الحال، هذا صحيح، ولكن هذا لا يعني أنّه كان من عمالقة الرأسماليين بل ولا من صغارهم. فدخله الشهري يكاد لا يبقى منه شيء آخر الشهر فهو يخصص منه مرتبات ثابتة لعشرات العلماء ولأبنائهم وكذلك لأُسَر الفقراء وللأعمال الخيرية، وطبعًا لأسرته وعائلته، وتحدّثنا بشيء من التفصيل عن وضعه المالي في حلقات سبقت فيمكن الرجوع إليها.
كانت تأتيه السندات المالية (الكمبيالات) بمرتبه الشهري، ويقوم ببيعها إلى صرّاف في بيروت وكانت قيمة السند تساوي (12,375) فرنك فرنسي!!
فرجل هذا هو دخله الشهري، كيف يمكن له أن يؤسس مصرفًا دوليًا أو يموّل مشروعًا بملايين الفرنكات؟! (وللفائدة فإن تَرِكَة الأمير المالية ليس فيها مصارف ولا بنوك ولا أموال نقدية كبيرة، وإنما هي دُوْرُه وأراضيه)
أمّا آل روتشيلد: ((فهم عائلة من رجال المال ويهود البلاط الأوربي الذين تحوَّلوا بالتدريج إلى رأسماليين من أعضاء الجماعات اليهودية. واكتسب نيثان ماير روتشيلد مكانة مرموقة في عالم المال أثناء الحروب النابليونية حيث ساهم في تمويل إنفاق الحكومة الإنجليزية على جيشها في أوربا، واستعان في ذلك بأخيه جيمس روتشيلد المقيم في فرنسة، كما ساهم في تمويل التحويلات البريطانية إلى حلفائها في أوربا. وقد استطاعت عائلة روتشيلد، خلال تلك الفترة، تدبير ما يقرب من 100 مليون جنيه إسترليني للحكومات الأوربية. وبعد الحرب، كانت هذه العائلة هي الأداة الرئيسية في تحويل التعويضات الفرنسية إلى الحلفاء وفي تمويل القروض والسندات الحكومية المخصصة لعمليات إعادة البناء. وأكسبته هذه المعاملات المالية مكانة متميِّزة في جميع
(يُتْبَعُ)
(/)
أنحاء أوربا ودعمت مركز مؤسسته كواحدة من أبرز المؤسسات المالية الأوربية في تلك الفترة.
ولـ "ليونيل روتشيلد" أعمال مالية شهيرة: من بينها تدبير قرض قيمته 16 مليون جنيه لتمويل حرب القرم (التي خاضتها الدولة العثمانية مع حلفائها بريطانيا وفرنسة لمواجهة روسيا). كما قدم ليونيل التمويل اللازم لدزرائيلي رئيس وزراء بريطانيا، الذي كانت تربطه به صداقة وثيقة، لشراء نصيب مصر في أسهم قناة السويس عام 1875، وهي عملية تمت في كتمان وسرية تامة بعيداً عن الخزانة البريطانية، ولم يُبلَّغ البرلمان البريطاني بها إلا بعد إتمامها. ولا شك في أن مساهمة بيت روتشيلد في تقديم القروض للخديوي إسماعيل ولأعيان مصر، وما تبع ذلك من تَضخُّم المديونية المالية لمصر، ثم ما جر ذلك وراءه من امتيازات أجنبية ثم تَدخُّل بريطاني في آخر الأمر بحجة الثورة العرابية، كل ذلك تم في إطار المصالح الإمبريالية الرأسمالية التي كانت تسعى لفصل أهم أجزاء الإمبراطورية العثمانية عنها تمهيداً لتحطيمها وتقسيمها.
وقد اشترك ليونيل روتشيلد أيضاً في إقامة السكك الحديدية في فرنسة والنمسا ....
وأما جيمس ماير دي روتشيلد فكان مقرباً لملك فرنسة لويس فيليب حيث تولى إدارة استثماراته المالية الخاصة، كما قدَّم قروضاً عديدة للدولة. كما شارك مدة طويلة من عمره في رسم السياسة الخارجية الفرنسية. وفي أعقاب ثورة 1848، استمر بيت روتشيلد في تقديم خدماته المالية وقام بتدبير القروض لنابليون الثالث ....
وشارك بيت روتشيلد في تمويل الجيوش والحروب، وفي تسوية التعويضات والديون، وفي تمويل مشاريع إعادة بناء ما دمرته الحروب وفي تقديم القروض للعديد من الملوك والزعماء، وفي تمويل المشاريع والمخططات الاستعمارية والتي كان المشروع الصهيوني في فلسطين في نهاية الأمر يشكل جزءاً منها)).انتهى [باختصار من موسوعة اليهود للمسيري 3/ 88]
إذن فآل روتشيلد كانوا يموّلون الحروب والجيوش والمشاريع الضخمة في أوربة، وكانت الدول العظمى كبريطانية وفرنسة تقترض من بنوك آل روتشيلد عشرات الملايين من الجنيهات، وبلغت بعض القروض الممنوحة لعدة حكومات أوربية مئة مليون جنيه إسترليني، وكانت مصر ترزح تحت وطأة ديونها العائدة لمؤسسات روتشيلد، بل إن الدولة العثمانية ترتبت عليها ديون كبيرة لبنوك آل روتشيلد! فكيف صدّق الأخ صاحب "فك الشفرة" بأن الأمير يمكن أن يؤسس مصرفًا دوليًا، يستقبل من خلاله أسرة آل روتشيلد؟! والأمير كان يحصل على مرتبه من نابليون الثالث الذي كان يقترض لدولته من مؤسسة آل روتشيلد!!!
وللفائدة أذكره بأنّ توجهات أسرة آل روتشيلد في حياة الأمير عبد القادر لم تكن صهيونية!
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: ((ومن الجدير بالذكر أن عائلة روتشيلد، مثلها مثل غيرها من عائلات أثرياء اليهود المندمجين في المجتمع البريطاني، كانت في البداية رافضة لصهيونية هرتزل السياسية بسبب تَخوُّفهم مما قد تثيره من ازدواج في الولاء، وهو ما يشكل تهديداً لمكانتهم ووضعهم الاجتماعي. وقد ساهمت العائلة في تأسيس "عصبة يهود بريطانيا المناهضة للصهيونية". لكن هذا الموقف تبدَّل فيما بعد حيث تبيَّن أن وجود كيان صهيوني استيطاني في المشرق العربي يخدم مصالح الإمبراطورية البريطانية، وذلك إلى جانب أن الصهيونية كان يتم تقديمها في ذلك الوقت كحل عملي لتحويل هجرة يهود شرق أوربا إلى فلسطين بعيداً عن إنجلترا وغرب أوربا)).انتهى [موسوعة اليهود 3/ 89 ـ90]؛ توفّي الأمير، وهرتزل عمره عشرون سنة!
وختامًا أقول: أرجو أن أكون قد وفّقت في رد الشبهات المثارة حول شخص الأمير عبد القادر الجزائري، تلك الشبهات التي ما كان لها أن تجد مجالاً للقَبول أو الانتشار لو أنّ المتلقّين لها كانوا على شيء من الاطلاع أو المعرفة بتاريخ تلك الحقبة، فضلاً على تاريخ الأمير عبد القادر وسيرته، أو أنّهم تريّثوا وتبيّنوا قبل أن يقبلوها ويروّجوا لها.
وللَّذين يريدون معرفة سيرة الأمير عبد القادر الجزائري أقول: إنّ هذه الحلقات ليست السبيل إلى ذلك، فأنا في هذه الحلقات كنتُ معنيًّا ببحث الشبهات والتهم ثم معالجتها وردّها. ولم أتطرّق إلى سيرة الأمير إلاّ عَرَضًا ولضرورات البحث. وإنما السبيل إلى ذلك هي قراءة الكتب والمراجع المتخصصة في هذا الشأن. وليس من ترجمة وسيرة الأمير التي تنشر في الإنترنت ويتناقلها الجميع وينشرونها في منتديات ومواقع كثيرة، وهي ترجمة غير دقيقة بل فيها الكثير من الخلل، ومع ذلك فهي لا تتعرض لتفاصيل سلوك وأخلاق ومبادئ الأمير. ولعلّي في القريب إن شاء الله أضع لكم ترجمة عن حياة هذا الرجل من المراجع الموثوقة تُبيّن بوضوح خصاله وشمائله.
وكنت أود أن أتطرّق إلى كشف حقيقة بعض الكتب التي تعرّضت للحديث عن الماسونية والتحذير منها وأورَدَت أسماء بعض رجالات العرب والمسلمين ضمن المنتسبين إليها في محاولة للتشهير بهم! ولكن أرجأت هذا إلى وقت آخر خشية التطويل.
بقي أمر وهو أنني سأنهي قريبًا بحثي في كتاب "المواقف" وديوان الأمير، وسيأتيكم في رسالة مستقلة في أقرب فرصة إن شاء الله.
والحمد لله أولاً و آخرًا، وأشهد ألا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، وأستغفر الله العظيم من كل خلل أو زلل. {ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}
خلدون بن مكّي الحسني
دمشق أول المحرّم 1430هـ
****************************** ***********
([1]) مثال على ذلك ما يفعله مدير الفضائية العربية من تكرير عرض فيلم الأمير عبد القادر ووصفه بالماسوني! مع أنّ مدير تلك القناة هو أنسب بذلك الوصف وأفعاله أكبر شاهد لا على ماسونيّته بل على ما هو أسوء منها!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد أمجد البيطار]ــــــــ[04 - Feb-2009, صباحاً 08:23]ـ
أكرمك الله شيخنا حفيد الأكارم أبا إدريس الحسني
ونشكر الأخ محمد المبارك الذي أثار بمقاله هذا الدفين عند شيخنا لتعم القراء هذه الفوائد والتحقيقات
أعلم ضيق وقتك شيخنا، ولكن لي رجاء أن تولي من حولك من طلبة العلم إعادة صياغة هذا المقال ليكون كتاباً يترجم للأمير عبد القادر ويفند هذه الإفتراءات.
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[04 - Feb-2009, صباحاً 11:51]ـ
بارك الله في شيخنا الدكتور خلدون حفظه الله على هذا البحث القيم
و اضم صوتي الى صوت الاستاذ البيطار وفقه الله.
و لي عدة استفسارت بسيطة لعلي أورِدها قريبا حول بعض المباحث فلعل الشيخ الدكتور يتسع صدره لإفادتنا حولها حفظه الله، و وفقه لما يحبه ويرضاه.
ـ[ابن رشد]ــــــــ[08 - Feb-2009, صباحاً 02:49]ـ
عفوا
اسمح لي ياشيخ خلدون_وفقك الله_ بان أضع هنا كلاما قرأته في كتاب "ابن قيم الجوزية حياته آثاره موارده"من تأليف الشيخ بكر أبو زيد ص310:حيث يقول في معرض سبب فقد كثير من كتب ابن القيم ( ... ان ابن القيم رحمه الله تعالى كما لاقى عناء الخصوم في حياته فإن السخط والخصام مايزالان يتوارثان بتطاول الالسنة وامتداد المداد, وبإيقاد نار السخط والكراهية لهذه المدرسة السلفية وأساتذتها التي قام بإحيائها على هدي الشريعة ونورها شيخا الاسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله
ونتيجة لهذا الطيش تصدى لكتبه وكتب شيخه ابن تيمية أعداء هذه الدعوة السلفية بالجمع والتحريق لها
وكان من اعظم من تولى كبر ذلك:الامير المجاهد ,عبد القادر الجزائري (1) ,إبان إقامته في دمشق بلد ابن القيم وموطن مكتبته ,قال الاستاذ الالباني في مقدمة"الكلم الطيب ,لابن تيمية مانصه: إن احد الامراء الذين استوطنوا دمشق في القرن الماضي وكان ذا سلطان ومال جعل يجمع مؤلفات شيخ الاسلام وتلميذه ابن القيم ويحرقها ,فإن لم يتمكن من إقناع مالك الكتاب بحرقه اشتراه منه أو استوهبه وربما التمس وسائل أخرى لاتلافه, بدافع انتصاره لمذهب_الحلول والاتحاد هذا المذهب الذي كشفا زيفه بحجج الله القاهرة) انتهى النقل ...
قرأت هذاالمقطع من الكتاب من زمن قريب , وانا أنقله هنا بنصه وحاشيته , وقلت لعلي أجد عند الشيخ خلدون_وفقه الله_جواب على ذلك ...
والله اعلم
(1) هو: عبد القادر بن محي الدين الحسيني الجزائري أمير عالم مجاهد شاعرشجاع فيلسوف في متابعته ابن عربي الحاتمي, صاحب وحدة الوجود ’تةفي سنة 1300هـ ,انظر: الاعلام للزركلي (4_170)
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[09 - Feb-2009, صباحاً 02:49]ـ
الأخ الكريم ابن رشد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيك ووفقك لكل خير. وإليك جوابي عن سؤالك.
بدايةً أقول: لقد عالجتُ هذه المسألة بتوسع في أوّل حلقة من هذه السلسلة، فأرجو العودة إليها لتكون تفاصيل الموضوع حاضرة في الذهن.
والآن إليك رأيي في ما ذكرت.
إنّ الكلام الصادر عن الشيخ بكر أبو زيد وعن الشيخ ناصر الدين الألباني رحمهما الله، يحتاج إلى دليل وبينة تثبت ما قالوه! فكلاهما لم يعاصر الأمير ولم يُسندا كلامهما إلى أحد عاصر الأمير. ولا يوجد أن مستند نصي لما قالاه أبدًا!
وفي اعتقادي أنّ الشيخين اعتمدا على كلام الشيخ محمد نصيف الذي أورده الشيخ عبد الرحمن الوكيل في مقدمة كتاب (تنبيه الغبي). وكلام الشيخ نصيف هو: "أقول أنا محمد نصيف بن حسين بن عمر نصيف: سألت السائح التركي ولي هاشم عند عودته من الحج في محرم سنة 1355هـ عن سبب عدم وجود ما صنفه العلماء في الرد على ابن عربي، وأهل نحلته الحلولية والاتحادية من المتصوفة؟ فقال: قد سعى الأمير السيد عبد القادر الجزائري بجمعها كلها بالشراء والهبة، وطالعها كلها، ثم أحرقها بالنار)).انتهى [ص14]
أقول: إن كلام الشيخ نصيف ـ فيما يرويه عن ذلك السائح الأعجوبة ـ على ضعفه وافتقاره إلى كل عناصر القَبول، ليس فيه ذكر الشيخين ابن تيمية وابن القيّم! لا من قريب ولا من بعيد كما هو واضح لكل قارئ.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم لا أدري كيف يُقبل مثل هذا الكلام؟! انظر إلى هذه العبارات: (بجمعها كلهاـ وطالعها كلها، ثم أحرقها بالنار) إنّها كافية للدلالة على كذب هذا السائح. فمن أين له أنّ الأمير طالعها كلّها؟؟ ثم كيف يقول جمعها كلّها وأحرقها وهي موجودة كلّها ولم يحرق منها شيء؟؟!!
ويبقى ما قاله الشيخان أبو زيد والألباني كلامًا محْدثًا يحتاج إلى برهان حتى يقبل!
وفي كلام الشيخ بكر أبو زيد أشياء تستحق الاستفهام؟ فهو يذكر أنّ كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيّم تعرضت للتحريق وفُقِد منها الكثير!! ثم قال (إنّ أعظم من تولى كبر تلك العملية هو الأمير عبد القادر).
كلامه واضح أنّ هناك من قام بالإحراق قبل الأمير، ولكن الأمير برأيه هو أعظم من تولى ذلك! طيب؛ لماذا لم يذكر لنا اسم واحد على الأقل من هؤلاء الذين أحرقوا كتب الشيخين؟
والجواب أنه اعتمد على رواية السائح التركي (والتي فيها ذكر الأمير فقط! ـ وليس فيها ذكر ابن تيمية أو ابن القيم!!)
إن الإمامان ابن تيمية وابن القيّم في عصرهما تعرّضا للهجوم والحرب والخصومات الشديدة وظهر من أفتى بكفرهما، وسيق ابن تيمية إلى السجن ثلاث مرات ومات في السجن! ومع ذلك لم يذكر أحدٌ من العلماء أن كتبهما تعرّضت للإحراق أو الإتلاف؛ فكيف ساغ للبعض أن يقول إن الأمير بعد أكثر من خمسمئة سنة جاء ليحرق كتب الشيخين؟!!
مع أنّ تراث الأمير المكتوب ليس فيه أي تعرّض للشيخين أو لمدرستهما؛ بل إنّ الأمير كان يستشهد بكلامهما! فعلى سبيل المثال في كتاب الأمير عبد القادر (المقراض الحادّ لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد) استشهد الأمير بكلامٍ للإمام ابن القيّم فقال ص45: ((وقال ابن القيّم في حديث العين حق: من وجه بأن الله تعالى أجرى العادة بخلق ما يشاء عند مقابلة عين العائن ... إلخ)).انتهى [المقراض الحاد ص45]
فهذا الأمير يستشهد بكلام ابن القيّم الذي يقول الشيخ بكر أبو زيد إن الأمير أحرق كتبه!!
أليس هذا أمرًا عجيبًا!!
وللفائدة فإنّ إحراق كتب الخصوم كان معروفًا وحدث عبر تاريخنا كثيرًا وقد سجّله التاريخ لنا ولعلّ أشهر حادثة هي حادثة إحراق المالكية لكتب الإمام ابن حزم في الأندلس وكذلك إحراق كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، وغيرها. وفي تراجم العلماء نجدهم يذكرون صفات الشخص المترجم له ثمّ يوردون مواقفه تجاه مخالفيه ومن ذلك إتلافه لكتبهم! فمثلاً في ترجمة الشيخ القاضي مسعود بن أحمد بن زيد الحارثي العراقي الحنبلي (652 ـ 711هـ) قال الحافظ ابن حجر: (( ... وكان ابن دقيق العيد ينفر منه لقوله بالجهة ويقول هذا داعية ويمتنع من الاجتماع به ويُقال أنه الذي تعمّد إعدام مسودة كتاب "الإمام" لابن دقيق العيد بعد أن كان أكمله فلم يبق منه إلا ما كان بيّض في حياة مصنفه)).انتهى [الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة]
وإننا لو رجعنا إلى كل الكتب التي ترجمت للأمير عبد القادر ـ وهي بالعشرات ـ لن نجد أحدًا أشار إلى حادثة إحراق كتب ابن تيمية أو ابن القيّم!! وهذا أكبر دليل على أنّه ليس لتلك القصّة أي أصل!! وإنما هي مختلقة.
وكذلك في تراجم العلماء نجدهم يذكرون مؤلّفات العالم ويشيرون إلى المفقود منها. وإننا لو رجعنا إلى الكتب التي ترجمت للإمامين ابن تيمية وابن القيّم، لن نجد أحدًا أشار إلى وجود كتب مفقودة لهما. والحافظ ابن حجر في كتابه الدرر الكامنة (الذي ذكر فيه قصة إعدام كتاب ابن دقيق العيد) ذكر ترجمةً موسّعة جدًا للإمام ابن تيمية وتحدث عن مصنفاته ولم يشر إلى وجود شيء مفقود منها!! وكذلك الأمر مع ابن القيّم. بل إنّ جميع المصنفات التي ذكروها لهما نجدها مطبوعة اليوم!!!
وليس لدي تفسير لكلام الشيخ بكر أبو زيد إلاّ أنه انطلق من كلام الشيخ محمد نصيف، ثم زاد عليه ما ظنّه أو توهّمه، بدليل أنه لم يذكر أحدًا سوى الأمير وجعله الذي تولى كبر ذلك!!
(يُتْبَعُ)
(/)
وبمقارنة بسيطة بين ما ذكره الشيخ بكر أبو زيد في كتابه عن ابن القيّم، وبين الترجمة التي كتبها شيخنا المحدّث أبو محمود عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله، لابن القيّم، نجد الفرق الكبير بين كلامهما! الشيخ الأرناؤوط ذكر مؤلّفات ابن القيّم وعدّها وقال عنها "وجميعها جيد مفيد في بابه" ثم أورد أسماء كثير منها وهي مطبوعة (وقد ذكرها أيضًا ابن حجر في عصره من ستمئة سنة!!)، في حين نجد أنّ الشيخ بكر أبو زيد يقول إن كتب ابن القيّم وشيخه جمعت وأحرقت!!! أليس هذا عجيبًا!
ثم ما هي الكتب التي فُقِدت من تراث الشيخين ابن تيمية وابن القيّم؟؟ لماذا لم يذكر لنا أمثلة على ذلك؟ مع أن المكتبة الإسلامية والحمد لله زاخرة بكتب ورسائل الشيخين.
ولي ملاحظة هنا أيضًا: فإنّ الحاشية التي أوردها الشيخ بكر أبو زيد وقال فيها: " (1) هو: عبد القادر بن محي الدين الحسيني الجزائري أمير عالم مجاهد شاعر شجاع فيلسوف في متابعته ابن عربي الحاتمي, صاحب وحدة الوجود، توفي سنة 1300هـ ,انظر: الأعلام للزركلي (4_170) "
الكلام فيها يشعر القارئ أنه منقول عن الأعلام للزركلي. والأمر ليس كذلك فالكلام كله للشيخ أبو زيد وخاصّة قوله: "فيلسوف في متابعته ابن عربي الحاتمي, صاحب وحدة الوجود".
وأمّا كلام الشيخ ناصر الدين الألباني الذي نقله الشيخ أبو زيد.فلا أدري ما سياقه فليس عندي ذلك الكتاب. وإذا سلّمنا به كما ورد ففيه غرابة أيضًا، فلماذا لم يسمّ الشيخ ناصر الأميرَ الذي يتحدث عنه؟ فالأمر مقصود بلا شك. وعن أي مؤلّفات يتحدث؟
وتفسيري لهذا هو أنّ كلام الشيخ ناصر مستمدٌ من كلام الشيخ محمد نصيف أيضًا.
والشيخ ناصر محدّث ومن علماء الحديث وهو من أدرى الناس بشروط قبول الرواية، فلعلّه أبهم الاسم لأنّ الرواية عنده لم ترقَ إلى درجة القبول والاحتجاج. وعلى كل حال وكما قيل ((آفة العزو التقليد)).
إننا إذا نظرنا إلى كلام الشيخين أبو زيد والألباني ووضعناه في ميزان شروط قبول الرواية في الإسلام نجده يفتقر إلى شروط كثيرة إذا لم نقل إلى جميع الشروط! فكيف يروون أشياء عن رجل لم يعاصراه؟ وأين مصدر روايتهما؟ وعمّن رووا تلك الحادثة؟ وما الأدلة التي تؤيد ما قالاه؟
إنّ جميع الكتب التي أرّخت لتلك الحقبة أو ترجمت للأمير عبد القادر على مختلف مشاربها لم تذكر تلك القصّة لا في مناقبه ولا في المآخذ عليه!!
وكل العلماء الذين كانوا على مدرسة الشيخين ابن تيمية وابن القيّم في ذلك العصر لم يذكروا شيئًا عن هذه الحادثة، وأشهر هؤلاء الشيخ عبد الرزاق البيطار والعلاّمة جمال الدين القاسمي والشيخ محمد بهجة البيطار، وقد عانوا الكثير بسبب انتمائهم إلى تلك المدرسة، ومع ذلك فإنهم لمّا ترجموا للأمير عبد القادر لم يذكروه إلاّ بكل التقدير والحب والإعظام وأشادوا بمواقفه في الجزائر والشام، وهم الأعلم به والأقرب إليه زمنًا (الشيخ عبد الرزاق والقاسمي عاصرا الأمير).
و عُثر على معظم تراث ابن تيمية وابن القيّم في دمشق! حيث كان يعيش الأمير عبد القادر، وحيث كانت دار الكتب الظاهرية التي أنشأها ومدّها بالمخطوطات والكتب أحدُ ألمع تلامذة الأمير عبد القادر والمقرّبين منه: إنه الشيخ طاهر الجزائري السمعوني السَّلَفي، والأمير كان يمدّه بالمال والمخطوطات، ومعظم المخطوطات التي كانت عند الأمير أعطاها للشيخ طاهر، والمكتبة الظاهرية أُسِّسَت سنة 1879م يعني قبل وفاة الأمير بخمسة أعوام وافتتحت بحضوره. والشيخ طاهر يُجلّ الأمير كثيرًا ورثاه بمرثيّة من أبدع ما قيل.
والذي أرشد الشيخ عبد الرحمن العاصمي إلى مجموع فتاوى ابن تيميّة، هو الأمير عبد المجيد حفيد الأمير عبد القادر، الذي كان أمينًا للمكتبة الظاهرية قرابة أربعين سنة! وللفائدة فإن الأمير عبد المجيد هو الذي كان يقدم التسهيلات للشيخ المحدّث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، أثناء وجوده في المكتبة الظاهرية.
فإذا كان مستند كلام الشيخين أبو زيد والألباني هو كلام الشيخ محمد نصيف، فهذه مصيبة حقًا! أولاً؛ لأنّ مدار رواية الشيخ نصيف على السائح التركي "ولي هاشم" وهو شخص غير معروف ولم أجد له أي ذكر أو تعريف. إذن هو مجهول العين والحال!!
ثانيًا؛ لقاء الشيخ نصيف بالسائح التركي كان سنة 1355هـ أي بعد وفاة الأمير بخمس وخمسين سنة! والشيخ نصيف ولد سنة 1302هـ أي بعد وفاة الأمير!! والسائح التركي لا نعرف عنه شيئًا، فهنا ضاع شرط المعاصرة واللّقي!!
ثالثًا؛ كلام السائح التركي ظاهر الكذب وغير مقبول حتى بالتجويزات العقليّة!
رابعًا؛ ليس في رواية الشيخ نصيف أي ذكر للإمام ابن تيمية أو ابن القيّم، فكيف يستندون على كلام ليس فيه موضع الاحتجاج؟
خامسًا، الكتب التي سأل عنها الشيخُ نصيف السائحَ التركي، كانت بحوزته! (تنبيه الغبي) مثلاً؛ وكتب الشيخ ابن تيمية التي تعرّض فيها لانتقاد ابن عربي كانت موجودة! فقد عَثَر عليها الشيخ عبد الرحمن العاصمي الحنبلي رحمه الله سنة 1340هـ، ومجموع الفتاوى الخاص بشيخ الإسلام وَجَدَه الشيخ العاصمي في المكتبة الظاهرية بدمشق!!
إذن فلا يُعقل أن يكون الشيخ نصيف يسأل عن هذه الكتب وهي إما بحوزته أو عُثِرَ عليها. فكيف يسوغ للبعض أن يفهم من كلامه أنه يسأل عن كتب ابن تيمية، ويفهم من كلام السائح التركي أن الكتب التي أحرقت هي كتب ابن تيمية! هذا عجيبٌ حقًا!
ختامًا أقول: أخي ابن رشد وفقك الله وسددك، إننا إذا أردنا أن نعتمد كلامًا (وبخاصة إذا كان جرحًا أو اتهامًا) عن شخصٍ ما ونحن نعلم أننا سنسأل عنه يوم القيامة، فلا بدّ أن يكون موثقًا ومدعّما بالأدلة وهذا ما لا وجود له في رواية الشيخ أبو زيد أو الشيخ الألباني رحمهما الله وغفر لي ولهما.
والسلام عليكم ورحمة الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن رشد]ــــــــ[09 - Feb-2009, صباحاً 03:52]ـ
شكر الله لك ياشيخ خلدون
فأنا بين يديك كالطالب بين يدي معلمه
ولكن الغريب هنا بان الشيخ بكر أبوزيد وصف الامير عبد القادر بالمجاهد؟!
فماتفسيرك لهذا؟
وشكر لاتساع صدرك وذبك عن عرض أخيك
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[13 - Feb-2009, مساء 02:50]ـ
أخي ابن رشد؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأستغفر الله، فنحن هنا إخوة في الله نحاول أن نفيد ونستفيد من بعضنا البعض.
وأمّا تعجّبك من وصف الشيخ بكر أبو زيد الأميرَ عبد القادر بالمجاهد!
فلا أظن أن أحدًا من الكتّاب يستطيع أن يجرّد الأمير عبد القادر الجزائري من هذا المقام وهذا الوصف! لأنّ ذلك سيكون مكابرة منه، والنتيجة أنّ ذلك الكاتب سيفقد صدقيّته.
لقد جاهد الأمير عبد القادر الجيوش الفرنسية الصليبيّة مدّة 17 عامًا، وأسس دولة إسلاميّة تحكم بالقرآن، وأقام الشورى، وأعاد العمل بسيرة السلف الصالح، فكان ـ على سبيل المثال ـ يتخذ من خطط فاتح شمال إفريقية (عقبة بن نافع) قدوة له ومنهجا. وكان يفتتح رسائله الموجّهة إلى الأمصار والعلماء والسلاطين بقوله: ((من خادم المجاهدين))
وبعد سقوط دولته سنة 1847م استمرّ المجاهدون بالاقتداء بسيرة الأمير والسير على خطاه في الجهاد مدّة 115 سنة!! حتى تحقق النصر بفضل الله.
وآخر ما أُلّف في هذا الخصوص كتاب: (روح الأمير عبد القادر عبر المقاومة الجزائرية) للدكتور إبراهيم مياسي ـ جامعة الجزائر.
فالرجل مجاهد وخرّج مجاهدين وبقيت سيرته قدوة للمجاهدين. فلا نامت أعين الجبناء!
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[13 - Feb-2009, مساء 10:49]ـ
بارك الله فيكم يا شيخنا الكريم
ـ[علي أحمد عبد الباقي]ــــــــ[15 - Feb-2009, مساء 11:20]ـ
للرفع، حفظ الله الدكتور خلدون ونفع بعلمه.
ـ[عبدالقادر بن محي الدين]ــــــــ[16 - Feb-2009, صباحاً 12:04]ـ
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً ,, وليتكم تجمعون هذه الحلقات في ملف واحد.
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[16 - Feb-2009, صباحاً 02:48]ـ
وفيكم بارك الله أخي محمد، وأنا بانتظار استفساراتكم برحابة صدر.
أخي علي أحمد عبد الباقي ونفع الله بكم أيضًا وأحسن إليكم.
والأخ الكريم عبد القادر بن محيي الدين جزاكم الله خيرا وبارك فيكم.
والسلام عليكم
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[19 - Feb-2009, صباحاً 10:15]ـ
شيخنا الفاضل خلدون الحسني.
قد ابتدأتُ حفظكم الله بالاستفسارات منذ وقت قريب.
وتجدها في موضوع باسم " الإشادات الوضيئة" في قسم المواضيع المثبتة.
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[22 - Feb-2009, صباحاً 10:11]ـ
وهذا رابط الاستفسارات بارك الله فيكم:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=26968
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[22 - Feb-2009, مساء 03:57]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
سأبحث عن الموضوع الآن، ونتابع معًا إن شاء الله.
ـ[ابن السائح]ــــــــ[25 - Feb-2009, صباحاً 05:32]ـ
ويبقى ما قاله الشيخان أبو زيد والألباني كلامًا محْدثًا يحتاج إلى برهان حتى يقبل!
في حين نجد أنّ الشيخ بكر أبو زيد يقول إن كتب ابن القيّم وشيخه جمعت وأحرقت!!! أليس هذا عجيبًا!
ثم ما هي الكتب التي فُقِدت من تراث الشيخين ابن تيمية وابن القيّم؟؟ لماذا لم يذكر لنا أمثلة على ذلك؟ مع أن المكتبة الإسلامية والحمد لله زاخرة بكتب ورسائل الشيخين.
------------
والسلام عليكم ورحمة الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزى الله الشيخ أبا إدريس خيرا على ما أمتعنا وأتحفنا به وبارك فيه ونفع بجهوده
وليسمح لي أن أطرح بين يديه بعض التعليقات عساه يفيدني ويقنعني
وأول ما أبدأ بالتنبيه عليه هو أن الشيخ الفاضل لم يتمكن في تعليقه الأخير من التبين من أحد النقول قبل نقده
على أنني أقر أنه من أفاضل الباحثين الجادين
وهذا لا ينبغي أن ينازع فيه منصف متجرد يتطلّب الحق مظانّه
وقد أحسن كثيرا حين أبدى عذره فقال
وأمّا كلام الشيخ ناصر الدين الألباني الذي نقله الشيخ أبو زيد.فلا أدري ما سياقه فليس عندي ذلك الكتاب
وكنت أحب له أن بتبين ويتثبت ويسعى لتحصيل الكتاب المطبوع في الشام قبل انتقاد الشيخ رحمه الله
وأنا أعلم صعوبة الحصول على بعض كتب شيخ الإسلام بدمشق
لكن لن يؤوده تحصيل الكلم الطيب لو بذل بعض الجهد
(يُتْبَعُ)
(/)
والمقصود التنبيه على أن الشيخ بكرا رحمه الله أخطأ حين عزا ما في مقدمة الكلم الطيب إلى الشيخ ناصر الدين رحمه الله
ومنشأ الوهم أنه التبس عليه الأمر ودخل عليه حديث زهير الشاويش في حديث الشيخ ناصر الدين
ولو أن الأستاذ تبين لاستغتى عن أن يرقم ما رقمه هنا
وإذا سلّمنا به كما ورد ففيه غرابة أيضًا، فلماذا لم يسمّ الشيخ ناصر الأميرَ الذي يتحدث عنه؟ فالأمر مقصود بلا شك. وعن أي مؤلّفات يتحدث؟
وتفسيري لهذا هو أنّ كلام الشيخ ناصر مستمدٌ من كلام الشيخ محمد نصيف أيضًا.
والشيخ ناصر محدّث ومن علماء الحديث وهو من أدرى الناس بشروط قبول الرواية، فلعلّه أبهم الاسم لأنّ الرواية عنده لم ترقَ إلى درجة القبول والاحتجاج. وعلى كل حال وكما قيل ((آفة العزو التقليد))
في حين نجد أنّ الشيخ بكر أبو زيد يقول إن كتب ابن القيّم وشيخه جمعت وأحرقت!!! أليس هذا عجيبًا!
لا محل للعجب هنا
لأن الشيخ بكرا رحمه الله يعلم علم اليقين وحقَّه وعينَه أن أكثر كتب الإمامين رحمهما الله موجودة
وهو من أعلم أهل عصرنا بنسخها المخطوطة والمطبوعة
وحسبك كتابه عن ابن القيم الذي تضمن قصة الإحراق بَلْه ما تلاه من تقريب العلوم والإشراف على آثار الشيخين وما لحقها من أعمال
فقد حوى كتابه عن ابن القيم وآثاره وموارده ثَبَتًا بمصنفات ابن القيم مطبوعِها ومخطوطِها ومفقودِها
وهذه قرينة يقينية وبرهان ساطع على أنه يقصد الكتب التي كانت مُتاحة بدمشق وما حولها
على أنني لستُ أُثبت صحة قصة الإحراق
لكنني أشرح مراد الشيخ ومدركه
والشيخ أعقل وأحصف من أن يظن أن بمكنة مخلوق مهما بلغ ماله وعسفه ونفوذه أن يُفني كتب إمامين ملأت السهل والجبل وانتشرت في أقطار الأرض وتدارسها المسلمون والمستعربون
والأمر واضح ظاهر جلي
فلا أُطيل
ثم ما هي الكتب التي فُقِدت من تراث الشيخين ابن تيمية وابن القيّم؟؟ لماذا لم يذكر لنا أمثلة على ذلك؟ مع أن المكتبة الإسلامية والحمد لله زاخرة بكتب ورسائل الشيخين.
من أراد أن أسوق له ثَبَتًا بكتب الشيخين المفقودة فأنا حاضر:) إن شاء الله تعالى على أن يتكفل المُريد بطبعه ونشره حِسبة وأبشّره الساعةَ أن حقوق الطبع غير محفوظة - كذا - لمن رام نشره لوجه الله:)
فليشهد الشاهدون
إننا إذا نظرنا إلى كلام الشيخين أبو زيد والألباني ووضعناه في ميزان شروط قبول الرواية في الإسلام نجده يفتقر إلى شروط كثيرة إذا لم نقل إلى جميع الشروط! فكيف يروون أشياء عن رجل لم يعاصراه؟ وأين مصدر روايتهما؟ وعمّن رووا تلك الحادثة؟ وما الأدلة التي تؤيد ما قالاه؟
أما الشيخ ناصر الدين فتقدم أنه لم يعرج على القصة في مقدمة الكلم الطيب
ولا أنفي أن يكون حكاها في درس أو مجلس
فلم أستقرئ مجالسه ودروسه
أقول هذا حفظا لخط الرجعة حتى لا أُفْحَم بكلام مطمور مغمور مقبور فاه به الشيخ في مجلس خاص مسجَّل:)
على أنه لا ينفك أحد عن حكاية بعض ما لم يتصل سنده
والتثبت واجب
خاصة ما اتصل بنحو حكايتنا
وعفا الله عن الجميع وشملنا بمغفرته وتجاوز عما ندّ به القلم أو شطّ عنه القهم أو سبق إليه الوهم
---------
ورجائي ألا يسبق إلى وهم أحد أنني سليل السائح التركي:)
وحسبكم أنني لم أُثبت هويته:) بله أن أدافع عنه أو أستميت في إثبات قصة الإحراق التي آلت إلى إحراق أوراق السائح وإدانته والحكم عليه حكما غيابيا:) بعد موته بدهر طويل:)
وأثنّي بدعواتي الكريمة للأستاذ أبي إدريس أن يزيده الله توفيقا وأن يبارك فيه وأن ينفع بعلمه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[25 - Feb-2009, مساء 03:06]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الفاضل (ابن السائح، زاده الله من فضله) جزاكم الله عني كل خير، وأحسن إليكم كما أحسنتم إليَّ بتنبيهكم الكريم، وإني أشكركم على ذلك.
هكذا فلتكن المشاركات والإفادات والتعليقات، حيّاك الله وبيّاك.
وأشكركم على حسن ظنّكم بي.
(يُتْبَعُ)
(/)
///والله لقد أرحتني كثيرًا، وأنا في الحقيقة حاولت أن أرجع إلى مقدمة الكلم الطيب للشيخ ناصر رحمه الله فالتمستها عند من حولي فلم أظفر بها للأسف. ومع ذلك فإنني كنتُ (ومازلت) مصممًا على الوقوف عليها لاحقًا لأتثبّت بنفسي من الكلام المنسوب للشيخ، ولكنني تعجّلت في كتابة الجواب خشية أن يستبطئني الأخ السائل، أصلحني الله. ولن أضع لنفسي الأعذار.
والفضل في تصحيح خطأ العزو يعود إليكم وإن شاء الله أجره في صحائفكم.
وأرجو أن تتكرم وتبيّن لنا هل كلام زهير الشاويش جاء كتعليق على مقدمة الشيخ ناصر (ضمن الحاشية مثلاً) أم أنه كتب مقدمة مستقلّة؟
///أمّا محلّ تعجبي من كلام الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله، هو أنه لم يذكر اسم المؤلّفات التي أحرقت!
فعالم مثله يتصدى للحديث عن تراث أحد الأئمّة ويُثبت أنّ تراثه تعرّض للتحريق! ويُسمّي الشخص الذي أحرق الكتب ويذكر آلية ذلك والدافع إلى ذلك! ثم بعد كل ذلك لا يُسمّي اسم كتاب واحد من تلك الكتب التي أحرقت! هذا ما أتعجب منه.
ووجود مخطوط لرسالة أو كتاب لم يطبع أو لم يُعثر عليه، هذا أمر وارد وحصل لكثير من علماء المسلمين، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ ذلك المخطوط أُحرق أو أُتلِفَ عمدًا!
///وقولكم بارك الله فيكم أنّ مراد الشيخ هو الكتب التي كانت المتاحة في دمشق وما حولها. لم يُزل تعجبي. صحيح أن هناك مخطوطات موجودة في مصر مثلاً، إلاّ أنّ تراث الشيخين جلّه وجد في دمشق، والكثير منه بخطوطهما! وفي عدّة كتب كبيرة مطبوعة لهما،أشار مخرجو المخطوط أنهم اعتمدوا على النسخة الأصلية الموجودة في المكتبة الظاهرية بدمشق!!
ولم يذكر أحدٌ من علماء دمشق (سواء الموافق أو المخالف) أنّ هناك ثمة كتب أحرقت للشيخين! فمن أين أتى الشيخ بكر بهذه المعلومة؟
///وإذا أتحفتني بالثبت الذي أعددته عن كتب الشيخين المفقودة فهذا من كرمك، وأنا يمكنني السعي لطبعه (حسبة) لدى بعض دور النشر التي تربطني بأصحابها صلة قوية.
///وأمّا أن تكون من سلالة السائح التركي! فهذه والله لم تخطر ببالي. أضحك الله سنّك.
ختامًا: أشكرك مرّة أخرى على مشاركتك القيمة ودعائك الطيّب، وأسأل الله تعالى أن يبارك فيك وينفع بك المسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[خلدون مكي الحسني]ــــــــ[02 - Mar-2009, مساء 08:10]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
كنتُ قد نبهتُ على أمر وأعيد التنبيه عليه: هناك أحد الإخوة المشاركين في عدة منتديات يكتب باسم (خلدون الجزائري). وقد توهّم بعض الإخوة أنه أنا!!
وهو شخص آخر لا أعرفه، ولهو ليس من أسرتنا أيضًا. وأنا أكتب في الإنترنت باسمي خلدون مكي الحسني، أو بكنيتي: أبو إدريس الحسني وأوقع باسمي، وليس لي أي اسم آخر.
فأرجو التنبه لذلك. وشكرًا
ـ[ابن السائح]ــــــــ[18 - Mar-2009, مساء 03:05]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا ووفقك وبارك فيك
وأرجو أن تتكرم وتبيّن لنا هل كلام زهير الشاويش جاء كتعليق على مقدمة الشيخ ناصر (ضمن الحاشية مثلاً) أم أنه كتب مقدمة مستقلّة؟
ورد ضمن مقدمة مستقلة كتبها سنة 1385
وتجد كلامه ص5 - 6 من طبعة المكتب الإسلامي
وآخر طبعة رأيتها الطبعة السادسة الصادرة سنة 1424
ولا تجد لمقدمته أثرا في طبعة مكتبة المعارف بالرياض
تراث الشيخين جلّه وجد في دمشق، والكثير منه بخطوطهما! وفي عدّة كتب كبيرة مطبوعة لهما،أشار مخرجو المخطوط أنهم اعتمدوا على النسخة الأصلية الموجودة في المكتبة الظاهرية بدمشق!!
ما كنت أحسبها بتلك الكثرة
بل بقيت دهرا أعتقد أن ما بقي بخطهما قليل في بحر ما وُجد بخط غيرهما
وتقبلوا تحياني وسلامي واعتذاري
ـ[أبو الوليد المغربي]ــــــــ[09 - Jun-2009, صباحاً 12:25]ـ
وكيف يفسر وجود قبر الأمير عبد القادر بجوار قبر محي الدين ابن عربي؟؟؟ ففي بعض الروايات أنه طلب دفنه هناك؟؟؟ فهل في هدا دليل على أن الرجل كان من غلاة الصوفية؟؟؟ وما صحة ما ذكره النبهاني في كتابه كرامات الأولياء عن الأمير؟؟؟؟
بارك الله فيكم(/)
قنوات الرافضة الفضائية .. غزو فكري جديد!
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 04:27]ـ
منذ أن وطئت أقدم الصليبيين الأنجاس بغداد الرشيد .. وقتلوا مع عمّالهم الرافضة .. صدّاما رحمه الله تعالى .. وهذه الطائفة الشريرة في علوّ .. واستعلان بالشرك والشبه المضلة والفتن المدلهمة ..
ومن ذلك فشوّ قنواتهم الفضائية ..
ومن ذلك قناة "الأنوار" السعودية .. وقناة"أهل البيت" العراقية .. و"الكوثر" اللبنانية .. وغير ها كثير
وقد شاهدت اليوم في قناة الأنوار .. برنامجا .. بين معمم رافضي .. ومذيع يدير دفة الحوار
وكان الموضوع عن شخصية "محمد بن عب الوهاب" ودراسة فكره ..
والعجيب أن الشيخ الرافضي .. كان قد درس جيدا -كما يبدو-قبل أن يأتي ..
فجاء بمصنفات الإمام محمد .. وأخذ يعرج على شذوذاته الفكرية والعقدية -بزعمه-
ويقحم أصول الفقه بطريقة ماكرة .. ليثبّت لدى المتلقي أنه إنما يناقش بعلم وبصيرة ..
وقد أجاد فعل ذلك بدهاء وخبث .. مع ما يبديه من لطافة وبشاشة "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم"
لقد أصبحنا نقول مع الأسف .. ولى زمان التقية التي كنا نعيّر الشيعة بها
بعد أن سُقط في أيدي الكثير .. ممن استمرؤوا الهوان التدريجي ..
وأُخذنا على حين غفلة .. وانشغلنا بنقاشات فرعية .. عما يلوكه الأعداء وأذنابهم
وقامت طائفة أخرى تتفنن في التماس المعاذير لكل من تربت على احترامهم ..
وأما أدعياء السلفية .. فلاهم لهم ولا يسفز شعورهم المريض إلا سيد قطب .. وسفر الحوالي .. وأمثالهما من المجددين .. الذي عاشوا من أجل هذه الأمة قلبا وقالبا .. وضحوا في سبيل ذلك بالنفائس
ولا يستنهض أقلامهم إلا أمور كهذه يلبسون بها على الخلق ويشوشون على مسيرة الدعوة المباركة ..
وأرى في هؤلاء خطرا ينافس خطر العلمانيين والحداثيين والليبراليين ويغلبه إذ هؤلاء مفضوحون منذ قرن من الزمان .. بخلاف من يحمل شعار الدعوة السلفية .. وهي من سلوكه وتقريراته براء
وثم طرف آخر يلزم الصمت .. مؤثرا طريق السلامة
فلا تراه إذا تكلم مع علو كعبه في العلم الذي هو العلم الشرعي المجرد في المتون
هذا قصاراه .. فإن نوقش في الأمر وطلب منه أن يدلي بدلوه ..
تعذّر بما لا عذر فيه ..
كلمة أرجو أن يجد كل واحد منا موقعه
إزاء الخطر القادم .. ويعرف لنفسه "خارطة طريق" ربانية يسير عليها
ودعوة لمراجعة النفس على طريق الأمل والتفاؤل والعزة المنشودة ..
وهذا ليس خاصا بالرافضة فحسب .. بل الحديث عن منظومة متكاملة ..
وذكرت الشيعة تمثيلا لا غير
والله المستعان
ـ[أبو حازم البصري]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 07:43]ـ
لا أدري بأي نفسية كتبت مقالتك هذه ولكن يبدوا واضحاً تشتت الذهن وعدم التركيز.
وواضح جداً أنك ولع باستصحاب العداوة مع (أدعياء السلفية)!
ومع أن هذه الفئة عندهم بغيٌ وولع بالتجريح، إلا أن وصفهم بأنهم (خطر ينافس خطر العلمانيين والحداثيين والليبراليين ويغلبه) يمكن أن أسميه بغي مقابل!
ومن تشتت الذهن وعدم التركيز حشرك لمن (تكلم مع علو كعبه في العلم الذي هو العلم الشرعي المجرد في المتون هذا قصاراه) ولا أدري على وجه الدقة من المقصود هنا، ولكنها شنشنة نعرفها ... !
المفروض يا أخي أن تركز في كتابتك، وبما أنك عنونت المقالة عن (قنوات الرافضة الفضائية .. غزو فكري جديد) فكان الأولى أن تركز الحديث عن هذه القنوات بدل رمي التهم والغمز واللمز في من لن تعدم الكثير من القواسم المشتركة بينك وبينهم، سيما وأنت تحذر من غزو فكري جديد!
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 08:58]ـ
وأما أدعياء السلفية .. فلاهم لهم ولا يسفز شعورهم المريض إلا سيد قطب .. وسفر الحوالي .. وأمثالهما من المجددين .. الذي عاشوا من أجل هذه الأمة قلبا وقالبا .. وضحوا في سبيل ذلك بالنفائس
ولا يستنهض أقلامهم إلا أمور كهذه يلبسون بها على الخلق ويشوشون على مسيرة الدعوة المباركة ..
وأرى في هؤلاء خطرا ينافس خطر العلمانيين والحداثيين والليبراليين ويغلبه إذ هؤلاء مفضوحون منذ قرن من الزمان .. بخلاف من يحمل شعار الدعوة السلفية .. وهي من سلوكه وتقريراته براء
والله المستعان
بل صدقتَ يا أبا القاسم، فأدعياء السلفية هم مَن سهل الطريق لدعاة الخنا والفجور والضلال أن يعبثوا ببلاد المسلمين باسم الوطنية وطاعة ولي الأمر. . .، مَن من هؤلاء الأدعياء انبرى للرد على شبهات الحداثيين والليبراليين؟
مَن منهم أمر بمعروف أو نهى عن منكر؟!
دعوتهم حصروها في تفسيق قطب، وتبديع العودة والقرني وغيرهم من الدعاة.
والنتيجة تفريق الأمة، وزرع الفتنة بين شبابها.
والله حسيبهم يكفينا شرهم ويرد كيدهم في نحورهم.
ـ[إمام الأندلس]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 10:58]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم أبا القاسم ...
في الحقيقة نحتاج إلى شرطة موت كما قال سماحة الشيخ أبي اسحاق الحويني في إحدى محاضراته ... لكن من أبرز مشاكلنا .. تلك العقبة الكؤود .. التي أشار إليها الأخ الحبيب أبو القاسم ... والاخت الكريمة الأمل ...
لابد أن نعلم أعدائنا الحقيقيين ... بدل شن معارك دونكيشوتية مع طواحين الهواء .... أو كما يفعل البعض يفشل في خدمة المشروع الإسلامي فيختلق أعداء وهميين ... ليظهر أن له قضية يقاتل من أجلهاوقد يكون مخلصا في ذلك .. ولكن ... أغلب من خالطنا وعاشرنا ... رائحة الانبطاح والتخذيل منهم قد أزكمت الأنوف ...
عموما ..
أخي الحبيب أبا القاسم أما ترى معي أن جل من يرفع سلاحه ضد الروافض الأنجاس .. خاصة في الخليج .. مثلا .. لاحظت أن جلها بدافع سياسي .. خشية المد الصفوي في المنطقة .... فهل الدوافع السياسية تكون ناجعة في إيقاف أي غزو فكري دخيل .... ؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[شريف شلبي]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 07:14]ـ
جزاك الله يا أبا القاسم خيراً - فعندك كل الحق فيما قلت، ولا أدري أين موضع تشتت الذهن وعدم التركيز الذي ارتآه أخونا أبو حازم في مقالك.
وأرى أنه لا بد للعلماء المخلصين الواعين من اهل السنة من وضع خطة مضادة عبر الفضائيات أيضاً حتى يتبدد ما يثيرونه هؤلاء من اوهام وأباطيل، وأن يكون المقصود الأول في خطاب هؤلاء العلماء عوام المسلمين والشيعة وليس طلبة العلم من اهل السنة.
ـ[أبو أحمد العنزي]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 02:34]ـ
آآآآه يالرافضة ..........
لا أخشى مما يحصل في قنواتهم أكثر مما يحصل في الشرقية الآن من شرائهم العقار في الأحساء و حفرالباطن والقيصومة ....
يا أهل السنة أفيقوا ... أفيقوا ... أفيقوا .... أأ يقاظ قومي أم نيام .... هل تسمعونني ...
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[12 - Jul-2008, صباحاً 12:54]ـ
يرفع للتحذير
ـ[الدكتور عبدالباقى السيد]ــــــــ[08 - Oct-2008, مساء 07:46]ـ
أخى أبا القاسم بارك الله فيك وجزيت خيرا، وقدأعجبت جدا من موقفك وتحذيرك من هؤلاء الخونة الذين فشا أمرهم للعالم والجاهل، فقدقتلوا الرئيس الراحل صدامحسين رحمه الله وأحسبه عند الله شهيدا، قتلوه صبرا وهو ثابت الجأش، وقتلوا الآلاف من أهل السنة بل عشرات المئات صبرا أيضا، وهدموا مساجد سنية، ورفعوا أعلامهم الشيعيةعلى مساجد إخواننا من أهل السنة، وغيروا وبدلوا كم تخطط لهم إيران ونظامها البغيض لكل رمز سنى
بارك الله فيك, سررت بترحمك على الرئيس الراحل صدام،مما ينبى عن سعة أفقك وتميزك، وفهمك للأحداث جيدا
على أمل بعودة إن شاء الله
ـ[ابن رشد]ــــــــ[09 - Oct-2008, صباحاً 07:04]ـ
المد الصفوي الرافضي ... يزداد عسكريا ووثقافيا وأعلاميا
والمد السني السلفي ..... يقل عسكريا وثقافيا وإعلاميا ....
واما _أدعياء السلفية_ فلن نرى منهم دفاع عن الفوزان واللحيدان والبراك لما تشاغب عليهم كتاب الصحف المأجورين,,مع أنهم _يدعون_حبهم ,وتعظيم كبار العلماء ...
والله المستعان
ـ[ابن هاشم]ــــــــ[10 - Oct-2008, صباحاً 10:08]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحقيقة لا أخفيك أنني لا أقرأ مواضيعك؛ ليس لأن هناك ثمة عداء بيني وبينك، لا والله؛ لكن لأنني لا أحب الطريقة التي تطرح بها ما يدور بخلدك.
وعندما رأيت عنوان موضوعك علمت أنه بعيد عن مواضيع [المناوشات] فدخلته ولكني وجدتك عدت وأدخلتها بطريقة أو أخرى.
ليس هناك داعٍ لأن تستصحب معك دائمًا الخلاف المحتدم بين السلفية وأدعيائها في كل موضوع أو مشاركة.
فهم كذلك يستعملون نفس الطريقة مع مخالفيهم وكلٌ يرى نفسه مصيباً الحقَّ دون أخيه، بل يقول ويطبق ما نسبه الشيخ القرضاوي -غفر الله له- إلى أهل التوحيد الذين سماهم بـ (الوهابية): [قولي صواب لا يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب]
فينسبونكم إلى الخوارج، وتنسبونهم إلى المرجئة، ويسمونكم بأدعياء الجهاد، وتسمونهم بالخوالف، ويرمونكم بالسفه والطيش وترمونهم بالعمالة والانبطاحية وتخذيل المسلمين ..
وهكذا دواليك كلٌ يسب الآخر.
قد كنت لعدة أشهر من عمري ممن يقال لهم خوارج، ثم أصبحت من يقال لهم أدعياء السلفية لمدة خمس سنوات ثم قررت أن أخرج من جو المشاحنات هذا أبدًا، والكل في نظري إخوة بغى بعضهم على بعض، يتصيدون الزلات ولا يقيلون العثرات ويفحشون في الخصومة مع بعضهم مع أن منهجهم وعلماءهم ومراجعهم واحدة، وفي نفس الوقت يترفقون مع أصحاب البدع الأصلية المؤصلة في العقيدة والعمل ويقولون: (عسى ولعل أن يهديهم الله وما كان الرفق في شيء إلا زانه!!!).
يا أخي الكريم:
والله إن كثيرًا من أدعياء السلفية يرون أن ما يفعلونه من صميم السلفية، لأن هذا قد جاءهم بطريق الفهم والتقعيد لما يمارسونه الآن، فهلا جئتهم من نفس الباب بدلاً من أن تخسرهم كلهم وتجعلهم كلهم خصومك.
قد أعجبتني كلمة قرأتها لأخينا فهد النميري بخصوص المدعو زاهد الكوثري وقد قالها في موضوع أبي الحسن الأزهري <مع أني أرى عدم انطباقها مع حال الكوثري الذي سخر حياته للنيل من أهل السنة والجماعة> -قال أخونا النميري:
(يُتْبَعُ)
(/)
أما الشيخ الكوثري فلهجماته العنيفة مثيراتٌ يعرفها من يفتش الكتب بلا أي وسائط ولعلك تعرف أن ألسنةً جاهلةً استطالة على الإمام أبي حنيفة وأتباعه ولمزتهم بمقابح وخزايا موغلة في الانحطاط فرد الكوثريُ التطرف بتطرف مضاد (راجع -على سبيل المثال-كتاب "الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الحنفاء" لابن عبدالبر بتحقيق أبي غدة)؛ والمقصود أنه لا يجوز عند أهل العقل والحكمة أن يتولى صياغة العلاقة بين المسلمين المتطرفون منهم.
ولا أزال أستحضر خصوماتك مع أخينا أبي عمر السلفي، وأرى أنها مثال واضح لمتطرفي الطرفين، والغريب أن الأمر كما قال الشيخ الحويني -حفظه الله- بالمعنى: الشباب يتفقون بنسبة 90% في المسائل فهل يعقل أن تكون 10% سبباً للفرقة بينهم؟
لماذا لا تتراسلون وتكون بينكم مناصحات دائمة ومستمرة تظهر فيها الأخوة الحقة، ويشعر فيها الخصم بأن خصيمه هذا ليس بخصيم وإنما ناصح (يـ خـ شـ ـى) على صاحبه من مصيبة البدعة؟
وقد سمعنا من مآثر الشيخ ابن باز -عليه رحمة الله- أنه قد أرسل مائة رسالة لأخ له يناصحه ويدعوه بالتي هي أحسن .. هل قرأتم العدد جيدًا (مائة رسالة)، (100رسالة)، (100 messages) رسالة تنطح رسالة
هل قرأتم رسالته -رحمه الله- للضال المضل (الترابي) الذي يفخر بأنه قد شرع دساتير لبعض الدول، والله إن فيها من الأدب والأخلاق الإسلامية العالية ما لا يستحق الترابي عشره، ولم يملك الترابي إلا أن يرد بنفس أسلوب الشيخ -رحمه الله- وفنَّد كل ما نُسب إليه مع أنه يعلم أنه كذاب [فقد أكد كلامه الذي نسب إليه ولكن بعد موت الشيخ وزاده بطوام أخرى كإنكار عذاب القبر وسوء الأدب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وانتقاصه من قدرهم بل كان سبباً لدخول الروافض إلى السودان قبحهم الله جميعًا]
رجال من كبار الصحابة كانوا أشدَّ الناس عداوة للدعوة!! فلم لا يكون هذا المبتدع الضال الهالك الجاهل الغبي المتعالم الغمر الغر عدو نفسه -لم لا يكون معك في يوم من الأيام على نفس خطك، أم أن من اتخذ منهجاً فقد كُتِب عليه أنه سيموت عليه لا محالة؟ كلامي عامٌ ولا أقصد شخصك فكلكم واقع في نفس المشكلة.
لا تهمني مشاكل الكبار مع بعضهم، ولكنا عندما كنا صغارًا نرى المشاكل بين الكبار في أسرنا ولكن هذا لا يغير طبيعة العلاقة بيننا نحن الصغار، ويأتي كبار أولئك الذين هم أعداء كبارنا ويشترون لنا الحلوى، فهل العلاقة الطيبة هذه تكون بين العوام الجهال وتكون بين طلبة العلم معدومة.
وليت النقد يكون لذات الفكرة وإنما يأخذ طابعًا شخصيًا حتى تستحكم العداوة بين الإخوة والمستفيد الأكبر هم أصحاب عنوان هذا الموضوع، وأصحابهم اليهود والنصارى.
هم يرون أنكم مبتدعة، وأنتم ترونهم خطرًا ينافس الحداثيين والليبراليين والعلمانيين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أقول كما قال الأخ أحمد بن إدريس الطعان (لكنني أحصر كلامي في أهل السنة):
أحب ابن باز والألباني والعثيمين وناصر العمر وسفر الحوالي والقرضاوي وعايض القرني وربيع المدخلي وفالح الحربي وعلي الحلبي وسليم الهلالي وعبد الرحمن عبد الخالق وابن جبرين وعبد الله السعد وأبو عمر العتيبي وسليمان الدويش وكل أهل السنة والجماعة الموحدين.
ولا ولن ألتفت إلى من يرميني بالتناقض وليقل من شاء ما شاء.
ولا أرى هناك داعيًا لحشر موضوع العلماء الذين يجبُنون -كما أفهمتنا- عن مواجهة الواقع لأن مثل هذا الكلام هو ما جرأ العوام على الافتيات على كلمات علمائنا ونصائحهم ورميهم بأنهم علماء المسلسلات (نور-سنوات الضياع) ومن قبلُ (علماء الحيض والنفاس).
أعلم أن هذا خارج الموضوع ولكنها زفراتٌ من صدر حزين على واقعنا التعيس.
ـ[ابن رشد]ــــــــ[11 - Oct-2008, صباحاً 03:18]ـ
أحب ابن باز والألباني والعثيمين وناصر العمر وسفر الحوالي والقرضاوي وعايض القرني وربيع المدخلي وفالح الحربي وعلي الحلبي وسليم الهلالي وعبد الرحمن عبد الخالق وابن جبرين وعبد الله السعد وأبو عمر العتيبي وسليمان الدويش وكل أهل السنة والجماعة الموحدين.
ولا ولن ألتفت إلى من يرميني بالتناقض وليقل من شاء ما شاء.
اجعلني معك اخي الكريم في هذه الزفرة الصادقة
ـ[ضياء السالك]ــــــــ[11 - Oct-2008, صباحاً 06:43]ـ
لماذا تحشر شيخنا في غالب مواضيعك؟!
فلا تجعل من محبتك للشيخ الخاطئة هدفا للتنقيص منه
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[11 - Oct-2008, صباحاً 11:01]ـ
كان ابن القيم لا يفتأ يذكر شيخه وفاءا له .. وذلك واضح في كل كتبه حتى اتخذ ترجيحا في نسبة بعض الكتب إليه لما له عليه من فضل بالغ .. ونظائره كثيرة
وأما القول بأن مححبتي خاطئة .. فهذا ادعاء
كما أن كون هذه المحبة سببا للتنقيص ادعاء أكبر
لكنّ السؤال: لماذا ننقلب على إخواننا وأصحابنا فجأة ..
دون بيان أسباب ..
هل هذا من خلق الوفاء وبدهيات الأخوة؟
والسلام عليكم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الدكتور عبدالباقى السيد]ــــــــ[11 - Oct-2008, مساء 03:23]ـ
أخى ابن رشد بارك الله فيك وفيمن نقلت عنه، بالنظرة السطحية يظن البعض أن الجمع بين مشايخ ينتمون لأفكار ومذاهب متغايرةهو تناقض بل ضلال ن ولكن بالنظرة الشرعية والواقعية فلا تناقض ولا ضلال، فقد خرجالرسول ابنعباس بآرائه التى فيها الكثير من الإباحات، وابن عمر بتشدداته، وعمر باجتهاداته وابتكاراته النازعة إلى النصوص، وعلى بأحكامه، وفلان وفلان فهل اتباعهم والسير على نهجهم مدعاة للتناقض أبدا،ولكن " أعرف الحق تعرف الرجال" وانزع فى الخلاف دوما إلى قول الله وقول رسول فهو الخير والأحسن تأويلا كما أخبر الله تعالى
وأنا والحمد لله رغم كونى ظاهرى أبجل النصوص وأعظمها فما منعنى ذلكمن حب وتبجيل المذاهب الأخرى لحبى للحق فإن أخطا الظاهرية فىمسألة وسعنى غيرهم من الشافعية والأحناف والمالكية والحنابلة، فأنا أبجل من أتباع هذه المذاهب الجم الغفير منهم من المجتهدين النووى والسيوطى والسخاوى وابن حجر، والزركشى، والإسنوى، وابن تيمية وابن القيم، وابويوسف والطحاوى، والقاضىعياض والباجى وابن عبدالبر، والشاطبى والونشريسى والبيهقى والقاضى حسين وغيرهم كثير
ومن المحدثين الأفغنى ومحمد عبده رغم ما أثير ضدهما من كلام ورشيد رضا، والغزالى والقرضاوى والألبانى وابن باز وابن عثيمين، وذلكلأاننى أعرف الحق بحمد لله واسأل الله أن يجعلنى على بصيرة منأمرنا
وعندى بحمد الله طلبة من الظاهرية والشافعية والحنابلة وكلهم عندى سواء هكذا تعلمتوهكذا أعلمهم أن الاصل النوع إلى الحق والدليل
والله الهادى إلى سواء السبيل
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[11 - Oct-2008, مساء 05:34]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قد أعجبتني كلمة قرأتها لأخينا فهد النميري بخصوص المدعو زاهد الكوثري وقد قالها في موضوع أبي الحسن الأزهري <مع أني أرى عدم انطباقها مع حال الكوثري الذي سخر حياته للنيل من أهل السنة والجماعة> -قال أخونا النميري:
أما الشيخ الكوثري فلهجماته العنيفة مثيراتٌ يعرفها من يفتش الكتب بلا أي وسائط ولعلك تعرف أن ألسنةً جاهلةً استطالة على الإمام أبي حنيفة وأتباعه ولمزتهم بمقابح وخزايا موغلة في الانحطاط فرد الكوثريُ التطرف بتطرف مضاد (راجع -على سبيل المثال-كتاب "الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الحنفاء" لابن عبدالبر بتحقيق أبي غدة)؛ والمقصود أنه لا يجوز عند أهل العقل والحكمة أن يتولى صياغة العلاقة بين المسلمين المتطرفون منهم.
/// بارك الله فيك،، ما أعجبت به من الكلام لا يخلو عن التطرُّف أيضًا ..
/// أرى لك أخي الكريم وفَّقك الله أن تراجع هذه الجمل من كلام وتقف مليًّا للتأمُّل عندها ..
/// فهل الـ"متطرِّفون"! الذين بيَّنوا خطأ الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ورحمه وما أُخِذ عليه = وهم ثُلَّةٌ من أئمَّة السلف والحديث، فهل هؤلاء هم المتطرِّفون في نظرك، والذين وصفتهم بـ"الألسنة الجاهلة"، فمن المعتدلون في رأيك إذن؟
/// الذين يكذِّبون الخطيب البغدادي وابن عديٍّ وابن حبَّان وعبدالله بن الإمام أحمد فيما نقلوه، كفعل الكوثري تمامًا؟! وإلَّا فما الفرق؟!
/// ثمَّ شتَّان بين ما نقل عن هؤلاء فيما أُخِذ على أبي حنيفة رحمه الله، وبين سباب الكوثري وافترائه عليهم.
/// والكلام في النقول المتوافرة في كتب السنة والجرح والتعديل عن أبي حنيفة لم يوجَّه توجيهًا صحيحًا من بعض أتباع الحديث، فنفَّروا الناس منه وطعنوا فيه، ونحو ذلك من الأساليب الخاطئة.
/// ولعلَّك بارك الله فيك تتراجع عن هذا التطرُّف في الوصف بالجملة بما لا يليق بالأئمَّة الذين لا يقل قدرهم عن قدر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه!
/// والكلام في هذه الجزئية طويل الذيل.
/// والله المستعان.
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[11 - Oct-2008, مساء 06:17]ـ
وأما أدعياء السلفية .. فلاهم لهم ولا يسفز شعورهم المريض إلا سيد قطب .. وسفر الحوالي .. وأمثالهما من المجددين
جزاك الله خيراً على التحذير من الرافضة
لكن المجدد الذي ذكرت (سفر الحوالي) لا يمانع كما قال من إنشاء مدارس جعفرية في المملكة فما رأيك في هذا التجديد؟ و هل الذي ينكر قوله هذا هو من أدعياء السلفية الذين ذكرتهم؟
ـ[ابن رشد]ــــــــ[11 - Oct-2008, مساء 09:57]ـ
لكن المجدد الذي ذكرت (سفر الحوالي) لا يمانع كما قال من إنشاء مدارس جعفرية في المملكة فما رأيك في هذا التجديد؟ و هل الذي ينكر قوله هذا هو من أدعياء السلفية الذين ذكرتهم؟
أرجو ذكر المصدر؟!
لأن الشيخ لازال حيا ... حتى نتأكدمنه
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[11 - Oct-2008, مساء 10:22]ـ
لقاء أجرته معه إحدى الصحف السعودية قبل إصابته بالمرض تحدث فيه عن قضايا كثيرة من بينها هذه و يسرني أن تتأكد منه و تراجعه في المسألة
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[11 - Oct-2008, مساء 11:29]ـ
قال: إننِي لا أرى بأسًا أن تكون للشيعة مدارسهم الْخَاصة بِهم، يدرسون فيها مذهبهم
الرسالة الْمُلحقة بصحيفة الْمَدينة بتاريخ (28/ 8/1424’)
http://abofisal55.jeeran.com/photos/860036_l.jpg
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن هاشم]ــــــــ[12 - Oct-2008, صباحاً 10:14]ـ
شيخنا البخاري
جزاك الله خيرًا، بيد أنني لم أرمِ إلى موافقة أخينا فهد في دفاعه عن الكوثري؛ فأمر الكوثري والحمد لله قد عُرف؛ ولكن ما أردته هو ما قال عنه: التطرف والتطرف المضاد، وهو شبيه بالقانون الفيزيائي الشهير: [لكل فعلٍ ردُّ فعلٍ، مساوٍ له في المقدار ومضادّ له في الإتجاه] بعيدًا عن الكوثري؛ فلا أقصد شخصه أو الدفاع عنه وقد قلت:
<مع أني أرى عدم انطباقها مع حال الكوثري الذي سخر حياته للنيل من أهل السنة والجماعة>
فالكوثري لم يتطرف لأن هناك متطرفين بادأوه بالتطرف، بل هو البادئ به، وإلا فما دخل الصحابة الذين سبهم وتنقص من قدرهم، ولو أن كلمة النميري صحيحة لكان تطرف الكوثري شيئًا يُعذر عليه، ولكان الكوثري تطرف مرة أو اثنتين أو ثلاثة، ولكنه ملأ كتبه بالشتائم والسباب والقدح في الناس بداية من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومرورًا بالقرون المفضلة ومن بعدهم ومتأخري العلماء وانتهاءًا بعلمائنا المعاصرين، فليس هذا مجرد رد فعل وإنما حقد دفين على السنة وأهلها.
قد أكون مخطئًا في صوغ العبارة الأولى فاعذروني
لم أرد أن أخرج مرة ثانية من الموضوع، لكن لكي لا تظنوا أنني ممن يدافع عن الكوثري.
ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[12 - Oct-2008, مساء 02:18]ـ
/// جزاك الله خيرا وبارك فيك .. لم أظن بك سوءًا، بل أحببت تنبيهك فقط على ما في كلام الأخ مما قد يتوهم منه بعض الناس حقًا، وإن كنتَ ألمحتَ إلى شيءٍ مما ذكرته في مشاركتك الأولى.(/)
سؤال في العقيدة: ما حكم قول أن الله لا يحويه مكان?
ـ[أبوإسماعيل الهروي]ــــــــ[19 - Jun-2008, مساء 11:42]ـ
ما حكم قول أن الله لا يحويه مكان
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 12:09]ـ
هذا قول صحيح .. إن كان المراد به لايحويه شيء محسوس كجدار أو سماء ونحوها
وإن كان المراد به التوصل إلى نفي علو الله تعالى أعني علو ذاته المقدسة .. فباطل من القول وزور(/)
كيف يفسر هذا الرجل القرآن؟
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 02:27]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يفسر هذا الرجل القرآن؟
سمعت جزء من حلقة لبرنامج اسمه (طريق الهداية) والأفضل أن يسمى (طريق الغواية) يستضيف محمد هداية والذى أعرفه أنه خريج كلية الآداب قسم اللغة العربية وهو يفسر القرآن وقال فى تفسير قوله تعالى {إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} الفرقان66 و
{خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} الفرقان 76
أن أصحاب الجنة يبقون لايخرجون منها وهذا المعنى اللغوى لقوله تعالى مستقراً وأصحاب النار أو من يدخل النار لن يخرج منها أبداً وقال بالحرف (الناس دى مش فاهمه المعنى اللغوى لكلمة مستقراّ) وعلى هذا قال عن الأحاديث التى تحدثت عن خروج المسلمين من النار من أهل الكبائر بالشفاعات هى أحاديث متعارضة مع القرآن ويجب عندئذ تقديم القرآن
ولم ينس ِ الطعن فى البخارى وقال من الخطأ قول أن أصح كتاب بعد كتاب الله البخارى لأنه كيف يتم وضعه بعد القرآن!! وقال أيضاً (أحنا بين فريقين، فريق بينكر السنة تماماً وهم القرآنيين طب أزاى عرفوا صلاة الظهر أربعة ركعات وآخر يُأّله البخارى ويقول أنه لم يخطأ وأن كل ما فى كتابه صحيح!!!) وذكر أن أحد أبناء الشعراوى وهو عالم ألف كتاب سماه تقريباً صفوة أحاديث البخارى (لاأذكر هو من ألف الكتاب أم شخص آخر) وقال أنه سيدرس فى الأزهر وتسائل هل كل ما فى البخارى صحيح بالطبع لا ففيه الضعيف لان البخارى بشر يخطئ ولكن هو أصح كتب السنة!!!
وبدأ المذيع يعرض الأحاديث وهو يردها قائلا (طب أزاى ربنا جعل فريقين واحد فى الجنة والآخر فى النار ثم تأتى أحاديث وتقول أنا هناك من سيخرج من النار ربنا لو كان عايز حد يخرج من النار كان قال ذلك فى القرآن).
ومن الأحاديث التى ذكرها المذيع وردها الضيف:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من كبر. ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)). صحيح الجامع
((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان)). صحيح الجامع صلى الله عليه وسلم وقال
وقد رد أبو سعيد على من شك
قال (صلى الله عليه وسلم) ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان قال أبو سعيد فمن شك فليقرأ {إن الله لا يظلم مثقال ذرة})) قال الترمذي: حديث حسن صحيح فى جامع الترمذى و صححه الألبانى.
وحسبنا الله ونعم الوكيل
ـ[علاء المصرى]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 10:18]ـ
من الأفضل وضع رابط للحلقة أو تفريغ لها
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 04:24]ـ
بارك الله فيك أخى علاء وما نقلته حرفياً -فى الغالب- من خلال مشاهدته على التلفاز وليس على النت وما قلته هو جزء بسيط شاهدته من الحلقة لا يتعدى النصف ساعة
ـ[ابوثابت]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 08:15]ـ
بامكنك تأتي بالنص من هنا فليست اول طوامه
http://www.islamiyyat.com/hedaya.htm
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[22 - Jun-2008, صباحاً 02:37]ـ
بامكنك تأتي بالنص من هنا فليست اول طوامه
http://www.islamiyyat.com/hedaya.htm
جزاك الله خير الجزاء فى الدنيا والآخرة
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[22 - Jun-2008, مساء 02:24]ـ
التوبة والاستغفار 78
تقديم علاء بسيوني
المقدم: في اللقاء السابق وقفنا عند نقطة هامة تطبيقها في الحياة الدنيا يسبب مشاكل عند بعض الناس ومنشأ هذه المشاكل غالباً يكون بسبب العقيدة إما أن تكون غير مفهومة بشكل صحيح أو أنها غير سليمة. وذكرنا أن الخطاب الديني في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا الإسلامية لا يركز على موضوع العقيدة وكثيرون لا يتكلمون بموضوع العقيدة وإذا تكلموا يتكلموا عنه بشكل خاطئ ويركزون على بعض العبادات وبعض السلوكيات. لكن العقيدة التي هي الركن الركين لأي إنسان والذي يؤسس له مشروع حياته وإما يصير إلى جنة أو إلى نار لا أحد يتكلم فيها. مسألة الدنيا وزينتها ونعيمها يقول البعض هل إذا أردت الآخرة عليّ أن أعتزل الدنيا ولا أعيشها ولا أتمتع بالنعم التي أعطانا إلياها الله تعالى؟ ذكرنا قوله تعالى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ (18)
(يُتْبَعُ)
(/)
الإسراء) هل نقع في هذا إذا اشتهينا أي نعمة حلال من نعم الدنيا؟ وهل معناه أنني أريد العاجلة ولا أعمل حساب الآخرة؟ آخر الحلقة الماضية وقفنا عند قوله تعالى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) هل من ضمن العاجلة أو ينقص إيماني أو أكون من الآثمين أن أشتهي نعمة حلال أعطاني إياها الله تعالى؟
د. هداية: لا عندما تشتهي الحلال والتزهد كما يقول بعض الصوفية يكون في الحلال، الإنسان يتزهد في الحلال ابتغاء مرضاة الله.
المقدم: إذا أخذنا الموضوع من وجهة نظر الصوفية أنني أتزهد في الحلال قربى إلى الله ألا يجعلني هذا أسلك مسلك الرهبانية التي لم يكتبها ربنا تعالى (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ (27) الحديد)؟
د. هداية: هذه قضية نسبية قد نشرحها في عدة حلقات لكن نأخذ منها ملمحاً التزهد الذي دخل في الرهبنة ليس جديداً وحصل في عهد الرسول r عمدما قال له أحدهم أنا أصوم ولا أفطر وآخر قال أنا أقوم الليل ولا أفتر وآخر قال أنا لا أتزوج النساء فقال r لهم أنا أتزوج الناس وأقوم وأنام وأصوم وأفطر فمن رغب عن سنتي فليس مني. المشكلة في موضوع التزهد أن بعض الناس يبدأه ولا يستكمله وهذه طريقة غبية في التزهد أن أحمل نفسي البشرية فوق طاقتها. البعض يتطرف داخل التدين لأنه لم يسمع نصيحة الرسول r عن الدين "إن هذا الدين لشديد فأوغلوا فيه برفق" ولا ترغب عن سنة الرسول صُم وأفطر وقم ونم وتزوج الناس وتعامل مع الناس وتخرج وتعمل وهذه قضية يجب أن تفهم بشكل صحيح وبما يرضي الله تعالى بأن أتحرى الحلال وأجتنب الحرام ويمكن أن لا أبالغ في الحلال فأزيد من زكاتي مثلاً وهذه قضية نسبية.
المقدم: هناك من الناس من أفاض الله تعالى عليه بالمال الوفير عليه أن يكون لديه ضوابط حتى وهو مقتدر ويتبع قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان).
د. هداية: هو لم يسرف ولم يقتر وقال القرآن (قواما) هذا على مدار التقويم أنه يبحث المسائل والحالات على أساس أنه من عباد الرحمن. القرآن كان واضحاً في مسألة " الذي تريده أعمله لك" وهذه مسألة تحتاج إلى وعي أن هذا اإله الحق الإله الواحد الذي لم يلد ولم يولد التوصيف القرآني المبدع لا يُعبد إلا بإذنه (الحمد لله الذي هدانا لهذا) ولا يُعصى إلا بعلمه فلا يمكن لأحد يهودي أو نصراني أو غيره أن يقوم بعمل لم يكتبه الله تعالى. من كفر بالله أو أشرك أو ألحد لا تعتقد أنت كمسلم أن هذا خارج عن علم الله تبارك وتعالى أو متمرد بكفره لا يمكن له أن يفعل شيئاً لا يريده الله تعالى وهذا مسلم كرهاً بينما الذين أسلمول لرسالة محمد r هؤلاء أسلموا كواعية وهذه قالها القرآن الكريم (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا (83) آل عمران). هذا الإله الحق لا يُعبد إلا بإذنه ولا يُعصى إلا بعلمه فالكافر كافر والله يعلم قبل خلقه أن سيكفر ولهذا يحسب الكتاب له حتى يكون حجة عليه يوم القيامة. الآية التي معنا (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) فيها ألفاظ مبدعة فلم يقل تعالى فيها آتيناه أو أعطيناه وإنما قال (عجلنا له) وكذلك عند أهل التقوى (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) الكهف) إذن المسألة تحتاج لوعي فالذي يريد العاجلة عجلنا له فيها يعني أخذ ما يريد، الدنيا إسمها العاجلة لأنها مؤقتة وزائفة وهي التي معك لكنه قال تعالى (عجلنا له فيها ما نشاء) لمن نريد فقد يطلب الكافر ولا يأخذ إلا ما يريد الله تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء) إذن الآخرة لها سعي مخصوص من عهد آدم رسول تلو رسول إلى أن نصل إلى رسول الله r ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (40) الأحزاب) فبه r اكتملت اللبنات كما قال r في الحديث وهو آخر نبي وليس آخر رسول لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول فلن يأتي بعده r لا نبي ولا رسول.
(يُتْبَعُ)
(/)
(وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ختمت الآية بقوله تعالى (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) يجب أن نوقعها من القرآن حيث لخص المسألة وذكرنا منذ حلقات (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)) وقال النتائج (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار) وهناك قال (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) الفرقان) والذي يشرح مستقراً على أنها إقامة مؤقتة فهو مخطئ لأنها قيلت في الجنة أيضاً (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) الفرقان) فهل الذين في الجنة مؤقتون أيضاً وسيخرجون؟ المستقر قيلت في الجنة وقيلت في النار فكما أنه لا يخرج أهل الجنة من الجنة كذلك لن يخرج أهل النار من النار والقرآن شرحها (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الإنفطار). في سورة النازعات (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)) في ذلك أي الذي حصل لفرعون والله تعالى قال (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)) نحن لسنا أقوى من السماء والجبال والأرض ثم قال تعالى (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)) الصاخة هي النفخة الثانية والنفخة الأولى سماها تعالى الطامة. (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)) هذا شرح آية (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا (71) مريم) الورود لا يعني الدخول وإنما هي من المشترك اللفظي في القرآن كما قال تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ (23) القصص) لا يعني أنه دخل في الماء وإنما وصل عندها. وضع النار في الآخرة يجب حتى تدخل الجنة أن ترى النار لأن الصراط المؤدي إلى الجنة مضروب على متن جهنم (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)) الكل يراها لكن ليس الكل يدخلها (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)) لن يخرجوا منها (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)) لن يخرجوا منها. أنبه الذين يقولون أن كتاب البحاري أصح كتاب بعد كتاب الله وأقول لهم اتقوا الله فأين كتاب الله تعالى وأين كتاب البخاري، يمكن أن نقول أن كتاب البخاري أصح كتب الحديث (أصح على وزن أفعل التفضيل) وفي البخاري أحاديث ضعيفة لأن البخاري بشر وإذا قلت أن البخاري لا يُخطئ فقد ألّهت البخاري ونحن وسط بين فريقين فريق يرفض الحديث تماماً وهم القرآنيون وفريق يؤلّه البخاري ويقولون أنه لا يخطئ وأذكر الناس بكتاب الدكتور عبد الجليل عيسى رحمه الله وكان معي فضيلة الشيخ سامي الشعراوي إبن الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله وكنا نتكلم على صفوة صحيح البخاري فقال لي نحن تعلمنا عليه في الأزهر وكان هذا الكتاب قد رُفض سابقاً ثم قُرر على طلبة الأزهر وإسمه صفوة صحيح البخاري والبخاري بشر يصيب ويخطئ ولو قلت أنه لا يخطئ فقد ألّهته من حيث لا تشعر. الذي لا يُخطئ واحد هو الله سبحانه وتعالى ومحمد r بعصمة الله تعالى له والعصمة عند الأنبياء نسبية. لكن لا نقول كتاب البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله!! هل نضع كتاب البخاري مع كتاب ربنا؟ القرآن كتاب إلهي وهذا لا يعني أننا نؤيد القرآنيين الذين لا يعترفون بالأحاديث ونسألهم من أين جئتم بالظهر أربع ركعات؟ علينا أن نأخذ الصحيح من سنة الرسول r ولا بد أن يكون هناك خطأ في جمع الأحاديث.
(يُتْبَعُ)
(/)
المقدم: نتكلم عن موضوع الجنة والنار، في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم رواه: "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد قلت: الله ورسوله أعلم قال: يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: يدخلهم الجنة." ففرح معاذ فقال أأبشر الناس يا رسول الله؟ قال لا إذن يتكلوا.
د. هداية: المفروض أن معاذ لا يخبر الحديث لكنه قال وهو يحتضر لأنه خاف أن يأثم بكتم علم عن رسول الله r. وعندنا آية تؤيد هذا الحديث (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (48) النساء) الناس لم تفهم الأولى، هو لا يغفر أن يشرك به أبداً يعني هذا مات على الشرك هذا في النار لكن الذي كان مشركاً وأسلم هذا لا تنطبق عليه الآية ولا الحديث، هو كان في زمرة المشركين إلى أن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن الله واحد هذا لم يعد مشركاً.
المقدم: الرسول r يبين أن اليهود افترقت على واحد وسبعين فرقة والنصارى افترقت على اثنين وسبعين فرقة وستتفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، قيل أيها يا رسول الله؟ قال على ما أنا عليها أنا وصحابتي.
د. هداية: هذا كلام منطقي. الحق لا يتعدى وإنما هو واحد ولذلك من أسماء الواحد سبحانه وتعالى الحق لأن الحق واحد لا يتعدى (قل هو الله أحد) فمن أسمائه الحق إذن الفرقة الناجية هي التي على أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
المقدم: الفرقة الناجية يعني في الجنة والفرق غير الناجية في النار أليس من المفروض أن هذه الفرق غير الناجية قالوا أشهد أن لا إله إلا الله؟
د. هداية: لا ليس كذلك، المفروض أنهم لم يقولوها لأنه من قال لا إله إلا الله دخل الجنة هذا حديث صحيح، عندما ترى أحدهم يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر وعندنا آية تقول (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ (45) العنكبوت) إذن يكون لم يصلي، هذا صلى لكنه لم يصلي الصلاة التي تنهاه عن الفحشاء والمنكر بدليل حديث الرسول r: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" هذا صلى ولم يصلي وصام ولم يصم لذا يجب إخلاص العمل لله تبارك وتعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) النجم) كل واحد سيأهذ حقه إن عمل لله يؤجر وإن عمل لغير الله فهو منافق وصفته في القرآن (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) وشياطينهم في الآية يعني شياطين الإنس وهم أخطر من شياطين الجن. مستهزئون يعني المنافق يظهر شيئاً ويُبطن شيئاً هي عقيدته لذلك هم في الدرك الأسفل من النار فإذا كان هؤلاء في الدرك الأسفل من النار فأين سيكون شياطين الإنس؟ ولذلك شيطان الإنس أخطر من شيطان الجن فهو بشر مثلنا لعنة الله عليهم هؤلاء صحبة السوء الذين يخرجون الناس عن دينهم أسأل الله تعالى التقوى لنا جميعاً. الصحبة تؤثر إما سلباً أو إيجاباً وشيطان الإنس دائماً الذي لا يحترس منه يكون الله تعالى قد طمس على عقله لأن شياطين الإنس ظاهرين. في توضيف المنافقين ليس من باب الصدفة أن تكون في بدايات سورة البقرة فقد وصف الله تعالى في أوائل سورة البقرة المتقين ثم الكافرين ثم المنافقين فإذا أردتم أن تتنبهوا لشياطين الإنس انظر كم عدد الآيات التي وصف بها القرآن كل هذه الفئات، المتقون وصفهم في خمس آيات (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)) والكافرون في آيتين (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7) البقرة) والمنافقون في ثلاث عشرة آية تشرح النفاق (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)) من شياطين الإنس من هم مسلم (وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) هم يقولون أنهم يؤمنون (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) يخادعون وليس يخدعون إذن الواعي سيعرفهم وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون لأن الله تعالى يدافع عن الذين آمنوا فيبصرهم بشياطين الإنس والمنافقين، هؤلاء (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) توصيف المنافقين في هذه الآيات في مطلع البقرة حتى ننتبه لهم (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) فالذي لن يأخذ الكتاب ويهتدي به ويرتقي بالعبودية لن يكون من المتقين فالتقوى هي التي تصنع السياج حول المؤمن من أهل الفساد ولذلك عند الحكماء التقوى هي السلاح الأقوى.
المقدم: الوقاية تطبق في الحالتين بمعنى أن الإنسان المؤمن الذي يريد أن يصل للتقوى ويسعى بشكل صحيح يخلق حالة التقوى التي تكون وقاية له في الدنيا من الشرور والمفسدين. زمن شياطين الإنس والجن ويعمل حماية لنفسه والذي في ضلال يعمل لنفسه حماية ضد النور.
د. هداية: هي كذلك ولذلك قال تعالى (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا (126) طه) هذه تمشي على كل الحالات التي ذكرتها، تمشي على فنسيتها أي لم تأخذ بها أو نسيتها يعني لم تمشي على الذي كانت عليه الفطرة وتمشي أنك طبقت ونسيت ونرى كثيرين ممن كانوا في حالة تقوى ثم خرجوا إلى الضلال. لكن ننتبه (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) لأن الدنيا لذة مؤقتة أنت بعدت عن ربك لذلك ستشقى (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) تنسى من الرحمة وقمة التذكر أنه تعالى يحاسبه.
(يُتْبَعُ)
(/)
(فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) الفرقان) في النازعات قال (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)) هذا أخطأ وطغى في خطئه وهو من المسلمين اختار الدنيا على الآخرة غرته الدنيا مع أنه محضر (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) طغى يدخل فيها الكبر والنفاق وعدم الرجوع إلى الفضيلة والخطأ هذا طغيان فيه إصرار عليه. إذا مات الرجل على شرك لا يمكن أن يخرج من النار لكن الذي أشرك ثم عاد وتاب يغفر الله تعالى له.
المقدم: يوم القيامة والناس تحاسب إذا كان رصيد الحسنات أكثر من رصيد السيئات فهؤلاء بفضل الله تعالى في الجنة وإذا كان رصيد السيئات أكثر من رصيد الحسنات فهل يعفي الله تعالى عن بعضهم ويدخلهم الجنة؟ هل قرار العفو يؤخذ قبل دخول الجنة أو النار؟ لكن هل الذي دخل النار يخرج أو لا يخرج؟
د. هداية: قد يكون ذلك. لكن (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) النازعات) و (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) النازعات) (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار). من القرآن (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ (68) الفرقان) هؤلاء عباد الرحمن والذين يدعون مع الله إلهاً آخر (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) حتى لو كان إبليس وتاب فهو في الجنة لأن الله تعالى حاشاه لن يكذب على عباده.
المقدم: في بعض الروايات يقولون أن الوحي وقف عند (يَلْقَ أَثَامًا) ثم نزل الاستثناء بقوله تعالى (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) ففرح الرسول r بفتح باب التوبة.
د. هداية: لو كان من أهل الشرك كان سيكون عنده تلال سيئات لكنه لما تاب وآمن تاب في اللغة يعني رجع فلماذا تدخله النار؟ القرآن ذكر (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) هكذا يكونوا مع عباد الرحمن الذين قال عنهم القرآن في ختام السورة (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75) الفرقان) الغرفة وليس أي جنة.
المقدم: حديث الرسول r لمعاذ أن حق الله على العباد أنه من لا يشرك بالله فلن يعذبه الله تعالى أبداً وتصديقه في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) وهنالك حديث آخر في موقف الشفاعة يوم القيامة أن الرسول r " فيخر لله ساجدا ويحمده بمحامد لم يحمده أحد ممن كان قبله ولن يحمده أحد بها ممن كان بعده فيقال له محمد ارفع رأسك تكلم تسمع واشفع تشفع وسل تعطه فيقول يا رب أمتي أمتي فيقال أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة ثم يرجع الثانية فيخر لله ساجدا ويحمده بمحامد لم يحمده أحد كان قبله ولن يحمده بها أحد ممن كان بعده فيقال له محمد ارفع رأسك تكلم تسمع واشفع تشفع وسل تعطه فيقال له اخرج من كان في قلبه مثقال برة ثم يرجع الثالثة فيخر لله ساجدا ويحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبله ولن يحمده أحد ممن كان بعده فيقال له أخرج من النار من كان في قلبه مثقال خردلة" وهنالك روايتان للحديث وفي رواية تختم أخرج من النار كل من قال لا إله إلا الله، فيُخرج كل أمة محمد من النار.
د. هداية: أنا لن أناقش الحديث متناً ولا سنداً ول أنه عكس آيات القرآن تماماً لكن نسأل سؤالاً أيهما أفضل أن تكون على التقوى فتكون في الجنة منذ البداية أو على المعاصي فتدخل النار قليلاً؟ بالتأكيد لا يوجد شرع هكذا!! القرآن تكلم عن فريقين (فأما من ثقلت موازينه) و (أما من خفت موازينه) أين يكون هذا الذي خفت موازينه؟ سيكون في النار فهل عجز القرآن أن يقول أنه سيخرج بعد فترة من النار؟! كان بالإمكان أن يقول أنه سيخرج من النار بعد فترة ولكنه ذكر فريقين فريق ابيضت وجوههم وفريق اسودت وجوههم، فريق يمين وفريق شمال، جنة وجحيم، مستقر
(يُتْبَعُ)
(/)
ومستقر، مأولى ومأوى، الآية واضحة حتى بالنسبة للذي لا يفهم (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) النازعات) أطلق الطغيان ولم يوضح نوع الطغيان لكنه قُبض على معصية أما الذي قبض على توبة ففي الجنة لذا علينا أن نجتنب الكبائر ونتوب من الصغائر والقرآن ساعدنا في هذا فقال (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (32) النجم) فطالما اجتنبت الكبائر والفواحش من شرك وسرقة وزنا وحدود وتبت فتكون في الجنة.
سئلت عن قوله تعالى (عمل عملاً صالحاً) يقولون هل تعني عمل صالح واحد؟ الآية فيها هذا المعنى لو تاب وعمل عملاً صالحاً فقد مات على توبة، لو تاب ومات قبل أن يعمل عملاً صالحاً يكون تائباً. البعض يقول لا توبة للعاجز فهو قادر على السرقة ولم يسرق أو هو قادر على الزنا ولم يزني لكن لسنا نحن الذي نحاكمه وإنما الذي يحاكمه من كان في علمه إطلاق لقدرة العلم فالله تعالى يعامله على أساس لز كان سليماً هل يزني أو لا يزني؟ تخيل القدرة الإلهية! لما وصفنا القدرة الإلهية قلنا أنه علم ما كان (ماضي) وما يكون (الحاضر) وما سوف يكون (المستقبل) وعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون (هذه للعاجز) تقبل أو لا تقبل فهي على مدار العلاّم بالعاجز سبحانه، المولى تعالى يعلم هذا العاجز لو لم يطن عجز يسرق أو لا يسرق يزني أو لا يزني ويحاسبه عليه لأنه العلاّم سبحانه وتعالى. وفي المقابل (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ (48) النساء) لو أحد من المسلمين أشرك فهل سيكون في الجنة ثم يخرج؟ لا توجد آية تثبت ذلك والله تعالى يقول (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) لكن الذين أخطأوا يغفر الله تعالى لهم (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) هؤلاء لم يشركوا ولكن عندهم غلطات هؤلاء يعفو الله تعالى عنهم. بعض المفسرين يقول يغفر لهم إذا استغفروا لكن حتى لو ماتوا فجأة ولم يستغفروا ماتوا ليس على شرك وقد يكون من الأسباب أعمال اصلحة هو عملها كصدقة جارية ترفع له رصيد حسناته بشرط أن لا يكون قد مات على شرك.
ختام عباد الرحمن (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي (77) الفرقان) هو سبحانه غني (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) والله تعالى أرسل لنا رسلاً (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) هو سبحانه الذي قضى بذلك (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) الضمير يعود على الكذب الذي كذبوه. ما هو مناط الكذب وما هي نتيجته؟ هذا الذي سيكون لزاماً ولأن كفركم قضي به عليكم لزاماً فيكون النار أو العذاب الذي قضي عليكم به لزاماً. وليس من قبيل الصدفة أن يختم الآية هكذا وهو قال سابقاً (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) ولما تكلم عباد الرحمن قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)) هذا الكلام على لسان عباد الرحمن فهؤلاء فهموا أن جهنم لن تتركه وهذا ما ذكرناه في العضق والغرام والغريم لا يترك غريمه، فعباد الرحمن من وعيهم فهموا الحقيقة (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) غرام في اللغة لا يمكن أن يفارقه إن كان حبيباً أو غريماً والغريم لا يترك غريمه حتى يأخذ حقه منه ويقضي عليه.
المقدم: هناك أكثر من موقف في القرآن حوار بين الملائكة وبين أهل النار أنهم يريدون أن يدعوا ربهم فتقول الملائكة ادعوا (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) غافر)، (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ (77) الزخرف).
(يُتْبَعُ)
(/)
د. هداية: عباد الرحمن لأنهم عباد رحمن واعيين فهموا صح قالوا (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) أنت يا رب اصرف عنا عذاب جهنم (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) إذن الذي لم يزحزح فقد خسر ولم يفز هذا هو الخسران. لكن نكرر أن عباد الرحمن فهموا فقالوا (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) وفي المقابل (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) وقال (أولئك) أي الذين فهموا هذه (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا).
بُثّت الحلقة بتاريخ 17/ 6/2008م
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[22 - Jun-2008, مساء 06:14]ـ
بهذه الصورة ينكر صاحبنا مااتفقت عليه الامة وكانت عليه الصحابة من
-ايمانهم بماقال رسول الله عن المسلم العاصي من ان الله تعالي ان شاء غفر له وان شاء عذبه-في الاخرة- ثم يخرج من النار ان عذب فيها وهذا مااتفق عليه علماء الامة قاطبة وروي البخاري ومسلم واحمد ومالك وغيرهم احاديث في هذه المسألة ولم يردها الائمة الاربعة ولاغيرهم وعلي الايمان بذلك خواص الامة من العلماء والدعاة والفقهاء والزهاد وعوامها
-ورد بعض احاديث البخاري بادعاء ان في كتابه ماليس بصحيح ومنه المسألة المتقدمة هو مخالفة لما استقرت عليه الامة والادعاء بان الذهاب الي القول بان صحيح البخاري اصح كتاب بعد كتاب الله- وهو في الحقيقة قول علماء الامة-هو تاليه للبخاري شيء شنيع جدا
ولااعرف كيف يجرؤ داعية علي هذه الاقوال ومخالفة علماء الامة فيها وبتاويلات غريبة وساذجة
ومثله في الغرابة قول احدهم ان زاد المعاد ليس كتاب فقه ولاينبغي ان يؤخذ منه فقه
شيء يغيظ صحيح -هكذا بكل جراة وفي التلفزيون
انا لااحب تلقف الاخطاء للعلماء والتشهير بهم ولكن هل هؤلاء علماء وهل العلماء يخالفون منهج علماء الامة في بديهيات العلوم وحقائق الاسلام الكبري
نعم قد يقول قائل فيهم خير وعندهم علم بامور واقول نعم عندهم ولانبخس الناس اشيائهم لكن مادام تعرضوا لدعوة الناس وقالوا فليتحملوا الردود علي افكارهم المخالفة للاسلام حماية للامة منها
اما التعرض لشخصهم بالشتم فلايليق بنا فالغرض هو اصلاح الفاسد وتصحيح المفاهيم والتحذير من الاقوال الباطلة وربما اصحابها ان تمادوا في مخالفة علماء الامة ومااستقر عليه امر دينها من الحقائق التي امن بها الصحابة ووصلت الينا عن طريق ائمة الهدي ومنارات الايمان والعلم ولااتكلم هنا عن المختلف فيه فهذا قد لايجوز في اكثره الانكار لكن هذا الامر يصعب السكوت عليه!
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[23 - Jun-2008, صباحاً 02:06]ـ
جزاك الله خيرا أخى بن الشاطئ وإن كنت تقصدنى بالكلام فأنا عندما قلت طريق الغواية لأنه بما يقوله قد يضل الناس وقد استغربت كيف هو وهو متخصص فى اللغة يفسر القرآن؟ وباقى الكلام هو من كلامه وإن قلته من ذاكرتى بعد الحلقة إلا أنه جاء مطابقاً لنص الحلقة التى نقلتها.
ـ[الفهد البرونزى]ــــــــ[27 - Jun-2008, مساء 03:01]ـ
مع خالص التقدير لرأيك
الا ان اؤكد لك أن لحوم العلماء مسمومة
وكلمة غواية اكبر من ان تطلقها على عالم
وتحديد من هو العالم ومن هو الجاهل اعتقد انها ليس من تخصص الا كبار العلماء
ووجود من يحاول افهام العامة بعض مايضنة الكثير انة تناقض فى الدين لا يصح ان نقول عنة كلمة الغواية
والاختلاف حول صحة بعض الاحاديث حتى فى البخارى هو خلاف حقيقى وموجود ولا نستطيع ان نتجاهلة
وايضا ليس بارهاب كل من يتطرق الى هذا الخلاف واتهامة اتهامات بدء من الغواية الى الكفر واحلال دمة
وليس المجال هنا مناقشة ماقالة د هداية
ولكن الحوار حول ادب الحوار خاصة فيما يتعلق بالعلماء وايضا غير العلماء
ورغم قلة مشاركاتى فى المنتدى الا اننى اتابع باستمرار هذا الموقع المفيد لكل مسلم
وما وجدتك الا اخ كريم يبتغى الخير
ارجو ان يتسع صدرك لمداخلتى
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 04:36]ـ
بارك الله فيك أخى على مشاركتك
أولاً جزاك الله خيراً على حُسن ظنك بى
أما قولك وكلمة غواية اكبر من ان تطلقها على عالم
سمع حذيفة بن اليمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يكون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال فالزم جماعة المسلمين وإمامهم فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت كذلك)) صحيح الجامع 2994 واللفظ فى صحيح ابن ماجه للألبانى.
وقولك: وتحديد من هو العالم ومن هو الجاهل اعتقد انها ليس من تخصص الا كبار العلماء.
أنا لم أقل أنه جاهل مطلقاً بل قلت أنه متخصص فى اللغة والتفسير لايعتمد على اللغة فقط فهناك أصول تفسير، وفقه وحديث و ......... وكان هذا واضح فى تفسيره للآيه وجعل الحديث متعارض مع الآيه.
وقولك: والاختلاف حول صحة بعض الاحاديث حتى فى البخارى هو خلاف حقيقى وموجود ولا نستطيع ان نتجاهلة
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أى خلاف أخى حول صحة بعض أحاديث البخارى وقد تلقى علماء الأمة كتاب البخارى بالقبول وذكر أهل العلم هذا سلفاً وخلف فهل تجاهل كل هذا الجمع من العظماء الخلاف حول صحة بعض أحاديث افى البخارى ونقول الآن أنا هناك تجاهل لهذا الأمر.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الفهد البرونزى]ــــــــ[29 - Jun-2008, صباحاً 11:05]ـ
قولك وكلمة غواية اكبر من ان تطلقها على عالم
سمع حذيفة بن اليمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يكون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال فالزم جماعة المسلمين وإمامهم فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت كذلك)) صحيح الجامع 2994 واللفظ فى صحيح ابن ماجه للألبانى.
اخى الكريم شرا على أهتمامك بالرد ..
وفى النقطة السابقة
اذا اخى الكريم انت تؤكد انك عالم وتستطيع تحديد من يقصدهم رسول الله بقولة
وتحديد من هم جماعة المسلمين السائرين على الحق
بل وتحديد من يغوى الناس ومن يهدى الناس وتحديد من هو الامام الذى يجب ان نتبعة
اخى الكريم اؤكد لك ان لك الحق فى ان تعتقد ماتشاء
ولكن ليس لك الحق فى اتهام العلماء واطلاق لفظ غواية على عالم هو شىء خطير
أنا لم أقل أنه جاهل مطلقاً بل قلت أنه متخصص فى اللغة والتفسير لايعتمد على اللغة فقط فهناك أصول تفسير، وفقه وحديث و ......... وكان هذا واضح فى تفسيره للآيه وجعل الحديث متعارض مع الآيه.
الدكتور محمد هداية هو عضو مجمع البحوث الأسلامية بمصر وايضا عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والمستشار برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرّمة
وقولك: والاختلاف حول صحة بعض الاحاديث حتى فى البخارى هو خلاف حقيقى وموجود ولا نستطيع ان نتجاهلة
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أى خلاف أخى حول صحة بعض أحاديث البخارى وقد تلقى علماء الأمة كتاب البخارى بالقبول وذكر أهل العلم هذا سلفاً وخلف فهل تجاهل كل هذا الجمع من العظماء الخلاف حول صحة بعض أحاديث افى البخارى ونقول الآن أنا هناك تجاهل لهذا الأمر.
اذا كنت تريد اخى الكريم مناقشة اختلاف العلماء فى مدى صحة بعض الاحاديث فى البخارى وهو شىء موجود وواقع ولا نستطيع ان نتجاهلة او نغضى الطرف عنة
فليكن هذا فى موضوع منفصل وليدلى كل بدلوة
اما ان هناك من لا يحاول القراءة فى هذا المجال فليس معنى هذا عدم وجود الخلاف
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[30 - Jun-2008, صباحاً 03:47]ـ
جزاك الله خيراً أخى الفهد
ولكن لماذا سوء الظن بى لهذا الحد تقول أنى عالم واستطيع تحديد من يقصده النبى من الحديث وتحديد من يسير عل الحق ومن الذى يغوى الناس ومن الإمام الذى يجب إتباعه
أولاً أنا أعتذر إن كنت ذكرت الحديث هذا وأنزلته على الرجل واحسست أنى أخطأت فى ذكره.
وإنى استغفر الله.
قولك إًٍنى أحدد الجماعة التى تسير على الحق فقد ذكرها النبى صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا فقال ((فرقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقى والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي الى ثلاث وسبعين فرقة))
وقال ((وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة ما أنا عليه وأصحابي))
وقال ((خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون بعدهم قوم يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن))
فمن خالف الصحابة أو القرون الثلاثة الفاضلة فقد حاد عن الطريق المستقيم وما قاله خلافهم
وقولك تحديد من يغوى الناس أسألك سؤال هل من يقول كلام مثل الكلام الذى قاله هو يسير بالناس فى طريق الهداية؟
وقولك إنى أحدد الإمام فلم أذكر هذا فى كلامى أصلاً!!
أما ذكرك مناصب الدكتور هداية فلا تغنى من الأمر شيئا فالعلم ليس بالمناصب إذا لماذا نقرأ أو نسمع للشيخ الألبانى –رحمه الله_ أو الشيخ أبى إسحاق الحوينى –حفظه الله- وغيرهم من العلماء الأجلاء ممن لايحملوا شهادات متخصصة فى الشريعة؟
أما النقطة الأخيرة فلست بمتخصص فى علم الحديث
واليك الراوبط التالية
هل صحيح البخاري به أحاديث ضعيفة؟؟!
أبو إسحاق الحويني - مقاطع نادرة ومؤثرة
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=47124
هل هناك ضعيف في الصحيح؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=39926
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[30 - Jun-2008, مساء 12:24]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
اذا كنت تريد اخى الكريم مناقشة اختلاف العلماء فى مدى صحة بعض الاحاديث فى البخارى وهو شىء موجود وواقع ولا نستطيع ان نتجاهلة او نغضى الطرف عنة
اخي الكريم وحتي هذه فقد علمنا ماتكلم فيه بعض العلماء من ذلك وعرفنا قصدهم-او مقصودهم - منه
اما ماادعاه الدكتور هداية وبني عليه وانكره مما لم ينكره او يقول به ائمة الاسلام فهذا ماننكره عليه فهو ينكر حقائق واحاديث ماانكرها احد علي البخاري ولا ردها احد وهي من صحيح البخاري
والدكتور هداية رد امور ضرورية من الاسلام وزعم ان كون البخاري اوردها لايعني صحتها بل ذهب لابعد من ذلك وهو انكار اصلها اي اصل الحقائق اي الروايات -ولو كانت في البخاري!
الرجل له فضل وعلم لكن مادام عرض نفسه للدعوة والجمهور والافتاء والجراة المحمودة والاخري الغير محمودة في نشر مايقتنع به فان من حق اهل النقد المخالفين له ان يردوا عليه اقواله المخالفة للاسلام او لمااتفق عليه علماء الامة او ردهم عليه مارده هو من كلام علماء الامة الكبار وهو من حمي الدين واوصل اصوله الينا
فحفظ الاصول مقدم علي امور كثيرة يظنها الناس اوليات-اولويات!
ولايعني ذلك القدح في نية الرجل عينه وشتمه والتعامل معه من عل! -عل نفسي!
كما لايعني ايضا ان الرد عليه خال من الاخطاء العلمية او ان بعض كلامه او كلام غيره قد فهم علي مااراده فالبعض قد يرد علي احد الفضلاء في مسائل ويكون معه الحق في امور والخطأ في امور اخري فهمها عن المردود عليه خطأ او استعجل في الرد عليه او ظن ان قصده كذا ولم يكن هذا من قصده بل في كلامه ماينفيه او كان في كلام المردود عليه قولين متناقضين يقول كلاما في موضوع يناقصه كلاما اخر في موضوع اخر
والعدل مهم في التعامل مع اهل العلم وغيرهم
وحماية الاسلام لمن خلصت نيته اهم من امور كثيرة يدافع عنها الناس!
وخيار الامور اوسطها كما قال شيخ الاسلام
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[09 - Jul-2008, صباحاً 06:12]ـ
الإشارة إلى بعض ضوابط التفسير .. (مناقشات):
المشاركات رقم: (6 - 8 - 9 - 10 - 12 - 13 - 14 - 17 - 18 - 19 - 24 - 25):
رابط المناقشات:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=7151&highlight=%CA%CF%C8%D1 (http://majles.alukah.net/showthread.php?t=7151&highlight=%CA%CF%C8%D1)(/)
كلمة من الشيخ عن الحجاب والأختلاط
ـ[أبو ثابت النجدي]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 10:57]ـ
((الخميس 15/ 6/1429هـ بيان فضيلة الشيخ عسى المبلع .. في قضية الحجاب والاختلاط))
وآ أسفى على الحجاب و العفاف
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فمنذ أكثر من ألف و أربع مئة وعشرين سنة. و بنت الجزيرة العربية – بلاد الحرمين ومهبط الوحي و إشعاع نور الرسالة – مفتخرة بتاجها، ومتمسكة بحجابها، الحياء كساؤها و العفة رداؤها، و الشرف وسامها.
شعارها:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه ..... لا بارك الله بعد العرض بالمال
رضيت بما اختاره الله لها، بل أنست به و ابتهجت، لأنه وافق فطرتها، وحمى من الدنس بشرتها و أنوثتها.
و قد اختلفت الولايات على أرض الجزيرة العربية و تنوعت، و تبدلت كثير من معالم الشريعة و تكدرت. من ولاية الأمويين ثم العباسيين ثم العثمانيين و أخيراً آل سعود.
و الأمة خلال تلك القرون تمرض و تشفى، و تضعف و تقوى، وتوافق السنة و تخالفها، و تحقق التوحيد و تنقضه، إلا شيء واحد لم يتغير ولم يتبدل، بل لم يدن حماه، و تزهق الأرواح فداه، إنه الشرف إنه العرض، وتاجه و شعاره الحجاب، الحجابُ بمفهومه الشامل الحسي و المعنوي. وقد جرى الإجماع العلمي خلال تلك القرون على وجوب تغطية المرأة وجهها. ولزومها بيتها إلا لضرورة وحاجة مع تسترها وعدم تبرجها و بعدها عن الرجال و خلطتهم. وقد حكى الإجماع جمع من الأئمة الأعلام كابن عبد البر و النووي و ابن تيمية. قال ابن حجر (لم تزل عادة النساء قديماً و حديثاً أن يسترن وجوههن عن الأجانب). ا هـ. وذلك إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري.
ثم هبت رياح التغيير على البلاد الإسلامية فجرفتها إلا من رحم الله. وها هي اليوم رياح التغيير تهب بل تعصف بأرض الجزيرة العربية - بلاد الحرمين الشريفين – لتنزع حجاب العفيفات، و تكسر حواجز العفة لتجلس بنت الجزيرة بجانب الرجل سافرة ضاحكة متجملة متطيبة في مكتب أو إدارة أو مؤتمر أو ندوة أو مهرجان أو قاعة دراسية أو مستشفى أو طائرة أو غير ذلك. حقاً إنه العار و الدمار و الشنار.
وها هي الشبه تقذف حممها، و يتلقفها كل جاهل و غافل، فمن قائل: حجاب الوجه ليس واجباً
ومن قائل: المحرم الخلوة فقط لا الاختلاط. و يستدل بشبه الأدلة و التعليل و يعرض عن الأدلة المحكمة و أقوال الأئمة الملهمة قال تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} آل عمران7
ولدحض الشبة أسوق الأدلة المحكمة الدافعة على وجوب تغطية الوجه، وبيان ضوابط الاختلاط و حدوده قال تعالى {ليَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ}
فخذ يا باغي الحق ما صح من الأدلة الخالية من التأويل و العلة.
? قال تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} الأحزاب33
? و قال تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ...... الآية) الأحزاب53
? و قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب59
? و قال تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ..... الآية}
(يُتْبَعُ)
(/)
? و قال تعالى {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ .... الآية}
? و قال تعالى مستثنياً من يحل لها كشف الوجه من القواعد و من في حكمهن {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} النور60
فما الذي يفهمه العربي الأصيل الذي نزل القرآن بلسانه {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فصلت3 المتجرد من الهوى و التبعية و لرأي غيره من تلك الآيات؟
أليس الصحابة رضي الله عنهم هم أهل اللغة العربية، وأهل التجرد من الهوى و التبعية؟ فانظروا إلى فهمهم و تطبيقهم العملي لمقاصد تلك الآيات و معانيها حيث فهموا أن المقصد تغطية الوجه و ستره.
ففي مسند الإمام أحمد و سنن أبي داود: تقول عائشة رضي الله عنها (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم – محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه.
وفي صحيح ابن خزيمة: تقول أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- (كنا نغطي وجوهنا من الرجال).
وفي البخاري و غيره: تقول عائشة رضي الله عنها –: يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما نزلت (َلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن مروطهن فاختمرن بها.
قال ابن حجر و الشنقيطي: اى غطين وجوههن.
وفي الصحيحين: تقول عائشة _ رضى الله عنها- كنَّ نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس.
بل إن من أعظم الشواهد الإذن للخاطب أن ينظر إلى وجه المخطوبة ولو خفية ولو كانت الوجوه مكشوفة لما احتاج إلى الاختفاء. يقول جابر – رضى الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها (رواه أحمد وأبو داود)
بل خذ يا طالب الحق ما هو أقوى دلالة وأشمل، يقول صلى الله عليه وسلم: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها (رواه الترمذي) يقول الإمام أحمد و مالك: كل شيء منها عورة حتى ظفرها.
ولتحقيق كمال العفة وصون العرض وسد أبواب الفساد شرع الله أحكاما شرعية كالسياج و الحصن الواقي و الحافظ للشرف و الكرامة. فمن ذلك:
• جعل القوامة للرجال على النساء {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} النساء34
• ومنها أمرهن بالقرار في البيوت لأنه أعظم حجاب إلا الخروج لحاجة أو ضرورة مع وجوب التستر وعدم التبرج {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ... الآية)
• ومنها وعيد ولعن المتبرجة السافرة: يقول صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما ... وذكر نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها .. (رواه مسلم) وقال: سيكون في أمتي رجال يركبون على سروج أشباه الرحال (أي السيارات) ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات (رواه احمد) فمادمن يُلعنَّ وهن على أبواب المساجد فكيف إذا كنَّ بغير تلك الأماكن؟
• ومنها نهيهن عن الخضوع بالقول عند الحاجة لمخاطبة الرجال (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} الأحزاب32
(يُتْبَعُ)
(/)
• ومنها نهيهن عن التطيب عند الخروج: ففي سنن النسائي يقول صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية.
• ومنها الأمر بغض البصر {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} النور30، {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ... الآية) النور31
وكيف يستطيع غض بصره عن من جلست أمامه امرأة على طاولة واحدة!
• ومنها تحريم سفر المرأة بلا محرم كما في الأدلة المشهورة.
• ومنها أمر النساء بلزوم حافات الطريق و البعد عن وسطه ليبتعدن عن الرجال.
• بل حتى في الصلاة خير صفوف النساء آخرها لبعدهن عن الرجال و الفتنة.
• ومنها تحريم مس الرجل بدن المرآة الأجنبية حتى المصافحة كما في الأحاديث الصحيحة.
• ومنها أمر النساء بالخروج من المسجد قبل الرجال بل إن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد بخمس و عشرين درجة
فهذه السبل وغيرها مما شأنه أن يدرأ الفتنة و يحفظ العفة كثير في أحكام الشريعة.
فهل بعد هذا يجيز عاقل فضلاً عن عالم للمرأة أن تكشف وجهها وتخالط الرجال بناءً على الأدلة الضعيفة أو المشتبهة أو العلل المقتبسة، بدعوى طهارة القلوب وحسن النوايا وحاجة المجتمع لاختلاط المرأة مع الرجال في العمل وعدم تعطيل نصف المجتمع؟
فما دام أطهر القرون وأفضلها حُرّمَ عليهم ذلك وهم أطهر الناس قلوباً و أزكاهم أرواحاً حيث قال تعالى (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) فكيف بنا في هذا العصر ونحن نشاهد التبرج و السفور و العري وقلة الحياء مما تستحي البهائم من رؤيته عبر الشاشات و في الأسواق و الاجتماعات. فلو كان حلالاً للقرون الأولى المفضلة لحرم علينا اليوم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
فأنادي أهل الغيرة و الرجولة و العفة و الكرامة بان يكون سداً منيعاً وحصناً حصيناً أمام مخططات الأعداء لإفساد بنت الجزيرة و بلاد الحرمين الشريفين حفيدات عائشة و أسماء من أن ينزلقن في الهاوية ويكنَّ فريسة للزبانية.
كما أنادي المؤمنات العفيفات أن يرضين بما شرع الله لهن، و أن يكنَّ متبوعات بالخير لا تابعات بالشر قال تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} الأحزاب36
وليطلعن على كتابات و صرخات عقلاء و عاقلات الغرب و الشرق ممن ذاقوا مرارة التبرج و السفور و الاختلاط أثاره المحذره من التبرج و السفور و الاختلاط. بل جهدهم و سعيهم لعزل النساء عن الرجال في الجامعات و الحافلات و غير ذلك كما في أميركا و غيرها.
ونحن قادرون على تهيئة بيئة منعزلة تماماً عن الرجال كما في مدارسنا فلماذا لا نعمم ذلك في مستشفياتنا و أسواقنا و منتزهاتنا و ما احتاجته المرأة من إدارت متعلقة بشئونها و موافقة لفطرتها و أنوثتها ليعملن مطمئنات النفوس آمنات من الفتنة حافظات لشرع الله.
علماً أن وظيفة النساء الكبرى و مهمتهن العظمى ما اصطفاه الله لهن من القيام بالحمل و الولادة و الرضاعة و التربية و القيام بشئون المنزل وحقوق الزوج. يقول أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي (إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقاً إذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة).
وأخيراً أرفع صوتي و ندائي لمقام قائدنا ووالدنا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله و رعاه فأقول: إن والدكم الملك عبد العزيز غفر الله له كتب له التاريخ صفحة من ذهب بتحكيمه الشرع و نشر الأمن و العدل وجمع الكلمة و تطوير البلاد و ازدهارها وقد جمع بين المحافظة على أحكام الشريعة و الاستفادة من تقنيات العصر و منتجاته. فتحققت المصالح الشرعية و المصالح الدنيوية. بينما ((كمال أتاتورك)) كتب له التاريخ صفحة سوداء بقضائه على الخلافة الإسلامية و مواكبة الانحراف الغربي و الخلقي فهاهي بلاده تعيش فقراً وضعفاً. وأنت يا والدنا و قائدنا: بين علماء و دعاة و صالحين يدعونك و يرغبونك بالمحافظة على إرث والدكم و ما شيده وما بناه.واقتفاء خطاه. وبين قوم يرغبونكم بمسلك كمال أتاتورك وخطاه ليقضى على تلك الولاية الإسلامية المباركة
ولا نظنك إن شاء الله تحيد عن مسلك ووصايا والدكم غفر الله له وقد قال صلى الله عليه وسلم (ما من وال إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف و تنهاه عن المنكر و بطانة لا تألوه خبالاً فمن وقي شرها فقد وقي وهو إلى من يغلب عليه منها)
حفظ الله ديننا و أمننا و نساءنا وصرف عنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن. وأصلح الله ولاة أمورنا و رزقهم البطانة الصالحة الناصحة.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بقلم / عيسى بن درزي المبلع
خطيب جامع الأمير سعود الفيصل بحائلالخميس 15/ 6/1429هـ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو أحمد العنزي]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 04:20]ـ
جزاك الله ألف خير ......... لكن خطبة الشيخ الرائعة عن النادي الادبي لو تكتب وتنزل لكان افضل أيضاً.
ـ[أبو ثابت النجدي]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 05:50]ـ
شكرا
اخوي معتد وأبشر باخير
الخطبة ستنزل بإذن الله(/)
هكذا الفرق
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[20 - Jun-2008, صباحاً 11:04]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أما بعد
يحكى الشيخ الجهبذ محمد قطب فى شريط أظنه اثر الايمان فى السلوك
يقول وهو فى السجن المكان فيه الفين بالقوة ويأتى وقت يصفر فيه الزبانية (أى عسكر السجن) ومعنى الصفارة أنه على الكل أن ينزل على السلالم ليتواجد فى الحوش فى خمس دقائق ومن سيوجد على السلم بعد الخمس دقائق يجلد خمسين جلدة ومن المستحيل نزولهم كلهم فى الخمس دقائق - فكان الاقوياء يقدمون الضعفاء الذين لا يتحملون الجلد للنزول فيضرب الاقوياء مكانهم هكذا أثر الايمان فى السلوك
وفى هذا الزمن كنا معتكفين فى رمضان عند احد العلماء المصريين ففى الايام الفردية الاخيرة تأتى وجبات جاهزة ويتم الفطور فى المسجد مكان الصلاة قبل صلاة المغرب لنصلى التراويح بعد سنة المغرب مباشرة فنظرا للزحام فى المسجد كان أخر المعتكفين يتأخر استلامهم للوجبة فكان العالم يمسك الميكروفون وينادى يا قوم أشرك من بجوارك فى وجبتك ويتلو الحديث طعام الواحد يكفى الاثنين لننتهى ونصلى ولكن لا حياة لمن تنادى كل منا يقول فى نفسه اصبر ولاتفتح الوجبة كلها دقائق ويأخذ جارى وجبته وهاهم الموزعين يجتهدون اصبر اخى وصابر فان الوجبة رائحتها ترد الروح (اذ كان فيها لحما) (أرأيت الفرق بين الصورتين) اما فى الايام العادية فكنا نفطر فوق المسجد وكان الفطور طازجا طعمه حلو فكان كل منا يأكل بسرعة وبنهم (تأثرا بالسلوك الجماعى) ويقول فى نفسه أكل أكلك كله لئلا تجوع بعد شوية وأيضا أنت لاتستطيع ادخار ما يتبقى منك فسيرمى فى القمامة (وكان يوزع الفطور والسحور وليست ثم وجبة ثالثة) الا لمن اراد فيشترى من خارج المسجد
وفى مرة العالم طلع لصلاة المغرب وجد نوى بلح على مكتب القاء الدروس فأمسك الميكروفون وقال يعنى الذى وضع النوى اتعمى فى نواضره ألم يجد سوى مكتب القاء المحاضرات (وطبعا تعلمون أن أكثر من يحرص على الصف الاول فى الاعتكاف هم الاخوة الملتزمين بالهدى الظاهر (الذين يظنون أنفسهم طلبة علم))
وجاءت شكوى للشيخ فحواها أن الناس الذين يصعدون على السلالم يجدون بصاقا فى طريقهم (وهم حافيين) فنادى الشيخ وقال ما ينفع هذا من البديهيات أن هذا ما ينفع يا اخوان
بالصورة الاولى انتشر الاسلام وبالصورة الثانية انتشر كل قبيح ولن نعذر الى الله الا اذا حققنا الصورة الاولى ولن يغنى عنا التزامنا بالهدى الظاهر (أو محاولة اقناع انفسنا بأننا طلبة علم) شيئا من الله حين نلقاه(/)
هل رحمة الله مخلوقه؟
ـ[شرياس]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 05:14]ـ
جاء في كتاب (أسماء الله الحسنى الهادية إلى الله والمعرّفة به) للأستاذ الدكتور عمر سليمان عبدالله الأشقر [دار النفائس للتوزيع والنشر- الأردن / الطبعة الأولى - 1423 هـ - 2004 م]
الحديث التالي: عن أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن رسول الله (ص) قال {خلق الله مائة رحمة , فوضع رحمة واحدة بين خلقه يتراحمون بها , وعند الله تسعة وتسعون يتراحمون بها} [صحيح سنن الترمذي: 3790] ص 39 من الكتاب المذكور أعلاه.
وقد علّق المؤلف على الحديث بقوله: وقد فقّهنا رسولنا (ص) أن رحمة العباد بعضهم بعضا هو جزء ضيئل من رحمته فالله له مائة رحمة , أنزل منها رحمة واحدة , فبها يتراحم الخلق بينهم , وادخر عنده تسعة وتسعين رحمة , ادخرها للمؤمنين في الآخرة. ا هـ
والسؤال هو , هل الحديث المذكور فعلاً صحيح؟ وكيف يصح هذا الحديث والمعلوم أن جميع صفات الله تعالى ليست بمخلوقه سواء كانت صفات ذاتية أو فعلية أو فعلية محدثة , أرجوا لم لديه علم أن ينفعنا نفع الله به.
ـ[شرياس]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 05:57]ـ
الحمدلله وجدث الجواب الشافي على هذا الرابط
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=861
ولكن ماذا لو أخذ بعض القراء بظاهر الحديث واعتقدوا أن صفات الله تعالى قد تكون مخلوقه , هل يعذرون بالجهل؟ وهل يلزم المؤلف بيان ما هو موجود في الرابط من التفرين بين الرحمة بمعنى الصفة والرحمة المخلوقة؟ ألم يخطأ المؤلف بقوله: فالله له مائة رحمة؟
ـ[المقدادي]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 06:52]ـ
ليس في ظاهر الحديث ما يدل ان صفة الرحمة لله تعالى مخلوقة
ـ[شرياس]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 08:21]ـ
ليس في ظاهر الحديث ما يدل ان صفة الرحمة لله تعالى مخلوقة
أقصد بقولي ظاهر الحديث أي ما قد يظهر للقارىء خصوصاً أن المؤلف قال: فالله له مائة رحمة. ولم يقل الله عنده مائة رحمة
ـ[أبو موسى سليم الجزائري]ــــــــ[13 - Jan-2010, مساء 02:09]ـ
كنت أبحث عن المسألة والحمد لله وجدتها هنا
بارك الله فيكم
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 12:33]ـ
الرحمة المخلوقة المراد بها ما يجعله الله من صفة الرحمة في جبلة المخلوقات، كما يكون من غريزة جبلية في الأم أن ترحم وليدها - مثلا - فهذا وجه كونها مخلوقة .. وهذا جزء من مئة جزء من رحمات الله المخلوقة .. أما الرحمة التي هي صفة الله تعالى، فليست بمخلوقة، لأنه جل وعلا ليس بمخلوق! والصفات المخلوقة لا تكون إلا للذات المخلوقة!
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 12:52]ـ
الرحمة المخلوقة المراد بها ما يجعله الله من صفة الرحمة في جبلة المخلوقات، كما يكون من غريزة جبلية في الأم أن ترحم وليدها - مثلا - فهذا وجه كونها مخلوقة .. وهذا جزء من مئة جزء من رحمات الله المخلوقة .. أما الرحمة التي هي صفة الله تعالى، فليست بمخلوقة، لأنه جل وعلا ليس بمخلوق! والصفات المخلوقة لا تكون إلا للذات المخلوقة!
ظاهُر الحديث أنَّ الرحمة مخلوقة، لا تتكلف في تأويلٍ كتأويلِ الأشاعرة، و لا يُسعفك ذاكَ التأويل، فماهيّة الرحمة واحدة، فكيفَ يكون جزءُ الرحمة مخلوق و هو المرتبط بالآدمي و جزءه الآخر غير مخلوق و هو الألهي، معَ أنَّ الحديث لم يُفصّل شيئاً، و قد عُلّمنا الأخذ بالظاهر!
يقول: (خلق الله مائة رحمة [المائة جنس واحد] , فوضع رحمة واحدة بين خلقه [الجُزء من نفس الجنس] يتراحمون بها , وعند الله تسعة وتسعون يتراحمون بها [البقيّة من نفس الجنس]) ..
أنتَ أمام الحديث، ..
إما تأويل كتأويل الأشاعرة لا يستند على شيء، أو رد الحديث لإيهامه تشابهاً - و هوَ افتراض مطروح بقوّة -، أو أنَّ رحمة الله مخلوقة كما هيَ (أرضُ الله / ناقة الله / روح الله) يُنظر إليها بآثارها، أي أنَّ الماهيّة آثار، فإذن لا يلزمها قاعدتُك الأخيرة: فبما أنَّ الذات غير مخلوقة فكذلكَ الصفات!
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 12:58]ـ
يا أخي بارك الله فيك .. أنا لم أفرق في المئة رحمة بين بعضها والبعض الآخر .. المئة المذكورة في الحديث كلها مخلوقة، وهذا ظاهر الحديث وبه نقول .. ولكنها ليست الرحمة التي هي صفة الله جل وعلا .. وإنما هي من أثرها الذي جعله سبحانه في مخلوقاته .. فما الإشكال؟
فكيفَ يكون جزءُ الرحمة مخلوق و هو المرتبط بالآدمي و جزءه الآخر غير مخلوق و هو الألهي
كل ما هو مذكور في الحديث من الرحمة موصوف بأنه مخلوق، وهذا المرتبط منه بالآدمي الذي مثلتُ أنا به إنما هو جزء منه .. من هذه الرحمة المخلوقة التي وضعها الله للخق في الأرض يتراحمون بها! فما الذي أدخل الرحمة التي هي صفة الله تعالى في الحديث؟؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 01:03]ـ
يا أخي بارك الله فيك .. أنا لم أفرق في المئة رحمة بين بعضها والبعض الآخر .. المئة المذكورة في الحديث كلها مخلوقة، وهذا ظاهر الحديث وبه نقول .. ولكنها ليست الرحمة التي هي صفة الله جل وعلا .. وإنما هي من أثرها الذي جعله سبحانه في مخلوقاته .. فما الإشكال؟
لا فَرق .. ، ماهيّة الرحمة واحدة، لا يجب أن تكونَ ماهيّة الرحمة كماهيّة اليد أو العين، إنما تُعرف الرحمة بآثارها، فرحمةُ الله مخلوقة كذلكَ ..
مثال:
رحمةُ الله على عبده بشفائه من السرطان، أثر، و هوَ أثر مخلوق.
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 01:08]ـ
وقياسا عليه أقول لك، أثر رحمة الأم بوليدها = صيانته والسهر عليه! فإن وصفت هذه الأفعال منها بأنها رحمة، فهي رحمة من صنعها، جاءت كأثر للرحمة التي هي صفتها في ذاتها! وهذا هو التفريق الذي نثبته لله تعالى .. فرحمته التي هي صفة ذاته (وهي ليست بمخلوقة كشأن الرحمة التي تتصف بها ذوات المخلوقين)، من آثارها ما يتراحم به خلقه من الرحمات المخلوقة ..
ومجرد قولك إنها تعرف بآثارها دليل على تفريقك بينها (كصفة لصاحبها) وبين آثارها!
ثم أنت تورد علي الآن كلمة مشتبهة، تقول ماهية الرحمة .. فماذا تعني بها؟
إن كنت تعني الرحمة التي هي صفة منسوبة إلى الذات، فيقال لصاحبها: "رحيم"، فهذا وجه، وإن كنت تعني الفعل الموصوف بأنه رحمة من فاعله، فذاك وجه آخر!
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 01:22]ـ
لا يصح هذا القياس، فأنا ما ضربتهُ من مثال أثر إلهي على الإنسان فهيَ رحمتهُ، و هيَ محلّ النزاع، و ليسَ أثراً بشرياً فيما بين المخلوقات، ..
ما أُريد قوله: الرحمةُ لا تعرفُ إلا بآثارها، فبما أنَّ آثارها مخلوقة، فوصف الخلق عليها أولى كصفة!
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 01:29]ـ
أثر إلهي على الإنسان فهيَ رحمتهُ
فعلى أي شيء يدل الأثر الإلهي؟ ألا يدل على أنه سبحانه موصوفة ذاته بالرحمة؟
بلى ولا شك! فلولا أنه موصوف بالرحمة، ما ظهرت تلك الآثار التي هي رحمات مخلوقة مما يكون في المخلوقات يتراحمون بها فيما بينهم! ولو شاء الله أن يظهر رحمته - التي هي صفته - في غير تلك الرحمات المخلوقات لفعل!
أنت تريد أن تجعل الرحمة التي هي صفة لله تعالى (ولا يعزب على العقلاء فهم معنى الصفة) = هي تلك المذكورة في الحديث، وهذا باطل يدل على بطلانه كلامك أنت نفسك في التفريق بين الصفة وأثرها، فتأمل!!
ويا أخي بارك الله فيك قولك هذا:
فبما أنَّ آثارها مخلوقة، فوصف الخلق عليها أولى كصفة
متناقض أيما تناقض!!
تقول "بما أن آثارها مخلوقة" .. فعلى أي شيء تعود الهاء هنا؟ على الرحمة التي هي صفة .. أليس كذلك؟؟
فالخلق الذي هو أثرها شيء، وهي (كمعنى) شيء آخر! فكيف يستقيم أن يقال "فوصف الخلق عليها أولى"؟؟؟
أتجعل المخلوقات - التي هي الأثر على حد شهادتك - صفة للخالق؟؟؟
ثم ما معنى قولك "وليس أثرا بشريا"؟؟
ـ[ابن العباس]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 01:34]ـ
قال تعالى "وكان بالمؤمنين رحيما" ومن هنا فرق العلماء بين الرحمن والرحيم
أن الأول بيان للصفة من حيث تعلقها بالله تعالى وصفاً ملازماً لذاته العلية
والثاني وصف له سبحانه من جهة آثارها ولهذا يقال رحيم بكذا,,
ولايقال رحمن بكذا "الرحمن على العرش استوى"
, وما يقال عن الرحمة يقال عن الغضب فثم صفة
وثم أثر للصفة, وجعل الاثنين واحداً هو التأويل
والله الموفق
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 01:39]ـ
أنت تريد أن تجعل الرحمة التي هي صفة لله تعالى = هي تلك الموصوفة في الحديث،
لا غير صحيح! لا أعرفُ الرحمة إلا بآثارها .. و هيَ المخلوقة، الرحمةُ لفظ معيّن كاليد و العين، المعنى واحد عقلاً، الكيفيّة تختلف، كيف َ أعرف أنّ الله رحيم؟ بآثارهِ، هذا كُل ما في الموضوع.
ملاحظة:
لا داعي لتعديلِ كلامٍ سابق لك عن تعليقٍ لي، مما يوهم أنني لم أطلع عليه، فالصفحة تتسع و لا تكلفك شيئاً، فمزايا الإشراف دعها جانباً.
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 01:45]ـ
فوصف الخلق عليها أولى كصفة
استفصل عنها قبل هذا، سبق قلم، الصفة هناك كماهيّة، أي شيء.
.............................. .............................. ...........
أخي - ابنُ العباس -، وفقكَ الله:
قال تعالى "وكان بالمؤمنين رحيما" ومنهنا فرق العلماء بين الرحمن والرحيم
أن الأول بيان للصفة من حيث تعلقها بالله تعالى وصفاً ملازماً لذاته العلية
والثاني وصف له سبحانه من جهة آثارها ولهذا يقال رحيم بكذا,,
ولايقال رحمن بكذا, وما يقال عن الرحمة يقال عن الغضب فثم صفة
وثم أثر للصفة, وجعل الاثنين واحداً هو التأويل
والله الموفق
الرحمنُ هوَ الاسم الصفة، في ذاتهِ، الرحمة هيَ الأثر، أبو الفداء أتى بلوازم ما شاءَ الله، خلافي معهُ لفظي، أُريد أن أفرّق بين الرحمن الذي تنطلق منه الرحمة، و الرحيم الاسم الذي تظهر الرحمات كآثار له، هذه الآثار هيَ الرحمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن العباس]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 01:49]ـ
لا أوافقك وفقك الله
الرحمة لا تساوي الأثر وتأمل قول الله "فانظر إلى آثار رحمة الله"
فلو صح كلامك لكان المعنى "انظر إلى رحمات رحمة الله"!
الرحمة صفة تقوم بالله عزوجل
فاسم الله الرحيم
-يدل على ذات متصفة بالرحمة بدلالة المطابقة
-وعلى ذات أو صفة بدلالة التضمن
-وعلى صفة الحياة مثلا بدلالة اللزوم
والله أسأل أن يرحمنا
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 01:50]ـ
لا غير صحيح! لا أعرفُ الرحمةَ إلا بآثارها .. و هيَ المخلوقة، الرحمةُ لفظ معيّن كاليد و العين، المعنى واحد عقلاً، الكيفيّة تختلف، كيف َ أعرف أنّ الله رحيم؟ بآثارهِ، هذا كُل ما في الموضوع.
سبحان الله .. تلك الرحمة التي هي كاليد والعين هي الأثر المخلوق للصفة الذاتية! فأي كيفية التي تختلف؟؟ نعم تعرف أن الله رحيم بآثاره .. هذا صحيح، ولكن آثاره المخلوقة شيء، وصفة الرحمة الملازمة لذاته، التي بسبب اتصافه بها خلق تلك الآثار، شيء آخر!! ما الإشكال في هذا؟؟
لا داعي لتعديلِ كلامٍ سابق لك عن تعليقٍ لي، مما يوهم أنني لم أطلع عليه، فالصفحة تتسع و لا تكلفك شيئاً، فمزايا الإشراف دعها جانباً.
هذا اتهام بالتدليس لا أقبله! أنا لم أخرج عن حد الوقت المتاح للأعضاء في التعديل (فلا دخل لمزايا الإشراف بالأمر) .. إنما أجد أحيانا زيادة أريد إضافتها بعد نشر التعقيب مباشرة فأضعها .. وكونك لم تلتفت إليها فهذا وارد .. ويقع كثيرا من الأعضاء أمثال تلك التعديلات في حدود الوقت المتاح لهم، ولا إشكال في ذلك ما دام الموضوع لا يزال مفتوحا للمناقشة، وإنما يكون التعديل تدليسا إن وقع بعد إغلاق الموضوع!
وعلى أي حال فالموضوع لا يزال أمامك ودونك كل ما زدته أنا .. فراجعه من أوله إلى آخره وعلق على ما شئت منه، لا يمنعك أحد!!!!
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 01:58]ـ
قلتَ:
سبحان الله .. تلك الرحمة التي هي كاليد والعين هي الأثر المخلوق للصفة الذاتية! فأي كيفية التي تختلف؟؟ نعم تعرف أن الله رحيم بآثاره .. هذا صحيح، ولكن آثاره المخلوقة شيء، وصفة الرحمة الملازمة لذاته، التي بسبب اتصافه بها خلق تلك الآثار، شيء آخر!! ما الإشكال في هذا؟؟
قلتُ:
الرحمنُ هوَ الاسم الصفة، في ذاتهِ، الرحمة هيَ الأثر، أبو الفداء أتى بلوازم ما شاءَ الله، خلافي معهُ لفظي، أُريد أن أفرّق بين الرحمن الذي تنطلق منه الرحمة، و الرحيم الاسم الذي تظهر الرحمات كآثار له، هذه الآثار هيَ الرحمة.
في ذاته: المتعلقة بها.
لا أعرفُ الرحمةَ إلا بآثارها
عدلتُها من حينها، لكن حب الانتصار يُعمي و يصم!
هذا اتهام بالتدليس لا أقبله!
لم أتهم أحداً، و الحمدُ لله ..
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 02:05]ـ
الرحمنُ هوَ الاسم الصفة، في ذاتهِ، الرحمة هيَ الأثر، أبو الفداء أتى بلوازم ما شاءَ الله، خلافي معهُ لفظي
كلا ليس خلافك معي لفظيا! كيف وأنا من أول مشاركة ما أريد منك إلا أن تثبت لله صفة اسمها الرحمة، تفرق بينها وبين آثارها على العباد التي هي تلك الرحمات المخلوقة؟
الله تعالى يوصف بأنه كريم .. أليس كذلك؟ فالكرم - بهذا اللفظ - صفة من صفاته .. يعني نقول الله موصوف بالكرم، جل وعلا.
فعندما يقال لشيء من نعمه سبحانه (مثلا) = هذا الكرم من الله فضل ومنة، هل يعني هذا أن لفظة "كرم" هذه لا توصف بها ذات الله، ولا تطلق إلا لإرادة المخلوقات التي هي نعمه وعطاياه سبحانه؟؟
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 02:32]ـ
أخي، أنت بدأت معي هذا السجال لما فهمتَ من كلامي أني أجعل الرحمة المخلوقة قسمين، قسم إلهي وقسم "بشري" وقد بينت لك فساد هذا المفهوم وأنه ليس مرادي، وبينت لك وجه قول العلماء إن الرحمة تنسب إلى الله أو تضاف إليه على معنيين: الرحمة التي هي صفته الذاتية، والرحمة التي هي الأثر المخلوق لتلك الصفة، وأن تلك الرحمات المئة المذكورة في الحديث إنما هي الأثر المخلوق للرحمة التي هي صفته سبحانه ..
فدخلتَ بي - سامحك الله - في الكلام عن "الرحمن الذي تنطلق منه الرحمة" و"كيفية" الرحمة و"ماهية الرحمة" وكلام كلما فككتُ طلسمه جئتني بأبهم منه، ثم ختمتَ بأن وصفت خلافك معي باللفظي!
(يُتْبَعُ)
(/)
فدعك من كل ما سبق، وقل لي - بارك الله فيك - أين المشكلة عندك في هذا المعنى الذي حررتُه لك الآن باللون الأزرق؟
عدلتُها من حينها، لكن حب الانتصار يُعمي و يصم!
إذن فقد عدلتَ أنت في مشاركتك بعد أن نشرتَها، ولكنني لم أر هذا التعديل إلا الآن!
فأذكرك بهذه:
لا داعي لتعديلِ كلامٍ سابق لك عن تعليقٍ لي، مما يوهم أنني لم أطلع عليه، ....
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 02:56]ـ
إن الرحمة تنسب إلى الله أو تضاف إليه على معنيين: الرحمة التي هي صفته الذاتية، والرحمة التي هي الأثر المخلوق لتلك الصفة، وأن تلك الرحمات المئة المذكورة في الحديث إنما هي الأثر المخلوق للرحمة التي هي صفته سبحانه ..
فدخلتَ بي - سامحك الله - في الكلام عن "الرحمن الذي تنطلق منه الرحمة" و"كيفية" الرحمة و"ماهية الرحمة" وكلام كلما فككت طلسمه جئتني بمثله، ثم ختمتَ بأن وصفت خلافك معي باللفظي!
فدعك من كل ما سبق، وقل لي - بارك الله فيك - أين المشكلة عندك في هذا المعنى الذي حررتُه لك الآن باللون الأزرق؟
لا أُخالفكَ فيه، لكني لا أستدلُّ عليه كما استدللتَ، فلم أفهم معنى الرحمة إلا بالأثر، و لذلك قلتُ:
أُريد أن أفرّق بين الرحمن الذي تنطلق منه الرحمة، و الرحيم الاسم الذي تظهر الرحمات كآثار له، هذه الآثار هيَ الرحمة.
بدليل - لا جدال أقوم به هكذا -:
قول النبي صلى الله عليه و سلم:
(من علِمَ أنَّ له رباً يغفر الذنب غفر له)، فما دخلُ الربوبيّة بالغفران، إذن أنَّ المغفرة تنطلق أساساً من صفةِ الغفور، المغفرة التي هيَ أكبر تعقيداً من الرحمة، فالرحمة لا تظهر إلا بأثر - كما هو اعترافكَ -، إلا أنَّ المغفرة لا تظهرُ إلا لاحقاً يوم القيامة، حينها نعلمُ أنَّ الله غفرَ لنا، كيفَ عرفنا أنّ الله غفور؟
- بإخبارهِ.
كيف عرفنا أنَّ الله رحيم؟
- بآثارهِ، فاللفظةُ لا تحتُملُ إلا الأثر.
كيفَ أثبتنا بأنَّ الله يتصف بالرحمة؟
- ليسَ من لفظة الرحمة، إنما من إخبارهِ، فاللفظة لا تحتملُ ذلك - كما أسلفنا -
فالرحمةُ أكثر ظهوراً من المغفرةِ، لأنَّ المغفرةَ - بتعريفها الشرعي - لا تُعرفُ إلا يومَ القيامة، أقصد أثر مغفرة الله، أما الرحمة فنعرفُ جزءً منها في الدنيا، فنعرف ماهيتها و هي الأثر، لا أقلَّ و لا أكثر ..
إذن فقد عدلتَ أنت في مشاركتك بعد أن نشرتَها، ولكنني لم أر هذا التعديل إلا الآن!
فيه زيادة ترصّد و فرق علمي لا نحوي فهو مؤثر على محل النزاع .. يا عزيزي.
و على العموم: سامحنا الله و إياك، و إنْ عدتم عدنا.
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 07:43]ـ
(من علِمَ أنَّ له رباً يغفر الذنب غفر له)، فما دخلُ الربوبيّة بالغفران، إذن أنَّ المغفرة تنطلق أساساً من صفةِ الغفور، المغفرة التي هيَ أكبر تعقيداً من الرحمة، فالرحمة لا تظهر إلا بأثر - كما هو اعترافكَ -، إلا أنَّ المغفرة لا تظهرُ إلا لاحقاً يوم القيامة، حينها نعلمُ أنَّ الله غفرَ لنا، كيفَ عرفنا أنّ الله غفور؟
- بإخبارهِ.
كيف عرفنا أنَّ الله رحيم؟
- بآثارهِ، فاللفظةُ لا تحتُملُ إلا الأثر.
كيفَ أثبتنا بأنَّ الله يتصف بالرحمة؟
- ليسَ من لفظة الرحمة، إنما من إخبارهِ، فاللفظة لا تحتملُ ذلك - كما أسلفنا -
فالرحمةُ أكثر ظهوراً من المغفرةِ، لأنَّ المغفرةَ - بتعريفها الشرعي - لا تُعرفُ إلا يومَ القيامة، أقصد أثر مغفرة الله، أما الرحمة فنعرفُ جزءً منها في الدنيا، فنعرف ماهيتها و هي الأثر، لا أقلَّ و لا أكثر ..
مراء محض .. وتفريق متكلف بين صفة المغفرة وصفة الرحمة لا علاقة له بما نحن فيه أصلا ... والله المستعان!
نحن علمنا أن الله غفور من إخباره عن نفسه، وكذا الشأن في الرحمة .. أما كون الرحمة تظهر في الدنيا والآخرة بينما المغفرة لا تظهر إلا في الآخرة، فصحيح ولكن ما دخل هذا بمحل النزاع؟؟؟؟؟؟؟
أنت تقرر الآن قبول المعنى المعلم عليه بالأزرق ..
فيا أخي أي استدلال عليه في كلامي الذي ترفضه؟؟
أليست رحمة الأم بوليدها من الرحمات التي خلقها الله في الدنيا، وهي من آثار الرحمة التي هي صفة ذاته سبحانه؟؟؟ أليس هذا مما وصفه النبي عليه السلام بأنه جزء من مئة جزء = يتراحم به الخلق؟؟ فأي استدلال الذي تعترض عليه؟؟
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 08:07]ـ
مراء محض
لا أُكمل بهذه الأخلاق، و المراء عمل قلبي، هل رأيتَهُ؟ / مع أنّهُ في جعبتي مَزيدَ قول!
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 08:39]ـ
يا أخي الكريم أحسن الله إليك، لا أتهم نيتك، أسأل الله لي ولك الإخلاص .. ولكن خبرني بالله عليك ما وجه هذا الكلام عن المغفرة وما علاقته بمحل النزاع؟؟ لماذا تصر على الابتعاد عن المقصود كلما قربتك إليه؟؟
أعتذر إليك إن كان قد ساءك أسلوبي ..
ولكن أنا ما عدت أفهم وجه اعتراضك، ولا أظن أحدا من القراء يفهمه، والله المستعان!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 08:52]ـ
فرِّق بين هذه المعاني الثلاثة:
/// الصفة
/// الموصوف
/// أثر الصفة.
ووافقني على أن اسم الصفة قد يطلق أحيانا على أثرها، فيقال لمخلوق من المخلوقات "هذا رحمة من الله" ويراد إنه من آثار رحمة الله التي هي صفته ..
فإن أقررت بهذا، زال الإشكال وانتهى الجدال وكفانا الله التشعيب وطول المقال!
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 08:59]ـ
أخي الكريم:
توضيحُ القول:
الرحمةُ لفظ - تفهم لغوياً - بأنها أثرٌ متعدٍّ، لا تفهم بلزومها صاحبها، هي كلفظة رحمة، فهذا ما قصدتهُ من أنَّ الرحمة لا تُعرف إلا بآثارها، لا تحتاج مزيدَ شرح!
طيبْ .. تقول: هل الله عز وجل موصوف بالرحمة؟
- نعم.
كيف علمت ذلك؟
- بإخبارهِ أنه رحيم رحمن (يا ربِ ارحمني و أخي أبي الفداء)، أي من إخباره لنا لا من اللفظة التي ألزمناها الأثر المتعدي و الصفة اللازمة، و هوَ سببُ ضربي للمثالِ عن المغفرة، فالمغفرة، لو لا أنَّ الله أخبرنا بمغفرتهِ لم نعلم أنهُ غفور، لعدمِ ظهورِ الأثر المتعدي.
و لذلكَ: أقول خلافي لفظي و مآلات القول واحدة، لكنني لم أفهم من كلمة (الرحمة) غير الأثر، لا الصفة اللازمة المثبَتة بالإِخبار.
لماذا تصر على الابتعاد عن المقصود كلما قربتك إليه؟؟
لا إصرار عندي، ففرقٌ بين النقاش و الحوار الذي يجب أن يضع المحاورَين في ذهنهما التساوي (أي قولي صواب يحتملُ الخطأ، و قول غيري خطأ يحتمل الصواب)، بخلافِ موضعِ الطلب، الذي يكون فيه إحدى الجهتين أعلى من الأُخرى، و تصرفُك في آداب العلم مرفوضٌ، و أينما أعرف الحق سأتبعهُ بلا شك، حتى لو كانَ من إبليس، أعوذُ بالله منهُ.
و صلى الله على نبينا محمد و على آلهِ و صحبهِ و سلم.
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, صباحاً 10:42]ـ
بخلافِ موضعِ الطلب، الذي يكون فيه إحدى الجهتين أعلى من الأُخرى
يا سيدي الفاضل مقامك محفوظ على العين والرأس .. وليس في كلامي ما يوحي بأنك في مقام الطلب أو بأني أعلى منك، وإن كنت قد توهمت هذا منه فتقبل معذرتي ..
إنما في كلامي تشديد في الرد على من يخالف كلام أهل العلم ولا يفضي بمخالفته إلا إلى التلبيس على من فهم كلام العلماء في هذه المسألة، فليس الخلاف في نظري مما يقال فيه رأيي كذا ورأيك كذا .. والله المستعان!!
الرحمةُ لفظ - تفهم لغوياً - بأنها أثرٌ متعدٍّ، لا تفهم بلزومها صاحبها
هنا مربط الفرس ومحل الإشكال فيما يظهر ..
فالرحمة في الحقيقة تفهم لغة على الوجهين بحسب السياق، لا على الوجه الذي ذكرتَه فقط ..
/// فقد تأتي على أنها تلك الصفة التي تكون في الموصوف بها، فتنتج عنها لوازمها وآثارها.
قال الجوهري في الصحاح:
"الرَحْمَةُ: الرِقَّةُ والتعطُّفُ. والمرحمةُ مثلهُ. وقد رَحِمْتُهُ وترَحَّمْتُ عليه. وتراحَمَ القوم: رَحِمَ بعضُهم بعضاً. والرَحَموتُ من الرَحْمَةِ"
وتأتي أيضا ويراد بها أثر الرحمة، ففي المعجم الوسيط:
" (الرحمة) الخير والنعمة وفي التنزيل العزيز) وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم"
وفي تاج العروس بيان مهم:
"الرَّحْمة: رِقَّة (أي صفة ذات) تَقْتَضِي الإحسان (أثرها) إلى المَرْحُوم، وقد يُسْتَعْمَل تارَةً في الرِّقَّة المُجرَّدة وتَارةً في الإحسان المُجَرَّد وتارة في الإحسان المُجَرَّد عن الرِّقَّة" (ما بالأحمر بين المعقوفات كلامي)
وفي مقاييس اللغة:
"الراء والحاء والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الرّقّة والعطف والرأفة. يقال من ذلك رَحِمَه يَرْحَمُه، إذا رَقَّ له وتعطَّفَ عليه"
/// فعندما أقول إن من صفات الله الرحمة، أي أنه موصوف بها كصفة ذات، فأنا لا أتكلم عن لوازم تلك الرحمة، التي هي الإحسان والإنعام والمغفرة وغير ذلك، إنما أتكلم عن صفة ذاته سبحانه، أنه رحيم، موصوف بالرحمة على الوجه اللائق بجلاله سبحانه وتعالى ..
وقد عطل قوم تلك الصفة عن الله تعالى وأولوها إلى إرادة الإحسان وإرادة النعمة والفضل ونحو ذلك، لأنهم توهموا أن الرحمة لازمها الضعف أو الاستكانة أو كذا، وهذا باطل لا يصح في المخلوقين أصلا، والملك القادر عندما يرحم فإنه يمن ويتفضل، فيزداد كمالا بذلك ... فما بالك بالخالق الملك العزيز، الذي له المثل الأعلى سبحانه وتعالى؟
(يُتْبَعُ)
(/)
فالله موصوف في ذاته بالرحمة، كما أن آثار تلك الصفة منه رحمات، نسأل الله أن يفيض علينا منها، آمين.
ـ[أبو موسى سليم الجزائري]ــــــــ[14 - Jan-2010, مساء 01:32]ـ
الآن والله ما استفدت شيئا
سأعاود النظر لعلي أفهم فحوى النقاش
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, مساء 02:10]ـ
بسمِ الله الرحمنِ الرحيم، ..
قلتَ - أثابكَ الله -:
هنا مربط الفرس ومحل الإشكال فيما يظهر ..
فالرحمة في الحقيقة تفهم لغة على الوجهين بحسب السياق، لا على الوجه الذي ذكرتَه فقط ..
/// فقد تأتي على أنها تلك الصفة التي تكون في الموصوف بها، فتنتج عنها لوازمها وآثارها.
قال الجوهري في الصحاح:
"الرَحْمَةُ: الرِقَّةُ والتعطُّفُ. والمرحمةُ مثلهُ. وقد رَحِمْتُهُ وترَحَّمْتُ عليه. وتراحَمَ القوم: رَحِمَ بعضُهم بعضاً. والرَحَموتُ من الرَحْمَةِ"
وتأتي أيضا ويراد بها أثر الرحمة، ففي المعجم الوسيط:
" (الرحمة) الخير والنعمة وفي التنزيل العزيز) وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم"
وفي تاج العروس بيان مهم:
"الرَّحْمة: رِقَّة (أي صفة ذات) تَقْتَضِي الإحسان (أثرها) إلى المَرْحُوم، وقد يُسْتَعْمَل تارَةً في الرِّقَّة المُجرَّدة وتَارةً في الإحسان المُجَرَّد وتارة في الإحسان المُجَرَّد عن الرِّقَّة" (ما بالأحمر بين المعقوفات كلامي)
وفي مقاييس اللغة:
"الراء والحاء والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الرّقّة والعطف والرأفة. يقال من ذلك رَحِمَه يَرْحَمُه، إذا رَقَّ له وتعطَّفَ عليه"
و هنا محطّ الجمّال، ..
مقال ُ (الجوهريّ) و (ابن فارس) مقبولان في التفسير اللُغوي لتقدمهما، أما (المعجم الوسيط)، فمُتأخر، و الزَبيدي متأخر نسبياً، و لا إشكال، سأقبلُ قولَ الزبيدي على تأخره، و أرفضُ قولَ المعجم الوسيط، لعلّة أهميّة النظر في تدرج الكلمة في المعاجم تاريخياً، و لا أظنُّ بإسقاطي للمعجم الوسيط سيتأثر كلامكَ بشيء بل في إسقاطه دفاع عن رأيك، فالخير و النعمة لا تعدوان أمثلةً للرحمات لا كُلها، و فسروا الرحمة بالمثال، و هي آثار، تنصرُ قولي لا قولك!!
و لكنْ خذها، لا أريدها ...
يقول ُ في لسانِ العرب - زيادةً على نقلكَ -:
الرحمةُ: الرقّة و التعطف، و المرحمةُ مثله ..
يقولُ - كذلكَ -: الرحمةُ: المغفرة!!
و يقول: القرآنُ رحمة، بنصه، لأنه كانَ سببَ إيمانهم، و ينقل عن الأزهري، في قوله تعالى: (ابتغاء رحمة ٍ ... ) أي رزق.
و قوله: (و ما أرسلناك إلا رحمةً): أي: أي عطفاً و صنعاً، (و إذا أذقنا الناس رحمةً من بعدِ ضراء ... )، أي حياَ و خصباً بعد مجاعة ..
و انظر إلى هذا الكلام الدقيق:
و الله الرحمنُ الرحيم: بُنيت الصفة الأولى على فعلان، لأن معناه الكثرة، و ذلك لأن رحمتهُ وسعت كل شيء، و هو أرحم الراحمين، فأما الرحيم فإنما ذكر بعد الرحمن، لأنَّ الرحمن مقصور على الله عز وجل، و الرحيم قد يكون لغيره.
ثم ضرب أمثلة ً على الرحمة، مدارها على قسمين: عمل ذاتي (= أي أثر على الذات) و عمل متعدي (= أثر على الآخر).
طيب ..
تقول: و ما العطف و الرِقّة - التي دارت المعاجم عليها -؟
أقول هنا هيَ المشكلة عندي، و هيَ:
+ العطف - في اللغة -: عطِفَ عليه: رقّ له (سنأتي على معنى الرقة)، عطفتُ عليه: أشفقت (!!)، يقال عطفتُ رأس العود فانعطف، أي حنيته فانحنى (!!)، و أعطفتُ أي: ملتُ.
إذنْ؛ ..
هل يصح وصفُ الله عزو جل بالإشفاق و الانحناء و الإمالة، التي كُلها تدور حول الخضوع؟
هل تُريد أنْ آتيكَ بمعنى الإشفاق، لتعرف مآل تفسير الألفاظ، دونَ الوقوف على ظواهرها؟
+ الرِّقة - في اللغة -، (وقد فُسر العطف بالرقة، ففي بيانها بيان للأخرى): هيَ ضد الغِلَظ، و يقال: فلانٌ رقيق الدين، و رجلٌ رقيق: أي ضعيف هيّن، و الرقة مصدر يؤخذ منها الرقيق: العبد (!!)، و فتنتهُ حتى رق: أي ضعف، و الرِّقةُ: الرحمة ..
قلتُ:
(1) هل يصح أن نصف الله عز وجل بالضعف، و هي مآل كلمة رِقّة؟
(2) في تفسيره الرقة بالرحمة دورٌ عجيب، كيف يفسر الرقة بالرحمة و الرحمة بالرقة؟!
تلخيصُ ما سبق:
++ الرحمة فسرت غالباً بالأمثلة (رزق، مغفرة، الخِصب، الحياة)، و هيَ الآثار.
++ أنَّ العطف و الرقة التي تعتبر كليات التفسير، لا يصح وصف الله تعالى بهما لما سَبَق.
إذنْ، ما العمل؟
نقول: تبقى الرحمة لا تُعرف إلا بآثارها!!، و وصفُ الله عز وجل نفسه بالرحمة يبقى من باب الإخبار لا من نفس الكلمة.
شَكرَ الله لكم على تحمل مشاغباتنا .. و إلا فأنّ الأمرَ دين.
أسأُل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاتهِ العلى أن يرحمنا، و من قال آمين.
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, مساء 02:56]ـ
إضافة توضيح:
أما اتصاف الإنسان بالرحمة المخلوقة من الله عز وجل، فلا إشكال بإلزامها معنى الرقّة و العطف، و الإشفاق و الانحناء و الضعف، لأنها صفات لازمة للإنسان أصلاً!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, مساء 03:56]ـ
لأنهم توهموا أن الرحمة لازمها الضعف أو الاستكانة أو كذا، وهذا باطل لا يصح في المخلوقين أصلا، والملك القادر عندما يرحم فإنه يمن ويتفضل، فيزداد كمالا بذلك ... فما بالك بالخالق الملك العزيز، الذي له المثل الأعلى سبحانه وتعالى؟
و على ما سَبَق،
يفرقُ قولي عن قولِ المُعطّلة، فلم أتوهم الضعف و ليسَ هوَ لازم، بل هو التفسير المُطابق، و صرفه واجبٌ عن الله عزَ وجل، و قولكَ الذي لونتُه بالأحمر غلط محض، فالرحمة شيء، و قيام فعل التمنن و التفضل شيء آخر تلازما معاً، لا كأنهما شيءٌ واحد، بدليل قولكَ: عندما .. ، و لتعلم أنني أتصور في لفظة الرحمة أنها تسلتزمُ البكاء و خفقان القلب و الحزن، فهل هذه تلزمُ الرحمة التي يتصفُ بها الله عزَ وجل؟
حاشا و كلا ..
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, مساء 07:50]ـ
الحمد لله الذي أظهر لي حقيقة وجه اعتراضك بعد طول سجال ...
ولا أدري كيف تدعي أن الخلاف لفظي وأنك توافق على قولي:
إن الرحمة تنسب إلى الله أو تضاف إليه على معنيين: الرحمة التي هي صفته الذاتية، والرحمة التي هي الأثر المخلوق لتلك الصفة، وأن تلك الرحمات المئة المذكورة في الحديث إنما هي الأثر المخلوق للرحمة التي هي صفته سبحانه ..
وأنك لا تعترض إلا على "الاستدلال" عليه عندي، مع أن كلامك الأخير يبين بوضوح أنك تنفي أن تقوم بذات الله صفة اسمها الرحمة، لأنها في اعتقادك ليست في حقيقتها إلا الرحمة المخلوقة؟؟
/// لو أظهرت لي حقيقة اعتراضك على نسبة صفة الرحمة لله تعالى من أول الكلام لوفرت علينا عشرين مشاركة من الروغان والسجال الذي تاه بسببه بعض الإخوة المتابعين للحوار ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
يا أخي الفاضل قولك هذا هو عين قول المعطلة، لأنك بكل وضوح تخلع صفة الرحمة (بسبب معناها الذي تتخوف منه) عن الذات وتنزلها على آحاد المخلوقات، فتجعلها لا تعني إذا ما أطلقت في حق الله تعالى إلا تلك المخلوقات بعينها، على أنها - أي تلك الرحمات المخلوقة التي ذكرها الحديث - من أفعال الإحسان والمن والفضل على العباد، ومن ثم يتحقق فيها معنى الرحمة، دون اتصاف الذات الإلهية نفسها بمعنى الرحمة ..
وأنا أسألك: هل يقول المعطلة والمؤولة إلا بهذا؟؟؟؟
/// لا حقيقة لقولك:
فلم أتوهم الضعف و ليسَ هوَ لازم
فكلامك صريح في أن نسبة صفة الرحمة لله ووصفه بأنه رحيم كوصف ذات ملازم له سبحانه (كما هو الشأن في غيرها من الصفات)، يلزم منه عندك ما يجعلك تضطر إلى نفيها عن الذات وقصرها على أفعال التفضل والإحسان التي يسبغها سبحانه على خلقه رحمةً منه! وهذا مسلك المتكلمة كما هو معلوم.
/// وقولك هذا:
نقول: تبقى الرحمة لا تُعرف إلا بآثارها!!، و وصفُ الله عز وجل نفسه بالرحمة يبقى من باب الإخبار لا من نفس الكلمة.
= محض تلبيس!
لأن هناك فرقا واضحا بين إثبات الصفة وأثرها والاستدلال على وجودها في ذات الموصوف بهذا الأثر اللازم لها (مع الزعم بأن ذلك الأثر هو السبيل الوحيد لمعرفتها)، وبين نفي معنى الصفة عن الذات - تخوفا من بعض لوازمه المظنونة - وقصر معناها كلما وردت في النص على تلك الآثار المخلوقة فلا نقول "رحمة الله" إلا ونحن نعني تلك الآثار!
و لتعلم أنني أتصور في لفظة الرحمة أنها تسلتزمُ البكاء و خفقان القلب و الحزن، فهل هذه تلزمُ الرحمة التي يتصفُ بها الله عزَ وجل؟
هذا هو عين اعتقاد المؤولة والمعطلة، وهو تصور باطل مردود.
لا تستلزم الرحمة شيئا من هذا، لا في حق المخلوق ولا في حق الخالق جل وعلا .. ثم حتى لو سلمنا بأن بعض هذه الأمور الخلقية تكون لازمة في المخلوقين عند ظهور الرحمة عليهم، فالأصل الأصيل والقاعدة الكبرى عند أهل السنة أنهم يثبتون المعنى على الوجه اللائق بذات الله سبحانه وتعالى، دون تشبيه ولا تكييف! وهذا الذي ذكرته من أحوال المخلوقين وكيفياتهم، الله منزه عنه جملة واحدة، ولا دخل له بصحة المعنى في حق ذاته جل وعلا!
وإلا فعلى كلامك هذا فإن بذل الله تعالى للمودة والمحبة لأوليائه يلزم منه أيضا اضطراب القلب والخوف من الفراق والتألم والقلق و ... ويلزم كذلك من الغضب ارتفاع ضغط الدم والخروج عن حال الاتزان إلى حال يكره أن يراها الإنسان في نفسه .. الخ، وبإطراد هذه الأحوال التي تكون في المخلوقين، وجعلها - زورا وعدوانا - لوازم لمعاني الصفات، تتعطل سائر صفات الله ويقال فيها مثل قولك هذا، فتأمل!!!
نحن نتكلم عن الرحمة اللائقة بالله تعالى، والمودة والمحبة اللائقة به، والتردد اللائق به (الوارد في حديث من عادى لي وليا)، وجميع ذلك عندنا معاشر أهل السنة هو في حق الله منزه عما يكون معه في المخلوقين من كيفيات وأحوال ناقصة لنقص ذواتهم المخلوقة .. والسلف ما كانوا يتورعون عن وصف الله بأنه رفيق بعباده، وعن تفسير صفة الرحمة في حقه تعالى بأن معناها كما في المعاجم: الترقق بهم، والتعطف عليهم، إذ هذه حقيقة معاني صفة الرحمة، وهي ثابتة في حق الله كثبوت صفة الرحمة، دون أن يلزم لها هذا التصور البشري الذي تصورته أنت!!
وقد ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: الرحمن الرحيم اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر .. أي أنهما يدلان على الرحمة وهي معنً فيه رقَّة إذ يقتضي الإحسان والإنعام والإكرام (وهذا من التلطف بالمخلوقين) بخلاف الشدة والقسوة التي تقتضي العذاب والأخذ والبطش .. وحُكي عن ابن عباس أيضا أنه قال: الرحمن: الرفيق بالعباد، والرحيم أي العاطف عليهم ..
فتأمل في هذا الكلام بروية بارك الله فيك ..
أسأل الله أن يهديني وإياك سبيل الرشاد.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, مساء 08:11]ـ
وأنك لا تعترض إلا على "الاستدلال" عليه عندي، مع أن كلامك الأخير يبين بوضوح أنك تنفي أن تقوم بذات الله صفة اسمها الرحمة، لأنها في اعتقادك ليست في حقيقتها إلا الرحمة المخلوقة؟؟
محضُ تخبّط / و عدم قراءة كافية للنص.
يا أخي الفاضل قولك هذا هو عين قول المعطلة، لأنك بكل وضوح تخلع صفة الرحمة (بسبب معناها الذي تتخوف منه) عن الذات وتنزلها على آحاد المخلوقات، فتجعلها لا تعني إذا ما أطلقت في حق الله تعالى إلا تلك المخلوقات بعينها، على أنها - أي تلك الرحمات المخلوقة التي ذكرها الحديث - من أفعال الإحسان والمن والفضل على العباد، ومن ثم يتحقق فيها معنى الرحمة، دون اتصاف الذات الإلهية نفسها بمعنى الرحمة ..
وأنا أسألك: هل يقول المعطلة والمؤولة إلا بهذا؟؟؟؟
محضُ تعصّب .. !
++ آتيناكَ بألفاظِ اللغة هربتَ، أتيناكَ بالتطابق و ليسَ التلازم عنّفتَ، ما أدري حقيقةً ما تريد؟
++ الرقة و العطف لغةً، هل تثبُت لله عزَ و جل؟
++ معنى جملتي المهمّة: أُثبت معنى الرحمة بآثارها - و هذا لا نختلف عليه -، أصفُ الله تعالى بالرحمة لأنهُ أخبرَ، أُفوضُ - هنا - المعنى و الكيفيّة لكني أُثبت جزء الإخبار بالآثار و الجزء الذاتي لا أعلمُ معناهُ، لأنَّ معنى الرحمة كما رأيتَ فيه لوازم عجيبة ..
+ لم أُعطّل و لم أتأول، و لو أردتُ التأويل لحاولت صرفَ لفظ الرحمة إلى غيرِ المراد فيما نقلتُه، و لو أردتُ تعطيلاً، لقلتُ: الله لا رحمةَ عنده أو أن رحمته غير ظاهرها الملفوظ، لأنها تستلزمُ ما ذكرتَ، و لكنهما كلمتان حفظتهما و خفتَ منهما كخوفكَ من الدجال، فقولٌ لم يقله العلماء إما تعطيل أو تأويل، و صاحبه جهمي أو زنديق، يا ربِ سلم سلم!
أخي الكريم:
تشنُجكَ هذا يقلقني، لا استطيع الإكمال معكَ، عندما تُعلن أنكَ تريد الحق، أخبرني!
ـ[عبدُ الله الحُسيني]ــــــــ[14 - Jan-2010, مساء 08:17]ـ
و السلامُ عليكم و رحمةُ الله و بركاته، و إنْ عُدتم لن نعود
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[14 - Jan-2010, مساء 08:46]ـ
تشنُجكَ هذا يقلقني
أي تشنج؟؟ سبحان الله!
أتيناكَ بالتطابق و ليسَ التلازم عنّفتَ
أي تعنيف؟؟
التطابق المعنوي بين الرحمة والمعاني المذكورة في المعاجم أنا أقره وأقبله ولا أتحرج منه، أما لوازم المخلوقين التي علقت في ذهنك أنت وارتبطت بإثبات تلك المعاني فليست بلازمة عند أهل السنة ولا يقول بها إلا المعطلة!
فأين "التشنج" و"التعصب" و"التعنيف" في هذا؟!
آتيناكَ بألفاظِ اللغة هربتَ
لم أهرب من ألفاظ اللغة فأنا من جئتك بها ابتداءا، والله المستعان!!
الرقة و العطف لغةً، هل تثبُت لله عزَ و جل؟
نعم تثبت على الوجه اللائق به سبحانه ..
وبس!
لأنَّ معنى الرحمة كما رأيتَ فيه لوازم عجيبة
ليست بلازمة للمعنى إلا في أذهان المتكلمة الذين يعطلون معاني الصفات - التي هي من حيث المعنى خالية من النقص - لمتعلقات ناقصة يرونها في كيفيات المخلوقين! وقد نقلت لك من كلام ابن عباس رضي الله عنه في تفسير معنى (الرحمن) و (الرحيم) ما يوافق المعنى اللغوي دون تفصيل ولا استدراك منه رضي الله عنه .. فلا يستنكر هذا التفسير إلا الفلاسفة وأهل الكلام، الذين تنتفض أجسامهم من سؤال السائل "أين الله؟ " ..
فلينظر كلٌ منا من سلفه!
أُفوضُ - هنا - المعنى و الكيفيّة
ليست هذه طريقة أهل السنة لا هنا ولا في غيره!
و السلامُ عليكم و رحمةُ الله و بركاته، و إنْ عُدتم لن نعود
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لن نعود ولن تعودوا!
قد تبين للناس ما عندك وما عندي وأرى أنه قد انتهى النقاش،
فسأغلق الموضوع منعا لمزيد من السفسطة والمراء ..
هدانا الله وإياك لما اختُلف فيه من الحق بإذنه.(/)
خطبة الشيخ عيسى عن النادي الأدبي مكتوبة
ـ[أبو ثابت النجدي]ــــــــ[20 - Jun-2008, مساء 05:59]ـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد ..
فهذه أحبتي خطبة الشيخ الفاضل عيسى المبلع في أحد الجمع والتي تكلم فيها عن الحداثة وأفكارها
ولا نطيل عليكم لنترككم في قراءتها والتعليق عليها سائلين المولى أن لا يحرمنا ويحرمكم الأجر والسداد ...
بعد التحية والسلام والصلاة والسلام على خير الأنام
أما بعد عباد الله
فهذه البلاد قد أكرمها الله بنعمه لم ولن تتحقق لغيرها. أليست مهبط الوحي، ومبعث الرسالة, وحاضنة وخادمة الحرمين الشريفين. أليست قلب العالم قد أصانها الله من وطئ أقدام المستعمرين قديما وحديثا وأخيرا أكرمها الله بتحكيم شرعه والتزام سنة نبيه فتحقق على ظهرها الأمن والازدهار والمحبة والألفة (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) وقد كثر شانئوها وحاسدها وأعداؤها. كل يسعى ويخطط لسلب خيراتها وزعزعة أمنها وقهقرة نموها وتفتيت روابطها فاليهود والنصارى قد ملئت صدورهم خنقا وغيضا (ولن ترضى عنك ليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) والمبتدعة من شيعة ومتصوفة وخرافيين يتقربون إلى الله بمحق السنة وأهلها. والغلاة الجهلة كفروا مجتمعهم وزعزعوا أمنه وأهل المخدرات كما تقرؤون بالصحف والمجلات ملايين الحبوب المخدرة التي قبض على أصحابها وما تسلل أضعافا مضعفة وأهل الفسق والفجور يلهثون ليلا ونهارا لنشر الفواحش ومسخ الأخلاق عبر قنواتهم وأدواتهم. ومن أخطر تلك الفرق علينا المنحرفون فكريا من علمانيين ولبراليين وحداثيين والذين كانوا بالأمس يلمحون ولا يصرحون أصبحوا اليوم يجاهرون ويطبقون أفكارهم المنحرفة غير مبالين بالمجتمع ولا مشاعره ولا عقائده ولا أنظمته. وقد طرقوا عامة السبل لتحقيق مآربهم وأهدافهم. ألا وإن من أخطر سبلهم الولوج لنشر أفكارهم ومبادئهم تحت مسمى الشعر والأدب وإلباسه اللباس الحداثي الذي تخفى مقاصده ومآلاته على الكثيرين حتى المختصين
يقول الشيخ ابن باز –رحمه الله- في مقدمته لكتاب الحداثة في ميزان الإسلام وكنا إلى حين اطلاعنا على هذا الكتاب القيم نظن أن قصيدة النثر المتسممة بالغموض الملقب بالحداثة, والمحاطة بهذه الهالة الإعلامية نظن ذلك كله أنماطا من التغيير, وإنما جعل الشكل الجديد الملفوف بالغموض ستارا لقوالب فكرية شحنت في كثير من نماذجها بالمعاني الهزيلة, والأفكار الهابطة؛ والسهام الموجهة للقضاء على الفضيلة والخلق والدين؛ إلى أن قال:وتأكد أن استهداف الغموض من كثير من هؤلاء الشعراء في هذه القوالب الفكرية المسماة شعرا وليس فيها من الشعر شي إنما هو أمر مقصود ليحققوا فيها أهدافا ثلاثة.
الأول/ التنصل من مسؤولية الكلمة وتبعتها حينما تلف بهذا الغموض الذي قد لا يدرك معناه بسهوله
والثاني/ أمانه الشعر وسلب روحه وتأثيره وحرمان المسلمين من سلاح ماض من افتك أسلحتهم ضد أعدائهم والثالث/ وهو أخطرها محاوله بتر الشريعة والقيم والمعتقدات والقضاء على الأخلاق والسلوك بسم التجديد وتجاوز جميع ما هو قديم وقطع صلتها بالله الخ كلامه رحمه الله.
عباد الله الحداثة في أصلها ونشأتها مذهب فكري غربي ولد و نشا في الغرب ثم انتقل منه إلى بلاد المسلمين.
قال بعض المفكرين هكذا انتهت الحداثة في النهاية إلى الجمع بين ضلالات البشر. أقول إن غايتها: نسف العقائد والأديان والأخلاق والعادات الحسنه وإطلاق الحرية الجنسية والفكرية على مصراعيها فهي فكر شيوعي الحادي إباحي لا يعترف بإله ولا عفه ولا شرف ولا كرامه ولا نظام.وابرز معالم الأدب الحداثي هو الغموض فأول مايصدم القارئ لأدب الحداثة هو تلفعه بعباءة الغموض وتدثره بشعار التعتيم والضباب حتى ان القارئ حتى ان القارئ يفقد الرؤية ولا يعلم أين هو متجه وماذا يقرا. أهو جد أو هزل حق أم باطل فيقع من حيره في أمره لمن يكتب هؤلاء وماذا يريدون. ويمكن حصر وسائل وأساليب الحداثيين في تسع وسائل:
أولا: السيطرة على الملاحق الأدبية والثقافية في اغلب الصحف وتوجيهها لخدمه فكرهم ومناوأة ومحاربة غيرهم ويختلف مدى تغللهم في الصحف والمجالات من واحده إلى أخرى
(يُتْبَعُ)
(/)
ثانيا: التغلغل في الأندية الأدبية من اجل توجيه نشاطها لخدمه الحداثه وأهدافها
ثالثا: افراد صفحات لكتابه القراء وخاصه الشباب ومن خلالها يتم اكتشاف اصحاب الميول الحداثيه والتسلط عليهم الأبواب وتدغدغ شهوه حب الظهور والشهرة في نفوسهم وتقام النداوت لأديهم
رابعا: نشر الإرهاب الفكري ضد مخالفيهم واتهامهم بشتى التهم والنعوت والتاكيد على انهم لا يعقلون ولا يعلمون وإنهم مجرد دمى محنطه يجب ان تبعد عن الطريق ولا تستحق ان يكون لها مكان في عالم الفكر والثقافه والادب في مقابل الإشادة في فكرهم بصوره مثيره تجعل الفرد ينقاد لهم.
خامسا: إقامة الندوات والأمسيات الشعرية والقصصية والنقدية والمسرحية في طول البلاد وعرضها
سادسا: الدفع برموزهم للمشاركه في المهرجانت الادبيه الدولية.
سابعا: استكتاب رموزهم الفكريه من خارج البلاد واستقدامهم للمشاركه في الامسيات والقاء المحاضرات الادبيه وإجراء المقابلات معهم ويشغلون القارئ والمتابع بأخبار رموزهم الفكرية الملحدة وأخبار ندواتهم ومؤلفاتهم وحتى حياتهم الخاصة.
ثامنا: لقد انتهج الحداثيون أسلوبا غاية في الخبث للتغرير في الشباب الواقع تحت ضغط الهجوم الضاري من أعداء الأمة في شتى الميادين فقد حوا في اذهان الشباب ان ادبهم وفكرهم هو المنقذ من تلك الماسي ام أصحاب الفكر التقليدي كما يسمونهم ليسو اكثر في نظرهم من رموز للتخلف.
تاسعا: المرحلية في الإعلان عن أفكارهم والتدرج في الإباحة بها (قاتلهم الله أنى يؤفكون).
(الخطبة الثانية)
أما بعد عباد الله.
فقد يقول أحدكم لماذا يطرق هذا الموضوع في خطبة الجمعة وهل له حقيقة في بلدنا هذا. فأقول إن السيل يجري من تحت أقدامكم وأنتم لاتشعرون. ألا ترون الإعلانات المجاهر بها عند المداخل وبعض الإشارات وأقربها ما سيقام غدا في مدينة حائل للشاعرة السعودية الحداثية المنحرفة فوزية أبو خالد وأنا ذكرت أسمها مكتوب بالخط العريض بالإعلانات التي نشرها النادي الأدبي بحائل بل مما يؤلم ويحزن أيضا أننا نجد في أسفل الإعلان عبارة يوجد مكان للرجال. ألهذه الدرجة يستخف بعقولنا وتحارب عقيدتنا وتمسخ أخلاقنا على أيدي ثلة منحرفة. نوادي أدبية أنشأها ولاة الأمر لحماية الأدب النزيه من شعر ونثر ورواية بل للنهوض بالجانب الأدبي للأمة الإسلامية الأصيلة التي بلغت القمة في أدبها فإذا النادي يتحول إلى مزرعة للأفكار المنحرفة ونشرها. فقبل أيام نلحظ أن مشاركتهم الأدبية ضمن فعاليات الرالي تتضمن عرض أفلام للرافضة الشيعة وأفكارعم مع عرض أفلام ألمانية وفرنسية مليئة بالموسيقى والأجساد العارية وعرض معتقدات الشيعة. واليوم ينشرون إعلاناتهم بالشوارع داعين الناس لحضور هذه المرأة الحداثية التي رمت بحجابها في ندوة لها بالكويت ناشرة شعرها وهي تلقي شعرها على الجماهير الكويتية رجالا ونساء وداعية في كلماتها ومقالاتها إلى التبرج والسفور والاختلاط والانحراف متهكمة بالدين والأخلاق. واسمعوا طرفا من قصيدتها الفكرية الحداثية التي أسمتها بعنوان (لن يسرقوا الله من وجهك) والتي تقول فيها:
أحببتك, الله يبني في عرشه أعشاشا لزغاليل الحمام ,
حتى يهتز العرش شجرة سدرية تأوي إليها الطيور الضائعة.
أحببتك, الله يقاسم الفتيات ابتسامتهن البيضاء ولا يترك ابنة الجيران ترقص وحدها.
أحببتك, الله يلعب مع الأطفال الكرة ويتزلج على الجليد والمياه البحرية ... الخ قصيدتها الكفرية التي تصف فيها رب العالمين بأنه يلعب الكرة ويرقص مع الفتيات. ومع هذا ملأت الشوارع من الإعلانات لها. وتدعى إليها بنات هذا البلد بل يدعى لها الرجال أيضا ليتفقهوا على يديها ويتعلموا الأدب. حقا إنها مأساة وأي مأساة وليست هذه المرة الأولى يستضيف بها النادي الأدبي المنحرفين فكريا من حداثيين وليبرالين وعلمانيين.
فمن هذا المنبر:
أولا/ أناشد ولاة أمورنا أن يتقوا الله فينا وفي ديننا وأخلاقنا وأن يمنعوا هذه الحقيرة التافهة من المجيء والإلقاء وأن يأدبوا الساعين في دعوتها, بل نطالب بإحالتها للقضاء لمحاكمتها على مكائدها الكفرية وأفكارها الألحادية.
ثانيا/ على القائمين على النادي الأدبي أن يتقوا الله في دينهم وأخلاقهم وأدبهم وسمعتهم وأن لايكونوا دمى يسيرهم المنحرفون.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثالثا/ على الجميع مقاطعة النادي الأدبي وحضور هذه الندوة إن تمت حتى يصلح شأن النادي.
رابعا/ على الأدباء والشعراء والشرفاء أن يتصدوا لهذه الحثالة المنحرفة ببيان انحرافاتهم وتحذير الناس منهم ورفع لواء الأدب الشريف النظيف.
خامسا/ على الجميع التعاون لإزالة هذا المنكر بالطرق المشروعة بحكمة دون الهيجان والإندفاع الغير متزن.
وظننا إن شاء الله بولاة أمورنا في هذه المنطقة كبير بأن يمنعوا هذا المنكر وما شاكله لأنهم أهل عقيدة ويراعون مشاعر الناس وحقوقهم. وفق الله ولاة أمورنا لمنع كل منكر وباطل وجعلهم سدا منيعا أمام كل تيار منحرف أنصارا للحق وأهله. يقول مؤسس الجزيرة الملك عبدالعزيز –رحمه الله-: إنكم تنامون ملء أعينكم مرتاحين سعداء وأما أنا فوالله ثم والله أني لأبيت على الفراش سهران لايغمض لي جفن في سبيل المحافظة على أمنكم وراحتكم وأنني لذلك مجتهد و والله ثم والله إن تأسيس الملك على ما فيه من متاعب كبيرة أهون من المحافظة عليه. ونسأل الله أن تكون سلالته على منهجه بالحق , وأن يقفوا أمام كل منحرف يسعى لهدم كيان هذه البلاد وزعزعتها ألا وإن الإنحراف الفكري أخطر من غيره من مجالات الإنحراف فلعلنا أن نسمع في القريب ما يسرنا ونؤمل به. بل أملنا أن يعيدوا النظر في إدارة النادي الأدبي وأعضائه ومنهجه.
عباد الله: إن كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها قد غضبوا من استهزاء كفار الدانمرك بنينا عليه الصلاة والسلام, فكيف بمن يستهزئ بربنا جل شأنه وعظم سلطانه من أبناء جلدتنا وبلدنا ومع ذلك نستقبلهم بالأحضان ونعطيهم تلك الهالات الإعلامية من التمجيد والتعظيم. فكيف نرجوا لأمتنا عزة وهذا حالنا., وكيف نجوا أن تغاث من السماء ونرفع أيدينا إل الله والمنحرفون سلوا ألسنتهم بالإستزاء برب العالمين. غننا والله ثم والله نخشى على بلدنا خطر عظيم وعقوبة عاجلة إذا نحن تمادينا بنشر البطل والسكوت عنه قال تعال: (واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) وقال: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه .. ). كما أختم بهمسة في أذان إخواننا القائمين على فرقة الفنون الشعبية حيث بلغنا عزمهم على إقامة دورات لتعلم الموسيقى والعزف والغناء وهذه طامة كبرى أيضا ونحن نعلم جميعا إجماع العلماء على حرمة آلات العزف والموسيقى والغناء سوى الدف للنساء في النكاح فقط. فليتقوا الله في شبابنا كفى ما هم فيه من انحراف وبعد عن الله فلا يزيدوا الطين بلة. فشبابنا بحاجة إلى دراسات جامعية كبرى, وبحاجة إلى وظائف, وبحاجة إلى تيسير سبل زواجهم وتهذيب أخلاقهم وليسوا بحاجة إلى ما حرم الله من تعلم الموسيقى والعزف والغناء. كفى بالقنوات الفضائية المنحطة وهدمها لشبابنا. فهل تريد النوادي الأدبية وفرق الفنون الشعبية التنافس فيما بينها على هدم أخلاق شبابنا وتعجيل انحرافهم ومسخ هويتهم!!!
ـ[لامية العرب]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 03:10]ـ
خطبة عصماء وقفت على جروحنا .. أما آن لأمتي أن تقوم من تخديرها
بارك الله في الشيخ عيسى-لاتأخذه في الحق لومة اللائمين - وأدام على الحق قدميه
ما أجمل صوت الحق عاليا .. بارك الله فيك أيها النجدي
أبشر ...
الدال على الخير كفاعله
ـ[أبو أحمد العنزي]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 11:27]ـ
جزاك الله خيرا .....(/)
&& بضاعة تروج مدعمة بالدليل &&
ـ[الشوك الناعم]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 12:01]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلقنا ورزقنا، وأنعم علينا بنعمة الإيمان ونعمة القرآن، نعمه وفضائله علينا تترا ومعاصينا إليه ترقى فاللهم عفوك
ولطفك يا عفو غفور .. وصلى الله وسلم على الهادي الأمين والسراج المنير
وعلى الآل والصحب أجمعين: ثم أما بعد:
&& بضاعة تروج مدعمة بالدليل &&!!
من المعلوم لدى الجميع وأحسب أنه مسلم لديكم أن العداء للإسلام
وأهله باقي ما بقي الإسلام، وأن الصراع بين الحق والباطل لاتخبو ناره أبدً، بل الحرب سجال بين الطرفين غالب ومغلوب، ولا يقر قرار لكلا الطرفين حتى تكون الراية بيده، ولكن الفرق بين الطرفين، أن أحدهما في سبيل الله والآخر في سبيبل هواه الذي اتخذه إله كما قال تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) فأصبح هواه هو الذي يسير تفكيره ومنطلقاته، فلا ينضبط بضابط الشرع، فيكون متمرداً على القوانين الربانية والشرائع السماوية بحجج كثيرة تنطلق كلها من مستنقع هواه.
والمجتمع المؤمن بربه سرعان ما يلفظ ذاك الذي يعرض عن الوحيين ويلجأ لغيرهما، فلا يتقبل منه كلام ولا يرتاح ضميره للأخذ منه فيفر لذاك الذي ملأ وعائه بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، علاوة على هذا من يتعرض للكتاب والسنة باللمز فهذا لا يتاح له
المجال أصلا في تلك المجتمعات المحافظة.
وبعد الفشل الذريع الذي آل بكثير من أصحاب الفكر العلماني التغريبي، تغير الخطاب الذي لم ينجح في سنوات مضت عندما كان كلامهم من منطلقات غربية وليس فيها شيئ من التراث الإسلامي المرتكز على الكتاب والسنة، أصبحنا اليوم نرى خطاباً مختلفاً، وجد في صحفنا المحلية أرضاً خصبة لفكره النتن، وذلك لأن بعض الصحف المحلية تعشق كل فكر يتمرد على الثوابت من أجل الضجه الإعلامية التي تستفيدها ..
هذا إذا ماكانت تتبنى تلك الأفكار وتدين بها!!
في السنوات القليلة الماضية طفح على الساحة الفكر الذي يسمي نفسه (العصراني) (التنويري) وإلى آخره من المسميات التي يظن السامع لها أنه قد أقبل على المجتمع فكر سينور بصيرتها وسيفتح طرقاً جديدة للحضارة والتطور، وإذ بالمجتمع المحافظ يتفاجأ بفكر ينقض ثوابت مسلمة لديه ويأتي بكلام ما سمعه من قبل، من دعوة إلى ترك كتب السلف، أو الكتب الصفراء كما يسمونها،
وإلى الإكتفاء بالعقل لفهم النصوص الربانية؟؟!!
المشكلة هنا أن عامة الناس عندما يقرأ هذه المقالات ويراها مدعمة بنصوص الكتاب والسنة يرتاح قلبه وما درى أن الكاتب قد استقل بفهمه المعوج (العصراني)! وأنه قد خالف جمهور الأمة، وقال بقول لم يقله صحابي ولا تابعي ولا من أتى بعدهم ولكنه باختصار (يدلل للأفكار التغريبية)؟!
وهنا نقطه مهمه::
لو أتى عالم شرعي وأخذ يتكلم في مسألة طبية لرأيت الاتهامات المتتالية بالتدخل في تخصصات أخرى ولرأيت كيف تأتي الاتهامات البريئة المبطنة بالحقد والعداء لعلماء الشرع ولحملته، ولكن عندما يأتي هؤلاء الذي ماعرف عنهم طلب العلم الشرعي، بل انه قد اشتهر عن بعضهم التشدد والتطرف في زمن مضى فكان في طرف ثم انتكس لطرف آخر لايبعد حقارة عن الطرف السابق، ثم يأتون ليتصدرون الحديث في صحافتنا المحلية، ولكم أن تتأملوا هذا الحديث الذي كأنما أنزل اليوم
حيث يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، و يؤتمن فيها الخائن، و يخون الأمين، و ينطق فيها الرويبضة. قيل: و ما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة .. ).
الرجل التافه يتكلم في أمر العامة؟؟!!
وهذا مانراه اليوم، عندما يصدر ثلة من كبار علمائنا ومن أهل الاختصاص الشرعي بيان يبين خطر الرافضة وبالتحديد حزب الله تأتي الاتهامات لهم من الداخل والخارج، ويتهمون في نياتهم وأنهم وأنهم ولكن عندما يتكلم هؤلاء النكرات يصفق لهم وتنشر مقالاتهم وتصريحاتهم في الصحف مشكورين!!!!
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن خلال ماسبق يتبين لنا العداء السافر ضد ثوابتنا، ولابد لنا من قوة إعلامية صحفية تكون بالفعل
.:.: جبهة اعلامية تمثل المجتمع المحافظ في ممكلتنا الغالية.:.:.
وهذا مانرجوه في صحيفة الأمة والتي نسأل الله أن يعجل بخروجها.
ـ[ابو القعقاع]ــــــــ[29 - Jun-2008, صباحاً 09:10]ـ
جزيتي خيرا أختي الفاضلة على هذه الغيرة على دين الإسلام ووالله إنهم ظلاميون لاتنويريون وعصاة لا عصريون أما دين الله فمحفوظ ولوكره المنافقون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون: ولك تقديري وتحياتي(/)
مصطلح (الحشوية)
ـ[أبو الحسن الأزهري]ــــــــ[21 - Jun-2008, صباحاً 07:23]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على أفضل الخلق وسيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن أهل التمشعر يتهمون أهل السنة والجماعة السلفيين بأنهم (حشوية) وذلك لإثباتهم صفات الله عزوجل التي أثبتها لنفسه أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف.
وقد ذكر شيخ الإسلام وعلم الأعلام ابن تيمية بأن أول من عرف أنه تكلم بهذه العبارة هو (عمرو بن عبيد) حين ذكر له عن ابن عمر رضى الله عنه ما يخالف مقولته فقال " كان ابن عمر حشويا " وذلك نسبة إلى حشو الناس وهم العامة والجمهور.
قال شيخ الإسلام:
((فَقُلْت: هَذَا اللَّفْظُ أَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَهُ الْمُعْتَزِلَةُ، فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْجَمَاعَةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ الْحَشْوَ، كَمَا تُسَمِّيهِمْ الرَّافِضَةُ الْجُمْهُورَ، وَحَشْوُ النَّاسِ: هُمْ عُمُومُ النَّاسِ وَجُمْهُورُهُمْ وَهُمْ غَيْرُ الْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزِينَ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ حَشْوِ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ هَذَا مِنْ جُمْهُورِهِمْ.
وَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَقَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَشْوِيًّا: فَالْمُعْتَزِلَةُ سَمَّوْا الْجَمَاعَةَ حَشْوًا كَمَا تُسَمِّيهِمْ الرَّافِضَةُ الْجُمْهُورَ)).
راجع مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله 3/ 185ـ 186 وقال أيضا كما في (المنتقى من منهاج السنة) ص122:-
((والكتاب والسنة ليس فيهما، لفظة (ناصبة) ولا (مشبهة) ولا (حشوية) بل ولا فيهما لفظ (رافضي) فنحن إذا قلنا (رافضة) نذكره للتعريف، لدخول أنواع مذمومة بالنص فيه، فيبقى علما على هؤلاء الجهلة الذين عدموا الصدق والتوفيق)) اهـ
انظر "منهاج السنة " (2/ 520)، و " درء التعارض " (7/ 351)، و " الفتاوي " (12/ 176)، و"بيان تلبيس الجهمية " (1/ 155)
وراجع أيضا كلام شيخ الإسلام في هذا الرابط:
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=6906
ولو تتبعنا هذا المصطلح فيما مضى لوجدنا أن المعتزلة كانوا يطلقونه على أهل الحديث المثبتين للصفات ومن ذلك ما أخرجه الذهبي في السير (11/ 530):
(لما استأذن ابن أبي داود على الجاحظ قال من أنت؟ قال: رجل من أصحاب الحديث فقال: أوما علمت أني لا أقول بالحشوية)
الجاحظ متكلم معتزلي يرى أن أهل الحديث والأثر " حشوية
قال (أبو الحسن الأزهري) عفا الله عنه:
في هذا رد صريح على أهل التمشعر وهو يبين بوضوح أن سلفهم في هذا اللقب (المعتزلة) فهنيئا لهم.
في السير أيضا:
الوزير الكبير العلامة الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن عباس الطالقاني الأديب الكاتب وزير الملك مؤيد الدولة بويه بن ركن الدولة.
وكان شيعياً معتزلياً مبتدعاً تياهاً صلفاً جباراً قيل: إنه ذكر له البخاري فقال: ومن البخاري؟!! حشوي لا يعول عليه.
روى الإمام الصابوني بسنده في (عقيدة السلف أصحاب الحديث) ص (105):-
عن أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، يقول: [علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر حشوية، يريدون بذلك إبطال الأثر، وعلامة القدرية تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشتبهة؛ وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة].
وروى اللالكائي نحو ذلك، قال: [قال أبو محمد وسمعت أبي يقول:
· وعلامة أهل البدع: الوقيعة في أهل الأثر.
· وعلامة الزنادقة: تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار.
· وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة.
· وعلامة القدرية: تسميتهم أهل الأثر مجبرة.
· وعلامة المرجئة: تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية.
· وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة.
ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء
ومن ذلك ما قاله الإمام عبد القادر الجيلاني في كتاب (الغنية لطالبي الحق ص 80): (واعلم أن لأهل البدع علامات يعرفون بها، فعلامة أهل البدعة الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة، تسميتهم أهل الأثر بالحشوية، ويريدون إبطال الآثار، … وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، ولا اسم لهم إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث، ولا يلتصق بهم ما لقبهم به أهل البدع، كما لم يلتصق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – تسمية كفار مكة ساحرا، وشاعرا ومجنونا ومفتونا وكاهنا ولم يكن اسمه عند الله وعند ملائكته وعند إنسه وجنه وسائر خلقه إلا رسولا نبيا، بريا من العاهات كلها .. )
فتبين بهذا أن مصطلح "الحشوية " إنما كان يطلقه المعتزلة وأهل البدع على أهل الحديث والأثر
ونرجو من الإخوة الكرام الاجتهاد في جمع نصوص العلماء في هذا الموضوع لنبين لأهل التمشعر أن سلفهم هم المعتزلة في هذا المصطلح وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم(/)
يسمونها بغير اسمها
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 03:17]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وبعد:
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ((ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)).صححه الشيخ الألبانى_رحمه الله_
لقد صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) و جاء هذا الزمان الذى يشرب فيها الناس الخمر ويسمونها بغير اسمها يسمونها مشروبات روحية وغيرها من الأسماء وياليته كان الأمر على تغيير اسم الخمر لكان الأمر هينا والكل يعلم أنها حرام ومهما تغيرت اسمائها فهى حرام.
ولكن كل حرام الآن يحللونه بتغيير اسمه ليظهر كأنه شىء غير ما حرمه الله عزوجل؛ زيفوا التاريخ بتغيير الأسماء؛ ألبسوا على الناس فكرهم بتغيير الأسماء؛ جعلوا الرويبضة يتكلم فى أمر الدين والدنيا بتغيير اسمه
بينما جعلوا حلال الله وفروضه حرام وتخلف ورجعيه وتطرف
سموا عباد القبور والمبتدعة من الصوفية هم الروحانيين محبى أولياء الله؛بينما سموا من يدعون إلى توحيد الله فى العبادة والدعاء وتحريم التبرك بالقبور بالوهابية المحاربين لأولياء الله.
يسمون الأفكار والأراء الألحادية الكفرية بالأفكار الجريئة؛ بينما الأراء التى تدعو إلى العودة لمنهج الكتاب والسنة بفهم السلف بالأفكار الرجعية المتخلفة المتطرفة.
يسمون أصحاب الأراء المنحرفة والمخرجة من الدين بأصحاب الفكر المستنير؛بينما يسمون أصحاب الأراء المعتدلة و العودة لمنهج الكتاب والسنة بفهم السلف بأصحاب الفكر الأصولى الرجعى.
يطلق على أصحاب النوع الأول من الأراء بالمفكر الإسلامى؛ بينما يطلق على أصحاب النوع الثانى من الأراء علماء لايساوون ثلاثة مليمات (1).
سموا الاحتلال الفرنسى لمصر بالحملة التى خلصت مصر من التخلف الذى عاشته فى ظل العثمانيين؛ بينما سُمّت الخلافة الإسلاميةالعثمانية الاستعمار التركى.
وصفوا وحشية المستعمرين الفرنسيين وقسوتهم فى معاملة المسلمين المغاربة بإنها معاناة ومشقة فى سبيل بسط الحضارة الفرنسية والمدنية؛بينما وصفوا تلك الشعوب المتوحشة التى ترفض التقدم والاستنارة (2).
سموا الاحتلال حرب ضد الأرهاب ونشر للديمقراطية والحرية؛ بينما سموا المقاومة أرهاب.
سموا القتل والتشريد واغتصاب حقوق الشعوب بالدفاع عن النفس؛ بينما حق الرد والمقاومة سموه الأرهاب.
سموا سفور المرأة وخروجها للعمل تحرير للمرأة؛ بينما سموا بقاء المرأة فى البيت بالسجن وطاعتها لزوجها (السجان) بالعبودية.
سموا التعرى والسفور والفجور تقدم وحرية وجراءة؛بينما سموا النقاب خيمة وستارة وتخلف.
سموا الاختلاط فى التعليم ومشاركة ومزاحمة الرجل فى جميع أعماله باسم التعاون بين الجنسين لبناء المجتمع؛بينما سموا بقاء المرأة فى المنزل والفصل بين الجنسين فى التعليم عزل المرأة عن العالم الخارجى وعدم مساهمتها فى بناء المجتمع.
سموا ذبح النساء والشيوخ والأطفال فضلا عن الرجال نشرا للديمقراطية وحرب ضد الأرهاب؛بينما سموا ذبح الخراف فى عيد الأضحى توحش من المسلمين.
سموا الحج بما فيه من أركان وثنية (3)؛ بينما سموا عبادة القبور قربه لله.
سموا تنازل أهل السنة عن عقيدتهم من أجل الروافض تقريب بين السنة والشيعة وتوحيد للمسلمين؛بينما سموا إثبات الخلاف بيننا وبينهم فى أصول الدين بإنه دعوة لتفريق المسلمين.
سموا ظهور الشباب بمظاهر السنة تطرف وتخلف؛بينما سموا لبس كل أنواع الثياب أى ثياب هو تقدم وجراءة وحرية شخصية.
سموا الزنا زواج عرفى وصداقة وزواج متعة؛بينما تعدد الصديقات حرية وتحرر من القيود الزوجية.
حتى فى ملاعب الكرة عندما كتب لاعب تعاطفاَ مع غزة أوفداك أبى وأمى يارسول الله سموه إقحام للشعارات الدينية والسياسية فى ملاعب الكرة؛ بينما كتب أحد اللاعبين عبارة I Love Jesus أعتبروه متدينا ً.
وصفوا الغناء الماجن بغذاء الروح.
سموا أفلام الفسوق والفجور بالفن الهادف وسينما الواقع.
سموا ربا البنوك مضاربة جائزة.
سموا تعلم الرقص والباليه والجمبازللفتيات ذوات الأربع سنوات بالتربية الروحية والجسدية للبنت؛بينما وصفوا تعلم القرآن لنفس السن بتحميل الأطفال مالا يطيقون.
سموا الرشوة هدية.
سموا الزواج قيود على الرجل والمرأة. (4)
(يُتْبَعُ)
(/)
سب الله ورسوله وصحابة نبيه باسم حرية الرأى والفكر والتعبير.
سموا من أساء الأدب مع الله ورسوله وأنبيائه أديب عالمى.
وسموا من انتقد القرآن وشكك فى قصصه عميد الأدب العربى.
(وغيرها مما يصدق عليها قوله تبارك
وتعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء من ذلك بقوله: " ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها " وفي رواية: يسمونها بغير اسمها ". وهو مخرج في " الصحيحة " (90). وإني لأخشى أن يزداد الأمر شدة فينسى الناس هذا الحكم حتى إذا ما قام أحد ببيانه أنكر ذلك عليه ونسب إلى التشدد والرجعية كما جاء في حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: " كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: " إذا كثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة [وتفقه لغير الدين] ". رواه الدرامي (1/ 64) والحاكم (4/ 514 - 515) بسند صحيح والدرامي أيضا وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " (1/ 188) من طريق أخرى عنه بسند حسن وفيه الزيادة التي بين المعكوفتين وهو موقوف في حكم المرفوع لأنه من أمور الغيب التي لا تدرك بالرأي ولا سيما وقد وقع كل ما فيه من التنبؤات. والله المستعان) (5)
إن قلت قال الله قال رسوله همزوك همز المنكر المتغالى
أوقلت قال الصحابة والأولى تبع لهم فى القول والأعمال
أوقلت قال الشافعى وأحمد وأبوحنيفه و الإمام الغالى
صدوا عن وحى الإله ودينه واحتالواعلى حرام بالأحلال
ياأمة لعبت بدين نبيها كتلاعب الصبيان فى الأوحال
حاشا رسول الله يحكم بالهوى تلك إذن حكومة الضلال.
اللهم اجعلنا من الذين يحلونا حلالك ويحرمون حرامك. ولاتجعلنا ممن يسمون الأشياء بغير اسمائها لنحلل ما حرمت أونحرم ما أحللت.
-----------------------------------------------------------------
(1) وزير الثقافة المصرى
(2) طه حسين انظر كتاب عودة الحجاب للشيخ: محمد إسماعيل المقدم ص127
(3) من كلام الكاتبة العلمانية نوال السعداوى
(4) من كلام الكاتب أنيس منصور
(5) كتاب تحريم الآت الطرب للشيخ الألبانى(/)
سذاجة فتاة قادتها إلى تحويل مبلغ 800,000ريال لأحد الذئاب خلال 14 عامًا!!
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 05:23]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرياض (سبق):
في جريمة بشعة خالفت الأعراف الإنسانية والقيم الاجتماعية والتعاليم الدينية استمرت لأكثر من أربعة عشر عاماً عانت منها فتاة مسكينة في مقتبل عمرها من ذئب بشري استغل جهلها وصغر سنها عن طريق زميلتها الجامعية التي خدعتها للتعرف عليه بداعي الزواج وأنه لن يقدم على خطبتها إلا بعد أن يعرفها ويفهم نفسيتها لينعما بحياة سعيدة مملوءة بالحب والأمان، حيث بدأت فصول قضيتها خلال طلب صاحبتها لبعض صورها الخاصة كي يطلع الشاب عليها ويطمئن برؤيتها ويتقدم إلى خطبتها بخطوات واثقة، فاقتنعت الفتاة برأيها وأجابتها متشوقة ليتحقق حلمها الذي طالما انتظرته، ومع استلام الشاب لصورها وتمكينه منها كشف عن وجهه الآخر القبيح الذي كان يخفيه وأظهر ما لم يكن في حسبانها فقام بابتزازها وتهديدها بنشر صورها وفضحها أمام أهلها وذويها وأن لهما علاقة طويلة وخروجاً متكرراً، مع العلم أنها لم تشاهده في حياتها ولم تخرج معه كما يقول ومبيناً أن امتناعها عن إجابة مطالبه مدعاة لتدمير حياتها ومستقبلها، فأصبحت في حيرة من أمرها فقامت بالتوسل إليه أن يسترها ويكف عن فضحها وتهديدها مبدية استعدادها لإجابة ذلك إلا ما خالف الشرع منها، فاقتنع برأيها على أن تقوم بتحويل جميع مكافآتها الجامعية له ولا تأخذ منها شيئاً أبداً، فأذعنت له وأجرت عملية التحويل الشهريٍ، واستمر الحال حتى جاء اليوم الذي أظهر رحمته فيه وشفقته عليها ورغبته بتركها وشأنها شريطة أن تهديه شريطاً مصوراً لها بكاميرا الفيديو ليحتفظ به من أجل الذكرى وطي صفحاته السيئة، فترددت الفتاة كثيراً إلا أن رغبتها الجامحة في إنهاء معاناتها جعلتها تستجيب لتلبية ذلك، و بعد استلامه لشريطيها الذي وضعته حسب ما هو متفق عليه كشر عن أنيابه مرة أخرى وطلب منها القيام بفتح حساب شخصي لها في أحد البنوك واستصدار بطاقة صراف إلكتروني تحول خلاله جميع رواتب وظيفتها الجديدة دون أن تتصرف بأي مبلغ وأن تتحمل تكاليف رحلاته السياحية وإقامته في الفنادق والمنتجعات الراقية في دول أوروبية و غيرها فقامت المظلومة ببيع مجوهراتها واقترضت لأجله من صديقاتها وقريباتها دون أن تخبرهم بأمرها، والأدهى من ذلك أنه كلما تقدم إليها خاطباً يريد الزواج منها نبذه ورفض زواجها ولوح بورقة الصور والفيلم التي يمتلكها وأنه سيفضحها أمامهم، فتقدم بها العمر وتجاوزت الثلاثين وفات عليها قطار الزواج وتحولن حياتها إلى جحيم تتجرع مرارتها كل يوم يمر عليها فقدت خلالها طعم السعادة وهيمن عليه هم القضية وما تعرضت له من الشاب الذي لم يأبه بها ولم يراع ضعفها واستجدائها ودمعاتها التي جفت منابعها من أفعاله المشيئة التي خالفت مضامين حقوق الإنسان.
وبعد مرور أربعة عشر عاما وبلوغ الأموال التي قدمتها إليه 800.000 ألف ريال بدأت الفتاة بالبحث عمن ينقذها ويخرجها من مأزقها التي وقعت فيه فلم تجد بداً بعد الله من اللجوء برجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين سمعت عن دورهم الكبير في إنقاذ العديد من الفتيات من شراك الذئاب البشرية وإعادة الحياة الطبيعية لهن، فتقدمت بشكوى خطية لمركز هيئة الربوة شرق مدينة الرياض أوضحت خلالها معاناة أعوامها الماضية ومرارتها وظلم الشاب لها واستعدادها لتلبية ما يريدون من إجراءات نظامية تؤدي إلى القبض عليه وتعرضه للعقوبة والجزاء، وفعلا بدأ رجال الهيئة باتخاذ الإجراءات اللازمة للقبض عليه وإنقاذها من شرائكه فأجرت اتصالا هاتفيا معه أكدت فيه جاهزية (المائة ألف ريال) التي طلب أن تقترضها من البنك وتعطيها إياه ليستمتع في إجازته الصيفية، وحال حضوره وقد تم القبض عليه وإحالته للجهات المختصة لإكمال اللازم حيال ذلك، وقد أعربت الفتاة عن عظيم شكرها وامتنانها لرجال الهيئة على تفانيهم وإنقاذهم إياها ونصرتها في مظلمتها التي وقعت بها داعية الله أن يكتب لهم الأجر والثواب 0
(يُتْبَعُ)
(/)
من جانبه وجه فضيلة المدير العام لفرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض الدكتور عبد الله بن محمد الشثري والذي حظيت القضية بمتابعة مباشرة منه أعضاء مركز هيئة الربوة بضرورة متابعة الجاني وإلقاء القبض عليه واستكمال الإجراءات اللازمة لتقديمه إلى الشرع المطهر0
وأبان فضيلته حرص رجال الهيئة واهتمامهم على المحافظة على الأعراض من خلال عملهم الميداني وتكثيف تواجدهم في المجمعات التجارية والأماكن العامة وتوجيهم الفتيات على اجتناب المخالفات الشرعية التي تغري الشباب وتجعل منهن فريسة سهلة في أيديهم، ومنبهاً إياهن عدم التهاون في الصور الشخصية الخاصة بهن وأخذ الحيطة أثناء التعامل بها وعدم تداولها في أوساطهن لوجود العديد من قضايا التهديد والابتزاز التي تعرضن لها بعض الفتيات من خلال ذلك وداعياً كل من تتعرض لمثل هذه الحادثة ضرورة إبلاغ مراكز الهيئة المنتشرة في بلادنا وستجد كل تعاون من رجالنا وسرية تامة في إجراءاتها0
ومستنكرا فضيلته فعل الشاب الذي ضرب بكل القيم والتعاليم عرض الحائط من خلال استغلاله لضعف الفتاة وذلها وانكسارها بين يديه وأكله أموالها بغير حق وكيفية إحلاله لنفسه ذلك ومبيناً عظم جريمته التي ارتكبها وأنها هزت كيان مجتمعنا المحافظ الذي تعد غريبة عليه الجدير بالذكر أن الجرائم ابتزاز وتهديد الفتيات أدرجة مؤخرا ضمن الجرائم الكبرى الصادرة من وزارة الداخلية ويستحق عليها السجن والعقوبة0
كما قدم الدكتور الشثري شكره وتقديره لرئيس وأعضاء مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحي الربوة على تفانيهم وجهدهم الكبير حيال القضية وأن ذلك غير مستغرب على رجال الهيئة من خلال حرصهم على تأدية أعمالهم على الوجه الأمثل.
---
ألهذه الدرجة، بلغت سذاجة الفتاة إلى هذا الحد؟!!
وماذا عن موقف أهلها؟ وهل هم مثل ابنتهم في قلة الوعي؟ لماذا لا يسألونها عن رواتبها؟
أشك حقيقة في هذه القصة!
* ما يغيظنا أننا يوميا نسمع عن ضحايا لهؤلاء الذئاب ولا من معتبر!
* والحقيقة أن قلة وعي الأهل، وعدم حكمتهم في التعامل مع أخطاء فتاتهم، جعلتها تفضل الاستجابة للشاب على أن تخبر أهلها بـ الورطة التي وقعتْ فيها، وأذكر لكم قصة دامية ضحيتها فتاة ذات 15 عاما، حدثت في حي الشفاء بـ الرياض، وقائلها أحد أقاربي من الضباط وهو المشرف على القضية يقول:
جاءنا بلاغ من رجلٍ كبير، عن شاب رآه خارجا من منزله بعد منتصف الليل، وما في البيت سوى ابنته أما هو وزوجته (والدة الفتاة) فهما مدعوان لدى احد الأقارب وعاد الأب لوحده في تلك الساعة، وأن والد الفتاة حاول اللحاق بالشاب لـ قتله برشاش يحمله في يده، لكنه تمكن من الهرب، يقول الضابط: وعندما حضرنا وأغلقنا الحي ودخلتُ إلى منزل والد الفتاة كانت الفاجعة!!
رأيتُ الفتاة معلقة برقبتها بـ شماغ على المروحة وقد فاضت روحها!!! والأب يظن أن هذا هو الحل المطلوب شنق ابنته حتى الموت، لدفن فضيحة لم يتأكد منها، لكنه سيعيش أبد الدهر فضيحة قتله ابنته البريئة.
يقول: ولكم أن تتخيلوا موقف الأم عندما دخلت المنزل ورأت هذا المنظر البشع، لا رحمة ولا إنسانية، ولا خوف من الله عز وجل.
والسبب: تسرع الأب في الحكم على ابنته! وظن أنها هي التي أدخلت الشاب بينما هو قد خرج عبر الحائط لا الباب! (يعني احتمال كبير جدا أن الشاب دخل وخرج ولم يرَ الفتاة ولا يعلم بها أصلا).
الخلاصة: لو أن الأهل يتصرفون بحكمة مع أخطاء بناتهم، لما حصلت تنازلات من قبلهن، وما حصل من هذا الأب يدل على أن الأهل بحاجة لتوعية لتدارك الأمر ومنع فضيحة من الوقوع، لا الإقدام على تصرف يخلف فضيحة أكبر!
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 06:08]ـ
لو جعلتيه:غباء فتاة .. بدل سذاجة لكان أولى .. والغباء عليها قليل
أما هذا النجس فأمثاله كثر
والله المستعان
ـ[أم فراس]ــــــــ[22 - Jun-2008, صباحاً 05:29]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن نفسي أنا لا أصدق كل مايقال، لأن:
مجموع مكافآت الجامعة من أول شهر لآخر شهر إن كنت في القسم العلمي تساوي حوالي 47 ألف تقريبا. (احسبي 990*12*4سنوات)
ومكافآت الأدبي 840*12*4 سنوات تساوي 40320 تقريباً. فالمبلغ المذكور معناه أن البنت تصرف سنويا لهذا الرجل أكثر من 57 ألف ريال سعودي دون علم أحد؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!
ومجوهراتها التي باعتها:وين أهلها عنها.ومع من تذهب وتعود ومتروك لها الحبل،
إن تصرف الأب النهائي يتنافى مع الإهمال الابتدائي،وما أرى ذلك لو وقع إلا من الثقة الزائدة لفتيات لم يكتمل نضجهن،
وقد قال تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم)
اشترط الرشد وليس البلوغ لكي يستلم الشخص ماله،بل أذكر من الشيخ بن بية قوله إن المالكية لايعطون المرأة تصرف المال إلا بعد الزواج.
فالحكمة ناقصة من البداية في تصرفات الأهل فكيف نطلبها في النهاية،
إننا في عصر مغرياته كثيرة جدا،ولو انصرفنا عن توجيه أبنائنا وأعطيناهم كامل الحرية بحجة الثقة،أكيد النتيجة التي رأيتها،ومال سايب يعلم السرقة.
هدانا الله وذرياتنا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[23 - Jun-2008, صباحاً 02:25]ـ
شكرا لكما ... بارك الله فيكما ...
والفرس من خيالها:)
. .
ـ[أم البررة]ــــــــ[23 - Jun-2008, مساء 09:44]ـ
والعواطف تفعل أكثر!
حقيقة هذه القصة -إن صحت- تُحسب لرجال الهيئة أدام الله عزهم، وليست بأول حسناتهم على المجتمع
كان بإمكانها أن تلجأ للمحاكم مثلاً أو جمعيات حقوق الإنسان
ـ[أمةالله]ــــــــ[25 - Jun-2008, صباحاً 12:04]ـ
سبحان الله
حفظ الله رجال الهيئة ورزق جميع المسلمين من يقوم بمثل عملهم في كل الدول الإسلامية.
عندنا في مصر الوضع مختلف تماماً (البنات فلتوا والشكوى لله)
لذا تلجأ العائلات الملتزمة الواعية إلى ترسيخ الثقة بين البنت وأهلها.
نسأل الله تعالى أن تعم حالة الثقة بين البنات وأهلهن في جميع بلاد المسلمين.
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[25 - Jun-2008, مساء 09:28]ـ
شكرا لكما،، وبارك الله فيكما ,,
ـ[روضة الجنان]ــــــــ[27 - Jun-2008, صباحاً 07:52]ـ
كان على الفتاة ان تخبر اهلها وتتحمل مايحدث لها لان الصدق ينجى صاحبه ومهما حدث لها من اهلها فابطبع سيكون افضل بكثير مما وصلت اليه وعلى اية حال فانا اشعر بان القصة غير صحيحة لان الحل السحرى لم ياتى الا فى النهاية كالافلام العربية الساذجة
ـ[غالب بن محمد المزروع]ــــــــ[27 - Jun-2008, صباحاً 08:40]ـ
لكن أين مصدر المقال!؟
أهو صحيفة الرياض اليومية أم ماذا؟
ليتكِ تذكرين الرابط للمقال.
وفقكِ الله ...
ـ[أبو رزان العربي]ــــــــ[29 - Jun-2008, صباحاً 10:36]ـ
داء الفضيحة ينجب أن تخلص من فهو عقدة في مجتمعنا خصوصاً إذا كان الشخص لم يخطىء
في الحقيقة أن الإنسان يأمن على زوجته أن تسافر لوحدها 3000 كيلو وهو مطمئن (لا اتكلم عن الحكم الشرعي) واما في بلادنا فبخاف عليه لو لمشوار نصف ساعة. لكن عندما نعلم أن الشخص عندما يغري فتاة في أمريكا وقبل حظات من جماعها إذا قالت لا يعتبر هذا اغتصاب وتطبق عليه أقسى العقوبات. مما يجعل الشاب يفكر ألف مرة قبل الاإقدام على مثل هذا.
أما في بلادنا فلا عجباً أن ترى أشخاص بسياراتهم يحيط بعائله حتى أن بعضهم أجر بعض الفتيات على الرقص لفوز فريقه.
وفي النهاية إذت مسكوا فلا تتعجب عندما تعلم أن العقوبة بين بين الأسبوع والشهرين إذا لم تكن أقل.
فلابد من قانون صارم تجعل الإنسان الخبيث يرتعد قبل أن يفكر فيها. فلماذ لا يكون هناك قانون مثلاً أن من نشر صورة إمرأة أو هددها أن عاقبة لا يقل عن عشر سنوات مع إلزامه بالتعويضات النفسية وكذلك بما أن المرأة عندنا قد يصعب عليها الزواج بمن تراه مناسب إذا انففحت أن يكون لهذ السبب تعويض ولو قد بمائات الآف من الريالات.
لكن غاب الرقيب وغاب القانون والتنفيذ شبه غائب
فلا عجب أن يكثر المجرمون والخبثاء
ولا عجب أن تسكت الضحايا
والسلام عليكم ورحمة الله
ـ[عبدالله الرفاعي]ــــــــ[30 - Jun-2008, صباحاً 01:31]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
اخي ما قلتة يعني انك تقر بالقوانين الوضعية ولاكن في مثل هذة الحالات تنتقل الفتوي الي مفتي البلاد
وجزاكم الله خيرا
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[02 - Jul-2008, مساء 06:22]ـ
روضة الجنان،، أبو رزان،، عبد الله الرفاعي،، شكرا لكم، وبارك الله فيكم
فلابد من قانون صارم تجعل الإنسان الخبيث يرتعد قبل أن يفكر فيها. فلماذ لا يكون هناك قانون مثلاً أن من نشر صورة إمرأة أو هددها أن عاقبة لا يقل عن عشر سنوات مع إلزامه بالتعويضات النفسية وكذلك بما أن المرأة عندنا قد يصعب عليها الزواج بمن تراه مناسب إذا انففحت أن يكون لهذ السبب تعويض ولو قد بمائات الآف من الريالات.
لكن غاب الرقيب وغاب القانون والتنفيذ شبه غائب
فلا عجب أن يكثر المجرمون والخبثاء
ولا عجب أن تسكت الضحايا
والسلام عليكم ورحمة الله
محد ضرب البنت على يدها وأجبرها على إرسال صورها للشباب.
أنا ضد أن يطبق القانون على الشاب لوحده، بينما البنت تطلع منها مثل ما تطلع الشعرة من العجين.
يعني تفتن الرجل وتكلمه بالجوال وتقابله لتستغله وتسحب منه الأموال والهدايا ثم بكل سهولة تنسحب لا وبعد تبلغ عنه ولا كأنها فعلتْ شيئا؟! طبيعي يلجأ لفضحها يا ناس.
ما ذنب الشباب إذا فتنتهم إمرأة؟!
لماذا لا تؤدب الفتاة المتبرجة؟
عجبي!
ـ[تميمي ابوعبدالله]ــــــــ[18 - Oct-2008, مساء 02:28]ـ
لاحول ولاقوة الا بالله
اسأل الله ان يحفظ بنات المسلمين
ـ[طالب الخير]ــــــــ[20 - Oct-2008, صباحاً 07:16]ـ
أرى بأن يُنقل هذا الموضوع لاستراحة المجلس(/)
وقفات مع الكاتبة نورة بنت عبد العزيز الخريجي للشيخ الدكتور عبد الرحمن محي الدين
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 11:23]ـ
وقفات مع الكاتبة نورة بنت عبد العزيز الخريجي
للشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح محي الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
فقد طالعتنا جريدة الوطن بعددها 2817 وتاريخ 12/ 6 / 1429 هـ يوم الأثنين الموافق 16 / يونيو/ 2008 م بمقال للكاتبة نورة بنت عبد العزيز الخريجي تحت عنوان (ما نتمناه لإمامة المسجد النبوي الشريف) وحملت فيه الكاتبة حملة عشواء على فضيلة الدكتور حسين بن عبد العزيز آل الشيخ إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف هذه الحملة من هذه الكاتبة هداها الله وصمت فيها الشيخ (بأنه يخيل إليه أنه عجمي) (لا يفصح بعض الحروف لعيب خلقي في حنجرته) (النحنحة والسعال) إلى غير ذلك من أسلوب الاستعلاء وكأنها مهيمنة على العباد وكأن الله جعلها رقيباً على ذلك ولي معها وقفات:
الأولى: هذا الأسلوب والعمل هكذا على صفحات الجرائد ليس أسلوب الناصح الأمين لا سيما وأن هذا الإمام نصبه ولي الأمر في هذه البلاد حفظه الله ورعاه فكأنما تشنع على ولي الأمر في تعيينه وتعترض بشدة على ولي الأمر علانية، وهذا أسلوب الخوارج في التشنيع على ولاة الأمور علانية وهو خروج بالكلمة، والنصيحة بصفة عامة لا تكون إلا في السر لا تكون إلا في السر لا تكون علانية وإلا فهي فضيحة، ورحم الله الإمام الشافعي فقد ورد أنه قال:
تعمدني بنصحك في انفراد ** وجنبني النصيحة في الجماعة
فان النصح بين الناس نوع ** من التوبيخ لا أرضى سماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري ** فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
فما بالك بولي الأمر الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: من أهان السلطان أهانه الله، وقوله من يطع الأمير فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله ومن يعص الأمير فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله، النصيحة يا أمة يا أيتها النورة هداك الله لا يغل عليها قلب المؤمن فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاث لا يغل عليها قلب المؤمن إخلاص العمل لله والنصيحة لولي الأمر ولزوم جماعة المسجد فإن دعوتهم تحيط بمن ولاتهم، فعملك هذا يا أختاه عمل الخوارج يجب أن تقلعي عنه وتتوبي إلى الله عنه.
ثانياً: هذا الإمام المبارك الرجل الصالح ولا نزكي على الله أحداً ولكن كما قال الله تعالى وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين، له الآن أكثر من عشر سنوات وهو إمام وخطيب للمسجد النبوي الشريف، والحمد لله ننعم بصوته وصلاته وقراءته ودعائه وقنوته الخاشع المؤثر في شهر رمضان، والذي نخشاه عليك دعوة منه حيث أنك تناصبيه العداء لا لشيء إلا لأن صوته لا يعجبك ومخارج الحروف لا يخرجها على الوجه الأكمل التي لا تناسبك إلى غير ذلك من الأهواء وقد قال الله تعالى (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، وفي رواية (فقد بارزني بالمحاربة)، وأذكرك بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما شكا بعض أهل العراق إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بأنه لا يحسن الصلاة وهو من هو فقد صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم وامتثل أمره صلوا كما رأيتموني أصلي فأتى هذا العراقي وزعم أنه لا يحسن الصلاة فدعى عليه سعد بثلاث دعوات واستجاب الله له ذلك لأنه وليه فهو ينصر أولياءه فأحذرك أيتها المؤمنة من التمادي وقد قال علماء السلف رضوان الله عليهم أن من أطلق لسانه على العلماء بالسب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب ولحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، لقد أيقظت فتنة، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وإياك ثم إياك أن يأتي يوم القيامة فيأخذ من حسناتك وأنت في حاجة إلى حسنة واحدة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم،.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثالثاً: الحمد لله نحن بين ظهراني أهل العلم ولم نسمع من أهل العلم فضلاً عن القراء المنصفين أنه انتقد الشيخ حسين بذلك (يخيل إليك أنه أعجمي) أو أن صلاته غير صحيحة أو أنها باطلة وقد قال أهل العلم: (من صحت صلاته صحت إمامته) وأما السعال فلا يملك العبد ذلك من نفسه وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذته سعلة فركع ثم هب أن الشيخ الفاضل كذلك فكيف تكون النصيحة يا أختاه إنك يا أختاه أسأت على نفسك وأسأت إلى المصلين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يصلون خلف هذا الإمام المبارك وفيهم العلماء وفيهم الفقهاء وفيهم الأمراء وفيهم القراء والصالحون من جميع أنحاء المعمورة فجهلتيهم كلهم ليسلم لك رأيك وهواك اتق الله أيتها المؤمنة وسارعي للتوبة فإن الله يحب التائبين.
رابعاً: لا خلاف بين العلماء أن إمامة المفضول تجوز مع وجود الفاضل وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فالحمد لله صلاة الشيخ حسين وفقه الله يرتاح لها أكثر أهل المسجد من الفضلاء وكذا خطبه الهادفة فلا داعي للتشنيع في الصحف والجرائد بأنه لا يحسن القراءة أو أن هناك أحسن منه أو أقرأ منه، وأما قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فنعم وذلك يشمل جودة القراءة مع صحة العقيدة وسلامة المنهج وقوة الفقه وأما جودة القراءة فقط مع ضلال العقيدة واضطراب المنهج فلا وألف لا وإلا فقد يأتي بعض الفرق الضالة وما أكثرهم ويقول نحن أحسن قراءة فلنؤم في المسجد النبوي الشريف لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله لننظر يا أختاه كيف فهم العلماء هذا الحديث فلا بد من صحة المعتقد على نهج السلف الصالح رضوان الله عليهم وكذا قوة الفقه والعلم وحسن الخلق والسماحة والاستقامة، والشيخ حسين وفقه الله نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً ولكن كما قال الله جل وعلا (وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) وأهل البدع لا يرضيهم شيء لكن غايتنا إرضاء الله جل وعلا وقد قال السلف الصالح علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر فالله الله أيتها النورة بنت الخريجي في التوبة إلى الله وإلا فإن الله بالمرصاد (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) والله المحاسب، والشيخ حسين حفظه الله ما أساء إليك ولا نهش عرضك فلم هذا التجني في الصحف والمجلات والتهكم به (يخيل إليه أنه أعجمي) ولو شاء الشيخ أن يدعي عليك ويحاكمك لفعل ولكن حسن خلقه واحتسابه على الله يقول كما قال الأنبياء والرسل حسبنا الله ونعم الوكيل، نسأل الله أن يصلح قلوبنا وألسنتنا وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين والله ولي التوفيق.
كتبه عبد الرحمن بن صالح محي الدين
المدينة النبوية في 17/ 6 / 1429 هـ(/)
قد بلغ السيل الزبى يا عمرو خالد!! ـ
ـ[لبيب برهان صالح]ــــــــ[22 - Jun-2008, مساء 07:22]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، وبعد.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ". قيل: وما الرويبضة؟ قال: "السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ" [رواه أحمد وصحّحه الألباني].
تخطّ أصابعي هذه الكلمات وأنا في تدافع عجيب من المشاعر بين الغضب والحزن والألم والحسرة .. لا أستطيع وصف هذا الحال الذي أمر به .. فإن الذي قد أنهيت الاستماع إليه قبل لحظات، وهو شريط يحوي مقتطفات من محاضرات لعمرو خالد، حوى من الأمور الخطيرة الجليلة ما ارتعش بسببها جسدي كلّه .. وسأرفق لكم في نهاية المقال رابط الشريط وتعليقاً للشيخ محمد حسان عليه .. وهو يدافع عبراته.!
لم أعتد حقاً أن أكتب بمثل هذا القلم، وبمثل هذه الحالة .. فأسأل الله أن يعينني على أن أضبط نفسي حتى أحسن الصياغة بما يتناسب مع جسامة الحدث .. إنني لم أظن يوماً بأن عمرو خالد هذا وصل في دعوته إلى درجة يهدم فيها رموز هذا الدين وأركانه .. والمصيبة أن الناس تستمع إليه وتهز الرؤوس .. !
كانت أسمع عن هفوات الرجل الكثيرة، كمثل قوله: "ربنا عايز يمرمط سيدنا موسى"، و"ربنا سهران" و"النبي بيهزّر" ... إلخ من عبارات في قائمة طويلة لن نعرض لها هنا .. ولكنني كنت أقول هو ليس سوى رجل ينطبق عليه الحديث المذكور أعلاه، سفيه يلقي الكلام جزافا لا يفهم بم يهرف .. والبعض يلتمس له أعذارا لأنه وكما كان يقول لي صاحبي أن الرجل يريد أن يوصل الفكرة للعوام من الناس بحسب فهمهم .. ! ورغم أنني لا أتفق مع هذا وأرى خطأه، إلا أنني لم ألتفت للأمر بحيث أخط فيه موضوعاً مستقلاً، فلم يتعدّ كلامي عنه سوى ردود ومناقشات سريعة يسيرة .. ولعل السبب في ذلك هو أنني لا أطالع للرجل شيئا ولا أتابعه ..
لكن بعد أن وصلني الشريط المذكور أعلاه، فإنني أقول بأن هذا الرجل ليس سفيهاً فقط، بل هو هادم لأركان هذا الدين، يدس السم في العسل من حيث يدري أو لا يدري ـ من باب إحسان الظن ليس أكثر ـ وتتشرب الناس السم دون أن تشعر .. وإن كانت آثار هذا السم غير بادية حتى اللحظة، إلا أن الاستمرار على هذا الحال سيورثهم ضياعاً لم ولن يحصل .. !
لذا كان لزاماً أن نقف في وجهه .. وهذه دعوة لأن يفعل الجميع كذلك كل حسب وسعه .. ولا أظنها تنفع اليوم معه النصائح بالهمس، فقد نصحه من الدعاة الكثير، وراسله من أهل الفضل أكثر .. لكن يظهر أن الرجل سادر في غيّه لا يريد أن ينقطع .. فوجب اتخاذ العلاج الأخير، ألا وهو الكي، لأن هذا الجرح إن لم يبرأ فإنّه قد يسبب قطع جزء ليس بالهين من جسد الأمّة .. نسأل الله السلامة.
وحتى يقدّر الجميع مدى خطورة هذه الأفكار التي يبثها الرجل في عقول الناس، فإنني سوف أعرض هنا بعضاً من أقواله المبثوثة في الشريط المذكور، متبوعةً بتعليق يسير .. فنبدأ بسم الله وعلى بركة الله ..
يقول الأستاذ الداعية الكبير:
• "النقطة التامنة: في أخطاء بتحصل .. رغم التخطيط .. عشان نعرف إنّ تجربة النبي مش تجربة مثاليّة خالية من الأخطاء .. في أخطاء".
أي طامّة أعظم من أن توصف دعوة النبي صلى الله عليه وسلّم بالتجربة أخبروني بربكم؟ لا بل وتجربة تحوي أخطاءاً .. وكأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد جاء بها من عند نفسه، وطبق هذه الدعوة بمبدأ "المحاولة والخطأ" فمرّة يصيب ومرّة يخطئ!!
إن رسوخ هذه الفكرة في عقول أبناء هذه الأمة سيورث انتزاع قدسيّة هذا الدين من قلوبهم، ويكوّن عندهم فهماً بأن هذا الدين ليس بمعصوم .. فهو "مش تجربة مثاليّة خالية من الأخطاء"، بل إنّه يحوي أخطاءاً، ولعلها كثيرة .. بل إن الرجل يقول بأنّها كثيرة! فانتقل معي إلى الإقتباس الآتي لترى!!
يقول وحيد عصره وفريد زمانه:
(يُتْبَعُ)
(/)
• "النبي صلى الله عليه وسلّم مر بستة وعشرين محاولة فشلوا كلهم .. ومع ذلك لا لليأس. هو معقول إنو النبي صلى الله عليه وسلم ... هو يصح إنا نقول إن النبي مر بمحاولة فشلت؟!!! آه ينفع! بل بالعكس، عشان تعرف إن التجربة؛ تجربتو صلى الله عليه وسلّم تجربة مفيدة للإنسان .. مش تجربة مثالية خارقة .. فاهمين الـ .. الفكرة؟!! مهواش دين مثالي يصعب تحقيقو وتقليدو .. لأ دي تجربة بشرية".
ويح أمّك ألا تبكي على إنجاب مثلك؟!! .. رسول الله الذي قال الله تعالى فيه: " مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى " تقول عنه بأنّه يفشل؟ إذا كان من علّمه ربي شديد القوى جل في علاه يفشل، فمن ينجح بعد بربكم أخبروني؟
والله إنني لا أستطيع أن أزيل صورة الشيخ محمد حسان من ذهني وهو يدافع عبرته معلقاً على كلام هذا الفاشل، وأفشل أهل الأرض كما يصفه الشيخ، ويتابع قائلاَ: "ما فشل محمّد قط، صلى الله عليه وآله وسلّم، بأبي وأمي وقلبي وكياني وروحي .. والله ما فشل في موقف من المواقف .. ولا في لحظة من اللحظات .. بل هو الذي علّم الدنيا النجاح .. " فقارنوا بالله عليكم بين موقف هذا الشيخ وما يربي الناس عليه، وبين موقف ذلك الفاشل وما يربي الناس عليه.!!
تعرفون؟ وكأنني أسمع عمرو خالد يقول حين يصله كلام الشيخ محمد حسان: "كخههههه، كلام عاطفي .. أنا خبير إدارة ودرست السيرة، وعارف بقول إيه .. رسول الله فشل في أكثر من موقف لإنو في الموقف الفلاني حصل كذا وكذا، وفي موقف آخر حصل كذا وكذا" أتستبعدونها عنه؟ شخصياً لا أستبعدها، لإنني لم أعد مقتنعاً بأن الرجل سفيه يردد كلاماً لا يعي معناه فحسب، بل إنه يحاول أن يرسخ منهجاً .. والدليل تكراره لهذا المبدأ في أكثر من موضع كما ترون.!
ثم يمضي هذا التافه فيقول، وليت لسانه قطع قبل أن يقول عن ديننا: "مهواش دين مثالي يصعب تحقيقو وتقليدو .. لأ دي تجربة بشرية" .. ديننا تجربة بشرية يا أرعن؟! ولا يصعب تقليده؟!! الرجل يقول لكم بجملة واضحة: هذا الدين ليس وحياً، بل تجربة بشرية يسهل على أي شخص تحقيقها .. فأي نزع لقدسيّة هذا الدين يقدمها هذا الرجل أخبروني بربّكم؟ وعلى أي شيء يربي هذا الرجل الناس بينوا لي بالله عليكم؟ .. بالله عليكم أخبروني!!!
وانظروا إلى قوله هذا في موضع آخر:
• "عشان محدش يقول ده كان منهج مثالي، بصحابة مثاليين، بنبي مفيش بحياتو ولا خطأ .. لأ في أخطاء حصلت".
ديننا يا قوم ليس منهجاً مثالياً .. إن رسوخ هذا الفكرة في عقول شبابنا كفيلة بأن يخرج علينا في الغد شاب ويقول: دين من عند رب كامل لا يكون مثالياً؟ إذا فالرب ليس كاملاً .. دعوا عني دينكم فإنني ذاهب للبحث عن دين آخر من ربّ كامل .. !
لكن وكما أسلفت لكم في مقدمة كلامي أن هذه الأمراض قد لا تكون ظاهرة اليوم، ولكن تناقل الأجيال لهذا المبدأ، أي أن هذا المنهج الرباني ليس مثالياً، كفيلٌ بأن يخرج لنا مثل هذا الشاب .. !
قد يقول لي قائل بأنني آخذ الكلام على ظاهره.!! فأقول أي ظاهر هذا في عرضي لمبدأ يكرره الرجل في ثلاث مواضع مختلفة .. ثلاث مواضع مختلفة يشدد الرجل فيها على عدم كمال هذا الدين، أو التجربة كما يحلوا له أن يصفه ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
دعونا ننتقل الآن إلى نوع جديد من الطوام، حيث يقول الداعية الذي لم يتكرر له مثيل:
• "أول خطاب لرسول الله .. حاول تتخيل كده: الناس ساكته خالص، ومستنيين النبي حيقول إيه .. يا ترى أول خطاب حيكون إيه؟ خطاب ديني؟ خطاب إيماني روحاني؟ خطاب سياسي؟ خطاب إجتماعي؟ مهو خطاب ديني بصفتو نبي .. ولا خطاب سياسي بصفتو حاكم المدينة المنتخب بالأغلبية من المدينة؟ .. مش كده؟ مش هما اللي اختاروه وجابوه وأدي البلد كلها طالعة بتستقبلو؟ "
ألهذا الحد وصلت يا عمرو خالد في دعوتك؟ أعلى هذا تربي الناس؟ رسول الله انتخب من قبل أهل المدينة ولأجل هذا أصبح الحاكم؟!!! لكن تدري؟ ليس هذا بأمر عجيب، فإن هذا عندك ليس بدين، بل تجربة شخصيّة ..
(يُتْبَعُ)
(/)
إذا فاحمد الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يفشل في هذا كما فشل في الـ26 مرة التي ذكرت .. إذا لاختار أهل المدينة شخصاُ آخر ليحكمهم .. مسلمًٌ أو كافر .. لن تدري.!!! .. حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله ونعم الوكيل.
تابع معي يا أخي وأقرأ قوله:
• "مفيش قبيلة .. مفيش بيت إلا وبقى فيه وحي .... يبقى بتعمل إيه يا رسول الله؟ أنا بدخل جوا المجتمع كلو أجيب المتميزين، وأعرض عليهم الفكرة .. يؤمنوا؟ أقولهم تشيلوا معايا الرسالة؟ لإن أنا مش حقدر أشيلها لوحدي .. بس إنت نبي آخر الزمان!! حتى لو أنا النبي مقدرش أشيلها لوحدي".
كما قلت لكم سابقاً، فالرجل ليس سفيهاً فحسب يلقى الكلام جزافاً، بل إنه يحاول أن يرسّخ منهجاً، فهاهو هنا يطلق على ديننا وصف "الفكرة" .. قد يستصعب البعض قبول كلامي هذا، لذا فأقول ليس شرطاً أن يكون الرجل مندرجاً في مخطط ما.! قد يكون الرجل فرحاً بما وصل إليه، فخرج منه بمنهج ظنّه حقاً، ورأى أن ينشره بين الناس.!! ومن شدّة إغتراره بنفسه فإنّه لا يستمع لأحد ممن يقوم بنصحه، فيستمر في غيّه مركزاً شديد التركيز على هذا المنهج، والذي سيورث الناس ـ إن هم اتبعوه ـ ضلالاً لا يعدله ضلال .. فأي ضلال أعظم من عدم النظر بقدسيّة لدين ونبيّ ربّ الأرض والسماوات؟!!
ثم تابع يا أخي حتى تصل إلى آخر كلامه حين قال: "مقدرش أشيلها لوحدي" .. لوحده؟!! فأين الله جل في علاه الذي وعد بأن التمكين لهذا الدين؟ والنصر والظهور لهذا الدين؟ وهو قائم لا محالة لأنه مؤيد بنصر من عند الله؟
يعني لو أن الصحابة لم يحملوا هذا الدين مع رسول الله لما علا ولما ظهر .. ! لأن منهج عمرو خالد يبسط نفسه هنا، وهو أن الدين هو عبارة عن تجربة أو فكرة تحتاج لعمل جماعي وتحتاج لتخطيط وعلم ـ كما سترى في الإقتباس الآتي ـ فإن لم يحصل العمل الجماعي فإن هذا الدين سيفشل، وسينقرض كما تنقرض أي تجربة شخصية.!
الداء هو ذاته .. نزع القداسة عن هذا الدين وأنّه ما ظهر وانتصر لأنه من عند رب العالمين، بل بسبب قوّة الفكرة وبسبب العمل الجماعي .. ! فهل بدأتم تلمسون هذا معي؟!
ثم يتابع العلامة ـ وهذا آخر اقتباس إن شاء الله ـ يتابع قوله بطامة الطوام!:
• "فاضل إيه؟ المولد .. آخر حتى في المولد، المولد عادي جداً .. يعني إيه عادي جداُ؟!! أم حملت .. ولدت .. يعني إيه؟!! يعني مش معجز .. يعني مش زي سيدنا عيسى .. خطيرة الحتة دي خلي بالك .. يعني إيه مش زي سيدنا عيسى؟!! سيدنا عيسى مولده إيه؟ معجز .. سيدنا موسى؟ .. معجز، لما اترمى في اليم .. إنما النبي عادي، مفيش معجزة خالص .. ليه؟!! ليه صحيح؟!! كان نفسنا يبقى في حاجات غير عادية كده، ومعجزات خارقة .. لأ .. آخر معجزة هي أبرهة، من بعد أبرهة مفيش معجزات خارقة بتاريخ البشرية .. ليه؟!! مضى زمن المعجزات .. جاء زمن التخطيط والعلم .. على شان كده أول آية إقرأ .. كخهههههه .. خلاص مفيش معجزات".
لا توجد معجزات بعد معجزة ردّ جيش أبرهة يا من أنت أجهل من حمار أهله؟! يجب أن أذكّر هنا بأنني لم أنفِ في كلامي السابق صفة السفاهة والجهل عن هذا الرجل، وها هو اقتباسنا الأخير هذا يبين مدى استفحال هذا فيه .. ! فإن علمنا هذا فإننا إذاً لن نلومه، فاظاهر بأنّ الرجل يجهل معجزة إنشقاق القمر .. ولا يعلم شيئاً عن معجزة الإسراء والمعراج .. بل أوليس القرآن نفسه معجزة يا أيها الداعية الكبير؟!!!
يريد الرجل أن يلغي وقوع معجزات على يد رسول الله صلى الله عليه وسلّّم، ويثبت نقطة مهمّة جدا في سعيه لنشر منهجه حيث يقول: "جاء زمن التخطيط والعلم" .. ولا أريد أن أعلّق أكثر، فإني أحسب أن ما ذكرته أعلاه كافٍ لتفهموا مقصد الرجل هنا.!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ألا فاعلموا إخواني الكرام وأخواتي الفاضلات بأن هذا المنهج الذي يحاول هذا الرجل نشره لهو من الخطورة بمكان على هذه الأمّة وخصوصاً شبابها .. يريد الرجل أن ينزع القدسية عن شخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم بكونه مؤيداً بالوحي؛ فلنقف في وجهه ولنقل إخرس قطع الله لسانك، بل إن رسول الله لا ينطق عن الهوى كما أخبر ربنا جلّ في علاه .. يريد الرجل أن ينزع القدسية عن ديننا بأنه مؤيد من عند الله، فيقول بأنه نجح بالدرجة الأولى بسبب التخطيط والعمل الجماعي؛ فلنقف في وجهه ولنقل إخرس قطع الله لسانك، بل إن هذا الدين محفوظ من عند الله بنص كلامه، وإنه انتشر وسمى لأن الله هو ناصره .. يريد الرجل أن ينزع عن ديننا صفة الكمال ويردد القول بأنّه تجربة بشرية؛ فنقول له إخرس قطع الله لسانك، بل هو دين الكمال من رب الكمال، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف لا وهو شرع ربّ العالمين؟!!
ألا وإن الواجب علينا اليوم أن نحفظ أنفسنا وأزواجنا .. أبناءنا وبناتنا .. إخواننا وأخواتنا .. أصحابنا وكل من نعرفه من أهل هذا الدين، نحفظهم من شرور منهج هذا الرجل الذي إن تبنّته أجيال اليوم فإنه سيورد أجيال المستقبل المهالك .. نسأل الله السلامة ..
وإلى عمرو خالد:
إعلم أيها الإنسان بأن هذا الدين حمله رجال أحبوا الله أكثر من حبّك له .. وهم أحبّ إلى الله منك .. أنزل الله في كتابه المنير بأنّه رضي عنهم، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأنهم خير القرون .. هؤلاء لم يأتوا بهذا الذي جئت به، ولم يأت به أحد من ذوي قرون الخيرية اللاحقة .. فالزم غرس أهل خير القرون، والزم غرس من رضي عنهم جبار السماوات والأرض .. فإن أعرضت عن غرسهم، وأبيت إلا أن تأتي ببدع ما سبقك بها من أحد، فاعلم أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم طلبوا إلى رسول الله أن يعهد إليهم بعهد كما يروي ابن ماجة في سننه من حديث العرباض بن سارية، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا .. وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" وليس ما جئت به إلا من هذه المحدثات، فانبذه فلست تطيق أن تأتي يوم القيامة بضلالة، أضللت بها نفسك، وأضللت بها غيرك، فتبوء بالإثمين، والعياذ بالله ..
فراجع نفسك، والزم نصح من نصحك من أهل العلم، وعلى رأسهم الشيخ محمد الطرهوني .. فإن استجبت فقد فزت وربحت بإذن الله .. وإن انتكست وبقيت على ما أنت فيه من ضلال فاعلم أنك مقبل على خمسين ألف سنة يوم يبعث الناس .. فلا تلومن فيها إلا نفسك .. ولا تعضن ندماً إلا أصابعك.!
ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد .. هذا وصلي اللهم وسلّم على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه راجي عفو ربّه القدير،
لبيب برهان صالح
أبو عبدالرحمن
المرفقات:
1. الشريط الذي يحوي المقاطع المذكورة أعلاه من محاضرات عمرو:
جودة عالية (49.2 ميجابايت):
http://ia350618.us.archive.org/1/items/da3ihaboabgohanm/003.AVI
جودة متوسطة (25.8 ميجابايت):
http://ia350618.us.archive.org/1/items/da3ihaboabgohanm/003_256kb.mp4
جودة منخفضة (10.7 ميجابايت):
http://ia350618.us.archive.org/1/items/da3ihaboabgohanm/003_64kb.mp4
فلاش فيديو (21.6 ميجابايت):
http://ia350618.us.archive.org/1/items/da3ihaboabgohanm/003.flv
2. تعليق الشيخ محمد حسّان على كلام عمرو خالد (7.8 ميجابايت):
http://www.archive.org/download/Fa****_105/Fa****.wmv
ـ[لبيب برهان صالح]ــــــــ[22 - Jun-2008, مساء 07:39]ـ
يظهر بأن رابط كلام الشيخ محمد حسان لم يظهر .. لذا فسأضعه ثانية ولكن بوجود مسافات بين بعض الكلمات، وتقومون بإزالة المسافات عند تحميل الملف:
www. archive .org/download/Fas hel_105/Fas hel.wmv(/)
أطالب بتعليم الموسيقى!!!
ـ[ابن رشد]ــــــــ[22 - Jun-2008, مساء 08:24]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذ: مشاري محمد الكثيري ..
أطالب بتعليم الموسيقى!
حين تغيب الدرة عن ظهور بعض الناطقين هنا، يستمر عجبك ولا ينقضي في كل طلعة فكر جوية!
ستذهل حتما بما يحرك كرسيك وأنت جالس، من حديث أولئك الرموز في نظر الضحالة … أو إن شئت الصحافة …
وبعض الحوار أصدق ما يوصف بأنه خوار لا حوار …
هنا في إحدى صحفنا في ملحقها الثقافي …
حوار ساخن مع أحد أعلام المسرح، كما وُصف (عرّاب المسرح السعودي)!
دارت الأسئلة الثائرة معه ,, والنقاش الحاد والثخين…
ومن ضمن أسئلة الحوار الساخن، أضع السؤال هنا والإجابة كاملة …لنناقشها:
س / هل نفهم أنك تطالب بتعليم النغم في كل المراحل؟
ج / أطالب بتعليم الموسيقى في كل المراحل من الابتدائية
إلى الجامعة .. لا يمكن أن تبني مجتمعاً حضارياً وأنت تغيب الموسيقى.
س / كيف تريد الموسيقى؟
نحن لا نطالب بالموسيقى المتهتكة ولا موسيقى البوب .. حتى في أمريكا من تعلم الموسيقى الراقية .. موسيقى الذوق .. والموسيقى الشعبية
هي جزء من الموسيقى الجيدة لو وضعتْ ككلمات لتعليم الطلاب .. أ.هـ
ثم يأتي سؤال لاحق فأدعكم مع السؤال ومع الإجابة!
س / ماذا عن المسرح الوطني ومستقبله الرؤى والبصري؟
ج / لا يمكن أن نقف أمام تيارات العصر سواء رفضناها عشر سنوات أو خمس عشرة سنة أو أقل أو أكثر .. لم تصمد دول أخرى مثل أمريكا .. كما
كنا نقاوم في يوم من الأيام التقليدية.
علينا أن نحدد المفاهيم والثوابت الإسلامية الأساسية وليست الاجتهادية الضيقة التي أتت من باب سد الذرائع وعلينا أن نعمل باب المصالح المرسلة إلى اتجاه أكبر ..
فلذلك لا بد من فتح الأبواب لأننا لا نستطيع أن نقف.أ.هـ
أترككم تتأملوا هنا أحد الرموز؛ رموز الوطن كما وصفه المحاوِر …!
يطالب بأن تكون الموسيقى من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة
والعلة: أننا لا يمكن أن نبني مجتمعا حضاريا، ونحن نغيّب الموسيقى!!
يا إلهي،،، هذا من رموز الوطن – في نظر الصحافة – غياب الموسيقى هو سبب تخلفنا، لا يمكن أن نتطور تكنولوجيا صناعية، ولا علما أدبياً، ولا تميزاً معماريا بغير الموسيقى …
أحترم رأيك؛ لأننا في زمن احترام الآراء، وأحترم رأيك بأنك لا تطالب بالموسيقى المتهتكة!!
وما معنى – أيها الحصيف - متهتكة؟!
ولا تطالب بموسيقى البوب … جميل هذا الورع، هذا الأدب الجم، لكن ماذا نصنع لو طلبها أحد الأطفال في الصف 6 / أ
ماذا نقول له؟
نعم … سنقول تعلم الموسيقى الراقية … موسيقى الذوق الراقي ….
هذه الموسيقى هي التي ستجعلك تواكب الحضارة، وتكون حضاريا …
حتما ستقود سيارة عليها: (صنع في السعودية) بعد أن نعلم أبناءنا الموسيقى الراقية، وستبقى على أتان جهلك إن أبيت الموسيقى … بالموسيقى ستتحضر العقول، خاصة إن واكبها تعليم لهز الوسط لأن هز الوسط … سيسقط غبار التخلف من عقولنا ولا شك!!
ما هذا الأدب الجم؟ … الموسيقى الراقية …
لقد فاتك أن تقول: موسيقى على رؤية شرعية، كما يذبح السمك على الطريقة الشرعية …
وتأملوا كيف يجيب سؤال المحاور الثاني:
بقوله: علينا أن نحدد الثوابت الإسلامية الأساسية وليست الاجتهادية الضيقة من باب سد الذرائع!
ليهنِكَ الفقه … أستاذنا العزيز (ثوابت إسلامية أساسية) فما الثوابت الإسلامية غير الأساسي ..
يا ” عرّاب المسرح السعودي ” ما هذا الإلمام العظيم بشتى العلوم علم المسرح والموسيقى، والشريعة … ما شاء الله.
علينا أن نترك باب ” سد الذرائع … ونعمل باب المصالح المرسلة إلى اتجاه أكبر … “
أين المصالح المرسلة ومن أرسلكم بها إلينا؟! …
ألم أقل لكم: إنه مخطئ من ظن أن الرويبضة نطقت في هذا الزمن …
بيننا – والله أعلم – عقود من الزمن مادام أن هذا وأمثاله معنا …
هل كسدت بضاعتُكم إلى هذه الدرجة؛ حتى تطالب بتعليم الأطفال الموسيقى وحتى نواكب اليابان في الصناعة، والصين في التقنية والألمان في التطور، وأمريكا في الجبروت…
أيها الرمز العظيم … أين أنت منذ زمن , لو كنت بيننا لما عشنا فيما نحن فيه من تخلف ومن كلاسيكية حجرية …!
مرحبا بموسيقى الحضارة الراقية …
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[22 - Jun-2008, مساء 10:43]ـ
طيب من هو عراب المسرح السعودي؟
سعد البازعي؟ أم السريحي؟(/)
السلفيون في اليمن (قراءة فكرية)
ـ[آدم الجماعي]ــــــــ[22 - Jun-2008, مساء 11:38]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي الموضوع
الأخ الدكتور / أحمد الدغشي .. مفكر وكاتب يمني .. يميل إلى التيار الأخواني العام، ويعمل بالخط الفكري بعيداً عن أضواء العمل السياسي كمراقب للحركة الفكرية للجماعات الإسلامية في اليمن .. إلا أنه كرس جهده منذ فترة ليست باليسيره في متابعة قضايا المنهج السلفي، وحركته العلمية، ومواقفه الدعوية والاعتقادية ـ وإن اعتبرها الدكتور فكرية ـ، وكاد أن يخرج عن إطار الإخوان في تهميش الحركة السلفية، وعدم التعويل عليها كناشئ وند في الساحة الدعوية، أو الاستهجان بها من أن تقوى أو تقف على قدم وساق .. في تلك الفترة الائتلافية مع الحكومة .. أيام كانوا متربعين على أجهزة الحكومة من وزارات ومكاتب حكومية في جوانب مهمة.
وقد عرفتُ الدكتور من خلال كتاباته النقدية اللاذعة للسلفيين كأشخاص، أو للمنهج العقدي في الأسماء والصفات بالذات .. وغيرها من المسائل التي أثارها في صحف ومجلات منفتحة، أو مناوئة للتيار السلفي .. وقرأتُ له وسمعتُ عنه من شيخنا ووالدنا محمد بن محمد المهدي الكثير ـ برؤيته المنصفة تجاه الدغشي ـ.
ثم زدت معرفة به أثناء زيارة له إلى مدينة إب بداية هذا العام 1429هـ .. فعرفتُ منه الهدوء والرزانة، وعلمت بأنه كان لا يعرف السلفية عن قُرب، ولم تكن له لقاءات بعلماء سلفيين .. وكأنه كان يتلقى تلك المعلومات من الخصوم للدعوة السلفية، أو الناقلين للآراء السيارة المزودة بكثير من الترسبات المعلوماتية التي غطت عن الحقيقة.
وبين يديكم ايها الأخوة هذا المقال .. وسترون فيه غموضاً في بعض الجوانب، وتحولات فكرية في جوانب أكثر لدى الدكتور خلافاً لما كنا نعهده عنه قبل فترات
والله الموفق.
السلفيون في اليمن
قراءة في تحوّلات الفكر والسياسة
(جمعية الحكمة اليمانية أنموذجاً)
د: أحمد محمد الدغشي- أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك
كلية التربية- جامعة صنعاء
تمهيد:
تمثل السلفية في اليمن واحدة من الجماعات الإسلامية ذات الحضور الفاعل في المشهد الدعوي، منذ عودة مؤسسها الأول الشيخ مقبل بن هادي الوادعي
(ت: 1422هـ- 2002م) قبل مايقرب من ثلاثة عقود، من أرض الحرمين بالعربية السعودية، على إثر فتنة الحرم الشهيرة بقيادة جهيمان العتيبي. لكن بعض أبرز رجالات هذه الدعوة و وبعض كبار طلبة الشيخ الوادعي -وبعد مرور عقد واحد فقط- وبسبب اختلاف البيئة الفكرية والدعوية عن بيئة دماج (مسقط رأس الشيخ الوادعي ومنطلق دعوته وقبلة مرتاديه (، أحدثت بدايات تحوّل في مسار التفكير، وأساليب العمل، بما يتناسب وظروف البيئة الجديدة، التي غدا يعيش فيها هؤلاء أمثال: عبد المجيد الريمي، ومحمد المهدي، وعقيل المقطري، وعبد العزيز الدبعي، وعبد القادر الشيباني، ومحد الحداء، وعبد الله بن غالب الحميري، وغيرهم، في أكثر من محافظة ومديرية وقرية. وقد أدرك هؤلاء مدى البون الشاسع الذي يفصل بيئة الشيخ الوادعي وذهنية مدرسته (الخاصة) عن الواقع وملابساته والمرحلة وتحدياتها، مما حرك لديهم الرغبة الجادة في تأسيس إطار مؤسسي يجمع شتات الدعوة السلفية وأنصارها، خارج معقلها الرئيس (دماج) وبعيدا عن مؤسسها الأول (الوادعي)، فكان الاتفاق على الإعلان عن جمعية الحكمة اليمانية في 1\ 3\1411هـ الموافق 21\ 8 1990م، كإطار عام يضم شتات السلفيين.
البدايات واستحقاقات التحوّل:
غير أن هذا التحوّل لم يمض بسلام من قبل الشيخ الوادعي وتلامذته الملازمين لدرسه أو مدرسته الفكرية، فبعد محاولات حثيثة يائسة امتدت لفترة غير قصيرة - لعلها تربو على السنتين- هدفت إلى إثناء أولئك الشباب عن المضي في خطّهم التربوي والفكري الجديد؛ لم يجد الشيخ بدّاً من أن يخرِج ذلك الخلاف إلى العلن، ولكن في صورة حملات عنيفة متتابعة، عبر أشرطة مسجّلة (كاسيت) وكُتب وسواها، شُنّت على الخارجين عن نص توجيهاته وإطاره الخاص، متّهماً لهم بأبشع التهم، ونابزاً لتوجههم الجديد بأبشع الأوصاف، مما دفع بهم إلى الردّ عليه، عبر صفحات مجلة (الفرقان) الشهرية، وفي غير ما عدد من أعدادها في ذلك الحين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وربما بدا الأمر للمراقب أن الجمعية معنية بالاهتمام بالعمل الخيري والدعوي ودعم الأنشطة ذات التوجّه السلفي الخالص، بعيداً عن البُعد الحركي، والنشاط السياسي، غير أن الأيام اللاحقة كشفت أن ذلك لم يخرج عن دائرة اهتماماتها، وإن بدا بدرجة ثانوية، كما كشفت مدى التفاعل الذي تجاوز حدود العمل الخيري والدعوي إلى الحركي والتنظيمي، على نحو ما ستشير إليه هذه القراءة لاحقاً. وبعد مرور مرحلة ليست بالطويلة حدث خلاف داخلي في إطار الجمعية، سببه- حسب تصريح أحد قيادات جمعية الإحسان لصاحب هذه السطور- َرفْض بعض الإملاءات الخارجية المفروضة من بعض الجمعيات المؤثّرة في الخليج، الهادفة إلى تعزيز التبعية للجمعية في بعض الاجتهادات غير المقنعة لقطاع واسع من قيادات جمعية الحكمة وأفرادها، مما أسهم في تحويل نشاط جمعية ناشئة جديدة بحضرموت تسمى جمعية الإحسان الخيرية (تأسست في عام 1413هـ الموافق 1992م في مدينة المكلأ بمحافظة حضرموت) إلى إطار عام يشمل كل من لا يؤمن بمسار جمعية الحكمة، تلك التي غدت ذات اجتهادات تتسم بالمرونة السياسية، لاسيما فيما يسمّى باللعبة الديمقراطية ومفرزاتها، تبعاً لاتجاه جمعية إحياء التراث بالكويت- كما سيرد التفصيل-، وفكر الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، المشتهر بمرونته السياسية اللافتة في هذا الإطار. ومع أن جمعية الإحسان كانت تعنى في بداية التأسيس بشئون محافظة حضرموت فحسب، ويقال إنها كانت قد اتفقت مع جمعية الحكمة- مع بداية ظهور بوادر الخلاف- على أن تظل غير قابلة للتنافس مع جمعية الحكمة؛ إلا أن ذلك أمر لم يتمّ تقيّد جمعية الحكمة به عملياً، حيث أسست لها فرعاً هنالك، مما اضطّر جمعية الإحسان لتمتد إلى ربوع اليمن، حتى بلغ عدد الفروع والمكاتب الفرعية (26) فرعاً ومكتباً.
وتميزت بعد ذلك كل جمعية برموز وأنشطة ومؤسسات. غير أننا في هذه السطور سنخصص الحديث لجمعية الحكمة اليمانية من زاوية التطوّر الفكري والسياسي، ولعلّ حديثاً آخر تُخص به جمعية الإحسان- بعون الله-.
النشأة:
أشار الكاتب في مستهل هذه القراءة إلى أن جمعية الحكمة هي أول إطار مؤسسي معلن للسلفية في اليمن. وبالنظر إلى زمن التأسيس فإنه جاء بعيد إعلان الوحدة اليمنية بين شطري البلاد، وهي الفترة التي شهدت إعلان العديد من الجمعيات والمراكز والجماعات، ذات التوجهات المتباينة، وميلاد عدد آخر من الأحزاب والتنظيمات، التي تلاشت عملياً باستثناء الأحزاب التقليدية العربية. أما جمعية الحكمة فقد أعلنت عن نفسها في ذلك الحين، على أساس أن مركزها الرئيس هو مدينة تعز (256كم) إلى الجنوب من العاصمة صنعاء؛ مع فتح فروع لها في بعض عواصم المحافظات، ولاسيما في مدينة إب، وحضرموت والعاصمة صنعاء. وقد كان أبرز المؤسسين الأوائل:عمر عبده قايد، وعبد القادر الشيباني، ومحمد المهدي، وعبد العزيز الدبعي، وأحمد المعلّم، وأحمد معوضة.
والجمعية -في الواقع- امتداد عملي لجمعية إحياء التراث بالكويت في ذلك الحين. ومن القرائن الدالة على ذلك: إنشاء مجلة (الفرقان) الشهرية التابعة لجمعية الحكمة في مدينة إب، في إشارة صريحة إلى تبعية فكرية وعملية لمجلة (الفرقان) الصادرة عن جمعية إحياء التراث بالكويت. و (الفرقان) اليمنية، -وإن توقفت بعد فترة غير طويلة من صدورها-؛ فإنما كان ذلك اكتفاء بالمجلة الأم (المنتدى)، ووفقاً لحسابات داخلية في الجمعية. غير أن هذا العنوان (المنتدى) قد يبدو مشكلاً؛ إذ إنه لا يستقيم مع القول بأن تبعية جمعية الحكمة فكرياً وعملياً لجمعية إحياء التراث بالكويت يشير إلى اتجاه آخر يمثل (جمعية الإحسان)، تلك التي تتبع في فكرها الخاص والعملي (المنتدى الإسلامي) في لندن، الذي يصدر مجلة (البيان) الشهرية، وهي المؤسسة التي تصنّف جمعية الإحسان عليها من الوجهة الفكرية والعملية ذاتيهما. والحق أن التسمية بـ (المنتدى) ترجع إلى زمن تأسيس الجمعية عام 1990م، وصدور العدد الأول منها في يوليو 1991م، حين كانت الدعوة السلفية المتمثلة في الجمعيتين جماعة واحدة غير متمايزة، بيد أن التسمية بـ (الفرقان) جاءت بعد ذلك بسنوات، أي بعد أن حدث الانقسام بين الجمعيتين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد ألمح الشيخ عبد القادر الشيباني الأمين العام الأسبق لجمعية الحكمة في حوار أجرته معه مجلة (الفرقان) عن حجم مشاريع جمعية إحياء التراث الكويتية لدى جمعية الحكمة فقال:" الحقيقة جمعية إحياء التراث جمعية سلفية دعوية، تهتم بنشر منهج السلف، وتهتم بمساعدة المسلمين أينما كانوا، وتهتم بتصحيح عقائد المسلمين والتعاون بيننا وبينهم في جميع المجالات، ليس في مجال المشاريع فقط، نحن نتعاون مع جمعية إحياء التراث من بدء التأسيس ... وهذه الجمعية من أفضل الجمعيات الخيرية الإسلامية في العالم، ولا أبالغ إن قلت: إنها أفضل جمعية إسلامية خيرية دعوية على الإطلاق." (1)
وقال في معرض الامتنان لهذه الجمعية:" بل عندما خرج صدام حسين من الكويت جاءنا وفد برئاسة رئيس جمعية إحياء التراث الشيخ\ طارق العيسى إلى اليمن واطلع على أحوال الجمعية، ومباشرة بعد عودته إلى الكويت بدأ ينسق جهوده في إعانة إخوانه في اليمن، ثم بدأت الأعمال بيننا وبينهم تترى، وإلى الآن مستمرة. الآن مثلاً هم ينشئون مراكز ضخمة في اليمن لصالح جمعية الحكمة، ولصالح المجتمع المسلم في اليمن ... " (2). ثمّ إن مجلة (الفرقان) اليمنية تابعت مجلة (الفرقان) الكويتية باستهلال نشر كتاب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق (فصول في السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله) منذ العدد الثالث عشر الصادر في ربيع الثاني 1418هـ- أغسطس 1997م على حلقات مع مقدّمة تسويغية للنشر، أهمها الإشادة الكبيرة بالشيخ عبد الخالق، والتنديد بـ"الحملة العواء المسعورة التي تشار ضدّه، ممن جنّدوا أنفسهم لحرب المصلحين، وعبدة الولاة، وجهلة المتعصّبين ... "
الأهداف والأنشطة لجمعية الحكمة:
لقد تركّزت كل جهود جمعية الحكمة اليمانية على النشاط الدعوي والخيري بداية الأمر، وهذا ما نصت عليه الجمعية في أهداف نشأتها على النحو التالي:
- التعريف بالعقيدة الصحيحة للسلف الصالح رضي الله عنهم، والتحذير من البدع والخرافات التي شوهت جمال الإسلام وحالت دون تقدم المسلمين.
- إنشاء المشاريع الخيرية المختلفة ذات النفع العام، كالمساجد والمعاهد والمدارس والمستوصفات والطرق والآبار والمكتبات ونحوها.
- تقديم المساعدات المختلفة ذات النفع الخاص للمحتاجين كالزكوات والصدقات والإغاثة وكفالة الأيتام ورعاية الدعاة وطلاب العلم والأسر الفقيرة ونحوها.
- المساهمة في إبراز التراث الإسلامي، تحقيقاً ونشراً بالتعاون مع الهيئة العامة للآثار ودور الكتب.
- التعاون والتنسيق مع الهيئات والجمعيات المحلية والإقليمية والعالمية ذات الأهداف المماثلة بما يحقق الأهداف العامة للجمعية. (3)
وورد تلخيص ذلك في افتتاحية العدد الأول من مجلة المنتدى (لسان حال جمعية الحكمة يمانية)، في البند الثاني منها بالقول:" ارتضينا في هذه المرحلة من مسيرة الدعوة الإسلامية في اليمن أن تكون مجالات أنشطتنا قاصرة على الأمور الدعوية والخيرية" (4).
وقد سعت الجمعية لتحقيق أهدافها بجملة من المعاهد الشرعية، الخاصة بها، وإن تحوّلت فيما بعد إلى (مدارس) حكومية، تحت ضغط قانون التعليم العام رقم (45) لسنة 1413هـ- 1992م، القاضي في بعض بنوده بتوحيد التعليم في الجمهورية اليمنية في إطار التعليم الحكومي، وخضوع كل مقررات التعليم الأهلي والخاص لإشراف وزارة التربية والتعليم. وقد استجابت الجمعية لذلك، إلا أنها ظلت محتفظة بمناهجها الخاصة، إلى جانب المناهج الحكومية، كما صرّح بذلك بعض القائمين على مدرسة البيحاني ومؤسسة الإمام الشوكاني بمدينة إب لصاحب هذه السطور عند زيارته لها يوم 8\ 3\2008م. وتتوزع هذه المعاهد (المدارس) في عواصم بعض المحافظات كأمانة العاصمة (صنعاء) وإب وعدن. كما تمتلك مراكز شرعية متخصصة كمركز عاصم لعلوم القرآن، و مركز المنار لإحياء العلم الشرعي وإعداد الدعاة وتأهيله، وكذا مركزي الإمام الشاطبي و عبد الله بن عمر، كما تمتلك الجمعية مركزا ثقافياً يسمى مركز الكلمة الطيبة للبحوث والدراسات العلمية، ومقرّه صنعاء، يعنى بإصدار مجلة المنتدى الشهرية، وببعض الإصدارات الفكرية والثقافية غير الدورية، وقد تمكّن من إصدار العديد منها عملياً.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويبدو أن طموح القائمين على الجمعية كان قد اتجه نحو الجموح زمن التأسيس وبعده، كما تبيّن عملياً بعد ذلك، إذ كان لدى المؤسسين رغبة في تأسيس كلية شرعية تسمّى (كلية الفرقان للعلوم الشرعية)، تمثل مشروع نواة لجامعة سلفية في اليمن حسبما صرّح به الأمين العام الأسبق للجمعية الشيخ عبد القادر الشيباني في حواره المشار إليه آنفاً (5)؛ غير أنه اتضح أن الفكرة لم تكن واقعية، نظراً لما يتطلبه قيام مثل ذلك المشروع من مؤهلات أكاديمية عليا تنؤ بتوفيرها الجمعية حتى اليوم، وإن كانت عين المتابع لا تخطئ المحاولات الحثيثة الساعية إلى محاولة تأهيل أكبر عدد من عناصر الجمعية وأنصارها، وهو ما يبعث على التوجّس من أن يغدو السعي لتحقيق ذلك الهدف دافعاً نحو الحصول على (الشهادة)، حتى وإن لم تراع – أحياناً- بعض الشروط الأكاديمية اللازمة لذلك!
المنهح التربوي والفكري:
لا يخرج المنهج التربوي والفكري لمدرسة جمعية الحكمة يمانية في جوهره في بدايات مرحلة التأسيس -على وجه الخصوص- عن الاتجاه السائد في بلاد الحرمين بالعربية السعودية، حيث التركيز على مباحث التوحيد الشهيرة في هذه المدرسة، من ألوهية وربوبية، وأسماء وصفات، مع تركيز بيّن على مبحث الألوهية، و الموقف الحدّي مع المخالف، حتى في إطار المدرسة السنيّة ذاتها، بما في ذلك إخراج أكبر طائفة سنيّة على مستوى العالم الإسلامي من دائرة أهل السنة سواءً الأشاعرة (نسبة إلى أبي الحسن الأشعري (ت: 324هـ)) أم الماتوريدية (نسبة إلى أبي منصور الماتريدي (ت: 333هـ))، والوقوع – إلى حدّ ما- في شرك احتكار مفهومي الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
وأمّا الفكر السياسي فلم يكن قد خرج كذلك عن السائد في اتجاه هذه المدرسة، حيث التأكيد على العلاقة التقليدية مع الحاكم- وإن لم يُعرف للقائمين على شئون الجمعية علاقة مميزة معه في الفترة السابقة بل بدت متذبذبة بعد التمايز- بعيداً عن فكرة المعارضة، ورفض مجرّد الحديث عن إنشاء أحزاب سياسية إسلامية، ناهيك عن أحزاب وطنية، أو قومية، أو ذات أيدلوجيات أخرى. وأما الموقف من الديمقراطية، فاتسم في بداياته بالموقف الحدّي كامل الرفض جملة وتفصيلاً، وكذا ما يترتب على القبول بها من انتخابات نيابية على وجه التحديد، فالتحريم هو الحكم المشتهر عن المدرسة السلفية بكل أطيافها- حيث لم تكن قد تمايزت في ذلك الحين- وعدّها جزءا من اللعبة الديمقراطية العلمانية، لاسيما قبل أن تنفصل جمعية الحكمة عن جمعية الإحسان. وقد عرفت تلك المرحلة كتاباً شهيراً يمثل لسان حال المدرسة السلفية جميعاً، وعنوانه (القول المفيد في أن دخول المجالس النيابية ينافي عقيدة التوحيد). ويتذكر صاحب هذه السطور أنه قد خاض في العام 1412هـ- 1992م، مناظرة جماهيرية مشهودة مع بعض رموز هذه المدرسة (الشيخ عبد المجيد الريمي والشيخ حسين عمر محفوظ وبحضور الشيخ محمّد المهدي) على خلفية تنسيق حزب التجمع اليمني للإصلاح مع حزب البعث – قطر اليمن (في ذلك الحين) على مواقف محدّدة. وقد تركّزت المناظرة من طرف ممثلي هذه المدرسة على رفض الديمقراطية شكلاً وموضوعاً، وكذا العملية الانتخابية، على نحو حاد وحاسم، مع التنديد غير المحدود بفكرة الحزبية، ووصفها بعدم المشروعية! حتى إنه قد ارتحل بعضهم إلى صعدة لمقابلة الشيخ الوادعي وأخذ رأيه المندّد بفكرة التنسيق ومتضمناته، مع وضع توقيعه- إلى جانب آخرين- من مختلف المحافظات والمناطق على وثيقة الرفض لعملية التنسيق تلك.
قد يقال إن هذا التعميم غير دقيق بدليل ما شهده العام 1988م أي قبل سنتين من إعلان جمعية الحكمة عن نفسها، حيث كان الشيخ عبد المجيد الريمي (من مؤسسي جمعية الحكمة، قبل أن يتحوّل إلى جمعية الإحسان) قد أعلن عن رغبته في تقديم نفسه مرشحاً عن التوجّه السلفي – وإن لم يُعْلَن عن ذلك صراحة- في انتخابات مجلس الشورى في شمال البلاد عام 1988م، بيد أنه تنازل بعد ذلك لصالح مرشح إخواني بارز هو الشيخ حمود هاشم الذارحي، بناء على تفاهم تم بهذا الشأن. غير أن هذا الموقف هو الاستثناء الذي أكّد القاعدة في ذلك الحين، بدليل أن الشيخ الريمي أخرج بعد فترة غير طويلة رسالة وسمها بـ (خمسون مفسدة في الديمقراطية)، وهو بذلك إنما يشير صراحة إلى العملية الانتخابية ولوازمها. ولعل خير ما
(يُتْبَعُ)
(/)
يؤكّد ذلك – عدا بعض الكتابات والأحاديث المتفرقة لبعض موز المدرسة، والمنتسبين إلى عضويتها- ما تبلور عنه الموقف من الانتخابات النيابية عام 1993م، حيث كان في غاية السلبية والتثبيط عن المشاركة في العملية الانتخابية، على الخلفية السابقة، إلى حدّ بلغ ببعضهم أن صوّر أمر السكوت- وليس المشاركة أو الحث على مناصرة طرف ما- صمتاً لا يجوز تأخيره وقت البيان، بوصفه الموقف الشرعي الوحيد!!
معالم التحوّل:
للتحوّل السلفي في اليمن معلمان أساسيان يتمثلان في: التحوّل الفكري، ثمّ التحوّل السياسي، وذلك على النحو التالي:
أولاً معالم التحوّل الفكري:
من العسير أن يقال إن الفكر الإسلامي -بصورة عامة- يتسم بحالة وحيدة من الصرامة والحدّية، بحيث لا يأتي عليه التغيير في أصوله أو في فروعه، فلا شك أن مرونته تتيح له التغيير المنضبط في إطار الفروع بشقيها المتعلقة بالعقيدة أم بالأحكام. وإذا كان من غير المستغرب على جمعية كالحكمة أن تتطور فكرياً وسياسياً، بل قد يكون ذلك نقطة مضيئة في مسارها، وآية نضج ينبغي عدّه شجاعة أدبية تفرض التقدير؛ وتدفع إلى مزيد من المراجعة الواعية المنضبطة؛ إلا أن جانباً من هذه المراجعة قد يستدعي مراجعة جديدة يمكن وصفها بمراجعة المراجعة، وأعني بعض ما يتصل منها بالموقف السياسي، وأسباب تحوّله وملابساته، إذ إننا هنا أمام حالة من التحوّل تداخلت فيه- بكل أسف – الأصول مع الفروع، و لا أعني بالأصول ما يتصل بالعقيدة بالضرورة، بل حتى ما يتصل بالمواقف السياسية التي كانت تصوّر حكماً شرعياً لا يجوز الخروج عنه بحال، أو محاولة تقديم اجتهاد مسوّغ فيه بالإطلاق!
مقارنات أولية:
وبمحاولة أولية لعقد مقارنة بين التوجّه الفكري في جانبه العقدي الذي ساد في تلك الحقبة وبين ما آل إليه الوضع اليوم فسنلفى تحوّلاً هائلاً، حيث لم يبق من الفكر العقدي التقليدي – في حقيقة الأمر- سوى جوهر مباحث التوحيد التقليدية في المدرسة السلفية، دون التعمّق الذي درجت عليه في عقود سالفة. وقد أُفسِح المجال لمقررات فكرية وثقافية جديدة، لم تكن ذات بال في مرحلة خلت. وفي اعتقاد كاتب هذه السطور أن للعلاقة التي تربط بين جمعية الحكمة ونظيراتها خارج اليمن، وكذا بعض الشخصيات العلمية الداعمة لمسار الجمعية مادياً عن طريق مباشر أو غير مباشر أثراً غير قليل في إبقاء شارة السلفية التقليدية، في مجال التوحيد والعقيدة ظاهرة، خاصة إذا تذكّرنا مدى المشاحنة التي طغت في الآونة الأخيرة بين بعض فصائل السلفية، واتهام بعضها للبعض الآخر بالميوعة العقدية، والتفريط في المحافظة على التراث السلفي، وركونها البعيد إلى التنظيم والحركية والنشاط الحزبي!
ونجد مرونة لافتة في التعامل مع أطياف العمل الإسلامي وغير الإسلامي. حتى تلك التي كانت تصنّف خارج دائرة السنّة كالزيدية والأشاعرة أو الماتوريدية، فهاهو ذا أحد أبرز قيادات هذه المدرسة (الشيخ محمّد بن محمّد المهدي) يؤكّد في كثير من أحاديثه الموثّقة أو الخاصة أن لا مشكلة تحول دون الحوار والتآخي والتواصل مع الزيدية، مع تأكيده أنها فرقة شيعية، وأن عقيدتهم اعتزالية، لكن ذلك كله لا يؤثّر سلباً على الأخوة الإسلامية مطلقاً (6). كما بات يعتقد – مع جمهرة من قيادات الجمعية في مدينة إب - أن الأشاعرة لا تخرج عن دائرة أهل السنّة، رغم التأويل الذي اشتهرت به، واختلاف مدرسته معها في ذلك (7).
حوار على الطريق:
وقد قدّر لكاتب هذه السطور أن زار مدينة إب في يوم 2 ربيع أول 1429هـ -8 مارس 2008م – في إطار رحلة علمية أكاديمية- وكان أن التقى – على غير تنسيق مسبق- على مدى يومين متتابعين بنخبة ممتازة من قيادة جمعية الحكمة في تلك المدينة، كما دعي إلى زيارة مؤسسات الجمعية، التي أبدى إعجابه بوضعها، نظراً إلى ما تقدّمه من خدمة علمية ودعوية مقدّرة. ويعنينا هنا فحوى الحديث الذي دار في جلسة اليوم الثاني، إذ كان الاتفاق فيها هو السمت العام -بخلاف جلسة اليوم الأول-. وقد اكتفى كاتب هذه السطور بالاستماع حتى النهاية. ولمّا لمس روحاً طيبة في تقبّل المخالف- باستثناء الشيعة الاثني عشرية نظراً إلى تعمّق الخلاف تاريخياً وعملياً ولا سيما بسبب أحداث العراق وانعكاساتها في المنطقة- لم يجد بدّاً من المباركة والتأييد، وعدّ ذلك خطوة مباركة في
(يُتْبَعُ)
(/)
الاتجاه الصحيح.
لقد شمل الحوار التأكيد على إعذار المخالفين من الأشاعرة وعدّهم جزءا لا يتجزأ من أهل السنة، والحق أن هذا مثّل رأي كل من شارك في تلك الجلسة وفي مقدّمتهم الشيخ محمد المهدي إلى جانب ثلّة من رفاقه أذكر منهم السادة: محمد الحداء، وعبد الله بن غالب الحميري، وأمين الخياط، ومطيع الغيثي، ويحي الوجيه (8). وخلافاً لما كان يدور من لغط في بداية تأسيس جمعية الحكمة عن الموقف من المخالف في إطار المدرسة السنيّة العامة كالإخوان المسلمين- على سبيل المثال- فقد أعلن الشيخ المهدي – على سبيل المثال- في بعض حواراته الصحفية أنه يعدّ الإخوان بل والمؤتمر الشعبي العام، وكل من عدا الشيعة من أهل السنة. وهذا نص جوابه عن سؤال بهذا الصدد:
"أهل السنة مفهوم أوسع من السلفية. فهم بالمفهوم العام يشملون المذاهب الأربعة، والتنظيمات الإسلامية الآن مثل جماعة الإخوان المسلمين بما فيهم "حزب التجمع في اليمن"، والأحزاب الأخرى مثل "حزب المؤتمر"بصفة عامة ممن لم يتبنوا العلمانية منهجاً، والسلفيين وجميع المسلمين غير الشيعة" (9).
والحق أن هذا التعميم جدّ جدير بالتوقف والنقاش، من حيث إن مفهوم المخالفة فيه يفيد أن كل من كانوا يوصفون بالمنحرفين وأهل الأهواء والبدع العقدية كالمعتزلة و المدرسة العقلانية المعاصرة – بحسب التصنيف السلفي الشهير- وكذا الصوفية وغيرها يضمهم إطار فكري عام واحد هو أهل السنة، والخلاف معهم أيّاً ما بلغ لا يخرجهم عن هذه الدائرة. وإذا كان كاتب هذه السطور واحدا ممن يدعون منذ زمن إلى مثل هذه الروح فإن الأمل ليحدوه أن يظل الشيخ المهدي صامداً متابعاً جهوده التصحيحية لمسار المدرسة السلفية، دون أن يدفعه (إرهاب) فكري متوقّع- ولاسيما بعد قراءة مثل هذه الإشادة- إلى نكوص، أو تراجع، أو نسخ له بالشرح والتوضيح والبيان يخرجه عن دلالته العربية المبينة.
أمّا ما قد يبدو في حديثه من إقصاء لطائفة إسلامية كبرى هي الشيعة فلا يجوز أن يستدل من خلاله على إخراجهم من دائرة الإسلام، لكونه عدّهم خارج دائرة أهل السنة، فهذا لزوم مالا يلزم! كيف ذاك وقد عُرِفت أطاريح الشيخ المهدي فيما يتصّل بالزيدية - وهي واحدة من فِرق الشيعة- بالرفق وحسن الظن والدعوة إلى الحوار والمناصحة والتآخي، بوصفها أقرب الفرق الشيعية إلى أهل السنة. وهذا ما أكّد عليه في حوار صحفي مفتوح معه عن الزيدية في اليمن، حيث سئل بالنص؟ " "أين تصنّفون المذهب الزيدي. هل هو سنّي أم شيعي؟ فقال:" لا يستطيع أحد أن يصنّف المذهب الزيدي مذهباً سنيّاً، فهو مذهب شيعي ابتداءً ونشأة ... " (10). لكنه أعاد القول بأن الزيدية" أقرب نسباً إلى أهل السنة" (11). وحين سئل:" يصنّف علماء الزيدية ضمن فِرق البِدع هل هذا يعني تكفيرهم"؟ أجاب بتأكيده على كونهم فرقة شيعية، لكن هذا لا يعني تكفيرهم على الإطلاق، بل قال:" وعلى هذا لا أعرف من يكفِّر الزيدية، بل إلى الآن لم يكفِّروا الرافضة تكفيراً مطلقاً ... " (12). وقد أثبت الحوار معه في الجلسة الأولى المشار إليها مع صاحب هذه السطور أنه يحمل روحاً عالية في التحاور مع الجميع، وإن كانت العقدة الشيعية (الإمامية) لا تزال مسيطرة عليه إلى حدّ بعيد، غير أنّه قد صرّح أن ليس لديه ما يمنع من التعايش مع الشيعة الإمامية، في إطار الأخوّة الإسلامية العامة، وليس ثمة – عنده- ما يمنع كذلك من ترك الدعوة لتسنين الشيعة، في مقابل ترك الشيعة الدعوة لتشييع السنة، كما هو رأي الكثير من دعاة التقريب بين المذهبين (13).
والحق أن الشيخ المهدي يتميّز بحصافة نادرة في علاقاته وحواراته الفكرية، ولذلك يعوّل عليه -إلى حدّ بعيد- في تحقيق هدف الوحدة والائتلاف، رغم الخلاف.
ثانيا: معالم التحوّل السياسي:
وإذا كان ما تقدّم إشارة إلى جانب هام من التحوّل الفكري لدى مدرسة جمعية الحكمة؛ فإن التحوّلات السياسية أكثر مدعاة للتوقف والنقاش.
تقارب مع السلطة:
(يُتْبَعُ)
(/)
ومما يمكن الإشارة إليه في هذا السياق مراجعة الموقف من العلاقة التقليدية بالحاكم، تلك التي بدت متذبذبة في فترة سابقة بل كانت إلى المعارضة أقرب أحياناً (14)، على حين أننا نجدها في السنوات الأخيرة أقرب إلى الوفاق مع سياسات الحزب الحاكم. ولعلّ أبرز شخصية سلفية تمثّل الموقف العام لهذه المدرسة هو الشيخ محمّد المهدي، بوصفه أكثر الشخصيات تفاعلاً مع الحراك السياسي في البلاد، وأكثرهم حضوراً إعلامياً في الآونة الأخيرة بوجه خاص، ولذلك لا غرابة أن يكون عمدة في هذه القراءة.
وقد سئل في حوارات صحفية أخيرة عن علاقة جمعيته بالسلطة المحلية فقال:" هي علاقة الرعية بالراعي، وعلى مبدأ السمع والطاعة في الخير، وفي المعصية لا سمع ولا طاعة ... ولا أخفيك أنه قد توفر من المسئولين الصالحين في لواء إب ما لم يتوفر لمنطقة أخرى حسب معرفتي وعلاقتي".
وحين سئل عن الوضع الحالي ولاسيما في ظل الظروف المتوترة في المحافظات الجنوبية؟ أجاب:
"لست راضياً عن هذا الوضع، وأنكر أسلوب طرفين: أسلوب الغلو في المعارضة، وأسلوب الدعوة للانفصال والخروج على ولي الأمر. فلا أجيز لنفسي ولا لغيري في المجتمع أن نجعل من هذا الوضع سبباً للخروج والصراع السياسي لأن هذا هو مذهب أئمة المذاهب الأربعة. حتى نرى الكفر البواح. وإذا رأينا الكفر البواح وليست لنا قدرة على الخروج لم يجز لنا ذلك للمصلحة العامة. ونعمل في تصحيح الوضع بما يتيسر لنا "فالميسور لا يسقط بالمعسور" ".
وحين سئل كيف تنظر إلى مستقبل اللقاء المشترك؟ (تكتل أحزاب المعارضة الفاعلة في اليمن) أجاب: "اللقاء المشترك من خلال وضعه الحاصل لم يكن هو البديل القوي لدولة الرئيس ... فالمشترك بصفة عامة أرى أنه ليس هو البديل الناجح، وإن كنت أرى أن فيه قيادات محترمة لهم مواقف جيدة لكنهم تبع لبرنامج المشترك. فالبديل للرئيس ـ وفقه الله لكل خير ـ ليس موجوداً في المشترك" (15). وأقرّ بأن موقفهم في الجمعية كان النصح بانتخاب الرئيس (16).
ويرى بعض خصوم جمعية الحكمة، كما بعض المراقبين أن ثمّة تحوّلاً لافتاً وواضحاً في إطار العلاقة بين الجمعية والسلطة. وقد سعى الشيخ المهدي في غير ما مناسبة ليدرأ عن نفسه وجمعيته أو جماعته تهمة الارتباط الانتهازي بالسلطة، ففي إجابة مطوّلة على صفحات مجلة المنتدى (لسان الحال) سئل:" اتخذتم منذ وقت طويل سياسة مستقرة بينكم وبين ممثلي السلطة في البلاد؟ هل تقدّمون هذا الموقف كنموذج للعلاقة مع السلطة؟ أم أن هذا راجع لضغوط تواجهها الدعوة السلفية؟ ... " ومما ورد في إجابته المطوّلة تقريره أن ذلك هو منهجه مذ عاد من الدراسة سنة 1398هـ، " حتى اتهمتُ في فترة من الفترات أنني من الدولة وإلى الدولة ... " واستطرد في تكييف ذلك الموقف شرعياً بما حاصله أن هذا هو منهج أهل السنة في العلاقة مع الحكام، وأن ذلك هو مغزى تشديد أهل السنّة على مراعاة المصالح والمفاسد من كل نواحيها (17).
والجدير بالتوقف عنده مليّاً التأكيد على أن مسألة العلاقة مع السلطة في بلد كاليمن تتداخل فيه جملة عوامل دينية واجتماعية وقبلية وملابسات شتّى ليست بالأمر الذي يؤخذ –جوهرياً- سلباً على جمعية الحكمة في الحالة السلفية، بدليل أن حزباً إسلامياً كبيراً، بات يقود أحزاب المعارضة اليوم هو الإصلاح؛ ظل على علاقة جيّدة – بالمجمل- مع السلطة طيلة فترة حكم الرئيس علي عبدا الله صالح، حتى عام 2002م، على إثر الخلاف الشهير حول نتائج المجالس المحلية، الذي تطوّر إلى حدّ إعلان أمين عام الإصلاح – في ذلك الحين- السيّد محمد عبد الله اليدومي- من على شاشة قناة الجزيرة - إنهاء حالة التحالف الاستراتيجي بين الإصلاح وحزب المؤتمر الحاكم. هذا مع ما يتذكره المتابعون للشأن السياسي اليمني من طبيعة العلاقة الحميمة التي طبعت الانتخابات الرئاسية عام 1999م، حيث استبق حزب الإصلاح حزب الرئيس صالح (المؤتمر الحاكم) بإعلان (صالح) مرشحاً له في الانتحابات الرئاسية المقبلة (عام 9991م). وقدّم الإصلاح في سبيل إنجاح الرئيس صالح -عبر كل الوسائل المتاحة بما فيها تولّي أكبر شخصياته ورموزه قيادة الحملة الانتخابية في أرجاء البلاد- دعاية انتخابية لافتة! مع التذكير فحسب بأن الرئيس صالح قد حكم اليمن ما يربو على عشرين عاماً حتى ذلك الحين، أي
(يُتْبَعُ)
(/)
منذ 1978 - 1999م، ولم ير الإصلاح تثريباً قبل ذلك يستدعي اتخاذ ذلك الموقف التاريخي أو قريب منه، مع ما يعلمه الجميع من أن اختلاف الوضعين بين 1999 - 2002م ليس بأكثر من اختلاف نسبي في الدرجة لا يكاد يذكر!
الحوثية هي المشترك:
ولكن – من الجهة المقابلة- فإنه أياً ما حاول الشيخ المهدي تقديم مسوّغات تهدف للإقناع بأن الدوافع لتلك العلاقة شرعية علمية فحسب؛ فلا شك أن ثمّة اعتبارات أخرى، أهمها وجوهرها: ظهور الفتنة الحوثية في صعدة بدءاً منذ 16\ 8\2004م، وحتى الساعة. فذلك الموقف مثّل قاسماً مشتركاً ولقاءً تاريخياً بين السلطة التي تخشى انفلات الأمور من قبضتها، والسلفية التي تذكّرت تاريخها غير الجميل مع الشيعة الإمامية، تلك التي يصنّف الحوثيون عليها. ولا ننس أن ذلك تزامن مع مرحلة القطعية البائنة بين السلطة والإصلاح، فكان ظرفاً مناسباً من هذه الزاوية كذلك.
وقد دشّنت تلك العلاقة بين جمعية الحكمة والسلطة رسمياً باستقبال الرئيس علي عبد الله صالح ومعه نائبه عبد ربه منصور هادي يوم 4\ 3\2007م عددا من قيادات جمعية الحكمة.
وبحسب موقع المؤتمر نت (لسان حال حزب المؤتمر الحاكم) فقد "أشاد رئيس جمعية الحكمة عبد العزيز عبد الله الدبعي وأعضاء الجمعية الذين تحدثوا في اللقاء بمواقف فخامة الرئيس وما يقدمه من الرعاية والاهتمام للعلماء والخطباء والمرشدين من أجل أداء رسالتهم في التوعية والإرشاد على أساس الوسطية والاعتدال وعدم الإفراط أو التفريط والدعوة إلى الخير والوحدة والوئام، وكل ما يوحد الصفوف ونبذ كل أشكال التعصب وإثارة الخلافات والفتن المذهبية والطائفية في المجتمع. وعبروا عن تقديرهم للمواقف الوطنية والقومية والإسلامية للأخ الرئيس المدافعة عن الدين والمناصرة لقضايا الأمة، مشيرين إلى ما تشهده بلادنا من مناخات الحرية والشورى والازدهار والتقدم.واستعرضوا أهداف الجمعية والنشاطات التي تقوم بها في المجال الدعوي والاجتماعي والخيري، سائلين الله أن يجنب بلادنا كل الفتن والمحن، وأن يوفق فخامته لقيادة مسيرة الوطن ولكل ما فيه الخير والصلاح ويحقق آمال وتطلعات شعبنا على دروب الازدهار والانجاز والتقدم. وأشاد الرئيس بالجهود التي تبذلها الجمعية في مجالات العمل الدعوي والخيري والإنساني والدور الذي يضطلع به أعضاؤها في مجال التوعية والإرشاد، منوهاً بمواقفهم الوطنية المشرفة في كل الظروف ولكل ما فيه خير الوطن وتقدمه وازدهاره. وأشار إلى أن أعضاء جمعية الحكمة اليمانية جسدوا في منهجهم الاعتدال والوسطية ونبذ التعصب والغلو وابتغاء مرضاة الله في كل ما يقومون به من نشاط دعوي أو خيري وبعيدا عن اللهث وراء مطامع الدنيا والسلطة أو الجاه أو المال ... وأضاف أن مجتمعنا اليمني مجتمع مسلم متماسك ومتعاضد ينبذ التطرف والغلو وكل أشكال التعصب والتفرقة والفتن ويتعايش أبنائه فيما بينهم البين في محبة ووئام وتسامح وتعاضد ووحدة، مؤكدا بان الدولة ستظل تدعم العلماء والمرشدين وترعاهم من اجل أداء رسالتهم لخدمة الدين والوطن وفق المنهج الصحيح ولما فيه الخير والصلاح للجميع " (18).
تباعد مع المعارضة:
إن هذا الموقف المتوائم مع السلطة صحبه موقف غير ودّي -بدرجات متفاوتة- مع أحزاب المعارضة المتمثلة في اللقاء المشترك. وواضح من خلال حديث الشيخ المهدي آنف الذكر في سياق علاقته مع الرئيس والحزب الحاكم ونظرته إلى مستقبل اللقاء المشترك صورة ذلك على نحو مجمل. لكنه فصّل في ذلك بالنسبة إلى الإصلاح، حين سئل في حوار صحيفة البلاغ الأخير عن خلافات جمعيته مع الإصلاح فأقرّ بوجود ذلك الخلاف قائلاً:" في نظري أن الإخوة في الإصلاح ما زال بعضهم يحمل العقلية التي ما قبل الوحدة لما كانوا متمكنين من بعض الوزارات كالتربية والأوقاف، وكانت المعاهد العلمية بأيديهم. ولا يسمحون لأحد أن يستقل بمسجد من المساجد سواء كان من السلفيين أو الزيدية، لأنهم يرون أن هؤلاء يعتبرون جماعات ضرار. فالزيدي يقولون له: أنت تريد أن تعيد الإمامة، والسلفي يقولون له بأنه خارج عن الجماعة. والأصل أن هذه العقلية قد انتهت بعد الوحدة، وبعد أن فقدوا تلك القوة. لكن رأيت أن الشيخ عبد الله صعتر في مقابلة له مع صحيفة (إيلاف) نفى هذا الكلام وطلب منا أمثلة. وأنا يمكن أن أضرب له أمثلة كثيرة
(يُتْبَعُ)
(/)
في مدينة إب في المساجد التي حاولوا السطو عليها لما في عقليتهم من التصور بأنهم أولى بالإتباع والدعوة من غيرهم. وللإنصاف ففيهم خير ونفع الله تعالى على أيديهم بالمعاهد العلمية لكن نعيب فيهم التعصب والتحزب الزائدين. وقد يوجد من السلفيين ممن تأثر بالغلو فيتكلم على حزب الإصلاح لكن هذا الغلو موجود أيضاً داخل حزب الإصلاح تجاه السلفيين". ولخصّ أبرز مؤاخذاته بالقول: " فالخلاصة أن أهم الأسباب هي: عدم اهتمامهم بالتربية الصحيحة، وحب السيطرة على المساجد، وإلغاء الآخرين أو تهميشهم. وهنا كان ينبغي أن يفهم الأخوة في الإصلاح أنه قد انتهى بعد الوحدة، وأن يعترفوا بأنهم لم يعودوا إلا كغيرهم مجموعة من المجموعات في اليمن، وأن لا يضيقوا بالرأي والرأي الآخر الذي يهتفون به، وأن يفتحوا صدورهم تجاه الآخرين فنحن مستعدون لنتعاون معهم فيما يجوز فيه التعاون لأن هذا حقهم علينا. وحق الأخوة بيننا أعظم بكثير" (19).
ويبدو أن الطابع العام للعلاقة بين الإصلاح والحكمة تسوده السلبية والجفاء غالباً، على المستوى المؤسسي، وإن كان أخف كثيراً على المستوى الفردي. ولعله مما يشهد لهذا الاستنتاج ما لمسه كاتب هذه السطور من ودّ ظاهر بين بعض رموز الإصلاح وبين الشيخ المهدي على وجه الخصوص. وفي الجلسة الحوارية الثانية المشار إليها فيما تقدّم- وكان صاحب السطور ضيفها- وفي سياق اشتراط أحد الحضور – ممن هو مصنّف على الإصلاح- إتباع خطوات عملية لنجاح حوار كهذا يسارع الشيخ المهدي للتدخّل مبدياً موافقته قائلاً:" نحن ندعو إلى ذلك، وقد طرحناه على أكثر من واحد بين إخواننا في (الإصلاح)، وقد بدأنا بالتنسيق بين الجمعيات الخيرية على اختلاف الجماعات السنية". فانتهزت الفرصة لسؤال الشيخ:" وهل هناك تنسيق سياسي؟ "
فأجاب:"نتمنى من إخواننا أن يمدوا لنا أيديهم رغم أنهم قد ائتلفوا مع الأباعد. وهذا الدكتور فؤاد البعداني (وقد كان حاضراً الجلسة) واحد ممن قد طرحت عليه هذا". فيعقّب الدكتور البعداني: "أشهد لله أن الشيخ محمد المهدي قد أخبرني أن عنده استعداداً للتعاون، وأخبرني أن أوصل هذا الكلام إلى الأخوة في قيادة الإصلاح في إب. فرأيت أن التقصير من الإخوة في الإصلاح، نظراً لانشغالات متداخلة" (20).
حزب سلفي متى؟:
أما الموقف من التعدّدية فغاية ما قد يتحفظ عليه الاجتهاد الجديد في إطار جمعية الحكمة هو مشروعية قيام أحزاب لا تعتمد مرجعية الإسلام عقيدة لها وشريعة حاكمة في الفكر والسلوك، بخلاف الموقف من إنشاء الأحزاب الإسلامية، وما هو قريب منها كالأحزاب الوطنية، تلك التي لا تحمل أيدلوجيا مضادة للإسلام. وقد مرّ بنا وصف أحد رموز الجمعية لحزب المؤتمر الحاكم بأنه من أهل السنّة بصرف النظر عن أيّة استثناءات لا تغيّر من حقيقة الموقف شيئاً يذكر!
ويبقى السؤال الأكبر هنا: في ضوء التطوّرات المشار إلى أبرزها سواء على المستوى الفكري أم السياسي؛ هل يعتزم فصيل جمعية الحكمة أن يتحوّل إلى حزب سلفي سياسي؟ أو أن يعلن القائمون على الجمعية تشكيل إطار سياسي باسمهم للاشتغال بالعمل السياسي رسمياً وعلنياً؟ فيما يظل لنشاط الجمعية الخيري والدعوي مساره، كما فعل آخرون؟
الواقع أن القائمين على شئون جمعية الحكمة مافتئوا يؤكّدون في غير ما مناسبة أن جمعيتهم دعوية خيرية وليست سياسية، ومن ذلك تصريح الشيخ عبد القادر الشيباني أمين عام الجمعية الأسبق منذ وقت مبكّر نسبياً أن جمعيته جمعية خيرية علمية دعوية اجتماعية وليست حزبا سياسياً (21). كما سئل الشيخ محمد المهدي: هل تنوون تأسيس حزب سياسي سلفي؟ فأجاب:" ليس لنا نية في ذلك وقد تكلمنا عن هذا كثيراً في حوارات صحفية في عدة صحف ومنها: أخبار اليوم وصحيفة الناس ومجلة المنتدى".
وحين سئل:" ما الذي يمنعكم من ذلك"؟
قال: " القانون يبيح لنا ذلك، ولكن هذه قناعتنا لأنها ستشغلنا عما هو أهم وأولى، وندخل في مجال قد كفانا به غيرنا وليس هو فرض عين ... " (22).
أمّا الشيخ عمّار بن ناشر العريقي (أحد أبرز الوجوه الفكرية للجمعية في محافظة عدن) فقد أجاب عن السؤال وإن كان أتى في سياق الحديث عن العلاقة بالسلطة والمعارضة المتمثلة في اللقاء المشترك؟ قائلاً:
(يُتْبَعُ)
(/)
"المنتسبون للدعوة السلفية لا يخفى عدم اشتغالهم بالعمل السياسي الحزبي والتنظيمي ولا يملكون جمهوراً واسعاً كغيرهم ولا تنظيماً دولياً ولا مؤسسات إعلامية أو اقتصادية كبيرة. وقد تركزت جهودهم في نشر العلم وبيان الأحكام الشرعية وتصحيح العقيدة ومحاربة الشرك والبدعة والخرافة والدعوة إلى تحكيم الشريعة ومحاربة الانحرافات الأخلاقية في الإعلام والشارع، ومساندة جهود محاربة الفساد العام بغض النظر عن جهته ومسماه لما يملكونه من رؤى وتصورات فكرية وسياسية منضبطة بالشرع والدليل إن شاء الله" (23).
وأيّاً اختلفت الصيغ السلفية في فصيل الحكمة بشأن الموقف من العمل السياسي الحزبي في صورة كيان تنظيمي خاص بهم؛ بين مباشرة كما هو تصريح الشيباني، أو دبلوماسية كما ورد في إجابة المهدي وأكثر منه العريقي؛ فإن المراقب للحالة السلفية وتحوّلاتها لن يجد صعوبة في استنتاج أن أمر إعلان حزب رسمي علني مسألة وقت وظرف مرحلة ليس أكثر. ولعل تطوّرات داخلية أو خارجية تحدث هنا أو هناك في المنطقة، قد تسهم في التعجيل بإعلان ذلك. وليس عنّا ببعيد ما حدث في الكويت- على سبيل المثال- حين أعلن حزب سلفي (تجديدي) عن نفسه تحت مسمّى حزب (الأمّة) حزباً سياسياً رسمياً بقيادة الدكتور حاكم المطيري.
الديمقراطية مسألة اجتهادية:
فإذا جئنا إلى الموقف من العملية الديمقراطية وما يترتّب عليها من انتخابات نيابية على وجه الخصوص -عدا الاشتراك في الانتخابات والأنشطة النقابية والمهنية- فسنرى تلك الصرامة القديمة تحوّلت – بعد المراجعة- إلى مسألة اجتهادية، وإن ظل التحفّظ لدى بعضهم قائماً على المصطلح ذاته، أمّا عما كان يشكّل أبرز الجدل حول بعض متضمناته كالانتخابات النيابية – مثلاً- (24) فلا إشكال يذكر كما ورد تقرير ذلك في رسالة موسومة بـ (المختصر في أصول ومعالم الدعوة السلفية) وقد أعدّه وراجعه مجموعة من دعاة الجمعية وباحثيها، وقدّم له الشيخ\ أحمد بن حسن المعلّم: أحد أبرز قيادات الجمعية بصورة عامة وفي محافظة حضرموت بوجه أخص. ففي البند السابع من (منهج التغيير الدعوي) من الرسالة:" الوسائل التي تختلط فيها المصالح والمفاسد، كتولي الولايات في ظل الحكومات المعاصرة، والدخول إلى المجالس النيابية، في ظل الأنظمة المسمّاة بالديمقراطية، والانتساب إلى الاتحادات، والنقابات العمالية المهنية وما أشبهها؛ محلّ اجتهاد ونظر يقدِّره أهل الحلّ والعقد والاختصاص في كل زمان ومكان بحسبه" (25). أمّا الشيخ المهدي فقد عبّر عن أمر الانتخابات النيابية بالقول" وهي عندي مسألة اجتهادية فلا أنكر على من دخل فيها، ولا على من لم يشارك فيها، وهي لا تستحق عندي تكلفة تلك الأوراق المطبوعة" (26). أمّا عن غيرها من أنواع الانتخاب فقال "انتخابات المجالس المحلية والنقابات والجمعيات وغيرها لا خلاف في جوازها" (27).
وحين سؤال: "هل هذا يُعد تحولاً منكم؟ " أجاب:
" ما غيّرنا رأينا. هذا ما كنت أراه في الانتخابات من قبل والحمد لله .. لم أكن ضد الانتخابات ولا متحمساً لها منذ بدأت. لكن لا يمنع أن أغير رأيي في مسألة إذا رأيت فيها الصواب لأن الرجوع إلى الحق من صفات المؤمنين. وعند ما أفضِّل عدم المشاركة في الانتخابات فقد أشارك فيها أحياناً بالطريقة التي أراها مناسبة " (28).
مراجعة أم تراجع؟:
والحقيقة أن ثمّة تحوّلاً -وإن شئت فقل مراجعة- فلم يكن هذا هو الموقف المعروف لدى السلفية بعامة- والحكمة منها قبل التمايز-. وقد يُحمل تصريح الشيخ المهدي بما تقدّم من عدم التغيير أو التبديل في الموقف، على أنّه رأي شخصي له في أحسن الأحوال- مع أنه لم يكن ذلك مشتهراً عنه، ولا متميّزاً به، حسب المتابعة المتواضعة لكاتب السطور، ثم إنه لم ير بأساً بتغيير الموقف رجوعاً إلى الحق. وعلى أي حال فإن أحداً من المتابعين والمهتمين لا يمكنه أن ينسى الموقف الحادّ العنيف لشباب بعض رموز الجمعية – ولاسيما في أمانة العاصمة- إبّان الانتخابات النيابية 1993م، من حيث موقف التشكيك بمشروعية الانتخابات من أساسها، ومواجهة المخالف بالاتهام في الدّين، ومحاولة تحريض الجماهير على ذلك، مستخدماً بعضهم منابر المساجد، من منطلق القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوقوف في وجه اللعبة الديمقراطية العلمانية!
(يُتْبَعُ)
(/)
غير أن ذلك الموقف اختلف بعد ذلك، إذ تحوّل الإنكار في انتخابات عام 1993م إلى موقف الصمت العام في انتخابات 1997م، وهو ما يومئ بالرضا الضمني، الذي ينمّ عن مراجعة مقدّرة للمسار. بل لقد بلغ الأمر في محافظة حضرموت درجة من التعاون الظاهر مع حزب التجمع اليمني للإصلاح،تمثل في الدفع بشباب الجمعية ومناصريها إلى دعم مرشحيهم. وكان لذلك دوره الإيجابي الذي لا ينكر، في تحقيق نصر مقدّر لمرشحي الإصلاح هنالك. وكذا تكرّر الأمر في انتخابات 2003م.
إن المراجعة الأدبية الشجاعة أمر يحمد عليه صاحبه، ومن المكابرة بمكان أن تأخذ بعض المراجعين العزّة بالخطأ، ليتحوّل من موقع التقدّم على أكثر من صعيد، إلى المربع الأول، حيث النكوص والتراجع السلبي. إذ يخيّل إليه أنّ في ذلك تشفّياً وتسجيلاً سلبياً من قِبل الخصوم والمتربّصين.
ولِم لا يقتفي مَن يعاني مِن هذا الهاجس غير المبرّر منهج أحد أبرز الوجوه الفكرية المستنيرة في هذه المدرسة -وهو الشيخ عمّار بن ناشر العريقي- الذي يُعلن في غير ما مواربة أن ثمّة مراجعات حقيقية في إطار المدرسة السلفية –بوجه خاص-، إذ يورد في إطار موضوع معمّق وسمه بـ (المنهج المثل لتجديد الخطاب الدعوي: فقه المراجعات) جملة من المراجعات التي تمّت ومنها قوله:" كما تشهد الدعوة مراجعات في الحدّ من الاعتماد على الإمكانات المادية في كثير من مجالات الدعوة والتربية، كما خفّت حدّة قضية المجالس النيابية، وقرّر جواز المشاركة فيها، أو وجوبها علماء مصر والحجاز ونجد والشام واليمن، إلا القليل وهي مسألة اجتهادية" (29).
وكان الشيخ العريقي قد صرّح بأكثر من ذلك في عدد سابق من (المنتدى)، إذ قال- في معرض مناقشته لظاهرة السطحية التي تهدّد مسيرة الدعوة ومؤسساتها وبعد أن أشاد بتجربة حزب العدالة والتنمية بتركيا عادّا لاجتهاداتها عين العقل والحكمة، وموافقة لأصول الشرع وقواعده-: "واليوم يعترض بعض الدعاة مشاركة بعض الإسلاميين في مجلس النواب، بحجّة أن هذا إقرار بالديمقراطية الكفرية! ورأيي أن في بعض الديمقراطية كثيراً من الإيجابيات التي لا تخالف الشريعة من ناحية، ثمّ هي خير من الديكتاتورية الكفرية، التي تقضي حتى على مصالح الدين والدعوة ... " (30).
ومع تأكيد التقدير لِنَفَس المراجعات الداخلية في مسار الجمعية؛ فلا ينبغي إنكار دور بعض المؤثّرات الخارجية في إطار العلاقة الوثيقة التي تربط بين جمعية الحكمة في اليمن، وجمعية إحياء التراث في الكويت، مع الإشارة إلى علاقة المتغيّر التابع بالمتغيّر المستقل. وقد يغدو من قبيل الاستقراء التام أو شبهه استخلاص أن ما يمسي في جمعية إحياء التراث بالكويت يصبح في جمعية الحكمة باليمن! ولعل لبعض ما ورد في حوار الشيخ ناظم المسباح عضو مجلس إدارة جمعية إحياء التراث الكويتية مدلوله في هذا السياق، حيث أورد في حواره مع مجلة (المنتدى) المراحل التي مرّت بها جمعيته. فبعد أن أشار إلى مراحل التطوّر في مسار العمل السلفي هناك، انتقل إلى تجربته في الاشتراك في عدد من تجارب العمل النقابي، على مستويات عِدّة أردف ذلك ثمّ أردف بالقول:"بعد ذلك توسّع العمل فدخلنا في المجلس النيابي (مجلس الأمة)، والحمد لله حقّقنا أموراً عظيمة ... " (31)
الهوامش:
(1) مجلة الفرقان، العدد (14)،شعبان 1418هـ- ديسمبر 1997م، ص 32
(2) المرجع السابق، ص32.
(3) انظر موقع جمعية الحكمة يمانية: al-hikma-yecom
(4) نفسه، ص 30.
(5) مجلة المنتدى، العدد الأول، ذو الحجة، 1411هـ- يوليو 1991، ص 4.
(6) راجع – على سبيل المثال- الزيدية في اليمن: حوار مفتوح: مقابلة علمية و فكرية مع الشيخ محمد بن محمد المهدي أجراها أنور الخضري، 1429هـ- 2008م، ط أولى، صنعاء: مركز الكلمة الطيبة للبحوث والدراسات العلمية، ص 31 - 35،78، وحواره بتاريخ 4\ 3\1429هـ مع صحيفة البلاغ (اليمنية) المنشور في موقع الشيخ http://www.almhdy.com وقد أجراها: بسّام قائد، وانظر كذلك:محمد بن محمد المهدي (تقديم)، نظرة الإمامية الاثنا عشرية إلى الزيدية بين حقيقة الأمس وتقية اليوم، محمّد الخضر،1423هـ، إب: مركز الإيمان الخيري للشريط الإسلامي، ص 23،39.
(يُتْبَعُ)
(/)
(7) قال الشيخ المهدي ذلك أمام كاتب هذه السطور ومعه في الجلسة ثلّة من المثقفين والشيوخ وطلبة العلم يوم 2 ربيع أول 1429هـ -8 مارس 2008م في منزل الدكتور فؤاد البعداني بمدينة إب، وأكّده مع بقية رفاقه في جلسة اليوم التالي في ضيافته.
(8) وقد نشر فحوى الجلسة الثانية على وجه التحديد في موقع الشيخ محمد المهدي: http://www.almhdy.com/xpages/show.aspx? ... 6&depid=66 بعنوان حوار الشيخ مع مجموعة من الكتاب، تحرير آدم الجماعي،و موقع المجلس اليمني http://www.al-yemen.org/.
(9) راجع نص الحوار في موقع الشيخ: المرجع السابق.
(10) الزيدية في اليمن: حوار مفتوح، مرجع سابق، ص 31.
(11) المرجع السابق، ص 32، وانظر: ص35، 78، و بقية حواره في سياق الجواب عن سؤال صحيفة البلاغ، موقع الشيخ، مرجع سابق، وكذا حواره مع المنتدى، أجراه الخضر عبد الملك الشيباني، العددان (87، 88)، شعبان – رمضان\ 1425هـ- سبتمبر- أكتوبر\2004، ص 50.
(12) الزيدية في اليمن، مرجع السابق، ص 58.
(13) راجع حوار الجلسة الأولى في موقع الشيخ المهدي، مرجع سابق. وإن كان مدوّن الجلسة قد اعترف بأنه لم يكن حاضرا لمجرياتها، فاقتصر على إيجاز خطوطها العريضة.
(14) راجع على سبيل المثال: المقالات التالية في مجلتي المنتدى والفرقان لسان حال الجمعية: أبو عبد الله الخضرمي، الازدواجية بين النظرية والتطبيق في البرنامج السياسي للمؤتمر الشعبي العام، المنتدى، العدد (23)، ربيع أول 1416هـ، ص 41 - 43،و لطفي الشنيك، طاعة الحكام، المنتدى، العدد (41 - 42)، ذو الحجة 1416 - محرّم 1417هـ، ص 9 - 14،و محمّد الزهيري، تقييم الانتخابات في اليمن (1997م)، الفرقان، العدد (13)، ربيع الثاني 1418هـ- أغسطس 1997م، ص 61 - 64.
(15) حوار صحيفة البلاغ، مرجع سابق، وانظر حواره مع صحيفة الأهالي (اليمنية) بتاريخ 22\ 4\2008م، المثبت على موقع الشيخ.
(16) المرجع السابق.
(17) مجلة المنتدى، العددان 87،88، مرجع سابق، ص 47 - 49.
(18) موقع المؤتمر نت: http://www.almotamar.net/news/41153.htm، وانظر: حوار الشيخ المهدي في تأكيد ذلك مع صحيفة الأهالي، مرجع سابق.
(19) حوار صحيفة البلاغ، مرجع سابق.
(20) راجع موقع الشيخ المهدي، مرجع سابق.
(21) مجلة الفرقان، العدد (14)، مرجع سابق، ص 32.
(22) حوار صحيفة البلاغ، مرجع سابق، وانظر: مزيدا من التفاصيل في حواره مع موقع المجلس اليمني، مرجع سابق.
(23) حوار صحيفة النّاس مع عمّار بن ناشر العريقي، بتاريخ 1\ 4\2008، صنعاء، مؤسسة الناس، أجراه سلمان العمّاري، انظر: موقع الناس بريس http://www.nasspress.com/.
(24) انظر حوار صحيفة البلاغ، مرجع سابق.
(25) مجموعة من الدعاة والباحثين، المختصر في أصول ومعالم الدعوة السلفية، 1426هـ- 2005م، ط الأولى، صنعاء: مركز الكلمة الطيّبة للبحوث والدراسات العلمية، ص 57. وتعدّ هذه الرسالة أشبه بدستور العمل الفكري والدعوي والسياسي بجمعية الحكمة يمانية. ولعل مما يؤكّد على ذلك حرص القائمين على الجمعية عبر مركز الكلمة الطيّبة للبحوث والدراسات العلمية على توزيعها على عدد منتقى من الشخصيات العلمية والفكرية- وقد تشرف صاحب هذه السطور بتسلّم نسخة منها- بغية مراجعتها وتنقيحها وتقديم الملحوظات التي من شأنها أن تخرجها- بعد ذلك- في أحسن حلّة ومضمون، ولا نزال في انتظار محصّلة ذلك.
(26) حوار صحيفة البلاغ، مرجع سابق.
(27) نفسه.
(28) المرجع السابق، وانظر حواره كذلك مع صحيفة الأهالي، مرجع سابق.
(29) المنتدى، العدد (94)، جمادي الأولى 1426هـ- يونيو 2005م، ص 30.
(30) المنتدى، العددان (88،87)، مرجع سابق، ص 58.
(31) المنتدى، العدد (79)، شعبان 1424هـ- أكتوبر 2003م، ص 39.بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن الرحيم(/)
بيان فضيلة شيخنا عيسى المبلع الشمري .. في قضية الحجاب والاختلاط
ـ[محمد الجروان]ــــــــ[23 - Jun-2008, مساء 02:53]ـ
وآ أسفى على الحجاب و العفاف
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فمنذ أكثر من ألف و أربع مئة وعشرين سنة. و بنت الجزيرة العربية – بلاد الحرمين ومهبط الوحي و إشعاع نور الرسالة – مفتخرة بتاجها، ومتمسكة بحجابها، الحياء كساؤها و العفة رداؤها، و الشرف وسامها.
شعارها:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه ..... لا بارك الله بعد العرض بالمال
رضيت بما اختاره الله لها، بل أنست به و ابتهجت، لأنه وافق فطرتها، وحمى من الدنس بشرتها و أنوثتها.
و قد اختلفت الولايات على أرض الجزيرة العربية و تنوعت، و تبدلت كثير من معالم الشريعة و تكدرت. من ولاية الأمويين ثم العباسيين ثم العثمانيين و أخيراً آل سعود.
و الأمة خلال تلك القرون تمرض و تشفى، و تضعف و تقوى، وتوافق السنة و تخالفها، و تحقق التوحيد و تنقضه، إلا شيء واحد لم يتغير ولم يتبدل، بل لم يدن حماه، و تزهق الأرواح فداه، إنه الشرف إنه العرض، وتاجه و شعاره الحجاب، الحجابُ بمفهومه الشامل الحسي و المعنوي. وقد جرى الإجماع العلمي خلال تلك القرون على وجوب تغطية المرأة وجهها. ولزومها بيتها إلا لضرورة وحاجة مع تسترها وعدم تبرجها و بعدها عن الرجال و خلطتهم. وقد حكى الإجماع جمع من الأئمة الأعلام كابن عبد البر و النووي و ابن تيمية. قال ابن حجر (لم تزل عادة النساء قديماً و حديثاً أن يسترن وجوههن عن الأجانب). ا هـ. وذلك إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري.
ثم هبت رياح التغيير على البلاد الإسلامية فجرفتها إلا من رحم الله. وها هي اليوم رياح التغيير تهب بل تعصف بأرض الجزيرة العربية - بلاد الحرمين الشريفين – لتنزع حجاب العفيفات، و تكسر حواجز العفة لتجلس بنت الجزيرة بجانب الرجل سافرة ضاحكة متجملة متطيبة في مكتب أو إدارة أو مؤتمر أو ندوة أو مهرجان أو قاعة دراسية أو مستشفى أو طائرة أو غير ذلك. حقاً إنه العار و الدمار و الشنار.
وها هي الشبه تقذف حممها، و يتلقفها كل جاهل و غافل، فمن قائل: حجاب الوجه ليس واجباً
ومن قائل: المحرم الخلوة فقط لا الاختلاط. و يستدل بشبه الأدلة و التعليل و يعرض عن الأدلة المحكمة و أقوال الأئمة الملهمة قال تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} آل عمران7
ولدحض الشبة أسوق الأدلة المحكمة الدافعة على وجوب تغطية الوجه، وبيان ضوابط الاختلاط و حدوده قال تعالى {ليَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ}
فخذ يا باغي الحق ما صح من الأدلة الخالية من التأويل و العلة.
? قال تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} الأحزاب33
? و قال تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ...... الآية) الأحزاب53
? و قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب59
? و قال تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ..... الآية}
? و قال تعالى {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ .... الآية}
(يُتْبَعُ)
(/)
? و قال تعالى مستثنياً من يحل لها كشف الوجه من القواعد و من في حكمهن {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} النور60
فما الذي يفهمه العربي الأصيل الذي نزل القرآن بلسانه {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فصلت3 المتجرد من الهوى و التبعية و لرأي غيره من تلك الآيات؟
أليس الصحابة رضي الله عنهم هم أهل اللغة العربية، وأهل التجرد من الهوى و التبعية؟ فانظروا إلى فهمهم و تطبيقهم العملي لمقاصد تلك الآيات و معانيها حيث فهموا أن المقصد تغطية الوجه و ستره.
ففي مسند الإمام أحمد و سنن أبي داود: تقول عائشة رضي الله عنها (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم – محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه.
وفي صحيح ابن خزيمة: تقول أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- (كنا نغطي وجوهنا من الرجال).
وفي البخاري و غيره: تقول عائشة رضي الله عنها –: يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما نزلت (َلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن مروطهن فاختمرن بها.
قال ابن حجر و الشنقيطي: اى غطين وجوههن.
وفي الصحيحين: تقول عائشة _ رضى الله عنها- كنَّ نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس.
بل إن من أعظم الشواهد الإذن للخاطب أن ينظر إلى وجه المخطوبة ولو خفية ولو كانت الوجوه مكشوفة لما احتاج إلى الاختفاء. يقول جابر – رضى الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها (رواه أحمد وأبو داود)
بل خذ يا طالب الحق ما هو أقوى دلالة وأشمل، يقول صلى الله عليه وسلم: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها (رواه الترمذي) يقول الإمام أحمد و مالك: كل شيء منها عورة حتى ظفرها.
ولتحقيق كمال العفة وصون العرض وسد أبواب الفساد شرع الله أحكاما شرعية كالسياج و الحصن الواقي و الحافظ للشرف و الكرامة. فمن ذلك:
• جعل القوامة للرجال على النساء {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} النساء34
• ومنها أمرهن بالقرار في البيوت لأنه أعظم حجاب إلا الخروج لحاجة أو ضرورة مع وجوب التستر وعدم التبرج {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ... الآية)
• ومنها وعيد ولعن المتبرجة السافرة: يقول صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما ... وذكر نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها .. (رواه مسلم) وقال: سيكون في أمتي رجال يركبون على سروج أشباه الرحال (أي السيارات) ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات (رواه احمد) فمادمن يُلعنَّ وهن على أبواب المساجد فكيف إذا كنَّ بغير تلك الأماكن؟
• ومنها نهيهن عن الخضوع بالقول عند الحاجة لمخاطبة الرجال (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} الأحزاب32
• ومنها نهيهن عن التطيب عند الخروج: ففي سنن النسائي يقول صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية.
(يُتْبَعُ)
(/)
• ومنها الأمر بغض البصر {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} النور30، {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ... الآية) النور31
وكيف يستطيع غض بصره عن من جلست أمامه امرأة على طاولة واحدة!
• ومنها تحريم سفر المرأة بلا محرم كما في الأدلة المشهورة.
• ومنها أمر النساء بلزوم حافات الطريق و البعد عن وسطه ليبتعدن عن الرجال.
• بل حتى في الصلاة خير صفوف النساء آخرها لبعدهن عن الرجال و الفتنة.
• ومنها تحريم مس الرجل بدن المرآة الأجنبية حتى المصافحة كما في الأحاديث الصحيحة.
• ومنها أمر النساء بالخروج من المسجد قبل الرجال بل إن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد بخمس و عشرين درجة
فهذه السبل وغيرها مما شأنه أن يدرأ الفتنة و يحفظ العفة كثير في أحكام الشريعة.
فهل بعد هذا يجيز عاقل فضلاً عن عالم للمرأة أن تكشف وجهها وتخالط الرجال بناءً على الأدلة الضعيفة أو المشتبهة أو العلل المقتبسة، بدعوى طهارة القلوب وحسن النوايا وحاجة المجتمع لاختلاط المرأة مع الرجال في العمل وعدم تعطيل نصف المجتمع؟
فما دام أطهر القرون وأفضلها حُرّمَ عليهم ذلك وهم أطهر الناس قلوباً و أزكاهم أرواحاً حيث قال تعالى (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) فكيف بنا في هذا العصر ونحن نشاهد التبرج و السفور و العري وقلة الحياء مما تستحي البهائم من رؤيته عبر الشاشات و في الأسواق و الاجتماعات. فلو كان حلالاً للقرون الأولى المفضلة لحرم علينا اليوم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
فأنادي أهل الغيرة و الرجولة و العفة و الكرامة بان يكون سداً منيعاً وحصناً حصيناً أمام مخططات الأعداء لإفساد بنت الجزيرة و بلاد الحرمين الشريفين حفيدات عائشة و أسماء من أن ينزلقن في الهاوية ويكنَّ فريسة للزبانية.
كما أنادي المؤمنات العفيفات أن يرضين بما شرع الله لهن، و أن يكنَّ متبوعات بالخير لا تابعات بالشر قال تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} الأحزاب36
وليطلعن على كتابات و صرخات عقلاء و عاقلات الغرب و الشرق ممن ذاقوا مرارة التبرج و السفور و الاختلاط أثاره المحذره من التبرج و السفور و الاختلاط. بل جهدهم و سعيهم لعزل النساء عن الرجال في الجامعات و الحافلات و غير ذلك كما في أميركا و غيرها.
ونحن قادرون على تهيئة بيئة منعزلة تماماً عن الرجال كما في مدارسنا فلماذا لا نعمم ذلك في مستشفياتنا و أسواقنا و منتزهاتنا و ما احتاجته المرأة من إدارت متعلقة بشئونها و موافقة لفطرتها و أنوثتها ليعملن مطمئنات النفوس آمنات من الفتنة حافظات لشرع الله.
علماً أن وظيفة النساء الكبرى و مهمتهن العظمى ما اصطفاه الله لهن من القيام بالحمل و الولادة و الرضاعة و التربية و القيام بشئون المنزل وحقوق الزوج. يقول أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي (إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقاً إذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة).
وأخيراً أرفع صوتي و ندائي لمقام قائدنا ووالدنا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله و رعاه فأقول: إن والدكم الملك عبد العزيز غفر الله له كتب له التاريخ صفحة من ذهب بتحكيمه الشرع و نشر الأمن و العدل وجمع الكلمة و تطوير البلاد و ازدهارها وقد جمع بين المحافظة على أحكام الشريعة و الاستفادة من تقنيات العصر و منتجاته. فتحققت المصالح الشرعية و المصالح الدنيوية. بينما ((كمال أتاتورك)) كتب له التاريخ صفحة سوداء بقضائه على الخلافة الإسلامية و مواكبة الانحراف الغربي و الخلقي فهاهي بلاده تعيش فقراً وضعفاً. وأنت يا والدنا و قائدنا: بين علماء و دعاة و صالحين يدعونك و يرغبونك بالمحافظة على إرث والدكم و ما شيده وما بناه.واقتفاء خطاه. وبين قوم يرغبونكم بمسلك كمال أتاتورك وخطاه ليقضى على تلك الولاية الإسلامية المباركة
ولا نظنك إن شاء الله تحيد عن مسلك ووصايا والدكم غفر الله له وقد قال صلى الله عليه وسلم (ما من وال إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف و تنهاه عن المنكر و بطانة لا تألوه خبالاً فمن وقي شرها فقد وقي وهو إلى من يغلب عليه منها)
حفظ الله ديننا و أمننا و نساءنا وصرف عنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن. وأصلح الله ولاة أمورنا و رزقهم البطانة الصالحة الناصحة.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بقلم / عيسى بن درزي المبلع الشمري
خطيب جامع الأمير سعود الفيصل بحائل
الخميس 15/ 6/1429هـ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[23 - Jun-2008, مساء 03:09]ـ
بارك الله فيك وفي الشيخ ..
ـ[أبو أحمد العنزي]ــــــــ[23 - Jun-2008, مساء 04:09]ـ
جزاك الله خيرا وجزى الله الشيخ عيسى.
ـ[لامية العرب]ــــــــ[25 - Jun-2008, صباحاً 05:23]ـ
بارك الله فيك وفي نقلك لهذا البيان الذي يشرح الصدر
وجزى الله الشيخ عيسى المبلع خير الجزاء على ما قدم
وليبشر شيخنا بالخير ((كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} الرعد17
{فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ} هود116
ـ[أبو ثابت النجدي]ــــــــ[25 - Jun-2008, صباحاً 06:32]ـ
بارك الله فيك يا أبا القاسم
وبارك الله في الشيخ عيسى المبلع ونفع به
فالشيخ من المشايخ الذين يحملون هم الأمة
وأوصي من يأتي إلى حائل أن يزور هذا الشيخ فهو يرحب بالجميع
ـ[زين العابدين الأثري]ــــــــ[25 - Jun-2008, صباحاً 07:04]ـ
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[04 - Sep-2008, صباحاً 02:35]ـ
جزاه الله خيراً و لا فض فوه و بارك الله فيه و رفع قدره
أين الإعلام من هؤلاء
ـ[محمد الجروان]ــــــــ[04 - Sep-2008, مساء 08:17]ـ
شكرا لكم ... بارك الله فيكم جميعا ...
ـ[أبو ثابت النجدي]ــــــــ[05 - Sep-2008, صباحاً 01:27]ـ
يا صاحب النقب
مشكور
ذكرت تقول أين الإعلام عن هؤلاء
سبحان الله الشيخ غير راغب أن يخرج في القنوات الفضائية
فقد عرضت عليه قناة المجد والخليجية الخروج
لكنه غير راغب
وأتته دعوة من الرياض والقصيم والمدينة والخبر
لألقاء محضرات ودروس لكنه رفض
بحجة وجود أهل العلم في تلك المناطق وأن ذهابه هناك تطفل على العلماء
لكن الشيخ له جهود في تبليغ العلم والدعوة إلى الله في منطقة حائل
وفق الله الشيخ لكل خير وجعله مبارك إينما كان
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[05 - Sep-2008, صباحاً 02:16]ـ
أبو ثابت جزاك الله خيراً
أنا كنت كتبت بعد قولي الإعلام و أين إذاعة القرآن لكن حذفتها خشية أن يفهم أني ألمز إذاعة القرآن
و كونه لا يرغب في الخروج في القنوات هذا يدل على فضله
و كونه لا يرغب في المحاضرات هذا يدل على تواضعه
و هناك إعلام مكتوب لكن يبدو أن هذا الإعلام لا يريد أمثال هؤلاء للأسف و إنما يريد أمثال الجاحظ
و فق الله المشايخ و طلبة العلم للتعليم و الدعوة و التصدي للمنكرات
ـ[أبو ثابت النجدي]ــــــــ[05 - Sep-2008, صباحاً 03:32]ـ
مشكور اخوي صاحب النقب
وأنا أدعوك لزيارة حائل وزيارة الشيخ عيسى المبلع
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[05 - Sep-2008, مساء 05:25]ـ
لقد زرت حائلاً و رأيت كرماً لم أره من قبل
حيث استقبلني على الباب رجل شابت لحيته و هو أبو صاحبنا ثم سلم علي و لم يفلت يدي حتى أدخلني المجلس بيت الشعر و هو يرحب بنا
ثم علمت مؤخراً أن هذا من السنة ألا تدع يد المصافح حتى يدعها هو مالم تطل المصافحة
و جزاكم الله خيراً
ـ[علي أحمد عبد الباقي]ــــــــ[05 - Sep-2008, مساء 05:54]ـ
الأخ الفاضل / أبو القاسم الحائلي
جزاك الله خيرًا على الموضوع، وبارك الله في عمر الشيخ عيسى ونفع به.
وحبذا تتميمًا للنفع لو وضعت ترجمة مختصرة للشيخ هنا - إن أمكن - حتى يتعرف عليه من لا يعرفه من المقيمين خارج المملكة.
بارك الله فيك ونفع بك.
ـ[محمد الجروان]ــــــــ[06 - Sep-2008, صباحاً 02:50]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لكم ... بارك الله فيكم ...
وهذه ترجمة لسيرة الشيخ عيسى المبلّع
- عيسى بن درزي بن سالم المبلّع. من مواليد عام 1382هـ، بحائل.
- تخرج من معهد إعداد المعلمين عام 1399/ 1400 هـ.
- تخرّج من كلية إعداد المعلمين بحائل عام 1409هـ، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. في تخصص الدراسات القرآنية، الدراسات الإسلامية.
- عمله دائر بين التدريس والإدارة خلال ثلاث وعشرين عاماً.
(يُتْبَعُ)
(/)
- عمل مديراً لإدارة التوعية والتوجيه بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمدة عام، وما زال متعاوناً معهم.
- تقاعد تقاعداً مبكراً عن التعليم عام 1423 هـ.
- الآن يقوم بإمامة مسجد " خليفة السيف "، وخطيب جامع " الأمير سعود الفيصل ". وداعية متعاون مع مركز الدعوة والإرشاد بمدينة حائل بإقامة الدروس العلمية والمحاضرات.*
الحياة العلمية:
- بدأ الشيخ بإتقان قراءة القرآن على جمع من المقرئين الذين من أبرزهم الشيخ عبد الرؤوف مرعي ـ المقريء المشهور والبارز في الساحة الإسلامية ـ حتى أنهى حفظ القرآن الكريم.
- أخذ اللغة العربية عن بحرها الزاخر في مدينة حائل الشيخ محمد فرهود، وكذا علم الفرائض. ودرس الفرائض أيضا على الشيخ الجليل سليمان العامر ـ رحمه الله ـ.
- الشيخ أخذه حب العلم الشرعي فحفظ كثيراً من المتون من أبرزها كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبدالوهاب، وكتاب بلوغ المرام للإمام ابن حجر، وغيرها.
- عكف حفظه الله على كتب وأشرطة الإمام الأكبر ابن باز ـ رحمه الله ـ فقرأ عامة كتبه وشرحه، وكان يحضر بعض مجالس الشيخ ابن باز في منزله وغيره، ويناقشه فيما أشكل عليه في الشروح وأيضاً كان يستشيره في جل الأمور.
عكف أيضا على كتب الإمام الفقيه ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فقرأ عامة كتبه، وكان يحضر بعض دروس الشيخ ولقاءاته، ويناقشه فيما يشكل عليه، ويستشيره أيضا، حتى أنه نسّق لقاءً شهرياً مع الشيخ ابن عثيمين لطلاب العلم من منطقة حائل خاص بهم في جامع الشيخ بعنيزة.
أيضا عكف الشيخ على كتب وأشرطة الشيخ عبدالله بن جبرين ـ حفظه الله ـ ولخّص شرحه لكتاب منار السبيل، وشرح الطحاوية، وكتاب التوحيد، وشرح الورقات وغيرها. وما زالت لقاءاته مع الشيخ ابن جبرين واستفتائه متواصلا إلى كتابة هذه الأحرف.
وكذا واصل نهل العلم من كتب الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ فيما يتعلق بالحديث، وقد التقى بالشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في موسم الحج، وحضر مجالسه العلمية. وكان لهؤلاء الأئمة الأربعة الأثر الواضح على الشيخ في خلقه، ومنهجه الدعوي.
- تبوء الشيخ الآن منزلة رفيعة بمدينة حائل بفضل من الله الكريم، وببذله وعطائه وجهد الدعوي والتعليمي والإصلاحي.
فيمكن القول أنه مرجع لأهل المنطقة بالإفتاء والاستشارة والإصلاح لخواصهم وعوامهم.
- تميز الشيخ في الخطابة، فارتاد الجامع الذي يخطب من على منبره كثير من طلبة العلم والمثقفين.
- محاضرات الشيخ مستمرة داخل مدينة حائل وخارجها من القرى والهجر، ولها بفضل الله تعالى الحضور الرائع لطرحه المتميز.
- الدروس العلمية الملقاة من قبل الشيخ مستمرة. منها ما هو دائم في مسجده بعد المغرب وبعد صلاة الفجر، ومنها ما هو على هيئة دورات علمية. ففي كل عطلة يقيم الشيخ دورة يتم فيها شرح كتاب معيّنٍ. وقد شرح الشيخ في هذه الدورات أصول الفقه، والعقيدة الواسطية، وبلوغ المرام، وكتاب التوحيد. أما بعد المغرب فاستمر فترة طويلة في شرح كتاب منار السبيل، والسيرة النبوية ـ على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ. كما أن الشيخ أتم تفسير القرآن الكريم في ظرف خمس سنوات في المسجد الذي يؤمه.
أما دروس الفجر فهي لم تزل مستمرة. أنهى فيها عشرات الكتب العظيمة. من أبرز الكتب التي أنهيت فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كاملة. وجامع الأصول لابن الأثير الواقع في ثلاثة عشر مجلداً، وهو يحوي الكتب الستة وموطأ الإمام مالك. وأيضاً أُنهي مسند الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ بشرحه الفتح الرباني. والآن يقرأ عليه الجمع بين الصحيحين للأشبيلي ـ رحمه الله ـ.
- تميز الشيخ ببعده عن المناصب. حيث تقاعد مبكراً ليتفرغ للعلم والتعليم والدعوة، وقد عرضت عليه عدة إدارات فرفضها مؤثراً التفرغ للعلم والدعوة.
- صدرت له عدة رسائل الأولى " الاستخلاف والتمكين " بتقديم الشيخ ابن جبرين. والثانية " الواسطة والرشوة " بتقديم الشيخ سليمان العامر ـ رحمه الله ـ. والبعض ما زال تحت المراجعة والتدقيق.
- ترجم له الأستاذ / عبدالرحمن السويداء في كتابه " الأدباء والكتاب في منطقة حائل " في صفحة 300 وما بعدها.
حفظ الله الشيخ، وزاده علماً وعملا، ورفعه في دنياه وأخراه، وأطال بعمره على طاعته، ووفقه وجميع المسلمين لكل خير.
منقول
ـ[علي أحمد عبد الباقي]ــــــــ[06 - Sep-2008, صباحاً 03:16]ـ
جزاك الله خيرًا وبارك فيك.
وأطال الله عمر الشيخ في الخير والطاعة.
ـ[حسين العفنان]ــــــــ[09 - Sep-2008, مساء 11:39]ـ
حفظ الله شيخنا وحبيبنا الصالح المصلح / عيسى المبلع ونفع به وبعلمه ..
وهذه الحروف كانت بسببه ..
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=4639
شكرا شكرا شكرا لك أخي الحبيب على هذا النقل المبارك ..
ـ[أبو ممدوح]ــــــــ[18 - Feb-2009, صباحاً 11:42]ـ
جزى الله الشيخ الشمري خير الجزاء.
و الله المستعان!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[فيصل بن المبارك أبو حزم]ــــــــ[28 - Mar-2009, صباحاً 12:49]ـ
للرفع(/)
كشف سر خضوع الحيات للرفاعية
ـ[أبو عثمان_1]ــــــــ[23 - Jun-2008, مساء 04:13]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
إن خرق العادة من الامور التي يقاس بها عن الصوفية فمن طالع كتاب طبقات الشعراني أو جامع كرامات الاولياء علم هذا فترجموا لكثير ممن وقع على أيديهم خرق للعادة، ولسنا بصدد التلكلم على هذا ولكن ننقل ما نشرته جريدة الوطن الكويتية في كشف سر طواعية الحيات للاتباع الطريقة الرفاعية، فالامر ليس كرماتة ولا شيء إنما هي أقسام يقسمون بها على الحيات، وهذا نص الخبر:
الكوبرا وحدها تخر بـ " الكفكفية "
الثعابين تستسلم
" أقسمت عليك يا ساكن هذا المكان حية أو عقربا أو ثعبانا تحيئني طائرا بأمر الرحمن تخالف تموت بإذن الحي الذي لا يموت ".
بهذه العزيمة يقسم الرفاعييون على الثعابين لتخرج من جحورها وديعة هادئة مستسلمة وبمجرد ان تظهر رأسها يجب اعطاؤها الامان كما اعطت هي الامان لصاحب القسم الرفاعي.
احيانا يكون الثعبان غاضبا لانه لا يريد الخروج من جحره الذي الفه، فاذا رآه الرفاعي هائجا يقرأ هذه الكلمات " اللهم اطمس بطلسم بسم الله الرحمن الرحيم سر سويداء قلوب اعدائنا واعادئك ودق اعناق الظلمة بسيوف نمشاق قهر سطوتك واحجبنا بحجبك الكثيفة عن لحظات ابصارهم الضعيفة " وما ان ينتهي الرفاعي من هذه الكلمات حتى يهدأ الثعبان ويخر فيقترب الرفاعي للامساك به.
ولا يخشى على الرفاعيين من غدر الثعابين ولكن تبقى الكوبرا ذات الحلقة السوداء حول الرقبة تشكل خطرا وللامساك بها لا ينفع إلا عزيمة خاصة تسمة " الكفكفية " لان هذا النوع من الكوبرا يغدر واذا امسك بتم تخييط جزء من الفم إلا أن لرمها يجعلها تصك فكيها بشدة حتى تخرج نابها من وسط رأسها لتؤذي صاحبها.
والرفاعية طائفة تمر بمجموعة من الاحتبارات تبدأ مرحلة المحب أو المعرفة وتنتهي بمرحلة المريد وهذا انتقال بحدده شيخ الطريقة الذي يضع يده بيد الشخص الذي وصل إلى مرحلة المريد ويقرأ اجازة العهد سرا ويكون هذا هو اسلوب تلقين العهد الرفاعي للمريد لذلك يقال عن الرفاعية من اليد إلى اليد. أي انه مهماحاول الشخص تعلم الطريقة لا يصل الى مرحلة المطلوبة الا اذا احبه الشيخ وقرر نقل العهد له.
http://i226.photobucket.com/albums/dd73/almjhool/55847.jpg
http://i226.photobucket.com/albums/dd73/almjhool/rifa3ya_00.jpg
===========
أبو عثمان
التصوف العالم المجهول ( http://almjhol.com/vb/showthread.php?t=267)
ـ[أم فراس]ــــــــ[23 - Jun-2008, مساء 09:05]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وهل تفهم الحيوانات لغة البشر؟ أي بشر كان أو مزية في أناس تستعين مثلا بالجن،يعني أي شخص قال كذا ستجيبه الثعابين؟
سؤال محير؟
ـ[شريف شلبي]ــــــــ[23 - Jun-2008, مساء 09:22]ـ
لي تجربة شخصية حدثت منذ قرابة العشرين عاماً - لا أستطيع تفسيرها، إذ فوجئنا في نهاية صلاة العشاء في مسجد صغير بمنطقة بها شجرة كبيرة كثيفة، فوجئنا بحية صغيرة قرابة النصف متر او 60 سم، فما إن انتهينا من الصلاة إلا وقمنا اليها وقتلناها.
فلما اتيت لصلاة الفجر، وقبل ان يأتي الناس وجدت حية مثلها تقريباً قريبة من المكان الذي كانت فيه اختها بالأمس.
ونظراً لما تكون في ثقافتنا وما نسمعه من أخذ العهد على الحية أو الثعبان، فبتلقائية وجدتني أكبٍرالله وأخبر الحية بأن الله بيننا وبينها فلا نؤذينا ولا تؤذينا، والعجب أني رأيت الحية تعكس اتجاه تحركها وتنصرف ببطء حتى اختفت ولم أشأ تعقبها.
ـ[أم فراس]ــــــــ[24 - Jun-2008, صباحاً 08:51]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما التعوذ عند رؤية حيات البيوت فمعروف إن كنت شيطانا فاخرج،كما في التوجيه النبوي، وأما ماذكره الأخ فجديد،لذا أسأله لأنه يصف شيئا كأنه مأثور!!!
ـ[أبو عثمان_1]ــــــــ[24 - Jun-2008, مساء 05:07]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذه الاقسام في الغالب لا تعمل إلا لمن تبع الطريقة الرفاعية وذلك لما تلبسوه من أحوال شيطانية كما أن الانسان العادي لو قرأ طلسم الساحر لا يعمل معه، والله تعالى أعلم
=============
أبو عثمان
ـ[محب المساكين]ــــــــ[06 - Jun-2009, مساء 09:23]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
http://www.ruqya.net/forum/showthread.php?t=3689
بسم الله الرحمن الرحيم
الرفاعية والسحر والشعوذة
الرفاعية طريقة من الصوفية ينتسبون إلى الشيخ أحمد الرفاعي.
قال الحافظ الذهبي في " سير أعلام النبلاء " ج 21 ص 77 –80 الرفاعي: هو الإمام القدوة العابد الزاهد شيخ العارفين أبو العباس أحمد بن أبي الحسن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة الرفاعي المغربي ثم البطائحي قدم أبوه من المغرب وسكن البطائح بقرية أم عبيدة، وكان كثير الاستغفار عالي المقدار رقيق القلب غزير الإخلاص توفي سنة ثمان وسبعين وخمس مئة في جمادى الأولى رحمه الله.انتهى.
وترجم الذهبي أيضا للرفاعي في " العبر " ج4 ص 233 ثم قال: تفقه قليلا على مذهب الشافعي وكان إليه المنتهى في التواضع والقناعة ولين الكلمة والذل والانكسار والإزراء على نفسه وسلامة الباطن، ولكن أصحابه فيهم الجيد والردئ وقد كثرالزغل (التحريف والخدع) فيهم وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق، من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيات، وهذا لا يعرفه الشيخ ولا صلحاء أصحابه فنعود بالله من الشيطان الرجيم. انتهى.
وفي " وفيات الأعيان " لابن خلكان قال عن الرفاعي: كان رجلا صالحا شافعيا فقيها انضم إليه خلق من الفقراء وأحسنوا فيه الاعتقاد وهم الطائفة الرفاعية ويقال لهم الأحمدية والبطائحية ولهم أحوال عجيبة من أكل الحيات حية والنزول إلى التنانير وهي تضرم نارا والدخول إلى الأفرنة، ويُـ (؟؟!! &&) الواحد منهم في جانب الفرن والخباز يخبز في الجانب الآخر، وتوقد لهم النار العظيمة ويقام السماع (يعني الغناء والرقص) فيرقصون عليها إلى أن تنطفئ النار، ويقال أنهم في بلادهم يركبون الأسود، ونحو ذلك وأشباهه. انتهى.
للمزيد: [انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان ج 1ص171 - 172، شذرات الذهب لابن العماد ج 2ص260 - 262، البداية والنهاية لابن كثير ج 12ص 312].
إذن ... كان الرفاعي رجلا صالحا، ولم تُعرف مثل هذه الشعوذة والبدع في عهده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج 11 ص 493 - 496: ليست هذه الخوارق من شعار أحد من الصالحين لا من الصحابة ولا التابعين ولا شيوخ المسلمين لا المتقدمين ولا المتأخرين ولا الشيخ أحمد بن الرفاعي ولا غيره، وإنما ابتدع هذا بعد موت الشيخ أحمد بمدة طويلة، ابتدعه طائفة انتسبت إليه، فخالفوا طريق المسلمين، وخرجوا عن حقائق الدين، وفارقوا طريق عباد الله الصالحين. انتهى بتصرف.
وفي كلام الحافظ الذهبي في العبر والمذكور لك آنفا: وهذا لا عرفه الشيخ ولا صلحاء أصحابه، فنعوذ بالله من الشيطان.انتهى بلفظه.
كيف يلعبون بالنار والحيات والأفاعي فلا تضرهم؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذه المخاريق التى يفعلها هؤلاء المبتدعون من الدخول فى النار وأخذ الحيات هى نوعان:
أحدهما: أن يفعلوا ذلك بحيل طبيعية مثل أدهان معروفة يذهبون ويمشون في النار ومثل ما يشربه أحدهم مما يمنع سم الحية مثل أن يمسكها بعنقصتها حتى لا تضره، ومثل أن يمسك الحية المائية ومثل أن يسلخ جلد الحية ويحشوه طعاما وكم قتلت الحيات من أتباع هؤلاء.
النوع الثانى: وهم أعظم عندهم أحوال شيطانية تعتريهم، فتنزل الشياطين عليهم كما تدخل فى بدن المصروع، وحينئذ يباشر النار والحيات والعقارب ويكون الشيطان هو الذى يفعل ذلك، كما يفعل ذلك من تقترن بهم الشياطين من إخوانهم الذين هم شر الخلق عند الناس ( .. ) ويرى الإنسي واقفا على رأس الرمح الطويل، وإنما الواقف هو الشيطان ويرى الناس نارا تحمى ويضع فيها الفؤوس والمساحي ثم إن الإنسي يلحسها بلسانه، وإنما يفعل ذلك الشيطان الذي دخل فيه، ويرى الناس هؤلاء يباشرون الحيات والأفاعي وغير ذلك، ويفعلون من الأمور ما هو أبلغ مما يفعله هؤلاء المبتدعون الضالون المكذبون الملبسون الذين يدعون أنهم أولياء الله وإنما هم من أعاديه المضيعين لفرائضه المتعدين لحدوده والجهال - لأجل هذه الأحوال الشيطانية والطبيعية - يظنوهم أولياء الله، وإنما هذه الأحوال من جنس أحوال أعداء الله الكافرين والفاسقين. [مجموع الفتاوى ج 11ص610 - 611].
_ أما النوع الأول ممن يلعبون بالنار فلا تضرهم، فهم يفعلون ذلك بحيل وأدهان طبيعية مثل دهن الضفادع ودهن الطلق وغيرها من المواد الطبيعية التي يدهنون بها أجسادهم وأيديهم فلا تؤثر فيهم النار، وهذا معروف كشفه غير واحد ممن اطلع على أفعالهم، وتستطيع أن تجد وصف هذه الحيل والألاعيب وكيفيتها في كتاب " المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار " للشيخ عبد الرحمن الجوبري (المطبوع سنة 1302هـ = 1885م) فقد تتبع زيفهم وكشف أفعالهم وحيلهم، وكذلك فعل أحمد بن عبد الملك بن شُهيد في كتابه " الباهر في كشف الحِيَل " (ما زال مخطوطا، وقد اقتنيت تصويره).
ونذكر هنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد واجه هؤلاء وكشف زيفهم، وله مواجهة طويلة معهم ذكرها رحمه الله في مجموع الفتاوى ج 11ص445 - 450 ومواضع أخرى، ثم قال بعد أن واجههم: وعامة ذلك عن حيل معروفة وأسباب مصنوعة، أراد غير مرة منهم قوم إظهار ذلك، فلما رأوا معارضتى لهم رجعوا ودخلوا على أن أسترهم، فأجبتهم إلى ذلك بشرط التوبة، حتى قال لي شيخ منهم فى مجلس عام فيه جماعة كثيرة ببعض البساتين لما عارضتهم بأني أدخل معكم النار بعد أن نغتسل بما يذهب الحيلة ومن احترق كان مغلوبا، فلما رأوا الصدق أمسكوا عن ذلك.
.............. يُتبع ...................
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محب المساكين]ــــــــ[06 - Jun-2009, مساء 09:24]ـ
ونواصل بفضل الله:
.............. تابع ما سبق .............
وقال أيضا في مجموع الفتاوى ج 11ص 459 – 460، 465، 466: وقد استخرت الله سبحانه أنهم إن دخلوا النار أدخل أنا وهم، ومن احترق منا ومنهم فعليه لعنة الله وكان مغلوبا، وذلك بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار، لأنهم يطلون جسومهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع وباطن قشر النارنج وحجر الطلق وغير ذلك من الحيل المعروفة لهم، وأنا لا أطلي جلدي بشيء فإذا اغتسلت أنا وهم بالخل والماء الحار بطلت الحيلة وظهر الحق .. فأنا أصنع مثل ما تصنعون ومن احترق فهو مغلوب ـ وربما قلت: فعليه لعنة الله ـ ولكن بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار، فسألني الأمراء والناس عن ذلك، فقلت: لأن لهم حيلا يصنعونها من أشياء من دهن الضفادع وقشر النارنج وحجر الطلق، فضج الناس بذلك، فأخذ كبيرهم يظهر القدرة على ذلك فقال: أنا وأنت نلف في بارية (حصير) بعد أن تطلى جسومنا بالكبريت. فقلت: فقم، وأخذت أكرر عليه في القيام إلى ذلك، فمد يده يظهر خلع القميص، فقلت: لا حتى تغتسل في الماء الحار والخل، فأظهر الوهم على عادتهم، فقال: من كان يحب الأمير فليحضر خشبا ـ أو قال: حزمة حطب ـ فقلت: هذا تطويل وتفريق للجمع، ولا يحصل به مقصود، بل قنديل يوقد وأدخل إصبعي وإصبعك فيه بعد الغسل، ومن احترقت إصبعه فعليه لعنه الله ـ أو قلت فهو مغلوب ـ، فلما قلت ذلك تغير وذل، وذكر لي أن وجهه اصفر. انتهى ملخصا.
* أما النوع الثاني منهم: فهم أصحاب الأحوال الشيطانية وهم من جنس السحرة، تتنزل عليهم الشياطين ومردة الجن فتظهر منهم العجائب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكان كثير من الشيوخ الذين حصل لهم كثير من هذه الخوارق اذا كذب بها من لم يعرفها وقال انكم تفعلون هذا بطريق الحيلة كما يدخل النار بحجر الطلق وقشور النارنج ودهن الضفادع وغير ذلك من الحيل الطبيعية فيعجب هؤلاء المشايخ ويقولون نحن والله لا نعرف شيئا من هذه الحيل فلما ذكر لهم الخبير انكم لصادقون فى ذلك ولكن هذه الأحوال شيطانية اقروا بذلك وتاب منهم من تاب الله عليه لما تبين لهم الحق وتبين لهم من وجوه انها من الشيطان ورأوا انها من الشياطين لما رأوا انها تحصل بمثل البدع المذمومة فى الشرع وعند المعاصى لله فلا تحصل عندما يحبه الله ورسوله من العبادات الشرعية فعلموا انها حينئذ من مخارق الشيطان لأوليائه لا من كرامات الرحمن لأوليائه. [مجموع الفتاوى (11/ 310 - 311)].
* وفي مجموع الفتاوى 11/ 493 - 496 ما نصه: وهذا ليس من شعار أحد من الصالحين لا من الصحابة ولا التابعين ولا شيوخ المسلمين لا المتقدمين ولا المتأخرين ولا الشيخ أحمد بن الرفاعى ولا غيره وإنما ابتدع هذا بعد موت الشيخ أحمد بمدة طويلة ابتدعه طائفة انتسبت إليه فخالفوا طريق المسلمين، وخرجوا عن حقائق الدين، وفارقوا طريق عباد الله الصالحين، وهم نوعان:
أهل حال ابليسى ..
وأهل محال تلبيسى ..
فأما أهل الأحوال منهم فهم قوم اقترنت بهم الشياطين كما يقترنون بإخوانهم، فإذا حضروا سماع المكاء والتصدية أخذهم الحال فيزبدون ويرغون كما يفعله المصروع ويتكلمون بكلام لا يفهمونه هم ولا الحاضرون، وهى شياطينهم تتكلم على السنتهم عند غيبة عقولهم، كما يتكلم الجنى على لسان المصروع، ولهم مشابهون فى الهند من عباد الاصنام، ومشابهون بالمغرب يسمى أحدهم المصلى، وهؤلا الذين فى المغرب من جنس الزط الذين لا خلاق لهم، فإذا كان لبعض الناس مصروع أو نحوه أعطاهم شيئا فيجيئون ويضربون لهم بالدف والملاهى ويحرقون ويوقدون نارا عظيمة مؤججة، ويضعون فيها الحديد العظيم حتى يبقى أعظم من الجمر، وينصبون رماحا فيها أسنة، ثم يصعد أحدهم يقعد فوق أسنة الرماح قدام الناس، ويأخذ ذلك الحديد المحمي ويمره على يديه، وأنواع ذلك، ويرى الناس حجارة يرمى بها ولا يرون من رمى بها، وذلك من شياطينهم الذين يصعدون بهم فوق الرمح، وهم الذين يباشرون النار، وأولئك قد لا يشعرون بذلك كالمصروع الذى يضرب ضربا وجيعا وهو لا يحس بذلك، لأن الضرب يقع على الجنى، فكذا حال أهل الأحوال الشيطانية، ولهذا كلما كان الرجل أشبه بالجن والشياطين كان
(يُتْبَعُ)
(/)
حاله أقوى، ولا يأتيهم الحال إلا عند مؤذن الشيطان وقرآنه (يعني عند الغناء والرقص) فمؤذنه المزمار وقرآنه الغناء، ولا يأتيهم الحال عند الصلاة والذكر والدعاء والقراءة، فلا لهذه الأحوال فائدة فى الدين ولا فى الدنيا، ولو كانت أحوالهم من جنس عباد الله الصالحين وأولياء الله المتقين لكانت تحصل عند ما أمر الله به من العبادات الدينية، ولكان فيها فائدة فى الدين والدنيا لتكثير الطعام والشراب عند الفاقات، واستنزال المطر عند الحاجات، والنصر على الأعداء عند المخافات، وهؤلاء أهل الأحوال الشيطانية فى التلبيس يمحقون البركات، ويقوون المخافات، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، ولا يجاهدون فى سبيل الله؛ بل هم مع من أعطاهم أطعمهم وعظمهم وإن كان تتريا؛ بل يرجحون التتر على المسلمين، ويكونون من أعوانهم ونصرائهم الملاعين، وفيهم من يستعين على الحال بأنواع من السحر والشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله .. وأما أهل المحال منهم فهم يصنعون أدوية كحجر الطلق ودهن الضفادع وقشور النارنج ونحو ذلك، ويمشون بها على النار، ويمسكون نوعا من الحيات يأخذونها بصنعة، ويقدمون على أكلها بفجور، وما يصنعونه من السكر واللاذن وماء الورد وماء الزعفران والدم فكل ذلك حيل وشعوذة يعرفها الخبير بهذه الأمور، ومنهم من تأتيه الشياطين، وذلك هم أهل المحال الشيطانى ... انتهى كلامه.
** ولا يخفى عليك أنه قد روي من طرق متعددة أن الوليد ابن عقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله يحيي الموتى!! ورآه رجل من صالحي المهاجرين، وهو جندب بن كعب رضي الله عنه، فلما كان الغد جاء مشتملا على سيفه وذهب الساحر المشعوذ يلعب لعبه ذلك، فاستل جندب سيفه فضرب به عنق الساحر، وقال: إن كان صادقا فليحيي نفسه، وتلا قوله تعالى:] أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ [[سورة الأنبياء: الآية 3] فغضب الوليد بن عقبة إذ لم يستأذنه في ذلك، فسجنه ثم أطلقه. [انظر ذلك في: الإصابة لابن حجر (رقم 1229)، التاريخ الكبير للبخاري ج 2ص222 رقم 2268، تاريخ دمشق لابن عساكر ج 11 ص 309 – 316، سير أعلام النبلاء ج 3 ص175 - 177، تاريخ الطبري ج 2 ص610، تهذيب الكمال للمزي ج 5 ص143 – 147، كنز العمال الحديث رقم: 36763 و 37079، تفسير ابن كثير ج1ص145، المعجم الكبير للطبراني ج 2ص 177، مصنف عبد الرزاق ج 10 ص 181].
.................. يُتبع ................
ـ[محب المساكين]ــــــــ[06 - Jun-2009, مساء 09:28]ـ
ونتم الجزء الأخير من البحث:
.......... البقية ................
** قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة ج 3ص643 بعد أن ذكر قصة جندب بن كعب والساحر: ومثل هذا الساحر المقتول هؤلاء الطرقية (يعني أصحاب الصوفية كالرفاعية) الذين يتظاهرون بأنهم من أولياء الله، فيضربون أنفسهم بالسيف و الشيش، وبعضه سحر وتخييل لا حقيقة له، وبعضه تجارب وتمارين يستطيعه كل إنسان من مؤمن وكافر إذا تمرس عليه، وكان قوي القلب، ومن ذلك مسهم النار بأفواههم وأيديهم ودخولهم التنور، ولي مع أحدهم في حلب موقف تظاهر فيه أنه من هؤلاء، وأنه يطعن نفسه بالشيش، ويقبض على الجمر، فنصحته وكشفت له عن الحقيقة، وهددته بالحرق إن لم يرجع عن هذه الدعوى الفارغة، فلم يتراجع، فقمت إليه وقربت النار من عمامته مهددا، فلما أصر أحرقتها عليه وهو ينظر، ثم أطفأتها خشية أن يحترق هو من تحتها معاندا، وظني أن جندب بن كعب رضي الله عنه لو رأى هؤلاء لقتلهم بسيفه كما فعل بذلك الساحر] وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [[سورة طه: الآية 127].انتهى كلامه.
http://shahawey.jeeran.com/refa3y1.jpeg
http://shahawey.jeeran.com/refa3y2.jpeg
(يُتْبَعُ)
(/)
** قال مجدي محمد الشهاوي (رحمه الله وعفا عنه): ولا يخفى عليك أمر الحارث بن سعيد الدمشقي الكذاب الذي ادعى النبوة زمن عبد الملك بن مروان، وكانت له مخاريق وعجائب من هذا الجنس، إلى أن قُتل بسيف الشرع، فإنه لما أمسكه المسلمون كانت الشياطين يخرجون رجليه من القيد، وتمنع السلاح أن ينفذ فيه، فلما جيء به في أغلاله ليُقتل تقلقلت قيود وأغلال الحديد ثم سقطت من يده ورقبته إلى الأرض، فوثب الحرس الذين كانوا معه فأعادوها عليه، ثم ساروا به، فلما أشرفوا على عقبة أخرى قرأ شيئا فسقطت من رقبته ويده إلى الأرض، فأعادوها عليه، فلما قدموا على عبد الملك حبسه، وأمر رجالا من أهل الفقه والعلم أن يعظوه ويخوفوه الله، ويعلموه أن هذا من الشيطان، فأبى أن يقبل منهم، فأمر عبد الملك أمر بصلبه على خشبة، وأمر رجلا فطعنه بحربة، فانثنت في ضلع من أضلاعه، فقال له عبد الملك: ويحك أذكرت اسم الله حين طعنته؟!، فقال: نسيت، فقال: ويحك!! .. سم الله ثم اطعنه. فذكر اسم الله ثم طعنه فأنفذه فقتله [انظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 456 – 459، المنتظم لابن الجوزي ج 6 ص 204 – 207، مجموع الفتاوى ج 11ص 285، البداية والنهاية ج 9ص27 – 29، تاريخ دمشق لابن عساكر ج 11 ص 427 – 431، معجم البلدان لياقوت الحموي ج 2 ص 323 - 324].
* قال مجدي محمد الشهاوي وفقه الله: وعندنا في مصر طائفة من هؤلاء الرفاعية، يقرأ الواحد منهم عزائم وتماتم سحرية، فتخرج إليهم الثعابين والأفاعي طائعة ذليلة، فيأخذونها ولا تضرهم شيئا، وهذا ليس بعجيب، فهو من جنس السحر، فما يقرؤونه ليست إلا عزائم شركية وطلاسم يتعبدون ويتقربون بها لكبار سحرة الجن والشياطين فيخدمونهم.
* قال الإمام عبد الواحد بن التين السفاقسي رحمه الله: الحية لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم، فإذا عُزِّم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها. [انظر: فتح الباري لابن حجر ج 10ص 207، نيل الأوطار للشوكاني ج 9 ص 106، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص 135 - 136].
* والعجيب أن الشيخ سعيد حوى ذكر في كتابه " تربيتنا الروحية " هذه الطريقة الرفاعية، ثم أثني على أصحابها، وزعم أن أصحابها لهم كرامات، وأن من كراماتهم أن الواحد منهم يُضرب بالشيش في ظهره حتى ينفذ من صدره، ثم ينزع منه ولا يتأثر، وكأنه يعتقد بأنهم أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم حيث أن النبي ضُرب على المغفر فغاصت (أي دخلت) حلقتان من المغفر في وجنتيه فسال الدم على وجهه فقال صلى الله عليه وسلم: " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْبمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ بِالدَّمِ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ؟ "، ويزعم أيضاً لأهل الطريقة الرفاعية أن الله أبرد لهم النار فلا تؤثر فيهم، وهذه أنواع من السحر والشعوذة الباطلة.
* ولا يقتصر الأمر على " الرفاعية " فقط، بل ترى هذه الخوارق في أجناس أخرى من كفار الهندوس بالهند، فمنهم من يمشي على النار، ومنهم من يأكل الجمر كالتمر، ويلاعب الحيات والثعابين، وكذا عند بعض الرافضة (الشيعة) بالعراق ولبنان وإيران صور شنيعة من هذا الجنس يفعلونها يوم عاشوراء، وما يحدث في مجتمعاتهم من ضرب القامات بالسيوف وشج الرؤوس في طقوس عاشوراء لدى الرافضة - لا كثَّرهم الله -.
http://arabic.islamic ... .com/shia/ashura.htm
وهي من جنس الحيل والشعوذة والسحر ولا كرامة.
نسأل الله العفو السلامة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وكتبه
طُوَيْلِبُ العِلْمِ
أبو عبد الرحمن > مجدي محمد الشهاوي، من كتابه: " حقيقة السحر وعلاج المسحور ".
ـ[محب المساكين]ــــــــ[06 - Jun-2009, مساء 09:34]ـ
لي تجربة شخصية حدثت منذ قرابة العشرين عاماً - لا أستطيع تفسيرها، إذ فوجئنا في نهاية صلاة العشاء في مسجد صغير بمنطقة بها شجرة كبيرة كثيفة، فوجئنا بحية صغيرة قرابة النصف متر او 60 سم، فما إن انتهينا من الصلاة إلا وقمنا اليها وقتلناها.
فلما اتيت لصلاة الفجر، وقبل ان يأتي الناس وجدت حية مثلها تقريباً قريبة من المكان الذي كانت فيه اختها بالأمس.
(يُتْبَعُ)
(/)
ونظراً لما تكون في ثقافتنا وما نسمعه من أخذ العهد على الحية أو الثعبان، فبتلقائية وجدتني أكبٍرالله وأخبر الحية بأن الله بيننا وبينها فلا نؤذينا ولا تؤذينا، والعجب أني رأيت الحية تعكس اتجاه تحركها وتنصرف ببطء حتى اختفت ولم أشأ تعقبها.
http://www.benaa.com/Read.asp?PID=1337856
قال الشيخ مجدي محمد الشهاوي رحمه الله:
عن أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي بَيْتِهِ قَالَ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّى فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِىَ صَلاَتَهُ فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِينَ (1) فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ إِلَىَّ أَنِ اجْلِسْ. فَجَلَسْتُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ فَقُلْتُ نَعَمْ. قَالَ كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ - قَالَ - فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْخَنْدَقِ فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ (2) فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «خُذْ عَلَيْكَ سِلاَحَكَ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ». فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلاَحَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَةً فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا بِهِ - وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ (3) - فَقَالَتْ لَهُ اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ وَادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِى أَخْرَجَنِى. فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَمِ الْفَتَى (4) قَالَ: فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ وَقُلْنَا ادْعُ اللَّهَ يُحْيِيهِ لَنَا. فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ». ثُمَّ قَالَ «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ».
وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلاَثًا (6) فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلاَّ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ». وَقَالَ لَهُمُ «اذْهَبُوا فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ».
وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَمُوا فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلاَثًا فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» (7).
قال العلماء: معناه وإذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنه ليس من عوامر البيوت ولا ممن أسلم من الجن بل هو شيطان فلا حرمة عليكم فاقتلوه، ولن يجعل الله له سبيلاً للانتصار عليكم بثأره بخلاف العوامر ومَن أسلم، والله أعلم (8).
منقول مع تخريجاته من كتابي: «العلاج الرباني للسحر والمس الشيطاني».
ــــــــــــــــــ
(1) العرجون: العذق الأصفر الذي يحمل البلح على النخل.
(2) كان يرجع في منتصف النهار إلى أهله ليطالع حالهم ويقضى حاجتهم، ويؤنس امرأته فإنها كانت عروساً كما ذكر في الحديث.
(3) أصابته الغيرة الشديدة لأنه وجد امرأته خارج المنزل.
(4) في رواية: فَلَمْ تَمُتْ الْحَيَّةُ حَتَّى مَاتَ الرَّجُلُ [المسند (3/ 72)].
(يُتْبَعُ)
(/)
(5) قال أبو عمر بن عبد البر: الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان مُنزَلون على مراتب: فإذا ذكروا الجن خالصاً - يعني بصفة عامة - قالوا: «جنيّ»، فإن أرادوا أنه ممن يسكن مع الناس ـ أي في بيوتهم - قالوا: «عامر»، والجمع: «عُمّار» – قلت: «وعوامر» -، فإن كان ممن يعرض للصبيان قالوا: «أرواح»، فإن خَبُثَ وتعزّم فهو «شيطان»، فإن زاد على ذلك فهو: «مارد»، فإن زاد على ذلك وقوي أمره قالوا: «عفريت»، والجمع: «عفاريت»، والله أعلم بالصواب [التمهيد (11/ 117)، آكام المرجان (ص 16)، لقط المرجان (ص 16 - 17) كلاهما بتحقيقي].
(6) صيغة الإنذار: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ظَهَرَتِ الْحَيَّةُ في الْمَسْكَنِ فَقُولُوا لَهَا إِنَّا نَسْأَلُكِ بِعَهْدِ نُوحٍ وَبِعَهْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ أَنْ لاَ تُؤْذِينَا فَإِنْ عَادَتْ فَاقْتُلُوهَا» [أخرجه أبو داود (5260)، والترمذي (1485) وقال: هذا حديث حسن غريب، والنسائي في الكبرى (10804)، وفي عمل اليوم والليلة (974)، والطبراني في الكبير (7/ 79)، والبغوي في شرح السنة (12/ 194)، وأخرجه الديلمي (1313) عن أنس، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1/ 205)، انظر أيضا: تنوير الحوالك للسيوطي (ص247)].
قال القاضي عياض رحمه الله: روى ابن حبيب عن النبي أنه يقول: " أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان بن داود أن لا تؤذونا ولا تظهرون لنا ".
وقال الإمام مالك: يكفي أن تقول: أُحَرِّجُ عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدو لنا ولا تؤذينا .. (ثلاث مرات) [شرح النووي لصحيح مسلم (14/ 230)، أنظر أيضاً أحكام القرآن لابن العربي المالكي (4/ 1866)، مشكل الآثار (4/ 91 - 94)].
(7) رواه مسلم (2236) وهذا لفظه، وأحمد (3/ 12،27،41)، وأبو داود (5256 - 5259)، ومالك في الموطأ (ص976 - 977)، وأخرجه النسائي في الكبرى (10808)، وفي عمل اليوم والليلة (975 - 978)، والترمذي (1484)، والطيالسي (2243) مختصرا، والبغوي في شرح السنة [(12/ 193 - 194) برقم (3264)]، وابن حبان (5608، 6124)، انظر شرح الموطأ للزرقاني (4/ 495) رقم (1894)، مشكل الآثار (4/ 94).
(8) شرح النووي (14/ 236).(/)
العراق وعلماء الأمة الرسميون
ـ[أبو شهاب التلمساني]ــــــــ[24 - Jun-2008, مساء 06:23]ـ
العراق وعلماء الأمة الرسميون
محمد بن موسى الشريف
ما يجري في العراق اليوم أمر عجيب، يحار فيه اللبيب، فالعدو دهم البلد، واستحل ثرواته، وقتل رجاله، وانتهك عرض نسائه- وما أمر أبي غريب ببعيد - وفعل كل قبيح، وأصبحت البلاد تحته، وفي عداد ممتلكاته، فقامت طائفة من أسود العراق تناوش أولئك البغاة الطغاة، وتنازلهم في ميادين الجهاد، وتذيقهم الويلات والحسرات، وتثكل نساءهم، وتيتم أطفالهم، وعهدنا بأولئك الملاعين أنهم يثكلون وييتمون أما أن يثكلوا وييتموا فهذا ما لم نكن نعرفه إلا على يد أولئك الأشاوس الأبطال، وقد اتفقت الشرائع والملل على وجوب مقاومة الباغي المحتل، وطرده، وجاء الإسلام العظيم ليجعل ذلك ذروة سنامه، ومن أفضل أعماله، ونظرت الشعوب الإسلامية إلى أولئك الأبطال نظر التبجيل والتعظيم، وأنزلوهم في المحل اللائق، وارتضوا عملهم وأحبوه، وتمنوا أن لو كانوا معهم لينصروهم وليدفعوا عنهم ويؤازروهم لكن حال دون أمانيهم الحوائل والعوائق، ويمكن القول إن طوائف الأمة الملتزمة بالإسلام المستمسكة بأحكامه العظام قد اتفقت على أن الذي يجري في العراق من الجهاد أمر يرفع الرؤوس، ويسلي النفوس، ولم يشذ عنهم إلا فئات من هاهنا وهناك كان منهم - وهذا هو موطن العجب والحيرة - علماء الأمة الرسميون في طول العالم الإسلامي وعرضه الذين شغلوا مناصب الإفتاء والإمامة وإدارة المعاهد والجامعات والكليات الشرعية وغيرهم، فقد أطبق هؤلاء - إلا قليلاً - على خذلان المجاهدين، وقد تفاوتت مراتب خذلانهم على الوجه التالي:
- فمنهم طائفة - وهي الأغلب والأكثر - اختارت السكوت، فلم تنبس ببنت شفة عما يحدث لإخوانهم في العراق، ولم تصدر بياناً، ولم تدبج فتوى، ولم يسمع عنها أدنى اعتراض، وتعلق أسماع الأمة وأبصارها بهم فرجعت خاسئة وهي حسيرة كسيرة.
- ومنهم طائفة اختارت الطريقة العجيبة ألا وهي نفي أن يكون الذي يجري من أمر المقاومة أنه جهاد، وساوت بين أفعال المجاهدين العراقيين وغيرهم من السارقين واللصوص المفسدين، وسلوكهم جميعاً في سلك واحد، وجعلوا المجاهدين كالمجرمين!! وقالوا: إننا لا نرى إلا القتل والتدمير!! والتشويه لسمعة الإسلام والمسلمين!! وكأنهم نسوا أو تناسوا الفرق بين الطائفتين، وعدم استواء الفريقين، وأجروا حكماً واحداً عليهم مما يخالف دقة العلماء وتحري الفقهاء!! نعم هناك أعمال لا يقرها الإسلام يقوم بها خاطئون لكن هل هذا يبرر إنكار الجهاد بالكلية؟ وتسمية ما يجري كله أنه فوضى؟ أليس هذا غمطاً للمجاهدين؟!
- ومنهم طائفة قد أنكرت أن يكون هناك جهاد بلا إمام، وليت شعري من الإمام في العراق؟! أهو العلاوي الشيعي؟! أم الياور الذي ليس بيده شيء؟ أم من؟!
- ومنهم طائفة قالت: إن الحاصل هناك ليس جهاداً لأنه لا راية صافية هناك أو أن الراية عمية!! فكيف يجهلون أن جهاد الدفع يتم بكل شيء، وأن هذا الذي يشترطونه إنما هو في جهاد الطلب لا في جهاد الدفع، وأن العلماء نصوا على أن العدو إذا نزل بلداً خرجت المرأة بدون إذن زوجها، والرجل بدون إذن والديه، وأن العدو يدفع بكل ما يمكن دفعه مما يكون نفعه أكثر من ضرره.
- ومنهم ومنهم ومنهم، وأقول لهم: لقد فاتتكم سكتة إخوانكم، وكان يسعكم السكوت وهو أفضل بكثير من هذا الذي تكلمتم به إذ لا ينسب لساكت قول، على أن السكوت في مثل هذه الأحوال عار وتخاذل وأخشى أن يكون ذنباً إذ أين أخذه تعالى الميثاق على العلماء ببيان الحق؟!، فليت شعري يا عباد الله: هل كان هذا حال السلف؟! وهل تعاملوا مع قضايا الأمة العظام تعامل هؤلاء معها؟! هل نسي أولئك خروج العالم الفقيه الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ظاهر المدينة كل يوم في الحر ليتسقط أخبار المجاهدين في العراق؟!
- وهل نسي أولئك سيداً من سادة التابعين يوم حزن على تأخر أخبار جيش المجاهدين في الروم ألا وهو أبو مسلم الخولاني اليماني ثم الدمشقي؟!
- وهل نسي أولئك الفقيه الخاشع الزاهد أبا عثمان الحيري النيسابوري يوم بكى على رؤوس الأشهاد عندما تأخر حصول المال اللازم للمجاهدين؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
- وهل نسي أولئك فقهاء الأمة وعلماءها الذين استشهدوا في ساحات الوغى والجهاد، وعددهم يقدر بمئات الآلاف من الأندلس إلى أطراف الصين.
- هل أصبح الإسلام أقوالاً وأفعالاً تؤثر بها السلامة؟! وينال بها المنصب ثم على الإسلام وأهله ومشكلاته وقضاياه السلام من بعيد.
هل نسيتم يا علماء الأمة الرسميون المواقف العظيمة، والبطولات الكريمة؟!
هذا شعب يباد، وأرض تنتقص، وأعراض تنتهك، وصليب مرفوع، وحقد مدفوع فمتى تتكلمون إذا لم تتكلموا الآن؟! ومتى تفصحون بكلامكم عن نصرة الإسلام إن لم تفصحوا الآن؟! نعم قد يكون لبعضكم نظر في هذا الجهاد القائم فبالله بينوا ما ترون من خلل حتى يستفيد الإخوة المجاهدون منه، لكن ليكن بيانكم من باب التكميل لا القطع، والتحسين لا التقبيح، وسد الثغرات لا كشف العورات، والتقويم لا التعيير، والنصح في الله تعالى، فإخوانكم جادوا بأنفسهم في سبيل الله تعالى أفلا تجودون عليهم بالنصح والتقويم والمساندة، خاصة أن كثيراً منهم لم يتشرف بحمل العلم الشرعي الذي تحملونه وهم في أمس الحاجة لتقويم المسيرة لا لإجهاض تلك الشعيرة.
وبعد فأصدقكم القول: إن المسلمين باتوا يتهامسون بل بعضهم صار يصيح بأعلى صوته: أين علماء الأمة؟ ولماذا يسكتون عما يجري في العراق منذ الاحتلال إلى الآن ومروراً بأبي غريب وغيره هذا السكوت المريب؟ ومن يتكلم إذا لم يتكلم العلماء الذين أخذ الله عليهم العهد بالبيان والإفصاح؟ ّ! ولماذا يغيبون عن وسائل الإعلام المختلفة هذا الغياب؟!
فبادروا بارك الله فيكم وبكم بالنصح والتبيين، وكشف الحكم عما يجري بوضوح في العراق وفلسطين وكشمير والشيشان والفلبين وفطاني ودار فور وغير ذلك، وسارعوا لتبوأ مكانكم الصحيح في مقدمة صفوف الأمة هادين مرشدين فلهذا بوأكم الله ذلك المنصب ووضعكم في ذلك المكان.
أسأل الله لي ولكم الثبات والتوفيق في القول والعمل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلي اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.(/)
من جديد الشيخ الفاضل محمد صالح المنجد يحذر من قناة الرسالة
ـ[كلنا دعاة]ــــــــ[24 - Jun-2008, مساء 07:05]ـ
التحذير من قناة إسلامية! تساهم في تمييع ثوابت الشريعة وقطعياتها
السؤال: خرجت علينا قناة تدعي أنها إسلامية، ويديرها من يدَّعي أنه من أهل العلم، وهي تميع الدين بدرجة عالية جدّاً، كإثارة التصويتات حول مواضيع وأحكام ثابتة في الدين، كيف نحذر منها؟ وبأي أسلوب؟ فقد مللنا من هذه القنوات السيئة، وهؤلاء أنصاف العلماء، فماذا تنصحوننا؟
الجواب:
الحمد لله
هذه القناة المشار إليها في السؤال معروفة بالسوء، مشهورة بالضلال، فتأسيسها يأتي ضمن باقة قنوات تساهم في إفساد الناس، وقد أوجد صاحبها ما يفسد الناس في أخلاقهم وسلوكهم، وبقي الدين، فجاءت هذه القناة لتؤدي هذا الغرض، وهي معدودة في " القنوات الإسلامية "! عند من لا يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والناظر في برامجها يجد ما يجده في غيرها من القنوات من المخالفات الشرعية، ففيها الموسيقى، والتمثيليات، والتبرج، والبدع والضلالات، وفيها التسويق لدعاة التصوف والقبور – كالجفري -، ومن أخطر ما فيها: عرض الثوابت الشرعية، والأحكام القطعية للتصويت! فيستضيف مديرها في برنامجه سيء الذِّكر " الوسطية " دعاة سوء، وضلال، ليسوق لأفكارهم، وانحرافهم، في نقاش يسيطر هو عليه، ويفصل هو في الموضوع في نهاية المطاف، وقبل ذلك يعرض المسألة المتناقش فيها على جمهوره في الاستديو للتصويت، وغالباً ما يسمعون لأول مرة في المسألة ذاتها، فضلاً عن معرفتهم بأدلتها وأحكامها، ويجعل لهم نسبة في التصويت، ونسبة أخرى للمشاهدين، مسلمهم، وكافرهم! وهي مهزلة تأتي في سياق مهازل هذا المدير الذي يسعى لتمييع الدين، والعبث بثوابته باسم الوسطية!.
والواجب على المسلمين أمور:
1. الحذر من الاغترار بما تعرضه من أحكام وفتاوى ومناهج منسوبة للشرع.
2. التحذير من هذه القناة، ورفع نسبة الإسلام عنها، فهي قناة من ضمن قنوات " روتانا " لا أكثر، ولها رسالة خبيثة في تمييع الدين، وتسويق البدع والضلال.
وينبغي أن يكون التحذير مما فيها موثقاً بالبينات، ومدلَّلاً على مخالفته بالكتاب والسنَّة، ولعلَّ أحداً من الطلاب الجادين أن يتولَّى ذلك، ضمن برنامج للحصول على درجة علمية من جامعة إسلامية، وهو أمر جدير بالاهتمام به.
3. تحذير أهل السنَّة من الخروج فيها في برامج أو استضافات، وقد ساءنا أن يكون لشخصية دعوية مشهورة من أهل السنَّة برنامج فيها، وقد وُضعت هذه الشخصية في موقف لا تُحسد عليه، حيث صدحت الموسيقى، وعلا صوت الغناء فوق رأسه، وهو جالس لا يدري ما يفعل، وكان صاحبه الذي معه أحسن منه تصرفاً؛ حيث خرج مباشرة من الاستديو عند أول تلك الموسيقى، وذلك الغناء.
4. عدم المشاركة في التصويت لمن ابتلي بمشاهدة برنامج يصوَّت فيه على شيء من ثوابت الشريعة.
5. استصدار فتاوى من أهل العلم الموثوقين بما تفعله تلك القناة من مخالفات للشرع.
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـ[محمد بن أبي عامر]ــــــــ[24 - Jun-2008, مساء 07:19]ـ
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[24 - Jun-2008, مساء 07:25]ـ
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
ـ[ابن رشد]ــــــــ[24 - Jun-2008, مساء 08:19]ـ
يرفع رفع الله قدركم
ـ[صالح العواد]ــــــــ[24 - Jun-2008, مساء 10:56]ـ
أصاب الشيخ عين الحق، في اعتقادي ..
ـ[زين العابدين الأثري]ــــــــ[25 - Jun-2008, صباحاً 02:04]ـ
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
ـ[علاء المصرى]ــــــــ[25 - Jun-2008, صباحاً 06:21]ـ
وهل اقرأ أفضل حالاً حتى يظهر الشيخ على شاشتها
ـ[رودريقو البرازيلي]ــــــــ[25 - Jun-2008, صباحاً 08:49]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ.
ـ[طلال سعيد]ــــــــ[25 - Jun-2008, مساء 04:56]ـ
نعم لها أخطاء ..
لكن ذكر السلبيات فقط وترك الإيجابيات
والرفض بالكامل والتشويه مرفوض تماماً
شكرا لكم
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[25 - Jun-2008, مساء 04:57]ـ
نعم لها أخطاء ..
لكن ذكر السلبيات فقط وترك الإيجابيات
والرفض بالكامل والتشويه مرفوض تماماً
شكرا لكم
يا ليت تتحفنا بذكر الإيجابيات!
ـ[أبو ذر السلفى الأثري]ــــــــ[25 - Jun-2008, مساء 05:55]ـ
لا أراك ذكرت شيئاً عن الايجابيات!!!!!!!!!!
ـ[بحر القلزم]ــــــــ[25 - Jun-2008, مساء 06:42]ـ
وهل اقرأ أفضل حالاً حتى يظهر الشيخ على شاشتها
غفر الله لك، فرق بين الحكم على قناة مّا، وبين الخروج فيها، فالثاني قد يرى العالم المجتهد نوع مصلحة فيه، فله اجتهاده، وهو بين أجر وأجرين برحمة الله - كما تعلم - ولا يلزم من عدم تأييدك له بطلان ما ذهب إليه، وأظن هذا لايغيب عن شريف علمكم، لكن هو التذكير ليس إلا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبد الكريم]ــــــــ[25 - Jun-2008, مساء 09:26]ـ
لا حول ولا قوة إلا بالله.
ـ[ابو عمر السلفي]ــــــــ[26 - Jun-2008, صباحاً 12:46]ـ
لماذا الشيخ لم يصرح باسم القناة ولا باسم مديرها!!
هل يقال في أمثال قناة الرسالة ومديرها " ما بال أقوام "؟!!!
ـ[شذى الجنوب]ــــــــ[26 - Jun-2008, صباحاً 01:02]ـ
لماذا الشيخ لم يصرح باسم القناة ولا باسم مديرها!!
هل يقال في أمثال قناة الرسالة ومديرها " ما بال أقوام "؟!!!
نعم صدقت، ليت الشيخ -حفظه الله- صرح باسم القناة فالتحذير والنصح ينبغي أن يكون واضحا صريحا بعيدا عن الايهام والإبهام.
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[26 - Jun-2008, صباحاً 01:11]ـ
لماذا الشيخ لم يصرح باسم القناة ولا باسم مديرها!!
هل يقال في أمثال قناة الرسالة ومديرها " ما بال أقوام "؟!!!
الحمدلله اعترفت الآن أن المنجد شيخ؟!
طيب حتى دعوة للشيخ ما فيه إلا لازم تنقده ,, أعوذ بالله من منهجكم.
ومعروف أنه يقصد الرسالة لأنها تتبع روتانا. .
ـ[محمد بن أبي عامر]ــــــــ[26 - Jun-2008, صباحاً 01:19]ـ
إني أقول لنفسي وهي ضيقة’’و قد أناخ عليها الدهر بالعجب
صبرا على شدة الأيام إن لها’’عقبى و ما الصبر إلا عند ذي الحسب
سيفتح الله عن قرب بنافعة’’فيها لمثلك راحات من التعب
ـ[عبدالله الرفاعي]ــــــــ[26 - Jun-2008, صباحاً 01:25]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
ان اري ان الشيخ لم يعطي القدر الكافي علي طارق السويدان الذي ميع الدين ووالله اني رايت احد حلقات برنامج الوسطية ولو صدق المدعي لقال الظلمية ويعرض صبي العالم السويدان اصول الدين علي العامة بل يضع اشياء لا توضع لاحد العلماء والذين يجلسون امامة هم (كسير وعوير وثالث ما فية خير) وانا اراي ان الاقذام تطاولوا علي العلماء ثم يأخي كيف تدعي انك سلفي وانت جافي بهذة الطريقة ان من منهج السلف ان نقبل ايديهم ونحمل لهم جميلهم وان اخطئ لا تتبعة في خطئة ولا تشنع علية بل يجب عليك التقرب الي الله بحبة اسأل الله ان يهديك الي اقرب من ذلك رشدا
وجزاكم الله خيرا
ـ[أبو جهاد]ــــــــ[26 - Jun-2008, صباحاً 10:04]ـ
الفتوى حذفت من موقع الشيخ!
ـ[عمار محمد]ــــــــ[26 - Jun-2008, صباحاً 11:52]ـ
جزاى الله خيرا الشيخ محمد على تحذيره من هذه القناة التي حقا هي في الحقيقة هدم للرسالة. وليست قناة رسالة حقة.
ـ[أبومنصور]ــــــــ[26 - Jun-2008, مساء 12:50]ـ
وهل اقرأ أفضل حالاً حتى يظهر الشيخ على شاشتها
ارى ان قناة اقرا اولى بكثير بالتحذير من قناة الرسالة - مع اتفاقي مع الشيخ المنجد في بيان المأخذ الشرعية عليها- على الاقل نلتقي مع الدكتور سويدان في نقاط كثيرة .. لكن في اي النقاط نلتقي مع صالح كامل صاحب قنوات ارت المليئة بالمجون والفسق؟؟
وكون الشيخ المنجد - وفقه الله - يخرج فيها لا يعني تزكيتها اطلاقا .. بل ربما اعتبر ذلك في نظر الكثير من العوام ان القناة جيدة ولولا ذلك لما خرج فيها المشايخ .. والحال يقال على من يخرج في القنوات الاشد خبثا واجراما كقناة الام بي سي.
وشخصيا اعتبر قناة اقرا تحمل رسالة خطيرة بالترويج لما يوصف بالاسلام العصري والمستنير الذي يناسب كل الاشكال والاذواق .. ولا ننسى انها القناة التي بشرت بعمرو خالد واوجدت له تلك الشعبية الكبيرة .. ولا ابالغ ان قلت ان عمرو خالد هو ابرز مثال قدمته اقرا ليعكس فهمها للاسلام.
والله اعلم.
ـ[كلنا دعاة]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 11:22]ـ
الفتوى حذفت من موقع الشيخ!
اخي ابوجهاد للأسف حذفت القناة من الموقع
ـ[علاء المصرى]ــــــــ[30 - Jun-2008, صباحاً 02:33]ـ
اقتباس:
الفتوى حذفت من موقع الشيخ!
اخي ابوجهاد للأسف حذفت القناة من الموقع
وما معنى ذلك؟!
ـ[فهمي]ــــــــ[02 - Jul-2008, مساء 02:10]ـ
وهل اقرأ أفضل حالاً حتى يظهر الشيخ على شاشتها
أخي الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعلم أنه توجد مؤسسة إعلامية تقوم بتسجيل برامج دينية ثم تقوم ببيعها على القنوات الفضائية
وهذا ينطبق على الشيخ محمد صالح المنجد.
ـ[إسلام بن منصور]ــــــــ[02 - Jul-2008, مساء 08:30]ـ
أخي الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعلم أنه توجد مؤسسة إعلامية تقوم بتسجيل برامج دينية ثم تقوم ببيعها على القنوات الفضائية
وهذا ينطبق على الشيخ محمد صالح المنجد.
نعم الشيخ محمد المنجد لا يظهر في قناة اقرأ إلا عبر برامج مسجلة تباع للقناة ليس له أي دخل فيها.
ـ[طلال سعيد]ــــــــ[02 - Jul-2008, مساء 09:08]ـ
الإيجابيات لمن سأل عنها ..
الإيجابيات لمستها على نفسي الضعيفه .. فوجدت فيها مايدعوا ويحث للتقرب من الله
ويأخذ بيدك ويحفزك نحو الطاعه ..
لايهمني الدفاع عن احد .. ولايهمني من اين يأتي الخير .. طالما هو خير فأهلا به شيء يعيننا على الطاعه
وكلامي ليس اتحافاً لأحد ولاهجوماً على أحد ..
لكني ابحث عن الحقيقه .. فقط الحقيقه .. وكل شيء بعد الله والرسول صلى الله عليه وسلم .. يصيب ويخطأ .. ويؤخذ ويرد
فالنصيحه اولى للمسلم من بغضه وتسفيهيه .. المسلمون اخوه
اما الغمز واللمز والتشويه فهو يدع صاحبه في مكان شك وتقييم ..
والله يوفقنا الى مايحبه الله ويرضاه
شكرا لكم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[اسعد]ــــــــ[07 - Jul-2008, مساء 05:38]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
جزا الله الشيخ محمد خير
ويجب على السلم ان يتحرى اقوال العلماء في القنوات المدعية بانها اسلامية ومن تابع الرسالة واقرأ وغيرها من القنوات يلاحظ الكثير من المخالفات الشرعية لكن هذا لا يعني انه لا يوجد بها خير ولكن البعد اسلم
وارجو من الشيخ ان يرسل رسالة شخصية الى د. طارق السويدان ويبين له الاخطاء بالادلة فلعل وعسى
وجزاكم الله خير
ـ[ولد ناصر]ــــــــ[08 - Aug-2008, صباحاً 02:49]ـ
وهل اقرأ أفضل حالاً حتى يظهر الشيخ على شاشتها
بارك الله فيك اقراء قناة صوفية والكل يعرف ذلك , والشيخ يخرج وينكر عليها , اما الرساله فهي تلبس على الناس لان بعض العامه يعد المدير وصاحب الوسطية من اهل العلم , وقناة اقراة على توجهها الصوفي الا انها اقل ضرر من هذه , هذه تطعن في الدين وتحاربه , وتدعي ان ما خالفها فانه متشدد وهي تمثل الاسلام بالصوة الحقيقية.!!!!
ـ[الوليد مسلم]ــــــــ[14 - Aug-2008, صباحاً 03:04]ـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد: فالقنوات الخبيثة أمرها بين والقنوات المحترمة أمرها بين وبينهما قنوات مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس بل يعلمها أهل العلم والبصيرة ومن هذه القنوات القناتان المذكورتان هنا الرسالة وإقرأ والشيخ بارك الله فيه قد أدى ما عليه بالبيان فليتق الله امرؤ في نفسه.
ـ[أبو سعد البقمي]ــــــــ[14 - Aug-2008, صباحاً 10:20]ـ
نعم الشيخ محمد المنجد لا يظهر في قناة اقرأ إلا عبر برامج مسجلة تباع للقناة ليس له أي دخل فيها.
ظهور الشيخ في اقرأ عن طريق برامج مسجلة فقط غير صحيح ,والظهور في قناة ما لايعني الإتفاق معها, وعدم إنتقادها.
ـ[أبو الخطاب فؤاد السنحاني]ــــــــ[14 - Aug-2008, مساء 03:05]ـ
سُئل الشيخ يحي بن علي الحجوري حفظه الله
خليفة الامام الوادعي رحمه الله في دار الحديث بدماج حرسها الله:
السؤال الخامس:
ماقولكم فيمن يستمع إلى إشرطة القصص والقصاصين وإذا نُصحوا قالوا إهتدى الهدايةكثير من الناس على إيديهم؟
الجواب:
لايُفرح بهذه الهداية، كمن يهتدي إلى جماعة التبليغ لايُفرح بهذه الهداية، ربما يكون خماراً فيترك الخمر فيرجع مبتدع، أو مربياً فيترك الربا فيرجع إلى بدعة فيخرج من معصية ويدخل في معصية وربما من معصية أخف إلى أعظم، وهي البدعة أو التصوف وما إلى ذلك
فمثل هذه الاقاصيص
التى يهتدى بها انُاس كما يُذكر هذا لا يفرح بها وهذا لاتسمى هدايه على هذا الاطلاق
هذه تسمى أنتقال من معصيه إلى معصيه وأنما الذى أ هتدى هو الذى أنتقل من المعصيه إلى الطاعه (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)
هذا الذى يُقال عنهٌ أهتدى أما أنسان
أنتقل من بدعه إلى بدعه أومن معاصى إلى بدع فما أهتدى كما ينبغى نقلاً من شريط اسئلة شباب الامارات
ـ[ابن خالد]ــــــــ[03 - Sep-2008, مساء 11:34]ـ
وهل اقرأ أفضل حالاً حتى يظهر الشيخ على شاشتها
لا ادافع عن قناة اقرأ لكن هل اقرأ تطرح استفتاءات حول الاحكام الشرعيه .... كحكم قتل المرتد ... سبحان الله
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[04 - Sep-2008, صباحاً 02:50]ـ
ليت الشيخ المنجد و الفضلاء أمثاله يمتنعون عن القنوات المرئية بالكلية و يؤسسون قنوات صوتية فإذا وجدت هذه القنوات الصوتية التي يشرف عليها مشايخ، فليفتوا العوام بترك جميع القنوات المرئية من أولها إلى آخرها لأنها كلها تشترك في التصوير، و سيغنينا الله بالقنوات الصوتية، و أسأل الله أن يغنينا بحلاله عن حرامه
أما التدرج في إنكار القنوات على الشخص الذي يشاهدها فطلوب
فمثلاً شخص يرى قنوات أوروبية تحاول أن تصرفه عنها حتى لو أدخل قنوات عربسات
ثم تحاول صرفه عن عربسات حتى يشفرها و لا يبقي إلا الإخبارية و الوثائقية مثلاً
ثم تحاول صرفه ليتركها و يتجه للفلك
ثم تصرفه عنه ليتحول للمجد
ثم تصرفه عنها ليتحول للقنوات الصوتية إذا وجدت
و هكذا نحاول أن نعود لما كنا عليه من تقوى الله مباشرة مع أنفسنا و تدرجاً مع من لا يقبل مباشرة
وفق الله الجميع
ـ[أبو فايزة]ــــــــ[15 - Sep-2008, صباحاً 12:46]ـ
والله اني افضل قناة الرساله عن قناة المجد وانا اشوف هيك افضل مومن شان شي لكن قناة الراسله بتنوع برامجها دائما
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[15 - Sep-2008, صباحاً 01:28]ـ
الأخ أبو فايزة ما فائدة المهنية العالية إذا كانت الرسالة الإعلامية غلط؟
ـ[حبيب المؤمن]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 02:43]ـ
أرى أن القنوات الفضائية الإسلامية أفسدت أكثر مما أصلحت
وشيوخنا الكرام الذين كانوا يفتون بحرمة التصوير، هم اليوم من يتصارعون للظهور على الفضائيات، وليت ظهورهم أصلح، بل ظهورهم في بعض القنوات أعطاها المصداقية عند كثير من المسلمين، فلما جاء المتصوفة بعدهم استفادوا بظهور من قبلهم
.
ـ[االباحث]ــــــــ[18 - Sep-2008, مساء 10:20]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته احسنت يا كلنا
ا دعاة فينبغى الحذر من هذه القنوات وتنبيه الناس على مايقع فيها من اخطا فادحة تمس بالعقيدة وعلينا فى ذات الوقت ان نميز بين ماهو بدعة كفرية وغير كفرية وان نوازن بين حسنات المرء وسيئاته ولنا فى سلفنا قدوة فأهل الحديث يقبلون حديث الرجل المبتدع مالم تكن بدعته كفرية ولم يكن داعى لها واذا نظرنا لبعض الائمة وجدنا انهم وقعوا فى اخطاء عقدية كابن حجر وقع فى الاشعرية وتلقت الامة كتبه بالقبول ولست مدافعا عن قناة وشاتما اخرى انما ادعوا للموضوعية وارحب بتعليقاتكم وشكرا
ـ[االباحث]ــــــــ[18 - Sep-2008, مساء 10:28]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالك إن شاء الله دائما بخير؟ (ابتسامة) ياصاحب النقب واريدان نبين امرا ان امر التصوير فيه سعة من القو ل وماكتبت متهونا فى امره ولكنها الحكمةفي العامل مع الامور الخلافية ةقعدالعلماء ى ذلك قاعدةمعروفة وهى (لاانكار في مسائل الاجتهاد) شكرا لك ... بارك الله فيك ... وارحب بتعليقاتك
ـ[عبدالملك السبيعي]ــــــــ[19 - Sep-2008, صباحاً 12:40]ـ
والله اني افضل قناة الرساله عن قناة المجد وانا اشوف هيك افضل مومن شان شي لكن قناة الراسله بتنوع برامجها دائما
عادي
عادي
فهو يحب عمرو خالد كذلك!
ـ[السلفي أبو عبدالله]ــــــــ[19 - Sep-2008, صباحاً 02:57]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن مما تغضب النفس له ظهور قنوات تروج لمذاهب أهل البدع، وذلك بدعوة أهل العلم ةمن الموحدين للظهور فيها.
و إن قناة الرسالة و اقرأ لأشد من قنوات الغناء و الأفلام.
لأن تلك القنوات يأثم المسلم على مشاهدتها باعتبارها معصية لله، أما القنوات التي تدعوا إلى البدع فهي أعظم من ناحية الإثم لأنها تهدم ثوابت الدين عند المسلمين.
و قد توصل هذه القنوات المسلمين إلى دائرة الشرك و ذلك بعرض محاضرات دعاة الصوفية و القبورية و إعطائهم قبولا عند الناس بحجة ظهور دعاة التوحيد عليها.
وهذا من مكر أعداء الله و أعداء دعوة التوحيد، و لا حول ولا قوة إلا بالله.
و إني لأحذر أخواني من مشاهدة هذه القنوات و من أن يشاهدوا التلفاز أساسا فقد اختلط الصالح بالطالح.
و أنصح إخوني بالإشتغال بالعلم و بالطاعة بدل الجلوس أمام التلفاز و تقليب القنوات الذي لا يخلو من رؤية ما حرم الله أو سماع ما يهدم دين المرء من الشبه.
و السلام على من اتبع خير الأنام محمد عليه أفضل الصلاة و السلام
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[19 - Sep-2008, صباحاً 07:56]ـ
الأخ الباحث وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته جزاك الله خيراً
أعرف أن بعض العلماء خرج في القنوات باعتبار الحاجة لخروجه
لكن أنا أقترح إقتراح بإنشاء قنوات صوتية، و ربما إذا أنشئت يرى هو بنفسه أنه لم تعد حاجة لخروجه خاصة في بعض القنوات
ثم النصوص وردت بتحريم صور ذوات الأرواح فقط، و الوجه فقط
فلو وجدت قناة فيها كل أنواع الصور إلا ذوات الأرواح لا يستطيع أحد أن يحرمها، بل إذا كانت تنشر العلم فقد نعتبرها فرض كفاية
و هذا مكن بأن يكون المذيعون في الإستديو و لا تخرج صورهم مثل الإذاعات و تخرج جميع البرامج من غير صور ذوات الأرواح و المذيعون يعلقون عليها
هذا يرجع لأنواع الإخراج، و لعل بعض أنواع الإخراج تلائمنا أكثر من الأنواع الأخرى
و أنا آسف لخروجي عن الموضوع
وفق الله الجميع
ـ[ابن الأزهر النيسابوري]ــــــــ[23 - Sep-2008, مساء 04:07]ـ
وفق الله الجميع للخير. ومعروف دور التلفاز في هدم البيوت.
ـ[مرثد]ــــــــ[08 - Apr-2010, صباحاً 02:42]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
حدثني الثقة:) وقال انه سال الشيخ المنجد، وناقشه. فاعتذر بان السؤال جاءه فجأة
(والذي فهمته ان الشيخ كانه فضل انه لم يتحدث بمثل هذا)
والله اعلم
ايا كان جزى الله الرسالة خيرا على خيرهم
وغفر ذنوبنا وذنوبهم
ـ[جذيل]ــــــــ[08 - Apr-2010, صباحاً 02:56]ـ
ثقتك مجهول لا يعتد بنقله:)
ـ[أبوجويرية محمود النجار]ــــــــ[08 - Apr-2010, صباحاً 03:52]ـ
التحذير من قناة إسلامية! تساهم في تمييع ثوابت الشريعة وقطعياتها
السؤال: خرجت علينا قناة تدعي أنها إسلامية، ويديرها من يدَّعي أنه من أهل العلم، وهي تميع الدين بدرجة عالية جدّاً، كإثارة التصويتات حول مواضيع وأحكام ثابتة في الدين، كيف نحذر منها؟ وبأي أسلوب؟ فقد مللنا من هذه القنوات السيئة، وهؤلاء أنصاف العلماء، فماذا تنصحوننا؟
الجواب:
الحمد لله
هذه القناة المشار إليها في السؤال معروفة بالسوء، مشهورة بالضلال، فتأسيسها يأتي ضمن باقة قنوات تساهم في إفساد الناس، وقد أوجد صاحبها ما يفسد الناس في أخلاقهم وسلوكهم، وبقي الدين، فجاءت هذه القناة لتؤدي هذا الغرض، وهي معدودة في " القنوات الإسلامية "! عند من لا يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والناظر في برامجها يجد ما يجده في غيرها من القنوات من المخالفات الشرعية، ففيها الموسيقى، والتمثيليات، والتبرج، والبدع والضلالات، وفيها التسويق لدعاة التصوف والقبور – كالجفري -، ومن أخطر ما فيها: عرض الثوابت الشرعية، والأحكام القطعية للتصويت! فيستضيف مديرها في برنامجه سيء الذِّكر " الوسطية " دعاة سوء، وضلال، ليسوق لأفكارهم، وانحرافهم، في نقاش يسيطر هو عليه، ويفصل هو في الموضوع في نهاية المطاف، وقبل ذلك يعرض المسألة المتناقش فيها على جمهوره في الاستديو للتصويت، وغالباً ما يسمعون لأول مرة في المسألة ذاتها، فضلاً عن معرفتهم بأدلتها وأحكامها، ويجعل لهم نسبة في التصويت، ونسبة أخرى للمشاهدين، مسلمهم، وكافرهم! وهي مهزلة تأتي في سياق مهازل هذا المدير الذي يسعى لتمييع الدين، والعبث بثوابته باسم الوسطية!.
والواجب على المسلمين أمور:
1. الحذر من الاغترار بما تعرضه من أحكام وفتاوى ومناهج منسوبة للشرع.
2. التحذير من هذه القناة، ورفع نسبة الإسلام عنها، فهي قناة من ضمن قنوات " روتانا " لا أكثر، ولها رسالة خبيثة في تمييع الدين، وتسويق البدع والضلال.
وينبغي أن يكون التحذير مما فيها موثقاً بالبينات، ومدلَّلاً على مخالفته بالكتاب والسنَّة، ولعلَّ أحداً من الطلاب الجادين أن يتولَّى ذلك، ضمن برنامج للحصول على درجة علمية من جامعة إسلامية، وهو أمر جدير بالاهتمام به.
3. تحذير أهل السنَّة من الخروج فيها في برامج أو استضافات، وقد ساءنا أن يكون لشخصية دعوية مشهورة من أهل السنَّة برنامج فيها، وقد وُضعت هذه الشخصية في موقف لا تُحسد عليه، حيث صدحت الموسيقى، وعلا صوت الغناء فوق رأسه، وهو جالس لا يدري ما يفعل، وكان صاحبه الذي معه أحسن منه تصرفاً؛ حيث خرج مباشرة من الاستديو عند أول تلك الموسيقى، وذلك الغناء.
4. عدم المشاركة في التصويت لمن ابتلي بمشاهدة برنامج يصوَّت فيه على شيء من ثوابت الشريعة.
5. استصدار فتاوى من أهل العلم الموثوقين بما تفعله تلك القناة من مخالفات للشرع.
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
وإني لأعجب وأتساءل كيف يظهر عليها بعض العلماء السلفيين -هداهم الله_؟!!!!
ـ[مرثد]ــــــــ[09 - Apr-2010, مساء 01:40]ـ
ثقتك مجهول لا يعتد بنقله:)
لأجل مثل هذه النقاشات وضعت:)
شكراً لردك اللطيف
ـ[مرثد]ــــــــ[09 - Apr-2010, مساء 01:42]ـ
وأود أن أوضح أن المسألة مسألة (منهج فكري) وليس مجرد فتاوى (موسيقى أو غناء أو نساء)
فالسويدان له منهج فكري يملي عليه ما يصنع
والصواب: مناقشة منهجه الفكري - بأدب - وليس مجرد ما يتبنى من فتاوى
:)
ـ[يزيد الموسوي]ــــــــ[09 - Apr-2010, مساء 02:19]ـ
ما ظنك بقناة يملكها
من يملك نصف الفضائيات الإباحية الخليعة
أيريد الخير؟
ـ[يزيد الموسوي]ــــــــ[09 - Apr-2010, مساء 07:06]ـ
خليفة الامام الوادعي رحمه الله
لو أضفت في اليمن ما رضينا
ففي اليمن من هو أعلم من الحجوري
فضلا عن سائر بلاد الله
وأما جواب الشيخ فهو على طريقة
الصواعق في النهي عن الأكل بالملاعق
ما هكذا تورد الإبل
و لا تؤكل الكتف
نفرح بتوبة من تاب
وقياس الشيخ غفر الله له فاسد
وكما تعلم
العافية قراريط
وملاحظة أخيرة
ليتكم تكتبون بالحجم العادي
لماذا التكبير إلى ما لانهاية؟
ـ[يزيد الموسوي]ــــــــ[09 - Apr-2010, مساء 07:08]ـ
لو سمى الشيخ القناة فسيتورط قضائياواي محام يصمد للوليد بن طلال؟(/)
العلامة ابن جبرين: على الحكومة منع الحفلات الغنائية وعروض المسرحيات ...
ـ[ابن رشد]ــــــــ[25 - Jun-2008, صباحاً 07:32]ـ
على حكم المسرحيات والحفلات الغنائية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد ...
فقد كثرت الإعلانات في الشوارع والأسواق عن عروض المسرحيات والحفلات الغنائية، والدعوة إلى حضورها، ونقول: لا يجوز إقامة تلك المسرحيات، سواء في قصور الأفراح أو في الاستراحات، أو في المنتزهات، أو في أماكن الملاعب ونحوها، وننصح المسلم ألا يحضر تلك الحفلات الغنائية، ولو كان فيها كما يعبرون ترفيه وتسلية وتنشيط للنفس ونحو ذلك، فإن هذا ضرر في الدين، فإن: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع"، هكذا ورد في حديث، وكذلك يزرع الفتن، ويدعو إلى المعاصي، ويهون أمر العبادة، مع ما في تلك الحفلات من الاختلاط المحرم، وإضاعة الأوقات، ودفع الأموال في هذه المعاصي، وسوف يجد المسلم التقي ما يشغل به وقته في العلم الصحيح والعمل الصالح، والفوائد الدينية، وزيارة إخوانه في الإسلام.
ويجب على المسؤولين منع هذه الإعلانات، وكذلك منع إقامة هذه المسرحيات، لما فيها من لهو الحديث وخسارة الأموال، والمفاسد الكثيرة، حتى تبرأ الذمة، وحتى لا تعم الفتنة. والله أعلم.
قاله وأملاه
عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
3/ 6/1429هـ
ـــــــــــــــــــ
اللهم وفق ولاة أمرنا لمنع تلك المنكرات,,,فهي سبب لكل بلاء ,,والله المستعان
رابط الفتوى: http://www.ibn-jebreen.com/article2.php?id=18
ـ[أبو أحمد العنزي]ــــــــ[25 - Jun-2008, صباحاً 07:59]ـ
جزاك الله خيرا ... وجزى الله الشيخ خيرا ..(/)
رجوع الباقلاني عن التأويل إلى مذهب السلف
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[25 - Jun-2008, مساء 08:33]ـ
المصدر: http://www.saaid.net/feraq/el3aedoon/22.htm
أبو بكر الباقلاني .. هو محمد بن الطيب بن محمد البصري ثم البغدادي القاضي المشهور بالباقلاني. كان إماماً كبير القدر، غاية في النباهة والذكاء، حاضر الحجة، سريع البديهة.
ناظر النصارى والروافض والمعتزلة والخوارج فألجمهم .. وكان في ذلك آية ..
يَعُده عدد من أهل العلم بالمؤسس الثاني لمذهب الأشاعرة، وهو من متقدميهم.
قال الذهبي: (الإمام العلامة، أوحد المتكلمين ومقدم الأصوليين .. انتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق، فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه، كان سيفاً على المعتزلة والرافضة والمشبهة، وغالب قواعده على السنة)
ونظراً للبيئة التي عاش بها هذا الإمام فقد تأثره بأهل التأويل وعلم الكلام، وغرق معهم في بحر التأويل والتحريف، ولم يتمكن من التجديف، حتى وفقه الله لهداه.
فقد انتهى الباقلاني-بعد صراع مرير- إلى الرجوع عن التأويل إلى مذهب السلف، وأثبت صفة الوجه واليدين على الحقيقة وذلك في كتابه (التمهيد) الذي أحتج به ابن تيمية وابن القيم وأبطل أصناف التأويلات التي يستعملها المؤولة.
وقسم صفات الله إلى ذاتية وفعلية وذكر أن من الصفات الذاتية لله: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى.
وكذلك في كتابه (الإبانة) صرح بهذا ونقل جملة من كلامه شيخ الإسلام في (الفتوى الحموية الكبرى) ص508 ت-حمد التويجري حيث يقول:
(وقال القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني المتكلم، وهو من أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري، ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده، قال في كتاب "الإبانة" تصنيفه:
" فإن قال: فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً؟
قيل له: قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}، وقله تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيدي} فأثبت لنفسه وجهاً ويداً.
فإن قال: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة إذ كنتم لا تعقلون وجهاً ويداً إلا جارحة؟
قلنا: لا يجب هذا كما لا يجب إذا لم نعقل حياً عالماً قادراً إلا جسماً أن نقضي نحن وأنتم بذلك على الله سبحانه، وكما لا يجب في كل شيء، كان قائماً بذاته أن يكون جوهراً، لأنا لا نجد قائماً بنفسه في شاهدنا إلا كذلك، وكذلك الجواب لهم.
إن قالوا: فيجب أن يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفاته عرضاً واعتلوا بالوجود.
قال: فإن قال: تقولون: إنه في كل مكان؟
قيل له: معاذ الله؛ بل هو مستو على العرش كما أخبر في كتابه فقال: {الرحمن على العرش استوى}، وقال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، وقال: {ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور}.
قال: ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان وفمه، والحشوش، والمواضع التي يرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن، وينقص بنقصها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا وإلى يميننا وإلى شمالنا، وقد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله.
وقال أيضاً في هذا الكتاب: صفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفاً بها، وهي: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه والعينان واليدان والغضب والرضا"
وقال في كتاب "التمهيد" كلاماً أكثر من هذا .. )
هذا هو الباقلاني .. فأين من يعظمه ويقدمه .. أفلا أتبعت تجرده؟! وأتبعته في توبته؟!!
رحم الله أبا بكر .. ورفع منزلته في عليين.
فائدة:
ذكر ابن تيمية كلام الباقلاني في الحموية، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية.
لكتاب الباقلاني (التمهيد) مخطوطتين:
مخطوطتين في اسطنبول وقامت إدراة الثقافة بجامعة الدول العربية بتصويرهما من مكتبة عاطف في اسطنبول تحت رقم (2223).
وقد قام بتحقيقها الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة فجزاه الله خيراً.
أما كتاب (الإبانة عن إبطال مذهب أهل الكفر والضلالة) فهو من كتب الباقلاني المشهورة، ولا يزل مفقوداً، وقد ذكره القاضي عياض في (ترتيب المدارك) 2/ 601، وشيخ الإسلام في (درء تعارض العقل والنقل) 3/ 382، 3/ 206، وفي (نقض التأسيس) 2/ 34، وابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية) ص303، وابن كثير في (البداية والنهاية) 11/ 350 باسم شرح الإبانة، والذهبي في العلو ص173، وأشار سزكين إلى هذا الكتاب ضمن مؤلفات الباقلاني 4/ 51.
نقلاً بتصرف عن موسوعة أهل السنة 1/ 445.
الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام تحقيق حمد التويجري
ـ[وليد بن محمد الجزائري]ــــــــ[26 - Jun-2008, صباحاً 04:46]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا أخي الباقلاني ما رجع إلى مذهب السلف و كونه أثبت صفة الإستواء ليس بدليل قطعا و أعطيك صورة المسألة.
الأشاعرة فرقتان متقدمين و متأخرين و حد الفصل بينهم هو أبو المعالي الجويني المتكلم.
المتقدمين منهم كالباقلاني و ابن فورك و البيهقي و ابن حبان البستي صاحب الصحيح و القاضي عبد الوهاب و و إمام المذهب الأشعري نفسه يثبتون الصفات الذاتية و ينفون الصفات الفعلية (مسألة حدوث الحوادث في ذات الله).
أما المتأخرين فهم على شعرة من الإعتزال و الأصح أنهم جوينية أو رازية كما تريد.
يا أخي المتأخرين ليسوا بأشاعرة إلا تسمية و ما هم إلا معتزلة مقنعة.
و السلام.(/)
هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر؟
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[26 - Jun-2008, مساء 01:46]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم،
أرجو من الإخوة المساعدة.
سؤالي هو: هل اختلف علماؤنا في كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر، كما اختلفوا من قبل في كون بعضها كفراً أكبر أو أصغر (كترك الصلاة)؟
وأظن أنهم اختلفوا في السجود لغير الله على غير عبادة، فقال بعضهم إنه شرك أصغر، وقال البعض الآخر إنه شرك أكبر.
فهل لكم أن توردوا نصوصهم في مثل هذه المسائل الخلافية، بشرط أن يكونوا من غير المعاصرين.
وجزاكم الله خيراً.
ـ[أبو موسى]ــــــــ[26 - Jun-2008, مساء 06:56]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حكي خلاف في مسألة طلب الدعاء من الميت وهو أن يأتي الرجل إلى قبر رجل صالح فيقول يا فلان ادع الله لي
حكي بعض أئمة الدعوة النجدية والإمام الدهلوي أن هذا من الشرك الأكبر بينما ينسب إلى شيخ الإسلام بن تيمية أن هذا ليس من الشرك الأكبر
والله أعلم
ـ[أبو موسى]ــــــــ[08 - Jul-2008, مساء 06:40]ـ
جاء في كتاب الوسيط للشيخ على الخضير فك الله أسره:
هذا فيه خلاف فمن فرق بين الرياء من حيث الكمية وجعل يسيره أصغر فإنه يجعل كثيره أكبر ـ وهذا هو الشاهد ـ كما هو اختيار ابن القيم ومال إليه الحفيد سليمان في كتاب تيسير العزيز الحميد في باب الخوف من الشرك، أما من لم يفرق بين يسير الرياء وكثيره أو أكثره فلا يرى هذا القسم أنه من الأكبر، ولكن الصحيح أنه كافر لأنه لا يفعله إلا منافق كما قال تعالى (يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً) وقولنا 60 % و 50% ليس تحدياً لكن هذا مثال للتوجيه، وإلاّ فبعض أهل العلم يرى أن كثير الرياء شرك أكبر مثل 40% أو 30% هذا كثير ولذا يقولون يسير الرياء شرك أصغر وكثير الرياء شرك أكبر ولا يقولون أكثر الرياء.
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[22 - Jul-2008, مساء 01:57]ـ
جزاك الله خيراً أخي ..
أظنهم اختلفوا في النذر إلى غير الله تعالى .. فقد جعله شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - شركاً أصغر، فقال في [الفتاوى: 11/ 504]:
وَأَمَّا " النَّذْرُ لِلْمَوْتَى " مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَغَيْرِهِمْ: أَوْ لِقُبُورِهِمْ أَوْ الْمُقِيمِينَ عِنْدَ قُبُورِهِمْ. فَهُوَ نَذْرُ شِرْكٍ وَمَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. سَوَاءٌ كَانَ النَّذْرُ نَفَقَةً أَوْ ذَهَبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ يُنْذِرُ لِلْكَنَائِسِ؛ وَالرُّهْبَانِ وَبُيُوتِ الْأَصْنَامِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ} " وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَذْرَ الْمَعْصِيَةِ لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ بَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا إذَا كَانَ النَّذْرُ لِلَّهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّذْرُ لِغَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ كَمَنْ يَحْلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَهَذَا شِرْكٌ. فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا وَفَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ. وَمَنْ تَصَدَّقَ بِالنُّقُودِ عَلَى أَهْلِ الْفَقْرِ وَالدِّينِ فَأَجْرُهُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقد جعل في موضع آخر النذر لغير الله بعبادة شركاً أكبر .. كمن يحلف أن يعبد غير الله تعالى .. وهذا من البديهيات على أي حال ز
وكثير من علماء الدعوة النجدية فيما فهمت من كلامهم، يجعلون محض النذر لغير الله عبادة لغيره، وشركاً أكبر.
ـ[أبو ثور]ــــــــ[22 - Jul-2008, مساء 02:55]ـ
النذر لغير الله شرك أكبر قولا واحدا , ولم يختلف فيه احد من أهل الإسلام
أما الحلف بغير الله فقد يكون شركا أكبرا , وقد يكون أصغرا
فأكبر كما في حال كثير من الناس هذه الأيام ....
إذا حلف بالله فقد يكذب وأما إذا حلف بالمعظم عنده فلا يحتمل الكذب
ويُعرف عنه أنه إذا حلف بهذه المعظم عنده فقد صدق
القصد أن النذر شرك أكبر قولا واحدا عند كل المسلمين
والحلف بغير الله يحتمل
وعلي هذا تحمل مقولة شيخ الإسلام
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[22 - Jul-2008, مساء 07:05]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم،
الصواب في النذر لغير الله أنه شرك أصغر، اللهم إلا تضمن النذر صرف عبادة لغير الله تعالى ..
أما محض النذر فهو كالحلف بغير الله تعالى، وهو شرك أصغر .. وسأبيّن ذلك في مشاركة مستقلة - إن شاء الله - حتى لا تختلط الأمور في هذا الموضوع.
ـ[أبو ثور]ــــــــ[22 - Jul-2008, مساء 08:14]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم،
الصواب في النذر لغير الله أنه شرك أصغر، اللهم إلا تضمن النذر صرف عبادة لغير الله تعالى ..
.
سبحان اللله ....
جملتين متناقضتين تماما ...
النذر نفسه عبادة ... كالدعاء والاستغاثة والذبح
هو نذر لغير الله ..... أي صرف هذه العبادة لغير الله
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب
باب من الشرك النذر لغير الله
باب من الشرك الاستغاثة بغير الله
وقال في باب النذر ... إذا ثبت كونه عبادة لله فصرفه إلي غيره شرك
جاء في فتح المجيد
قوله: "باب: من الشرك النذر لغير الله تعالى".
أي لكونه عبادة يجب الوفاء به إذا نذره لله،. فيكون النذر لغير الله تعالى شركا في العبادة.
وقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} 3 فالآية دلت على وجوب الوفاء بالنذر ومدح من فعل ذلك طاعة لله ووقاء بما تقرب به إليه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[22 - Jul-2008, مساء 08:44]ـ
لم أجمع بين متناقضين .. وسأبين ذلك قريباً إن شاء الله.
أنت تقول إن محض النذر عبادة .. وأنا أقول هو عبادة بمقتضى ما نذر به.
سؤالي إليك هو:
لو كان محض النذر عبادة، فلماذا يكرهه الله تعالى؟؟ .. فالعبادة قربة إليه .. والعبادة هي كل ما يحبه الله تعالى .. فهل يُعبد الله بما يكرهه؟
لذلك قال العلماء، ومنهم ابن تيمية، أن من نذر إلى الله بمباح، لم يصح نذره .. فإن النذر ما يقترن بطاعة وعبادة.
فلو كان محض النذر عبادة، فلماذا لم يجز النذر بمباح؟؟ .. ولماذا أسقط العلماء عن الناذر بالمباح الوفاء؟
ـ[أبو ثور]ــــــــ[22 - Jul-2008, مساء 09:40]ـ
أبا شعيب ....
الصلاة عبادة ... ومحرمة علي الحائض وعلي السكران ومكروهة في أوقات معينة وأماكن معينة
والصوم عبادة .... وحرام علي الحائض والنفساء
والذبح عبادة ...
وهكذا ....
فلو صلت امرأة في أيام حيضها لله لكانت عبادتها حراما , ولو صلت للحسين لكان شركا
ولو صلي رجل لله في أوقات النهي لكانت عبادته مكروهة ولو صلي للبدوي لكان شركا
أما النذر فكأن صاحبها علق هذه العبادة بمنفعة وأجر معين اشترطه هو ابتداءا , وهذا كما يظهر فيه ما فيه ...
وياأباشعيب أحيانا تخفي العلة في الحكم وتكون غير ظاهرة خاصة عند قليلي العلم مثلي
فهات ما عندك من أقوال اهل العلم في ذلك , ولا تنفرد بقول ليس لك فيه إمام من أهل العلم
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[22 - Jul-2008, مساء 10:40]ـ
أخي الكريم، لقد أبعدت النجعة، هداني الله وإياك ..
فتأمل ما كُره لعارض .. وما كُره أصلاً.
فأصل الصلاة أنها عبادة وقربة، وفرض أو سنة .. وما طرأ عليها من أحوال قد ينقل هذا الحكم إلى الكراهة أو التحريم.
ولكن النذر في جميع أحواله مذموم .. وقد نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أصل الحكم .. فكيف يكون عبادة؟
فالنذر ليس بعبادة في حد ذاته، إلا ما اقترن به من عبادة.
لكن اصبر قليلاً، فأنا أجمع أقوال ابن تيمية في هذه المسألة حتى يتبيّن لك مرادي .. بإذن الله.
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[24 - Jul-2008, صباحاً 07:43]ـ
أخ أبا ثور،
إليك هذا الموضوع كما وعدتك:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=18186
ـ[أبو ثور]ــــــــ[27 - Jul-2008, مساء 03:43]ـ
أحسن الله إليك ,
وجزاك الله خيرا
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[05 - Apr-2009, مساء 06:54]ـ
أخي أبو شعيب وفقك الله تعالى
-----------------
الظاهر أنهم قد اختلفوا في السجود لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه من أفعال الشرك الأكبر.
فقد قال في مجموع الفتاوى: (وحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وحجرة الخليل، وغيرهما من المدفن التي فيها نبي أو رجل صالح، لا يستحب تقبيلها، والتمسح بها باتفاق الأئمة، بل منهي عن ذلك، وأما السجود لذلك فكفر) إهـ (27/ 136).
وخالف الإمام الذهبي في ذلك فقال رحمه الله (وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي على سبيل التعظيم والتبجيل لا يُكفّر به أصلاً بل يكون عاصياً، فليعرف أن هذا منهي عنه، كذلك الصلاة إلى القبر) إهـ معجم الشيوخ (1/ 73).
وقال في موضع أخر: ( .. فمن وقف عند الحجرة المقدسة ذليلاً مسلّماً، مصلياً على نبيه، فيا طوبى له، فقد أحسن الزيارة، وأجمل في التذلل والحب، وقد أتى بعبادة زائدة على من صلى عليه في أرضه أو في صلاته، إذ الزائر له أجر الزيارة وأجر الصلاة عليه، والمصلي عليه في سائر البلاد له أجر الصلاة فقط.
فمن صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشراً، ولكن من زاره صلوات الله عليه وأساء أدب الزيارة، أو سجد للقبر أو فعل ما لايشرع، فهذا فعل حسناً وسيئاً فيُعلم برفق، والله غفور رحيم، فوالله ما يحصل الإنزعاج لمسلم، والصياح وتقبيل الجدران، وكثرة البكاء، إلا وهو محب لله ولرسوله، فحبه المعيار والفارق بين أهل الجنة وأهل النار) إهـ سير أعلام النبلاء (4/ 484).
وواضح أن الإمام الذهبي رحمه الله لم يعتبر الفعل بمجرده شركاً أكبر.
والله أعلم.
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[08 - Apr-2009, صباحاً 12:27]ـ
هذه إضافة أخرى:
---------------
(يُتْبَعُ)
(/)
اختلفوا في التوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والأولياء والصالحين سواء أحياء أو أموات على ثلاث أقوال:
القول الأول: أنه بدعة شنيعة وهذا قول أكثرهم.
يقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: (قال شيخنا قدس الله روحه: وهذه الأمور المبتدعة عند القبور مراتب، أبعدها عن الشرع: أن يسأل الميت حاجته، ويستغيث به فيها كما يفعله كثير من الناس، قال: وهؤلاء من جنس عباد الأصنام ..
والمرتبة الثانية: أن يسأل الله عز وجل به، وهذا يفعله كثير من المتأخرين، وهو بدعة باتفاق المسلمين.
الثالثة: أن يسأله نفسه.
الرابعة: أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء فى المسجد فيقصد زيارته والصلاة عنده لأجل طلب حوائجه، فهذا أيضاً من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين، وهى محرمة، وما علمت فى ذلك نزاعاً بين أئمة الدين وإن كان كثير من المتأخرين يفعل ذلك، ويقول بعضهم: قبر فلان ترياق مجرب، والحكاية المنقولة عن الشافعى أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبى حنيفة، من الكذب الظاهر) إهـ إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان.
وهذا هو قول شيخ الإسلام رحمه الله: ( .. القسم الثانى: وهو أن لا تطلب منه الفعل ولا ندعوه ولكن تطلب أن يدعو لك كما تقول: للحى ادع لي، وكما كان الصحابة رضوان الله عليهم يطلبون من النبي، فهذا مشروع في الحي كما تقدم، وأما الميت من الأنبياء والصالحين وغيرهم فلم يشرع لنا أن نقول: ادع لنا ولا اسئل لنا ربك، ولم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر به أحد من الأئمة، ولا ورد فيه حديث، بل الذي ثبت في الصحيح أنهم لما أجدبوا زمن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس وقال: " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون " ولم يجيئوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلين يا رسول الله ادع الله لنا، واستسق لنا، ونحن نشكوا إليك مما أصابنا، ونحو ذلك لم يفعل ذلك أحد من الصحابة قط، بل هو بدعة ما أنزل الله بها من سلطان .... وأما القسم الثالث: وهو أن يقول: اللهم بجاه فلان عندك أو ببركة فلان أو بحرمة فلان عندك أفعل بي كذا وكذا، فهذا يفعله كثير من الناس، لكن لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين وسلف الأمة أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء، ولم يبلغني عن أحد من العلماء في ذلك ما أحكيه إلا ما رأيت في فتاوى الفقيه أبى محمد بن عبد السلام فإنه أفتى أنه لا يجوز لأحد أن يفعل ذلك إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن صح الحديث في النبي صلى الله عليه وآله وسلم) إهـ مجموع الفتاوى (27/ 70).
القول الثاني: أنه شرك أكبر وهو قول بعضهم
يقول الإمام المقريزي رحمه الله: (أقسام الناس في زيارة القبور: والناس في هذا الباب - أعني زيارة القبور-، على ثلاثة أقسام: قوم يزورون الموتى فيدعون لهم وهذه الزيارة الشرعية، وقوم يزورونهم يدعون بهم، فهؤلاء هم المشركون في الألوهية والمحبة، وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد "، وهؤلاء هم المشركون في الربوبية) إهـ تجريد التوحيد المفيد.
القول الثالث: أنه مشروع لا شيء فيه قاله بعضهم.
يقول العلامة الشوكاني رحمه الله: (وأما التوسل إلى الله سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: أنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن صح الحديث، ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي في صحيحه، وابن ماجه، وغيرهم: أن أعمى أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني أُصبت في بصري، فادع الله لي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " توضأ، وصل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك واتوجه إليك بنبيك محمد، يا محمد إني أستشفع بك في رد بصري اللهم شفع النبي فيًّ "، وقال: " فإن كان لك حاجة فمثل ذلك " فرد الله بصره.
وللناس في معنى هذا قولان:
(يُتْبَعُ)
(/)
أحدهما: أن التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال: كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا. وهو في صحيح البخاري وغيره، فقد ذكر عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته في الاستسقاء، ثم توسلوا بعمه العباس بعد موته، وتوسلهم هو استسقاؤهم، بحيث يدعو ويدعون معه، فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في مثل هذا شافعاً وداعياً لهم.
والقول الثاني: أن التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم يكون في حياته وبعد موته، وفي حضرته ومغيبه.
ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، وثبت التوسل بغيره بعد موته، بإجماع الصحابة إجماعاً سكويتاً، لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضي الله عنه في التوسل بالعباس رضي الله عنه.
وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام، لأمرين:
الأول: ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
والثاني: أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة، ومزاياهم الفاضلة، إذ لا يكون الفاضل فاضلاً إلا بأعماله، فإذا قال القائل: اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني، فهو باعتبار ما قام به من العلم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله، فارتفعت الصخرة، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركاً كما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة من الله لهم، ولا سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم، لهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل إلى الله بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى: " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى "، ونحو قوله تعالى:" فلا تدعوا مع الله أحداً "، ونحو قوله تعالى: " له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبوا لهم بشيء " ليس بوارد بل هو من الإستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه.
فإن قولهم: " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " مصرح بانهم عبدوهم لذلك، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يعبده، بل علم أن له مزية عند الله بحمله العلم، فتوسل به لذلك. وكذلك قوله تعالى: " فلا تدعوا مع الله أحداً " فإنه نهى عن أن يدعى مع الله غيره، كان يقول يا الله، ويا فلان، والمتوسل باعالم مثلاً لم يدع إلا الله، وإنما وقع منه التوسل إليه بعمل صالح عمله بعض عبادة، كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح اعمالهم.
وكذلك قوله: " والذين يدعون من دونه " الآية، فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم، ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله، ولم يدع غيره دونه، ولا دعا غيره معه
فإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجاً زائداً على ما ذكرناه. كاستدلالهم بقوله تعالى: " وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله "
فإن هذه الآية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين، وأنه ليس لغيره من الأمر شيء والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر يوم الدين، ومن اعتقد هذا لعبد من العباد سواء كان نبياً أو غيره فهو في ضلال مبين ... ) إهـ الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد.
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول العلامة محمود شكري الألوسي رحمه الله: (استدل بعض الناس بهذه الآية على مشروعية الاستغاثة بالصالحين وجعلهم وسيلة بين العباد والقسم على الله تعالى بهم بأن يقال: اللهم إنا نقسم عليك بفلان أن تعطينا كذا، ومنهم من يقول للغائب أو الميت من عباد الله تعالى الصالحين: يا فلان ادع الله تعالى ليرزقني كذا وكذا، ويرعمون أن ذلك من باب ابتغاء الوسيلة، ويروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور، أو فاستغيثوا بأهل القبور، وكل ذلك بعيد عن الحق بمراحل.
وتحقيق الكلام في هذا المقام أن الإستغاثة بمخلوق وجعله وسيلة بمعنى طلب الدعاء منه لا شك في جوازه إن كان المطلوب منه حياً ولا يتوقف على أفضليته من الطالب بل قد يطلب من الفاضل من المفضول ... وأما إذا كان المطلوب منه ميتاً أو غائباً فلا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من السلف .. وأما القسم على الله بأحد من خلقه مثل أن يقال: اللهم إني أقسم عليك أو أسألك بفلان إلا ما قضيت لي حاجتي، فعن ابن عبد السلام جواز ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم، ولا يجوز أن يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء، والملائكة، والأولياء لأنهم ليسوا في درجته، وقد نقل ذلك عنه المناوي في شرحه الكبير للجامع الصغير ... ومن الناس من منع التوسل بالذات والقسم على الله تعالى بأحد من خلقه مطلقاً وهو الذي يرشح به كلام المجد ابن تيمية؛ ونقله عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وأبي يوسف وغيرهما من العلماء الأعلام ... وقد شنع التاج السبكي كما هو عادته على المجد، فقال: ويحسن التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف والخلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يقله عالم وصار بين الأنام مثلة انتهى.
وأنت تعلم أن الأدعية المأثورة عن أهل البيت الطاهرين وغيرهم من الأئمة ليس فيها التوسل بالذات المكرمة صلى الله عليه وسلم ... ومن ادعى النص فعليه البيان، وما رواه أبو داود في سننه وغيره من " أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نستشفع بك إلى الله تعالى ونستشفع بالله تعالى عليك، فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رؤي ذلك في وجوه أصحابه، فقال: ويحك أتدري ما الله تعالى؟ إن الله تعالى لا يشفع به على أحد من خلقه شأن الله تعالى أعظم من ذلك " لا يصلح دليلاً على ما نحن فيه حيث أنكر عليه قوله: «إنا نستشفع بالله تعالى عليك» ولم ينكر عليه الصلاة والسلام قوله: «نستشفع بك إلى الله تعالى» لأن معنى الاستشفاع به صلى الله عليه وسلم طلب الدعاء منه، وليس معناه الإقسام به على الله تعالى، ولو كان الإقسام معنى للاستشفاع فلم أنكر النبي صلى الله عليه وسلم مضمون الجملة الثانية دون الأولى؟ وعلى هذا لا يصلح الخبر ولا ما قبله دليلاً لمن ادعى جواز الإقسام بذاته صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً، وكذا بذات غيره من الأرواح المقدسة مطلقاً قياساً عليه الصلاة والسلام بجامع الكرامة، وإن تفاوت قوة وضعفاً، وذلك لأن ما في الخبر الثاني استشفاع لا إقسام، وما في الخبر الأول ليس نصاً في محل النزاع، وعلى تقدير التسليم ليس فيه إلا الإقسام بالحي والتوسل به، وتساوي حالتي حياته ووفاته صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن يحتاج إلى نص، ولعل النص على خلافه، ففي صحيح البخاري عن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس رضي الله تعالى عنه، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون، فإنه لو كان التوسل به عليه الصلاة والسلام بعد انتقاله من هذه الدار لما عدلوا إلى غيره، بل كانوا يقولون: اللهم إنا نتوسل إليك بنبينا فاسقنا، وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس إلى التوسل بعمه العباس، وهم يجدون أدني مساغ لذلك، فعدولهم هذا مع أنهم السابقون الأولون، وهم أعلم منا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبحقوق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، وما يشرع من الدعاء وما لا يشرع، وهم في وقت ضرورة ومخمصة يطلبون تفريج الكربات
(يُتْبَعُ)
(/)
وتيسير العسير، وإنزال الغيث بكل طريق دليل واضح على أن المشروع ما سلكوه دون غيره.
وما ذكر من قياس غيره من الأرواح المقدسة عليه صلى الله عليه وسلم مع التفاوت في الكرامة الذي لا ينكره إلا منافق مما لا يكاد يسلم، على أنك قد علمت أن الإقسام به عليه الصلاة والسلام على ربه عز شأنه حياً وميتاً مما لم يقم النص عليه لا يقال: إن في خبر البخاري دلالة على صحة الإقسام به صلى الله عليه وسلم حياً وكذا بغيره كذلك، أما الأول: فلقول عمر رضي الله تعالى عنه فيه: كنا نتوسل بنبيك صلى الله عليه وسلم، وأما الثاني: فلقوله: إنا نتوسل بعم نبيك لما قيل: إن هذا التوسل ليس من باب الإقسام بل هو من جنس الاستشفاع، وهو أن يطلب من الشخص الدعاء والشفاعة، ويطلب من الله تعالى أن يقبل دعاءه وشفاعته، ويؤيد ذلك أن العباس كان يدعو وهم يؤمّنون لدعائه حتى سقوا، وقد ذكر المجد أن لفظ التوسل بالشخص والتوجه إليه وبه فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح، فمعناه في لغة الصحابة أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيكون التوسل والتوجه في الحقيقة بدعائه وشفاعته، وذلك مما لا محذور فيه، وأما في لغة كثير من الناس فمعناه أن يسأل الله تعالى بذلك ويقسم به عليه وهذا هو محل النزاع وقد علمت الكلام فيه، وجَعل من الإقسام الغير المشروع قول القائل: اللهم أسألك بجاه فلان فإنه لم يرد عن أحد من السلف أنه دعا كذلك، وقال: إنما يقسم به تعالى وبأسمائه وصفاته فيقال: أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت يا الله، المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك الحديث، ونحو ذلك من الأدعية المأثورة، وما ذكره بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فاسألو الله تعالى بجاهي فإن جاهي عند الله تعالى عظيم " لم يروه أحد من أهل العلم، ولا هو شيء في كتب الحديث، وما رواه القشيري عن معروف الكرخي قدس سره أنه قال لتلامذته: إن كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فأقسموا عليه بي فإني الواسطة بينكم وبينه جل جلاله الآن لو يوجد له سند يعول عليه عند المحدثين، وأما ما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الخارج إلى الصلاة " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءاً ولا سمعة ولكن خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أن تنقذني من النار وأن تدخلني الجنة "، ففي سنده العوفي وفيه ضعف وعلى تقدير أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يقال فيه: إن حق السائلين عليه تعالى أن يجيبهم، وحق الماشين في طاعته أن يثيبهم، والحق بمعنى الوعد الثابت المتحقق الوقوع فضلاً لا وجوباً كما في قوله تعالى: " وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين " سورة الروم: 47، وفي الصحيح من حديث معاذ " حق الله تعالى على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحقهم عليه إن فعلوا ذلك أن لا يعذبهم " فالسؤال حينئذٍ بالإثابة والإجابة وهما من صفات الله تعالى الفعلية، والسؤال بها مما لا نزاع فيه فيكون هذا السؤال كالاستعاذة في قوله صلى الله عليه وسلم: " أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك " فمتى صحت الاستعاذة بمعافاته صح السؤال بإثابته وإجابته.
وعلى نحو ذلك يخرج سؤال الثلاثة لله عز وجل بأعمالهم، على أن التوسل بالأعمال معناه التسبب بها لحصول المقصود، ولا شك أن الأعمال الصالحة سبب لثواب الله تعالى لنا، ولا كذلك ذوات الأشخاص أنفسها، والناس قد أفرطوا اليوم في الإقسام على الله تعالى، فأقسموا عليه عز شأنه بمن ليس في العير ولا النفير، وليس عنده من الجاه قدر قطمير، وأعظم من ذلك أنهم يطلبون من أصحاب القبور نحو إشفاء المريض وإغناء الفقير ورد الضالة وتيسير كل عسير، وتوحي إليهم شياطينهم خبر " إذا أعيتكم الأمور " إلخ، وهو حديث مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه، لم يروه أحد من العلماء، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم: عن اتخاذ القبور مساجد ولعن
(يُتْبَعُ)
(/)
على ذلك فكيف يتصور منه عليه الصلاة والسلام الأمر بالاستغاثة والطلب من أصحابها؟ ا سبحانك هذا بهتان عظيم.
وبعد هذا كله أنا لا أرى بأساً في التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى حياً وميتاً، ويراد من الجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى، مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته، فيكون معنى قول القائل: إلهي أتوسل بجاه نبيك صلى الله عليه وسلم أن تقضي لي حاجتي، إلهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي، ولا فرق بين هذا وقولك: إلهي أتوسل برحمتك أن تفعل كذا إذ معناه أيضاً إلهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا، بل لا أرى بأساً أيضاً بالإ قسام على الله تعالى بجاهه صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، والكلام في الحرمة كالكلام في الجاه، ولا يجري ذلك في التوسل والإقسام بالذات البحت، نعم لم يعهد التوسل بالجاه والحرمة عن أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. ولعل ذلك كان تحاشياً منهم عما يخشى أن يعلق منه في أذهان الناس إذ ذاك وهم قريبو عهد بالتوسل بالأصنام شيء، ثم اقتدى بهم من خلفهم من الأئمة الطاهرين، وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وتأسيسها على قواعد إبراهيم لكون القوم حديثي عهد بكفر كما ثبت ذلك في الصحيح، وهذا الذي ذكرته إنما هو لدفع الحرج عن الناس والفرار من دعوى تضليلهم كما يزعمه البعض في التوسل بجاه عريض الجاه صلى الله تعالى عليه وسلم ... بقي ههنا أمران:
الأول: إن التوسل بجاه غير النبي صلى الله عليه وسلم لا بأس به أيضاً إن كان المتوسل بجاهه مما علم أن له جاهاً عند الله تعالى كالمقطوع بصلاحه وولايته، وأما من لا قطع في حقه بذلك فلا يتوسل بجاهه لما فيه من الحكم الضمني على الله تعالى بما لم يعلم تحققه منه عز شأنه، وفي ذلك جرأة عظيمة على الله تعالى.
الثاني: إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل يا سيدي فلان أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء، واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك وأن لا يحوم حول حماه، وقد عدّه أناس من العلماء شركاً وأن لا يكنه، فهو قريب منه، ولا أرى أحداً ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعو الحي الغائب أو الميت المغيب يعلم الغيب أو يسمع النداء ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى وإلا لما دعاه ولا فتح فاه، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم، فالحزم التجنب عن ذلك وعدم الطلب إلا من الله تعالى القوي الغني الفعال لما يريد) إهـ روح المعاني (6/ 124)
والله أعلم وأحكم.
ـ[السكران التميمي]ــــــــ[08 - Apr-2009, صباحاً 01:22]ـ
قال الشيخ العالم العلامة عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
(أما التوسل وهو أن يقول القائل: اللهم إني أتوسل إليك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، أو بحق نبيك، أو بجاه عبادك الصالحين، أو بحق عبدك فلان، فهذا من أقسام البدعة المذمومة ولم يرد بذلك نص، كرفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الأذان).
وقال الشيخ العالم العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
(فالشرك في العبادة هو الذي عمت به البلوى في الناس قديما وحديثا كما قال -تعالى-: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ}، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع.
ولهذا أنكر كثير من أعداء الرسل في هذه الأزمنة وقبلها على من دعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، وجحدوا ما جحدته الأمم المكذبة من التوحيد، واقتدوا بمن سلف من أعداء الرسل في مسبتهم من دعاهم إلى إخلاص العبادة لله ونسبته إلى الخطأ والضلال، كما رأينا ذلك في كلام كثير منهم كابن كمال المشهور بالشرك والضلال، وقد كمل في جهله وضلاله وأتى في كلامه بأمحل المحال، وقد اشتهر عنه بأخبار الثقات أنه يقول: عبد القادر في قبره يسمع، ومع سمعه ينفع، وما يشعره أنه في قبره الآن رفات كحال الأموات.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا قول شنيع، وشرك فظيع، ألا ترى أن الحي الذي قد كملت قوته، وصحت حاسة سمعه وبصره، لو ينادى من مسافة فرسخ أو فرسخين لم يمكنه سماع نداء من ناداه، فكيف يسمع ميت من مسافة شهر، أو شهرين، أو دون ذلك، أو أكثر، وقد ذهبت قوته، وفارقته روحه، وبطلت حواسه؟!
هذا من أعظم ما تحيله العقول، وتنكره الفطر، وفي كتاب الله عز وجل ما يبطله؛ قال الله–تعالى-: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} فأخبر الخبير –جل وعلا- أن سماعهم ممتنع، واستجابتهم لمن دعاهم ممتنعة. فهؤلاء المشركون لما استغرقوا في الشرك ونشئوا عليه أتوا في أقوالهم بالمستحيل، ولم يصدقوا الخبير في إخباره، وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}؛ فذكره -تعالى- أنهم أموات دليل على بطلان دعوتهم، وكذلك عدم شعورهم.
يبين -تعالى- بهذا جهل المشرك وضلاله، فأحق عز وجل في كتابه الحق، وأبطل الباطل ولو كره المشركون، لكن هؤلاء لما عظم شركهم، نزلوا الأموات في علم الغيب منزلة علام الغيوب الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وشبهوهم برب العالمين، سبحانه وتعالى عما يشركون، قال الله -تعالى-: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}.
وليس عند هؤلاء الملاحدة ما يصدون به العامة عن أدلة الكتاب والسنة التي فيها النفي عن الشرك في العبادة، إلا قولهم: قال أحمد بن حجر الهيتمي، قال فلان، وقال فلان: يجوز التوسل بالصالحين، ونحو ذلك من العبارات الفاسدة.
فنقول: هذا وأمثاله ليسوا بحجة تنفع عند الله، وتخلصكم من عذابه؛ بل الحجة ما في كتاب الله، وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم -الثابتة عنه، وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها. وما أحسن ما قال الإمام مالك -رحمه الله-: أوَ كلما جاءنا رجل أجدل من رجل، نترك ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله.
إذا عرف ذلك، فالتوسل يطلق على شيئين: فإن كان ابن حجر وأمثاله أرادوا سؤال الله بالرجل الصالح فهذا ليس في الشريعة ما يدل على جوازه، ولو جاز لما ترك الصحابة -رضي الله عنهم- من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته كما كانوا يتوسلون بدعائه في حياته إذا قحطوا، وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج بالعباس بن عبد المطلب عام الرمادة بمحضر من السابقين الأولين يستسقون، فقال عمر: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، ثم قال: ارفع يديك يا عباس، فرفع يديه يسأل الله -تعالى-، ولم يسأله بجاه النبي-صلى الله عليه وسلم -ولا بغيره.
ولو كان هذا التوسل حقا كانوا عليه أسبق، وعليه أحرص.
فإن كانوا أرادوا بالتوسل دعاء الميت والاستشفاع به، فهذا هو شرك المشركين بعينه، والأدلة على بطلانه في القرآن كثيرة جدا؛ فمن ذلك قوله -تعالى-: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، فالذي له ملك السموات والأرض هو الذي يأذن في الشفاعة، كما قال الله -تعالى-: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وقال -تعالى-: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}، وهو لا يرضى إلا الإخلاص بالأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة كما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وغيره.
وأنكر -تعالى- على المشركين اتخاذ الشفعاء فقال -تعالى-: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، فبين -تعالى- في هذه الآية أن هذا هو شرك المشركين، وأن الشفاعة ممتنعة في حقهم لما سألوها من غير وجهها، وأن هذا هو شرك نزه نفسه عنه بقوله -تعالى-: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
فهل فوق هذا البيان بيان؟ وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، فكفرهم بطلبهم من غيره أن يقربهم إليه، وقد تقدم بعض الأدلة على النهي عن دعوة غير الله والتغليظ في ذلك، وأنه في غاية الضلال، وأنه شرك بالله وكفر به، كما قال: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.
فمن أراد النجاة فعليه بالتمسك بالوحيين الذين هما حبل الله، وليدع عنه بنيات الطريق كما قال -تعالى-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم الصراط المستقيم، وخط خطوطا عن يمينه، وعن شماله، وقال: "هذه هي السبل، وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه" والحديث في الصحيح وغيره عن عبد الله ابن مسعود، وكل من زاغ عن الهدى، وعارض أدلة الكتاب والسنة بزخرف أهل الأهواء فهو شيطان.
فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه آمين
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[السكران التميمي]ــــــــ[08 - Apr-2009, صباحاً 01:59]ـ
ما ذكرته لك قبلا مجرد فاتحة، وإليك مسك الختام
سئل الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ:
هل يجوز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم , أو غيره من الأنبياء والمرسلين والصالحين في الدعاء؟.
فأجاب: التوسل المشروع , الذي جاء به الكتاب والسنة , هو: التوسل إلي الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحات , والأسماء والصفات اللائقة بجلال رب البريات , كقوله تعالى حاكيا عن عباده المؤمنين أنهم توسلوا إليه بصالح أعمالهم: (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا) الآية [آل عمران: 193].
وكما ثبت في الصحيحين من قصة الثلاثة الذين أووا إلي الغار , فانطبقت عليهم الصخرة , فتوسلوا إلي الله بصالح أعمالهم , الحديث؛ كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن حبان في صحيحه وغيره؛ (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك , أو أنزلته في كتابك , أو علمته أحداً من خلقك , أو أستأثرت به في علم الغيب عندك).
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمزي وغيره: " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض، ياذا الجلال والإكرام، ياحي ياقيوم " وفي الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه: " أسألك ياالله يا رحمان بجلالك ونور وجهك " الحديث، وأمثال ذلك.
فهذا كله أمر مشروع، لا نزاع فيه، وهو من الوسيلة التي أمر الله بها في قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) [المائدة: 35] وكذلك التوسل إلى الله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته، وبدعاء غيره من الأنبياء والصالحين في حياتهم، فهذا كله مستحب، كما توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته، وتوسلوا بدعاء العباس بن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وسلم وبدعاء يزيد بن الأسود الجرشي.
وأما التوسل بجاه المخلوقين، كمن يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، فهذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر العلماء على النهي عنه، وحكى ابن القيم رحمه الله تعالى: أنه بدعة إجماعا، ولو كان الأنبياء والصالحون لهم جاه عند الله سبحانه وتعالى، فلا يقتضى ذلك جواز التوسل بذواتهم وجاههم.
لأن الذي لهم من الجاه والدرجات، أمر يعود نفعه إليهم، ولا ننتفع من ذلك إلا باتباعنا لهم ومحبتنا لهم، والله المجازي لنا على ذلك.
وأما التوسل بذواتهم مع عدم التوسل بالإيمان والطاعة فلا يكون وسيلة، ولأن المتوسل بالمخلوق إن لم يتوسل بما يحصل من المتوسل به من الدعاء للمتوسل أو بمحبته واتباعه فبأي شيء يتوسل؟!
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى، في كتاب: الاستغاثة، مازلت أبحث وأكشف ماأمكنني من كلام السلف، والأئمة، والعلماء، هل جوز أحد منهم: التوسل بالصالحين في الدعاء، أو فعل ذلك أحد منهم، فما وجدته، ثم وقفت على فتيا للفقية أبي محمد بن عبد السلام، أفتى بأنه لايجوز التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم وأما بالنبي صلي الله عليه وسلم فجوز التوسل به إن صح الحديث في ذلك.
وذكر القدوري في شرح: الكرخي، عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يجوز أن يسأل الله بالأنبياء , انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى؛ قال القدوري: المسألة بخلقه لا تجوز , لأنه لا حق للمخلوق على الخالق , فلا تجوز معنى , وفاقاً , انتهى.
وقد احتج من أجاز المسألة بالمخلوقين بأمور , الأول: ما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري , قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا " الحديث.
فالجواب: إن الحديث في إسناده عطية العوفي , وفيه كلام , ضعفه الإمام أحمد , والثوري , وهشيم , وأبو زرعة , وأبو حاتم , والجوزجاني , والنسائي , وابن حبان , وقال: لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب , وقال ابن معين: صالح؛ وقال ابن سعيد كان ثقة إن شاء الله تعالى. وبتقدير ثبوته , هو: من التوسل المستحب , فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم , وحق المطيعين له أن يثيبهم , فالسؤال له , والطاعة سبب لحصول الإجابة وإثابته.
(يُتْبَعُ)
(/)
والثاني: ما رواه الحاكم في المستدرك وصححه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , عن أبيه عن جده , عن عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما اقترف آدم الخطيئة , قال: رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي " الحديث.
فالجواب: إن هذا الحديث ساقط , لأن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف بالاتفاق , ضعفه: مالك , وأحمد ,وابن معين، وابن المديني، وأبو زرعه، وأبو داود، وابن سعد , وأبو حاتم , وابن خزيمة , وابن حبان , قال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه
فهذا كما ترى تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو: هو. وقال الحافظ الذهبى في تلخيص المستدرك لما ذكر الحاكم هذا الحديث فقال: هذا صحيح، قال الذهبي: أظنه موضوعا , ثم هو مخالف للقرآن , لأن الله عزَّ وجلَّ ذكر قصة آدم عليه السلام وتوبته وتوسله , ولم يذكر الله أنه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: ما رواه الترمذي والنسائي في اليوم والليلة , وابن شاهين والبيهقي وصححه الترمذي عن عثمان بن حنيف " أن رجلاً ضرير البصر أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني , فقال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك , قال: فادعه , فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه , ويدعوه بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة , إني توجهت بك إلي ربي في حاجتي هذه لتقضى , اللهم فشفعه في " هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي جعفر , وهو غير الخطمي , هذا لفظ الترمذي , وقال بعضهم: هذا يدل على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لا غير.
والجواب: إن هذا التوسل هو الذي ذكره عمر رضي الله عنه لما استسقى بالعباس رضي الله عنه، فذكر أنهم يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ثم توسلوا بعمه العباس بعد موته وتوسلهم به هو: دعاؤه , ودعاؤهم معه , فيكون وسيلتهم إلى الله تعالى , وهذا لم يفعله الصحابة في حق النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته , ولا في مغيبه.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مثل هذا شافعا لهم داعيا لهم , ولهذا قال في حديث الأعمى: " اللهم فشفعه في " فعلم أن النبي صلى الله علي وسلم شفع له , فسأل الله أن يشفعه فيه.
قلت: من تأمل هذا الحديث , علم صحة هذا , فإنه صريح في أن الأعمى أتاه فقال: ادع الله أن يعافيني , فقال: " إن شئت دعوت , وإن شئت صبرت فهو خير لك؛ قال: فادعه "فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دعى له , وأن الأعمى سأل ربه أن يشفعه فيه , بأن يستجيب دعاءه صلى الله عليه وسلم؛ وهذا كافٍ في حكم هذه المسألة.
واعلم: أن التوسل بذات المخلوق , أو بجاهه: غير سؤاله , ودعائه. فالتوسل بذاته , أو بجاهه أن يقول: اللهم اغفر لي , وارحمني , وأدخلني الجنة بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم , أو بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ,ونحو ذلك , فهذا بدعة ليس بشرك.
وسؤاله ودعاؤه , هو أن يقول: يا رسول الله اسألك الشفاعة ,أو أنا في كرب شديد , فرج عني , أو استجرت بك من فلان , فأجرني , ونحو ذلك , فهذا كفر , وشرك أكبر ينقل صاحبه عن الملة ,لأنه صرف حق الله لغيره , لأن الدعاء عبادة لا يصلح إلا لله , فمن دعاه , فقد عبده , ومن عبد غير الله , فقد أشرك , والأدلة على هذا أكثر من أن تحصر.
وكثير من الناس لا يميز ولا يفرق بين التوسل بالمخلوق، أو بجاهه، وبين دعائه، وسؤاله، فافهم ذلك وفقنا الله وإياك لسلوك أحسن المسالك.
وبهذا يظهر جواب المسألة الثانية , وهي: إذا وجد نحو ذلك في تصنيف بعض العلماء , هل له محمل أم لا , والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فهل عرفت الآن الحق، أم ما زلت تنقل وأنت لا تعرف ما تنقل ولم تنقل وفيما تنقل، فاتق الله ودع إصدار الأحكام من كيسك، فهذه مسائل عقدية الزيغ فيها مهلكة، فلا تهلك نفسك وتهلك إخوتك معك.
إنا لله وإنا إليه راجعون
ـ[عبدالله الجنوبي]ــــــــ[10 - Apr-2009, صباحاً 08:37]ـ
وخالف الإمام الذهبي في ذلك فقال رحمه الله (وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي على سبيل التعظيم والتبجيل لا يُكفّر به أصلاً بل يكون عاصياً، فليعرف أن هذا منهي عنه، كذلك الصلاة إلى القبر) إهـ معجم الشيوخ (1/ 73).
جزاك الله خيرا ... ما المقصود من الصلاة الى القبر في كلام الامام الذهبي رحمه الله تعالى.
(يُتْبَعُ)
(/)
و بارك الله فيكم
ـ[عبدالله الجنوبي]ــــــــ[14 - Apr-2009, صباحاً 04:44]ـ
للرفع
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[14 - Apr-2009, مساء 01:29]ـ
أخي الكريم وفقك الله تعالى
----------------
روى الإمام مسلم في صحيح أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها).
يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " فيه تصريح بالنهي عن الصلاة إلى المقبرة، قال الشافعي رحمه الله: وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس) إهـ المنهاج في شرح مسلم.
وقال العلامة الصنعاني رحمه الله: (وفيه دليل على النهي عن الصلاة إلى القبر، كما نهى عن الصلاة على القبر، والأصل التحريم، ولم يذكر المقدار الذي يكون به النهي عن الصلاة إلى القبر، والظاهر أنه ما يعد مستقبلاً له عرفاً) إهـ سبل السلام (1/ 314).
فالصلاة إلى وعلى القبور محرمة وهي من الكبائر كما عدّها الفقيه ابن حجر الهيتمي في كتابه (الزواجر عن أقتراف الكبائر)
فقال رحمه الله: (واتخاذ القبر مسجداً معناه الصلاة عليه أو إليه .. وأورد كثير من الأحاديث في هذا المعنى ثم قال: تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركاً وإعظاماً) إهـ (1/ 285)
قال الملا علي القاري رحمه الله: (ولا تصلوا: أي مستقبلين إليها لما فيه من التعظيم البالغ، لأنه من مرتبة المعبود، فجمع بين الإستحقاق العظيم والتعظيم البليغ قاله الطيبي، ولو كان هذا التعظيم حقيقة للقبر أو لصاحبه لكفر المعظم، فالتشبه به مكروه، وينبغي أن تكون كراهة تحريم، وفي معناه بل أولى منه الجنازة الموضوعة وهو مما ابتلى به أهل مكة حيث يضعون الجنازة عند الكعبة) إهـ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 372).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولا تصح الصلاة في المقبرة، ولا إليها والنهي عن ذلك إنما هو لسد ذريعة الشرك) إهـ الإختيارات (67)
فلعل الإمام الذهبي رحمه الله قصد هذا المعنى.
والله أعلم.
ـ[عبدالله الجنوبي]ــــــــ[14 - Apr-2009, مساء 04:55]ـ
جزاك الله خيرا أخي الفاضل
فعلى هذا حتى السجود الى القبر تعظيما للقبر لا يراه الامام الذهبي-رحمه الله تعالى- شركا و لا كفرا أكبر؟
و بارك الله فيك
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[14 - Apr-2009, مساء 05:25]ـ
جزاك الله خيرا أخي الفاضل
فعلى هذا حتى السجود الى القبر تعظيما للقبر لا يراه الامام الذهبي-رحمه الله تعالى- شركا و لا كفرا أكبر؟
و بارك الله فيك
أخي الكريم وفقك الله تعالى:
----------------
يقول الإمام الذهبي رحمه الله ( ... وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي على سبيل التعظيم والتبجيل لا يُكفّر به أصلاً بل يكون عاصياً، فليعرف أن هذا منهي عنه .. ) إهـ
فالإمام الذهبي رحمه الله لا يقصد بالتعظيم والتبجيل (العبادة) بل يقصد الإحترام والتوقير.
وعليه فإن الفعل بمجرده لا يراه شرك إلا إذا كان صادر عن اعتقاد في صاحب القبر، وبقصد ونية العبادة والتعبد للقبر.
فقد قال الذهبي رحمه الله عند ترجمة السيدة نفيسة: (ولجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف، ولا يجوز مما فيه من الشرك، ويسجدون لها، ويلتمسون منها المغفرة، وكل ذلك من دسائس دُعاة العبيدية) إهـ سير أعرم النبلاء (10/ 106).
والله أعلم.
ـ[عبدالله الجنوبي]ــــــــ[15 - Apr-2009, صباحاً 07:24]ـ
جزاك الله خيرا أخي الفاضل,
إذا على ما فهمت فإن الإمام الذهبي لم يلاحظ معنى العبادة لغير الله تعالى في مطلق السجود لقبر النبي (ص) تعظيما له؟ و غيره من أهل لاحظه و بالتالي حكم على مطلق السجود للقبر أواليه تعظيما له بالشرك الأكبر و جعل هذا السجود بحد ذاته عبادة لا يتسحقها إلا الله تعالى و لم يشترط أمرا زاءدا كما اشترطه الإمام الذهبي رحمه الله تعالى, أليس كذلك أخي الكريم؟ و لي سؤال أخير ما هو ضابط الشرك في السجود للقبر عند الإمام الذهبي رحمه الله تعالى؟ و ما هو الاعقاد الشركي الذي كان عليها أهل مصر الذين ذكرهم؟
و عذرا أخي الفاضل على الإحاح و الاكثار عليكم, فإن هذه المساءل تحتاج إلى ضبط و فهم دقيق و جزاكم الله خيرا أخي الغالي.
أخوكم و محبكم
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[15 - Apr-2009, مساء 06:46]ـ
أخي الكريم وفقك الله تعالى:
----------------
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عن حال العوام مع السيدة نفيسة: (وإلى الآن قد بالغ العامة في اعتقادهم فيها وفي غيرها كثيراً جداً، ولا سيما عوام مصر فإنهم يطلقون فيها عبارات بشيعة مجازفة تؤدي إلى الكفر والشرك، وألفاظا كثيرة ينبغي أن يعرفوا أنها لا تجوز ... والذي ينبغي أن يعتقد فيها ما يليق بمثلها من النساء الصالحات، وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام، ومن زعم أنها تفك من الخشب أو أنها تنفع أو تضر بغير مشيئة الله فهو مشرك) إهـ البداية والنهاية.
و سوف أجيب على مشاركتك إن شاء الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[16 - Apr-2009, مساء 03:04]ـ
جزاك الله خيرا أخي الفاضل,
إذا على ما فهمت فإن الإمام الذهبي لم يلاحظ معنى العبادة لغير الله تعالى في مطلق السجود لقبر النبي (ص) تعظيما له؟ و غيره من أهل لاحظه و بالتالي حكم على مطلق السجود للقبر أواليه تعظيما له بالشرك الأكبر و جعل هذا السجود بحد ذاته عبادة لا يتسحقها إلا الله تعالى و لم يشترط أمرا زاءدا كما اشترطه الإمام الذهبي رحمه الله تعالى, أليس كذلك أخي الكريم؟ و لي سؤال أخير ما هو ضابط الشرك في السجود للقبر عند الإمام الذهبي رحمه الله تعالى؟ و ما هو الاعقاد الشركي الذي كان عليها أهل مصر الذين ذكرهم؟
و عذرا أخي الفاضل على الإحاح و الاكثار عليكم, فإن هذه المساءل تحتاج إلى ضبط و فهم دقيق و جزاكم الله خيرا أخي الغالي.
أخوكم و محبكم
أخي الكريم بارك الله فيك
----------------
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أما الخضوع والقنوت بالقلوب والإعتراف بالربوبية والعبودية فهذا لا يكون على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى وحده، وهو لغيره ممتنع باطل، وأما السجود فشريعة من الشرائع إذ أمرنا الله تعالى أن نسجد له، ولو أمرنا أن نسجد لأحدٍ من خلقه غيره لسجدنا لذلك الغير، طاعة لله عز وجل إذ أحب أن نعظِّم من سجدنا له، ولو لم يفرض علينا السجود لم يجب البتة فعله، فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له وقربة يتقربون بها إليه، وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم، وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام) إهـ مجموع الفتاوى (4/ 360).
هذه قاعدة هامة نفهم من خلالها التفريق بين كثير من الأفعال التي يقع التشابه بينها في فيما يبدو للناظر ولكنها تختلف في حقيقتها.
فالسجود كما قال شيخ الإسلام رحمه الله هو شريعة أباحه الله عزوجل في زمان معين ثم نسخ هذه الشريعة بعد ذلك وجعله خاص لذاته تبارك وتعالى
لذلك فإن السجود لغير الله قد يجمع فيه أمران: إما أن يكون عبادة أو يكون عادة، والفارق بين الأمرين إنما يعرف بالقصد والنية.
ولعل هذا هو السبب وراء اختلاف الفقهاء في تكفير الساجد لغير الله.
أما الإمام الذهبي رحمه الله فكما ترى فإن كلامه صريح في أن مجرد السجود بقصد الإحترام والتوقير لا يكون شركاً إلا إذا قصد الساجد بسجوده التعبد لصاحب القبر فهذا هو الشرك الذي لا خفاء فيه .. والله أعلم وأحكم.
ـ[عبدالله الجنوبي]ــــــــ[16 - Apr-2009, مساء 04:16]ـ
هذه قاعدة هامة نفهم من خلالها التفريق بين كثير من الأفعال التي يقع التشابه بينها في فيما يبدو للناظر ولكنها تختلف في حقيقتها.
جزاك الله خيرا أخي الفاضل,
و هل من ضابط يميز تلك الأفعال يعتبر في الحكم على صاحبها ما ذكره شيخ الإسلام رحمه و بين غيرها من الأعمال التي يحكم على صاحبها بمجرد ما يظهر منها؟ أرجو أن يكون السؤال واضحا.
و جزاكم الله خيرا أخي(/)
الدكتور محمد العوا: ابن القيم لطيف ورقيق .. بس ابن تيمية زي الصعايدة!!
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[27 - Jun-2008, صباحاً 04:22]ـ
في ندوة عن الصوفية .. أكثر محمد العوا .. صاحب النزعة العقلانية
من الاستشهاد بابن القيم في معرض الرد على من سماهم السلفية ..
الذين عرّض بأنهم أو بعضهم ينكرون كتاب مدارج السالكين لابن القيم ..
-ولا أعلم منسوبا للسلف ينكره بل المتكلم في نسبته إليه كتاب الروح-
فلما سئل عن الفرق بين ابن تيمية وابن القيم .. والحال أن الأول شيخ الثاني
قال: ابن القيم لطيف .. ورقيق وأديب .. بس ابن تيمية زي الصعايدة ..
ويبدو أن أحد الصعايدة كان حاضرا .. فاعترض .. فضجت القاعة بالضحك
لا تعليق
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[27 - Jun-2008, صباحاً 10:26]ـ
لاتعليق
بل تعليق
يحتاج امر ندوات الاستاذ محمد سليم العوا عن الفرق الاسلامية وقد رايت منها حلقات في قناة (الجزيرة مباشر) الي تعليق في رسالة خاصة بذلك
بالعدل والانصاف وبدون شتم واعتساف!
فقد اصابنتي الدهشة من تعرضه لمسألة الفرق الاسلامية علي الطريقة التي تعرض بها وبالاسلوب الذي قام به وبالنتائج التي خرج بها
ليتعرض للنقد العلمي كما تعرض هو للعرض العلمي!
ليكن نقد العرض!
اما مسالة الصوفية فلاشك ان مذهب ابن تيمية الذي عرضه في مجموع الفتاوي هو مذهب الانصاف والعدل والرحمة!
لكن هل مايعرضه الاستاذ العوا وفي الجانب الاخر بعض المتعرضين لمسالة الصوفية من كلام ابن القيم وشيخه رحمهما الله هو مذهبهما فعلا!
لاااعرف ماذا قال العوا في الحلقة اياها عن الصوفية وكيف احتج بكلام ابن القيم
وربما يقصد الاستاذ العوا من انكار المدارج من بعض السلفيين ان بعض من علق علي الكتاب كان يعترض علي ابن القيم في موقفه من بعض كلام شيخ الاسلام الهروي -حدث هذا في بعض طبعات الكتاب واحيانا كنت استغرب من عدم فهم المحقق لكلام ابن القيم
ولكن هل من اعترض علي جملة في الكتاب انكر الكتاب ونسبته لابن القيم رحمه الله
يبدو ان العاطفة تشتغل كثيرا في اطلاق الاحكام هذه الايام
وقد يكون البعض انكر -ولكن من هو!! -وماينفعه الانكار اذا كانت الحقائق مكتوبة في مواضع اخري للامام العلامة ابن القيم
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[27 - Jun-2008, مساء 04:17]ـ
بارك الله فيكما ..
هنا بيان مختصر عن د العوا - هداه الله -:
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/31.zip
ـ[ناجية أحمد]ــــــــ[27 - Jun-2008, مساء 05:33]ـ
اللهم لاتجعلنا مما ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا اللهم امين
بارك الله فيكم شيخ سليمان الخراشي وكثرا من أمثالكم وثبتكم على الحق
كتاب رائع الحمدلله الذي قيض تلك الاقلام للرد على على اولئك نسأل الله لهم الهداية
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[27 - Jun-2008, مساء 05:38]ـ
شكر الله لكم أجمعين .. وللشيخ الخراشي على إحالته للكتاب النافع
ومن باب الأمانة العلمية
قسم العوا الصوفية إلى قسم منحرف ذي شطحات
وقسم صحيح يوافق الكتاب والسنة .. ونسب هذا القسم إلى الجنيد وابن تيمية وابن القيم
والله الموفق
ـ[المديني]ــــــــ[28 - Jun-2008, صباحاً 09:03]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اود ذكر ان العوا كان فى ندوة على قناة فضائية مصرية وعندما سألوه حول هل يؤيد تحكيم وتطبيق الشريعة فى مصر؟
أجاب: لا, وردد قولتهم الشيطانية (الشريعة ثابتة والسياسة متغيرة)
وفى لقاء له على فضائية سعودية خاصه تبث من مصر اعتاد على الظهور فيها فى ركن ما يسمونه (الفكر الديني)
حكى انه طالب المختصين فى مصر بازالة امام جامع من منصبه لأنه دعا فى خطبته للدعوة الحسنى للمصريين غير المسلمين لدخول الاسلام
وقال العوا كلاما معناه: هذه فتنة طائفية (!!)
وللعلم فهو محامي فلا اعلم لماذا يتحدث فى الشريعة
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[28 - Jun-2008, صباحاً 09:26]ـ
هو يقصد ان بن تيمية كان عصره ملئ بالمنازعات بينه وبين الحكام وعلماء السوء وبن القيم عصره خلاف ذلك
لكن تعبيره بأسلوب سئ
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[28 - Jun-2008, صباحاً 09:31]ـ
أظن شيخنا سليمان الخراشى
ان كلامك فى تقويم الرجال غير مسدد وغير موفق فيه لما رأيت لك بعض المقالات ومنها عن الاستاذ حسن البنا
والاخوة كلموك فيه ان ترجع عن طريقتك فى النقد
لكن يقرأ كلامك على انه معلومات فقط اما التقويم فمن اهل العلم المشهورين بالانصاف
ـ[المديني]ــــــــ[28 - Jun-2008, صباحاً 09:43]ـ
أظن شيخنا سليمان الخراشى
ان كلامك فى تقويم الرجال غير مسدد وغير موفق فيه لما رأيت لك بعض المقالات ومنها عن الاستاذ حسن البنا
والاخوة كلموك فيه ان ترجع عن طريقتك فى النقد
لكن يقرأ كلامك على انه معلومات فقط اما التقويم فمن اهل العلم المشهورين بالانصاف
بئس هذا .... يا خالد من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليقل خيرا اوليصمت
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 02:31]ـ
أقرأ مقال (صفات العلماء الذين يؤخذ منهم العلم) للشيخ خباب الحمد
مع انى لم أقرأه بعد لكن أكيد فيه ما يؤكد ما قلته انا
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 06:34]ـ
لانوافق الشيخ الخراشي في كل ما ينقده بطبيعة الحال
والله أعلم
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 09:54]ـ
الأخ الكريم: خالد المرسي:
تقول:
(ان كلامك فى تقويم الرجال غير مسدد وغير موفق فيه لما رأيت لك بعض المقالات ومنها عن الاستاذ حسن البنا)!
ماذا أستفيد من هذا النقد؟!
حبذا تذكر لي أمرًا جانبت الصواب فيه - بوضوح و بالأدلة -.
وفقك الله ..
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 11:00]ـ
خذ على سبيل المثال من مواضيعك ولو تفرغت لها لأخرجت منها الكثير من الشواهد على كلامى
وكل ما أطلبه منك كما طلبه اخوانى من قبل أن تراجع نفسك فى طريقة نقدك وعلى ماتنتقد وهذا شأن الاكابر ونظنك منهم ان شاء الله لذا أدعوك أن تداوم فى مراجعة منهجك دائما
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=13044
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=3412
ـ[عزو]ــــــــ[03 - Jul-2008, مساء 09:45]ـ
الذى يدافع عن العوا هذا العوا يقول ليس ب - ا وبين شيعة اى خلاف يضك على نفسه وعندما هدمت طالبان بوذا طلع فى الجزيرة يدافع عن هذا تمثال واكن تمثال بوذا من احد اقربائه كفاكم تعصب وسدد الله خطاك ياشيخ خراشى فانت حلقة فى قلوب المبتدعة من شيعة والاخوان
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[04 - Jul-2008, مساء 01:58]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد نصحني بعض الاخوة بسماعتلك المحاضرات و قال بأنها مؤصلة فاستمعت فإذا مع اول شريط يقول
الاشعرية زي الفل
السلفية زي الفل
الماتردية زي الفل
فضربت صفحا عنها
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[05 - Jul-2008, مساء 09:33]ـ
شاهدتُ حلقة عن المعتزلة في الجزيرة مباشر.
وكان يتحدث عن محنة سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه وأرضاه وقال كلامًا رائعًا - مع بعض المآخذ الخفيفة - فسعدت به كثيرًا.
لكن يا فرحة ما تمت!!
فإذا به في نهاية الحلقة يقول إن الإنسان لا يدرك أشياء كثيرة عن نفسه فكيف يدركها عن ربه جل وعلا؟
فمن الذي يدرينا هل صفات الله مخلوقة أو لا؟ أو قديمة أو محدثة؟
فعلى كلامه هذا فمما ذكره عن محنة الإمام أحمد من مثالب الإمام وليس من مفاخره.
لأن الإمام أحمد ضيع عمره ووقته وصحته في أمور لا يعرف فيها الحق!!!
لذلك فعلى الدكتور العوا وفقه الله تعالى أن يتعرض للكلام عن الفرق من منظور سني صحيح وإلا فلا يتعرض لمثل هذه المواضيع أصلًا.
ـ[جولدن توربان]ــــــــ[06 - Jul-2008, صباحاً 08:46]ـ
هو يقصد ان بن تيمية كان عصره ملئ بالمنازعات بينه وبين الحكام وعلماء السوء وبن القيم عصره خلاف ذلك
لكن تعبيره بأسلوب سئ
ابن القيم تلميذ ابن تيمية النجيب. وُلِد ابن القيِّم عام 691 من الهجرةالنبوية, أي بعد 30 عاما من ولادة شيخ الإسلام وعاصر شيخه مدة 37 عاما. فإذا افترضنا أن ابن القيم بدأ التلقي على شيخه وهو في العشرين فمعنا ذلك أن ابن القيم ظلَّ يأخذ العلم من شيخ الإسلام لمدة 17 عاما.
فلستُ أدري ماالمقصود بعصر ابن القيم وعصر ابن تيمية.
++++++++
وللعلم فهو محامي فلا اعلم لماذا يتحدث فى الشريعة
تُرى بماذا يشتغل المحامي إن لم يشتغل بالشرع والتشريع والشريعة؟
++++++++
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد نصحني بعض الاخوة بسماعتلك المحاضرات و قال بأنها مؤصلة فاستمعت فإذا مع اول شريط يقول
الاشعرية زي الفل
السلفية زي الفل
الماتردية زي الفل
فضربت صفحا عنها
ههههههههه .. !! كُلّه فُلَّلي
والله الموفق
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[07 - Jul-2008, صباحاً 11:38]ـ
أخي العزيز جولدن .. وفقه الله تعالى
الحق أنه لا علاقة بين دراسة الحقوق والقانون الدولي والمحاماة وبين الشريعة
إلا كعلاقة الأوثان بالله تعالى!
فما استدركه الأخ في محله
والله الموفق
ـ[جولدن توربان]ــــــــ[07 - Jul-2008, مساء 02:00]ـ
أخي احبيب أبو القاسم,
يبدوا أن الحالة المزاجيبة السلبية المؤقته -إن شاء الله- التي تعاني منها - والتي أسأل الله العلي القدير أن يزيحها عنك - أفقدتْك التركيز قليلا فيما أقول.
المحاميُّ رجل حقوقي , دارس لحقوق الفرد والمجتمع والدولة من خلال دراسة القانون (التشريع) المدني والجنائي.
(يُتْبَعُ)
(/)
والأصل فيه (في أي دولة إسلامية ولنأخذ مصر مثلا كمثال حيث يظهر فيها المجتمع المدني بمؤسساته بصورة اكبر من سائر الدول العربية) أن يَدْرُس الحقوق والواجبات الخاصة بكل من الفرد المسلم داخل المجتمع الإسلامي الخاضع لحكومة إسلامية. كون الحكومة العلمانية المتسلطة على نظام التعليم العالي اليوم تفرض عليه دراسة القوانين الوضعية والدولية داخل كلية الحقوق لايغير من أصل مهنته شيء والوضع الحالي وضع طارئ ومؤقت بزوال مُسببه.
فانا أتكلم عن المحامي بصفته الحقوقية لابصفته دارس للقوانين الوضعية داخل جامعة علمانية تابعة لنظام علماني ... وهذا المحامي بصفته هذه هو أول من يطالب بالتضلع في علوم الشرع والتحدث بها وتقنينها ونشرها في مؤسسات الدولة.
بل أني لأزعم أن الحقوقي المسلم الذي يجمع بين دراسته للشرع والإلمام بأضابير القانون الدولي والقوانين الجنائية والمدنية الوضعية والأحوال الشخصية في الحكومة العلمانية هو أعلى درجة وأكثر حنكة وأوسع أفقا من مجرد طالب الشرع الذي درس الشريعة على المذاهب الأربعة فقط.
وإن كنت تنوي مهاجمتي يا أخ أبو القاسم على هذا الكلام فاعلم أنك إنما تهاجم في نفس الوقت رأي إمام المسلمين المحدَّث والذي كان يشير على رسول الله (ص) بالرأي فيأتي الوحي من السماء موافقا, إنه عمر بن الخطاب, ماذا قال 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -؟ قال: «من لم يعرف الجاهلية, لايعرف الإسلام» , وماذا قال حذيفة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -؟ قال: «كان الناس يسألون عن الخير، وكنت أسأل عن الشر مخافة الوقوع فيه» قال حذيفة هذا الكلام في زمن السيادة الاسلامية المطلقة على العالم فما رأيك في زماننا اليوم؟
لذلك فهناك أعداد لاتحصى من المسلمين والذين لانشك في دينهم وإخلاصهم التحقوا بكلية الحقوق ودرسوا مناهجها الوضعية من باب العلم بالشيء فقط ولا لشيء إلا ليحصلوا على لقب محامي فقط لكي يتمكنوا من الوقوف امام هيئات الحكومة الرسمية ولكي يجبروا الدولة على الاستماع لرأيهم من خلال المؤسسات القضائية والمدنية.
فما استدركه الأخ الفاضل وأشرتَ إليه بأنه في محله, من وجهة نظري خطأ مزدوج:
أولا لأن الأخ - سدده الله - يعتبر أن كل محامي فاقد لأهلية الكلام في الشرع لانه فقيه في القانون الوضعي فقط وهذا خطأ كبير.
ثانياّ: لأنه يقرر -ضمناً- أنه احتكر الكلام في الشرع على فئة معينة من البشر دون الآخرين.
فمن هي تلك الفئة ياترى؟ أرجوا من الإخوة إختيار إجابة واحدة مما يلي:
1 - هل هم فئة طلبة الشرع الرسميين دون سائر الناس؟
2 - هل هم سائر الناس دون المحامون؟
3 - العلماء فقط؟
4 - علماء دولة محددة بحدود جغرافية صنعتها؟
5 - جميع الاختيارات السابقة باطلة, وكلُّ من لديه دليل واضح من الكتاب والسنة فله الحق في الكلام بالشرع ولو كان محامياً؟
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[07 - Jul-2008, مساء 02:19]ـ
أخي المكرم .. جولدن .. أحبك الله تعالى
وإيذن لي أن أقول: قد أطلتَ الإجابة بما لا يستأهل ذلك .. غفر الله لك
والمقصود أن المحامي الدارس للقوانين الوضعية .. قلما يسلم من التلوث بغبار هذه النظم الجاهلية
وهو الواقع حقا مع حالة العوا لأمثلة كثيرة ليس هذا مجال مناقشتها
وأما الكلام في الشرع فلاشك أنه حكر على أهل الذكر ويتفاوت ذلك بحسب الموضوع المتكلم فيه .. إلا في القضايا العامة أو المعروفة .. وذلك كسائر التخصصات .. فكما لا يُسمح لغير الطبيب أن يتدخل فيه .. فالشرع من باب أولى كما لا يخفى
وأما الحالة المزاجية فأتعجب من كلامك عني كما لو كنت تعرفني (ابتسامة)
إذ إني لا أمر بحالة كالتي وصفت
بل أستشعر فضل الله ونعمه تغمرني غمرا .. ولله الحمد
ـ[جولدن توربان]ــــــــ[07 - Jul-2008, مساء 06:12]ـ
طيب حسنٌ يا أبا القاسم جميل أن أَعْلمَ أنك لستَ في حالة مزاجية سلبية ولله الحمد والمنَّة.
ولكن الذي لفت انتباهي في ردك هو رفضك للمسلمات بادعائك أن الكلام في الشرع حِكر على "أهل الذكر".
وكنتُ أظنُّ أننا تجاوزنا البديهيات فها أنت تصدمني الآن بهذه العبارة التي لايشك سلفيّ واحد في بطلانها وكأنك يا أبا القاسم قد لبستَ عمامة رمضان البوطي وتحدثت بلسانه دون أن تشعر وقد حولت الدين الحنيف إلى علم كهنوتي وكرسي رسولي يحتكره البابا ومن معه.
ومع ذلك سأبطل كلامك بسؤالين بسيطين أرجوا الإجابة عليها أبا القاسم:
إذا أتى لك شخصٌ يستفتيك ويطلب منك حكم الشرع في مسألة تؤرقه وصادف أن كنتَ تعلم حُكم الله تبارك وتعالى فيها وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم فيها وعندك الدليل من كتاب الله وموضع الآية ومن سنة رسوله ومتن الحديث فبماذا ستجيب الرجل السائل:
1 - هل ستقول له الله أعلم, إذهب إلى أهل الذكر فاسألهم فهم الوحيدون المحتكرون للفتوى؟
2 - ستجيب السائل بما تعرفه من دليل في الكتاب والسنة؟
أرجوا منك عدم الحيدة يا أبا القاسم واجب فقط برقم واحد أو إثنين علما بان أي كلام منك خلاف واحد أو اثنيت ساعتبره حيدة وشوشرة الغرض منها التهرب من الإجابة.
وبالمناسبة كلا الإجابتين فيها إدانة لك ونسف لكلامك .... ها أنا أقولها لك مقدما حتى لاتعتبرني أجهز لك فخا. فاختر أيهما وسأجيبك.
السؤال الثاني: هل أنت يا أبا القاسم من أهل الذكر أم من خارجهم؟
أكتفي بهذين السؤالين والله تعالى يوفقنا لمرضاته
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[09 - Jul-2008, صباحاً 02:10]ـ
وأما الكلام في الشرع فلاشك أنه حكر على أهل الذكر ويتفاوت ذلك بحسب الموضوع المتكلم فيه .. إلا في القضايا العامة أو المعروفة .. وذلك كسائر التخصصات
تأمل فيما قلته آنفا تجد الجواب
ـ[أبو عثمان_1]ــــــــ[09 - Jul-2008, مساء 09:47]ـ
((قسم العوا الصوفية إلى قسم منحرف ذي شطحات
وقسم صحيح يوافق الكتاب والسنة .. ونسب هذا القسم إلى الجنيد وابن تيمية وابن القيم))
الله المستعان كل يقسم على كيفيه
لو علموا حقيقة التصوف وحقيقة الشطحات لما جعلوا ابن تيمية وابن القيم من الصوفية، والله المستعان
==============
أبو عثمان
ـ[أبو ممدوح]ــــــــ[27 - Jan-2009, صباحاً 07:55]ـ
اود ذكر ان العوا كان فى ندوة على قناة فضائية مصرية وعندما سألوه حول هل يؤيد تحكيم وتطبيق الشريعة فى مصر؟
أجاب: لا, وردد قولتهم الشيطانية (الشريعة ثابتة والسياسة متغيرة)
أعوذ بالله لاأدري هل الشريعة و العياذ بالله جريمة حتى يتبرأ منها بعض الاسلاميين.
ـ[صدام الفايز]ــــــــ[27 - Jan-2009, صباحاً 10:29]ـ
رايي أن ندوات الدكتور العوا مفيدة وتقرب الفرق واراءها للاذهان
الاسلام واضح وبين ومعروف وسهل
ولا يستطيع اي انسان مهما كان طوله اوعرضه ان يدخل الاخرين لا الجنة ولا النار
ولنتذكر قوله تعالى: (ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم)
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[27 - Jan-2009, مساء 03:11]ـ
ليتك يا اخ صدام تساعدنى فى ايجاد شرايط العوا من النت
وبخصوص نقاش جولدن وابو القاسم
أقول انكم متوافقين لا مختلفين
فكل انسان الان يجب عليه الكلام فى الشرع والدعوة من أحقر المهن الى أشرفها لكن لا يتكلم فيما لايعلم أو ليس له اهل
ولاننكر جهود المحامين خاصة فى الدعوة بل ان الشيخ ياسر برهامى انا سمعت انه بيدرس الحقوق ولا اعرف هل دراسة رسمية ام لا ولا ننكر فضل مقلات جمال سلطان او كتب الشهيد القاضى عبد القادر عودة فنحن نحتاج لمن يفضح القوم ويظهر حقيقة عقولهم وبين ما فى منهج الله
وبخصوص انتقاد جولدن وقوله ان العوا يقول كل المذاهب التى سماهل فللى
لفأقول لعله يقصد ان كلها فل بجامع وجود الفل فى كل كما قال القسطلانى انه عد المسائل المتفق عليها بين المذاهب وجدها 10000 على ما أظن مسألة ولاشك كل هذا لالعدد فل اذا ففى المذاهب التى سماها فلافل كثيرة لا فل واحد اذا فكلامه صحيح ولايعارض كون فى تلك المذاهب ومحدثات بدع
وأرجو ان لاينتقدنى احد فى هذا الكلام علشان يومنا يعدى زى الفل
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[27 - Jan-2009, مساء 04:13]ـ
والمقصود بعصر الامامين الحكومة يعنى حكومة التى عاصرت بن تيممية وبن القيم والتغير فى التعامل الامنى مع الامامين
ـ[الغريب الأول]ــــــــ[11 - Feb-2009, مساء 02:57]ـ
صدام الفايز تاريخ التسجيل: Dec 2008 رايي أن ندوات الدكتور العوا مفيدة وتقرب الفرق واراءها للاذهان
ولنتذكر قوله تعالى: (ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم)
.........
صدام الفائز .... ليتك سكت.
أنت يهمك تقريب الفرق من بعضها ... أم تجلية الحق ودمغ الباطل!!؟
وهل يمكن الجمع بين الماء والنار؟!!
ثم هل هذه الأية التي أوردتها في كتاب الله؟؟!!
الذي نعرفه قوله تعالى:
{ادْعُ إِلَى? سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ? وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ? إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ? وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} النحل.
وقوله تعالى:
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ? ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} فصلت.(/)
الهجلة .. يفتح النار على الليبراليين السعوديين
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[27 - Jun-2008, مساء 02:36]ـ
السلام عليكم.
هذه مقالة جميلة أتتني عبر البريد جزاء الله الكاتب والمرسل والقاريء خيراً.
أنقلها لكم كما جاءت وبمقدمتها أيضاً.
مقالة ممتعة للباحث منصور الهجلة .. كشف فيها أن ثمة شريحة من "الكتّاب الشباب" الذي ملؤوا الصحف السعودية بعد سبتمبر يرفعون شعارات "التنوير, والعقلانية, والعلوم الانسانية, الخ" .. بينما هم يعانون من أمراض معرفية خطيرة .. أولها –كما أشار كاتب المقالة- أنهم يتعاملون بشكل دوغمائي/يقيني مع هذه العلوم والمصطلحات .. فيطبقونها على نصوص الوحي .. والمفاهيم القرآنية/النبوية .. ثم يطيرون دون أناة علمية بما تسفر عنه تلك القراءات المبتسرة .. ويتبنون مباشرة نتائجها في حالة من المزايدة على التنصل من أكبر قدر من المنظومة القرآنية/النبوية .. ودون إجراء أبسط أبجديات المنهج العلمي .. وهو الفحص المسبق لهذه الأدوات والمصطلحات .. ومدى علميتها .. وحجم القصور فيها .. وكمية الثغرات ..
بيض الله وجه الكاتب على هذه اللفتة الرائعة ..
===========================
مزايدات التنوير
منصور بن تركي الهجلة
صحيفة الرياض – الخميس - 26 يونيو2008م
لم أكن أعلم منذ بدئي لعملية القراءة النقدية والتطلُّع للوصول لرؤية معقولة وسليمة للأشياء ومحاولة البحث للتمكن من استيعاب رؤية كلية تكوِّن حالة توافق وانسجام بين الإيمان و العقل - أني سأكون وسط حالة تحيطني تشاركني نفس التطلع من الشباب الطموح الذي يرغب في أن يحصل على قدر كبير من الوعي المعرفي والعلمي سواء في الموقف من التراث أو الواقع أو الواجب (أعني ما ينبغي أن يتحقق في المستقبل)، فحصل أن تفاوتت منهجية هؤلاء الشباب كما تفاوتت الجدية إضافة إلى النوايا والتطلعات للمستقبل.
أعتقد أن ما لاحظته منذ البداية هو أن هؤلاء المشاركين لي في التطلع لم يكونوا يسألون عن المنهجية حول تشكلات العلوم الوسائلية التي يتوسلها القارىء أو الناقد، بل كان الاهتمام بالتغيير ونتائج الأفكار إضافة إلى النقد السريع هو ما يعلو صدارة الاهتمامات وبالتوسل في استخدام شيء من العبارات المنطقية مع جرعتين من الجرأة كافية للاستراحة والاطمئنان لعظيم التحصيل!، لم أكن أتحرج أبدا في أن أسمع أو أقرأ أي نقد أو قراءة نقدية لبعض الأصول أوالثوابت فهذا خيار فردي لصاحبه كما علمنا القرآن أن نستمع لمن يجادلنا بالتي هي أحسن، لكن ما كنت أستاء منه هو كمية التقليد والخلط المنهجي في استخدام العلوم الوسائلية، خصوصا أن الغاية أصبحت هي التأويل اللامنهجي بناء على سياق فكرة غربية متمركزة في الوعي دون أن يكون هناك أي نقد لها أو للمنهج الذي انبنت عليه، كان الغالب على هؤلاء تبنيهم لأفكار منقولة من كُتَّاب عرب لم تخضع كتبهم ومناهجهم وآراؤهم لنقد علمي كافٍ، فقد غلب عليها التكوين والبناء السريع أو التبشير بمناهج غير مخضَعَة للنقد أو التخفي وراء أيديولوجيات تاريخية قابعة تحت عقول هؤلاء الكتاب.
وجدت عند هؤلاء التساؤل والتفكيك لبعض المقولات التراثية والأفكار والآراء والأحكام التي تنتسب إلى الإسلام لكن لم أجد شيئا من تلك المقولات تفكك مفاهيم مثل العقلانية والتنوير والمركزية الغربية والتاريخية والتأويل والتحليل وغيرها من الأدوات التي هي مناهج علمية نقدية تحتاج مزيدا من النقد والاختبار، فأصبح الأصل الغائب عن أصحابنا هو اختفاء السؤال عن المناهج وعلوم الوسائل، لذا كان المحور الذي يلعب دورا كبيرا لدى البعض هو الهدف والغاية، فكلما كان الهدف بعيدا عن العلمية والموضوعية كلما سهل إمكانية تحقيقه بكتابة ضعيفة المحتوى أو بفكرة مخلخلة العمق، لذا لم تجد ولن تجد ممن ملأوا صحفنا ضجيجا ودعوة للتنوير من ربعنا مؤلَّفاً يحقق فيه موضوعا أو يحل فيه مسألة معرفية أو منهجية أو فكرة جديرة بأن تنتسب للجدة والحداثة.
(يُتْبَعُ)
(/)
قيل لي: بأن الانطلاق من نقطة ثابتة بشكل مائل عن خط عامودي مستقيم يشترك في ذات النقطة الثابتة يؤدي كلما تحرك للأعلى إلى البعد عن هذا الخط العامودي المستقيم، وهو أمر صحيح هندسيا، إلا أنني كنت أجادل في صحته في عالم الأفكار، لأن الإشكال يكمن في النقطة الثابتة التي نحتاج لتحديدها أولا فمتى ما اتفقنا عليها ربما يكون السير في طريق مائل يبعد عن الاستقامة، مع أنه في حقيقته تصوير بسيط، ربما لا يصدق دائما على عالم الأفكار خصوصا تلك التي ترتبط بالذهنيات، لأن سيولة الذهن أكثر من ثبوت ماصدقات الخارج.
ومع ذلك فالمشاهد في مزايدات قومنا ممن يدعون التنوير باتت تتدرج شيئا فشيئا حتى وصلت لخلط عجيب وتناقض غريب، بات تأويل الإسلام وادعاء المحافظة عليه موجودة حتى عند الوصول إلى نقطة لا يمكن أن يتحمله تأويل الإسلام (بما يصدق عليه مسمى تحريف الإسلام)، فلا زالت معامل التعرية من الإسلام تتحرك وتعمل بشكل لا منهجي هدفه الخروج منه، لذا يصدق عليه وصف المفكر والمؤرخ النقدي الدكتور محمد الطالبي في كتابه (ليطمئن قلبي) بتيار الانسلاخ من الإسلام، وهو يستند إلى وصف قرآني كريم:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ* سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ}
فالوصف بالانسلاخ يعني انفعالاً إرادياً بعد علم ومعرفة وقيام حجة بدلالة الآيات على الغيب، فالإيمان بالغيب هو معين دلالة الآيات الكونية والشرعية، لأن الآية علامة ودليل على الغيب الذي منه الله سبحانه وتعالى، والذي منه سائر أركان الإيمان الستة، بل ومنه كل الشعائر التعبدية المحضة، بل يدخل فيه قضية العقل نفسه لتحوله من خلال إيمانه القطعي بوجود الغيب واستحالة شهوده لكل شيء إلى قضية إيمانية فالنسبية التي يؤمن بها العقل هي في حد ذاتها باب الإيمان وأساسه، إلا أن هؤلاء الذين تدرجوا في ما يسمونه بالعقلانية والتنوير إلى درجة الوثوقية المطلقة ومحاكمة العقائد والإيمانيات والدعوى بنسبويتها والقول بتاريخية القرآن ليفقد القرآن قدسيته ودلالاته الغيبية.
وعندما يقول البعض بما يفيد استواء الأديان وكينونتها في درجة واحدة كما في الانثروبولوجيا العلمانية ذات الأصل المسيحي الحلولي ويصبح مفهوم الخير والشر مسألة نسبية محضة يحكمها القوي كما يرى نيتشة، فحينها لا يمكن القول بانتماء هذا التفسير لدائرة الإسلام كما يريد أن يثبت البعض.
إن إذابة مفهوم الإسلام بالشكل الملحوظ في الصحافة المقروءة أو الإلكترونية تقتضي في النهاية إلى عدم إسلام أساسا، يكون بلا لون ولا طعم ولا رائحة، ولا هناك إذا مسيحية ولا يهودية ولا بوذية فالكل مؤمن، ولا هناك ميزة لفكرة الإسلام على غيرها من الأفكار الدينية، وذلك كله بحذلقة تعتمد على القراءة الفلولوجية السطحية السريعة بوجود تشابهات عامة بين الديانات لا تنفذ إلى الأعماق.
إن فكرة عدم تميز الإسلام بميزة عن غيره من الأديان مما أصبح ترتيلة مشعوذي من يدعون التنوير هذه الأيام هو عين الجهل بحقائق الأديان، إلا عندما يكون المنهج المستخدم هو النسبية المحضة أو الإطلاقية المحضة، فعند من يستخدم هذين المنهجين لا يمكن لنا معالجة الفكرة معه لأنه يحتاج معالجة المنهج أولا، فمن يقول بالنسبوية المحضة، فهو لا يرى أساسا لميزة دين على آخر بل لا يرى ميزة للخير عن الشر، ولا للحق على الباطل، بل هي رؤى لا تعبر عنده إلا على أصحابها أو على فقط لسان أصحابها، ومن يقول بالإطلاقية المحضة فهو يرى أن الأديان كلها شيء واحد وهي تعارض الإطلاقية سواء كانت مثالية أو وضعية لأنه لا يؤمن بشيء سابق خارج عن إطار الإنسان، لأن الإنسان عند الفريقين هو مقياس الوجود لا غير.
وعليه كانت مشكاة المواقف الجحودية الإطلاقية والنسبوية المحضة واحدة في الاهتمام بمذاهب الاتحاد والحلول من متصوفة وباطنية وشعراء ممن ملأوا تراثنا الإسلامي، لأنها التيارات القديمة تتناسب مع الرؤى الحديثة في موضوع إطلاقية إدراك الإنسان معيارا للوجود على مستوى الكل (الإطلاقية) أو على مستوى الجزء (النسبوية)، هذه التيارات لا ترى هناك ميزة للإسلام عن غيره من الأديان، فلا شيء هو غيب ولا شيء من خارج الإنسان، يمكن أن يكون موجودا في ظل إمكانية كشف الإنسان له؟! حقيقة هذه الدعاوى حول وحدة الأديان جهل محض وظلم حقيقي عند دراسة الأديان ومقارنتها، لذا سؤال المنهج والتفلسف فيه هو المهم لمن يتبنى رأيه بصدق وجدية حتى ولو كان موقفه في النهاية غير موافَقٍ عليه.
الرابط:
http://www.alriyadh.com/2008/06/26/article353930.html
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[27 - Jun-2008, مساء 03:58]ـ
بارك الله فيك وفي الأستاذ منصور ...
وفي كتاب (العقل العربي) للأستاذ محمد الصوياني .. الصادر حديثًا عن مكتبة العبيكان: تشريح لأفكار مُلهمَي هؤلاء الشباب؛ الجابري وأركون ..
ـ[صالح العواد]ــــــــ[27 - Jun-2008, مساء 05:01]ـ
موضوع طيب ..
بارك الله في أبي أحمد و الباحث منصور و الشيخ سليمان ..(/)
المسلم العربي وإشكاليته مع فهم "حياة المدينة" والتعايش معها.
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[27 - Jun-2008, مساء 07:48]ـ
لقد كان عنوان المشاركة من وضعي، ولكنه يعبر عن هم أحمله - من جهة - منذ زمن، وخاصة مع الانفتاح الحضاري المتسارع، والذي يبدو غريباً على تركيبتنا الاجتماعية الإسلامية العربية، والعنوان من جهة أخرى مشتق من مضمون مقال أثار وعيي حول إشكالية "حياة المدينة" بالنسبة لنا نحن كمسلمين عرب في القرنين الأخيرين، المقال من صحيفة "الحياة"، وهو منقول أدناه، والأهم من نقله تحليله وتأمله، ورصد جوانب الفائدة فيه وتلمس الحلول للمشاكل المطروحة، فهي مهمة للغاية لعلاقتها بطبيعة الهوية التي ستشكلنا وتشكل طبيعة الأجيال القادمة.
============================== ==================
المقال، لكاتبه: إبراهيم غرايبة.
يمكن بسهولة تقدير حجم الأزمة التي تواجه مدننا بملاحظة الجرائم التي نقرأ عنها في الصحف على نحو ملفت ومتكرر، جرائم قتل الأخوات لأسباب تتعلق بالشرف ومعظمها إن لم تكن جميعها تقع في المدن وأطرافها وليس في الريف أو البادية كما يفترض حسب منشأ هذه الثقافة، والأطفال حديثي الولادة الذين يكتشفون في الشوارع والحاويات، وجرائم أخرى نوعية، مثل شاب قتل أكثر من عشرة من أفراد أسرته، والدية وإخوته، ورجل قتل أطفاله وجارته وأطفالها لأنها تحرض إحدى زوجاته الثلاث، وسائق سيارة أجرة يفترض أن دخله لا يكاد يكفيه وحده ومتزوج من أربعة عدا خامسة طلقها اغتصب طفلا في العاشرة من عمره ثم قتله، وشاب قتل أمه ليختلس عشرين دينارا كانت بحوزتها، وهكذا يمكن عرض مئات الجرائم التي وقعت في عمان وأطرافها في السنوات العشر الماضية، وبرغم كثافة ما كتب في ذم ثقافة العار وفي التحذير والدعوة للمواجهة، فإنه يصعب ملاحظة اهتمام جاد وحقيقي في مراجعة أسلوب الحياة وتشكل المدن وتنظيمها في بلادنا، وما بينها وبين الجرائم والضغوط والانحراف والمشكلات الكثيرة الأخرى المعقدة.
ذلك بالرغم من أنها جرائم بالإضافة إلى حالات وظواهر أخرى كثيرة مثل حوادث المرور وثقافة القيادة والسلوك وأنماط العنف وغياب التسامح في السلوك والحياة وحالات متزايدة من التفكك الأسري وعمالة الأطفال وتشردهم واستغلالهم يسهل (أو يبدو ذلك على الأقل افتراضا مقنع يحتاج إلى اهتمام كبير) ربطها بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافة وأساليب الحياة المتشكلة حولها والمتناقضة مع التشكل المفترض للمدن وسكانها، وما تؤدي إليه من ضغوط كبرى ... وخواء في الثقافة والفنون يجعل من المدن المزدحمة والمتباينة تباينا شديدا في الفقر والغنى مستودعا هائلا للأزمات المتفاعلة والمتصاعدة والتي تهدد بالانفجار في أية لحظة وعلى نحو غير متوقع، فتكاد تكون معظم جرائم القتل يرتكبها أشخاص لا سابقة لهم بالإجرام ويبدون أشخاصا عاديين أسوياء، وهي ظاهرة تبدو في خطورتها وتكرارها تقتضي نوعا جديدا من الأمن الوطني الاجتماعي، والتخطيط الاجتماعي والثقافي الذي يواجه العشوائية القائمة، بل هي حالة في خطورتها ربما تتقدم على غيرها من التحديات بما في ذلك الإرهاب، وأخطر ما فيها أنها غير متوقعة ولا نعرف متى وأين وكيف تحدث، وعلاجها للأسف الشديد لا يندرج في الإجراءات الأمنية والقانونية.
وفي واحدة من هذه الجرائم التي حظيت باهتمام كبير جدا بسبب طابعها السياسي، عندما قتل شاب مجموعة من طالبات المدارس الإسرائيليات، نشر في تشخيص حالة القاتل الصحية بأنه يعاني من ضغوط وأزمات تدفعه لأعمال لا يقدر عواقبها وإن كان في الوقت نفسه يتحمل مسؤوليتها قانونيا وصحيا أيضا.
وبالطبع فليست المقالة تفسيرا تبريريا لذلك النوع من الجرائم أو دفاعا عنها لا سمح الله، ولكن يبدو واضحا اليوم أن الضغوط النفسية والاجتماعية تدفع الناس في عمان ومحيطها وربما يمكن تعميم ذلك على المدن والعواصم العربية، إلى حالة من العنف والغضب تجعلهم غير مدركين لعواقب تصرفاتهم وأفعالهم، وغير قادرين أيضا على ضبط أنفسهم وسلوكهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
مرة أخرى فإن المقالة هذه دعوة للاهتمام بالعنف المستشري والمستفحل في بيوتنا ومدارسنا ومساجدنا وطرقنا ومؤسساتنا وأحلامنا، ولاشعورنا، وهذا الحقل الأخير (اللاشعور) هو أخطر حقول العنف التي تصنع الجريمة والانحراف والتوتر والهدر والشعور بالشقاء وتدفع إلى الإدمان والهروب وضعف الإنتاجية والسلوك غير الاجتماعي.
وما ينشر في الصحف حول هذه الجرائم يكفي لرسم سيناريو الجريمة وكيف تطورت، من التطلعات التي تفوق مستوى القدرة الاقتصادية، والتحولات الاجتماعية السريعة جدا لدرجة تتحدى قدرة الناس على استيعابها، والتهميش والنبذ الاجتماعي، وعجز الكيانات الاجتماعية والمهنية (إن وجدت) من الأحياء وروابط القرابة والصداقة والزمالة عن تشكيل الناس ومساعدتهم، وبالتالي عجز الناس أفرادا وأسرا ومجتمعات وتجمعات سكانية ومهنية عن عيش حياتهم كما يجب أن يعيشوها.
فلم يعد أسلوب الحياة ترفا أو اهتماما متخصصا أو نخبويا ولكنه ضرورة تحتاج إلى حملة وطنية تقدم فيها الأحياء والأسر والمدارس والمساجد والكنائس والنقابات والبلديات والأندية دورها في تكييف حياة الناس وعلاقاتهم ومساعدتهم في مواجهة الضغوط والتحولات ومساعدة الأفراد على توسعة وتطوير خياراتهم ومواجهة مشكلاتهم ومتطلباتهم، وتنشئة الأجيال في الأسر والمدارس والمجتمعات على قيم الفردية والحرية والمشاركة والانتماء والاعتماد على الذات وامتلاك مهارات الحياة وتعلمها أيضا.
فالمدن تنشئ أنساقا معقدة وعملاقة من المرافق والمصالح والعلاقات، ولكن مخططي المدن يغفلون التخطيط الاجتماعي والثقافي الذي يجب أن يصاحب تخطيط المدن، فالمجتمعات التي خطط لها قسرا بلا مشورة أو عفوية الأسواق والأعمال وأنماط الإقامة والسكن واللباس والطعام والذوق والعمل وأسلوب الحياة لم تمنح أي خيار في تنظيم نفسها على النحو الذي يمكنها من إدارة احتياجاتها الأساسية والتخطيط لها والرقابة عليها بفعالية، ولم يترك لها أيضا فرص التكيف العفوي والتلقائي لتنظيم نفسها وحمايتها، ولكنها عرضت لعمليات تنميط وتشكيل مقصودة.
ولكن هذه الأزمات والأعراض، مثل الجريمة والتفكك الأسري والغياب الطويل عن البيت والضغوط والتوتر والكلفة المرتفعة للمعيشة والترفيه وصعوبة وربما استحالة إقامة حياة طبيعية للأطفال والأسر والأفراد ليست قدرا حتميا في المدينة، بل العكس هو الصحيح فالمدن قادرة على أن تكون أكثر دفئا وتقليدية من الريف والبوادي، ولكن الفرق بين الريف والبادية أن نمط المعيشة يتيح تكيفا اجتماعيا وثقافيا تلقائيا من غير تخطيط، ولكنه في المدينة لا يمكن الحصول عليه تلقائيا ويحتاج إلى تخطيط مسبق، وهنا تنشأ الأزمة في التكيف ومواجهة المتطلبات الجديدة وتداعياتها.
وبطبيعة الحال فإن المجتمعات ستلجأ لحماية نفسها ومواجهة التهديد والضآلة والخوف وإغواء المدينة وتطلعاتها إلى حيل شتى، أهمها وأسهلها هو استحضار الروابط والأدوات الريفية في العلاقات والثقافة والقيم ومحاولة تطبيقها، ولكن ذلك يزيد الأزمة، لأنها أدوات ليست مستقلة بذاتها وليست أفكارا مجردة ولكنها مرتبطة حتما بأساليب الإنتاج والحماية والملكية في الريف، فلا يمكن تنفيذ سلطة الكبار على صغار يعيشون في عالم آخر يقدم أفكارا ومعطيات مختلفة تماما عما تلقاه الكبار، ولا يمكن إجبار الزوجة المستقلة في عملها ودخلها أو الأبناء الذين يعملون ويعيشون مستقلين على نمط من السلوك والثقافة لا يريدونه ولم يتعرفوا عليه ابتداء، ففي العمل والمدارس والجامعات تتشكل معارف وعلاقات وأفكار لا علاقة للوالدين والكبار والعشيرة بها.
السؤال هو كيف ننشئ منظومة اجتماعية وثقافية مدينية خاصة بالمدن، وتحمي المجتمع وتمنح الأفراد الرضا والاندماج؟
إن رسالة المجتمع ودوره في المدينة أكثر تعقيدا وتناقضا، فالمجتمع في المدينة يفترض أن ينشئ الفردانية والخصوصية ويجعلها مقدسة وهي رسالة تبدو مناقضة لرسالة المجتمع الذي يسعى لدمج الفرد فيه، كيف يكون الفرد جزءا من المجتمع مندمجا فيه وينتمي إليه وكيف يحافظ على فردانيته وخصوصيته في الوقت نفسه؟ وكيف يحمي المجتمع نفسه وأهدافه وتقاليده ويضمن الحريات الفردية والشخصية والاستقلالية التي بدونها تنهار المدن وتتحول إلى ساحات للجريمة والتوتر والقلق والتفكك الأسري والاكتئاب والشقاء والضغوط والشجارات والإدمان والهروب من البيوت وعمالة الأطفال واستغلالهم والطلاق والنزاع؟
وهكذا فإن المجتمع نفسه مطلوب منه أن ينشئ منظومة من التقاليد والسلوك الفردي، وهو مطلب ضروري يكاد يكون الضمانة الوحيدة للتمدن ولكنه بسبب تناقضه مع طبيعة المجتمع يحتاج إلى وعي وتخطيط مسبق، كيف ينشأ الأطفال في منظومة الأسرة والمدرسة وفي كل وعاء للتنشئة والحياة على قيم احترام الخصوصية والفردية، واحترام الفضاء المشترك في المدينة في الجيرة والأحياء والطرق والشوارع ومكان العمل يحميه من التلوث والضجيج والبشاعة؟
الفكرة برغم أنها تبدو مناقضة لاتجاه المجتمع ونزعته إلى إلغاء الفردية والخصوصية تبدو ممكنة التطبيق أيضا بدليل المجتمعات الغربية التي تنشئ أفرادا يتمتعون بالفردية والخصوصية الكاملة، فهذا الإيمان بالفردية والخصوصية والتمسك بها كان وراءه مجتمع مؤمن به وينشئ أفراده على هذه القيم، وأسر تنشئ أطفالها على الخصوصية وتمتنع عن التدخل في مسائلهم، وتترك لهم اختيار أفكارهم ومساراتهم وطريقة حياتهم، ولا تتدخل حتى بمعتقداتهم الدينية، وبالطبع مواقفهم السياسية فضلا عن طعامهم ولباسهم وعلاقاتهم.
نشر في جريدة الحياة في 26/ 6/2008
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[29 - Dec-2008, مساء 10:11]ـ
رفعته للفائدة.(/)
الاشاعرة: ضلال ام لا سنه ام لا كفار ام لا؟
ـ[المديني]ــــــــ[28 - Jun-2008, صباحاً 08:53]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حاولت اكثر من مرة القرائة عن المذهب الاشعري
فوجدت كلاما حول الصفات وعلم الكلام واشياء هكذا لا استوعبها
فأغلقت الموضوع
ثم ما لبث الامر وخرج مفتي مصر الصوفي: على جمعة ليقول ان الاشاعرة هم اهل السنة عبر العصور
وسمعت محاضرة كاملة للشيخ المصري سعيد عبد العظيم حفظه الله يرد على المفتي فهمت منها انهم ليسوا كذلك ولم تخلوا هذه المحاضرة ايضا مما لم استطع استيعابه
ومع قرائتي فى شرح العقيدة الواسطية قال الشيخ العثيمين رحمه الله ان الاشاعرة ليسوا من اهل السنه
وما لبثت ايضا حتى علمت ان هناك من الاشخاص والدول فى التاريخ التى اذا ذكرت سمعنا الثناء والدعاء بالرحمه لهم وهم اشاعرة كنورالدين محمود والدولة العثمانية
فأنا اليوم فى حيص بيص
اعلم ان الاشاعرة ليسوا على حق ولكن هل هم كفار ام لا ولماذا يتم الدعاء بالرحمة لنور الدين وهو اشعري
هل اذا كان لى صديق اشعري اتركه ام لا
ما مدى ضلالهم واختلافهم عن السلفيين وهكذا ...
ارجو الرد باستفاضة واسلوب سهل (ابتسامة)
وجزاكم الله كل الخير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[محمد محيسن]ــــــــ[28 - Jun-2008, صباحاً 09:34]ـ
يمكن أن تطلع على كتاب منهج الأشاعرة في العقيدة.
ـ[المديني]ــــــــ[28 - Jun-2008, صباحاً 09:45]ـ
يمكن أن تطلع على كتاب منهج الأشاعرة في العقيدة.
جزاك الله خير ا ارجو ان تبين لى هنا ما فهمته انت من هذا الكتاب
ـ[أبو رزان العربي]ــــــــ[28 - Jun-2008, صباحاً 10:40]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأشاعرة فرقة تنسب إلى مؤسسها أبي الحسن الأشعري المتوفى سنة 324 هـ لازم امام المعتزلة الجبائي وعن اخذ الاعتزال وقد وافق في كثير مماذهب اليه ابن كلاب. و لكن صح أن أبا الحسن الأشعري رجع عن مذهب الاعتزال وتبرء منه وفي ذلك نقولات كثيرة وكتبه اللتي ألفها في آخر حياته تدل على ذلك.
وأبرز ما يعتقدون به أنهم لا يثبتون لله عزوجل إلا سبع صفات وهي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والكلام النفسي والبصر. وهم مرجئة في الإيمان فعندهم يكيفي الإيمان بالقلب وهذا مخالف للسلف الصالح الذين يقولون الإيمان يكون بالقلب وعمل اللسان والجوارح. وكذلك يقدمون العقل على النقل حتى أن أحدهم قدم الذوق على النصوص الشرعية والعياذ بالله لذلك خرج عدد من علمائهم ممن تميزوا في أصول الفقه, ويرددون كلمة مشهورة طريق السلف أسلم وطر يق الخلف أعلم وأحكم حتى رد عليهم بعض أهل السنة بقوله بل طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم وطريقتكم أظلم و أجهل. وينكرون جميع الصفات الإختيارية عن الله عزوجل فيؤلون الإستواء مثلاً ويقولون الإستواء بمعنى الإستيلاء ويستشهدون بقول الشاعر قد استواء عمرو على العراق من غير سيف ولا دم مهراق أما الصفات الخبرية فيثبتونها ويفوضون معانيها إلى الله ولا شك ان هذا مخالف لما عايه السلف أنهم يثبتون لله استواءً يلقيق بجلاله من غير تكيف ولا تشبيه ولا تعطيل كما قال تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ولا شك أن مذهبه مخالف لمذهب السلف الصالح أما ما قيل عن أن الشافعية والحنفية يعتقدون به فهو في المتأخرين منهم. ويقولون بخلق القرآن خلافاً للسلف أن القرآن منزل من عند الله. وعلى هذا فنسأل الله لهم الهدايه وأن يريهم نور الحق ويلهمهم الإستقامة وبذلك هم يعتبرون من أهل البدع والآهواء. هذه مجمل عقيدتهم والله أعلى وأعلم وأحكم
أتمنى أن أكون ٌقد أو جزت وأوفيت لك بالجواب أخي الكريم
ـ[محمد عزالدين المعيار]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 04:33]ـ
اتقوا الله إخواننا فيما تقولون:
- من قال إن الأشاعرة قالوا بخلق القرآن؟
- و هل وصل الأمر إلى درجة أن نكفر الأشاعرة، وهم من أهل السنة بالقوة والفعل؟
اقرأ يا أخي بتمعن كلام الشيخ ابن تيمية في الموضوع فسترى فيه من الإنصاف ما ينبغي التحلي به في إصدار الأحكام في هذه الأمور ... واقرأ ما قاله الدكتور تقي الدين الهلالي عن عقيدة أبي الحسن الأشعري فقد أجاد وأفاد ودفع كثيرا من الأوهام العالقة بالأذهان في هذا المجال، واعلم أن كبار العلماء ما كانوا يصدرون أحكامهم على الناس بمجرد الهوى أو المخالفة وإنما عن قراءة طويلة واستيعاب عميق لما يريدون الخوض فيه فليتق طلبة العلم الله فيما يقولون وليقبلوا أولا على التحصيل إذ كيف يخوض الإنسان في مثل هذه القضايا وهو ما يزال في بداية الطريق وربما تجد بعضهم ممن لم يتخلص بعد من أبسط الأخطاء في اللغة والإملاء يقتحم مجالات الأسماء والصفات ونحو ذلك ...
ـ[وليد بن محمد الجزائري]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 05:36]ـ
أخي أبو رزان ينبغي التنبه أن إلى أن إثبات الصفات السبعة ليس إلا مذهب الأشاعرة المتأخرين (الجوينية).
أما متقدميهم فقد كانوا يثبتون الصفات الذاتية و ينفون الصفات الفعلية و من أشهرهم الباقلاني و القاضي عبد الوهاب و ابن فورك و البيهقي و حتى إمامهم الأشعري يقول بهذا القول.
أما القول بكفر الأشاعرة فغريب لا يعرف عن أحد من أهل العلم.
أما كونهم أم لا من أهل السنة و الجماعة ففيه تفصيل فما وافقوا فيه السلف فهم من أهل السنة فيه و ما خالفوا فيه السلف فهم خارجين عن أهل السنة فيه (من وافق أهل السنة في أصول المسائل فهو منهم و من خالفهم فهو ليس منهم).
أخي أبو رزان الأشاعرة ما قالوا بخلق القرآن و تفصيلهم معروف في مسألة الكلام النفسي.
و من أراد الإستزادة في المسألة هناك كتب كثيرة للشيخ تقي الدين بن تيمية تتكلم عن الأشاعرة خاصة كتابي درء تعارض العقل و النقل و بيان تلبيس الجهمية (نعم هي كتب صعبة الأسلوب نوعا ما و لكن هي أحسن الموجود و الشيخ رحمه الله هو أحسن من أنصفهم).
أما مسألة الصديق الأشعري فنترك الكلام لمن هو أهل لذلك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبد الوهاب أحد]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 05:50]ـ
عندي سؤال مهم:
لولا علماء الأشاعرة: كيف تتصورون حال العلوم الشرعية ـ فقه، أصوله، حديث، شروحه، مصطلحه، لغة عربية بجميع فروعها، قرآن وأسانيده ورسمه ووو ـ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أرجو الإجابة بإنصاف.
ـ[المقدادي]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 06:41]ـ
عندي سؤال مهم:
لولا علماء الأشاعرة: كيف تتصورون حال العلوم الشرعية ـ فقه، أصوله، حديث، شروحه، مصطلحه، لغة عربية بجميع فروعها، قرآن وأسانيده ورسمه ووو ـ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أرجو الإجابة بإنصاف.
كما تصوره علماء الأشاعرة عندما كانوا يأخذون علوم الحديث و الفقه و غيره من الأثريين المخالفين لهم في الإعتقاد
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 06:48]ـ
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الوهاب أحد
عندي سؤال مهم:
لولا علماء الأشاعرة: كيف تتصورون حال العلوم الشرعية ـ فقه، أصوله، حديث، شروحه، مصطلحه، لغة عربية بجميع فروعها، قرآن وأسانيده ورسمه ووو ـ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أرجو الإجابة بإنصاف.
نتصوره كما كان قبل ظهور الأشاعرة أصلا ..
فكان العلم بأحسن حال
ولمعتزلي أن يسأل الأشاعرة بما سألت عنه
وهكذا تجد بالتسلسل أن النبع الصافي والمنهل العذب
هو اقتفاء السلف دون التكلفات الكلامية والتقعرات الفلسفية
ـ[أبو رزان العربي]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 11:14]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر جميع من أثرى هذا الموضوع
أولاً: نحن لا نكفر الأشاعرة ولا أدري من أين أتيت بهذا الكلام. الشيء الآخر هل رأيت في هذا المقال أنني أخرجتهم من أهل السنة والجماعة.
وعن عقيدة أبي الحسن الأشعري فقد دافعة عنه في ما كتبت وأنه تراجع عن بعض ما كان يقول به مما هو مخالف لمنهج السلف والجمهور.
أما بخصوص خلق القرآن فلعله سبق قلم, ولكن عقيدتهم في القرآن هل هو كلام الله أنزله على رسوله فهم يخالفون السلف في هذه المسألة فيقولون: القرآن هو الكلام النفساني، أو يسمونه أحيانًا يقولون: معنى قائم بالذات، وأن الله -تعالى- يقولون: لما تكلم تكلم بغير حرف ولا صوت, ولا شك أن هذا مجانب للصواب. يقولون أن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ بل الصواب أن جبريل سمعه من الله بصوته وحروفه. وهذا ليس مقام بسط.
ولتعلم أخي أننا نسأ الله أن لا نكون من أصحاب الهوى, ولم ندع العلم ولكن نحب أهله. عموما بارك الله فيك أخي محمد عز الدين
وليد بن محمد الجزائري شكراً على مرورك وأعجبني تعلقيك وفقك الله أخي
المقدادي طول بالك فلم ننكر أن للأشاعرة مؤلفات جليلة وقيمة وإنما النقاش في ما يعتقدون(/)
حوار الشيخ محمد بن شاكر الشريف لمجلة أنا المسلم
ـ[محمد عبد المجيد]ــــــــ[28 - Jun-2008, صباحاً 08:55]ـ
حوار مع الشيخ محمد بن شاكر الشريف لمجلة أنا المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
أجرى الحوار/محمد المصري.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:-
هذه بعض الأسئلة التي توجهنا بها إلى فضيلة الشيخ محمد بن شاكر الشريف حفظه الله للإجابة عنها وقد تفضل مشكوراً ووافق على إجراء الحوار والإجابة على الأسئلة.
السؤال الأول
كثير من المسلمين يقرأ كتبكم ولم يتسن له التعرف عليكم عن قرب، هل تسمح للقراء بنبذة صغيرة عن حياتكم العملية والفكرية؟
الشيخ محمد بن شاكر:-ليس في حياتي العملية والفكرية كبير شيء، أبلغ من العمر 57 سنة ميلادية وحاصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وحاصل على البكالوريوس في الهندسة الإلكترونية والاتصالات، عملت مدرسا ثم إداريا والآن أكتب في مجلة البيان، أصدرت عددا من الرسائل والكتب يغلب عليها معالجة قضايا معاصرة
السؤال الثاني
ينظر البعض إلى الشريعة الإسلامية من منظور ضيق وخاصة باعتبارها مجموعة الحدود والعقوبات التي أمر الله تعالي بتطبيقها، نود من فضيلتكم أن تعرّف لنا الشريعة ومكانتها في الإسلام؟
الشيخ محمد بن شاكر:- الحدود جزء من النظام العقابي في الشريعة وليست هي الشريعة ولكن كثيرا من الناس ينظرون للحدود على أنها تمثل الشريعة نظرا لسهولة الحديث عن غياب الشريعة وبُعد الأنظمة عن الالتزام بها وذلك من خلال بيان عدم إقامتها للحدود، لكن الشريعة تشمل عند الإطلاق كل ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال قتادة: الشريعة: "الفرائض والحدود والأمر والنهي"، وقال ابن زيد: "الشريعة: الدين"، وقال القرطبي: "الشريعة: ما شرع الله لعباده من الدين، والجمع الشرائع، والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها الله لخلقه" لكن يتخصص هذا المعنى عند إضافة كلمة أخرى لها فإذا قلنا مثلا الشريعة والعقيدة، كان المراد بالشريعة الأحكام الشرعية العملية، وبالعقيدة القضايا العقدية الإيمانية وإذا قلنا الشريعة والحقيقة كان المراد بالشريعة أعمال الجوارح والمراد بالحقيقة أعمال القلوب، لكن الشريعة اسم عام يتناول كل هذه التقسيمات، والشريعة مكانتها في الدين عظيمة إذ هي الدين كله
السؤال الثالث
يحصر البعض مفهوم الوعي السياسي بدخول الإسلاميين في المجالس الشعبية والبرلمانات،نرجو منكم توضيح الخلل في هذا التصور ومنشئه،والتصور الصحيح لمفهوم الوعي السياسي؟ الشيخ محمد بن شاكر:- الوعي السياسي لا يرتبط بدخول المجالس الشعبية التي تقوم على إسناد التشريع في أمور الدولة والمجتمع للشعب، وهذه بخلاف المجالس الخدمية ونحوها التي لا دخل لها في التشريع، بل لو قلنا إن دخول هذه المجالس التشريعية دليل على عدم الوعي السياسي لكان أصدق وأدق، والخلل في هذا تصور الوعي السياسي على النحو المتقدم راجع إلى ضعف العلم الشرعي عند من يقولون ذلك، ولو أردنا أن نبين شيئا فنقول ماذا حقق هؤلاء الداخلون سوى إضفاء نوع من الشرعية على الأنظمة المحادة لله ورسوله، والسياسة في الواقع لا تكون سياسة حقا أو منتجة لما يراد منها إلا إذا ارتبطت بالدين، فالدين يعصمها من الانزلاق في كثير من المهالك، والموضوع طويل لا تتسع له هذه الكلمة الموجزة وإنما يكفي في هذه الكلمة تسجيل موقف، ومن أراد التوسع في معرفة ما أقول فيمكنه مراجعة كتابي "المشاركة في البرلمان والوزارة عرض ونقد"
السؤال الرابع
في هذه الفترة تزايد خطر النصارى وأستفحل سواء في مجال الحرب أو الإعلام،ما نصيحتكم للشباب المسلم لمواجهة هذا الخطر الداهم؟
الشيخ محمد بن شاكر:- الحقيقة أن المسألة وصلت لدرجة لا تحتمل، وذلك في ظل ضعف الأنظمة أمام ضغوط العالم النصراني، ومجالات العمل كثيرة، لكن لا ينبغي للناس كلهم أن يصرفوا همهم لذلك فهناك كثير من الميادين التي تحتاج إلى جهودهم، بل يكفي فيما يظهر لي أن تنتدب لذلك الأمر طائفة من طلبة العلم الذين لديهم دراية واسعة بفرق النصارى وأقوالهم الضالة، والحقيقة أن لا عقلانية دين النصارى كافية لمن تأملها جيدا في معرفة فسادها وضلالها وأن دين النصارى لا يمكن أن يكون رسالة من عند الله، إذ ليس في ما يأمر الله به هذه الأمور التي تخالف الفطرة التي فطر الناس عليها
السؤال الخامس
ما أوجه الاستفادة الدعوة الإسلامية من الانترنت؟
الشيخ محمد بن شاكر:- الانترنت لا شك أنه وسيلة مهمة جدا من وسائل الاتصال حيث يخترق كل الحجب رغما عن كل أحد لكنه في الوقت نفسه له مفاسد كثيرة ومعلومة، وكل ما يمكن الاستفادة منه في الكتاب والشريط والمحاضرة والدرس كل هذا يمكن تحقيقه من خلال النت، والذي ينبغي علينا أن لا يكون دخولنا للنت هو فقط للمشاهدة والمطالعة وقضاء الوقت بل ينبغي لكل من لديه ما يعطيه من الخير أن يقدم في هذه الوسيلة السهلة المجانية وأن يختار لها الموقع المناسب لها
وأخيرا كلمة أخيرة منكم إلى منتدى أنا المسلم. الوقت العمر فمن أضاع وقته أضاع عمره، والمطلوب عمله كثير فعلينا بالأولى ثم الذي يليه، ولا يشغلنا العمل والدعوة عن عبادة الله، فالداعي إلى الله في هذه الأزمان تمر به فترات شدة يحتاج فيها إلى التثبيت، ومن كان له نصيبه من العبادة المخفية فإن الله تعالى يثبته حين تزل الأقدام، نسأل الله من فضله التثبيت في الحياة وفي الممات وأن لا يجعلنا إلا ناطقين بالحق وإلا ساكتين عن قول الباطل.
وفي ختام حديثنا مع الشيخ محمد بن شاكر الشريف لا يسعنا إلا أن نقدم الشكر لفضيلة الشيخ على سعة صدره وموافقته على إجراء الحوار رغم انشغاله بكثير من الأعمال فجزاه الله خيرا.
رابط لتحميل مجلة أنا المسلم
http://www.islamway.com/index.php?iw_s=library&iw_a=bk&lang=1&id=2211
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد عبد المجيد]ــــــــ[02 - Oct-2008, مساء 05:13]ـ
الحوار وموضوعات أخرى مفيدة
http://www.islamway.com/index.php?iw_s=library&iw_a=bk&lang=1&id=2611
ـ[أوان الشد]ــــــــ[08 - Oct-2008, مساء 04:59]ـ
الكاتب محمد عبد المجيد أشكرك على نقلك لهذا الحوار مع الكاتب المتميز محمد بن شاكر الشريف
وأشكرك أخي في العموم على حسن اختيارك لموضوعك.
وإن كنت تمنيت من موقع أنا المسلم أن يوسع الحوار قيلاً لزيادة الفائدة، لأن لدى الشيخ أكثر من ذلك ليقوله والقراء بحاجة للاستيعاب في محاور الحوار لأمثال هذا الكاتب.
ـ[محمد عبد المجيد]ــــــــ[24 - Oct-2008, مساء 03:39]ـ
جزاك الله خيرا أخي أوان الشد.
وبالنسبة لملاحظتك إليك الآتي:-
1 - الحوار مع مجلة أنا المسلم وليس الموقع وإن كانت المجلة تابعة للشبكة.
2 - الحوار كان مختصر نظراً لظروف الشيخ حفظه الله.
3 - إن شاء الله هناك حوار مطوّل سيجرى مع الشيخ إن شاء الله ونرحب بأسئلتك إن أحببت.
جزاك الله خيرا.
أخوك /محمد بن عبد المجيد المصري.(/)
أزمة العقل الليبرالي والتجني على شيخ الإسلام ابن تيمية
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[28 - Jun-2008, مساء 02:49]ـ
تعكس الكتابات الأخيرة في التيار الليبرالي السعودي حالة الإرباك والضعف التي يعيشها هذا التيار وقصوره عن تقديم إنجازات ورؤى فكرية جادة تنزل إلى وعي الجماهير أو تقدم قناعات حقيقية قادرة على اختراق صفوف الممانعة في التيار السلفي التقليدي في السعودية.
فبعد سقوط خيارات التيار الليبرالي السعودي الدعائية والترويجية بالضرب على وتر الإصلاحات الحقوقية والسياسية وفشله في الاستفادة من التشويشات التي ألحقها بعض أبناء هذا التيار ممن تبنوا الخط العنفي، لجأ التيار إلى ممارسة أسلوب النقد التشكيكي والهدمي على الفكر السلفي وامتداداته في الفكر الإسلامي عامة، بغرض تقويض البنى المفاهيمية التي يشكل فيها الموروث العلمي والفكري لشيخ الإسلام ابن تيمية أهم الأعمدة المنهجية والفهمية فيه.
في هذا السياق، تناول مؤخرا سعود السرحان - سلفي سابق وليبرالي سعودي صاعد - بحثا مثيرا للجدل بعنوان " الحكمة المصلوبة: مدخل إلى موقف ابن تيمية من الفلسفة " حاول فيه توضيح الموقف الذي يدعيه على الواقع العلمي والثقافي في المملكة العربية السعودية، وهو الموقف الذي يحاكي الفكرة التقليدية المتجددة لليبراليين الحداثيين العرب، أمثال أركون، الجابري، أبو زيد، وحسن حنفي .. الخ، حيث الدعوة إلى إقامة مفاصلة عقلانية في الفكر والموروث الإسلامي جملة، وتحديد لحظة الجمود فيه بلحظات الأئمة الذين قادوا مراحل الفكر الإسلامي، ومن ثم تجاوز اجتهادا تهم؛ بحجة تأهيل الفكر الإسلامي إلى اجتهاد حداثي عصراني جديد، لنجد الجابري مثلا يكرس لحظة هذا الجمود بلحظة الغزالي، واركون وأبو زيد في لحظة الشافعي، وحسن حنفي في لحظة شيخ الإسلام ابن تيمية، وتجددها ادعاءات السرحان المتمذهب بمذهب حسن حنفي وعبد المتعال الصعيدي وسعيد فودة - اشعري - في البعد الفلسفي عند شيخ الإسلام، بحجة أن ابن تيمية لم يكن فيلسوفا بقدر ما كان ملفقا ومدعيا للفلسفة ومنتجا لحالة التكلس فيها.
فلحظة ابن تيمية كما يراها سعود السرحان؛ قد أوقعت العقل السلفي في أزمة التقليد وصناعة القوالب الفكرية الجامدة التي تعامل بها السلفيون مع تراث ابن تيمية الفلسفي، الذي لم يكن على كل الأحوال فيلسوفا حقيقيا بقدر ما كان ملفقا لموقفه الفلسفي من أقوال من سبقه من الفلاسفة والمناطقة المسلمين، مستفيدا في ذلك أيضا من مماحكاتهم وسجلاتهم الفلسفية، واعتماد ابن تيمية على مصادر غير دقيقة في إيراد مقالات فلاسفة اليونان، ناهيك انه كان يتبع منهجا نفعيا في كل ذلك.
في كتابه " الهادي والهاذي: ابن تيمية جلاد الحكمة المصلوبة " تصدى عبد الله بن عبد العزيز الهدلق لتلك الادعاءات التي انتصر بها سعود السرحان لخطه الليبرالي الجديد بعد انقلابه على المدرسة السلفية، وقد رافع الهدلق عن شيخ الإسلام مرافعة موضوعية وحقيقية غير متحيزة، تضمنت الكثير من الأدلة والشهود العلمية التي تؤكد العقلية الفلسفية التي تمتع بها شيخ الإسلام منذ نعومة إظفاره وكاشفا في ذات الوقت هزل تلك التلفيقات والافتراءات السرحانية.
فادعاء السرحان فقر الموروث العلمي الفلسفي عند ابن تيمية بحجة ما تجسده الحالة العلمية السلفية على الواقع الثقافي السعودي بعدم توافر كليات الفلسفة في الجامعات السعودية، في الوقت الذي ينصب فيه هذا الواقع الثقافي على التراث الديني من تفسير وحديث وفقه .. الخ، ليس دليل البتة على عدم وجود مساقات فلسفية عن فلسفة ابن تيمية في الجامعات السعودية، لأن المساقات نفسها متضمنه لهذه الفلسفة، وهذا معروف ليس عند التيار السلفي فحسب؛ بل عند من لا ينتسبون إلى مدرسة شيخ الإسلام من ليبراليين وعلمانيين وإسلاميين آخرين أمثال علي عبد الرازق وأبو يعرب المرزوقي ومحمد جلال شرف وعبد الفتاح احمد فؤاد ومحمد عمارة وعبد الحليم أجهر .. الخ، فكلهم يؤكدون أن ابن تيمية كان فيلسوف السلفية وحكيمها، وانه كان خبيرا في الفلسفة اليونانية فضلا عن معرفته الواسعة بالمذاهب الفلسفية الإسلامية وفلاسفة الإسلام وناقدا ممعنا في الفلسفة الارسطية بخاصة.
(يُتْبَعُ)
(/)