وقال أيضاً: "فأما من طعن فيهم ممن سبهم وتسمى بالزيدية، فقد أخطأ الخطأ العظيم، وحاوب في أمره الصراط المستقيم، وتعدي ذلك كان منه لما سمع من خرافات الرافضة من الإمامية وغيرهم من الإسماعيلية ولا يعين مسلم عاقل بذلك؛ لأنه طعن في أصل الإسلام، وتحصل بسببه قدح في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ... " (28).
الخامس عشر: السيد محمد بن أحمد بن محمد الكبسي في كتابه (الفروق الواضحة البهية بين الفرق الإمامية وبين الفرقة الزيدية) فقال:"الفرقة الزيدية كما تحب الإمام علي، فهي تحب صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد مدحهم الله في كتابه العزيز: [وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ] {الأنفال:74}.
ومن هذا الاتجاه الصحيح في حب الإمام علي عليه السلام حباً لا غلو فيه ولا اعتداء، مع الاحتفاظ بحق إخوانه من الصحابة والقرابة والترضي عنهم، كما ترضى الله عنهم في كتابه. كفيف لا نحبهم وهم العدول الأبرار الناقلون إلينا كتاب الله وسنة المختار" (29).
ثم قال السيد الكبسي:" فمن هذا الاتجاه يتضح الفرق بين الزيدية وبعض من ينسبون إلى الشيعة ويتناولون أعراض الصحابة الأخيار، وهذا من أبرز السمات الفارقة بين الزيدية وغيرهم ... كالباطنية" (30).
السادس عشر: ممن حكى هذه القاعدة وعمل بها: السيد العلامة حمود بن عباس المؤيد في الفتوى التي نشرت في العدد السابق (ص34). جاء فيها:
س: فضيلة سيدي العلامة الجليل حمود عباس المؤيد، حفظكم الله وأبقاكم وسلام من الله عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك بعض الحاقدين يرددون أنكم لم تنكروا على من يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يسب عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم في سؤال وجهوه إليكم، ونحن نعلم أنكم من أعلام المذهب الزيدي المعروف بحمايته لجناب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن الرفض، فيرجى التوضيح، والله يحفظكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ج: حفظكم الله وعافاكم، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم قد مدحهم الله تعالى في القرآن الكريم بقوله تعالى: [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ] {الفتح:29}. إلى آخر السورة وعائشة هي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وقد برأها الله مما قاله أهل الإفك بعدة آيات في سورة النور في القرآن الكريم، والرسول يقول: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" فكيف بأصحابه ونسائه، فهذا ما ندين الله به، ومن نسب إلينا غير هذا، فعليه إثم الباهتين المفترين.
حمود عباس المؤيد.
نصيحة الإمام الشوكاني لأبناء الزيدية:
وبعد أن ذكر الإمام الشوكاني جملة من أقوال الأئمة السالف الذكر وجه نصيحة لأبناء المذهب الزيدي قائلاً:
"فيا من أفسد دينه بذم خير القرون، وفعل بنفسه ما لا يفعله المجنون، إن قلت: إنك اقتديت في سبهم بالكتاب العزيز، كذبك في هذه الدعوى من كان له في معرفة القرآن أدنى تبريز؛ فإنه مصرح بأن الله جل جلاله قد رضي عنهم ومشحون بمناقبهم ومحاسن أفعالهم، ومرشد إلى الدعاء لهم" (31).
وإن قلت: اقتديت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المطهرة. قام في وجه دعواك الباطلة العاطلة ما في كتب السنة الصحيحة من مؤلفات أهل البيت وغيرهم، من النصوص المصرحة بالنهي عن سبهم وعن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأنهم خير القرون، وأنهم من أهل الجنة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عنهم، وما في طي الدفاتر الحديثية من ذكر مناقبهم الجمة، كجهادهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيعهم نفوسهم وأموالهم من الله ومفارقتهم الأهل والأوطان والأحباب والأخدان، طلباً للدين ومن مساكنة الجاحدين ..
وإن قلت أيها الساب لخير هذه الأمة من الأصحاب: إنك اقتديت بأئمة أهل البيت في هذه القضية الفضيعة. فقد حكينا لك في هذه الرسالة إجماعهم على خلاف ما أنت عليه من تلك الطرق (32).
(يُتْبَعُ)
(/)
وإن قلت: إنك اقتديت بعلماء الحديث أو علماء المذاهب الأربعة، أو سائر المذاهب. فلتأتنا بواحد منهم يقول بمثل مقالتك، فهذه كتبهم قد ملأت الأرض، وأتباعهم على ظهر البسيطة أحياء، وقد اتفقت كلمة متقدميهم ومتأخريهم على أن من سب الصحابة مبتدع، وذهب بعضهم إلى فسقه، وبعضهم إلى كفره ..
وإن قلت: أيها الساب: إنك اقتديت بفرقة من غلاة الإمامية فنقول: صدقت، فإن فيهم فرقة مخذولة تصرح بسب أكابر الصحابة وقد أجمع على تضليلهم جميع علماء الإسلام من أهل البيت وغيرهم، وهم الرافضة، الذين رويت الأحاديث في ذمهم (33).
ختاماً: وبعد ذكر هذه النقولات لسادات وأئمة آل البيت عليهم السلام في نظرتهم لعدالة صحابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحكمهم بالتكفير والتفسيق لمن طعن فيهم وفي عدالتهم، يتضح لنا ما قررناه سابقاً أن الرفض الذي وقع فيه بعض دعاة المذهب الزيدي الهادوي، إنما هو دخيل على هذا المذهب. وندعو أعلام الفكر الزيدي الهادوي إلى الأمور التالية:
1) اتخاذ المرجعية التي عرفت بالاعتدال أمثال: السيد العلامة الوالد محمد زبارة رحمه الله، والوالد محمد بن محمد المنصور، والقاضي العلامة مفتي الجمهورية الوالد أحمد الجرافي، والقاضي العلامة الوالد محمد بن إسماعيل العمراني، والسيد العلامة حمود بن عباس المؤيد، وغيرهم ممن عرف بالإصلاح وطلب الخير بين الناس. وتركنا منتسبي المذهب الزيدي ممن صاروا جارودية وجعفرية وخرجوا من المذهب الهادوي.
2) بث روح التسامح المذهبي في صفوف أبناء الأمة، كما نادى بذلك كبار أئمة الهادوية كالقاضي عبد الله بن الحسن الدواري – سلطان العلماء عند الزيدية- والإمام المنصور على بن صلاح، وغيرهما من أبناء المذهب الزيدي ممن عرفوا بالتسامح.
3) تبيين موقف الزيدية من المذهب الجعفري (الشيعة الرافضية).
4) الحفاظ على أصول مذهب الإمام زيد بن علي التي كانت في بلاد الجيل والديلم.
5) الاعتماد على كتب السنة الحديثية، حيث استفاد منها أئمة الهادوية، كالإمام يحيى بن حمزة والإمام الناصر محمد بن الإمام المهدي.
6) الرجوع إلى أوائل الكتب الحديثية لأئمة الزيدية، (كالجامع الكافي) و (آمالي أحمد بن عيسى) وأصول الأحكام.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــ
(1) (1/ 583).
(2) انظر: (إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي) للشوكاني (2/ 840) مع الفتح الرباني.
(3) انظر: (إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي) للشوكاني (2/ 841) مع الفتح الرباني.
(4) يقصد بها أجزاء من بلاد اليمن الواقع تحت فكر المذهب الهادوي.
(5) يقصد بهم أئمة الزيدية.
(6) المقصود بهم الخلفاء الثلاثة عدا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(7) وهذا هو مذهب أئمة الزيدية في بلاد الجيل والديلم وأئمة الزيدية في بلاد اليمن في القرون الأولى.
(8) انظر "الإيضاح لما خفي من الاتفاق على تعظيم صحابة المصطفى للسيد يحيى بن الحسين بن القاسم، مخطوط (ق: 12). و (إرشاد الغبي) للشوكاني" (2/ 842) مع "الفتح الرباني".
(9) إرشاد الغبي (2/ 842).
(10) انظر (الإيضاح) مخطوط: (ق: 18 - 19)، و (تنبيه الغبي في مذهب آل البيت في صحب النبي): (2/ 851) و (إعمال المشرفي في قطع رؤوس أباطيل الشرفي) للسيد يحيى بن المطهر (مخطوط).
(11) الإيضاح لما خفي من الاتفاق على تعظيم صحابة المصطفى (ق:13).
(12) الإصابة فيما يجب من رعاية حق الصحابة: (ق:17).
(13) المصدر السابق: (ق:18)
(14) (شفاء الأوام) للأمير الحسين (3/ 495، 496).
(15) (وبل الغمام على شفاء الأوام) (3/ 495، 496).
(16) انظر: (الإيضاح) (ق:22)، و (إرشاد الغبي) (2/ 848) مع الفتح.
(17) المصدر السابق.
(18) (الإيضاح مخطوط): (ق: 22)
(19) المصدر السابق.
(20) البيان الشافي، مخطوط.
(21) (الثمرات اليانعة) (5/ 221).
(22) (الإيضاح) مخطوط: (ق:17).
(23) (شرح الأثمار) مخطوط (ج:1).
(24) (الإيضاح): (ق: 25).
(25) المصدر السابق.
(26) (الإيضاح لما خفي من الاتفاق على تعظيم صحابة المصطفى) مخطوط: (ق: 22).
(27) (إرشاد الغبي) مع الفتح الرباني (2/ 847).
(28) المصدر السابق: (ق: 17).
(29) انظر (الفروق الواضحة البهية) ص (25 - 26).
(30) المصدر السابق ص (26).
(31) إرشاد الغبي: (2/ 853 - 856) مع الفتح الرباني.
(32) المصدر السابق (2/ 855).
(33) نفس المصدر السابق.
المصدر: (المنتدى- العدد 89 - 90 - ذو القعدة/ ذو الحجة 1425هـ - الموافق ديسمبر 2004/ يناير 2005م)
http://www.al-yemen.org/vb/showthread.php?p=4212883&posted=1#post4212883
وعسى لايأتي من يتهمنا بأننا نروج للمذهب الزيدي ...
ـ[سراج بن عبد الله الجزائري]ــــــــ[07 - May-2008, مساء 09:23]ـ
الأخ هزبر لوّنها جيّدا و كبّرها جيدا
و سأقوم بهذا نيابة عنك:
وعسى لايأتي من يتهمنا بأننا نروج للمذهب الزيدي ...
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الهزبر]ــــــــ[07 - May-2008, مساء 10:51]ـ
ولكل امرىء مانوى!
ـ[جمال الشامي]ــــــــ[17 - May-2010, صباحاً 09:40]ـ
الأخ هزبر لوّنها جيّدا و كبّرها جيدا
و سأقوم بهذا نيابة عنك:
وعسى لايأتي من يتهمنا بأننا نروج للمذهب الزيدي ...
قال العلامة صالح بن مهدي المقبلي رحمه الله: ((فأما المذاهب الأربعة في مكة المشرفة وسائر وطاءة الأروام فعلى هوى الدولة , ولكنه قد تطاول ذلك وصار ديناً , فظنوه كذلك حتى يظن الناشئ الطالب للعلم أن مسى الزيدي يقرب من مسمى اليهودي!)). العلم الشامخ ص480.
ولذلك فإن كاتب المقال لا يريد ان يتهم بأنه يروج للمذهب الزيدي أو اليهودي!
وقال العلامة المقبلي رضوان الله عليه: ((قال لي بعض من أنس بي في مكة - وهو مغربي من أهل مراكش وهو ذو دعوى عريضة في فنون العلم وفي الطريقة مع نوع شطارة - فقال لي: أنا لا أدري ما الزيدية؟ إنما عندي لهم من البغض ما لا حد له , فأخبرني بشيئ من مقالتهم.
قال المقبلي: فاعجب لمن يبغض طائفة كبيرة من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم مطبقين لليمن من قديم الزمن , وقد عرف أن الحكمة يمانية والإيمان يمان , وأنهم أرق أفئدة وألين قلوباً , فما بال هذا الواصف النبوي خص من لم يكن من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليمن , أو من يلوذ بهم)). ص481 - 482.
كل هذه النظرة للمذهب الزيدي كانت في عصر العلامة المجتهد صالح بن مهدي المقبلي رحمه الله المتوفي سنة 1108هـ , وللأسف لا زال الكثير ينظر للزيدية كما ينظر لها في عصر المقبلي.(/)
تعقب محقق كتاب فتاوي ابن الصلاح حول مسألة التوسل
ـ[أبو الوليد المغربي]ــــــــ[07 - May-2008, مساء 08:49]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم. قال الدكتور محمد السناري محقق كتاب"فتاوي ابن الصلاح".طبعة دار الحديث بالقاهرة. ص 95بعد قول ابن الصلاح
"وذلك أن كرامات الأولياء من أمته واجابات المتوسلين المتوسلين به في حوائجهم وشدائدهم ومغوثاتهم عقيب توسلهم به في شدائدهم براهين له صلى الله عليه وسلم قواطع ومعجزات له سواطع لايعدها عد".
علق محقق الكتاب على هذه الفقرة بقوله
"التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم مسألة خلافية قديمة والراجح فيها المنع ان شاء الله.لكن القائلون بالجواز والاستحباب أكثرهم أئمة سادة. وفقهاء عظام.
فلا ينبغي التثريب عليهم في مسائل الاجتهادفمن شنيع ما يؤسف له: أن بعض من انتدب نفسه لتحقيق تراث الأقدمين اذا وقف على جملة لصاحب الكتاب يتوسل فيها بالنبي عليه الصلاة والسلام فيقول متسرعا"هذا شرك"" هذا كفر" أو يرمي نفس الإمام بذلك وهذه المصيبة لا كاشف لها الا الله.وقد قلنا كثيرا: بأنه لا يجوز التشنيع ولا التبديع فضلا عن الرمي بالزندقة والشرك ونحوهما في مسائل الاجتهاد مع الذين وصلوا الى هذه المرتبة من العلماء. نعم نحن لا نرى جواز التوسل بذات النبي ولكن لانفسق ولا نبدع من ذهب الى استحباب ذلك اذا كان مجتهدا. أما المقلد والجاهل فلهما حكما خر فانتبه لهذا جيدا."
نرجوا من الإخوة التعليق على هذا الكلام في انتظار التعقيب الذي سأقوم به. والمانع منه الان ضيق الوقت. علما بأن المحقق قد حقق الكتاب تحقيقا جيدا وتعقب المؤلف في كثير من المسائل.
ـ[أبو عبد الله البيلى]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 03:29]ـ
سؤال فقط لأخينا أرجو أن ينظر فيه قبل أن يتحفنا بتعليقه؟
أليس قد قال بهذا أحمد؟
حتى أرى تعليقك أخى الحبيب، أظن أن الشيخ لم يخطىء جزاه الله خيرا.
ـ[أبو الوليد المغربي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 09:07]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم. أخي الكريم أنقل لك جواب الشيخ الألباني رحمه الله عن هذا الإشكال في جوابه عن الأسئلة الكويتية.
التي قام بتفريغها وطبعها الشيخ عمرو عبد المنعم سليم مع التعليق عليها. جاء في الكتاب جوابا على سؤال وجه للشيخ الألباني رحمه قال:
"أما صحة ذلك على الطريقة الحديثية فلا نستطيع اثباتها وليس كل قول ينقل عن امام من أئمة المسلمين بامكاننا أن نثبته على طريقة علماء الحديث ..
ولكن لا يسعنا الا ان نعتمد على العلماء الذين سبقونا زمنا وعلما ولا يسعنا الا أن نعتمد عليهم فيما ينقلونه من أقوال وروايات.
حتى يتبين لنا خطؤهم في ذاك النقل. كون الإمام أحمد أجاز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم. أذكر أنني قرأت ذلك قديما في رسالة التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية فهو ينقل ذلك كقول عن الإمام أحمد أجاز التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام.
وكما قلت انفا ما دام ابن تيمية ينقل ذلك وهو موضع ثقة والاعتماد عليه فيما ينقل. فنحن نقول بما نقل حتى يثبت عندنا ضغق ما نقل هذا بالنسبة لجواب السؤال.
لكني أريد أن أذكر شيئا مهما في اعتقادي بالنسبة لمثل هذا القول: لاضرر علينا أن يثبت عن الإمام أحمد هذا القول أو لايثبت.
كلاهما بالنسبة الينا سواء ذلك لأننا لسنا أحمديين. وانما كما سبق أن قلت انفا: نحن نقدر هؤلاء الأئمة ونجلهم ونستفيد من علمهم و مناهجهم. لكننا لا نسلم قياد عقيدتنا وأركاننا لهم. الا من تبين لنا أن الحق معه.
فاذا: اذا كان هذا النقل من ابن تيمية عن الإمام أحمد أنه كان يجيز ذلك وأن دليله في ذلك هو حديث الأعمى وحين دراسة الحديث يتبين أنه لايفيد التوسل بالنبي بعد موته.لأن الأعمى توسل بدغاء النبي كما هو مشهور في نفس كتاب ابن تيمية.
وكما زدت بيانا في رسالتي"التوسل أنواعه وأحكامه".وحديث الأعمى كله يدور على التوسل بدعاء النبي عليه السلام فاذا لايجوز لنا أن نقول بأنه يجوز التوسل الان بالرسول صلى الله عليه وسلم.لأنه لا يمكن أن نبلغه ما الذي نحن نريد أن يدعوا لنا ربه. ولا نحن نستطيع اذا هو دغاء-مثلا-في حالة البرزخ أن نعرف أنه دعا. فالقضية في حديث الأعمى لها علاقة بحياته.
ولا علاقة له بوفاته".
وقال الشيخ عمرو عبد المنعم سليم في تعليقه
(يُتْبَعُ)
(/)
"كل من نسب الى الإمام أحمد رحمه الله اعتمد على نص مجمل لايمكن من خلاله معرفة صفة التوسل الذي قال به امام أهل السنة
والأثر في عصره ...... بل الذي أكاد أجزم به أن المراد بالتوسل به هو التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته.لأن المنقول عن أحمد المنع من الإستعاذة بالمخلوق وحكمها حكم التوسل"اه.
ـ[أبو الوليد المغربي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 09:48]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بالنسبة للتعليق على كلام الدكتور محقق الكتاب فهو كالتالي:
وكما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه التوسل والوسيلة. وكما ذكر الشيخ الألباني في كتاب التوسل وكما ذكر كثير من أهل السنة المعاصرين وغيرهم.
أن المسألة لا تدخل ضمن الخلاف المعتبر الذي لا يأثم من يأخذ بأحد القولين فيه. كما ذكر الدكتور المحقق.
فمسألة التوسل بجاه النبي تدخل ضمن خلاف التضاد الذي لا شك أن السنة في أحد القولين و البدعة في القو ل الاخر.
والذين استدلوا بحديث الأعمى في جواز ذلك نقول لهم ليس في الحديث ما يدل على جواز ذلك. وخصوصا أن منهجنا هو اتباع الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح. فننظر كيف فهم الصحابة هذا الحديث. لم ينقل الينا حسب علمي من بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أنه فهم من الحديث جواز التوسل بجاه النبي وذاته الشريفة. ولم نعلم أنهم توسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة المبتدعة. ولو فعلوا لنقل الينا. من هنا يتبين لنا أن هذه الطريقة مبتدعة لا أصل لها في دين الله.
وهذا المسألة لا اجتهاد فيها كما ذكر الدكتور لأن النص الذي بين أيدينا لا يدل من قريب أو بعيد على جواز التوسل بجاة النبي.
وبالتالي فالذي يحقق تراث الأقدمين ثم يتعقبهم في مسألة التوسل نقول أنه فعل الصواب وأنكر البدعة في الدين.
خصوصا أن من يأخذ هذا القول فانه يدين الله به فلماذا التشنيع عليه؟؟؟
أما قوله
"أن بعض من انتدب نفسه لتحقيق تراث الأقدمين اذا وقف على جملة لصاحب الكتاب يتوسل فيها بالنبي عليه الصلاة والسلام فيقول متسرعا"هذا شرك"" هذا كفر" أو يرمي نفس الإمام بذلك وهذه المصيبة لا كاشف لها الا الله."
هذا كلام مبالغ فيه لاحقيقة له فلا نعلم أن محققا تعقب أحد الأقدمين في تحقيقاته واتهمه بالشرك والكفر بمجر أنه توسل التوسل المبتدع فالأمر لا يعدوا أن يكون بدعة ولا يرقى الا درجة الشرك والكفر الا بقرائن وضوابط وشروط.
أما من أجاز التوسل بجاه النبي من الأئمة المجتهدين المتقدمين فان كان هذا ما فهموه من الحديث وما أداهم اليه اجتهادهم فلا يوصفون ببدعة لأنهم لم يتعمدوا مخالفة الحديث فيكون مخطئين لهم أجر واحد.
وأما من تمسك بهذا القول بعد ظهور الحق له و ثبوت الحجة عليه فلا شك أنه مبتدع.
وفي الأخير فان قول ابن الصلاح الذي هو سبب في كل هذا وهو قوله:
"واجابات المتوسلين المتوسلين به في حوائجهم وشدائدهم ومغوثاتهم عقيب توسلهم به في شدائدهم براهين له "
هذا الكلام مجمل وغامض وكأنه لا يريد التوسل المذكور بل يقصد الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم الشركية والله أعلم.
ـ[محمود بن سالم الأزهري]ــــــــ[20 - Sep-2008, مساء 09:11]ـ
أعتقد أخي الكريم ان الشيخ المحقق لكتاب قد أجاب عليك في نفس مداخلتك المقتبسة عنه وهذه هي الإجابة
نعم نحن لا نرى جواز التوسل بذات النبي ولكن لانفسق ولا نبدع من ذهب الى استحباب ذلك اذا كان مجتهدا. أما المقلد والجاهل فلهما حكما خر فانتبه لهذا جيدا."
وما نهي عنه المحقق أخي الكريم هو التبديع والرمي بالشرك للعلماء ممن أجاز ذلك فالأصل التحقق من النية
والله أعلم
ـ[أبو المظَفَّر السِّنَّاري]ــــــــ[03 - Oct-2008, مساء 04:11]ـ
السلام عليكم أيها الأخوة النبلاء
فأنا محقق كتاب فتاوي بن الصلاح طبعة دار الحديث
وقد أخطأ أخي أبو الوليد في معرفتي واسمي معا
فلست الدكتور محمد السناري كما يقول
إنما أنا العبد الفقير الحقير أبو المظفر سعيد بن محمد السناري وحسب
وأنا أشارك في عدة منتديات باسم النوراني فليعلم هذا جيدا
أما بشأن مناقشة كلامي في مسئلة التوسل السابقة فأنا متحفز للأخذ والرد والتعليل
ولا أرى ذلك يصلح إلا إذا رغب في ذلك إخواني هنا
فاسمحوا لي أن أبصر ما يدل على قبولكم لي واستضافتكم إياي
وإلا حسبي تلك الكلمات هنا
والسلام عليكم معشر الأفاضل
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو الوليد المغربي]ــــــــ[03 - Oct-2008, مساء 08:43]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم. مرحبا بالأستاذ سعيد السناري شرفت هذا المنتدى.تفضل ولا ترى في تعليقي إساءة أو شيئا من هذا القبيل فالكل يؤخذ من قوله ويرد.
ـ[أبو المظَفَّر السِّنَّاري]ــــــــ[05 - Oct-2008, مساء 01:39]ـ
السلام عليك أخي الفاضل وعلى عباد الله الصالحين، وبعد:
الموضوع عندي أكبر من مجرد اختلاف الآراء في مسئلة!! مثل ما نحن بصدده هنا!! كلا وربي،بل الخطب جد خطير، والمصاب فادح مستطير!! فقد استقر وثبت لدى الجميع أنه ما سلم أحد من هفوة كائنا من كان ولا أستثني!! اللهم إلا أن يكون يحيى بن زكريا عليهما السلام!! وقد صح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإذا أصاب فله أجران) والحاكم هنا: هو المجتهد في أحكام الشريعة لا غير، فكل من كان سبيله بذل الوسع في فهم النصوص، وتطبيقها على الجزئيات المستنبطة عنده، مع توفر آليات الاجتهاد لديه، يشمله نص المعصوم المشار إليه آنفا، لكن هناك من يأبى إلا التفريق بين مسائل الاجتهاد في الاعتقاد والفروع!! فيرى المخطئ: آثما، ملوما، وربما مبتدعا زائغا!! في مسائل العقيدة دون الشريعة!! فالخطأ في الثانية: هو الذي يؤجر عليه صاحبه وحسب!! أما الأولى: فما يقبل منه فيها إلا الصواب المحض عنده!!
بل ويدور حال ذالك المخطئ بين الجهل والتبديع!! وربما الزندقة وما فوقها!! هكذا يحلو للبعض دائما!! فليس المخطئ المجتهد في الاعتقاد يكون له من وجوه الاعتذار عنه مثلما يكون لذاك المخطئ في مسائل الطهارة والصلاة وسائر أحكام الشريعة!!
كذا!! كأن نصوص الاعتقاد كلها قطعية الثبوت قطعية الدلالة عندهم!! وبذالك استباح هؤلاء: أعراض خلق من عظماء الأمة، وجبال الأئمة!! ووصفهم بالجهل والبدعة والتلبيس والتدليس والمروق!! بل الزندقة والكفر المحض!! ولست ممن يرسل الكلام على عواهنه، أو يتكلم بالجزاف!! بل الأمثلة عندي مبسوطة لدي في كتبي وأدراجي، ويضيق المقام جدا عن شرح ذلك هنا، و
حسب النبيه إشارة مكتومة::::::: وسواه يدعى بالنداء العالي!!
ومع ذلك أجدني مضطرا إلى بيان بعض ذلك هنا!!
فأقول: لتكن مسئلة (التوسل) هي مثالنا على ما نحن بصدده:
وقد علم أن الخلاف فيها مشهور منشور! وإن أبى ذلك من يأباه! فكون الحق فيها أو الصواب مع المانعين، لا يعني ذلك التغليظ والتسفيه في حق من أجاز ذلك من أئمة الاجتهاد!! فضلا عن رميهم بما يندى جبين الحر له! ودعوى كون تلك المسئلة ممن (لا تدخل ضمن الخلاف المعتبر الذي لا يأثم من يأخذ بأحد القولين فيه) غير مسموعة أصلا!! إذ أن دليل ذلك هو عين الدعوى بلا ريب! وأما قول أخينا أبي الوليد المغربي: (فمسألة التوسل بجاه النبي تدخل ضمن خلاف التضاد الذي لا شك أن السنة في أحد القولين و البدعة في القو ل الاخر) غير مقبول منه البتة! بل هو سمج للغاية!! وأعجب منه دعواه أن تلك المسئلة لا اجتهاد فيها!! ثم يضيق أدلة المخالفين جدا!! ويجعلها نصا واحدا وحسب!! وهو حديث الأعمى المشهور! ثم يغامر ويزعم أن ذلك الحديث (لا يدل من قريب أو بعيد على جواز التوسل بجاة النبي)!! هكذا يقول (من قريب أو بعيد)!! كأنه ما وقف على كلام الخصوم حوله!! فضلا عن سائر أدلتهم في ذلك كله!! واكتفى لنفسه بنقل كليمات من كلام الإمام الألباني حول تلكم المسئلة!! فيا لله والناس!! وأقول له: رويدك أخي الفاضل، بل حنانيك وهداديك!! فلو كان الحق في تلك المسئلة بذلك الوضوح الذي تراه لنفسك؛ ما نشبت تلك الحرب الشعواء بين المخالفين والموافقين لك!! وما كانت ألفت تلك الكتب والرسائل حولها من الطرفين جميعا!! فهون على نفسك، وخفف من جأشك، فإن الخطب فوق ما تروم بكثير!! وأراك اكتفيت بكلام الموافقين لك، فيما ترمي المخالف فيه بالبدعة!! وصدك ذلك عن النظر في كتب ورسائل خصومك البتة!! اللهم إلا ما يحكيه الإمام الألباني وغيره عنهم!! وما هكذا يكون الإنصاف يا أهله!! ثم دعك من هذا كله!! بل ولتضرب عنه صفحا، ولتعقد ولو على رأي العامرية صلحا، فلعل من خطأ ابن أم أخته، بنى ذلك على حسب رأيه، لا إخفاء منه للحق الأبلج، أو إظهارا للباطل المسمهج!! ولتتأمل فيما سطرناه أولا، ولتنظر فيما قلناه أول مرة، واعلم يا رعالك الله: أننا موافقون لك في مسئلة (التوسل) قائلون بعدم جواز ذلك أصلا!! ولكن ليس هذا تلكم القضية التى نحوم حولها الآن!! إنما الشان في كبار الأمة، وسادة الأئمة، الذين يحلو للبعض أن يرميهم بالبدعة وكل قبيح؛ لأجل كونهم اجتهدوا في مسئلة فأخطئوا!! والله إن العجب ليطول جدا!! ممن يتحاشى وصف أمثال النعمان ومالك والشافعي وأحمد وأمثالهم من الكبار: بالبدعة!! مع كونهم حفظ عنهم من الاجتهادات المخالفة لصريح السنة ما شاء الله!! على تفاوت بينهم في ذلك لايخفى، ثم لا يتحاشى ذلك في أمثال: داود الأصبهاني، وأبي محمد الفارسي، وأبي الحسن الأشعري، وأبي بكر الباقلاني، وابن الخطيب الرازي، والتقي السبكي، وابنه التاج، وثلة آخرين من ليوث غابات النظر، وشموس أقمار الفكر!! بل لدي من هفوات كثير من أئمة السنة في بعض مسائل الاعتقاد: ما يحار له لب اللبيب!! ولعلي أسوء بها بعضهم إن اقتضى المقام!! والكل مأجور حسب اجتهاده، أما المقلد والمتعصب: فلهما شأن آخر!! فالحاصل: أن التشنيع والتبديع فى مسائل الخلاف التي تتجاذب فيها الأفهام، وتتجارى لأجلها سنان الأقلام:ليس يصدر ممن يعي ما يقول!! أو يحيط علما بالمعقول والمنقول!! واسترسال الكلام في هذا الصدد يؤلمني شديدا؛ لقلة أهل الإنصاف؛ وكثرة أهل الإجحاف والاعتساف!! وقد نصحتك وعند الله تجتمع الخصوم ...
ولعلي أعود للكتابة في وقت لاحق إن شاء الله.
وسلامي لأخي أبي الوليد المغربي وسائر الأحباب من أعضاء هذا المنتدى المبارك.
وكتبه: العبد الفقير، والجاني على نفسه بويلات الأمور: أبو المظفر سعيد بن محمد السناري القاهري .....
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو الوليد المغربي]ــــــــ[06 - Oct-2008, مساء 10:00]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم. الأخ الدكتور سعيد السناري وفقك الله للحق لا نريد أن ندخل في معارك للتسفيه والتجهيل فليس هذا من خلق أهل العلم في شيئ. نريد مناقشة علمية مبنية على الإحترام المتبادل واستبعاد ما ليس له دخل في المناقشة العلمية المبنية على الأدلة والحجج الشرعية.
كما أنني ألاحظ ويلاحظ القراء الكرام أنك ظهرت في مشاركتك الأولى بمظهر الهدوء والتعقل ثم بدأت عندك غارات التسفيه والتجهيل والتضليل في المشاركة التالية فما سر هذه المفارقة!!.؟؟
فيا أخي الكريم لا تكن سريع الغضب فإن أهل العلم والدعاة إلى الله هم قدوة للأمة في أخلاقهم ومعاملاتهم.
لاتنه عن خلق وتأتي مثله+++++عار عليك إذا فعلت عظيم.
وهذه المسألة لا تستحق منك كل هذه الضجة فالغيرة يجب أن تأخذك عندما ترى الشرك والخرافة والبدعة تنتشر بين المسلمين
وهذه الأقوال التي ذكرتها إنما هي أقوال لأهل العلم الذين تدعي الإنتصار لهم والذوذ عنهم والغيرة عليهم.!!
لاتنه عن خلق وتأتي مثله+++++عار عليك إذا فعلت عظيم.
فهل كان شيخ الإسلام والشيخ الألباني والشيخ ابن باز وغيرهم من أهل السنة قديما وحديثا غافلون عما قادك إليه فكرك الثاقب
وهل كان هؤلاء ممن استباح."أعراض خلق من عظماء الأمة، وجبال الأئمة!! ووصفهم بالجهل والبدعة والتلبيس والتدليس والمروق!! بل الزندقة والكفر المحض!! ".؟؟؟؟ هون عليك يا أخي واعرف ما يخرج من رأسك.
قولك:"وقد علم أن الخلاف فيها مشهور منشور! ........ كأنه ما وقف على كلام الخصوم حوله!! فضلا عن سائر أدلتهم في ذلك كله!! ".يا دكتور فما بالهم اختلفوا في كفر فرعون؟؟؟ وما بالهم اختلفوا في جواز عبادة القبور وعدم جوازها؟؟؟ وما بالهم اختلفوا في جواز الكفر بالله وعدمه؟؟؟ هل كل مسألة اختلف فيها تعني أن ذلك الخلاف معتبر؟؟؟؟؟؟؟؟.
قولك:
" أمثال: داود الأصبهاني، وأبي محمد الفارسي، وأبي الحسن الأشعري، وأبي بكر الباقلاني، وابن الخطيب الرازي، والتقي السبكي، وابنه التاج، وثلة آخرين من ليوث غابات النظر، وشموس أقمار الفكر "
ليوث غابات أي نظر؟؟؟؟
وشموس أقمار أي فكر؟؟؟
الأفكار كثيرة ومختلفة ومتضاربة ومنها الحق ومنها الباطل.
أما بالنسبة لتهويلك أن كثيرا من الناس يرمون الأئمة الأربعة بالبدعة والزندقة فمن تقصد بهؤلاء إن كنت تقصد السلفيين فالسلفيون أبعد الناس عن هذا فلم يبق لكلامك وتهويلك معنى!!
وفي الأخير أتوجه إليك بسؤال أرجوا أن تجيب عليه بصرحة ووضوح أذكر لي من فضلك صحابيا واحدا فهم من الحديث التوسل المبتدع وتوسل بالنبي بالطريقة التي يقول بها المخالفون؟؟؟
كما أنبهك في الأخير على خطأ إملائي تكرر معك كثيرا "مسئلة" فهذه الكلمة تكتب هكذا "مسألة".والسلام.
ـ[أبو المظَفَّر السِّنَّاري]ــــــــ[07 - Oct-2008, صباحاً 09:38]ـ
سلام على أهل الاتباع والإنصاف وبعد:
لا أدري والله كيف أتكلم؟ وأين للسان قلمي سبيل يفصح به عن مكنون قلبي وما لأجله أتوجّع وأتألّم! ومتى كان الصحيح المعافى يدرك أوجاع السقيم المريض؟ وقديما كنتُ أنشد من نظمي وأقول:
دع عنك لومي في الضّنى يا لائمي ******* بين الصدور وشائج تتقطع!
من يعلم الشكوى يئنّ مرارة ******* مما حوته وقلبه يتمزّع!
آهٍ على وجود أخ مؤنس ودرهم حلال، لهفي على أناس كانوا مصابيح العلم، وأحلاس الخيرات!
وبعد اللتيا والتي، وذكر شكايتي: أقول لأخي الفاضل أبي الوليد المغربي: شكر الله مسعاك يا عبد الله.
وما ذكرتَه في ردك السابق: ظاهر جدا في كونك لم تفقه ما أصول لأجله وأجول!! وأخبرك: أن لدي من الهمة التي لا تنثني؛ ما يجعلني أتعقب كلامك خطوة خطوة!! بل أبدي لك من غمرات وهائه أصولا، وأسوّي على قصبات ضعفه نصولا!! وأُبّين لك أن مخايل الإنصاف فيه مجهولة، وبعثات الحقائق دونه معقولة، غير أن العفو هو أقرب للتقوى، والتذكير ربما انتُفع به فأجرى لصاحبه أجرى، ولكن هل لك فيما هو خير من ذلك كله؟
فأنا أشهد الله أني أحبك فيه يا رجل! وأرجو لك من الخير ما أرجوه لنفسي، وأُراني قد أحطتُ بما لم تُحط به فيما أنا أُشرّق فيه وتُغرّب أنت!! وسألجو لك حقيقة الخطب بإيجاز شديد، وذلك في عدة الأمور:
(يُتْبَعُ)
(/)
-الأول: أن كلامي كله يدور في فلك الدفاع دون وصم أئمة الاجتهاد بالبدعة ونحوها فيما بذلوا الوسع في معرفة الحق فيه فأخطئوا!! ويشمل ذلك المسائل الاعتقادية والشرعية على حد سواء، وأنت مدفوع إلى حمل كلامي على مسألة (التوسل) وحسب!! هكذا مع إصرار شديد!! ليتني عرفت مبرّره؟
- والثاني: أني موافق لك على المنع في مسألة (التوسل) كما قلته لك مرارا، غير أن الفرق بيني وبينك: أنني ألتمس الأعذار للمخالف المجتهد، دون المقلد والمتعصب ونحوهما، وأقول بأن له أجرا واحدا في هاتيك المسألة،وأذود عن حريم هذا المجتهد من تشنيع المشنّعين، ولغط اللاغطين، وهذيان المبدّعين والمفسّقين!! كائنا من كانوا من أهل الدنيا!!
أما أنت: فأراك تأبى إلا الغمز والنيل من المخالف!! وتزعم - تبعا لغيرك - أن تلك المسألة ليست مما يُقبل الخلاف فيها!! ثم ترميني بقولك: (ثم بدأت عندك غارات التسفيه والتجهيل والتضليل!!) فواغوثاه بالله مما أسمع وأرى!! ولو سألتك برهانا واحدا من كلامي على تلك الدعوى؛ لضاقت عليك الأرض بما رحبت!! إذ ليس في كلامي هذا أصلا!! وأستحي أن أقول لك المثل السائر (رمتني بدائها وانسلت!!) وأدبي معك يمنعني من ذلك أخي الكريم.
- ثالثا: لا أدري منك: التشبث دائما بفعل وقول جماعة من الكبار، أمثال: شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الألباني وغيرهما في تلك المسألة؟ مع أنه لا حجة في أحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخشى أن أقول بكونك مغرما بالاختباء خلفهم! مع كونك سلفيا قحا كما تحب!! وهل رأيت سلفيا قط: يقلد أحدا دون المعصوم؟ وقديما كان يقال: (دعوا ذكر الرجال عند الحجاج!!) ونقل ابن الجوزي في (التلبيس) عن الإمام أحمد أنه خوصم في مسألة بقول ابن المبارك! فقال: (إن ابن المبارك لم ينزل من السماء!!) على أني لا أعلم عن شيخ الإسلام، ولا الإمام الألباني: أنهما يرميان المخالف المجتهد في هذه المسألة خاصة بالبدعة!! فمن ادعى خلافه؛ فالدليل عليه!! ولو ثبت ذلك عنهما البتة، لما كان في مجرد قولهما حجة أصلا!! إنما الحجة فيما يأتيان به من نصوص الكتاب والسنة الدالة على ذلك وحسب.
فنصيحتي أبا الوليد: أن تهتم بمعرفة البراهين النقلية فيما تسلك به ذلك المسلك الوعر في حق من ثبتت إمامته وديانته إلا أنه أخطأ، وأنت أصبت! ولا بأس من أن تستضيئ بأقوال أهل العلم في تدعيم قولك، دون أن تدرأ بها نحر النصوص التي يجابهك بها خصمك!! فهذا أحمد لك عند الله والناس.
- رابعا: وأما قولك لي في معرض ردك: (وهذه المسألة لا تستحق منك كل هذه الضجة فالغيرة يجب أن تأخذك عندما ترى الشرك والخرافة والبدعة تنتشر بين المسلمين) فظاهر جدا في كونك ما فقهت ما أتنغّص لأجله!! كأن همك هو أن تدرأ بي في خندق مسألة (التوسل) وحسب!! مع كوني أرى أن (التوسل) بدعة محدثة، إلا أني لا أرمي كل متوسل بالبدعة أصلا!! كما أني ربما أقول عن أمر: هذا شرك وكفر!! ولا أجرؤ أن أصف كل من يأتيه بكونه مشركا كافرا!! أما أنت فما يرضيك إلا ما تبتغيه من مقالك هذا كله!! فيا سبحان الله!! أأكون غيّورا على ما تحب؛ ولا أكون غيورا على أعراض العلماء ممن تريد أنت وغيرك النيل منهم؛ لكونهم أخطئوا فيما بذلوا الوسع فيه، ولم يُوفّقوا!! تالله ما رأيت كاليوم عجبا قط!! ..
- خامسا: إن كنت أخي أبا الوليد: ما زلت مدفوعا إلى قولك (وهذه المسألة لا اجتهاد فيها!!) فيمكنني مناقشتك في هذا نقاشا هادئا، بعيدا عما تحب وترغب إن شاء الله، ولكن أرجو أن يتسع صدرك لي كما اتسع صدري لك ..
-سادسا: ما زلت تصرّ على أن تناديني بـ (الدكتور!!) ذلك اللقب التغريبي البغيض في حق أهل العلم! وأنا لا أطيقه أصلا!! فكيف أتلقب به يا أخي؟ وليتني أعرف من أين أتيت به عني؟ ومن وصفني به قبلك من أهل الأرض؟ وأنا عبد فقير حالا ووصفا!! وليس لدي من الشهادات بعد شهادة (التوحيد) إلا شهادة (الإعدادية!!) فهل تروقك؟.
-سابعا: جزاك الله خيرا على ما نبهتني عليه بشأن كلمة (مسألة) وإن كان لي فيها سلف!! ولولا أن تظن بي الانتصار لنفسي؛ لأوقفتك من كلامك نفسك على إعواز شديد في اللغة والعربية معا!! ولعلك تبصر ذلك عند تأمل ما كتبته، إلا أن ذلك لا أراه يمنعك: من إبداء وجوه التعدي والغلط في كلامي، فإنما أنا بك، وأرجو أن أكون أنا بك، و (المسلم مرآة أخيه) كما ورد في الحديث الذي حسنه الألباني وغيره، وفيه نظر!!
وأعود مرة أخرى وأقول: محبتي لك يا أبا الوليد قائمة، ولغيرك من أعضاء هذا المنتدى، فلا يصدنك عنها ما تشمه في كلامي من الجفاء والغلظة!! فربما كان ذلك من تلك (العلقة السوداء) التي هي حظ الشيطان من ابن آدم .. وسلام عليكم ..
وكتبه العبد الفقير، والجاني على نفسه بويلات الأمور: أبو المظفر سعيد بن محمد السناري القاهري .......
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو الوليد المغربي]ــــــــ[07 - Oct-2008, مساء 06:39]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم. للأسف أيها الأ خ الكريم تعود لارتكاب نفس االخطأ الذي ناصحتك فيه وتسعى لتحميل كلامي ما لايحتمل وتدفعني لخوض معركة أنا في غنى عنها. يعلم االله أنني لم أكن أريد الدخول فيها فتحمل وزرها وما يتمخض عنها.
قولك:"!! ولو سألتك برهانا واحدا من كلامي على تلك الدعوى؛ لضاقت عليك الأرض بما رحبت!! إذ ليس في كلامي هذا أصلا!! وأستحي أن أقول لك المثل السائر (رمتني بدائها وانسلت!!) وأدبي معك يمنعني من ذلك أخي الكريم"
أقول عجبا لك أيها الأخ هل هذا الهجوم الذي بدأت من دون سابق معرفة لا يعتبر عندك قدحا.وهل كل هذه الكلمات التي غمزتني بها تسمى عندك أدبا.
لقد صدق من قال:"عش رجبا ترى عجبا" وإن كنا في شوال فإنه من المناسب أن نقول "عش شوالا ترى أحوالا".
وماذا عليك لو سلكت معي سبيل الرفق واللين فأكون لك من الشاكرين ولفضلك من الذاكرين هل هذا هو الجدال بالتي هي أحسن عندك. وهل تدعوا الناس بهذ الطريقة.إنا لله وإنا إليه راجعون من هذه الحكمة العرجاء التي يسيء بها بعض الناس لهذا المنهج القويم.
قال الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه) [مسلم].
فماذا تعني عندك هذه الكلمات "بل هو سمج للغاية .... إذ أن دليل ذلك هو عين الدعوى بلا ريب .... وأعجب منه .... أو إظهارا للباطل المسمهج .... أأكون غيّورا على ما تحب؛ ولا أكون غيورا على أعراض العلماء ممن تريد أنت وغيرك النيل منهم .... "
أتتهمني بالنيل من أعراض العلماء سبحاك هذا بهتان عظيم اللهم إنني أبرأ إليك من هذا الإفتراء أقول لك أيها الأخ اتق الله ولا تفتري علي الكذب أتقول لكل من خالفك في هذه المسألة أنه ممن ينال من أعراض العلماء ما أضعف حجتك.
فهل كان شيخ الإسلام ممن ينال من أعراض العلماء والشيخ الألباني والشيخ ابن باز و الهيئة وجل أهل السنة في هذا العصر ممن يعتبرون أن هذه المسألة غير داخلة في الخلاف المعتبر هل كل هؤلاء عندك ممن ينالون من أعراض العلماء سبحانك هذا بهتان عظيم.
هذا أشبه بقول الشيعة في أهل السنة نواصب وقول النواصب في أهل السنة رافضة لمجرد حبهم لآل البيت.
إن كان رفضا حب آل محمد++++++ فليشهد الثقلان أني رافضي.
إن كان تابع أحمد متوهبا ++++ فأنا المقر بأنني وهابي.
ثم تقول من دون أدنى استحياء " محبتي لك يا أبا الوليد قائمة " أي محبة هذه؟؟؟؟ فهل يكون الإفتراء عندك محبة؟؟؟؟ اللهم سلم.
ـ[أبو الوليد المغربي]ــــــــ[07 - Oct-2008, مساء 08:01]ـ
قولك:"الأول: أن كلامي كله يدور في فلك الدفاع دون وصم أئمة الاجتهاد بالبدعة ونحوها فيما بذلوا الوسع في معرفة الحق فيه فأخطئوا!! ويشمل ذلك المسائل الاعتقادية والشرعية على حد سواء، وأنت مدفوع إلى حمل كلامي على مسألة (التوسل) وحسب!! هكذا مع إصرار شديد!! ليتني عرفت مبرّره؟
- والثاني: أني موافق لك على المنع في مسألة (التوسل) كما قلته لك مرارا، غير أن الفرق بيني وبينك: أنني ألتمس الأعذار للمخالف المجتهد، دون المقلد والمتعصب ونحوهما، وأقول بأن له أجرا واحدا في هاتيك المسألة،وأذود عن حريم هذا المجتهد من تشنيع المشنّعين، ولغط اللاغطين، وهذيان المبدّعين والمفسّقين!! كائنا من كانوا من أهل الدنيا!! "
الواجب عليك أن تبين لنا نوعية هذا الدفاع فهناك دفاع بالحق ودفاع بالباطل. فمصلحة الشرع فوق كل المصالح أم أنك تهون من شأن البدع وتتخذ لأصحابها أعذارا. فليس هذا من منهج أهل السنة فابحث لك عن منهج يقبل منك هذه الأصول الفاسدة التي ترمي لتحريف الشرع على حساب الأشخاص.
ومن قال لك إنني لا أدافع عن هؤلاء وأتخذ لهم أعذارا في حدود الشرع فإن منهجنا علمنا أن من وقع في بدعة من الأئمة ولم يقصد مخالفة النبي ومحاربة الشرع وإنما قاده فهمه إلى هذه البدعة فهو مخطأ وليس بمبتدع لأنه لم يتعمد مخالفة الشرع ولم تقم عليه الحجة.
وهناك فرق كذلك بين من كان سليم المنهج وفاسد المنهج من الأصل كحال أرباب البدع الدعاة من الجهمية والقدرية والرافضة وغيرهم.
علما أن مسألة قيام الحجة على شخص بعينه ليست بالهينة.ومن أصر على بدعة صغيرة ليس كمن أصر على بدعة مكفرة فإن البدع متفاوتة من ناحية الخطورة وكذلك أصحابها ليسوا على درجة واحدة. فلا ترميني مما أنا به بريء.
فهل قلت لك إن هؤلاء الذين قالوا من أهل السنة بجواز التوسل-إن وجدوا-هم مبتدعة وقامت عليهم الحجة.فالتبديع ليس من اختصاصي أو اختصاصك وإنما هو من اختصاص الراسخين في العلم وإنما أذكر لك قواعدا كلية فلا ترميني مما أنا به بريء.
ولقد قلت إنك تعتبر أن التوسل بالنبي محدث لا أصل له أي بدعة. فمن سبقك-من أهل السنة طبعا- بالقول إن العالم إذا أقيمت عليه الحجة وتعمد مخالفة الشرع يكون معذورا وله أجر واحد و لا يكون مبتدعا؟؟؟؟؟؟ أرجوا أن تجيبني و لا تتهرب.
ثم قلت أنه لا فرق عندك بين المسائل الإعتقادية والمسائل العملية هذا يعني أنك تعذر من يقع في البدع الإعتقادية المكفرة بعد قيام الحجة عليه ولا فرق عندك في البدع بين المكفرة وغير المكفرة فهذا مما لم يسبقك به إنس و لا جن.
وإذا كان الأمر عندك غبر الذي ظننت فم اقولك فيمن أتى ببدعة مكفرة وأقيمة عليه الحجة؟؟؟؟ فإن كنت تكفره فما دليلك على التفريق بين البدع المكفرة وغير المكفرة في لحاق الحكم المترتب عليهما؟؟؟؟؟ ومن سبقت بهذا التفريق؟؟؟؟ أرجوا أن تجيب بكل وضوح.
وكيف تعذر الإمام المجتهد الذي يقع في البدعة بعد قيام الحجة عليه. ولا تعذر المقلد الذي يدين الله باتباع شيخه؟؟؟ من أولى بالعذر هل المقلد الجاهل الذي لا علم له؟؟؟ أم الإمام المجتهد العالم بأصول الشرع؟؟؟؟؟؟ من سبقك بهذه الأصول الفاسدة؟؟؟ علما أن جل الناس مقلدون.
وهناك سؤال أخر لابد أن تجيب عنه من سبقك من أهل السنة يقول إن جواز التوسل وعدمه داخل في الخلاف المعتبر؟؟؟؟؟؟؟ أنتظر أجوبتك و لا تنسى الأسئلة الأخرى التي طرحت عليك في المشاركة السابقة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو المظَفَّر السِّنَّاري]ــــــــ[11 - Oct-2008, مساء 04:34]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
حيَّاك الله أخي أبا الوليد وبيَّاك، وبعد:
قد كدتُ أُكاشفك الأمر لو كنتَ تفهمني!! لكن يبدو أن الموضوع أكبر من ذلك كله!! وقد فصَّلتُه تفصيلا في كتابي الكبير (أنهار الدم بما قيل في ابن تيمية وابن حزم من مدح وذم) ولخَّصتُه في طليعته المسماة (فارجة الهم بطليعة أنهار الدم) وكذا في مقدمة كتابي: (إيقاظ العابد بما وقع من الوهم في تنبيه الهاجد) وقد شرعتُ في الجميع، وكدتُ أنتهي من الأخير ولله الحمد ..
وعود على بدأ فأقول:
أراك كثير الامتعاض مما فهمتُه من مشاركتك!! ومع ذلك ترميني بكل سوء إزاءك وإزاء بعض الأئمة الذين تُدندنُ بذكرهم دائما!! وتدرأ بمطلق أفهامهم: في نحر أدلة خصمك!! مع أن الدليل: يجب أن يُقرع بمثله، وليس بفهم فلان وفلان مهما عظم وجلَّ!! إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسب!! فهل عرفتَ الآن: كيف أنت تُغرِّبُ فيما أنا أُشرِّقُ فيه!!
وأخبرك: أنا لستُ غاضبا مما اتهمتني به أصلا!! مع كونه أشنع مما ضاق صدرك لأجله من عبارتي معك!! ولا أحب أن أسطر هنا: من عباراتك الجارحة مثل ما سطرتَه أنت من كلماتٍ لي معك!! وألتمس لك العذر في ذلك كله!! مع كونك لم تعِ كلامي جيدا، بينما أنت تكرُّ عليَّ وتفرُّ دون التماس أيِّ عذر لي أصلا!! بل وتنكر قولي لك (محبتي لك يا أبا الوليد قائمة)!! مع كونها كذلك رغم أنفك!! (ابتسامة) وكوني ألتمس لك العذر في هذا إن شاء الله، ولا أري خلافي لك مما يُفسد ذلك أصلا، وإن فسد عندك وحدك!!
ثم أراك تلتمس مني الرفق واللين في مخاطبتك، ولك الحق في هذا بلا ريب!! بل أنت مصيب في ذلك دوني!! لكن لا ترى لنفسك: سلوك سبيل الرفق واللين مع أولئك المجتهدين الذين تخالفهم أنت وغيرك في تلك المسألة!! بل وتصرُّ على كون تلك المسألة (غير داخلة في الخلاف المعتبر!!) يعني: أن المخالف فيها: - حتى وإن كان مجتهدا - آثم أو مبتدع!! وأحلاهما مرُّ!! ولا ينفعك تَتَرُّسِك بـ أمثال: (الشيخ الألباني والشيخ ابن باز و الهيئة وجل أهل السنة في هذا العصر ممن يعتبرون أن هذه المسألة غير داخلة في الخلاف المعتبر)!! كما تقول!! إّذ أن المسألة ليس التحاكم فيها موكول إلى من ذكرتَ!! وإن كانوا أئمة سادة، إنما التحاكم إلى الله ورسوله وحسب، وأراك لستَ بمتقنٍ لهذا يا أخي!! فخطوات حديثك تدل على التقليد المحض!! فلذلك أعياك ما أعياك من كلامي!! يدلك على هذا قولك لي (فهذا مما لم يسبقك به إنس و لا جن)!! وكذا قولك في آخر كلامك: (من سبقك من أهل السنة يقول إن جواز التوسل وعدمه داخل في الخلاف المعتبر؟؟؟) فيا سبحان الله!! ألمثلي يقالُ هذا!!؟ وهل يُوحِشُني ذلك قط؟ وعندك كتاب: (فتاوي ابن الصلاح/ طبعة دار الحديث) فانظر فيه تعاليقي: تعلم أني لا تضرني مخالفة أهل الأرض لي!! طالما أُقوِّمُ عِوج كلامي بنصوص الكتاب والسنة، أو ما فهمتُه منهما وغاب عن الآخرين!! وتلك أنفاس شريفة لا يَعيها إلا كلُّ من أُشرَب الاجتهاد قلبه، ونبذ التقليد لمن دون المعصوم وراء ظهره!! فكان يجب عليك: أن تشمَّ مذهب خصمك من كلامه قبل أن تُلزمه بما لا يلزمه حتى يلج الجمل في سمِّ الخياط!! وأراك تُدندنُ بدعوى (قيام الحجة) على المخالف!! فما هي الحجة في رأيك؟
إن قلتَ: النصوص الصريحة في ذلك!!
قلنا لك: خصمك المجتهد -دون المقلد والمعاند والمتعصب- لا يراها صريحة أصلا!! بل ويتكلم في دلالتها بما عرفتَ!! بل وله أدلة أخرى أنت لا تعرفها ولا إخالك!!
فإن قلتَ: بل الحجة هي أقوال الأئمة في ذلك؟
قلنا لك: خصمك يأتيك بنقولات عن الصحابة والتابعين وتابعيهم وهلمَّ جرَّا .... فَهِم منها جواز التوسل!!
فإن قلتَ: لانسلِّم له بصحة ذلك عنهم!! وإن سلَّمنا، فلا نُسلِّم بكون ما ورد عنهم يُفهم منه جواز ذلك!!
قلنا لك: وخصمك المجتهد: لا يسلُّمُ لك بذلك أيضا!!
فرجعت المسألة: إلى كونها اجتهادية محضة!! يسع فيها الخلاف بين المسلمين، دون تبديع ولا تفسيق ولا ما فوقهما!! فتأمل يا رجل!!
(يُتْبَعُ)
(/)
وأنا أكاد أُقبُِّلُ رأسك في أن ترى مثل ما يراه أخوك!! وإلا فعندي: من هفوات كثير من أهل السنة في المعتقد: ما يشيب له رأسك!! وتقوم وتقعد من أجله عجبا!! وهي مجموعة عندي في كراستين، وما زلتُ أزيد فيهما المزيد!! ولا يحل لي ذكر بعضها هنا إلا إذا اضطررتُ لذلك جدا!! فدعِ القبر بصاحبه!! وإلا فلو كشفتُه أمام الأعضاء هنا: لصار صباحهم ليلا!! وعاد يومهم أمسا!! من عظيم ما يروه مما يقفُّ له شعورهم، وتنتفخ من أجله أوداجهم!! وربما فَهِم غالطٌ منهم: أني أطعن في أئمة أهل السنة!! بذكري لهم هذه الغرائب عنهم!! ألا فدعِ البحر ساكنا حتى لا يموج موجه، و يتعاظم عليك خطره، وقد ورد في الحديث (اتركوا التُّرك ما تركوكم!!) .. فإن أبيتَ إلا المهارشة والمناقشة، والمباحثة والمواحشة!! فأنا أتنزّل معك، واعترف بكونك المصيب دوني!! ولكن بشرط واحد؟ أن تُحرِّرَ لي محلَّ النزاع في تلك القضية بيني وبينك، وهي: تفسير (إقامة الحجة) على المخالف في تلك المسألة!! وما تعني بها؟! ودعك بالله من الاحتجاج بقول فلان وفلان ... مهما نبُل قدره، وعلت منزلتُه عندي وعندك!! وإن أبيتَ إلا ذكر الرجال عند الحِجَاج!! فقد أوقفتني على تقليدك الخالص!! ولتبحثَ لي بعدها عن مجتهد مثلي: أُنازله وينازلني!! ولا يرميني بالإثم والبدعة إن أنا اخطأتُ معه في مسألة!! فوا غوثاه بالله ممن يُريد زَينَ المجتهدين عن الوصمة بالإثم والبدعة!! فيما بذلوا فيه الوسع فأخطئوا، فيرميه الرامون بكونه يُهوِّنُ من (من شأن البدع ويتخذ لأصحابها أعذارا!!) كما يقول عني أخي أبو الوليد سامحه الله ..... ألستُ أنا أولى بقول البحتري الشاعر:
إذا محاسني اللاتي أتيتُ بها ... عُدَّت ذنوبا فقل لي كيف أعتذر؟!!
وأعود آخر كلامي وأقول: (محبتي لك يا أبا الوليد قائمة) فلا يصرفنّك عنها جفاء أسلوبي معك!! (فربما كان ذلك من تلك (العلقة السوداء) التي هي حظ الشيطان من ابن آدم .. ) كما قلتُه لك أول مرة، فأغفلتَه ولم تنتبه له!! ولعلك تكون عند الله أفضل من ملئ الأرض مثلي!! بل: أحسبك كذلك إن شاء الله بلا مجاملة!!
لكن قد يؤمُّ المفضولُ: الفاضلَ!! ويُعدُّ في مرتبة العقلاء: ذلك الرقيع المتعاقل!! ومن لم يجد الماء: تيمّم، ومن وجد عيبا في أخيه: تمّم، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث!!
فأسألك بالله: ألاَّ حملت بين جوانحك مني شيئا يُكدِّر صفوك أخي الحبيب، فوالله ما قصدتُ ذلك أصلا، وما جاء لي على بال قط!!
ألا يرضيك اعتذاري لك هنا أمام الجميع: إن كنتُ قد أسأتُ في حقِّك؟ وإن كنتُ أنا الآخر عتبان عليك!! والكريم من صفح عن أخيه وغفر، ولم يؤاخذه بخطأه وما إليه انجرَّ ...
ومعذرة: إن كنتُ قد تأخَّرتُ في مجاوبتك - ولم أتهرَّب!! - أو في متابعة ما تكتبه بعد ذلك!! فقد نزلت بي ضائقة قد شتَّت ذهني، وأرَّقت فكري، وقام لها همي وغمي!! ولو شرحتُ لك حالي لطال الشرح!! فأسألك: الدعاء بأن يفرج الله عني ما أجده في دنياي وديني!! فقد ضاق الصدر حتى كدتُ أنخلع من هذا الأمر كله!! وأعملُ أجيرا عند من يقبلني بقوت أهلي!! وحسبي هذا ... والله المستعان ..
وكتبه أخوك: أبو المظفر سعيد بن محمد السناري القاهري، الموسوم بـ (النوراني) سامحه الله على خطئه وخطله، وكل ذلك عنده ...
ـ[أبو الوليد المغربي]ــــــــ[16 - Oct-2008, مساء 05:33]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم. بادئ ذي بدء أشكرك على التغيير الطفيف الذي طال أسلوبك في المشاركة الأخيرة وأسأل الله أن يفرج عني وعنك وعن جميع المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وإن كنت لاتزال لم تتنازل عن رمي جهابذة أهل السنة بالنيل من أعراض العلماء ولم ترد الإجابة عن الأسئلة التي طرحتها عليك لحاجة في نفس يعقوب الله أعلم بحقيقتها.
أما إشادتك المتكررة بمؤلفاتك وبعلمك وهمتك واجتهادك فأنا أعترف أنني دونك في العلم ولا أدعي اجتهادا أو شيئا من هذا القبيل
ولكن هذا لايعني أن نسلم لكل أحد فيما جاء به.
أما رميك لي بالتقليد فإن ما تسميه تقليدا يسمى عندي اتباعا. وإن كان التقليد لا يسلم منه إلا من رسخ قدمه في العلم.
وباعتبار أخر فإن التقليد لا يسلم منه أحد لأن جل ما يشتغل عليه الفقيه أو العالم هي أقوال وتفسيرات لأهل العلم لا يمكن فهم نصوص الكتاب والسنة دونها.
أما قولك:
"إّذ أن المسألة ليس التحاكم فيها موكول إلى من ذكرتَ!! وإن كانوا أئمة سادة، إنما التحاكم إلى الله ورسوله وحسب، وأراك لستَ بمتقنٍ لهذا يا أخي!! فخطوات حديثك تدل على التقليد المحض!! فلذلك أعياك ما أعياك من كلامي!! يدلك على هذا قولك لي (فهذا مما لم يسبقك به إنس و لا جن)!! وكذا قولك في آخر كلامك: (من سبقك من أهل السنة يقول إن جواز التوسل وعدمه داخل في الخلاف المعتبر؟؟؟) فيا سبحان الله!! ألمثلي يقالُ هذا!!؟ وهل يُوحِشُني ذلك قط؟ وعندك كتاب: (فتاوي ابن الصلاح/ طبعة دار الحديث) فانظر فيه تعاليقي: تعلم أني لا تضرني مخالفة أهل الأرض لي!! طالما أُقوِّمُ عِوج كلامي بنصوص الكتاب والسنة، أو ما فهمتُه منهما وغاب عن الآخرين!! وتلك أنفاس شريفة لا يَعيها إلا كلُّ من أُشرَب الاجتهاد قلبه، ونبذ التقليد لمن دون المعصوم وراء ظهره!! ".
سبحان الملك. هل يعفى من ادعى الإجتهاد- في غير النوازل التي لا سابق لها-من المطالبة بسلفه في المسألة التي انتصر لها؟؟؟ إذن فما دور فهم السلف الذي هو من أصول منهج أهل السنة والجماعة؟؟؟.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو الوليد المغربي]ــــــــ[16 - Oct-2008, مساء 06:32]ـ
"فانظر فيه تعاليقي: تعلم أني لا تضرني مخالفة أهل الأرض لي ". إذا خالفك أهل الأرض جميعا أيها الأخ الكريم فاعلم أنك على ضلال لأن فهم الخلف وأنت منهم يضرب به عرض الحائط.
قولك "ألمثلي يقال هذا ".سبحان الله ومن أنت حتى لايقال لك هذا؟؟؟ شيخ الإسلام أم من؟؟؟.
" أو ما فهمتُه منهما وغاب عن الآخرين!! " هل غاب هذا الأمر عن السلف جميعا ثم أدركه شخص يقال له سعيد السناري في القرن الخامس عشر الهجري؟؟؟ هل بوسعك القول إنني توصلت إلى ما لم يتوصل إليه السلف؟؟؟ أظنك أنك لا تقدر على هذا والله أعلم.
فاالإجتهاد يكون في الترجيح بين الأقوال وليس في الإتيان بشيء لا سلف لك فيه.علما أن توافق أهل السنة في هذا العصر وغيره على هذه المسألة يعتبر شبه إجماع.
وفي الأخير يجب عليك ألا تسىء فهمي فأنا أتكلم في إطار تملصك ممن سبقك بهذا القول من أهل العلم السابقين واللاحقين في مسألة أن التوسل وعدمه داخل في الخلاف المعتبر. هذا محور بحثي معك و لاشئ أخر.
ـ[إسلام بن منصور]ــــــــ[18 - Oct-2008, مساء 05:47]ـ
توقف يا أبا المظفر، فإني أرى الحديث انقلب إلى حديث الطرشان.
ـ[أبو المظَفَّر السِّنَّاري]ــــــــ[22 - Oct-2008, مساء 07:24]ـ
صدقتَ والله يا أخي إسلام!! فأنا في واد، والأخ الفاضل في واد آخر!! ولعل الغبار ينجلي في وقت قريب إن شاء الله ...(/)
موضوع هام للغاية (البيعة على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر).
ـ[أبو عبد الله البيلى]ــــــــ[07 - May-2008, مساء 11:06]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسوله ومصطفاه محمد بن عبد الله وآله وصحبه و من والاه وبعد ...
كثير من الجماعات على الساحة إذا ناقشتها فى مخالفتها للسنة و تفكيكها للجماعة بتكوين جماعة أخرى لها أمير يبايع قالوا:
بل هذه بيعة على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و ليست بيعة حكم.
و قد حصل عندى إشكال عظيم فى هذا.
فما المقصود - عند أهل العلم - بالبيعة على السمع و الطاعة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟
و هل هى هى البيعة على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر؟
فإن لم تكن هى هى فما الفارق و ما تعريف كل منهما؟
ثم إذا خلصنا من هذا، نرجوا بيان حكمها.
وجزاكم الله خيرا أولا و آخرا.
ـ[أبو عبد الله البيلى]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 02:57]ـ
للرفع أيها الأحبة.
ـ[أبو عبد الله البيلى]ــــــــ[15 - Sep-2008, صباحاً 10:28]ـ
هل من مجيب؟
ـ[علي الغامدي]ــــــــ[15 - Sep-2008, صباحاً 10:35]ـ
اسأل الله ان يبلغك مرادك
وتجد جوابك
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[15 - Sep-2008, صباحاً 11:10]ـ
هناك بيعة عامة، و هناك بيعة خاصة ذكر هذا الشيخ ابن عثيمين و الشيخ صالح الفوزان
البيعة العامة لا تجوز إلا لممكن و لا تصح لمستضعف
أما البيعة الخاصة فهي عند أهل العلم و الله أعلم خاضعة للعامة بمعنى أنه لا يجوز لصاحبها مخالفة الحاكم العام إلا في المعصية
مثل الأمير في السفر الذي يؤمره المسافرون
و الله أعلم
أما الديموقراطيون الإسلاميون فلا بأس عندهم بهذه البيعات لأن شطر دينهم من الإسلام و الشطر الآخر من الديموقراطية
على حد قول مسيلمة الكذاب في قرآنه الذي جاء به
نقي يا ضفدع أو لا تنقين نصفك في الماء و نصفك في الطين
ـ[أبو عبد الله البيلى]ــــــــ[15 - Sep-2008, مساء 12:59]ـ
فتحت أيهما تندرج البيعة على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[15 - Sep-2008, مساء 01:23]ـ
انظر من الذي يبايع عليها هل هو ممكن أو مستضعف و تعرف إن شاء الله
قال تعالى " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ " [الحج/41]
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[16 - Sep-2008, مساء 12:47]ـ
فتاوى العلماء في مسائل الإمارة والبيعة
(حصري جدًا)
أولاً: فتاوى اللجنة الدائمة، والشيخ (ابن باز):
? "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/ 402) السؤال الثاني من الفتوى رقم (18188):
السؤال:
هل تجوز إمارة الحضر؛ كأن يكون هناك أمير على مجموعة في بلدهم، وليسوا بمسافرين بل هم مقيمون؟
الجواب:
«صح عن النبي (ص) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن النبي (ص) قال: "إذا خرج ثلاثة في سفر؛ فليؤمروا أحدهم" ... وهذا كما هو ظاهر الحديث في السفر، أما الحضر فإن الإمارة تكون لمن ولي أمر البلد بولاية شرعية وكل أمير بحسبه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم»
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن باز
عضو: عبد العزيز آل الشيخ
عضو: عبد الله الغديان
عضو: صالح الفوزان
عضو: بكر أبو زيد
? "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/ 73 - 74) المجموعة الثانية (=التتمة)؛ قلاً عن: عدد مجلة (الأصالة) الأردنية عدد (41) السنة الثامنة 15 صفر 1424 - صفحة 40 – تحت عنوان: (البيعة بين الضوابط الشرعية والتنظيمات الحزبية:.
السؤال:
ما حكم تنصيب أمير تحب طاعته في الأمور الدعوية؟
الجواب:
(يُتْبَعُ)
(/)
«من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم .... سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .... وبعد: فأشير إلى استفتاءك المقيد بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3285) وتاريخ 11/ 7/1416هـ الذي تسأل فيه عن: حكم تنصيب أمير تجب طاعته في (الأمور الدعوية)، وأفيدك أنه سبق أن صدر من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى فيما سألت عنه، فنرفق لك نسخة منها وفيها الكفاية -إن شاء الله-، وفق الله الجميع لما فيه رضاه إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
فتوى رقم (16098) وتاريخ 5/ 7/1414هـ
(الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد:
الجواب: لا تجوز البيعة إلا لولي أمر المسلمين، ولا تجوز لشيخ طريقة ولا لغيره، لأن هذا لم يرد عن النبي (ص)، والواجب على المسلم أن يعبد الله بما شرع من غير ارتباط بشخص معين، ولأن هذا من عمل النصارى مع القساوسة ورؤساء الكنائس، وليس معروفاً في الإسلام)» أهـ.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن باز نائب: عبد الرزاق عفيفي
عضو: عبد العزيز آل الشيخ
عضو: عبد الله الغديان
عضو: صالح الفوزان
عضو: بكر أبو زيد
وكان نَصُّ السؤالِ: «ما حكم الدين في العهد الذي نأخذه من شيخ الطريقة؛ هل هذا العهد إذا خالفناه نكون قد خالفنا الكتاب والسنة؟» اهـ
? "مجموع فتاوى ومقالات ابن باز" (28/ 250 - 253)؛ ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (جريدة المسلمون):
السؤال:
بعض الفرق المعاصرة تعقد البيعة لأمرائها الذين يختارونهم من أنفسهم، ويرون وجوب السمع والطاعة لهم، وعدم نقض بيعتهم، وهم تحت ولاة الأمراء الشرعيين الذين بايعهم عموم المسلمين. هل يجوز ذلك؟ أي بمعنى أن يكون في عنق الفرد أكثر من بيعة وما مدى صحة هذه البيعات؟
الجواب:
«هذه البيعة باطلة ولا يجوز فعلها؛ لأنها تفضي إلى شق العصا، ووجود الفتن الكثيرة، والخروج على ولاة الأمور بغير وجه شرعي. وقد صح عن النبي (ص) أنه قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). وصح عنه (ص) أنه قال: (على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية الله؛ فإن أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة). وقال (ص): (إنما الطاعة في المعروف). وقال (ص): (من رأى من أمره شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة).
والأحاديث في ذلك كثيرة جدا، كلها دالة على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف، وعدم جواز الخروج عليهم، إلا أن يأتوا كفرًا بواحًا عند الخارجين عليهم فيه من الله برهان.
ولا شك أن وجود البيعة لبعض الناس يفضي إلى شق العصا، والخروج على ولي الأمر العام؛ (فوجب) تركه، (وحرم) فعله.
ثم إنه يجب على من رأى من أميره كفرًا بواحًا أن يناصحه حتى يدع ذلك، ولا يجوز الخروج عليه، إذا كان الخروج يترتب عليه شرا أكثر؛ لأن المنكر لا يزال بأنكر منه، كما نص على ذلك أهل العلم رحمهم الله، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، والله ولي التوفيق» اهـ.
? من شريطٍ بعنوان "أسئلة أبي الحسن للشيخين ابن باز وابن العثيمين" سُجِّل بمكَّة المكرَّمة في السادس من ذي الحجة عام 1416 هـ] نقلاً عن موقع: (لا للإرهاب)!:
السؤال:
بعض الطُّلاَّب السلفيين يقولون: لابُدَّ أن نجتمع على عهد وعلى بيعة لأميرٍ لنا وإن كُنَّا على المنهج السلفي، لسنا في الجماعات الأُخرى؟
الجواب:
«ما يحتاج بيعة ولا شيء أبداً، يكفيهم ما كفى الأولين. الأولون طلبوا العلم وتعاملوا بالبر مِن دون بيعة لأحد» أهـ.
يتبع إن شاء الله بسائر فتاوى العلماء؛ كالألباني، والعثيمين، والعَبَّاد، والفوزان، وبكر أبي زيد، وغيرهم من أهل العلم.
ـ[أبو عبد الله البيلى]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 09:31]ـ
منتظرك أخى الحبيب، وليتك تتبع ذلك كله بالنقل عن أهل العلم المتقدمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[18 - Sep-2008, مساء 02:28]ـ
وليتك تتبع ذلك كله بالنقل عن أهل العلم المتقدمين.
المتقدمون لم يتلبسوا بهذ الأشياء؛ وإلا لوجدناها في كتبهم.
فقد كانوا أبعد الناس عن الحزبية ومخالفة الأحاديث النبوية.
وما يستدل به أصحاب الجماعات الإسلامية؛ قد كان موجودًا بين أيديهم؛ ثم إنهم لم يفهموا منه ما فهمه أصحاب هذه الجماعات الحزبية!.
ـ[العاصمي من الجزائر]ــــــــ[19 - Sep-2008, مساء 07:49]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الكريم ..
كنت قد وقفت على اثر للامام ابي حنيفة حول هذه الجزئية في كتاب الغلو في الدين للدكتورعبد الرحمان بن معلى اللويحق ص234 وقد اورده حفظه الله في معرض جمعه للاحاديث والآثار الدالة على جواز العهد وقد نقلته عسى ان يتحفنا الشيخ الفاضل والاخ الكريم ابي رقية الذهبي-مشكورا- بتوجيهه التوجيه الصحيح فاليكم الاثر
((روى الجصاص بسنده عن ابن المبارك قال: لما بلغ ابا حنيفة قتل ابراهيم الصائغ بكى حتى ظننا انه سيموت فخلوت به فقال كان والله رجلا عاقلا والله كنت اخاف عليه هذا الامر قلت: وكيف كان سببه؟ قال: كان يقدم ويسالني وكان شديد البذل لنفسه في طاعة الله وكان شديد الورع وكنت ربما قدمت له الشىء فيسالني عنه ولا يرضاه ولا يذوقه وربما رضيه فاكله فسالني عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى ان اتفقنا على انه فريضة من الله تعالى فقال لي مد يدك حتي ابايعك فاظلمت الدنيا بيني وبينه فقلت: ولم؟ قال: دعاني الى حق من حقوق الله فامتنعت عليه وقلت له ان قام به رجل وحده قتل ولم يصلح للناس امر ولكن ان وجدنا عليه اعوانا صالحين ورجلا يراس عليهم مامونا على دين الله لا يحول قال وكان يقتضيني ذلك كلما يقدم علي تقاضي الغريم الملح كلما قدم علي تقاضاني فاقول له هذا امر لا يصلح بواحد ما اطاقته الانبياء حتي عقدت عليه من السماء وهذه فريضة ليست كسائر الفرائض لان سائر الفرائض يقوم بها الرجل وحده وهذا متى امر به الرجل وحده اشاط بدمه وعرض نفسه للقتل .. ))
رواه الجصاص بسنده في احكام القرآن 2/ 33 وينظر الغزي الطبقات السنية في تراجم الحنفية ج1 ص246(/)
هل من فاضل يفند هذا بالرد؟؟؟
ـ[محمود البطراوى]ــــــــ[08 - May-2008, صباحاً 12:39]ـ
........................
ـ[محمود البطراوى]ــــــــ[08 - May-2008, صباحاً 01:11]ـ
ارجو الحذف فقد حدث خطأ(/)
صيد الخاطر ...... المراة التي اريدها ويريدها كل مسلم
ـ[ابو قتادة السلفي]ــــــــ[08 - May-2008, صباحاً 02:03]ـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين وعلى اله وازواجه وصحبه اجمعين اما بعد
هذه بعض السطور اكتبها لتعم الفائدة
علق في بالي منذ وقت أمر أشغلني، فكنت دائم التفكير فيه بقصد كتابته وجمع بعض الأشياء عنه، ولم يتيسر لي ذلك، والحمدلله الذي وفقني إليه اليوم واساله ان يرزقني الصواب في القول والعمل.
هذه المراة لطالما ارادها فؤادي وعنها ابحث واسال الله ان يرزقني اياها
1_المراة ذات الدين: قال النبي صلى الله عليه وسلم: تنكح المراة لاربع لدينها ونسبها ومالها وجمالها فاظفر بذات الدين تربت يداك.
2 - المراة الصالحة: التي تعينك على طاعة ربك وتذكرك ان غفلت وتنصحك ان اخطات وتصبرك ان ابتليت بشيء وتحسن اليك والى اقاربك قال النبي صلى الله عليه وسلم (الدنيا متاع وخير متاعها المراة الصالحة)
3 - المراة ذات علم وفقه تعينك على طلب العلم وتساعدك على الحفظ وتتعاون معك في قراءة الكتب وفهمها وكذلك تفيدك في بعض المسائل وتساعدك ايضا في البحوث وغير ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين) فان وجدت امراة متفقة في دين الله فاعلم ان الله اراد بها خيرا والمراة المتعلمة ليست كالمراة غير المتعلمة قال تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)
4 - المراة التي ان نظرت اليها اسرتك قال النبي صلى الله عليه وسلم (خير النساء التي تسره إذا نظر و تطيعه إذا أمر و لا تخالفه في نفسها و لا في مالها بما يكره " رواه احمد والسنائي وقال الشيخ الالباني حسن صحيح، ان نظر الى دينها سرته وان نظر الى خلقها سرته والى عملها سرته وعلمها سرته والى جسمها سرته ولهذا على المراة ان تحافظ على جسمها ومظهرها وتتزين لزوجها ولا تهمل هذا الجانب، وكذلك اذا امرها اطاعته ولم تخالف امره قال النبي صلى الله عليه وسلم: المراة اذا صلت صلاتها وصامت رمضانها وحفظت فرجها واطاعت زوجها دخلت الجنة) والطاعة في المعروف كما قال النبي صلى الله عليه سلم (انما الطاعة في المعروف) وفي حديث اخر (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
5 - المراة الودود التي تتودد اليك وتتودد اليها قال النبي صلى الله عليهى وسلم (تزوجوا الودود الولود)
6 - المراة الحليمة الصابرة الحيية ذات اخلاق حسنة قال النبي صلى الله عليه وسلم (اقربكم منزلة مني يوم القيامة احاسنكم اخلاقا) واجمل ما في المراة حيائها فان فقدت الحياء فاياك واياها قال الزبرقانبن بدر: احب كنائني الي الذليلة في نفسها العزيزة في رهطها البرزة الحيية.
7 - المراة الجميلة: قال تعالى: (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله تعالى جميل يحب الجمال) قال ابراهيم العدوي:ثلاث تفرح القلب وتنمي العقل: الزوجة الجميلة والكفاف من الرزق والاخ المؤنس.
لو قيل للحسن احتكم لم يعدها &&& او قيل خاطب غيرها لم ينطق
فكاننا من فرعها في مغرب &&& وكاننا من وجهها في مشرق
قال الاصمعي: الحسن في العينيين والجمال في الانف والملاحة في الفم.
واقول في مدح جمالها:
رايت الهلال ووجه الحبيب **** فكانا هلالين عند النظر
فلم ادر مِن حيرتي فيهما **** هلال الدجى من هلال البشر
فلولا التورد في الوجنيتين **** وما راعني من سواد الشعر
لكنت اظن الهلال الحبيب **** وكنت اظن الحبيب القمر
ولولا الاطالة لاسردت كلاما في هذا الباب وفي غيره ولكن احببت ان اختصره وكذلك لان المقام لالا يسمح بذلك ولكل مقام مقال.
وبما ان كثير من النساء يبحثن عن الجمال احببت ان اختصر لكم بعض الكلام اذلي ذكره احد المشاييخ في هذا الباب وسماه عشر خصال للباحثات عن الجمال واليكم اختصاري له واسال الله ان ينفعني واياكم به:
الخصلة الاولى: النظافة في البدن والثياب
ويالف الزوج من النساء **** طاهرة الثياب والاعضاء
قال الني صلى الله عليه وسلم (الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الاظفار ونتف الاباط) رواه البخاري ومسلم وما تزينت المراة لبعلها بمثل نتف لابطها واستحدادها وتقليم اظفارها.
الخصلة الثانية: الاغتسال فاطيب الطيب الماء فلتكثريين يا اختي الغسل به لتكوني وضيئة حسناء
(يُتْبَعُ)
(/)
قال ابو هريرة:اطيب الطيب الماء)
والماء طيب طيبَ الحسناء **** فلتكثر الغسل به النساء
الخصلة الثالثة: اطالة الشعر ومشطه ودهنه وبالروائح الطيبة ملئه. فالشعر الطويل علامة كل جميل
لها طلعة من شعرها وجبينها **** تعانق فيها ليلها ونهارها
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن يدخل المدينة ليلا:امهلوا حتى تدخلوا ليلا اي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة) متفق عليه
ولعمر الله ما كان قص الشعر من الجمال
بالامس انت قصصت شعرك غيلة **** ونقلت عن وضع الطبيعة حاجبا
الخصلة الرابعة: اللباس
فما تجمل الناس بمثل اللباس قال تعالى (يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم)
الخصلة الخامسة: الكحل في العينين
ومن تكحلت فقد تزينت ولهذا منع الشرع الكحل على المعتدة
والكحل صحة للعينين
قال سعيد بن جبير: زينة الوجه الكحل)
وقد قيل: فيا حسنها اذ يغسل الدمع كحلها
الخصلة السادسة: الخضاب في اليدين والرجلين
وكذلك منع الشرع الخضاب على المعتدة كما جاء في الحديث
قال سعيد بن جبير: وزينة اليدين الخضاب
الا ليت هل ابيتن ليلة **** وسادي كف في السوار خضيب
الخصلة السابعة: الطيب قال النبي صلى الله عليه وسلم: حبب الي من دنياكم النساء والطيب) فما هناك شيء احب الى الرجل بعد النساء من الطيب
قالت عائشة رضي الله عنها: كنا نضمد جباهنا بالمسك المطيب فاذا عرقت احدانا سال على وجهها)
فذات الطيب يرزو اليها الحبيب
وتضحي فتيت المسك فوق فراشها نؤم **** الضحى لم تنتطق عن تفضلي
الى مثلها يرنو الحليم صبابة **** اذا ما اسبكرت بين درع ومجول
فالبطيب الحسناء تفوق الروضة الغناء
فما روضة بالحزن طيبة الثرى **** يمج الندى جثجاثها وغرارها
الخصلة الثامنة: الحلي
فما نقص من الجمال يتمه الحلي على كل حال
ومن تحلت فبالحسن تجلت
ومن بحليها تلبست فلزوجها قد تجملت
ويكفي من الحلي للنساء ما احاط بعنق الحسناء
الخصلة التاسعة: حسن الخلق
وما تجمل الخلق بمثل حسن الخلق
قال ابن القيم: وانك لترى صاحب الاخلاق الجميلة من احلى الناس صورة وان كان قبيحا وقال: وصاحب الخلق الجميل لا تنفك القلوب عن محبته وتعظيمه والميل اليه.
الخصلة العاشرة: العفة عن الحرام والغفلة عن الاثام
فمن كانت لجوارحها حافظة كانت عن الفاحشة غافلة
فما تزينت المراة بمثل العفة
فان برزت كانت لعينيك قرة **** وان غبت عنها لم يعمك عارها
اختاه من تزينت بهذه الخصال بدت اوصافها الكمال
احسن النساء:
سئل اعرابي عن احسن النساء فقال: افضل النساء: اطولهن اذا قامت واعظمهن اذا قعدت واصدقهن اذا قالت. التي اذا غضبت حلمت واذا ضحكت تبسمت واذا صنعت شيئا جودته. التي تلزم بيتها و لا تعصي زوجها العزيزة في قومها الذليلة في نفسها الودود الولود وكل امرها محمود.
وفي الختام اقول لها:
يا صورة البدر ولا والذي **** صور ليس البدر يحكيك
مني على العين و لا تبخلي **** بنظرة فالعين تفديك
وان تحرجت لهذا فكم **** قد سبح الرحمن رائيك
هذا بهذا فارتجي اجر من **** ان غبت عنه ظل يبكيك
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
كتبه اخوكم في الله ابو قتادة السلفي المغربي يوم الاربعاء 2 جمادى الاول 1429 الموافق لـ 7 مايو 2008
اسال الله ان يجعل ما كتبت في ميزان حسناتي وان يغفر لي ويعفو عني ويحفظني اللهم امين
لو ان خاطري الح علي بكتابة هذا ما كتبته وبالله التوفيق والله اعلم
ـ[أم فراس]ــــــــ[08 - May-2008, صباحاً 07:24]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طلبت (أبا قتادة في كل شيء أكمله) وماذلك على ربك ببعيد،وفقك الله وجميع المسلمين لما تصبو إليه،ولكن تخيل أننا وجدنا تلك الصفات في إحدى النساء فما هي صفات الرجل المناسب لها في نظرك، أو نظر تلك المرأة التي وصفتها؟؟
أو بطريقة أخرى: اجمع مادة علمية جميلة حول شروط الرجل المكافىء لتلك المرأة.وللحديث بقية بعد ذلك.
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[08 - May-2008, صباحاً 10:07]ـ
موضوع طيب جزاكم الله خيرا ونفع بكم
لكن ماذا عن الرجل الذي تريد هي-ابتسامة
ماذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم في بيته مع اهله وماذا كان السلف
لو ينشر هذا ايضا لكان نفعه عظيم جدا
بارك الله فيك
اذكر انني منذ 26 سنة وكنت صغيرا وكنت ازور الدكتور سعيد عبد العظيم في بيته-وقد اهديته وقتها كتاب الطلاق لاحمد شاكر ورسالة صنعتها عن فقهيات الصيام سميتها الحاوي في فقهيات الصيام - وكنت اتعلم منه بالمشاهدة والاسئلة اسئلها-وليس بالدرس وكنت امشي معه الي بيت اقاربه ثم اتركه واذهب ومرة قال لي في الطريق يااخي الشباب دول غاية في العجب اي والله
يبحثون عن مثل -عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها- واخذ بالك انت ازاي -طيب وهل هو ابو بكر او عمر!
كلمة مازالت عالقة في ذهني
ـ[أسماء]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 02:02]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طلبت (أبا قتادة في كل شيء أكمله) وماذلك على ربك ببعيد،وفقك الله وجميع المسلمين لما تصبو إليه،ولكن تخيل أننا وجدنا تلك الصفات في إحدى النساء فما هي صفات الرجل المناسب لها في نظرك، أو نظر تلك المرأة التي وصفتها؟؟
أو بطريقة أخرى: اجمع مادة علمية جميلة حول شروط الرجل المكافىء لتلك المرأة.وللحديث بقية بعد ذلك.
صدقتي أختي ام فراس بارك الله فيك ...... سؤال في محله
والمراة المتعلمة ليست كالمراة غير المتعلمة قال تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)
مشكور أخ ابو قتادة السلفي و لكن هل هذا الأية في موقعها الصحيح .. ؟؟
و بارك الله فيك
و موفق إن شاء الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو قتادة السلفي]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 02:05]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم على تعليقاتكم ونفع الله بي وبكم المسلمين
اما بنسبة ما ذكرته اخت ام فارس حول ان اكتب في شروط الرجل المكافئ للمراة، فهذا ايضا كنت انوي الكتابة فيه، ان يسر الله لي ذلك ان شاء الله كتبت فيه.
اما ذكرته اخي ابن الشاطئ انا دائما كنت اقول لبعض الاخوة الذين يقولون لي نريد امراة كعائشة رضي الله عنها فاقول لهم كونوا كابي بكر الصديق رضي الله عنه وستجدون امراة كعائشة رضي الله عنها.
ولهذا الجواب الصحيح لمن سال عن امراة صالحة ان يقال له كن صالحا تجد امراة صالحة وبالله التوفيق والله اعلم
ـ[ابو قتادة السلفي]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 02:26]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
اما بالنسبة كلام الاخت اسماء
اولا: جزاكم الله خيرا على قرائتكم لموضوعي وتعليقكم فاحسن الله اليكم
ثانيا: اما بنسبة الاية فهي عامة تشمل الكل فالرجل المتعلم ليس كالرجل غير المتعلم وكذلك المراة المتعلمة ليست كالمراة الغير المتعلمة وعلى هذا فقس فالذي يعلم ليس كالذي لا يعلم وقولي لا يعني ان تكون عالمة كبيرة لها علم العلماء لا قصدي هنا ان تكون على الاقل تعرف ما اوجب الله عليها ان تتعلمه لان في زمن ابتلينا فيه بالجهل واهله وطلب العلم فريضة كما جاء في الحديث (طلب العلم فريضة على كل مسلم) فالحديث يشمل الرجل والمراة.
ـ[عصام]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 08:00]ـ
جزاك الله خيرا
لو قرأت مقالك قبل ذلك لكان ما كان غير ما هو كائن
و حيث ان ذلك كذلك فلا تعليق
جزاك الله خيرا
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 02:13]ـ
: (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون)
جزاك الله خيرا أولا- ثم ماوجه استدلالك بهذه الأية؟
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 03:05]ـ
لم يرد في المقال ان تكون المراة هي: الولود كرقم-8 مثلا -ابتسامة
ـ[الهزبر]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 08:08]ـ
أما أنك ستدرك ماأدركناه , وأنتظر!
أنت تطلب ماهو أبعد من لمس السحاب , وأطلب من عنقاء!
لاتبحث
ـ[محمد بن مسلمة]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 08:49]ـ
لا أظن في هذه الدنيا أمرأة بهذه الصفات ..
نسأل الله من فضله .. آمين
ـ[ابو قتادة السلفي]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 12:53]ـ
ابن الشاطئ حياك الله اخي العزيز وبارك الله على ابتسامتك لن اجيبك على سؤالك (ابتسامة)
الهزيز الامة فيها الخير الكثير وبشروا و لا تنفروا اسال اخاك ان يرزقه ما يتمناه جزاكم الله خيرا ولست اطلب المحال اذا كان هذا محالا فما فائدة احاديث النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب الهمة دائما يتمنى ما يراه كثير من الناس انه محال
اخي محمد بن مسلمة حياك الله اخي وجزاك الله خيرا على دعائك واقول لك ايضا بل اظن ان يوجد في الدنيا من هذا النوع الكثير والحمد لله رب العالمين وبالله التوفيق والله اعلم لست اريد منكم الا الدعاء لاخيكم والسلام عليكم
ـ[ابو قتادة السلفي]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 04:17]ـ
خالد المرسي اخي العزيز جزاك الله خيرا على قرائتك لموضوعي وتعليقك
اما ما وجه الاستدلال بالاية الوجه ان الله ذكر الجمال في القران وان الانسان فطر على حبه
ولكن الجمال ليس هو الاصل انما الاصل دين المراة فان اختير الرجل بين امراة متدينة صالحة وليست بجميلة وبين المراة الغير المتدينة ولكنها جميلة لكان عليه ان يختار المتدينة الصالحة لقو النبي صلى الله عليه وسلم: فاظفر بذات الدين تربت يداك) فالجمال كثيرا ما يذهب ولكن الدين هو الذي يبقى بل قد يزداد فيها الدين والصلاح فتمعن قول الله تعالى (انهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى) دائما لما يسوس الشيطان لي بقوله يا ابا قتادة ما زلت شابا اترك عنك هذا الالتزام حتى تكبر وتلتزم ايضا عش وتمتع بشبابك اتذكر قول الله تعالى (انهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى) وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في السبعة الذن يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل الا ظله فذكر منهم (شاب نشأ في عبادة الله) اريد ان اقول ان تزوجت بصاحبة الدين فانها ستزداد دينا وايمانا وهدى باذن الله وسينفعك ذلك اما الجميلة فكم من امراة كانت من اجمل النساء فمع مرور الوقت فقدت جمالها بالولادة وغير ذلك ..
على كل انصح الاخوات المتزوجات ان يركزن على مظهرهن ولباسهن ولسانهن وغير ذلك ولا يهملن جانب الرومانسي مع ازواجهن وان يكثرن من تزيين انفسهن وان يحاولن ان يحفظن وزنهن وجمالهن وغير ذلك والمقام لا يسمح بذكر بعض الكلام
والرجل ايضا عليه ان يتقي الله في زوجته وأن يوفر لها ما يكفل لها أناقتها وجمالها مثلا (ان يجعل مكانا في بيته للرياضة) وبالله التوفيق والسلام عليكم
ـ[أم فراس]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 05:23]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مازلنا أبا قتادة في انتظار شروط الرجل المكافئ.
ويفهم من كلامك أن الجمال قبل وبعد كل شيء عندك، ويحق لك ذلك،
طيب إذا فقدت جماله بعد الولادة أو مع الزمن، وبقيت صفاتها الثانية، كيف ستنظر لها؟
وهل الرجال لأنهم لا يلدون يبقون بنفس الصفات الأولى؟
ومارأيك لو تغير بشيب أو سمنة هل تطلب مخالعته المرأة المجتهدة في جمالها (سؤال افتراضي فقط)
أردت الوصول إلى أن الشروط شيء ثم الحياة الحقيقية شيء آخر وادع الله بالتوفيق دائما ولا تنس (حظوظ وأرزاق ماهي بحسن الساق). ولماذا وصلنا للمسيار،ولمن يريد الموظفات؟ أليس بسبب تغير نظرة الرجل للمرأة؟
ادخل المحاكم الأسرية واسأل الاستشاريين الأسريين عما يحدث من الرجال مع النساء أو العكس وحاول تلافيه بتغيير نظرة الرجل للمرأة؟ وفق الله أبناءنا جميعا وبناتنا لما يريدون.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو قتادة السلفي]ــــــــ[12 - May-2008, مساء 02:10]ـ
الاخت ام فراس جزاكم الله خيرا على تعليقاتكم
اما بالنسبة ما ذكرتي
اولا: يفهم من كلامي خلاف ما فهمتيه واظن ان لفظ الجمال يحتاج الى تفصيل حتى يفهم الاخوة ما المقصود؟، ومن قرا كلامي الاخير عن الباحثات عن الجمال يرى ان هذا الجمال الذي اقصده من السهل على المراة ان تكتسبه
ثانيا: قولك لو تغير جمالها كيف سانظر اليها، انظر اليها كالسابق لن يتغير شيئا وجمال المراة سيتغير مهما كان الامر لكن المقصود على المراة ان لا تهمل هذا الجانب كليا تحاول ان تحافظ على بعض الجمال والله اعلم
اما بالنسبة الرجل فلست اقول انه لا يتغير مع الزمان ولست اقول ان الرجل مرفوع القلم عنه بل الرجل مطالب بامور عديدة جدا وعليه ان يتقي الله في زوجه وان لا يهملها ويغير نظرته اليها بعدما تغير بعض اوصاف المراة وسياتي ان شاء الله دور الرجال (ابتسامة)
ثالثا: بالنسبة مطالبة الخلع ان تغير الرجل بالشيب او ما شابه ذلك) افهم من كلامك هذا كاني اطالب الرجل بطلاق زوجته ان تغير جمالها وهذا ليس بصحيح وكلامي واضح بين لا احتاج الى ان اكرر بعض الكلام
رابعا: ما ذكرته ليس بشروط وانما اوصاف المراة المؤمنة الصادقة وهكذا يجب عليها ان تكون متدينة صالحة خلوقة باخلاق حسنة تطيع الله ورسوله والجمال لست اقصد ما فهمه كثير من الاخوة
واخيرا: اختي ام فراس ليس الرجل فقط الذي يغير نظرته الى المراة بل العكس ايضا، المشكلة اننا لا نريد ان نعرف ما هي هذه الاسباب التي تؤدي الى الطلاق والى التفكك الاسري ولماذا المحاكم ملئت بهذا؟ اسباب عديدة وعلى راسها نقص الايمان والدين والتقوى والجهل بالدين وكذلك اهمال البعض للبعض وكذلك عدم اعطاء الحقوق التي يستحقها الجانب الاخر فالرجل لا يعطي للمراة حقها والمراة ايضا وكذلك انعدام الحب بين الطرفين واسباب كثيرة جدا واسال الله ان يوفقني الى ذكر بعض هذه الاسباب في هذا المنتدى وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم(/)
رسالة إلى الدكتور محسن العواجي وفقه الله تعالى ..
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[08 - May-2008, صباحاً 06:48]ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد ..
لقد شاهدتُ حلقة الاتجاه المعاكس ليوم الثلاثاء 1 - 5 - 1429 الموافق 6 - 5 - 2008 وكان ضيفاها الدكتور محسن العواجي والكلب النجس مجدي خليل.
وكانت في الحديث عن تجربة الإسلاميين في الديمقراطية، ومحاولة العالمانيين إقصاء الإسلاميين، حتى لو كان وصولهم عن طريق الديمقراطية، كما فعلوا مع حماس ومع حزب العدالة والتنمية.
في الحقيقة أعجبني من الدكتور محسن قوة شخصيته وجرأته وإلمامه بالواقع وفضحه للحقير النجس، لا سيما عندما ذكر مقالًا له شتم فيه الإسلام قاتله الله تعالى، وحربه على الإدارة الأمريكية الغاشمة، وتشجيعه الجهاد ضد أعداء الله، ولم ينكر الجهاد كما يفعل المتخاذلون.
لذلك فأنا أتوجه بالشكر للدكتور محسن وأسأل الله تعالى له مزيدًا من التوفيق والسداد، كما أشكر الدكتور على بعض مواقفه الجيدة من قول للحق - أحيانًا - ولو كان مرًا.
ولكن هناك بعض المخالفات الخطيرة الجسيمة ارتكبها الدكتور محسن في أثناء حلقته، وسأقوم بالتنبيه عليها؛ لعل الدكتور يراجع نفسه ويصحح موقفه فالله المستعان ..
1 - اتهام الدكتور الإسلاميين المخالفين للديمقراطية بالتطرف:
فلقد ذكر الدكتور أن الإسلاميين الاّن قسمان:
1 - الأغلبية منهم تقبل الديمقراطية، وتحتكم إلى الشعوب ..
2 - أقلية ترفض الديمقراطية.
وذكر أن الثانية متطرفة!!
و لا أدري ما هذا التناقض! إذ إن من أبجديات الديمقراطية الرأي والرأي الاّخر، فمن الديمقراطية أن أرفض الديمقراطية، وإلا صارت كلمة لا معنى لها - كما هو واقعها - ..
وإلى جانب هذا التناقض فإن في كلامه هذا تعديًا على أساتذة وعلماء سبقوا الدكتور في العلم والدعوة و لا شك أن الدكتور تعلم منهم كثيرًا ..
يا دكتور: هل فضيلة الأستاذ الجهبذ محمد قطب حفظه ربي من كل سوء متطرف لأنه يرفض الديمقراطية؟؟
هل اّلاف العلماء وطلبة العلم متطرفون؛ لأنهم يرفضون الديمقراطية؟؟
يا دكتور لستُ في سياق الكلام عن مخالفات الديمقراطية للعقيدة الإسلامية، ولكن فقط أطلب منكم أن تعاملونا بديمقراطية، فرفضنا للديمقراطية خيار ديمقراطي فدعنا نحن - المتطرفين - واختيارنا و لا تعيرنا، خاصة أن كثيرًا من أساتذتك يرفضون الديمقراطية معنا ..
فأنا أطلب من الدكتور اعتذارًا صريحًا إلى هؤلاء الأساتذة والعلماء ..
2 - الإخوان والوهابية وحماس والعدالة والتنمية ..... إلخ
سأله الكلب: أليس وضع الدول الإسلامية بدون الإخوان والوهابية وحماس والعدالة ...... إلخ سيكون أفضل؟؟
فأجاب الدكتور إجابة موجزة قائلًا: (لا أدري)!!
وبعد إجابته حقيقة صدمتُ صدمة كبيرة ...
* الوهابية - كما يسمونها - هم الذين أحيوا التوحيد في بلاد المسلمين، وأماتوا الشركيات ..
* الإخوان هم الذين جندوا الشباب للعمل لدين الله تعالى وذكرواالأمة بشمولية الإسلام ..
* حماس هي التي قاومت اليهود الملاعين وحاولت إقصاء الخونة من الحكم.
* العدالة والتنمية حاولوا القضاء على إجرام العالمانيين في تركيا ..
كل هؤلاء لا نقول بعصمتهم، بل الجميع عنده أخطاء - وإن اختلفت نسبة الخطأ في كل فصيل - لكن مما لا شك فيه أن هؤلاء لهم فضل في بلدانهم، والواقع من غيرهم سيكون أسوأ، اللهم إلا إن كان البديل الصحابة والتابعين رضي الله عنه ..
أنا على يقين أن إجابة الدكتور إجابة دبلوماسية – إن صح التعبير – وهو يدري، لكن هنا لا بد من إظهار الحق وتبيينه؛ حتى لا يضيع وسط هذه الموجات الكفرية السائدة في هذاالعصر.
3 - هل توافق على فصل الدين عن الدولة يا دكتور؟؟
سأله الملعون هذا السؤال، فلم يجب الدكتور إجابة صريحة!!
والله كدت أن أبكي دمًا حينما يتوقف إسلامي عن الإجابة عن هذا السؤال ..
يا دكتور هذا السؤال = هل توافق على الكفر أو لا؟؟
ففصل الدين عن الدولة أكبر مظهر من مظاهر الكفر في هذا العصر، وأظن ذلك لا يخفى عليكم، وقد تربيتم في بلد تدرس فيها العقيدة الإسلامية ..
كيف تتوقف يا دكتور، وتدخل في متاهات - إن صح التعبير - و لا تقطع في هذا الأمر الذي لا يختلف عليه مسلم؟؟ ..
هل لهذه الدرجة هان التوحيد؟؟
(يُتْبَعُ)
(/)
لعن الله الفضائيات إن كانت ستهون التوحيد ...
4 - وتكلم فقلتُ ليته سكت!
بعد ذلك قال الدكتور - بالمعنى - في سياق إجابته عن السؤال السابق: (إذا اختار الشعب دستورًا أو نظامًا فلا أملك أنا أو أنت الاعتراض على اختيار الأمة) ..
يعني بالبلدي كده: لا تقل لي ربنا و لا القراّن و لا السنة إذا خالف ذلك سيدنا الشعب رضي الله عنه فهو الحكم وإن الحكم إلا للشعب!!!!! ..
كلمة التوحيد يا أحبة ليست (الله إله)!! بل هي (لا إله إلا الله) وقد يتعجب إنسان ويقول: ما دخل هذا بحديثنا؟؟
أقول: بل الدخل واضح جلي لأولي البصائر، فكلمة التوحيد نفي أولًا ثم إثبات، يعني أكفر بالطواغيت أولًا ثم أؤمن بالله تعالى ..
وإلا فأغلب الكفار يؤمنون بالله تعالى، لكن يؤمنون أيضًا باّلهة أخرى ...
لذلك قال تعالى في سورة البقرة: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256))
وللأسف الشديد صار بعض الإسلاميين يقول: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يؤمن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
حذفوا الكفر بالطاغوت!!
فأنا مؤمن بالله، لكن أحترم كفر غيري ..
أنا مؤمن بالله، لكن أحترم الاّلهة الأخرى، والشعب من هذه الاّلهة إذا كانت كلته ستعلو على كلمة الله تعالى ..
يا دكتور: ألا تعلم أن هذه المقولة مقولة كفرية؟؟
كيف أرضى إذا اختار الشعب إباحة الخمور؟
كيف أرضى إذا اختار الشعب العالمانية؟؟
كيف وكيف وكيف؟؟؟؟
أنا مؤمن بالله تعالى كافر بالطاغوت.
أنا كافر بكل دستور يتحاكم إليه الناس من دون الله.
أنا كافر بكل نظام يخالف نظام الإسلام ..
(اّمنا بالقراّن وكفرنا بالطاغوت) ..
أسأل الله تعالى أن تتقبل هذا المقال بسعة صدر وأسأله تعالى أن يجعلك من دعاة الحق، وأن يرزقنا دعاة على التوحيد والجهاد يدافعون عن هذه العقيدة، ويرغمون أعداء الله تعالى، وفي الختام أكرر شكري للدكتور ناصر العمر الذي ظهر في الجزيرة من شهر تقريبًا فكان كالأسد الهصور بفضل الله تعالى وأقول له كما قلت من قبل - وإن أغلق موضوعي هذا! -: (جزاكم الله خيرًا يا دكتور ناصر العمر .... بيضتم وجوه أهل السنة والجماعة.) ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه والتابعين ..
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[08 - May-2008, صباحاً 06:58]ـ
رجاء من الإخوة أن لا يخرج أحد بنا إلى مواضيع جانبية، وأن ينصفوا في نقدهم، وأن يبتعدوا عن التجريح؛ حتى لا يؤدوا إلى غلق الموضوع أو حذفه، كما تكرر في غير موضوع لي.
ـ[ممعن النظر]ــــــــ[08 - May-2008, صباحاً 07:31]ـ
شاهدت البرنامج
وقد راق لي ما راق لك
وآلمني ما آلمك
لكن ليس هذا بمستغرب على العواجي , فهو يتحرق لنصرة هذا الدين , ويخبط خبط عشواء في الغالب , ويأتي بالبواقع والطوام في جل لقاءاته. وما ذاك إلا بسبب ضعف التأصيل والمنطلقات الشرعية.
إلا أني - وكل منصف - نحمد له غيرته وجرأته وقوته في الحق.
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 05:17]ـ
أظن أن معظم أخطائه بسبب عدم اطلاعه الكافي على هذا الرجل .. مع قدرة الأخير على استغضابه لحد جعله يقول كلاما غير محسوب ... إضافة إلى محاولة أن يكون منفتحا .. على اعتبار أنه يشاهده العالم بأسره .. وهو إنما يتكلم .. باسم تيار صحوي سلفي ..
فلهذا وقع تحت هذه التأثيرات .. لكنه بالجملة كان قويا كما أشرت .. وألقم النجس أحجارا متتالية .. ولكن لو كان الدكتور سعود الهاشمي .. لكان أجود وأدق وأصوب .. فرج الله عنه
شكر الله لك أخي العبادي .. هذه الرسالة الطيبة
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 06:13]ـ
بورك فيكم ..
د محسن - هداه الله -: جرأة متنوعة، دون علم شرعي يؤهله (للتحدث) في الأمور التي ذكرتَها.
وليت الأمر اقتصر على الأخطاء، لكنه قد يصل إلى أن يفوه المرء بجملة لا يلقي لها بالا تخسف به ...
وقانا الله وإياكم، ووفقه للحق ..
ـ[أبو القاسم]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 06:36]ـ
أقلوا من اللوم ..
فإن جرأته في الحق وإن اعتراها أخطاء
لكننا نفتقدها في كثير من العلماء .. بل في أكثرهم
ولا يقال لكل من تكلم وأخطأ في أشياء: اسكت
بل ينصح .. كما فعل العباديثم بعض ما ذكر أنه أخطاء يمكن تأويله على محمل حسن
فقوله:لا أدري .. أي لأنه لا يعلم الغيب .. فلم يجزم بقول لسبب يراه ..
أما كونه ليس متخصصا في الشريعة .. فالموضوع المناقش لا يستلزم فقيها ولا محدثا
بل هو كلام في الجماعات والشأن السياسي والحريات .. والرجل عالج الأمر وسجن وهو خبير في شؤون ذلك .. بل لو جيء بعالم فقيه علما شرعيا بحتا .. لما استطاع في الغالب أن يرد على شبهات القبطي النجس .. لتعلق الحلقة بفقه الواقع أكثر من تعلقها بأصول الفقه مثلا!
وأعتب على الأخ الحبيب العبادي أنه استكثر -فيما يظهر-على الشيخ العالم محمد قطب .. اسم "الشيخ" .. فسماه أستاذا .. والحق أنه شيخ جليل .. وقد تخرج على كتبه الكثير من شيوخ النهضة المجددين .. ومما أحزنني بما يتعلق بهذا .. أنه كان في عرس ابنة الشيخ محمد قطب عدد كبير من المشايخ .. وكان الكثير من طلاب العلم يتحلقون حوله .. فلما دخل الشيخ عبد الوهاب الطريري .. تركوه والتفوا حول الطريري! .. فهم ينظرون لمحمد قطب كمجرد مثقف لا غيروهذا جهل عريض .. فلولا قلمه السيال .. لما عرف كثير من هؤلاء كيف يرد على شبهات الكفار على تنوعها وتيارات العلمانية .. وهو فقيه ومفسر ومؤرخ .. ولايلزم أن يعرف هذا عنه في كتبه ..
فقد يهتم الرجل بشيء فيغلب عليه .. ولا يعني ذلك نفي ما عداه عنه
كما غلب التفسير على الشنقيطي .. وهو فقيه بحر .. وأصولي حبر ..
غلبت العقيدة على الإمام ابن تيمية .. وهو إمام في العلوم الإسلامية كلها
والأمثلة كثيرة
والله الموفق
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد الحجي]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 07:33]ـ
بل لو جيء بعالم فقيه علما شرعيا بحتا .. لما استطاع في الغالب أن يرد على شبهات القبطي النجس .. لتعلق الحلقة بفقه الواقع أكثر من تعلقها بأصول الفقه مثلا!
أخي ابو القاسم هذا احجاف بحق العلماء وتسفيه لرأيهم بأنهم لا يفقهون واقع أمتهم أو تصور واقع ما يفتون به .. أرجو أن تنتبه لهذا المزلق .. من كان متأصلا قويا بالعلم الشرعي لا ريب أنه أدرى بواقع أمته ممن يتصدر وليس عنده الحجة البالغة لضعف تأصيله الشرعي فجاء بما جاء فغرب وشرق!!
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 11:46]ـ
بارك الله فيكم إخواني الكرام وجزاكم الله خيرًا وشرفني مروركم الكريم ....
- لا شك أن للدكتور محسن حفظه الله مواقف مشرفة في قول كلمة الحق، وانتقاد مخالفات الأمراء ونحو ذلك، وهذا محفوظ عندنا، نقدره ونثمنه له بارك الله فيه وثبته على ذلك ..
و لا شك أيضًا أن الدكتور ألقم هذا النجس أحجارًا سامة أوقفت كذبه وافتراءاته ..
لكن لا يمكن أبدًا السكوت عن وصف رافضي الديمقراطية بالتطرف، وعن القول بحرية الشعوب في اختيار ما تقرره، فهذا يناقض تمامًا عقيدة الحاكمية التي تربينا عليها منذ نعومة أظفارنا ..
وبالنسبة لمن يتحدث في نوازل الأمة فلا يصلح فيها علماء الشرع فقط و لا علماء السياسة والواقع، بل إما أن يكون عالمًا فقيها بالشرع والواقع، وإما بالتكامل بين الجميع، كما يحدث مثلًا في المجمع الفقهي من تكامل بين الفقهاء والأطباء والمهندسين .... إلخ
- أما قول أخي الحبيب أبي القاسم: (وأعتب على الأخ الحبيب العبادي أنه استكثر -فيما يظهر-على الشيخ العالم محمد قطب .. اسم "الشيخ" .. فسماه أستاذا .. والحق أنه شيخ جليل)
فوالله ما كان هذا قصدي مطلقًا!!
ويبدو يا أخي الكريم أنكم لا تعرفون منزلة الشيخ محمد قطب في قلبي، فهو من أشد الناس الذين أحبهم في هذا العصر، وأشهد الله على ذلك.
ولو ذهبت إلى مكة وقيل لي: (أي الناس تود زيارتهم؟؟) فوالله سيكون الاسم الأول (محمد قطب) ..
أما عن قولي له (أستاذ) وليس شيخًا، فتفسيره أنني أنادي الناس بالألقاب الغالبة عليهم، وأنا من زمااان وأنا أسمع كلمة الأستاذ محمد قطب أكثر من الشيخ محمد قطب ..
فقط هذا تعود كا تقول الإمام أحمد والحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية والأستاذ الإسفراييني .... إلخ
فقط تعود لسان لا أكثر و لا أقل ..
وجزاكم الله خيرًا ..
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[09 - May-2008, صباحاً 10:29]ـ
اول مرة اعرف ان الشيخ محمد قطب عايش - كم عمره - واين انتاجه الم من صوتيات ومقالات الى اخره
ـ[محمد السلفي المكي]ــــــــ[11 - May-2008, صباحاً 01:00]ـ
شاهدت الحلقة
وكلام الأخ محمد العبادي لا يزاد عليه
جزاه الله خيرا
ـ[الهزبر]ــــــــ[11 - May-2008, صباحاً 05:02]ـ
إنك تحبر من القول مايتطاير منك وقت المناظرة, ويفوتك الشيء الكثير, ومالسامع كالرائي ..
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 03:27]ـ
رسالة طيبة
جزاك الله خيرا أخانا الكريم
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[14 - May-2008, مساء 08:55]ـ
جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم ..(/)
من خطب الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ التحذير من البدع والمحدثات
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 12:32]ـ
من خطب الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ التحذير من البدع والمحدثات
قضايا في الاعتقاد
المدينة المنورة المسجد النبوي
3/ 7/1419هـ
ملخص الخطبة
1 - الحث على التمسك بالكتاب والسنة. 2 - التحذير من البدع. 3 - حث السلف على لزوم السنة وترك البدعة. 4 - هجر المبتدع. 6 - بدع رجب. 7 - بدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج.
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله عزّ وجلّ سرًّا وجَهرًا لَيلاً ونهارًا.
أيها المسلمون، كتابُ الله سبحانه وسنّة رسوله لم يترُكا في سبيل الهِداية لقائل ما يقول، ولا أبقيا لغيرهما مجالاً يُعتَدّ به، فالدين قد كَمُل، والسعادة الكبرى فيما وضع، والطِلْبة فيما شرَع، وما سِوى ذلك فضلالٌ وبهتانٌ وإفكٌ وخسران، والعاقد عَليهما بكِلتا يديه مستمسكٌ بالعروة الوثقى، محصِّلٌ لكلمتَي الخير دنيًا وأخرى.
إخوة الإيمان، دين الإسلام مبنيٌّ على أصلين عظيمين وركيزتين أساسيتين: الإخلاص لله جل وعلا والاتّباع لهدي المصطفى، بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:112].
وخيرُ طريق يكون به الاتِّباع المحمود ويحصُل به الاقتِداء المنشود هو طريق نبيِّنا؛ إذ طريقه هو الَمعِين الصافي ومصدَر النور والهدى وإشعاع الخير والفلاح والزكاء، والبُعد عن هذا الطريق أو الجنوح عنه بليّةٌ عظمى وفِتنةٌ كبرى يدعو إليهَا عدوُّ الأمّةِ إبليسُ وحِزبه، يستغِلّ جهلَ بعضِ المسلمين لدينهم أو مَيلَهم مع الهوى، فيزيِّن لهم ما ليس بمشروع، ويُحسّن لهم ما ليس بمحمود، يُحدث لهم رهبانيّة مبتدَعة وشرائعَ محدثة تنأى بهم عن عِلم السنّةِ المطهرة، يُسوّغ لهم التعصّبَ للآراء والرِّجال لِيحولَ بين المرءِ واتِّباع الدليل وسبيلِ الحقّ، وبذا انحرَف بعضٌ عن سواءِ السبيل، فشوَّهوا حقيقةَ الدين، وأصبحوا لا يفرّقون بين حقٍّ وباطلٍ، ولا يعرفون السنَّة من خلافِها، فظنوا الحسنَ قبيحًا والقبيحَ حسنًا، فصدق فيهم قول المولى جل وعلا: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103، 104]، فما يفتح لهم الشيطان بابًا من الضّلال إلا ولَجُوه، ولا يُزيِّن لهم طريقًا من طُرقِ البدَع إلاّ سلكوه.
أيّها المسلمون، لا شيءَ بعد الشرك أعظم فسادًا للدّين وأشدّ تقويضًا لبنيانه وأكثر تفريقًا لشمل الأمّة من البدع؛ فهي تفتِك به فتكَ الذئب في الغنم، وتنخر فيه نخرَ السوس في الحبِّ، وتسري في كيانه سَريان السرطان في الدّم والنار في الهشيم، جَعَلَت المسلمين شِيعًا وأحزابًا، شتَّت شملهم، وجعلتم لقمةً سائغةً لأعدائهم؛ إذ فيها البُعد عن الصراط المستقيم والهديِ المستبين، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].
ومن هنا ـ إخوة الإيمان ـ جاءت النصوص المتكاثرة والأدلة المتضَافِرة في وجوبِ اتّباع السنَّة والتحذير من البدعةِ وكشف سوءِ عاقبتِها في الدنيا والآخرة.
فهذا كتاب ربِّنا يبيِّن لنا عظيمَ ثواب الاتّباع وكبيرَ خطَر الابتداع، يقول سبحانه: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [آل عمران: 106]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (تَبْيَضُّ وجوه أهل السنة، وتَسْوَدُّ وجوه أهل البدع). ويقول عزّ شأنه مبيِّنًا أن البدعَ تفريقٌ للدّين وخروجٌ عن هدي سيِّد المرسَلين: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159]، جاء عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: ((هم أصحاب الأهواء والبِدَع والضلالة من هذه الأمة)).
(يُتْبَعُ)
(/)
ولذا فمن له عقلٌ بَصيرٌ ورأيٌ سديدٌ يجِد عظمَ المصائب والفتَن التي وُجِدَت في هذه الأمّة عبر تأريخها إنما ترجع في أصلها ولو من طَرْفٍ خفيّ إلى الإفراط والتفريط أو الغلوّ والتقصير في الهديِ النبويِّ الرشيد والمسلَك السّلفيِّ السديد، وما تفرَّقت الأمّة أحزابًا وشيَعًا إلاّ بسبَب التنكُّبِ عن الصراط المستقيم والهديِ النبويّ الكريم، قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65]، قال مجاهد وغيره: "هذه لأمّة محمد ".
أتباعَ محمد، نبيّنا عليه أفضلُ الصلاة والسلام حَريصٌ على أمّتِه مشفِقٌ عليهم رَحيمٌ بهم، حذَّرهم من الابتِداع أشدَّ التحذير، وأوصاهم باتّباع سنّته وسنّة خلفائه الراشدين؛ فلا تخالفوا أمرَه، ولا تنتهِجوا غيرَ نهجه، تمسَّكوا بهديه، واستنّوا بسنّته؛ يكن منهجُكم سويًّا سليمًا وصحيحًا مستقيمًا، في الصحيحين عن النبي أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، قال العلماء: "وهذا الحديث ثلُث العِلم لأنّه جمع وجوهَ أمرِ المخالفَة لأمره ".
ويوجز لنا مَكمَن الخير ومستَودَع السلامة والأمنِ، فيقول فيما صح عنه: ((علكيم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي، تمسَّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ)). وفي هذا الحديث يوضّح المصطفى أصلَ الشرّ والفساد فيقول محذِّرًا: ((وإيّاكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإنّ كلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)). وكان يقول في خطبته يوم الجمعة: ((أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ بدعة ضلالة)) خرجه مسلم.
أيها المسلمون، وعلى نهج السنة والهدَى سار سلفنا الصالح من صحابةِ رسولنا وأتباعهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين من أهل الحديث والأثَر، فهم بالوحيَين مستمسِكون، وعن غيرهما حائدون، وبذا فازوا بحُسن الثنَا وعظيمِ السيرةِ والهدى، أجمعَت أقوالُهم على ذمِّ البدَع والنهي عنها والتحذير من عاقبَتها وسوء مصيرها.
فهذا صِدّيق الأمّة أبو بكر رضي الله عنه يقول: (إنما أنا متّبِع، وليس بمبتدع، فإن استقمتُ فتابِعوني، وإن زغتُ فقوِّموني)، وفي سنن أبي دواد عن حذيفة رضي الله عنه: (كلُّ عبادة لا يتعبَّدُها أصحابُ رسول الله فلا تعبَّدُوها؛ فإنَّ الأوّل لم يدَع للآخرِ مقالاً).
كُلّيةٌ مُجْمَعٌ عليها، وأصلٌ متَّفقٌ عليه بينَهم رضي الله عنهم، قال أنس رضي الله عنه: (اتَّبعوا آثارنا، ولا تبتدعوا، فقد كُفِيتم)، وينبِّه حبرُ الأمّة ابن عباس رضي الله عنهما على لزوم الاتّباع والحذَر من الابتداع فيقول: (عليكم بالأثر، وإياكم والبدَع، فإنَّ من أحدث رأيًا ليس في كتاب الله ولم تمضِ به سنة رسول الله لم يدرِ ما هو عليه إذا لقِيَ الله عز وجل)، وكان رضي الله عنه يوصي من لقِيَه بتقوَى الله والاستقامةِ والاتّباع وترك الابتداع.
وها هم التابعون لهم من أهلِ الحديث والأثَر يأخذون منهَجَهم ويرتَسِمون خطاهم، فعن غير واحد منهم: "صاحِب البِدعة لا يَزداد اجتهادًا من صلاةٍ وصيام إلا ازدَاد من اللهِ بُعدًا".
واسمع ـ أخي المسلم ـ لجهبذ من جَهابِذة الحديث وعلَم من أعلام السنّة المطهرة، إنّه ابن المبارك إذ يقول: "اعلم أُخَيّ، إنَّ الموتَ كرامةٌ لكل مسلم لقيَ الله على السنة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فإلى الله نشكو وحشتَنا وذهابَ الإخوان وقِلّة الأعوان وظهورَ البدَع، وإلى الله نشكو عظيمَ ما حلَّ بهذه الأمة من ذهابِ العلماء وأهلِ السنة وظهور البدع".
ومن محاسِن كلامِ العلماء قولُ بعضهم: "اختلاف الناسِ كلِّهم يرجع إلى ثلاثة أصول، فلكلِّ واحدٍ منها ضدّ، فمن سقَط عنه وقع في ضدِّه: التوحيد وضدُّه الشّرك، والسنة وضدّها البدعة، والطاعة وضدها المعصية". وما أروع كلامَ الجنيد حين يقول: "الطرُقُ كلُّها مسدودةٌ على الخَلق إلا على من اقتفَى أثرَ الرسول، ولا مقامَ أشرف من مقام متابعةِ الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه".
(يُتْبَعُ)
(/)
أيّها المسلمون، البِدعة ما أُحدِث في الدين على خلافِ ما كان عليه النبي والأربعةُ الخلفاء الراشدون، إمّا بالاعتقاد بخلاف الحقّ الذي دلّ عليه الكِتاب والسنّة، وإمّا بالتعبُّد بما لم يأذَن به الله من الأوضاع والرسوم المحدثة، وليس في الدين بدعةٌ حسنة، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "فقوله: ((كل بدعة ضلالة)) مِن جوامع الكَلِم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدّين، فكلّ مَن أحدث شيئًا ونسبَه إلى الدين ولم يكن له أصلٌ من الدين يرجِع إليه فهو ضلالة والدين بريءٌ منه، وسواء ذلك في مسائِلِ الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة"، وما أجمل قولَ إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله إذ يقول: "من ابتدَع في الإسلام بدعةً يراها حسنة فقد زعم أن محمّدًا خان الرسالة؛ لأنّ الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا".
عُلماءَ الإسلام ودعاةَ الخير، العِلم أمانة أنتم مطالبون بأدائها وإظهارها، وإظهارُ العلم هو إظهارُ السنة والدّعوة إليها بكلِّ ممكن، قيل للوليد بن مسلم رحمه الله: ما إظهارُ العلم؟ قال: "إظهارُ السنة".
والتنبيه على البدَع سبيلُ الصالحين ومَنهج الصحابةِ والتابعين، وذلك بالحِكمة والموعظةِ الحسنة والموازنةِ بين الحَزم واللِّين، قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "ألا وإني أعالج أمرًا لا يعين عليه إلاّ الله، قد فَنِيَ عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه دينًا، لا يرونَ الحقَّ غيره"، وما أروعَ قول ابن مسعود رضي الله عنه: (إنَّ عند كلّ بدعة كِيد بها الإسلام دليلاً من أوليائه يذبّ عنه وينطق بعلامتها، فاغتَنِموا حضورَ تلك المواطن وتوكَّلوا على الله، وكفى بالله وكيلاً).
وتذكّروا ـ إخوة الإيمان ـ أنَّ السكوتَ من أهلِ العلم عن الإنكارِ على البدَع وأهلها يصيِّرها وكأنَّها سننٌ مقرَّرات وشرائع محرَّرات، قال الأوزاعيّ رحمه الله: "إنَّ السلف رحمهم الله تشتدّ ألسنتهم على أهل البدع وتشمئزّ قلوبهم منهم ويحذِّرون الناسَ بدعتَهم، ولو كانوا مستَتِرين ببدعتهم دون الناس ما كان لأحدٍ أن يهتِك سترًا عليهم ولا يظهِرَ منهم عورَة، الله أولى بالأخذِ بها وبالتوبة عليها، فأمّا إذا جاهروا بها فنشر العلم حَياة، والبلاغ عن رسول الله رَحمة، يُعتصَم بها على مصِرّ ملحد.
ثمّ إنَّ منهجَ السلف عدمُ الإسراف في إطلاقِ كلِمة البدعة على كلِّ أحد خالَف بعض المخالفات، إنما يصِفون بالبدعة من فعل فِعلاً لا أصلَ له من الشّرع ليتقرَّب به إلى الله جلّ وعلا، فليس كلُّ عاصٍ ومخطِئ مبتدِعًا.
ومَنهج السلف رحمهم الله مع المبتَدِع مناصحتُه وإقامَة الحجّةِ عليه بكلِّ حِكمة ولين، ومتى عاند واستكبَر عن الحقّ وجَب هجرُه إن كانت بدعتُه مكفِّرة، وإن كانت دونَ ذلك فالأصل هو الهَجر إلاّ إن كانت في مجالَسَتِه مصلحةٌ ظاهرة لتبيين الحقّ والتحذير من البدعة، وإلاّ وجب الابتعاد عنه مطلقًا، فكان السّلَف رضي الله عنهم إذ هجَروا المبتدع ترَكوا السلام عليه وزيارتَه وعيادتَه.
ألا وإنَّ مِن هجرِ المبتدعة تركَ النظر في كتبِهم خَوفًا من الفِتنة بها أو تَرويجها بين الناس، إلا لمن كان عنده من العِلم والبصيرة ما يحذَر به من شرِّها.
أيها المسلمون، مِن مفهوم الولاء والبراء في الدين عدمُ تعظيم المبتدِع أو الثناء عليه مطلقًا، فهذا دَأب المؤمنين الصالحين المعتصمين بكتابِ الله المهتدينَ بهدي رسول الله.
فاتقوا الله عباد الله، وكونوا من الذين قال الله فيهم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بما أوصي به الخلفيةُ الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله أحدَ ولاته حين يقول: "أوصيك بتقوَى الله والاقتصادِ في أمرِه واتِّباع سنة نبيّه وتركِ ما أحدثَ المحدثون بعدما جرَت به سنّتُه وكُفُوا مؤنته، فعليك بلزوم السنّة، فإنها لك بإذن الله عِصمة، ثم اعلم أنه لم يبتَدِع الناس بدعةً إلا قد مضى قبلَها ما هو دليلٌ عليها أو عِبرةٌ منها، فإنَّ السنة إنما سنّها من قد علِم ما في خلافها من الخطأ والزّلل والحمقِ والتملّق، فارضَ لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فقد قصر قومٌ دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فضلّوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدي مستقيم".
ثم اعلموا ـ إخوة الإيمان ـ أنّ شهرَ رجب من الأشهر الحرُم التي يجب فيها تعظيم أمرِ الله وترك ما حرَّم الله جل وعلا كغيرِه من الأوقات والشهور، ولكن لم يثبُت أنَّ للعبادة فيه مزيّةً على غيره من الشهور، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وقد روِيَ أنه كان في شهرِ رَجب حوادث عظيمة، ولم يصِحَّ شيءٌ من ذلك، وأما الصلاة فلم يصحَّ في شهر رجب صلاةٌ مخصوصة تختصّ به، لا عن النبي ولا عن صحابته، والأحاديث المرويّة في فضل صلاةِ الرغائِب في أوّل جمعةٍ من شهر رجب كذِبٌ وباطل لا تصحّ، وأما الاعتمار فقد أنكرَت عائشة رضي الله عنها أن يكونَ النبي اعتمرَ في شهر رجَب، بل هو كغَيره من الشهور، وأما الصّيام فلم يصحَّ في فضل صومِ رَجَب بخصوصه شيء عن النبيِّ ولا عن أصحابه" انتهى كلامه يرحمه الله، وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "لم يرِد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيءٍ منه معيَّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديثٌ صحيح يصلح للحجة".
ومن الأخطاء التي قد يقَع فيها من يرغَب في الخير الاحتفال بالإسراءِ والمعراج زَعمًا أنها ليلة سبعٍ وعشرين، وهذا خطأ من أمرين: الأوّل: أنّ علماءَ الشريعة بيَّنوا أنه لم يأتِ في تعيينها حديثٌ صحيح، لا في رجب ولا في غيره، وما ورد في تعيينها فغيرُ ثابت عند العارفين بالحديث ورجاله، الثاني: أنها لو كانت معيّنة فهذا ـ أي: الاحتفال بالإسراء والمعراج ـ عملٌ لا أصلَ له منَ الشريعة، فنبيّ الأمة وصحابته رضي الله عنهم لم يحتفِلوا بها، ولم يخصّوها بشيءٍ ما، ولو كان مشروعًا لحصَل ذلك إمّا بالقول أو الفعل، ولمّا لم يقَع شيء من ذلك البتّة فهي من البِدَع المحدثة في الدين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "صلاةُ ليلة السابِع والعشرين من رجب وأمثالها فهذا غَير مشروع باتفاق أئمة الإسلام، كما نصّ على ذلك العلماء المعتبَرون، ولا ينشِئ ذلك إلا جاهل مبتدع".
فاحذروا ـ عباد الله ـ ممّا ليس بمشروع، والزَموا السنة في كل شيء؛ تفوزوا وتسعدوا بخيرَي الدنيا والآخرة.
اللّهمّ صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين في كل مكان ...
ـ[محمود الغزي]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 01:50]ـ
الأخ / (أبو عبد الله محمد مصطفى) ............. جزاك الله كل خير ........
لكن هل تستطيع تنزيل المحاضرة صوتياً لننشرها _ان شاء الله _.
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[25 - May-2008, صباحاً 07:37]ـ
http://www.mktaba.org/vb/showthread.php?t=3940
http://www.mktaba.org/vb/showthread.php?t=3575(/)
التحرك تجاه الشرق من هولندا-نصر ابو زيد في بيروت بعد القاهرة وهذا نص عن لبنان!
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 12:48]ـ
صالح القرآن مع جميع الفنون داعياً الاخوان المسلمين إلي إعادة قراءة سيد قطب: نصر حامد أبو زيد يحاضر في مسرح دوّار الشمس عن الفن وخطاب التحريم
ناظم السيد
08/ 05/2008
بيروت ـ القدس العربي للمرة الثالثة خلال السنتين الأخيرتين يشكل حضور نصر حامد أبو زيد في بيروت حدثاً ثقافياً. المرتان الأوليان كانتا بدعوة من مسرح المدينة والجامعة الأميركية حيث ألقي محاضرتي نقد الفكر الإسلامي و التأويل الإنساني في القرآن هل هو ممكن؟. هذه السنة حلَّ أبو زيد علي العاصمة اللبنانية بدعوة من مركز دوّار الشمس الثقافي ضمن مهرجان الربيع الذي افتتحت فاعلياته مسرحية خمسون لجليلة بكار والفاضل الجعايبي، ويشمل عروضاً موسيقية وغنائية وراقصة وأدبية من لبنان والدول العربية والعالم. برنامج مشذب، نظيف، في خياراته المنتقاة بدقة من غير مبالغة أو استعراض كما يحدث في برامج أنشطة ثقافية عدة باتت تشتهر بها بيروت، وذلك بفضل منظميه وعلي رأسهم المسرحيان روجيه عسّاف وحنان الحاج علي.
اختار صاحب فلسفة التأويل و مفهوم النص لمحاضرته هذه عنوان الفن وخطاب التحريم. محاضرة لم يخرج بها المفكر الديني الذي تمَّ تكفيره عن منهجه في قراءة القرآن والأحاديث. منهج يقوم في جزء منه علي التأويل رافضاً القراءة الحرفية للنص كما هي حال السلفيات الإسلامية أو المؤسسات الدينية. وهي قراءة تخرج علي تأبيد المعني بعد تأبيد اللفظ اللذين ثبتهما الشافعي قبل أن يضع درجات للتشريع يبدأ بالقرآن ثم السنة ثم الإجماع وانتهاء بالقياس. مع ذلك، فإن أبو زيد الذي يعيد قراءة التراث ناقداً وناقضاً، يستمد مشروعية عمله الفكري من التراث نفسه، بتبنيه فكر المعتزلة القائم علي العقل مقابل النقل ثم بالسير علي خطي التنويريين أمثال الشيخ محمد عبده والأزهري علي عبد الرازق وأمين الخولي وطه حسين وصولاً إلي سيد القمني وحسن حنفي وإن كان أكثر جذرية من هذين الأخيرين. إذن، بدا أبو زيد في محاضرته هذه منسجماً مع منهجه الذي يتناول الفكر الديني من داخل النص المقدّس، بعكس المحاولات السابقة عليه منذ النصف الثاني من القرن العشرين والتي انطلقت من فكر ماركسي أو من محاولة المواءمة ما بين الإسلام والاشتراكية أو بين الإسلام والقومية. وفي حين تمَّ نقد هذه المحاولات المؤدلجة فإن قليلين أمثال أبو زيد صمدوا بسبب عملهم من داخل الإسلام أو من خلال الأكاديميا ولا سيما مفكرو المغرب العربي أمثال محمد عابد الجابري وفاطمة المرنيسي وعبد الله العروي ومحمد أركون. ويقوم منهج أبو زيد علي إعادة تصنيف الآيات القرآنية إلي أنواع، مميزاً ما بين السور المكية والسور المدنية (كما فعل المستشرق الألماني نولدكه في كتابه الموسوم تاريخ القرآن). هكذا يفصل المفكر المنفي ما بين سور لها سياق تاريخي وسور لا تفيد التشريع بل الوصف وسور تهدف إلي اتخاذ العبر كما في قصص الأولين وسور تفيد التخصيص وأخري تفيد العموم. وهذا المنهج ينطبق علي الأحاديث التي تبدو ضعيفة أو غير مثبتة أحياناً.
الذي هرب من الرهبنة
قدّم الكاتب والصحافي نصري الصايغ المفكر نصر حامد أبو زيد بمقدمة اختلط فيها الشخصي بالعام، والكلام عن الضيف بالكلام عن المجتمع. روي الصايغ خبرية دخوله سلك الكهنوت في سبيل أن يصبح راهباً (تحت اسم أرتاميوس)، وكيف أنه ذات مرة أصيب بالإغماء حين سمع رجل دين يتحدث عن عذاب النار وشوي الجلد وخوزقة الأجسام وأبدية العذاب. إلي أن همس له رجل دين شهير بأن النار غير موجودة لأن النار هي ضمير الإنسان. وسرد الصحافي الذي منعت كتب له في عدد من الدول العربية، مجموعة محرّمات إلي أن بات يعتقد أنه ابن حرام، معتبراً ـ بناء عليه ـ أننا من المحيط إلي الخليج أولاد حرام قبل أن يلتفت إلي أبو زيد سائلاً: هل شتمتُ أحداً؟ ليرفع المحاضر رأسه وحاجبيه بالنفي.
(يُتْبَعُ)
(/)
تحدث الصايغ أيضاً عن التحريم في المسيحية والإسلام، عن تحريم الموسيقي والأيقونات، عن تحريم النحت وتحليل الحفر، مشيراً إلي زيادة التحريمات من خلال سؤال مواطن أحد رجال الدين: هل يجوز شراء سيارة مستعملة كان صاحبها يشرب فيها الخمر ويستمع إلي الموسيقي؟ وختم الصايغ مقدمته باستشهاد من كتاب تقرير إلي غريكو للروائي اليوناني كانتزاكس الذي كفّرته الكنيسة ورفضت الصلاة عليه، عن متصوفة لا يتكلمون بل يرقصون طوال الوقت. وحين سألهم أحد رجال الدين: كيف تصلون؟ أجاب كبيرهم: الملائكة لا يتكلمون بل يصلون رقصاً. الرقص باب من أبواب الجنة.
بدافع الحماية
بدأ نصر حامد أبو زيد، المتخصص باللغة العربية والدراسات الإسلامية، محاضرته التي امتازت بالرصانة البحثية وخفة الدم معاً، بالحديث عن رغبته القديمة في أن يكون شاعراً، ولما لم يستطع إلي ذلك سبيلاً، اختار أن يكون مفكراً لأن التفكير أسهل من الشعر لكنه ألعن منه. الفن قمة التحرر. واحدة من الجمل الأولي التي استهلت المحاضرة. إنه تحرر من أسر اللغة القطعية، تحويل اللغة إلي موسيقي وإيقاع. الرقص تحرير الجسد من قوانين الجاذبية ومن ثقل الجسد نفسه. الرسم إعادة الألوان إلي أفق غير الذي تراه العين. الموسيقي تنظيم فوضي الأصوات. الفن حرية لهذا هو حرام. كانت هذه الجمل الشفوية الأولي التي شكلت مدخلاً لما سيقوله المفكر لاحقاً عبر محاضرة مكتوبة مع استطرادات هنا وهناك، معتبراً أن التحريم يتجلي في أكثر من أفق، ليس في الدين فقط، بل في الخطاب السياسي والاجتماعي والأسري، وهو يتحرك بدافع الحماية.
تصحيح سيد قطب
في البداية انطلق أبو زيد من مقدمتين ونتيجة. في المقدمة الأولي أشار إلي صعوبة الإجابة تاريخياً علي السؤال حول خروج الدين من الفن أم خروج الفن من الدين. السؤال نفسه ـ حتي بلا جواب يقيني ـ يضع الدين أمام مأزق وجودي. إذا كان الفن خرج من الدين تكون المشكلة محلولة، فالعلاقة بين المقدس والفن علاقة قديمة. أما إذا كان الدين خرج من الفن فهذا يطيح بالجانب الميتافيزيقي للدين. يطيح بالوحي. في كل حال، تجاوز المحاضر الجواب ليبدأ بالمقدمة الأولي المستمدة من كتاب التصوير الفني في القرآن لسيد قطب. لقد صدر هذا الكتاب (دار المعارف 1945) في الفترة التي تعد بداية الازدهار الفكري والأدبي في العالم العربي، خصوصاً في مصر، في فترة نشر نجيب محفوظ روايته أولاد حارتنا التي هي قراءة دينية بطريقة أدبية علي حد رأي المحاضرة. لم يكن استشهاد المحاضر بسيد قطب (دعا الاخوان المسلمين إلي إعادة قراءته) عبثاً. لقد اختار شخصاً يُعدُّ مؤسساً في خطاب التحريم والتكفير كما هو شائع من خلال طروحاته حول الحاكمية الإلهية والجاهلية الجديدة والولاء والبراء وتكفير النظام السياسي والمجتمع وسوي ذلك. هذا ما أعرفه شخصياً عن سيد قطب من خلال كتابه معالم في الطريق وإن كنت أعرف الرقة الخفية فيه من خلال سيرته طفل من القرية أو بداياته كناقد قبل ان يهاجر إلي الولايات المتحدة الأميركية ويعود منها متشدداً. لكنني فوجئت باستشهاد أبو زيد بهذا الكتاب كما في المقطع الآتي: التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن، فهو يعبر بالصورة المحسِّنة المتخيلة عن المعني الذهني والحالة النفسية وعن الحادث المحسوس والمشهد المنظور وعن النماذج الإنسانية والطبيعية. ثم يرتقي بالصورة التي رسمها، فيمنحها الحياة الشاخصة ... . هذا المقطع مضاف إليه مقاطع أخري تكشف علاقة القرآن بالفن كما يراها سيد قطب الذي ذكر مفردات في نص من نحو سبعة أسطر مثل لوحة، التخييل، العرض، المسرح وغيرها، مستنتجاً- أي قطب- أن القرآن تصوير باللون وتصوير بالحركة وتصوير بالتخييل.
المقدمة الثانية كانت هي الأخري مستمدة من كتابات سيد قطب. تحدث أبو زيد عن ضجر قطب من الطريقة التي يتم بها تناول القرآن، متذكراً علاقته بالقرآن حين كان طفلاً في القرية، القرآن اللذيذ الجميل قبل أن يكتشف: لقد طُمست كل معالم الجمال فيه وخلا من اللذة والتشويق. لهذا ينتهي سيد قطب إلي القول: وعدت إلي القرآن أقرؤه في المصحف لا في كتب التفسير.
(يُتْبَعُ)
(/)
من هاتين المقدمتين اللتين صرّح فيهما أبو زيد بالاحترام الذي كان سيد قطب يكنّه لعبد القاهر الجرجاني (المؤسس في علم البلاغة)، ينتهي إلي نتيجة مفادها أننا يجب أن نبحث عن منبع السحر في القرآن قبل التشريع المحكم وقبل النبوءة الغيبية وقبل العلوم الكونية علي حد تعبير الشيخ أمين الخولي.
فنون القرآن
بعد هذا التقديم والاستنتاج، انتقل أبو زيد إلي عمق محاضرته. لنقل إنه انتقل إلي الجانب التطبيقي منها، أي ذهب من هذه العموميات إلي إجراء مطابقة للفكرة مع النص القرآني أو النبوي. وقد قسّم محاضرته إلي أقسام منها الدين والفنون، الإسلام والفنون، الفنون البصرية، الفن والأخلاق و الفن في حضارة المسلمين. وقد عمل علي تفريع هذه العناوين أو تخصيص الحديث عن كل فن علي حدة.
في موضوع الشعر، اعتبر المحاضر أن الصلوات والأدعية والابتهالات هي أشكال في التعبير الفني يصاحبها الإيقاع. تلاوة القرآن ذات طابع فني في الإيقاع واللفظ. أما التصوير (الرسم) فهو موجود في القرآن من خلال التشبيه كما في الآية كل شيء هالك إلا وجهه، رغم وجود ما يُسمّي التنزيل العالي كما في الآية لا تدركه الأبصار. لهذا كان المتصوفة يقولون إعبد الله كأنك تراه، فإن لم تره فهو يراك وأيضاً الله في قبلة المصلي. أما التماثيل فليس هناك تحريم قطعي لها في القرآن. ربما التحريم جاء بسبب الثقافة البدوية ـ بحسب المحاضر دائماً ـ التي لم تكن علي علاقة وطيدة بالتماثيل بسبب حياة الترحال. مع ذلك فإن المساجد ذات طابع فني. وإذا كان هذا الفن (النحت والزخرفة) حراماً ينبغي أن نهدم المساجد. الشعر يثير إشكالية أخري في القرآن. ثمة هجوم شنّه القرآن علي الشعراء كما في الآية الشعراء يتبعهم الغاوون رغم أن الآيات اللاحقة تستثني المؤمنين منهم. أبو زيد اعتبر أن طبيعة هذه الآيات سجالية وليست تحريمية، وذلك بسبب استخدام قريش الشعر ضد النبي، الذي بدوره استخدم الشعر ضد المشركين (حسان بن ثابت كان شاعر الرسول)، إلي جانب اتهام المشركين محمد بإتيان الشعر واتهام القرآن بأنه شكل أدبي. ثم هناك مفهوم الشر الموجود في الشعر، وهو مفهوم قديم سبق به العرب شعراء اللعنة الفرنسيين كما في القول الشعر نكد بابه الشر. ولهذا حين سمع الجاحظ أحدهم ينشد بيتاً شعرياً عن الزهد هو ليس من مات فاستراح بميت/ إنما الميت ميتُ الأحياءِ، قال: هذا ليس بشعر، وصاحبه ليس بشاعر. وعليه، فإن الظاهرة القرآنية في استقبالها الأول قامت علي الشعر والسجع والكهانة. هذا ما ذهب إليه الشيخ أمين الخولي من قبل: عقد المسلم الأول مع الإسلام هو عقد أدبي. وهذا ما ذهب إليه قديماً عبد القادر الجرجاني: إذا سقط الشعر سقط إعجاز القرآن. ومن قبل الجرجاني كان ابن عباس يقول: إذا أعجم عليكم في القرآن إرجعوا إلي الشعر.
هكذا يستنتج أبو زيد من خلال حديث سيد قطب عن التصوير في القرآن، ومن خلال إجازة الشيخ محمد عبده التماثيل لأن أحداً لم يعد يعبد التماثيل اليوم (أسباب تحريمها في سياقها التاريخي)، ومن خلال آراء ابن عباس في الشعر، يستنتج أن القرآن لا يحرّم الفنون. حتي الموسيقي أو الغناء ليسا محرمين، لأن الآية التي تتحدث عن لغو الحديث لا تشير إلي الغناء بحسبه. وقد أشار في ذلك إلي مطربين كبار درسوا الغناء من خلال تجويد القرآن كعبده الحامولي وأم كلثوم وغيرهما، وكذلك كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني بما يحويه من أخبار عن الغناء والمغنين.
حيوية المشركين تمثيلاً
التحريم الآخر الذي أشار إليه أبو زيد من غير تفصيل، إذ اقتصرت محاضرته علي الحديث عن علاقة الخطاب الديني التحريمي بالفن، ربما له مصادر أخري منها معاداة العرب للثقافة البصرية. في كل حال، ربما كان حرياً بالمفكر الذي عمل علي تطوير الفكر الديني عبر علوم أخري ليست دينية، التوسع في جذور التحريم غير الدينية، وإن كان قفز عن هذه الفكرة بسرد حادثة طريفة أخبره بها ممثلون سوريون عن ممثلين لعبا دورين تاريخيين، أحدهما مؤمن والآخر مشرك. أثناء زيارة هذين الممثلين إلي السعودية عانق رجال الأمن في المطار الممثل الذي لعب دور المؤمن، في حين انهالوا بالشتائم علي الآخر واصفين إياه بالكافر والزنديق. لكن ما غفر للممثل الكافر اتصال جاء من الأمير الذي كان وراء الدعوة. إنها المطابقة ما بين الممثل والممثول. لهذا سأل المحاضر مستغرباً عن عدم الجواز بتجسيد أدوار الصحابة، بإظهار وجوههم، في حين تظهر وجوه المشركين أمثال أبي لهب، قبل أن يختم بنكتة: لماذا يبدو المشركون في الأعمال السينمائية والتلفزيونية أكثر حيوية من المؤمنين؟
من هذا كله، ذهب نصر حامد أبو زيد إلي نقطة أعتقد أنها أساسية في محاضرته. لقد ذكر حادثة إنشاد حسان بن ثابت الشعر في المسجد. في القصيدة التي ألقاها ثمة بيت شعري فاحش (رفض ذكره لأنه يخجل من قوله بحسب تعبيره. وهذه مفارقة أخري حين يخجل أبو زيد من ذكر بيت فاحش في مسرح بينما يقوله حسان بن ثابت في مسجد).
حين سمع أحد الحاضرين البيت اعترض فقال له حسان: الفحش عند النساء، إنما الفحش في الفعل لا في القول. وهذا الفصل بين القول والفعل أساسي في معني المعصية إذا تمَّ القياس عليه. والحال، فإن شعر الخمرة وشعر الغزل، تحولت مفرداتهما عند الصوفيين إلي مفاهيم روحية.
محاضرة قيمة تلك التي ألقاها صاحب دوائر الخوف و المرأة في خطاب الأزمة و التفكير في زمن التكفير في مسرح دوّار الشمس لأنها تفتح ثغرة في خطاب التحريم والتكفير الذي بات أشبه بالموضة، هذا الخطاب الذي جعل الطلب علي الفتاوي يزداد بسبب تجريف العقل علي حد تعبير المؤلف الذي بدأ مشروعه النقدي بكتاب الاتجاه العقلي في التفسير.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\07m16.ht m&storytitle=ff صالح%20القرآن%20م ع%20جميع%20الفنون%20داعياً%20ا لاخوان%20المسلمين%20إلي%20إعاد ة%20قراءة%20سيد%20قطب:%20نصر%2 0حامد%20أبو%20زيد%20يحاضر%20في %20%20مسرح%20دوّار%20الشمس%20% 20عن%20%20الفن%20وخطاب%20التحر يم%20 fff&storytitleb= ناظم%20السيد& storytitlec
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 05:04]ـ
لم يخرج بها المفكر الديني الذي تمَّ تكفيره عن منهجه في قراءة القرآن والأحاديث
اذن الرجل مازال معاندا للحق مستعملا المنهجيات العلمانية الرافضة لايمان في تفسير القرآن العظيم بانه نص بشري يجب النظر الي بيئته والمعارف الاسطورية التي زعم نصر ابو زيد انها شكلته وطور منها
ان نصر حامد يظن ان عينيه وحاجبيه وقلبه وطرقة تصريف الطعام الي دمه وكراته الحمراء والبيضاء صنع اساطير!
فان من لايؤمن بالله الصانع الخالق القيوم يقول بالطبيعة -والصدفة-في جسده واعضاء جسده فان فرق بين الحكمة من الدقة في تكوينه الجسدي بل والنقسي- والحكمة من تنزيل القرآن وابداع الرحمن للكون فهو متناقض مع نفسه
منهج يقوم في جزء منه علي التأويل رافضاً القراءة الحرفية للنص كما هي حال السلفيات الإسلامية أو المؤسسات الدينية.
الامر في الحقيقة مكشوف!
واستعمال لفظ تأويل هو تلبيس علي القاريء ذلك ان غاية الامر عند هؤلاء هو جعل القرآن منتج بشري ومن ثم تفسير حقائقه وقيمه واحكامه وتشريعاته وقصصه تفسيرا ماديا يجعل الامر كله اساطير تدور في بيئتها ومعارف اسطورية تطورت او طورت بحسب الزمن الذي ظهرت فيه
هكذا تصنع المنهجيات العلمانية خصوصا منهجية الهرمنيوطيقا التي يستعملها نصر ابو زيد
وانت في الحقيقة واحد من اثنين اما ان تؤمن وتعلم ان القرآن وحي من الله ثم تتيقن من علومه وحقائقه واما ان تكون علي ماعليه هؤلاء العلمانيين من انكار للغيب تبعا للاساطير الغربية المصنوعة في الازمات الغربية والتي لاسند لها الا ازمات نفسية جماعية وفردية اوصلتها لرؤي احادية قاصرة اعجبتها زخرفها ومنتجاتها التحررية وشهواتها الجديدة
اللهم اجعلنا من اهل الايمان والعقل الصحيح والعلم اليقين
فإن أبو زيد الذي يعيد قراءة التراث ناقداً وناقضاً، يستمد مشروعية عمله الفكري من التراث نفسه، بتبنيه فكر المعتزلة القائم علي العقل مقابل النقل ثم بالسير علي خطي التنويريين أمثال الشيخ محمد عبده والأزهري علي عبد الرازق وأمين الخولي وطه حسين وصولاً إلي سيد القمني وحسن حنفي وإن كان أكثر جذرية من هذين الأخيرين.
نعم يستمد مشروعة من داخل التراث ليهدمه في حالة تسلل ممتدة وبطئية لاتراها الجماهير المسلمة!
[ quote] بدا أبو زيد في محاضرته هذه منسجماً مع منهجه الذي يتناول الفكر الديني من داخل النص المقدّسناقضا التراث والتراث عند نصر حامد ابو زيد هو القرآن والسنة واقوال العلماء فكل هذا بالنسبة له تراث كما ان تراث الغرب كان منه الكتاب المقدس
احسب ان دخول محمد عبده في الجملة الاولي ودخول القمني في الثانية جهل من الكاتب وتلبيس مشهور بين العلمانيين يشبهه تلبيس دعوي العشماوي انه مجدد مثل عبده مع ان العشماوي ملحد وعبده مسلم كما يشبهه قول حسن حنفي انه مجدد اسلامي وهو ملحد مجدد للالحاد في بلاد العرب
محمد عبده لم يكن تنويري بالمعني الذي اخذه الكاتب من جابر عصفور ليجعل موقع محمد عبده في خانة العلمانيين ورغم اخطاء الشيخ عبده الا انه لم يصل الي انكار الغيب والوحي والشريعة والدين
هناك مسائل تاثر بها من الغرب ومنه منهج-او طريقة- اتخذه في تحليل بعض المسائل وهذا اوقعه في اخطاء حتي في انكار بعض الغيبيات الثابتة في الاسلام
لكن جعله مدد -وحلقة في سلسلة-لنصر ابو زيد فمااظن نصر ابو زيد يرضاه وان رضيه جابر عصفور ذلك ان نصر ابو زيد رفض تلفيقية محمد عبده -التلفيقية التي لم يقع فيها عبده في اكثر ماذهب اليه بل ماذهب اليه عبده من علو شريعة الاسلام وان فيها مدنية عظيمة وحقوق انسان ورقي في العقل هو حقيقة في الاسلام وليس تلفيق لمبادي غربية وجعلها اسلامية -بل واتهم نصر ابو زيد محمد عبده بان اسلامه ودينه ليس فيه علم ولاحماية حقوق الناس ولا حضارة عقلية علمية ولاعقل يمكنه اكتشاف الحقائق الكونية والعلمية بدون التخلي عن الاسلام والايمان باللعقل الغربي ومنهجياته الحديثة!
وبصرف النظر عن اخطاء رفاعة الطهطاوي المعروفة فان الرجل صرح ان مدنية الاسلام افضل من مدنية الغرب ولذلك فان نصر ابو زيد اعلن النقمة عليهما -الطهاطاوي وعبده-لاعلان مدنية الاسلام وان فيه اعظم مافي الغرب من علم وحضارة ومدنية
(يُتْبَعُ)
(/)
فكيف يكون نصر ابو زيد مارا بسلسلة فيها محمد عبده
ان اساتذة ابو زيد هم نصاري العرب وامثال اسماعيل مظهر واسماعيل ادهم وطه حسين والخولي وحنفي وليس الطهطاوي ولامحمد عبده
والكاتب لايقصد طبعا مانقصده نحن من انكار محمد عبده لامور غيبية واعطاءها معاني مخالفة للقرآن
نحن نتكلم عن امر في حدوده الضيقة المحددة التي نعرف خطا محمد عبده فيها
اما هؤلاء فيتكلمون عن علمانية ورجالاتها ومنهجية تعلن عن نفسها مثل منهجية طه حسين التي فيها انكاره لحقيقة القصص القرآني وقوله المشهور عن القرآن للقرآن ان يحدثنا عن اسماعيل وابراهيم --- وكذلك الاخذ من الغرب حلوه ومره خيره وشره هذه هي منهجية علمانية واضحة
اما القمني فابو زيد له منهجية والقمني منهجية اخري وحنفي استاذ نصر لكن مادخل القمني هنا وهناك من هو اقرب فكرا منه لنصر
بدا أبو زيد في محاضرته هذه منسجماً مع منهجه الذي يتناول الفكر الديني من داخل النص المقدّس، بعكس المحاولات السابقة عليه منذ النصف الثاني من القرن العشرين والتي انطلقت من فكر ماركسي أو من محاولة المواءمة ما بين الإسلام والاشتراكية أو بين الإسلام والقومية.
كاتب المقال يوحي هنا ان نصر حامد ابو زيد لم يستعمل الادوات الماركسية في الامر مع ان ابو زيد نفسه قال انه يستعمل المنهجية المادية التاريخية من خلال نظرية التفسير الهيرمنيوطيقة لتحليل القرآن
ويبدو ان الكاتب قاريء لكن لم يقرأ الكتابات المهمة لمن يكتب عنه وهو في حالتنا نصر ابو زيد
لأن التفكير أسهل من الشعر لكنه ألعن منه قال نصر حامد ابو زيد
لعنة التفكير!!!
هل فقد ابو زيد زمام نفسه ودخل في حالة قلق من استعباده للفكر الغربي مااظن ولكنه شهور بالتورط مع الاستمرار فيه كما كانت حالة ابو جهل وقوله والله عداوته مابقيت وقول اليهودي ايضا في الحديقة الخلفية!
هنا يمكنني ان افشي سرا كان بين حسن حنفي ونصر ابو زيد فقد اخبرني من اثق به ممن كان يشرف ابو زيد علي رسالته للماجستير في جامعة ليدن قال ان ابو زيد اخبره ان حنفي قال له اخشي ان نكون ممن ينطبق عليهم قول القرآن أولئك هم من ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا
اخبرني صديقي المسلم الواعي بهذا منذ فترة
فلو شعر بالبركة ماعبر باللعنة ولو عرف الحق مانطقه بهذا ابدا
في البداية انطلق أبو زيد من مقدمتين ونتيجة. في المقدمة الأولي أشار إلي صعوبة الإجابة تاريخياً علي السؤال حول خروج الدين من الفن أم خروج الفن من الدين
قد يظن ظان ان الفن هنا بمعناه الذي ضرب نصر ابو زيد بسيد قطب مثالا علي خطابه في حين ان نصر ابو زيد يتكلم عن الفن كله رقص وطبل وزمر وباليه واسباني وجنوب امريكي ورسم ونحن-ومن النحت والرسم الان عري واعضاء جنسية مصورة ومرسومة وزيارات لها واحتفال بها غير الرسم علي الاجسام -فن راقي ياابا زيد تفضل نتاجكم في تخريب الاجسام والارواح هذا غير فن تفكيك الجسد لتجميله!!
ويبدو ان العلماني يتسع جسده وعقله لكل انواع الفن كما اتسع عقله لكل انواع التاويلات الغربية التي يحلل بها-هو وغيره-القرآن العظيم
اما عن موقفه من سيد قطب وتلاعبه بافكار له عن القرآن فان هؤلاء العلمانيون يحاولون تحريف كلام اهل الاسلام ليخرجوه مخرجا علمانيا فالتلبيس اصبح شغلة اولاد ابليس-اليوم
سيد قطب لم يضجر من التفاسير ولا من اقوال العلماء في كتابه التصوير الفني انما ضجر من غفلة الناس في زمنه عن معرفة جمال الالفاظ القرآنية والمعاني العظيمة التي في القرآن والاعجاز البلاغي استخدم له سيد قطب لفظ التصوير الفني ولكن ليس لكلام سيد قطب اي ارتباط بالنظريات الحديثة التي تفسر الفاظ القرآن علي انها تصوير معاني قديمة في ثوب جديد ويقصدون بالمعاني القديمة الاساطير والقرآن ثوب جديد طور منها واعطاها بعدا جديدا بعد الاتفادة منها
ان محاولة الزج بسيد قطب هنا تلبيس علي المستمع كما حاول ابو زيد الاستفادة مرة بالجرحاني ومرة بابن عربي صاحب وحدة الوجود
. أما التماثيل فليس هناك تحريم قطعي لها في القرآن. ربما التحريم جاء بسبب الثقافة البدوية ـ بحسب المحاضر دائماً ـ التي لم تكن علي علاقة وطيدة بالتماثيل بسبب حياة الترحال.
شيء عجيب من نصر حامد ابو زيد ان يقول بان الثقافة البدوية لم تكن علي علاقة وطيدة بالتماثيل مع ان التماثيل كانت في كل مكان من الجزيرة العربية فالاسلام لما حرمها حرمها لانها مخربة للعقل ومقيدة له عن الانطلاقة الحضارية
وماجعل الغرب اليوم في انطلاقة من الناحية العلمية انما جاء بسبب تحريم الاسلام للطلاسم والتماثيل وعبادة المخلوقات العلوية والارضية وجعل السموات والارض مسخرة للانسان كما جاء بذلك القرآن فثقافة الحضارات الغير بدوية كانت ملتصقة بالتماثيل وعبادة الاشخاص والاموات وحرق الاولاد اما الاسلام فقد احيا والانسان وامات الوثنية ولذلك حرم التماثيل وعبادة الزعيم وعبادة الكواكب
حرر الناس من هذه كلها ورجع بالانسان الي الاصل وهو عبادة الله وحده وفهم الخلافة الانسانية في ظل الشريعة الرحمانية
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 07:45]ـ
معذرة علي الخطأ في الآية المتقدمة ود فيها بالخطأ الغير مقصود (ظل) وفي القرآن (ضل)
(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) [الكهف:104]
ـ[سيف الدين زين]ــــــــ[05 - Jul-2008, مساء 09:19]ـ
نصر أبو زيد كان أستاذا جامعيا في كلية الآداب جامعة القاهرة، وقد حكم القضاة في مصر بكفره، حيث إنهم حاولوا كثيرا إخراجه من هذا الموقف الصعب وقاموا باستدعائه لنطق الشهادتين وبهذا تحل مشكلته لكنه رفض وأصر على موقفه ولهذا حكمت المحكمة بكفره وتفريقه عن زوجته.(/)
صحيفة الفتنة ومعها نادي القصيم الأدبي هذه المرة، وقائع فتنة جديدة؟؟؟؟
ـ[علي التمني]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 03:27]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
نشرت صحيفة الوطن الصادرة في البلاد السعودية اليوم الخميس 3/ 5/1429 وفي صدر صفحتها الأولى فصلا جديدا من الحرب على الإسلام وهو تشكيك المسلمين في هذه البلاد في صحة دخول وقت صلاة الفجر وغيره من الصلوات عن طريق الطعن في تقويم أم القرى، وهذا بلا شك فصل جديد تقوم به صحيفة الوطن استمرارا وثباتا على نهجها المحارب لدين الله في هذه البلاد فهي المعروفة بحملتها المعادية لفريضة الله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي أثمرت حوادث خطيرة ضد المحتسبين ومنها الضرب والسب وتهييج الصحف الأخرى والكثير من أصحاب الأقلام الذين صنعتهم هذه الصحيفة على عينها ضد هذه الفريضة الربانية، وهذا يعني أن حملة صحيفة الفتنة: الوطن قد أثمرت فهناك الآن أعداد من الناس في هذه البلاد تعادي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – وهو ما لم يكن له وجود قبل صحيفة الفتنة: الوطن الصادرة في أرض الحرمين وتدعي تمسكها بنهج البلاد ودستورها؟؟ وهو ما يعني أن نهج هذه الصحيفة قد حقق هدفه في تكوين قاعدة معادية للدين الإسلامي ولحكم الله وشرعه في هذه البلاد، وهذا الأمر خطير، والأخطر منه على هذه البلاد صمت العلماء والمسؤولين عن هذا التيار وهذا الفكر الهدام المنبت الذين تعتبر هذه البلاد وأمنها واستقرارها واستمرارها على الاحتكام المطلق إلى شرع الله الذي هو عماد هذه البلاد وأس وجودها وحفظ الله تعالى لها أمانة في أعناقهم.
إن العدوان الجديد من قبل صحيفة الوطن - ويشاركها العدوان نادي القصيم الأدبي الذي نظم محاضرة تشكك في تقويم أم القرى ويطعن فيه رغبة في إثارة البلبلة بين المسلمين حول مواقيت الصلوات الأمر الذي يثير الانقسام في هذه المرحلة ومن قبل جهات معروفة بتوجهها المغرض وفي مرحلة صارت فيه وزارة الثقافة والإعلام السعودية!! حربا ضروسا على أحكام الله وصحيفة الفتنة ونادي القصيم وغيره من الأندية الأدبية أجهزة تابعة لوزارة الثقافة والإعلام - هو فصل في توهين عرى هذا الدين وسعي مكشوف لإثارة الناس على ما يعينهم على أداء شعائر الله بالصورة الصحيحة، فهل سيستمر عدوان وزارة الثقافة والإعلام السعودية وجرأتها على دين الله أم أننا سنرى قريبا قطعا لمادة الفتنة التي تغذيها هذه الوزارة وصحفها وفي مقدمتها صحيفة الوطن ونادي القصيم الأدبي الذي أخذ يلج باب الفتنة بهذه المحاضرة الخطيرة الهدامة؟؟.
علي التمني
أبها / الخميس 3/ 5/1429
ـ[صقر الاسلام]ــــــــ[09 - May-2008, مساء 05:45]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ممكن توضع رابط المقال في الموضوع لو سمحت
ـ[علي التمني]ــــــــ[10 - May-2008, مساء 02:25]ـ
بسم الله
أخي الفاضل صقر الإسلام
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الموضوع خبر في صدر الصفحة الأولى وليس مقالا، وكما قلت دائما وكذا غيري فإن صحيفة الفتنة تسعى بوضع هذه الأخبار المشككة المثيرة للبلبلة في صدر الصفحة الأولى لتحقق أغراضها المعروفة في التشكيك في الشرع واحكامه، وأما الرابط فقد وضعت اليوم والتاريخ وعلى من يريد التثبت الذهاب إلى مصدر الخبر في صحيفة الفتنة، وفقك الله وزادك حرصا.
السبت 5/ 5/1429
ـ[غالب بن محمد المزروع]ــــــــ[10 - May-2008, مساء 02:51]ـ
أخي الكريم
وكأني بك لم تسمع بالأمر من قبل فيما يتعلق ببيان الخطأ في وقت دخول بعض الصلوات!؟
وللمزيد فانظر هذا الموضوع من المجلس العلمي
بيان الخطأ في وقت صلاتي العشاء والفجر
من هنا ( http://www.alukah.net/majles/showthread.php?t=4870&highlight=%CA%DE%E6%ED%E3+%C7% E1%DE%D1%EC)(/)
الاسلام اليوم: الدعوة إلى التسامح بين الأديان
ـ[أبو الفيصل]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 07:44]ـ
الدعوة إلى التسامح بين الأديان
السؤال
لقد كثرت في الآونة الأخيرة الدعوة إلى التسامح بين الأديان، فما المراد بهذه الدعوة، وما موقف الإسلام منها؟
الجواب
إذا كان المقصود بالتسامح الدعوة إلى تقارب الأديان اليهودية والنصرانية فهذه دعوة إلى الردة -والعياذ بالله- فليس هناك تقارب بين الإسلام وبين اليهودية والنصرانية، والله تعالى عقد العداوة بين المؤمنين وبين الكافرين من اليهود والنصارى والوثنيين، فلا يجوز التسامح إذا كان بهذا القصد، وقد صدر من اللجنة الدائمة للإفتاء بيان في هذا، وأن الدعوة إلى التقارب بين الأديان الثلاثة ردة، ودعوة إلى الكفر -والعياذ بالله-.
كما أن المؤتمر الذي أقيم لهذا الأمر مؤتمر باطل، فيه الدعوة إلى التسامح بين الأديان، وأنه يكون في الأماكن العامة مسجد وكنيسة ومعبد للنصارى، ويطبع القرآن والتوراة والإنجيل، كل هذا كفر وضلال لا يجوز فاليهودية دين باطل، والنصرانية دين باطل، والوثنية دين باطل، والدين الحق هو دين الله، دين الإسلام، دين الله في الأرض والسماء "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" [آل عمران:19]. "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ" [آل عمران:85].
فمن دعا إلى أن يكون هناك تقارب، وأن دين اليهودية دين حق، ودين النصارى دين حق، فهو مرتد عن دين الله، ولا بد أن يعتقد أن الكفار على دين باطل، واليهود على دين باطل، والنصارى على دين باطل، فمن قال: إنهم على الحق، وأنه يجوز التقارب بينهم، وأنه يمكن أن تكون هذه الأديان كلها على الحق، فهو مرتد بإجماع المسلمين، نعوذ بالله، ونسأل الله السلامة والعافية .. وفَّق الله الجميع، ورزق الله الجميع تقواه ..
المجيب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 1/ 5/1429هـ
http://www.islamtoday.net/questions/....cfm?id=158180
ـ[بحر القلزم]ــــــــ[09 - May-2008, مساء 05:46]ـ
العنوان لا يتناسب مع المضمون!!!؟؟؟
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[09 - May-2008, مساء 05:57]ـ
العنوان لا يتناسب مع المضمون!!!؟؟؟
لماذا؟ لم افهم
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[09 - May-2008, مساء 06:02]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
احترام الأديان السماوية
فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..... وبعد
يتردد في بعض الأوساط والمحافل الدولية نظرية خلاصتها أن الإسلام يحترم الأديان السماوية الأخرى .. وأنه لا فرق بين هذه الأديان كما يُزعم وبين الإسلام .. وقد عقد لهذه النظرية المؤتمرات وجمع من أجلها المجامع .. و تسنم لها بعض من قياديي العالم الإسلامي ..
فما الحكم في هذه القضية .. بارك الله فيكم وسددكم وأعانكم للخير ..
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد
فقد بدأنا في الآونة الأخيرة نسمع ترديدا لشعارات منحرفة ومصطلحات غريبة بدأت تغزوا المسلمين ..
مبطنة بباطن الكفر والردة .. ملفوفة بشعارات ماكرة باسم مؤتمرات و ملتقيات حوار الأديان، وباسم تقارب الأديان أو العالمية، وتصريحات سياسية باسم احترام الأديان كما يزعمون ..
ويزعم أصحاب هذه الدعوة أن العالمية هي السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد تزول معه خلافاتهم الدينية والعنصرية لإحلال السلام العالمي، وقد حرص أعداء هذا الدين على إيجاد ذرائع مبطنة واستحداث وسائل مقنّعة للوصول إلى مآربهم، وبدءوا يجاهرون بضرورة التعايش بين الأديان، وضرورة احترام الأديان والاعتراف بها.
ويأتي النظام العالمي الجديد - أو ما يسمى بالعولمة - عاملا رئيسا في إحياء تلك الدعوة الخبيثة، ولذا نلاحظ كثرة المؤتمرات والتصريحات السياسية لهذا الأمر، نسمعها من العلمانيين وبعض العصريين، ومن ملوك ورؤساء وسياسيين محسوبين على الإسلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا يخفى أن الدعوة إلى وحدة الأديان دعوة قديمة وجدت عند ملاحدة الصوفية من أهل الحلول والاتحاد .. كابن سبعين وابن هود والتلمساني .. حيث يجوزون التهود والتنصر والإسلام، والتدين بهذه الأديان (الفتاوى 14/ 164). وتزعمها أيضا التتار ووزرائهم فقال عنهم ابن تيمية رحمة الله عليه: وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين. (الفتاوى 28/ 523).
ثم جدد هذه الدعوة جمال الدين الأفغاني في القرن الماضي وساعده على ذلك تلميذه محمد عبده، وفي العصر الحالي تبناها رجاء جارودي فيما سماه وثيقة اشبيلية، و الآن يتبناها بعض العصريين والعقليين وبعض السياسيين برعاية أقطاب النظام العالمي الجديد أو العولمة.
قال ابن تيمية رحمة الله عليه (الفتاوى 28/ 524): ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر.ا. هـ
ونقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في النواقص العشرة أن من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر إجماعا.
وقال ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع ص 119: واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارا.
وقال القاضي عياض رحمة الله عليه كما في الشفا: ولهذا نكفر من دان بغير ملة الإسلام من الملل أو وقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهم وإن أظهر مع ذلك الإسلام.
وما ذكره العلماء من حكم تكفير من صحح دين اليهود والنصارى مبني على أنه يلزم من ذلك تكذيب القرآن لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} , ويقول: {إن الدين عند الله الإسلام}.
كما يلزم منه تكذيب النبي عليه الصلاة والسلام، حيث صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه أخبر عن نسخ الديانات الأخرى غير الإسلام، إذ صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه رأى في يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة من التوراة فغضب غضبا شديدا وقال: (أفي شك أنت يابن الخطاب) وفي لفظ (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، والله لو أن أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي). وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتبون التوراة فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أحْمق الحُمق و أضل الضلالة قوم رغبوا عما جاء به نبيهم إليهم .. ) الحديث.
فتبين من هذه النصوص التي ذكرتها وما يماثلها مما لم أذكره نسخ وبطلان أي دين غير دين الإسلام، والعجب كل العجب أن أشخاصا من قادة المسلمين يروجون لهذه النظرية الفاسدة، ويصرحون في المحافل العالمية الكافرة أنهم يدْعون إلى تآخى الأديان السماوية الخالدة - زعموا -.
وهل يمكن لمسلم عاقل يتصور أن هناك دينا خالدا غير دين الإسلام؟ بعدما نسختها شريعة محمد عليه الصلاة والسلام .. علما بأن الأديان السماوية السابقة كاليهودية والنصرانية دخلها التبديل والتحريف والزيادة والنقص والكتمان بسبب ما قام به أحبار السوء والضلالة .. قال تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا} الآية. وقوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} الآية.
ومع هذا التحريف والتبديل فقد نسختها شريعة محمد عليه الصلاة والسلام وأبطلتها كما سبق.
نسأل الله سبحانه أن يعز دينه ويعلي كلمته وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ..
أملاه
أ. حمود بن عقلاء الشعيبي
17/ 6/1421 هـ
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[14 - May-2008, صباحاً 12:14]ـ
حوار الأديان السادس بقطر يبحث المسالمة واحترام الحياة
ضيوف من ممثلي الأديان السماوية الثلاث يشاركون في الحوار (الجزيرة نت)
عدي جوني-الدوحة
افتتح مؤتمر حوار الأديان السادس في الدوحة بمشاركة رجال دين وباحثين من الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية تحت شعار "القيم الدينية بين المسالمة واحترام الحياة".
(يُتْبَعُ)
(/)
وقام وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر فيصل بن عبد الله آل محمود بافتتاح المؤتمر بكلمة شدد فيها على ضرورة تعميق الفهم الصحيح للقيم الدينية التي تخدم الإنسانية كقاسم مشترك يجمع الديانات الثلاث دون الإخلال بمفهوم الاختلاف الذي قام عليه الخلق الرباني للبشرية.
فيصل بن عبد الله آل محمود قال إن المتحمسين لحقوق الإنسان امتهنوا حق الحياة (الجزيرة نت)
ونوه الوزير القطري إلى أن هذا النوع من الحوار يأتي في خضم البحث عن هوية الإنسان الذي فقد قدرته على التحكم بالعلم والتكولوجيا مما جعله "مسيرا لرغباتها" التي افتقدت الوازع الديني والأخلاقي على نحو أخلت بميزان العدل واحترام الإنسان.
كما أشار إلى أنه في غمرة هذا التطور العلمي والتكنولوحي بادر بعض المتحمسين تحت تسميات حقوق الإنسان إلى امتهان أهم حق ألا وهو حق الحياة.
وكانت عميدة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في قطر الدكتورة عائشة يوسف المناعي قدمت لكلمات المشاركين في الجلسة الافتتاحية بالإشارة أن الحوار بين الأديان وسيلة لإيجاد التعايش المسالم بين البشرية جمعاء استنادا إلى الإنسان ككائن عاقل مدرك لبيئته ومحيطه وطبيعة خلقه.
ولفتت إلى أن شروط الحوار قد لا تختلف نظريا لكنها وفي أرض الواقع تشهد حالات فرضتها حالات من عدم الفهم قادت إلى ممارسات تسيء للأديان الأخرى وأتباعها، أولاها عدم احترام العقيدة والإساءة إلى الرموز الدينية، في إشارة إلى ما نشرته وسائل إعلام غربية من رسوم مسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
حاخامات وكرادلة
الخاخام رينيه جوتمان شدد على ضرورة فهم الآخر (الجزيرة نت)
وبدا واضحا مشاركة العديد من رجال الدين من كافة دول العالم ومنها إسرائيل حيث شوهد عدد من الحاخامات والباحثين في الدين اليهودي.
وكان لافتا غياب شخصيات إسلامية معروفة عن الجلسة الافتتاحية على الأقل مثل الشيخ يوسف القرضاوي الذي أوضحت معلومات إلى أن رفض المشاركة كون المؤتمر يستضيف رجال دين يهودا من إسرائيل.
وفي الجلسة الافتتاحية تحدث عضو مجلس الحاخامات في الاتحاد الأوروبي الحاخام رينيه جوتمان (فرنسا) عن ضرورة فهم الآخر واحترام اختلافه مع التركيز على القواسم المشتركة التي تجمع الأديان التوحيدية الثلاث، معترضا على محاولات البعض إقصاء الآخر باسم الدين.
وقال جوتمان إن العالم الروحاني عالم واحد يقوم على فكرة نور الخالق الذي خلق الإنسان وبالتالي يتوجب على الإنسان أن يحترم "صناعة المهندس الإلهي الأعظم" بالكيفية التي جاءت عليها.
وأوضح أنه رغم الاختلاف القائم بين المجتمات البشرية لونا وعرقا وثقافة تبقى القيم الدينية إرثا إنسانيا مشتركا يستند على فطرة الخير والعدالة.
الحوار والفهم
الكاردينال جان لوي توران اعتبر الحوار أساسيا لفهم الآخر (الجزيرة نت)
واتفق ممثل رئيس مجلس الفاتيكان لحور الأديان الكاردينال جان لوي توران على أن الحوار أساسي في فهم الآخر موضحا أن البابا بنديكت السادس عشر كلفه بالعمل على نباء جسور التواصل والحوار مع الإسلام، لأن الحوار أصبح ضرورة لا سيما أن القيم الدينية تقدم فهما مشتركا لوجود الإنسان.
في حين اعتبر أحمد محمد الطيب من جامة الأزهر في مصر أن الإسلام لا يلام على التقصير بالحوار بل إن الدين الإسلامي يحمل في طبيعته العقائدية والممارسات العملية شواهد تاريحية تؤكد الحوار مع الآخر بل التعايش معه في بقعة جغرافية واحدة، واستشهد على ذلك بهجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة التي كان يحكمها ملك مسيحي.
واعتبر أن من أهم العقبات التي تقف في وجه الحوار مع الإسلام تلك الفجوة الواسعة مع الغرب الذي لم يحاول فهم الإسلام فهما صحيحا، يضاف إلى ذلك تهافت الإعلام الغربي على تشويه صورة الإسلام والمسلمين لا سيما على صعيد ربط الإسلام بالإرهاب.
وأشار الطيب إلى أن الإعلام يتناسى أن لا دين للإرهاب، مشيرا إلى حوادث كثيرة لا علاقة للإسلام بها لكنها تخضع لمعايير الإرهاب كما يضعها الغرب ومنها على سبيل المثال قيام يهودي بقتل مصلين في المسجد الأقصى عام 1994.
(يُتْبَعُ)
(/)
واختتمت الجلسة الافتتاحية الأولى بكلمة لرئيس مركز الدوحة لحوار الأديان صالح النعيمي الذي شدد في كلمته على حرص المشاركين على تقديم كل ما في وسعهم لتقريب الإنسان إلى فهم مشترك للاختلاف مع الآخر دون أن يخل بعلاقة الاحترام والتسامح التي يجب أن تسود شعوب العالم.
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[14 - May-2008, صباحاً 12:17]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الشيخ علي بن نفيع العلياني في كتابه اهمية الجهاد تحت عنوان الدعوة الى السلام العالمي و التعايش السلمي
(الدعوة الى السلام العالمي و التعايش السلمي
تكاد تصم الأذان بضجيجها في هذا الزمان بل لقد اصبحت لكثرة القائلين بها كأنها الحق الصراح وما عداها الباطل عند بادي الرأي الذي لا يعرف الأحكام الشرعية.أما من يفهم الكتاب والسنة ويتمسك بهما فلا يزيده كثرة النداء بها الا مقتالها ولاصحابها لأنها دعوة مائلة عن نهج الحق ,وهذه الدعوة التي تنشر اليوم انما تنشر استجابة لمباديء هيئة الامم المتحدة لااستجابة لمباديء الاسلام واقرأ ما جاء في ديباجة ميثاق هيئة الأمم المتحدة تتكشف لك الامور.)
ويقول ايضا في خاتمة الكتاب
(ان الجهاد القتالي مرحلة حتمية من مراحل الدعوة الى الله وهو الذي ينشرها ويوسع قطرها ويكثر اتباعها ويعز شأنها وسيرة الرسول في العهد المدني اكبر دليل على ذلك.
ان الجهاد الاسلامي مراحل يسلم بعضها الى بعض آخرها قتال الكفار كافة حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ويخضعوا لحكم الاسلام على خلاف بين العلماء فيمن تقبل منهم الجزية.)
ويقول ايضا (ان اي دعوة الى ترك الجهاد او الاضعاف من شانه انما هي دعوة لهدم الاسلام لانه لا قيام للمسلمين بغير جهاد.)
ويقول ايضا (ان الكفار يخافون اشد الخوف من عقيدة الجهاد ومن اجل ذلك يحاربونها باساليب شيطانية كثيرة.)
ويقول ايضا (ان ما ينشره تلاميذ الاستشراق والاستعمار من ان الجهاد في الاسلام هو للدفاع فقط بدعة منكرة مخالفة لاجماع علماء المسلمين قاطبة قبل هذا العصر.
ان ما يرفع من شعارات في هذا العصر كالقومية والوطنية والانسانية
وزمالة الاديان والسلام العالمي كلها ظلمات بعضها فوق بعض مصدرها غير اسلامي واهدافها خبيثة تقضي على عقيدة الجهاد.)
انتهى
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[14 - May-2008, صباحاً 12:21]ـ
خلاصة القول
عجبت من النظرة الثاقبة للشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله فيما يخص الحوار بين الاديان
فقد بدأنا في الآونة الأخيرة نسمع ترديدا لشعارات منحرفة ومصطلحات غريبة بدأت تغزوا المسلمين ..
مبطنة بباطن الكفر والردة .. ملفوفة بشعارات ماكرة باسم مؤتمرات و ملتقيات حوار الأديان، وباسم تقارب الأديان أو العالمية، وتصريحات سياسية باسم احترام الأديان كما يزعمون ..
و اي حوار مع الصهيونية الصليبية الجديدة التي تآمرت على تمزيق المسلمين شرقا وغربا؟
هم يقاتلوننا ونحن ندعوهم الى التحاور أي خذلان هذا
لا حول ولا قوة الا بالله
حسبنا الله و نعم الوكيل
ـ[السليماني]ــــــــ[14 - Aug-2010, مساء 10:01]ـ
جزاك الله خيراً
وحفظ الله الشيخ الراجحي
ـ[أبو حمزة أنس الرهوان]ــــــــ[21 - Aug-2010, صباحاً 07:09]ـ
قال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرُُ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارََا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}
أظنُّ واضحا مرادي من هذه الآية الكريمة.
ـ[الوايلي]ــــــــ[25 - Aug-2010, مساء 01:15]ـ
حسبنا الله ونعم الوكيل
النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى التوحيد مدة (13) سنة ويأتون من ينتسبون إلى الدين بأن يشاع الشرك بين الناس لا حول ولا قوة إلا بالله
بارك الله في طارح هذا الموضوع
ـ[أبو المعالي الجزائري]ــــــــ[29 - Aug-2010, مساء 06:47]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
الشيخ الفاضل العلامة الراجحي قوي جدا في العقيدة ومن عرف أقواله ومواقفه في مسألة الإيمان تبين له ذلك وله خبرة ودراية قوية بمذهب السلف وأقوال الفرق، وقد كان يشُدني كثيرا وأنا استمع لشروحه في الاعتقاد، لقوة التأصيل ومتانة الحجة مع أسلوب متين أيضا في إسقاط شبهات المخالفين، والعلامة العالم المُحتسب الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي، يعلم الله تعالى في علاه كم أحمل من التعظيم والتوقير والمحبة لهذا الشيخ الذي يُذكرك حقا بالسلف الماضين، لا يرد علي علي اسمه إلا وبدا لي رجل معزول عن الناس يبغي الدار الآخرة، حين يلوح له الحق لا يتوانى في بيانه وإعلانه، وشيخ غيور على العقيدة وملة الإسلام، وقد حاول محاولون إسقاطه من علُ فما سهُل لهم ذلك بل كان أعسر ما يكون، ونحن نعرف جيدا ما قد حباهم الله تعالى من الفضل والمكانة، بحق حُراس العقيدة، وأما التقريب فغاية في المحال من جهة الشرع بالطريق الأول ومن جهة الواقع بالطريق الثاني، فأول ما تقرأ (قل يا أيها الكافرون) تعلم دلالتها على المباعدة والمباينة لا على المقاربة، وقد جاء في السيرة أن جماعة من صناديد قريش أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعهو عند البيت العيق فقالوا: (يامحمد هلم فتعبد ما نعد ونعبد ما تعبد، فإن كان الذي نعبد خيرا من الذي تعبد كنت قد أخذت من نصيبك منه، وإن كان الذي تعبد خيرا من الذي نعبد كنا قد أخذنا بنصيبنا منه) فأنزل الله (قل يا أيها الكافرون) قال المباركفوري في الرحيق: (فقطع الله تعالى هذه المساومة الهازلة بهذه المفاصلة الجازمة) أو كلمة نحوها وليُنظر الرحيق المختوم له، لأني أكتب من إملاء الفؤاد، ومن الطريق الثاني وهو الواقع أن التصادم والتضاد بين عقيدة التوحيد وملة الإسلام صفة لازمة وواقع لا يتغير ونتيجة حتمية، فإن التضاد حاصل في المقدمات والمعطيات، فالإسلام يقول: الله تعالى لم يلد، والنصارى يقولون ولد، تعالى رب السماوات والأرض وما بينهما علوا كبيرا، والإسلام يقول عيسى كلمة الله وروح منه ومريم طاهرة مطهرة مكرمة، واليهود يقولون مريم بغي وعيسى ولد زنا، حاشاهما من ذلك بل طاهرين مُطهرين، إلى صور كثير من التضاد والتصادم، وحينئذ لا يمكن أن يُتصور التقريب في حقيقة الأمر إلا إذا خلت أفئدة المُقربين من مسائل الاعتقاد فيكون التقريب في الظاهر حاصل وفي الباطن غير حاصل، لأن ما ثمة غير العدم في الاعتقاد، وهذا الذي طرحته لك لا يوجد غيره حين النظر والتأمل وفك حالات هؤلاء المحتشدين لرفع الباطل و كبت الحق.
ـ[رودريقو البرازيلي]ــــــــ[30 - Aug-2010, صباحاً 05:05]ـ
حفظ الله الشيخ عبدالعزيز الراجحي.
سؤال بسيط:
ألا تلاحظون شبه بين فتاوى الشيخ الراجحي و الشيخ ابن باز ... ؟
حتى طريق التدريس بل الصوت بعد.
رحمه الله الشيخ ابن باز
و حفظ الله الشيخ عبدالعزيز الراجحي
و وفق الله محبي الشيخين الفاضلين(/)
((تنبيه الخائض .... في رحلة الشيخ عائض))
ـ[عبدالرحيم التميمي]ــــــــ[08 - May-2008, مساء 11:50]ـ
لمع اسم الشيخ / عايض القرني في التسعينات كداعية وخطيب أثر على جيل من شباب الصحوة، لما أوتي من فصاحة وبيان، وأسلوب مميز في الخطابة، بالإضافة لعوامل أخرى تمثلت بتزامن بروزه مع جيل علماء الصحوة آنذاك، ولا ريب أن جيلاً من شباب الصحوة يدينون بكثير من الفضل للشيخ عايض في التأثير عليهم والأخذ بأيديهم لطريق الاستقامة، وفي حقبة ما بعد الإيقاف الطويل عن الدعوة، والتي عانى فيها الشيخ عايض معاناة نفسية مريرة، انفتحت كوة الهامش الدعوي له ولزملائه للحاجة الماسة لشعبيتهم ووزنهم إزاء تيار العنف الذي دهمت أخطاره الأمنية والفكرية البلاد، خاصة بعد انحسار شعبية المؤسسات الدينية الرسمية برحيل العالمين الجليلين (ابن باز، العثيمين).
وتزامن هذا كله مع مراجعات علماء الصحوة لخطابهم الدعوي، وقد شملت هذا المراجعات الشيخ عايض، ولما عُرف به الشيخ من التلقائية، والارتجالية، مع عدم قراءة الواقع قراءة دقيقة مستفيضة، فقد سُهل على الكثيرين استثمار طيبة الشيخ وبساطته لخدمة أهدافهم، فنجح الخطيب المفوه أن يوظفه في حملة علاقات عامة لتطبيع الأوضاع الحالية، ثم رأينا تلك المخرجة التلفزيونية تستجر الشيخ لفتوى عن كشف الوجه وإجراء لقاء معه في منزله.
الأمر الذي استلزم أن يعاتبه رفاقه من شيوخ الصحوة ليعقب ذلك بالتراجع ثم الاعتزال مع قصيدة هجائية ثم أعقب ذلك قرار العودة بسبب إلحاح من لم يسع الشيخ عايض رد طلبه، وقد سبق هذا كله لقاءات تلفزيونية مع ليبراليين نجحوا بذكائهم، وتلقائية الشيخ في جره لمواقف، وأقوال، لصالح مشاريعهم وأهدافهم دون أن يلحظ الشيخ هذا الأمر أو يتفطن له.
وقبل أيام قليلة عاد الشيخ عايض القرني مع مجموعة من المشايخ من رحلة دعوية وعلاجية من فرنسا دامت لأكثر من ثلاثة أشهر، وقد سارع الشيخ في تدوين انطباعاته من هذه الرحلة عبر مقالة (شكراً فرنسا)، التي نشرت في صحيفة الشرق الأوسط، ولقاء تلفزيوني في قناة المجد وقد رصدت بعض النقاط التي تحدث عنها الشيخ، فأحببت مناقشة بعض ما جاء فيها عبر وقفات ثلاث:
أولاً: بالغ الشيخ عايض في الثناء على حكومة فرنسا التي سهلت إقامة محاضراته وخطبه ودروسه دون مضايقات، وليس ثمة محذور شرعي في الثناء على غير المسلمين بما فيهم من الصفات الإيجابية، ولكن الشيخ أطلق أوصاف الثناء دون احتراز وغاب عنه أن الحكومة الفرنسية ملزمة بتطبيق قوانينها التي لا تحظر أي نشاط ثقافي أو ديني "عادة" بغض النظر عن مضامينه والقائمين عليه، فالحفاوة التي صورها الشيخ عايض إن وجدت لم تكن بسبب تقبل الحكومة الفرنسية للدعوة الإسلامية وترحيبهم بها كما أوحت عبارات الشيخ عايض، كيف يكون هذا؟؟، وقد ضاقت فرنسا قبل سنوات بقطعة قماس وضعتها الفتاة خديجة على رأسها ومنعت المسلمات من التعليم في مدارسها الحكومية إلا بشرط التخلي عن الحجاب، وقبل أيام منعت قناة فرنسية طفلاً جزائرياً عمره 9 سنوات أن يشارك في برنامج أطفال، بسبب أن اسمه (إسلام)!! فأين فرنسا المتحضرة الوديعة التي تتهلف لسماع صوت الدعاة كما ذكر ذلك شيخنا الفاضل، لست أريد من ذكر هذا المثال أن اختزل (كل فرنسا) في تصرفات بعض أحزابها اليمينية، وإن كانوا اليوم يحكمون فرنسا فعلا، وشعبيتهم في كل أوربا في تصاعد، ولكن ما قام به الشيخ عايض من تقديم صورة وردية لفرنسا فيه مجافاة لواقع ذلك البلد وأمثاله من البلاد الأوربية ...
ما أقسى على النفوس الأبية أن ترى شيخاً فاضلاً قضى في مضمار الدعوة إلى الله أكثر من عشرين عاماً يغرد بمحاسن الحضارة الغربية كما يغرد أي شاب غرٍ عاد بالأمس من بعثته الدراسية، وأما احتجاج الشيخ وأمثاله من الفضلاء بالثناء القرآني والنبوي على إيجابيات الكفار فلاشك أن النصوص الشرعية جاءت بهذا ولكن في سياق خطاب عام يعزز هوية المسلم ودينه وثقافته، وينعى على "الآخر" انحرافه وضلاله وعقله الذي قصر عن سبب حياته ووجوده، ولهذا فانتزاع النصوص الشرعية التي جاءت بالثناء على بعض الكفار وجعلها "منهجاً عاماً" لخطاب الدعاة، تخاطب الأمة من خلاله يعد خللاً منهجياً قد يقذف بعامة المسلمين في أتون التبعية الثقافية للحضارة الغربية، وإن كنت أجزم أن
(يُتْبَعُ)
(/)
هؤلاء الدعاة الفضلاء لم يقصدوا من ذلك شيئاً.
ثانياً: قارن الشيخ عايض حفظه الله في معرض ثنائه على فرنسا وحريتها بذكر مآسي المسلمين في دول المغرب العربي وما يجده الناس هناك من التضييق والتنكيل، ولو كان المتحدث ليبرالياً لأمكننا أن نجيبه بأن عقد المقارنة لا محل لها معنا معاشر الإسلاميين لأن هذه الأنظمة لا تزعم أصلاً أنها تتبنى المنهج الإسلامي في الحكم، وأن عقد المقارنة مع إغفال المنهج الإسلامي سيفضي ولاشك بتفوق الأنموذج الغربي، ولكن ما دام المقارنة جاءت من شيخنا الفاضل فإن لنا أن نسأله:
ـ من الذي زرع أنظمة الاستبداد في المغرب العربي، وثبت وجودها، ودعمها ضد إرادة الشعوب ...
ـ من الذي وقف داعماً قوياً لجنرالات الموت في الجزائرالذين صادروا خيار الشعب، وكفروا بالديمقراطية عندما جاءت بإخوانك يا شيخ عايض!!
إنها فرنسا بلد الحرية والحضارة، التي دعمت أنظمة أحاطت بكلكلها رقاب المسلمين حتى فر صفوة شبابها عبر البحار والمحيطات فراراً بدينهم وإعفافاً لأهليهم فلقي المئات مصيرهم المحتوم طعاماً لحيتان البحر، وبقي الملايين في السجن الكبير، ونفذت قلة منهم عبر كوة الديمقراطية الزائفة، مدافعة عن كرامتها وثقافتها .. ثم تأتي شيخنا لتسبغ المدائح لفرنسا وحريتها وحضارتها .. !!
ثالثاً: تساءل الشيخ عايض بلهجة ساخرة عن منجزات العرب الحضارية في عالم المادة، وعقد مقارنة ساخرة بين (مزاين الإبل) في بلاد الخليج، ومصانع السيارات في فرنسا ... !!
وعجبي والله لا ينقضي من هذه اللغة الهجائية التي لا تستغرب من مثقف مسلوب الهوية، ولكنها تستغرب من الشيخ وأمثاله لا سيما والشيخ لا ينفك من الثناء خيراً على الكثير من الوجهاء والمتنفذين ...
كم نحن بحاجة شيخنا الفاضل للنظرة الفاحصة في أسباب تخلفنا الحضاري في عالم المادة، وأحسب أن هذا لا يتأتى علاجه بهجاء عامة المسلمين والثناء على حضارة الآخرين دون تحرز، إن العلاج الحقيقي يكون بأن نصدق مع أنفسنا وأن نشخص الداء، ونحمّل مسؤولية تخلفنا لمن بيدهم القدرة على التغيير ... وأما الاتكاء على أريكة التنظير بهجاء عامة الناس أو عموم المثقفين الذين لا حول لهم ولا طول فهذا أمر ميسور هين ... وقصارى هذه الدعاوي أنها توحي للعوام أن هذا الداعية يقدم خطاباً معاصراً، كما أنها تشكل وقوداً فكرياً لعربة العلمنة والتغريب في عالمنا العربي ...
وقبل الختام، فلا أشك أن الشيخ عائض حفظه الله ما أراد إلا خيراً بأقواله وأفعاله ـ أحسبه كذلك والله حسيبه ـ ولكني أتمنى من الشيخ عائض أن يبقى في الميدان الذي تميز فيه وأحبه الناس من خلاله وهو ميدان الوعظ، والقصص والأدب، والسير، بعيداً عن المعترك الفكري والفضاء السياسي، الذي يجمع محبوه قبل مبغضوه أنه لا يحسن الخوض فيه، والمأمول من شباب الصحوة أن يلزموا جانب التوسط والاعتدال في موقفهم من الشيخ عايض القرني وفقه الله، فلا يقبل منصف أن يُتهم الشيخ في نيته ودعوته فإن هذا من الظلم، والبغي، والحرام البين، وكذلك لا يقبل من محبي الشيخ "ترميزه"، فقد شبت الصحوة عن الطوق، وما عاد بالإمكان ترميز كل من امتطى صهوة المنابر أو ملأ المكتبة بمداد المحابر
عبدالرحيم التميمي
ـ[الباز]ــــــــ[09 - May-2008, صباحاً 12:44]ـ
فلا أشك أن الشيخ عائض حفظه الله ما أراد إلا خيراً بأقواله وأفعاله ـ أحسبه كذلك والله حسيبه ـ ولكني أتمنى من الشيخ عائض أن يبقى في الميدان الذي تميز فيه وأحبه الناس من خلاله وهو ميدان الوعظ، والقصص والأدب، والسير، بعيداً عن المعترك الفكري والفضاء السياسي، الذي يجمع محبوه قبل مبغضوه أنه لا يحسن الخوض فيه،
أحسن الله إليك ..
ولن تكدر هذه بحر الشيخ في الفضل والنبل ..
ولكن الحق أحق أن يتبع ..
وأسأل الله أن يُسدد الشيخ لما فيه الخير والنفع ..
وأن يبارك فيك وفي قلمك الرزين ..
ـ[حمد الصالح]ــــــــ[09 - May-2008, صباحاً 10:04]ـ
جُرّ الدكتور عائض من حيث لا يعلم إلى أن يكون طرفا في مشروع تحسين "صورة الغرب" التي بدأ يراها عامة المسلمين على حقيقتها المشوَّهة وبلا أقنعة منذ عام 2001. (ضع في بالك أن "الذي يوجه ويشرف وينسق هو الأمير والسفير".)
فرِحَ الدكتور عائض بإقامته للمحاضرات الكثيرة, وأنه ما وجد من يعترض سبيله, فجاء سابًّا للعرب مادحًا للغرب. هل نسي أن هؤلاء الآلاف الذين حضروا عنده هم من الجالية العربيّة "الجفاة القساة"؟
يقول عائض القرني -القديم-: [من محاضرة الشباب واهتمامات العصر]
ما زرت أمريكا فليست في الورى أهل المزار
بل جئت أنظر كيف ندخل بالكتائب والشعار؟!!
لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار
وقرارنا فتح مجيد (نحن) أصحاب القرار
ـ[بحر القلزم]ــــــــ[09 - May-2008, مساء 05:44]ـ
شكر الله لك، نحن بحاجة ماسة جداً إلى هذا الأسلوب من النقد
ليتك رعاك الله تتوجه بمقالة عنوانها " الأسلوب الأمثل في النقد " فمقالتك هذه انموذج راقٍ جدا للتطبيق لمن أراد والله المستعان
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[09 - May-2008, مساء 06:38]ـ
انا لله و انا اليه راجعون
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله و المؤمنون
ـ[عبدالرحيم التميمي]ــــــــ[10 - May-2008, مساء 04:32]ـ
أخي الباز:
الأمر كما ذكرت , نفع الله بعلوم الشيخ وبارك في عمره
ـ[عبدالرحيم التميمي]ــــــــ[12 - May-2008, مساء 05:14]ـ
الأخ حمد الصالح , البحث العلمي:
جزاكما الله خيرا على مروركم.
الأخ بحر القلزم:
أسأل الله أن يرزقنا العدل والإنصاف , وشهادتك للمقال سرتني أخي العزيز فشكر الله لك.
ـ[أبو اليسع الأثري]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 06:14]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله في كتبكم الرّائق و نصحكم الجميل اللطيف.
لستُ أقول سوى أن المشايخ سعد البريك و عائض القرني وعبد العزيز المقحم حفظهم الله تعالى أنار الله بهم قلوب كثير من الاخوة هنا و كانت زيارَتَهم مليئة بالافادة لابناء الجاليات فقد كانت المساجد متابعدة و الظروف شتوية في بادئ الرحلة و صحة الشيخ عائض لم تكن تسمح له بالصلاة جالسا مع هذا رأيناهم لا يضيعون بكرة ولا عشيا في الدّعوة و نشر العلم و تأليف القلوب بين المساجد فرأيناهم يزورون التبليغ في مساجدهم و الإخوان في مساجدهم و لا يفرقون بين المعاملة هناك وهناك عند السلفيين يتلطفون في الدّعوة ...
و لا ادري هل من الزلل شكرُ الشيخِ فرنسا و نظامها الذي كان يقيم الحواجز و يقفل الطرق في العاصمة كي يجلس المستمعون والمصلون بالاعداد الكبيرة الغفيرة دون ازعاج.
و كان فيه من العنصريين من يرسل تحذيرا عضبا و حنقا يشتكي كثرة الصخب والضجيج ليلا فكانت فعلا التوصيات من النظام باعطاء المسلمين بعض الحرية في هذه الايام.
النظام الفرنسي عمل مجهودا ماكان موجودا بعد الفين وواحد من تسهيلات كدنا ننساها مع مرور التعقيدات
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
ـ[الفهد البرونزى]ــــــــ[27 - Jun-2008, مساء 03:16]ـ
عندما يشكر الشيخ فرنسا
فهو يشكر نظام ديموقراطى
ويا أخى الكريم لماذا التناقض فى نقدك للشيخ عائض القرنى
الشيخ عايض في الثناء على حكومة فرنسا التي سهلت إقامة محاضراته وخطبه ودروسه دون مضايقات، وليس ثمة محذور شرعي في الثناء على غير المسلمين بما فيهم من الصفات الإيجابية، ولكن الشيخ أطلق أوصاف الثناء دون احتراز وغاب عنه أن الحكومة الفرنسية ملزمة بتطبيق قوانينها التي لا تحظر أي نشاط ثقافي أو ديني "عادة" بغض النظر عن مضامينه والقائمين عليه، فالحفاوة التي صورها الشيخ عايض إن وجدت لم تكن بسبب تقبل الحكومة الفرنسية للدعوة الإسلامية وترحيبهم بها كما أوحت عبارات الشيخ عايض، كيف يكون هذا؟؟، وقد ضاقت فرنسا قبل سنوات بقطعة قماس وضعتها الفتاة خديجة على رأسها ومنعت المسلمات من التعليم في مدارسها الحكومية إلا بشرط التخلي عن الحجاب، وقبل أيام منعت قناة فرنسية طفلاً جزائرياً عمره 9 سنوات أن يشارك في برنامج أطفال، بسبب أن اسمه (إسلام)!! فأين فرنسا المتحضرة الوديعة التي تتهلف لسماع صوت الدعاة كما ذكر ذلك شيخنا الفاضل، لست أريد من ذكر هذا المثال أن اختزل (كل فرنسا) في تصرفات بعض أحزابها اليمينية، وإن كانوا اليوم يحكمون فرنسا فعلا، وشعبيتهم في كل أوربا في تصاعد، ولكن ما قام به الشيخ عايض من تقديم صورة وردية لفرنسا فيه مجافاة لواقع ذلك البلد وأمثاله من البلاد الأوربية ...
انت تؤكد ان هذا نظام فرنسا الديموقراطى
ثم فى السطر التالى تؤكد ان نظامها مخطىء
اين هذا من انظمتنا العربية الأسلامية
اذا انتقد عالم حاكما يتم منعة ان لم يكن سجنة
ان نقد الشيخ لتخلفنا هو نقد فى محلة وبدلا من انتقاد الشيخ عائض
نناقش لماذا نحن متخلفون عن الغرب
هل لأننا نبحث عما نختلف علية بدلا من البحث عما نتفق علية لنتقدم
اننا حتى لا نقبل ان نتعايش مع من نختلف معة من المسلمين ولكن نتعايش مع الغربيين
ان تلقائية الشيخ عائض هى تلقائية علم ولغة وسرعة خاطر وليست تلقائية طيبة
وهؤلاء العلماء حينما يتكلمون فهم يتكلمون علما
شكرا لكم جميعا
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[15 - Sep-2008, صباحاً 07:04]ـ
وكذلك لا يقبل من محبي الشيخ "ترميزه"، فقد شبت الصحوة عن الطوق، وما عاد بالإمكان ترميز كل من امتطى صهوة المنابر أو ملأ المكتبة بمداد المحابر
عبدالرحيم التميمي
لعل الصحوة في مرحلتها الثانية لم تعد تقبل ترميز عائض! ربما لأنه لم يبايع
و المرحلة الثانية ربما تشترط فيها الطاعة
لهذا لا يمكن أن يرمز عائض، كما في المرحلة الأولى
أما غيره فيمكن أن يرمز حتى لو كان أكثر إعجاباً بالغرب من عائض و معجب بديموقراطيتهم أكثر
ربما لأنه بايع على الطاعة و تجاوز المرحلة الأولى إلى الثانية
و ننتظر ما ستؤول إليه الأمور
ـ[علي الغامدي]ــــــــ[15 - Sep-2008, صباحاً 07:56]ـ
المقال بارك الله فيك اخي عبدالرحمن كان متحرزا ولم يكن منصفا
الشيخ حكم بما رأى وليس بما كان وما يدبر وهو بلا شك لايجهل لماذا نحن متخلفون عن ركب الحضاره الغربيه
ولكن مايليق بنا التعليق عليه قد لايليق به التصريح به
الشيخ لاابرئه من الخلط بين الصواب والخطأ في تصريحه وانه بالغ الى حد ما ولكن حسن الضن أغلب بأن الشيخ مدين بالمعامله الشخصيه والتيسير الخاص برعايته هناك والاهداف من وراء ذلك قد تستوقفنا ولكن يصعب علينا مطالبته بالجحود او عدم الشكر بقدر الفضل الذي لمسه له ولدعوته
اخيرا اشكرك على جهودك والحمد لله على سلامة الشيخ وان شاء الله ان يكون استفاد من رحلته العلاجيه وأملي فيه وقناعتي بما اعلمه عنه من خلال دعوته تجعلني اتحفظ على بعض ماجاء بالمقال وأربأ بالشيخ ان يكون مستمالا بالقدر الذي تم وصفه
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عائدة الشامي]ــــــــ[15 - Sep-2008, مساء 07:47]ـ
ما أقسى على النفوس الأبية أن ترى شيخاً فاضلاً قضى في مضمار الدعوة إلى الله أكثر من عشرين عاماً يغرد بمحاسن الحضارة الغربية كما يغرد أي شاب غرٍ عاد بالأمس من بعثته الدراسية،
صدقت، أمثال طهطاوي وشواكله ..
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[16 - Sep-2008, مساء 12:12]ـ
الأستاذ الكريم عبد الرحيم التميمي: بارك الله فيك على هذا الطرح المتميّز، وحفظ الله الشيخ عايض وغفر له.
لا عجب أن يكتب الشيخ عائض القرني - غفر الله له - مقالاً أو أكثر في (شكر فرنسا) بعد رحلة علاجية قصيرة، فـ (فرنسا) هي: " أم العجائب "، كما وصفها الشيخ العلامة ابن باديس - رحمه الله -.
غير أن العجب هو المبالغة في الشكر والثناء، وفي المقابل يصف العرب - وهو منهم - بـ (القسوة والجفاء).
ما في البداوة من عيب تُذم به * إلا المروءة والإحسان بالبدَر
والشيخ - سامحه الله - لو تأمل قليلا؛ لعلم - يقينا - أن (فرنسا) هي: " صغرى الدول الكبرى، وكبرى الدول الصغرى "، كما كان يقول الشيخ العلامة البشير الإبراهيمي - رحمه الله -.
ومن جهل (فرنسا) وحضارتها ومدنيتها!!!، فما عليه إلا أن يستقرأ التاريخ الحديث الذي كُتب بالحديد والنار؛ فسيجد السوءة التي لا تُوارى، وسيردد مع الشيخ العلامة تقي الدين الهلالي - رحمه الله - قوله:
أعادي فرنسا ما حييتُ فإن أمُت * فأوصي أحبائي يعادونها بعدي
ولقال بملء فيه: " اللهم بداوة العرب ولا حضارة فرنسا "، ولا ينبئك مثل خبير.
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[17 - Sep-2008, مساء 12:33]ـ
ومما يناسب هذا المقام قول العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي - رحمه الله - في " آثاره " (5/ 229):
((ومع تأثر الجزائر الشديد بشعر شوقي وعقيدتها التي لا تتخلخل في شاعريته، ومع اعترافها بأنه أول من هزّ هذا الشرق العربي ببدائعه وآياته؛ فإن أدباء الجزائر ما زالوا يعتبون عليه، بل ما زالوا ينقمون عليه مدحه لفرنسا وافتتانه بحضارتها المزيفة، وتخطيه الأصول التاريخية التي لا تعترف لفرنسا ببعض ما ينوّه به شوقي من فضائلها، فهو يقول:
دم الثوّار تعرفه فرنسا ... وتعلم أنه نور وحق
جرى في أرضها، فيه حياة ... كمُنّهَلّ السماء وفيه رزق
وحررت الشعوب على قناها ... فكيف على قناها تُستَرقُّ؟
سامحك الله يا شوقي، أي شعب تحرّر على قنا فرنسا، فإن كان بعض ذلك فهو من باب الربا الفاحش؛ تأخذ فرنسا أكثر مما تعطي، وليس خالصًا لوجه الحرية والتحرير)) اهـ.
ـ[عبدالرحيم التميمي]ــــــــ[18 - Sep-2008, مساء 04:32]ـ
الأخ فريد المرادي:
تعقيبك المبارك كان إضافة مميزة للمقالة , حفظك الله وبارك في علمك.
لعلي أعود لمداخلات بعض الإخوة إن شاء الله مع أني كتبت الموضوع منذ أشهر ولكن أحد الإخوة قام برفعه بعد هذا الوقت الطويل .. جزاه الله خيراً
ـ[السلفي النجدي]ــــــــ[21 - Sep-2008, مساء 11:42]ـ
الأخ عبد الرحيم التميمي
جزاك الله خيراً على هذا الطرح المفيد والمؤدب وكم نحن بحاجة ماسة غلى مثل هذه الردود والمراجعات حتى لاتنحرف المسيرة
ولعلك تناقش ماحصل من الشيخ القرني وغيره من الدعاة من حفاوة شديدة بالمبتدعة كالجفري والصفار والسويدان وعمرو خالد
وفقك الله لكل خير(/)
هذه المرة: من (الحجاز) .. جاء التحذير من (الكوثري) ..
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[09 - May-2008, مساء 06:13]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا التحذير المستمر من الكوثري؟
ج / لأنه رأس " الجهمية - القبورية " في هذا العصر، فمن بعده من أتباعه عالة عليه، ولأنه يراد - لمزاحمة أهل السنة وإشغالهم - بعث مذهبه الفاسد من جهات متعددة - كما رأينا في مؤتمره القريب في تركيا - (تشابهت قلوبهم) في الكيد لدعاة الكتاب والسنة، ودولهم؛ وللأسف أنهم استطاعوا الاستحواذ على عقول شرذمة من أهل هذه البلاد " السعودية "، ليكونوا صدىً لهم، مستبدلين الأدنى بالأعلى، راضين أن يكونوا ممن قال تعالى عنهم: ? وَاتْلُ عَلَيْهِم نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذيِنَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ?.
هداهم الله، أو كفانا شرهم بما شاء ...
قال الشيخ سفر – سلمه الله – في كتابه " منهج الأشاعرة - الكبير- ص 176 - 183):
(عندما يتفق المنتسب لليهودية مع المنتسب للإسلام في أصل التلقي من مشركي اليونان، والتدين بالدين الوثني العالمي: دين الفلسفة اليونانية، فإنه لا غرابة في وقوفهما - ومن شاركهما في هذا الدين من أي نحلة وجنس- صفاً واحداً ضد جبهة الإيمان والتوحيد!
وإلا فكيف يعيش الرازي، وموسى بن ميمون في عصر واحد (1)، والأول بأقصى المشرق، والآخر بأقصى المغرب، فيؤلف الأول "أساس أو تأسيس التقديس"، ويؤلف الآخر "دلالة الحائرين"، وتقرأ هذين الكتابين فتجدهما يخرجان من مشكاة واحدة، بل من بؤرة واحدة لا أثر فيها لإسلام هذا، ولا يهودية ذاك من حيث المنهج والاستمداد.
فالإسلام - الذي ينتسب إليه الرازي- أجلى من الشمس في رابعة النهار بلا غيم ولا قتر فيما يتعلق بإثبات الصفات.
واليهودية التي ينتسب إليها موسى بن ميمون في توراتها المحرفة من الغلو المسرف في الإثبات ما يصل إلى تشبيه يترفع عنه كثير من الوثنين.
ومع هذا يتفق الاثنان في نفي الصفات، وفي الهجوم على " المجسمة المشبهة الحشوية"؛ أي أهل السنة والجماعة.
فأما كتاب الرازي فقد تقدمت بعض النقول منه، ولا هجرة بعد الفتح، ولا كلام في التأسيس بعد "بيان التلبيس" (2).
وأما كتاب "دلالة الحائرين" الذي استمد منه الأشاعرة، فإليك طرفاً من حكايته.
ألف موسى بن ميمون اليهودي هذا الكتاب باللغة العربية نطقاً، أما كتابة حروفه فقد جعلها بالخط العبري؛ لأنه خشي أن يثير عليه المسلمين واليهود على السواء، فكانت لغته العبرية حائلة دون فهم اليهود له، وخطه العبري مانعاً من قراءة المسلمين له.
وهذا بالطبع بعض آثار المكر اليهودي المتأصل، لكن ما علينا من هذا، فليته بقي كذلك وأراحنا الله منه.
غير أن أحد أعيان الطبقة الثانية من تلاميذ الرازي؛ وهو أبو عبدالله محمد بن أبي بكر التبريزي، لمس -على ما يبدو- حيرة أصحابه الأشاعرة، ورأى أن أعظم كتبهم "التأسيس" قائم حقاً على التلبيس (3)، فما صدّق أن عثر على كتاب "دلالة الحائرين"، ليجعله دليلاً لحيرة أصحابه، وظهيراً للتأسيس على الحشوية!!.
فأتى منه على الجزء، أو المقدمات المطابقة لموضوع التأسيس، فشرحها، وعرب خطها (4).
ثم طمرت السنون الشرح والكتاب، ودار الزمان دورات؛ حتى قام اليهود في القرن العشرين - ومنهم "إسرائيل ولفنستون" الذي كان مقيماً بمصر، ومدرساً في جامعتها- بإحياء تراث أجدادهم، واحتفلوا بذكرى موسى بن ميمون ومؤلفاته.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعاصرهم أكبر أشاعرة عصره: (محمد زاهد الكوثري)، فرأى وجوب الانتصار للمذهب، والتشفي من أعدائه (الحشوية)، فنشر شرح شيخه الأشعري (التبريزي) للكتاب اليهودي، ولا ندري عما إذا كان هذا العمل باتفاق مع اليهود، أو إشارة منهم، إلا أن الكوثري قال: "لو كان القائمون بالاحتفاء بموسى ابن ميمون قبل سنين ظفروا بهذا الشرح القيم، لقاموا بنشره إذ ذاك بكل اغتباط" (5).
يريد أن يقول: إن المسألة توافق، وليست عن اتفاق. والله أعلم.
والمهم أن الكوثري أخرج الكتاب في سنة (1369هـ-1948م) وهي السنة التي قامت فيها دولة إسرائيل بفلسطين، ولسان حاله يقول: إذا لم تكن هذه الدولة على مذهب الحشوية، فلتكن ما تكون!.
وحتى لا يحسب أحدٌ أننا نتجنّى عليه - فضلاً عن شيخه التبريزي صاحب الفضل الأول- ننقل من مقدمته ما أنطق الله به لسانه، فهو يقول ضمن كلامه عن ابن ملكا (6) اليهودي الذي أفسد الإسلام في نظره: "وقد أوتي ذكاءً وحسن بيان، مع مكر بالغ، وشغب ملبّس، يدس بهما في غضون كلامه ما ورثه من عقيدة التشبيه من نحلته الأصلية، فيروج تلبيسه على من لم يؤت بصيرة نافذة تجلو الحقائق، يتظاهر بالرد على الفلاسفة في بعض مباحث المنطق والرياضيات والإلهيات، فيكون بذلك سبباً لرواج شغبه عند بعض محدِّثي الحشوية في تجويز حلول الحوادث (7) في الله سبحانه ....
مع أن حلول الحوادث في ذات الله محالٌ عند المتكلمين الفلاسفة في آن واحد (8). بل بحلول الحوادث في العالم استدلوا على حدوث العالم (9)! فكيف يستجاز ذلك في مبدع العالم جل جلاله؟.
وإن انخدع بكلام ابن ملكا ابن تيمية في تلبيسه، وتسعينيته، وسبعينيته، ومنهاجه، ومعقوله (10) ... "
ثم قال في مقام مقارنة كتاب ابن ملكا "المعتبر" بكتاب ابن ميمون "دلالة الحائرين": "فيستغرب من الشيخ الحراني –يعني شيخ الإسلام- إهماله لتلك البراهين المسرودة في "دلالة الحائرين" في تنزيه الباري عن الجسمية، مع اطلاعه عليها، وأخذه بتلك المحاولة الساقطة في معقولة عند رده على السيف الآمدي قوله باستحالة تحديد الله بجهة؛ لاحتياج ذلك إلى مخصص كما هنا، على طبق ما صنع في أخذه عن ابن ملكا ما انفرد به عن النظار من تجويز حلول الحوادث في الله. تعالى الله عما يقول المجسمة والمشبهة علواً كبيراً" (11).
فالكوثري يتهم شيخ الإسلام -صراحة- بأن تلك الأسفار التي لم يُكتب في بابها مثلها قط- لا في قديم الدهر ولا حديثه- ما هي إلا اقتباسات من فكر رجل يهودي مغمور يدعى ابن ملكا!
فماذا يريد الكوثري بذلك؟ أهو كما قال المثل العربي "رمتني بدائها وانسلت"؟.
الحقيقة أن الأمر أعظم من ذلك!
فإن الكوثري من أعظم الناس تدليساً وتلبيساً، ومكراً ودهاءً، يعرف ذلك من تتبع شيئاً من كلامه ونقولاته، وإليك البيان:
1 - أن ابن ملكا اعتنق الإسلام كما نص المترجمون لحياته، ونقل الكوثري نفسه قول الظهير البيهقي عنه أنه "حسن إسلامه"، فلا مقارنة بينه وبين اليهودي الميت على كفره، بل الزنديق الذي ليس بمسلم ولا كتابي موسى بن ميمون، وغاية ما في الأمر أن الرجل لما أسلم اعتنق بعض الحق الذي عليه مذهب السلف، فشغب عليه الكوثري لاعتناقه مذهب الحشوية، لا لكونه يهودياً، وإلا فلماذا لم يشغب على صاحبه ابن ميمون؟ وهو الكافر الصريح؟
2 - لم يكتفِ الكوثري بالشغب على ابن ملكا واتهامه في دينه، بل اتهم شيخ الإسلام بالأخذ عنه والتلقي منه، فهو إنما طعن في الرجل توصلاً إلى الطعن في شيخ الإسلام، وافتعل لذلك مناسبة كون ابن ملكا يهودي الأصل، وأقحم ذلك كله في مقدمة كتاب ابن ميمون؛ لأنه كتابُ يهودي أصلاً، أشعري مضموناً ونصاً، فبهذا جعل القدر المشترك بين ابن ملكا الذي أسلم ووافق عقيدة السلف، وبين ابن ميمون الموافق للأشاعرة مع بقائه على يهوديته شيئاً واحداً، فانظر إلى هذا التلبيس والمكر والدهاء.
3 - أن الكوثري - على ما ظهر لي- يسره أن يقال عنه: "رمتني بدائها وانسلت"، وتبقى المسألة في هذا الحد، وذلك لكي يخفي ما هو أعظم من ذلك، وهي صلته بإسرائيل ولفنستون وجولدزيهر وغيرهما من يهود المستشرقين (12)، وكذلك إخراجه لهذا الكتاب في أحرج موقف مر بين المسلمين واليهود؛ وهو قيام دولة إسرائيل.
4 - على كلام الكوثري يكون المسلمون جميعاً مقلدين في دينهم لفلاسفة اليهود! فأتباع السلف عنده -وعلى رأسهم ابن تيمية- هم من مقلدة ابن ملكا، والأشاعرة هم من مقلدة ابن ميمون. فالأمة الإسلامية إذن مهتديها وضالها- سائرة على خطى يهود!!.
وربما يثار سؤالٌ هنا، وهو: إذا كان اليهود بهذه المنزلة عند الكوثري وأساتذته، فمن هو الخطير على الإسلام إذن؟
والجواب: نأخذه من كلام الكوثري نفسه:
إنهم أهل السنة والجماعة!! فهو يقول عن أهل الحديث في الهند: "وبعض طوائف الهنود أصبحوا أضر على الإسلام من اليهود" (13)).
============
مقال متعلق بابن ميمون اليهودي
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=112240&highlight=%E3%E6%D3%EC+%E3%ED% E3%E6%E4
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[10 - May-2008, صباحاً 01:14]ـ
بارك الله فيكم و أبقى الله لنا الشيخ سفر ... لو أضيف الى التحذير من بوائق الشيخ الكوثري التحذير من بوائق الشيخ أحمد بن الصديق و تتبع طلاسمهما و فكها لكان حسنا فهما عماد الأحباش و حلولية المتصوفة و حتى الحداثيين و هما من دلا روافض العصر على أنواع الحجج السوفسطائية المركبة و مواضع الطعن في الأحاديث و ضرب بعضها ببعض حسب ما يقتضيه المقام و المصلحة
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[10 - May-2008, مساء 11:36]ـ
بارك الله فيكم.
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[14 - May-2008, مساء 07:52]ـ
بارك الله فيكم - شيخنا الكريم - على هذه التحف ...
وقريباً - إن شاء الله - تحذيرٌ آخر من (الكوثري)، لكن هذه المرة: من (الجزائر) ...(/)
زوار السفارات .. ساهموا في سقوط (الدولة العثمانية) .. !
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[09 - May-2008, مساء 07:46]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لازلنا نذكر تصريح الأمير نايف – وفقه الله – عن زوار السفارات، والمتعاونين مع السفارات الأجنبية ضد دينهم وبلادهم، وتهديده بقطع ألسنتهم.
ولايُستغرب هذا التهديد الحازم؛ لأن العقلاء يعلمون أن هذا المتصل بأعداء الإسلام، المنسق معهم، المتعاون ضد بلاده، هو من " الطابور الخامس " المنافق، الممهد لما هو أعظم من ذلك؛ ولو وصل الحال إلى تسهيل الاحتلال؛ في سبيل دنيًا يصيبها، أو شهوة يُحصلها، وقد رأينا أمثال هؤلاء في العراق.
وقد أحببتُ – لبيان خطر زوار السفارات على بلاد المسلمين – أن أنقل شيئًا من مساهمتهم مع الأعداء في إسقاط الدولة العثمانية؛ لعل في هذا معتبرًا لنا – حكومة وشعبًا – أن نحذرهم، وننبذهم، ولا نُقربهم، أو نوكل لهم أمرًا مهمًا من أمور البلاد والعباد.
يقول الأستاذ عبدالمنعم الهاشمي في كتابه " الخلافة العثمانية " (550 - 569): (إذا تحدثنا عن الإصلاحات الدستورية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني فإننا سنتحدث عن طرفي مسألة الدستور، وهما: السلطان عبدالحميد الثاني، ومدحت باشا، وقد تحدث السلطان عبدالحميد الثاني عن مدحت باشا كثيراً في مذكراته، ويبدو من حديثه العداء الذي استشرى بين الرجلين. يقول عبدالحميد عنه: إنه كان لا يفهم من الديمقراطية إلا معنى تقليد الغرب. ويقول: "مدحت باشا غير فوائد الحكم المشروطي (الديمقراطي) وذلك أنه لم يدرس أسباب هذه الديمقراطية ولا تأثيراتها الأخرى، أمراض (السلفات) لا تصلح لكل مرض كما لا تصلح لكل بنية، وأظن أن أصول الديمقراطية لا تصلح لكل شعب ولكل بنية قومية، كنت أظن أن الديمقراطية غير مفيدة، أما الآن فإني مقتنع بضررها". وقد بدأت محاولات مدحت باشا في إعلان ما سمي بالدستور أثناء خلافة السلطان عبدالعزيز وفشلت، ولكنه حاول إعادة الكرة في عهد السلطان مراد ولم يتمكن أيضاً.
وفي عهد السلطان عبدالحميد تولى الصدارة تحت ضغط الدول الأوروبية وخاصة الإنكليز ليُفسح لهم المجال في نشر الأفكار الغربية، فقد تمهدت السبل أمامه حسبما تهيأ له، فعقد مؤتمراً لسفراء الدول الكبرى في العاصمة بناءً على اقتراح من إنكلترا، ثم جرى بعده ضغط دولي بغية القيام بالإصلاحات، فشكل مدحت باشا مؤلفة من ستة عشر موظفاً متديناً وعشرة من العلماء وقائدين كبيرين من الجيش لوضع مشروع الدستور، الذي استوحي من الدستور البلجيكي تحت اسم قانون أساسي، وذلك في سنة 1294هـ، فأصبح الدستور البلجيكي المعدل دستوراً للدولة الإسلامية بعد أن كان الإسلام هو دستور الدولة! ..
يقول السلطان عبدالحميد في مذكراته: "لم يكن مدحت باشا قد درس أي قانون أساسي في أي دولة من الدول عندما اقترح عليّ إعلان القانون الأساسي، ولم يكن له في هذا الموضوع فكر متأصل، كان (أوديان أفندي الأرمني) هو أستاذ مدحت باشا الفكري ".
إن بين السلطان عبدالحميد الثاني ومدحت باشا مواجهة، ولكن المواجهة صنعتها رعونة مدحت باشا وعدم فهمه للأمور كما كان السلطان عبدالحميد الثاني يفهم، وكان كل همه التغيير إلى اتجاه الغرب، فقد انبهر بالغرب وسياسته، ونسي أنهم يريدون مصالحهم أولاً وقبل كل شيء، ونستطيع أن نستخلص ذلك من رواية السلطان عبدالحميد الثاني التي تنطق بالصدق وحسن المنطق وسلامة الرؤيا، يقول السلطان في مذكراته:
"عند إعادة قراءة ما كتبته عن مدحت باشا، وجدت أني مررت على إحدى النقاط مرّ الكرام، ترددت كثيراً عندما فكرت في تركها، ولكن ليس من شيء أخفيه عن الله وعن التاريخ مهما اختبأ الشيء، ومهما تسترنا عليه، فلا بد أن يظهر يوماً بكل تفرعاته.
الإنكليز أعدائي يرشون قائد جيشي:
كنت أعلم أن السرعسكر عوني باشا قد أخذ من الإنكليز أموالاً، إن رجلاً من رجال الدولة يأخذ مالاً من دولة أخرى لا بد وأن يكون قد قدّم لها خدمات، يعني هذا أيضاً أن خلع المرحوم عمي السلطان عبدالعزيز وتولية السلطان مراد باشا بدله، لم يكن حقداً فقط من حسين عوني باشا، ولكنه مرضاة لرغبة دولة أخرى أيضاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكما كتبت من قبل، فإن السلطان عبدالعزيز كان قد جرّد حسين عوني باشا من رتبته ونياشينه، ونفاه إلى أسبرطة، لم يكن حسين عوني باشا في ذلك الوقت يملك شروى نقير، بالإضافة إلى أنه كان مريضاً، عندما أبلغت إليه إرادة عمي كان في منزله، تملكته الحيرة والدهشة، ظهر عليه الندم الشديد، كان يفكر في أنه لا يمتلك شيئاً، وأنه لم يستطع تأمين دخل له حتى ذلك اليوم، كثيرون سمعوا حسين عوني باشا وهو يقول في تلك الأيام: "آه لو تسنح لي فرصة أخرى لعرفت ماذا أفعل".
كان لحسين عوني باشا مزاياه، كما كانت له عيوبه، كان يثق بنفسه كثيراً، وكان يظن أنه يعرف ما لا يعرفه أحد .. أقبل القول بأنه جيد كجندي، ولكنه كرجل دولة كان سيئاً بعدم تبصره وكثرة كلامه وغروره، ولكني أعرف أنه حتى تاريخ إرساله إلى المنفى كان رجلاً شريفاً، إن أسباب الحاجة والآلام التي قاساها في منفاه أوقعته في غفلة البحث عن الشرف، وكان هذا محور سوء حظه.
كنا نسمع أنه كان في ضيق وحرمان أثناء مقامه في أسبرطه، وكان عمي يسمع مثلنا بهذا، وأظن أن هذا أثّر في عمي، فرق له، وصفح عنه، وأذن له بالعودة إلى استانبول، ليس هذا فحسب، بل عيّنه والياً على إيدين في الأناضول.
طلب حسين عوني باشا السفر إلى أوروبا للاستشفاء، حيث العيون المعدنية؛ لأنه يعاني من المرض الذي أصيب به أثناء مقامه في المنفى، والذي استمر مدة أحد عشر شهراً، وسافر.
صفح السلطان عن سر عسكره السابق، ولكن السر عسكر السابق لم يصفح عن سلطانه! كان حسين عوني باشا يعيش وهو يدفن حقده، وكان يعمل كل ما في وسعه دون أن يطلع عليه أحد عما ينوي فعله، وعندما سافر إلى أوروبا طرق أبواب رجال الحكم هناك أكثر من ذهابه إلى المياه المعدنية وأثناء سفره إلى فرنسا وإنكلترا ارتمى في أحضان الإنكليز.
لا أعرف كيف حدث هذا؟ هل اتصل حسين عوني بالسفارة الإنجليزية وقت أن كان هنا؟ أم أن الخارجية الإنكليزية أحسّت بهمهمات حقده عندما وصل هناك فأوقعته في المصيدة؟ لا أدري، وإنما بعد فترة من الزمن أخبرني سفيرنا في لندن موسوروس باشا أن حسين عوني باشا تقاضى مالاً كثيراً من يد أجنبية في إنكلترا، ولم يعلم سفيرنا بهذا إلا في وقت متأخر جداً، وعندما وصل إلي الخبر كان حسين عوني باشا قد مات، ولكن مسألة أن قائداً عثمانياً يقبل نقوداً من دولة أجنبية لم يكن عملاً يستهان به. وقفت طويلاً أمام هذه المسألة باهتمام ".
وتحت عنوان مثير يقول السلطان عبدالحميد:
"وزيري الأعظم (مدحت باشا) وقائد جيشي، عميلان لأعدائي":
كانت الهدايا القيمة التي قدمها سواء للقصر أم لأصدقائه المقربين، بعد عودته من أوروبا، تفوق كثيراً قدرة مدحت باشا حديث العودة من المنفى، الذي قاسى فيه الفقر والحرمان، تلك الأيام لم تغب عن عيناي، وأنا إلى الآن ما زلت مندهشاً متسائلاً: كيف لم يلحظ المرحوم عمي هذا؟ رغم أن الباشا قدم له شمعداناً ثنائياً مرصعاً على القيمة تاريخياً، واشتراه من باريس بثلاثة آلاف ذهباً ليهديه إلى السلطان، علمت بعد ذلك أن تحقيقاً تم في أمر هذا الشراء، أبلغني موسوروس باشا بهذا، وكان مدحت باشا وقتها صدراً أعظم، وكان حسين عوني باشا رفيقاً لمدحت باشا، واشتركا معاً في إنزال عمي عن عرشه". مدحت باشا أيضاً مثل حسين عوني باشا، اتبع سياسة مؤيدة للإنكليز، وكان دائماً يفصح عن ثقته في الإنكليز.
ويقول السلطان عبدالحميد: " كنت أعلم أن كمال بك وضياء بك ورشدي باشا وآخرين من رفاقهم يجتمعون كل مساء في قصر مدحت باشا يعاقرون الخمر ويتحدثون، وذات مرة قال مدحت باشا: ليس في الأسرة المالكة العثمانية خير يرجى، ولم يبق إلا الاتجاه نحو الجمهورية تُرى كيف يمكن هذا؟ إن عدة أشخاص مثلكم يفهمون المسألة الآتية: يوجد في العالم حتى الآن بآل عثمان، ماذا يحدث لو ظهر ما يسمى بآل مدحت! ".
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد كان السلطان عبدالحميد يعرف أن لإنكلترا دوراً في كل هذه المؤامرات، وفي جراءة مدحت باشا على شخصه، فلم يكتف مدحت باشا بإثارة ما أثار من مشاكل، فهو من ناحية يريد خلق أزمة في السراي، ومن ناحية أخرى يريد الزج بالبلاد في أتون الحرب، وقد حاول سن بعض الأعمال التي لا يتصورها العقل؛ مثل تعيين الولاة من الأقلية (النصارى والأرمن) في ولايات الأغلبية فيها مسلمون، وقبول طلبة من (الروم) في المدرسة الحربية التي هي عماد الجيش .. أعمال كهذه يمكن أن تؤدي -معاذ الله- إلى تقويض الدولة من أساسها".
ويضيف السلطان قائلاً: "كان الملك العثماني يهتز بشدة من أساسه بناء على هذا كله، كنت أرى أن الصدر الأعظم (مدحت باشا) يؤيد الإنكليز ويتعاون معهم، سواء بدافع من ماسونية، أو بدافع من أسباب أخرى خاصة، ولم أعد أحتمل، فاستندت إلى صلاحياتي في القانون الأساسي وعزلته عن الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء) وأبعدته خارج الحدود".
بعض أفكار جمعية " الاتحاد والترقي " التي تعاونت مع العدو في إلغاء الخلافة:
" وأخذتْ هذه الجماعة تعمل على بث دعوتها سراً، ونشر أفكارها عن طريق الجيش، وبرز من بين روادها مسيحيون وألبانيون وأكراد وأتراك، أمثال إسحق سكوتي، وشركس محمد رشيد، وعبدالله جودت، وأصدرت في جنيف مجلة "عثمانلي" لبث أفكارها واستقطاب المؤيدين، وقد تأثرت بأفكار الثورة الفرنسية التي مر عليها مائة عام في عام 1889م، وهو العام الذي شكلت فيه الجمعية ".
الوفد الذي قابل السلطان عبدالحميد لخلعه:
" في هذه الأثناء استدعي رئيس الوزراء توفيق باشا إلى المجلس لإبلاغ القرار للخليفة، ولكنه اعتذر، فانتخب الاتحاديون وفداً مؤلفاً من الفريق البحري عارف حكمت الكرجي، وآرام أفندي الأرمني، وعمانوئيل قراصو اليهودي نائب سلانيك، وأسعد طوبطاني الأرناؤوطي، ودخل الوفد على السلطان عبدالحميد، فوجدوه واقفاً وكأنه بانتظارهم هادئ الأعصاب متزناً، فقرأ الفتوى الفريق عارف حكمت أمامه، فأجابه السلطان الخليفة: (ذلك تقدير العزيز العليم). فتقدم أسعد طوبطاني وقال له: لقد عزلتكم الأمة، فغضب السلطان عبدالحميد وقال: تقصد الأمة خلعتني لا بأس، ولكن لماذا جئتم بهذا اليهودي (يقصد قراصوا) إلى مقام الخلافة؟ ".
" وفي عام 1328هـ أرسل إلى سلانيك مع نسائه وأولاده وبعض المرافقين والخدم، وبقي هناك تحت حراسة الاتحاديين، وفي مقر يملكه أحد اليهود! ".
ـ[ناصر الدين الحنبلي]ــــــــ[16 - Jun-2008, صباحاً 09:54]ـ
الشيخ سليمان لماذا هؤلاءيسكتُ عنهم إذن .................
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[16 - Jun-2008, مساء 03:13]ـ
من الذي يسكت؟
ـ[ابو القعقاع]ــــــــ[16 - Jun-2008, مساء 04:36]ـ
الأخ سليمان أبتعد عن مدح الملوك والأمراء فهوأسلم لك في دينك وعرضك. وجزيت خيرا
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[16 - Jun-2008, مساء 05:45]ـ
الأخ أباالقعقاع: أشكر نصيحتك. دلني على " المدح " المذموم؛ لأبتعد عنه.
أما التواصي بالحق، والتعاون عليه؛ فهذا لابد منه عند " أهل السنة".
فلعلك تفرق بينها.
جعلني الله وإياك مباركَين، نافعَين لأمتنا ومجتمعاتنا بما نكتب، مخلصين النية والقصد.
ولعلك تقرأ مقدمة هذه الرسالة للتوضيح:
http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/k/k38.rar
ـ[ابن رشد]ــــــــ[16 - Jun-2008, مساء 06:39]ـ
بارك الله فيك شيخنا سليمان
ونفع الله بك وأعتقد انك في جهاد البيان
فلاتتوقف حفظك الله
فوالله أمثالك تنشرح لهم الصدور
ونعرف أن الامة لازال فيها دعاة يحذرونها من مواطن الزلل
ومنهجك الذي تسير عليه_فضح مخططات اعداء الامة_العاملون فيه قليل ,وانت من هذا القليل
ولكنه قليل نافع ومبارك
سدد الله خطاك ,وأيدك بنصره وتوفيقه
اخوك ابن رشد
ـ[الأمل الراحل]ــــــــ[17 - Jun-2008, صباحاً 12:15]ـ
ما شاء الله
من أجمل ما قرأتُ
بارك الله فيك شيخ سليمان ونفع بك(/)
دور الشيطان في تحريف الأديان
ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[09 - May-2008, مساء 08:00]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
دورُ الشيطان في تحريف الأديان
منشأ الفكرة
تجمعت عندي أسباب كافية لإعادة قراءة السيرة النبوية من جديد، وخاصة الفترة المكية، وبالفعل أمسكت قلمي ورحت أعيد قراءة السيرة النبوية من جديد، قراءة فكرية، ترصد حركة الإيمان والكفر، كيف يتصارعان وكيف يعالجان الناس حتى يومنوا أو يكفروا، وعَرَضَ سؤالٌ: كيف بدّلت الجاهليةُ ملَّةَ إبراهيم؟
كان الجوابُ المتبادر لذهني أن السبب في ذلك هو شخص عمرو بن لحي، لأشياء ذكرتها هناك، ولم يشفِ الجوابُ صدري. ولم يغنِ قراءةُ السيرة وتراجم الرجال وكثيرٌ من كتب الأدب، فرحلتُ وفي نفسي شيء.
وكثر الحديث عن الكذاب اللئيم زكريا بطرس فقلت أسمع بعضَ أطروحاته إن أُصِبْتُ بـ (الكفِّ الذاتي) (1)، فرأيتَه يسب ويشتم ويختال، فقلت: عبدُ الصليب يختال على أرضنا وعرض نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. آلمني. . . أوجع قلبي فِعلُ هذا الحقير الوضيع، فنفضت يدي مما أشغلني وبرزت له مستعينا بربي.
وجاء البحث ـ أثناء الرد عليه ـ على ذات السؤال: كيف بدلت النصرانية دينها؟
الكل يتهم (بولس) (شاول) (2)، ورحت وراء (بولس) في (أنطاكية) و (غلاطية) و (كرونثوس) و (كلوسي) و (أورشليم) و (أثينا) و (روما) أنظر أحواله وهو يتعامل مع (التلاميذ) و (الفرِّيسيِّين) و (الرومان) وهو يحاور أصدقائه (تيطس) و (تيموثاوس) و (فيمبي)، فازدادت حيرتي.
قد كان حقيراً لا يقوى على تغيير ملة بأكملها، إلا أني وجدت وأنا هناك في مدن أسيا الصغرى أتتبع (بولس) شيئاً يتحركُ على مدِّ البصرِ آراه كالشبحِ ولا ينفعُ في توصيفهِ تدقيقُ النظرِ، ذكّرني بعمرِو بن لحي الخزاعي، وغيرِ عمرو بن لحي الخزاعي.
ودعني أعرض عليك:
في شرح ابن حجر العسقلاني للحديث (3259) من صحيح البخاري (3) (أن عمرو بن لحي كان له تابع من الجن يقال له أبو ثمامة فأتاه ليلة فقال: أجبْ أبا ثٌمامة، فقال: لبيك من تِهامة، فقال: ادخل بلا ملامة، فقال: ايْت سيف جُدة، تجد آلهة معدَّة، فخذها ولا تهب، وادع إلى عبادتها تجب. قال فتوجه إلى جدة فوجد الأصنام التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس، وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، فحملها إلى مكة ودعا إلى عبادتها فانتشرت بسبب ذلك عبادة الأصنام في العرب) أ. هـ وجاء مثله في مختصر السيرة لإمام محمد بن عبد الوهاب.
وجاء في سبب عبادة قوم نوح للأصنام أن إبليس هو الذي زيّن لهم أن يصورهم (وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً)، وهو الذي قام بالصور (التماثيل) لهم، ثم هو الذي أوحى للذين جاءوا من بعدهم بعبادتهم (4).
وقبل هذا جاء إبليس في صورة غلام إلى رجل من أولاد آدم الأُول يسكن السهل وأسمعه وقومَهُ المزمار ومازال بينهم على هيئة غلامٍ أَجير حتى اتخذوا عيداً تتجمل فيه النساء للرجال ويتجمل الرجاء للنساء، ونزل رجال الجبل، وانتشرت الفاحشة، والقصة كاملة عند الطبري وغيره في تفسير قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [سورة الأحزاب: 33].
وفي التصور الإسلامي نجد أن الشياطين في صفِّ الكافرين ضد المؤمنين، حين الدعوة (الجدال بالتي هي أحس) وحين القتال، فصفُّ المخالفين لله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكون من الإنس والجن معا، هذا المعنى صريحٌ في القرآن العظيم، قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [سورة الأنعام: من121]، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [سورة الأنعام: 112]، وأخبر الله تعالى أن الكافرين اتخذوا الشياطين أولياء {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [سورة الأعراف: من 30]، وأن الشياطين تؤزُّ الكافرين {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
أَزّاً} [سورة مريم: 83]. وأن الشياطين بتسلطهم على الكافرين كانت تلقي في أسماعهم ما لم يتكلم به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة الحج: 52].
ومن الناحية الحركية نجد أن الشياطين حضرت في كل الأحداث الكبرى ضد المؤمنين ... حضوراً مباشراً، في يوم (بيعة العقبة الثانية) حاول الشيطان إفشال البيعة ونادى قريشاً فتأخرت ولو أنها تعجلت لأفسدت، و كبيرهم إبليس هو الذي حرَّض قريشاً وشجعها وما زال بها حتى خرجت يوم بدر تقاتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال الله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]، وحضر الشيطان يوم أحد يؤز الكافرين ويخدع المؤمنين وخبره مشهور معروف، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [سورة آل عمران:155].
فهذا الشيطان شاء الله أن يُظهر الفسق عن طريق الغناء على يديه، وشاء الله أن يظهر الشركُ مباشرة على يديه، في قوم نوح وفي العرب.
ما الفائدة من هذا الموضوع؟
أركز على أمرين:
الأول: الفائدة هو إعطاء الصراع مع الباطل بعداً أوسع مما هو عليه الآن، أو بالأحرى إرجاعه لوضعه الصحيح الذي كان عليه حين بدأ على يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكل رسل الله ـ صلوات الله عليهم وتسليماته ـ، فالحركة الإسلامية لها خصوصية مطلقة في توصيف الواقع والتعامل معه، وحين نقول أن الشيطان حاضر حضورا فعلياً فإن هذا من شأنه أن نستعمل له أدواته، والله حين تحدث عن مكر (نزغ) الشياطين أخبر أن علاجه الوحيد هو الاستعاذة بالله .. اللجوء إلى الله {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة الأعراف: 200]، {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة فصلت: 36]، وحين ننظر للطرف الآخر على أنهم جنود الشياطين، وأن بينهم الشياطين على الحقيقة نبصر الطريق، ونعرف ماذا نركب للسفر .. وبم نستعد للنزال {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [سورة آل عمران: 120].
وتبدوا أهمية الخصوصية الشرعية في التشخيص والعلاج حين نعلم أن كثيراً من الإسلاميين يناقشون المسائل الشرعية من منطلقات دنيوية، يبحثون عن النصر بأسباب مادية يغلفونها بطلاءٍ باهت من الشريعة الإسلامية.
الثاني: إعادة قراءة النصرانية من جديد على أنها ديانة الشيطان، فهو الذي ظهر لـ (بولس ـ شاول)، هو ربه الذي كان يوحي إليه، والشواهد على ذلك كثيرة غير ما قدمت، منها أن الصليب مرتبط بإبليس، وهو عنده رمز لقطع الطريق المستقيم على عباد الله الموحدين السائرين إلى جنات النعم (5)، ومنها أن (تجسد الإله) بدعة تكررت وكان آخرها ـ لا أولها ـ تجسد الإله في شخص المسيح ـ عليه السلام ـ، ومنها أن (الصلب من أجل الفداء) ليس بجديد، ومنها أن نصرانية بولس ومن جاء بعده تتطابق كلية أو تكاد مع الوثنيات القديمة. ومنها مفردات حياة بولس التي تروى لنا لا يمكن قبولها بهذا السياق، فكيف لا يرى المسيح وقد كان معه في قرية واحدة عشرين عاماً أو يزيد، وأين هي (العربية) وماذا كان يعمل بها، وغير ذلك كثير. وقراءة من هذا النوع تقدم الكثير للحيارى من النصارى، فهي قراءة مقبولة جدا، وتريح قلوب كثيرٍ من المسلمين ممن يتكلم إليهم عباد الصليب.
محمد جلال القصاص
ظهر الجمعة 07/ 03 /1429
14/ 03 /2008
=================
(1) (الكف الذاتي) هي حالة تصيب الإنسان، يريد أن يعمل ولا يستطيع. النفس تريد والبدن لا يستطيع من إجهادٍ ونحوه.
(2) هو (شاول) المعروف عند النصارى باسم بولس (الرسول) ولد سنة 4 م في طرطوس، وتعلم في (أورشليم) حيث كان المسيح عليه السلام، ولم يسجل التاريخ أن التقى بولس المسيحَ عليه السلام، وكان من اشد أعداء تلاميذ المسيح، ثم ادعى بعد ذلك أن المسيح ظهر له وأرسله للناس رسولا، وإليه ينتسب طوائف النصارى الرئيسية اليوم، وأخباره معروفة، ذكره صاحب (أعظم مائة في التاريخ) السادس من حيث التأثير في حياة البشرية، وكلمة (شاول) وهي اسمه الحقيقي تعني طالب، وكلمة (بولس) تعني الصغير. تسمى به تواضعاً. زعم.
(3) نصّ الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة» [رواه البخاري]، وخندف هي أمه وأم طابخة ومدركة (مضر) ونسب إليها وهو يمني، يقولون ولدته من رجل آخر يماني قبل أن تت.
(4) أورد القرطبي روايات صريحة تفيد تدخل إبليس مباشرة في صنع الصورة ثم تزين عبادتها بعد ذلك، والرواية عند الطبري تقول (دبَّ إليهم الشيطان)، والرواية عند ابن كثير تقول (أوحى إليهم الشيطان) وهي رواية البخاري / 4539 من رواية ابن عباس رضي الله عنهما، ولا تعارض. وانظر شرح ابن حجر العسقلاني للحديث رقم (3259) و الحديث (4539) من صحيح البخاري، وفي شرح الحديث (4539) أورد رواية ـ سكت عليها ـ من طريق عبد الرزاق أن إبليس هو الذي أخرج هذه الأصنام بعد الطوفان وبثها في الأرض.
(5) انظر ـ إن شئت ـ مقال (إبليس والصليب) للشيخ رفاعي سرور ـ حفظه الله ـ بموقع (لواء الشريعة)، وصيد الفوائد. وطريق الإسلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[لامية العرب]ــــــــ[21 - May-2008, مساء 03:49]ـ
سبحان الله رؤية مبصرة لعقل واعي -بارك الله فيك-
هذه الرؤية قد يجهلها البعض ويتغافل عنها البعض الآخر- وأنا منهم-
عودة إلى الجذور لتخطي العواقب و إيجاد الحلول والبعد عن مزالق الشيطان
حفظك الله أبا جلال وجعلك نارا مضرمة على أعداء الدين وعباد الصليب وإخوان شياطين الإنس والجن
ـ[أبوهناء]ــــــــ[22 - May-2008, مساء 01:05]ـ
ما أحلى التوحيد وعبادة رب العبيد المجيد الفعال لما يريد ... بارك الله فيك ونور الله بصائرك ونفع بك وجزاك الله كل خير
ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[03 - Jun-2008, مساء 11:56]ـ
شكر الله لكما، وجزاكما الله كل خير.(/)
مقال للشيخ حامد العلي {كيف اشتعلت المواجهة في لبنان .. وكيف ستنتهي؟!}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[10 - May-2008, صباحاً 01:31]ـ
كيف اشتعلت المواجهة في لبنان .. وكيف ستنتهي؟!
حامد بن عبدالله العلي
كان يقال كلُّ عشر سنوات حرب أهلية في لبنان .. فإن كانت هذه حرب جديدة، فقد وُضع فتيلها بإغتيال الحريري، واشتعل بخطاب حسن نصر الأخير، أمّا متى سينفجر، فدخان الفتنة من تحت قدمي هذه الحزب قد بدأ ينتشر، والأجواء لا تبشر بغير الحرب.
غير أنَّ مسرح الحرب كان قد أعدّ قبل اغتيال الحريري، وقبل عام منه، واكتمل إعداده في مؤتمر المانحين في باريس، الذي كان هدفه غير المعلن إخراج سوريا من لبنان، وكانت أمريكا تظن أنَّ الأمر سيكون ميسورا
ومعلومٌ أن المشهد الذي يهيمن عليه شبح الحرب في لبنان، يختلف هذه المرة عما مضى، ذلك أنّ المنطقة الرمادية اللبنانية ـ وهو مصطلح عسكري يعني منطقة يوجد فيها عدوَّان يشتركان في نفس الساحة، حزب 14 آذار الذي يدور في فلك المشروع الأمريكي والصهيوني، وحزب 8 آذار الذي يدور في فلك المشروع الإيراني السوري ـ يُستخدم فيها كلُّ الأسلحة السياسية، وليس آلات القتل فحسب، مما أدى إلى إصطفاف وراء استقطاب شديد على جميع المستويات، فشلل المؤسسات، فزيادة الضغوط الإجتماعية، فوصول إلى اختناق شامل
وهذا الإختناق في المشهد اللبناني، ما هو إلاَّ صورة مصغَّرة لإختناق أكبر في المشهد الكبير في المنطقة كلِّها، سببُه تعاظم الصراع الخفيّ المعلن، بين المشروعين الغربي الأمريكي الصهيوني، والشرقي الإيراني السوري.
وإذا كان من المسلَّمات التي لاتقبل الشك، أنّ الهجمة الأميركية على المنطقة من أفغانستان إلى لبنان، مرورا بالعراق وفلسطين، إلى الصومال والسودان، ما هي إلاَّ محاولة لتشكيل مستقبل المنطقة وفق مشروع المحافظين الجدد المتصهينين في أمريكا.
فإنَّ هجمة المشروع الإيراني، محاولة أيضا لتشكيل المنطقة بتكوين إيران الكبرى، التي تمتد من إيران إلى لبنان، مبتلعة العراق غربا، والخليج جنوبا إلى اليمن، حيث يمهِّد الحوثيون لهذا المشروع بتقدّم مخيف، ويستعد حوثيو الخليج لمثل ما يفعله إخوانهم في اليمن، وليس الأمر ببعيد.
ومن اللاّفت أنَّ المشروع الإيراني الحالم بإيران الكبرى، يتطلّع شرقا أيضا، فقد عقد مؤخَّرا وزراء خارجية إيران، وطاجيكستان، وأفغانستان في دوشنبيه، لقاء مكرِّسا للتحضير لعقد قمة ثلاثية للتوقيع على اتفاقية بإقامة مجلس اقتصادي للاتحاد الفارسي، ولهذا فلايستبعد مراقبون مطلّعون، وقوع طاجسكتان تحت النفوذ الإيراني كما وقعت سوريا، لاسيما بعد انحسار النفوذ الروسي.
ووفقا لهؤلاء فانَّ طهران التي تنظر لطاجيكستان على أنها جزء من إيران العظمى، سارعت لاستثمار ضعف مواقع روسيا، وحصل الرئيس الطاجيكي من طهران ليس فقط على المساعدات الاقتصادية للخروج من أزمة الطاقة التي تعرضت لها الجمهورية، وإنما على الدعم في قضايا أخرى، ولهذا وعد الرئيس محمود احمدي نجاد ببناء سكة حديد تربط طاجيكستان بإيران عبر أفغانستان بتمويل إيراني، وببناء محطتين كهروذريتين هناك ومركز طبي كبير في العاصمة دوشنبيه.
ولاريب أنَّ الساحة اللبنانية، لها حساسيَّة بالغة في مشهد هذا الصراع الخطير بين المشروعين، فهي تقع على حدود الكيان الصهيوني الذي تخشى عليه الإدارة الأمريكية أشدَّ مما تخشى على واشنطن نفسها.
وإزدادت هذه الخشية بعد الهزيمة النكراء التي وقعت كالصاعقة على جيش الصهاينة في حرب تموز 2006م، وتعاظم بعدها حزب حسن نصر في الساحة اللبنانية، أضعافا مضاعفة.
وفي ضوء تهديد هذا الحزب بمحوْ الكيان الصهيوني من الوجود، وإثباته القدرة على إبقاء هذا الكيان في دائرة الخطر المستمر، إضافة إلى ما يعانيه الصهاينة في الجبهة الداخلية من تصدّع، وأزمات متعاقبة، فإنَّ حرباً تشنّها أمريكا والكيان الصهيوني، على حزب حسن نصر، هي حربٌ لامحيد عنها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد بلغت الأزمة التي أدت إلى تفجر الوضع في بيروت اليوم، زروتها عندما وضع الصهاينة محطّات تجسس في سنترالات الشبكة الهاتفية الرسمية ـ كما قالت تقارير صهيونية ـ ووظفوا 27 قمرا صناعيا دوليا، و عشرات شبكات الجواسيس العربية، و الدولية، و اللبنانية، لملاحقة حزب حسن نصر، غير أنهم أخفقوا في الاختراق الداخلي لهذا الحزب الذي نقطة قوته هي هذه الناحية.
فوضع حزب حسن نصر نفسه، شبكة تجسسس إتصالاتية ضخمة، تحت غطاء شركات إيرانية، تراقب كلَّ شيء حتّى المطار، وتبين أن جميع إتصالات الحكومة اللبنانية، والأطراف المتدخلة في لبنان تحت سمع استخبارات حزب نصر.
حتى إذا بلغ السيل الزبى، اتخذت الحكومة اللبنانية التي تصفها المعارضة بغير الشرعية، قرارات جريئة تهاجم انتشار حزب حسن نصر هجوماً مباشراً، فأشعل الحزب نار الفتنة، وأظهر دخانها حتى علا سماء بيروت اليوم وأمس.
هذا،، وإن الأيام القادمة لاتسير سوى بإتجاهٍ واحد، هو الحرب التي أرادها الأمريكيون والصهاينة في لبنان، واستعدت لها إيران، وسوريا، عبر حزب حسن نصر.
وهذه الحرب ليست سوى مقدِّمة، وجزء، من صراع سيطول، ذلك أنَّ الأمريكيين ليسوا في وضع يسمح لهم بإنتصارات حاسمة وسريعة، فقد مضى هذا العهد الأمريكي، وقد مُرِّغت أنوفهم في العراق ولا تزال، وسقطت هيبة قوتهم العسكرية، وأما الكيان الصهيوني، فهو أيضا في حالة يرثى لها، بل هو في أسوء أحواله عبر تاريخه.
غير أنَّ الإيرانيين يعانون أيضا من اضطرابات في الجبهة الداخلية، غير ظاهرة للعلن حتى الآن، وتصدُّع في نفوذهم في العراق بدا مؤخّرا في حرب مدينة الصدر، وتخوُّف من قدرة المحور الأمريكي الصهيوني على استدراج النظام السوري إلى لعبة سلام تؤدي إلى تفكك التحالف الصلب مع إيران.
وأمام مشهد المواجهة العسكرية القادمة في الساحة اللبنانية، وتلك التي لاتزال في الساحة العراقية، ومحاولات الاختراق غير المعلنة للتحالف الإيراني السوري،
سنشهد فيما يأتي إنطلاق ما بشّر به كثيرٌ من المراقبين بالصيف الساخن.
وتأتي هذه الحرب في وقت تستثمر أمريكا جهل، وغلوّ، بعض الأوساط الجهادية في الأمّة، ذلك الجهل الذي أثمر كثيراً من الفوضى، والعشوائية، والتخبُّط، وأدى إلى حرمان الأمّة من نتائج نافعة كانت ستذوق حلاوتها لو عقل أولئك الجُهَّال سنن الله في أسبابه الكونية، وفقوا دينهم في آياته القرآنية.
غير أنه لايزال بحمد لله تعالى كثيرا من جهاد الأمة مسترشد مستبصر، ونتوقَّع له ثماراً يانعة، ستُؤتي أكلها خيرات على أمّة الإسلام.
وسوف ننشر بإذن الله تعالى لاحقا دراسة نقدية شاملة لما وقعت فيه بعض التيارات الجهادية من أخطاء في الفكر، وأخرى بشعة في الناحية السلوكية و العملياتيه، تلك الأخطاء أذهبت كثيراً من بركة جهادها، لاسيما بعد تعصّبها على موقفها وإعراضها عن نصح الناصحين.
هذا ونسأل الله تعالى أن يجعل عاقبة هذا الصراع بين المشروع الصليبي الصهيوني، والصفوي الإيراني، بردا وسلاماً على أمِّة التوحيد، وأن يهلك الظالمين بالظالمين، ويحفظ الإسلام والمسلمين آمين.
ـ[أبو الوليد التويجري]ــــــــ[10 - May-2008, صباحاً 02:34]ـ
مقال نفيس!
كل يسعى لنفسه والضحية هم المسلمون أهل السنة، وإن وقفوا في وجهوا المعتدي أن يدخلَ دورهم ظلت وصمة الارهاب تلاحقهم حيث حلوا وارتحلوا!
اللهم ارفق بهم واحفظهم.
بورك فيك.(/)
كيف باع الأراجوز مقتدى الصدر جيشه عصابات المهدي
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[10 - May-2008, صباحاً 01:34]ـ
(كيف باع الأراجوز مقتدى الصدر جيشه عصابات المهدي)
[بقلم: (محمد اسعد بيوض التميمي]
بسم الله الرحمن الرحيم
(كيف باع الأراجوز مقتدى لصدر جيشه عصابات المهدي)
فما أن إحتُلت بغداد عاصمة أمتنا لما يقارب من ستة قرون من قبل جيوش الصليبية العالمية الحاقدة مُتجحفلة معها (قطعان الصفويين أحفاد بن العلقمي) القادمة من الشرق, وحثالة من المُرتدين من اهل السُنة نكصواعلى أعقابهم فأصبحوا خاسرين) في ربيع 2003, حتى قام المندوب السامي للصليبية العالمية الغازية المجرم (بريمر) بحل الجيش العراقي, الذي كان يُعتبر الجيش الوحيد المُحترف في العالم العربي, والذي يُحسب له حساب من قبل (الكيان اليهودي, فهو الذي حطم نظرية الأمن الجغرافي لهذا الكيان في عام 1991) ومن قبل (الجمهورية الصفوية السبئية الايرانية والتي حطم أطماعها في بلاد العروبة والاسلام ارض الرافدين) والذي قام بإمتلاك الكوادرالعلمية التي مكنته من بناء قوة كانت تهدف للاكتفاء الذاتي, فكان لابد من تدميرها قبل فوات الأوان, فهذا عمل مُحرم على جيوش الأمة حتى تبقى (إسرائيل) في أمن وأمان, فحل هذا الجيش كان بمثابة عملية إنتقامية, وهي إحدى أهم أهداف إحتلال العراق, فهو قد خرج عن الخطوط الحمراء المرسومة للجيوش العربية.
وما أن حدثت جريمة الاحتلال وما تمخض عنها من حل للجيش العراقي حتى بدأنا ومعنا المسلمون في الارض والدنيا كلها نشهد ظاهرة غريبة في ظل هذا الفراغ الهائل الذي أحدثه هذا القرار, وهي إنفلات أناس أشرار في أرض الرافدين وفي وسط الظلام على شكل عصابات وميليشيات يعيثون في الأرض الفساد, منهم من جلبهم الاحتلال معه كعصابات بدر والدعوة وجماعة الجلبي, وأرخى لهم العنان كأنهم جراد منتشر تأتي على الأخضرواليابس, ولتهلك الحرث والنسل, وتنشرالخراب والدمار والموت والرعب في كل جنبات العراق وخصوصاً بغداد (عاصمةالعباسيين).
فالصفويون السبئيون يحقدون على تاريخ الأمة وابطالها, وأخذت بعض هذه العصابات تختص بمطاردة وقتل و ذبح كل قيادات الجيش العراقي وكوادره العلمية وضباطه المشهود لهم بالكفاءة وجميع العلماء العراقيين من جميع التخصصات وكل من يُسمي نفسه ب
(عمر أو بكر أو أبا بكرأو سعد أو خالد أو معاوية)
وبجميع أسماء أبطال المسلمين الفاتحين, وأخذت تنهب وتسلب كل ممتلكات الدولة العراقية ووثائقها وخصوصا فيما يتعلق بالجيش العراقي, وأخذت تستولي على مساجد اهل السُنة وتهدم وتحرق بعضها, وتحرق المصاحف, وتقتل أبناء الشعب الفلسطيني اللاجئين في العراق بغير شفقة ولا رحمة مما جعل معظمهم يفرمن العراق نجاة بنفسه من إجرام هذه العصابات الاجرامية إلى الصحراء ليسكن في مخيمات يُسيطرعليها البؤس والعذاب والقهروالشقاء والخوف على الحدود العربية, ومنهم من سُمح له بأن يُهاجر الى البلاد البعيدة مثل (البرازيل والارجنتين) وليُذكرهم ذلك بنكبتهم عام 1948 على يد اليهود, فما حصل لهم على يد هؤلاء هوإمتداد لما حصل لهم عام1948 على يد اليهود, فالصفويين السبئيين واليهود منبعهُم العقائدي واحد.
وبدأنا نسمع بمرجعيات قابعة في زوايا مظلمة في (النجف وكربلاء, ومدينة الثورة التي سميت في ظل الإحتلال بمدينةالصدر) توفرالغطاء اللازم لكل ما جرى ويجري في العراق على يد الاحتلال الصليبي وعلى يد هذه العصابات التي جاء بها, وتصدر الفتاوي اللازمة لذلك وبعضها متواطيء بالصمت حيث لم ينبث ببنت شفة لإستنكار الذي حصل, ومن أشهر هذه المرجعيات المبهمة والغامضة والمُريبة (السيستاني) الذي أصبح المرجع الأعلى للاحتلال والذي للأن لا يُعرف له نبرة صوت حتى ولا أتباعه يعرفون نبرة صوته, فهو حقاً من أغرب الشخصيات التي ظهرت في التاريخ, فخراب العراق ودماره وإحتلاله كان بغطاء من هذا الشخص الغريب العجيب الذي لا يُعرف أصله ولا فصله, وكأنه شيخ الجن المزعوم عند الدجالين الذي يقبع في قعرالبئر.
(يُتْبَعُ)
(/)
والذي يُدقق بملامح هذه العصابات ومراجعُها يجد أنهاغيرعراقية ولاعربية إسلامية ,وذات ملامح تلمودية شريرة, وجوهها مُنطفيء, نورها ظلامها دامس كأنه قطع الليل المظلم, رؤوسها كأنها طلع الشياطين, نظراتها شريرةلا يستطيع الانسان سليم الفطرة النظرإليها, فغضب الله عليها بين وواضح تكاد أن تلمس الغبرة التي عليها والقترة التي ترهقها, فظلام الشرك تارك أثره بوضوح عليها, فهي وجوه مُفحمة والعياذ بالله
,وكان من أشهرقادة هذه الميليشيات الاجرامية صبي غر مُراهق مُضطرب العقل والتفكير, نظراته زائغة كأنه الشيطان الرجيم, جاهل أرعن أزعر تخيل نفسه بإنه سيصبح الزعيم الأوحد في العراق, فخلّع الجينزولبس العمامة مع دخول الجيوش الصليبية بلاد الرافدين, ارض الاسلام, فوجد في الاحتلال الصليبي فرصة تاريخية لمُمارسة جميع أنواع الفساد والإجرام في الارض, فشكل عصابات مُسلحة من الدهماء والحُثالات, ومن أوباشها ومن المجرمين واللصوص وقطاع الطرق, ومن أبناء المُتعة اي الطبقات السفلية للمجتمع اطلق عليها (جيش المهدي).
وأخذ الاعلام يُسلط الأضواء على هذا المجرم مُطلقاً عليه صفة (رجل الدين الشاب) إنه (منتهى الغدر لا مقتدى الصدر) ,ونتيجة لتناقضه الشديد في مواقفه إنخدع في البداية البعض من السُذج التافهين من الكتاب والمُحللين السياسيين بهذا المجرم معتبرينه عروبي, وهل هناك مجرم عربي وغير عربي, وخائن عربي وغيرعربي, وكافرعربي وغيرعربي, فالمُجرم مُجرم, والخائن خائن, وملة الكفرواحدة, ففي كل يوم نسمع لهذا الشاب المُجرم موقف يتناقض مع موقفه السابق ,فهو كل يوم في موقف, فمرة يقول أنه ضد الاحتلال, ومرة ثانية يقول أنه ضد مقاومة الاحتلال بالقوة, ومرة ثالثة يقول أنه لن يشترك في العملية السياسية في ظل الاحتلال, وفي نفس الوقت نجد أنه يشارك في العملية السياسية و يشترك في الانتخابات في ظل الاحتلال, ومرة رابعة يقول أنه جمد مشاركته في العملية السياسية, ثم نجده يتراجع عن ذلك, ومرة خامسة يقول بأنه ضد المالكي ثم نجده يمتدحه, وهكذا هو تجده غيرمُستقرعلى حال, وأخيراً ونتيجة لإضطرابه العقلي ورعونته قام ببيع عصاباته المُسماة بجيش المهدي, والتخلي عنها وتقديمها على طبق من ذهب ل (الأمريكيين وعصابات بدر والدعوةالتابعتين للمجرمين المالكي والحكيم التابعين لإيران) ومغادرة العراق بموجب صفقة تمت بين إيران والأمريكان حيث أن عصابات المهدي تكونت في العراق ولم تأتي من إيران مع الاحتلال مثل عصابات بدر والدعوة, لذلك فإن الصدر يعتبر نفسه أحق في السيطرة على العراق والإستيلاء على خيراته ومقدراته وزعامة الشيعة في العراق, لذلك قام بقتل وسحل (عبد المجيد الخوئي بن أبو القاسم الخوئي) أعلى مرجع شيعي عندما جاء مع الإحتلال ليكون مرجعا بدلا من والده الذي توفي عام 1992,وقام في بداية الإحتلال أيضا بتطويق (بيت السيستاني) وتوجيه إنذارله لمغادرة العراق خلال اربع وعشرين ساعة وإلا قتله لولا تدخل الأمريكان, وقام بالسيطرة على (المراقد في النجف وكربلاء والاستيلاء على ما فيها من أموال ولكن تم إسترجاعها منه بعد معارك طاحنة) ونتيجة لطموحاته هذه وهوسه بأن يُصبح المرجع والزعيم بلا مُنازع, ولأنه لم يخرج من رحم إيران, لذلك فإن بقاءه سيبقى يُهدد أطماع إيران في العراق وخصوصا الجنوب, لذلك فإن إيران إشترطت على أمريكا في المفاوضات التي جرت بين الطرفين لبحث الأوضاع ألامنية في العراق من أجل مساعدتها على الخروج من ورطتها في العراق أن يتم القضاء على جيش المهدي حتى يستتب الأمر للمحسوبين عليها وعلى أمريكا من رجال العصابات (المالكي والحكيم) في حالة إنسحابها من العراق وإزالة الخطر الذي يشكله عليهم هذا المنفلت من عقله وعقاله (منتهى الغدر- مقتدى الصدر) ,وهذه المفاوضات جرت بناءً على تنسيب من لجنة (بيكر هاملتون) التي شكلتها الإدارة الأمريكية لوضع حلول ومقترحات للخروج من الورطة الأمريكية في العراق, وعلينا أن نعلم أن هناك تقاطعات ونقاط إلتقاء مشتركة بين امريكا وإيران في العرق منها أن هناك عملاء مزدوجين لهمامن أمثال الحكيم والجعفري والمالكي عدا عن العداء المشترك لأهل السنة, فتم عرض صفقة على الصدر يتم بموجبها التخلي عن جيشه مقابل ملايين الدولارات وان يُغادرالعراق ليعيش في طهران وإلا سيتم تصفيته هو وجيشه ,وبالفعل إستجاب فوراً لهذه
(يُتْبَعُ)
(/)
الصفقة نجاة بنفسه, فقام ببيع جيشه لأول عرض مقدم للشراء وعند أول سومة, وما أن تمت الصفقة حتى أعلن (منتهى الغدر_ مقتدى الصدر) قبل عام تقريباً أنه قررمغادرة العراق الى أجل هويُحدده وقررتجميد جيش المهدي لمدة ستة أشهر, وأن كل من لا يلتزم بهذا التجميد فإنه سيفصله ويومئذ قد غادرالى إيران, وما أن إنتهت فترة الستة أشهر حتى أصدربيان فاجأ أتباعه والعالم به بأنه قررإعتزال السياسة والتخلي عن جيش المهدي, حيث أضاف أنه كان يريد من وراء تشكيل جيش المهدي تحريرالعراق ولكنه لم يستطع, وأن كثيراً من قيادات جيش المهدي قد خانته, وإستغلت جيش المهدي لتحقيق مكاسب خاصة والحصول على الأموال والخاوات, وإنه فقد الثقة بهذه القيادات, وبناءً على ذلك فإنه قد قررالتفرغ للعلم ليُصبح مرجع ديني برتبة مجتهد وأية من الأيات التي تستغفل البسطاء والدهماء من الشيعة, وهذا البيان المفاجيء كان بمثابة الضوء الاخضرلعصابات المالكي والحكيم, والتي يتشكل منها ما يُسمى بالجيش الوطني مدعومة بالقوات الامريكية للهجوم على معاقل جيش المهدي في (البصرة والناصرية ومدينة الثورةالتي سُميت في ظل الإحتلال بمدينة الصدر) والقيام بتصفيته, وفي أثناء هذا الهجوم أصدرمقتدى المجرم بياناً يطلب فيه من عناصرعصابات جيش المهدي بعدم المقاومة وإلقاء السلاح, وأن كل من لا يلتزم بذلك فهو بريء منه بدلا من ان يكون بين جيشه يقوده ويرفع من معنوياته لوكان زعيما حقيقيا وليس من افرازات الاحتلال,
فهل هناك خيانة أعظم من هذه الخيانة؟؟
فهو يخون أتباعه علناً جهاراً نهاراً ويتاجر بهم ,وبعد أن إستكملت (ميليشيات بدروالدعوة) مدعومة بالقوات الامريكية الإجهاز على عصابات جيش المهدي بموجب صفقة البيع, أصدر هذا الصبي الغرالمجرم بياناً يقول فيه (إذا لم تتوقف حكومة المالكي عن الهجوم على جيش المهدي فإنه سيُعلن حرباً مفتوحة ضد حكومة المالكي) وعندما غضب المجرم المالكي لهذا التصريح وتوعد الصدر بالعقاب لأنه خالف نص الصفقة المبرمة معه أصدرالمجرم الصدر بياناً في اليوم التالي يُوضح فيه الأمر قائلاً (بأنه لم يقصد حرباً مفتوحة ضد الحكومة العراقية وإنما ضد الاحتلال, وأن تحريرالعراق لا يمكن أن يتم إلا بالتوافق والتحالف بين الحكومة العراقية والشعب العراقي, وإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال رفع السلاح في وجه حكومة المالكي الشرعية التي تمثل الشعب العراقي) فما أسخفه من قول, فكأنما حكومة المالكي العميلة التي جاء بها الامريكان لتدميرالعراق ستعمل على تحريرالعراق من أسيادها أصحاب الفضل عليها وتعيش بحمايته في المطقة الخضراء, فهولا يدري إن تخلي الامريكان عن المالكي يجعل حكومته الكرتونية الكراكوزية تسقط فورا, وكيف لحكومة وضعها الإحتلال تكون شرعية وتمثل الشعب العراقي, ومن ثم بعد هذا التوضيح اكد على تجميد جيش المهدي قائلا لهم بارك الله فيكم يوم جمدتم ويوم اطعتم قرار التجميد ويوم حافظتم على تجميدكم.
وهاهي (عصابات بدر والدعوة) مدعومة بالقوات الامريكية الى هذه اللحظة لم تتوقف عن الهجوم على عصابات المهدي في (مدينة الثورةالتي سُميت في ظل الإحتلال بمدينة الصدر) ,وبعد أن أجهزت عليها في البصرة فهاهو يلتزم الصمت, فهذا المجرم (منتهى الغدر- مقتدى الصدر) الذي قتل أباه الإيرانيون وهويعرف الحقيقة مع ذلك فإنه يبيعهم جيشه ويرتمي بأحضانهم بمُنتهى الخسة والنذالة ظانا بأنه سينجو بنفسه, أما علم هذا المجرم أن لن تكون نهايته بأمرالله إلا كما كانت نهاية جيشه المجرم الذي باعه بثمن بخس ليتفرغ لزواج المتعة في قم في ايران وأول من سيغدر به الآيرانيون فديدنهم الغدر , فما فعله هذا المجرم في العراق وأهله شيء فوق الوصف, فلن تهنأ طويلاً أيها المجرم بالثمن الذي قبضته ثمناً من الامريكيين والإيرانيين لعصاباتك المهدية التي كانت تستعجل خروج المهدي المزعوم بإغراق العراق في الدماء, فزعماء العصابات دائماً ينتهون على أيدي أفراد عصاباتهم, فكم اليوم من أفراد عصاباتك التي تخليت عنها مقابل ثمن بخس يتربصون بك كما تربصوا بصهرك (رياض النوري) ومدير مكتبك والذي يعتبر القائد الفعلي لعصابات المهدي الإجرامية فأردوه قتيلا وهو خارج من حسينية في الكوفة فقتل صهرك هي رسالة لك.
(يُتْبَعُ)
(/)
واما الذين الذين باعهم الصدرجيشه زعماء عصابات بدر والدعوة الحكيم والمالكي والجعفري, من أجل أن يستفردوا بنهب وسلب مقدرات العراق فلن يستتب الأمرلهم في العراق (ارض العروبة والاسلام) كما يتوهمون, فزوالكم سيكون مع زوال من جاء بكم أيها الخونة والعملاء فإيران إن ظنت أنها ستحكم العراق من خلالكم فهي واهمة ولا تعي التاريخ جيدا, فالعراق لن يحكمه إلا من سيحرره منكم ومن الصليبيةالعا لمية أبناء العروبة والاسلام.
فهاهي امريكا على وشك الاندحارمن العراق على يد المجاهدين المؤيدين بنصرالله الذين عجزت امريكا بكل ماأوتيت من قوة ان تصمد امامهم, فكيف بكم انتم يامن تختبؤون في المنطقة الخضراء , فلا إيران ولاغيرها سيحميكم من قدرالله الذي يجري في العراق على يد أبنائه الشرعيين الصادقين الذين سيُخلصون العراق من شركم ومن شرعصاباتكم الاجرامية, فمصيركم بإمر الله محتوم وقدركم مرسوم وحسابكم في الدنيا قبل الأخرة قادم على ما إقترفت أيديكم بحق الأمة, فمن يستطيع ان يغير قدر الله فسنة الله في الظالمين لاتتغير
(إنما جزاءُ الذين يُحاربون الله ورسُولهُ ويسعون فس الأرض فساداً أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجُلُهُم من خلاف أو يُنفوا من الأرض ذلك لهُم خزي في الدُنيا ولهُم في الأخرة عذابُ عظيمُ)} المائدة: 33 {.
والسلام على المجاهدين في العراق الذين تصدوا بكل شراسة لاطماع الصلبيين والصفويين والسلام على المجاهدين في أفغانستان وفلسطين والصومال والشيشان, وفوق كل أرض وتحت كل سماء الذين يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى, والسلام على بلاد الرافدين, والسلام على بغداد منارة العلم والعلماء والفقه والفقهاء, فإنا نبشرك بأن عذابك لن يطول, فالمجاهدون يوشكون على الآنتهاء من كسر قيدك فخلاصك على أيديهم بات قريب بأمر الله ولن يفلت بإذن الله من القصاص كل من عاث فيك فسادا وأصابك بشروسوء وحتى ولو بخدش بسيط ,وستطهر أرضك من كل الغزاة وأتباعهم من الخونة والعملاء والصفويين وستعودين منارة للهدى ودارا للاسلام.
(فأما الزبد فيذهبُ جُفاءً وأمّا ما ينفعُ الناس فيمكُث في الأرض كذلك يضربُ اللهُ الأمثال)} الرعد:17 {
الكاتب والباحث الإسلامي
محمد اسعد بيوض التميمي(/)
صفعة جديدة في وجه الدولة العلمانية الجاهلية في العالم العربي
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[10 - May-2008, صباحاً 01:35]ـ
صفعة جديدة في وجه الدولة العلمانية الجاهلية في العالم العربي
[بقلم: (د نجم الباز]
بسم الله الرحمن الرحيم
صفعة جديدة في وجه الدولة العلمانية الجاهلية في العالم العربي
جاء تقرير صنوق الدولي عن وضع التعليم ومؤسساته (والذي قرأه مروان المعشر نائب صندوق النقد الدولي ووزير الخارجية الأردني الأسبق) في العالم العربي بمثابة صفعة في وجه الدولة الجاهلية المرتدة في العالم العربي- لمّا أكد التقرير أن أوضاع التعليم العربي تتردى وأنها ستقود إلى مزيد من التخلف الاقتصادي. جاءت هذه النتائج المرّة عن مستوى التعليم على الرغم من الجهود الهائلة وهي تدعي ليل نهار وصباح مساء أنها تسعى بكل وسيلة وحيلة للارتقاء بمستوى التعليم –كأداة للارتقاء بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وسخرت في سبيل تحقيق هذا الهدف المنشود الطاقات الفكرية واستنزفت الجهود المالية (من قوت الضعفاء والمحرومين وعلى حسابهم)، وأخيرا جاءت شهادة المؤسسة الماسونية العالمية لتفضح عوار جهودهم وأوهام أهدافهم وعبثية خططهم- التي ما أرادوا منها إلا إزالة الإسلام من النفوس وتحطيم الأخلاق وشعارهم التحديث والتطوير للتعليم. ولكن لماذا فشلت كل هذه الجهود المبذولة لتطوير التعليم في العالم العربي في تحقيق أهدافهم. هذا ما نجيب عليه ومن الله التوفيق:
من الأسباب الأكيدة وراء عدم نيل أهدافهم التي أرادوها، أي زعماء سياسة تحديث التعليم المزعومة من السياسيين ومؤسسات التربية والتعليم هو تحويلهم التعليم إلى ميدان للصراع ضد الإسلام والنظام الأخلاقي الذي ينبعث منه. كان ذلك جليا وواضحا من خلال إشاعة الاختلاط في المدارس والعبث بالمناهج وتغذيتها بالأفكار الملحدة والمنحلة وحذف كل ما يمت للإسلام بصلة، ثم جعل النجاح في مواد " الدين " كما يسمونها، آليا بدون اجتياز أي امتحان مما ضاعف من هوانها في نفوس التلاميذ، ليهون مع هذا العبث – المسمى – تطويرا أو تحديثا – دين الله رب العالمين. ولذا، أنّى يرتجى لأمة هانت عقيدتها ونظامها الأخلاقي أن تسمو في ميدان التقدم المادي أو القوة العسكري أو الوجود في المسرح السياسي العالمي؟ نسي هؤلاء الخونة لدين الله، أنّ من قلدوهم من الغرب، كانوا لدينهم أشد أمانة وحفظا وها هي اليابان التي يضربون بها الأمثال- في التقدم الاقتصادي- كانت من أشد الأمم غيرة على دينها البوذي الشركي وما تحقق لها النجاح، إلا لمّا تمثل اليابانيون عقائدهم الشركية وجسدوا ما آمنوا به كل في ميدانه، فالزوجة مخلصة في بيتها والعامل في مصنعه والسياسي في حكمه وهكذا .....
1. فإذا كان التعليم قد أصبح أداة الهدم وحامض التذويب للأخلاق فكيف النجاح والفوز وقد أصبحت الخيانة والكذب ومساوئ الأخلاق عنوان الحياة اليومية في العالم الإسلامي، كيف لمن تلبس أخلاق يهود أن يكون رحمة بأخيه المسلم؟ أنَى لمؤسسات أصبحت تعلم الطلاب الغش والإلحاد والفساد أن تصبح وسيلة بناء وعمارة، كيف للجيل الذي يتلقى سواء- بطريق مباشر أو غير مباشر – أن الحياة مادة ولذلك يحياها الإنسان، أن يعبد الله وحده بعد ذلك في حركاته وسكناته وأن يتعامل مع الدنيا معاملة الموحد لله لا معاملة صاحب الشهوات؟
2. الواقع الاجتماعي كان له دور في فشل جهود الجاهلية المعاصرة في العالم الإسلامي في تطوير أو تحسين التعليم. كيف ذلك؟ جميعنا يدرك الحرب العسكرية والعقائدية التي شنتها الجاهلية العالمية على دار الخلافة الإسلامية في اسطنبول حتى أسقطتها، ثم، أنشأوا بعد ذلك دولا علمانية تكفر بالله وما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نغالي إن قلنا أنه وبعد سقوط دار الخلافة، ودار الإسلام تعيش أقسى أنواع الحروب ضدها بيد الطغاة الداخليين سواء أكانوا طغاة المال أو السياسة أو طغاة الثقافة و حروبهم التي لا تنتهي، من حروب نفسية أم أخلاقية أم عقائدية أم اقتصادية، كان من حصادها المؤلم تفكيك المجتمعات المسلمة وإغراقها في دوامة الهموم والأحزان وضنك العيش، فانعكس ذلك في ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات والمسكرات وكذلك زيادة حالات الطلاق والجريمة بشتى أنواعها وانتشار الزنا
(يُتْبَعُ)
(/)
واللواط والهجرة الخارجية، ناهيك عن اليأس من الواقع ومن إصلاحه. لذلك نطرح السؤال التالي: ألا يأتي التلاميذ إلى المدارس وهم في همّ من هذا الواقع والبؤس الاجتماعي الذي خلقته الدولة الجاهلية المرتدة؟ بلى وربى فإّذا كان واقع الطالب الأسري في مآسي لا تعد سواء من فقر أو طلاق بين الوالدين أو انحراف في بيئته الأسرية أو الاجتماعية، فكيف يمكن أن نتوقع منه بعد ذلك الجد والاجتهاد في ميادين التعليم التي أنشأتها الدولة الجاهلية العلمانية؟ بل كيف يمكن أن يكون الجد هدفه والاستقامة عنوانه وهو يأتي الميدان التعليمي وقد بيّت أرباب السياسة التعليمية النية لإفساد تفكيره من خلال المناهج المسمومة؟ أنسي هؤلاء الأوغاد المجرمون أن الجد والتفوق هو حالة نفسية قسماتها فكرة سامية وأمل يبنى خياله ويشحذ أشواقه و محضن أسري يقود طموح الجد ويعزز سلوك التفوق؟ فمن أين يمكن أن يكتسب كل ذلك وقد تمحّض الانحطاط و تفاقم الشر وزالت أسباب الأمل من نفوس التلاميذ بدمار بيئتهم الأسرية والاجتماعية؟ يقول أحد أساتذة علم الاجتماع ملخصا وضع الأسرة العربية بعد أن بيّن دور الدولة القومية العلمانية في خرابها:
صاحب ممارسات التنمية تفكك في العلاقات الأسرية انتقل بها –وقبل الأوان الاجتماعي- من الشكل الممتد إلى البسيط ليعمق قيم الفردية والمصالح المادية. ولعل من ابرز الأدلة على هذا التفكك بروز الأنانية والعزوف عن الزواج لدى بعض الشرائح والطبقات وبخاصة في المدن وظهور العنف الذي تنوعت صوره بين رمزي ومادي وتزايد معدلات الطلاق بثلاثة أو أربعة أضعاف ما كانت عليه منذ ثلاثة عقود كما تضاعفت معدلات انحراف الأحداث وأطفال الشوارع إلى ما بين ثلاثة لأربعة أضعاف ما كانت عليه منذ ثلاثة عقود أيضا)
لذلك، أصبح التلاميذ يأتون إلى المدارس ونفوسهم ُحبلى بالهموم أو فقدان التربية الأسرية أو تدنى في مستواه الأخلاقي نتيجة ظروفهم الأسرية أو الاجتماعية وانحدر مع ذلك الجد والاجتهاد في المدارس لما يعانيه الطلاب من ظروف اجتماعية بيّناها من قبل، ولن يصلح وضع التلاميذ خصوصا ومستوى التعليم عموما والمجتمع المسلم غارق في همومه ومضطرب في أوضاعه وذئاب العلمنة والماسونية المتلبسين بأسماء وهويات إسلامية ينهشون في جسده من خلال الإعلام الفاسد والربا وإشاعة الخمور ودور الزنا والفكر الإباحي تحت شعار " الفكر التنويري " والحداثي"
3. كذلك، عندما قامت الدولة العلمانية الجاهلية، بعد سقوط الخلافة في تركيا، وخصوصا بعد حقب التحرير، كما يسمونها من قبضة الاحتلال الغربي، رُكزت الجهود على بناء الاقتصاد الوطني –كما يسمونه- فاتبع بعضها خطى الاقتصاد الاشتراكي والآخر الاقتصاد الرأسمالي، ظنا منهم أن ذلك طريق التقدم المادي والازدهار والاجتماعي والذي لا يكون إلا بإتباع أحد هاذين المنهجين. ولكن و بعد عقود من التنمية الوطنية ما الذي حدث، هل تحقق ما أرادوا؟ هل نافست الدولة القومية العربية قوى الحضارة المسيطرة؟ هل بنت الشعوب عقائديا واجتماعيا واقتصاديا؟ كلا، لقد انهارت أحلام التقدم وأوهام الازدهار وحل الفقر بالقطاعات المادية والشعبية، فالقطاع الزراعي والصناعي والإنتاجي عموما في أسوء حالاته ولم تحقق أي تقدم للمجتمعات العربية، والمؤسسات المدنية غشاها الفساد الإداري من نهب للأموال العامة إلى تأخر الإنجازات وانتشار المحسوبية والواسطة، بل إن هذه الدول وهي تعلم حقيقة وضعها، أصبحت سياسيا واقتصاديا في قبضة الماسون العالمي ومؤسساته المختلفة بدءا من البيت الأبيض وليس آخرها صندوق النقد الدولي الذي جرّ أقدام الدول العلمانية نحو تطبيق وصفاته الاقتصادية التي ساهمت بشكل رهيب في انتشار الفقر المرّوع في الشرائح الاجتماعية المختلفة بزيادة مساحة الطبقة الفقيرة وانحدار نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى نحو شقيقتها الطبقة الفقيرة، في ذات الوقت الذي يزداد فيه الأغنياء غنى وتتجه السياسات الاقتصادية الجاهلية المقيتة لصالحهم وضاربة عرض الحائط آمال الجوعى والمحرومين والمهمشين، وتلك والله ملامح مجتمعات ليس للترامح والتكافل فيها من حظ عظيم. وللأسف.
ما علاقة النظام التعليمي بهذه الأوضاع؟ هنالك وجهان:
(يُتْبَعُ)
(/)
أولا: اتفقت النظريات التعليمية المعاصرة أن البنية الأساسية المدرسية وأوضاع المعلمين المادية والاجتماعية تسهم بدور محوري لا غنى عنه في نجاح العملية التعليمة. وهذا صحيح، فمثلا يؤخذ بعين الاعتبار عدد الطلاب في الفصل الدراسي كمعيار لجودة التعليم فكلما انخفض عدد الطلاب كان ذلك أحد المؤشرات التي يؤخذ بها على الجودة مع بقية المؤشرات إذا توافرت، مثل توفر الوسائل التعليمة وإعداد المناهج وسلامة المبنى المدرسي ومستوى وكفاءة المعلمين.
والمؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي ليس لها حظ وافر من هذه المؤشرات، فإذا توفر مؤشر غاب الآخر. فأعداد التلاميذ في الفصل الدراسي الواحد بلغ ما بين 60 – 70 تلميذا كما في مصر والصومال واليمن والباكستان. كذلك، رواتب المعلمين في أسوء حالاتها مما اضطرهم إلى " حمّى " الدروس الخصوصية أو العمل في وظائف أخرى بعد الدوام المدرسي لإيجاد مورد آخر يستطيعون من خلاله إعالة أسرهم وأنفسهم في زمن الغلاء وانهيار الآمال وانتشار الأنانية وحب الذات وتفاقم البؤس الاجتماعي فلا رحمة ولا تعاون ولا تكافل.
ما الذي أوجد هذه الحالات التعليمية الصعبة؟ بلا شك نقص المال الذي به قوام الحياة. ذلك أن اقتصاد الدولة القومية ليس لديه القدرة الإنتاجية المتطورة كالصناعة والزراعة أو غيرها من وسائل القوة المادية التي تستطيع توليد المال، مما يعنى اللجؤ إلى سياسة التقتير في الإنفاق على المؤسسات الخدمية الاجتماعية كالصحة والتعليم، ناهيك عن المديونية الهائلة التي تعاني من شدة وطئتها الدولة القومية في العالم العربي و الإسلامي وتأكل سداد هذه المديونيات من الثروة القومية فلا تترك إلا الفتات من الأموال الذي لا يكفي لتطوير مؤسسات التعليم، ولذا لا مفر من مواجهة انحدار المستوى نتيجة غياب العناصر المادية والظروف الموضوعية ومعها يدور نجاح العملية التعليمية حيث دارت، فلا غَروَ، أن ترتفع معدلات التسرب بين الطلاب والإعادة والرسوب.
ثانيا: ولمّا كانت الجاهلية المحكّمة لشرائع الطواغيت لها الهيمنة والحول والقوة، فقد انعكس ذلك الوضع المقيت في انهيار النظم المختلفة للمجتمع أو استمرارها وبأسوأ الأحوال، ومن ذلك: مضاعفة مشكلات النظام الاقتصادي وتدني إنتاجيته وهزال كفاءته، من مشكلات النظام التعليمي. إذ أن خريجي المدارس ليس لهم أي حظ في الحصول على وظائف تنعش حياتهم و تقيم أودهم أو تشبع جوعاتهم، وإن حصل الشاب على الوظيفة أو العمل، فبأسوأ وأزهد الأجور حيث لا تعينه على استقامة ولا تبنى له رفاه أو تحقق له رخاء ولا تعينه على الباءة (أي الزواج) ناهيك عن اقتناء المسكن أو وسائل المواصلات أو حتى كفاية الأجر للطعام والشراب وأكدت الإحصائيات أن 17 مليون عربي بلا عمل، والثلث من العاملين فقراء والمطلوب من الحكومات العربية أن تؤمن 3.9 مليون وظيفة سنويا ولكن هيهات هيهات أن يستطيع عملاء الماسون العالمي وأرباب الطغيان وزعماء الإفساد أن يؤمنوا مثل هذا العدد الهائل من الوظائف.
لذا هزُلت هيبة التعليم وأهميته في نفوس الأسر واقتنعوا أن لا جدوى منه، فلا التعليم يؤدي إلى الوظيفة أو فرص العمل، وإن وجدت، فوظائف ليس منها إلا الذل والهوان و ليس منها إلا حياة الأموات، وما كان ذلك لو كان اقتصاد الدولة الجاهلية، اقتصاد فيه الديناميكية والمتانة والإنتاجية المرتفعة والقدرة على المنافسة والتنوع الإنتاجي من زراعة وصناعة وقطاع خدمات واستغلال أمثل للثروات المعدنية. ولكن هيهات هيهات.
4. وأخير ‘ فالله بيّن في كتابه العزيز هوان من اتخذ إلها غير الله سبحانه وتعالى، فإنه لا يكون إلا كافرا وظالما وفاسقا ومتبعا لهواه، ولا بد أن تتلوث الحياة بهذا الدون والهوان، لا بد أن تكون الحياة مليئة بالمظالم والفسوق والضياع لأنها إفرازات البشرية التائهة والضالة عن سبيل الله رب العالمين. يقول سبحانه وتعالى:
(ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق)
هذه نتيجة حتمية وقانون أبدي وسرمدي خالد لا يتغير ولا يتبدل. لا استقرار ولا فلاح ولا سؤدد لقوم أشركوا بالله. مصيرهم التيه والضياع والبقاء مع الأذلين.
والدولة العلمانية الجاهلية في العالم العربي الإسلامي، لم يعد لها من سياسة راسخة لا تحيد ولا تتزعزع عنها إلا إفساد حياة المسلمين والإطاحة بعقيدتهم والنظام الأخلاقي الذي انبثق منها فتلك حربهم وذلك ديدنهم من أجلها جيشوا القوة المادية والعسكرية وسخروا أنظمتهم لها من تعليم وإعلام واقتصاد وأضحت الأصنام المعبودة من دون الله: " النمو الاقتصادي" و " التنوير الفكري " و " محاربة الرجعية والجمود " وما إلى ذلك من شعارات الفراعنة والطواغيت.
ونقول لهم: لقد أفسدتم الجيل بمدارسكم لما زرعتم فيها جراثيم العلمنة وما ينتج منها من فساد أخلاقي وضياع نفسي ولكن لن تدوم تلك الحالة لكم إلى الأبد:
(إن الله لا يصلح عمل المفسدين)
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[10 - May-2008, صباحاً 05:53]ـ
حتي لو لم اقرأ المقال وفهمت منه المعني العام بالقراءة المارة سريعا علي سطح المقال فان العنوان جيد وهادف ذلك ان العلمانية العربية اهانت الانسان وحطمت حياته فيما لازالت تتبجح ان سبب هزائمنا هو الاسلام
كان صادق جلال العظم قد كتب بعد هزيمة67 كتاب (نقد الفكر الديني) محللا اسباب الهزيمة ومرجعا اياها الي الدين وجاعلا الاسلام هو السبب لانه -بزعمه الماركسي-مخالف للعلم وانه اساطير الاولين
يعني كما يقال رمتني بدائها وانسلت اي والله
نفس هذا الرجل الغير صادق واسمه صادق ولاجلال له ولافيه واسمه جلال كتب كتابين من اعنف الكتب العلمانية تجاه الاسلام ورسول الاسلام
وكل ماكتب في الغرب او رسم او قيل اليوم لايساوي شيء بجوار ماكتبه محلل الجريمة العربية العلمانية-الذي هو طرف وسبب فيها- ومرجع سببها الي الاسلام في كتابيه الاجراميين
والكتابين هما (ذهنية التحريم) والاخر هو (مابعد ذهنية التحريم)
والمثير للاستغراب ان هذه الكتب تباع في كل مكان من بلاد العرب وفي معارضها ولامظاهرة ولامقاطعة ولامؤتمرات ولاحتي رد علمي عليها اللهم الا من طرف بعض العلمانيين الذين راوا ان عنفها شديد جدا
اتمني لو ينشغل الباحثون بالكتابة العلمية في مساوي وجود العلمانية في بلاد الاسلام وتطبيقاتها في كثير من انظمتها الحاكمة فان التزوير العلماني في التحليل مهيمن علي عالم الدراسات والتحليلات في عالمنا وانك لتجد جابر عصفور والسيد يسين والقمني والعشماوي والعظم وغيرهم مايزالون يحللون وتحليلاتهم محترمة في الادارات وتتعلم منهم اجيال تلهث وراء انتاجهم وتجعلها مثال ونموذج راقي
طارق منينة
ـ[مصرى سلفى]ــــــــ[10 - May-2008, صباحاً 06:51]ـ
[ size="7"][/size
حقا
إن الله لايصلح عمل المفسدين
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[10 - May-2008, صباحاً 11:34]ـ
اود هنا ان اضيف شيء اخر ان سمح صاحب الرابط
وهو ان المستشرق الهولندي ينسن قال في برنامج تلفزيوني هولندي تعقيبا علي اتهام الاسلام بصنع المشاكل في العالم من قبل فيلدرز قال ان عنوان كتاب الشيخ الندوي (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) هو اجابة علي مايدور في الاذهان وعلي اتهام فيلدرز بالكذب علي الاسلام
وهنا لبس المستشرق علي العامة بان الندوي جعل سبب الانحطاط هو الاسلام بالضبط كما يفعل العلمانيون
في حين ان الانحطاط جاء من شريعة العقول الغربية مع خليط من الدكتاتورية والاستبداد والاستعمار ومحاولة كسر نفسية المسلم واخضاعه للعقل الغربي
لم يذكر علماء الامة هذا التعبير الانحطاط في وصف ضعف الامة وعلي كل فالامام الندوي لم يقصد به مايقصده العلمانيون
ان المكر قائم في كل زمان ومكان من قبل الكفر علي قدم وساق ليلا ونهارا كما وصفه العليم الحكيم
(بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا)
بل حتي النتائج السيئة لتطبيقات الباطل في الارض ينسبونها للحق
اي مكر هذا واي تزييف واي خداع؟
حقا
وان كان مكرهم لتزول منه الجبال
فكلمة الله هي صدق وعدل
ان في نزال هؤلاء لذة وعاقبة خيرة للامة ونعمة وحمد حسن وقبول في الارض
ومراغمة خدعات الكفر وتزييفاته ومكره من افضل الجهاد
فمن وجد من نفسه قدرة علي رد الباطل بعلم وحكمة فان الساحة تحتاج عمال لله
وهي ساحة ومساحة لاترتبط بجماعات وفصائل وانما بشريعة وهمة ولو كنت وحدك تمدك فهوم العلماء بخير علم وصواب طريقة
وقراءة علم العلماء والتلاحم معهم في منظومة علمية شرعية واحدة من اهم مقومات هذه المراغمة الاسلامية بل والهجوم المباغت للفكر العلماني الفاسد(/)
مقلات الشيخ طارق عبد الحليم {الشرعية الدولية ... والكرامة المصرية}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[10 - May-2008, مساء 04:05]ـ
كتب د. طارق عبد الحليم*
13/ 02/2008
اتفاقية كامب ديفيد لا تمثل شرعية إسلامية ولا شرعية دولية إذ إنها تمت برعاية العدو الصليبيّ لصالح العدو الصهيونيّ، فالمسلمون ملزمون بالخروج عليها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وكان أحقّ بمن يتباكى على السيادة المصرية التي نالت منها أيدي النساء والأطفال الجياع من أبناء غزّة، أن يتباكى على ضياع هذه السيادة بالكلية في اتفاقية معسكر داود التي منحت ومنعت للسيادة المصرية ما أرادت الصهيونية والصليبية أن تمنح وتمنع.
--------------------
علت في الأسابيع الأخيرة، أصوات ناعقة تندد بالعبور الفلسطينيّ إلى أرض مصر للتزود باحتياجاتها الضرورية بعدما تكاثرت عليها أمم الكفر الصليبية والصهيونية ومنعت عنها الغذاء والدواء تحت سمع وبصر دول الجوار العربية والحكومات "المسلمة! " وتزعم أن هذا اعتداء على السيادة المصرية وأن مصر ملتزمة بنصوص اتفاقيات المعابر التي تعبر عن الشرعية الدولية! وهذا الهراء قد عبر عنه وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط.
والشرعية الدولية تعبير يتركب من كلمتين تعبّر كلّ منهما عن معنى محدد، ثم يعبر اجتماعهما عن المقصود الكليّ من التعبير. فلفظ "الشرعية" يعنى – في حديث المسلمين ولغة خطابهم – ما هو مبنيّ على الشرع ومقبول في حدوده التي لا تنصّ إلا على الحقّ، وهو يعنى كذلك – في حديث المجتمع الدوليّ – ما هو متفق عليه اختياراً، بين الدول في حدود الحقّ. والمسافة بين التفسيرين قريبة إن فرضنا أنّ الحق واحد لا يتعدد وأنه مقصود للمجتمع الدوليّ كما هو مقصود بالضرورة للشرع الحنيف، وهو ما نصّ عليه النظام الأساسيّ لمحكمة العدل الدولية.
والقانون الدوليّ – خلافاً للقوانين الداخلية – مبنيّ على الأعراف السائدة في المجتمع الدوليّ في زمن من الأزمنة كما معلوم لفقهائه، وتتغير هذه الأعراف حسب توازن القوى ومصالح الدول القوية مقابل الدول الضعيفة. ومن ثمّ، فبالرغم من أنه قد وُضِع أصلاً لتحقيق العدالة وتنظيم العلاقات بين المجتمعات الإنسانية حسب أصول الحق ومقاطعه، فإنه ككلّ حقّ لا تسنده قوة تنفيذية، عرضة للتغاضي وليس له أيّ تأثير في مجريات الأحداث على أرض الواقع.
والمنطقة العربية بعامة، ومصر بخاصة، ليست غريبة على هذا القانون ولا على ما يفرزه هذا القانون من اتفاقيات يفترض أنها تنظم هذه العلاقات وتحددها، في ظل الحقّ وحدود العدل. بل إن أول اتفاقية في تاريخ البشرية كانت بين ملك مصر رمسيس الثاني وملك الحيثيين، منذ ما يقرب من خمسة عشر قرنا قبل الميلاد، لتنظيم العلاقة بينهما والحد من الإعتداءات المتكررة بين الجانبين.
ويجب على الناظر في أمر هذا القانون والمخدوع في تطبيقه، أن يدرك أن هؤلاء الناعقين بضرورة الالتزام ببنوده هم من يتخذه ذريعة لخيانة الأمة وبيع قضيتها واللحاق بركب الصهاينة والصليبيين، وعليه أن يضع في حسبانه ما يلي:
• أنّ الشرعية الدولية الحقة تقف إلى صفّ حكومة الأغلبية التي شكلتها حماس بعد أن اكتسحت الانتخابات الفلسطينية بنسبة أكثر من 70%، ولكن كونها حكومة تعلن الإسلام مرجعاً لها، فقد اعترضت عليها الشرعية العلمانية الفلسطينية المتمثلة في عباس ميرزا كما اعترضت عليها "الشرعية الدولية" الزائفة ووقفت إلى جانب الأقلية العلمانية.
• أن الشرعية الدولية الحقّة تنكر احتلال الأرض بالقوة وطرد أبنائها ومنع حقهم في العودة لأراضيهم وتغيير معالمها وحدودها، وهو ما نصّت عليه قرارات الأمم المتحدة التي ضربت بها إسرائيل عرض الحائط على مدى العقود الخمسة الماضية. فلماذا يا ترى لم يتباكى المتباكون على أطلال الشرعية الدولية وعلى أكفان قراراتها التي بصقت عليها إسرائيل؟ وليس ببعيد رفض إسرائيل لقرار العدل الدولية لبناء الجدار الفاصل عام 2003 بدعوى عدم وجود صلاحية للمحكمة للبحث في هذه القضية وهو الأمر الذي ردته محكمة العدل الدولية وقتها.
(يُتْبَعُ)
(/)
• أن الاتفاقيات التي تبرمها الدول تحت مظلة القانون الدوليّ، لا تكون لها أية قوة إلزام تنفيذية أو أخلاقية إن كانت اتفاقيات إذعان، أي ناشئة عن إذعان الضعيف المغلوب للقوى الغالب. مثل هذه الاتفاقيات لا أثر لها حين يتمكن صاحب الحقّ من إعادة حقه، تماما كما أفتى الفقهاء بعدم إنفاذ بيعة المكره في الشريعة الإسلامية وكما نصّ القانون الوضعي على فسخ العقود المبرمة تحت التهديد. وعلى هذا يجب أن ينظر المسلمون للاتفاقيات التي تبرمها سلطات الاحتلال في فلسطين أو العراق أو في غيرها من البلاد الواقعة تحت السيطرة الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية للدول الغربية. ولا يشفع في هذا أن الحكومات المعنية قد وقّعت هذه المعاهدات إذ إنها ذاتها لا تتمتع بشرعية في بلادها في غالب الأمر.
• أن الشرعية الإسلامية، التي هي أحق بالإتّباع من أي شرعية دولية زائفة، هي الأحق أن تتبع سواء فيما بين المسلمين بعضهم البعض أو بين المسلمين وبين غيرهم من المجتمعات البشرية. على هذا المبدأ يدور معنى التوحيد وجوداً وعدماً. وهو أمر يجب أن يكون مرجعاً لكل من افترض في نفسه، أو افترض فيه الغير، الإسلام. والشرعية الإسلامية تفرض موالاة المسلمين خاصة حين تتكاثف عليهم قوى البغي والكفر ويحاصرون من كلّ جهة، حتى من جهة من يليهم من المسلمين الذين اتخذوا هذا العبور الاضطراري ذريعة للتباكي على السيادة المصرية، وماذا عن السيادة الإسلامية إذن، والمصريون لا يقدرون على أن يعبؤوا أكثر من 750 ضابط أمن في سيناء حسب اتفاقية الخيانة في معسكر داود "كامب ديفيد".
• أن معبر رفح يمتدّ بين أرضين يفترض أنهما تحت سيادة إسلامية، واتفاقية المعابر إنما هي اتفاقية إذعان تمّت تحت السيطرة الصهيونية وبرعاية العدو الصليبيّ وبموافقة عملاء العلمانية في حكومة الأقلية السابقة برئاسة فتح، فليس لها أيّ إلزام شرعيّ ولا وضعيّ ولا أخلاقيّ، ولا يصح أصلا أن يطلق عليها لفظ "اتفاقية" الموهم بأن هناك رضا بين الطرفين المتنازعين، بل الأخرى أن تسمى إملاءً.
• أن اتفاقية كامب ديفيد لا تمثل شرعية إسلامية ولا شرعية دولية إذ إنها تمت برعاية العدو الصليبيّ لصالح العدو الصهيونيّ، فالمسلمون ملزمون بالخروج عليها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وكان أحقّ بمن يتباكى على السيادة المصرية التي نالت منها أيدي النساء والأطفال الجياع من أبناء غزّة، أن يتباكى على ضياع هذه السيادة بالكلية في اتفاقية معسكر داود التي منحت ومنعت للسيادة المصرية ما أرادت الصهيونية والصليبية أن تمنح وتمنع.
• أنّ تلك التمثيلية الخائبة التي صورتها السلطات المصرية عقب العبور الفلسطينيّ عن تسرب مسلحين فلسطينيين في أسيوط! لا تنطلي إلا على ساذج أو مخبول. فالعبور الفلسطيني قد حدث بعد عدة أيام من الحصار رفض خلالها النظام المصري السماح لأحد بالعبور لقضاء احتياجاته. ثم لمّا حدث العبور رغم أنف النظام، ادعى أنه قد سمح بهذا لمعاني إنسانية! وبات النظام يبحث عن ذريعة يبرر بها إعادة غلق المعابر لتنفيذ المخطط الصهيوني ضد الفلسطينيين عامة وضد الإسلاميين منهم خاصة، وليس هناك أبسط من إدعاء التخريب من ناحية وإحياء نعرة القومية المصرية والسيادة المزعومة من ناحية أخرى لينخدع الساذج ويصدق المخبول مثل هذه الترهات. وماذا بالله عليكم يفعل مخربون في أسيوط؟ الأوفق أن يكون هناك أفراد عائلة فلسطينية يقطن بعضها أرض مصر وحاول هؤلاء – إن صحّ وجودهم – أن يجتمعوا مع أهلهم وأقاربهم، لا أكثر ولا أقلّ.
• أنّ السيطرة على أرض الواقع هي بالفعل لحكومة الأغلبية برئاسة حماس، والتي أبدى أعضاؤها تعاوناً كاملاً مع السلطات المصرية لإغلاق الحدود وتنظيمها، فما هو مبرر دعوة الأوروبيين للتدخل فيما بين المصريين والفلسطينيين؟ وهل فلسطينيو غزة غير فلسطينييّ الضفة؟ علماً بأن غالب فلسطينييّ الضفة صوّتوا لصالح حكومة الأغلبية كما في غزة. فما دور عباس في هذا الأمر إلا تمزيق الفلسطينيين وضمان تحقيق أهداف الصهاينة والصليبيين، وهو لا يتمتع إلا بأقلية علمانية بين الفلسطينيين. أهذه هي الشرعية الدولية التي ينعق بضرورة الحرص عليها من ادعى الإسلام ديناً وأبطن العلمانية والنفاق بعلم أو بغير علم.
الكرامة المصرية تكمن في مدّ يد العون لإخواننا في غزة في مواجهة أبشع حصار لشعب كامل، حصار يأباه أي قانون أو عقل أو ضمير، الكرامة المصرية تكمن في فرض السيادة المصرية على أرض سيناء بدلا من التباكي على عبور مدنيين مسلمين للتبضع ضد الجوع والعري. الكرامة المصرية لا تكمن في تلك المشاعر القومية الساذجة ضد نساء جُوّع وأطفال رُضّع، بل تكمن في إحياء مشاعر الولاء للإخوة المسلمين الرابضين في وجه الصهاينة بعد أن تخلت عن هذا الواجب المقدس حكومات الأنظمة بلا استثناء.
نقلا عن موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان(/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {المقاومة .. واجب وواقع}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[10 - May-2008, مساء 04:08]ـ
المقاومة .. واجب وواقع
د. طارق عبد الحليم
حين نردّ كلمة المقاومة إلى أصولها العربية، نجد أنّها مصدرية من مشتقات قَوَمَ، يقال: ما زلت أقاوم فلاناً في هذا الأمر أي أنازله.
ومادة الكلمة تتعلق كلها بالقيام أي الوقوف، والتقويم أي جعل الأمر مستقيما ورده إلى الصواب. فيمكن أن نعرّف المقاومة بأنها:"القيام في وجه الباطل لتقويمه وردّ الأمر إلى الصواب". ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنّ من معاني المقاومة "الصبر على الأمر حتى إنقضائه"، قال ابن الأثير: قاومه أي فاعله من القيام أي إذا قام معه ليقضى حاجته صبر عليه إلى أن يقضيها. وهذا ما يجب أن يضاف إلى التعريف السابق بأن المقاومة هي "القيام في وجه الباطل لتقويمه وردّ الأمر إلى الصواب والصبر على ذلك حتى تمامه". كذلك، فإن المصدر اللغوي لم يتعرض لطريقة الوقوف في وجه الباطل، مما يجعل المقاومة حرة طليقة في استخدام الأسلوب الأمثل لتغيير الواقع المبطل وردّه إلى الصواب.
وكلمة المقاومة لم تأت في القرآن الكريم، وكذلك لم تأت في الحديث الشريف – على ما أعلم – وإنما جاءت مرات معدودة في سياق حديث بن حجر على قتال المسلم المنفرد لأكثر من واحد من الكفار. فهذا الاستخدام للكلمة مُحدثُ بمعنى من المعاني إذ لم يطلقه السلف على المقاومة المسلحة للعدو الغازي، بل كان المصطلح عليه هو "دفع الصائل" أي المعتدى.
ولكن هذا الاستحداث لا يقلل من شأن المصطلح إذ هو يرتكن على مورد عربي صحيح كما ذكرنا من قبل. وقد دخل في المصطلح القرآني تحت مفهوم "الجهاد" الذي هو بذل الجهد يعنى للتخلص من الباطل وإحقاق الحق، سواء في ذلك بدفع الصائل "جهاد الدفع" أو بنشر كلمة الحق "جهاد الطلب".
والوقوف في وجه الباطل، سواءًً كان عدواناً خارجياً أو تسلطاً داخلياً أمر مطلوب شرعاً لا جدال في ذلك، إلا أنّ تلك المقاومة تأخذ أشكالاً متعددة طبقا للواقع المبطل، من ناحية، وتبعا لقدرات الواقع الإسلاميّ على المقاومة من ناحية أخرى. وتأتي هذه المقاومة في الشريعة تحت أبواب عدة، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والجهاد ودفع الصائل، فكلها طرق تؤدى إلى اصلاح الواقع وتقويمه، ويبقى أن يُنَزّل الحكم على الواقع الحالّ لمعرفة أفضل الطرق إلى المقاومة، مما يضمن فاعليتها واستمراريتها على السواء.
وما يهمنا في هذا المقال هو الحديث عن المقاومة التي فُرضت على ديار الإسلام المحتلّة وعلى كلّ مسلم يمكنه المشاركة فيها بأي شكل من أشكالها. فإن الاحتلال الصليبيّ للعراق وأفغانستان لم يُقصد به العراق وأفغانستان وحدهما بل هو السندان الذي يكمل مطرقة الكيان الصهيوني المحتلّ في فلسطين، فيقع المسلمون بذلك بين مطرقة اليهود وسندان النصارى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والمقاومة بكلّ أشكالها واجب محتوم وقدر مرسوم لا فكاك منه، فالخيار العسكري ضرورة حين القدرة عليه، قال تعالى: "انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم"التوبة 9. فالمقاومة كذلك شرع محكم في الإسلام وإن جرّت ما تجرّ الحرب على أبنائها من أهوال وخسائر وقد قال أمير الشعراء شوقي:
الحرب في حقّ لديك شريعة ومن السموم الناقعات دواءُ
والشرّ لا يندفع إلا بالقوة وأهله لا يرتدعون إلا بها، كما قال شوقي:
والشرّ إن تلقَه بالخير ضقت به ذرعا وإن تلقه بالشرّ ينحسمِ
فلابد من خوض خيار المقاومة المسلحة ضد المحتلّ وهو ديدن البشر منذ أول الزمان، أن يبغي القوى على الضعيف، فيثور الضعيف على القوى ولا يزال الصراع قائما حتى ينتصر أحد الفريقين، إما أن يستسلم الضعيف فينمحي من على وجه الأرض وتتبدل ثقافته ووجوده كله بثقافة المعتدى ووجوده، ويصبح خبرا بعد عين تتحاكى به الأمم التالية في أخبار التاريخ، وإما أن يستسلم القوى لإصرار المقاومة وثباتها، فيخرج جارّاً لذيول الخيبة وتكون حربه عليه حسرة، ويستبدل الضعيف قوة بعد ضعفاً وتبقى ثقافته وحضارته تكافح على وجه الأرض، وهكذا حديث الدنيا وتداول الأيام.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكذلك فإن خيار المقاومة الثقافية خيار ضروري، إذ إن العدوان العسكري يسبقه ويلحق به عدواناً أخبث وأكثر مكراً وتغلغلاً، وهو إضعاف الحسّ الإسلامي في نفوس المسلمين وإبداله بالحسّ الغربي الإلحاديّ، وهو ما يتمثل غالب الأمر في صبغ العادات الاجتماعية بصبغة الاحتلال، كشكل اللباس والاحتفال بالأعياد الغربية والاختلاط غير المشروع بين الرجل والمرأة وقلب نظم التعليم ولغته لتساعد على محو الثقافة العربية الإسلامية ثم التحوّل إلى الاقتصاد وطرقه فيبدّل النظام الربوي القائم على الاستغلال بالنظام الإسلامي القائم على التكافل، وحين يتمّ ذلك للمحتلّ يُصبح المسلم غريباً في أرضه، وتصبح العربية مهجورة بين أبنائها، ويصبح المجتمع خليطاً غير متجانس لا قوة له ولا قدرة على المقاومة.
وطريق المقاومة الثقافية هو الدعوة بكل أشكالها، الدعوة إلى إحياء التوحيد في نفوس الناس، توحيد العبودية الذي به يخضع الناس لرب الناس لا بكلمات لا تحمل معناها، ولكن بواقع يجعل كلمة الله هي العليا في حياتهم وتجعل كلمات الكفار وطرائقهم وعاداتهم هي السفلى. وهذا الباب من الدعوة هو أهم باب وأقربه إلى المنهج الربانيّ، ومنه تتفرع أبواب الدعوة الأخرى، فالدعوة إلى التحلي بالعلم، والدعوة إلى تجنب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والدعوة إلى التربية الربانية على النهج السنيّ السديد، وغير ذلك من أبواب الدعوة إلى منهج الله سبحانه
وكلّ مسلم ملزم بقدر من هذه المقاومة يقوم به في أبنائه وزوجه وجيرانه وأهل ربعه، توجيها وتصحيحاً وإرشاداً، ببيان الحق وفضح الباطل، فكلاهما مطلوب شرعاً، ومقاومة التبديل المتعمد لمنهج الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم الصبر على هذا الدرب لازم محتّم لبلوغ المراد، مهما بُذل فيها من أرواح، فهي أرواح شهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ومهما تلف فيها الغالي والثمين، فالضائع هو ما لم يبذل في هذا الطريق، والباقيات الصالحات هي خير عند الله ثوابا وخير عُقباُ.
عن موقع "قاوم"
http://qawim.net/index.php?option=com_*******&task=view&id=1725&Itemid=40(/)
تحرير رأي ابن تيمية في انقسام الدين إلى أصول وفروع
ـ[سلطان العميري]ــــــــ[10 - May-2008, مساء 10:54]ـ
تحرير رأي ابن تيمية في انقسام الدين إلى أصول وفروع
الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , وعلى آله وصحبه أجمعين ......... أما بعد:
فقد أكثر ابن تيمية الكلام عن مسألة تقسيم الدين إلى أصول وفروع , في مواطن كثيرة من كتبه , وبحث هذه المسألة من وجوه كثيرة , فهو تارة يذكر أقوال الناس فيها , وتارة يناقش بعضها ويبين مواطن الغلط فيها , وتارة يصرح بإنكار ذلك التقسيم ويحكم عليه بالبدعة , وتارة يستعمله في حال التقرير والبيان.
وهذا التنوع والإكثار تسبب في الاشتباه والاضطراب في تحرير رأي ابن تيمية في انقسام الدين إلى أصول وفروع , وتحديد موقفه الصحيح من هذا الانقسام , ولهذا اختلف الناظرون في كلامه , فمنهم من ينسب إليه القول بإنكار ذلك التقسيم وأنه ممن يحكم عليه بالبدعة ومن ثم البطلان , ومنهم من خَلُص إلى أن لابن تيمية في هذه المسألة قولان , ومنهم من توصل إلى أن ابن تيمية غير منكر لأصل تقسيم الدين إلى أصول وفروع , وإنما ينكر الأقوال التي قيلت في ضابط كل قسم والأحكام التي رتبت عليه.
ولما كان الأمر كان احتاج قوله في هذه المسألة إلى تحرير وبيان , وهذا التحرير إنما يكون بتتبع أقواله واستقرائها في كتبه أولاً , ثم اعتبار أصوله وقواعده التي اعتمد عليها في بناء أفكاره وأقواله وآرائه ثانياً , فهذان الأمران بهما يتحقق المنهج الصحيح في نسبة الأقوال إلى العلماء ممن لم ينص على قوله صراحة , وذلك أن نسبة قول ما إلى عالم من العلماء لا بد فيه من مجموع أمرين هما:
الأمر الأول: جمع كلامه في المسألة التي يراد بحثها , وتقرير مدلولاتها ومفهوماتها.
والأمر الثاني: اعتبار أصوله التي اعتمدها والقواعد التي قررها في كتبه.
فبهذين الأمرين يستطيع القاصد لتحرير قولٍ معين لإمام ما أن يتوصل إلى قوله الحقيقي بإذن الله تعالى , وهذا ما أرجو أن يكون البحث التزمه.
وكلام ابن تيمية في تقسيم الدين إلى أصول وفروع يحتاج إلى تحرير أمرين هما:
الأمر الأول: تحرير موقفه من أصل الانقسام.
الأمر الثاني: تحرير الضابط الصحيح لكل من أصول الدين وفروعه.
ولأجل هذا فإن البحث سيتكون مفرع إلى فرعين كل فرع معقود لتحرير أمر من الأمرين السابقين.
الفرع الأول
تحرير رأي ابن تيمية في أصل تقسيم الدين إلى أصول وفروع
الناظر في كلام ابن تيمية فيما يتعلق بتقسيم الدين إلى أصول وفروع من حيث قبوله له أو رده يجد أن كلامه منقسم إلى قسمين: الأول: كلام يدل على أن تقسيم الدين إلى أصول وفروع تقسيم صحيح مقبول من حيث الأصل , والثاني: كلام يمكن أن يُفهم منه أن تقسيم الدين إلى أصول وفروع منكر وبدعة ومردود , ولأجل هذا فإن الفرع الأول لا بد أن يقسم إلى مسألتين هما:
المسألة الأولى
كلام ابن تيمية الذي يدل على أن تقسيم الدين إلى أصول وفروع صحيح مقبول
عند التأمل في كلام ابن تيمية وفي أصوله ومواقفه من المصطلحات الحادثة يدرك المرء أنه غير منكر لأصل تقسيم الدين إلى أصول وفروع هكذا بإطلاق , وأنه لا يصح إطلاق القول بأن ابن تيمية ممن يحكم على ذلك التقسيم بالبطلان والبدعية , بل الذي يدل عليه كلامه أنه ممن يقول بانقسام الدين إلى ذلك التقسيم , وأنه من المعتبرين له , وأن جهة البطلان عنده في هذا التقسيم ليست راجعة إلى أصله , وإنما إلى تفاصيله المذكورة له إما من جهة الضابط أو من جهة الحكم المرتب عليه , وأن جميع إنكارات ابن تيمية لتقسيم الدين إلى أصول وفروع راجعة إلى هذين الأمرين أو أحدهما كما سيأتي تحريره.
ومما ينبغي أن ينبه عليه هنا أن البحث إنما هو في بيان موقفه من حيث القبول والرد فقط , بحيث يحرر قول ابن تيمية في هذا التقسيم هل يقبله أم لا؟ , وأما كونه يرى أنه هو الأفضل أو أنه يدعو إلى إبقائه في العلوم الإسلامية أو غير ذلك , فهذا ليس غرضا للبحث هنا.
والذي يدل من كلامه على كونه يرى صحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع أمور كثيرة منها:
الأمر الأول: استعماله لتقسيم الدين إلى أصول وفروع في مقام التقرير والتأصيل , ومن كلامه في ذلك:
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - قوله:" فصل: في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين جميع الدين أصوله وفروعه باطنه وظاهره علمه وعمله فإن هذا الأصل هو أصل أصول العلم والإيمان ... " الفتاوى (19/ 155) , فابن تيمية هنا استعمل مصطلح أصول الدين وفروعه في مقام تأصيل كمال الدين وكمال تبليغه , فلو كان مصطلحا منكراً أو مبدعاً من أصله لما استعمله هكذا بإطلاق من غير تنبيه على خطأه له كان خطأ.
2 - ومن ذلك قوله:" أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها قولا أو قولا وعملا , كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعاد , أو دلائل هذه المسائل.
أما القسم الأول فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا قاطعا للعذر , إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين وبينه للناس , وهو من أعظم ما أقام الله به الحجة على عباده فيه بالرسل الذين بينوه وبلغوه , وكتاب الله الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه ومعانيه والحكمة التي هي سنة رسول الله التي نقلوها أيضا عن الرسول مشتملة من ذلك على غاية المراد وتمام الواجب والمستحب " الفتاوى (3/ 295) , فابن تيمية هنا قسم أصول الدين إلى قسمين - مسائل ودلائل - وذكر أفراد كل نوع , وقرر أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ كل ذلك , وأن الصحابة لم يكن يخفى عليهم شيء من ذلك , فلو كان تقسيم الدين إلى أصول وفروع غير صحيح عنده فكيف استعمله وذكر أقسامه وبين منزلته وأحواله من غير تنبيه إلى كونه بدعة أو خطأ.
3 - ومن ذلك قوله:" والمقصود هنا التنبيه على أن القرآن اشتمل على أصول الدين التي تستحق هذا الاسم , وعلى البراهين والآيات والأدلة اليقينية بخلاف ما أحدثه المبتدعون والملحدون " الفتاوى (19/ 169) , فهو هنا بين أن ثمة أحكاما ودلائل في الشريعة تستحق أن تسمى أصول الدين , وأن الشرع قد بينها ووضحها , وهذا التقرير دليل على إقراره بهذا التقسيم واعتباره له.
4 - ومن ذلك قوله:" والقرآن مملوء من ذكر وصف الله بأنه أحد وواحد , ومن ذكر أن إلهكم واحد , ومن ذكر أنه لا اله إلا الله ونحو ذلك , فلابد أن يكون الصحابة يعرفون ذلك فإن معرفته أصل الدين وهو أول ما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إليه الخلق وهو أول ما يقاتلهم عليه , وهو ما أمر رسله أن يأمروا الناس به " الفتاوى (17/ 353) ,
5 - ومن ذلك قوله:" فالدين ما شرعه الله ورسوله وقد بين أصوله وفروعه ومن المحال أن يكون الرسول قد بين فروع الدين دون أصوله " الفتاوى (4/ 56).
6 - ومن ذلك قوله عن المتكلمين:" ولو اعتصموا بالكتاب والسنة لاتفقوا كما اتفق أهل السنة والحديث فإن أئمة السنة والحديث لم يختلفوا في شيء من أصول دينهم" درء التعارض (10/ 306).
الأمر الثاني: تصريحه بأن اسم أصول الدين اسم عظيم وأنه غير منكر , وإنما المنكر المعنى الذي ذكره له المتكلمون , فقد قال في معرض نقاشه للمتكلمين:" كما أن طائفة من أهل الكلام يسمى ما وضعه أصول الدين , وهذا اسم عظيم , والمسمى به فيه من فساد الدين ما الله به عليم , فإذا أنكر أهل الحق والسنة ذلك , قال المبطل: قد أنكروا أصول الدين , وهم لم ينكروا ما يستحق أن يسمى أصول الدين , وإنما أنكروا ما سماه هذا أصول الدين , وهي أسماء سموها هم وآباؤهم بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان , فالدين ما شرعه الله ورسوله , وقد بين أصوله وفروعه" الفتاوى (4/ 56) , وهذا الكلام منه يدل على أن الإشكال عنده في ما فسر به اسم أصول الدين , لا في الاسم نفسه فهو اسم شريف مقبول.
الأمر الثالث: تعامله مع لفظ أصول الدين وفروعه على أنه لفظ مجمل , غدا محتملاً لمعاني متعددة منها ما هو صواب وهو ما اعتبره الشرع , ومنها ما هو خطأ وهو ما اعتبره أهل الكلام , ومن ذلك قوله بعد أن ذكر بعض العقائد الكلامية:" فهذه داخلة فيما سماه هؤلاء أصول الدين ولكن ليست في الحقيقة من أصول الدين الذي شرعه الله لعباده.
وأما الدين الذي قال الله فيه:" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" , فذاك له أصول وفروع بحسبه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا عرف أن مسمى أصول الدين في عرف الناطقين بهذا الاسم فيه إجمال وإبهام لما فيه من الاشتراك بحسب الأوضاع والاصطلاحات تبين أن الذي هو عند الله ورسوله وعباده المؤمنين أصول الدين فهو موروث عن الرسول" درء التعارض (1/ 41).
الأمر الرابع: تقريره للضابط الصحيح لكل من أصول الدين وفروعه , ومن ذلك قوله:" وأصل هذا ما قد ذكرته في غير هذا الموضع أن المسائل الخبرية قد تكون بمنزلة المسائل العملية وإن سميت تلك مسائل أصول وهذه مسائل فروع , فان هذه تسمية محدثة قسمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين , وهو على المتكلمين والأصوليين أغلب لاسيما إذا تكلموا في مسائل التصويب والتخطئة.
وأما جمهور الفقهاء المحققين والصوفية فعندهم أن الأعمال أهم وآكد من مسائل الأقوال المتنازع فيها. .... بل الحق أن الجليل من كل واحد من الصنفين مسائل أصول والدقيق مسائل فروع" الفتاوى (6/ 56). ووجه الدلالة من هذا النص هو أنه بين أن إطلاق أصول الدين على المسائل الخبرية فقط أو المسائل الاعتقادية فقط إطلاق خاطئ لم يكن معروفا عند المتقدمين , ثم بين أن أصول الدين أوسع مما ذكر أولئك المتكلمون , وهذا يدل على أن الإشكال عنده فيما حدد به ذلك التقسيم لا في أصل التقسيم.
المسألة الثانية
كلامه الذي فُهم منه أنه ينكر أصل التقسيم
ثمة أقول لابن تيمية فَهِم منها بعض الناظرين في كلامه أنه ممن ينكر تقسيم الدين إلى أصول وفروع , وأن هذا التقسيم تقسيم مبتدع غير صحيح , وقد استندوا في نسبة هذا القول إلى ابن تيمية إلى عدة أقول له أهمها ثلاثة أقوال , هي:
1 - قوله:" ولم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول وفروع , بل جعل الدين قسمين أصولا وفروعا لم يكن معروفا في الصحابة والتابعين .... , ولكن هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة " الفتاوى (13/ 125).
2 - ومن ذلك قوله:" فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان , سواء كان في المسائل النظرية أو العملية , هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام.
وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها.
فأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع , فهذا الفرق ليس له أصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان , ولا أئمة الإسلام , وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع , وعنهم تلقاه من ذكره من الفقهاء في كتبهم , وهو تفريق متناقض , فانه يقال لمن فرق بين النوعين: ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطئ فيها؟ , وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع؟ , فان قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد ومسائل الفروع هي مسائل العمل , قيل له: فتنازع الناس في محمد هل رأى ربه أم لا, وفى أن عثمان أفضل من على أم على أفضل , وفى كثير من معاني القرآن وتصحيح بعض الأحاديث هي من المسائل الاعتقادية والعلمية ولا كفر فيها بالاتفاق ...... " الفتاوى (23/ 346).
3 - ومن ذلك قوله:" وأصل هذا ما قد ذكرته في غير هذا الموضع أن المسائل الخبرية قد تكون بمنزلة المسائل العملية وإن سميت تلك مسائل أصول وهذه مسائل فروع , فان هذه تسمية محدثة قسمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين , وهو على المتكلمين والأصوليين أغلب لاسيما إذا تكلموا في مسائل التصويب والتخطئة ... " الفتاوى (6/ 56).
ولكن هذه الأقوال لا يصح الاعتماد عليها في نسبة القول بإنكار تقسيم الدين إلى أصول وفروع إلى ابن تيمية , وذلك لعدة أمور , هي:
الأمر الأول: أن نسبة إنكار تقسيم الدين إلى أصول وفروع إليه فيها مصادرة لكلامه الذي فيه الإقرار بصحة التقسيم , والذي هو في بعضه يقارب درجة الصراحة.
الأمر الثاني: أن منهج ابن تيمية في التعامل مع المصطلحات الحادثة يأبى أن يكون موقفه هو الإنكار لانقسام الدين إلى أصول وفروع , وبيان ذلك: أن تقسيم الدين إلى أصول وفروع يعتبر اصطلاحا من المصطلحات , وباستقراء تعامل ابن تيمية مع المصطلحات الحادثة يظهر أنه يفرق بين نوعين منها , هما:
(يُتْبَعُ)
(/)
النوع الأول: المصطلحات الحادثة في الأبواب التوقيفية , التي لا تؤخذ إلا من النصوص , كأسماء الله تعالى وصفاته , فهذه لا تقبل من جهة لفظها , وأما معناها فإنه لا بد أن يستفهم عنه فإن ذكر معنى صحيح قبل وإلا فلا
النوع الثاني: المصطلحات الحادثة في الأبواب الاجتهادية , ومن أشهر تلك الأبواب التقسيمات العلمية , كالتقسيمات التي يذكرها العلماء في كتب الفقه وأصوله وكتب العقائد وغيرها , فهذه التقسيمات ليست توقيفية بحيث يشترط فيها أن يأتي في النصوص ذكر لألفاظها , وإنما يشترط فيها توفر أمرين فقط , هما:
1 - أن تكون مستقيمة في المعنى.
2 - ألا تكون متضمنة لما هو مخالف للشريعة.
فكل تقسيم علمي توفر فيه هذان الأمران فإنه تقسيم صحيح مقبول , لا يصح أن ينكر , وإلا فسننكر تقسيمات العلماء المذكورة في المصنفات العلمية.
وعلى فهذا فإنه لا يصح إنكار تقسيم الدين إلى أصول وفروع في أصله؛ لأنه داخل في التقسيمات العلمية التي بابها باب الاجتهاد.
الأمر الثالث: أن النصوص التي اعتمد عليها من نسب إلى ابن تيمية إنكار تقسيم الدين إلى أصول وفروع لا تدل على ذلك , وهذا يظهر بالتأمل في سياقاتها وتراكيبها.
وبيان ذلك: أن يقال: إن النص الأول ليس فيه إنكار لأصل التقسيم , وإنما فيه إنكار لبعض التعاملات الخاطئة معه , فابن تيمية ذكر هذا النص في سياق تأصيله لمسألة التصويب والتخطئة , وهل الإنسان يأثم في خطأه بعد اجتهاده أم لا؟ , وقرر أن من استفرغ وسعه في الاجتهاد فإنه لا يأثم ولا فرق في ذلك بين مسائل أصول الدين وفروعه , ولا بين المسائل الخبرية والعلمية , وقرر أن هذا هو مذهب المتقدمين من الصحابة ومن بعدهم , ونبه على أنهم لم يكونوا يفرقون في مسائل التصويب بين ما كان يفعله المتكلمون في التفريق بين أصول الدين وفروعه أو بين مسائل خبرية ومسائل عملية , وهذا ما يدل عليه سياق كلامه , وفي هذا يقول بعد ذكر لحكم المخطئ في اجتهاده وأنه لا يأثم:" وهذه حال أهل الاجتهاد والنظر والاستدلال في الأصول والفروع , ولم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول وفروع , بل جعل الدين قسمين أصولا وفروعا لم يكن معروفا في الصحابة والتابعين , ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين إن المجتهد الذي استفرغ وسعه في طلب الحق يأثم لا في الأصول ولا في الفروع , ولكن هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة وأدخله في أصول الفقه من نقل ذلك عنهم وحكوا عن عبيد الله بن الحسن العنبرى أنه قال كل مجتهد مصيب ومراده انه لا يأثم" الفتاوى (13/ 125) , فهذا النص ليس فيه إنكار لأصل التقسيم وإنما فيه أن ابتداء التقسيم كان من المعتزلة , وهذا ليس مناطا لإبطال التقسيمات العلمية , وغاية ما يريد أن يقول إن الصحابة ومن بعدهم لم يكونوا يتعاملون مع مسائل التصويب والتخطئة بناءا على تقسيم الدين إلى أصول وفروع فقط.
وأما بالنسبة للنص الثاني فسياق كلامه لم يكن في بيان حكم تقسيم الدين إلى أصول وفروع , وإنما في بيان حكم المخطئ في الاجتهاد ومتى يحكم بكفره ومتى يحكم بإثمه , وقرر أن المجتهد لا يحكم بكفره ولا بإثمه ما دام قد بذل جهده في الاجتهاد ولا فرق في ذلك بين ما يسمى أصول دين أو فروعه أو ما يسمى مسائل خبرية أو مسائل عملية , ثم نبه على أن السلف لم يكونوا يتعاملون في مسائل التصويب بناءا على تقسيم الدين إلى أصول وفروع كما كان يفعل المتكلمون , نبه على أن هذا التعامل الذي يفعله المتكلمون لم يكن معروفا عند الصحابة ومن بعدهم ولهذا لم يريبوا عليه الأحكام التي رتبها عليه المتكلمون , وهذا هو الذي يدل عليه سياق كلامه لمن تأمله.
ومما ينبغي أن ينبه عليه هنا هو أن ابن تيمية لا يعتمد في إبطال تقسيم الدين إلى أصول وفروع على أنه لم يكن معروفا عند الصحابة؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لأنكر كل التقسيمات التي يذكرها الفقهاء وغيرهم في كتبهم لأنها كلها لم تكن موجودة عند الصحابة , فهو إذن إنما ينكر الأحكام التي رتبها المتكلون على تقسيم الدين إلى أصول وفروع , وهذا أمر صحيح.
وأما بالنسبة للنص الثالث فهو مثل النصوص السابقة ليس فيه إلا إنكار الأحكام التي رتبها المتكلمون على تقسيم الدين إلى أصول وفروع , وأن هذه الأحكام لم تكن معروفة عند الصحابة ومن بعدهم , فكل من رتب حكما في التصويب والتخطئة بناءا على ما ذكره المتكلمون في تقسيم الدين إلى أصول وفروع فقد أتى بشيء لم يكن الصحابة تعرفه , ولكن هذا الكلام ليس فيه إنكار لأصل التقسيم , ولا يصح أن يؤخذ منه أن ابن تيمية ممن ينكر تقسيم الدين إلى أصول وفروع.
وخلاصة ما سبق: أن ابن تيمية لا ينكر تقسيم الدين إلى أصول وفروع , وإنما ينكر فيه أمرين هما:
1 - الظوابط التي ذكرت له.
2 - الأحكام التي رتبت على هذا التقسيم.
يتبع: الفرع الثاني: ضابط أصول الدين وفروعه عند ابن تيمية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن رشد]ــــــــ[14 - May-2008, مساء 01:51]ـ
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
ـ[خالد السالم]ــــــــ[07 - Sep-2008, صباحاً 05:40]ـ
ننتظرك أيها الشيخ الفاضل
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[07 - Sep-2008, مساء 05:04]ـ
جزاك الله خيرًا؛ وإنا منتظرون
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[07 - Sep-2008, مساء 06:42]ـ
بارك الله فيك ..
وتُنظر رسالة د سعد الشثري - وفقه الله - " الأصول و الفروع: حقيقتهما، الفرق بينهما، و الأحكام المتعلقة بهما: دراسة نظرية تطبيقية ". فقد أوضح حقيقة قول شيخ الإسلام - رحمه الله -.
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[07 - Sep-2008, مساء 08:54]ـ
هذا تفصيل مطول ورائع حول هذه المسألة وما يتعلق بها من أحكام شرعية.
يقول صاحب كتاب البلاغ المبين: ( ... أخطأ خلق كثير من الناس في عصرنا هذا فهم كلام شيخ الإسلام في ترك التفرقة في مسائل الخطأ بين المسائل الخبرية والمسائل العملية ونحن هنا نضع جميع النقاط على جميع الحروف بخصوص هذه المسألة حتى يزول الإشكال بالاستفصال، ومصدر الخطأ ثلاث مواضع.
الموضع الأول: مسألة أصول الدين أو أصل الدين.
الموضع الثاني: مسألة القطع والتواتر والمعلوم من الدين بالضرورة.
الموضع الثالث: مسألة الفرق بين الخطأ في الخبريات والخطأ في العمليات إثباته مطلقًا أو نفيه مطلقًا أو القول بالتفصيل.
المسألة الأولى: أصول الدين أو أصل الدين
فيقول البعض افتراء على الشيخ أن شيخ الإسلام يقول لا يوجد في الإسلام أصل وفروع ويزيدون هم بأن من قال بوجود الأصل والفروع فهو مبتدع، والحقيقة: أن منكر ذلك هو المبتدع وأن الشيخ لم ينكر ذلك بل قرره مرارًا وتكرارًا وقال إن أصل الدين هو أن تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئًا وأن أصل الدين هو توحيد العبادة المتضمن والمستلزم لتوحيد الاعتقاد وأن هذا هو دين الأنبياء وهو الإسلام العام وهو الدين الواحد الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات ديننا واحد، فالدين الواحد هو التوحيد والشرائع المتنوعة هى بمثابة الأمهات المختلفة، فالدين الواحد بين الأنبياء هو التوحيد وأما الشرائع فمتنوعة مختلفة من التوراة إلى الإنجيل إلى القرآن يحل الله ما يشاء ويحرم ما يشاء ليعلم من يخافه ويطيعه ممن يعصيه والدين الذي لا يقبل الله غيره هو التوحيد وإخلاص العبادة لله عزوجل وكما قرر شيخ الإسلام فإن مسائل الأصول الكبار هى مسائل التوحيد والنبوات والقدر والمعاد والصفات، أما الأصول التي أنكر أن تكون أصولاً فهى ما ألزم به المعتزلة وغيرهم من المتكلمين الناس بتعليمه وجعله من الدين الذي لا يصح الإيمان بدونه وهو من العقليات التي لم يوجبها الله ورسوله ولا تعلمها أصحابه ولا ألزموا بها الناس.
الأمر الثاني: تكفيرهم مخالفيهم بخطئهم في العقليات دون الشرعيات والمفروض أن يكون التكفير بما نصت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أنه كفر ... وهذه بعض النقول في ذلك مع أن هذا الموضوع قد سبق بيانه.
يقول شيخ الإسلام في ذلك: (وقوله تعالى:" أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين " أمر مع القسط بالتوحيد الذي هو: عبادة الله وحده لا شريك له وهذا أصل الدين وضده الذنب الذي لا يغفر. قال تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وهو الدين الذي أمر الله به جميع الرسل وأرسلهم به إلى جميع الامم قال تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون "، وقال تعالى:" ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت "، وقال تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، وقال تعالى:" يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون " ولهذا ترجم البخاري في صحيحه " باب ما جاء في أن دين الأنبياء واحد"، وذكر الحديث الصحيح في ذلك وهو الإسلام العام الذي اتفق عليه جميع النبيين قال نوحٌ عليه السلام: " وأمرت أن أكون من المسلمين "، وفي قصة إبراهيم:" إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن
(يُتْبَعُ)
(/)
الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، وقال موسى: " يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين " وقال تعالى: " قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون "، وفي قصة بلقيس: " رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين "، وقال تعالى:" إنا أنزلنا التوارة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا "، وهذا التوحيد الذي هو أصل الدين هو أعظم العدل وضده وهو الشرك أعظم الظلم كما أخرج الشيخان في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال لما أنزلت هذه الآية: " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه فقال: ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح:" إن الشرك لظلم عظيم ") إهـ الفتاوى الكبرى، ج1، مسألة 234، ص 348.
ويقول شيخ الإسلام: (وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار كمسائل التوحيد والصفات ومسائل القدر والثواب والمعاد وغير ذلك وجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط. إلى أن يقول: الرسل لا يخبرون بمحالات العقول بل بمحارات العقول فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته) إهـ () درء تعارض العقل والنقل، ج1، ص 83، بهامش منهاج السنة (بتصرف) ..
ويقول: (فأجبت الحمد لله ربِّ العالمين. أما المسألة الأولي فقول السائل: هل يجوز الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل أصول الدين وإن لم ينقل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيها كلام أم لا؟ سؤال ورد بحسب ما عهد من الأوضاع المبتدعة الباطلة، فإن المسائل التي هى من أصول الدين التي تستحق أن تسمي أصول الدين، أعني الدين الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه لا يجوز أن يقال لم ينقل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيها كلام، بل هذا كلام متناقض في نفسه إذ كونها من أصول الدين يوجب أن تكون من أهم أمور الدين، ثم إنها مما يحتاج إليه الدين ثم نفي نقل الكلام فيها عن الرسول يوجب أحد أمرين: إما أن الرسول أهمل الأمور المهمة التي يحتاج إليها الدين فلم يبينها، أو أنه بينها فلم تنقلها الأمة. وكلا هذين باطل قطعًا وهو من أعظم مطاعن المنافقين في الدين، وإنما يظن هذا وأمثاله من هو جاهل بحقائق ما جاء به الرسول أو جاهل بما يعقله الناس بقلوبهم أو جاهل بهما جميعًا، فإن جهله بالأول يوجب عدم علمه بما يشتمل عليه ذلك من أصول الدين وفروعه، وجهله بالثاني يوجب أن يدخل في الحقائق المعقولة ما يسميه هو وأشكاله عقليات، وإنما هى جهليات. وجهله بالأمرين يوجب أن يظن من أصول الدين ما ليس منها من المسائل والوسائل الباطلة، وأن يظن عدم بيان الرسول لما ينبغي أن يعتقد في ذلك كما هو واقع لطوائف من أصناف الناس حذاقهم فضلاً عن عامتهم، وذلك أن أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها ويجب أن تذكر قولاً أو تعمل عملاً كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعاد، أو دلائل هذه المسائل.
أما القسم الأول: فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بيَّنه الله ورسوله بيانًا شافيًا قاطعًا للعذر، إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين وبينه للناس وهو من أعظم ما أقام الله به الحجة على عباده فيه بالرسل الذين بينوه وبلغوه وكتاب الله الذي نقله الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه ومعانيه والحكمة التي هى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتملة من ذلك على غاية المراد وتمام الواجب والمستحب والحمد لله الذي بعث فينا رسولاً من أنفسنا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة. إلى أن يقول: وإنما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة على بيان ذلك من كان ناقصًا في عقله وسمعه ومن له نصيب من قول أهل النار الذين قالوا:" وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير "، وإن كان ذلك كثيرًا في كثير من المتفلسفة والمتكلمة وجهَّال أهل الحديث والمتفقهة والصوفية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما القسم الثاني: وهو دلائل هذه المسائل الأصولية فإنه وإن كان يظن طوائف من المتكلمين أو المتفلسفة أن الشرع إنما يدل بطريق الخبر الصادق فدلالته موقوفة على العلم بصدق المخبر، ويجعلون ما ينبني عليه صدق المخبر معقولات محضة فقد غلطوا في ذلك غلطًا عظيمًا، بل ضلوا ضلالاً مبينًا في ظنهم أن دلالة الكتاب والسنة إنما هى بطريق الخبر المجرد بل الأمر ما عليه سلف الأمة أهل العلم والإيمان من أن الله سبحانه بيَّن من الأدلة العقلية التي يحتاج إليها في العلم بذلك ما لا يقدِّر أحد من هؤلاء قدره ونهاية ما يذكرونه جاء القرآن بخلاصته على أحسن وجه) أهـ. الفتاوى الكبرى، ج1، ص 12.
ويقول (): (وهذا باب واسع عظيم جدًا ليس هذا موضعه، وإنما الغرض التنبيه على أن في القرآن والحكمة النبوية عامة أصول الدين من المسائل والدلائل ما يستحق أن يكون أصول الدين، وأما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمى من الباطل فليس ذلك من أصول الدين وإن أدخلت فيه مثل هذه المسائل والدلائل الفاسدة مثل نفي الصفات والقدر ونحو ذلك من المسائل ومثل الاستدلال على حدوث العالم بحدوث الأعراض التي هى صفات الأجسام القائمة بها، إما الأكوان وإما غيرها وتقرير المقدمات التي يحتاج إليها هذا الدليل
إلى أن يقول: والتزم طوائف من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم لأجلها نفي صفات الربِّ مطلقًا أو نفي بعضها لأن الدال عندهم على حدوث هذه الأشياء هو قيام الصفات بها والدليل يجب طرده فالتزموا حدوث كل موصوف بصفة قائمة به وهو أيضًا في غاية الفساد والضلال ولهذا التزموا القول بخلق القرآن وإنكار رؤية الله في الآخرة وعلوه على عرشه إلى أمثال ذلك من اللوازم التي جعلها المعتزلة ومن اتبعهم أصل دينهم، فهذه داخلة فيما سماه هؤلاء أصول الدين ولكن ليست في الحقيقة من أصول الدين الذي شرعه الله لعباده وأما الدين الذي قال الله فيه: " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله "، فذاك له أصول وفروع بحسبه، وإذا عرف أن مسمى أصول الدين في عرف الناطقين بهذا الاسم فيه إجمال وإبهام لما فيه من الاشتراك بحسب الأوضاع والاصطلاحات، تبين أن الذي هو عند الله ورسوله وعباده المؤمنين أصول الدين، فهو موروث عن الرسول. وأما من شرع دينًا لم يأذن به الله، فمعلوم أن أصوله المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم) أهـ. درء تعارض العقل والنقل، بهامش منهاج السنة، ج1، ص 19
المسألة الثانية: القطع والتواتر والمعلوم من الدين بالضرورة
أما المعلوم من الدين بالضرورة فهناك معلوم من الدين بالضرورة يعلمه العامة والخاصة ويكفر جاحده، وهناك معلوم من الدين بالضرورة يعلمه العلماء ويجب الرجوع إليهم فيه قبل مخالفته.
يقول شيخ الإسلام: (وإذا قدر أنه لم يتعارض قطعي وظني لم ينازع عاقل في تقديم القطعي، لكن كون السمعي لا يكون قطعيًا دونه خرط القتاد، وأيضًا فإن الناس متفقون على أن كثيرًا مما جاء به الرسول معلوم بالاضطرار من دينه كإيجاب العبادات وتحريم الفواحش والظلم وتوحيد الصانع وإثبات المعاد وغير ذلك، وحينئذ فلو قال قائل إذا قام الدليل العقلي القطعي على مناقضة هذا فلابد من تقديم أحدهما، فلو قدم هذا السمعي قدح في أصله وإن قدم العقلي لزم تكذيب الرسول فيما علم بالاضطرار أنه جاء به. وهذا هو الكفر الصريح فلابد لهم من جواب عن هذا، والجواب عنه أنه يمتنع أن يقوم عقلي قطعي يناقض هذا، فتبين أن كل ما قام عليه دليل قطعي سمعي يمتنع أن يعارضه قطعي عقلي). أهـ. درء تعارض العقل والنقل، ج1، ص 42.
ويقول: (والوجه الثاني: أن يقال كل من له أدني معرفة بما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم يعلم بالاضطرار أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يدع الناس بهذه الطريقة طريقة الأعراض، ولا نفي الصفات أصلاً لا نصًا ولا ظاهرًا، ولا ذكر ما يفهم منه ذلك لا نصًا ولا ظاهرًا ولا ذكر أن الخالق ليس فوق العالم ولا مباينًا له أو أنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا ذكر ما يفهم منه ذلك لا نصًا ولا ظاهرًا، بل ولا نفي الجسم الاصطلاحي ولا ما يرادفه من الألفاظ، ولا ذكر أن الحوادث يمتنع دوامها في الماضي والمستقبل أو في الماضي لا نصًا ولا ظاهرًا، ولا أن الربَّ صار الفعل ممكنًا له بعد أن لم يكن ممكنًا ولا
(يُتْبَعُ)
(/)
أنه صار الكلام ممكنًا بعد أن لم يكن ممكنًا ولا أن كلامه ورضاه وغضبه وحبه وبغضه ونحو ذلك أمور مخلوقة بائنة عنه وأمثال ذلك مما يقوله هؤلاء لا نصًا ولا ظاهرًا، بل علم الناس خاصتهم وعامتهم بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك أظهر من علمهم بأنه لم يحج بعد الهجرة إلا حجة واحدة وأن القرآن لم يعارضه أحد، وأنه لم يفرض صلاة إلا الصلوات الخمس وأنه لم يكن يؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار، وأنه لم يكن يؤذن له في العيدين والكسوف والاستسقاء، وأنه لم يرض بدين الكفار ولا المشركين ولا أهل الكتاب قط، وأنه لم يسقط الصلوات الخمس عن أحد من العقلاء، وأنه لم يقاتله أحد من المؤمنين به لا أهل الصفة ولا غيرهم، وأنه لم يكن يؤذن بمكة ولا كان بمكة أهل صفة ولا كان بالمدينة أهل صفة قبل أن يهاجر إلى المدينة، وأنه لم يجمع أصحابه قط على سماع كف ولا دف، وأنه لم يكن يقصر شعر كل من أسلم أو تاب من ذنب، وأنه لم يكن يقتل كل من سرق أو قذف أو شرب، وأنه لم يكن يصلي الخمس إذا كان صحيحًا إلا بالمسلمين لم يكن يصلي الفرض وحده ولا في الغيب، وأنه لم يحجب في الهواء قط، وأنه لم يقل رأيت ربِّي في اليقظة لا ليلة المعراج ولا غيرها، ولم يقل إنَّ الله ينزل عشية عرفة إلى الأرض وإنما قال ينزل إلى السماء الدنيا. إلى أن يقول: وأمثال ذلك مما يعلم العلماء بأحواله علمًا ضروريًا أنه لم يكن ومن روى ذلك عنه وأخذ يستدل على ثبوت ذلك علموا بطلان قوله بالاضطرار كما يعلمون بطلان قول السفسفطائية، وأنهم لم يشتغلوا بحل شبههم وحينئذ فمن استدل بهذه الطريقة أو أخبر الأمة بمثل قول نفاة الصفات كان كذبه معلومًا بالاضطرار أبلغ مما يعلم كذب من ادعي هذه الأمور المنتفية عنه وأضعافها وهذا مما يعلمه من له أدني خبرة بأحوال الرسل فضلاً عن المتوسطين فضلاً عن الوارثين له العالمين بأقواله وأفعاله). إهـ. درء تعارض العقل والنقل، ص 56
ويقول في نفس الكتاب: (الوجه الثالث عشر: أن يقال الأمور السمعية التي يقال أن العقل عارضها كإثبات الصفات والمعاد ونحو ذلك هى مما علم بالاضطرار أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بها، وما كان معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام امتنع أن يكون باطلاً مع كون الرسول صلى الله عليه وسلم رسول الله حقًا فمن قدح في ذلك وادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجئ به كان قوله معلوم الفساد بالضرورة من دين المسلمين.
الوجه الرابع عشر: أن يقال أن أهل العناية بِعلم الرسول صلى الله عليه وسلم العالمين بالقرآن وتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لهم بإحسان والعالمين بأخبار الرسول والصحابة والتابعين لهم بإحسان عندهم من العلوم الضرورية بمقاصد الرسول ومراده ما لا يمكنهم دفعه عن قلوبهم ولذلك كانوا كلهم متفقين على ذلك من غير تواطؤ ولا تشاعر كما اتفق أهل الإسلام على نقل حروف القرآن ونقل الصلوات الخمس والقبلة وصيام شهر رمضان وإذا كانوا قد نقلوا مقاصده ومراده عنه بالتواتر كان ذلك كنقلهم حروفه وألفاظه بالتواتر، ومعلوم أن النقل المتواتر يفيد العلم اليقيني سواء كان التواتر لفظيًا أو معنويًا كتواتر شجاعة خالد وشعر حسان وتحديث أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وفقه الأئمة الأربعة وعدل العمرين ومغازى النبيّ صلى الله عليه وسلم مع المشركين وأهل الكتاب وعدل كسري وطب جالينوس ونحو سيبويه، يبين هذا أن أهل العلم والإيمان يعلمون من مراد الله ورسوله بكلامه أعظم مما يعلمه الأطباء من كلام جالينوس ونحو سيبويه، فإذا كان من ادعي من كلام سيبويه وجالينوس ونحوهما ما يخالف ما عليه أهل العلم بالطب والنحو والحساب من كلامهم كان قوله معلوم البطلان، فمن ادعي في كلام الله ورسوله خلاف ما عليه أهل الإيمان كان قوله أظهر بطلانًا وفسادًا، لأن هذا معصوم محفوظ.
(يُتْبَعُ)
(/)
وجماع هذا أن يعلم أن المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيئان: ألفاظه وأفعاله ومعاني ألفاظه ومقاصده بأفعاله وكلاهما منه ما هو متواتر عند العامة والخاصة، ومنه ما هو متواتر عند الخاصة، ومنه ما يختص بعلمه بعض الناس وإن كان عند غيره مجهولاً أو مظنونًا أو مكذوبًا به، وأهل العلم بأقواله كأهل العلم بالحديث والتفسير المنقول والمغازي والفقه يتواتر عندهم من ذلك ما لا يتواتر عند غيرهم ممن لم يشركهم في علمهم، وكذلك أهل العلم بمعاني القرآن والحديث والفقه في ذلك يتواتر عندهم من ذلك ما لا يتواتر عند غيرهم من معاني الأقوال والأفعال المأخوذة عن الرسول كما يتواتر عند النحاة من أقوال الخليل وسيبويه والكسائي والفراء وغيرهم ما لا يعلمه غيرهم، ويتواتر عند كل من أصحاب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وداود وأبي ثور وغيرهم من مذاهب هؤلاء الأئمة ما لا يعلمه غيرهم، ويتواتر عند أتباع رؤوس أهل الكلام والفلسفة من أقوالهم ما لا يعلمه غيرهم ويتواتر عند أهل العلم بنقد الحديث من أقوال شعبة ويحيى بن سعيد وعلى بن المديني ويحيى ابن معين وأحمد بن حنبل وأبي زرعة وأبي حاتم والبخاري وأمثالهم في الجرح والتعديل ما لا يعلمه غيرهم بحيث يعلمون بالاضطرار اتفاقهم على تعديل مالك والثوري وشعبة وحماد بن زيد والليث بن سعد وغير هؤلاء، وعلي تكذيب محمد بن سعيد المصلوب ووهب بن وهب القاضي وأحمد بن عبد الله الجوباري وأمثالهم». أهـ. درء تعارض العقل والنقل، ج1، ص 112
من هنا يتضح:
بطلان القول بأنه لا يوجد معلوم من الدين بالضرورة، وأنه أمر نسبي بل هناك ما يتواتر ويكون معلومًا من الدين بالضرورة أو بالاضطرار عند العامة، وما يتواتر ويكون معلومًا من الدين بالضرورة عند الخاصة، فإذا أخذ من جهتهم صار معلومًا لغيرهم بعلمهم، وإذا لم يؤخذ عن جهتهم سقط عذر المعرض عن ذلك إذا أخطأ فيه.
المسألة الثالثة: الفرق بين الأصول والفروع
ويوجد في الأصول والفروع ما هو معلوم من الدين بالضرورة عند العامة وعند الخاصة والذي يجب أن يعلمه العامة أو من هو منهم من جهة الخاصة ليعلمه علمًا ضروريًا بعلمهم له علمًا ضروريًا، ولكن الأصول تتميز عن الفروع هنا بفارق مهم جدًا وهو أن العقائد لا يجوز أن يتجدد منها للخلف ما لم يكن واجبًا على السلف بخلاف الفروع فقد تتجدد الحوادث ويقع للمتأخر فيها ما لم يقع للمتقدم، فالأصول لا تدخلها الاجتهاديات، أما الفروع فتدخلها الاجتهاديات، ولذلك نجد إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل الذي يقول: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ينقل عن الصحابة عدة أقوال قد تكون مختلفة أحيانًا اختلافًا بينًا ويقررها أقوالاً في مذهبه وذلك في الفروع ولا نجد له عن الصحابة في الأصول إلا قولاً واحدًا، لأن الصحابة كانت لهم أقوال مختلفة في الفروع وكان قولهم واحدًا في الأصول، ولذلك عابوا على المتكلمين إعراضهم عن المنقول إلى معقولاتهم التي عارضوا بها المنقول عن الصحابة وأولوا لها القرآن.
فقالوا:
ما باله حتى السواك أبانه وقواعد الإسلام لم تتقرر
ولذلك فكل ما لم يبين من العقائد في عصر النبوة فلا حاجة إلى اعتقاده ولا الخوض فيه لأن الأمة قد أجمعت على أن البيان لا يتأخر عن وقت الحاجة سواء كان إلى معرفته سبيل أم لا، وسواء كان حقًا أم لا وخصوصًا إذا أدى الخوض فيه إلى التفرق المنهي عنه " وخضتم كالذي خاضوا " فيكون في إيجابه إيجاب ما لم ينص على إيجابه ويؤدي إلى المنصوص على تحريمه وهو الافتراق، وما تبين من العقائد في عصر النبوة نقله الصحابة ونقله أهل السنة والأثر، ولذلك نجد قولهم واحدًا فيه لا اختلاف بينهم لا من حيث الجملة ولا التفاصيل وتجد الاختلاف الكثير عند من أعرض عن المنقول إلى المعقول يقول صاحب كتاب " إيثار الحق على الخلق":
(يُتْبَعُ)
(/)
(ومما يصلح للاستدلال به في هذا المقام قوله تعالى: " وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها " فلولا أن كتابها هو موضع الحجة عليها في أمور الدين ومهماته ما اختص بالدعاء إليه ونحوها قوله تعالى:" الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان " فجعل الكتاب في بيان الدين وحفظه وتمييز الحق من الباطل كالميزان في بيان الحقوق الدنيوية وحفظها، بل جعل الحق مختصًا به بالنص والميزان معطوفًا عليه بالمفهوم أي والميزان بالحق. وقال بعد الأمر بوفاء الكيل والوزن: " لا نكلف نفساً إلا وسعها " لأنه يحتاج إلى المعاملة بالكيل والوزن وإن وقع التظالم الخفي في مقادير مثاقيل الذر أو أقل منه، ولم يقل ذلك بعد الأمر بلزوم كتابه واتباع رسله، لأنه لا حاجة ولا ضرورة إلى البدعة في الاعتقاد. وأما الفروع العملية فلما وقعت الضرورة إلى الخوض فيها بالظنون لم يكن فيها حرج بالنص والإجماع فتأمل ذلك فإنه مفيد». أهـ. إيثار الحق علي الخلق، ص 111.
وإذا كان الرجوع إلى عمل الصحابة مطلوب في الفروع العملية وإن دخلتها الاجتهاديات واختلفت فيها أقوالهم وأعمالهم وفتاواهم فإنه مطلوب في العقائد قطعًا، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية " ما أنا عليه وأصحابي" وقال عنها أنها الجماعة، فالجماعة هى ما كان عليه وأصحابه صلى الله عليه وسلم وهى النجاة، فمن أعرض عن ذلك كان مذمومًا هالكًا وليس مجتهدًا مثابًا ولا متأولاً مغفورًا له خطؤه، وإذا كان التأكيد أكثر في هذا الشأن على الأصول الاعتقادية، بل هى الأصل وغيرها تبع لها، فليس ذلك راجعًا إلى أن هذه عقلية لا يعذر فيها، وهذه شرعية يعذر فيها كما يقول المتكلمون، ولكن لأن هذه لامجال فيها للاجتهادات فلاحاجة ولا ضرورة لاعتقاد البدعة وهذه تتجدد فيها الحوادث فيقع للمتأخر فيها ما لم يقع للمتقدم وهذه قد قضت الضرورة إلى الخوض فيها بالظنون فرفع فيها الحرج بخلاف الأولى التي لا توجد حاجة فيها إلى اعتقاد ما لم يبين في عصر النبوة ولا الخوض فيه. ولذلك قال عبد الله بن مسعود عن العقائد اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم. وليس هذا هو الشأن في الاجتهاديات ولذلك قال مالك: ـ وهو إمام أهل الأثر ـ للرجل الذي جاء يجادله أرأيت إن غلبتني، قال: تتبعني، قال: فإن غلبتك، قال: أتبعك، قال: فإن جاء آخر فغلبنا قال: نتبعه، قال مالك: أرى الدين واحدًا وأراك أكثرت التنقل. وقال: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا لجدله ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟!
ونكتة الموضوع أن العقائد ما نص عليه الشارع فقد نص عليه، وما سكت عنه سكت عنه مع وجود المقتضى للتشريع، أما الاجتهاديات فقد يسكت الشارع مع عدم وجود المقتضى للتشريع وقت التشريع ثم يوجد بعد انقضاء وقت التشريع مثل جمع المصحف فلا يكون الفعل بدعة بل مصلحة مرسلة وخصوصًا أنه معقول المعنى اجتهادي تضافرت قواعد الشرع على إثباته، أما الأصول فلا يتجدد لها مقتضيات للتشريع بعد انقضاء الرسالة فمازاد أو نقص عن ذلك بعد إكمال الدين صار بدعة، ولذلك نجد مالكًا يتوسع في المصالح المرسلة ولا يخرج عن المنقول في العقائد قيد أنملة.
والمصادر المعصومة ثلاثة: الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو ما نقل عن الصحابة فمن خرج عن ذلك لم يكن معذورًا في خطئه ولا مثابًا في اجتهاده، ولذلك يقول أحمد: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن خرج عن ذلك خرج من السنة إلى البدعة ومن المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، والهالك ليس مثابًا على اجتهاده ولا معذورًا في خطئه. ولننظر إلى الفروع العملية، كيف اختلفت فيها أقوال أهل السنة والأثر في دائرة المشروع، وكيف اتفقت مذاهبهم في الأصول، بل للحق والدقة أنه ليس لهم مذاهب في الأصول بل هو مذهب واحد إجمالاً وتفصيلاً وهذه أمثلة ولنبدأ أولا بالفروع العملية:
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ يقول بعد كلام: (ومثل طوائف الفقه من الحنفية والمالكية والسفيانية والأوزاعية والشافعية والحنبلية والداوودية وغيرهم مع تعظيم الأقوال المشهورة عن أهل السنة والجماعة لايوجد لطائفة منهم قول انفردوا به عن سائر الأمة وهو صواب بل ما مع كل طائفة منهم من الصواب يوجد عند غيرها من الطوائف وقد ينفردون بخطأ لايوجد عند غيرهم، لكن قد تنفرد طائفة بالصواب عمن يناظرها من الطوائف كأهل المذاهب الأربعة قد يوجد لكل منهم أقوال انفرد بها، وكان الصواب الموافق للسنة معه دون الثلاثة لكن يكون قوله قد قاله غيره من الصحابة والتابعين وسائر علماء الأمة بخلاف ما انفردوا به ولم ينقل عن غيرهم فهذا لايكون إلا خطأ، وكذلك أهل الظاهر كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ، وأما ما انفردوا به عن الأربعة وهو صواب فقد قاله غيرهم من السلف. وأما الصواب الذي ينفرد به كل طائفة من الثلاثة فهو كثير لكن الغالب أن يوافقه عليه بعض أتباع الثلاثة وذلك كقول أبي حنيفة بأن المحرم يجوز له أن يلبس الخف المقطوع وما أشبهه كالجمجم والمداس وهو وجه في مذهب الشافعي وغيره، وكقوله بأن طهارة المسح يشترط لها دوام الطهارة دون ابتدائها، وقوله أن النجاسة تزول بكل ما يزيلها وهذا أحد الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد ومذهب مالك، وكذلك قوله بأنها تطهر بالاستحالة، ومثل قول مالك بأن الخمس مصارفه مصرف الفئ وهو قول في مذهب أحمد فإنه عنه روايتان في خمس الركاز هل يصرف مصرف الفئ أو مصرف الزكاة، وإذا صرف مصرف الفيء فإنما هو تابع لخمس الغنيمة، ومثل قوله بجواز أخذ الجزية من كل كافر جازت معاهدته لا فرق بين العرب والعجم ولا بين أهل الكتاب وغيرهم فلا يعتبر قط أمر النسب بل الدين في الذمة والاسترقاق وحل الذبائح والمناكح وهذا أصح الأقوال في هذا الباب، وهو أحد القولين في مذهب أحمد فإنه لا يخالفه إلا في أخذ الجزية من مشركي العرب ولم يبق من مشركي العرب أحد بعد نزول آية الجزية، بل كان جميع مشركي العرب قد أسلموا. ومثل قول مالك أن أهل مكة يقصرون الصلاة بمني وعرفة وهو قول في مذهب أحمد وغيره، ومثل مذهبه في الحكم بالدلائل والشواهد وفي إقامة الحدود ورعاية مقاصد الشريعة وهذا من محاسن مذهبه ومذهب أحمد قريب من مذهبه في أكثر ذلك. ومثل قول الشافعي أن الصبي إذا صلى في أول الوقت ثم بلغ لم يُعد الصلاة وكثير من الناس يعيب هذا على الشافعي وغلطوا في ذلك، بل الصواب قوله وهو وجه في مذهب أحمد وقوله تفعل ذوات الأسباب في وقت النهي وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وكذلك قوله بطهارة المني كقول أحمد في أظهر الروايتين، ومثل قول أحمد في نكاح البغي لا يجوز حتى تتوب، وقوله أن الصيد إذا جرح ثم غاب أنه يؤكل ما لم يوجد فيه أثر آخر وهو قول في مذهب الشافعي، وقوله بأن صوم النذر يصام عن الميت بل وكل المنذورات تفعل عن الميت، ورمضان يطعم عنه وبعض الناس يضعف هذا القول وهو قول الصحابة ابن عباس وغيره ولم يفهموا غوره، وقوله أن المحرم إذا لم يجد النعلين والإزار لبس الخفين والسراويل بلا قطع ولا فتق فإن هذا كان آخر الأمرين من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله بأن مرور المرأة والكلب الأسود والحمار يقطع الصلاة، وقوله بأن الجدة ترث وابنها حي، وقوله بصحة المساقاة والمزارعة وما أشبه ذلك وإن كان البذر من العامل على إحدى الروايتين عنه وكذلك طائفة من أصحاب الشافعي، وقوله في إحدى الروايتين أن طلاق السكران لا يقع وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة والشافعي، وقوله أن الوقف إذا تعطل نفعه بيع واشترى به ما يقوم مقامه وفي مذهب أبي حنيفة ما هو أقرب إلى مذهب أحمد من غيره وكذلك في مذهب مالك، وكذلك قوله في إبدال الوقف كإبدال المسجد بغيره ويجعل الأول غير مسجد كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي مذهب أبي حنيفة ومالك يجوز الإبدال للحاجة في مواضع، وقوله بقبول شهادة العبد، وقوله بأن صلاة المنفرد خلف الصف يجب عليه فيها الإعادة، وقوله في أن فسخ الحج إلى العمرة جائز مشروع بل هو أفضل، وقوله بأن القارن إذا ساق الهدي فقرانه أفضل من التمتع والإفراد كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم ومثل قوله إن صلاة الجماعة فرض على الأعيان). أهـ. () منهاج السنة، ج3، ص 44 - 46
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعض هؤلاء الأئمة يأخذ بقول الصحابي والتابعي في الفروع العملية ويجعل أقوال الصحابة والتابعين وإن تعددت أقوالاً أو أوجهًا في مذهبه، والبعض الآخر لا يأخذ ولا حرج في ذلك، فلا حرج في خلاف الصحابي والتابعي هنا إذا كان الاعتماد على نصوص الكتاب والسنة ومن قرأ في الفروع العملية علم أن أقوال الصحابة والتابعين متعددة ليست قولاً واحدًا. وأما الأصول الاعتقادية فقولهم قول واحد فالخروج عنه أو مخالفته بدعة. ما ينفرد به أبو حنيفة ويكون وجهًا في مذهب الشافعي وهو صواب هل يكون الوجه الآخر في مذهب الشافعي باطل أم خطأ كلا قد يكون راجحًا أيضًا، وقد يكون مرجوحًا وما ينفرد به أبو حنيفة وهو صواب وهو أحد الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد ومالك هل يكون القولان الآخران في مذهب أحمد ومالك باطلان أم خطأ كلا بل ربما كانا أرجح أو متساويين في الرجحان أو مرجوحين عن القول الذي وافق قول أبي حنيفة.
وكذلك ما يقوله مالك وهو أحد القولين في مذهب أحمد أو هو قول في مذهب أحمد، وكذلك ما يقوله الشافعي وهو وجه في مذهب أحمد أو إحدى الروايتين عن أحمد أو كقول أحمد في أظهر الروايتين عنه الأقوال الأخرى في مذهب أحمد كلها حق وصواب قد تكون أرجح أو متساوية في الرجحان أو أقل في الرجحان فتكون مرجوحة ولكنها ليست باطلة ولا خطأ، وكذلك ما يقوله أحمد في إحدى الروايتين عنه وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة والشافعي أو قالت به طائفة من أصحاب الشافعي أو هو قول في مذهب الشافعي، فإن الرواية الأخرى في مذهب أحمد والأقوال والأوجه الأخرى في مذهب الشافعي أو أبي حنيفة أو مالك صحيحة مقبولة شرعية، وإذا كان ثَمَّ راجح أو مرجوح، وقد يصير الراجح مرجوحًا والمرجوح راجحًا لبعض الظروف والملابسات وباعتبار المآلات والنظر إلى مقاصد الشريعة، وقد يكون الحكمان باقيان يُعمل بكل في مناسبته ليس ثمة خطأ وإذا كان ثمة خطأ فليس ثمة بدعة، وإذا كانت ثمة زلة لعالم فلا يثبت عليها ولا ينافح عنها ولا يطلبون من غيرهم المتابعة عليها، فإذا تنبهوا رجعوا وإن لم يتنبهوا إليها غفرها الله لهم لأنهم كلهم قد قال بلسان الحال أو المقال إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي هذا عرض الحائط، فإذا كان صوابًا فمن الله ورسوله وإذا كان خطأ فهو من الشيطان، وهذا هو شأن الفروع العملية بخلاف الأصول الاعتقادية، فإنها قول واحد ومذهب واحد ليس فيها أقوال ولا مذاهب ولا راجح ولا مرجوح ولا تغير في الأحكام لتجدد القضايا وتغير الزمان.
يقول الشاطبي عن الاختلاف المرحوم: (ثم إن هؤلاء المتفقين قد يعرض لهم الاختلاف بحسب القصد الثاني لا القصد الأول، فإن الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالاً للظنون، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف، لكن في الفروع دون الأصول وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف.
وقد نقل المفسرون عن الحسن في هذه الآية أنه قال: أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافًا يضرهم. يعني لأنه في مسائل الاجتهاد التي لا نص فيها بقطع العذر، بل لهم فيه أعظم العذر، ومع أن الشارع لما علم أن هذا النوع من الاختلاف واقع، أتي فيه بأصل يُرجَعُ إليه، وهو قول الله تعالى: " فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول " الآية. فكل اختلاف من هذا القبيل حكم الله فيه أن يرد إلى الله، وذلك رده إلى كتابه، وإلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك رده إليه إذا كان حيًّا وإلي سنته بعد موته، وكذلك فعل العلماء رضي الله عنهم إلا أن لقائل أن يقول: هل هم داخلون تحت قوله تعالى: " ولا يزالون مختلفين " أم لا؟ والجواب: أنه لا يصح أن يدخل تحت مقتضاها أهل هذا الاختلاف من أوجه:
الأول: أن الآية اقتضت أن أهل الاختلاف المذكورين مباينون لأهل الرحمة لقوله ": ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك " فإنها اقتضت قسمين: أهل الاختلاف، والمرحومين، فظاهر التقسيم أن أهل الرحمة ليسوا من أهل الاختلاف وإلا كان قسم الشيء قسيمًا له ولم يستقم معنى الاستثناء.
(يُتْبَعُ)
(/)
والثاني: أنه قال فيها: " ولا يزالون مختلفين " فظاهر هذا أن وصف الاختلاف لازم لهم حتى أطلق عليهم لفظ اسم الفاعل المشعر بالثبوت، وأهل الرحمة مبرءون من ذلك، لأن وصف الرحمة ينافي الثبوت على المخالفة، بل إن خالف أحدهم في مسألة فإنما يخالف فيها تحريًا لقصد الشارع فيها، حتى إذا تبين له الخطأ فيها راجع نفسه وتلافي أمره، فخلافه في المسألة بالعرض لا بالقصد الأول، فلم يكن وصف الاختلاف لازمًا ولا ثابتًا، فكان التعبير عنه بالفعل الذي يقتضي العلاج والانقطاع أليق في الموضع.
والثالث: أنا نقطع بأن الخلاف في مسائل الاجتهاد واقع ممن حصل له محض الرحمة وهم الصحابة ومن اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم، بحيث لا يصح إدخالهم في قسم المختلفين بوجه، فلو كان المخالف منهم في بعض المسائل معدودًا من أهل الاختلاف ـ ولو بوجه ما ـ لم يصح إطلاق القول في حقه: أنه من أهل الرحمة وذلك باطل بإجماع أهل السنة.
والرابع: أن جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضربًا من ضروب الرحمة، وإذا كان من جملة الرحمة، فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجًا من قسم أهل الرحمة.
وبيان كون الاختلاف المذكور رحمة ما روى عن القاسم بن محمد قال: لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمل، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة. وعن ضمرة بن رجاء قال: اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد فجعلا يتذاكران الحديث ـ قال ـ فجعل عمر يجيءُ بالشيء يخالف فيه القاسم ـ قال ـ وجعل القاسم يشق ذلك عليه حتى يتبين ذلك فيه فقال له عمر: لا تفعل فما يسرني باختلافهم حمر النعم وروى ابن وهب عن القاسم أيضًا قال: لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يختلفون، لأنه لو كان قولاً واحدًا لكان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدي بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة ومعنى هذا أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه، لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق، لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة ـ كما تقدم ـ فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم باتباع ما غلب على ظنونهم مكلفين باتباع خلافهم، وهو نوع من تكليف ما لا يطاق وذلك من أعظم الضيق. فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم، فكان فتح باب للأمة، للدخول في هذه الرحمة، فكيف لا يدخلون في قسم " من رحم ربك " فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها والحمد لله.
وبين هاتين الطريقين ـ يقصد الإختلاف في أصل الدين والإختلاف في الفروع العلمية ـ واسطة أدنى من الرتبة الأولى وأعلى من الرتبة الثانية، وهى أن يقع الاتفاق في أصل الدين ويقع الاختلاف في بعض قواعده الكلية، وهو المؤدي إلى التفرق شيعًا. فيمكن أن تكون الآية تنتظم هذا القسم من الاختلاف، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أن أمته تفترق على بضع وسبعين فرقة، وأخبر أن هذه الأمة تتبع سنن من كان قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وشمل ذلك الاختلاف الواقع في الأمم قبلنا، ويرشحه وصف أهل البدع بالضلالة وإيعادهم بالنار، وذلك بعيد من تمام الرحمة). أهـ. الاعتصام، ج2، ص 168.
ويقول الإمام الشاطبي في الاعتصام، ج2، ص 172: (وقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن المراد بالمختلفين في الآية أهل البدع، وأن من رحم ربك أهل السنة، ولكن لهذا الكتاب أصل يرجع إلى سابق القدر لا مطلقًا، بل مع إنزال القرآن محتمل العبارة للتأويل، وهذا لابد من بسطه فاعلموا أن الاختلاف في بعض القواعد الكلية لا يقع في العاديات الجارية بين المتبحرين في علم الشريعة الخائضين في لجتها العظمى العالمين بمواردها ومصادرها.
والدليل على ذلك اتفاق العصر الأول وعامة العصر الثاني على ذلك، وإنما وقع اختلافهم في القسم المفروغ منه آنفًا، بل كل خلاف على الوصف المذكور وقع بعد ذلك فله أسباب ثلاثة قد تجتمع وقد تفترق).
يلخصها الشاطبي في الجهل واتباع الهوى والتصميم على اتباع العوائد ولزم فيها تفصيلات أخرى سنذكرها كما وقعت تاريخيًا والغالب على البدع أنها مقصورة على المخالفات في الأصول الاعتقادية والمسائل التعبدية ولا تدخل في المسائل العملية الفروعية إلا من هذه الأوجه:
1 - إذا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلوا ”اتباع الجهال“
(يُتْبَعُ)
(/)
2 - أخذ الشريعة على تشهي الأغراض، والأخذ بالحيل واتباع المتشابه.
3 - التقليد المذموم.
4 - رد أحاديث الآحاد وعليها جملة الشريعة.
5 - القول في الشرع بالاستحسان والظنون والاشتغال بالمعضلات ورد الفروع بعضها إلى بعض دون ردها إلى أصولها فاستعمل فيها الرأي قبل أن تنزل وفي الاشتغال بهذا تعطيل السنن والتذرع إلى جهلها مع التعمق في القياس والإعراض عن السنن.
6 - شيوع المعاصي واختلال القيم ووضع المعاصي على مضاهاة التشريع فإن المعصية إذا وضعت على مضاهاة التشريع صارت بدعة.الاعتصام، ج2.
فإن دخول شوب التشريع يجعل المعصية بدعة والتشريع المطلق كفر ممن شرعه وممن أمضاه وممن رضيه وقبله وتابع عليه.
وإذا تأملت هذه الأمور الستة المذكورة وجدتها راجعة إلى خلل في أصول الفقه أو أصول الاعتقاد فعادت إلى الأصول مرة ثانية، وأصول الفقه هى الأصول العملية، وأصول الاعتقاد هى الأصول الاعتقادية. ومن هذه الأوجه أدخل فيها الإمام الشاطبي الابتداع وبدون هذه الأوجه لا يدخلها الابتداع بمجرد خلاف الصحابة أو عدم الأخذ برأي الصحابي أو التابعي في الاجتهاد إذا كان المجتهد يجتهد على نصوص الكتاب والسنة على وفق أصول الاجتهاد، أما الأصول والعبادات فالخروج فيها عما كان عليه السلف الصالح بدعة لمجرد المخالفة، لأن الفروع العملية معقولة المعنى تدخلها المصالح المرسلة والمسائل الاعتقادية والعبادية لا تدخلها المصالح المرسلة ولا حاجة فيها تدعو إلى اعتقاد البدعة أو العمل بها فالمخالفة فيها بدعة.
يقول الشاطبي: (الثاني: أن البدع تنقسم إلى ما هى كلية في الشريعة وإلي جزئية، ومعنى ذلك أن يكون الخلل الواقع بسبب البدعة كليا في الشريعة كبدعة التحسين والتقبيح العقليين وبدعة إنكار الأخبار السنية اقتصارًا على القرآن وبدعة الخوارج في قولهم لا حكم إلا لله وما أشبه ذلك من البدع التي لا تختص فرعًا من فروع الشريعة دون فرع بل تجدها تنتظم ما لا ينحصر من الفروع الجزئية). أهـ. الاعتصام، ج2، ص 59.
ويقول: (وأما الراسخون في العلم فليسوا كذلك، وماذاك إلا باتباعهم أم الكتاب وتركهم الاتباع للمتشابه. وأم الكتاب يعم ما هو من الأصول الاعتقادية أو العملية، إذ لم يخص الكتاب ذلك ولا السنة، بل ثبت في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» وفي الترمذي تفسير هذا بإسناد غريب عن غير أبي هريرة، فقال في حديثه «وأن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاثة وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا: من هى يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي». والذي عليه النبيّ وأصحابه ظاهر في الأصول الاعتقادية والعملية على الجملة لم يخص من ذلك شيء دون شيء، وفي أبي داود «وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهى الجماعة» وهى بمعنى الرواية التي قبلها، وقد روى ما يُبين هذا المعنى ذكره ابن عبد البر بسند لم يرضه وإن كان غيره قد هون الأمر فيه أنه قال: «ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة الذين يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال». فهذا نصٌ على دخول الأصول العملية تحت قوله «ما أنا عليه وأصحابي» وهو ظاهر فإن المخالف في أصل من أصول الشريعة العملية لا يقصر عن المخالف في أصل من الأصول الاعتقادية في هدم القواعد الشرعية». أهـ. الموافقات، ج4، ص 177.
وليس معنى هذا تصويب المجتهدين في الفروع، بل الشريعة على قول واحد في الأصول الاعتقادية والفروع العملية، وإن كانت هناك مسائل يدق فيها النظر وتتجاذبها أصول تتردد بينها فمن قوي عنده من المجتهدين إلحاقها بأحد الجانبين ألحقها به، ومن قوى عنده إلحاقها بالجانب الآخر ألحقها به، ومن ذلك ما يقوله ابن رشد في ”بداية المجتهد“ في بيوع الشروط والثنيا: «واختلف العلماء من هذا الباب في بيع وإجارة معًا في عقد واحد فأجازه مالك وأصحابه، ولم يجزه الكوفيون ولا الشافعي لأن الثمن يرون أنه يكون حينئذ مجهولاً. ومالك يقول: إذا كانت الإجارة معلومة لم يكن الثمن مجهولاً وربما رآه الذين منعوه من باب بيعتين في بيعة وأجمعوا على أنه لا
(يُتْبَعُ)
(/)
يجوز السلف والبيع كما قلنا، واختلف قول مالك في إجازة السلف والشركة فمرة أجاز ذلك ومرة منع؛ وهذه كلها اختلف العلماء فيها لاختلافها بالأقل والأكثر في وجود علل المنع فيها المنصوص عليها فمن قويت عنده علة المنع في مسألة منعها ومن لم تقو عنده أجازها وذلك راجع إلى ذوق المجتهد لأن هذه المواد يتجاذب القول فيها إلى الضدين على السواء عند النظر فيها، ولعل في أمثال هذه المواد يكون القول بتصويب كل مجتهد صوابًا لهذا ذهب بعض العلماء في أمثال هذه المسائل إلى التخيير». أهـ.
هذا شأن الفروع العملية فكيف يكون شأن الأصول الاعتقادية. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن محنة الإمام أحمد في موضوع خلق القرآن: (مذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم، ومن خالف ذلك كان مبتدعًا عند أهل السنة والجماعة، فإنهم متفقون على أن إجماع الصحابة حجة ومتنازعون في إجماع من بعدهم، وأحمد بن حنبل وإن كان قد اشتهر بإمامة السنة والصبر في المحنة فليس ذلك لأنه انفرد بقول أو ابتدع قولاً، بل لأن السنة التي كانت موجودة معروفة قبله علمها ودعا إليها وصبر على ما امتحن به ليفارقها، وكان الأئمة قبل قد ماتوا قبل المحنة فلما وقعت محنة الجهمية نفاة الصفات في أوائل المائة الثالثة على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم الواثق ودعوا الناس إلى التجهم وإبطال صفات الله وهو المذهب الذي ذهب إليه متأخروا الرافضة، وكانوا قد أدخلوا معهم من أدخلوه من ولاة الأمر فلم يوافقهم أهل السنة والجماعة حتى هددوا بعضهم بالقتل وقيدوا بعضهم وعاقبوهم بالرهبة والرغبة، وثبت أحمد بن حنبل على ذلك الأمر حتى حبسوه مدة ثم طلبوا أصحابهم لمناظرته فانقطعوا معه في المناظرة يومًا بعد يوم، ولما لم يأتوا بما يوجب موافقته لهم وبين خطأهم فيما ذكروا من الأدلة وكانوا قد طلبوا أئمة الكلام من أهل البصرة وغيرهم مثل أبي عيسي محمد بن عيسي برغوث صاحب حسين النجار وأمثاله ولم تكن المناظرة مع المعتزلة فقط بل كانت مع جنس الجهمية من المعتزلة والنجارية والضرارية وأنواع المرجئة، فكل معتزلي جهمي وليس كل جهمي معتزلي لكن جهم أشد تعطيلاً لأنه ينفي الأسماء والصفات، والمعتزلة تنفي الصفات وبشر المريسي كان من المرجئة لم يكن من المعتزلة بل كان من كبار الجهمية، وظهر للخليفة المعتصم أمرهم وعزم على رفع المحنة حتى ألحَّ عليه ابن أبي دؤاد يشير عليه أنك إن لم تضربه وإلا انكسر ناموس الخلافة، فضربه فعظمت الشناعة من العامة والخاصة فأطلقوه، ثم صارت هذه الأمور سببًا في البحث عن مسائل الصفات وما فيها من النصوص والأدلة والشبهات من جانبي المثبتة والنفاة وصنفت الناس في ذلك مصنفات وأحمد وغيره من علماء أهل السنة والحديث مازالوا يعرفون فساد مذهب الروافض والخوارج والقدرية والجهمية والمرجئة لكن بسبب المحنة كثر الكلام ورفع الله قدر هذا الإمام فصار إمامًا من أئمة أهل السنة وعلمًا من أعلامها لقيامه بإعلامها وإظهارها واطلاعه على نصوصها وآثارها وبيان خفي أسرارها لا أنه أحدث مقالة ولا ابتدع رأيًا ولهذا قال بعض شيوخ الغرب المذهب لمالك والشافعي والظهور لأحمد يعني أن مذاهب الأئمة في الأصول مذهب واحد وهو كما قال). إهـ () منهاج السنة، ج 1، ص 256.
أقول: انظروا: مذهب الأئمة في الأصول مذهب واحد.
يعنى هنا أصول وفروع والأصول المذهب فيها واحد والفروع المذاهب أربعة وأكثر من ذلك.
ليس هنا ـ أي في الأصول ـ وجه ولا قول ولا أقوال وهذا يوجد كثيرًا في الفروع داخل المذهب الواحد ثم هناك مذاهب متعددة.
هنا مجرد الخلاف بدعة من خالف مذهب أهل السنة مبتدع لماذا لأن هذا المذهب أجمعت عليه الصحابة فليس عليه خلاف بين الصحابة فهو مذهب الصحابة، والخروج عن مذهب الصحابة مروق من الدين، وهذا هو معنى يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية المذكور في حديث الخوارج ومقصود به كل من خالف الفرقة الناجية وهى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» هل يصلح هنا أن يقال كما قال عمر بن عبد العزيز في الفروع العملية ”ما يسرني باختلافهم حمر النعم“ وقوله ”ما أحب أن أصحاب محمد لا يختلفون لأنه لو كان قولاً واحدًا لكان الناس في
(يُتْبَعُ)
(/)
ضيق وأنهم أئمة يقتدى بهم فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة“؟!
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ”درء تعارض النقل والعقل“ في مسألة الصفات: (والتفاسير المأثورة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين مثل تفسير محمد بن جرير الطبري وتفسير عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بدحيم وتفسير عبد الرحمن بن أبي حاتم وتفسير ابن المنذر وتفسير أبي بكر عبد العزيز وتفسير أبي الشيخ الأصبهاني وتفسير أبي بكر بن مردويه وما قبل هؤلاء من التفاسير مثل تفسير أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وبقيّ بن مخلد وغيرهم ومن قبلهم مثل تفسير عبد بن حميد وتفسير عبد الرزاق ووكيع بن الجراح فيها من هذا الباب الموافق لقول المثبتين ما لا يكاد يحصى، وكذلك الكتب المصنفة في السنة التي فيها آثار النبيّ والصحابة والتابعين. وقال أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني في مسائله المعروفة التي نقلها عن أحمد وإسحق وغيرهما وذكر معها من الآثار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة وغيرهم ما ذكر وهو كتاب كبير صنَّفه على طريقة الموطأ ونحوه من المصنفات قال في آخره في الجامع باب القول في المذهب هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج أهل السنة وسبيل الحق وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم وبقي بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم، وذكر الكلام في الإيمان والقدر والوعيد والإمامة، وما أخبر به الرسول من أشراط الساعة وأمر البرزخ والقيامة وغير ذلك.
إلى أن قال: وهو سبحانه بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان ولله عرش وللعرش حملة يحملونه، وله حد الله أعلم بحده والله على عرشه عزَّ ذكره وتعالى جده ولا إله غيره والله تعالى سميعٌ لا يشك بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسي، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم ويتحرك، يسمع ويبصر وينظر ويقبض ويبسط ويفرح ويحب ويكره ويبغض ويرضي ويسخط ويغضب ويرحم ويعفو ويغفر ويعطي ويمنع وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء وكما شاء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. إلى أن قال: ولم يزل الله متكلمًا عالمًا فتبارك الله أحسن الخالقين). أهـ. منهاج السنة، ج2، ص 12
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقال الشيخ أبو الحسن بن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي سماه ”الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول“ وذكر اثني عشر إمامًا، الشافعي ومالك والثوري وأحمد وابن عيينه وابن المبارك والأوزاعي والليث بن سعد وإسحق بن راهويه والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم. قال فيه: سمعت الإمام أبا منصور محمد بن أحمد يقول سمعت الإمام أبا بكر عبد الله بن أحمد يقول سمعت الشيخ أبا حامد الإسفراييني يقول: مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر، والقرآن حمله جبريل مسموعًا من الله تعالى والنبيّ صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا وفيما بين الدفتين وما في صدورنا مسموعًا ومكتوبًا ومحفوظًا ومنقوشًا، وكل حرف منه كالباء والتاء كله كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين». أهـ. درء التعارض، بحاشية منهاج السنة، ج2، ص48
ويقول شيخ الإسلام: (قال الحاكم سمعت أبا عبد الرحمن بن أحمد المقري يقول سمعت أبا بكر محمد بن إسحق يقول: الذي أقول به أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق، ومن قال أن القرآن أو شيئًا منه ومن وحيه وتنزيله مخلوق، أو يقول أن الله لا يتكلم بعد ما كان تكلم به في الأزل، أو يقول أن أفعال الله مخلوقة، أو يقول أن القرآن محدث، أو يقول أن شيئًا من صفات الله صفات الذات أو اسمًا من أسماء الله مخلوق، فهو عندي جهمي يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه هذا مذهبي ومذهب من رأيت من أهل الشرق والغرب من أهل العلم، ومن حكى عني خلاف هذا فهو كاذب باهت). أهـ. درء التعارض، بحاشية منهاج السنة، ج2، ص 39.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية فيما ينقل عن الإمام أحمد في درء التعارض: (وقال الخلال في السنة أخبرني عليٌ بن عيسي أن حنبلاً حدثهم قال سمعت أبا عبد الله يقول: من زعم أن الله لم يكلم موسي فقد كفر بالله وكذَّب القرآن وردَّ على رسول الله صلى اله عليه وسلم أمره يستتاب من هذه المقالة فإن تاب وإلا ضربت عنقه. إلى أن يقول: وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن قوم يقولون لمَّا كلم الله موسي لم يتكلم بصوت فقال أبي: بلي، تكلم تبارك وتعالى بصوت وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت وحديث ابن مسعود إذا تكلم الله بالوحي سُمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان قال أبي: والجهمية تنكره قال أبي: وهؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس من زعم أن الله لم يتكلم فهو كافر) إهـ المصدر السابق، ج2، ص 20.) إنتهى من كتاب البلاغ المبين للشيخ عبد المجيد يوسف الشاذلي.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مؤيد الحق]ــــــــ[09 - Sep-2008, صباحاً 12:08]ـ
بارك الله فيك ..
وتُنظر رسالة د سعد الشثري - وفقه الله - " الأصول و الفروع: حقيقتهما، الفرق بينهما، و الأحكام المتعلقة بهما: دراسة نظرية تطبيقية ". فقد أوضح حقيقة قول شيخ الإسلام - رحمه الله -.
لو نقلتَه لنا أو وضعتَ رابطاً لتحميل الكتاب، وجزاك الله خيرا(/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {الطريق إلى إنقاذ الأمة - بين محمود شاكر و سيّد قطب}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[11 - May-2008, صباحاً 04:34]ـ
الطريق إلى إنقاذ الأمة - بين محمود شاكر و سيّد قطب
سيد قطب ومحمود شاكر – رحمة الله عليهما – عملاقان غنيان عن التعريف، فهما من عمالقة فكرنا الإسلامي الحديث لا يكاد يضاهيهما أحد في مكانتهما في الفكر واللغة والأدب، وإثراء المكتبة الإسلامية وتغذية عقول أبناء الإسلام في عصرنا، لا ينازع في هذا إلا مكابر معاند ركبه الهوى والحسد لمكانتهما أو جاهل غرّير ليس من العلم في كثير أو قليل.
وقد كان السجال بين الرجلين حول أدبيات ذينك الزمن معروفاً في الأربعينيات من القرن الماضي، ولا أظن أنه أفسد ما بينهما إذ إن كلا الرجلين أكبر من أن تفسد نفسه لخلاف أدبي كان من سيماء العصر المنصرم. ولسنا بصدد الحديث عن تلك المعارك الأدبية التي احتدّت بين الرجلين حول العقاد وأدبه وشعره، وإن كان ذلك مما يجب التصدى له في موضع آخر لأهميته في فهم منطلقات الرجلين وتطورهما الفكري خاصة فيما يخص الأستاذ سيد رحمة الله عليه.
إنما نريد أن نتقصّى في هذا الموضع أمر آخر، إنعكس في كتابات الرجلين ونحسب أنه من أهم ما يمكن أن يرجع اليه المسلمون في عصرنا هذا إذ هو يتعلق برؤية كلا منهما في الطريق الناجع إلى إحياء الأمة وإعادة مجدها والنهوض بأبنائها لتحتل مكان الصدارة كما ينبغي لها في قيادة البشرية.
يذهب الأستاذ محمود شاكر فيما كتب إلى أن الطريق إلى تحقيق ذلك الأمر يكون من خلال انبعاث "رجل" من عامة الناس يعاني معاناتهم ويتفهم مشكلاتهم ليرتفع فوق الواقع ويجدد للأمة مجدها. يقول الأستاذ محمود في نصّ لا يحتاج إلى مزيد بيان في غرضه هذا: "إن هذا الإصلاح الآن موقوف على شيئ واحد، على ظهور "الرجل" الذي ينبعث من زحام الشعب المسكين الفقير المظلوم يحمل في رجولته السراج الوهاج المشتعل من كل نواحيه، الرجل المصبوب في أجلاده من الثورة والعنف والإحساس بآلام الأمة كله، وآلام الأجيال الصارخة من وراء البنيان الحي المتحرك على هذه الأرض الذي يسمى "الإنسان" [1]. ثم يبين الأستاذ أن "ظهور هذا الرجل ليس بالأمر الهيّن، ولا إعداده بالذي يترك حتى يكون". ثم يبيّن الأستاذ شاكر أن وسيلة ظهور مثل هذا الرجل لا تكون إلا بأن يمهّد الأدباء والعلماء والإصلاحيين في هذه الأمة لهذا الظهور بأن "يرموا بما يكتبون إلى إيقاظ كل كامنة من نار الهداية المحاربة التي لا تخمد،. . . .فهو يمشى بها في كل عمل ولو في نقل البريد من مكان إلى مكان. إذن فأول الإصلاح الإجتماعي هو إدماج عواطف الفرد في مصالح الجماعة". ثم يخلص إلى أنّ تهيئة هذه الظروف الإجتماعية قمين بأن "يبعث الرجل الذي سوف يضيئ للحياة الإجتماعية سُدَف الجهل والبغي والإستبداد" [2].
فمذهب الأستاذ محمود إذن ينبني على أن الإصلاح موقوف على "رجل" يقود الشعب، وهو مستلهم في هذا للمنهج الرباني في إرسال "رجل" نبي أو رسول إلى قومه ثم إن هذا الرجل - في غير حالة الرسول أو النبي - لينشأ من براعم ذلك الخليط المتجانس من النخبة العالية التي تتربى على أرفع المبادئ وأقوم الأخلاق.
والأستاذ سيد يذهب في هذا الأمر مذهباً آخر، إذ يرى أن الفرد الملهم ليس بحتمية تاريخية يتوقفُ عليها إنقاذ الأمة، بل على العكس من ذلك، فإن النجاة تتحقق بمجموع الأفراد ذوى المبادئ والأخلاق الذين يقوم علي جهدهم المجتمع المثالي. وفي هذا الصدد يتحدث الأستاذ سيد عن تلك "الفئة" أو "الطليعة" التي تستعلي بالإيمان و"تقود البشرية". يقول الأستاذ سيد: " لقد خرّجت هذه الدعوة جيلا من الناس - جيل الصحابة رضوان الله عليهم - جيلا مميزا في تاريخ الإسلام كله وفى تاريخ البشرية جميعه. ثم لم تعد تخرج هذا الطراز مرة أخرى. . نعم وُجد أفراد من ذلك الطراز على مدار التاريخ. ولكن لم يحدث قط أن تجمع مثل ذلك العدد الضخم، في مكان واحد، كما وقع في الفترة الأولى من حياة هذه الدعوة" معالم في الطريق. . وهذا الأمر – أمر هذه الفئة – هوما يجب أن يستلهمه المؤمنون إذ إن هذه الظاهرة " ذات أثر حاسم في منهج الدعوة واتجاهها"المعالم [3]. وحقيقة أن الله سبحانه يرسل إلى البشرية رجلاً فرداً ليقودها من
(يُتْبَعُ)
(/)
ظلماء الجاهلية إلى ضياء الحق لا دلالة لها على أن هذا هو المنهج الذي تسير عليه حتميات التقدم، فإنه لو كان ذلك هو المنهج لكان وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم لازم لإنتشار الدعوة، ولكان هذا أمر خارج عن نطاق القدرة البشرية إذ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم – بأبي هو وأمي ونفسي - بشر يموت كما يموت البشر، والله سبحانه لا يكلف المؤمنين بالنهوض ويأمرهم بالإستعلاء ثم يحرمهم الأداة اللازمة لذلك النهوض. يقول الأستاذ سيد: " لو كان وجود شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتميا لقيام هذه الدعوة، وإيتائها ثمراتها، ما جعلها الله دعوة للناس كافة، وما جعلها آخر رسالة، وما وكل إليها أمر الناس في هذه الأرض، إلى آخر الزمان. ." المعالم [4]. إذن فإن أمر النهوض بالأمة موكول إلى الفئة المؤمنة ولا يرتبط بظهور رجل من الرجال ليخرج الناس من الظلام إلى النور.
قلنا إن الأستاذ سيد قطب، إذن، يرتقب ظهور تلك الفئة المستعلية بإيمانها، والتي يمكن أن تعلو حتى تقترب من جيل الصحابة الأبرار، وليس هناك ما يمنع ذلك. بينما يرجو الأستاذ محمود شاكر أن يظهر رجلا من بين الناس، يشعر بشعورهم ويألم لألمهم ويكون هو المنقذ المنتظر والأمل المرتقب.
والحق أنّ الشيخ الجليل جعفر شيخ إدريس – أطال الله عمره – لم يأت بدليل شاف على ما افترضه [5] من أنّ سيدا رحمة الله عليه يرى إمكان أن يأتي جيل مماثل لجيل الصحابة، بل إن كلّ ما ذكره الأستاذ سيد أنّ جيل الصحابة لم يتكرر في الواقع العملي، وأنّ غياب شخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يمكن أن يكون هو العنصر الأوحد في هذه الظاهرة، وهذه المقدمات لا يلزم عنها أنه يمكن أن ينشأ جيلا مماثلا للصحابة، وهو مالم يصرّح به الأستاذ سيد، بل أظن أن المقصود هو أن إيمان الصحابة واستعلائهم هو العنصر الحاسم في عدم تكرار جيلهم، ولكن مثل هذا الإيمان لا يمكن أن يتكرر، وبالفعل لم يتكرر، لأنه مرتبط بما استقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يمتنع أن يخرج جيل قريب من أولئك المصطفين من الناس طالما أنّ الكتاب والسنة محفوظين الى يوم القيامة. ولتقرأ إن شئت فصل "جيل قرآني فريد" فلن تجد فيه كلمة واحدة يدعي فيها المؤلف أن جيل الصحابة، الجيل المميز الفريد على حدّ قوله، يمكن أن يتكرر تكرر المثليّة، وهذا هو مربط الفرس، المثلية، ولكن تكرر الجيل الذي يعلو على الأجيال ويكون من جيلٍ "أمثل" كما في حديث "ثم الأمثل فالأمثل" فهو ما لا يمتنع عقلا ولا شرع.
منهاجان ظاهرهما الإختلاف والتضاد، إلا إنهما فيما أحسب، ليسا بهذا القدر من التباعد والتجافي، بل إنهما يتباعدا حتى نظنّ أنهما ضدان لا يلتقيان، ويتقاربا حتى نظن أنهما توأمان لا يكادان يختلفان. وإليك شرح هذه الجملة بما فتح الله سبحانه عند التأمل في كلا المنهاجين، وفي شخصية صاحبيهما، إذ إن المنهج لا ينفصل عن صاحبه.
ومفتاح ذلك الأمر في أن "الرجل" و "الفئة" كما يسميها سيد رحمة الله عليه هما خليط بعضه من بعض، فالرجل الذي يرتقب إمامنا محمود شاكر ظهوره لا يخرج إلا في فئة علت بنفسها وارتفعت بإيمانها حتى تنبت مثل هذا الرجل، ثم إنه يتميز بصفات شخصية كريمة تجعل محله في القلب من تلك الفئة. وهو يعرف مشكلاتها ويعيش ثقافتها ويكتوى بآلامها فهي منه وهو منه. ومن كانت هذه صفاته لا يكون إلا قائدا مقدما في هذه الجماعة، يفخر بها وتفخر به.
ثم إن الفئة التي تتربى على معالى الأخلاق والشرف والتضحية والكرامة وكلّ ما يقدمه الإسلام لأبنائه من علوّ لابد لها من قائد يقود مسيرتها إذ إنه لا جماعة بلا أمير كما إنه لا جسد بلا رأس، فحين تنضج الجماعة وتصل إلى مرتقاها الأعلى فلابد أن تتخذ لها رئيساً مقدماً تسلمه قيادها ليحدوها إلى ما شاء الله لها من قيادة البشرية إلى خيرها وفلاحها. ولا نحسب أن سيداً قصد إلى أنّ هذه الفئة التي يرتقب ظهورها لا تتخذ لها رئيساً قائداً، فإن هذا مما يخالف قواعد الإجتماع ومبادئ العقل جميعا.
(يُتْبَعُ)
(/)
إذن، فإن المنهاجين يلتقيان، وإن ظهر أنهما يبدآن من نقطتين متباينتين. "الرجل" لا يظهر إلا من "فئة" يصلح أن تنبت فيها القيادة، و"الفئة" لا تتقدم دون أن تتخذ "رجلا" قائد. وإفتعال "الرجل" لا يصلح أن تقوم عليه أمة، ومن هنا فإن أمتنا لا تزال جاهدة في سعيها إلى أن تجد الرجل المناسب لقيادتها، كما أن أمة لا ترتقي بنفسها فتتمخّض عن رجل صالح بكل معاني الصلاح لن يكون من نصيبها أي تقدم أو فلاح، ولهذا فإن أمتنا أمامها طريق شاق لتنشأ فيها فئة ٌ ينشأ منها رجل، أو ينشأ فيها رجل يقود الفئة المستعلية، أيهما تختار، فهما أمران متحدان في المنتهى و إن اختلفا في المبدأ.
ثم إن المتأمل في معالم شخصية سيدٍ رحمة الله عليه، وتجربته في العمل الإسلامي التي أثمرت، على قصرها، أشجارا يافعة في العمل الإسلامي وأحدثت ظلالا مباركة جنّبت الكثير من أبناء العمل الإسلامي لوافح الشرك وهجير البدع، وجدها قد اختلطت منذ بدايتها بتجربة "الإخوان المسلمون" التي كانت، ولا زالت، تعيش منهج "الرجل" القائد الذي تمثلته في شخصية حسن البنا رحمة الله عليه، إلى حدّ يقرب من التقديس ويرفع مكانة الرجل إلى من لا يجوز عليه الخطأ أو المراجعة، ثم نجد سيداً وقد خالف الإخوان نظرياً وعملياً ولم يقنع بما قدّموه من مناهج بعد رحيل القائد "الرجل"، وهذا مما لا شك فيه كان له أثر حاسم على إختياره مذهباً يلقى بتبعة التقدم على عاتق "الفئة" المؤمنة لا على الرجل الفرد.
كذلك فإن الله سبحانه قيّض لسيد رحمه الله فئة من الرجال المخلصين الصابرين العاملين [6] ممن تتلمذوا له وأخذوا عنه ولازموه سنيه العجاف في السجن والحبس، فرأي فيهم أملا منشودا ولواءاً معقوداً، وكانت تلك الفئة [7]، معه وبه، هي طليعة الفئة المؤمنة التي رأى حبال النجاة بها موصولة وبشائر الخير بنواصيها معقودة. ولا شك أنّ هذا التمازج بين الأستاذ وطلابه قد صاغ توجهاته، وهيأ له تبني هذا الإتجاه، فإن واقع الحال له قوة مؤثرة على الفكر الحركي وإتجاه النظر، وكأن حركة الفكر وفكر الحركة قد تمازجا لينشأ عنهما مذهب وليد، هو مذهب "الفئة المؤمنة" المرتقبة في حالتنا هذه.
ثم إذا تأمل الناظر في شخصية إمامنا وإمام العربية محمود شاكر وجده قد تفرّد عن الأخلاط وابتعد جّلّ عمره عن الموافق والمخالف، ولزم بيته سنين عددا يعرف عنها القاصي والداني ولا مجال لسرد تفاصيلها، وهو مما لا شك فيه يقوى إتجاه النظر إلى ذلك الفرد الذي تجتمع فيه كلّ ميّزات عصره ومحاسن أخلاق قومه ما يؤهله لأن يكون القائد المقدم والسيد المطاع، خاصة إن كان صاحب هذا النظر هو من طبقة علامتنا الإمام من حدة الذكاء وشدة النباهة وقوة النفس، فهو يتمثل هذا الرجل، في خلواته التي طال أمده، ويرى فيه صورته إن اكتملت وهُيّأ لها أن تخرج إلى الناس لتنفعهم وتوجههم لما فيه صلاحهم.
إذن فإن مذهب الرجلين هو قطعة من حياتهما قد اختلطت بفكرهما وتمازجت بتجربتهما العملية فأنتجت ما رأيت من مذاهب يهتدى بها رجالات العمل الإسلامي في هذا العصر حين يرتبون لأمتهم ما يرتفع بها عن حضيض التخلف وبلاء التبعية.
نسأل الله أن يفسح لنا من العمر ما نتقصى فيه هذا المذهب في النظر إلى فكر الإئمة واستخراج مكنونات أصولهم فنربط الفكر وحركته بمعالم الشخصية وكُنْه النفس، وهو المذهب الذي ارتضيناه في كتابنا "مقدمة في أسباب اختلاف المسلمين وتفرقهم" منذ نيّف وعشرين عاما مضت.
رحم الله الإمامين فإن الأمة قد فقدتهما في زمن – يعلم الله - هي أشد ما تكون حاجة إليهما.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] مجلة الرسالة، السنة الثامنة – عدد 340، 1940،تحت عنوان "الإصلاح الإجتماعي"، عن كتاب "جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر" جمع الدكتور عادل سليمان جمال، نشر مكتبة الخانجي، ج1ص52
[2] المصدر السابق.
[3] معالم في الطريق، الفصل الأول
(يُتْبَعُ)
(/)
[4] ولا نغفل هنا عن ذكر ما كتبه الدكتور جعفر شيخ إدريس مدّ الله في عمره المبارك في كتابه "نظرات في منهج العمل الإسلامي" عن هذا الموضوع وقد كان موفقا فيما كتب إلا في بعض النقاط التي تخصّ موضوع تعليقه على الأستاذ سيّد في أن الأمة الإسلامية إنقطع وجودها. ." فإن هذه النقطة تحتاج إلى مزيد من التحقيق.
[5] "معالم في منهج العمل الإسلامي"، الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس
[6] منهم على سبيل المثال الشيخ عبد المجيد الشاذلي والشيخ مجدى عبد العزيز والشيخ أحمد عبد المجيد بارك الله أعمارهم جميعا.
[7] وقد أسعدني الله سبحانه بأن قضيت سنوات من العمر رفيقاً لتلك الفئة وهو أمر أسأل الله أن يمهدّ في العمر حتى أدون منه ما بقي مما حفظته الذاكرة المتداعية.
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 12:16]ـ
بل أظن أن المقصود هو أن إيمان الصحابة واستعلائهم هو العنصر الحاسم في عدم تكرار جيلهم، ولكن مثل هذا الإيمان لا يمكن أن يتكرر، وبالفعل لم يتكرر، لأنه مرتبط بما استقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يمتنع أن يخرج جيل قريب من أولئك المصطفين من الناس طالما أنّ الكتاب والسنة محفوظين الى يوم القيامة
بل فوق هذا كله وقبله كان اختيار الله لهذا الجيل ومعدنه النقي وعنصره الصافي الذي تربي في بيئة صالحة وجغرافيا غير مخترقة
فهو جيل مهيئ للتقوي العظيمة ومهيي للقتال الشديد والدفاع عن الرسالة ومهيي للتحمل الكبير في المهمة الضخمة للرسالة الاخيرة في حملها للامام في جو عنيف جدا ووسط اقوام وحضارات لاتعرف الا القوة وعدم الرحمة
وكما اختير الرسول من نسل معين ومعدن معين نقي وصافي فكذلك الصحابة قاعدتهم من قريش وحتي المعاند منهم اسلم وكان قيادة مميزة تحمل الدعوة الي الامام وتتربي القاعدة والصفوف المتتالية منهم علي صلابة ايمانها وقوة برهانها وثبات شخصياتها وقوة يقينها
فهو جيل تداخلت في تكوينه الارض والسماء باسباب الله وهيئه الله لحمل الرسالة الكبري ولذلك كان هذا الجيل في ذلك الزمان هو وحده الذي اختير ووجد وفي هذا المكان مكة ومن حولها مع اهل المدينة الذين اتبعوا البرهان وسمعوا اليقين في سيد المرسلين وكانت عناية الله تخلق فيهم نوازع الخير وقوة اليقين والتحمل كما انهم تجردوا لله وكانت نفوسهم صافية صفاء اللغة من العجمة وصفاء المنطقة التي عاشوا فيها من ملوثات الثقافة والفلسفة والافكار الاهوتية المعكرة للنفس
فان تكرر الايمان والقوة والنشاط فلن يتكرر نفس المعدن ونفس التاريخ
ولايعني ذلك انه ليس في الامة جيل فريد او اجيال اخري فريدة
ولكن المرتبة غير المرتبة والريادة غير الريادة والايمان درجات ومستويات لو صح التعبير
والله تعالي اعلم
ـ[أبو عبيدة محمد السلفي]ــــــــ[20 - May-2008, مساء 11:20]ـ
وقد كان السجال بين الرجلين حول أدبيات ذينك الزمن معروفاً في الأربعينيات من القرن الماضي، ولا أظن أنه أفسد ما بينهما إذ إن كلا الرجلين أكبر من أن تفسد نفسه لخلاف أدبي كان من سيماء العصر المنصرم. ولسنا بصدد الحديث عن تلك المعارك الأدبية التي احتدّت بين الرجلين حول العقاد وأدبه وشعره، وإن كان ذلك مما يجب التصدى له في موضع آخر لأهميته في فهم منطلقات الرجلين وتطورهما الفكري خاصة فيما يخص الأستاذ سيد رحمة الله عليه.
ـــــــــــــــــــــت
أما قولك أخي التونسي أن الخلاف الذي كان بين الرجلين خلاف أدبي فأنا أقول بل هو خلاف عقدي
و الذي يتمثل في سب سيد رحمه الله للصحابة وقد رد عليه الشيخ محمود شاكر في مجلة المسلمون
ـ[أبو عبيدة محمد السلفي]ــــــــ[21 - May-2008, صباحاً 12:35]ـ
صدرت تلك الردود في عدد من المقالات في مجلة ((المسلمون))، التي كان يرأس تحريرها سعيد رمضان المصري الشهير وهو أحد كبار الإخوان، وفي مجلة ((الرسالة)) التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات و هذه الردود خمس مقالات
الأولى بعنوان: ((حكم بلا بينة)).
الثانية: ((تاريخ بلا إيمان)).
الثالثة: ((لا تسبوا أصحابي)).
الرابعة: ((ألسنة المفترين))
هذه المقالات الأربع نشرت في مجلة ((المسلمون))، الأول في العدد الأول منها السنة الأولى، والثاني في العدد الثاني السنة الأولى، والثالث في العدد الثالث السنة الأولى، والرابع في العدد الرابع السنة الأولى، وكلها في سنة (1371هـ /1952م)، المقالة الخامسة نشرت في مجلة (الرسالة) سنة (1371هـ / 1952م) أيضاً بعنوان ((ذو العقل يشقى))
ـ[أبو عبيدة محمد السلفي]ــــــــ[21 - May-2008, مساء 06:01]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه المقالات الأربع و غيرها مجموعة في كتاب: جمهرة مقالات الأستاذ محمود شاكر
في المجلد الثاني صفحة:970 إلى 1010
الرابط:
http://www.waqfeya.com/open.php?cat=19&book=271(/)
المِسْكُ الأَذْفَر (2): من أعداء الإسلام الحاقدين: لويس شيخو اليسوعي
ـ[محب الأدب]ــــــــ[11 - May-2008, صباحاً 08:31]ـ
رابط له علاقة:
http://www.alukah.net/majles/showthread.php?t=15622
من أعداء الإسلام الحاقدين: لويس شيخو اليسوعي (1275هـ - 1346 هـ)
بقلم الدكتور عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر
شهد العصر الحديث في نهضته الأدبية جماعة من النصارى العرب الذين اتجهت جهودهم إلى خدمة اللغة العربية، في مفرداتها وأدبها، وفي بعث جملة من دفائنها وكنوزها الخطية.
وهؤلاء القوم النصارى وإن كان الباعث لكثير منهم في تلك الأعمال قوميا محضا، إلا أنه وجد فيهم من كان همه الدعاية إلى نحلته، وإبراز نصوصها وآثارها ومآثرها، زعموا، وأضافوا إلى ذلك سيئة أخرى، هي الطعن في الإسلام والغض من القرآن والقدح في شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يقصر هؤلاء المتعصبون جهودهم على خدمة آثارهم النصرانية فحسب، ولا جعلوا عداءهم للإسلام ورجاله في كتب خاصة ألفوها استقلالا، لا يقرؤها إلا من شاء من أبناء ملتهم، ولكن أيديهم الآثمة امتدت إلى مصنفات العلماء المسلمين بدعوى طبعها ونشرها في الناس، فعبثت بها تلك الأيدي ومسختها وحرفتها، أقبح مسخ وتحريف عرفته القرون.
ويأتي في الطليعة من هؤلاء النصارى الأب لويس شيخو اليسوعي، وهو الذي أدير عليه الحوار اليوم، فمن هذا الرجل؟ وما موقفه من المسلمين وتراثهم؟
اسمه: رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح بن يعقوب بن شيخو اليسوعي.
ولد في ماردين: بالجزيرة الفراتية عام 1275 هـ الموافق 1859 م وعزمت عليه نفسه الذهاب إلى لبنان يافعا للاتصال بأهل نحلته ومثافنتهم، فدخل مدرسة الآباء اليوسوعيين في غزير، وأبحر إلى أوروبا ليزداد تعمقا في دينه ومعرفة بعلوم عصره، فالتحق بمدارس الرهبانية اليوسوعية، ودرس هناك اللغات اليونانية واللاتينية والفرنسية، ثم قفل إلى لبنان منتظما في سلك الرهبانية سنة 1874م وتمسى بـ "لويس" وانصرف إلى تعليم الآداب العربية في كلية القديس يوسف، ثم أنشأ مجلة "المشرق " سنة 1898م، وطفق يكتب أكثر مقالاتها بقلمه مدة خمس وعشرين سنة، بهمة ونشاط، وألف جمعا من الكتب التاريخية والأدبية واللغوية ونشر كثيرا من المخطوطات في هذه الفنون نفسها، وكانت وفاته في بيروت سنة 1346 هـ الموافقة 1927 م وقد وصفه من رآه وهو كراتشكوفسكي الباحث الروسي بأنه آية في الصبر على البحث والقراءة ومداومة العمل الساعات الطويلة (انظر مع المخطوطات العربية لكراتشكوفسكي 23)
ومن أشهر مؤلفاته المطبوعة:
1 - شعراء النصرانية في الجاهلية
2 - مجاني الأدب في حدائق العرب
3 - الآداب العربية في القرن التاسع عشر
4 - الأحكام العقلية في المدارس العلمية اللادينية
5 - أسباب الطرب في نوادر العرب
ومما نشره من الكتب العربية لغيره:
1 - الالفاظ الكتابية لعبد الرحمن بن عيس الهمداني
2 - فقه اللغة للثعالبي
3 - مقالات فلسفية لبعض فلاسفة العرب
(انظر معجم المطبوعات العربية والمعربة لسركيس 2/ 1166 والأعلام للزركلي 5/ 246)
تلك بعض مؤلفات شيخو ومنشوراته، وثمة أخرى غيرها، ولقد ظل الرجل سحابة عمره وفيا لدينه النصراني، خادما لطائفته، مشيدا بهم يضع لهم المصنفات والمناهج الدراسية (انظر رواد النهضة الحديثة لمارون عبود 225 "المعاصرون لمحمد كرد علي" 318)
وأنشأ مكتبة ضخمة في دير الآباء اليوسوعين، أضحت مثابة لهم لا سيما بعد أن جمع لها نوادر المصنفات العربية، وطاف من أجلها بلاد أوروبا والشرق، واستنسخ كثيرا من الفوائد مما ضمته خزائن الكتب هنا وهناك (معجم المطبوعات العربية 2/ 1167)
ولم يكن تعصبه لنصرانيته معتدلا ولا مستورا، بل كان تعصبا عاليا عنيفا مجاهرا به، مما جعل أبناء ملته يلومونه على ذلك ويعدونه من أخطائه. (رواد النهضة الحديثة 226)
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن آثار تعصبه أنه جعل جمهور الشعراء الجاهليين نصارى، وصنع في ذلك كتابا ذا عدة أجزاء يجمع شعرهم وأخبارهم سماه "شعراء النصرانية في الجاهية" ومضت الإشارة إليه, وهذه لا جرم مغالطة سافرة، إذ ليس الشعراء الجاهليون كلهم على دين واحد، ولقد خالف لويس شيخو في وجهته تلك جماعة من الأدباء والمؤرخين، ولا غرو أن يكون فيهم نصارى معاصريه، لأن الحق قديم، والاعتراف به شرف وفضيلة، ومن ذلك ما قاله إدورد فنديك: كتاب دواوين شعراء النصرانية جمعه القس لويس شيخو اليسوعي طبع في 2ج بيروت سنة 1890م ويتضمن أشعار شعراء النصرانية في أيام الجاهلية، وهو مجموع يعول عليه في بابه، ولو أن الجامع عدّ من النصارى كل شاعر لم يثبت إشراكه. (اكتفاء القنوع بما هو مطبوع 37)
وقال مارون عبود: سمعنا بكتاب شعراء النصرانية فاستقدمناه، فإذا هو لهذا العلامة الجليل " لويس شيخو " وإذا كل من عرفناهم من شعراء جاهلين قد خرجوا من تحت سن قلمه نصارى. كان التعميد بالماء فإذا به قد صار بالحبر. (رواد النهضة الحديثة 225)
ومن ملامح تعصب شيخو أنه حين كتب تاريخ الآداب العربية جعل يبرز أدباء النصارى مشيدا بهم في شتى الأقطار، وفيهم من لا يستحق أن يوصف بالكتابة ولا بالشعر، إنما غرض هذا الرجل التكثر بجماعته ليجعلهم طلائع النهضة الحديثة وروادها، وأغمض عينيه عن علماء الإسلام وأدار لهم ظهره، فلم يذكر منهم سوى فئة قليلة، تضيع في معمعة الأسماء النصرانية التي ساقها، وحين عوتب على ذلك أجاب بأنه لا يعرف رجال الإسلام. (المعاصرون 320و تاريخ الأدب العربي للدكتور عمر فروخ 1/ 23)
ولا ريب أن هذا منه كذب، فإنه يقرأ الصحف والمجلات العلمية، ويطالع المصنفات العصرية، ويستبعد أن يخطئ سمعه دوي الأسماء البارزة في أمة الإسلام إذ ذاك، كما أن بإمكانه السؤال والبحث والتنقير، لا سيما أنه الموصوف بالبحاثة المطلع.
ومن أثار تعصبه حملته الظالمة على العالم اللغوي الأديب أحمد فارس الشدياق المتوفى سنة 1304هـ حين اعتنق الإسلام وخلع النصرانية، فكان شيخو يعرض به، ويغمز من قناته، ويسميه الضال ويسوق شعرا في هجائه، ثم يجعل اعتناقه للإسلام منبعثا عن طمعه بالمناصب والأموال، وهداه تعصبه بأخرة - أعني شيخو- إلى أن يدعي أن الشدياق تقهقر عن دينه الإسلام إلى النصرانية عند وفاته (تاريخ الآداب العربية لشيخو 111)
أقول: وهذه من أعظم الفرى على التاريخ وعلى الشدياق نفسه، وهو كذب مكشوف، ولم يذكر هذا الخبر سوى شيخو متفردا به، وقد رد عليه ودحض زعمه الأستاذ زكي محمد مجاهد في كتابه " الأعلام الشرقية 3/ 987"
وأفادنا مارون عبود وهو من أكثر الناس إعجابا بالشدياق وإجلالا له، واطلاعا على أخباره أنه زار ضريح الشدياق ورأى فوقه هلالا، وتلك علامة صريحة بأن صاحب الضريح مسلم عند القوم، ولو كان نصرانيا لنصب فوقه الصليب. (ذكرت ذلك للاستدلال به. وإلا فشريعة الإسلام تمنع من الكتابة على القبور والرسم عليها والبناء فوقها)
هذا وبلغ بلويس شيخو بغضه للإسلام أن أبغض العرب لأن نبي الإسلام عربي صلى الله عليه وسلم، ولأن العرب هم الذين آزروا الإسلام في أول أمره، وحملوا رسالته إلى العالمين، ولذا مضى شيخو يغمط حق العرب في مدنيتهم، ويخلق لهم المثالب، ويهمزهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ومن أجل ذلك سلكه الأستاذ محمد كرد علي في عداد الشعوبيين الأجلاد. (انظر المعاصرون
320)
ويظن طائفة ممن أعجبوا بلويس شخو أنه كلف مغرم بما أبدعته الحضارة الإسلامية من علوم العربية وآدابها، وأن إعجابه الشديد هو الذي دفعه إلى طبع الكتب العربية وإحيائها، ونشرها بين الناس.
وأرى غير ذلك، فإن الحق الذي لا خفاء به أن لويس شيخو إنما عمد إلى نشر كتب المسلمين لغرض خفي في نفسه، وهو أن ينفث من خلالها سمومه وأدواءه، لأنه واثق من أن تلك الكتب سيكون لها رواج في سوق المسلمين، أما مصنفاته فلن تعدو في الغالب محيط قومه وأبناء بيئته.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا نظرت إلى عمله في إحياء الكتب العربية الإسلامية بدا لك أنه استهله استهلالا أسود صارخا كائدا، فإنه شرع بادي الرأي بطباعة كتاب " الألفاظ الكتابية "للهمداني" و"فقه اللغة للثعالبي" وماذا فعل؟ لقد حذف منهما الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فلاحظ عليه ذلك العلماء وأرباب الفكر والعارفون من علماء المشرقيات المستعربين، فاضطر بعد إلى الرجوع عن هذه الطريقة في الكتب التي أحياها من أسفار العرب. (انظر المعاصرون 318)
ولئن انتبه العلماء والعارفون بما فعله شيخو من حذف الآيات والأحاديث النبوية فقد لا ينتبهون إلى شيء آخر، وهو ذلك الدس والمسخ الخفي الذي قلما يتفطن له إلا بالصبر والفحص ومراجعة الأصول، ولذا فإني أمام أولئك الأسفار التي بعثها شيخو لفي ريب بالغ من كل ما خرج من بين أصابعه، مما له علاقة بإرثنا الإسلامي والعربي، وأدعو من على هذا المنبر بني أمتي على إعادة ما نشره لويس شيخو وإخوانه الآباء اليسوعيون من تراثنا، ومقابلته على أصوله الصحيحة الأولى، فإن هؤلاء قوم لا يوثق بنقلهم، لتلاعبهم وتعصبهم وتحريفهم. كما يقول الشيخ العلامة أحمد شاكر. رحمه الله (انظر تحقيقه لكتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة 2/ 791)
وأجيئك الآن بشاهد يعزز لك ريبي ذاك في لويس شيخو وأعماله، وهو ما أفادنا به الأستاذ الكبير الدكتور شكري فيصل في مقدمة تحقيقه الجليل لديوان أبي العتاهية، فلقد دهش الدكتور شكري حقا وصدقا حين قابل بين صفحات معدودات من أصول الديوان الخطية، وبين ما أخرجه لويس شيخو باسم " الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية " لقد رأى الدكتور شكري فيصل في عمل شيخو مسخا وطمسا وحذفا وتحريفا متعمدا جاوز كل حدود التعصب والتلاعب.
وفعلات شيخو في الديوان "مست كل ما يتصل بألفاظ القرآن وتعابيره، وكل ما يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم ورسالته، وكل ما يتصل بمفاهيم الإسلام من الوحدانية والنشور والآخرة" (انظر أبو العتاهية أشعاره وأخباره 13)
فألفاظ التوحيد في ديوان أبي العتاهية تحولت في نشرة شيخو إلى ما يوافق عقيدة النصارى، فعبارة " لا شريك له " جاءت " لا مثيل له " في قول أبي العتاهية:
فحسبي الله لا شريك له ....
وتعبير " لست والدا " يؤول إلى " لست محدثا " في بيت أبي العتاهية:
شهدنا لك اللهم أن لست محدثا **** ولكنك المولى ولست بمولود
والشطر " هو الذي لم يولد ولم يلد " يؤول على حساب المعنى والوزن إلى " فهو الذي به رجائي وسندي " والأب لويس شيخو لا يطيق أبدا أن يرى اسم "محمد" الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في شعر أبي العتاهية، ولهذا فهو يحرف هذا الإسم ما وجده، حتى لو تغير البيت كله، ودونك بيت أبي العتاهية المشهور:
وإذا ذكرت محمدا ومصابه **** فاذكر مصابك بالنبي محمد
جعله شيخو:
وإذا ذكرت العابدين وذلهم **** فاجعل ملاذك بالإله الأوحد
وإذا مر شيخو بعبارات " رسول الله " أو " نبي الله " أو " مرسل " بادر إلى تغييرها بما يوافق هواه، فإن أعوزته الحيلة وضاق به سبيل التحريف حذف البيت كاملا، من نحو قول أبي العتاهية:
وهو الذي بعث النبي محمدا **** صلى الإله على النبي المصطفى
فإنك لا تجد هذا البيت في " الأنوار الزاهية " وقد يطوي الأبيات ذوات العدد ويبعدها إبعادا.
وفي ختام عرضه لعمل شيخو في " ديوان أبي العتاهية " أهاب الدكتور شكري فيصل بالمهتمين والعاملين في حقل الدراسات الأدبية من المسلمين أينما كانوا أن يبادروا استنقاذا لسمعة تراثهم أن يكون من بين الذين يعملون فيه من تهون عليهم كل القيم العلمية والأخلاقية، يدوسونها من غير رادع ثم لا يتورعون، من أمثال لويس شيخو وأضرابه. (انظر أبو العتاهية أشعاره وأخباره 13)
ولقد كنت في زمن الصبا معجبا بكتاب " مجاني الأدب في حدائق العرب" لشيخو مكبا على قراءته، وهو اختيارات أدبية مبوبة من الشعر والنثر، منتخبة من عصور الأدب المختلفة وجاء في ستة أجزاء، وما زال الكتاب يقع مني موقع الرضا، إلى عهد غير بعيد، حتى وقفت على إشارة متينة من العلامة أحمد تيمور رحمه الله في إحدى حواشيه على كتاب " الآثار النبوية " ص 10 يشتكي فيها من صينع لويس شيخو حيث أورد في كتابه " المجاني " قصيدة للبحتري فيها ذكر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وشيء من مآثره، ولكن لويس شيخو حرف وبدل واحتال حتى أسقط اسم
(يُتْبَعُ)
(/)
النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما يشير إليه من قريب أو بعيد، وهذه اللفتة الذكية من أحمد تيمور دليل على فساد الكتاب كله، وأنه غير بريء. فلينتبه لذلك من يصفون هذا الكتاب للناشئة.
وإذا كانت تلك قصة الأب لويس اليسوعي مع تراث المسلمين فإن عنده ما هو أدهى من ذلك وأطم، ألا وهو صولاته وجولاته الخاسرة مع كتاب المسلمين المقدس " القرآن " فإنه كان يرشقه بسهامه الكائدة الماكرة على البعد، من مثل قوله في مجلته " المشرق " (وهذه المجلة تحتاج على حديث خاص) قال حين طبع كتاب " الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز " ليحيى العلوي: سعت دار الكتب الخديوية بنشر كتاب الطراز .. طبعته المقتطف .. غايته إثبات إعجاز القرآن، وإنما يشتمل على إفادات لغوية جمة، وملحوظات أدبية دقيقة.
(انظر كلامه في المشرق السنة الثامنة عشرة ص 487 1920م)
لاحظ قوله: وإنما يشتمل على إفادات لغوية ... أي إنما في القرآن من الإعجاز لا يعدو أن يكون مجرد إفادات لغوية، وملحوظات أدبية.
ويظهر أخيرا أن شيخو لم يستطع كظم غيظه ولا حقده على القرآن، فحشد كل طاقته وجمع كل قواه، وأعانه على كيده قوم آخرون، فأخرج رسالة دعاها " خرافات القرآن " وترجمت إلى غير لغة لينتفع بها أعداء الإسلام ودعاة التنصير في العالم. (انظر مجلة المنار المجلد السابع عشر ص 146 ومقدمات العلوم والمناهج لأنور الجندي 1/ 297)
ولكن هيهات فقد ذهبت رسالة شيخو أدراج الرياح كما ذهب هو، ولم يبق من رسالته إلا أنها شهدت بالفضيحة والخزي على هذا الرجل وقومه، وسجلت عجزهم عن أن ينالوا من القرآن شيئا، كما عجز أسلافهم من قبل.
وبذا يظهر لنا معشر المسلمين بجلاء لا خفاء به، أن كتاب الله تعالى القرآن حصن منيع تتهاوى عنده مكايد الأعداء والمارقين على مر الأيام، وصدق رب العزة سبحانه حيث يقول " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " (سورة الحجر آية 9)
وبعد فهذه إلماعة عن لويس شيخو اليسوعي، أرجو أن تكون مفصحة عن حالة، وعسى أن تتاح لي أو لغيري فرصة أوسع من هذه لدرس جميع أعمال الرجل، والكشف عما حاكه من الكيد للإسلام وأهله والله المستعان.
ـ[عبدالملك السبيعي]ــــــــ[12 - May-2008, مساء 08:27]ـ
أخي الكريم .. جزاك الله خيرا وبارك فيك
وتابع نقل ما تجده من كتابات الدكتور عبد المحسن وفقه الله.
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[12 - May-2008, مساء 11:58]ـ
بوركت والشيخ ..
تم نقله هنا:
http://www.alkashf.net/vb/showthread.php?p=41583#post415 83
أتحفنا بالمزيد.
ـ[محب الأدب]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 11:27]ـ
وأنت كذلك أخي عبد الملك: جزاك الله خيراً، ولا عدمت دعواتك ومشاركاتك
ومرحباً بالشيخ الفاضل سليمان الخراشي - لا زال مسدداً موفقاً -
وأسأل الله عزوجل الإعانة والتوفيق والسداد
ـ[أبو طلال العنزي]ــــــــ[10 - Apr-2009, صباحاً 07:32]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تناول أحد الباحثين هذا الرجل في رسالته العلمية المعنونة بـ (شعراء النصرانية في العصر العباسي) لعبد الله العريني، وقد ذكر لي أنه انتبه لكذبات كثيرة فعلها حتى أنه قال: وددت أن أجلده.
رسالته مودعة في مكتبة جامعة الإمام، ومكتبة الملك فهد الوطنية.
ـ[العبيد]ــــــــ[18 - Feb-2010, مساء 01:09]ـ
http://img12.imageshack.us/img12/2303/14059322.jpg
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=7144
ـ[ابن العميد]ــــــــ[18 - Feb-2010, مساء 04:31]ـ
جزاك الله خيرا
وبارك فيك
وفي الشيخ(/)
من أجل هذا طلبة العلم غيرمؤثرين
ـ[خالد المرسى]ــــــــ[11 - May-2008, صباحاً 10:29]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تجدوا فى مواضيع عمرو خال وعازى القصيبى هنا افبال شديد وسريع من طلبة العلم فى وقت قصير - بيد أنه فى مواضيع مثل (عادات حرب الحوار) (وداء الأمة الدوى المهلك) لاتجد اقبالا كربع ذاك أو أقل فى فترة أطول
مع ان القواعد والاصول المتفق عليها تؤكد أن هذه المواضيع هى المنبغى الاهتمام بها اولا وآخرا(/)
رسالة الإمام إسحاق العلثي الحنبلي إلى ابن الجوزي - ينكر عليه
ـ[زوجة وأم]ــــــــ[11 - May-2008, صباحاً 11:40]ـ
رسالة
الإمام عبيد الله إسحاق بن غانم العلثي
إلى
أبي الفرج ابن الجوزي
قال الإمام الذهبي رحمه الله في تاريخ الإسلام في ترجمة الإمام:
] ورأيت له رسالةً في ورقات كتبها إلى ابن الجوزي ينكر عليه خوضه التأويل، وينكر عليه ما خاطب به الملائكة على طريق الوعظ، فما اقصر، وأبان عن فضيلةٍ وورعٍ - رحمه الله -. [
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في ذيل طبقات الحنابلة في ترجمة الإمام عبيد الله العلثي:
] قلت: وله رسائل كثيرة إلى الأعيان بالإِنكار عليهم والنصح لهم. ورأيت بخطه كتاباً أرسله إلى الخليفة ببغداد. وأرسل أيضاً إلى الشيخ علي بن إدريس الزاهد - صاحب الشيخ عبد القادر - رسالة طويلة، تتضمن إنكار الرقص والسماع والمبالغة في ذلك.
وله في معنى ذلك عدة رسائل إلى غير واحد.
وأرسل رسالة طويلة إلى الشيخ أبي الفرج بن الجوزي بالإنكار عليه فيما يقع في كلامه من الميل إلى أهل التأويل يقول فيها:
(نص الرسالة)
من عبيد الله إسحاق بن أحمد بن محمد بن غانم العلثي، إلى عبد الرحمن بن الجوزي:
حمانا الله وإياه من الاستكبار عن قبول النصائح، ووفقنا وإياه لاتباع السلف الصالح، وبصرنا بالستة السنية، ولا حرمنا الاهتداء باللفظات النبوية، وأعاذنا من الابتداع من الشريعة المحمدية. فلا حاجة إلى ذلك. فقد تركنا على بيضاء نقية، وأكمل الله لنا الدين، وأغنانا عن آراء المتنطعين، ففي كتاب الله وسنة رسوله مقنع لكل من رغب أو رهب، ورزقنا الله الاعتقاد السليم، ولا حرمنا التوفيق، فإذا حرمه العبد لم ينفع التعليم. وعرفنا أقدار نفوسنا، وهدانا الصراط المستقيم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وفوق كل في علم عليم. وبعد حمد الله سبحانه، والصلاة على رسوله:
فلا يخفى أن لا الدين النصيحة، خصوصاً للمولى الكريم، والرب الرحيم. فكم قد زل قلم، وعثر قدم، وزلق متكلم، ولا يحيطون به علماً. قال: عز من قائل " 22: 8 "، " ومِنَ الناس من يُجادلُ في الله بغير عِلْم وَلا هُدىً وَلا كتابٍ مُنير ".
وأنت يا عبد الرحمن، فما يزال يبلغ عنك ويسمع منك، ويشاهد في كتبك المسموعة عليك، تذكر كثيراً ممن كان قبلك من العلماء بالخطأ، اعتقاداً منك: أنك تصدع بالحق من غير محاباة، ولا بد من الجريان في ميدان النصح: إما لتنتفع إن هداك الله، وإما لتركيب حجة الله عليك. ويحذر الناس قولك الفاسد، ولا يغرك كثرة اطلاعك على العلوم. فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه لا فقه له، ورب بحر كَدر ونهر صاف، فلستَ بأعلمِ من الرسول، حيث قال له الإمام عمر: " أتصلي على ابن أبي؟ أنزل القرآن " وَلا تصلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهمْ " ولو كان لا ينكر من قل علمه على من كثر علمه إذاً لتعطل الأمر بالمعروف، وصرنا كبني إسرائيل حيث قال تعالى: " كانوُا لاَ يَتَنَاهُوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ". " المائدة: 134 "، بل ينكر المفضول على الفاضل وينكر الفاجر على الولي، على تقدير معرفة الولي. وإلا فابن التنقا ليطلب وابن السمندل، ليجلب - إلى أن قال: واعلم أنه قد كثر النكير عليك من العلماء والفضلاء، والأخيار في الآفاق بمقالتك الفاسدة في الصفات. وقد أبانوا وَهاءَ مقالتك، وحكوا عنك أنك أبيت النصيحة، فعندك من الأقوال التي لا تليق بالسنة ما يضيق الوقت عن ذكرها، فذُكر عنك: أنك ذكرت في الملائكة المقربين، الكرام الكاتبين، فصلاً زعمت أنه مواعظ، وهو تشقيق وتفهيق، وتكلف بشع، خلا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام السلف الصالح الذي لا يخالف سنة، فعمدت وجعلتها مناظرة معهم. فمن أذن لك في ذلك. وهم مستغفرون للذين آمنوا، ولا يستكبرون عن عبادة الله. وقد قرن شهادته بشهادتهم قبل أولى العلم وما علينا كان الآدمي أفضل منهم أم لا، فتلك مسألة أخرى.
فشرعت تقول: إذا ثارت نار الحسد فمن يطفيها؟ وفي الغيبة ما فيها، مع كلام غث.
(يُتْبَعُ)
(/)
أليس منا فلان؟ ومنا فلان؟ ومنا الأنبياء والأولياء من فعل هذا من السلف قبلك؟ ولو قال لك قائل من الملائكة: أليس منكم فرعون وهامان؟ أليس منكم من ادعى الربوبية؟ فعمن أخذت هذه الأقوال المحدثة، والعبارات المزوقة، التي لا طائل تحتها وقد شغلت بها الناس عن الاشتغال بالعلم النافع أحدُهم قد أنسى القرآن وهو يعيد فضل الملائكة ومناظرتهم، ويتكلم به في الآَفاق.
فأين الوعظ والتذكير من هذه الأقوال الشنيعة البشعة.
ثم تعرضت لصفات الخالق تعالى، كأنها صدرت لا من صدر سكن فيه احتشام العلي العظيم، ولا أملاها قلب مليء بالهيبة والتعظيم، بل من واقعات النفوس البهرجية الزيوف. وزعمت أن طائفة من أهل السنة والأخيار تلقوها وما فهموا. وحاشاهم من ذلك. بل كفوا عن الثرثرة والتشدق، لا عجزاً - بحمد الله - عن الجدال والخصام، ولا جهلاً بطرق الكلام. وإنما أمسكوا عن الخوض في ذلك عن علم ودراية، لا عن جهل وعماية.
والعجب ممن ينتحل مذهب السلف، ولا يرى الخوض في الكلام. ثم يقدم على تفسير ما لم يره أولاً، ويقول: إذا قلنا كذا أدى إلى كذا، ويقيس ما ثبت من صفات الخالق على ما لم يثبت عنده. فهذا الذي نهيتُ عنه. وكيف تنقص عهدك وقولك بقول فلان وفلان من المتأخرين؟ فلا تشمت بنا المبتدعة فيقولون: تنسبوننا إلى البدع وأنتم أكثر بدعاً منا، أفلا تنظرون إلى قول من اعتقدتم سلامة عقده، وتثبتون معرفته وفضله. كيف أقول ما لم يقل، فكيف يجوز أن تتبع المتكلمين في آرائهم، وتخوض مع الخائضين فيما خاضوا فيه، ثم تنكر عليهم. هذا من العجب العجيب. ولو أن مخلوقاً وصف مخلوقاً مثله بصفات من غير رؤية ولا خبر صادق. لكان كاذباً في إخباره. فكيف تصفون الله سبحانه بشيء ما وقفتم على صحته، بل بالظنون والواقعات، وتنفون الصفات التي رضيها لنفسه، وأخبر بها رسوله بنقل الثقات الأثبات، يحتمل، ويحتمل.
ثم لك في الكتاب الني أسميته " الكشف لمشكل الصحيحين " مقالات عجيبة، تارة تحكيها عن الخطابي وغيره من المتأخرين، أطلع هؤلاء على الغيب. وأنتم تقولون: لا يجوز التقليد في هذا، ثم ذكره فلان، ذكره ابن عقيل، فنريد الدليل من الذاكر أيضاً، فهو مجرد دعوى، وليس الكلام في الله وصفاته بالهين ليلقى إلى مجاري الظنون - إلى أن قال: إذا أردت: كان ابن عقيل العالم، وإذا أردت: صار لا يفهم، أوهيت مقالته لما أردت. ثم قال: وذكرت الكلام المحدث على الحديث، ثم قلت: والذي يقع لي. فبهذا تقدم على الله، وتقول: قال علماؤنا، والذي يقع لي. تتكلمون في الله عز وجل بواقعاتكم تخبرون عن صفاته. ثم ما كفاك حتى قلت: هذا من تحريف بعض الرواة. تحكماً من غير دليل. وما رويت عن ثقة آخر أنه قال: قد غيره الراوي فلا ينبغي بالرواة العدولِ: أنهم حرفوا، ولو جوزتم لهم الرواية بالمعنى، فهم أقرب إلى الإصابة منكم. وأهل البدع إذاً كلما رويتم حديثاً ينفرون منه، يقولون: يحتمل أنه من تغيير بعض الرواة. فإذا كان المذكور في الصحيح المنقول من تحريف بعض الرواة، فقولكم ورأيكم في هذا يحتمل أنه من رأى بعض الغواة.
وتقول: قد انزعج الخطابي لهذه الألفاظ. فما الذي أزعجه دون غيره؟ ونراك تبني شيئاً ثم تنقضه، وتقول: قد قال فلان وفلان، وتنسب ذلك إلى إمامنا أحمد - رضي الله عنه - ومذهبه معروف في السكوت عن مثل هذا، ولا يفسره، بل صحح الحديث، ومن من تأويله.
وكثير ممن أخذ عنك العلم إذا رجع إلى بيته علم بما في عَيبته من العيب، وذم مقالتك وأبطلها. وقد سمعنا عنك ذلك من أعيان أصحابك المحبوبين عندك، الذين مدحتهم بالعلم، ولا غرض لهم فيك، بل أدوا النصيحة إلي عباد الله، ولك القول وضده منصوران. وكل ذلك بناء على الواقعات والخواطر.
وتدعي أن الأصحاب خلطوا في الصفات، فقد قبحت أكثر منهم، وما وسعتك السنة. فاتق الله سبحانه. ولا تتكلم فيه برأيك فهذا خبر غيب، لا يسمع إلا من الرسول المعصوم، فقد نصبتم حرباً للأحاديث الصحيحة. والذين نقلوها نقلوا شرائع الإسلام.
ثم لك قصيدة مسموعة عليك في سائر الآفاق، اعتقدها قوم، وماتوا بخلاف اعتقادك الآن فيما يبلغ عنك، وسمع منك منها:
ولو رأيت النار هبت، فعدت ... تحرق أهل البغي والعناد
وكلما ألقى فيها حطمت ... وأهلكته، وهي في ازدياد
فيضع الجبار فيها قدماً ... جلت عن التشبيه بالأجساد
(يُتْبَعُ)
(/)
فتنزوي من هيبته، وتمتلي ... فلو سمعت صوتها ينادي
حسبي حسبي، قد كفاني ما أرى ... من هيبة أذهبت اشتداد
فاحذر مقال مبتدع في قوله ... يروم تأويلاً بكل واعي
فكيف هذه الأقوال: وما معناها؟ فإنا نخاف أن تحدث لنا قولاً ثالثاً، فيذهب الاعتقاد الأول باطلاً. لقد آذيت عباد الله وأضللتهم، وصار شغلك نقل الأقوال فحسب، وابن عقيل سامحه الله، قد حكى عنه: أنه تاب بمحضر من علماء وقته من مثل هذه الأقوال، بمدينة السلام - عمرها الله بالإسلام والسنة - فهو بريء - على هذا التقدير - مما يوجد بخطه، أو ينسب إليه، من التأويلات، والأقوال المخالفة للكتاب والسنة.
وأنا وافدة الناس والعلماء والحفاظ إليك، فإما أن تنتهي عن هذه المقالات، وتتوب التوبة النصوح، كما تاب غيرك، وإلا كشفوا للناس أمرك، وسيروا ذلك في البلاد وبينوا وجه الأقوال الغثة، وهذا أمر تُشُوِر فيه، وقضى بليل، والأرض لا تخلو من قائم للّه ججة، والجرح لا شك مقدم على التعديل، والله على ما نقول وكيل، وقد أعفر من أنذر.
وإذا تأولت الصفات على اللغة، وسوغته لنفسك، وأبيت النصيحة، فليس هو مذهب الإمام الكبير أحمد بن حنبل قدس الله روحه، فلا يمكنك الانتساب إليه بهذا، فاختر لنفسك مذهباً، إن مكنت من ذلك، وما زال أصحابنا يجهرون بصريح الحق في كل وقت ولو ضُربوا بالسيوف، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يبالون بشناعة مشنع، ولا كذب كاذب، ولهم من الاسم العذب الهني، وتركهم الدنيا وإعراضهم عنها اشتغالاً بالآخرة: ما هو معلوم معروف.
ولقد سودت وجوهنا بمقالتك الفاسدة، وانفرادك بنفسك، كأنك جبار من الجبابرة، ولا كرامة لك ولا نعمى، ولا نمكنك من الجهر بمخالفة السنة، ولو استقبل من الرأي ما استدبر: لم يحك عنك كلام في السهل، ولا في الجبل، ولكن قدر الله، وما شاء فعل، بيننا وبينك كتاب الله وسنة رسوله، قال الله تعالى: " فإنْ تَنَازَعْتُم فِي شَيْءً فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول " ولم يقل: إلى ابن الجوزي.
وترى كل من أنكر عليك نسبته إلى الجهل، ففضل الله أُوتيته وحدك؟ وإذا جَهَّلت الناس فمن يشهد لك أنك عالم؟ ومن أجهل منك، حيث لا تصغي إلى نصيحة ناصح؟ وتقول: من كان فلان، ومن كان فلان. من الأئمة الذين وصل العلم إليك عنهم، من أنت إذاً؟ فلقد استراح من خاف مقام ربه، وأحجم عن الخوض فيما لا يعلم، لئلا يندم.
فانتبه يا مسكين قبل الممات، وحَسِّن القول والعمل، فقد قرب الأجل، للّه الأمر من قبل ومن بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. [ا. هـ.
ـ[ابن الرومية]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 05:20]ـ
سبحان الله كم بقي من الدرر المخبأة في بطون الكنب المشهورة و الأصول المعتمدة لو اقتطعت الرسالة كاملة و طبعت لكان فيها خير كثير
بارك الله فيك أختي على الفائدة العزيزة و زاد في همتك
ـ[المقدادي]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 08:55]ـ
بارك الله فيكِ
و هذه الرسالة لم ينقلها الحافظ ابن رجب رحمه الله كاملة بل يظهر انه اختصر في النقل كما يدل على ذلك قوله: " الى ان قال "
و لا أدري هل هي موجودة في عالم المخطوطات أم لا؟
ـ[المقدادي]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 09:02]ـ
[ CENTER][CENTER][COLOR=blue] .[/FONT] وإلا فابن التنقا ليطلب وابن السمندل، ليجلب [ا. هـ.
صوابه:
فأين العنقاء لتطلب؟ وأين السمندل ليجلب؟
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[23 - Jun-2008, صباحاً 07:20]ـ
رسالة
الإمام عبيد الله إسحاق بن غانم العلثي ...
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في ذيل طبقات الحنابلة في ترجمة الإمام عبيد الله العلثي ...
(نص الرسالة)
من عبيد الله إسحاق بن أحمد بن محمد بن غانم العلثي
جزاك الله خيرا رسالة نفيسة جدا وانتقاء موفق ...
ثم يبدو أن أختنا الفاضلة - وفقها الله - قد وَهِمَت في تكرار تسمية أبي الفضل إسحاق ابن غانم العَلْثِيّ (ت:634)، بـ: "عبيدالله"، ويبدو أن منشأ الوهم عندها، ما جاء في صدر الرسالة، من قول أبي الفضل العَلْثِيّ: "من عُبَيْدِ الله إسحاق ... " إلخ .. أقول: قوله رحمه الله "من عُبَيْدِ الله" كان منه (رحمه الله) من باب التَّواضع؛ لأنه في مقام إسداء النّصيحة، وفيه إشارة لطيفة من جهتين:
الأولى: من جهة النّاصح، وأنه لا يغرّه أن وفّقه الله وأقامه مقام النّاصح أن يتيه على عباد الله، بل عليه أن يلزم مقام التّواضع، والشّفقة على الخَلق.
الثانية: من جهة المنصوح، وتذكيره بعدم الاستكبار عن قبول النصيحة، ولزوم مقام التواضع، وقبول الحق، والانصياع له. والله تعالى أعلم.
ـ[بكر الصغير]ــــــــ[23 - Jun-2008, مساء 04:55]ـ
لك جزيل الشكر-الأخت الفاضلة .. على الفائدة المتلوة والائمة أفضوا إلى ما قدموا والعبرة بكمال النهاية والله يعصمنا وإياكم من الزلل ..(/)
الرد على الطعن في الإمام أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة
ـ[زوجة وأم]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 01:12]ـ
السلام عليكم
في الرابط بالأسفل ملف فيه صور صفحات من كتاب (محمد بن عثمان بن أبي شيبة وكتابه العرش) للدكتور محمد بن خليفة التميمي
يرد فيه على الطعن في الإمام أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة
http://www.box.net/shared/gpnseslcwg(/)
هكذا هم القادة
ـ[الشارة]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 05:54]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
هكذا هم القادة
أن الممسك بزمام الفرس يعز عليه تركه فهو مستمع بقيادته ولكن ثمة من ينتظر الدور أو من يلح عليه بالنزول حينها لابد من مشاطرة الركوب بغية البقاء هذه صورة تمثل الحال فلا تنازل بالمجان والقوة الغالبة ربما تكون رحيمة فتبقي ولو صورة لك في ذاكرة التاريخ أوقيادة على طريقتها ولكن الصناع في عجلة من أمرهم و القائد بطئ وحجته بالمضمار وتعالي أصوات الجماهير أما المدرب فهو في عزلة يحيك أمراَ ما فيصدر تعليمات للقائد أن بدل مع زميلك وخذ الراحة بدلأَ عن الغرباء لاسيما إذا كان زميلك حاذقاَ وينطبق عليه سمات القائد الصالح وقد تعلم القيادة على أيدي يشهد لهم التاريخ بالصلاح ولم يسبق له سفراَ إلى الغرباء حينها يمكن أن تعطى الفرس للفحل وتلد ويكثر القادة هنا وهناك كيف لا والتاريخ مملوء بنيل الجوائز وكثرة الخدم ونيل الرفعة في الدنيا والآخرة كل ذلك حصل لأبائنا وسادتنا وخير من وطئ الحصى ومد بالعصا يا الله متى نعيد التاريخ ونطوي صفحة الذلة والمهانة وكثرة الأكلة نحمد الله على ما يسلينا من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ومنه قوله (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين) الحديث هذا وغيره كثير مما يدل على أن العزة لنا والعاقبة الحميدة حليفة لنا ولكن هناك أمور لابد أن نتباحثها حول تربية الأجيال القادمة فزمننا هذا يعد بولادة جديدة لابد فيها من التعب والنصب وليسهل علينا هذا الحمل فنحن مشتركين فيه ونحتاج إلى رعاية خاصة فيه حينها يجب أن ندرس السيرة النبوية في تخريج القادة ومن خلال الهدي النبوي يمكن تحديد مسار الركب ونقطة البداية فالحال والله المستعان تحتاج إلى رعاية خاصة من بلسم الشفاء القرآن والسنة النبوية وهدي سلف الأمة في كل شئ فالمولود القادم هو أملنا بعد الله كيف لا وقد سطر في ديوان السنة وحضي بالمكان الآمن يوم القيامة مع السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله شابٌ نشأ في طاعة الله فهو مطيع لله بارٌ بوالديه محب للخير يسعى للإصلاح ما أستطاع إلى ذلك سبيلا آمراً بالمعروف ممتثلاً له ناهياَ عن المنكر مجتنباَ له لا يحب الظهور والتعالي على خلق الله متواضعاَ ممحبوباَ عند الله وعند الخلق ذو خلقٍِ رفيع بعيداَ عن محبة الكفار فضلاً عن موالاتهم مطيع لولاة أمره محباَ لهم هكذا لقد تخرج من المدرسة المحمدية على أيدي العلماء الربانيين فهم كثيرٌ في بلاد الحرمين أعزها الله بطاعته فهو في حلق الذكر ومدارس تحفيظ القرآن الكريم والسنة النبوية مقيم لحروفه وحدوده كيف تكون حالنا لو كثر هذا في شبابنا لابد من تتويج وختم الرسالة بشئِ من الذكر الحكيم نريد منكم الإجابة على سؤالنا
قال تعالى {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} البقرة247
وقال تعالى {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ} آل عمران13
والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم(/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {خطرات بين الألم والأمل في حياتنا المعاصرة}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 09:41]ـ
خطرات بين الألم والأمل في حياتنا المعاصرة
لا يكاد يمر يوم من أيامنا هذه في أعوامنا هذه، دون أن يطرق السمع خبر يتفطر له القلب وتتقطع منه الحشى، أن قد احتُلت أرض وانتهُكت أعراض وسُلبت ثروات وقُتل نساء وأطفال تحت وابل الرصاص "الذي كان المقصود به غيرهم"، وكأن قتل غيرهم مستباح لا غضاضة فيه! في هذه البقاع أو تلك من بلاد المسلمين، والتي أصبحت أخبار الدنيا لا تحمل إلا أخبارهم دون سواهم. وحين تتزاحم الأحداث الأليمة على واقع الناس ذلك التزاحم الذي نعيشه في هذه المرحلة الحاضرة الحاسمة من تاريخنا، فإن الخواطر تتزاحم كذلك في عقل معايشها وتتسارع حتى لا يكاد يجد بداً من اخراجها إلى النور تباعا سراعا قبل أن تجور عليها غيرها من الخواطر فتطرحها جانبا ثم لا يكون لها نصيب إلا في طي النسيان. وهذه الخواطر التي أسجلها في السطور التالية، هي ما جادت به القريحة، على جفافها وعجفها في الآونة الأخيرة من الزمن لما تمر به أمتنا من محن، بعد أن ازدحمت بها النفس واستعصت على السكون والكمون. وهي خواطر أحسب أنها مشتركة عامة بين من شغلته هموم الأمة وأدرك ما هي فيه من خطر ماحق.
حزبان لا ثالث لهما!
لعل أصدق ما خرج من حلق زعيم الهجمة الصليبية المعاصرة، أنّ من ليس معهم فهو عليهم، وبعبارة أخرى، من لم يقف في صفهم فهو من أعدائهم. وهى كلمة حق قيلت لتكريس باطل. فإن الزمان قد استدار كما بدأ يوم أن بعث الله سبحانه محمداً، وأوحى اليه فيما أوحى أن الناس فريقان، فريق في الجنة وفريق في السعير، وأن الأحزاب حزبان، حزب الله "ألا إن حزب الله هم المفلحون" (المجادلة 22)، وحزب الشيطان "ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون" (المجادلة 19). فالحق أن زعيم الهجمة الصليبية لم يأت بجديد لم يدلنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أوحى به ربه سبحانه، وبما دلنا عليه في حياته وسيرته. فإن الناظر في سيرته، يجد أنه بعد أن استقر به المقام في المدينة، وأسس أول دولة للإسلام فيها فإن الناس في المدينة ومن حولها قد انقسموا غلى هذين الفريقين، ولا ثالث لهما، إما أهل إيمان واتباع، وهم المهاجرين والأنصار، وإما أهل كفر وضلال، وهم أصناف، منهم من جاهر بالعداء ككفار مكة، وكثير من الأعراب من حول المدينة، أو من يهود الذين كانوا يعايشون رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، ولم يخرجهم منها بادئ الأمر حتى استفحل شرهم وخانوا عهدهم ومالئوا المشركين على المسلمين، وما هذا عليهم بجديد، ومنهم من استخفى بالعداء وإن عرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه آثر أن يبقي عليهم لمصلحة الدعوة و"حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". وهذا التمييز وهذا التعريف هو أمر فيه الخير كل الخير، فإن إزالة القناع عمّن يتقنع ليلبّس على المسلمين دينهم هو أمر في غاية الضرر عليهم، ومنهم من ليس له القدرة على صحة الحكم على الأشخاص أو الأحداث لضحالة علم أو لقلة فهم. والتمييز بين الحق والباطل ومعرفة الصحيح من الخبيث هو غرض من أغراض الشريعة قد نسيه أو تناساه الكثير من أتباع هذا الدين بل من دعاته ونصرائه، يقول الله تعالى "ما كان الله ليذرالمؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب" (آل عمران 179)، بل وكررنفس المعنى في سياق آخر في (الأنفال 37)، كذلك قال تعالى: "ولتستبين سبيل المجرمين" (الأنعام 55). فاستبانة طريق المجرمين، وتمييز الخبيث من الطيب هو من أغراض الشريعة القطعية التى تتبين لمن وهبه الله عقلا راجحاً ونظراً في الشريعة فاحصاً يميز به ويستبين. فهذا الأمر إذن الذي دعا اليه زعيم الصليبية ليس أمرا سيئا بل هو أمر فيه خير لمن فهم عن الله سبحانه ووعى الدرس النبوي الشريف، وفهم مقاصد الشريعة، ثم تحلى بالإيمان ومْنح التوفيق والهداية، وقليل ما هم "لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم" (النور 11)، وقال تعالى "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" (البقرة 216). وأحسب أن الأمر لم يبلغ مداه والتمحيص والتمييز لم يصل إلى غايته بعد، فإن أعداء هذا الدين لن يرضوا من أتباعه إلا أن يَدَعوه جملة
(يُتْبَعُ)
(/)
وتفصيلا "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، وإنما هو استدراج الشيطان الذي يُزلهم عن هدي الله خطوة خطوة حتى لا يجدوا أنفسهم إلا خارج هذا الدين مطرودين من رحمة الله جزاء وفاقا لعدم الثقة في كلامه سبحانه "وأملى لهم إن كيدي متين". والأمل كل الأمل في أن يتحسب المؤمنون لما هو آت وليقبضوا على ما آتاهم الله بقوة فلا يفلتوه، فهم إن افلتوه كان والله عليهم عار الحياة الدنيا وغرام العذاب في الآخرة.
وقعة الأحزاب العصرية
حين تتأمل ما تأتى به الأخبار من حرص زعماء الصليبية المعاصرة على تكتيل الآلة العسكرية العالمية لخدمة أغراضها في القضاء على هذا الدين، وترى حرصهم وأتباعهم على أن يشترك في هذا الأمر مقاتلة من كافة دول العالم، حتى إننا سمعنا مؤخراً أن جزر فيجي، التي لا تْرى بالعين المجردة على خريطة العالم، قد أرسلت "بقوات" للمشاركة مع قوات "التحالف"، حين نسمع هذه الأخبار لا يسعنا إلا أن نتذكر الواقع الذي عاشه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من المؤمنين الأوائل حين خرج زعماء اليهود في أواخر السنة الخامسة من الهجرة، يحرضون قريشاً على المسلمين ويذكرونهم بما لقوا من هزائم على أيدي أتباع النبي وما فقدوا من هيبة وما تعرضت تجارتهم له من أخطار، وما يجب عليهم من قتال المسلمين ليحافظوا على "ثقافتهم ويحموا طريقتهم المثلى في الحياة"، تماما كما حذر فرعون قومه من أن يذهب موسى وهارون عليهما السلام "بطريقتهم المثلى" في الحياة! وهو عين ما قاله زعيم الصليبية لقومه من أن هذا العدوان السافر على الإسلام والمسلمين لا يقصد به إلا الصلاح لهم وأن يحافظ على طريقتهم في الحياة " defending the style of life" فما أشبه اليوم بالبارحة! إذن فتجمع الأحزاب للقضاء على هذا الدين هو أمر ليس بالجديد، بل هو قديم قدم هذا الدين نفسه، إلا أن سؤالا يطرح نفسه في هذا السياق، أنه إن كانت الأحزاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجمعت أمرها لقتال المسلمين لما رأوا من اشتداد قوتهم وتغلغل خطرهم، فما الذي دفع بأحزاب هذا العصر إلى أن يفعلوا فعلتهم التي فعلوا وأن يتمالئوا هذا التمالؤ على المسلمين شرقا وغرباً؟ ما الذي أفزعهم هذا الفزع وأقامهم ثم لم يقعدهم؟ لا يمكن أن يكون ذلك بسبب من الخوف من الأنظمة القائمة فهي كلها بلا استثناء منها ممالئ مستسلم منبطح، ينتظر الأوامر صباح مساء من أسياده وصنّاع قراره. وأحسبه والله تعالى أعلم أن تلك الأحداث الذي نزلت بساحتهم في 11 سبتمبر قد وجهت أنظارهم إلى القوة الكامنة المستكنة التي يتمتع بها هذا الدين، لا بسبب هذه الضربة ذاتها، فإنها ليست ضربة قاسمة بأي مقياس من المقاييس، ثم إن جدواها هو أمر تتناطح فيه وجهات النظر بين مؤيد لها ومدين، وما نحن بمن يدلى بدلو في هذا الأمر على كل حال، ولكن قد كان من آثارها الجانبية أن وجّهت أنظار الأحزاب الجدد إلى ما يتمتع به هذا الدين من قوى كامنة لا يعفّى عليها الزمن ولا تضيع مع توالى المحن، وهو ما أفقدهم صوابهم وجعلهم يأتون بخيلهم ورجلهم يعسّون أولا عمن هو من أنصار هذا الدين وأوليائه عسّاً في هذا الخضم الهائل من الملايين المتلاطمة من منتسبيه، فإن المحقق في الأحداث ومجرياتها يرى أن هذه الطغمة تسعى للقضاء على أفراد قبل أن تسعى وراء المجتمعات وإنها قد علمت ان الله يقيد لهذا الدين من يقيمه بأحرفه ومعالمه إلى أن تقوم الساعة، وأن هؤلاء هم أفراد متميزون إن قضي عليهم لم يعد لهذه الملايين المتلاطمة من كيان أو قوة. أحسب أن هؤلاء قد رأوا قوة في الإسلام لم يتهيأ حتى للعاملين له من أبنائه أن يلحظوها من قبل، وإدراك هذه القوة الكامنة والإيمان بها مصدر أمل وبصيص رجاء قد يهيأ لمخلصي هذه الأمة يتلمسون به المخرج بعون الله تعالى.
"تركت فيكم أمرين ... " رواه مالك
(يُتْبَعُ)
(/)
يعتصرني ألم ممض حين أرى الجبهات المتعددة التي يهاجم منها الإسلام في هذا العصر. فإن الجمع بين ما قدمناه في الفقرتين السابقتين، يظهر لنا أن الأحزاب لم تكن تعمل منفصلة لهدم عرى الإسلام، بل إن قوى الهدم الداخلي كانت كذلك مما تسلط على المسلمين ممن في قلوبهم مرض، وممن نافقوا. والفرق الظاهر اليوم أن النفاق لم يعد له محل في المعادلة، بل هو إما كفر وإما إسلام، وقوى الهدم الداخلي اليوم تتمثل فيمن أعرض عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلق بالإسلام من خلال عقائد بدعية أو أعمال شركية أو أفكار استشراقية مستوردة فكان كلّا على الإسلام وعبئاً. وأمر البدعة ليس كما يظنه البعض أمر يتعلق بممارسة فردية للدين بشكل من الأشكال أو بمنهج أو طريقة من الطرق، بل هو أخطر من ذلك بكثير إذ هو يضرب في كيان هذه الأمة من حيث يضرب في صحة اتباعها لسنة نبيها وكتاب ربها، وأين الفوز دونهما؟ وكما أسلفنا فإن هذه الممارسات العملية أو الفكرية تتمثل في العديد من الطوائف أو الأفراد الذين ينصرون بدعة من البدع يحسبونها دينا يقيمونه وشرعا ينصّبونه.
فمن هؤلاء من هم على عقيدة الإعتزال، يقيمون لأنفسهم معهدا علميا ًعالمياً ويتخذون مقره عاصمة الصليبية، وينشرون منه كتبا وفتاوى تزلزل للمسلمين ثوابت عقائدهم وراسخات ملتهم تحت زعم احترام العقل "يعلم الله عقل من يقصدون! " ويروجون أفكار المعتزلة القديمة للنيل من الأحاديث الصحيحة الثابتة ليتمكنوا من ضرب السنة وثوابتها نصوصا ومنهاجاً.
ومن هؤلاء من انطلت عليهم خدع المرجئة وضلالاتهم من أن العمل قدر زائد على الإيمان، وأن التحاكم إلى غير شرع الله وإنشاء شرع مواز يرجع اليه الناس في أمور حياتهم ويتواضعوا على اتباعه دون تجريم للفعل أو تجريح للفاعل إنما أمر يدور في مجال المعصية كمن يشرب خمرا أو يلبس ذهباً! وألقوا في وجوه الناس بتهمة "التكفير" ليفتنوهم عما كان عليه سلفهم في مثل هذه القضايا، وأعرضوا عن فتاوى كبراء المجتهدين من أمثال الدوسري وأحمد ومحمود شاكر والشيخ محمد بن إبراهيم رحمهم الله جميعا وغيرهم كثير في هذا الصدد. فكان أن شاعت المعصية وتفشّت، واستبيحت الأعراض والدماء بلا رادع بعد ان استكانت العامة وخُدّرت.
ومنهم من عمل على نشر الصوفية مدعيا أنها معنى الإحسان المقصود في حديث جبريل، وأن علماء السنة الأكابر لم يفتأووا يشيدون "بالسادة الصوفية" وبطرقهم الراشدة التي تقرب الى الله من غير طريق الرسول! ثم استشهدوا بأحاديث موضوعة مثل حديث "عدنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر" والذي هو اليوم من مستحسنات المرحلة الحالية ومطلوباتها، حسب تصور المفتين في العاصمة الصليبية. وقد استغل هؤلاء انشغال أهل السنة بالرد على بدعهم وضلالاتهم عن أن يقدموا للناس معنى الإحسان كما بينته السنة وكما عاشه الصحابة رضوان الله عليهم فكانت الساحة النفسية خالية أمام هؤلاء المبتدعة لتقديم إحسان مشوه ممسوخ للعامة الذين لا يكادون يفقهون شيئاً.
ثم من هؤلاء من ارتدى مسوح "العصرية" Modernization ورداء الدعوة إلى "التقدم" Progress ليقدم بديلا لدعوة الإسلام الحق كما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما فهمها عنه أصحابه وتابعيهم وتابعي تابعيهم. وقد نبتت هذه النابتة في بعض البلاد الأوروبية من أولئك الذين ولدوا وترعرعوا في أحضان العلمانية اللادينية ثم إذ هم يحاولون أن يقدموا للمسلمين في تلك الأنحاء اسلاما مستسلما مروضا يتعامل مع الواقع المفروض عليه بأن يغير من طبيعته ليتواءم مع ما هو من حوله، ويطلقون على هذا اسم "تطبيع الإسلام" Integration أو "اندماج" الجاليات في المجتمعات الغربية، ولم ير هؤلاء أن أسياد تلك البلاد لن يقبلوا منهم أنصاف الحلول وأن "يعبدوا الهنا يوما ونعبد الههم يوما" وكانت الصاعقة الضاربة لهذا المنهج ما هو وشيك الوقوع الآن في فرنسا من منع ارتداء الحجاب، واملاء فهم محدد للإسلام المتطبع لا يرضى بأقل من الذوبان التام للمسلمين في هذه المجتمعات. ثم أتبعهم زراريهم وصغار ممثليهم ممن يروج للإنخراط في الحياة السياسية والإجتماعية بدعوى "المصلحة" ويعلم الله أن أمثال هؤلاء أقل علما وأضحل فقها من أن يتذرعوا بالمصلحة المرسلة كدليل شرعي إذ هم لا يعلمون ما المصلحة المرسلة وما حدودها وضوابطها، وإنما هي مصلحة فلان وعلان ممن باع نفسه رخيصة في سوق الدنيا.
والحق أن التمسك بكتاب الله على منهج النظر الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع السنة ورفض البدع هو السبيل الوحيد لهذه الأمة في أن تتحد كلمتها وأن تتجمع صفوفها لمقاومة العدوان والقضاء على الظلم والعودة بهذا الدين غلى مجده السالف، أما مناهج "امساك العصا من النصف" والإيمان ببعض الكتاب والكفران ببعضه، فلن تزيد هذه الأمة إلا خسارا، وكما قال صلى الله عليه وسلم "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنّة نبيه" رواه مالك في الموطأ.(/)
البربر باقون على الإسلام رغم إجراس الناقوس! ج1
ـ[ابو البراء]ــــــــ[11 - May-2008, مساء 11:30]ـ
البربر باقون على الإسلام رغم إجراس الناقوس! ج1
لفضيلة العلامة الشيخ ابي طارق البويحياوي
عبد الله حشروف
حفظه الله
إن الوجه الأصيل لمنطقة الزواوة يمتد عبر التاريخ إلى الزعيم البربري (صولات بن وزمار) زعيم قبيلة (مغراوة) الذي وفد على عثمان بن عفان الخليفة الراشد الثالث رضي الله عنه فأسلم على يديه، فعقد له على قومه، فعاد إلى بلده فأخذ في نشر الإسلام بين ربوع البربر الذين دخلوا في دين الله أفواجا، ثم تتابع توافد العرب الفاتحين أمثال عقبة بن نافع وأبي المهاجر دينار وغيرهما من الصحابة والتابعين، ولم يجدوا صعوبة في دحر الوثني الروماني من الشمال الأفريقي.
بكثير ما كان الرومان يسومونهم سوء العذاب من إذلال ومصادرة الممتلكات وإرهاق في الضرائب مما تسبب في ثورات متعددة ضد الرومانيين امتدت عبر أكثر من ستة قرون.
وانتشر الإسلام بين ربوع البربر في الشمال الأفريقي بسرعة ودخلوا فيه عن طواعية واختيار لما لمسوا فيه من دعوة إلى أخلاق فاضلة، وسماحة في المعاملة وأخوة شاملة، وبساطة في المعاشرة، وعدالة بين جميع المواطنين، ومساواة في الحقوق والواجبات بين الوافدين والقاطنين.
وقد تبين للبربر بالممارسة والمعاناة والمقارنة أن العرب لم يأتوا لاستغلالهم ولا لاستعبادهم، ولا للاستيلاء على أراضيهم، ولا لنهب ممتلكاتهم، ولا لإرغامهم على الدخول في الإسلام، وإنما أتوا ليزيحوا عن كاهلهم كابوس الكفر الوثني الروماني ثم عليهم أن يختاروا طائعين بين الدخول في الإسلام وبين ما هم عليه من وثنية كافرة أو مسيحية محرفة ولا يدين بها إلا قليلون، تطبيقا لقوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256) فاختاروا الإسلام لاستجابته مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولوضوح تكاليفه التي تتفق مع العقل والوجدان، ولخلوه مع طلاسم الكهنوت، ووثنية الصليب، وتعقيد الثالوث، وبين عشية وضحاها أصبح الشمال الأفريقي ترفرف عليه راية الإسلام، وصار دعامة ومركز انطلاق للجهاد والدعوة إلى الإسلام نحو أوربا.
ولم يمض زمن غير يسير أن برز من البربر أنفسهم زعماء يحملون راية الجهاد مع العرب أمثال طارق بن زياد الذي قاد جيشا ثلثاه بربر، فعبر به الجبل الذي طبع عليه اسمه ولا يزال (جبل طارق) ففتح الجزيرة الإبيرية، وكان هذا الفتح نواة لدولة أندلسية عربية لإسلامية لثماني قرون.
وعاش البربر والعرب في ظل الإسلام عبر قرون وإلى اليوم وإلى ما شاء الله وانصهروا في بوتقة واحدة بالمصاهرة والمجاورة والعبادة والدفاع عن بيضة الإسلام يدا واحدة ولغة واحدة وقبلة واحدة، وعدوا واحدا، وسموا أبناءهم بأسماء العروبة والإسلام ولا يزال، وأصبح الطريق ممهدا للسفر إلى المشرق العربي تعليما وحجا وإقامة وعودة ولا يزال، فكان علماء، وكان أدباء، وكان شعراء، وكان فقهاء ومفسرون ومؤرخون وفلاسفة، وصار ما يربط بينهم هو اللغة العربية والدين الإسلامي والأوطان العربية والتاريخ. إلى أن حل البلاء بالشمال الأفريقي بعد أكثر من عشرة قرون من التلاحم بين أبنائه، وهجم طاعون الكفر الوثني الفرنسي على الجزائر خصوصا فمديده النجسة وبقوة سلاح الخيانة إلى الأراضي الخصبة فملكها المعمرين وإلى أملاك الأوقاف فصادرها، وإلى المساجد فهدمها أو كنسها، وإلى مدارس اللغة العربية والقرآنية فقضى عليها، وإلى وحدة الشعب المغربي تحت راية العروبة والإسلام فشتتها وبث فيها روح العصبية والعنصرية، وإلى مجتمع العفة والفضيلة فنشر فيه العهارة وبيوت الدعارة بجلب العراهرس بلد داعر، وإلى المعاهدة التي أبرمت بينه وبين أهل الحل والعقد باحترام الممتلكات والأوقاف والدين والحريات فنقضها ودنسها وغدر بها ... ألا ما أخبثه! وما أدعره! وما أفحشه! وما أغدره!.
وأفضع من هذا وأبشع والشهادة من التاريخ أن جنرالا مجرما متوحشا قذرا دعا إلى بيع بالمزاد العلني في أحد شوارع العاصمة، فعرض خلاخل بسيقانها وأقراطا بآذانها، وسلاسل برقابها، وأسورة وخواتم بمعاصمها وأصابعها. وقطعوا رءوس الشهداء من أجسادهم ونصبوها هدفا للتسلية والرماية. (أنظر الصورة)
(يُتْبَعُ)
(/)
وهل العرب الفاتحون الذين جاءوا بالإسلام وبالعدل والرحمة فعلوا فعلات هؤلاء الفرنسيين المتوحشين؟
إن العرب لم يفعلوا شيئا من هذا أبدا لأن فتوحاتهم كانت دفاعية ومشعل الهداية والنور كان يصحبهم. وإخراج البشر من حكم الطواغيت إلى العبودية لله رب العالمين كان مقصدهم، وهم أينما حلوا وارتحلوا (لا إكراه في الدين) نصب أعينهم، ووصية أبي بكر الصديق لأسامة بن زيد رضي الله عنهما هي قيد التطبيق والتنفيذ في حروبهم ونصها (لا تخونوا ولا تغلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تغدروا ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له).
فرق كبير بين قوم هداة ودعاة يحملون حضارة وعدلا ورحمة، وإحسانا وبين جنس همجي وحشي يحمل نعرة الهدم والإبادة، ولا يزال قلبه مليئا بالحقد والغل والضغينة، ولا يزال يكيد ويتآمر لأنه مطبوع على اللؤم والخسة والنذالة.
وهل العرب يتآمرون على وحدتنا، ويكيدون على تمزيق صفوفنا، ويشعلون نار الفتنة بين أبناء مازيغ وأبناء يعرب؟ ?
قد ينبري أحد المبررين لجرائمهم أو على الأقل يهون من شأن ما صدر منهم بحجة أن عقل الفرنسي في وقت الاحتلال كان متخلفا ثقافيا وحضاريا وكان لا يزال عقله مشحونا بالحقد الصليبي وفعل فعلاته الوحشية وهو من الجاهلين.
ولكن كيف يفسر جرائم فرنسا الوحشية في الجهاد الإسلامي التحريري لثورة نوفمبر أربع وخمسين وتسعمائة وألف وفي عصر الحضارة والمدنية أن جنديا من دولة دعاة الشعار الثالوثي المزيف (الإخاء ـ الحرية ـ المساواة) بلغت به الحقارة والخسة والنذالة أن عمد إلى رضيع وجده نائما (في الدوح) فأخذه ورماه على وجهه في كانون يشتعل نارا فأسرعت أمه بعد أن شمت رائحة شواء اللحم فأنقذته من الحرق والهلاك ولا يزال حيا يرزق بوجهه المشوه إلى اليوم، ومن أراد أن يراه فليتفضل إلى منطقة القبائل وإلى مدينة تيزي وزو.
يتبع ....
http://www.merathdz.com/play.php?catsmktba=1673(/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {رد على فتوى الإخوان في المشاركة السياسية في الغرب}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 03:31]ـ
رد على فتوى الإخوان في المشاركة السياسية في الغرب
الحمد لله الذي أنزل الكتاب ولم يجعل له عوجاً، فأظهر بآياته الكريمة ما اعوج من قول وعمل في عقائد الناس وشرائعهم، ثم بيّنه بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فقيد مطلقه وخصص عموماته وأنزل أحكامه مناطاتها ليتم به الحق ولو كره المبطلون. وبعد،
فإن ما ورد في هذه الفتوى، وفرعها الفتوى الصادرة من العالم عبد الرحمن عبد الخالق، قد جاوز الحق وخالف الصواب إذ أباح للمسلم أن ينزل ساحة السياسة الغربية مشاركا فعّالا، ومواليا على ما اجتمع عليه القوم من شرعة مخالفة لشرع الله أصولا وفروعاً.
والحق أن الفتوى قد تخبطت في الأسس التي بنيت عليها تخبطاً شديداً، وأتت بأدلة قد عفى عليها الدهر بعد أن ردّها العديد من الباحثين مبينين زيفها وتوغلها في مسالك الإرجاء، ولكن الله سبحانه يأبى إلا أن يظل البعض معرضين عن الحق عمدا أو غفلة. والحق أن فتوى الشيخ الجليل عبد الرحمن عبد الخالق قد تعرض فيها اصالة للمشاركة في الحكم في بلاد الشرق، وإن استخدمها المغرضون من مدّعي العلم في بلاد الغرب لدعم أهوائهم، وتوطيد أغراضهم إعراضا عن الشرع واستبدالا له بفتوى من أخطأ من مجتهدى المسلمين كعبد الرحمن وغيره.
وسنبين في هذه العجالة، مرة أخرى، مواضع الخلل في هذه الفتوى، ملمحين إلى ما سبق أن نشرناه في هذا الشأن في مجلة المنار الجديد رداً على فتوى مماثلة لأخ عالم صديق أخطأ فيها الطريق وانحرف عن الجادة. وما نشرناه في كتابنا "حقيقة الإيمان"، ولعل الله سبحانه أن ينفع بهذا من أراد له الهداية.
فنقول وبالله التوفيق:
إن الرد على هذه الفتوى مبني على ثلاث أقسام، الأول تعليقات عامة، والثاني الرد المجمل، ثم ثالثها هو الرد المفصّل.
القسم الأول: تعليقات عامة:
مع إقرارنا أن الخلاف في هذا الأمر لا يصل إلى حد الخلاف في الأصول التي توجب التفرق، إلا أننا نرى أن الحق واحد لا يتعدد، وأنه قد جانب من صدرت عنه هذه الفتوى، وأن الباب قد فتح على مصراعيه لمن هيأت له نفسه العبث بالمصالح الإسلامية وأن ما يصيب المسلمين من ضرر وشرّ من جراء ذلك هو أخطر عليهم من كل ما ادعاه المجيزون لهذه المشاركة من مصالح متوهمة، ذلك أن خطر الإختلاط وعدم التميز بمن ليسوا على دين الله يغلب الظن أنه يمهد الطريق ويعبّده للعامة الذين يرون مقدَميهم يشاركون هؤلاء في أعمالهم وسياساتهم ويقرون العديد من قوانينهم، إذ لا محيص من ذلك لمن كان عضوا في حزب من أحزاب الكفر، فيهون دين الله عليهم ويقل تعظيم شرعه لديهم وهو أخطر وأعظم من أي مصلحة متوهمة غير قطعية يقال بإمكانية جلبها وتحقيقها، خاصة في بلاد الغرب، وذلك لأنه يمكن أن يقال أنه في بلاد المسلمين، وإن كان الحكم بغير ما أنزل الله هو الجارى عليه العمل، إلا أن أن غالبية الناس من المسلمين المقرين بدين الله والمستشعرين لعظمة شرعه، فلا بأس من الإختلاط بهؤلاء المشرّعين من دون الله فالخطر أقل والبلاء أهون، ولكن لعمرك الله، ما بالنا نحمل هذا المناط إلى الغرب دون تمييز ولا تحقيق؟
يتبين لقارئ الفتوى أن من أصدرها، قد أحسن في أولها بأن ذكر أقوال المانعين وأقوال المجيزين، ثم تخيّر القول بالإجازة دون أن يأتي على أقوال المانعين بردٍ على الإطلاق. فقد جاء في أدلة الأقدمين، على سبيل المثال، ممن أباح المشاركة بشروط:
"الأول: يرى أصحابه جواز المشاركة، ومنهم "ابن عطية" و"الماوردي" و"الهراسي" و"القرطبي" و"ابن تيمية" و"الآلوسي" وغيرهم، واشترطوا ما يلي:
1ـ أن يكون المتولِّي قادرًا على إقامة العدل، وإجراء أحكام الشريعة، ويمكن ذلك في الواقع.
2ـ أن يُفوَّض إليه في فعل لا يعارضه فيه، فيصلح منه ما شاء.
3ـ أن يعلم المتولِّي ألاَّ سبيل إلى إقامة الحق وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به. 4ـ أن يترتب عليه إيصال النفع للمستحقين و دفع الضرر عنهم."
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم بعد سرد هذه الشروط وأقوال كبار العلماء فيها من أمثال بن تيمية وبن عطية والماوردي، لم يعنّ لهم أن يأتوا برد عليها!! فما هو قولهم في هذه الشروط، ولماذا لم تعتبر فيما قرروه في فتواهم، هل يا ترى يقدر المتولي للسياسة المتعاطى لها في الشرق أن يملي ما أراد من أحكام الشرع في واقع الأمر، دع عنك قدرته على ذلك في الغرب؟ هل هذه الآراء لا وزن لها ولا قيمة حتى تترك غفلا لا تعليق عليها؟ وهل جدّ جديد على مناطاتها حتى يتصدى المحدثون ممن لم تصل رتبتهم إلى ما يقرب من رتب هؤلاء الأعلام حتى يتجاوزوا هذه الأقوال فلا يعيرونها التفاتا إلا حكاية لها من قبيل التأريخ، وإيهاما للقارئ البسيط أنها الأمانة العلمية وأنها مردود عليها في ثنايا البحث؟
إن من فقه الفقيه أن يعلم عمن يتناول فتواه وفيما يطبقها، وقد نقلت الفتوى عن الشاطبي قوله:
"لما كان الغالب صدق الظنون بُنيَت عليها مصالح الدنيا والآخرة؛ لأن كذبها نادر، ولا يجوز تعطيل مصالح صدقها الغالب، خوفًا من وقوع مفاسد كذبها النادر، ولا شكَّ أن مصالح الدنيا والآخرة مبنيَّةٌ على الظنون"
وهو حق لا ريب فيه، إلا أننا نسأل أهل هذه الفتوى: هل ترائى لهم أن ينظروا أعمق من النظر السطحي إلى هذه الظنون، وتقديرها قدرها، وتمييز إن كان غالب الظن أن يقدر المشارك في السياسة الشرقية أن يغير مقدار أنملة بله السياسة والقوانين الغربية؟ أم هو محض الإختيار المسبّق لغلبة الظن وأنها تقع في جانب تمكّن المشارك من الفعالية والتغيير؟ ولا يغني عن هؤلاء قولهم أننا قد قيدنا الإباحة بالقدرة، فإننا نقول: إن فتح باب المشاركة على مصراعيه لعوام "الدعاة" بل وعوام الناس في الغرب كي يتصلوا اتصال المشاركة في مضمار السياسة لا يسده سطر في مقال! فهل نظر هؤلاء إلى أولئك الذين اتخذوا من هذه الفتوى ذريعة لتحصيل مكاسب شخصية ومنافع عينية دون مراعاة لتحقيق المصلحة الشرعية الحقيقية لا المتوهمة؟ وهل عرفوا وتحققوا من قدرتهم على نحقيقها ولو بغلبة الظن؟ وهل علموا أن هؤلاء ليسوا على مستوى من الفقه والدراية، ولا نريد أن نقول أنه في كثير من الأحيان ولا التقوى والورع، أن يحققوا المناط الخاص الذي تركت لهم الفتوى تحقيقه. ومعلوم أن العامي ليس له أن يحكم في المناط الخاص إلا إن كان من الأمور الفقهية التى لا تتعدى شخصه كمقدار القهقهة في الصلاة التي يصل بها إلى حدّ الفساد، فكيف يترك لهؤلاء أمر هذا المناط يعيثون فيه ما شاء لهم؟ لو أن المتصدون للمشاركة هم من أمثال الأشقر أو الصاوي أو غيرهم ممن لهم علم بالشريعة، لهان الأمر، ولكن، ألم يعلم هؤلاء المفتين أن بن عباس قد أفتى رجلا بعدم قبول توبة القاتل لمّا استشف من حديثه أنه يعتزم الإقدام على القتل، رغم صحة توبة القاتل شرعاً؟
أن الأدلة الشرعية قد تناولها المفتون بهذه الفتوى على شكل يهيئ لهم ما أرادوه وما سبق لهم الرأي به، فقد قالوا:
"وشرْع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ما ينسخه، كما هو مقرر في كتب الأصول."
وهذا الأصل من أصول الفقه هو مما اختلف فيه العلماء، فقد قرره الأحناف وبعض المالكية والشافعية، ومنعت منه الحنابلة ومعظم الشافعية والمالكية والحنابلة، الذين قرروا أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا، كما حققه الغزالي الشافعيّ في المنخول من تعليقات الأصول ص 333، وكما نصره بن قدامة الحنبلي في روضة الناظر وجنة المناظر ص 82 وبعدها، وغيرهم كثير، وقد بينوا حججاً لا تندفع وردوا على ما قدمه الخصم في هذا الصدد، فليرجع لهذه المواضع من يشاء أن يتحقق بالحق ويهتدي بهديه ويخلع عن نفسه ربقة التقليد المذموم. وقد كاد أولى بمن أصدر هذه الفتوى أن يقرر هذا الخلاف وأن يحققه لتكون فتواه أقرب للحق وأتقى لله من مجرد ما ارتآه موافقاً لمذهبه في هذا الموضع، والله يعلم إن كان ممن يتبع هذا المذهب " أن شرع من قبلنا هو شرع لنا " في بقية فتواه؟
(يُتْبَعُ)
(/)
حكى أصحاب الفتوى أن من المعاصرين من يرى الإستثناء من الأصل بالمصلحة؟! فما هي حقيقة هذا الرأي؟! هل نشتم من هذا رأي الطوفي في أن المصلحة تخصص النص؟ إن كان ذلك فقد ردّ على الطوفي هذا القول كل من له علم بالشريعة ولم يقبله منه أي من علماء الأمة بل تفرد به غريباً غير متبوع، وليرجع من شاء في هذا الأمر إلى الشاطبي في الموافقات وغيره ممن رد على الطوفي في هذا الشأن، وإن كان المقصود هو تخصيص النص بالمصلحة فقد قيد العلماء هذا الأمر بقيود لا ينطبق واحد منها على حالتنا هذه، وإليك مثال من ذلك ما قرره أبو زهرة في هذا المجال، فقال: أما إذا كان الحكم ثابتا بنص ظني في سنده أو في دلالته والمصلحة ثابتة ثبوتا قطعيا لا مجال للشك فيه، وهي من جنس المصالح التي أقرتها الشريعة وملائمة لها فإن المصلحة تخصص النص "أصول الفقه، أبو زهرة ص 268". ونسألكم بالله، أليس الفرض الذي فرضتموه أن المصلحة ليست ثابتة ثبوتا قطعيا بل هي من قبيل المظنونات؟ ولا يقال أن المظنونات هنا تقوم مقام اليقينيات لأن المعوّل على غلبة الظن، إذ نقول أن ذلك إن لم يكن هناك نصّ يتحتم مخالفته فتجرى غلبة الظن مجرى اليقين، ولكن لهذا قيّد أبو زهرة رحمه الله التخصيص بأن "المصلحة ثابتة ثبوتا قطعيا لا مجال للشك فيه"، فما لكم كيف تحكمون؟
ثم أمر قد اختلط علينا في خضم هذه الفتوى، وهو: هل يعتبر مصدرو هذه الفتوى من منظري الإخوان أن الحكومات الإسلامية حكومات جاهلية كافرة، كما يشتم من ثنايا هذه الفتوى، أم أنها حكومات إسلامية تحكم بغير ما أنزل الله معصية لله غير كفر به؟ والرد على هذه الجزئية في غاية الأهمية إذ أن وجه الإستلال على إباحة ممارسة السياسة في الغرب هو فرع عن إباحته في الشرق، كما في ثنايا الفتوى، فهل يا ترى يعتبر المفتون هنا حكم هذه الحكومات كحكم حكومات الشرق؟
القسم الثاني: الردّ المجمل:
يجد القارئ للفتوى أنها عند التحقيق تعود إلى دليلين لا ثالث لهما: قصة النجاشي، وقصة يوسف عليه السلام، وهما ما اعتمدته الفتوى في تقرير الجواز، وهما كذلك ما أورده بعض "الفقهاء المعاصرون" للدلالة على الجواز، ونضيف كذلك أنهما ما قرره سابقا لهؤلاء كتاب "دعاة لا قضاة" المنسوب لحسن الهضيبي رحمة الله عليه. وفي هذا الرد المجمل نود أن نشير إلى قاعدة هامة من قواعد الأصول، وهي ما عبر عنه الشاطبي بقوله: "العمومات إذ اتحد معناها وانتشرت في أبواب الشريعة أو تكررت في مواطن الحاجة من غير تخصيص فهي مجراة على عمومها على كل حال" ويقول "لأن ما حصل فيه التكرار والتأكيد والإنتشار صار ظاهره باحتفاف القرائن به إلىمنزلة النص القاطع الذي لا احتمال فيه" الموافقات ج ص306 - 307.
وهذه العمومات الكلية التي انتشرت وتأكدت في الشريعة حتى صارت بمنزلة النص القاطع لا يصح أن تعارضها الجزئيات، وما عارضها كان من قبيل "حكايات الأحوال" أو "قضايا الأعيان" التي يجب أن تنزل منزلتها في فهم الكليّ القطعيّ لا في معارضته. يقول الشاطبيّ تحت عنوان "القضايا الجزئية إذا عارضت القواعد العامة القطعية أوّلت أو أهملت" ما نصه: "إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان أو حكايات الأحوال، والدليل على ذلك ... " ثم يسرد أدلة هذه القاعدة، الموافقات ج3 ص270.
ومن تأمل هذه القواعد الأصولية يمكن للناظر أن يرى موضع هاتين الجزئيتين (النجاشي، وقصة يوسف عليه السلام) التين تعلل بهما المبيحون من القاعدة الأصولية العامة التي لمن يأت بها النص القطعي فحسب، بل انتشرت في الشريعة وتكررت ةتقررت وتأكدت بأن الحكم بما أنزل الله في أعراض الناس وأبشارهم ليس فرعا بل هو أصل من أصول الإسلام، وأن تاركه دون عذر صحيح، والمشرع بغيره للمسلمين ليتبعوه على ذلك هو من الكفر المخرج من الملّة كما بيّن ذلك العديد من علماء الأمة المعتبرين من الطبقة الأولي قديما وحديثاً، فلا يصح أن يقدح فيها قضية عين أو حكاية حال كما هو الوضع في قصة النجاشي أو يوسف عليه السلام، إن صح أنهما معارضتين للقاعدة وهو ما لا يسلّم لهؤلاء كما سنرى في الرد المفصّل بعون الله تعالى.
القسم الثالث: الردّ المفصّل:
أولا: قصة النجاشيّ:
(يُتْبَعُ)
(/)
يقرر "المفتون" بالإباحة أن النجاشي قد كان مسلماً وأنه كان على رأس نظام التثليث والكفر في الحبشة، ومع ذلك صلى رسول الله عليه يوم أن مات! ويعلم الله أن هذا لا يصح البتة وهو محض افتراء على العبد الصالح، كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأصل الإختلاط في هذا الأمر ما ورد في رواية إرسال الكتب للملوك في عام ست من الهجرة، كما في رواية بن سعد، أو سبع من الهجرة كما في رواية الواقدي، وفيها أنه صلى الله عليه وسلم دعا هؤلاء وكل جبار في الأرض (كما في رواية مسلم التي سنذكرها لاحقا إن شاء الله) إلى كلمة سواء بينه وبينهم. ومن بين هؤلاء النجاشيّ. واضطرب الناس في هذا الأمر، إذ كيف يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي إلى الإسلام وهو مسلم حقّا، والأمر بيّن وواضح بحمد الله تعالى، إذ أنّ النجاشيّ، الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسلم وأسلمت معه أمراؤه، وهذا نص ما قاله عمرو بن العاص لعبد بن الجلندي ملك عمان حين سأله عن النجاشيّ، روى بن القيّم في زاد المعاد ج3 ص 62 طبعة دار الفكر ما نصه:
"قال عبد الجلندي لعمرو بن العالص: وما تدعون اليه؟ قلت: أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وتخلع ما عبد من دونه وتشهد أن محمداً عبده و رسوله، قال: يا عمرو، انك بن سيد قومك فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة؟ قلت: مات ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وودت أنه كان أسلم، وصدق به، وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام، قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريبا، فسألني: أين كان إسلامك؟ قلت: عند النجاشيّ وأخبرته أن النجاشي قد أسلم. قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ فقلت: أقروه واتبعوه. قال: والأساقفة والرهبان تبعوهظ قلت: نعم. قال: انظر يا عمرو ما تقول انه ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب! قلت: ما كذبت وما نستحله في ديننا. قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشيّ؟ قلت: بلى، قال: بأي شيئ علمت ذلك؟ قلت: كان النجاشيّ يخرج له خرجاً فلما أسلم وصدّق بمحمد صلى الله عليه وسلم قال لا والله لو سألني درهما واحداً ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله فقال له النياق أخوه: أتدع عبدك لا يخرج لك خرجاً ويدين بدين غيرك دينا محدثاً؟! قال هرقل: رجل رغب في دين فاختاره لنفسه ما أصنع به"
أهناك أوضح دلالة على إسلام النجاشي واتباعه لشرع الله من هذا النص؟ وأن قومه اتبعوه في ذلك، وعمرو بن العاص هو أعرف الناس بحال النجاشي وقومه، إذ أنه هو الذي وقعت معه واقعة النجاشي وهو الذي كان مبعوثا لقريش لقتل المهاجرين إلى النجاشي فلا يقال أنه قد وهم في ذلك! فلماذا بالله عليك لم يعتبر المفتون وبعض "الفقهاء المعاصرون" بهذا النص، إذ هو إما خفي عليهم، فوجب عليهم البحث والتنقيب قبل الإفتاء للناس، أو أنه علموه وأخفوه، وفيه ما فيه
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدرى فالمصيبة أعظم
ثم ما ورد من إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنجاشي فقد فسر الإمام مسلم هذا الأمر حيث أنه قد ذكر ثلاث روايات في صحيحه عن أنس في كتاب الجهاد والسير عن إرسال الكتب إلى "كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل حبار في الأرض يدعوهم إلى الله تعالى" قال في الرواية الأولى: وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم". ثم في الروايتين الأخريين، قال: ولم يذكر أنس وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نحا بعض الباحثين المعاصرين إلى اعتبار هذه الزيادة من أنس في الرواية الأولى وهم من الراوى كما ذكر الشيخ عبد المجيد الشاذلي في كتابه "حد الإسلام" إذ أن الكتب قد أرسلت في عام ست من الهجرة، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي عام تسع من الهجرة فدل على أنه كان نفس النجاشي لا يزال على ملكه. والأمر أهون من ذلك إذ لا يمكن دفع زيادة الراوى في حديثه بهذه السهولة، ولكن الأمر يدور على العام الذى أرسلت فيه رسالة النجاشي، فإذا صححنا قول أنس أنه ليس النجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، و هو ما يتسق مع رواية عمرو من أن النجاشي المقصود كان مسلما موحداً، فإنه يبقى أن نحقق تاريخ إرسال الكتاب اليه، وقد ثبت أن هناك اختلاف بين رواة التاريخ بهذا الشأن، إذ أثبت
(يُتْبَعُ)
(/)
الطبري عام سبع من الهجرة، وأثبت بن سعد عام ست من الهجرة، ويشير الطبري في رواية عن بن اسحاق أن الرسائل توالت ما بين الحديبية و وفاته صلى الله عليه وسلم (انظر الطبري ج2 ص645)، ورغم أن سنده فيه ضعف إلا أن بن هشام الذي استدرك عليه روى أن إرسال الرسل كان بعد الحديبية وسنده فيه محمد بن اسماعيل بن عياش وهو ضعيف (انظر الطبراني، ج5 ص305)، فالأولى الأخذ برواية بن اسحاق إذ يمكن بها الجمع بين المتفرقات في هذاا لشأن، وهو ما رجحه عدد من الباحثين مثل د. مهدي رزق الله في كتابه السيرة النبوية ص514.
ثانيا: قصة يوسف عليه السلام:
مرة أخرى، ننوه بأنه لا يصح أن تعارض قاعدة كلية بقضية عين أو حكاية حال، ومن فعل ذلك كان إما جاهلا أو مغرضاً، ونحن نعيذ الإخوة المفتون و"الفقهاء المعاصرون" من كلا الصفتين.
فإنه أولا إن صحّ أن يوسف عليه السلام قد فعل هذا فإنه لا يصح في شرعنا أذ أثبتنا أن ذلك من القواعد العامة الكلية، وأمر الإشتراك في السياسة لدى الحكومات الكافرة أمر فرعيّ كما اتفقنا عليه، فلم يكن بد من أن يكون مما لا يشرع لنا لمخالفته لأصلنا الثابت.
هذا إن صح أن يوسف قد فعل هذا، إلا أن هذا الإدعاء لا يصح، فإن صريح القرآن أنه كان متصرفاً فيما تحت يده من الأمور، وعلى هذا بنى الإئمة الأعلام من الأقدمين شروطهم التي تقدمت في أول المقال والتي ذكرها أصحاب الفتوى، فلو أن يوسف لم يمن متمكناً، كما يرى ذلك بن تيمية وغيره، لم يضعوا هذه الشروط ابتداءاً. ثم إن قول القائل: ?وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ? وقولهم أن"مِن" في الآية للتبعيض؛ لأنه لم يكن مستقلاًّ في الحكم، فهذا من الخطأ بمكان، إذ إن قصد فيها أن التبعيض هنا يقصد المشاركة في الحكم في نفس الأرض!، فإن "من" في قوله تعالى: منها، تتعلق بالأرض التي ذكرها الله سبحانه أنه قد بوأها يوسف (لا بعضها)، والتي هي إما كل ما يملكه فرعون على قول بعض المفسرين، أو أنها الطعام والخراج في مصر على قول آخر، فليس في "من" تبعيض ولا إشارة لتبعيض! قال الألوسي: "ومنها: متعلق بما عنده وقيل بمحذوف وقع حالا من حيث" روح المعاني ج7 ص8، والأصح أنه كما قال أولا أنها تتعلق بكل ما عنده من "أرض" إذ أن القول الآخر قد استدرك عليه.
لا شك أنه كان للملك نظام موضوع، إلا أن يوسف عليه السلام كان متمكنا مما يؤديه وما له عليه من سلطة وبهذا تجتمع الايات وتتقارب المفاهيم، ثم أنه لا شك أن الحكم قد آل اليه بالكلية في النهاية كما في قوله تعالى: ?يَآأيُّهَا الْعَزيْز?، وقوله هو: ?رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ?، وقول الله تعالى: ?وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ?، فهذا يشير إشارة واضحة لأنه كان ممكّنا أولا تمكينا تاما فيما تحت يديه، ثم آل الأمر اليه في النهاية، إن كان هناك فارق زمني بينهما، وهو ما ذكرته الفتوى عن بعض الأفاضل ولم تعن مرة أخرى بالرد عليه، وإنما انتهت إلى القول "بما يطمئن القلب اليه ... " كما في قول المفتين!!
ثم ما هو وجه التشابه بين المناطين، مناط يوسف ومناط سياسيّ الغرب من المسلمين؟ هل يدّعى المجيزون أن يوسف عليه السلام، وإن اشترك في حكومة كافرة، كان يحكم بغير شرع الله ولو في جزئية واحدة، أم أنهم يدّعون أن أولئك الذين يبحرون في خضم السياسة الأمريكية سيتمكنون من أن يطبقواأحكام الشريعة ولو في جزئية واحدة؟ إن كان جوابهم عن الأولى أن يوسف كان يحكم بغير شرع الله في بعض الجزئيات، فعليهم مراجعة إيمانهم كلية، وإن قالوا بل سيقوم هؤلاء المتسيسون من المسلمين بإقامة العدل وتأمين المصالح، فهم قد قرروا أن الدستور الأمريكي يكفل العدل ويضمن الحرية لكل فرد، أو كما قالوا نصا: "يسمح لكل من في المجتمع بالمشاركة وِفْق ضوابط معينة، ويكفل الحرية والحركة المطلقة لكل المواطنين، وليس هناك تفريق على أساس الدين أو الجنس أو العرق وغير ذلك."!!؟ ونحن وإن كنا نرفع حاجب العجب لهذا التصريح، إلا أننا نقول: فما هي الحاجة إذن إلى أن يشترك مسلم في السياسة وحاجات المسلمين مكفولة وحرياتهم مأمونة، ويعرّض نفسه ويفتن غيره ويقع في محاذير التشبه بالكفار وموالاتهم.
لعل الله سبحانه أن يغفر لنا خطايانا ويرفع عنا جهلنا واسرافنا في أمرنا إنه سميع مجيب.(/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {الهجمة على المسلمين في بلاد الغرب ... مظاهرها و عواقبها
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 03:33]ـ
الهجمة على المسلمين في بلاد الغرب ... مظاهرها و عواقبها
من المسلّم المعروف أن وسائل القضاء على التوجه الديني لدى شعب من الشعوب أو أمة من الأمم تتعدد وتتشكل حسب ظروف العصر وقوة الأمة أو ضعفها وسهولة اختراقها في كافة مناحي الحياة. ومن هذه الوسائل الغزو الثقافي والإقتصادي والعسكري. وقد شهدت بلاد المسلمين خلال القرنين الماضيين الهجمة الغربية [1] الصليبية الصهيونية التي تبنّت كل أشكال الهجوم بدءاً بغزو نابليون العسكريّ لمصر والشام وانتهاء بالغزو العسكري الأمريكيّ للعراق، وما بين ذلك من غزو استشراقيّ وثقافيّ في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين والذي بلغت أشدها في كتابات من والى المشركين من أمثال طه حسين في "الأدب الجاهليّ" أو على عبد الرازق في "الإسلام وأصول الحكم" و قاسم أمين في "تحرير المرأة" وغيرهم ممن تبع خطاهم في محاولة تلويث وتدنيس الفهم الإسلامي وثقافة أبنائه وحضارتهم بكل رخيص مستورد.
ونحن لا نقصد في هذاالمقام أن نعرض لهذه الممارسات التي أصبحت مؤخرا مما عُِلم من أمور الواقع بالضرورة، وأصبح لا يختلف علي حقائقه عاقل سواء من يعارض مثل هذه الممارسات من المسلمين أو من يؤيدها تحت ستار التقدم والتحرر ممن تسمّى بأسماء المسلمين وتحدث بألسنتهم! وإنما نحن نقصد في هذا المقال أن نكشِف عن تداعيات هذه السياسة ومظاهرها التي استهدفت وتستهدف الوجود المسلم في بلاد الغرب، متخذة من أولئك الذين قذف بهم قدرهم للحياة في بلاد الغرب نائين عن مواطنيهم من المسلمين وعما بقي من حضارة الإسلام في أرضه، هدفاً وغرضاً. فالسياسة الصليبية الحالية، والتي تهيمن عليها بالكلية الإدارة الأمريكية الحالية وتوجهها في كافة أنحاء العالم، ترى في هؤلاء المسلمين طابوراً خامساً يجب القضاء عليه، حتى أولئك الذين لا علاقة لهم بإرهاب ولا غرض لهم في جهاد!
وقد طابقت هذه السياسة مثيلتها في بلاد المسلمين وأرضهم من حيث هاجمت المسلمين وروعتهم عسكرياً واقتصادياً وثقافياً.
أما الترويع العسكريّ فهو، وإن لم يكن في شكل الهجوم المسلح بالعتاد والطائرات والغواصات، والذي يوجّه لإحتلال أراضي الشعوب ومقدراتها، فإنه يتم بوسائل أقرب ما تكون لذلك الغزو من ترويع الآمنين من أبناء هذه الجاليات، وملاحقتهم بشكل مستمر دائم، بالتجسس على هواتفهم وحواسبهم الآلية وإيقافهم في المطارات ومراكز الحدود دون الحاجة بيان أسباب الترويع والتوقيف، إذ أن ممثلي الديموقراطية الصريعة فيالغرب قد استصدروا قانوناً للطوارئ أسموه "قانون الوطنية [2] " والذي هو يطابق تمام المطابقة لقانون الطوارئ الذي تعيشه جلّ بلاد المسلمين من عشرات السنين، وإنما كانت الصليبية أكثر ذكاءاً في إلحاق اسم الوطنية بهذا القانون ليتسنى لها إرهاب من يتجرأ بمعارضته من المخلصين الصادقين من أبناء الغرب المسيحي والذين لا يزال يرفع بعضهم رأسه رغم الإرهاب الصليبي من حين لآخر ليقول كلمة الحق، وآخرهؤلاء الصحفيّ أريك مارجوليس [3] الذي كتب مقالا عن تلك الإتهامات الملفقة بالتجسس والتي وجهتها الإدارة العسكرية الأمريكية للكابتن "جيمس لي" المسلم العقيدة والواعظ الإسلامي للجنود المسلمين في الجيش الأمريكي، ولمّا لم تقدر على إثباتها بأي شكل من الأشكال، فافتعلت تهما أخلاقية ملفقة لتدينه على أية حال حفظا لماء الوجه! وشبّه مارجوليس هذه القضية بقضية الكابتن "ألفرد درايفوس" من الجيش الفرنسي واليهودي العقيدة، الذي أتهم بالخيانة العظمى والتجسس بلا دليل، ولم يخرجه من هذا الإتهام إلا تصدى الكاتب المعروف إميل زولا في حينها لبيان مهزلة التعصب العدائي غير القائم على برهان أو تبرير. كذلك تلك الإعتقالات التى لا مبرر لها لمئات من المسلمين، من بينهم أطفالا لا يتعدون الشهور التسع من أعمارهم! في معتقل جوانتانيمو الأمريكي بكوبا، والتي دامت حتى الآن أكثر من سنتين دون تقديم أي دليل على الإدانة أو حتى بيان بالتهم الموجه إليهم! إنما هو قانون البطش وتغلب القوي على الضعيف، تمارسه السلطات المعتدية، وهي تلقى بتهم الإرهاب في
(يُتْبَعُ)
(/)
وجه الشعوب الضعيفة المغلوبة على أمرها! ثم ما يتم مؤخراً من اعتقال السملمين فور مغادرتهم لبلاد المهجر إلى دول أخرى لزيارة أهل أو إتمام عمل، فيقع عبئ الإعتقال على عاتق الدول الأخرى التي تبيع مواطنيها الأصليين لقاء رضا الأسياد وما يعرف "بالعلاقات الخاصة" مع الحكومات الصليبية.
أما على الصعيد الإقتصادي، فإن من الممارسات الحالية ما تتعرض له المؤسسات الخيرية الإسلامية من مصادرة صريحة مباشرة للأموال وتجميد الأرصدة، ومنع تقبل التبرعات مهما كان دافعها، وكأن فعل الخيرات وبذل الصدقات قد تحول حكمه من المندوب إلى المحرّم بقدرة قادر!! كذلك فإن هؤلاء قد وجهوا سهام ادارات الضرائب لتضيق الخناق على المواطنين المسلمين، تحت ستار شرعي بمراجعة ملفاتهم الشخصية والتي ترتبط بأعمالهم لتجد ثغرات لا يخلوا منها ملف أحد من الناس، تقيض بها أمن حياتهم وتفدحهم في ممتلكاتهم وأرزاقهم.
ثم الصعيد الثقافي والحضاريّ، وهو أخطر الجبهات وأشدها مكراً ودهاءا، وهو ما قصدنا في هذا المقال إلى إلقاء الضوء على بعض مخاطره. ذلك أن التخريب والهدم في هذا المجال لا يعتمد فيه الغرب الصليبي [4] على رجاله خاصة، بل يعتمد على مجموعة من المسلمين الذين لا يفقهون في الإسلام شيئاً ثم هم يروجون لمفاهيم أخطر من السمّ الناقع على الإسلام، وهذا ما يحتاج إلى مزيد بيان في هذا المقام. وسنحتاج في هذا إلى أن نعرض للتكوين الإسلامي للجاليات الإسلامية في بلاد الغرب كي نتعرف على الوجهة التى يؤتون منها في هذه الحملة الصليبية الحديثة.
تكوّن مزيج من المسلمين المهاجرين إلى البلاد الغربية، واختلط في هذا المزيج من قويت أواصره بوطنه الأم، ومن ضعفت رابطته به، لسبب أو لآخر، من هاجر وهو علي قدر من الدين والتمسك بفرائضه والبعد عن محرماته، ومن أتي إلى هذه البلاد وهو لا يعرف من الدين إلا اسمه، ولا يتقيّد بأوامره أو نواهيه، منهم من أخذ من العلم الشرعيّ بنصيب وإن قلّ، ومن لم يتعلق في عقله من الشرع إلا قدر ما يتعلق بالإصبع من ماء البحر.
وبدأت رحلة الدعوة في هذه النواحي من الأرض والتي تمثلت في إنشاء مساجد ومراكز إسلامية في كل مكان بالقارة الأمريكية. وكذلك تمثلت في تكوين مجموعات إسلامية للعمل الجماعي مثل ISNA و MSA و MAYA و مؤخرا منظمة IANA وغيرهم مما عمل علي تجميع القوى العاملة من أجل تقديم خدمات للمسلمين في مجال الشعائر والعلاقات الاجتماعية وغيرها.
ولكن، كأي طلائع للتواجد المادي والتغلغل الفكري لحضارة في كيان حضارة أخرى، قد قلّ، بل ندر، من كان علي علم ودراية بالشرع، إذ أن هجرة ذوى القدرات العلمية الشرعية كانت غير مألوفة في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، فوقع المحذور الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم واضطر من رأى نفسه، أو رآه الناس، أصلحهم أو أكثرهم علما، أن يتبوأ مقعد القيادة للحاجة إلى قيادات توجه الناس وتقيم الصلوات وتجمع الزكوات وتقوم علي حاجات المسلمين بشكل عام، فإن التجمع حول زعامة أمر مقرر في طبيعة البشر كما قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وما أصدق الشاعر في شطري البيت!
وبطبيعة الحال، كانت الاختيارات محدودة، واعتلي المنابر من اعتلى ممن حسنت نيته، علي الجملة، ولكن قلّ علمه، وانصرف جهده إلى "التنظيم" دون "التنظير"، والي دفع "الحركة" قبل إحياء "الفكرة"، تماما كما حدث في الشرق مع بعض الاتجاهات الإسلامية. ولجأ الناس إلى قادتهم يسألونهم الفتوى والإرشاد في أمور معاشهم ومعادهم. ونتج عن هذا الأمر أن ترقّى كثير من هؤلاء إلى مناصب ذات بريق أخاذ، كما استعانت بهم بعض الهيئات الإسلامية في العالم الإسلامي لمتابعة شؤونهم وتوسيع دائرة أتباعهم، لما أصبح لهم من نفوذ وسط العامة، فأصبح منهم رئيس كذا أو مدير هيئة كذا، وغير ذلك من المسميات الضخمة المبجلة مما كان له الأثر كل الأثر علي مسار الوجود الإسلامي في هذه البلاد.
(يُتْبَعُ)
(/)
أملت الظروف أن يعتلى المنابر في بلاد الغرب، قوم ممن حسنت نياتهم على الجملة، وإن خالطت هذه النية الحسنة المصالح الشخصية، وإن قلّ علمهم بالشريعة نتيجة نشأتهم في هذه البلاد بعيداً عن مصادر العلم، سواءا في ذلك مصادره الحية من علماء ومشايخ، أو مصادره المخطوطة من كتب ومراجع قديمها وحديثها على حد سواء، مع ضعف أو انعدام قدرتهم على قراءة العربية، بله تذوقها، ومما لا شك فيه أن هؤلاء الدعاة والخطباء قد أفادوا أبناء الجالية في نواحي عديدة ولكن الأمر أن الخطر كل الخطر في أنصاف المتعلمين الذين تسلم لهم قيادة الناس فيصدق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو: " ... إتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" [5]. وكان من جراء هذا الخليط أن ظهر من يرى أن إختلاط الفتيات بالفتيان والرجال بالنساء في الحفلات العامة هو من الأمور التي ترتبط بالعادات لا الدين، وأنه في بلادالغرب، هذه الحفلات المختلطة هي الوسيلة الوحيدة للفتيات للقاء براغبي الزواج! بل بلغت الفتنة بأحدهم – وهو مسؤول مقدم في إحدى الجمعيات الإسلامية المرموقة - أن صرّح بأنه قد حصر الهدف من حياته الدعوية في تكريس فكرة الإختلاط بين الرجال والنساء! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والأدهى من ذلك ما دها الجالية بعيد أزمة الحادى عشر من سبتمبر، هو ذلك الإختلاط الفكريّ والتيه العقائدي الذي أعقب هذه الأزمة، إذ عجزت تلك العقول التي لم تتشرب العقيدة في صفائها وبهائها أو إجمالها وتفصيلها أن تجد مخرجا من تلك الأزمات التي افتعلتها الإدارة الصليبية، مع الإحتفاظ بكيانها الإسلامي فكان أن اتخذت طرقاً أبعد ما تكون عن الشرعية، وجعلت تتلمس لها فتاوى في بعض ما جاء عن فقهاء مخلصين أفتوا في مناطات مختلفة أو اضطربت بهم الحال فأخطئوا في فتواهم مما فتح الباب على مصراعيه لهدم كيان الهوية الإسلامية في هذه البلاد وتدمير ذاتها.
درج المسلمون، إذن، في هذه البلاد على أن يتلقوا علمهم الشرعيّ وأن يلتمسوا الإجابة على ما قد يعنّ لهم من مسائل أو يعتري حياتهم الاجتماعية من مشاكل لدى "مشايخهم" و"أئمتهم" في المسجد أو المركز، أو في حلقة الأخ فلان أو جلسة الأخت فلانة. وقد نشأ نتيجة هذا الوضع، أمران غاية في الخطورة، هما من لوازم اجترار الحديث في دين الله بهذه الطريقة المنغلقة دون مرشد عالم أو معلم راشد، أولهما؛ تولد أفكار وآراء لا تمت للشريعة بنسب، وإن اعتقد أصحابها، ومروّجوها من أتباع مٌحدِثيها، أنها صحيحة ثابتة، وكأي آراء نبغت بها نابغة ممن قالوا بغير علم، استدلوا عليها بغير دليل واستشهدوا لها بمنطق زائف محيل، واجتمعوا عليها كأنها درّ منضود وكأن لواء الحق إلى يوم القيامة بها معقود!. سواء كانت هذه الآراء مما استوردها قائلها من محدثات "الشرق" كأقوال الصوفية وأفعالهم، أو من تمحّكات أهل الظاهر!، أو كانت مما اخترعه العقل الذي نشأ النشأة التي رأينا من قبل، والأمر الثاني هو التحزب والتشرذم حيث تكونت حول هذه الآراء حلقات، وتحزبت أحزاب وجمعيات عملية لا تمت للعلم بصلة.
والشاهد في هذا أن هذه الهجمة الصليبية قد أدت في الوقت الحاليّ إلى ظواهر في غاية الخطورة، قامت على ايديولوجية محددة تعرف بفكر "الإندماج" [6] ثم تنبني عليها ممارسات عملية معينة تولى كبرها من هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ثم منهم من ولد ونشأ في أحضان الفكر الصليبي وتخرج في جامعاتهم، فاختلطت عليه هويته الإسلامية وانتماؤه الغربي ولم يميز بينهما، بل حمل هذا الإضطراب العقائدي إلى تجمعات المسلمين السذج بالكتابة والمحاضرة، ثم دقت له طبول الغرب الإستشراقي منبهة إلى مكانته بالهجوم عليه تارة ثم الدعم له والإشادة بدوره تارات. وفكر الإندماج، أو العصرنة كما يحلو للبعض تسميته [7] خلاصته أن يندمج المسلم في المجتمع الذي يعيش فيه بكل ما تعنيه كلمة الإندماج، وكما عبّر بعضهم، فإنه يجب أن تصبح مشكلاتهم مشكلاتنا وآمالهم آمالنا وآلامهم آلامنا! فيصبح المسلم المقيم في أمريكا أمريكيا ثم مسلما، ويصبح المسلم في كندا كنديا ثم مسلما، إن كان هناك بد من التفرقة بين الإسلام والجنسية الأمريكية فإن الجنسية تأخذ المقام
(يُتْبَعُ)
(/)
الأول. ثم كان من جراء هذا الفكر أن نشطت القوى ذات المصالح الشخصية في إقناع المسلمين أن من أهم ملامح الإندماج هذا هو أن يندج المسلمون في العملية السياسية الغربية بكامل أبعادها، وأن لا يقتصر ذلك على مجرد إنتخاب من يرونه أصلح للمسلمين وأجلب لمنفعتهم! [8] بل يتعداه إلى ترشيح بعض ممن يتسمى بأسماء المسلمين للمناصب السياسية التشريعية! والسؤال المطروح هنا هو: هل منطلق هؤلاء إسلامي؟ أم أنها المصلحة الشخصية التي تعمى أصحابها عن الحق، وتزين لهم طريق الضلال هي الدافع الرئيس وراء مثل هذهالتجمعات؟ سؤال تحتاج إجابته إلى شجاعة وإخلاص قد ينجيان صاحبهما من النار. ثم إن أحسنا النية في مثل أصحاب هذه الدعوات، أفلا يرى أمثال هؤلاء ما يعانيه المسلمون من خطر الإختلاط بالمجتمع الغربي اللاديني ابتداءاً وما يتعرض له الأبناء والبنات من مسخ للشخصية الإسلامية وضعف الإرتباط بالدين واللغة حتى تكون دعوتهم إلى مزيد من الإندماج؟ أهذا ما يحتاجه المسلم في الغرب، مزيد من فقد الهوية وقلة العلم ومزيد من تقوية الروابط مع هذا المجتمع المؤسس على غير هداية الله. ألا يستحى هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بالدعاة أن يدنسوا هذا الوصف بضحالة العلم أولا وفساد النية ثانيا ً؟ ألا يتقون الله في هؤلاء الشباب المضلل المغرر الذي يتبعهم على غير علم؟ ألا ينظرون ينظرون إلى مقاصد الشريعة من حفظ الدين وتقديمه على حفظ بقية المقاصد الأصلية من نفس ومال وعرض وعقل؟ وهل حفظ الدين يكون بأن يهاجر المء أولا إلى بلاد اللادينية ثم يقرر أنه في وضع اضطرار للتعامل مع الواقع ثم يقرر أم الإندماج ضروري لإستمرار الحياة وجلبالمصالح، فما هذا المنطق المعكوس، إذ تفتعل الأزمة ثم يتبنى الحل المغلوط للتغلب عليها؟ أليس هناك من وسائل أخرى مثل إنشاء جماعات ضغط اقتصادية للتأثير في العملية السياسية في هذه البلاد، دون الإنخراط في صفوف الأحزاب العلمانية التي أسست على اللادينية البحتة والإلتزام بأهدافها وتحقيق مبادئها؟ أيتمشى هذا مع مفهوم الولاء والبراء، أم أن هذا المفهوم هو من المفاهيم التي يجب أن تتقلص في هذه الأيام نظراً للفهم العصريّ التجديدي الإندماجيّ للإسلام الذي لا تسمح بغيره الهجمة الصليبية الغربية؟ والذي يروج له "الدعاة" ممن هم من جلدة المسلمين ويتكلم بألسنتهم! ومن المعروف أن من ينتخب عضوا بمجلس الممثلين أو الكونجرس فإنه يحصل على راتب شهري محترم، ثم، بعد أربع سنوات، يتحدد له معاشاً فخماً لا يحتاج إلى أن يعمل بعده!
وقد يتذرع بعض هؤلاء بأن من الفقهاء العلماء الذين هم فوق الشبهات في إخلاصهم من أفتى بصحة الإدلاء بالأصوات في الإنتخابات، مثل الدكتور صلاح الصاوى [9] والشيخ بن جبرين، ومع تقديري لكليهما إلا أنهما قد أخطئا خطأً بيناً في هذه الفتوى، ولم يراعيا فيها مآلات هذا القول، إذ أنه أصبح باباً يلج منه كل من يحمل جرثومة الإندماج في المجتمع الغربي، وكان من الأحرى أن يصدرا، خاصة في هذا الجو الملبد بالدسيسة للإسلام، من واقعية انعدام الهوية الإسلامية من أن يصدرا عن موائد الفقه النظري الذى، في مثل هذه الحال، إثمه أكبر من نفعه. إلا إننا نقول أن المسلم إنما يتعلق بالحكم الشرعي لا بآراء الرجال مهما كانت أسماؤهم أو مناصبهم. ثم نقرر أن ليس من هؤلاء من أباح الترشيح للمناصب السياسية، بل رؤوا أنه لا بأس بالإدلاء بالأصوات الإنتخابية حين تحقق المصلحة، وكان أن انفتح باب من أبواب جهنم وصار الإندماج في الحياة السياسية بشكل كامل والترشيح للمناصب السياسية من تداعيات الخطأ في الإفتاء وعدم تقدير حال من تُقدم له الفتوى وكيف سيتعامل معها، ورحم الله بن عباس حين أفتى لمن ظن أنه مقدم على قتل خصمه حين سأله: أللقاتل توبة؟ قال: لا، فسأله أصحابه بعد أن غادر الرجل: كنت تقول أن القاتل يتوب، قال رضى الله عنه: هذا رجل جاء يريد أن يأخذ فتيا لقتل صاحبه"، فاعتبر بن عباس مآلات الفعل وأفتى بغير الحكم الأصليّ، وسبحان من له العلم كله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم نبغت طائفة أخرى كان لها مصلحة عليا في أن ترتبط مقدراتها برؤوس تلك الهجمة الغربية، وهى طائفة المتصوفة، فعمل العديد من دعاتها علىأن ينشروا، إلى جانب بدعهم العقائدية، فكرة الإندماج والذوبان في المجتمع الغربيّ، بل إن منهم من ظهر بصحبة الرئيس الأمريكي في جلسة من جلسات الكونجرس، واشار عليه في كيفية التعامل مع المتطرفين من المسلمين! وأطلق القول بأن السياسة الأمريكية الحالية هي خير وبركة وأمر لابد منه للتخلص من الإرهاب! وهو صحيح إذ أن فيه التخلص ممن اتبع السنة وهجر بدع التصوف وخرافات أصحابها، ثم إن من هؤلاء من هم ممن انتحل الإسلام حديثاً من نصارى الغرب واستقر في ضميره رهبانيات النصارى وضلالاتها، فكسا بها عقائد الإسلام، تماما كما حدث في بدء نشأة التصوف [10].
وقد توجت جهود هذه الطوائف مؤخراً بعقد مؤتمر حاشد في مدينة تورونتو، تحت اسم "مؤتمر بعث الروح الإسلامية" [11]. وقد استضاف المؤتمر الذي حضره ما يقرب من عشرة آلاف مسلم "مضلل" عديد من أصحاب الأسماء اللامعة في سماء الدعوة التي لم يعد لها قيود ولا ضوابط تذود عنها إبطال المبطلين وخداع المخادعين، ومن هذه الأسماء من ينتمون إلى حركات دخلت عليها شبهات الإرجاء من قديم، ومنهم من يبطن التصوف وعلنه في منتديات الإستشراق، وينكره ظاهرا في منتديات المسلمينً [12] ومنهم من نشأ وربى في أحضان العلمانية واختلطت عليه الشخصية الإسلامية بالإنتماء الغربي اللاديني فحاول التلفيق بينهما! ومنهم من قامت دعوته على أن الإسلام دين يعنى بالقلب، ولا يجب فيه التعرض للسياسة وأصول الحكم، وكان من مضحكات فتاوى هذا الأخ الداعية في هذا المؤتمر أن قدّم النصيحة لفتيات فرنسا بشأن القانون الحالي لمنع الحجاب "أن تظل الفتيات على مداومتهن للدراسة، على أم يستبدلن الحجاب على باب المدرسة بالطاقية الفرنسية"! والرجل جادٌ في تلك الفتوى!! وقد كان تركيز المؤتمرين بشكل كليّ على أمرين: أولهما: أن يجتمع فيه "مسلمون" مهما اختلفت مشاربهم وتباينت اتجاهاتهم وتضاربت بدعهم وأصولهم، والثاني: أن تصل الرسالة الأصلية إلى الشباب المسلم أن اندمج في هذا المجتمع دون تحفظ إذ أنت من أبنائه ولا مانع في الإسلام من أن تكون وليا للكفر معينا عليه مصححا له في بعض الأحيان، فإن من ينتخب لمجلس من مجالس التشريع مثلا لن ينجو من هذا الموقف في يوم من الأيام رضي بذلك أم كره.
لم تقتصرالهجمة الصليبية الصهيونية على غزو بلاد المسلمين وتعبيد كبرائهم ونهب ثرواتهم في عقر دارهم، بل إنها تتبعت من هم من ذرياتهم ممن يعيش في أطراف الدنيا لتقضي على هويتهم وتذيبهم في حضارتها وتخلع عنهم ذواتهم ليكونا مسخاً لا إلى إسلام ولا إلى كفر. واستخدموا في هذا المخطط من هم من جلدة المسلمين ومن يتحدثون بألسنتهم، ليتم البلاء وتعم الفتنة.
اللهم مالك الملك اكتب لنا النجاة من كل فتنة واكشف للمخلصين عن خداع المخادعين وافضح عوار المبطلين، إنك سميع بصير.
[مجلة المنار الجديد 2004]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] تختلف قوة الهجمة وحدتها حسب العلاقة التي تربط الإدارة الأمريكية بالحكومات المعنية، فهي على أشدها في الولايات المتحدة ولكنها أخف حدة بكثير في بعض بلاد الغرب مثل كندا
[2] Patriotic Act
[3] The Dreyfus Affair, Eric Margolis, The Toronto Sun, Canada, January 19th, 2004
[4] وأفرق بين الغرب الصليبي الذي يسير على نهج الإدارة الأمريكية الحالية، والغرب المسيحي الذي عايش المسلمين قرونا دون أن يصل أمر العداء فيه إلى هذا المستوى من السفور.
[5] البخاري، كتاب العلم
[6] Integration with the Western Civilization
[7] إقرأ إن شئت ما كتب طارق رمضان في هذا الشأن مثل كتابه: Islam, the West and the Challenge of Modernity
[8] إن كان هذا ممكنا أصلا إذ أن الله سبحانه قد قرر أن "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" وهؤلاء يقلون بل سيرضون عنّا دون ذلك، والشواهد كلها تؤكد صدق القرآن إذ أن من والوهم لم يتقدموا مثقال خطوة، بل رفض الغرب المشروع الإندماجيّ الذي قدّمه هؤلاء وقرروا أن يجب على المسلن أن يذوب ذوبانا كاملا فيالمجتمع الغربي دون تحديد لهوية.
[9] انظر ردي في عدد المنار الثالث عشر على فتوى الدكتور صلاح الصاوى الصادرة في العدد الخامس للمنار الجديد بهذا الشأن.
[10] راجع كتابنا "التصوف نشأته وتطوره" طارق عبد الحليم ومحمد العبدة.
[11] Reviving Islamic Spirit, Toronto, January 2nd to January 4th, 2004
[12] راجع محاضرة حمزة يوسف التي ألقاها في جامعة برنستون، مهد الإستشراق، تحت عنوان "التصوف في الإسلام" وأن الإسلام هو التصوف بتاريخ 4 مايو 1997، تحت إشراف جمعية "كير" الإسلامية CAIR !!(/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {نعم .. أين الحياد وأين الموضوعية! .. تعقيب على مقال}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 03:36]ـ
نعم .. أين الحياد وأين الموضوعية! .. تعقيب على مقال الدكتور جابر قميحة
كنت أود أن أصرف جهدي الذي استنفذته في كتابة هذه السطور في أمر أكثر فائدة للمسلمين من هذا الأمر الذي أنا بصدد عرضه، خاصة والحال التي تدنينا إليها كأمة، أفرادًا وجماعات ومجتمعات، أصبحت لا تخفى على أحد، مفكرًا كان أو غير مفكر، إلا أنه في بعض الأحيان يداهمك أمر من الأمور، وتنزل بساحتك نازلة تجد نفسك أمامها مضطرًا لتجريد القلم أو اللسان لبيان ما قد يخفى أو يختلط على الناس في شأن هذه الواقعة أو أمر هذه النازلة. ولهذا السبب ذاته، سأجعل هذا الحديث أقصر ما يكون دون أن أخل بالمراد منه إن شاء الله تعالى.
وهذا الأمر الذي نحن بصدده هو المقال الذي تفضل فيه الدكتور جابر قميحة بالرد على مقال الأستاذ جمال سلطان بشأن "التيار التجديدي" في جماعة الإخوان المسلمين، في تصدير العدد الحادي والعشرين من مجلة المنار الجديد.
وللدكتور قميحة، ولغير الدكتور قميحة، أن يرد على أي مقال، وأن يعرض رأيه فيما يعرض غيره من آراء على الناس، عملاً بمبدأ حرية التعبير أو المبدأ الشرعي المقرر من "أن البيان يقع عند وقت الحاجة". لكن ما ليس للدكتور قميحة، ولا لغير الدكتور قميحة، أن لا يلتزم هذا الرد الحدود المتعارف عليها في أسلوب الحوار الفكري وما استقرت عليه الأعراف في مجال النقد الموضوعي من أن يتعفف عن استخدام ألفاظ أو الإشارة إلى معان فيها مساس بشخص الخصم أو غرضه ونيته فيما قال.
و مقال الدكتور لم يخلو من هذه الهنات التي تنغص على القارئ وتفرض عليه لونًا من الحرص في تقبل المادة المعروضة، خاصة مع ما شاب المقال من نفثات غضب وانفعال لا يخطئها القارئ المتعجل؛ بله القارئ المتأني، قد توحي بالتعصب والتحيز، فيما لا يصح فيه التعصب والتحيز.
ومثال على ذلك قوله في ص 112: " .. وابتكار ما لا وجود له ... " وهو يكاد أن يكون رميا صريحًا بالكذب! ولو اكتفى الدكتور قميحة بما أورد في شبهة "اضطراب الإسناد" التي تغني عن مثل هذا التعليق المشبوه، لكان خيرًا له ولمصداقية المقال وحياده.
ثم يأتي دور النظر فيما رد به الدكتور قميحة على مقال الأستاذ جمال سلطان. وقد ارتضيت أسلوبًا يسهّل على القارئ معرفة موضوع الدعوى التي وردت في مقال الدكتور قميحة، وما رأيناه من تعقيب عليها، فأوردت مختصرًا أمينًا لأقواله، مبوبة حسب ما بوبها، ثم أتبعتها بما هو لائق من التعقيب عليها.
اضطراب الإسناد:
احتار الدكتور قميحة بعد قراءته للمقال ثلاث مرات أن الكاتب (الأستاذ جمال) لم يُنَسِّب - بشد السين وكسرها - ما ذكره من أقوال بأن يذكر أسماء من قالوها أو عمن أخذها وأين ومتى وكيف، كما أنه (الأستاذ جمال كذلك) قد خلط في كتابته بين ما هو من رؤيته الخاصة وما هو من أقوال الغير. يقول الدكتور " .. وليس فيه عبارة واحدة محالة على مرجعها، أو واقعة محددة الزمان والمكان، والاتهامات تلقى على عواهنها دون تحديد ولا أدلة ... " ص 113. كما أنه يقول في نفس الصفحة "فإسناده إلى "تيار" لا أشخاص".
ونرفع حيرة الدكتور بأن نقول أنه ليس من شك في أن إسناد الأقوال إلى أصحابها هو من قبيل السنة المعتمدة، ومما استقر عليه عمل الأوائل في تحقيق الأقوال حتى لا يفسد ما بين الناس بظنيات الأقوال وعواهنها. ولكن لا أظن أنه يخفى على الدكتور قميحة أن هناك مواقف وموضوعات يصعب فيها ذكر الإسناد لاعتبارات عديدة لا محل لذكرها في هذا الموضع، عملاً بأنه ليس كل ما يُعرف يقال. والمهم، إن فهمنا هذه الجزئية، وفهمها معنا الدكتور قميحة، أن ننظر إلى محتوى الأمر المعروض فنحاول أن نرى مصداقيته من أرض الواقع، بدلاً من التعلل في رفضه بعدم وجود الإسناد!
(يُتْبَعُ)
(/)
أما إسناد الوقائع إلى تيار، فلا أدري ما الذي أثار الدكتور قميحة في هذا الأمر؟ والتيار قد يكون قويًا أو ضعيفًا، وما عليه لو قال أن هذه الوقائع التي يرددها البعض، وإن كانوا قلة على حد زعمه، تمثل تيارًا لا يزال في مهده، وأن الإخوان شاكرون لتنبيههم لما يجري في هذا الشأن، وأن قياداتهم ستحقق في هذا الأمر، وأنهم يدعون كاتب المقال إلى أن يسعفهم بوقائع وأسماء بالطريق الذي يراه صائبًا حتى يصححوا المسار، ما عليه لو كان هذا موقفه، فلم يتمسك بشكلية وإن كانت مراعاة في غير هذا الموضع، فإنها لا تستدعي غض البصر عن الدعوى بكاملها، ورفضها شكلاً وموضوعًا. أفيظن ظان أن عمر بن الخطاب كان يثور هذه الثورة إن أبلغه أحد من الناس أن هناك خلل في ثغر من ثغوره؟ لا والله الذي لا إله إلا هو؟ ولكن أين نحن من عمر؟! بل والأدهى من ذلك، مما لم ينتبه إليه الدكتور قميحة، أن هذه الثورة هي في حد ذاتها أدل دليل على صدق ما قرره "التيار التجديدي" من العصبية المغالية التي يتردى فيها بعض منتسبي العمل الإسلامي بشعور أو بغير شعور منهم.
أما عن الاختلاط والاضطراب بين ما هو من قول الأستاذ جمال أو رؤيته، وما هو من قول "الآخرين"، فأحيل الدكتور إلى ما كتبه بشأن عدم إيراد الأدلة في المقال، إذ لا أدري أي المواضع يعني، فلعل الدكتور يورد مثالاً مما اختلط عليه كي نوضحه له ونزيل التباسه. كما أحيله إلى ما ذكره الأستاذ جمال سلطان في مقدمة الجزء (4) من مقاله حين قال: "من خلال الحوارات التي تمت والقراءات التي عرضت، يمكن أن نوجز - بما يناسب المساحة المحدودة هنا - أهم المحاور التي يطرحها "التيار التجديدي" في الإخوان المسلمين ... ". ألا يفهم من هذا أن ما سيأتي بعد ذلك هو من قول أو طرح التيار التجديدي؟ وإن استعار الكاتب لسانه ليدلل على ما أتى على لسان الآخرين، وهو ليس بمستغرب في أسلوب الكتابة وطرق البيان، ولا أظن أن ذلك أمر يفوت مثل الدكتور قميحة. وقد كان من الجلي الواضح أن الأقسام الثلاثة التي سبقت ذلك هي من فكر الأستاذ جمال الذي أثارته مراجعات التيار الجديد.
التحويل غير المبرر:
ينعى الدكتور، في هذا الموضع، على أصحاب التيار التجديدي أنهم قد وجهوا سؤالاً إلى المرشد العام للجماعة بشأن الغلو في تقدير الجماعة، وأن هل الجماعة تعتبر نفسها "جماعة المسلمين"؟ يقول الدكتور في محاولة تنظير ما يراه: "إذا وجهت سؤالا إلى شخص ما لاستطلع رأيه في مسألة أو مشكلة معينة، وأجابني فيها، فبها ونعمت، أو ظهر أنه عاجز عن الإجابة قاصدًا، فمن حقي أن أقصد الآخرين بالسؤال .. " صـ113. ويقول: "ولكن الإجابة جاءت من الشيخ فيصل المولوي فقيه الجماعة (لبنان)، كما جاءت من الأستاذ فتحي يكن" الصفحة السابقة.
والرد على هذا يكمن في أن سؤال المرشد عن هذا الأمر لا يبعد أن يكون سؤالاً لم يلق ردًا مباشرًا لسبب من الأسباب، كما أنه قد يكون سؤالا معنويًا لإظهار ما يعتري هؤلاء الشباب لم يفهم منه المرشد إرادة الرد عليه بالتحديد، ويمكن أن يكون هذا أو ذاك من الأسباب، ونتساءل: ما الخطأ الذي لا يغتفر في أن يلتمس المرء إجابة عن تساؤلاته من كبار مفكري وفقهاء الجماعة من منتسبي الإخوان، سواء في لبنان أو في سوريا أو في غيرهم ممن أشار إليهم بقوله "الآخرين!! "؟ وهل الأستاذ فتحي يكن غير مؤتمن على إجابة مثل هذا السؤال؟ وهل هذه نقطة ينحرف بسببها منتسبو الإخوان عن النظر الموضوعي في مثل هذه الاتهامات الخطيرة ومحاولة رصدها وإصلاحها؟ وهل عبر الأستاذ فتحي يكن أو الشيخ المولوي عن فلسفة الجماعة بغير ما عبر به مرشدها؟ إن كانت الإجابة بنعم، فالخلل واضح إذن والخرق متسع عما قرره أصحاب تيار التجديد، وإن كانت بلا، فليخبرني مخبر فيم إذن فائدة هذا التعليق من الدكتور؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا رجعنا إلى مقال الأستاذ جمال سلطان، نجد أن السياق يلمّح - دون تصريح - إلى أنه قد يكون السبب في ذلك أن المرشد قد تباطأ في الرد المباشر على ذلك التساؤل، إذ قال، بعد ما أورد صيغة السؤال الذي وجهه أصحاب "التيار التجديدي" إلى المرشد: " ... ولكن الإجابة جاءت من الشيخ فيصل المولوي ... كما جاءت من الأستاذ فتحي يكن ... ". وهو ما يجعل السؤال موجهًا مرة أخرى للدكتور: لماذا لم تأت إجابة مباشرة لذلك التساؤل المباشر حين وروده؟
إنّ تساؤل الدكتور قميحة "فأين الغلو المتزايد في تقدير الجماعة" مردود عليه من واقع تعقيبه في مقاله ذاك، الذي هو أكبر دليل على صحة ما ينسبه أصحاب تيار التجديد إلى قيادات الجماعة ومريديها من الغلو المتزايد في تقدير الجماعة لدى منتسبيها، والذي نفاه عنها الدكتور نفسه في صـ 114. ونسأل الدكتور: هل هناك أمر من الأمور التي يراها الإخوان من مثالب حركتهم أو حتى من صغائرها أو أخطائها وهناتها، فيذكره لنا؟ أم هي حركة تجردت من الأخطاء والمعايب، فصارت أشبه ما تكون بزخم الصحابة في مطلع الدعوة، لا خطأ ولا انحراف؟ وهو ما أراه متضمنًا في دعوى الدكتور، فإنه لا تكفي الإشارة إلى أن هناك أخطاء وهنات ليقنع الناس بأن الحركة ترى ما فيها من زلات وانحرافات، وتنقد نفسها نقدًا ذاتيًا. وأن تساق هذه الكلمات التي أوردها في صـ 118 على استحياء، من أن الجماعة لها أخطاء وهنات، فتُدَسّ في خضم من التمجيد والغلو الحقيقي قبلها وبعدها، لناطق بما يعتقده الكاتب وإن دُسّت هذه الألفاظ دسًّا بين الكلمات، حتى لو أنه تُرك لكاتبها أمر طباعة المقال، لأمر بطباعة هذه الكلمات "بفونط 4"!
لعبة الاستبدال:
استعرض الدكتور القميحي نصًا للدكتور محمد حبيب يشرح فيه طبيعة حركة الإخوان ومفاهيمها وما بنيت عليه وما تراه في مجال العلاقات الأخوية بين أعضائها، وهو نص قام شباب "التيار التجديدي" باستبدال كلمة "الإخوان" فيه بكلمة "الإسلام"، فما وجدوا تغيرًا في المعنى، مما اتخذوه دليلاً إضافيًا على ما يقصدونه من أنه رغم أن التوجيه النظري يؤكد أن جماعة الإخوان هي جماعة من المسلمين، إلا أنها، بتصرفاتها وبلا وعي من قياداتها، تعكس مفهومًا آخر هو أنها جماعة المسلمين. ثم يقرر الدكتور قميحة ضعف وتهافت وعبثية هذه المحاولة، وأنها جاءت تقتطع من سياق الحديث ما يخدم غرضها: "ألست معي - بعد كل أولئك - أن فكرة الاستبدال هذه أقرب إلى العبثية منها إلى المنهج السوي والتفكير السديد" صـ 117 ويسوق للدلالة على عبثية المحاولة نصوصًا من جان بول سارتر عن الوجودية ويستبدل فيها كلمة الإسلام بكلمة الوجودية، كما فعل الفعل ذاته مع نصوص من منشورات الجمعية الشرعية، فوصل إلى نفس النتيجة من عبثية هذا النهج.
وتعليقي على هذه النقطة بسيط ومختصر، فإنه يجب على من يعتقد أن جماعة الإخوان لا تزال تتألف من بشر يصيب ويخطئ، أن يتجاوز سذاجة المحاولة ذاتها - إن صح هذا التعبير - إلى ما هو أخطر من ذلك، أي دلالتها على ما يعتري هؤلاء الشباب من الرغبة في التعبير عن فكرة محددة تؤلمهم وتقض مضاجعهم، وتلجئهم إلى هذا الأسلوب الذي سخر منه الدكتور قميحة ووصفه بالعبث واللعب، بدلاً من أن يردد النظر في مدلوله ويأسف على أن يصل الأمر ببعض الشباب إلى أن يلجأ لهذه الوسيلة ليدلل بها على هواجسه.
ثم إنه فارق كبير بين استخدام مثل هذا الأسلوب لنصل به إلى تطابق الوجودية السارترية مع الإسلام، وأن يستخدمه شباب مخلص مسلم في محاولة إيصال مفهوم معين لعقل من لا يرى بعقله. وهم لا يتهمون الجمعية الشرعية بشئ، ولا أنصار السنة بشئ، بل هم، أحسبهم، رأوا تطبيقًا يجعل من جماعة الإخوان المسلمين "جماعة المسلمين" فاستدلوا بما استدلوا به بعد ما رأوه على أرض الواقع.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم إن هؤلاء الشباب لم يقوموا بهذه المحاولة لتكون دليلهم الرئيسي على ما ذهبوا إليه! بل هي إضافة قد عنّت لهم لتضيف قرينة إلى دليل على ما أحسب. ثم ثالثة، هبنا لا نقبل بهذا الأسلوب دليلاً قطعيًا على ثبوت أمر من الأمور الدينية العقائدية، وهو لا شك غير مقبول فيها، فهلا اعتبر في أمر من الأمور الاجتهادية، بقرائن تقويه كما ذكرنا، ثم هل نتغاضى عن هذا الأمر وننفيه كلية ونرفضه بتاتًا لأن من نبه إليه قد استخدم هذا الأسلوب؟ أليس هذا إمعانا في الشكلية ورغبة في إغلاق النوافذ والأبواب في وجه أي احتمال للنقد والتوجيه؟
التضخيم الاصطلاحي:
يؤكد الدكتور على ضرورة استخدام المصطلحات في حدودها المرسومة دون تجاوز "ينحرف بالمصطلح انحرافًا خطيرًا" صـ 117 ويقول بعدها: "ولكن المقال ترخص - إلى أبعد حد - فجعل من فرد أو أفراد يعارضون سياسة الإخوان "تيارًا" الصفحة السابقة.
وهو تكرار لما ذكره الكاتب من قبل في بداية حديثه من أن الأمر لا يتعدى حفنة خارجة عن الكل، لا يجب أن يؤبه برأيها أو أن يستمع للهجها، فهي ليست "تيارًا"! ولا أدري، كما ذكرت سابقًا، هل يجب أن تصبح هذه المخالفات الخطيرة التي ذكرتها الحفنة الخارجة عن الشرعية من الوضوح والانتشار بحيث يتكون من المحذرين منها "تيارًا" قبل أن نأبه لها (والدكتور يعني بالتيار هنا أن يكون قويًا عارمًا)؟ ألا يجب أن نسارع بوأد الفتنة في مهدها وهي لا تزال في حال ضعف قبل قوة؟ أهذا ما يقصد إليه الدكتور؟ أن نغض البصر عن هذه الظواهر حتى تقوى ويمثل مناهضوها تيارًا قويًا؟
ثم، ما هي قيمة أن يكون الناقدون حفنة صغيرة أو أن يكونوا "تيارًا" خضمًا عارمًا، إن كانت الحفنة صادقة، بل لو كان الناقد فردًا صادقًا لاستحق أن يُستمع له وأن يؤخذ كلامه مأخذ الجد، فهو في معرض النقد لا في معرض المدح، فهو أجدر أن لا يحمل على سبيل الهزل أو الاستهزاء.
وأمور أخرى:
يذكر الدكتور قميحة في صـ 116 أن جماعة الإخوان "يباركون جهود كل جماعة تعمل للإسلام بمصداقية ويمدون أيديهم للتعاون معهم"! دعوى بلا دليل.
لم بعلق الدكتور قميحة على ما ذكره الأستاذ جمال على لسان أصحاب "التيار التجديدي"، عن الحساسية المفرطة بشأن المراجعات لدى قيادات الإخوان، وعن الحذر والتحذير الشديد بشأن النقد الذاتي للجماعة، فهل هذا دليل على موافقته لأصحاب "التيار التجديدي" بشأن تلك الظواهر؟
من الاتهامات التي وُجهت للجماعة "تذرع قادتها بالمحنة والمطاردات الأمنية لتفادي النقد الذاتي والمراجعات ولتخدير الأجيال الجديدة .. " و "من حاول الإصلاح من الداخل أحاط به الشك والارتياب وعليه أن يستسلم أو أن يعزل .. " صـ 119 يعلق الدكتور قميحة أن مقال الأستاذ جمال: " .. لا تقدم دليلا أو شاهدا واحدًا على صحتها، ويجد القارئ نقضها فيما ذكرناه من قبل" .. وأسأل الدكتور قميحة: هل ما ذكرته من قبل في مقالك إلا محاولة نقض لأدلة رأيتها ضعيفة، دون بناء أدلة شاهدة على ضدها إلا من نصوص كتب أو أقوال في خطب ما أسهل أن يستدل بها المستدلون ... ! هؤلاء الشباب يتحدثون عن أرض الواقع وما يجري فيه يا دكتور قميحة، لا ما هو مسطور أو منشور. وإن تحيّرت في معرفة الفرق بينهما فارجع إلى أية جريدة حكومية في مطلع صباح أي يوم لتدرك ما نقصد ...
يذكرني ما ذكره الدكتور عن "نفي الصراع الداخلي بين الشباب والشيوخ" و أن "الكل منصهر في بوتقة واحدة" بتصريحات رسمية تصدر على الدوام عن مؤسساتنا السياسية الحكومية!
يستدل الدكتور بما كتبه المرشد الحالي و المرشد السابق - رحمة الله عليه - في تنظير فكر الجماعة، على ما يذهب إليه من آراء مثالية بشأن تطبيقات الجماعة على أرض الواقع، فهل يستلزم جمال النظرية وكمالها صدق التطبيق واعتداله ضرورة؟ ولو كان ذلك كذلك، لكانت أمة الإسلام اليوم هي أرفع الأمم شأنًا وأعلاها كعبًا، ولما احتاجت الأمة إلى الإخوان المسلمين ولا غير الإخوان المسلمين لتصحيح مسارها، فهل يا ترى هذا هو حالنا؟ فإن كان حال الأمة التي تحمل فكر الإسلام في فلذات أكبادها هو ما نراه ونلمسه، فما بالك بحال جماعة من المسلمين، ينظّرون ثم يطبقون بكل ما يعتري البشر من خلل في التنظير والتطبيق جميعًا؟
(يُتْبَعُ)
(/)
استدل الدكتور قميحة بعدد ممن تركوا الإخوان وخرجوا من الجماعة على أنهم من أبنائها ومفكريها، كالشيخ الغزالي رحمة الله عليه، والشيخ القرضاوي. فهل غاب عنه أنهم لم يعودوا من منتسبي الإخوان، أم هي عادة تأصلت في الجماعة أن تحيط بردائها من ارتفع شأنه، حين يتعذر تجاهله، فتنسبه لنفسها أمام العامة، كما حدث مع الأستاذ سيد قطب رحمة الله عليه.
ثم نهنئ الدكتور على المتغير في فكر الجماعة، الذي أدى إلى ترشيح أحد الأخوات في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة! ونترقب ما تأتي به المتغيرات في الأيام القادمات.
إذن فإن قضيتنا مع الدكتور قميحة في هذا الموضع هي قضية منهج، كما أنه رأى قضيته مع الأستاذ جمال قضية منهج كذلك. ومنهج الدكتور هو منهج المستمسك بالنظريات والحرفيات، الذي لا يريد أن يفتح عينيه على ما يجري حوله، إذ أن ما يجري حوله قد وصفه مرشدو الإخوان ومنظروهم في تلك الكلمات الساطعة والمفاهيم العالية، فما لنا ولهؤلاء الذين ينغصون علينا هذا الحلم الجميل، وما لنا يراد بنا أن نصرف الجهد في استقصاء ما تقصد إليه هذه الحفنة من الخارجين إن ثبت لدينا ما قد خطّته يراعات قاداتنا في كتبهم المطبوعة وعلى أشرطتهم المسموعة؟
ونحن لا نختلف كثيرًا مع الدكتور على ما أورده في مقاله من نقولات عن منظري الإخوان الأوائل، ولكننا نريد له أن يتجاوز المسطور ليرى الواقع وما قد يحتويه من شوائب تفسد حسنه وتهدد باغتيال مصلحته القائمة.
إننا، يشهد الله سبحانه، كبقية المسلمين الملتزمين بمنهج الإسلام، نريد للإخوان المسلمين أن يتحقق مطلبهم وأن تنجح مقاصدهم، بل وأن يصبحوا قوة مؤثرة في الواقع، بل أن يصبحوا القوة المؤثرة في الواقع، إذ أن مسعاهم هو مسعى كافة المسلمين الغيورين على الإسلام، وإنما نختلف مع الدكتور قميحة، وعن الدكتور قميحة، في أننا لا نرى النجاح في مساعي أي من الجماعات الإسلامية، سواء كانت هذه الجماعة أقدمها أو أوسطها أو آخرها نشأة، إلا بالأسباب التي جعلها الله وسيلة لتحقيق هذا النجاح، ومن أهمها أن لا ترى نفسها أعلى من النقد أو أنها مبرأة من كل عيب، أو أن مسيرتها هي المسيرة التي لا تخطئ وأن قافلتها هي القافلة التي لا تضل، وإلا فالإخوان على مسرح الأحداث منذ ما يربو على ثلاثة أرباع القرن، فأين الأمة من المنهج الإسلامي الآن؟ وأين هو النجاح الذي يستدل به على مسيرة لا تخطئ وقافلة لا تضل؟ إنه من الثابت المستقر أن نجاح المساعي الإسلامية قاطبة لن يتحقق إلا بضمان صحة منهجها وقدرتها على الالتزام بالسنن من ناحية، وبرؤية مناحي ضعفها بمنظار الآخرين من ناحية أخرى، فالعصر، يا أحبابنا من أبناء الإخوان، ليس عصر النبوة الذي لا يأتي مرشدَه _ الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، إنما عصرنا هو عصر اجتهادات إن أصابت فمن الله، وان أخطأت فمن أصحابها ومن الشيطان.
وكنت قد أصدرت قراءة في ملف الإخوان في العدد الثالث عشر من المنار الجديد، عرضت فيه لبعض تلك السلبيات التي أصبحت من معالم الإخوان، يكاد يجمع عليها من له علم بشأنهم، فليرجع إلي المقال من يشاء، إلا أنني أود أن أؤكد في هذا الموضع أنه لا عيب في أن تعالج الحركة مواضع ضعفها حتى تعود إليها مصادر قوتها، ولكن العيب كل العيب، والخطل كل الخطل في أن تغمض العين عما يجري في دهاليزها وبين أروقة أتباعها لكي تعيش في حلم "الجماعة الأم" وأمنيات "الكلُ منصهِر في بوتقة واحدة" وما إلى ذلك من تصورات تنبأ عن سلامة نية مصحوبة بغفلة عن الواقع وحقائقه.
ثم أمر في مقال الدكتور قميحة لا نختلف فيه معه، وهو أن خلاف الرأي لا يفسد للود قضية. والله من وراء القصد، سبحانه.
[مجلة المنار الجديد، 2003](/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {معالم في الفكر السياسي الإسلامي}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 03:39]ـ
معالم في الفكر السياسي الإسلامي
كنت قد عزمت على التوسع في بحثٍ خاصٍ بموضوع المصلحة المرسلة، مفهومها وحدّها وتطبيقاتها في زمننا المعاصر، باعتبار أنها من الأدلة الشرعية التي قد أسئ استخدامها في استنباط أحكام شرعية غير صحيحة، لسبب أو لآخر، ثم ما قد يشتبه بها كدليل الإستحسان من ناحية، وما قد يكون مشتركاً بينها وبين "البدعة" من ناحية أخرى، تتمة لبحث كنت قد دوّنته في منتصف الثمانينات. ثم إني طالعت مقال أخي الدكتور صلاح الصاوى التي نشرها في العدد الخامس من مجلة "المنار الجديد"، تحت عنوان "رؤية فقهية حول المشاركة السياسية للمسلمين في أمريكا". ففكّرت وقدّرت، ثم فكّرت وقدّرت، إمّا أن لا أعلق علي ما في المقال البتّة، وهو خارج عن المقدور، بل عن المفروض، وإما أن أخاطب أخي وصديقي في الموضوع كما تعودنا أن نتباحث فيما يعنّ لأحدنا في أمر من الأمور أو خاطر من الخواطر. لكن المقال قد خرج إلى حيز الفعل وأصبح مِلكاً لمن يقرأ من الناس، و"الفتوى" التي خلص إليها أخي الدكتور الصاوي أصبحت مرجعاً للمقيمين في أمريكا، ومنهم المتلهّفون على أن يضعوا أيديهم على مثل تلك الفتوى التي تفتح لهم باب ممارسة السياسة في الغرب على مصراعيه، إتكالاً على صحة فهمهم للواقع ودقة استنباطهم للمناط الخاص بفتواهم، خاصة حين تأتي "الفتوى" من عالم فاضل كأخي الدكتور، مرتكزة على ما قرره العلماء في باب المقاصد والسياسة الشرعية. فكان أن آثرت أن أناقش المقال على صفحات المجلة، ليصل إلى قارئيها الرأي الآخر، أو، إن شئت، نقيض الفتوى.
ولمقال الدكتور الصاوى جانبان، أولهما: دراسة خاصة ببعض جوانب "المصلحة" الشرعية، وما يتعلق بها من مباحث في موضوع "مقاصد الشريعة" وما يقدم منها وما يؤخر. وهو بحث طيب، ساقه الدكتور في ترتيب يخدم ما يريد أن يصل إليه من نتائج دون تعسف أو افتعال، وإن كانت هناك بعض نقاط تمس هذا الأمر، لم يتعرض لها البحث بشكل واضح. ثم الجانب الآخر، الذي نزعم أنه لم يُخدم الخدمة التي يستحقها، عن واقع الحياة السياسية في الغرب، وهو ما تستلزمه الدراسة الموضوعية، لتكون مُعيناً للمرء على تعرف ما يجب أن يفعله في مثل تلك النازلة التي يتعرض لها من كتب الله عليه الإقامة في هذه الأنحاء من الدنيا.
وأبدأ بأن ُقدّم لهذا الموضوع بمقدمات أحسبها ضرورية لفهم ما نخلص إليه من نتائج، منها ما هو من قواعد الفهم في الشريعة واستخلاص أحكامها، ومنها ما هو من مسلمات الواقع وأموره البيّنة كما عاناها من عاناها ممن أقام في الغرب.
مقدمات ضرورية:
القاعدة الأولى: "الإجتهاد المتعلق بتحقيق المناط، وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله، ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين محله" الشاطبيّ في الموافقات ج4ص90.وشرح هذه الجملة أن أي فتوى شرعية – او رأي شرعيّ كما يسميه بعض من لا يحب أن يقال أنه يصدر فتاوى، تورعاً وتقوى حيناً وتهرباً من مسؤليتها أحيانا – أقول: أي فتوى في أمر من أمور الحياة إنما هي مزيج من أمرين: الحكم الشرعي الأصلي، وهو حكم معلق في الهواء لا تعلق له بواقعة محددة، بل هو الحكم في الحالة الأصلية دون تعيين، ثم الواقع الذي يُفتى فيه، أو ما يسميه الأصوليون "مناط الحكم" أي ما يعلق عليه الحكم الشرعي فيصبغ عليه الحياة ويلبسه لباس الحقيقة والواقع. ومثال ذلك أن يقال أن الخمر حرام، فهو حكم شرعيّ أصليّ مجرد لم يتعلق بعد بأي حقيقة أو واقع، فإذا أراد امرئ أن يعرف ما هو حكم شرابٍ بعينه، وجب عليه أن يقوم بأمرين، أن يحلل الشراب حتى يعرف أنه مما يقع بكثيره السكر، ثم، إن ثبت هذا، ضْم إليه الحكم الشرعي بتحريم ما أسكر كثيره، فخلصت الفتوى: أن هذا الشراب بعينه حرامُ. وهذا القدر من الإجتهاد ضروري لا غنى عنه لمن أراد أن يتصدر لفتوى في أيّ من أمور الدنيا.
(يُتْبَعُ)
(/)
القاعدة الثانية: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وهو ما لم يتعرض لذكره أخي الدكتور في مقاله، ومعنى هذا أن أمراً من الأمور يظهر أن ما يسببه من ضرر على الفرد أو على الجماعة أكبر من نفعه لهما أو لأحدهما، فيكون تركه أولى من فعله. وهذه قاعدة من أهم قواعد النظر في أصول الشريعة إذ يبنى عليها الإقدام والإحجام في كثير من الأمور عن علم لا عن هوى. فلو فرض أن عملا ما قد قدر البعض ان فيه نفع له أو لقومه وعشيرته، ولكنه في نفس الوقت، سيجلب عليه أو عليهم ضرراً أكبر وأعم، قُدم المنع على الإباحة بلا خلاف.
القاعدة الثالثة: أن المصالح تقدر بحسب تحقق وقوعها أو إحتماله، وبحسب عموميتها وخصوصها، وبحسب وقوعها حالاً أو مآلا. ومعنى هذا أن المصلحة إن كانت ظنية غير متحققة الوقوع، قلل ذلك من الدافع لفعلها خاصة إن تعارضت مع محذور، الظن بوقوعه أكبر من تحققها في نفس الأمر. ومثال ذلك، من واقع حياتنا، أن يريد يرى أحد الناس أن يخرج للتريض في الهواء الطلق في يوم بارد، وهو يعلم أنه يعاني من صدر به حساسية للبرد، فمصلحة التريض قد قوبلت بمفسدة المرض، وفرصة تحقق المرض أكبر كما عانى هذا الرجل من قبل، فينصح بالكف عن التريض. كذلك فإن المصلحة إن كانت تخص عدداً أكبر من الناس كان لها تقدير يختلف عما إن كانت تخص فرداً أو أفراد منهم بالتحديد.
القاعدة الرابعة: المصلحة والمفسدة إن كانت أحدهما مما خفيّ فإن لهما حكماً، فإن خفيت المفسدة وصعب إدراكها أقدمنا على الفعل لتحصيل منفعته، وإن خفيت المصلحة وصعب إدراكها امتنعنا عن الفعل لدرءِ مفسدته " راجع في هذا الباب قواعد الأحكام في مصالح الآنام للعز بن عبد السلام ج1ص50 وبعدها فهي من روائع ما كُتب فيه "
القاعدة الخامسة: "ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره" الموافقات ج4ص190. وهي قاعدة هامة قعّدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري ومسلم عن عمر "قال فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فخلهم" ومثله حديث سلمان مع حذيفة وحديث بن عباس عن عبد الرحمن بن عوف.
ومؤدّى هذه الأحاديث أن من الأمور ما لا يستلزم أن يفتي بصحته، وإن كان صحيحا في ذاته فمن العلم ما يكتم ومن العلم ما يفتى بخلافه لمصلحة متحققة، كما فعل بن عباس رضي الله عنه في فتواه بأنه لا توبة لقاتل حين استفتاه من استشعر منه الرغبة في قتل خصمه.
وخلاصة كل ما ذكرنا أن الفتوى الشرعية محكومة بمتغيرات كثيرة يحسب لها المفتي حساباً ويقدّر من خلالها مآل ما يفتي به فتأتي فتواه على حسب ما قدّر الشرع في نفس الأمر. فإن صدرت فتوى (أو رأي شرعي لمن يحلو له أن ينجو من أخطار الدخول تحت باب الإفتاء) دون أن يعتبر فيها كل هذه المتغيرات، جاءت الفتوى مبتورة ضررها أكبر من نفعها.
معالم العمل السياسيّ في أمريكا:
نأتي الآن إلى مناقشة الجانب الواقعي من هذه المسألة المطروحة. فالحياة في أمريكا، وفي بلاد الغرب بشكل عام تتميز بتقديم ما هو ماديّ على ما هو معنوي أو خلقيّ. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن القوم قد فرّطوا كلية في الجانب الخلقي من حياتهم، إنما يعني أنهم، أو أكثرهم، يتّبعون القواعد الخّلقية ومعاييرها لأنها تؤدي في غالب الأحيان إلى نتائج أفضل من الناحية المادية الحياتية، وهو ما يطلق عليه المتفلسفون مذهب "النفعية" أو "البراجماتية" وقد يندرج في بعض جوانبه تحت مذهب "الوضعية المنطقية". على كل حال، هذا هو مذهب القوم في الحياة العامة. ثم حين يأتي الأمر إلى ممارسة السياسة، فإن هذه النزعة المادية تتضخم بشكل مخيف، فالأمر أمر أمة من الأمم ومصلحتها العليا، ثم، وهو الأهم، هو أمر مرشح حزب من الأحزاب لا يهمه إلا أن يفوز حزبه بالأغلبية ثم أن يفوز هو بترشيح حزبه مرّات أخر.
(يُتْبَعُ)
(/)
هناك ثوابت في معالم العمل السياسي في الغرب، لا تتبدل ولا تتغير، منها على سبيل المثال لا الحصر، مراعاة حقوق الطائفة اليهودية إلى أقصى الدرجات، فلا يقال و لا يفعل ما ليس في مصلحتهم، بل لا يقال و لا يفعل ما هو في مصلحة غيرهم وإن لم يضر مصالحهم، إن قدروا على ذلك. ثم الكسب المادي، فممارسة السياسة ليست عملا وطنياً أو دينياً شرعياً يراه هؤلاء كما نراه، بل هو اغتنام موقف واهتبال فرصة لائحة لتحقيق الكسب المادي للمرشح ولمن حوله. والوسيلة إلى ذلك الخوض في أمور يرونها من المباح ونراها من الحرام، كشرب الخمر والسهر في حفلات صاخبة والتأنّس بالنساء والتقرب إليهن للوصول إلى مرضاة أزواجهن وغير ذلك من وسائل تليق بأغراضهم وتناسب عقائدهم. ويخطئ خطأً بيّناً من يعتقد أنه من الممكن أن يدخل امرئ غمار السياسة في هذه البلاد ثم لا يتلوث بدناساتها أو أن ينجوا من خساساتها. هذا أمر لا يَفترض إمكان تحقيقه إلا غافل عن حقائق العمل السياسي في الغرب أو مُغرض يسعى لتخريب الطاقات الإسلامية بدفعها للإنغماس في مثل هذه الدناءات.
وقد قضى الله سبحانه على كاتب هذه السطور، بعد أن قضى زمناً ليس بالقصير في هذه البلاد، أن ينغمس في مجال العمل الحرّ وأن يكون له علاقات بمن بيدهم بعض الأمر. وأشهد الله سبحانه أنني لم أجد منفذاً لمن أراد الترقي إلا بممارسة أعمال غير مشروعة أو بتمويل حملات دعائية وحضور مناسبات خاصة مع السياسيين للتقرب إليهم وممارسة ألعاب الرياضة "مثل الجولف" معهم في نواديهم ومع نسائهم .. إلى آخر ذلك مما استعفف عنه كاتب هذه السطور في حينها. هذا في مجال العمل، فكيف بالسياسة التي هي مفتاح المُغلقات في مضمار الإقتصاد والتي يتقرب رجال الأعمال إلي رجالاتها بما يخطر لك وبما لا يخطر لك من وسائل ومغريات.
وأذكر أن أخاً مسلماً يعيش في هذه الأنحاء من البلاد قد ركن إلى فتوى مماثلة صدرت من أحد المتبوعين في هذه الأنحاء (من أتباع حسن الترابيّ) دون أن ينتبه إلى مثل ما ذكرنا من محذورات، فدفع بإبنه إلى الإشتراك في حملات إنتخابية خاصة بحزب من الأحزاب ثم عرفتُ أنه قد تعود حضور حفلاتهم التي يمارس فيها ممنوعات شرعية. وقد كتبت في حينها بهذا الشأن (قبيل صدور مقال أخي الدكتور) أقول: "وآخر يدفع بأبناء المسلمين ليلتحقوا بالهيئات السياسية الكافرة ليفيدوا قومهم إن انتُخبوا أعضاء في الوزارة أو في مجلس الشيوخ، وينسى أنّ للاختلاط بهؤلاء السياسيين في هذه البلاد ثمن يجب أن يُدفع من حضور مؤتمراتهم وحفلاتهم والسير على مذاهبهم في النظر إلى الأمور الاجتماعية وغيرها، وكيف، بالله عليكم، ندفع بشباب، منهم من لم يتجاوز العقد الثاني من عمره في خضم هذه المعمعة، مع انعدام العلم الشرعيّ لديه وتكالب المعاصي عليه، مقدّمين لمصلحة متوقعة متوهمة من الحصول على مقعد في مجلس الشيوخ في المستقبل القريب أو البعيد، على مفسدة حقيقية واقعة من اندماج مثل هذا الشباب في مفاسد الحياة السياسية الغربية التي يشكو السياسيون الغربيون أنفسهم من فسادها وانحلالها؟! هذا إن سلّمنا بصحة الاشتراك في مثل هذه الحكومات الكافرة كفرا أصليا، وهو أمر ليس هذا المقال محلاً للخوض فيه، إذ نحن في هذه المقالات نرصد ولا ننقد، وإن وجب أن نشير إلى أن الخلط بين ما قد يقع فيه خلاف بين العلماء من جواز الاشتراك في الحكومات التي تطبق الإحكام الوضعية في بلاد الشرق المسلم، وبين جوازه في هذه البلاد التي تكفر كفرا أصليا، خلط منقوض، فنقل الفتوى إلى هذا الواقع – من الشرق إلى الغرب – أمر يدل علي مسيس الحاجة عند القائل به لمراجعة قواعد الشريعة وأوجه الخلاف في الرأي في هذه المسألة وقواعد الأصول المقررة في تعارض المصالح والمفاسد" راجع مجلة "أمة الإسلام" العدد الرابع/مايو 1998 (مقال"الوجود الإسلامي في بلاد الغرب/3، وكذلك الإفتتاحية لنفس العدد).
(يُتْبَعُ)
(/)
الأمر إذن أمر معروف مستقر لا مجال لإفتراض حالات مختلفة بشأنه، كأن يقال إنه إذا حدث كذا وجب كذا وكذا ... فإن الصورة الحقيقية والحالة العامة التي تعرّفنا عليها في هذا الشأن هي ما ذكرنا، وبناءاً عليها، فيما نرى، يجب أن يصدر إجتهاد المجتهدين وتتخرج فتاوى المفتين. والتعبير، أو التكييف الشرعي، لهذه الحالة: أن غلبة الظن هي أن يمارس المسلم الذي ينخرط في مجال السياسة في الغرب ما لا يجوز له شرعاً وأن يخوض غمار الباطل حقيقة وحالاًً طلباً للوصول إلى حق مُتوَهم مآلاً. ثم لنعرج على مقال الدكتور الصاوى لنختبر مدى صحة نتائجه في ضوء ما قررناً.
مقال الدكتور الصاوى:
ومناقشة حجج الدكتور الصاوى، فيما توصل إليه من أن المشاركة في العمل السياسي مباحة بشروط وضّحها في ثنايا مقاله، لها وجهان، عام وخاص أو مجمل ومفصّل. فالمجمل أن قارئ المقال يستشعر أن الأصل في قضية الإشتراك في العمل السياسي مباحُ اصلاً، ولكنها إباحة مشروطة بشروط يجب تحققها، وهو ما لا نوافق عليه الدكتور إن كان ذلك هو ما قصد إليه. فإن الدكتور الصاوى قد أورد القواعد الشرعية التي رآى أنها تحكم هذا الموضوع، وهي قواعد صحيحة في ذاتها، ثم عرّج على ما قد يُشوّش عليها بأن أسماها "شبهات" ثم أخذ في الرد عليها تحت عنوان "بعض الشبهات التي ترد على القول بمشروعية هذه المشاركة"! هذا ولا شك يُنشأ إحساساً، بل يضع اساسا، ً في أن صاحب البحث يرى أن المشروعية هي الأصل المباح وأن ليس على المشارك إلا أن يتحوّط في هذه المشاركة. وهو ما لا نوافقه عليه كما ذكرنا، لا من الناحية العملية الواقعيةا، ولا من ناحية الإخلال بقواعد الولاء والبراء إن أصّلنا الإباحة كأصل معتمد ولو بشروط. فإن الأصل في مشاركة المشركين في نظمهم المنع، بل إن المنع ينسحب إلى حرمة انعقاد النية على الإقامة بين ظهرانيهم على وجه التأبيد بشكل عام، فكيف تؤصل إستباحة مشاركتهم في العمل السياسي بشكل خاص؟! فإن كان الأصل هو المنع، كانت الإباحة إذن مشروطة بحالات خاصة تقدر بقدرها وتعامل على أنها قضايا أعيان تُقبل في حدود ما ومن أفتيت له على وجه التخصيص. . بهذا نضع الإحجام مكان الإقدام والمنع محل المنح، فيما يتعلق بهذا الموقف. أمّا أن يؤصل الأمر على فتوى الاباحة الأصلية ويترك أمر التعيين لمن يريد فهو ليس مما دلت عليه دلائل الشرع وحججه.
وهذا التوجه الذي تبنيناه في عرضنا لما سبق قد أقرّه أخي الدكتور الصاوي من قبل، في رده العميق الصادق على فتوى تحليل التعامل بالقروض الربوية التي أصدرها المجلس الأوروبي للإفتاء مؤتمر رابطة علماء اشريعة بأمريكا الشمالية. فقد ذكر في الوقفة السابعة من المرتكز الثاني ما محصله أن القول بإطلاق الترخيص في هذا الأمر لعموم الجاليات خطأ شرعي، وأن القول بالمنع أولى ثم "على الترخيص في ذلك لمن يقع في حالة احتياج ظاهرة من الآحاد بعد عرض نازلته على من يثق في دينه من أهل الفتوى" وقفة هادئة ص61.
ثم نأتي إلى الرد الخاص أو المفصّل، مقتنعين بقدر محدود من التفصيل لضيق المقام، فإن ما ذكره الدكتور الصاوي من أن المصلحة المطلوبة ظنية، وأن غالب المصالح تبنى على غلبة الظنون! وهو حق لا ريب فيه، ولكن القفز إلى القول بأن غالب الظن هنا أنّ المصلحة متحققة وأن المفسدة خفية أو متوهمة لا مبرر له، ثم راح الدكتور يدلل على أن مسائل الفقه مبناها على مجرد غلبة الظن لا تحققه! والسؤال هنا هو: كيف توصلنا إلى أن غلبة الظن في هذا الأمر هو تحقق المصلحة في المقام الأول؟ وما أورده الدكتور من قول للعز بن عبد السلام حجة للمخالف على الحقيقة، إذ أن غلبة الظن (بل تحققه) هنا هو في وقوع المفسدة للمشارك، وما تحقق المصلحة إلا ظن يسير تشهد بخلافه سوابق الحوادث ومستقرات الخبرة في هذا المجال. وقد رأينا في مقدماتنا ان درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وأن المفسدة في هذه الحالة ظاهرة متحققة لا خفية متوهمة، والعكس أن المصلحة هنا هي الخفية المظنونة. وسبحان الله العظيم! إنّ تحقق المصالح بإشتراك المسلمين في العمل السياسي في شرقنا المسلم لا يزال موضع تتناطح فيه أنظار الكثير من أصحاب النظر والرأي، والمانع منه له حجج لا يشك إمرءٍ في قوتها وضرورة إعتبارها حين مناقشة مثل هذه الأمور، فكيف بمشاركة غير المسلمين
(يُتْبَعُ)
(/)
في بلاد غالبيتها العظمى من المشركين، وهي ليست كحال المسلمين في لبنان على سبيل المثال.
وإذا دققنا النظر في فتوى شيخ الأزهر التي أوردها الدكتور الصاوي نرى أن شيخ الأزهر قد نحى قريبا من المنحى الذي أوردناه، إذ بدأ بذكر المنع من مشاركة المسلم في العمل السياسي بشكل قوي جازم، ثم عرّج على ذكر شرط الإباحة بما أظن أنه من المقاييس الذاتية التي لا يَعتمد عليها إمرءٍ إلا في حالات الضرورة أو الحاجة الملحّة، مثل شرط قوة الشخصية و الإيمان، ثم شَرَطَ شيخُ الأزهر شرطاً على الشرط، وهو أن يكون في إنضمامه منفعة يوصلها لجماعته مع شرط آخر هو الحذر والحيطة. وما يؤخذ من ذلك أن شيخ الأزهر متحوط في حديثه أشد التحوط، وأنه يرى مثل ما ذكرت من أن المنع هو الأصل، وهو ما لم يظهر البتة في مقال الدكتور الصاوي.
والدكتور الصاوي قد ذكر أموراً من المزالق التي قد تعترض طريق المشارك في العمل السياسي، وهي كلها أمور صحيحة لا مجال للإعادة فيها أو الإستدراك عليها. إنما الأمر أمر منطلق التصور في مناطها لا أكثر، فهذه المزالق هي بعينها ما يجعل الأمر ممنوع منعاً أصلياً، لا أنه مباح يُحذر من مزالقه، والفرق كبيرٌ جدّ كبيرٍ بين المنطلقين، مصادراً وموارداً.
ومما أجاد فيه الدكتور الصاوي – حفظه الله تعالى – ما ذكره من أن الترخصات في هذا الموضوع مما يدمر مصداقية المسلم أمام نفسه وأمام جماعته، بل أمام الله سبحانه، فنحن أصحاب دعوة لا أصحاب دنيا نصيبها. وحين ذكر الدكتور – وأحسن في ذلك - أن هذا العمل "مزلة أقدام ومدحضة أفهام" فكان لا بد أن يرى بمنظار الفقه ذاته أن تأصيل المنع هنا هو موقف السلامة والرشاد، وأن ليس كل ما يعرف يقال، وليس كل حق يطلب نشره، وأن على الفقيه أن يعرف ما قد تؤدي اليه فتواه من إشاعة الفوضى والإجتراء على الله سبحانه، وهو لم يقصد إلى ذلك، فإنه إن كانت الموازنة بين المصالح والمفاسد واضحة بينة له، فهي ليست كذلك لغالب من يتصدى للعمل الإسلامي، بله من هو من عامة الناس الذين يريدون أن يتعلقوا بأقلّ مما ذهب إليه الدكتور ليخوضوا غمار هذا الباطل على حساب ما أُفتيَ لهم به.
مرة أخرى نستدل بما قرر الدكتور الصاوي في كتابه السابق، رداً على التعميم بالإباحة في فتوى المؤتمرين المذكورين – وما صاحبهما من تعضيد الشيخ القرضاوي لهذه الفتوى بعد أن ردها من قبل – يقول الدكتور الصاوي "أن في هذا التعميم من الخطورة والمجازفة ما لا تحمد عواقبه، فإن هذا يفتح الباب واسعاً أمام الجاليات الإسلامية للتفلت من جميع أحكام المعاملات المدنية والمالية والسياسية" وقفة هادئة 68. بهذا المنطق نفسه نقول أنه لا فائدة في التحذير من الخوض في أمر قد فتحنا لهم بابه أصالة، واعتمدنا على فهم آحادهم للشريعة وتقدير عوامهم للعوامل المختلفة المانعة والمرخصة.
ثم أمر آخر، أعياني النظر فيه، يخص النصيحة الطيبة التي بذلها الدكتور الصاوي لكافة فصائل العمل الإسلامي أن لا يحاكموا إخوانهم بناءاً على النظر الأول، وأن يتسامحوا فيما بينهم وأن يعذر بعضهم بعضاً، إلى آخر ما ذكر من طيب القول، وما أعياني هو: هل هناك كتائب أو فصائل من فصائل العمل الإسلامي تتخذ من المشاركة في العمل السياسي في امريكا منهاجاً لها؟ المعروف أن هناك من فصائل العمل الإسلامي من يتخذ الإشتراك في العمل السياسيّ في بلاد المسلمين منهجاً لا يرى فيه الضرر، وهذا أمر معلوم قدر الإختلاف فيه، ولكن هل منهم من نقل هذه القضية الخلافية إلى بلاد الغرب واستخدم نفس الحجج التي إستخدمها من أباحها هناك للمشاركة في العمل السياسيّ في الغرب؟ أم أن الدكتور قد مزج الأمرين معاً، دون قصد إلى ذلك، وقدم النصيحة لهؤلاء وأولئك على حد سواء؟.
الأمر – إذن – أخطرُ شأناً وأبعدُ أثراً في حياة المسلمين من أن يُبتّ فيه برأي في مقالٍ أو مقالين، إنما يحتاج هذا الأمر إلى أن يُدرس دراسة وافية من جميع جوانبه، العملية الواقعية والنظرية الفقهية، ثم يُبت فيه برأي مبنيّ على كافة معطيات الواقع وجوانبه. إن ملايين المسلمين وأبناء المسلمين ممن يعيش في هذه الأنحاء، لهم علينا حق التأني في إصدار فتاوى تخص أموراً قد تؤدي إلى إنهيار ذاتيتهم ومسخ شخصياتهم وطمس هويتهم الإسلامية فنكون عوناً للشيطان عليهم، وكفاهم ما هم فيه من مغالبة للرذيلة التي تحيط بهم من كل جانب. وأنا على ثقة من أن أخي الدكتور الصاوي يعلم تمام العلم ما يرزح تحته هؤلاء من ضغط وما يحيطهم من رذائل، فليس على الفقيه في هذه الحالة إلا أن ينزع – فيما نرى – إلى الحذر والحيطة، وإلى تقديم المنع على الإباحة درأءاً للمفسدة، ثم أن تترك الحالات الفردية لتقدر بقدرها، فيخاف الناس الإقدام إلا في محله. ولا يكفي في هذا أن تسطّر كلمات التحذير بعد أن تثبت الإباحة، فهيهات هيهات أن يرتدع الناس بهذا القدر. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
[مجلة المنار الجديد، 2001](/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {رؤية في تحولات الحركة الإسلامية المعاصرة في مصر}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 03:42]ـ
رؤية في تحولات الحركة الإسلامية المعاصرة في مصر: الإخوان المسلمون في نصف قرن
تتبعت باهتمام بالغ - كما تتبع المهتمون في أنحاء العالم الإسلاميّ - الحوار الدائر على صفحات "المنار الجديد" , والذي أثاره الدكتور عصام العريان , حين علّق على ما كتب الأستاذ كمال حبيب عن "الحركة الإسلامية المعاصرة .. رؤية من الداخل" , وما أضافه الأستاذ كمال حبيب إلى الحوار بمزيد بيان في المسألة تحت عنوان "الحركة الإسلامية .. من أسر التاريخ إلى آفاق المستقبل". ولمّا كنت ممن شهد هذه الحقبة من الزمان شهوداً فعّالاً؛ فقد رأيت أنه من الإثم أن أكتم شهادة عندي من الله , فشهدت بما عرفت , وأقررت بما شاهدت ووعيت , من أحداث تلك الحقبة المتميزة في تاريخ الحركة الإسلامية , وأقصد بها السبعينات من هذا القرن. وكنت قد أنهيت دراستي الجامعية في نهاية الستينات ومطلع السبعينات , كما كنت - ومَن زاملني في هذه الحقبة - ممن شغف بالقراءة حبّاً , فالتهمنا الكتب التهاماً , ولم نغادر مجالاً من مجالات البحث إلا وخضنا غماره , وفتَّقنا أسراره , ثم أراد الله - سبحانه - بعظيم فضله , وواسع مِنَّته أن نتجه لدراسة الإسلام منذ أن انتبهنا إلى ما وقع من أحداث عامي 1965 و1966 , ومدلولاته على ما يعانيه الدين الحنيف على أيدي مَن يفترض أنهم يجلسون مجلس حُماته، ورُعاة شأنه.
شاركت - وإخوة لي - في الكثير من الأحداث التي عصفت بالساحة الإسلامية , والساحة المصرية بشكل خاص , منذ مظاهرات عام 1968 , إلى ما بعد حادثة مقتل السادات , وبداية انغلاق ما يُفترض أنه كان نافذة يتسرب منها نسيم الحرية للعمل الإسلاميّ في خلال السبعينات. وقد كانت مشاركتي بالقلم واللسان , فكتبت عدداً من الكتب التي نُشرت في مصر وخارجها إِبَّان هذه الفترة من الزمان , كما شاركت في توجيه عددٍ غير قليل من الشباب الذي كان متشوِّفاً للعلم , مقبلاً على دينه بصفاء ورغبة حقيقية في التغيير. وما أطلت بذكر هذه الخصوصيات إلا ليطمئن القارئ أنني أتحدث من واقع مَن عايش هذه الأحداث , وشارك فيها إلى غاية أعماقها , فشهادتي شهادة رؤية عين , لا شهادة سماع أو نقل.
وبداية , أؤكد ما قرره الأستاذ كمال - في مقاله الثاني - من أنه على الرغم من أهمية دراسة الأحداث التي كوَّنت نسيج الماضي , فإنه يجب أن نحذر من التمادي في دراستنا للماضي حتى تصبح من قبيل الشغف بالعلم الأكاديميّ , الذي لا ينبني عليه عمل , ولا يقود إلى رؤية لمستقبل؛ إذ إنه لا فائدة للماضي إن لم يوجه المستقبل , ويقود خطاه. وقصارى الأمر أن نصبح نحن مادة دراسية لأبناء الجيل القادم , يعكفون على دراسة ما انشغلنا به , وما شغلنا عن التقدم والعمل له.وسنبني شهادتنا هذه على مناقشة بعض ما قاله الباحثان في هذه المسألة , ثم على بيان نقطة نحسب أنها لم تنلْ بعد ما تستحق من البيان فيما كتب الأستاذ كمال , على الرغم من الإشارة إلى أحد مركباتها العقَدية في مقاله الأخير , وهي: لماذا ازْوَرَّ مَن ازْوَرَّ عن حركة "الإخوان المسلمون"؟ , وما هو الذي أدى إلى أن ينقسم فيهم الناس بين موافق ومخالف؟!.
مناقشة مقالَتَيْ "الحركة الإسلامية":
على الرغم من إقرارنا بأن عنوان دراسة الأخ الأستاذ كمال أعمّ مما اندرج تحتها من شواهد , وإقرارنا بأنه كان من المنطقيّ أن يذكر حركة "الإخوان المسلمون" , ولو كتواجد تاريخيّ لا تزال تنبض فيه الحياة , فإننا لا نملك إلا أن ننبه إلى أن ما خلص إليه د. عصام العريان - من أن دراسة الأستاذ كمال حبيب إنما اقتصرت على اتجاه واحد - تقريباً - وهو ما سماه "الاتجاه الثوري" - هو ظلم للبحث والباحث على السواء , رغم محاولته التخفيف من هذا التعميم المجانِب للصواب بكلمة " تقريباً". فإن الأستاذ كمال قد تعرض في مقاله الأول إلى الكثير من الاتجاهات التي عملت على الساحة الإسلامية مثل "السلفيون" ممثلين في اتجاه أسامة عبد العظيم , واتجاه الألباني ومحمد بن إسماعيل , ثم اتجاه التكفير , والتبليغ والدعوة , وختم هذا الفصل بقوله: "هذه هي أهم الاتجاهات التي مثَّلت الحركة الإسلامية في
(يُتْبَعُ)
(/)
السبعينات". والقارئ المدقق يدرك أن الدراسة إنما قصدت التركيز على ما طرأ على الحركة الإسلامية من أفكار تمثلت في اتجاهات حركية , أو ما كان من حركات إسلامية لا تتمتع بشعبية كبيرة حتى ذلك الحين , ولكنها لم تقصد مسحاً للساحة الإسلامية يستقصي اتجاهاتها كافة , حتى ما كان من ذكره لجماعة التبليغ والدعوة التي نشطت نشاطاً غير عادي في أيام الشيخ إبراهيم عزت , فكان نجمها إلى صعود في هذه الفترة. ثم ما ذهب إليه الأستاذ كمال حبيب من أن الحركة الإسلامية قد تأثرت - بشكل أساسي عميق - بفكر الأستاذ سيد قطب وشيخ الإسلام ابن تيمية , وأضيف من عندي إلى القائمة المفكر الأستاذ المودودي فيما كتبه في العقيدة وأصول الحكم كالمصطلحات الأربعة وغيره , ومؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأبنائه فيما كتبوا في بيان التوحيد الخالص من الشرك والبدع , أقول ما ذهب إليه الأستاذ كمال حبيب هو عين الصواب , الذي رأيناه وعاشرناه , بل هو ما مر بنا كأبناء للحركة في السبعينات , حيث كان كتابَيْ المعالم والظلال , ثم ما دوّنه ابن تيمية من آراء عقَدية تمثل فكر أهل السنة والجماعة دون شغب أو خلط , كاقتضاء الصراط المستقيم , والعقيدة الواسِطية , والصارم المسلول , وغير هذا من مؤلَّفات يعرفها مَن اضطلع على فكر هذا المجدِّد العظيم , كانت هذه الكتب هي الغذاء العقلي والروحي لأبناء الحركة الإسلامية في تعدديتها , ولدى مَن لم يكبل نفسه بإسار فكر معين , أو ممن تشبَّع بفكر الإخوان , وما حملته دعوتهم من نزعات إرجائية أسفرت عن نفسها -بوضوح تام - في كتاب "دعاة لا قضاة" المنسوب للأستاذ الهضيبي (رحمة الله عليه).وما دار حوله ردّ الأستاذ الدكتور العريان إنما هو ما يدندن به الإخوان من أن حركتهم هي "الحركة الأم"! , وأنها هي التي يجب أن تقود العمل , وأن يخضع لها سائر المجتهدين من الاتجاهات كافة لسبقها التاريخيّ , ولما تعرّض له أبناؤها ومنتسبوها من تعذيب , والله يشهد أن كِلا الأمرين غير معتبر شرعاً؛ فالسبق التاريخي لا معول عليه سلباً ولا إيجاباً , وتعرُّض الإخوة من منتسبي الإخوان للتعذيب هو أمر بينهم وبين الله - سبحانه - فهو وحده الذي يجزي كل نفس بما تسعى , وليس هذا بدليل على صحة القول أو سلامة الطريق أو سداد المنهج.
والحقيقة التي لا يماري فيها امرؤ - فيه بقية من إنصاف - أن حركة الإخوان قد أصابها ما أصابها في ت صوراتها الفكرية واجتهاداتها الحركية , مما أدى إلى تغيير خريطة الحركة الإسلامية من أُحادية التوجه - تحت مظلة الإخوان - إلى التعددية الواسعة التي تشمل ما شئت من اتجاهات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين , لا يكاد يجمعها إلا مخالفة الإخوان في مذاهبهم لسبب يختلف باختلاف الرؤية الخاصة بالمخالف.
و سنحاول - فيما يأتي من قول - أن نتتبَّع ما صَاحَبَ ظهور حركة الإخوان من عوامل , كان لها أثر حاسم في توجيه فكر مؤسسها حسن البنا - رحمة الله عليه - ونبين ما تلا ذلك من مراحل كان فيها وفاء أبناء الجماعة لمؤسسها أعمق من ولائهم للصواب والبحث عن الحق فيما تجدد من أمور ووقائع!. لماذا ازْوَرَّ مَن ازْوَرَّ عن حركة "الإخوان المسلمون"؟: كان صدى سقوط الخلافة هائلاً على مستوى الفرد وعلى مستوى الدول التي كانت تشكّل تلك الخلافة العريضة الممتدة إلي عرض قارات ثلاث في البعد المكاني , والي عمق أربعة عشر قرناً في البعد الزماني. وكان ذلك نتيجة عمل دائب متواصل من القوى الصليبية التي اصطنعت الماسونية حيناً واللادينية (العلمانية) حيناً آخر , وأسفرت بوجهها أحياناً؛ لتصرع قوى الإسلام المادية بتقسيمه ودحره , وقواه المعنوية ببث السموم في عقائده وثوابته الفكرية , بل وجندت بعض أبنائه ممن انخدعوا ببريق الحضارة الغربية كرفاعة رافع الطهطاوي وخير الدين التونسي.ولم يستسلم العالم الإسلامي لتلك الكارثة مرة واحدة , بل إن الأقرب أن يقال إنها أصابت منه عصباً أساسياً , ولكن بقيت - مع ذلك - شعلة الحياة متقدة فيه , فقد قام الكثير من أبنائه بالبكاء والنحيب على ما كان , وتمثَّل ذلك في شعر شعرائهم وأدب أدبائهم قُبيل العشرينات وبعدها , يقول أحمد شوقي في مناسبة تنحية السلطان عبد الحميد
سل يلدزاً ذات القصور هل جاءها نبأُ البدور
(يُتْبَعُ)
(/)
لو تستطيع إجابة لبكتك بالدمع الغزير
ويقول حافظ - في نفس المناسبة -:
لا رعى الله عهدها من جدود كيف أمسيت يا ابن عبد المجيد
كنت أبكي بالأمس منك فما لي بِتُّ أبكي عليك عبد الحميد
كان الشعور إذاً يتأجج بحب الإسلام , واحترام الخلافة , وتقدير أهمية دور اجتماع المسلمين , وعلى الرغم من اختلاط ذلك بمفهوم الوطنية عند العديد من الكُتاب والمفكرين - كما يذكر الدكتور محمد محمد حسين (رحمة الله عليه) فقد "كانت العاطفة الدينية إذن غالبة مسيطرة , وكان الدين والوطنية توأمان" (الاتجاهات الوطنية , 1/ 61). وكان إلى جانب هذا التيار وجهتان لا يتعلقان بموضوعنا كبير تعلُّق , وإنما أردنا أن نذكرهما لتتم صورة ما تفاعل في بلادنا في تلك الآونة؛ لينتج ما نعيشه اليوم من أحداث , هذان الاتجاهان هما: الاتجاه الوطني أو القومي , الذي يدعو إلى الاجتماع على رابطة الوطن أو العرق دون غيرهما , كما دعا إليه أحمد لطفي السيد الذي أطلقوا عليه: "أستاذ الجيل "! , وثانيهما: الاتجاه اللاديني الذي نما وترعرع تحت ظل الاتجاه السابق بما دعا إليه من حرية على النظام الغربي الديموقراطي, والتي إنما عني بها "حرية الهجوم على الدين ونشر الإلحاد"! , وتولى كِبر هذا الاتجاه سلامة موسى بشكل سافر , وطه حسين بشكل مستتر , وغيرهما ممن نحا مَنْحاهما فيما بعد.أمر آخر لا يصح إغفاله في هذا المقام , وهو محاولات عدد من حكام المسلمين وملوكهم أن يدعو إلى إعادة الخلافة وتوليها بأنفسهم , كما فعل الملك فؤاد ملك مصر والسودان بشكل غير مباشر , وما دعا إليه البعض من ترشيح الملك الحسين بن علي , وما كان من أمر مؤتمر الخلافة من قبل مصر والأزهر بشكل خاص , مما جعل أمر سقوط الخلافة يبدو في أذهان الكثيرين وكأنه أمر عارض لن يفتأ أن ينتهي , وأن تعود الأمور إلى نصابها مرة أخرى. كذلك فإن هناك عاملاً آخر لعب دوراً مهماً في تشكيل هذه المرحلة , وهو وجود الاحتلال الأجنبي في بلاد المسلمين بخيله ورَجله , ومحاولاته الدائمة لخلق الشقاق بينهم , وتشتيت شملهم , إما بشكل مباشر أو بتجنيد مَن خلع الربقة منهم؛ ليكون داعية لهم على أبواب جهنم , يفتن المسلمين , ويغمِّي عليهم أمر دينهم , مما أضاف غمة إلى غمة , واضطراباً إلى اضطراب.
في هذا الخضم - ووسط هذه المعمعة - ظهر الداعية الإمام الشهيد حسن البنا (رحمة الله عليه)؛ ليؤسس أول مُّع إسلاميّ يقصد إلى تكوين جماعة إسلامية تهدف إلى إحياء الروح الإسلامية وإعادة توحيد صفوف المسلمين بعد أن رأى الهجمة الغربية العنيفة المتمثلة في دعوة أمثال قاسم أمين وأحمد لطفي السيد وغيرهما من دعاة التغريب والتفرنج.
كانت دعوة البنا سهلة ومباشرة , لا خفاء فيها ولا سرية؛ إذ لم يكن هناك ما يدعو إلى خفاء أو سرية آنذاك. وكان البنا يرى - كما أمْلت ظروف المرحلة - أنّ البلاد الإسلامية تمر بأزمة حادة في تطبيق الإسلام على مستوى الفرد , بما هو مشاهَد من تدهور الخلق العام , والبُعد عن شفافية الإسلام وروحه , وعلى مستوى الدولة بما هو قائم من فساد إداريّ وانتشار الرشوة والمحسوبية , والظلم والفساد في تصرفات الحكام وحاشيتهم وأتباعهم. ولكن توصيفه للواقع لم يتعدَّ إلى أبعد من هذا التوصيف: أمة متدهورة في الخلق , وحاكم ظالم يعين على التدهور , قريباً مما كانت عليه الحال في عهد بعض حكام الأمويين والعباسيين من عربدة الفرد وظلم الحاكم.
كان البنا يرى الداء بهذا المنظار؛ إذ لم يكن - في رأينا - ثَم منظار آخر يوضح الصورة التي يقود إليها الوضع القائم في ضوء ما ذكرنا من معطيات الواقع. فعلي مستوى الفرد , يرى البنا أن المسلمين ينقسمون إلى أربعة أصناف: "مسلم بالبِطاقة , ومسلم بالعقيدة لا يهتم بالناس , ومسلم يأتي بإسلام العقيدة مع بعض العمل الصالح , ثم المسلم "الكامل" الذي يرى الإسلام ديناً ودنيا , علماً وعملاً" (حديث الثلاثاء , ص498). ويرى أن مهمة الإخوان هي "أولاً: إقامة أمة صالحة , وثانياً: إقامة حكومة صالحة" (حديث الثلاثاء , ص357).والبنا يحشد الإخوان للبيعة للملك فاروق , ويطلب إليه أن يصلح من شأن رعيّته , وأن يقوِّم من اعوجاج حكومته , ووالده الملك فؤاد كان مرشحاً للخلافة , وداعياً إليها؛ فابنه حريّ - إذن - أن يُخاطَبَ
(يُتْبَعُ)
(/)
بالإصلاح , لعلّه يذَّكر أو تنفعه الذكرى! , وكم من ملك ظالم من ملوك المسلمين سمع لعظة الدعاة والعلماء , وانتهى عن ظلمه جزئياً أو كلياً , والخلافة عائدة عن قريب , والاحتلال (الاستعمار) هو المانع الرئيسي في سبيل عدم إقامتها , والحكام مغلوبون على أمرهم؛ إذ المحتل قابع في ديارهم , فهو حكم اضطرارٍ حقيقي لا متوهَّم , وإرساء أحكام الشريعة قاب قوسين , حين يندحر المحتل (المستعمِر) , وحين يفيق الحاكم , والدور الآن على الدعاة من الإخوان أن يصلحوا أمرهم وأمر الناس , وأن يبنوا النفوس أولاً , والحكام تابعون - بل خاضعون - لذلك الإصلاح ولا محالة.
ولم يكن أمر التحاكم إلى الشريعة مطروحاً , ذلك الطرح الذي فرض نفسه بحكم الواقع - قبل أن يفرضها بحكم الفقه - بُعَيد حصول بلاد المسلمين على الاستقلال , وبعد أن انجلت الصورة , وانقشع غمام الاحتلال , وعادت أمور المسلمين إلى أيدي أبناء جلدتهم , ومَن يتحدثون بألسنتهم , وزالت شبهة الاضطرار , وأصبح الحاكم هو الذي يصر على العمل بالقوانين الوضعية وعلى إهمال الشريعة , بل ويعتقل مَن يدعو إلى غير هذا من تحكيم الشريعة والعودة إلى الأصول , واختفى حديث الخلافة , وأصبح لفظ "الخليفة" مما يتندَّر به الناس في جلساتهم كعُنوان على التخلف , والبُعد عن الحضارة الغربية ورموزها!.
لم يكن البنا - إذن - في وضع يسمح له بالحديث عمّا يجري على ألسنة الجماعات الإسلامية "المعاصرة" من "تكفير" و"توقُّف " و"حكم على المعين" , وغير ذلك من القضايا التي أنشأتها معطيات جديدة كل الجدة , سواء أصحت , أم جانبت الصواب , وسواء أوافقت السُّنة , أم خالفتها , فالأمر - في عهد البنا ومنظوره - مختلف كل الاختلاف عما آل إليه أمر المسلمين بعده , ويظلم البنا ويظلم نفسه مَن يحاكم أقواله وتصوراته التي أنشأها واقع الثلاثينات في ضوء معطيات واقع جديد , بدأت تتحدد أبعاده في أوائل الخمسينات , وأُرسيت قواعده , ووضحت أبعاده في السبعينات وما بعدها , إلا لمَن فقد الرَّشَد أو السمع والبصر كليهما!. وما نراه في هذا الأمر أن المرحلة قد هيأت للبنا - إلى حد ما - أن ينتهج مذهباً " تجميعيّاً" متهاوناً , يُبنَى على تجميع فئات الشعب , وترقية خلقه والتزامه بمفاهيم الإسلام , وإعداده لعهد الخلافة المرتقب آنذاك , بدلاً من أن ينتهج منهجاً " انتقائيّاً" , يقرّب به مَن قال بقوله , وانتهج نهجه؛ ليكوّن مجتمع الصفوة الذي يمكن أن يكون قريباً من ذلك الجيل الفريد الذي أنشأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي يمكن به أن تنصلح الأمة كما انصلح بمثله ولها. وهذا التصور هو الذي ذهب إليه الشهيد سيد قطب - بعد استشهاد البنا - بسنوات قليلة. وهو منهج يخالف كل المخالفة ما كان عليه البنا جملةً وتفصيلاً.ثم كان ما كان من أحداث قيام انقلاب يوليو عام 1952 في مصر , والضغط على الحركة , فتبدَّلت الأحوال , وتغيَّرت معالم المرحلة تغيّراً تاماً؛ إذ استقل العسكريون بالحكم , وأُعلنت الأحكام العرفية , واستُبدل الحكم العسكري بالحكم المدنيّ الممثَّل في ممثّلي الشعب المنتخبين بطريق حرّ , وبدأت مرحلة الصدام بين الدولة وبين مَن نحا منحًى إسلامياً بشكل عام , وبين مَن انتسب للإخوان المسلمين بشكل خاص.أدّى هذا التغيّر إلى ظهور معطيات جديدة على الساحة استتبعت أن يجدد الإسلاميين اجتهاداتهم في رؤية الواقع , وتنزيل الأحكام المناسبة على مناطاتها الصحيحة , فكان منها ما وافق روح المرحلة , ولاءمت اجتهاداته مناط الواقع , ومنها اجتهادات لم توفّق في توصيف الواقع بشكل صحيح , فأخطأت في مناطات فتاواها , ومنها ما خرج عن نطاق السنّة , وانحرف في فهم الأحكام الشرعيّة , ومن ثم في استنباط الفتاوى الشرعية الصحيحة التي تُبنى عليها الحركة. تحصَّل ممّا تقدم أنّ الصّدْعَ الفكريَّ نشأ في مطلع الخمسينات؛ إذ إن الصورة بدأت تتبلور , وتتضح معالمها , من خروج سافر على شرع الله - سبحانه - وبدأ الصراع بين المعسكرين - معسكر الإسلاميين ومعسكر اللادينيين - يتخذ شكلاً علنيّاً سافراً , وبدأت معه مرحلة التخبّط في توصيف الواقع القائم من ناحية , وفي كيفية مواجهته والتعامل معه من ناحية أخرى. واختلفت منظورات التأويل , فاختلفت معها أُطروحات الحلول. ولم يكن
(يُتْبَعُ)
(/)
الخلاف سهلاً أو سطحيّاً , بل ضرب بجذوره إلى الأعماق في الكثير من الحالات , مما أدّى إلى ظهور اتجاهات جديدة , رفضت ما عَرَضه "الإخوان المسلمون " في مرحلة "ما بعد البنّا" , نتيجة الخلاف على توصيف الواقع , ومن ثمّ , على وصف طرق التعامل معه. واتسع الخلاف ليشمل المنظومة الفكرية الإسلامية من طرفها إلى طرفها , من إفراط في الغلو والخروج , إلى تفريط في الالتزام بأوَّليات الشريعة.وحتى ندرك ما واجهته التيارات المختلفة في ذلك الحين , يجب أن نتعرّض للأطروحة التي عرضها " الإخوان المسلمون" عقب استشهاد البنّا - رحمة الله عليه - ما وافق منها الشرع , ولاءم الواقع , وما تجاوز فيها الحق , وجانب النَّصَفَة.لقد ذكرنا مما سبق أنّ الظروف المحيطة بدعوة البنّا أملت عليه أمرين رئيسين في دعوته , المنهج التجميعيّ , ومهادنة الحكومات "الإسلامية" , وذكرنا أنه مُبَرَرٌ بما أحاط بالدعوة في مبدئها من ظروف. ولكن تلك الظروف قد تبدّلت؛ فقد خرج المحتل من البلاد , وتولّى الحكم مَن هُم من جلدتنا , ويتكلمون بألسنتنا , وساعدت حركة "الإخوان المسلمون " حكومة انقلاب يوليو عام 1952 وضُبّاطه على إنجاز المهمة , وهي أمور محلّها التاريخ , وإنّما نحن نثبتها كمسلَّمة؛ لتفي بغرض هذا البحث. وسرعان ما أسفرت اللادينية عن وجهها , وتبدَل الصديق عدواً , وأُسكن الإخوان السجون. وكان الهضيبي وقتها هو المرشد العام للحركة. وواكب ذلك بزوغ نجم "سيد قطب" ككاتب ومفكّر وداعية إسلامي , له منهج متفرّد , بعد أن عُرف أديباً وناقداً في أوساط الأدب لسنين عديدة , مما سيكون له أكبر الأثر في مسيرة الدعوة الإسلامية في هذا العصر.
تابع الإخوان المسلمون مسيرة الدعوة , على الرغم مما تعرّضوا له من نكبات , تمثّلت في حركات اعتقال واسعة المدى لزعمائهم وأتباعهم على حدّ سواء. ولكن الحركة لم يتهيّأ لها قيادة ملهمة كقيادة البنّا , تتمكن من إعادة حساباتها , ودراسة واقع المسلمين بعد تغيّر الظروف والمعطيات؛ لتخرج بتوصيف صحيح للواقع , ومن ثم بتنظير ملائم وتخطيط عمليّ لمواجهة ذلك الواقع. فتابع الإخوان المسيرة بنفس التنظير الذي خطّه البنّا لها منذ منتصف الثلاثينات. وكان ذلك - فيما نرى - نتيجة لأمرين: أولهما ما ذكرنا من عدم توفّر مَن يقدر على الرؤية الصحيحة لمسار الأحداث بين رُتب الجماعة العليا وقياداتها , والآخر - وهو لا يقل أهمية عن العامل الأول - أن البنّا (رحمة الله عليه) كان من عمق التأثير وقوته على أتباع الحركة بما أعجزهم عن الخروج عن فلك التنظير الذي قرّره للحركة قبل عقود من الزمان , على الرغم من التغيّر الكلّي في الظروف المحيطة.ونحن - فيما نرى كذلك - نُرجع بعض اللوم في هذا الموقف إلى البنّا (رحمة الله عليه)؛ إذ إنه لم يُنَشِّئ من خلَفه رجالاً يعتمدون على الاستقلال , وينفرون من التقليد , وهو الخطأ الذي لا يزال يقع فيه العديد من قادة الحركات الإسلامية في زماننا هذا. استمر الإخوان - إذاً - في خط البنّا , وهو خط التهادن مع النظم القائمة , وبُلورت أفكار الإخوان في كتاب "دعاة لا قضاة " المنسوب إلى الهضيبيّ - رحمه الله - والكتاب يعكس فكراً أراد أن يوائم بين الموقف العمليّ الذي انتهجه البنّا وبين قضايا العقيدة , فكان أن نحا منحًى إرجائياً؛ فالإيمان هو التصديق , والعمل إنما يكون في مجال الطاعات وزيادة القربات , وليس من العمل ما يخدش حِمى التوحيد , والمسلم لا يرتدّ بقول أو عملٍ أو اعتقاد إلاّ أن يصرّح بلفظ الردّة , طالما هو يتلفظ بالشهادتين , ومن ثم فالحكم بغير أنزل الله إنما هو من المعاصي , والحاكم بغير ما أنزل الله مسلم , يُلتمس له العذر لعدم القدرة على تطبيق الشريعة؛ نظراً للضغوط العالمية عليه , كما صرّح بذلك العديد من قادة الحركة , الإخوان يعملون "من داخل النظام وفي إطاره الموضوع"!؛ لنشر الإسلام , كما أنّهم يرون الاشتراك في التنظيمات السياسية الوضعيّة لمحاولة التغيير من الداخل.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولسنا هنا بصدد مناقشة صحة هذه الآراء أو تفنيدها , فليس هذا المقال بحثاً في العقيدة , ولكننا نود أن نؤكد أنّ هذا المنحى من الفكر قد نشأ تجاوباً مع منهج قائم في الحركة؛ فالحركة اختارت , أولاً أن تتخذ سبيل المهادنة مع النظم التي تحكم بغير ما أنزل الله , ثم ذهب مُنظِّروها - ثانياً - يقيمون الحجج على صحة هذا المذهب من أبحاث العقائد.فالحركة - إذن - في طور ما بعد البنا نشأت سياسية , ثم كوّنت القاعدة الفكريّة بعد ذلك , وبناءاً عليه. وقد كتبت مقالاً - منذ أكثر من خمسة عشر عاماً - في العدد الأول من مجلة "البيان" اللندنية , تتبعت فيه الفكر الإرجائيّ الحديث , ذكرت فيه أنّني " ما فعلت ذلك إلا بعد أن قدّرت مدى الحاجة إلى إظهار عوار تلك الفئة التي ما زالت جرثومتها تسري خافية تارة , وظاهرة تارات بين صفوف المسلمين , بل - وعجباً! - بين صفوف الإسلاميين منهم , فتصيب ذلك الكيان الإسلامي بالضعف والوهن وفقدان القدرة على تمييز الخبيث من الطيب , ومعرفة المفسد من المصلح , وبالتالي أثرها البالغ السوء في الواقع الإسلامي أخلاقياً وسياسيا ً ".
فلم يكن - إذن - هذا الموقف العقَديّ هو الخطأ الوحيد الذي انزلقت فيه حركة "الإخوان المسلمون" حين تبنّت اتجاهاً ارجائيّاً , بل إن المنزلقات الحركية التي واكبت ذلك المنهاج الفكريّ كانت من أكثر العوامل التي ساعدت على بقاء الحركة محدودة الأثر بعد أكثر من ستين عاماً على نشأتها؛ فهي لم تفرز دولة , ولم تنشئ حزباً سياسياً مقبولاً لدى حكومة من الحكومات التي تعمل في إطارها ومن خلال نظامها!.وقد كان من جرّاء تبني الإخوان لهذا الموقف العقدي أن اصطبغت مواقفهم "بالاعتدال" كما يسميه أتباعهم , و"بالتجاوز والتفريط " كما يراه مَن خالفهم في منحاهم؛ فالإصلاح يأتي من "داخل النظام" لا بالخروج عليه كما عبر عن ذلك مرشدهم السابق - رحمة الله عليه - وهو ما اتبعه الإخوان في أنحاء العالم العربيّ كافة محاولين دون جدوى - لسنين تربو على الأربعين سنة - أن يكون لهم أثر ولو أقلّه في الحياة السياسية في بلادنا , فدخلوا انتخابات , وحازوا مقاعد في مجالس نيابية , ثم ألغيت تلك المجالس بخطة قلم , وأُهين ممثلوهم في مواقف عديدة , واستُغل وجودهم في مقاعد المجالس النيابية لإضفاء الشرعية الإسلامية على هذه التنظيمات , واضطروا إلى عقد تحالفات عليها العديد من التساؤلات والمحاذير من الناحية الشرعية. ولسنا هنا بصدد تصحيح هذا الاتجاه أو تخطئته , وإنما نحن واصفون للأحداث التي أدت إلى بزوغ الجماعات الإسلامية من خارج إطار الإخوان.إلا أن الإخوان قد عانوا كذلك - ومن جرّاء تبني ذلك الاتجاه العقديّ مقروناً بالموقف العملي "التجميعيّ" الذي تكلمنا عليه آنفاً - من عدم القدرة على تكوين قاعدة فكرية قوية , تحمل الدعوة بشكل صحيح , ويتولاها منهم مَن تحقق بالعلم؛ إذ أدى اتساع القاعدة الجماهيرية التي داروا في فلكها إلى أن أمَّروا من الشباب مَن لم يتحلَّ بعلم أو خلق , وصار أمر الدعوة يوكل إلى كل مَن رضي "بالبنّا" إماماً , والأصول الخمسة كتاباً , وإن لم يقرأه, بَلَهْ أن يقرأ غيره , فكان أن انحطَّ مستوى الدعاة , وانحط معه مستوى المدعوّين. وضاعت معالم السُّنة في هذا الخضم ضياعاً شديداً , وعُمّيَ وجه الحق على الناس في العديد من الأمور.إذن؛ فخط الإخوان كان ولا يزال خط التجميع العام الذي لا يفرّق كثيراً بين سنة قائمة أو بدعة شائعة! , والذي لا يجعل لمذهب أهل السنة والجماعة فضلاً على غيره من المذاهب البدعية طالما أن الكل يشهد الشهادتين لفظاً , وإن خالفهما عملاً , والعامة بخير طالما انتسبوا للإخوان , والتشدد لا محل له , والأمور "الظاهريّة" - كاللحية والاختلاط واستماع الأغاني والموسيقى - ليست من أصول الدين , ويشهد الله - سبحانه - أنها من دين الله الواجب , ثم الواجب أن يهتم الدعاة بجذب العوام إلى الانتماء للإخوان , على ما هم فيه من مخالفات شرعية , فالحركة - إذن - بين الناس هدف في حد ذاته , واتباع السنة ليس غرضاً أساسياً في تنظيم الإخوان , وإن ذكروا ذلك لفظاً. وهذا المنحى يتمشى مع ما سبق أن قررناه عن طبيعة الحركة من كونها حركة سياسية في طبيعتها قبل أن تكون حركة دينية متكاملة , تشمل الحياة
(يُتْبَعُ)
(/)
بأبعادها السياسية والعبادية جميعاً في منظومة واحدة كما أرادها الله س بحانه.
وأقص قصة وقعت لي قبل عشرين عاماً أو يزيد , فقد قدّر الله - سبحانه - أن يكون هناك لقاء مع أحد كبار دعاة الإخوان في بيته بمصر للحديث - بشكل عام - عن أوضاع المسلمين , وما يعتور الساحة الإسلامية من أحداث , يقول راوي القصة: "ولاحظت عند دخولي منزل الأخ أنه ملئ بالتماثيل , وصور الأحياء على الحوائط , وبعد أن استقر بنا المقام , وأزال التعارف حواجز الوحشة , قلت له: أخي , لعلك تعرف حرمة اقتناء التماثيل , وصور الأحياء في المنزل , فقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تمثال أو صورة , كما في أحاديث الترمذيّ وأبي داود وأحمد في المسند , وقد أطنب علماء السنة المقال في هذا المقام , فما بالك تفعل خلافه , وأنت من كبار الدعاة المنظور إليهم من العامة , أفلا نكون مثلاً لهم يُحتذَى في هذه السنة المهجورة؟! , قال الأخ - وأحسبه صدَق في قوله -: أَوَ ذلك صحيح؟! , لم أكن أدري هذا الأمر من قبل! , وسأرفع ما تيسر من هذه الأشياء إن شاء الله .. ثم تطرق الأمر إلى الحديث عن بعض أصول الإيمان وأحكام الشرع , ومنها أحكام ردة المسلم بارتكاب قول أو فعل يُخرج من حظيرة الإسلام , وكان أن عبّر الأخ عن عظيم دهشته من أن المسلم قد يتعرّض لفعل من أفعال الكفر بأيّ صورة من الصور! , وكذلك عبّرت زوجه - التي كانت تشارك في الحديث من آن لآخر - عن دهشتها لإمكانية أن يخلع المسلم الربقة لأيّ قول أو فعل , طالما نطق بالشهادتين في يوم من أيام حياته , أو طالما وُلد لأبوين مسلمين. وبعد أن بينت لهما أن الأمر مخالف لذلك , وأنه مع شدة التحفّظ في الحكم على فرد من الأفراد بخلع الربقة والخروج من الإسلام , فإنه لا يجب أن يُعمَّم القول باستحالة أن يكفر المسلم؛ فإن ذلك يناقض مفهوم قول الله - سبحانه -: {يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة:54]. واستحالة ذلك الاحتمال إبطال للآية , التي لا محلّ لإبطالها , وإنما الواجب أن يتثبَّت الناس فيما يرمون به مَن ظهر منه قول أو فعل ذكر فيه العلماء أنه مُخرج من الملّة , وألا يتعرض عوامّهم لإيقاع مثل ذلك الحكم؛ إذ إن ذلك لا بد أن يكون ببرهان من الله ساطع , ومَن تعدى حدود ذلك فهو من الغلاة المُفْرِطِين , ولكن - وبنفس النسبة - فإن مَن جعل الشهادتين حِرزاً يستتر من ورائه العابثون بالشريعة , ويستخفّون عقول المسلمين لنشر لادينيتهم وإلحادهم - فهو من المرجئة المفَرّطين في دين الله" انتهت القصة.
والشواهد التي تدل عليها هذه القصة كثيرة: منها أن منهج الإخوان لا يُلقي كثير بالٍ لاتِّباع السنة , وإنما الدعوة والحركة هما هدفه الأساسيّ , وأن اهتمامهم بالعلم الشرعي لم يكن على المستوى الائق بنشر الشريعة بين العوام توطئة للرجوع إليهم كجهة فاصلة في كسب التأييد لتشكيل الحكومة , وأن ادعاء الحذر في فهم الواقع والتمذهب بالإرجاء - وإن لم ينتحلوه بلسانهم - هو من جرّاء عدم القدرة على فهم الواقع , فهو مذهب السلامة المعتمد من الحكّام على مر الزمان.ولا يظنَّنَّ ظانّ أننا إذ ننقض هذا الموقف بالكلّية , فإننا - بالضرورة - ننصر القول بتكفير الناس (حاشا لله) فوالله إن ذلك ليس من عقيدة كاتب هذه السطور , ولا مما شهدت به أصول الشرع وفروعه , وإنما سيكون لنا كرّة على مذهب أولئك الذين يقعون على طرف النقيض من الإخوان , فيُكفّرون الناس لغرض التكفير , وعلى مذهب مَن ينتحلون الجهاد مبرراً لقتل الأبرياء دون مبرر , فنبين عوار مذاهبهم , وضحالة علمهم , ولكننا أردنا أن نبين أن حركة الإخوان قد وقعت في تفريط عقائدي , وفوضى عملية من جرّاء جمود اجتهاداتها بعد مرحلة البنا خلال الخمسين عاماً السالفة.
(يُتْبَعُ)
(/)
أمر آخر اتسمت به حركة الإخوان - وكان من تداعيات ما اتصفت به الحركة من صفات مررنا بها في السطور السابقة - وهو اعتماد مذهب " الولاء قبل الكفاءة". فإنه كان من جرّاء التوسع في قبول المنضمين إلى حركة " الإخوان" دون قيد أو شرط أن احتاجت القيادات إلى توفير عدد أكبر من الموجهين للأعضاء الجدد. إلا أن ذلك كان مصحوباً بما هو أعمق أثراً في اعتماد هذا المبدأ , وهو نظرة الإخوان إلى أهمية العلم الشرعيّ لدى أفراد التنظيم عامة - كما ألمحنا آنفاً - وعدم قدرتهم على التمييز بين العضو العادي والعضو العامل والعضو الموجه. كذلك فإن التوجه السياسي للحركة أملَى أن يكون لها قاعدة عريضة من "المشجعين " , تعتمد عليهم في صراعها على السلطة من خلال مبدأ الأغلبية. والإخوان لا يعتمدون - في دوائرهم - مَن لا يبايع على العمل؛ فالبيعة هي مفتاح الدخول إلى دائرة العمل في الجماعة بغضّ النظر عن القدرة العلمية. ولا شك أن اعتماد هذا المذهب يناقض المبادئ الإسلامية بشكل عام , ويناقض مبادئ العمل الجماعيّ في صورته الاجتماعية العامة بشكل خاص؛ فالأصل أن يولَّى من المسلمين أفضل مَن يصلح للعمل من حيث العلم الشرعيّ والقدرة على أداء المهمة الخاصة المنوطة به , و"ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم" كما في البخاريّ , كتاب الفرائض , ولكن لكي لا نظلم تنظيم الإخوان , فإن هذا المبدأ قد اعتمدته غالب الاتجاهات الإسلامية الأخرى , حتى مَن انتسب منها إلى أهل السنة والجماعة , وأعلن تبرُّؤَه من ذلك المبدأ قولاً. ويظهر أن ذلك إنما صَاحَبَ اعتماد السرية في العمل؛ نظراً للواقع المحيط , فكان أن لجأت القيادات إلى استخدام مَن التزم البيعة حرصاً على سرية العمل. كذلك فإن ضعف القيادات وحب السيطرة والنفوذ قد ألجأ بعضها إلى تقريب مَن أعلن خضوعه لأشخاصهم , بغض النظر عن التزام الجماعة , فاتخذوهم معاونين ومساعدين , وجعلوهم مسؤولى كذا وكذا في التنظيم , وهو ما أدى إلى ضعف الأداء في كثير من الأحيان , وإلى توليد مشاعر القيادة والعلو في نفوس ممن لا يملك القدرة ولا الأدوات اللازمة للقيادة.حركة "الإخوان" إذن - كما يراها مَن لم يرتضِِ خطهم السياسي والعقائديّ - هي حركة سياسية , اعتمدت خطّاً عقائدياً , اختلطت فيه شُبَه الإرجاء , وتُرَّهات الصوفية بعقائد السنة! , وارتضت العمل من خلال النظم السياسية القائمة , والدخول في الانتخابات لمحاولة الوصول إلى الحكم , وقضية اعتماد العمل من خلال النظم القائمة - والدخول في الانتخابات - هي من أعقد القضايا التي نعت الاتجاهات الإسلامية الأخرى على الإخوان اعتمادها بحق أو بباطل , وهو ما لا محل للخوض في تفصيلاته , والفصل فيه في هذا المقام.يتضح مما سبق أن الأمر ليس أمر تجنٍّ أو تعصب ضد جماعة بذاتها , وإنما هي حركة التاريخ , فرضت نفسها على الحركة الإسلامية في قاعدتها العريضة الممثلة في الإخوان آنذاك , فاستُبدلت - جزئياً - تلك الحركة التي لم يواكب فكرها الحركي معطيات الواقع الحال , ولم يتطابق فكرها العقائدي ما كانت عليه عقيدة الإسلام في صفائها الأول دون شغب الإرجاء وتسيبه , بما ظهر من حركات جديدة , صحيحها وسقيمها , وكان أن تشكلت تلك الجماعات الإسلامية التي عاصرنا صعودها في السبعينيات , والتي وردت موارد فكرية وحركية ليست من موارد الإخوان في شئ.
ثم هناك كلمة أخيرة , أود أن أتجه بها إلى المتحاورين في هذا الأمر: أن اتقوا الله -سبحانه - واطلبوا الحق , وانشدوا الإنصاف , ولا تجعلوا الانتماء لجماعة أو مذهب أو التقدير لشخص من الأشخاص - مهما علا قدره - أو ما تلونت به التجربة الشخصية التي قد تُعجز المرء عن إدراك الصحة في قول المخالف , أقول: لا تدعوا هذه الأمور حائلاً بينكم وبين البحث عن الحق بلا هوى أو تعصب؛ فإن أحدهما - وإن إنفرد - هو الحالقة التي تحلق الإنصاف , وتشوه الحقائق. والله - سبحانه - المستعان
[مجلة المنار الجديد، 2000](/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {حركة الفكر .. وفكر الحركة}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 03:44]ـ
حركة الفكر .. وفكر الحركة
لعل من مواضع الاتفاق بين العديد من المهتمين بشؤون العالم الإسالمي اليوم أن الأزمة المعاصرة التي يمر بها العالم الاسلامي هي أزمة فكر بالدرجة الأولى، قبل أن تكون أي صنف آخر من الأزمات التي تعتور حياة الناس ومجتمعاتهم وحضاراتهم، فتلقي بهم خارج دائرة التاريخ تارة، أو تجعلهم ذنباً في مؤخرة الركب تارة أخرى. فحياة الحضارة – إن صح التعبير – مرهونة بحياة الفكر فيها، ومدى حيوية وجديته، وملاءمته للواقع، ومواكبته للمتغيرات، مع احتفاظه بكينونته وهويته التي تميزه عن غيره من أنماط الفكر.
وأين المسلمون – ويا حسرة على العباد! – قد خفُت فيهم ضياء الفكر، وخبا شعاعه منذ فترة، قد يختلف على تحديدها المؤرخون، من زاعم أنها بدأت منذ عصر اضمحلال الخلافة العثمانية، وممن يمتد بها إلى العصر الحديث، الذي انهارت فيه دولة الخلافة انهياراً قاضياً، وتفتت شمل الأمة المسلمة إلى أمم تعرف من الإسلام ما تعرف، وينكر منها الإسلام ما ينكر، ولكن لا يختلف المؤرخون - في النتيجة النهائية – أن العالم الإسلامي قد ضحّى بما أُرثه من قدرة على إنماء الفكر وصياغته في صورة حركة دافقة دافعة، وركن إلى التقليد و "الاستيراد"، تقليد الأفكار واستيراد المنتجات!. وكلنا يعرف أن هذا المناخ لا يتولد إلا عن مناخ تغيب فيه الحريات، ويكبل فيه العقل، فيركن إلى التقليد والاستيراد.
من هذا المنطلق، فإن أية "حركة" إصلاحية تقصد إلى إعادة الأمور إلى نصابها – ورد الحقوق إلى أهلها – يجب أن تدرك أن حركة الفكر هي المنطلق الحقيقي والوحيد لبلوغ الغاية المقصودة.
حين تنعزل الحركة عن الفكر فإنها تصبح شبيهة بالتشنج العصبي، الذي لا يحكمه عقل، ولا يوجهه منطق، وحين ينعزل الفكر عن الحركة فإنه يصبح أشبه ما يكون بأماني الأسير في الحرية، وجود خيالي لا يدعمه واقع، ولا يتجواز عقل صاحبه، فالفكر والحركة – إذن – هما وجهان لعملة واحدة، نتاجها الإنجاز الإيجابي.
إن الفكر هو حركة العقل التي ينبني عليها تفاعل الأحداث وحركة المشخصات لتحقيق أهداف مرسومة. والحركة هي تجسيد الفكر في وقائع وأحداث تجري على ما رسمه الفكر وحدده.
والحركة بلا فكر لا ينشأ عنها إلا الفوضى، التي لا تقضي أمراً، ولا تصيب نجاحاً، بُلَهَ مجافاتها للمقاصد الشرعية التي تبني اجتهادات المسلم على غالب الظن، وما هو إلا نتيجة النظر الفاحص الذي يدرك أن غالب الظن متحقق في نفس الأمر.
والفكر بلا حركة لا ينشأ عنه مجتمع حقيقي واقعي، يعالج مشاكل الناس، ويدفعهم لحيازة نصيبهم من الدنيا، وابتغاء الدار الآخرة، بل هو أقرب إلى "اليوتوبيا" – أو هكذا سموها – حيث يتخفف المفكرون من عبء الواقع ومعالجته، ويركنون إلى وهم الخيال ووهنه.
فالفكر والحركة متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر إلا في فترات الهبوط الحضاريّ، حين يغشى على أعين المخلصين ما يغشى، فتتوه عنهم تلك العلاقة الوثيقة التي تجعل الانفصال بينهما بداية الانحطاط ووسطه ونهايته.
والغرب قد احتفظ بهذا الوقود الحضاري الذي يذكِّي القوة الدافعة البناءة، فأنتج تقدماً فاق به المسلمين، وتغلب عليهم على الرغم مما هو فيه من خراب عقائدي، وانهيار خلقي. ولعله من الجدير بالذكر هنا – مما يعين على تقدير أهمية ما نرمي إليه – هو ما نلاحظه من أن نسبة منْ تفوق في مجال الإنتاج الإسلامي من مجموع المسلمين الجدد من أهل أوروبا أو أمريكا هي أعلى بشكل واضح من نسبة من برز من أهل العلم والفكر من أهل الإسلام الناشئين في الشرق، بل ومستوى الفرد العاميّ المسلم الذي تحول حديثاً إلى اعتناق الإسلام من أهل الغرب أعلى من نظيره من عوام مسلمي الشرق، ممن ينتسب إلى أهل السنة والجماعة في الحالين. و ما هو – كما نرى – إلا نتيجة للمناخ الفكري الأساسي الذي يتمتع به الغربيون، فيحملونه معهم حين التحول إلى الدين الجديد. وصحيح أن الآفاق التي يحلق فيها من تحقق بالعلم من أهل الشرق لا تزال أعلى بكثير من نظرائهم من إخواننا من المسليمن الجدد، ولكن النسبة العددية هي ما نرمي إليه لإثبات تأثير المناخ الذي يتحرك
(يُتْبَعُ)
(/)
فيه الفكر على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع.
كذلك لا يظن ظان أن ما نقصد إليه بالفكر هو بالضرورة مذهب أهل السنة والجماعة بذاته – أي الأسس العقائدية لمذهب الحق الذي ندين به – إنما هذا المذهب هو من خيوط الفكر ومن جزئيات مادته، فإن مذهب أهل السنة والجماعة – في معناه الواسع – يقدم القالب الإجمالي الذي يجب أن تدور من حوله عملية الفكر الجماعي والفردي، بحيث يكون ضابطاً لهما، ومانعاً من انحرافهما، ومن ثم ما يترتب عليهما من نتائج في حياة الفرد والجماعة على السواء. وهذا القالب إنما نعني به منهج النظر والاستدلال الذي ينبني على معطيات أصول الفقه، وعلى مقررات القواعد العامة الكلية في الشريعة. هذا المنهج الذي لم نر– حتى يومنا هذا – من تناوله بالدرس والتمحيص ليخلص منه بأصول للمنهج تشابه – على سبيل المثال لا المقارنة – ما وضعه ديكارت إبَّان حركة التنوير الأوروبية تحت عنوان "مقال في المنهج". وقد أشار كاتب هذه السطور إلى هذا الأمر من قبل – في مقال نُشر في منتصف الثمانينيات بمجلة "البيان" اللندنية تحت عنوان "حديث عن المنهج" - توجه فيه إلى مفكري المسلمين بشكل عام، ومنظّري الحركات الإسلامية بشكل خاص، إلى أن يولوا هذا الأمر انتباههم، وأن يهيئوا المناخ لمثل هذه الإفرازت الفكرية أن تنشأ، وتترعرع، فينشأ بها جيل من المفكرين، يوجه الحركة، ويصحح مسارها من حين إلى حين.
فإذا فرغنا من تحقيق هذه الأولية، ووجهنا النظر إلى الحركات الإسلامية المعاصرة – التي هي نتاج المجتمع الإسلامي المعاصر – رأينا فيها ما نرى فيه من سلبيات وإيجابيات، إذ نشأ رجاله في أحضانه، وتربوا على أفكاره، فكانت صورة منه. فلا غَرْوَ إن انعكس في هذه الحركات نفس الداء الذي أوقف نمو الحضارة، وعاق تقدمها في القرون الماضية، ونقصد به داء الركود الفكري.
فالحركات الإسلامية المعاصرة إذن تعاني ضعفاً فكرياً يعوقها عن تكوين قاعدة فكر أصيل، تبني عليه اتجاهها، وتوجه – من خلال حركته – حركتها، فيكون عملها منتجاً. ولا نحتاج إلى أن ندلل على ما نقول، إذ إنه منذ أن سقطت الخلافة إلى يوم الناس هذا – أي منذ أكثر من خمس وسبعين سنة – لم نر لهذه الحركات نتاجاً عملياً مثمراً، يشار إليه بالبنان، ويظهر أمام أعين الناس كالعنوان. وما هذا – فيما نحسب – إلا لغياب الفكر المحقق المدقق الذي يعقبه عمل متقن محكم. ونحن لا ننكر ما قدّمه الرعيل الأول من أبناء هذه الأمة في هذا القرن من فكر راقٍ أصيل، نتج عنه وجود الحركة الإسلامية ذاتها، من أمثال حسن البنا وسيد قطب ومالك بن نبي والمودودي – رحمة الله عليهم جميعاً – إلا أن هذا الفكر لم يتابع بما يسمح له بالنمو من ناحية، وبالتغيير والتعديل إن لزم الأمر من ناحية أخرى.
إن الفكر الذي نقصده ليس هو ما عبر عنه بعض كُتّابنا الأفاضل "بفقه الدعوة" أو "فقه الحركة" أو "فقه الاقلاع"، إذ هو يتعلق بمرحلة ما بعد الفكر البنائي الأساسي. فقه الدعوة أو فقه الحركة هو أقرب ما يكون إلى التنظيم والترتيب لا التأسيس والتنظير، ما نقصد بالفكر هنا إلا ذلك العمل العقلي الأساسي الذي تبني عليه الحركة، فكر التحليل ثم التركيب، فكر الجزئيات ثم الكليات، الفكر الذي يرى المشكلات في مبادئها الأولية، وما تنشأ عنه قبل أن يبدأ العلاج، ويقترح الحلول. عن هذا الفكر نتحدث، وهو ما نقصد إلى تحريكه من سكونه وركوده، وهو العمل الأول الذي يجب أن تضطلع به الحركات الإسلامية. هذه القدرة الفكرية هي ما يجب أن تربي عليها الحركات الإسلامية أبناءها ومنتسبيها، حتى يكون صفة عامة لهم، ينشأ عنها حسن التحليل والتوجيه ودقة الفهم والتأصيل، وهو ما يُنتج – بالضرورة – قيادات تتسم بدقة التخطيط، وأتباعاً يتصفون بحسن الأداء. حين ينتظم هذا الفكر، ويصبح صفة ملازمة لأبنائها، ينشأ حينئذ فكر الحركة، وفكر الحياة كلها. ففكر الحركة هو المبررات التي تجعل اتجاه الحركة في طريق معين اتجاهاً سائغاً له ما يبرره.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا نظرنا إلى كبرى الحركات الإسلامية في هذا العصر – ونقصد بها حركة "الشهيد" البنا (رحمة الله عليه) – فإننا نجد مصداقاً لما قرّرنا من أن الفكر الحركي يعاني أزمة حادة نتجت عن الأزمة الأعم في جمود الحركة الفكرية في الأمة بشكل عام. فإن "الإخوان المسلمون" بعد أن فقدوا زعيم الحركة ومنظرها في نهاية الأربعينيات قد فشلوا في إعمال الفكر التحليلي، وردّ جزئيات الواقع المحيك بما تجدد فيه بعد عصر البنا – رحمة الله عليه – إلى أصولها، بحيث ينشأ عن هذه الحركة الفكرية الواعية فكر حركي يلائم معطيات الواقع الجديد، فيثمر العمل، وتتوج الجهود بالنجاح – أليس غريباً أن تظفر دعوة البنا بهذا النجاح الهائل في فترة حياتها الأولى، وحتى وفاة مؤسسها، ثم إذا بها تضمحل من بعده، ويقل حصادها، حتى يصبح جُل ما تعيش عليه هو ذكريات الماضي؟. ولو كانت الحركة الفكرية شابة فتية – تسري في أبناء هذه الدعوة من خلال ما تربى عليه أفرادها في مجتمعهم الكبير، ثم في جماعتهم – لاستطاعت أن تواجه الواقع الجديد بما يناسبه من فكر حركي، يوحد الجهود، وينظّم الصفوف. وحتى لا نتجاوز حد الإنصاف، فإننا يجب أن نذكر أن التحدي الجديد – الذي واجه الدعوة بعد فقد مؤسسها – كان تحدياً تاريخياً هائلاً، إذ انتقلت فيه المواجهة إلى آفاق جديدة لم تكن بهذا السفور والوضوح في العصر الأول من حياتها، ولكن أليس هذا هو دور المفكرين من أبنائها ومن أبناء الأمة كلها أن يتحرك فيهم الفكر، ويعمل العقل لإيجاد ما يلائم الواقع من أشكال عملية منتجة؟ ّّ!
وحتى لا نظلم حركة "الإخوان المسلمين" – في مرحلة ما بعد البنا – فإن سائر الحركات الإسلامية قد عانى مثل ما عنته هذه الحركة – بشكل أو بآخر – على درجات متفاوتة، وإن اشتركت كلها في أنها لم تغذّ هذه القدرة لدى أبنائها، ولم تنمّها بالقدر الكافي، بل إننا نحسب أنه في غالب الأحوال عملت قيادات العديد من هذه الجماعات على كبت ما يظهر من براعم فكرية، وذلك حرساً على مكانتها القيادية، وتبنت مبدأ "الولاء قبل الكفاءة"ّ، فأبعدت من يستحق لحساب من يوالي. فانزوت البراعم الفكرية، ورضي القادة من الغنيمة بالاتباع!، ثم ما نراه حاصلاً في واقع بعض الحركات الإسلامية الأخرى من أنها تربي أبناءها على منهاج يدفع إلى تحقير الفكر لحساب العمل، فإن لم يكن ما تقدمه للدعوة عملاً حركياً في التو واللحظة كنت من المخذلين المتقاعدين. وما ينشأ هذا الاتجاه إلا حين تضعف القدرة الجماعية على التوجيه الفكري الذي يسبق الحركة، ويوجّه عملها، أو نتيجة الرغبة الشخصية في دخول معترك العمل الإسلامي من أي باب كان، حين تجتمع في الفرد الرغبة المخلصة في العمل مع العجز عن التوجه الصحيح المبني على الفكر الواعي.
والمحزن في هذا الأمر أن نرى الحركات الإسلامية – التي تنعي على الأنظمة السياسية الكثير من ممارساتها مع مواطنيها – تكاد تتبع نفس سنن هذه الأنظمة في ممارساتها مع أتباعها من ناحية، ومع مخالفيها من ناحية أخرى، حتى أننا سمعنا من يردد القول: أن يتعامل أفراد حركته مع الأنظمة السياسية القائمة أفضل من أن تتعامل مع الحركات الإسلامية الأخرىّ، وحين نحلل هذا الموقف إلى عناصره الأولية نجد فيه مصداق ما ذهبنا إليه من أن أبناء هذه الحركات الإسلامية وموجهيها ليسوا إلا نتاج هذا المناخ الفكري الراكد، وأن جرثومة الإحباظ الفكري قد سرت في الجسد كله، بما فيه من انتمى إلى الحركات الإسلامية.
ولسنا – يعلم الله سبحانه – بذاهبين إلى هذا القول، وآخذين بهذا التحليل تقليلاً لقيمة العمل الإسلامي المعاصر، فإنه – على ما يحتاجه من توجيه وتقويم – أملُ الأمة الذي تعيش عليه، لعل الله – سبحانه - يُحدث من خلاله أمراً. وإنما قصدنا توجيه النظر إلى حقيقة أن الحركة الفكرية التي تباطأت في أبناء الأمة بوجه عام قد أحدثت آثارها التلقائية في أبناء الحركات الإسلامية بشكل خاص، وأن تصحيح الفكر الحركي لا بد أن يبدأ بإذكاء حركة الفكر بشكل عام، إذ هما صنوان لا يفترقان.
(يُتْبَعُ)
(/)
و حتى نسبغ على دعوانا هذه شرعية البرهان وقوة الحجة والدليل، فسنتناول بعض ما كان من نتاج الحركة الفكرية من جهة، ومن خراج الفكر الحركي من جهة أخرى، لنرى بأنفسنا مدى ما نعانيه من نقص لا يسده إلا جهد مخلص جبار واع.
وأول – بل خير – ما نبدأ به ذلك العمل الفذ الذي أخرجته قريحة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيما عُرف بكتاب التوحيد، فإن الأثر الذي تركه هذا العمل الفكري الديني التجديدي قد فاق أثر كل ما تركه عمل أجيال قبله أو بعده منذ تدهور الخلافة العثمانية، وبداية تفكك عُرى دولتها. والكتاب على أنه لم يقدم جديداً من ناحية ما طرح من العقيدة – إذ هو مجرد جمع لما تفرق في شرح عقيدة أهل السنة والجماعة – ولكن مصدر قوته يرجع إلى مساق ذلك الجمع، وتلك القوة التي تضاعفت بحشد دلائل التوحيد وعلامات قيامه أو سقوطه، كما قررها رب العالمين، وكما بيّنها المصطفى – صلى الله عليه وسلم – صافية نقية قوية، لا مداهنة فيها ولا مجاملة. هذا العمل الفكري الفذ قد أفرز طاقة حركية هائلة تمثلت في حرة الإخوان (إخوان نجد)، ثم استمر أثرها في كثير من الأعمال التي أصدرها عدد عديد من العلماء والدعاة، وعلى رأسهم السيد أبو الأعلى المودودي، و"الشهيد" سيد قطب، ثم ما كان من أثر هذا العمل في الحركات الإسلامية المعاصرة، خلاف حركة "الإخوان المسلمين".
ثم ما كتبه العلامة السيد محمد رشيد رضا – في العدد الأول من مجلة "المنار" في مطلع هذ القرن – حين تناول بالتحليل قوة الحضارة الغربية، وسبب تفوقها. فقد استطاع هذا العالم الجهبذ أن يرى – بنور عقله وبهداية الله سبحانه له – ما لم ترهُ أجيال من بعده، أو لنقُل ما فشلت أجيال من بعده أن تستفيد منه في حركتها. فقد قرر السيد رشيد رضا – حين تناول البحث في "منافع الأوروبيين ومضّارهم" – أن ما ساد الغرب من قوة تنظيمية أفرزت ما عُرف "بالمؤسسات" ( Organizations) – أو "الجمعيات" كما سماها – وعزا تفوق الغرب على الشرق إلى أن الشرق لا يزال يعمل بروح الفرد لا بروح الجماعة. وما ذكره السيد رشيد رضا هو أمر في غاية الدقة في التحليل وصواب النظر، فإن الغرب قد عرف نظام المؤسسات في منتصف القرن التاسع عشر، ثم استفاض استعمال هذا الشكل من التنظيم في بداية القرن العشرين، وأفردت له دراسات عديدة في مجال الأبحث الإدارية ونفسية الجمعيات وتصرفاتها ( Organizational Behavior & Human Performance System) ، وصار استعمال كلمة "النظام" ( System) سائداً في كل مجالات العلم سواء الطبيعي أو الاجتماعي. وما أردناه في هذه الإشارة إنما هو التدليل على أن فكر السيد رشيد رضا قد ضرب في أعماق الحضارة الغربية وسبب تقدمها ما سبق به حتى فلاسفة الغرب في إرجاع تقدمهم إلى هذا الشكل من العمل، وعلى أن حركة الفكر التي قادها السيد رضا – رحمة الله عليه – كان يمكن أن تفرز نتاجاً عملياً حركياً لو قُيّض لها من يحملها، ويحول طاقتها من الفكر إلى الحركة.
وحين نتحدث عن الأعمال الفكرية المؤثرة في الحركة، فإننا لا نستطيع أن نتجاوز السيد أبا الأعلى المودودي، وما كتبه في بيان ما أحاط بعدد من المصطلحات من غبش في المعنى، قد أدى بدوره إلى اضطراب في الحركة المبنية عليها، وذلك في كتابه العظيم "المصطلحات الأربعة في القرآن"، حيث نتاول بالتحليل مصطلحات "الدين" و"الرب" و"العبادة" و"الإله"، ثم ما قدمه من فكر راق في تحليل النظام الإسلامي وبناء الدولة والدستور الإسلامي، وقد كان السيد المودودي مواكباً لحركة بناء دولة باكستان، فكان فكره ونتظيره لأبناء حركته – "الجماعة الإسلامية" – مصدر إشعاع فكري لغيرها من الحركات التي اهتدت بما خطّه أبو الأعلى (رحمة الله عليه).
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم نصل إلى معلم من معالم الفكر في هذا العصر، تعدى آثره موطن صاحبه، وجيل صاحبه ليكون مصدر فكر حركيّ دائم متجدد، وهو كتاب "معالم في الطريق" للشهيد سيد قطب، والكتاب – على صغر حجمه – استطاع صاحبه أن يمهد الطريق إلى طلائع مباركة تأتي من بعده، تهتدي بكتاب الله – سبحانه – وبهدي سيد المرسلين – صلى الله عليه وسلم – ويتمثل فيهم بعضاً من شمائل ذلك الجيل الفريد من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإن مادة القرآن لا تزال حية كما أُنزلت، وسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا تزال محفوظة في الصدور وفي السطور، فحري بمن يتبعهما أن يرقى إلى قريب مما رقي إليه ذلك الجيل الفريد. وقد هلك في هذا الكتاب أُناس ترجموه إلى التكفير والعزلة الشعورية وغير الشعورية، وما إلى ذلك مما لم يقصد إليه الكاتب، ومن الناس من رماه بالغلو والخروج، بل وبالكفر والمروق، ثم إن بعض فضلاء الدعاة اعترض على بعض ما كتب الأستاذ سيد من أن جيل الصحابة لا تكرر، وهو صحيح، وإن كنا لا نذهب مع هؤلاء الفضلاء إلى ما ذهبوا إليه من تحليل لغرض سيد ومقصده، فليس هذا موضع الخوض فيه على أي حال. ومحصل القول أن الحركة الإسلامية المعاصرة في جيل الستينيات والسبعينيات ترجع – بشكل أو بآخر – إلى هذا العمل الفذ الذي قُتل صاحبه دونه، لتحيا كلماته من بعده.
أمثلة مضيئة من حركة الفكر التي توجه وتبني فكر الحركة، وتقود خطواته. وذلك ما نقصد إليه من أن الحركة بلا فكر لن تؤدي إلا إلى إنتاج أمثال من يلقي بنفسه في معترك الحركة الجهادية دون أن يمر بمرحلة الفكر لعجز فكري أو لسهولة الحل المطروح. والفكر بلا حركة لن ينتج إلا أمثال أولئك القاعدين ممن يحترفون الكتابة، ثم لا ترى لهم أثراً في واقع حيّ أو عمل قائم.
إن التحدي الذي تواجهه الأمة الإسلامية – في عصرنا هذا – هو تحدٍ عام شامل يهدد كيانها ووجودها، يأتيها من بين أيديها ومن خلفها، تتكالب على تغذيتة القوى الشيطانية في الداخل والخارج. وهو تحدٍ يضرب قوى الأمة في الصميم، إذ ليس أضر على امة من أن تفقد قدرتها على الإنتاج الفكري. هو تحدٍ نفذ من نطاق العامة إلى نطاق الخاصة، وظهرت آثاره في اللعثمة الفكرية التي تتسم بها الحركة – فهو – من ثم – تحدّ يستحق أن يواجه مواجهة عامة شاملة، تشحذ لها القلوب والعقول، ثم تبسط لها الأيدي، تشمر السواعد حتى تخرج الأمة من المأزق التاريخي الذي يهدد كيانها ووجودها كأمة مستقلة، لها تاريخ وحضارة وفكر حكم العالم، وتفاعل معه قروناً متطاولة. وما نحسب هذا متحققاً إلا بتحريك الفكر ودعمه وتقويته، وتهيئة مناخ يتربى فيه الفرد على "إعمال العقل"، واحترام الفكر وتقدير دوره في توجيه الحركة.
[مجلة المنار الجديد، 2000](/)
(كلمة جامعة في المرأة) مقال يكتب بما هو أنفس من ماء الذهب. منقول
ـ[علي التمني]ــــــــ[12 - May-2008, صباحاً 11:01]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة جامعة في المرأة
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
لا أدري كيف أبدأ؟!!! غير أني سأضرب مثلا، بنهر يجري .. يخترق بلدة .. يسقيها؛ يسقي: زروعها، ثمارها، أنعامها، أناسيها. فالجميع في كفاية، وبهجة، وعافية، بلدة طيبة، ورب غفور.
أراد بعض ذوي المصالح الخاصة؟؟ .. الاستيلاء على مياه النهر؛ لأغراض خاصة، تضر بالعامة، وقد عرفوا أن من العسير فعل ذلك جهارا نهارا، مرة واحدة؛ فأهل البلدة سيدركون، فيرفضون، ويقاومون، والغلبة لهم، فهم أكثر وأشد، وذووا المصالح شرذمة قليلون.
اهتدوا إلى فكرة، ضلوا بها: لا تستولوا على المياه كله دفعة واحدة، لكن خذوا منه قليلا قليلا، احفروا إليه شِعْبا صغيرا، يخرج به الماء إلى ناحية الهدف، ثم احفروا آخر، ثم ثالثا، وليكن بينها مدد وزمن، كيلا يفطن أهل البلدة إلى المقصد والهدف، وكلما حفرتم شِعبا قولوا: نريد إحسانا؛ نريد أن نسقي أرضا جديدة، تدر ثمارا كثيرة وعديدة، يأكل منها: الفقير، والمحتاج، والشيخ الكبير، والمرأة والصغير، وابن السبيل. بأرخص الأثمان، بل بلا حساب .. نريد أن نسهم في بناء الأمة.
وكلما حفروا شِعبا، قلّ من النهر مقدار، لكنه غير محسوس ولا منظور، ومع كثرة الحفر وزيادة الشِعاب، بدا النقص لأولي الخبرة بالماء؛ المحتاجين لكثير منه على الدوام، من مزراعين ورعاة ونحوهم. وغيرهم لم يفطنوا؛ إذ لم يدركوا، أولئك الذين كانت حاجتهم أقل؛ ولأجله كان من العسير على أولي الخبرة الإقناع بالخطر المحدق، فقد صاحوا وحذروا من تلك الشِعاب وما تصنع بمياه النهر، لكن الناس ما صدقوا .. !!، ظنوها مبالغات وتهويلات، فما هي إلا شعاب، وها هو النهر يجري، والناس يسقون، والبهائم ترعى، والزروع متوفرة، فاتركوا عنكم اتهام أناس طيبين، لهم جهود في خدمة البلدة، وتخلصوا من نظريات المؤامرة، فإنها أوقعتكم في هواجس ووساوس لا تتجاوز عقولكم.
وهكذا انصرف القاصدون تغيير مسار النهر إلى مهمتهم، لا يعوقهم أحد، فقد اشتغل العارفون بغير العارفين، كلاهما انشغل بالآخر، هذا يريد أن يبين الحقيقة وينصح للآخر، والآخر يريد أن يهدئ من روع الأول، ويكبح جماحه، والمياه في تناقص مستمر لا يتوقف .. !!.
زادت الشِعاب السارقة لمياه النهر، ودبّ النقص جليا باديا للعيان، فبادر أولو الخبرة يكررون ما نصحوا به أولاً، ويدللون بما يرون على صدق ما تنبئوا به، لكن ظهر في الطريق من يقول: إن السبب قلة الأمطار، وكثرة الاستهلاك، وثمة عوائق وضعت في الطريق، عند النبع.
فصدقهم من صدق، ومضى الأمر على هذا الحال، من الخلاف والخصام، واستمرار خطة الاستيلاء، حتى جاء اليوم الذي تبخر فيه ماء النهر، فلم يعد يجري .. يخترق القرية، يسقيها، ويسقي من فيها.
أصبح الناس ممحلين ليس بأيديهم شيء، وبدلت جناتهم بجنات ذات أكل خمط، وأثل، وشيء من سدر قليل .. نجح ذوو المصالح الخاصة في خطتهم، فانحرفوا بماء النهر كله، وباجتماع تلك الشِعب الصغيرة، العديدة، صار النهر يجري إلى جهة أخرى، فأصبح أهل القرية يقلبون أكفهم على أن أنفقوا فيها، وهي خاوية على عروشها، ويقولون: يا ليتنا تنبهنا، وأدركنا قبل فوات الأوان.
* * *
لست أجد مثلا أحسن من هذا المثل، أضربه لقضية المرأة لدينا، فهناك من يريد تحويل طريقها بالكامل، من طريق: الأمومة، والقرار، والحجاب، والحشمة، والعفة، والتباعد عن الرجال، وقوامة محرمها، إلى طريق: العنوسة، والطلاق، وترك القرار، والسفور والتبرج، ومخالطة الرجال، والاستقلال عن القوامة، والتحلل، حتى تصل إلى الغاية من التعري، والفساد العريض.
وحصول ذلك دفعة واحدة، بمرة واحدة أمر عسير ومحال، فكل صدام معلن، يهدد بالفشل والتراجع، لكن مع تجزئة القضية إلى شعب وأجزاء تنجح العملية برمتها، وتحقق الأهداف بكل سهولة.
فلتكن إذن لكل قضية من قضايا المرأة شِعبا وجزءا، يطرح وحده منفردا:
- فشِعب لقيادة السيارة؛ ويقال فيه: "لا دليل يمنع من ذلك" ..
- وشعب لكشف الوجه؛ بالقول: "مسألة خلافية، والجمهور على القول بالكشف".
- وشعب للعمل؛ والقول: "لا ينبغي تعطيل نصف المجتمع" ..
(يُتْبَعُ)
(/)
- وشعب للاختلاط؛ "المحرم هو الخلوة، أما الاختلاط فهو سمة العهد النبوي".
- وشعب للرياضة؛ يقال: "كثر الترهل وهشاشة العظام في الفتيات، ولا حل إلا الرياضة في المدارس والجامعات، وهي ليست محرمة في الدين" ..
- وشعب لطرح القوامة؛ ليقال: "المرأة ليست ناقصة، وقد تعلمت وعملت فلا تحتاج إلى وصاية" ..
- وشعب للسفر والإقامة ونزول الفنادق بغير محرم؛ بالقول: "كيف يكون صبي لم يبلغ محرما لامرأة عاقلة متعلمة" ..
- وشعب للهوية؛ يقال: "المرأة تملك قرارها بنفسها".
- وشعب للتمثيل، والغناء، وانضمامها لهيئة العلماء، وأن تعمل مأذونة، وأن تؤم وتخطب الجمعة، وأن تبيع في محلات عامة، وفي مكاتب الطيران، ومضيفة، وأخيرا خادمة.
هي شعب، لو أخذت شعبة منها وحدها، ربما لم تشكل مشكلة كبيرة، وقد لا ينبني عليها انحلال ولا تحرر، ولا تغيير طريق المجتمع وسنته، وكذا لو ضممت إليها شعبة أخرى، أو ثالثة، كما لا تتسبب تلك الشعب القليلة في نضوب مياه النهر، لكن اجتماعها كلها سيخرج بالمرأة من طريق كانت فيه مصونة، رسم لها من قبل الوحي المنزل من رب العالمين، إلى طريق آخر جديد رسمه لها الغربي الأوربي، الصهيوني اليهودي والنصراني، جربه على نفسه، وأغرى به، وحمل غيره عليه بالدهاء.
النظر في قضية المرأة مجزأة مشعبة هو المشكلة والخطأ والخطر، لن تُرى كما هي، وستختفي منها جوانب كثيرة مهمة، والفقيه من نظر إليها مجتمعة متكاملة، حينئذ تبدو له الصورة كاملة واضحة المعالم، لا يخفى منها شيء ..
تناول جرعة واحدة من سيجارة، وربما سيجارة كاملة، قد لا تضر، لكنها مجتمعة تهلك وتدمر، فمن حرم السيجارة، ما حرمها بالنظر إلى واحدة منها، إنما بالنظر إليها مجتمعة كثيرة، وقد حرم الواحدة منها كذلك؛ كونها تجر إلى الثانية، والثالثة .. إلخ؛ أي هي ذرائع لبعضها بعضا.
كل الخبائث، والمضرات، والمفسدات، والسموم التي في الدنيا، التي تسبب المرض والتلف والموت، لا تبلغ أن تضر وهي أجزاء صغيرة ـ إلا ما ندر ـ فلو أخذت جزيئا منها، تحمل البدن فقاوم وتخلص، إنما الضرر يأتي من اجتماعها، ومن كميتها.
في الأطعمة المعلبة أجزاء سرطانية، من مواد حافظة، ونكهات، وألوان. في المنتج الواحد نسب بسيطة لا تحدث ثورة سرطانية في البدن، يحتملها ويقاومها ويتخلص منها، لكن مع كثرة تناولها، إذا صار طعام الناس من هذه المعلبات، التي يجدونها في كل مكان، وفي كل وجبة، تجتمع هذه الأجزاء؛ لتشكل قوة سرطانية، تفتك ببدن يعجز عن مقاومتها وهي مجتمعة، ولهذا كان السرطان مرض العصر.
وبالقياس نفسه ننظر إلى قضية المرأة؛ مجتمعة وكثيرة، وكون بعضها ذرائع لبعض تحقيقا، لا توهما وتوجسا، والتجربة شاهدة؟
إن هذا لهو القصص الحق، ومن كان في شك، فلينظر كيف كان تحرير المرأة في الغرب؟ وكيف كان تحرير المرأة في البلاد العربية؟
كان بتجزئة قضيتها وتشعيبها .. واستغراق الناس في هذه الشعب والأجزاء.
وتحريرها لم يأت بخير لها، ولا لأهلها، ولا للناس، ولا بتقدم اقتصادي كما زعموا، ولا بمساواة مطلقة كما تمنوا ونادوا، ولا بإعطاء المرأة حقوقها كاملة، بل جاء بكل ما يحزن ويؤلم؛ جاء بمهانة المرأة، وعذاب الرجل، جاء بفقرهما وعوزهما، واستغلال حاجتهما في تدمير أخلاقهما ودينهما .. جاء بسلب الفتاة أعز الأشياء عندها؛ حياءها، وعفتها.
ولئن طال الزمن بنا، ونحن نمشي في هذا السبيل، فلن نبرح نرى كل هذه المؤلمات، ولن نملك حينها إلا الحوقلة وأن نقول: إنا لله وإن إليه راجعون.
منقول من موقع: شبكة نور الإسلام.
http://www.islamlight.net/index.php?option=*******&task=view&id=9436&Itemid=28
حرر هنا يوم الاثنين 7/ 5/1429
ـ[علي التمني]ــــــــ[10 - Mar-2009, مساء 03:19]ـ
يرفع
في 13/ 3/1430(/)
هذه المرة .. من (اليمن) .. جاء التنكيل بالكوثري
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[12 - May-2008, مساء 11:53]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله - في تقديمه لكتاب " الأسماء والصفات " للبيهقي - رحمه الله -، بتحقيق الشيخ عبدالله الحاشدي - وفقه الله - (1/ 5 - 6):
(وقد كانت الامة الاسلامية تتلقى دينها في العقيدة و العبادات و المعاملات و الأخلاق من كتاب الله و من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انحرف واصل بن عطاء رأس الاعتزال، و تبعه من تبعه من أئمة الضلال، فقدموا أهواءهم على كتاب ربنا، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأثاروا الشبهات في أوساط المجتمع المسلم، أثاروها بالمناظرات و التأليف، فاضطر علماؤنا رحمهم الله أن يردوا على هذه الشبهات بالمؤلفات النافعة، (وعسى أن تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خيرا كثيرا).
فقد قام علماؤنا رحمهم الله بالرد على أئمة الضلال؛ خصوصا فيما يتعلق بالعقيدة، و كان من أجمع ما كتب فيما يتعلق بالأسماء و الصفات: كتاب (الأسماء و الصفات) للحافظ البيهقي رحمه الله، إلا أنه كان قد دنسه (محمد زاهد الكوثري) بتعليقاته الزائغة، وليس له هم إلا الرد على عقيدة أهل السنة، يقدح في الحديث الصحيح إذا كان مخالفًا لهواه، ويستدل بالحديث الضعيف إذا كان موافقًا لهواه، ويقدح في أعلام السنة؛ مثل الإمام أبي بكر محمد بن خزيمة، وشيخ الاسلام ابن تيمية، ومن سلك مسلكهم من أئمة الهدى، وزاد الطين بلة: الملحق الموجود في بعض الطبعات لزائغ من الزائغين، أخذ بالثأر لأئمة الزيغ و الهوى، فخيب الله آمال هذا و ذاك، و قيض الله أخانا الفاضل (أبا عبد الرحمن بن محمد الحاشدي) وطهر الكتاب من هذا و ذاك: (وقل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا). (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق).
(ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتُثت من فوق الأرض مالها من قرار). (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
بحمد الله أصبح الكتاب بعد العمل الذي قام به أخونا (عبد الله) كتاب عقيدة، و كتاب جرح و تعديل، وكتاب تصحيح و تضعيف).
قلتُ: قال الشيخ الحاشدي في مقدمة الكتاب (1/ 10 - 12):
(كثيرًا ما سمعت شيخنا الفاضل: أبا عبد الرحمن مقبل بن هادي الوداعي، حفظه الله تعالى و رعاه، يقول: إن كتاب الأسماء و الصفات للحافظ أبي بكر البيهقي رحمه الله تعالى يحتاج إلى من يخدمه، ويا حبذا لو أن طالب علم يقوم بتحقيقه و التعليق عليه، و تطهيره من أدناس الكوثري و تعليقاته البائرة، التي شوه بها هذا الكتاب، فعزمتُ متوكلا على الله جل و علا على القيام بهذا العمل ... - إلى أن قال -:
أما بالنسبة لتعليقات الكوثري في العقيدة، فقد حذفتها ولم أتعرض للرد عليها إلا نادرًا، وأحيل القارئ على الكتب المتقدمة - أي كتب أهل السنة -، فإنها رد على كل مبتدع من المتقدمين و المتأخرين.والكوثري لم يأتِ بشئ جديد، بل هو يردد أباطيل أسلافه من الأشاعرة و الماتوريدية و غيرهم من أهل البدع و الاهواء، وقد رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه، و كشف أباطيلهم و تلبيساتهم بما لا مزيد عليه. فرحمه الله وطيب ثراه، وأما تعليقات الكوثري الحديثية؛ فقد رددتُ على كثير منها بما ستراه إن شاء الله).
قلت: تحقيق الحاشدي مطبوع في مجلدين، وفيه تعقباته على جهمي العصر: (الكوثري).
ـ[محمود الغزي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 04:27]ـ
سبحان الله العظيم ..............
قد كنت قرأت هذه الفائدة ودونتها من وقت ................
وها هي الآن تُنشر من قِبل الشيخ سليمان .......... بوركت وحزاك الله خيراً.
ـ[زين العابدين الأثري]ــــــــ[15 - May-2008, صباحاً 12:01]ـ
للرفع رفع قدر كاتبه
ـ[أبو محمد العمري]ــــــــ[19 - May-2008, مساء 04:10]ـ
تحذير آخر من مصر:
قال الشيخ محمد خليل هراس فى شرحه للعقيدة الواسطية لابن تيمية رحمهما الله:
"" ... ولعل من المناسب أن ننقل إلى القارئ هنا ما كتبه حامل لواء التجهم والتعطيل فى هذا العصر وهو المدعو بزاهد الكوثرى -قال فى حاشيته على كتاب الأسماء والصفات للبيهقى ما نصه (قال الزمخشرى ما معناه أن الله يأتى بعذاب فى الغمام الذى ينتظرمنه الرحمة فيكون مجئ العذاب من حيث تنتظر الرحمة افظع وأهول) .. وقال إمام الحرمين فى معن الباء كما سبق وقال الفخر الرازى يأتيهم أمر الله ... أ. هـ
فأنت ترى من نقل هذا الرجل عن أسلافه فى التعطيل مدى اضطرابهم فى التخريج والتأويل .. على أن الآية صريحه فى بابها ...... "" ثم شرع العلامة خليل هراس فى الرد على تلك المقالات نقلاً وعقلاً ... الشاهد أنه يحذر من جهمية وتعطيل زاهد الكوثرى .....
ومن اليمن:
يقول الشيخ الإمام مقبل بن هادى الوادعى رحمه الله فى كتابه القيم (المخرج من الفتنة) طبعة دار الحديث بدماج فى مقدمة الطبعة الثانية صفحة 29 فى حديثه عن الجرح والتعديل"محمد زاهد الكوثرى مبتدع لا يعتمد عليه فى علم الحديث" أ. هـ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[19 - May-2008, مساء 10:08]ـ
فقد قام علماؤنا رحمهم الله بالرد على أئمة الضلال؛ خصوصا فيما يتعلق بالعقيدة، و كان من أجمع ما كتب فيما يتعلق بالأسماء و الصفات: كتاب (الأسماء و الصفات) للحافظ البيهقي رحمه الله [/ COLOR]
قلت: ليس الأمر كذلك، وفي كتاب البيهقي أشعريات ليست قليلة، ومثله من الكتب التي تمزج الحق بالباطل أخطر مما يسوق الباطل خالصاً أو غالباً ...
نعم في الكتاب صواب .. لكن متقدمي الأشاعرة ما كانوا ينازعون في هذا الصواب أصلاً .. وإنما يُنتفع بهذا الكتاب في الرد على متأخري الأشاعرة ... مع تنبيه طلبة العلم على جريان البيهقي على طريقة الأشاعرة الأُول في غالب أمره ..
وهذا تنبيه اقتضته عبارة الشيخ الوادعي ... واغترار بعض طلبة الحديث الذين يغلبهم حب البيهقي على التثبت والتحقيق ..
ـ[عادل آل موسى]ــــــــ[21 - May-2008, مساء 04:25]ـ
جزاك الله خير
يا شيخ سليمان
بارك الله فيك و نفع الله بعلمكم
ـ[الحلم والأناة]ــــــــ[24 - May-2008, صباحاً 12:39]ـ
أولا كيف تقول: هذه المرة .. من (اليمن) .. جاء التنكيل بالكوثري
وكأنها المرة الأولى مع أنه بدأ أصلا من اليمن عندما نكل به الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله
ثانيا
قلت: ليس الأمر كذلك، وفي كتاب البيهقي أشعريات ليست قليلة، ومثله من الكتب التي تمزج الحق بالباطل أخطر مما يسوق الباطل خالصاً أو غالباً ...
نعم في الكتاب صواب .. لكن متقدمي الأشاعرة ما كانوا ينازعون في هذا الصواب أصلاً .. وإنما يُنتفع بهذا الكتاب في الرد على متأخري الأشاعرة ... مع تنبيه طلبة العلم على جريان البيهقي على طريقة الأشاعرة الأُول في غالب أمره ..
وهذا تنبيه اقتضته عبارة الشيخ الوادعي ... واغترار بعض طلبة الحديث الذين يغلبهم حب البيهقي على التثبت والتحقيق ..
أصبت
وجزاكما الله خير الجزاء
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[24 - May-2008, مساء 09:00]ـ
الإخوة الكرام:
محمود الغزي
زين العابدين الأثري
أبامحمد العمري
أبافهر السلفي
عادل آل موسى
الحلم والأناة
بارك الله فيكم، وأشكر مروركم
- أخي: أبامحمد: شكرًا لإضافتكم.
- أخي: أبافهر: صدقت. وقد نبه إلى هذا الشيخ مقبل في تقديمه السابق (ص 7) بقوله: (وكذا تعقب - أي المحقق - فيه الحافظ البيهقي فيما زلت فيه قدمه من تأويل بعض الأدلة، التي تأثر في تأويلها، بشيخيه: ابن فورك، والحليمي).
- أخي: الحلم والأناة: قولك: " وكأنها المرة الأولى "، هذا فهمك. ولم أقصده.
ـ[منذر بن سليم محمود]ــــــــ[30 - May-2008, صباحاً 09:43]ـ
جزى الله الأخ الحاشدي خير الجزاء
ونتمنى على الإخوة المحققين الأكارم الاهتمام فعلا بالكتب التي استولى عليها المبتدعة فحولوا رسالتها من دعوة سنية إلى إضلالة بدعية ... والله الهادي إلى سواء السبيل(/)
في الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة
ـ[أبو عمر]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 01:53]ـ
الشيخ العالم العلامة
سليمان بن سحمان النجدي الحنبلي
فصل
في الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة
قال شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله: وينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة، فإن من بلغته دعوة الرسل فقد قامت عليه الحجة إذا كان على وجه يمكن معه العلم، ولا يشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله ورسوله ما يفهمه أهل الإيمان والقبول والانقياد لما جاء به الرسول، فافهم هذا يكشف عنك شبهات كثيرة في مسألة قيام الحجة، قال الله تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان:44) وقال تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَة) (البقرة: من الآية7) انتهى.
قلت ومعنى قوله رحمه الله: ((إذا كان على وجه يمكن معه العلم)) فمعناه أن لا يكون عديم العقل والتمييز كالصغير والمجنون، أو يكون ممن لا يفهم الخطاب، ولم يحضر ترجمان يترجك له، ونحو هؤلاء فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، قال الله تعالى: (ُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (الأنعام: من الآية19) وقال تعالى: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ً) (النساء: من الآية165) فلا يعذر أحد في عدم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل، وقد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار مع تصريحه بكفرهم، ووصف النصارى بالجهل مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم، ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون، ونعتقد كفرهم وكفر من شك في كفرهم، وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر، والشك هو التردد بين شيئين كالذي لا يجزم بصدق الرسول ولا كذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ونحو ذلك كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم وجوبها، أو لا يعتقد تحريم الزنا ولا عدم تحريمه، وهذا كفر بإجماع العلماء، ولا عذر لمن كان حاله هكذا لكونه لم يفهم حجج الله وبيناته لأنه لا عذر له بعد بلوغها لكونه لم يفهمها، وقد أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم يفهموا فقال: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرا) (الأنعام: من الآية25) وقال: (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (لأعراف: من الآية30) فبين سبحانه أنهم لم يفقهوا، فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا، بل صرح هذا الجنس من الكفار كما في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً) (الكهف من الآية: 103 - 104 - 105) الآية.
فإذا تبين لك هذا واتضح فاعلم أن هؤلاء الذين شبهوا بكلام شيخ الإسلام وأجملوا ولم يفصلوا لبسوا الحق بالباطل، وشيخ الإسلام رحمه الله قد وصل كلامه بما يقطع النزاع، ويزيل الإشكال، فذكر أن ذلك في المقالات الخفية، والمسائل النظرية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس وأما مسألة توحيد الله وإخلاص العبادة له فلم ينازع في وجوبها أحد من أهل الإسلام لا أهل الأهواء ولا غيرهم، وهي معلومة من الدين بالضرورة كل من بلغته الرسالة وتصورها على ما هي عليه عرف أن هذا زبدتها وحاصلها وسائر الأحكام تدور عليه، وكذلك الجهمية الذين أخرجهم أكثر السلف من الثنتين والسبعين فرقةً.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال شيخ الإسلام في الرد على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيراً قال: ((وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال فيها إنه مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها، لكن هذا يصدر منهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث بها، وكفر من خالفها مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم، فإن هذه أظهر شعائر الإسلام، مثل إيجاب الصلوات الخمس، وتعظيم شأنها، ومثل تحريم الفواحش والزنا والخمر والميسر، ثم تجد كثيراً من رؤساهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين، وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في دين المشركين كما فعل أبو عبد الله الرازي. قال: وهذه ردة صريحة، انتهى.
فالشخص المعين إذا صدر منه ما يوجب كفره من الأمور التي هي معلومة من ضروريات دين الإسلام، مثل عبادة غير الله سبحانه وتعالى ومثل جحد علوا الله على خلقه، ونفي صفات كماله ونعوت جلاله الذاتية والفعلية، ومسألة علمه بالحوادث والكائنات قبل كونها، فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله رد على من كفر معطلة الذات، ومعطلة الربوبية، ومعطلة الأسماء والصفات، ومعطلة إفراد الله تعالى بالإلهية، والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية، ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية، ومن قال بالأصلين النور والظلمة، فإن من التزم هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى.
وكلام شيخ الإسلام إنما يعرفه ويدريه من مارس كلامه، وعرف أصوله فإنه قد صرح في غير موضع أن الخطأ قد يغفر لمن لم يبلغه الشرع، ولم تقم عليه الحجة في مسائل مخصوصة، إذا اتقى الله ما استطاع، واجتهد بحسب طاقته، وأين التقوى وأين الاجتهاد الذي يدعيه عباد القبور، والداعون للموتى والغائبين، والمعطلون للصانع عن علوه على خلقه، ونفي أسمائه وصفاته ونعوت جلاله، كيف والقرآن يتلى في المساجد والمدارس والبيوت، ونصوص السنة النبوية مجموعة مدونة معلومة الصحة والثبوت.
وكذلك ابن القيم رحمه الله لما ذكر طبقات المكلفين قال في الطبقة السابعة عشر: وأما كون زيد بنفسه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وعباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر. فإنه فَصَلَ النزاع، وأزال الإشكال بهذا وبقوله: وإن الله لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله تعالى وحكمه، هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر.
فبين رحمه الله أن هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأنه لا يجوز لأحد أن يحكم على إنسان بعينه أن الله يعذبه ويعاقبه على ما صدر منه قبل قيام الحجة عليه بالرسول، وأما أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهرها، ومَثَّلَ ذلك بأطفال الكفار ومجانينهم، بأنهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم، وقد تقدم كلام الشيخ في الرازي وتصنيفه في دين المشركين، وأنها رِدَّة صريحة، وهو معين، وتقدم في كلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله حكاية أجماع العلماء على تكفير بشر المريسي، وهو رجل معين، وكذلك الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وكذلك الطوسي نصير الشرك، والتلمساني، وابن سبعين، والفارابي، أئمة الملاحدة، وأهل الوحدة، وأبي معشر البلخي، وغيرهم وفي إفادة المستفيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تكفير المعين ما يكفي طالب الحق والهدى.
ـ[أبو عمر]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 01:58]ـ
مفيد المستفيد قي كفر تارك التوحيد
شيخ الإسلام
محمد بن عبد الوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين و عليه نتوكل
مما قال الشيخ الإمام وعلم الهداة الأعلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى: لما ارتاب بعض من يدعي العلم من أهل العيينة. لما ارتد أهل حريملاء، فسئل الشيخ أن يكتب كلاماً ينفعه الله به:
فقال رحمه الله تعالى:
(يُتْبَعُ)
(/)
روى مسلم في صحيحه عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة , وأنهم ليسوا على شيء , وهم يعبدون الأوثان , قال: فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً جرأ عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له , وما أنت؟. قال: (أنا نبي)!. قلت: وما نبي؟ قال: (أرسلني الله)!. فقلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: (أرسلني بصلة الأرحام , وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء)!. فقلت له: ومن معك على هذا؟. قال: (حر وعبد)!. قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن معه، فقلت: إني متبعك. قال: (إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا , ألا ترى حالي وحال الناس , ولكن ارجع إلى أهلك , فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني). قال: فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكنت في أهلي، فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة , حتى قدم نفر من أهل يثرب من أهل المدينة , فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا الناس إليه سراع! وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك , فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: (نعم! أنت الذي لقيتني بمكة). قال: قلت بلى، فقلت: يا نبي الله علمني مما علمك الله وأجهله , أخبرني عن الصلاة. قال: (صلِ صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس , وحتى ترتفع , فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان , وحينئذ يسجد لها الكفار , ثم صلِ فان الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح , ثم أقصر عن الصلاة فإنها حينئذ تسجر جهنم , فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر , ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار) وذكر الحديث.
قال أبو العباس رحمه الله تعالى: فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها معللاً ذلك النهي بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان , وأنه حينئذ يسجد لها الكفار، ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان , ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة. ومن هذا الباب أنه كان إذا صلى إلى عود أو عمود جعله على حاجبه الأيمن ولم يصمد له صمداً، ولهذا نهى عن الصلاة إلى ما عبد من دون الله في الجملة، ولهذا ينهى عن السجود لله بين يدي الرجل لما فيه من مشابهة السجود لغير الله. انتهى كلامه.
فليتأمل المؤمن الناصح لنفسه ما في هذا الحديث من العبر فإن الله سبحانه وتعالى يقص علينا أخبار الأنبياء وأتباعهم ليكون للمؤمن من المستأخرين عبرة فيقيس حاله بحالهم، وقص قصص الكفار والمنافقين لتجتنب من تلبس بها أيضا.
فمما فيه من الاعتبار أن هذا الأعرابي الجاهلي لما ذكر له أن رجلاً بمكة يتكلم في الدين بما يخالف الناس لم يصبر حتى ركب راحلته فقدم عليه وعلم ما عنده لما في قلبه من محبة الدين والخير , وهذا فسر به قوله تعالى: (ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم) أي حرصاً على تعلم الدين: (لأسمعهم) أي لأفهمهم , فهذا يدل على أن عدم الفهم في أكثر الناس اليوم عدلا منه سبحانه لما يعلم في قلوبهم من عدم الحرص على تعلم الدين.
فتبين أن من أعظم الأسباب الموجبة لكون الإنسان من شر الدواب هو عدم الحرص على تعلم الدين , فإذا كان هذا الجاهلي يطلب هذا المطلب , فما عذر من ادعى اتباع الأنبياء وبلغه عنهم ما بلغه وعنده من يعرض عليه التعليم ولا يرفع بذلك رأساً، فان حضر أو استمع فكما قال تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون. لاهية قلوبهم).
وفيه من العبر أيضا أنه لما قال: (أرسلني الله). قال: بأي شيء أرسلك؟ قال: بكذا وكذا. فتبين أن زبدة الرسالة الإلهية، والدعوة النبوية، هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وكسر الأوثان , ومعلوم أن كسرها لا يستقيم إلا بشدة العداوة وتجريد السيف، فتأمل زبدة الرسالة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفيه أيضاً أنه فهم المراد من التوحيد، وفهم أنه أمر كبير غريب، ولأجل هذا قال: من معك على هذا؟ قال: (حر وعبد) فأجابه أن جميع العلماء والعباد والملوك والعامة مخالفون له ولم يتبعه على ذلك إلا من ذكر، فهذا أوضح دليل على أن الحق قد يكون مع أقل القليل وأن الباطل قد يملأ الأرض.
ولله در الفضيل بن عياض حيث يقول: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين. وأحسن منه قوله تعالى: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين).
وفي الصحيحين أن بعث النار من كل ألف تسعة وتسعون وتسعمائة وفي الجنة واحد من كل ألف، ولما بكوا من هذا لما سمعوه قال صلى الله عليه وسلم: (إنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلا أكملت من المنافقين) قال الترمذي حسن صحيح. فإذا تأمل الإنسان ما في هذا الحديث من صفة بدء الإسلام، ومن اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم إذ ذاك، ثم ضم إليه الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ) تبين له الأمر إن هداه الله وانزاحت عنه الحجة الفرعونية: (فما بال القرون الأولى) والحجة القرشية: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة).
وقال أبو العباس رحمه الله تعالى في كتاب (إقتضاء الصراط المستقيم) في الكلام على قوله تعالى: (وما أهل به لغير الله) ظاهره أن ما ذبح لغير الله سواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه النصراني للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله، فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، والعبادة لغير الله أعظم كفراً من الاستعانة بغير الله فلو ذبح لغير الله متقربا به إليه لحرم وإن قال فيه باسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبائحهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان، وهذا ما يفعل بمكة وغيرها من الذبح للجن. انتهى كلام الشيخ وهو الذي ينسب إليه بعض أعداء الدين أنه لا يكفر المعين، فانظر أرشدك الله إلى تكفيره من ذبح لغير الله من هذه الأمة، وتصريحه أن المنافق يصير مرتداً بذلك، وهذا في المعين إذ لا يتصور أن تحرم إلا ذبيحة معين.
وقال أيضا في الكتاب المذكور: وكانت الطواغيت الكبار التي تشد أليها الرحال ثلاثة اللات، والعزى، ومناة، وكل واحد منها لمصر من أمصار العرب، فكانت اللات لأهل الطائف، ذكروا أنه كان في الأصل رجلاً صالحاً يلت السويق للحجاج فلما مات عكفوا على قبره. وأما العزى: فكانت لأهل مكة قريبا من عرفات، وكانت هناك شجرة يذبحون عندها ويدعون. وأما مناة: فكانت لأهل المدينة وكانت حذو قديد من ناحية الساحل.
ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين في عبادتهم الأوثان، ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمه الله وأنواعه، حتى يتبين له تأويل القرآن فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحوال العرب في زمانه، وما ذكره الأزرقي وغيره في أخبار مكة من العلماء.
ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ويسمونها ذات أنواط فقال بعض الناس: يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال: (الله أكبر، إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم) فأنكر صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها معلقين عليها أسلحتهم. فكيف بما هو أطم من ذلك من الشرك بعينه. إلى أن قال: (فمن ذلك عدة أمكنة بدمشق) مثل مسجد يقال له مسجد الكف فيه تمثال كف يقال إنه كف علي بن أبى طالب حتى هدم الله ذلك الوثن، وهذه الأمكنة كثيرة موجودة في البلاد، وفي الحجاز منها مواضع. ثم ذكر كلاماً طويلاً في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند القبور فقال: العلة لما يفضي إليه ذلك من الشرك. ذكر ذلك الشافعي وغيره، وكذلك الأئمة من أصحاب مالك وأحمد، كأبي بكر الأثرم عللوا بهذه العلة، وقد قال تعالى: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا .. ) الآية، ذكر ابن عباس وغيره من السلف أن هذه
(يُتْبَعُ)
(/)
أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، ذكر هذا البخاري في صحيحه وأهل التفسير كابن جرير وغيره.
ومما يبين صحة هذه العلة أنه لعن من يتخذ قبور الأنبياء مساجد، ومعلوم أن قبور الأنبياء لا يكون ترابها نجساً، وقال عن نفسه: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) فعلم أن نهيه عن ذلك كنهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها سداً للذريعة لئلا يصلى في هذه الساعة وإن كان المصلي لا يصلي إلا لله، ولا يدعو إلا لله، لئلا يفضي ذلك إلى دعائها والصلاة لها، وكلا الأمرين قد وقع، فإن من الناس من يسجد للشمس وغيرها من الكواكب ويدعوها بأنواع الأدعية، وهذا من أعظم أسباب الشرك الذي ضل به كثيرا من الأولين والآخرين حتى شاع ذلك في كثير ممن ينتسب إلى الإسلام , وصنف بعض المشهورين فيه كتاباً على مذهب المشركين مثل أبي معشر البلخي , وثابت بن قرة وأمثالهما ممن دخل في الشرك وآمن بالطاغوت والجبت وهم ينتسبون إلى الكتاب كما قال تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت). انتهى كلام الشيخ رحمه الله.
فانظر رحمك الله إلى هذا الإمام الذي ينسب عنه من أزاغ الله قلبه عدم تكفير المعين كيف ذكر عن مثل الفخر الرازي وهو من أكابر أئمة الشافعية، ومثل أبى معشر وهو من أكابر المشهورين من المصنفين وغيرهما أنهم كفروا وارتدوا عن الإسلام، والفخر هو الذي ذكره الشيخ في الرد على المتكلمين، لما ذكر تصنيفه الذي ذكر هنا قال: وهذه ردة صريحة باتفاق المسلمين. وسيأتي كلامه إن شاء الله تعالى.
وتأمل أيضاً ما ذكره في اللات والعزى ومناة وجعله فعل المشركين معها هو بعينه الذي يفعله بدمشق وغيرها وتأمل قوله على حديث ذات أنواط.
هذا قوله في مجرد مشابهتهم في اتخاذ شجرة فكيف بما هو أطم من ذلك من الشرك بعينه، فهل للزائغ بعد هذا متعلق بشيء من كلام هذا الإمام.
وأنا أذكر لفظه الذي احتجوا به على زيغهم قال رحمه الله تعالى: أنا من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، أو تبديع، أو تفسيق، أو معصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى. انتهى كلامه.
وهذا صفة كلامه في المسألة في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة، وأما إذا بلغته حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير، أو تفسيق، أو معصية.
وصرح رضي الله عنه أن كلامه في غير المسائل الظاهرة، فقال في الرد على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرا قال: وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها، لكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها، وكفر من خالفها، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل إيجاب الصلوات الخمس وتعظيم شأنها، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين.
وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في دين المشركين كما فعل أبو عبدالله الرازي (يعني الفخر الرازي) قال وهذه ردة صريحة باتفاق المسلمين. انتهى كلامه.فتأمل هذا وتأمل ما فيه من تفصيل الشبهة التي يذكر أعداء الله، لكن من يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً.
على أن الذي نعتقده وندين لله به ونرجو أن يثبتناً عليه أنه لو غلط هو أو أجلَّ منه في هذه المسألة وهي مسألة المسلم إذا أشرك بالله بعد بلوغ الحجة، أو المسلم الذي يفضل هذا على الموحدين، أو يزعم أنه على حق، أو غير ذلك من الكفر الصريح الظاهر الذي بينه الله ورسوله وبينه علماء الأمة، أنا نؤمن بما جاءنا عن الله وعن رسوله من تكفيره ولو غلط من غلط.
(يُتْبَعُ)
(/)
فكيف والحمد لله ونحن لا نعلم عن واحد من العلماء خلافا في هذه المسألة، وإنما يلجأ من شاق فيها إلى حجة فرعون: (فما بال القرون الأولى) أو حجة قريش: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة).
وقال الشيخ رحمه الله في الرسالة السنية لما ذكر حديث الخوارج ومروقهم من الدين وأمره صلى الله عليه وسلم بقتالهم، قال: فإذا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة حتى أمر صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام أو السنة قد يمرق أيضا من الإسلام في هذه الأزمان وذلك بأسباب، منها الغلو الذي ذمه الله في كتابه حيث يقول: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) وعلي ابن أبى طالب حرق الغالية من الرافضة فأمر بأخاديد خدت لهم عند باب كنده فقذفهم فيها، واتفق الصحابة على قتلهم، ولكن ابن عباس كان مذهبه أن يقتلوا بالسيف بلا تحريق وهو قول أكثر العلماء وقصتهم معروفة عند العلماء.
وكذلك الغلو في بعض المشائخ، بل الغلو في علي ابن أبى طالب، بل الغلو في المسيح ونحوه، فكل من غلا في نبي، أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية، مثل أن يقول يا سيدي فلان انصرني، أو أغثني، أو ارزقني، أو أجبرني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال فكل هذه شرك وضلال يستتاب صاحبها فإن تاب وإلا قتل.
فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده لا شريك له لا يجعل معه إلهاً آخر، والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى مثل المسيح والملائكة والأصنام لم يكونوا معتقدين أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر أو تنبت النباتات، وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم أو صورهم ويقولون: (إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى) (ويقولون هؤلاء هم شفعاؤنا عند الله).
فبعث الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة، قال تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) الآية، قال: طائفة من السلف كان أقوام يدعون المسيح وعزيراَ والملائكة. ثم ذكر رحمة الله تعالى آيات.
ثم قال وعبادة الله وحده لا شريك له هي أصل الدين وهو التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب، قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) وقال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) وكان صلى الله عليه وسلم يحقق التوحيد ويعلمه أمته حتى قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال: (أجعلتني لله نداً، بل ما شاء الله وحده) ونهى عن الحلف بغير الله وقال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وقال في مرض موته: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا. وقال: (اللهم لا تجعل قبري وثناًَ يعبد). وقال: (لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراًَ وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني) ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء المساجد على القبور ولا الصلاة عندها، وذلك لأن من أكبر أسباب عبادة الأوثان كان تعظيم القبور.
ولهذا اتفق العلماء على أنه من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أنه لا يتمسح بحجرته ولا يقبلها لأنه إنما يكون ذلك لأركان بيت الله فلا يشبه بيت المخلوق ببيت الخالق، كل هذا لتحقيق التوحيد الذي هو أصل الدين ورأسه الذي لا يقبل الله عملاًَ إلا به ويغفر لصاحبه ولا يغفر لمن تركه كما قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) الآية، ولهذا كانت كلمة التوحيد أفضل الكلام وأعظمه. وأعظم آية في القرآن آية الكرسي: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) والإله هو الذي تألهه القلوب عبادة له واستعانة به ورجاء وخشية وإجلالاً. انتهى كلامه رحمه الله.
فتأمل أول الكلام وآخره، وتأمل كلامه فيمن دعا نبياً أو ولياً، مثل أن يقول يا سيدي فلان أغثني ونحوه، أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل هل يكون هذا إلا في المعين والله المستعان. وتأمل كلامه في اللات والعزى ومناة وما ذكر بعده يتبين لك الأمر إن شاء الله تعالى.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في شرح المنازل في باب التوبة: وأما الشرك فهو نوعان أكبر، وأصغر. فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو أن يتخذ من دون الله نداً يحبه كما يحب الله، بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله ويبغضون لمنتقص معبودهم من المشائخ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين، وقد شاهدنا هذا نحن وغيرنا منهم جهرة، وترى أحدهم قد اتخذ ذكر معبوده على لسانه ديدنا له إن قام وإن قعد وإن عثر وإن استوحش وهو لا ينكر ذلك، ويزعم أنه باب حاجته إلى الله وشفيعه عنده، وهكذا كان عباد الأصنام سواء.
وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم، فأولئك كانت آلهتهم من الحجر، وغيرهم اتخذوها من البشر، قال تعالى حاكياًَ عن أسلاف هؤلاء: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) الآية.
فهذه حال من اتخذ من دون الله ولياً يزعم أنه يقربه إلى الله تعالى، وما أعز من يتخلص من هذا، بل ما أعز من لا يعادي من أنكره، والذي قام بقلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وهذا عين الشرك، وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه وأبطله، وأخبر أن الشفاعة كلها له. ثم ذكر الشيخ (يعني ابن القيم) رحمه الله فصلاً طويلاً في تقرير هذا الشرك الأكبر.
ولكن تأمل قوله: وما أعز من يتخلص من هذا، بل ما أعز من لا يعادي من أنكره. يتبين لك بطلان الشبهة التي أدلى بها الملحد، وزعم أن كلام الشيخ في الفصل الثاني يدل عليها وسيأتي تقريره إن شاء الله تعالى.
وذكر في آخر هذا الفصل أعني الفصل الأول في الشرك الأكبر الآية التي في سورة سبأ: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله) إلى قوله: (إلا لمن أذن له) وتكلم عليها، ثم قال: والقرآن مملوء من أمثالها، ولكن أكثر الناس لا يشعر بدخول الواقع تحته ويظنه في قوم قد خلوا ولم يعقبوا وأرثا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما تنقض عرى الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية.
وهذا لأنه إذا لم يعرف الشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية فتنتقض بذلك عرى الإسلام ويعود المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والبدعة سنة، والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان، وتجريد التوحيد، ويبدأ بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عياناً فالله المستعان.
فصل
وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والحلف بغير الله، وقول هذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك ولولا أنت لم يكن كذا وكذا. وقد يكون هذا شركاً أكبر بحسب حال قائله ومقصده.
ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى (يعني ابن القيم) بعد ذكر الشرك الأكبر والأصغر: ومن أنواع هذا الشرك سجود المريد للشيخ، ومن أنواعه التوبة للشيخ فإنها شرك عظيم، ومن أنواعه النذر لغير الله، والتوكل على غير الله، والعمل لغير الله، والإنابة والخضوع والذل لغير الله، وابتغاء الرزق من عند غيره، وإضافة نعمه إلى غيره، ومن أنواعه طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً لمن استغاث به، أو سأله أن يشفع له إلى الله، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده، فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه والله لم يجعل سؤال غيره سبباً لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، والميت محتاج إلى من يدعو له كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل الله لهم العافية والمغفرة، فعكس المشركون هذا وزاروهم زيارة العبادة وجعلوا قبورهم أوثاناً تعبد، فجمعوا بين الشرك بالمعبود، وتغيير دينه، ومعادات أهل التوحيد ونسبتهم إلى تنقص الأموات، وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك، وأوليائه المؤمنين بذمهم ومعاداتهم، وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص، إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا، أو أنهم أمروهم به، وهؤلاء أعداء الرسل في
(يُتْبَعُ)
(/)
كل زمان ومكان وما أكثر المستجيبين لهم.
ولله در خليله إبراهيم حيث يقول: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام. رب إنهن اضللن كثيراً من الناس) وما نجى من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد التوحيد لله، وعادى المشركين في الله وتقرب بمقتهم إلى الله. انتهى كلامه.
والمراد بهذا أن بعض الملحدين نسب إلى الشيخ أن هذا شرك أصغر، وشبهته أنه ذكره في الفصل الثاني الذي ذكر في أوله الأصغر. وأنت رحمك الله تجد الكلام من أوله إلى آخره في الفصل الأول والثاني صريحاً لا يحتمل التأويل من وجوه كثيرة منها أن دعاء الموتى والنذر لهم ليشفعوا له عند الله هو الشرك الأكبر الذي بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه فكفر من لم يتب منه وقاتله وعاداه، وآخر ما صرح به قوله آنفاً: وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلى آخره اهـ.
فهل بعد هذا البيان بيان إلا العناد بل الإلحاد.
ولكن تأمل قوله أرشدك الله: وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من عادى المشركين إلى آخره اهـ. وتأمل أن الإسلام لا يصح إلا بمعادات أهل الشرك الأكبر وإن لم يعاديهم فهو منهم وإن لم يفعله.
وقد ذكر في الإقناع عن الشيخ تقي الدين، أن من دعا علي ابن أبي طالب فهو كافر، وإن من شك في كفره فهو كافر، فإذا كان هذا حال من شك في كفره مع عداوته له ومقته له، فكيف بمن يعتقد أنه مسلم ولم يعاده، فكيف بمن أحبه، فكيف بمن جادل عنه وعن طريقته، وتعذر أنا لا نقدر على التجارة وطلب الرزق إلا بذلك، وقد قال تعالى: (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) فإذا كان هذا قول الله تعالى فيمن تعذر عن التبيين بالعمل بالتوحيد ومعادات المشركين بالخوف على أهله وعياله فكيف بمن اعتذر في ذلك بتحصيل التجارة، ولكن الأمر كما تقدم عن عمر إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية لهذا لم يعرف معنى القرآن، وأنه أشر وأفسد من الذين قالوا: (إن نتبع الهدى معك) الآية.
ومع هذا فالكلام الذي يظهرونه نفاقاً وإلا فهم يعتقدون أن أهل التوحيد ضالون مضلون، وأن عبدة الأوثان أهل الحق والصواب، كما صرح به إمامهم في الرسالة التي أتتكم قبل هذه خطه بيده يقول: بيني وبينكم أهل هذه الأقطار وهم خير أمة أخرجت للناس وهم كذا وكذا، فإذا كان يريد التحاكم إليهم ويصفهم بأنهم خير أمة أخرجت للناس، فكيف أيضاً يصفهم بشرك ومخالطتهم للحاجة. وما أحسن قول أصدق القائلين: (والسماء ذات الحبك. إنكم لفي قول مختلف. يؤفك عنه من أفك) (بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج).
فرحم الله أمرءً نظر لنفسه وتفكر فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله من معادات من أشرك بالله من قريب أو بعيد وتكفيرهم وقتالهم حتى يكون الدين كله لله، وعلم ما حكم به محمد صلى الله عليه وسلم فيمن أشرك بالله مع ادعائه الإسلام، وما حكم في ذلك الخلفاء الراشدون كعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه وغيره لما حرقهم بالنار مع أن غيرهم من أهل الأوثان الذين لم يدخلوا في الإسلام لا يقتلون بالتحريق والله الموفق.
وقال أبو العباس أحمد بن تيمية في الرد على المتكلمين لما ذكر بعض أحوال أئمتهم قال: وكل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له، ومن لم يأمر منهم بالشرك فلم ينه عنه، بل يقر هؤلاء وهؤلاء وإن رجح الموحدين ترجيحاً ما فقد يرجح غيره المشركين، وقد يعرض عن الأمرين جميعاً، فتدبر هذا فإنه نافع جداً.
ولهذا كان رؤوسهم المتقدمون والمتأخرون يأمرون بالشرك، وكذلك الذين كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد بل يسوغون الشرك، أو يأمرون به أولا يوجبون التوحيد، وقد رأيت من مصنفاتهم في عبادة الملائكة وعبادة الأنفس المفارقة أنفس الأنبياء وغيرهم ما هو أصل الشرك. وهم إذا ادعوا التوحيد إنما توحيدهم بالقول لا بالعبادة والعمل، والتوحيد الذي جاءت به الرسل لابد فيه من التوحيد بإخلاص الدين لله وعبادته وحده لا شريك له، وهذا شيء لا يعرفونه فلو كانوا موحدين بالقول والكلام لكان معهم التوحيد دون العمل، وذلك لا يكفي في السعادة والنجاة بل لابد أن يعبد الله وحده ويتخذ إلهاً دون ما سواه، وهذا هو معنى قول (لا إله إلا الله). انتهى كلام الشيخ.
(يُتْبَعُ)
(/)
فتأمل رحمك الله هذا الكلام فإنه مثل ما قال الشيخ فيه نافع جداً، ومن أكبر ما فيه من الفوائد أنه يبين لك حال من أقر بهذا الدين، وشهد أنه الحق، وأن الشرك هو الباطل، وقال بلسانه ما أريد منه، ولكن لا يدين بذلك إما بغضاً له، أو عدم محبته كما هي حال المنافقين الذين بين أظهرنا، وإما يثار الدنيا مثل تجارة أو غيرها فيدخلون في الإسلام ثم يخرجون منه، كما قال تعالى: (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا) الآية، وقال تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره) إلى قوله: (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة) فإذا قال هؤلاء بألسنتهم نشهد أن هذا دين الله ورسوله، ونشهد أن المخالف له باطل، وأنه الشرك بالله غر هذا الكلام ضعيف البصيرة.
وأعظم من هذا وأطم أن أهل حريملاء ومن وراءهم يصرحون بمسبة الدين، وأن الحق ما عليه أكثر الناس يستدلون بالكثرة على حسن ما هم عليه من الدين، ويفعلون ويقولون ما هو من أكبر الردة وأفحشها، فإذا قالوا التوحيد حق والشرك باطل وأيضاً لم يحدثوا في بلدهم أوثاناً جادل الملحد عنهم وقال: أنهم يقرون أن هذا شرك، وأن التوحيد هو الحق، ولا يضرهم عندهم ما هم عليه من السب لدين الله، وبغي العوج له، ومدح الشرك وذبهم دونه بالمال واليد واللسان فالله المستعان.
وقال أبو العباس أيضاً: في الكلام على كفر مانعي الزكاة والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها، وهذا لم يعهد عنه الخلفاء والصحابة، بل قال الصديق لعمر رضي الله عنهما: (والله لو منعوني عقالاً ـ أو عناقاً ـ كانوا يؤودنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه) فجعل المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب. وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة وهي مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم، والشاهدة على قتلاهم بالنار وسموهم جميعهم أهل الردة. وكان من أعظم فضائل الصديق رضي الله عنه عندهم أن ثبته الله على قتالهم ولم يتوقف كما يتوقف غيره فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله. وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة، فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم. انتهى.
فتأمل كلامه رحمه الله في تكفير المعين والشهادة عليه إذا قتل بالنار وسبي حريمه وأولاده عند منع الزكاة، فهذا الذي ينسب عنه أعداء الدين عدم تكفير المعين.
قال رحمه الله: بعد ذلك وكفر هؤلاء وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة. انتهى كلامه.
ومن أعظم ما يحل الإشكال في مسألة التكفير والقتال عمن قصد اتباع الحق، إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة وإدخالهم في أهل الردة وسبي ذراريهم، وفعلهم فيهم ما صح عنهم وهو أول قتال وقع في الإسلام على من ادعى أنه من المسلمين. فهذه أول وقعة وقعت في الإسلام على هذا النوع أعني المدعين للإسلام وهي أوضح الوقعات التي وقعت من العلماء عليهم من عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى وقتنا هذا.
وقال الإمام أبو الوفاء ابن عقيل: لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا وإلقاء الخرق على الشجر إقتداء لمن عبد اللات والعزى. انتهى كلامه. والمراد منه قوله: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع.
وقال أيضاً في كتاب الفنون: لقد عظم الله الحيوان لا سيما ابن آدم، حيث أباحه الشرك عند الإكراه، فمن قدم حرمة نفسك على حرمته حتى أباحك أن تتوقى عن نفسك بذكره بما لا ينبغي له سبحانه لحقيق أن تعظم شعائره وتوقر أوامره وزواجره، وعصم عرضك بإيجاب الحد بقذفك وعصم مالك بقطع يد مسلم في سرقته، وأسقط شطر الصلاة في السفر لأجل مشقتك , وأقام مسح الخف مقام غسل الرجل إشفاقاً عليك من مشقة الخلع واللبس، وأباحك الميتة سد لرمقك وحفظاً لصحتك , وزجرك عن مضارك بحد عاجل ووعيد آجل , وخرق العوائد لأجلك , وأنزل الكتب إليك , أيحسن لك مع هذا الإكرام أن يراك على ما نهاك منهمكاً , ولما أمرك تاركاً، وعلى ما زجرك مرتكباً، وعن داعيه معرضاً، ولداعي
(يُتْبَعُ)
(/)
عدوه فيك مطيعاً، يعظمك وهو هو، وتهمل أمره وأنت أنت، هو حط رتبة عباده لأجلك، وأهبط إلى الأرض من امتنع من سجدة يسجدها لأبيك، هل عاديت خادماً طالت خدمته لك لترك صلاة، هل نفيته من دارك للإخلال بفرض أو لارتكاب نهي فإن لم تعترف اعتراف العبد للموالى، فلا أقل أن تقتضي نفسك إلى الحق سبحانه اقتضاء المساوي المكافي، ما أفحش ما تلاعب الشيطان بالإنسان، بيناً هو بحضرة الحق سبحانه وملائكة السماء سجود له، ترامى به الأحوال والجهات إلى أن يوجد ساجداً لصورة في حجر، أو لشجرة من الشجر، أو لشمس أو لقمر، أو لصورة ثور خار، أو لطائر صفر.
ما أوحش زوال النعم، وتغير الأحوال، والحور بعد الكور، لا يليق بهذا الحي الكريم الفاضل على جميع الحيوانات أن يرى إلا عابداً الله في دار التكليف، أو مجاورا لله في دار الجزاء والتشريف، وما بين ذلك فهو واضع نفسه في غير موضعها. انتهى كلامه.
والمراد منه أنه جعل أقبح حال وأفحشها من أحوال الإنسان أن يشرك بالله، ومثله بأنواع: منها السجود للشمس أو للقمر، ومنها السجود للصورة كما في الصور التي في القباب على القبور.
والسجود قد يكون بالجبهة على الأرض، وقد يكون بالانحناء من غير وصول إلى الأرض، كما فسر به قوله تعالى: (أدخلوا الباب سجدا) قال ابن عباس: أي ركعاً.
وقال ابن القيم في (إغاثة اللهفان) في إنكار تعظيم القبور: وقد آل الأمر بهؤلاء المشركين أن صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً سماه (مناسك المشاهد) ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عباد الأصنام. انتهى. وهذا الذي ذكره ابن القيم، رجل من المصنفين يقال له ابن المفيد، فقد رأيت ما قال فيه بعينه، فكيف ينكر تكفير المعين؟. وأما كلام سائر أتباع الأئمة في التكفير، فنذكر منه قليلاً من كثير.
أما كلام الحنفية فكلامهم في هذا من أغلظ الكلام، حتى إنهم يكفرون المعين إذا قال مصيحف أو مسيجد وصلى صلاة بلا وضوء ونحو ذلك. وقال في النهر الفائق، وعلم أن الشيخ قاسماً، قال في شرح درر البحار: إن النذر الذي يقع من أكثر العوام بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلاً يا سيدي فلان إن رد غائبي أو عوفي مريضي فلك من الذهب أو الفضة أو الشمع أو الزيت كذا باطل إجماعاً لوجوه. إلى أن قال: ومنها ظن أن الميت يتصرف في الأمر واعتقاد هذا كفر. إلى أن قال: وقد ابتلى الناس بذلك، لاسيما في مولد الشيخ أحمد البدوي. انتهى كلامه.
فانظر إلى تصريحه إن هذا كفر، مع قوله أنه يقع من أكثر العوام، وأن أهل العلم قد ابتلوا بما لا قدرة لهم على إزالته.
وقال القرطبي رحمه الله لما ذكر سماع الفقر أو صورته قال: هذا حرام بالإجماع.
وقد رأيت فتوى شيخ الإسلام، جمال الملة أن مستحل هذا كافر، ولما علم أن حرمته بالإجماع لزم أن يكفر مستحله، فقد رأيت كلام القرطبي وكلام الشيخ الذي نقل عنه في كفر من استحل السماع والرقص مع كونه دون ما نحن فيه بالإجماع بكثير.
وقال أبو العباس رحمه الله حدثني ابن الخضيري عن والده الشيخ الخضيري إمام الحنفية في زمانه قال: كان فقهاء بخارى يقولون في ابن سينا كان كافرا ذكياً، فهذا إمام الحنفية في زمنه حكى عن فقهاء بخاري جملة كفر ابن سينا وهو رجل معين منصف يتظاهر بالإسلام.
وأما كلام المالكية في هذا أكثر من أن يحصر وقد أشتهر عن فقهائهم سرعة الفتوى والقضاء بقتل الرجل عند الكلمة التي لا يفطن لها أكثر الناس، وقد ذكر القاضي عياض في آخر كتاب الشفاء من ذلك طرفاً، ومما ذكر أن من حلف بغير الله على وجه التعظيم كفر، وكل هذا دون ما نحن فيه بما لا نسبة بينه وبينه.
وأما كلام الشافعية، فقال صاحب الروضة رحمه الله أن المسلم في الكلام إذا ذبح للنبي صلى الله عليه وسلم كفر. وقال أيضاً: من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر. وكل هذا دون ما نحن فيه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال ابن حجر في شرح الأربعين على حديث ابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله) وما معناه إن من دعا غير الله فهو كافر. وصنف في هذا النوع كتابا مستقلا سماه (الإعلام بقواطع الإسلام) ذكر فيه أنواعا كثيرة من الأقوال والأفعال كل واحد منها ذكر أنه يخرج من الإسلام ويكفر به المعين وغالبه لا يساوي عشير معشار ما نحن فيه، وتمام الكلام في هذا أن يقال الكلام هنا في مسألتين:
الأولى: أن يقال هذا الذي يفعله كثير من العوام عند قبور الصالحين ومع كثير من الأحياء والأموات والجن من التوجه إليهم ودعائهم لكشف الضر والنذر لهم لأجل ذلك هل هو الشرك الأكبر الذي فعله قوم نوح ومن بعدهم إلى أن انتهى الأمر إلى قوم خاتم الرسل قريش وغيرهم.
فبعث الله الرسل وأنزل الكتب ينكر عليهم ذلك ويكفرهم ويأمر بقتالهم حتى يكون الدين كله لله، أم هذا شرك أصغر وشرك المتقدمين غير هذا، فاعلم أن الكلام في هذه المسألة سهل على من يسره الله عليه بسبب أن علماء المشركين اليوم يقرون أنه الشرك الأكبر ولا ينكرونه إلا ما كان من مسيلمة الكذاب وأصحابه كابن إسماعيل وابن خالد مع تناقضهم في ذلك واضطرابهم، فأكثر أحوالهم يقرون أنه الشرك الأكبر ولكن يعتذرون بأن أهله لم تبلغهم الدعوة.
وتارة يقولون لا يكفر إلا من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يقولون إنه شرك أصغر وينسبونه لابن القيم رحمه الله في المدارج كما تقدم، وتارة لا يذكرون شيئاً من ذلك بل يعظمون أهله وطريقتهم في الجملة، وأنهم خير أمة أخرجت للناس، وأنهم العلماء الذين يجب رد الأمر عند التنازع إليهم وغير ذلك من الأقاويل المضطربة، وجواب هؤلاء كثير في الكتاب، والسنة، والإجماع.
ومن أصرح ما يجاوبون به إقرارهم في غالب الأوقات أن هذا هو الشرك الأكبر، وأيضاً إقرار غيرهم من علماء الأقطار، مع أن أكثرهم قد دخل في الشرك وجاهد أهل التوحيد، لكن لم يجدوا بداً من الإقرار به لوضوحه.
المسألة الثانية: الإقرار بأن هذا هو الشرك الأكبر ولكن لا يكفر به إلا من أنكر الإسلام جملة، وكذب الرسول والقرآن واتبع اليهودية أو النصرانية أو غيرهما، وهذا هو الذي يجادل به أهل الشرك والعناد في هذه الأوقات، وإلا المسألة الأولى قلَّ الجدال فيها ولله الحمد لما وقع من إقرار علماء الشرك بها.
يتبع ...
ـ[أبو عمر]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 02:01]ـ
فاعلم أن تصور هذه المسألة تصوراً حسناً يكفي في إبطالها من غير دليل خاص لوجهين:
الأول: أن مقتضى قولهم أن الشرك بالله وعبادة الأصنام لا تأثير لها في التكفير لأن الإنسان إن انتقل عن الملة إلى غيرها وكذب الرسول والقرآن فهو كافر وإن لم يعبد الأوثان كاليهود، فإذا كان من انتسب إلى الإسلام لا يكفر إذا أشرك الشرك الأكبر لأنه مسلم يقول لا إله إلا الله ويصلي ويفعل كذاو كذا لم يكن للشرك وعبادة الأوثان تأثير بل يكون ذلك كالسواد في الخلقة أو العمى أو العرج، فان كان صاحبها يدعي الإسلام فهو مسلم، وإن ادعى ملة غيرها فهو كافر، وهذه فضيحة عظيمة كافية في رد هذا القول الفظيع.
الوجه الثاني: أن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم في الشرك وعبادة الأوثان بعد بلوغ العلم كفر صريح بالفطر والعقول والعلوم الضرورية، فلا يتصور أنك تقول لرجل ولو من أجهل الناس أو أبلدهم، ما تقول فيمن عصى الرسو ل صلى الله عليه وسلم ولم ينقد له في ترك عبادة الأوثان والشرك، مع أنه يدعي أنه مسلم متبع إلا ويبادر بالفطرة الضرورية إلى القول بأن هذا كافر من غير نظر في الأدلة أو سؤال أحد من العلماء.
ولكن لغلبة الجهل وغربة العلم وكثرة من يتكلم بهذه المسألة من الملحدين أشتبه الأمر فيها على بعض العوام من المسلمين الذين يحبون الحق، فلا تحقرها وأمعن النظر في الأدلة التفصيلية لعل الله أن يمن عليك بالإيمان الثابت ويجعلك من الأئمة الذين يهدون بأمره.
فمن أحسن ما يزيل الإشكال فيها ويزيد المؤمن يقيناً ما جرى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء بعدهم فيمن انتسب إلى الإسلام، كما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم بعث البراء ومعه الراية إلى رجل تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومثل همه بغزو بني المصطلق لما قيل أنهم منعوا الزكاة. ومثل قتال الصديق وأصحابه لمانع الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وتسميتهم مرتدين.
ومثل إجماع الصحابة في زمن عمر تكفير قدامة بن مظعون وأصحابه إن لم يتوبوا لما فهموا من قوله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا) حل الخمر لبعض الخواص.
ومثل إجماع الصحابة في زمن عثمان في تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمة في نبوة مسيلمة مع أنهم لم يتبعوه، وإنما اختلف الصحابة في قبول توبتهم. ومثل تحريق علي رضي الله عنه أصحابه لما غلوا فيه.
ومثل إجماع التابعين مع بقية الصحابة على كفر المختار بن أبي عبيد ومن اتبعه، مع أنه يدعي أنه يطلب بدم الحسين وأهل البيت. ومثل إجماع التابعين ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم وهو مشهور بالعلم والدين وهلم جرا، ومن وقائع لا تعد ولا تحصى.
ولم يقل أحد من الأولين والآخرين لأبي بكر الصديق وغيره كيف تقاتل بنى حنيفة وهم يقولون لا إله إلا الله ويصلون , ويزكون. وكذلك لم يستشكل أحد تكفير قدامة وأصحابه لو لم يتوبوا وهلم جرا.
إلى زمن عبيد القداح الذين ملكوا لمغرب ومصر والشام وغيرها مع تظاهرهم بالإسلام وصلاة الجمعة والجماعة ونصب القضاة والمفتين لما أظهروا من الأقوال والأفعال ما أظهروا لم يستشكل أحد من أهل العلم والدين قتالهم ولم يتوقفوا فيه وهم في زمن ابن الجوزي , والموفق , وصنف ابن الجوزي كتاباً لما أخذت مصر منهم سماه (النصر على مصر).
ولم يسمع أحد من الأولين والآخرين أن أحدا أنكر شيئا من ذلك أو استشكله لأجل ادعائهم الملة , أو لأجل قول لا إله إلا الله، أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام، إلا ما سمعناه من هؤلاء الملاعين في هذه الأزمان من إقرارهم أن هذا هو الشرك، ولكن من فعله أو حسنه أو كان مع أهله أو ذم التوحيد أو حارب أهله لأجله أو أبغضهم لأجله أنه لا يكفر لأنه يقول لا إله إلا الله أو لأنه يؤدي أركان الإسلام الخمسة، ويستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها الإسلام، هذا لم يسمع قط إلا من هؤلاء الملحدين الجاهلين الظالمين، فإن ظفروا بحرف واحد عن أهل العلم أو أحد منهم يستدلون به على قولهم الفاحش الأحمق فليذكروه، ولكن الأمر كما قال اليمني في قصيدته:
أقاويل لا تعزى إلى عالم فلا * تساوي فلساً إن رجعت إلى نقد
ولنختم الكلام في هذا النوع بما ذكره البخاري في صحيحه حيث قال: (باب يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان). ثم ذكر بإسناده قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة) وذو الخلصة صنم لدوس يعبدونه فقال صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله: (ألا تريحني من ذي الخلصة) فركب إليه بمن معه فأحرقه وهدمه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره قال فبرك على خيل أحمس ورجالها خمساً. وعادة البخاري رحمه الله إذا لم يكن الحديث على شرطه ذكره في الترجمة، ثم أتى بما يدل على معناه مما هو على شرطه، ولفظ الترجمة وهو قوله: (يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان) لفظ حديث أخرجه غيره من الأئمة والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولنذكر من كلام الله تعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام أئمة العلم جملاً في جهاد القلب واللسان ومعادات أعداء الله وموالات أوليائه، وأن الدين لا يصح ولا يدخل الإنسان فيه إلا بذلك فنقول:
باب في وجوب عداوة أعداء الله
من الكفار والمرتدين والمنافقين
وقول الله تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزؤ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) وقوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) إلى قوله: (كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) وقوله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم).
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال (الإمام الحافظ) محمد بن وضاح: أخبرني غير واحد، أن أسد بن موسى كتب إلى أسد بن الفرات: إعلم يا أخي أن ما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلدك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس، وحسن حالك مما أظهرت من السنة، وعيبك لأهل البدع وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم فقمعهم الله بك وشد بك ظهر أهل السنة وقواك عليهم، بإظهار عيبهم والطعن عليهم فأذلهم الله بيدك وصاروا ببدعتهم مستترين، فأبشر يا أخي بثواب ذلك واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد، وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله تعالى وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا شيئاً من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ـ وضم بين إصبعيه ـ) وقال: (أيما داع دعى إلى هدى فاتُبع عليه كان له مثل أجر من اتبعه إلى يوم القيامة) فمتى يدرك أجر هذا بشيء من عمله. وذكر أيضاً أن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام ولياً يذب عنها وينطق بعلامتها.
فاغتنم يا أخي هذا الفضل وكن من أهله فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن وأوصاه: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرا لك من كذا وكذا) وأعظم القول فيه. فاغتنم ذلك وادع إلى السنة حتى يكون لك في ذلك ألفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث فيكونون أئمة بعدك فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة، كما جاء في الأثر فاعمل على بصيرة ونية وحسبة، فيرد الله بك المبتدع المفتون الزائغ الحائر فتكون خلفاً من نبيك صلى الله عليه وسلم فإنك لن تلقى الله بعمل يشبهه، وإياك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب فإنه جاء في الأثر: من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه، ومن مشى إلى صاحب بدعة مشى في هدم الإسلام. وجاء: ما من إله يعبد من دون الله أبغض إلى الله من صاحب هوى.
وقد وقعت اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البدع وأن الله لا يقبل منهم صرفاً ولا عدلاً ولا فريضة ولا تطوعاً وكلما ازدادوا اجتهادا وصوماً وصلاة ازدادوا من الله بعداً، فارفض مجالسهم وأذلهم وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى بعده.
انتهى كلام أسد رحمه الله تعالى.
واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من كلام أمثاله من السلف في معادات أهل البدع والضلالة في ضلالة لا تخرج عن الملة، لكنهم شددوا في ذلك و حذروا منه لأمرين:
الأول: غلظ البدعة في الدين في نفسها فهي عندهم أجل من الكبائر، ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون به أهل الكبائر كما تجد في قلوب الناس اليوم أن الرافضي عندهم ولو كان عالماً عابداً أبغض وأشد ذنباً من السني المجاهر بالكبائر.
الأمر الثاني: أن البدع تجر إلى الردة الصريحة كما وجد من كثير من أهل البدع، فمثال البدعة التي شددوا فيها مثل تشديد النبي صلى الله عليه وسلم فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح خوفاً مما وقع من الشرك الصريح الذي يصير به المسلم مرتداً، فمن فهم هذا فهم الفرق بين البدع وبين ما نحن فيه من الكلام في الردة ومجاهدة أهلها، أو النفاق الأكبر ومجاهدة أهله وهذا هو الذي نزلت فيه الآيات المحكمات، ومثل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه) الآية، وقوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير. يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) الآية. وقال ابن وضاح في كتاب (البدع والحوادث) بعد حديث ذكره أنه سيقع في هذه الأمة فتنة الكفر وفتنة الضلالة، قال رحمه الله: إن فتنة الكفر هي الردة يحل فيها السبي والأموال، وفتنة الضلالة لا يحل فيها السبي والأموال، وهذا الذي نحن فيه فتنة ضلاله لا يحل فيها السبي ولا الأموال. وقال رحمه الله أيضا: أخبرنا أسد أخبرناً رجل عن ابن المبارك قال: قال ابن مسعود: إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام ولياً من أوليائه يذب عنه وينطق بعلامتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن وتوكلوا على الله. قال ابن المبارك: وكفى بالله وكيلاً، ثم ذكر بإسناده عن بعض السلف قال: لإن أرد رجلاً عن رأي سيئ أحب إليَّ من اعتكاف شهر.
(يُتْبَعُ)
(/)
أخبرنا أسد عن أبي إسحاق الحذاء عن الأوزاعي قال: كان بعض أهل العلم يقولون لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة، ولا صدقة، ولا صياماً، ولا جهاداً، ولا حجاً، ولا صرفاً، ولا عدلاً، وكانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم وتشمئز منهم قلوبهم ويحذرون الناس بدعتهم. قال: ولو كانوا مستترين ببدعتهم دون الناس ما كان لأحد أن يهتك عنهم سترا، ولا يظهر منهم عورة، الله أولى بالأخذ بها أو بالتوبة عليها، فإما إذا جاهروا به فنشر العلم حياة، والبلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة يعتصم بها على مصر ملحد. ثم روى بإسناده قال: جاء رجل إلى حذيفة وأبو موسى الأشعري قاعد فقال: أرأيت رجل ضرب بسيفه غضباً لله حتى قتل، أفي الجنة أم في النار؟. فقال أبو موسى في الجنة!. فقال: حذيفة استفهم الرجل وأفهمه ما تقول حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فلما كان في الثالثة قال: والله لأستفهمه فدعا به حذيفة فقال: رويدك وما يدريك أن صاحبك لو ضرب بسيفه حتى ينقطع فأصاب الحق حتى يقتل عليه فهو في الجنة، وإن لم يصب الحق ولم يوفقه الله للحق فهو في النار. ثم قال: والذي نفسي بيده ليدخلن النار في مثل الذي سألت عنه أكثر من كذا وكذا. ثم ذكر بإسناده عن الحسن قال: لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك. ثم ذكر بإسناده عن سفيان الثوري قال: من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله النار، وإما أن يقول والله ما أبالي ما تكلموه، وإني واثق بنفسي، فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه. ثم ذكر بإسناده عن بعض السلف قال: من أتى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام.
أخبرنا أسد قال: حدثنا كثير أبو سعيد قال: من جلس إلى صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه. أخبرنا أسد ابن موسى قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب قال: قال أبو قلابة لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون. قال: أيوب وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب.
أخبرنا أسد بن موسى قال أخبرنا زيد عن محمد بن طلحة قال: قال إبراهيم: لا تجالسوا أصحاب البدع، ولا تكلموهم فإني أخاف أن ترتد قلوبكم أخبرنا أسد بالإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
أخبرنا أسد أخبرنا مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن أيوب قال دخل على محمد بن سيرين يوماً رجل فقال: يا أبا بكر اقرأ عليك آية من كتاب الله لا أزيد على أن اقرأها ثم أخرج، فوضع إصبعيه في أذنيه ثم قال: أحرَّج عليك إن كنت مسلماً لما خرجت من بيتي. قال: فقال يا أبا بكر إني لا أزيد على أن أقرا ثم أخرج. قال: فقام بإزاره يشده عليه وتهيأ للقيام، فأقبلنا على الرجل فقلنا قد حرَّج عليك إلا خرجت، أفيحل لك أن تخرج رجلا من بيته. قال: فخرج، فقلنا: يا أبا بكر ما عليك لو قرأ آية ثم خرج. قال: إني والله لو ظننت أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما باليت أن يقرأ ولكنني خفت أن يلقي في قلبي شيئاً أجهد أن أخرجه من قلبي فلا أستطيع.
أخبرنا أسد قال: أخبرنا ضمرة عن سودة قال: سمعت عبد الله بن القاسم وهو يقول: ما كان عبد على هوى فتركه إلا آل إلى ما هو شر منه. قال: فذكرت هذا الحديث لبعض أصحابنا فقال: تصديقه في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ثم لا يرجعون حتى يرجع السهم إلى فوقه).
أخبرنا أسد قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن زيد عن أيوب قال: كان رجل يرى رأياً فرجع عنه، فأتيت محمداً فرحاً بذلك أخبره، فقلت أشعرت أن فلاناً ترك رأيه الذي كان يرى. فقال: انظروا إلى ما يتحول، إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله يمرقون من الإسلام لا يعودون إليه.
ثم روى بإسناده عن حذيفة أنه أخذ حصاة بيضاء فوضعها في كفه، ثم قال: إن هذا الدين قد استضاء استضاءة هذه الحصاة ثم أخذ كفاً من تراب فجعل يذره على الحصاة حتى واراها ثم قال: والذي نفسي بيده ليجيئن أقوام يدفنون الدين كما دفنت هذه الحصاة.
(يُتْبَعُ)
(/)
أخبرنا محمد بن سعيد بإسناده عن أبي الدرداء قال: لو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم إليكم ما عرف شيئاً مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة. قال الأوزاعي: فكيف لو كان اليوم. قال عيسى (يعني الراوي عن الأوزاعي): فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان. أخبرنا سليمان بن محمد بإسناده عن علي أنه قال: تعلموا العلم تعرفون به، وأعملوا به تكونوا من أهله، فإنه سيأتي بعدكم زمان ينكر الحق فيه تسعة أعشارهم.
أخبرنا يحي بن يحي بإسناده عن أبي سهل بن مالك عن أبيه أنه قال: ما أعرف منكم شيئاً مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة. حدثني إبراهيم بن محمد بإسناده عن أنس قال: ما أعرف منكم شيئاً كنت أعهده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس قولكم لا إله إلا الله.
أخبرنا محمد بن سعيد قال أخبرنا أسد بإسناده عن الحسن قال: لو أن رجلاً أدرك السلف الأول، ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئاً، قال: ووضع يده على خده ثم قال: إلا هذه الصلاة. ثم قال: أما والله لمن عاش في هذه النكرا أو لم يدرك هذا السلف الصالح فرأى مبتدعاً يدعو إلى بدعته ورأى صاحب يدعو إلى دنياه فعصمه الله عن ذلك وجعل قلبه يحن إلى ذكر هذا السلف الصالح يسأل عن سبيلهم ويقتص آثارهم ويتبع سبيلهم ليعوض أجراً عظيماً فكذلك فكونوا إن شاء الله تعالى.
حدثني عبد الله بن محمد بإسناده عن ميمون بن مهران قال: لو أن رجلاً نشر فيكم من السلف ما عرف فيكم غير هذه القبلة. أخبرنا محمد بن قدامة الهاشمي بإسناده عن أم الدرداء قالت: دخل علي أبو الدرداء مغضباً، فقلت له: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف فيهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جمعياً. وفي لفظ: لو أن الرجل تعلم الإسلام وأهمه ثم تفقده ما عرف منه شيئاً.
حدثني إبراهيم بإسناده عن عبدالله بن عمرو قال: لو أن رجلين من أوائل هذه الأمة خليا بمصحفيهما في بعض هذه الأودية لأتيا الناس اليوم ولا يعرفان شيئاً مما كانا عليه.
قال مالك: وبلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه تلا: (إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً) فقال: والذي نفسي بيده إن الناس ليخرجون اليوم من دينهم أفواجا كما دخلوا فيه أفواجاً.
قف تأمل رحمك الله إذا كان هذا في زمن التابعين بحضرة أواخر الصحابة فكيف يغتر المسلم بالكثرة أو تشكل عليه أو يستدل بها على الباطل.
ثم روى ابن وضاح بإسناده عن أبي أمية قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية، قلت: قول الله تعالى: (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال: أما والله قد سألت عنها خبيراَ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأى برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله) قيل يا رسول الله: أجر خمسين منهم؟ قال: (أجر خمسين منكم).
ثم روى بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طوبى للغرباء ـ ثلاثاً ـ) قالوا: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: (ناس صالحون قليل في أناس سوء كثير من يبغضهم أكثر ممن يحبهم).
أخبرنا محمد بن سعيد بإسناده عن المعافري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى للغرباء الذين يتمسكون بكتاب الله حين ينكر ويعلمون بالسنة حين تطفى). أخبرنا محمد بن يحي أخبرنا أسد بإسناده عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريباً، ولا تقوم الساعة حتى يكون غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء حين يفسد الناس , ثم طوبى للغرباء حين يفسد الناس). أخبرنا محمد بن يحي أخبرنا أسد بإسناده عن عبدالرحمن أنه سمع رسول الله يقول: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: (الذين يصلحون إذا فسد الناس) هذا آخر ما نقلته من كتاب البدع والحوادث للإمام الحافظ محمد بن وضاح رحمه الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
فتأمل رحمك الله أحاديث الغربة وبعضها في الصحيح مع كثرتها وشهرتها، وتأمل إجماع العلماء كلهم أن هذا قد وقع من زمن طويل، حتى قال ابن القيم رحمه الله: الإسلام في زماننا أغرب منه في أول ظهوره.
فتأمل هذا تأملاً جيداً لعلك أن تسلم من هذه الهوة الكبيرة التي هلك فيها أكثر الناس وهي الإقتداء بالكثرة والسواد الأكبر والنفرة من الأقل فما أقل من سلم منها ما أقله ما أقله!!.
ولنختم ذلك بالحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويعتقدون بأمره) وفي رواية: (يهتدون بهديه، ويستنون بسنته، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) انتهى ما نقلته والحمد لله رب العالمين.
وقد رأيت للشيخ تقي الدين، رسالة كتبها وهو في السجن إلى بعض إخوانه لما أرسلوا إليه يشيرون عليه بالرفق بخصومه ليتخلص من السجن أحببت أن أنقل أولها لعظم منفعته.
قال رحمه الله تعالى: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فقد وصلت الورقة التي فيها رسالة الشيخين الناسكين القدوتين أيدهما الله وسائر الإخوان بروح منه وكتب في قلوبهم الإيمان , وأدخلهم مدخل صدق , وأخرجهم مخرج صدق , وجعل لهم من لدنه ما ينصر به من السلطان، سلطان العلم والحجة بالبيان والبرهان وسلطان القدرة والنصرة بالسنان والأعوان , وجعلهم من أوليائه المتقين وحزبه الغالبين , لمن ناوأهم من الأقران , ومن الأئمة المتقين الذين جمعوا بين الصبر والإيقان والله محقق ذلك ومنجز وعده في السر والإعلان، ومنتقم من حزب الشيطان لعباد الرحمن، لكن بما اقتضت حكمته ومضت به سنته من الابتلاء والامتحان، الذي يميز الله به أهل الصدق والإيمان , من أهل النفاق والبهتان , إذ قد دل كتابه على أنه لابد من الفتنة لكل من أدعى الإيمان , والعقوبة لذوي السيئات والطغيان، فقال تعالى: (آلم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين. أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون) فأنكر سبحانه على من ظن أن أهل السيئات يفوتون الطالب الغالب، وأن مدعي الإيمان يتركون بلا فتنة تميز بين الصادق والكاذب.
وأخبر في كتابه أن الصدق في الإيمان لا يكون إلا بالجهاد في سبيله فقال تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم. إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) وأخبر سبحانه وتعالى بخسران المنقلب على وجهه عند الفتنة , الذي يعبد الله فيها على حرف , وهو الجانب والطرف الذي لا يستقر من هو عليه , بل لا يثبت على الإيمان إلا عند وجود ما يهواه من خير الدنيا، فقال تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمئن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) وقال تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وقال تعالى: (ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم).
(يُتْبَعُ)
(/)
وأخبر سبحانه أنه عند وجود المرتدين فلا بد من وجود المحبين المحبوبين المجاهدين فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه) فهؤلاء هم الشاكرون لنعمة الإيمان , والصابرون على الامتحان , كما قال تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) إلى قوله: (والله يحب المحسنين).
فإذا أنعم الله على إنسان بالصبر والشكر كان جميع ما يقضي له من القضاء خيراً له , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقضي الله للمؤمن من قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له) والصبار الشكور هو المؤمن الذي ذكر الله في غير موضع من كتابه، ومن لم ينعم الله عليه بالصبر والشكر فهو بشر حال , وكل واحد من السراء والضراء في حقه يفضي به إلى قبيح المال , فكيف إذا كان ذلك في الأمور العظيمة التي هي محن الأنبياء والصديقين , وفيها تثبيت أصول الدين، وحفظ الإيمان والقرآن من كيد أهل النفاق والإلحاد والبهتان , فالحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما يحب ربنا ويرضى , وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
والله المسؤول أن يثبتكم وسائر المؤمنين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة , ويتم نعمه عليكم الظاهرة والباطنة وينصر دينه وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين على الكافرين والمنافقين الذين أمرنا بجهادهم والإغلاظ عليهم في كتابه المبين. انتهى ما نقلته من كلام أبي العباس رحمه الله في الرسالة المذكورة وهي طويلة.
ومن جواب له رحمه الله لما سئل عن الحشيشة ما يجب على من يدعي أن أكلها جائز، فقال: أكل هذه الحشيشة حرام وهي من أخبث الخبائث المحرمة سواء أكل منها كثيراً أو قليلاً لكن الكثير المسكر منها حرام بإتفاق المسلمين , ومن استحل ذلك فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين.
وحكم المرتد أشر من حكم اليهود والنصارى وسواء اعتقد أن ذلك يحل للعامة أو للخاصة الذين يزعمون أنها لقمة الذكر والفكر , وأنها تحرك العزم الساكن وتنفع الطريق.
وقد كان بعض السلف ظن أن الخمر يباح للخاصة متأولا ًقوله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح) فاتفق عمر وعلي وغيرهما من علماء الصحابة على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا، وإن أصروا على الاستحلال قتلوا. انتهى ما نقلته من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
فتأمل كلام هذا الذي ينسب إليه عدم تكفير المعين إذا جاهر بسب دين الأنبياء وصار من أهل الشرك , ويزعم أنهم على الحق ويأمر بالمصير معهم وينكر على من لا يسب التوحيد ويدخل مع المشركين لأجل انتسابه إلى الإسلام.
أنظر كيف كفر المعين ولو كان عابداً بإستحلال الحشيشة ولو زعم حلها للخاصة الذين تعينهم على الفكرة واستدل بإجماع الصحابة على تكفير قدامة وأصحابه إن لم يتوبوا وكلامه في المعين , وكلام الصحابة في المعين فكيف بما نحن فيه مما لا يساوي إستحلال الحشيشة جزء من ألف جزء منه، والله أعلم.
والحمد الله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ـ[أبو عمر]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 02:11]ـ
سؤال للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ...
) الدرر السنية في الأجوبة النجدية: ج10/ ص94 – 95)
ذكرتم من قول الشيخ: (كل من جحد كذا وكذا، وقامت عليه الحجة)، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم، هل قامت عليهم الحجة؟
فهذا من العجب! كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا؟!
فإن الذي لم تقم عليه الحجة؛
• هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة.
• أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف.
فلا يكفر حتى يعرف.
وأما أصول الدين، التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه؛ فإن حجة الله هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة.
ولكن أصل الإشكال؛ أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وبين فهم الحجة.
فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين؛ لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}.
وقيام الحجة نوع، وبلوغها نوع، وقد قامت عليهم، وفهمهم إياها نوع آخر; وكفرهم ببلوغها إياهم، وإن لم يفهموها.
إن أشكل عليكم ذلك؛ فانظروا قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم)، وقوله: (شر قتلى تحت أديم السماء)، مع كونهم في عصر الصحابة، ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم، ومع إجماع الناس؛ أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو والاجتهاد؛ وهم يظنون أنهم يطيعون الله، وقد بلغتهم الحجة، ولكن لم يفهموها.
وكذلك قتل علي رضي الله عنه الذين اعتقدوا فيه، وتحريقهم بالنار، مع كونهم تلاميذ الصحابة، ومع عبادتهم وصلاتهم وصيامهم، وهم يظنون أنهم على حق.
وكذلك إجماع السلف؛ على تكفير غلاة القدرية وغيرهم، مع علمهم وشدة عبادتهم، وكونهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم لأجل كونهم لم يفهموا.
فإن هؤلاء كلهم لم يفهموا.
إذا علمتم ذلك؛ فإن هذا الذي أنتم فيه كفر، الناس يعبدون الطواغيت، ويعادون دين الإسلام، فيزعمون أنه ليس ردة، لعلهم ما فهموا الحجة، كل هذا بين.
وأظهر مما تقدم؛ الذين حرقهم علي، فإنه يشابه هذا.
وأما إرسال كلام الشافعية وغيرهم؛ فلا يتصور يأتيكم أكثر مما أتاكم، فإن كان معكم بعض الإشكال، فارغبوا إلى الله تعالى أن يزيله عنكم.
والسلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 02:35]ـ
جازاك الله خيرا أخي أبو عمر
ـ[أبو عمر]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 01:03]ـ
تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة
اسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل شيخ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلاّ الله الأحد الصمد الذي لا يستغاث في الشدائد ولا يدعى إلاّ إيّاه فمن عبد غيره فهو المشرك الكفور بنص القرآن، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين الذي قامت به الحجة على العالمين فلا نبي بعده ولا رسول أما بعد:
فقد بلغنا وسمعنا من فريق يدعى العلم والدين وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب إن من أشرك بالله وعبد الأوثان لا يطلق عليه الكفر والشرك بعينه وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الإخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبي واستغاث به فقال له الرجل لا تطلق عليه الكفر حتى تعرفه وكان هذا وأجناسه لا يعبأون بمخالطة المشركين في الأسفار وفي ديارهم بل يطلبون العلم على من هو أكفر الناس من علماء المشركين [وهو أيضاً من الجهمية من علماء مكة] وكانوا قد لفقوا لهم شبهات على دعواهم يأتي بعضها في أثناء الرسالة ـ إن شاء الله تعالى ـ
وقد غروا بها بعض الرعاع من أتباعهم ومن لا معرفة عنده ومن لا يعرف حالهم ولا فرق عنده ولا فهم. متحيزون عن الإخوان بأجسامهم وعن المشايخ بقلوبهم ومداهنون لهم وقد استَوحشوا واستُوحِش منهم بما أظهروه من الشبه وبما ظهر عليهم من الكآبة بمخالطة الفسقة والمشركين وعند التحقيق لا يكفرون المشرك إلا بالعموم وفيما بينهم يتورعون عن ذلك ثم دبت بدعتهم وشبهتهم حتى راجت على من هو من خواص الإخوان وذلك والله أعلم بسبب ترك كتب الأصول وعدم الاعتناء بها وعدم الخوف من الزيغ رغبوا عن رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب - قدس الله روحه - ورسائل بنيه فإنها كفيلة بتبيين جميع هذه الشبه جداً كما سيمر
ومن له أدنى معرفة إذا رأى حال الناس اليوم ونظر إلى اعتقاد المشايخ المذكورين تحير جداً ولا حول ولا قوة إلا بالله وذلك أن بعض من أشرنا إليه بحثته عن هذه المسألة فقال نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن فيها فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك، فانظر ترى واحمد ربك واسأله العافية، فإن هذا الجواب من بعض أجوبة العراقي التي يرد عليها الشيخ عبد اللطيف
وذكر الذي حدثني عن هذا أنه سأله بعض الطلبة عن ذلك وعن مستدلهم فقال نكفر النوع ولا نعين الشخصإلا بعد التعريف ومستندنا ما رأيناه في بعض رسائل الشيخ محمد - قدس الله روحه - على أنه امتنع من تكفير من عبد قبة الكواز وعبد القادر من الجهال لعدم من ينبهه، فانظر ترى العجب ثم اسأل الله العافية وأن يعافيك ((من الحور بعد الكور))،
وما أشبههم بالحكاية المشهورة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -أنه ذات يوم يقرر على أصل الدين ويبين ما فيه ورجل من جلسائه لا يسأل و لا يتعجب ولا يبحث حتى جاء بعض الكلمات التي فيها ما فيها فقال الرجل ما هذه كيف ذلك فقال الشيخ قاتلك الله ذهب حديثنا منذ اليوم لم تفهم ولم تسأل عنه فلما جاءت هذه السقطة عرفتها أنت مثل الذباب لا يقع إلا على القذر أو كما قال
ونحن نقول الحمد لله وله الثناء نسأله المعونة والسداد ولا نقول إلا كما قال مشايخنا الشيخ محمد في إفادة المستفيد وحفيده في رده على العراقي وكذلك هو قول أئمة الدين قبلهم ومما هو معلوم بالإضطرار من دين الإسلام أن المرجع في مسائل أصول الدين إلى الكتاب والسنة وإجماع الأمة المعتبر وهو ما كان عليه الصحابة وليس المرجع إلى عالم بعينه في ذلك فمن تقرر عنده الأصل تقريراً لا يدفعه شبهة وأخذ بشراشير قلبه هان عليه ما قد يراه من الكلام المشتبه في بعض مصنفات أئمته إذ لا معصوم إلا النبي
(يُتْبَعُ)
(/)
ومسألتنا هذه وهي عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة هي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية كالصرف والعطف
وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين ولا يدخلون في مسمى الإسلام وهل يبقى مع الشرك عمل والله تعالى يقول: {لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} {إن الله لا يغفر أن يشرك به} {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} إلى غير ذلك من الآيات
ولكن هذا المعتقد يلزم منه معتقد قبيح وهو أن الحجة لم تقم على هذه الأمة بالرسول والقرآن نعوذ بالله من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب والرسول بل أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يسمون مسلمين بالإجماع ولا يستغفر لهم وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في الآخرة
وهذه الشبهة التي ذكرنا قد وقع مثلها أو دونها لأناس في زمن الشيخ محمد رحمه الله ولكن من وقعت له يراها شبهة ويطلب كشفها
وأما من ذكرنا فإنهم يجعلونها أصلاً ويحكمون على عامة المشركين بالتعريف
ويجهلون من خالفهم فلا يوفقون للصواب
لأن لهم في ذلك هوى وهو مخالطة المشركين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا الله أكبر ما أكثر المنحرفين وهم لا يشعرون ونحن ذكرنا هذه المقدمة لتكون أدعى لفهم ما سيأتي من الحجج على هذه المسألة. قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب قدس الله روحه في الرسالة التي كتب إلى أحمد بن عبدالكريم صاحب الأحساء أحد الصلحاء أولاً قبل أن يفتتن فنذكر منها شيئاً لمشابهة من رددنا عليه كصاحب الرسالة وهذا نصها:-
((من محمد بن عبدالوهاب إلى أحمد بن عبدالكريم سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين أما بعد فقد وصل مكتوبك تقرر المسألة التي ذكرت وتذكر أن عليك إشكالاً تطلب إزالته ثم ورد منك رسالة تذكر أنك عثرت على كلام للشيخ أزال عنك الإشكال فنسأل الله أن يهديك لدين الإسلام على أي شيء يدل كلامه؟
أن من عبد الأوثان أكبر من عبادة اللات والعزى وسب دين الرسول بعد ما شهد به مثل سب أبي جهل أنه لا يكفر بعينه!!
بل العبارة صريحة واضحة في تكفير مثل ابن فيروز وصالح بن عبد الله وأمثالهما كفراً ظاهراً ينقل عن الملة فضلاً عن غيرهما، هذا صريح واضح ففي كلام ابن القيم الذي ذكرت وفي كلام الشيخ الذي أزال عنك الإشكال في كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأمثاله ودعاهم في الشدائد والرخاء وسب دين الرسول بعدما أقر به ودان بعبادة الأوثان بعدما أقر بها وليس في كلامي هذا مجازفة بل أنت تشهد به عليهم ولكن إذا أعمى الله القلب فلا حيلة فيه وأنا أخاف عليك من قوله تعالى: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} والشبهة التي دخلت عليك هذه البضّيعة التي في يدك تخاف أن تضيع أنت وعيالك إذا تركت بلد المشركين وشاك في رزق الله وأيضاً قرناء السوء [أضلوك كما هي عادتهم] وأنت والعياذ بالله تنزل درجةً درجة أول مرة في الشك وبلد الشرك وموالاتهم والصلاة خلفهم)). انتهى كلامه رحمه الله تعالى
فتأمل قوله في تكفير هؤلاء العلماء وفي كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأنه صريح في كلام ابن القيم وفي حكايته عن صاحب الرسالة وحكم عليه بآية المنافقين وأن هذا حكم عام وكذلك تأمل اليوم حال كثير ممن ينتسب إلى الدين والعلم من أهل نجد يذهب إلى بلاد المشركين ويقيم عندهم مدة يطلب العلم منهم ويجالسهم ثم إذا قدم على المسلمين وقيل له اتق الله وتب إلى ربك من ذلك استهزأ بمن يقول له ذلك ويقول أتوب من طلب العلم ثم يظهر من أفعاله وأقواله ما ينبئ عن سوء معتقده وزيفه ولا عجب من ذلك لأنه عصى الله ورسوله بمخالطة المشركين فعوقب ولكن العجب من أهل الدين والتوحيد لانبساطهم مع هذا الجنس
(يُتْبَعُ)
(/)
الذين أرادوا أن يقرنوا بين المشركين والموحدين وقد فرق الله بينهم في كتابه وعلى لسان نبيه محمد
ثم قال الشيخ في تلك الرسالة بعدما ذكر كثرة من ارتد عن الإسلام بعد النبي كالذين في زمن أبي بكر حكموا عليه بالردة بمنع الزكاة وكأصحاب علي وأهل المسجد الذين بالكوفة وبنو عبيد القداح كل هؤلاء حكموا عليهم بالردة بأعيانهم ثم قال وأما عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله ولو نقول بها لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر الصديق بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا عن ما يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله تعالى: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه} وقوله: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}
وإذا كان كلام الشيخ ليس في الردة والشرك بل في المسائل الجزئيات ثم قال يوضح ذلك إن المنافقين إذا أظهروا نفاقهم صاروا مرتدين فأين نسبتك أنه لا يكفر أحداً بعينه وقال أيضاً في كلامه على المتكلمين ومن شاكلهم لما ذكر من أئمتهم شيئاً من أنواع الردة والكفر قال رحمه الله تعالى وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها لكن يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم المشركون واليهود والنصارى أن محمداً بعث بها وكفر من خالفها مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والملائكة وغيرهم فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ثم تجد كثيراً من رؤساءهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين وكثير تارة يرتد عن الإسلام ردة صريحة- إلى أن قال- وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في الردة كما صنف الرازي في عبادة الكواكب وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين). هذا لفظه بحروفه
فتأمل كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية وبين ما نحن فيه في كفر المعين وتأمل تكفيره رؤساءهم فلاناً وفلاناً بأعيانهم وردتهم ردة صريحة وتأمل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام مع كونه من أكابر أئمة الشافعية هل يناسب هذا من كلامه أن المعين لا يكفر ولودعا عبدالقادر في الرخا والشدة ولو أحب عبدالله بن عوف وزعم أن دينه حسن مع عبادته لأبي حديدة
وقال شيخ الإسلام أيضاً: بل كل شرك في العالم إنما حدث عن رأي بني جنسهم فهم الآمرون بالشرك الفاعلون له ومن لم يأمر منهم بالشرك فلم ينه عنه بل يقر هؤلاء و هؤلاء وإن رجح الموحدون ترجيحاً ما فقد رجح غيره المشركين وقد يعرض عن الأمرين جميعاً، فتدبر هذا فإنه نافع جداً وكذلك الذين كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد بل يسوغون الشرك ويأمرون به وهم إذا دعوا التوحيد فإنما توحيدهم بالقول لا بالفعل). انتهى كلامه فتأمل كلامه واعرضه على ما غرك به الشيطان من الفهم الفاسد الذي كذبت به الله ورسوله وإجماع الأمة وتحيزت به إلى عبادة الطاغوت فإن فهمت هذا وإلا أشير عليك أنك تكثر من التضرع والدعاء إلى من والهداية بيَده فإن الخطر عظيم فإن الخلود في النار جزاء الردة الصريحة ما يساوي بضيّعة تربح تومان أو نصف تومان وعندنا أناس يجون بعيالهم ولا شحذوا وقد قال الله في هذه المسألة: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون} {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم} انتهى كلام الشيخ من الرسالة المذكورة بحروفه مع بعض الاختصار فراجعها من التاريخ فإنها نافعة جداً
والمقصود أن الحجة قامت بالرسول والقرآن
فكل من سمع بالرسول وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة
وهذا ظاهر في كلام شيخ الإسلام عند قوله فمن المعلوم أن قيامها ليس أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر الصديق
بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلى عن شيء يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قوله تعالى: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا}
(يُتْبَعُ)
(/)
فتأمل كلامه واحضر فكرك واسأل الله الهداية هذه ثلاثة مواضع يذكر فيها أن الحجة قامت بالقرآن على كل من بلغه وسمعه ولو لم يفهمه وهذا ولله الحمد يؤمن به كل مسلم سمع القرآن ولكن الشياطين اجتالت أكثر الناس عن فطرة الله تعالى التي فطر عباده عليها ثم تأمل كلام شيخ الإسلام في حكمه عليهم بالكفر وهل قال لا يكفرون حتى يعرفوا أو لا يسمون مشركين بل فعلهم شرك كما قال من أشرنا إليه!
ثم تأمل حكاية الشيخ عن شيخ الإسلام في كلامه على المتكلمين ومن شاكلهم (وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه مخطىء ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها أنه مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها حتى يعرف لكن يكون ذلك في الأمور الظاهرة- إلى أن قال- أن اليهود والنصارى والمشركين يعلمون أن محمداً بعث بها وكفر من خالفها مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والملائكة ثم تجد كثيراً من رؤساءهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين) - إلى أن قال- الشيخ فتأمل كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية وبين ما نحن فيه في كفر المعين وتأمل تكفيره رؤساءهم فقف وتأمل كما قال الشيخ وهذا القدر كافٍ في ردّ هذه الشبهة وقد جعلها شيخ الإسلام قدس الله روحه من الأمور الظاهرة حتى اليهود والنصارى يعلمون ذلك من دين الإسلام ومن وصفنا لك عَمِىّ عن ذلك ولعله يقرأها ويقررها ولكن حيل بينه وبين تنزيلها على الواقع من الناس وهذاله أسباب منها عدم الخوف على النفس من الزيغ والانقلاب وقد خاف السلف من ذلك وقد يكون للإنسان هوي يمنعه عن معرفة الحق واستخراجه من النصوص كما ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في بعض رسائله التي ذكر صاحب التاريخ أنه قال: ومن ذلك أن نقرر المسألة في أصل الدين سنة كاملة على بعض الطلبة فيعرفها ويتصورها ثم إذا وقعت لا يفهمها) قف وتأمل ومن ذلك أنه ذكر أن بعض علماء الوشم قرر التوحيد في بعض مراسلته للشيخ محمد وسأله هل أصاب أم لا، فقال له: تقريرك التوحيد حق وقد أصبت لكن الشأن في العمل بعد المعرفة فإنك لما قدم بلدكم بعض رسائل أعداء الدين في سب الدين و أهله مشيت معهم ولم تنابذهم ولم تفارقهم) أو كما قال فتأمل ذلك (فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة)
تأمل كلام الشيخ في تنزيله على صاحب الرسالة أن المنافقين وإن تحيزوا إلى عبادة الطاغوت ثم حكم عليه بالردة ومن أعظم ما حكى عنه الشيخ أن توقف في تكفير المعين وأن الذي منعه من الهجرة بأهله ما في يده من البضائع وخوف الفقر ثم انظر حال من ذكرنا ومن شاكلهم في رحلتهم للمشركين وقراءتهم عليهم وطلب العلم بزعمهم منهم هذا أقروا به وهو مما علم منهم وإلا فهم يتهمون بموالاتهم والركون إليهم ومن المصائب أنه إذا قدم هذا الجنس على المسلمين عاملوهم بمثل معاملتهم قبل الذهاب للمشركين من الإكرام والتحية وقد يظهر منهم حكاية وثناء على بلاد المشركين واستهجان المسلمين وبلادهم مما يعلم أنه لا يظهر إلا من سوء طوية ويبقون على ذلك دائماً.
وقليل من يستنكر ذلك منهم وأما كون أحد يخاف عليهم الردة والزيغ بسبب أفعالهم فلا أظن ذلك يخطر ببال أحد فكأن هذه الأحكام الشرعية التي يحكم بها على من صدر منه ما ينافيها كما ذكر الشيخ وشيخ الإسلام قبله في أناس كانوا فبانوا كما ذكر داعية أولئك المشاهير الذين تقدم ذكرهم فانظر حالك وتفكر فيما تعتقده فإن تنج منه تنج من ذي عظيمة وإلا فلا عجب ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ومن الدليل على مسألتنا ما كتب الشيخ تعالى إلى عيسى بن قاسم وأحمد بن سويلم لما سألاه عن قول شيخ الإسلام تقي الدين قدس الله روحه من جحد ما جاء به الرسول وقامت عليه الحجة فهو كافر فأجاب
بقوله:
(يُتْبَعُ)
(/)
إلى الأخوين عيسى بن قاسم وأحمد بن سويلم سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، ما ذكرتموه من كلام الشيخ كل من جحد كذا وكذا وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة أم لا فهذا من العجب العجاب كيف تشكون في هذا وقد وضحته لكم مراراً فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام أو الذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسائل خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يُعّرف وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة
ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كماقال تعالى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضل سبيلاً} وقيام الحجة وبلوغها نوع وفهمهم إياها نوع آخر فتأمل كلام الشيخ ونسأل الله أن يرزقك الفهم الصحيح وأن يعافيك من التعصب). وتأمل كلام الشيخ أن كل من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة وإن لم يفهم ذلك وجعله هذا هو السبب في غلط من غلط وأن جعل التعريف في المسائل الخفية ومن حكينا عنه جعل التعريف في أصل الدين وهل بعد القرآن والرسول تعريف ثم يقول هذا اعتقادنا نحن ومشايخنا نعوذ بالله من الحور بعد الكور
وهذه المسألة كثيرة جداً في مصنفات الشيخ محمد لأن علماء زمانه من المشركين ينازعون في تكفير المعين فهذا شرح حديث عمرو بن عبسة من أوله إلى آخره كله في تكفير المعين حتى أنه نقل فيه عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن من دعا عليّ فقد كفر ومن لم يكفره فقد كفر وتدبر ماذا أودعه من الدلائل الشرعية التي إذا تدبرها العاقل المنصف فضلاً عن المؤمن عرف أن المسألة وفاقية ولا تشكل إلاّ على مدخول عليه في اعتقاده وقد ذكر الشيخ سليمان بن عبدالله تعالى في شرح التوحيدفي مواضع منه أن من تكلم بكلمة بكلمة التوحيد وصلى وزكى ولكن خالف ذلك بأفعاله وأقواله من دعاء الصالحين والإستغاثة بهم والذبح لهم أنه شبيه باليهود والنصارى في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتها) فعلى هذا يلزم من قال بالتعريف للمشركين أن يقول بالتعريف لليهود والنصارى ولا يكفرهم إلا بعد التعريف وهذا ظاهر بالاعتبار جداً
وأما كلام الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن تعالى على هذه المسألة فكثير جداً فنذكر من ذلك شيئاً يسيراً لأن المسألة وفاقية والمقام مقام اختصار فلنذكر من كلامه ما ينبهك على الشبه التي استدل بها من ذكرنا في الذي يعبد قبة الكواز وأن الشيخ توقف في تكفيره ونذكر أولاً مساق الجواب وما الذي سيق لأجله وهو أن الشيخ محمد ومن حكى عنه هذه القصة يذكرون ذلك معذرة له عن ما يدعيه خصومه عليه من تكفير المسلمين وإلاّ فهي نفسها دعوى لا تصلح أن تكون حجة بل تحتاج للدليل وشاهد من القرآن والسنة ومن فتح الله بصيرته وعوفي من التعصب وكان ممن اعتنى برسائل الشيخ ومصنفاته علم علماً يقيناً أن الشيخ بَيَّنَ هذه المسألة بياناً شافياً وجزم بكفر المعين في جميع مصنفاته ولا يتوقف في شيء منها ولنرجع إلى مساق الجواب الذي أشرنا إليه.
قال الشيخ عبداللطيف على قول العراقي: (قد كفرتم الحرمين وأهلها) فذكر كلامه وأجاب عنه -إلى أن قال-: قال العراقي: (ومن المعلوم أن المنع من تكفير المسلمين الذين تكلموا في هذا الباب وإن أخطأوا من أحق الأغراض الشرعية وهو إذا اجتهد فله أجران إن أصاب وإن أخطأ فله أجر واحد) انتهى كلام العراقي
والجواب أن يقال هذا الكلام من جنس تحريفه الذي قررناه فإن في هذا تحريفين أحدهما أنه أسقط السؤال وفرضه في التكفير في المسائل التي وقع فيها خلاف ونزاع بين أهل السنة والجماعة والخوارج والروافض فإنهم كفروا المسلمين وأهل السنة بمخالفتهم فيما ابتدعوه وما أصلوه ووضعوه وذهبوا إليه وانتحلوه فأسقط هذا خوفاً من أن يقال دعاء أهل القبور وسؤالهم والإستغاثة بهم ليست من هذا الباب ولم يتنازع في هذه المسألة المسلمون بل هي مجمع على أنها من الشرك المكفر كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية وجعلها مما لا خلاف في التكفير بها فلا يصح حمل كلامه هنا على ما جزم هو بأنه كفر مجمع عليه ولو صح حمل هذا العراقي لكان قوله قولاً مختلفاً وقد نزهه الله وصانه عن هذا فكلامه متفق يشهد بعضه لبعض
(يُتْبَعُ)
(/)
إذا عرفت هذا عرفت تحريف العراقي في إسقاطه بعض الكلام وحذفه وأيضاً فالحذف لأصل الكلام يخرجه عن وجهه وإرادة المقصود.
التحريف الثاني: أن الشيخ قال أصل التكفير للمسلمين وعبارات الشيخ أخرجت عباد القبور من مسمى المسلمين كما سننقل جملة من عباراته في الحكم عليهم بأنهم لا يدخلون في المسلمين في مثل هذا الكلام – فذكر كلاماً فيما أخطأ من المسلمين في بعض الفروع- إلى أن قال-: فمن اعتقد في بشر أنه إله أو دعا ميتاً وطلب منه الرزق والنصر والهداية أو توكل عليه أو سجد له فإنه يستتاب فإن تاب وإلاّ ضربت عنقه. انتهى.
فبطل استدلال العراقي وانهدم من أصله كيف يجعل النهي عن تكفير المسلمين متناولاً لمن يدعو الصالحين ويستغيث بهم مع الله ويصرف لهم من العبادات ما لا يستحق إلا الله وهذا باطل بنصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة ومن عجيب جهل العراقي أنه يحتج على خصمه بنفس الدعوى والدعوى لا تصلح دليلاً
فإن دعوى العراقي لإسلام عباد القبور تحتاج دليلاً قاطعاً على إسلامهم فإذا ثبت إسلامهم منع من تكفيرهم والتفريع ليس مشكلاً ومعلوم أن من كفر المسلمين لمخالفة رأيه وهواه كالخوارج والرافضة أو كفر من أخطأ في المسائل الاجتهادية أصولاً وفروعاً فهذا ونحوه مبتدع ضال مخالف لما عليه أئمة الهدى ومشايخ الدين ومثل شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب لا يكفر أحداً بهذا الجنس ولا من هذا النوع وإنما يكفر من نطق بتكفيره الكتاب العزيز وجاءت به السنة الصحيحة وأجمعت على تكفيره الأمة كمن بدل دينه وفعل فعل الجاهلية الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والصالحين ويدعونهم مع الله فإن الله كفرهم وأباح دماءهم وأموالهم وذراريهم بعبادة غيره نبياً أو ولياً أو صنماً لا فرق في الكفر بينهم كما دل عليه الكتاب العزيز والسنة المستفيضة وبسط هذا يأتيك مفصلاً وقد مر بعضه وقال وقد سئل عن مثل هؤلاء الجهّال فقرر أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر بعبادة القبور
وأما من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حالهوقد سبق من كلامه ما فيه كفاية
مع أن العلامة ابن القيم جزم بكفر المقلدين لشيوخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته وتأهلوا لذلك فأعرضوا ولم يلتفتوا ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة رسول من الرسل وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم وسيأتيك كلامه
وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن لا إله إلاّ الله وبقاء الإسلام ومسماه مع بعض ما ذكره الفقهاء في باب حكم المرتد أظهر من بقائه مع عبادة الصالحين ودعائهم ولكن العراقي يفر من أن يسمى ذلك عبادة ودعاء ويزعم أنه توسل ونداء ويراه مستحباً وهيهات هيهات أين المفر والآله الطالب، قد حيل بين العير والنزوان بما من الله به من كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وبما جاء به محمد عبد الله ورسوله من الحكمة والهدى والبيان لحدود ما أنزل الله عليه ولا يزال الله سبحانه وتعالى يغرس لهذا الدين غرساً تقوم به حججه على عباده ويجاهدون في بيان دينه وشرعه من ألحد في كتابه ودينه وصرفه عن موضوعه) - إلى آخر ما ذكر
فتأمل قوله دعاء القبور وسؤالهم والاستغاثة بهم ليست من هذا الباب ولم يتنازع فيها المسلمون بل هي مجمع على أنها من الشرك المكفر كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه وجعله مما لا خلاف بالتكفير به ولا يصح حمل كلامه هنا على ما جزم هو بأنه كفر قلت ويدل عليه كلامه المتقدم أن من دعا عليّ فقد كفر ثم قال التحريف الثاني الذي قال فيه أصل التكفير للمسلمين وعبارات الشيخ أخرجت عباد القبور من مسمى المسلمين فتأمل كلامه الأول والثاني أن هذا شيء مجمع عليه وأن عباد القبور ليسوا بمسلمين ولا يدخلون في مسمى الإسلام وأن هذا هو عين كلام شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن قال يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل بضرب عنقه ولم يقل يَعرّف ولا قال ما يكفر حتى يُعَرّف كما ظن ذلك من لا علم عنده ومن هو مدخول عليه في أصل دينه ثم تأمل كلامه في رده على العراقي بقوله فبطل استدلال العراقي وانهدم من أصله كيف يجعل النهي
(يُتْبَعُ)
(/)
عن تكفير المسلمين متناولاً لمن يدعو الصالحين ويستغيث بهم قال وهذا باطل بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة إلى أن قال وإنما يكفر الشيخ محمد من نطق الكتاب والسنة بتكفيره وأجمعت الأمة عليه كمن بدل دينه وفعل فعل الجاهلية الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والصالحين ويدعونهم فإن الله كفرهم وأباح دماءهم وأموالهم وذراريهم بعبادة غيره نبياً أو ولياً أو صنماً لا فرق في الكفر بينهم كما دل عليه الكتاب العزيز انتهى كلامه. قلت وهذا من أعظم ما يبين الجواب عن قوله في الجاهل العابد لقبة الكواز
لأنه لم يستثنِ في ذلك لا جاهلاً ولا غيره وهذه طريقة القرآن تكفير من أشرك مطلقاً وتوقفه في بعض الأجوبة يحمل على أنه لأمر من الأمور وأيضاً فإنه كما ترى توقف مرة كما في قوله وأما من أخلد إلى الأرض فلا أدري ما حاله فيا لله العجب كيف يترك قول الشيخ في جميع المواضع مع دليل الكتاب والسنة وأقوال شيخ الإسلام وابن القيم كما في قوله من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة ويَقبَل في موضع واحد مع الإجمال وتفطن أيضاً فيما قال الشيخ عبداللطيف فيما نقله عن ابن القيم أن أقل أحوالهم أن يكونوا مثل أهل الفترة الذين هلكوا قبل البعثة ومن لا تيلغه دعوة نبي من الأنبياء – إلى أن قال – وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضه أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن لا إله إلاّ الله ولنذكر كلاماً لابن القيم ذكره في طبقات المكلفين نقله عنه الشيخ ((عبداللطيف)) في رده على العراقي مثل التفسير لما ذكرنا لك ويجلوا عنك بقايا هذه الشبهة –
قال ابن القيم تعالى في كتاب طبقات المكلفين لما ذكر رؤوس الكفار الذين صدوا عن سبيل الله وأن عذابهم مضاعف ثم قال: الطبقة السابعة عشرة
طبقة المقلدين وجهال الكفر وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبع يقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة ولنا أسوة بهم ومع هذا فهم مسالمون لأهل الإسلام غير محاربين لهم كنساء المحاربين وخدمهم وأتباعهم الذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصب له أولئك أنفسهم من السعي في إطفاء نور الله وهدم دينه وإخماد كلماته بل هم بمنزلة الدواب وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام وقد صح عن النبي أنه قال ((ما من مولود إلاّ وهو يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) فأخبر أن أبويه ينقلانه عن الفطرة إلى اليهودية والنصرانية والمجوسية ولم يعتبر في ذلك غير المربي والمنشأ على ما عليه الأبوان وصح عنه أنه قال ((إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة)) وهذا المقلد ليس بمسلم وهو عاقل مكلف والعاقل لا يخرج عن الإسلام أو الكفر. وأما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف في تلك الحال وهو بمنزلة الأطفال والمجانين
وقد تقدم الكلام عليهم قلت وهذا الصنف أعني من لم تبلغهم الدعوة هم الذين استثناهم شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقل عنه العراقي. واستثناهم شيخنا الشيخ محمد بن عبدالوهاب ‘ تعالى. ثم قال ابن القيم: [وصنف شيخ الإسلام رسالة في أن الشرائع لا تلزم إلا بعد البلاغ وقيام الحجة].
والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً فإن الكافر من جحد توحيد الله تعالى وكذّب رسوله إما عناداً وإما جهلاً وتقليداً لأهل العناد فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد وقد أخبر الله تعالى في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار وأن الاتباع مع متبوعيهم وأنهم يتحاجون في النار – ثم ذكر آيات في هذا وأحاديث ثم قال: وهذا يدل على أن كفر من اتبعهم إنما هو مجرد اتباعهم وتقليدهم نعم لابد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال وهو الفرق
(يُتْبَعُ)
(/)
بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه
والقسمان واقعان في الوجود فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضاً
أحدهما مريد للهدى مؤثر له محب غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة الثاني معرض لا إرادة له ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه
فالأول يقول يا رب لو أعلم لك ديناً خيراً مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي والثاني راضٍ بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق
فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزاً وجهلاً والثاني كمن لم يطلبه بل مات على شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض.
والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل فهذا مقطوع به في جملة الخلق وأما كون زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وعباده فيه بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول هذا في الجملة والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر
فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة وهو مبني على أربعة أصول أحدها أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه كما قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} وقال تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} - وذكر آيات ثم قال: وقال تعالى: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} والظالم من عرف ما جاء به الرسول أو تمكن من معرفته ثم خالفه وأعرض عنه وأما من لم يكن عنده من الرسول أصلاً ولا تمكن من معرفته بوجه وعجز عن ذلك فكيف يقال أنه ظالم.
الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين أحدهما الإعراض عن الحجة وعدم إرادته لها ولموجبها الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها فالأول كفر إعراض والثاني كفر عناد وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عليه حتى تقوم حجته بالرسل. الأصل الثالث: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص
فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر إما لعدم عقله وتميزه كالصغير والمجنون وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئاً ولا يتمكن من الفهم وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم في حديث الأسود وأبي هريرة وغيرهما – إلى آخره – ثم قال الشيخ فقف هنا وتأمل هذا التفصيل البديع فإنه لم يستثن إلا من عجز عن إدراك الحق مع شدة طلبه وإرادته له فهذا الصنف هو المراد في كلام شيخ الإسلام وابن القيم وأمثالهما من المحققين رحمهم الله
وأما العراقي وإخوانه المبطلون فشبهوا بأن الشيخ لا يكفر الجاهل وأنه يقول هو معذور وأجملوا القول ولم يفصلوا وجعلوا هذه الشبهة ترساً يدفعون به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وصاحوا به على عباد الله الموحدين كما جرى لأسلافهم من عباد القبور والمشركين وإلى الله المصير وهو الحاكم بعلمه وعدله بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون إلى آخر ما ذكر الشيخ فتأمل إن كنت ممن يطلب الحق بدليله وإن كنت ممن صمم على الباطل وأراد أن يستدل عليه بما أجمل من كلام العلماء فلا عجب.
وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين ذي الحجة سنة 1312 هـ
ـ[أحمد الغزي]ــــــــ[07 - Jun-2008, مساء 09:56]ـ
المُتَمِمَة
لكلام أئمة الدعوة
في مسألة الجهل في الشرك الأكبر
جمع الشيخ
(يُتْبَعُ)
(/)
علي بن خضير الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
فهذه متممة لما كتبه أئمة الدعوة السلفية النجدية في مسألة عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر، جعلتها متممة للكتب الآتية التي تحدثت عن عدم العذر بالجهل وهي:
1ـ مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد للشيخ العلامة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
2ـ رسالة الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن ابابطين رحمه الله،
3ـ رسالة تكفير المعين للشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله،
لخصت فيها هذه الكتب الثلاثة، وأضفت ما قاله أهل العلم في هذه المسألة في أول الرسالة، وهي في الأصل موجودة في كتابي الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، فجعلتها في رسالة مستقلة نظرا للأهمية، وتسهيلا لمن أراد معرفة هذه المسألة والله الهادي والموفق إلى سواء السبيل،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 0
الفصل الاول
في تاريخ هذه الشبهة
لم تظهر هذه الشبهة قبل عصر ابن تيمية لأن كل من ادعى العذر فإن أقدم ما يستدل به من الأقوال كلام ابن تيمية أنه يعذر،
ثم ظهرت هذه الشبهة في عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وظهرت هذه الشبهة في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب على محورين:
1ـ أناس ضلال أثاروها فرد عليهم في مفيد المستفيد،
2ـ أخف لأنها ظهرت في أناس من باب الاشتباه وكانوا يطلبون الحق،أمثال بعض طلابه في الدرعية، وفي الاحساء ثم خمدت فيما بعد،
ثم ظهرت في الجيل الثاني في زمن الحفيد عبد الرحمن بن حسن، تبناها داود بن جرجيس وعثمان بن منصور فتصدى لها الشيخ عبد الرحمن وساعده ابنه عبد اللطيف في مصنفات معروفة،وساعدهم أيضا الشيخ ابابطين،
ثم ظهرت في الجيل الثالث فتصدى لها الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن والشيخ ابن سحمان في مصنفات وفتاوى وساعد على ذلك أبناء الشيخ عبد اللطيف وهما عبد الله وإبراهيم، ولازالت موجودة وتتجدد كل عصر،
و هناك في العصر الحاضر من أظهر أن مسألة العذر بالجهل في الشرك الاكبر فيها خلاف، ثم يحكي الخلاف على قولين، وهذا موجود في بعض الكتب والمذكرات المعاصرة، مع أنه إذا ذكر الخلاف لاينسبه إلى أحد، وإنما ينسبه نسبة مطلقة، و منشأ هذا الفهم هو ظنهم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب له قولان في المسألة حيث نظروا إلى بعض نصوص الشيخ محمد ففهموا منها العذر بالجهل،
وهومبني على توهم وظن وفهم خاطئ، وهذا سوف نتكلم عليه إن شاء الله في فصول لاحقة ونجيب فيها عمن فهم هذه النصوص على غير المراد ونذكر الفهم الصحيح لذلك،
والخلاصة أن حكاية الخلاف في مسالة العذر بالجهل محدث لم يظهر إلا في العصر هذا، أما العصور السابقة فإنها تذكر على أنها اجتهاد لا يُساق فيه خلاف، وهذه مثل مسألة من قال إن تكفير الجهمية فيه خلاف على قولين ثم يحكي الخلاف ولا ينسبه إلى أحد إنما هو ظن خاطئ مبني على فهم خاطئ لبعض كلام ابن تيمية (وهذا القائل لم يفرق بين استخدامات ابن تيمية لمسمى الجهمية، فإنه يختلف حسب السياق)، وهذه ظهرت في عصر الشيخ سليمان بن سحمان فرد عليهم أن المسالة وفاقية في تكفير الجهمية وليس فيها خلاف كما في كتابه رفع الالتباس وكتاب كشف الشبهتين، وسوف ننقل كلامه في ذلك إن شاء الله في فصول لاحقة، وأيضا تصدى لذلك عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف، قالوا: (وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه والحكم بأنه من الشرك الأكبر فليس في تكفيرهم وتكفير الجهمية قولان)،
(النجدية 3/ 66) والله اعلم،
الفصل الثاني
هل من وقع في الشرك الأكبر يُسمى مشركا بمجرد الفعل والوقوع ويُخاف عليه من ذلك ولو كان جاهلا أو مقلدا أو متأولا أو مخطئا أم لا؟
(يُتْبَعُ)
(/)
وينبني على ذلك، هل الجهل عذر في الشرك الأكبر؟ أم ليس بعذر كما هو مذهب السلف كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى، ومثله التأويل والتقليد والخطأ،وهذا يجرنا إلى بسط هذه المسألة العظيمة التي هي من أهم أبواب تعلّم التوحيد وفهم الشرك،وهى أيضا من أهم أبواب التفريق بين الأسماء والأحكام تارة، وعدم التفريق في موضع آخر تارة، وهذا يستوجب ذكر المسألة من خلال فصول ونقول وتعليقات نذكر فيها كلام أهل العلم ثم قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقول طلابه من لدن الشيخ إلى الآن، وقبل ذلك قول ابن تيمية وابن القيم، وننقل الإجماعات في ذلك، والقياسات الصحيحة في ذلك،
والآن ندخل في المسألة فنقول:
الفصل الثالث
في نقولات من كلام أهل العلم في مسألة الجهل:
1ـ وفي الصحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوم نوح عليه السلام (فلم نُسى العلم عُبدت) اهـ فعُبدت وقت الجهل،فسُمّوا عابدين لغير الله مع جهلهم،
2ـ في بدائع الصنائع 7/ 132 (كتاب السير،باب الأحكام التي تختلف باختلاف الدارين قال: فإن أبا يوسف روى عن أبى حنيفة (كان يقول لاعذر لأحد من الخلق في جهله معرفة خالقه لأن الواجب على جميع الخلق معرفة الرب سبحانه وتعالى وتوحيده لما يرى من خلق السماوات والأرض وخلق نفسه وسائر ما خلق الله سبحانه وتعالى فأما الفرائض فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية) اهـ
3ـ قال الشيخ عبد اللطيف في مصباح الظلام ص 123 وفي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد: حدثني أبو سعيد بن يعقوب الطالقاني أنبانا المؤمل بن إسماعيل سمعت عمارة بن زازان قال:بلغني أن القدرية يحشرون يوم القيامة مع المشركين فيقولون والله ما كنا مشركين فيقال لهم إنكم أشركتم من حيث لاتعلمون اهـ، لاتعلمون أي جهالا،
4ـ قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره عن قوله تعالى في سورة الأعراف (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) قال إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله وظُهراء جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى و حق وأن الصواب ما أتوه وركبوه وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية اهـ ونقل ابا بطين عن ابن جرير عند تفسير قولة تعالى (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) قال ابن جرير وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور اهـ الدرر 10/ 392 وراجع أيضا كلام ابن جرير في سورة الكهف آية 104
5 ـ ابن كثير رحمه الله نقل نفس كلام ابن جرير السابق نقله موافقا عليه ومقررا له عند تفسير الآية المذكورة،
6ـ قال البغوي رحمه الله عند تفسير نفس الآية المذكورة قال (وفيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء أهـ
7ـ قال البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان في باب المعاصي من أمر الجاهلية قال:ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنك امرؤ فيك جاهلية وقال الله عز وجل (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء)،
8ـ قال ابن منده رحمه الله في كتابه التوحيد 1/ 314: باب ذكر الدليل على أن المجتهد المخطئ في معرفة الله عز وجل ووحدانيته كالمعاند،ثم قال:قال الله تعالى مخبرا عن ضلالتهم ومعاندتهم (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم قي الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)
ثم نقل أثر علي بن أبي طالب لما سُئل عن الأخسرين أعمالا فقال:كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم عز وجل وابتدعوا في دينهم وأحدثوا على أنفسهم فهم يجتمعون في الضلالة ويحسبون أنهم على هدى ويجتهدون في الباطل ويحسبون أنهم على حق ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وقال علي رضى الله عنه منهم أهل حروراء،
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم ذكر أثر سلمان الفارسي رضى الله عنه لما ذكر للرسول حال النصارى قبل البعثة أنهم كانوا يصومون ويصلون ويشهدون أنك ستبعث فقال الرسول صلى الله عليه وسلم هم من أهل النار،
9 ـ قال البربهاري رحمه الله في كتابه شرح السنة رقم 49 قال (ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يذبح لغير الله أو يصلى لغير الله وإذا فعل شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام وإذا لم يفعل شيئا من ذلك فهو مؤمن مسلم بالاسم لا بالحقيقة اهـ
و نقل قبل ذلك قول عمر رضى الله عنه قال عمر (لاعذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى ولا في هدى تركه حسبه ضلالة فقد بُينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر)،
10ـ قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/ 528،
باب سياق ما روي في تكفير المشبهة قال: تكلم داود الجواربي في التشبيه فاجتمع فيها أهل واسط منهم محمد بن يزيد وخالد الطحان وهشيم وغيرهم فأتوا الأمير وأخبروه بمقالته فأجمعوا على سفك دمه،
ونقل عن يزيد بن هارون قال:الجهمية والمشبهة يستتابون كذا رماهم بأمر عظيم اهـ
ونقل عن نعيم بن حماد قال من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، ونقل عن إسحاق بن راهويه قال من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم اهـ
(ومن عبد غير الله فقد شبه الله بخلقه فجعل بعض خلق الله إله يعبد)،
11ـ وقال القرطبي في تفسيره 7/ 319 عند آية الميثاق قال في آخرها (ولا عذر للمقلد في التوحيد) اهـ
12ـ قال القاضي عياض رحمه الله في كتابه الشفاء في آخره في فصل بيان ما هو من المقالات كفر وما يتوقف أو يختلف فيه وما ليس بكفر، و أول ما بدأ به قال كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة أحد غير الله أو مع الله فهي كفر اهـ
13ـ قال أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله فيمن دعا صاحب التربة و دس الرقاع على القبور أنه شرك أكبر،وقد نقل أئمة الدعوة عنه هذا كثيرا على وجه الإقرار له،قال الشيخ محمد في تاريخ نجد ص266 (وابن عقيل ذكر أنهم كفار بهذا الفعل (أعني دعوة صاحب التربة ودس الرقاع) وقال الشيخ ابا بطين (تقدم كلام ابن عقيل في جزمه بكفر الذين وصفهم بالجهل فيما ارتكبوه من الغلو في القبور نقله عنه ابن القيم مستحسنا له) الدرر 10/ 386،
14ـ قال الشوكاني في إرشاد الفحول في باب الاجتهاد (ما يكون الغلط فيه مانعا من معرفة الله ورسوله كما في إثبات العلم بالصانع والتوحيد والعدل قالوا فهذه الحق فيها واحد فمن أصابه أصاب الحق ومن أخطأه فهو كافر) وقال أيضا (ليس مجرد قول لا اله إلا الله من دون عمل بمعناها مثبتا للإسلام فإنه لو قالها أحد من أهل الجاهلية وعكف على صنمه يعبده لم يكن ذلك إسلاما) الدر النضيد ص 40،
15ـ قال ابن فرحون في تبصرة الحكام في باب الردة قال (مسألة ومن عبد شمسا أو قمرا أو حجرا أو غير ذلك فانه يقتل ولا يستتاب)
16ـ قال ابن قدامة في روضة الناظر في باب الاجتهاد قال (وزعم الجاحظ أن مخالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن إدراك الحق فهو معذور غير آثم وهذا باطل يقينا وكفر بالله تعالى ورد عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فإنا نعلم قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه وذمهم على إصرارهم ونقاتل جميعهم ونقتل البالغ منهم ونعلم أن المعاند العارف مما يقل وإنما الأكثر مقلدة اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا معجزة الرسول ثم ذكر آيات في ذلك) 0
17ـ: أما الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فله كتاب مستقل في ذلك وهو كتاب الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة وهي في الدرر 10/ 149 في ذكر كلام العلماء المجتهدين أصحاب المذاهب الأربعة فيما يكفر به المسلم ويرتد وأنهم أول ما يبدون في باب حكم المرتد بالكلام في الشرك الأكبر وتكفيرهم لأهله وعدم عذرهم بالجهل،
(يُتْبَعُ)
(/)
فذكر كلام الشافعية وذكر منهم ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في الكبيرة الأولى ونص على عدم العذر بالجهل في قوله بيان الشرك وذكر جملة من أنواعه لكثرة وقوعها في الناس وعلى السنة العامة من غير أن يعلموا (أي جهال) أنها كذلك ونقل كلام النووي في شرح مسلم في الذبح لغير الله تعظيما أنه شرك وصار بالذبح مرتدا (وهذا تعيين لأن المنع من الذبيحة لمعين بها) ونقل كلام أبي شامة في الباعث،
ونقل كلام صاحب كتاب تبين المحارم في باب الكفر وذكر أنواع من الشرك الأكبر منها من سجد لغير الله أو أشرك بعبادته شيئا من خلقه أنه كفر بالإجماع ويقتل إن أصر على ذلك،ونقل كلام الشيخ قاسم في شرح الدرر فيمن دعاء غير الله أو نذر له وأنه كفر، ومن كلام المالكية نقل كلام أبي بكر الطرطوشي وصرح أن الذي يفعل في زمانه من العمد إلى الشجر ونحوه أنه مثل فعل المشركين،
ثم ذكر كلام الحنابلة، فذكر كلام ابن عقيل في تكفيره من عظم القبور وخاطب الموتى بالحوائج أنهم كفار بذلك، ونقل كلام ابن تيمية وابن القيم ووالده وأطال في ذلك في تكفير من أشرك بالله وعدم عذره بالجهل، اهـ ملخصا
الفصل الرابع
نقولات توضيحية من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتضح فيها قوله في هذه المسألة (ملاحظة إن شاء الله سوف نضع حاشية أسفل الصفحة للتعليق على الأشياء التي تحتاج إلى ذلك للأهمية بعد الانتهاء مما يتعلق بالشيخ محمد، أما ما يتعلق به فأغلب التعليق تابع لما ننقل عنه)،
1ـ و قبل النقولات نحب أن نبين أن الشيخ محمد له كتاب مستقل متخصص في هذه المسألة وهو كتاب (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد) وتأمل نصه في عنوان الكتاب على تكفير تارك التوحيد الذي هو بالضرورة فاعل للشرك،ففي العنوان تكفير المعين إذا أشرك،وقد تهجم على من قال أن ابن تيمية لا يكفر المعين في باب الشرك،
2ـ كتاب كشف الشبهات في مواضع منه التصريح بعدم العذر في الشرك الأكبر بالجهل
3ـ أيضا في رسالة النواقض العشر له رحمه الله، لم يَعذر فيها بالجهل وذلك لما ذكر نواقض الإسلام العشر نص على استواء حكم الجاد والهازل والخائف حال الوقوع فيها إلا المكره ولم يستثني غير المكره مثل الجاهل أو المتأول أو المخطئ اهـ. راجع فتاوى الأئمة النجدية 3/ 188،
4 - ومن النقولات قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب (في الدرر السنية 8/ 118) لما ذكر المرتدين وفرقهم فمنهم من كذب النبي صلى الله عليه وسلم ورجعوا إلى عبادة الأوثان ومنهم من أقر بنبوة مسيلمة ظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه في النبوة ومع هذا أجمع العلماء أنهم مرتدون ولو جهلوا ذلك ومن شك في ردتهم فهو كافر.
5ـ وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرر (9/ 405 - 406) قال: لما نقل كلام ابن تيمية في التكفير: وكلام ابن تيمية في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الأشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة، وأما إذا بلغته الحجة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو معصية، وصرح ابن تيمية رضي الله أيضا أن كلامه في غير المسائل الظاهرة فقال في الرد على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرا قال: وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها ولكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها وكفر من خالفها مثل عبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ومثل إيحابه للصلوات الخمس وتعظيم شأنها ومثل تحريم الفواحش والزنا والخمر والميسر، ثم تجد كثيرا من رؤسهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين، ثم ذكر مسألة تكفير المعين بعد بلوغ الحجة وقال لا نعلم عن واحد من العلماء خلافا في هذه المسألة.
(يُتْبَعُ)
(/)
6ـ رسائل ونصوص للشيخ محمد بن عبد الوهاب تدل على أن الشيخ لا يعذر بالجهل ويُسمي من فعل الشرك مشركا ومن المشركين،ويُقصَد باسم الكفر عند الشيخ أحيانا بمعنى الشرك إذا لم تقم عليه الحجة،أما إذا قامت الحجة فيسميه مشركا كافرا، وقد تَعْجَب من هذا وهو التفريق بين أسماء قبل الحجة و أسماء بعدها لكن هذا هو الحق ومذهب أهل السنة كما نقله ابن تيمية راجع الفتاوى 20/ 37 - 38 في صفحتين فيها درر تكتب بماء الذهب كما يقال،وهى طريقة ابن القيم وأئمة الدعوة، وكلهم ونقلوا الإجماع عليه كما سوف ترى ذلك كثيرا إن شاء الله إذا استكملت القراءة إلى آخر كلام أئمة الدعوة،
والآن نعود إلى النصوص هي:
النص الأول:
ما ذكره المصنف في نفس كتابه كشف الشبهات ص9، ط: دار الثقافة للطباعة، حيث قال: " فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه قد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل .. " انتهى. (فلم يمنع من التكفير كونه جاهلا)
النص الثاني:
رسالة في الرد على ابن صباح، ذُكرت في تاريخ نجد تحقيق ناصر الدين الأسد ص468 في الرد على من اتهمه بتهم، ورد على ذلك، إلا أنه قال في أثنائها: "الحمد لله، أمَّا بعد: فما ذكره المشركون (لاحظ هنا سماهم مشركين) عنّي أنني أنهى عن الصلاة على النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو أني أقول لو أن لي أمراً هدمت قبة النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو أني أتكلم في الصالحين، أو أنهى عن محبتهم، كل هذا كذب وبهتان افتراه عليّ الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس الذين يأمرون الناس أن ينذروا لهم وينخونهم ويندبونهم، كذلك فقراء الشياطين الذين ينتسبون إلى الشيخ عبد القادر وهو منهم بريء كبراءة علي بن أبي طالب من الرافضة، فلما رأوني آمر الناس بما أمرهم به نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- ألاّ يعبدوا إلا اللَّه وأن من دعى عبد القادر فهو كافر، وعبد القادر منه بريء، وكذلك من نخى الصالحين أو الأولياء أو ندبهم أو سجد لهم ... " انتهى.
والشاهد قوله: " وأن من دعى عبد القادر فهو كافر " فهذا نص بأنه يُكفّر من دعى عبد القادر وأمثاله (ولاحظ أنه وصفه بأنه يعبد عبد القادر ومن فعل الشرك أعطى اسمه،فيُسمى مشركا كافرا)،
ثم قال في آخر الرسالة: " فإذا كان من اعتقد في عيسى بن مريم مع أنه نبي من الأنبياء وندبه ونخاه فقد كفر، فكيف بمن يعتقد في الشياطين كالكلب أبي حديدة وعثمان، الذين في الوادي، والكلب الآخر في الخرج وغيرهم في سائر البلدان ... " انتهى.
والشاهد قوله: " من اعتقد في عيسى بن مريم فقد كفر ".
ثم قال في آخر الرسالة في الاعتقاد في الصالحين: " بل هو عبادة الأصنام من فعله كفر ... " انتهى. (علق الحكم بالفعل والفعل الذي فعله هو عبادة الأصنام،ويستحيل شرعا أن يُسمى عابد الأصنام أو القبور مسلما ولو كان جاهلا)
النص الثالث
موجود في تاريخ نجد ص474 في أوراق كتبها في الرد على ابن سحيم قال فيها: " فإذا كفّرنا من قال إن عبد القادر والأولياء ينفعون ويضرون قال كفّرتم الإسلام، وإذا كفّرنا من يدعو شمساناً وتاجاً وحطّاباً قال كفّرتم الإسلام ... "انتهى.
والشاهد منه: أن الشيخ يكفّر من عَبَد عبد القادر، ويكفّر من دعى شمسان -وهو أحد الصوفية الموجودين في الخرج زمن من المصنف -.
النص الرابع:
وهي رسالة أرسلها إلى محمد بن عيد - أحد علماء ثرمدا - موجودة في تاريخ نجد ص263، قال بعد كلام: " ولكن أقطع أن كفر من عبَد قبة أبي طالب لا يبلغ عُشر كفر المويس وأمثاله ... " انتهى.
والشاهد: أنه قطع بكفر من عبد القبور ولم يعذره بالجهل.
النص الخامس:
رسالة أرسلها إلى الشيخ عبد اللَّه بن عيسى قاضي الدرعية، وهي موجودة في تاريخ نجد الرسالة الرابعة عشر ص324، أرسلها منكراً عليه كيف أشكل عليه تكفير الطواغيت، فقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: " فقد ذكر لي أحمد أنه مشكل عليكم الفُتيا بكفر هؤلاء الطواغيت مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس، والذين يعبدونهم مثل طالب وأمثاله ... " انتهى
(يُتْبَعُ)
(/)
ويتضح من هذا النص تكفيره لمن عبد الطواغيت،بل إنكاره على من لم يكفر الطواغيت،أو من عبد الطواغيت،ولاحظ أنه سماهم طواغيت وسمى طالبا وأمثاله مَنْ يعبد الطواغيت ولايمكن أن يكون من عبد الطواغيت مسلما ولو كان جاهلا فضلا عن كونه موحدا لأن اسم الشرك يتناوله ويصدق عليه)،
النص السادس:
رسالة أرسلها إلى عبد الرحمن بن ربيعة - أحد علماء ثادق - وهي الرسالة العشرون في تاريخ نجد ص341، قال بعد كلام: " فمن عبد اللَّه ليلاً ونهاراً ثم دعا نبياً أو ولياً عند
قبره، فقد اتخذ إلهين اثنين ولم يشهد أن لا إله إلا اللَّه، لأن الإله هو المدعو، كما يفعل المشركون اليوم عند قبر الزبير أو عبد القادر أو غيرهم، وكما يفعل قبل هذا عند قبر زيد وغيره ... " انتهى.
والشاهد: أنه سمّاهم مشركين لمن عبد أصحاب القبور المذكورة وسماهم أيضا أنهم ممن اتخذ الهين اثنين)
النص السابع:
رسالة أرسلها إلى سليمان بن سحيم قاضي الرياض، وهي الرسالة التاسعة في تاريخ نجد ص304، قال بعد كلام: " وإنّا كفّرنا هؤلاء الطواغيت أهل الخرج وغيرهم للأمور التي يفعلونها هم، منها أنهم يجعلون آباءهم وأجدادهم وسائط، ومنها أنهم يدعون الناس إلى الكفر، ومنها أنهم يُبغّضون عند الناس دين محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- .... " انتهى.
والشاهد: " أنه كفّر من جعل بينه وبين اللَّه وسائط. وقال في نفس الرسالة ص305 مورداً إشكالاً على ابن سحيم، قال: " وما تقول في الذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب مثل اعتقاد كثير من الناس في عبد القادر وغيره ... " انتهى (ولاحظ أنه كفر أهل الخرج بفعل الوسائط فجعل مناط الحكم الفعل و أجرى اسم الفعل عليهم وهو الشرك)
النص الثامن:
رسالة جوابية رداً على اتهامات ضده، موجودة في تاريخ نجد ص274، وهي مجموعة من التهم والأقاويل ضد الشيخ.
أقر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ببعضها أنه يقول بها، ومنها: " تكفير الناذر إذا أراد به التقرب لغير اللَّه وأخذ النذور كذلك، ومنها أن الذبح للجن كفر والذبيحة حرام، ولو سمى اللَّه عليها إذا ذبحها للجن، فهذه خمس مسائل كلها حق وأنا قائلها ... " إلى أن قال: " فصار ناس من الضالين يدعون أناساً من الصالحين في الشدة والرخاء مثل عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي، وعدي بن مسافر، وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح ... " ثم ذكر أن أهل العلم أنكروا عبادة الصالحين، إلى أن قال: " وبيّن أهل العلم إن أمثال هذا هو الشرك الأكبر ... " انتهى.
والشاهد: أنه سمى من عبد هذه القبور الثلاثة ضالين، وأنه الشرك الأكبر، إلى أن قال: " فتأمل هذا إذا كان كلامه هذا في علي فكيف بمن ادعى أن ابن عربي وعبد القادر إله ... " انتهى.
النص التاسع:
رسالة أرسلها إلى أحد علماء الأحساء واسمه أحمد بن عبد الكريم، وهي الرسالة الحادية والعشرون في تاريخ نجد ص346.
وكان أحمد بن عبد الكريم الأحسائي لما التبس عليه فعل عباد القبور مع جهلهم،وكان الاحسائي هذا ينكر تكفير المعين لمن عبد القبور لجهله ويُجيز تكفير النوع لا العين أي فعله كفر وشرك وليس هو بمشرك ولا كافر لأنه جاهل، وناقشه الشيخ في رسالة طويلة قال فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "وتأمل تكفير (ابن تيمية) لرؤسائهم فلاناً وفلاناً بأعيانهم، وردتهم ردة صريحة.
و تأمل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة، هل يناسب هذا لما فهمت من كلامه أن المعين لا يكفر، ولو دعى عبد القادر في الرخاء والشدة، ولو أحب عبد اللَّه بن عون وزعم أن دينه حسن مع عبادته أبي حديدة ... ،
وقال في الرسالة أيضا بعد ذكر من كفره السلف قال: واذكر كلامه في الإقناع وشرحه في الردة كيف ذكروا أنواعا كثيرة موجودة عندكم، ثم قال منصور البهوتي: وقد عمت البلوى في هذه الفرق وأفسدوا كثيرا من عقائد أهل التوحيد نسأل الله العفو والعافية. هذا لفظه بحروفه، ثم ذكر قتل الواحد منهم وحكم ماله هل قال واحد من هؤلاء من الصحابة إلى زمن منصور البهوتي إن هؤلاء يكفر أنواعهم لا أعيانهم الدرر السنية (10/ 63 ـ 74)،فانظر إلى تكفير الشيخ محمد من عَبَد عبد القادر أعلاه،
(يُتْبَعُ)
(/)
(والطوائف التي ذكرها البهوتي في باب المرتد هي: أهل الحلول والاتحاد، والرافضة والباطنية والقرامطة)،
النص العاشر:
وهي رسالة في تفسير كلمة التوحيد في مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مجلد العقيدة القسم الأول ص363.
قال الشيخ: " وأنت ترى المشركين من أهل زماننا ولعل بعضهم يدّعي أنه من أهل العلم وفيه زهد واجتهاد وعبادة، إذا مسّه الضر قام يستغيث بغير اللَّه مثل معروف أو عبد القادر الجيلاني،وأجلِّ من هؤلاء مثل زيد بن الخطاب والزبير، وأجلِّ من هؤلاء مثل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاللَّه المستعان، وأعظم من ذلك أنهم يستغيثون بالطواغيت والكفرة والمردة مثل شمسان وإدريس، ويقال له الأشقر ويوسف وأمثالهم انتهى.
والشاهد: تسميته لمن عبد هؤلاء بالمشركين حيث قال في أول الرسالة "وأنت ترى المشركين ... " الخ،حيث وصفهم أنهم يستغيثون بغير الله فهل يمكن أن يكونوا مسلمين ويُعطون اسم الإسلام والإيمان وهم يعبدون غير الله هذا مستحيل شرعا فان الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان)،
النص الحادي عشر:
وهذا النص يعتبر هو مسك الختام الذي يوضح المسألة توضيحاً جيداً، يتضح فيها أن الشيخ لا يعذر بالجهل في الشرك الأكبر، وسوف يذكر ذلك في الرسالة، ويُسمى من وقع في الشرك الأكبر جهلاً مشركا إلا في المسائل الخفية، وعبادة القبور هي من المسائل الظاهرة لا الخفية أما التكفير فإذا قامت عليه الحجة وهو من لم تبلغه الدعوة فيكفر وهم الثلاثة، أما غير الثلاثة فقد قامت عليهم الحجة فيلحقهم اسم الشرك والكفر،
وهذه الرسالة كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب لبعض تلامذته في الدرعية لمّا كان الشيخ في العيينة في أول دعوته، وتلامذته هم: عيسى بن قاسم، وأحمد بن سويلم، وهي موجودة في تاريخ نجد ص410.
وتعجب الشيخ محمد بن عبد الوهاب كيف يَشُكُّون في تكفير الطواغيت وأتباعهم، وهل قامت عليهم الحجة أم لا؟
وأنكر الشيخ محمد عليهم لما توقفوا في تكفير الطواغيت وأتباعهم لأنهم جهال لم تقم عليهم الحجة فقال ما ذكرت لكم من قول الشيخ (ابن تيميه) كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرّف وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة.
، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة اللَّه مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) ً.
وقيام الحجة وبلوغها نوع، وفهمهم إياها نوع آخر، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها نوع آخر .. "،
ثم ذكر أناساً قامت عليهم الحجة لكن لم يفهموها، فذكر الخوارج، وذكر الغالية الذين حرّقهم علي، وذكر غلاة القدرية، ثم قال: " وإذا علمتم ذلك فهذا الذي أنتم فيه، وهو الشك في أناس يعبدون الطواغيت ويعادون دين الإسلام ويزعمون أنه ردة لأجل أنهم ما فهموا ... " انتهى. –
وخلاصة هذه الرسالة:
أن الشيخ أنكر على بعض طلابه التوقف في تكفير (لاحظ لفظ التكفير) الجهال بحجة أنهم ما فهموا ولأنهم جهال، وأن هذا غلط، وأفاد طلابه ألاّ يتوقفوا في تكفير الجهال إلا ثلاثة: من كان حديث عهد بإسلام، ومن نشأ وعاش في بادية وفي بعض رسائله أضاف شخصاً آخر وهو من نشأ وعاش في بلاد الكفر، وفي المسائل الخفية، وبيّن لهم أن عبادة القبور ليست من المسائل الخفية،
ويجب أن يُفهم أن الشيخ محمد قال بعدم تكفير الثلاثة فنفى عنهم لحوق اسم الكفر لأن هؤلاء الثلاثة لم يسمعوا الحجة ولم تبلغهم أما اسم الشرك واسم المشركين فيلحق هؤلاء الثلاثة ويُسمون مشركين وعابدي غير الله واتخذوا مع الله آلهة ويُنفى عنهم اسم الإسلام، كل ذلك يلحقهم لانهم يفعلون الشرك فاسمه يتناولهم ويصدق عليهم،
(يُتْبَعُ)
(/)
أما اسم الكفر وأحكام الكفار من القتل والتعذيب فلا يلحقهم لأنه لم تقم عليهم الحجة،لأن الكفر معناه جحد أو تكذيب للرسول فيكون أتاه خبر الرسول ثم جحده أو كذبه أو عانده أو تولى عنه أو أعرض،ومعنى أتاه خبر الرسول أي قامت عليه الحجة،أما اسم الشرك فهو عبادة غير الله وليس له ارتباط بالحجة كما قال ابن تيمية في الفتاوى 20/ 38 - 37 وهو مبحث مهم جدا قال اسم المشرك يثبت قبل الرسالة (أي قبل الحجة) لأنه يشرك بربه ويعدل به،ويجب أن تفهم أن الشيخ إذا قال لا أكفر كذا وكذا أنه ينفي اسم الكفر فقط (وانتبه لهذا التفقيط) لكن لا يلزم لمن نفى عنه التكفير أنه مسلم أو يُعطى حكم الإسلام أو المسلمين فلا لأن الشيخ يفرق بين ذلك،
وبعد استعرضنا لنصوص الشيخ محمد بن عبد الوهاب اتضح أن الشيخ يكفر بالجهل بعد ظهور دعوته إلا أشخاصاً معينين لا يكفرهم لكن لا يسميهم مسلمين أو موحدين بل مشركين كأهل البادية وحد ثاء العهد ومن عاش ونشا في بلاد الكفر، وأنه لا يعذر ما عدا ذلك في اسم الكفر أما اسم الشرك لمن يفعله فلا يعذر أحدا لا الثلاثة ولاغيرهم
ويتضح أيضاً أن النصوص التي يفهم منها عدم التكفير أنها تحمل على أنه لم تبلغه الحجة ولكي يتضح الأمر أكثر فأكثر،
ننقل كلام الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن وهو من أحفاد الشيخ، حيث تعرّض الشيخ إسحاق لهذه القضية في كتابه (تكفير المعين) ص16، ولا غريب فإن أولى الناس أن يفهموا كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب هم طلابه وأحفاده وهم يدركون علم الشيخ أكثر من غيرهم، فقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بعد كلام: " فنذكر من ذلك شيئاً يسيراً لأن المسألة وِفَاقِيَّةٌ، والمقام مقام اختصار. فلنذكر من كلامه ما ينبهك على الشبهة التي استدل بها من ذكرنا في الذي يعبد قبة الكواز وأن الشيخ توقف في تكفيره، (لاحظ التوقف في اسم التكفير أما كونه مشركا فلم يتوقف الشيخ فيه لأنه سماه يعبد قبة كذا وكذا ولايمكن أن يعبد غير الله ويُسمى مسلما أبدا لأن الإسلام والشرك ضدان لا يجتمعان)، ونذكر أولاً مساق الجواب، وما الذي سيق لأجله وهو أن الشيخ محمداً رحمه اللَّه ومن حكى عنه هذه القصة يذكرون ذلك معذرة له عمّا يدعيه خصومه عليه من تكفير المسلمين، (والشيخ لا يكفر المسلمين لأن كلمة مسلمون كلمة عامة وفيهم من لم تقم عليه الحجة في استحقاق اسم الكفر) وإلا فهي نفسها دعوى لا تصلح أن تكون حجة بل تحتاج لدليل وشاهد من القرآن والسنة ... " إلخ. ثم قال في ص19: " وتوقفه رحمه اللَّه -أي توقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب- في بعض الأجوبة يُحمل على أنه لأمر من الأمور، وأيضاً فإنه كما ترى توقف مرة كما في قوله: (وأمَّا من أخلد إلى الأرض فلا أدري ما حاله) فياللَّه العجب كيف يترك قول الشيخ في جميع المواضع مع دليل الكتاب والسنة وأقوال ابن تيمية وابن القيم، كما في قوله: من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة" ويقبل في موضع واحد مع الإجمال ... " انتهى.
ومن كلام الشيخ إسحاق يمكن أن نستخلص أمورا:
الأمر الأول: أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إذا نفى أنه يكفر عبّاد القبور فإنه يقصد بذلك نفي العموم، لان فيهم من لم تقم عليه الحجة مثل الثلاثة فلا يسميهم كفارا لكن اسم الشرك والمشركين يلحقهم لانهم يفعلونه ويصدق عليهم فمن عبد القبور عموما يطلق عليه بالعموم مشرك ولا يُستثنى أحد أما اسم الكفر ففيه تفصيل بالنسبة لعباد القبور حسب قيام الحجة،فالشيخ دقيق في هذه الأسماء ويفرق بينهما باعتبار الحجة كما سوف يأتي أن شاء الله مزيد إيضاح في كلام طلابه صريحا خصوصا كلام الملازمين له،
بمعنى أنه ليس كل فرد عبد القبور يكفر لكن كل فرد عبد القبور يُسمى مشركا بل هناك ثلاثة أفراد يعبدون القبور ولا يكفرون لعدم قيام الحجة لكن ليسوا مسلمين، وهو حديث عهد، ومن عاش ونشأ في البادية، ومن عاش ونشأ في بلاد كفر، وإذا كفّر كل فرد يعبد القبور فسوف يُدخل هؤلاء الثلاثة، وفي هذا الإطار يجب أن يفهم كلامه،
الأمر الثاني أن توقف الشيخ في اسم الكفر لا الشرك في بعض المواضع لأمر ما، لكن ليس هو الأصل.
الفصل الخامس
الإجابة عن الرسائل والنصوص التي احتج بها من لم يفهم كلام الشيخ محمد بن
عبد الوهاب وهى: (سوف نجعل التعليق إن شاء الله بين قوسين أثناء الكلام)
(يُتْبَعُ)
(/)
1ـ النص الأول:
رسالة أرسلها إلى الشريف وهي موجودة في كتاب (تاريخ نجد) تحقيق وتهذيب ناصر الدين الأسد ص407، ط: دار الشروق.
وهذه الرسالة استغرقت صفحتين ونصف في مقدمتها قال الشيخ: " سألني الشريف عمّا نقاتل عليه وعمّا نكفر به الرجل، (لاحظ أن السؤال عن التكفير والقتال) فأجبته: .... " ثم ذكر من يكفره الشيخ وهم أربعة (يأتي في آخر الرسالة سبب التكفير)، ثم بعد ذلك انتقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الرد على شبهةٍ أُثيرت ضده، وهو أنه يكفر بالعموم فألحق هذه المسألة في نفس الرسالة فقال: " وأمَّا الكذب والبهتان فمثل قولهم إنا نكفر بالعموم (لأن التكفير مرتبط بالحجة ولا يُعلم هل الجميع قامت عليهم الحجة أم لا) ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين اللَّه ورسوله، وإن كنا لا نكفر (لاحظ أن النفي للتكفير والقتل له، أما كونه مشركا فنعم لأنه يعبد غير الله لذا قال يعبد الصنم الذي على القبر ومن عبد الصنم لا يُسمى مسلما) من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم (فالجهل مانع من التكفير والقتل والتعذيب لكن ليس مانعا من لحوق اسم الشرك لهؤلاء لأنه سماهم عُبّاد غير الله) فكيف نكفر من لم يشرك باللَّه إذا لم يهاجر إلينا ولم يَكفر ويقاتل، سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نكفر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادتهم لله ورسوله، (لانهم عرفوا،ومن حاد وعاند فقد قامت عليه الحجة فيستحق اسم الكفر) فرحم اللَّه امرأ نظر لنفسه وعرف أنه ملاق اللَّه الذي عنده الجنة والنار، وصلى اللَّه على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... " انتهى بحروفه.
والشاهد من قوله: " وإن كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم ". (ونفي التكفير ليس معناه إعطاء اسم (مسلم) أو تسميته مسلما بل هو مشرك جاهل)
النص الثاني:
رسالة قديمة أرسلها وهو في العيينة وكانت في أول الدعوة إلى السويدي العراقي واسمه عبد الرحمن بن عبد اللَّه، وهو أحد علماء أهل العراق، موجودة في تاريخ نجد ص320
وهي رسالة رد بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب على بعض تساؤلات السويدي، وكان السويدي سأل الشيخ عمّا يقول فيه الناس حيث أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يُتهم بتهم منها أنه يكفر جميع الناس (سبق أن تكلمنا عن هذا التعميم في الرسالة التي قبلها)، فرد الشيخ على هذه التهمة وقال ما نصه: " منها - أي من التهم التي أتهم بها الشيخ محمد وأنكرها- ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة ويا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل؟ هل يقول هذا مسلم أو كافر؟ أو عارف أو مجنون؟ ". ثم رد على تهمة هدم قبة النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومسألة إحراق كتاب (دلائل الخيرات)، ثم عاد للرد على تهمة التكفير بالعموم فقال: " وأمَّا التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفره (لاحظ لأنه عرف وجحد فاستحق اسم الكفر لان الكفر هو الجحود وهذا جحد)، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك ... " انتهى. (أي ليسوا جاحدين بل أكثرهم إما جهال أو متأولين ولكن لا ينفعهم ذلك في باب الشرك) فقوله: " فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه "، وهذه صفة المعاند، وهذه الرسالة - رسالة السويدي - ذُكرت في كتاب مصباح الظلام في ص43،
النص الثالث:
رسالة أرسلها إلى محمد بن عيد - أحد علماء مدينة ثر مدا - وهي موجودة في تاريخ نجد ص263، وهي رسالة طويلة استغرقت سبع صفحات وهي رسالة جوابية رد بها الشيخ على رسالة لمحمد بن عيد.
ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بدايتها أنه عُرف بأربع مسائل وسرد المسائل الأربعة وهي:
1 - أنه بيّن التوحيد.
2 - بيان الشرك.
3 - أنه يكفر من بان له التوحيد. (لاحظ كلمة بان له أي أنه لا يكفر إلا من عرف وبان له لأن التكفير مرتبط بالحجة ولم يقل أنه ليس مشركا إذا فَعَل الشرك،فالشرك لا يرتبط بكلمة ـ بان له ـ)،
(يُتْبَعُ)
(/)
4 - أنه يأمر بقتال من بان له التوحيد (لاحظ وأيضا القتل والقتال مرتبط بالحجة) والشاهد من ذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما قال أنه يكفر من بان له التوحيد قال ما نصه: " والثالثة: تكفير من بان له أن التوحيد هو دين اللَّه ورسوله ثم أبغضه، ونفّر الناس عنه وجاهد من صدق الرسول فيه ومن عرف الشرك، وأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بُعث لإنكاره وأقر بذلك ليلاً ونهاراً ثم مدحه وحسّنه للناس وزعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم، وأمَّا ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين اللَّه ورسوله ... "انتهى.
فيُلاحظ من كلام الشيخ خصوصاً السطر الأخير وبالتحديد قوله: " أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة " (فالجاهل الذي لم تقم عليه الحجة (فاعل الشرك) لا يكفر ولكن لا يسمى مسلما ولا موحدا وفرق بين مسمى الكفر ومتعلقاته وبين مسمى الشرك ومتعلقاته وكما قال ابن تيمية إن الله فرق بين أسماء وأحكام بين ما قبل الرسالة وما بعدها،الفتاوى 20/-37 - 38)
النص الرابع:
ما ذكره عنه بعض تلامذته، فقد ذكر عنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في كتابه مصباح الظلام ص324، حيث تكلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقال: " إنه لم يكفر (لاحظ النفي للتكفير فقط) إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليل حتى أنه رحمه اللَّه توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه (ومع أنه لم يكفره فقد سماه عابدا للقبر،ولا يمكن أن يكون عابدا لغير الله ويُسمى مسلما لأن الإسلام والشرك ضدان لا يجتمعان)،
وفي كتاب منهاج التأسيس ص187 قال الشيخ عبد اللطيف: " كان شيخنا يُقرر في مجالسه ورسائله أنه لا يكفر إلا من عرف دين الرسول وبعد معرفته تبين في عداوته. وتارة يقول إذا كنا لا نكفر من يعبد قبة الكواز، ويقول -أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب- في بعضها: وأمَّا من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حاله ".
وقال -أي الشيخ عبد اللطيف-: " حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير اللَّه من أهل القبور أو غيرهم، إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها .. (لاحظ أولا أن النفي للتكفير، ثم لاحظ أنه قال في هؤلاء الذين نفى عنهم التكفير أنه قال عنهم يعبد قبة كذا أو يدعو غير الله من أهل القبور فهل يُعقل أن يعبدوا غير الله ويُسميهم مسلمين؟؟)
واما من أخلد إلى الأرض فلم يسمه كافرا ولا مسلما وتوقف فيه لكن أيضا يسميه مشركا لأنه عبد غير الله فاسم الشرك يصدق عليه ويتناوله)،
والخلاصة في كلام الشيخ محمد:
1 ـ أنه لم يُسمِ أي واحد ممن عبد غير الله مسلما أبدا،
2 ـ أنه نفى مسمى الكفر والقتل فقط لاغير،
3ـ أنه وصفهم بأنهم يعبدون غير الله ويدعون غيره، فأثبت لهم صفة المشرك لكن الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة وإن وصفه بكونه مشركا وعابدا لغير الله فلا يسميه ويصفه بالكفر إلا بعد قيام الحجة 0
يليه الفصل السادس وبقية التتمة ...
ـ[أحمد الغزي]ــــــــ[07 - Jun-2008, مساء 10:05]ـ
الفصل السادس نقولات توضيحية من كلام طلاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
أولا المباشرين له الملازمين له (وفيه أحد عشر نقلا ونصا):
7ـ عن أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحمد بن ناصر قالوا في الدرر 10/ 136 - 138 لما سئلوا أن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا جهلا منه بذلك فلا تكفرونه حتى تقوم عليه الحجة الرسالية فهل لو قتل من هذا حالة قبل ظهورهذه الدعوة موضوع أولا؟
فأجابوا قائلين إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله أو عدم من ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة ولكن لا نحكم بأنه مسلم بل نقول عمله هذا كفر يبيح المال والدم وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص لعدم قيام الحجة عليه ولا يقال إن لم يكن كافرا فهو مسلم بل نقول: عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة الرسالية وقد ذكر أهل العلم: أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات ولم يجعلوا حكمه حكم الكفار ولا حكم الأبرار، الدرر10/ 137،
(يُتْبَعُ)
(/)
8ـ قال الشيخ حسين وعبد الله أبناء محمد بن عبد الوهاب في الدرر السنية 10/ 142 في من مات قبل هذه الدعوة ولم يدرك الإسلام وهذه الأفعال التي يفعلها الناس اليوم ولم تقم عليه الحجة ما الحكم فيه؟،
فأجابا أن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفا بفعل الشرك ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهرة أنه مات على الكفر ولا يدعى له ولا يضحى له ولا يتصدق عليه أما حقيقة أمره فإلى الله تعالى فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله تعالى.
(هنا أجازوا كونه في الظاهر على الكفر)
9ـ وقال الشيخ عبد العزيز قاضي الدرعية في الرسائل والمسائل النجدية 5/ 576 قال في جواب له لما سئل عن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا جهلا منه بذلك فلا تكفرونه حتى تقوم عليه الحجة؟
فقال إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله ولعدم من ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة ولكن لا نحكم بأنه مسلم، بل نقول عمله هذا كفر يبيح المال والدم وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص لعدم قيام الحجة عليه ولا يقال إن لم يكن كافرا فهو مسلم بل نقول عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة الرسالية إليه وقد ذكر أهل العلم أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات ولم يجعلوا حكمهم حكم الكفار ولا حكم الأبرار.
10 - أما الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فله كتاب مستقل في ذلك وهو كتاب الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة وهي في الدرر 10/ 149 في ذكر كلام العلماء المجتهدين أصحاب المذاهب الأربعة فيما يكفر به المسلم ويرتد وأنهم أول ما يبدون في باب حكم المرتد بالكلام في الشرك الأكبر وتكفيرهم لأهله وعدم عذرهم بالجهل،
فذكر كلام الشافعية وذكر منهم ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في الكبيرة الأولى ونص على عدم العذر بالجهل في قوله بيان الشرك وذكر جملة من أنواعه لكثرة وقوعها في الناس وعلى السنة العامة من غير أن يعلموا (أي جهال) أنها كذلك ونقل كلام النووي في شرح مسلم في الذبح لغير الله تعظيما أنه شرك وصار بالذبح مرتدا (وهذا تعيين لأن المنع من الذبيحة لمعين بها)، ونقل كلام أبي شامة في الباعث،
ونقل كلام صاحب كتاب تبين المحارم في باب الكفر وذكر أنواع من الشرك الأكبر منها من سجد لغير الله أو أشرك بعبادته شيئا من خلقه أنه كفر بالإجماع ويقتل إن أصر على ذلك،ونقل كلام الشيخ قاسم في شرح الدرر فيمن دعاء غير الله أو نذر له وأنه كفر، ومن كلام المالكية نقل كلام أبي بكر الطرطوشي وصرح أن الذي يفعل في زمانه من العمد إلى الشجر ونحوه أنه مثل فعل المشركين،
ثم ذكر كلام الحنابلة، فذكر كلام ابن عقيل في تكفيره من عظم القبور وخاطب الموتى بالحوائج أنهم كفار بذلك، ونقل كلام ابن تيمية وابن القيم ووالده وأطال في ذلك في تكفير من أشرك بالله وعدم عذره بالجهل، اهـ ملخصا
11ـ وقال أيضا في الرسائل والمسائل القسم الأول من الجزء الأول (ص79) قال أما من مات وهو يفعل الشرك جهلا لا عناد فهذا نكل أمره إلى الله تعالى ولا ينبغي الدعاء له والترحم عليه والاستغفار له وذلك لأن كثيرا من العلماء يقولون من بلغه القرآن فقد قامة عليه الحجة كما قال تعالى (لأنذركم به ومن بلغ)
وقد قال قبل ذلك ولكن في أزمنة الفترات وغلبة الجهل لا يكفر الشخص المعين بذلك حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ويبين له ويعرف أن هذا هو الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله فإذا بلغته الحجة وتليت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ثم أصر على شركه فهو كافر بخلاف من فعل ذلك جهالة منه ولم ينبه على ذلك فالجاهل فعله كفر ولكن لا يحكم بكفره إلا بعد بلوغ الحجة فإذا قامت عليه الحجة ثم أصر على شركه فقد كفر ولو كان يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلى ويزكي ويؤمن بالأصول الستة .. وراجع الدرر 10/ 274
(يُتْبَعُ)
(/)
12ـ وقال أيضا الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرسائل والمسائل القسم الأول من الجزء الأول ص201، قال لما سئل عن من حلف بغير الله جهلا منه أنه شرك لا عنادا ولا معتقدا أن عظمته تساوي عظمة الله فقال الظاهر أن الذي يجهل مثل ذلك يعذر بالجهل لأن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغ الرسالة إلى أن قال وكذلك إذا فعل شيئا من الشرك غير الحلف جهلا منه وخطأ فإذا نبه على ذلك تنبه وتاب ونزع كما جرى لقوم موسى عليه السلام وكما جرى للصحابة الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أجعل لنا ذات أنواط وأما من يفعل ذلك جهلا لا عنادا وماتوا عليه قبل أن يبلغهم أنه شرك هل يحكم بإسلامهم ويرجى لهم العفو من الله والمغفرة وينفعهم استغفار الأحياء لهم؟ فهذه المسألة أحسن الأجوبة فيها أن يقال الله أعلم بهم كما قال موسى عليه السلام لما قيل له (فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى).
13 ـ ونقل عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الدرر 10/ 274 إن سؤال الميت والاستغاثة به في قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله واتفقت الكتب الإلهية والدعوات النبوية على تحريمه وتكفير فاعله والبراءة منه ومعاداته لكن زمن الفترات لا يكفر الشخص المعين بذلك حتى تقوم عليه الحجة الرسالة ويبين له ويعرف أن هذا هو الشرك الأكبر فان أصر على شركه فهو كافر) باختصار،
14 - قال الشيخ حمد بن ناصر (في الدرر 10/ 336) وأما من كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين فهذا ظاهره الكفر وإن كان يحتمل انه لم تقم على الحجة الرسالية لجهله وعدم من ينبهه لأنا نحكم على الظاهر وأما الحكم على الباطن فذلك إلى الله والله تعالى لا يعذب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه كما قال تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وأما من مات منهم مجهول الحال فهذا لا نتعرض له ولا نحكم بكفره ولا بإسلامه وليس ذلك مما كلفنا به (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون)
15 ـ وقال أيضا في الدرر 11/ 75 - 77 قال إذا تقرر هذا فنقول إن هؤلاء الذين ماتوا قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية وظاهر حالهم الشرك لا نتعرض لهم ولا نحكم بكفرهم ولا بإسلامهم.فتاوى الأئمة النجدية 3/ 99.
16ـ واعتبر الشيخ حمد بن ناصر أن الرافضة كفار أصليين ولا يُعذرون بالجهل، (الدرر 10/ 335)،
نقولات من كلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن
(وهو من الطلاب الذين درسوا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب مباشرة في أول طلبه للعلم في آخر حياة جده)
وله كتب مستقلة في هذا الباب،فقد عاصر من أثار شبة أن الجهل عذر في الشرك الأكبر أمثال داود بن جرجيس،وعثمان بن منصور وأمثالهم كما سوف يأتي إن شاء الله وله رسائل خاصة وعامة في هذا الباب،
17 ـ فمن كتبه في ذلك:كتاب القول الفصل النفيس في الرد على داود بن جرجيس، و أحيانا يُسمى تأسيس التقديس،
18 ـ كتاب المورد العذب في كشف شبه أهل الضلال (الدرر9/ 128،109ط دار الإفتاء)
19 ـ كتاب إرشاد طالب الهدى في الدرر 8/ 204،
20ـ الرد على ابن منصور في الدرر 9/،،200،194،187
21ـ رسالة في الرد على شبه من الأحساء في الدرر 9/ 151،135ط دار الإفتاء،
22ـ رسالة في شرح أصل الإسلام وقاعدته في مجموعة التوحيد،
23ـ رسالة في التحذير من التكفير في الدرر 9/ 179،163ط دار الإفتاء،
24 ـ قال (في فتاوى الأئمة النجدية 3/ 155) والمقصود: بيان ما كان عليه شيخ الإسلام وإخوانه من أهل السنة والجماعة من إنكار الشرك الأكبر الواقع في زمانهم وذكرهم الأدلة من الكتاب والسنة على كفر من فعل هذا الشرك أو اعتقده فإنه بحمد الله يهدم ما بناه (هذا الجاهل المفتري) على شفا جرف هار.
25 ـ وقال 3/ 162 في جواب لأبن تيمية في الفتاوى المصرية في الفلاسفة بعد ما ذكر ما هم عليه قال فهم أكفر من اليهود ومن النصارى، فعلّق على فتواه فقال ولم يقل شيخ الإسلام أنهم يعذرون بالجهل بل كفرهم وقال أنهم ارتدوا، قال ومن أضمره فهو منافق لا يستتاب عند أكثر العلماء.
26 ـ وقال ويقال وكل كافر قد أخطأ والمشركون لا بد لهم من تأويلات ويعتقدون أن شركهم بالصالحين تعظيم لهم ينفعهم ويدفع عنهم فلم يعذروا بذلك الخطأ ولا بذلك التأويل، فتاوى الأئمة النجدية3/ 168.
(يُتْبَعُ)
(/)
27 ـ ونقل عن ابن القيم في طبقات الناس في الطبقة السابعة عشر طبقة المقلدين وجهال الكفار وأتباعهم قال اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لا يحكم لهؤلاء بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مامن مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ولم يعتبر في ذلك غير المربى والمنشأ على ما عليه الأبوان (وقال فما لم يأت العبد بهذا أي التوحيد فليس بمسلم وإن لم يكن كافرا معاند ا فهو كافر جاهل،قاله في مقلدي الكفار)، فتاوى الأئمة النجدية3/ 170 0
نقولات من كلام الشيخ عبد الله ابا بطين:
وله كتب في عدم العذر في الشرك الأكبر بالجهل،
28ـ ومن كتبه المستقلة في ذلك كتاب الانتصار وهو من أهم الكتب في ذلك وقد رد فيه على داود بن جرجيس وأذنابه في ذلك،
29ـ وله رسائل في تكفير المعين في الشرك الأكبر وعدم عذره بالجهل منها رسالة في الدرر 10/ 360 في تكفير المعين وعدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر،
30 ـ وله رسالة أيضا أرسلها إلى إبراهيم بن عجلان في هذا الموضوع وهو عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر وهي في الدرر 10/ 376 0
31ـ وقال الشيخ أبا بطين أيضا في الدرر السنية 10/ 352 فلا عذر لأحد بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في عدم الإيمان به وبما جاء به بكونه لم يفهم حجج الله،
32ـ ونقل عن ابن تيمية في الدرر السنية 10/ 355 أنه لم يتوقف في الجاهل،
33ـ وقال إن من لم يكفر إلا المعاند إذا ارتكب كفرا فهذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة، في الدرر السنية 10/ 359،
34ـ وقال في الدرر السنية 12/ 69 - 70 وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو شك في كفرهم ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال.
35 - ونقل الشيخ أبا بطين في مجموعة الرسائل والمسائل 1/ 660، عن القاضي عياض في كتابه الشفاء في فصل بيان ما هو من المقالات كفر إلى أن قال أن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة غير الله أو مع الله فهي كفر إلى أن قال والذين أشركوا بعبادة الأوثان أو أحد الملائكة أو الشياطين أو الشمس أو النجوم أو النار أو أحد غير الله من مشركي العرب أو أهل الهند أو السودان أو غيرهم إلى أن قال أو أن ثم للعالم صانعا سوى الله أو مدبرا فذلك كله كفر بإجماع المسلمين) فانظر حكاية إجماع المسلمين على كفر من عبد غير الله من الملائكة وغيرهم.
36 - وقال الشيخ أبا بطين في الدرر السنية 12/ 72 - 73، وفي مجموعة الرسائل 1/ 659 قال فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولا أو مجتهدا أو مخطئا أو مقلدا أو جاهلا معذور مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك مع أنه لا بد أن ينقض أصله فلو طرد أصله كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.
37 - وقال أيضا في الدرر 10/ 359 قال فكيف يقول هذا (أي الذي يعذر بالجهل في نواقض التوحيد) في من يشك في وجود الرب سبحانه وتعالى أو في وحدانيته أو يشك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو في البعث بعد الموت فإن طرد أصله في ذلك فهو كافر بلا شك كما قرره موفق الدين أي ابن قدامة في كلامه المتقدم وإن لم يطرد أصله في ذلك فلم لا يعذر بالشك في هذه الأشياء وعذر فاعل الشرك الأكبر المناقض لشهادة إلا إله إلا الله التي هي أصل دين الإسلام بجهله فهذا تناقض ظاهر.
38 - قال أبا بطين في الرسائل والمسائل 2/ 211 - 213 قال أما حكم من مات في زمان الفترات ولم تبلغه دعوة رسول فإن الله سبحانه أعلم بهم واسم الفترة لا يختص بأمة دون أمة كما قال الإمام أحمد في خطبة على الزنادقة والجهمية: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، ويروى هذا الفظ عن عمر)
(يُتْبَعُ)
(/)
ونقل أبا بطين عن ابن القيم الطبقة الرابعة عشر: قوم لا طاعة لهم ولا معصية ولا كفر ولا إيمان قال وهؤلاء أصناف منهم من لم تبلغه الدعوة بحال ولا سمع لها بخبر ومنهم المجنون الذي لا يعقل شيئا ومنهم الأصم الذي لا يسمع شيئا ومنهم أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميزوا فاختلفت الأمة في حكم هذا الطبقة وأختار هو ما اختار شيخه ابن تيميه أنهم يكلفون يوم القيامة ونقل ابابطين عن ابن كثير إن القول بالامتحان إن هذا القول حكاة الأشعري عن أهل السنة.
39ـ وقال أبا بطين في رسالة الانتصار ص11 وأرسل الله جميع الرسل يدعون إلى التوحيد ومعرفة ضده وهو الشرك الذي لا يغفر ولا عذر لمكلف في الجهل بذلك اهـ
40ـ وقال وأول شئ يبدأ به العلماء في باب حكم المرتد الشرك يقولون من أشرك بالله كفر لأن الشرك عندهم أعظم أنواع الكفر ولم يقولوا إن كان مثله لا يجهله35 كما قالوا فيما دونه اهـ.
41 ـ ونقل ابا بطين في الدرر 10/ 392 عن ابن جرير عند تفسير قولة تعالى (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) قال ابن جرير وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور اهـ
42ـ وقال ابا بطين في الدرر السنية 10/ 393 لما نقل حديث عدي ابن حاتم ما عبدناهم وقال صلى الله عليه وسلم (أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه .. الحديث) قال أبا بطين فذمهم الله سبحانه وسماهم مشركين مع كونهم لم يعلموا أن فعلهم معهم هذا عبادة لهم فلم يعذروا بالجهل اهـ.
43 ـ وقال لما نقل كلام ابن تيميه الإجماع على أن من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم فيسألهم أنه كافر مشرك يتناول الجاهل37 وغيره اهـ. وانظر الدرر ايضا 10/ 355
44 - وقال أبا بطين في الدرر 12/ 69 - 74، وأيضا 10/ 365) قال فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورا لجهلة فمن الذي لا يعذر ولازم هذه الدعوة أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند مع أن صاحب هذه الدعوة لا يمكنه طرد أصلة بل لا بد أن يتناقض فإنه لا يمكن أن يتوقف في من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو شك في البعث أو غير ذلك من أصول الدين والشاك جاهل وقال ولازم هذا أن لا نكفر جهلة اليهود والنصارى والذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم ولا الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار لأنا نقطع أنهم جهال وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو شك في كفرهم ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال.
45 – وقال الشيخ أبا بطين في الدرر السنية (10/ 394، 395) قال: وقولك حتى تقوم عليهم الحجة الرسالية من إمام أو نائبه معناه أن الحجة الإسلامية لا تقبل إلا من إمام أو نائبة وهذا خطأ فاحش لم يقله أحد من العلماء بل الواجب على كل أحد قبول الحق ممن قاله كائنا من كان ومقتضى هذا أن من ارتكب أمرا محرما شركا فما دونه بجهل وبين له من عنده علم بأدلة الشرع أن ما ارتكبه حرام وبين له دليله من الكتاب والسنة أنه لا يلزمه قبوله إلا أن يكون ذلك من إمام أو نائبه وأن حجة الله لا تقوم عليه إلا أن يكون ذلك من الإمام أو نائبه وأظنك سمعت هذا الكلام من بعض المبطلين وقلدته فيه ما فطنت لعيبه وإنما وظيفة الإمام أو نائبه إقامة الحدود واستتابة من حكم الشرع بقتله كالمرتد في بلاد الإسلام وأظن هذه العبارة مأخوذة من قول بعض الفقهاء في تارك الصلاة أنه لا يقتل حتى يدعوه الإمام أو نائبه إلى فعلها والدعاء إلى فعل شيء غير بيان الحجة على خطئه أو صوابه أو كونه حقا أو باطلا بأدلة الشرع فالعالم مثلا يقيم الأدلة الشرعية على وجوب قتل تارك الصلاة ثم الإمام أو نائبه يدعوه إلى فعلها ويستتيبه اهـ.
46 – وقال الشيخ أبا بطين في مجموعة الرسائل والمسائل، 1/ 657، (في رسالة له في تكفير المعين الذي أشرك بالله ولو جاهلا) قال: فالأمر الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع العلماء على أن مثل الشرك بعبادة الله غيره سبحانه كفر فمن ارتكب شيئا من هذا النوع أو حسنه فهذا لا شك في كفره ولا بأس بمن تحققت منه أشياء من ذلك أن تقول كفر فلان بهذا الفعل ويبين هذا أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتدا كافرا ويستفتحون هذا الباب بقولهم: من أشرك بالله فقد كفر وحكمه أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، والاستتابة إنما تكون مع معين،
(يُتْبَعُ)
(/)
47ـ وقال فيها أيضا: وكلام العلماء في تكفير المعين كثير وأعظم أنواع هذا الشرك عبادة غير الله وهو كفر بإجماع المسلمين ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك لأن من زنا قيل فلان زان ومن رابا قيل فلان رابا. اهـ وانظر مجموعة المسائل 1/ 657
48ـ وقال الشيخ أبا بطين في الدرر10/ 401 قال: نقول في تكفير المعين ظاهر الآيات والأحاديث وكلام جمهور العلماء يدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) وقال تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وهذا عام في كل واحد من المشركين، وجميع العلماء في كتب الفقه يذكرون حكم المرتد وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة الشرك فقالوا: إن من أشرك بالله كفر ولم يستثنوا الجاهل، ومن زعم لله صاحبه أو ولدا كفر ولم يستثنوا الجاهل، ومن قذف عائشة كفر، ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه كفر إجماعا لقوله تعالى (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) ويذكرون أنواعا كثيرة مجمعا على كفر صاحبها ولم يفرقوا بين المعين وغيره ثم يقولون: فمن ارتد عن الإسلام قتل بعد الاستتابة، فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته، فالاستتابة بعد الحكم بالردة والاستتابة إنما تكون لمعين ويذكرون في هذا الباب حكم من جحد وجوب واحدة من العبادات الخمس أو استحل شيئا من المحرمات كالخمر والخنزير ونحو ذلك أو شك فيه يكفر إذا كان مثله لا يجهله ولم يقولوا ذلك في الشرك ونحوه مما ذكرنا بعضه بل أطلقوا كفره ولم يقيدوه بالجهل ولا فرقوا بين المعين وغيره وكما ذكرنا أن الاستتابة إنما تكون لمعين، وهل يجوز لمسلم أن يشك في كفر من قال إن لله صاحبة أو ولدا أو إن جبريل غلط في الرسالة أو ينكر البعث بعد الموت أو ينكر أحدا من الأنبياء؟ وهل يفرق مسلم بين المعين وغيره في ذلك ونحوه وقد قال صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه، وهذا يعم المعين وغيره، وأعظم أنواع تبديل الدين الشرك بالله وعبادة غيره .. إلى أن قال ونحن نعلم أن من فعل ذلك (الشرك) ممن ينتسب للإسلام أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد وأنه من الشرك الذي حرم الله لم يقدموا عليه، فكفرهم جميع العلماء ولم يعذروهم بالجهل كما يقول بعض الضالين: إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال .. إلى أن قال: وأما قول الشيخ (ابن تيمية): ولكن لغلبة الجهل في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيره .. الخ فهو لم يقل انهم معذورون لكن توقف منه في إطلاق الكفر عليهم قبل التبيين فيجمع بين كلامه بأن يقال: إن مراده إننا إذا سمعنا من إنسان كلام كفر أو وجدناه في كلام بعض الناس المنظوم أو المنثور إننا لا نبادر في تكفير من رأينا منه ذلك أو سمعناه حتى نبين له الحجة الشرعية، هذا مع قولنا إن هؤلاء الغلاة الداعين للمقبورين أو الملائكة أو غيرهم الراغبين إليهم بقضاء حوائجهم مشركون كفار.
49 – وقال أبا بطين في الدرر (10/ 360، 375) قال: إن قول الشيخ تقي الدين: إن التكفير والقتل موقوف على بلوغ الحجة يدل من كلامه على أن هذين الأمرين وهما التكفير والقتل ليسا موقوفين على فهم الحجة مطلقا بل على بلوغها ففهمها شيء وبلوغها شيء آخر، فلو كان هذا الحكم موقوفا على فهم الحجة لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة، وهذا بين البطلان بل آخر كلامه رحمه الله يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفى على كثير من الناس وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة كالجهل ببعض الصفات
وأما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد والإيمان بالرسالة فقد صرح رحمه الله في مواضع كثيرة بكفر أصحابها وقتلهم بعد الاستتابة ولم يعذرهم بالجهل مع أننا نتحقق أن سبب وقوعهم في تلك الأمور إنما هو الجهل بحقيقتها فلو علموا أنها كفر تخرج من الإسلام لم يفعلوها ...
ثم ذكر أمثلة في كل من غلا في نبي أو صالح فجعل فيه نوعا من الألوهية .. إلى أن قال: ونحو هذه الأقوال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل .. ،
(يُتْبَعُ)
(/)
إلى أن قال: فانظر إلى قول ابن تيمية لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقل حتى يتبين لهم ونتحقق منهم المعاندة بعد المعرفة .. إلى أن قال: فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية والأمور الظاهرة فقال في المقالات الخفية التي هي كفر: قد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة فالأمر ظاهر في الفرق بين الأمور الظاهرة والخفية فيكفر بالأمور الظاهرة حكمها مطلقا وبما يصدر منها من مسلم جهله كاستحلال محرم أو فعل أو قول شركي بعد التعريف، ولا يكفر بالأمور الخفية جهلا كالجهل ببعض الصفات فلا يكفر الجاهل بها مطلقا وإن كان بها داعية كقوله للجهمية: انتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال.
وقوله عندي يبين أن عدم تكفيرهم ليس أمرا مجمعا عليه لكنه اختياره، وقوله في هذه المسألة خلاف المشهور في المذهب، فإن الصحيح من المذهب تكفير المجتهد الداعي إلى القول بخلق القران أو نفي الرؤية أو الرفض ونحو ذلك وتفسيق المقلد،
قال المجد: الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها كمن يقول بخلق القران أو أن علم الله مخلوق أو أن أسماءه مخلوقة أو أنه لا يرى في الآخرة أو يسب الصحابة تدينا أو أن الإيمان مجرد اعتقاد وما أشبه ذلك، فمن كان عالما بشيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره نص أحمد على ذلك في مواضع ,. اهـ انظر كيف حكموا بكفرهم مع جهلهم والشيخ رحمه الله يختار عدم كفرهم ويفسقون عنده،
ونحوه قول ابن القيم رحمه الله فإنه قال: وفسق الاعتقاد كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ويحرمون ما حرم الله ويوجبون ما أوجب الله ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله جهلا وتأويلا وتقليدا للشيوخ ويثبتون مالم يثبته الله ورسوله كذلك، وهؤلاء كالخوارج المارقة وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم، وأما غلاة الجهمية فكغلاة الرافضة ليس للطائفتين في الإسلام نصيب ولذلك أخرجهم جماعة من السلف من الثنتين والسبعين فرقة وقالوا: هم مباينون للملة اهـ انتهى كلام ونقل ابا بطين.
قلت: والأقرب التفريق بين زمن ابن تيمية وزمن من قبله من حيث ظهور الحجة وظهور العلم والاختلاف في الاختيارين سببه الاختلاف في الزمانين.وزمن ابن تيمية زمن غلبة جهل وزمن فترة،
نقولات من كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ
وله كتب في هذا الشأن حيث عاصر أناسا يرون العذر بالجهل في الشرك الأكبر
50ـ ومن أعظم كتبه في ذلك كتاب منهاج التأسيس في الرد على داود بن جرجيس
وله رسائل في ذلك موجودة في الدرر، و مجموع الرسائل نذكر منها مقتطفات إن شاء الله 51ـ قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن (أهل العلم والإيمان لا يختلفون في أن من صدر منه قول أو فعل يقتضي كفره أو شركه أو فسقه أنه يحكم عليه بمقتضى ذلك وإن كان يقر بالشهادتين) الرسائل والمسائل 3/ 225،
52– قال الشيخ عبد اللطيف في الدرر السنية (12/ 260، 264) قال: وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد رأى كفرا بواحا كالشرك بالله وعبادة ما سواه والاستهزاء به تعالى أو آياته أو رسله أو تكذيبهم أو كراهية ما أنزل الله من الهدى ودين الحق أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك، فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور مطيع لله ورسوله .. إلى أن قال: والتكفير بترك هذه الأصول وعدم الإيمان بها من أعظم دعائم الدين يعرفه كل من كانت له نهمة في معرفة دين الإسلام ... وقال: وما نقله القاضي عن مالك من حمله الحديث عن الخوارج موافق لإحدى الروايتين عن أحمد في تكفير الخوارج واختارها طائفة من الأصحاب وغيرهم لأنهم كفروا كثيرا من الصحابة واستحلوا دمائهم وأموالهم متقربين بذلك إلى الله فلم يعذروهم بالتأويل الباطل لكن أكثر الفقهاء على عدم كفرهم لتأويلهم وقالوا: من استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل كفر وإن كان استحلالهم ذلك بتأويل كالخوارج لم يكفر.
(يُتْبَعُ)
(/)
53– وقال الشيخ عبد اللطيف في منهاج التأسيس ص 315: إن كلام الشيخين (ابن تيمية وابن القيم) في كل موضع فيه البيان الشافي أن نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها فيما يخفى دليله ولم تقم الحجة على فاعله وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النزاع بين الأمة وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه أو الحكم بأنه من الشرك الأكبر وتقدم عن الشيخ (بن تيمية) أن فاعله يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
54– وقال الشيخ عبد اللطيف في المنهاج (ص 320) قال: وكيف لا يحكم الشيخان (ابن تيمية وابن القيم) على أحد بالكفر أو الشرك وقد حكم به الله ورسوله وكافة أهل العلم وهذان الشيخان يحكمان أن من ارتكب ما يوجب الكفر والردة والشرك يحكم عليه بمقتضى ذلك وبموجب ما اقترف كفرا أو شركا أو فسقا إلا أن يقوم مانع شرعي يمنع من الإطلاق وهذا له صور مخصوصة لا يدخل فيها من عبد صنما أو قبرا أو بشرا أو مدرا لظهور البرهان وقيام الحجة بالرسل اهـ.
نقولات من كلام الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن
55ـ وله رسالة عظيمة اسمها (تكفير المعين) في عدم العذر بالجهل وأنه من البدع المحدثة التفريق بين القول والقائل في الشرك الأكبر،وكل النقل الآتي كله من هذه الرسالة،وقد ابتلي في عصره بطائفة من أهل الاحساء تعذر بالجهل وينتسبون إلى طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فبين أنهم ليسوا على طريقة الشيخ محمد ولا ابن تيمية ولا ابن القيم ولا غيرهم من السلف ونقل أكثر من إجماع في ذلك،
56 - ومن رسالة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في حكم تكفير المعين قال فقد بلغنا وسمعنا من فريق ممن يدعي العلم والدين وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب أن من أشرك بالله وعبد الأوثان لا يطلق عليه الكفر والشرك بعينه وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الأخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبي صلى الله عليه وسلم و استغاث به فقال له الرجل لا تطلق عليه الكفر حتى تعرفه، فتاوى الأئمة النجدية 3/ 116.
57ـ وقال أيضا في كتابه وذلك أن بعض من أشرنا إليه باحثته عن هذه المسألة فقال نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن فيها فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك واعتبر أن هذا القول بدعه ثم قال وذكر الذي حدثني عن هذا أنه سأله بعض الطلبة عن ذلك وعن مستندهم فقال: نكفر النوع ولا نعين الشخص إلا بعد التعريف ومستندنا ما رأيناه في بعض رسائل الشيخ محمد (قدس الله روحه) على أنه امتنع من تكفير من عبد قبة الكواز وعبد القادر من الجهال لعدم من ينبه،قال ذلك إسحاق على وجه الإنكار على هذا القول الباطل،
58ـ وقال ومسألتنا هذه وهي: عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة، وهي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفي دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية: كالصرف والعطف، وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين ولا يدخلون في مسمى الإسلام وهل يبقى مع الشرك عمل.
59ـ وقال (ومن يشرك بالله فقد حبط عمله) إلى غير ذلك من الآيات ولكن هذا المعتقد يلزم منه معتقد قبيح وهو: أن الحجة لم تقم على هذه الأمة بالرسول والقرآن نعوذ بالله من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب والرسول.
60ـ وقال وهذه الشبهة التي ذكرنا قد وقع مثلها أو دونها لأناس في زمن الشيخ محمد رحمه الله ولكن من وقعت له يراها شبهة ويطلب كشفها وأما من ذكرنا فإنهم يجعلونها أصلا ويحكمون على عامة المشركين بالتعريف ويجهّلون من خالفهم فلا يوفقون للصواب
(يُتْبَعُ)
(/)
61ـ وقال فتأمل قوله في: تكفير هؤلاء العلماء وفي كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأنه صريح في كلام ابن القيم رحمه الله وفي حكايته عن صاحب الرسالة وحكم عليه بآية المنافقين وأن هذا حكم عام. وقال ثم تجد كثيرا من رؤسائهم وقعوا في هذه الأنواع: فكانوا مرتدين وكثيرا تارة يرتد عن الإسلام ردة صريحة إلى أن قال: وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في الردة كما صنف: الرازي في عبادة الكواكب وهذه الردة عن الإسلام باتفاق المسلمين (أي ولم يعذره بالتأويل،والتأويل مثل الجهل في الأحكام بل ما أول إلا جاهل)
62ـ وقال ثم تأمل كلام شيخ الإسلام في حكمه عليهم بالكفر وهل قال: لا يكفرون حتى يعرفوا أو لا يسمون: مشركين بل فعلهم شرك كما قال من أشرنا إليه.
63ـ وقال ثم تأمل حكاية الشيخ عن شيخ الإسلام في كلامه على المتكلمين ومن شاكلهم: وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها حتى يعرف لكن يكون ذلك في الأمور الظاهرة إلى أن قال: إن اليهود والنصارى والمشركين يعلمون أن محمدا بعث بها وكفر من خالفها مثل: أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والملائكة ثم تجد كثيرا من رؤسائهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين إلى أن قال الشيخ: فتأمل كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية وبين ما نحن فيه في كفر المعين وتأمل تكفيره رؤسائهم فقف وتأمل كما قال الشيخ. وقال وقد ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى في شرح التوحيد في مواضع منه: أن من تكلم بكلمة التوحيد وصلى وزكى ولكن خالف ذلك بأفعاله وأقواله من دعاء الصالحين والاستغاثة بهم والذبح لهم أنه شبيه باليهود والنصارى في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتهم،
64ـ فعلى هذا يلزم من قال بالتعريف للمشركين: أن يقول بالتعريف باليهود والنصارى في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتها ولا يكفرهم إلا بعد التعريف وهذا ظاهر بالاعتبار جدا.
65ـ وقال أنه سقط السؤال وفرضه في التكفير في المسائل التي وقع فيها نزاع وخلاف بين أهل السنة والجماعة والخوارج والروافض فإنهم كفروا المسلمين وأهل السنة بمخالفتهم فيما ابتدعوه وأصلوه ووضعوه وانتحلوه ما أسقط هذا خوفا من أن يقال دعا أهل القبور وسؤالهم والاستغاثة بهم من هذا الباب ولم يتنازع فيها المسلمون بل هي مجمع على أنها من الشرك المكفر كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيميه وجعلها مما لا خلاف في التكفير بها فلا يصح حمل كلامه هنا على ما جزم هو بأنه كفر مجمع عليه ولو صح حمل هذا العراقي لكان قوله قولا مختلفا وقد نزهه الله وصانه عن هذا فكلامه متفق يشهد بعضه لبعض. وقال فمن اعتقد في بشر أنه إله أو دعا ميتا وطلب منه الرزق والنصر والهداية وتوكل عليه وسجد له فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وقال فبطل استدلال العراقي وانهدم من أصله كيف يجعل النهي عن تكفير المسلمين متناولا لمن يدعو الصالحين ويستغيث بهم مع الله ويصرف لهم من العبادات ما لا يستحق إلا الله وهذا باطل بنصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة. وقال وقد سئل عن مثل هؤلاء الجهال فقرر: أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر بعبادة القبور وأما من أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حاله. وقال وقد سبق من كلامه ما فيه كفاية مع أن العلامة ابن القيم رحمه الله جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته وتأهلوا لذلك وأعرضوا ولم يلتفتوا ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة رسول من الرسل، وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم ـ وسيأتيك كلامه ـ وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن لا إله إلا الله وبقاء الإسلام ومسماة مع بعض ما ذكره الفقهاء في باب حكم المرتد أظهر من بقائه مع عبادة الصالحين ودعائهم اهـ.
(يُتْبَعُ)
(/)
66ـ وقال فتأمل قوله رحمه الله: دعاء القبور وسؤالهم والاستغاثة بهم ليست من هذا الباب ولم يتنازع فيها المسلمون بل مجمع على أنها من الشرك المكفر كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيميه نفسه وجعله مما لا خلاف بالتكفير به. وقال وتفطن أيضا فيما قال الشيخ عبد الطيف فيما نقله عن ابن القيم أن أقل أحوالهم أن يكونوا مثل أهل الفترة الذين هلكوا قبل البعثة ومن لا تبلغه دعوة نبي من الأنبياء إلى أن قال: وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة ألا إله إلا الله اهـ
نقولات من كلام عبد الله وإبراهيم ابناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان:
وقد تكلموا عن ذلك كثيرا وقد عاصروا من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر،واكثر من أبلى بلاء حسنا في ذلك الشيخ سليمان بن سحمان حيث ألف كتبا في ذلك منها:
67 ـ كتاب كشف الشبهتين،
68ـ وكتاب كشف الأوهام والالتباس
69ـ وكتاب تمييز الصدق من المين،وهى ثلاثة كتب عظيمة جدا في هذا الباب بل هي تلخيص لكلام أئمة الدعوة في ذلك وهى توضيح لكلام الإمامين الجليلين ابن تيمية وابن القيم
70ـ قال عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان (وأما الجهمية وعباد القبور فلا يستدل بمثل هذه النصوص على عدم تكفيرهم إلا من لا يعرف حقيقة الإسلام 00وقالوا لأن ما قام به من الشرك يناقض ما تكلم به من كلمة التوحيد)
71 ـ ومسلك هؤلاء الأئمة الثلاثة قياس كفر عباد القبور على تكفير السلف للجهمية وعدم عذر السلف للجهمية في التكفير بالجهل 0الدرر 10/ 432،
72ـ وذكر الشيخ عبد الله وإبراهيم أبناء عبد الطيف وسليمان بن سحمان في الدرر
(10/ 437 - 433) قالوا إن أهل العلم والحديث لم يختلفوا في تكفير الجهمية إلى أن قالوا وقد ذكر شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في غير موضع أن نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها فيما يخفى دليله ولم تقم الحجة على فاعلة وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النزاع بين الأمة وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه والحكم بأنه من الشرك الأكبر فليس في تكفيرهم وتكفير الجهمية قولان.
73 ـ وفي الدرر 10/ 434 فسروا توقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب في من كان على قبة الكواز وعدم تكفير الوثني حتى يدعوهما فإنه لم يكفر الناس ابتداء إلا بعد قيام الحجة والدعوة لأنه إذ ذاك في زمن فترة وعدم علم بآثار الرسالة ولذلك قال لجهلهم وعدم من ينبههم فأما إذا قامت الحجة فلا مانع من تكفيرهم وإن لم يفهموها) اهـ ولاحظ أن الكلام في التكفير، أما نفي الإسلام عنهم فينفيه وإن لم يكفرهم لأنهم يفعلون الشرك واسمه يتناولهم ويصدق عليهم فيلحقهم اسم الشرك،
74ـ وقال الشيخ عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان في الدرر السنية (10/ 432، 435) قالوا: وأما الجهمية وعباد القبور فلا يستدل بمثل هذه النصوص (من صلى صلاتنا ونظائرها من النصوص النبوية) على عدم تكفيره إلا من لم يعرف حقيقة الإسلام وما بعث الله به الرسل الكرام، لأن حقيقة ما جاءوا به ودعوا إليه وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، وإخلاص العمل له وألا يشرك في واجب حقه أحد من خلقه وأن يوصف بما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال فمن خالف ما جاءوا به ونفاه وأبطله فهو كافر ضال وإن قال لا اله إلا الله وزعم أنه مسلم لأن ما قام به من الشرك يناقض ما تكلم به من كلمة التوحيد فلا ينفعه التلفظ بقول لا اله إلا الله لأنه تكلم بما لم يعمل به ولم يعتقد ما دل عليه، وأما قوله: نقول بأن القول كفر ولا نحكم بكفر القائل فإطلاق هذا جهل صرف لأن هذه العبارة لا تنطبق إلا على المعين،
75ـ وقال الشيخ سليمان بن سحمان في كشف الشبهتين ص64 قال إن الشرك الأكبر من عبادة غير الله وصرفها لمن أشركوا به مع الله من الأنبياء والأولياء والصالحين فإن هذا لا يعذر أحد في الجهل به بل معرفته والإيمان به من ضروريات الإسلام،
(يُتْبَعُ)
(/)
76ـ ونقل ابن سحمان عن شيخه الشيخ عبد الطيف في منهاج التأسيس ص102 - 105 قال ولذلك حكم على المعينين من المشركين من جاهلية العرب الأميين لوضوح الأدلة وظهور البراهين وفي حديث بني المنتفق (إذا مررت على قبر دوسي أو قرشي فقل إن محمد يبشرك بالنار) هذا وهم أهل فترة فكيف بمن نشأ من هذه الأمة وهو يسمع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأحكام الفقهية في إيجاب التوحيد والأمر وتحريم الشرك والنهي عنه اهـ
77ـ ونقل عن مشايخه مقررا لهم كما في فتاوى الأئمة النجدية 3/ 195 - 196 (وأما مسألة عبادة القبور ودعائهم مع الله فهي مسألة وفاقية التحريم وإجماعية المنع والتأثيم فلم تدخل في كلام الشيخ (ابن تيميه) لظهور برهانها ووضوح أدلتها وعدم اعتبار الشبهة فيها وقال قد تقدم أن عامة الكفار والمشركين من عهد نوح إلى وقتنا هذا جهلوا وتأولوا وأهل الحلول والاتحاد كابن عربي وابن الفارض والتلمساني وغيرهم من الصوفية تأولوا وعباد القبور والمشركون الذين هم محل النزاع تأولوا إلى أن قال والنصارى تأولت وقال من المعلوم بالضرورة من الدين أن الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان وعلية يستحيل تحت أي شبهة من الشبة أن يكون المشرك مسلما لأن ذلك يؤدي إلى اجتماع النقيضين ووقوع المحال اهـ.
78ـ ونقل الشيخ ابن سحمان في كشف الشبهتين ص92 - عن شيخه عبد اللطيف مقررا له قوله: فلا يعذر أحد في عدم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل، وقد أخبر سبحانه بجهل كثير من الكفار ومع تصريحه بكفرهم ..
79ـ وقال في كشف الشبهتين ص 93 - 94: أما مسألة توحيد الله وإخلاص العبادة له فلم ينازع في وجوبها أحد من أهل الإسلام ولا أهل الأهواء ولا غيرهم، وهي معلومة من الدين بالضرورة، كل من بلغته الرسالة وتصورها على ما هي عليه، وكذلك الجهمية الذين أخرجهم أكثر السلف من الثنتين والسبعين فرقة .. إلى أن قال: فالشخص المعين إذا صدر منه ما يوجب كفره من الأمور التي هي معلومة من ضروريات دين الإسلام مثل: عبادة غير الله سبحانه وتعالى ومثل جحد علو الله على خلقه ونفي صفات كماله ونعوت جلاله الذاتية والفعلية ومسألة علمه بالحوادث والكائنات قبل كونها، فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله رد على من كفر معطلة الذات ومعطلة الربوبية ومعطلة الأسماء والصفات ومعطلة إفراده تعالى بالإلهية والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية ومن قال بالأصلين النور والظلمة، فإن من التزم هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى،
80 ـ وقال في كشف الشبهتين ص 95 إن كلام شيخ الإسلام إنما يعرفه ويدريه من مارس كلامه وعرف أصوله، فإنه قد صرح في غير موضع أن الخطأ قد يغفر لمن لم يبلغه الشرع ولم تقم عليه الحجة في مسائل مخصوصة إذا اتقى الله ما استطاع واجتهد بحسب طاقته، وأين التقوى وأين الاجتهاد الذي يدعيه عباد القبور والداعون للموتى والغائبين والمعطلون للصانع عن علوه على خلقه ونفي أسمائه وصفاته ونعوت جلاله اهـ
81 ـ وقال الشيخ ابن سحمان في كشف الشبهتين ص 79 –80 في ذكر مذهب ابن تيمية في عدم التكفير في المسائل الخفية حتى تقوم الحجة وأما المسائل الظاهرة الجلية المعلومة من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله.
82 ـ وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، قال جامع الفتاوى في الفهرس هل يعذر بالجهل بالتوحيد ثم قال سئل (أي الشيخ محمد بن إبراهيم) ولو كان جاهلا فقال الشيخ:التوحيد ما فيه جهل، هذا ليس مثله يُجهل إنما هذا معرض عن الدين يجهل الإنسان الشمس؟ الفتاوى 12/ 198 0
نقولات من كلام اللجنة الدائمة وغيرها:
(يُتْبَعُ)
(/)
83 ـ في فتوى اللجنة (1/ 220) أجابوا قائلين كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به في الشريعة إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافرا مرتدا عن الإسلام مشركا مع الله غيره في العبادة ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده لإتيانه ما ينقض قوله من سجوده لغير الله لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة ويمهل ثلاثة أيام عذرا إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته ... فالبيان وإقامة الحجة للاعذار إليه قبل إنزال العقوبة به لا ليسمى كافرا بعد البيان فإنه يسمى كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله أو نذره قربه أو ذبحة شاة مثلا لغير الله اهـ
84 - وقال الشيخ ابن باز (رحمه الله) الأمور قسمان قسم يعذر فيه بالجهل وقسم لا يعذر فيه بالجهل فإذا كان من أتى ذلك بين المسلمين وأتى الشرك بالله وعبد غير الله فإنه لا يعذر لأنه مقصر لم يسع ولم يتبصر في دينة فيكون غير معذور في عبادته غير الله. فتاوى ابن باز (ج4/ 26 - 27) 0
85 ـ وهو قول شيخنا الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله ورعاه 0
الفصل السابع
في ذكر دلالة القياس
بعد ذكر الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال أهل العلم على عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر، نذكر ما دل عليه القياس في ذلك وهو نوعان قياس الأولى،وقياس الشبه
أولا: قياس الأولى:
1ـ إجماع الصحابة على كفر مسيلمة وأتباعه بأعيانهم وعدم عذرهم بالجهل لما ادعى أنه شريك للرسول في النبوة،ووجه القياس عدم عذره في هذه المشاركة فكيف بمن ادعى مشاركة الله في عبادته هو وأتباعه،هذا من باب أولى،
2ـ الإجماع على كفر المختار الثقفي وأتباعه لما ادعى المشاركة في النبوة، كما قلنا في مسيلمة وأتباعه، هذا من باب أولى،
3ـ إجماع الصحابة على عدم عذر مانعي الزكاة بالجهل لأنهم منعوا حقا من حقوق لااله إلا الله،فأولى منه من امتنع عن لااله إلا الله التي هي الأصل،
4ـ عدم عذر من نكح امرأة أبيه بالإجماع بالجهل بل لم يُستفسر منه لأن الأمر سيان في ذلك، لأنه غير ملتزم لحقوق لااله إلا الله فكيف بالإله إلا الله،
ثانيا: قياس الشبه:
1ـ أجمع السلف على كفر أهل الحلول والاتحاد، لأنهم ادعوا أن الله قد حل في بعض خلقه تعالى الله عن ذلك،فكذلك يشبهه من ادعى أن الألوهية حلت في الصالحين فعبدهم،
2ـ إجماع السلف على كفر المشبهة الذين شبهوا الله بخلفه في الأسماء أو الصفات فمثله من شبه أحدا من خلق الله بالله في وصف الألوهية له فعبده من دون الله،
3ـ إجماع السلف على كفر الجهمية المعطلة وكفر القدرية منكري ومعطلي صفة العلم لله فيشبهه من عطل صفة الألوهية عن الله وأعطاها بعض خلق الله،
4ـ قياسه قياس شبة على من استهزاء بالله فانه بالإجماع كافر ولا يعذر بجهله والمشرك بإشراكه مستهزئ بالله كما قال السلف قال تعالى (وسبحان الله وما أنا من المشركين)
الفصل الثامن
في اللوازم الباطلة:
يلزم على القول بالعذر بالجهل في الشرك الأكبر لوازم باطلة منها
1ـ يلزم إعذار جهلة اليهود والنصارى وعوامهم،وهذا خلاف الإجماع،
2ـ يلزم إعذار أهل الفترات أو بعضهم لجهلهم وهذا خلاف الإجماع،
3ـ يلزم إعذار جهلة المنافقين وعوامهم وهذا خلاف إجماع السلف
4ـ يلزم إعذار كل من أنكر ربوبية الله جهلا وهذا خلاف إجماع السلف
5ـ يلزم إعذار من أنكر علم الله جهلا أو تأويلا، وهذا خلاف إجماع السلف
6ـ يلزم إعذار من عطل أسماء الله أو صفاته جهلا من الجهمية وهذا خلاف إجماع السلف،
7ـ يلزم على هذا القول أن الحجة لم تقم على أحد من هذه الأمة لا بالرسول ولا بالقرآن
قال الشيخ ابن سحمان في توضيح بطلان اللوازم السابقة قال في كتابه كشف الشبهتين (فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله (أي الشرك الأكبر) رد على من كفر معطلة الذات ومعطلة الربوبية ومعطلة الأسماء والصفات ومعطلة إفراده تعالى بالإلهية والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية ومن قال بالأصلين النور والظلمة، فإن من التزم هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى،اهـ 0
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الفهرس العام
الموضوع الصفحة
المقدمة .............................. .............................. .......... 2
الفصل الأول تاريخ هذه الشبة .............................. ................. 2
الفصل الثاني هل من وقع في الشرك الأكبر يعذر بالجهل؟ .................... 3
الفصل الثالث كلام أهل العلم في مسألة الجهل .............................. .. 4
الفصل الرابع نقولات للشيخ محمد بن عبد الوهاب في عدم العذر بالجهل ....... 7
الفصل الخامس في الاجابة عن الرسائل والنصوص التي احتج بها من لم يفهم كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسالة العذر بالجهل ..................... 16
الفصل السادس نقولات من طلاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الملازمين له
في عدم العذر بالجهل ........................ .............................. .19
نقولات من كلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن في عدم العذر بالجهل .......... 22
نقولات من كلام الشيخ عبد الله ابا بطين في عدم العذر بالجهل ................ 24
نقولات من كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في عدم العذر بالجهل .... 29
نقولات من كلام الشيخ اسحاق بن عبد الرحمن في عدم العذر بالجهل .......... 31
نقولات من كلام الشيخ عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف
والشيخ سليمان بن سحمان في عدم العذر بالجهل ........................ .... 34
نقولات من كلام اللجنة الدائمة وغيرهم في عدم العذر بالجهل ................ 37
الفصل السابع في ذكر دلالة قياس الشبه والاولى في عدم العذر بالجهل ....... 37
الفصل الثامن في اللوازم الباطلة على العذر بالجهل ........................ ... 38
الفهرس العام .............................. .............................. ...................... 40
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو القعقاع]ــــــــ[08 - Jun-2008, مساء 08:20]ـ
الأخ والشيخ الفاضل ابو عمرجزاك الله خيرا على هذا النقل الفريدفقدأجدت في بيان هذه المسألة وهي في حقيقتها مزلة أقدام عند الكثير من طلبة العلم خاصة في هذا الزمن ولذالك تجد كثيرا ممن يتكلم في قضايا التكفير لايتقن هذه القضية وبالتالي يعذرون من لم يعذره الله ورسوله وماذاك إلى بسبب جهلهم في الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة فيحصل الخلط فلايحسنون التفريق كما أنهم لايتقنون تصور المسألة على الوجه الصحيح:ولا أنسى أن أشكر الأخوة المشاركين ولكم كامل التحايا
ـ[صالح العواد]ــــــــ[10 - Jun-2008, صباحاً 05:13]ـ
ما أسمعه من كثير من المشايخ اللذين سألتهم عن هذه المسألة، يقولون أن مسألة العذر بالجهل و قيام الحجة من أغمض المسائل اللتي اختلف فيها حتى أهل السنة، فهناك خلاف حتى بين الشيخين ابن باز و ابن عثيمين فيها رحم الله الجميع، فهذه المسألة إلى الآن تحتاج إلى تحرير و تفتقر إلى نظر و تحقيق .. و الله ولي التوفيق
ـ[أبو عمر]ــــــــ[12 - Jun-2008, مساء 06:11]ـ
ما أسمعه من كثير من المشايخ اللذين سألتهم عن هذه المسألة، يقولون أن مسألة العذر بالجهل و قيام الحجة من أغمض المسائل اللتي اختلف فيها حتى أهل السنة، فهناك خلاف حتى بين الشيخين ابن باز و ابن عثيمين فيها رحم الله الجميع، فهذه المسألة إلى الآن تحتاج إلى تحرير و تفتقر إلى نظر و تحقيق .. و الله ولي التوفيق
الغموض والاختلاف في مسألة العذر بالجهل وقيام الحجة يكون في المسائل الخفية وومسائل الصرف والعطف وفي حالة حديث العهد بالاسلام وليس في أصل الدين والمعلوم من الدين بالضرورة كما هو واضح في رد الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ على من سأله
وهذه الرسالة كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب لبعض تلامذته في الدرعية لمّا كان الشيخ في العيينة في أول دعوته، وتلامذته هم: عيسى بن قاسم، وأحمد بن سويلم، وهي موجودة في تاريخ نجد ص410.
وتعجب الشيخ محمد بن عبد الوهاب كيف يَشُكُّون في تكفير الطواغيت وأتباعهم، وهل قامت عليهم الحجة أم لا؟
وأنكر الشيخ محمد عليهم لما توقفوا في تكفير الطواغيت وأتباعهم لأنهم جهال لم تقم عليهم الحجة فقال ما ذكرت لكم من قول الشيخ (ابن تيميه) كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرّف وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة.
، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة اللَّه مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) ً.
وقيام الحجة وبلوغها نوع، وفهمهم إياها نوع آخر، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها نوع آخر .. "،ثم ذكر أناساً قامت عليهم الحجة لكن لم يفهموها، فذكر الخوارج، وذكر الغالية الذين حرّقهم علي، وذكر غلاة القدرية، ثم قال: " وإذا علمتم ذلك فهذا الذي أنتم فيه، وهو الشك في أناس يعبدون الطواغيت ويعادون دين الإسلام ويزعمون أنه ردة لأجل أنهم ما فهموا ... " انتهى. –
ولو أنك قرأت الرسائل السابقة لعلمت أنه لا خلاف في هذه المسألة طالما أنها في أصل الدين
فجاهل أصل الدين وأصل العقيدة ليس كمن جهل أمو خفي ...
ـ[أبو موسى]ــــــــ[12 - Jun-2008, مساء 08:18]ـ
للفائدة ....
قال الشيخ حمد بن معمر رحمه الله:
فصل
وأما قوله: إن سلمنا هذا القول، و ظهر دليله، فالجاهل معذور ; لأنه لم يدر ما الشرك و الكفر، و من مات قبل البيان فليس بكافر، و حكمه حكم المسلمين في الدنيا و الآخرة ; لأن قصة ذات أنواط، و بني إسرائيل، حين جاوزوا البحر، تدل على ذلك .. إلى آخره.
فالجواب أن يقال: إن الله تعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل،
(يُتْبَعُ)
(/)
فكل من بلغه القرآن ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة قال الله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [سورة الأنعام آية: 19]، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [سورة الإسراء آية: 15].
وقد أجمع العلماء على أن من بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن حجة الله قائمة عليه. ومعلوم بالاضطرار من الدين: أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب ليعبد وحده و لا يشرك معه غيره، فلا يدعى إلا هو، و لا يذبح إلا له، و لا ينذر إلا له، و لا يتوكل إلا عليه، و لا يخاف خوف السر إلا منه.
و القرآن مملوء من هذا، قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن آية: 18]، وقال: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} [سورة الرعد آية: 14]، وقال: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} [سورة يونس آية: 106]، وقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [سورة الكوثر آية: 2]، وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة المائدة آية: 23]، وقال: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [سورة هود آية: 123]، وقال: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [سورة البقرة آية: 40]، وقال: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران آية: 175]، وقال: {وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [سورة التوبة آية: 18]، والآيات الواردة في هذا المعنى كثيرة
والله تعالى: لا يعذب خلقه إلا بعد الإعذار إليهم، فأرسل رسله و أنزل كتبه، لئلا يقولوا: {لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة القصص آية: 47]، وقال: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [سورة طه آية: 134].
و كل من بلغه القرآن فليس بمعذور؛ فإن الأصول الكبار، التي هي أصل دين الإسلام، قد بينها الله تعالى في كتابه، و أوضحها و أقام بها حجته على عباده. و ليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهما جليا، كما يفهمها من هداه الله و وفقه، و انقاد لأمره ; فإن الكفار قد قامت عليهم الحجة من الله تعالى، مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوا كلامه، فقال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} [سورة الأنعام آية: 25].
و قال: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [سورة فصلت آية: 44]، وقال تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [سورة الأعراف آية: 30]، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاًالَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [سورة الكهف آية: 103 - 104].
و الآيات في هذا المعنى كثيرة؛ يخبر سبحانه أنهم لم يفهموا القرآن و لم يفقهوه، و أنه عاقبهم بالأكنة على قلوبهم، و الوقر في آذانهم، و أنه ختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم؛ فلم يعذرهم مع هذا كله؛ بل حكم بكفرهم وأمر بقتالهم، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم بكفرهم ; فهذا يبين لك أن بلوغ الحجة نوع، وفهمها نوع آخر.
..... إذا تقرر هذا، فنقول: إن هؤلاء الذين ماتوا قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية، وظاهر حالهم الشرك، لا نتعرض لهم، و لا نحكم بكفرهم و لا بإسلامهم؛ بل نقول: من بلغته هذه الدعوة المحمدية، وانقاد لها، ووحد الله، وعبده وحده لا شريك له، والتزم شرائع الإسلام، وعمل بما أمره الله به، وتجنب ما نهاه عنه، فهذا من المسلمين الموعودين بالجنة، في كل زمان وفي كل مكان.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما من كانت حاله حال أهل الجاهلية، لا يعرف التوحيد الذي بعث الله رسوله يدعو إليه، ولا الشرك الذي بعث الله رسوله ينهى عنه، ويقاتل عليه، فهذا لا يقال إنه مسلم لجهله؛ بل من كان ظاهر عمله الشرك بالله، فظاهره الكفر، فلا يستغفر له ولا يتصدق عنه، ونكل حاله إلى الله الذي يبلو السرائر، ويعلم ما تخفي الصدور.
ولا نقول: فلان مات كافرا، لأنا نفرق بين المعيّن وغيره، فلا نحكم على معين بكفر، لأنا لا نعلم حقيقة حاله وباطن أمره؛ بل نكل ذلك إلى الله. ولا نسب الأموات؛ بل نقول: أفضوا إلى ما قدموا. وليس هذا من الدين الذي أمرنا الله به؛ بل الذي أمرنا به أن نعبد الله وحده ولا نشرك به، ونقاتل من أبى عن ذلك، بعد ما ندعوه إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أصر وعاند كفّرناه و قاتلناه.).اه
قال ابن حزم (و لا يختلف اثنان من المسلمين في أن مسلما ثقة لو دخل أرض الكفر فدعا قوما إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن وعلمهم الشرائع لكان لازما لهم قبوله، و لكانت الحجة عليهم بذلك قائمة، و كذلك لو بعث الخليفة أو الأمير رسولا إلى ملك من ملوك الكفر، أو إلى أمة من أمم الكفر، يدعوهم إلى الإسلام، و يعلمهم القرآن، و شرائع الدين و لا فرق) (الإحكام) 1/ 112.
و قال أبو بطين رحمه الله (و احتج بعض من يجادل عن المشركين بقصة الذي قد أوصى أهله أن يحرقوه بعد موته، على أن من ارتكب الكفر
جاهلا لا يكفر، و لا يكفر إلا المعاند.
و الجواب عن ذلك كله: أن الله سبحانه و تعالى أرسل رسله مبشرين و منذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل؛ و أعظم ما أرسلوا به و دعوا إليه: عبادة الله وحده لا شريك له، و النهي عن الشرك الذي هو عبادة غيره؛ فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورا بالجهل، فمن الذي لا يعذر؟!
و لازم هذه الدعوى: أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند، مع أن صاحب هذه الدعوى لا يمكنه طرد أصله، بل لا بد أن يتناقض، فإنه لا يمكنه أن يتوقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو شك في البعث، أو غير ذلك من أصول الدين، و الشاك جاهل؛ و الفقهاء يذكرون في كتب الفقه حكم المرتد: أنه المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، نطقا أو فعلا أو شكا أو اعتقادا، و سبب الشك الجهل.
و لازم هذا: أنا لا نكفر جهلة اليهود و النصارى، و الذين يسجدون للشمس والقمر و الأصنام لجهلهم، و لا الذين حرقهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه بالنار، لأنا نقطع أنهم جهال؛ و قد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى، أو شك في كفرهم، و نحن نتيقن أن أكثرهم جهال)
ـ[عبد فقير]ــــــــ[14 - Jun-2008, مساء 02:54]ـ
بارك الله فيكم ما رأيكم بكتاب العذر بالجهل للشيخ أحمد فريد
ـ[أبو عمر]ــــــــ[18 - Jun-2008, صباحاً 11:39]ـ
بارك الله فيكم ما رأيكم بكتاب العذر بالجهل للشيخ أحمد فريد
كتاب ملئ بالشبهات وتم الرد عل شبهاته في أكثر من كتاب ..
إن أردت ارسل الكتاب لك وأرسل الرد
فلا عذر بالجهل في الشرك الاكبر ..
ـ[ابو عمر السلفي]ــــــــ[18 - Jun-2008, مساء 12:19]ـ
فلا عذر بالجهل في الشرك الاكبر ..
المشكلة يا رفيقي بأنك تحمل الكلام الماتع والتقرير المانع على ما تعتقد بأنه كفر أكبر وشرك أكبر وهذا منشأ الضلال!!
ـ[أبو عمر]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 05:28]ـ
المشكلة يا رفيقي بأنك تحمل الكلام الماتع والتقرير المانع على ما تعتقد بأنه كفر أكبر وشرك أكبر وهذا منشأ الضلال!!
لو تكرمت علي ووضحت لي ما المقصود بالشرك الاكبر؟ وكيف حكمت علي بهذا الكلام وانا لم أقل شيئاً مخالفا ... لا عذر بالجهل في الشرك الأكبر؟ ما الذي ضرك بهذه الجملة؟؟؟؟
ـ[ابو المنذر السلفى]ــــــــ[21 - Jun-2008, مساء 11:31]ـ
لو تكرمت علي ووضحت لي ما المقصود بالشرك الاكبر؟ وكيف حكمت علي بهذا الكلام وانا لم أقل شيئاً مخالفا ... لا عذر بالجهل في الشرك الأكبر؟ ما الذي ضرك بهذه الجملة؟؟؟؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكرا لك ... بارك الله فيك على هذا الموضوع المهم الجليل الذى ذل فيه كثير:)
ـ[أبو عمر]ــــــــ[03 - Jul-2008, مساء 09:44]ـ
المشكلة يا رفيقي بأنك تحمل الكلام الماتع والتقرير المانع على ما تعتقد بأنه كفر أكبر وشرك أكبر وهذا منشأ الضلال!!
الكفر الأكبر والشرك الأكبر أمره محكم في كتاب الله وقطعي ولا يحمل ما أعتد أو تعتقد أنت
فمن صرف عبادة لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج من المله ما لم يكن مكرهاٌ
فهل لك أن توضح لي أي شرك ليس شركاٌ أكبر وأنا اعتقد بأنه كذلك؟؟ أما أنها وجهة نظر؟؟!!!
ـ[بندر المسعودي]ــــــــ[03 - Jul-2008, مساء 09:58]ـ
مسألة: قيام الحجة وفهم الحجة فيهاخلاف بين العلماء ووقع مناضرات بين الشيخ ابن سحمان وعلماء أهل مكة من بعض المذاهب وجاء بكلام لإبن القيم يدل على مايقول.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عمر]ــــــــ[03 - Jul-2008, مساء 10:23]ـ
مسألة: قيام الحجة وفهم الحجة فيهاخلاف بين العلماء ووقع مناضرات بين الشيخ ابن سحمان وعلماء أهل مكة من بعض المذاهب وجاء بكلام لإبن القيم يدل على مايقول.
انظر قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في توضيحه للمسائل وللحالات التي تُوجب اقامة الحجة وتوضيحه لمسائل الاصول المحكمة في كتاب الله
وأنكر الشيخ محمد عليهم لما توقفوا في تكفير الطواغيت وأتباعهم لأنهم جهال لم تقم عليهم الحجة فقال ما ذكرت لكم من قول الشيخ (ابن تيميه) كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرّف وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة.
، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة اللَّه مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) ً.
وقيام الحجة وبلوغها نوع، وفهمهم إياها نوع آخر، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها نوع آخر .. ".
ـ[أبو عمر]ــــــــ[08 - Jul-2008, مساء 05:18]ـ
إضافة ...... !!!
معنى إقامة الحجة
عبد الله بن عبد الرحمن ابا بطين
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى في رده على ابن البكري: فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله، لأن الزنا والكذب حرام لحق الله تعالى، وكذلك التكفير حق لله تعالى فلا نكفر إلا من كفره الله ورسوله وأيضا فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر إلى أن قال: ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين ينفون أن يكون تعالى فوق العرش: أنا لو وافقتكم كنت كافرا لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال .. إلخ.
أفتونا: ما معنى قيام الحجة أثابكم الله بمنه وكرمه؟.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين.
تضمن كلام الشيخ رحمه الله مسألتين:
إحداهما: عدم تكفيرنا لمن كفرنا وظاهر كلامه أنه سواء كان متأولا أم لا، وقد صرح طائفة من العلماء أنه إذا قال ذلك متأولا لا يكفر.
ونقل ابن حجر الهيثمي عن طائفة من الشافعية أنهم صرحوا بكفره إذا لم يتأول، فنقل عن المتولي أنه قال: إذا قال لمسلم يا كافر بلا تأويل كفر، قال وتبعه على ذلك جماعة واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) والذي رماه به مسلم فيكون كافرا قالوا: لأنه سمى الإسلام كفرا، وتعقب بعضهم هذا التعليل فقال: هذا المعنى لا يفهم من لفظه ولا هو مراده.
إنما مراده ومعنى لفظه: إنك لست على دين الإسلام الذي هو حق، وإنما أنت كافر دينك غير الإسلام وأنا على دين الإسلام. وهذا مراده بلا شك لأنه إنما وصف بالكفر الشخص لا دين الإسلام فنفى عنه كونه على دين الإسلام، فلا يكفر بهذا القول وإنما يعزر بهذا السب الفاحش بما يليق به، ويلزم على ما قالوه أن من قال لعبد: يا فاسق. كفر لأنه سمى العبادة فسقا، ولا أحسب أحدا يقوله، وإنما يريد أنك تفسق وتفعل مع عبادتك ما هو فسق لا أن عبادتك فسق. انتهى
وظاهر كلام النووي في شرح مسلم يوافق ذلك، فإنه لما ذكر الحديث قال: وهذا مما عده العلماء من المشكلات فإن مذهب أهل الحق أن المسلم لا يكفر بالمعاصي، كالقتل والزنا وكذا قوله لأخيه يا كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام ثم حكى في تأويل الأحاديث وجوها:
الأول: أنه محمول على المستحل، ومعنى (باء بها) بكلمة الكفر وكذا (حارت عليه) في رواية أي رجعت عليه كلمة الكفر فباء وحار ورجع بمعنى واحد.
الثاني: رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره.
(يُتْبَعُ)
(/)
الثالث: أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين، وهذا نقله القاضي عياض عن مالك وهو ضعيف لأن المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع.
الرابع: معناه أنه يؤول إلى الكفر فإن المعاصي ـ كما قالوا ـ بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر. ويؤيده رواية أبى عوانة في مستخرجه على مسلم (فإن كان كما قال وإلا فقد باء بالكفر).
الخامس: فقد رجع بكفره، وليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير كونه جعل أخاه المؤمن كافرا، فكأنه كفّر نفسه، إما لأنه كفر من مثله وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان الإسلام. انتهى
وقال ابن دقيق العيد في قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن دعى رجلا بالكفر وليس كذلك إلا حار عليه) أي رجع عليه. وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحدا من المسلمين، وليس هو كذلك , وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق من العلماء اختلفوا في العقائد وحكموا بكفر بعضهم بعضا.
ثم نقل عن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني أنه قال: لا أكفر إلاّ من كفرني، قال وربما خفي هذا القول على بعض الناس وحمله على غير محمله الصحيح.
والذي ينبغي أن يحمل عليه أنه لمح هذا الحديث الذي يقتضي أن من دعى رجلا بالكفر وليس كذلك رجع عليه الكفر، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما).
وكان هذا المتكلم أي أبو إسحاق يقول: الحديث دل على أنه يحصل الكفر لأحد الشخصين إما المكفِّر وإما المكفَّر فإذا كفرني بعض الناس فالكفر واقع بأحدنا وأنا قاطع أني لست بكافر، فالكفر راجع إليه. انتهى
وظاهر كلام أبي إسحاق أنه لا فرق بين المتأول وغيره والله أعلم. وما نقله القاضي عن مالك من حمله الحديث على الخوارج موافق لإحدى الروايتين عن أحمد في تكفير الخوارج، اختارها طائفة من الأصحاب وغيرهم لأنهم كفروا كثيرا من الصحابة واستحلوا دماءهم وأموالهم متقربين بذلك إلى الله تعالى، فلم يعذروهم بالتأويل الباطل، لكن أكثر الفقهاء على عدم كفرهم لتأويلهم وقالوا من استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل كفر. وإن كان استحلاله ذلك بتأويل كالخوارج لم يكفر والله أعلم وأحكم.
المسألة الثانية: إن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها .. إلخ.
يشمل كلامه من لم تبلغه الدعوة وقد صرح بذلك في موضع آخر. ونقل عقيل عن الأصحاب أنه لا يعاقب. وقال إن عفو الله عن الذي كان يعامل لأنه لم تبلغه الدعوة وعمل بخصلة من الخير، واستدل لذلك بما في صحيح مسلم مرفوعا: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) قال في شرح مسلم: خص اليهود والنصارى لأن لهم كتابا، قال: وفي مفهومه أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور.
قال: وهذا جار على ما تقرر في الأصول (لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح). انتهى
وقال القاضي أبو يعلى في قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} في هذا دليل على أن معرفة الله تعالى لا تجب عقلا، وإنما تجب بالشرع وهو بعثة الرسل وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك لم يقطع عليه بالنار. انتهى
وفيمن لم تبلغه الدعوة قول آخر أنه يعاقب اختاره ابن حامد واحتج بقوله تعالى {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} والله أعلم.
فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة فلا يعذر بعدم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فلا عذر له بعد ذلك بالجهل، وقد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار مع تصريحه بكفرهم ووصف النصارى بالجهل مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم، ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون، ونعتقد كفرهم وكفر من شك في كفرهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر، والشك هو التردد بين شيئين كالذي لا يجزم بصدق الرسول ولا كذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه ونحو ذلك كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم وجوبها، أو لا يعتقد تحريم الزنا أوعدم تحريمه، وهذا كفر بإجماع العلماء، ولا عذر لمن كان حاله هكذا بكونه لم يفهم حجج الله وبيناته لأنه لا عذر له بعد بلوغها له وإن لم يفهمها، وقد أخبر الله عن الكفار إنهم لم يفهموا فقال: {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} وقال: {انهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}.
فبين سبحانه أنهم لم يفقهوا فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا بل صرح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفار كما في قوله تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}.
قال الشيخ أبو محمد موفق الدين ابن قدامة رحمه الله تعالى ـ لما أنجز كلامه في مسألة: هل كل مجتهد مصيب أم لا؟ ورجح أنه ليس كل مجتهد مصيب بل الحق في قول واحد من أقوال المجتهدين، قال: وزعم الجاحظ أن مخالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم إلى أن قال ... وأما ما ذهب إليه الجاحظ فباطل يقينا وكفر بالله تعالى ورد عليه وعلى رسوله، فإنّا نعلم قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه، وذمهم على إصرارهم وقاتل جميعهم، يقتل البالغ منهم ونعلم أن المعاند العارف ممن يقل، وإنما الأكثر مقلدة اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه.
والآيات الدالة في القرآن على هذا كثيرة كقوله تعالى: {ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار} {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} {إن هم إلا يظنون} وقوله: {ويحسبون أنهم على شيء} {ويحسبون أنهم مهتدون} {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} وفي الجملة ذم المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينحصر في الكتاب والسنة. انتهى
فبين رحمه الله تعالى أنا لو لم نكفر إلا المعاند العارف لزمنا الحكم بإسلام أكثر اليهود والنصارى، وهذا من أظهر الباطل.
فقول الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى: إن التكفير والقتل موقوف على بلوغ الحجة. يدل كلامه على أن هذين الأمرين وهما التكفير والقتل ليسا موقوفين على فهم الحجة مطلقا بل على بلوغها ففهمها شيء وبلوغها شيء آخر، فلو كان هذا الحكم موقوفا على فهم الحجة لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة، وهذا بين البطلان بل آخر كلامه رحمه الله يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفى على كثير من الناس، وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة، كالجهل ببعض الصفات
وأما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد والإيمان بالرسالة فقد صرح رحمه الله تعالى في مواضع كثيرة بكفر أصحابها وقتلهم بعد الاستتابة، ولم يعذرهم بالجهل مع أنا نتحقق أن سبب وقوعهم في تلك الأمور إنما هو الجهل بحقيقتها فلو علموا أنها كفر تخرج عن الإسلام لم يفعلوها، وهذا في كلام الشيخ رحمه الله تعالى كثير كقوله في بعض كتبه: فكل من غلا بنبي أو رجل صالح وجعل فيه نوع من الإلهية مثل أن يدعوه من دون الله، نحو أن يقول: يا فلان أغثني أو اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو اجبرني أو توكلت عليك وأنا في حسبك وأنت حسبي، ونحو هذه الأقوال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل.
وقال أيضا: فمن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم، كفر إجماعا.
وقال: من اعتقد أن زيارة أهل الذمة في كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد، وإن جهل أن ذلك محرم، عرف ذلك فإن أصر صار مرتدا.
وقال: من سب الصحابة أو واحدا منهم أو*اقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي أو أن جبريل غلط فلا شك في كفر هذا بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال أيضا: من زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفر قليلا لا يبلغون بضعة عشر أو أنهم فسقوا فلا ريب في كفر قائل ذلك بل من شك في كفره فهو كافر. انتهى
فانظر كيف كفر الشاك، والشاك جاهل فلم ير الجهل عذرا في مثل هذه الأمور.
وقال رحمه الله في أثناء كلام له: ولهذا قالوا من عصى مستكبرا كإبليس كفر بالاتفاق ومن عصى مشتبها لم يكفر عند أهل السنة، ومن فعل المحارم مستحلا فهو كافر بالاتفاق، قال: والاستحلال اعتقاد أنها حلال وذلك يكون تارة باعتقاد أن الله لم يحرمها وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية أو الرسالة ويكون جحدا محضا غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرمها ثم يمتنع من التزام هذا التحريم ويعاند فهذا أشد كفرا ممن قبله. انتهى
وكلامه رحمه الله في مثل هذا كثير. فلم يخص التكفير بالمعاند مع القطع بأن أكثر هؤلاء جهال لم يعلموا أن ما قالوه أو فعلوه كفر، فلم يعذروا بالجهل في مثل هذه الأشياء لأن منها ماهو مناقض للتوحيد الذي هو أعظم الواجبات، ومنها ما هو متضمن معارضة الرسالة ورد نصوص الكتاب والسنة الظاهرة المجمع عليها بين علماء السلف.
وقد نص السلف والأئمة على تكفير أناس بأقوال صدرت منهم مع العلم أنهم غير معاندين.
ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله تعالى: من جحد وجوب عبادة من العبادات الخمس أو جحد حل الخبز ونحوه أو جحد تحريم الخمر ونحوه أو شك في ذلك، ومثله لا يجهله كفر، وإن كان مثله يجهله عرف ذلك، فإن أصر بعد التعريف كفر وقتل ولم يخصوا الحكم بالمعاند. وذكروا في باب حكم المرتد أشياء كثيرة أقوالا وأفعالا يكون صاحبها بها مرتدا ولم يقيدوا الحكم بالمعاند.
وقال الشيخ أيضا: لما استحل طائفة من الصحابة والتابعين الخمر كقدامة وأصحابه وظنوا أنها تباح لمن آمن وعمل صالحا على ما فهموه من آية المائدة قال تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ... } اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أنهم يستتابون، فإن أصروا على الاستحلال كفروا، وإن أقروا به جلدوا، فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة حتى يبين لهم الحق فإن أصروا كفروا.
وقال أيضا: ونحن نعلم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدا من الأحياء والأموات ـ لا الأنبياء ولا غيرهم ـ لا بلفظ الاستغاثة ولا بلفظ الاستعانة ولا بغيرهما، كما أنه لم يشرع لهم السجود لميت ولا إلى ميت ونحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن ذلك كله وأنه من الشرك الذي حرمه الله ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول. انتهى
فانظر إلى قوله لم يمكن تكفيرهم حتى يبين لهم ما جاء به الرسول، ولم يقل حتى يتبين لهم وتتحقق منهم المعاندة بعد المعرفة.
وقال أيضا لما أنجز كلامه في ذكر ما عليه كثير من الناس من الكفر والخروج عن الإسلام قال: وهذا كثير غالب لا سيما في الأعصار والأمصار التي تغلب فيها الجاهلية والكفر والنفاق، فلهؤلاء من عجائب الجهل والظلم والكذب والكفر والنفاق والضلال مالا يتسع لذكره المقال.
وإذا كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنها من دين الإسلام بل اليهود والنصارى والمشركون يعلمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث بها وكفر من خالفها مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين أو غيرهم، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك، ثم تجد كثيرا من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين، وإن كانوا قد يتوبون من ذلك أو يعودون، إلى أن قال: وبلغ من ذلك أن منهم يصنفون في دين المشركين والردة عن الإسلام كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب وأقام الأدلة على حسن ذلك ومنفعته ورغب فيه، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين وإن كان قد تاب عنه وعاد إلى الإسلام. انتهى
(يُتْبَعُ)
(/)
فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية والأمور الظاهرة فقال في المقالات الخفية التي هي كفر: قد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة.
فكلامه ظاهر في الفرق بين الأمور الظاهرة والخفية. فيكفر بالأمور الظاهر حكمها مطلقا، وبما يصدر منها من مسلم جهلا، كاستحلال محرم أو فعل أو قول شركي بعد تعريف، ولا يكفر بالأمور الخفية جهلا كالجهل في بعض الصفات فلا يكفر الجاهل بها مطلقا وإن كان داعية، كقوله للجهمية: أنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال.
وقوله (عندي) يبين أن عدم تكفيرهم ليس أمرا مجمعا عليه لكنه اختياره.
وقوله في هذه المسألة خلاف المشهور في المذهب. فإن الصحيح من المذهب تكفير المجتهد الداعي إلى القول بخلق القرآن أو نفي الرؤيا أو الرفض و نحو ذلك وتفسيق المقلد.
قال المجد ابن تيمية رحمه الله: الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها، كمن يقول بخلق القرآن أو أن علم الله مخلوق، أو أن أسماءه مخلوقة أو أنه لا يرى في الآخرة، أو يسب الصحابة تدينا، أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد، وما أشبه ذلك، فمن كان عالما في شيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره. نص أحمد على ذلك في مواضع. انتهى
فانظر كيف حكموا بكفرهم مع جهلهم، والشيخ رحمه الله يختار عدم كفرهم ويفسقون عنده.
ونحوه قول ابن القيم رحمه الله تعالى فإنه قال: وفسق الاعتقاد كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ويحرمون ما حرم الله، ويوجبون ما أوجب الله ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله جهلا وتأويلا وتقليدا للشيوخ، ويثبتون مالم يثبته الله ورسوله كذلك، وهؤلاء كالخوارج المارقة وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم.
وأما غلاة الجهمية فكغلاة الرافضة ليس للطائفتين في الإسلام نصيب، ولذلك أخرجهم جماعة من السلف من الثنتين والسبعين فرقة، وقالوا: هم مباينون للملة. انتهى
وبالجملة فيجب على من نصح نفسه أن لا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقله فإن إخراج رجل من الإسلام أو إدخاله فيه أعظم أمور الدين، وقد كفينا بيان هذه المسألة كغيرها بل حكمها في الجملة أظهر أحكام الدين.
فالواجب علينا الاتباع وترك الابتداع كما قال ابن مسعود رضي الله عنه (اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم) وأيضا فما تنازع العلماء في كونه كفرا فالاحتياط للدين التوقف وعدم الاقدام مالم يكن في المسألة نص صريح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والاجماع على كفره، وتعدى بآخرين فكفروا من حكم الكتاب و السنة مع الاجماع بأنه مسلم.
ومن العجب أن أحد هؤلاء لو سئل عن مسألة في الطهارة أو البيع لم يفتي بمجرد فهمه واستحسان عقله، بل يبحث عن كلام العلماء ويفتي بما قالوه فكيف يعتمد في هذا الأمر العظيم الذي هو أعظم أمور الدين وأشد خطرا على مجرد فهمه واستحسانه؟، فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين، ومنحته من تينك البليتين.
نسألك اللهم أن تهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[08 - Jul-2008, مساء 06:10]ـ
لا يمكن أت تقوم الحجة بلا قدر من الفهم، ألا وهو القدر الذي يعقل به المراد من خطاب الشارع، وهنا مرتبة تضاف:
1 - بلوغ الحجة.
2 - فهمها.
3 - قيامها.
أما فهمها على الوجه الذي عند أهل العلم الإيمان، فخارج محل النزاع، لا يُطالبون به أصلاً.
أما فهمها على الوجه الذي يصح معه القيام فلا بد منه. فلو سمع أعجمي كلام الله بالعربية فإنه لا يقال قامت عليه الحجة حتى يُترجم له معناه ليفهم معنى الكلام، ولذلك قال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم).
ومن الخطأ أن يظن أن معنى (بلّغ ما أنزل إليك) يعني قيام الحجة مطلقاً - على كل أحد - بمجرد البلوغ، لأن القرآن قد يبلغ من لا يفهمه - كالأعجمي - ولكن إن كان عربياً يعقل العربية فعدم الفهم قد يحصل بتسبب من حال أنشأها المُخاطب أو لا:
- فإن كانت الأولى (أي حال تسبب فيها المخاطب بالكبر، والعناد، وركوب المعاصي والفواحش) فلا عذر له في عدم الفهم لأنه هو الذي حجب نفسه بهذا الرّان عن رؤية الحق.
- وأما إن كان بسبب خارج عن نفسه لم يتعمده أو يقصده (كالأمية المفرطة، والأعجمية، والحمق الشديد الظاهر) فعذره قائم حتى يزول المانع الذي هو ليس من تلقاء نفسه، خارج عن يده وقدرته.
ـ[مستور الحال]ــــــــ[14 - Jul-2008, صباحاً 01:07]ـ
التفريق بين قيام الحجة وفهم الحجة.
تقوم الحجة على المكلف بفهم دلالة الخطاب، لا بمعرفة الحق والصواب.
شروط قيام الحجة الذي يستحق بها المشرك العقوبة:
أ) بلوغ الرسالة، أو: ب) التمكن منها.
شروط قيام الحجة في الشرائع:
أ) التمكن من العلم، و: ب) القدرة على العمل.
شروط تكفير أهل الأهواء والبدع:
أ) إقامة الحجة، و: ب) إزالة الشبهة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو الخطاب السنحاني]ــــــــ[01 - Apr-2010, صباحاً 10:01]ـ
جزاك الله خيراً(/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {نعم .. أين الحياد وأين الموضوعية! .. تعقيب}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 03:57]ـ
نعم .. أين الحياد وأين الموضوعية! .. تعقيب على مقال الدكتور جابر قميحة
كنت أود أن أصرف جهدي الذي استنفذته في كتابة هذه السطور في أمر أكثر فائدة للمسلمين من هذا الأمر الذي أنا بصدد عرضه، خاصة والحال التي تدنينا إليها كأمة، أفرادًا وجماعات ومجتمعات، أصبحت لا تخفى على أحد، مفكرًا كان أو غير مفكر، إلا أنه في بعض الأحيان يداهمك أمر من الأمور، وتنزل بساحتك نازلة تجد نفسك أمامها مضطرًا لتجريد القلم أو اللسان لبيان ما قد يخفى أو يختلط على الناس في شأن هذه الواقعة أو أمر هذه النازلة. ولهذا السبب ذاته، سأجعل هذا الحديث أقصر ما يكون دون أن أخل بالمراد منه إن شاء الله تعالى.
وهذا الأمر الذي نحن بصدده هو المقال الذي تفضل فيه الدكتور جابر قميحة بالرد على مقال الأستاذ جمال سلطان بشأن "التيار التجديدي" في جماعة الإخوان المسلمين، في تصدير العدد الحادي والعشرين من مجلة المنار الجديد.
وللدكتور قميحة، ولغير الدكتور قميحة، أن يرد على أي مقال، وأن يعرض رأيه فيما يعرض غيره من آراء على الناس، عملاً بمبدأ حرية التعبير أو المبدأ الشرعي المقرر من "أن البيان يقع عند وقت الحاجة". لكن ما ليس للدكتور قميحة، ولا لغير الدكتور قميحة، أن لا يلتزم هذا الرد الحدود المتعارف عليها في أسلوب الحوار الفكري وما استقرت عليه الأعراف في مجال النقد الموضوعي من أن يتعفف عن استخدام ألفاظ أو الإشارة إلى معان فيها مساس بشخص الخصم أو غرضه ونيته فيما قال.
و مقال الدكتور لم يخلو من هذه الهنات التي تنغص على القارئ وتفرض عليه لونًا من الحرص في تقبل المادة المعروضة، خاصة مع ما شاب المقال من نفثات غضب وانفعال لا يخطئها القارئ المتعجل؛ بله القارئ المتأني، قد توحي بالتعصب والتحيز، فيما لا يصح فيه التعصب والتحيز.
ومثال على ذلك قوله في ص 112: " .. وابتكار ما لا وجود له ... " وهو يكاد أن يكون رميا صريحًا بالكذب! ولو اكتفى الدكتور قميحة بما أورد في شبهة "اضطراب الإسناد" التي تغني عن مثل هذا التعليق المشبوه، لكان خيرًا له ولمصداقية المقال وحياده.
ثم يأتي دور النظر فيما رد به الدكتور قميحة على مقال الأستاذ جمال سلطان. وقد ارتضيت أسلوبًا يسهّل على القارئ معرفة موضوع الدعوى التي وردت في مقال الدكتور قميحة، وما رأيناه من تعقيب عليها، فأوردت مختصرًا أمينًا لأقواله، مبوبة حسب ما بوبها، ثم أتبعتها بما هو لائق من التعقيب عليها.
اضطراب الإسناد:
احتار الدكتور قميحة بعد قراءته للمقال ثلاث مرات أن الكاتب (الأستاذ جمال) لم يُنَسِّب - بشد السين وكسرها - ما ذكره من أقوال بأن يذكر أسماء من قالوها أو عمن أخذها وأين ومتى وكيف، كما أنه (الأستاذ جمال كذلك) قد خلط في كتابته بين ما هو من رؤيته الخاصة وما هو من أقوال الغير. يقول الدكتور " .. وليس فيه عبارة واحدة محالة على مرجعها، أو واقعة محددة الزمان والمكان، والاتهامات تلقى على عواهنها دون تحديد ولا أدلة ... " ص 113. كما أنه يقول في نفس الصفحة "فإسناده إلى "تيار" لا أشخاص".
ونرفع حيرة الدكتور بأن نقول أنه ليس من شك في أن إسناد الأقوال إلى أصحابها هو من قبيل السنة المعتمدة، ومما استقر عليه عمل الأوائل في تحقيق الأقوال حتى لا يفسد ما بين الناس بظنيات الأقوال وعواهنها. ولكن لا أظن أنه يخفى على الدكتور قميحة أن هناك مواقف وموضوعات يصعب فيها ذكر الإسناد لاعتبارات عديدة لا محل لذكرها في هذا الموضع، عملاً بأنه ليس كل ما يُعرف يقال. والمهم، إن فهمنا هذه الجزئية، وفهمها معنا الدكتور قميحة، أن ننظر إلى محتوى الأمر المعروض فنحاول أن نرى مصداقيته من أرض الواقع، بدلاً من التعلل في رفضه بعدم وجود الإسناد!
(يُتْبَعُ)
(/)
أما إسناد الوقائع إلى تيار، فلا أدري ما الذي أثار الدكتور قميحة في هذا الأمر؟ والتيار قد يكون قويًا أو ضعيفًا، وما عليه لو قال أن هذه الوقائع التي يرددها البعض، وإن كانوا قلة على حد زعمه، تمثل تيارًا لا يزال في مهده، وأن الإخوان شاكرون لتنبيههم لما يجري في هذا الشأن، وأن قياداتهم ستحقق في هذا الأمر، وأنهم يدعون كاتب المقال إلى أن يسعفهم بوقائع وأسماء بالطريق الذي يراه صائبًا حتى يصححوا المسار، ما عليه لو كان هذا موقفه، فلم يتمسك بشكلية وإن كانت مراعاة في غير هذا الموضع، فإنها لا تستدعي غض البصر عن الدعوى بكاملها، ورفضها شكلاً وموضوعًا. أفيظن ظان أن عمر بن الخطاب كان يثور هذه الثورة إن أبلغه أحد من الناس أن هناك خلل في ثغر من ثغوره؟ لا والله الذي لا إله إلا هو؟ ولكن أين نحن من عمر؟! بل والأدهى من ذلك، مما لم ينتبه إليه الدكتور قميحة، أن هذه الثورة هي في حد ذاتها أدل دليل على صدق ما قرره "التيار التجديدي" من العصبية المغالية التي يتردى فيها بعض منتسبي العمل الإسلامي بشعور أو بغير شعور منهم.
أما عن الاختلاط والاضطراب بين ما هو من قول الأستاذ جمال أو رؤيته، وما هو من قول "الآخرين"، فأحيل الدكتور إلى ما كتبه بشأن عدم إيراد الأدلة في المقال، إذ لا أدري أي المواضع يعني، فلعل الدكتور يورد مثالاً مما اختلط عليه كي نوضحه له ونزيل التباسه. كما أحيله إلى ما ذكره الأستاذ جمال سلطان في مقدمة الجزء (4) من مقاله حين قال: "من خلال الحوارات التي تمت والقراءات التي عرضت، يمكن أن نوجز - بما يناسب المساحة المحدودة هنا - أهم المحاور التي يطرحها "التيار التجديدي" في الإخوان المسلمين ... ". ألا يفهم من هذا أن ما سيأتي بعد ذلك هو من قول أو طرح التيار التجديدي؟ وإن استعار الكاتب لسانه ليدلل على ما أتى على لسان الآخرين، وهو ليس بمستغرب في أسلوب الكتابة وطرق البيان، ولا أظن أن ذلك أمر يفوت مثل الدكتور قميحة. وقد كان من الجلي الواضح أن الأقسام الثلاثة التي سبقت ذلك هي من فكر الأستاذ جمال الذي أثارته مراجعات التيار الجديد.
التحويل غير المبرر:
ينعى الدكتور، في هذا الموضع، على أصحاب التيار التجديدي أنهم قد وجهوا سؤالاً إلى المرشد العام للجماعة بشأن الغلو في تقدير الجماعة، وأن هل الجماعة تعتبر نفسها "جماعة المسلمين"؟ يقول الدكتور في محاولة تنظير ما يراه: "إذا وجهت سؤالا إلى شخص ما لاستطلع رأيه في مسألة أو مشكلة معينة، وأجابني فيها، فبها ونعمت، أو ظهر أنه عاجز عن الإجابة قاصدًا، فمن حقي أن أقصد الآخرين بالسؤال .. " صـ113. ويقول: "ولكن الإجابة جاءت من الشيخ فيصل المولوي فقيه الجماعة (لبنان)، كما جاءت من الأستاذ فتحي يكن" الصفحة السابقة.
والرد على هذا يكمن في أن سؤال المرشد عن هذا الأمر لا يبعد أن يكون سؤالاً لم يلق ردًا مباشرًا لسبب من الأسباب، كما أنه قد يكون سؤالا معنويًا لإظهار ما يعتري هؤلاء الشباب لم يفهم منه المرشد إرادة الرد عليه بالتحديد، ويمكن أن يكون هذا أو ذاك من الأسباب، ونتساءل: ما الخطأ الذي لا يغتفر في أن يلتمس المرء إجابة عن تساؤلاته من كبار مفكري وفقهاء الجماعة من منتسبي الإخوان، سواء في لبنان أو في سوريا أو في غيرهم ممن أشار إليهم بقوله "الآخرين!! "؟ وهل الأستاذ فتحي يكن غير مؤتمن على إجابة مثل هذا السؤال؟ وهل هذه نقطة ينحرف بسببها منتسبو الإخوان عن النظر الموضوعي في مثل هذه الاتهامات الخطيرة ومحاولة رصدها وإصلاحها؟ وهل عبر الأستاذ فتحي يكن أو الشيخ المولوي عن فلسفة الجماعة بغير ما عبر به مرشدها؟ إن كانت الإجابة بنعم، فالخلل واضح إذن والخرق متسع عما قرره أصحاب تيار التجديد، وإن كانت بلا، فليخبرني مخبر فيم إذن فائدة هذا التعليق من الدكتور؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا رجعنا إلى مقال الأستاذ جمال سلطان، نجد أن السياق يلمّح - دون تصريح - إلى أنه قد يكون السبب في ذلك أن المرشد قد تباطأ في الرد المباشر على ذلك التساؤل، إذ قال، بعد ما أورد صيغة السؤال الذي وجهه أصحاب "التيار التجديدي" إلى المرشد: " ... ولكن الإجابة جاءت من الشيخ فيصل المولوي ... كما جاءت من الأستاذ فتحي يكن ... ". وهو ما يجعل السؤال موجهًا مرة أخرى للدكتور: لماذا لم تأت إجابة مباشرة لذلك التساؤل المباشر حين وروده؟
إنّ تساؤل الدكتور قميحة "فأين الغلو المتزايد في تقدير الجماعة" مردود عليه من واقع تعقيبه في مقاله ذاك، الذي هو أكبر دليل على صحة ما ينسبه أصحاب تيار التجديد إلى قيادات الجماعة ومريديها من الغلو المتزايد في تقدير الجماعة لدى منتسبيها، والذي نفاه عنها الدكتور نفسه في صـ 114. ونسأل الدكتور: هل هناك أمر من الأمور التي يراها الإخوان من مثالب حركتهم أو حتى من صغائرها أو أخطائها وهناتها، فيذكره لنا؟ أم هي حركة تجردت من الأخطاء والمعايب، فصارت أشبه ما تكون بزخم الصحابة في مطلع الدعوة، لا خطأ ولا انحراف؟ وهو ما أراه متضمنًا في دعوى الدكتور، فإنه لا تكفي الإشارة إلى أن هناك أخطاء وهنات ليقنع الناس بأن الحركة ترى ما فيها من زلات وانحرافات، وتنقد نفسها نقدًا ذاتيًا. وأن تساق هذه الكلمات التي أوردها في صـ 118 على استحياء، من أن الجماعة لها أخطاء وهنات، فتُدَسّ في خضم من التمجيد والغلو الحقيقي قبلها وبعدها، لناطق بما يعتقده الكاتب وإن دُسّت هذه الألفاظ دسًّا بين الكلمات، حتى لو أنه تُرك لكاتبها أمر طباعة المقال، لأمر بطباعة هذه الكلمات "بفونط 4"!
لعبة الاستبدال:
استعرض الدكتور القميحي نصًا للدكتور محمد حبيب يشرح فيه طبيعة حركة الإخوان ومفاهيمها وما بنيت عليه وما تراه في مجال العلاقات الأخوية بين أعضائها، وهو نص قام شباب "التيار التجديدي" باستبدال كلمة "الإخوان" فيه بكلمة "الإسلام"، فما وجدوا تغيرًا في المعنى، مما اتخذوه دليلاً إضافيًا على ما يقصدونه من أنه رغم أن التوجيه النظري يؤكد أن جماعة الإخوان هي جماعة من المسلمين، إلا أنها، بتصرفاتها وبلا وعي من قياداتها، تعكس مفهومًا آخر هو أنها جماعة المسلمين. ثم يقرر الدكتور قميحة ضعف وتهافت وعبثية هذه المحاولة، وأنها جاءت تقتطع من سياق الحديث ما يخدم غرضها: "ألست معي - بعد كل أولئك - أن فكرة الاستبدال هذه أقرب إلى العبثية منها إلى المنهج السوي والتفكير السديد" صـ 117 ويسوق للدلالة على عبثية المحاولة نصوصًا من جان بول سارتر عن الوجودية ويستبدل فيها كلمة الإسلام بكلمة الوجودية، كما فعل الفعل ذاته مع نصوص من منشورات الجمعية الشرعية، فوصل إلى نفس النتيجة من عبثية هذا النهج.
وتعليقي على هذه النقطة بسيط ومختصر، فإنه يجب على من يعتقد أن جماعة الإخوان لا تزال تتألف من بشر يصيب ويخطئ، أن يتجاوز سذاجة المحاولة ذاتها - إن صح هذا التعبير - إلى ما هو أخطر من ذلك، أي دلالتها على ما يعتري هؤلاء الشباب من الرغبة في التعبير عن فكرة محددة تؤلمهم وتقض مضاجعهم، وتلجئهم إلى هذا الأسلوب الذي سخر منه الدكتور قميحة ووصفه بالعبث واللعب، بدلاً من أن يردد النظر في مدلوله ويأسف على أن يصل الأمر ببعض الشباب إلى أن يلجأ لهذه الوسيلة ليدلل بها على هواجسه.
ثم إنه فارق كبير بين استخدام مثل هذا الأسلوب لنصل به إلى تطابق الوجودية السارترية مع الإسلام، وأن يستخدمه شباب مخلص مسلم في محاولة إيصال مفهوم معين لعقل من لا يرى بعقله. وهم لا يتهمون الجمعية الشرعية بشئ، ولا أنصار السنة بشئ، بل هم، أحسبهم، رأوا تطبيقًا يجعل من جماعة الإخوان المسلمين "جماعة المسلمين" فاستدلوا بما استدلوا به بعد ما رأوه على أرض الواقع.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم إن هؤلاء الشباب لم يقوموا بهذه المحاولة لتكون دليلهم الرئيسي على ما ذهبوا إليه! بل هي إضافة قد عنّت لهم لتضيف قرينة إلى دليل على ما أحسب. ثم ثالثة، هبنا لا نقبل بهذا الأسلوب دليلاً قطعيًا على ثبوت أمر من الأمور الدينية العقائدية، وهو لا شك غير مقبول فيها، فهلا اعتبر في أمر من الأمور الاجتهادية، بقرائن تقويه كما ذكرنا، ثم هل نتغاضى عن هذا الأمر وننفيه كلية ونرفضه بتاتًا لأن من نبه إليه قد استخدم هذا الأسلوب؟ أليس هذا إمعانا في الشكلية ورغبة في إغلاق النوافذ والأبواب في وجه أي احتمال للنقد والتوجيه؟
التضخيم الاصطلاحي:
يؤكد الدكتور على ضرورة استخدام المصطلحات في حدودها المرسومة دون تجاوز "ينحرف بالمصطلح انحرافًا خطيرًا" صـ 117 ويقول بعدها: "ولكن المقال ترخص - إلى أبعد حد - فجعل من فرد أو أفراد يعارضون سياسة الإخوان "تيارًا" الصفحة السابقة.
وهو تكرار لما ذكره الكاتب من قبل في بداية حديثه من أن الأمر لا يتعدى حفنة خارجة عن الكل، لا يجب أن يؤبه برأيها أو أن يستمع للهجها، فهي ليست "تيارًا"! ولا أدري، كما ذكرت سابقًا، هل يجب أن تصبح هذه المخالفات الخطيرة التي ذكرتها الحفنة الخارجة عن الشرعية من الوضوح والانتشار بحيث يتكون من المحذرين منها "تيارًا" قبل أن نأبه لها (والدكتور يعني بالتيار هنا أن يكون قويًا عارمًا)؟ ألا يجب أن نسارع بوأد الفتنة في مهدها وهي لا تزال في حال ضعف قبل قوة؟ أهذا ما يقصد إليه الدكتور؟ أن نغض البصر عن هذه الظواهر حتى تقوى ويمثل مناهضوها تيارًا قويًا؟
ثم، ما هي قيمة أن يكون الناقدون حفنة صغيرة أو أن يكونوا "تيارًا" خضمًا عارمًا، إن كانت الحفنة صادقة، بل لو كان الناقد فردًا صادقًا لاستحق أن يُستمع له وأن يؤخذ كلامه مأخذ الجد، فهو في معرض النقد لا في معرض المدح، فهو أجدر أن لا يحمل على سبيل الهزل أو الاستهزاء.
وأمور أخرى:
يذكر الدكتور قميحة في صـ 116 أن جماعة الإخوان "يباركون جهود كل جماعة تعمل للإسلام بمصداقية ويمدون أيديهم للتعاون معهم"! دعوى بلا دليل.
لم بعلق الدكتور قميحة على ما ذكره الأستاذ جمال على لسان أصحاب "التيار التجديدي"، عن الحساسية المفرطة بشأن المراجعات لدى قيادات الإخوان، وعن الحذر والتحذير الشديد بشأن النقد الذاتي للجماعة، فهل هذا دليل على موافقته لأصحاب "التيار التجديدي" بشأن تلك الظواهر؟
من الاتهامات التي وُجهت للجماعة "تذرع قادتها بالمحنة والمطاردات الأمنية لتفادي النقد الذاتي والمراجعات ولتخدير الأجيال الجديدة .. " و "من حاول الإصلاح من الداخل أحاط به الشك والارتياب وعليه أن يستسلم أو أن يعزل .. " صـ 119 يعلق الدكتور قميحة أن مقال الأستاذ جمال: " .. لا تقدم دليلا أو شاهدا واحدًا على صحتها، ويجد القارئ نقضها فيما ذكرناه من قبل" .. وأسأل الدكتور قميحة: هل ما ذكرته من قبل في مقالك إلا محاولة نقض لأدلة رأيتها ضعيفة، دون بناء أدلة شاهدة على ضدها إلا من نصوص كتب أو أقوال في خطب ما أسهل أن يستدل بها المستدلون ... ! هؤلاء الشباب يتحدثون عن أرض الواقع وما يجري فيه يا دكتور قميحة، لا ما هو مسطور أو منشور. وإن تحيّرت في معرفة الفرق بينهما فارجع إلى أية جريدة حكومية في مطلع صباح أي يوم لتدرك ما نقصد ...
يذكرني ما ذكره الدكتور عن "نفي الصراع الداخلي بين الشباب والشيوخ" و أن "الكل منصهر في بوتقة واحدة" بتصريحات رسمية تصدر على الدوام عن مؤسساتنا السياسية الحكومية!
يستدل الدكتور بما كتبه المرشد الحالي و المرشد السابق - رحمة الله عليه - في تنظير فكر الجماعة، على ما يذهب إليه من آراء مثالية بشأن تطبيقات الجماعة على أرض الواقع، فهل يستلزم جمال النظرية وكمالها صدق التطبيق واعتداله ضرورة؟ ولو كان ذلك كذلك، لكانت أمة الإسلام اليوم هي أرفع الأمم شأنًا وأعلاها كعبًا، ولما احتاجت الأمة إلى الإخوان المسلمين ولا غير الإخوان المسلمين لتصحيح مسارها، فهل يا ترى هذا هو حالنا؟ فإن كان حال الأمة التي تحمل فكر الإسلام في فلذات أكبادها هو ما نراه ونلمسه، فما بالك بحال جماعة من المسلمين، ينظّرون ثم يطبقون بكل ما يعتري البشر من خلل في التنظير والتطبيق جميعًا؟
(يُتْبَعُ)
(/)
استدل الدكتور قميحة بعدد ممن تركوا الإخوان وخرجوا من الجماعة على أنهم من أبنائها ومفكريها، كالشيخ الغزالي رحمة الله عليه، والشيخ القرضاوي. فهل غاب عنه أنهم لم يعودوا من منتسبي الإخوان، أم هي عادة تأصلت في الجماعة أن تحيط بردائها من ارتفع شأنه، حين يتعذر تجاهله، فتنسبه لنفسها أمام العامة، كما حدث مع الأستاذ سيد قطب رحمة الله عليه.
ثم نهنئ الدكتور على المتغير في فكر الجماعة، الذي أدى إلى ترشيح أحد الأخوات في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة! ونترقب ما تأتي به المتغيرات في الأيام القادمات.
إذن فإن قضيتنا مع الدكتور قميحة في هذا الموضع هي قضية منهج، كما أنه رأى قضيته مع الأستاذ جمال قضية منهج كذلك. ومنهج الدكتور هو منهج المستمسك بالنظريات والحرفيات، الذي لا يريد أن يفتح عينيه على ما يجري حوله، إذ أن ما يجري حوله قد وصفه مرشدو الإخوان ومنظروهم في تلك الكلمات الساطعة والمفاهيم العالية، فما لنا ولهؤلاء الذين ينغصون علينا هذا الحلم الجميل، وما لنا يراد بنا أن نصرف الجهد في استقصاء ما تقصد إليه هذه الحفنة من الخارجين إن ثبت لدينا ما قد خطّته يراعات قاداتنا في كتبهم المطبوعة وعلى أشرطتهم المسموعة؟
ونحن لا نختلف كثيرًا مع الدكتور على ما أورده في مقاله من نقولات عن منظري الإخوان الأوائل، ولكننا نريد له أن يتجاوز المسطور ليرى الواقع وما قد يحتويه من شوائب تفسد حسنه وتهدد باغتيال مصلحته القائمة.
إننا، يشهد الله سبحانه، كبقية المسلمين الملتزمين بمنهج الإسلام، نريد للإخوان المسلمين أن يتحقق مطلبهم وأن تنجح مقاصدهم، بل وأن يصبحوا قوة مؤثرة في الواقع، بل أن يصبحوا القوة المؤثرة في الواقع، إذ أن مسعاهم هو مسعى كافة المسلمين الغيورين على الإسلام، وإنما نختلف مع الدكتور قميحة، وعن الدكتور قميحة، في أننا لا نرى النجاح في مساعي أي من الجماعات الإسلامية، سواء كانت هذه الجماعة أقدمها أو أوسطها أو آخرها نشأة، إلا بالأسباب التي جعلها الله وسيلة لتحقيق هذا النجاح، ومن أهمها أن لا ترى نفسها أعلى من النقد أو أنها مبرأة من كل عيب، أو أن مسيرتها هي المسيرة التي لا تخطئ وأن قافلتها هي القافلة التي لا تضل، وإلا فالإخوان على مسرح الأحداث منذ ما يربو على ثلاثة أرباع القرن، فأين الأمة من المنهج الإسلامي الآن؟ وأين هو النجاح الذي يستدل به على مسيرة لا تخطئ وقافلة لا تضل؟ إنه من الثابت المستقر أن نجاح المساعي الإسلامية قاطبة لن يتحقق إلا بضمان صحة منهجها وقدرتها على الالتزام بالسنن من ناحية، وبرؤية مناحي ضعفها بمنظار الآخرين من ناحية أخرى، فالعصر، يا أحبابنا من أبناء الإخوان، ليس عصر النبوة الذي لا يأتي مرشدَه _ الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، إنما عصرنا هو عصر اجتهادات إن أصابت فمن الله، وان أخطأت فمن أصحابها ومن الشيطان.
وكنت قد أصدرت قراءة في ملف الإخوان في العدد الثالث عشر من المنار الجديد، عرضت فيه لبعض تلك السلبيات التي أصبحت من معالم الإخوان، يكاد يجمع عليها من له علم بشأنهم، فليرجع إلي المقال من يشاء، إلا أنني أود أن أؤكد في هذا الموضع أنه لا عيب في أن تعالج الحركة مواضع ضعفها حتى تعود إليها مصادر قوتها، ولكن العيب كل العيب، والخطل كل الخطل في أن تغمض العين عما يجري في دهاليزها وبين أروقة أتباعها لكي تعيش في حلم "الجماعة الأم" وأمنيات "الكلُ منصهِر في بوتقة واحدة" وما إلى ذلك من تصورات تنبأ عن سلامة نية مصحوبة بغفلة عن الواقع وحقائقه.
ثم أمر في مقال الدكتور قميحة لا نختلف فيه معه، وهو أن خلاف الرأي لا يفسد للود قضية. والله من وراء القصد، سبحانه.
[مجلة المنار الجديد، 2003](/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {دوافع الفرد بين المنهج الإسلامي والفكر الغربي}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 04:00]ـ
دوافع الفرد بين المنهج الإسلامي والفكر الغربي
لا شك أن المسلمين اليوم هم أحوج ما يكونون للنظر في تلك القواعد والأسس التي تبنى عليها مناهجهم، والتي تمثل القالب الفكري الذي تعالج من خلاله مشكلاتهم، وتواجه به التحديات الحضارية المحيطة بهم.
وهذه الحاجة ليست نابعة من التشكك في تلك الأسس والقواعد، فهي أمور قد بنيت على قطعيات الشريعة من الكتاب والسنة، وما استخلص منهما، وهي من ثمَّ غير قابله للنقض ولا متعرضة للنقص. كما أن تلك الحاجة ليست ناشئة من مركب نقص؛ يواجه تلك الهجمة الغربية التي تتهم كل ما لدى المسلمين من معطيات، فنحاول بالدعاوى أن نؤكد أن ما لدى المسلمين هو الصواب وهو الحق، كما يفعل بعض الناس؛ بل إن الحاجة لمراجعة تلك القواعد والأسس نابعة من ضرورة أن يتعرف المسلمون أنفسهم على قوة وعظمة تلك الشريعة الغراء ثم أن يتعرفوا على مواضع تلك العظمة بالدليل والحجة، لا بمجرد الحديث و الدعوى.
وحتى تؤتي تلك المراجعة ثمارها، فلا بأس من أن نقابل تلك الأسس والقواعد بما يقابلها مما أفرزته قرائح البشر، وهدت إليه عقولهم، وأنتجته سلوكياتهم وأخلاقهم بمعزل عن الهدي الإلهي، فيميز الصواب من الخطأ ويمحص الحق من الباطل، وكما قيل "بضدها تعرف الأشياء".
من هذا المنطلق، رأينا أن نقدم في مقالنا هذا مقابلة-ولا أقول مقارنة - بين نظرلتين في مسألة من أهم المسائل التي تنبني عليها التصرفات الإنسانية، ومن ثم توجه النشاط البشري خلال حضارة من الحضارات ... وهي مسألة "دوافع الفرد" التي يسعى لتحقيقها خلال سني عمره، بالنظر في تلك المقاصد التي قررتها الشريعة، ودونها علماء أصول الفقه، ومقابلة ذلك بما قرره أحد كبار العلماء في علم النفس الفردي، هو "إبراهام ماسلو"، والذي قدمه في صورة نظرية في الدوافع البشرية عام 1954 في كتاب "الشخصية والدوافع الإنسانية "، وهي النظرية التي تحكمت إلى حد بعيد في فكر كل من تناول موضوعها من بعده من العلماء أمثال: هيرتز بورج (1959)، والدرفير (1972).
متسلسلة "ماسلو" في الدوافع الإنسانية ومقاصد الفرد:
قدم " إبراهام ماسلو" نظريته في دوافع الإنسان للمرة الأولى عام1943 في مجلة (المراجعات السيكلوجية) ثم فصلها بعد ذلك في كتابه " الشخصية والدوافع الإنسانية " في عام 1954، الذي طبع في أمريكا.
وفي هذه النظرية يفترض ماسلو أن الإنسان إنما يتحرك في حياته من خلال "احتياجات" مادية ونفسية معينة، تمثل الحافز القاهر الذي يجعله يطلب تلك الاحتياجات ويسعى لتحقيقها واحدة تلو الأخرى.
وقد وضع ماسلو تلك الاحتياجات الإنسانية التي تدفع الفرد أمامها، على هيئة متسلسلة تتكون من خمس حلقات أو طبقات تمثل كل منها نوعين من الاحتياجات المادية أو المعنوية، فالفرد - كما يرى ماسلو-يبدأ بالبحث لتلبية الحاجات المادية الأولية التي تحفظ عليه الحياة، وهي الحاجات الطبيعية ( Physiological Needs) من المأكل والمشرب وهي "الاحتياجات الدنيا" فإن تحققت تلك الاحتياجات انتقل الفرد إلى المستوى التالي لتحقيق ما أسماه ماسلو بالحاجات الأمنية ( Security Needs) وهي المسكن والدخل المقبول الذي يكفل الاستمرارية، وفي المستوى الثالث يسعى الفرد لتحقيق حاجاته الاجتماعية ( Social Needs) لتكوين العائلة واتخاذ الأصدقاء وممارسة الحياة الاجتماعية بأشكالها المتعددة، فإذا تحققت الحياة الاجتماعية بقدر مرضٍ، انتقل الفرد إلى طلب ما هو أعلى، فيسعى لتحقيق حاجات معنوية واقعية كاحترام النفس، وتحقيق الذات، والإحساس بالتقدير والنجاح، وسمو المكانة، والاستقلالية ... فإن بلغ ذلك ارتقى إلى المرحلة النهائية والتي يهدف فيها إلى إبراز طاقاته الكامنة كفرد مبدع، والحرص على الترقي ومداومة التقدم، وتظهر هرمية ماسلو في الشكل المرفق: تفجير الطاقات الإبداعية
احترام النفس
سمو المكانة
الاستقلالية
الحاجات الاجتماعية
حاجة الشعور بالأمان
الاحتياجات المادية والبدنية
---------------------------
مسلسلة هرم ماسلو
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد ذكر ماسلو أن عملية الانتقال من مستوى إلى آخر في هذه الهرمية لا يتم إلا إذا أشبعت الحاجات المتعلقة بهذا المستوى، بمعنى أن الفرد لا يسعى لكسب احترام، المجتمع أو لتحقيق روابط اجتماعية مالم يحقق حاجة الطعام والشراب والسكن. وتجدر الإشارة إلى أن تلك النظرية التي تعالج الدوافع النفسية لدى الفرد، إنما هي - كما يظهر من مضمونها - وليدة الفكر الغربي الذي يجعل "الفرد" ومصلحته العليا أولى بالتقدمة؛ إذ هو الوحدة الاجتماعية الأولية "لا الأسرة كما في المجتمع الإسلامي"، ونجاح الجماعة إنما يهدف أولاً إلى تحقيق صالح الفرد، وإلا فلا عبرة ولا دافع له كي يساهم في التقدم الجماعي، فالفرد في "الغرب" إنما يحترم الجماعة ويعمل طائعاً في إطارها لأنه يعلم بفطرته وبخبرته خلال القرون أن تلك هي الوسيلة الناجعة لتحقيق صالحه هو ... من خلال الجماعة، كذلك فإنها نظرية يمكن أن يقال إنها "وصفية"؛ أعني هي تصف واقع الفرد كما هو كائن، ولا تعالج الطموح إلى الترقي أو السمو بالحاجات، وتقديم ما هو أنفع على غيره كما إنها-بطبيعة الحال - تعالج مقاصد الفرد ودوافعه في حيز الحياة الدنيا، إذ ليس لدى القوم كبير اهتمام بما عساه يكون في عالم الغيب، وما يتطلبه ذلك الأمر من ضرورة دافعة تجعله يسعى قاصداً لتحقيق احتياجات محدودة تعين على بلوخ غايته.
مقاصد الفرد في المنهح الإسلامي:
في مقابل تلك النظرية الغربية في " الدوافع Motivation" يمكن للناظر في أصول الشريعة الإسلامية وقواعدها الكلية أن يستنبط نظرية في "الدوافع" التي تحرك الفرد المسلم وتوجه حركاته وسكناته، ذلك أن بواعث المسلم ودوافعه تنبع من تلك الفطرة المخلوقة السوية، التي لم يفسدها الانحراف أو الضلال، تلك - الفطرة التي تتلقى المنهج الإلهي المقرر، الذي فصلت جزئياته في الشريعة، فيصوغ لها قالبها النفسي الذي تتحرك من خلاله في حياتها الدنيا. فالمسلم إذن حين يتحرك من خلال تلك الشريعة، وفي قالبها ذاته، إنما تتناغم بواعثه ومقاصده مع ما تهدف إليه الشريعة وتقصده ... فمقاصد الشرع - في الإسلام - هي بشكل عام، "مقاصد الفرد المسلم"، وهي دالة بطريقة اللزوم على بواعثه ودوافعه، إذ العلاقة بين دوافع الفرد ومقاصده هي علاقة الفرع بأصله، وهي علاقة موجبة طردية، وإن لم يكن محل الحديث عن هذه العلاقة بشكل أوسع في هذا المقام، فإننا أردنا أن نبين أننا اتخذنا من، مقاصد الشرع (1) قواعد تهدي إلى "بواعث الفرد" في النظرية الإسلامية.
ينبعث الفرد المسلم في حركاته وسكناته ساعياً نحو تأمين حاجته من متطلبات خمس رئيسية، تدور حولها سائر حاجاته الإنسانية وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. وهذه الحاجات الخمس هي التي تبعث الفرد على إتيان أعمال محددة لحفظها ومنع زوالها، إذ بها تتحقق أقصى مصالحه على وجه الكمال، سواء في الدنيا أو في الآخرة،.كما أنه بعدمها يتعرض للتلف الآجل أو العاجل.
فلا عجب أن يكون الحرص على تحقيقها ومنع فواتها، هو الدافع الأصيل للفرد منذ أن يبدأ وعيه وحتى النهاية، فالحرص على "الدين" هو الباعث الأول للفرد، إذ به تتحقق هويته البشرية من حيث هو عبد لله الخالق، كما ينال ما يتمنى من السعادة الأبدية في الآخرة.
والحرص على النفس هو كذلك أمر فطري يندفع إليه الناس دون حاجة للتعلم أو التوجيه، والحرص على العقل دافع أصيل لدى الإنسان من حيث يحقق له القدرة على السيطرة على مقدراته، والسعي نحو حماية الأهم من النفس أو الدين، وحفظ النسل، الذي يؤمن للفرد شعور الاستمرارية والدوام. ورعاية النبتة التي تحفظ له اسمه ووجوده، يمثل ولا شك دافعاً قاهراً للمرء ليحقق ما به قوام تلك الحاجة الأساسية الأصيلة، والمال الذي هو زينة الحياة الدنيا، دافع حقيقي للمرء، يعينه على إبقاء النفس ورعاية النسل، وإعلاء كلمة الدين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتختلف تلك الحاجات، في شدة أثرها على بواعث الفرد ودوافعه، قوة أو ضعفاً، حسب رتبة العمل المقصود، في تلك الحاجة المحددة، فإما أن يكون الأمر ضروري، فيقوى الباعث عليه حتى لا يفتأ المرء يسعى لتحقيقه ليل نهار، سراً وعلانية، لا يجد راحة حتى يدركه، إذ كيف يتركه وهو أصل لا تستقيم الحياة - الدنيا أو الآخرة - بدونه! أو أن يكون أمر حاجي، يرتفع به ضيق الحياة، وهي من ثم دوافع تستحق السعي والطلب، مالم تعارض في هذا السعي بضرورة أولى بالتقدمة، تبعث النفس على تحصيلها بعثاً. ثم أخيرًا تلك الأمور التي تسبغ على الحياة سعتها، وتستدعي استكمال رفاهيتها ورغدها، وتحسن وجه الحياة في كافة مناحيها، وهي لا شك دوافع للمرء تحفزه على طلبها إذ تحقق باستكمالها ما به ضرورات بقائه، وحاجيات حياته.
وأخيراً، فإن قوة الباعث على تحصيل تلك الحاجات، تتوقف على أمور ثلاثة أخرى، تتعلق بأثرها؛ أهي على الفرد أم الجماعة؛ أهي شاملة أم محدودة في جزئية معينة، ثم أهي متحققة الوقوع أم موهومة، فما هو للجماعة، تميل نفس الفرد إلى تفضيله عما فيه فائدة شخصية، وما هو شامل مقدم على ما يعالج جزئية محددة، ثم ما هو متحقق الوقوع، لا شك فيه، تميل النفس إلى السعي نحوه "أكثر مما هو متوهم، لا يعلم: حقيقة هو أم خيال!.
من خلال ذلك العرض الموجز، لما عساه يكون قالباً للنفسية الفردية السوية، في بواعثها ودوافعها نحو تحقيق أعمال تحقق صالحها ورضاها وتشعرها بالكفاية والسمو الداخلي، تتم المقابلة التي أردنا إليها أولاً. ونلحظ من مقابلة تلك الحاجات التي تمثل القالب النفسي للفرد في النظرة الإسلامية، بما قدمناه آنفاً من نظرية الدوافع لماسلو، ذلك الفارق الشاسع سواء في هيكلها أو فرضياتها الأولية أو دقتها وسعتها.
فالنظرة الإسلامية لدوافع الفرد تتميز بإحكام بنائها، وإحاطتها بكافة ما يعتمل في النفس الإنسانية من عوامل، كذلك دقة تقديم الأوليات، حسب ما أدت إليه التجربة البشرية على مدى الزمان والمكان. وقد اعترض الكثير من الغربيين أنفسهم على متسلسلة ماسلو من حيث هي أغفلت أن الفرد في كثير- بل جل - عمله وحياته يقدم نفسه وحياته أمام حفظ كرامته أو معتقده، وأن الدراسات التطبيقية لم تدعم ذلك التسلسل المذكور.
كذلك فإن هذه النظرة تضع الفرد في محله الصحيح من الجماعة، من حيث إن أفعاله تنبعث من الحاجة إلى تحقيق صالح الجماعة أولاً ... ثم صالحه من حيث هو فرد فيها ثانياً، لا العكس كما ذكرنا عن النظرة الغربية الرأسمالية، ولا الترف الشيوعي الذي يسخر الفرد لصالح الجماعة - في زعمهم - لا غير.(/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {نظرات في الدراسات الاجتماعية - مصادرها ومناهجها}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 04:04]ـ
نظرات في الدراسات الاجتماعية - مصادرها ومناهجها
تحتل الدراسات الاجتماعية مكاناً بارزاً بين العلوم التي تشتد إليها حاجة الأمم، مع تزايد درجة وعيها بسنن الله سبحانه في خلقه الماديّ والبشريّ جميعاً، ومع اضطراد رقيها العقلي والخلقي، وبعدها عن عفوية الفهم، وتلقائية التصرف.
وإن كنا نقصد بتلك الدراسات ما يتناول الحالة الإنسانية في انفرادها واجتماعها بالبحث والتحليل، وإظهار ما يعتريها من ظواهر نفسية، وسنن اجتماعية، فإن القرآن الكريم قد أحلَّ تلك المباحث محلاً عالياً، وأولاها رعاية بالغة، وعالج في محكم آياته العديد من تلك الظواهر، كما أفصح عن دوام تلك السنن؛ دل سبحانه على اضطراد سننه العامة المادية والاجتماعية في قوله تعالى: ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ولَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)) [الأحزاب:62]، وعالج حركة النفس الإنسانية حين تواجه خطراً محدقاً يكاد يذهلها عن قوام وجودها - الإيمان - حتى لتظن بالله الظنون، قال تعالى: ((إذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ ومِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وإذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)) [الأحزاب:10] ثم يصف سبحانه حالة النفس المنافقة المخادعة، وقد واجهت الخوف والفزع: ((أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإذَا جَاءَ الخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ)) [الأحزاب:19]. ويفصح سبحانه عن اختلاط أصحاب النية الصافية الكاملة التوجه لله سبحانه بمن لا يزال للدنيا نصيب من نفسه، وإن لم يصادم ذلك الإيمان في معرض بيان أثر ذلك على الدعوة الإسلامية وتقدمها، منبئاً عن ذلك القدر الرفيع من الإيمان الذي يتمحض فيه الخير، وتتفرد فيه النية لله، ((حَتَّى إذَا فَشِلْتُمْ وتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وعَصَيْتُم مِّنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ولَقَدْ عَفَا عَنكُمْ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ)) [آل عمران] (1).
ثم كثير كثير من الآيات المحكمات التي يعالج فيها الحق سبحانه تلك الحالات التي تطرأ على النفس أفراداً وجماعات، ليكون المؤمن على بصيرة من نفسه، وعلى وعي بمسالكها ودروبها.
يقول سيد قطب في الظلال: "وكان القرآن الكريم يتنزل في إبان الابتلاء، أو بعد انقضائه، يصور الأحداث، ويلقي الأضواء على منحنياته وزواياه، فتنكشف المواقف، والمشاعر، والنوايا والضمائر، ثم يخاطب القلوب وهي مكشوفة في النور، عارية من كل رداء أو ستار ويلمس فيها مواضع التأثر والاستجابة (2).
ثم السنة الشريفة التي فيها بيان الكتاب وتفصيله، هي بيان لما بين العبد وربه، وبين العبد وأخيه، وبين العبد ونفسه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنته القولية والعملية، وفى سيرته الطاهرة قد مارس أعلى درجات التربية النفسية، والتوجيه الجماعي لتلك العصبة المؤمنة الأولى ممارسة فعلية وبياناً قولياً بما يصلح أن يكون منهجاً متكاملاً وأساساً ركيناً لما هو موضوع تلك الدراسات الاجتماعية الإنسانية.
وقد تناول عديد من علماء المسلمين وأئمتهم، في مجالي المباحث الأخلاقية والتربوية، ما يجب أن يكون عليه المسلم من خلق قويم، وما يجب أن يتحاشاه من سلوك ذميم، من خلال التعرض لتلك الصفات الحميدة التي دل عليها الكتاب وفصلتها السنة كالصبر والحلم وكظم الغيظ في مجال المباحث الخُلُقية، كالإمام النووي وابن القيم وغيرهما.
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك تناثرت في خلال بعض الدراسات التاريخية إشارات للسنن الاجتماعية التي جعلها الله سبحانه قوانين ثابتة تحكم التجمعات البشرية في كل زمان ومكان، كما يتضح في كتابات ابن تيمية وابن القيم على وجه الخصوص كما ظهرت في العصر الحديث بعض الدراسات التي تناولت الجوانب الخلقية والأصول التربوية الإسلامية وبعض الظواهر الاجتماعية بالبحث والتحليل، نذكر منها - على سبيل المثال لا الحصر- تلك الدراسات القيمة للأستاذ محمد قطب عن "منهج التربية الإسلامي" والتي تناول فيها، فيما تناول، بعض الظواهر المتعارضة في الحياة الاجتماعية، والتي تتعرض لها النفس الإنسانية بعامة، في صورة من الصور، كالفردية والجماعية، أو السلبية والإيجابية (3).
وقد أسهم الدكتور محمد أمين المصري، بدراساته العميقة حول التربية الإسلامية وأغراضها، وحول دور الفرد والمجتمع في الإسلام، وسلوك الفرد وأهميته، في مجموعة محاضراته "المجتمع الإسلامي" وكتاب "المسؤولية" وغيرهما، مما هو جدير بأن يكون محل احتفاء ورعاية من المسلمين، لما فيه من توجيهات فذة، وتحليلات رائدة.
كذلك ما تناوله الأستاذ مالك بن نبي من ظواهر شائعة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، بعد أن تقهقرت في سلم الرقيّ الحضاريّ كالسطحية، وذهان السهولة، وما أشار إليه الأستاذ جودت سعيد في كتابه القيم "حتى يغيروا ما بأنفسهم"؛ إلى غير ذلك مما يهم المسلمين اليوم أن يرصدوه في واقعهم وأن يتعاملوا معه تعاملاً واقعياً مبنياً على معرفة وإحاطة بما يعتمل في النفس الإنسانية من دوافع الخير ونوازع الشر.
ومما لاشك فيه أن الساحة الإسلامية قد ماجت بأحداث جسيمة خلال العقود القليلة الماضية، وتجاوبت تلك الساحة للأحداث بردود أفعال شتى، ظهرت من خلال أوضاع لا تغيب عن عقل الباحث المتتبع لمسرح الحياة الإسلامية في تلك الفترة المعاصرة. وكان من نتائج تلك الأحداث وردود أفعالها في واقع المسلمين وحياتهم أن ظهرت معطيات جديدة في الخريطة الاجتماعية للحياة الإسلامية لم تكن من قبل، كما تعرضت النفس المسلمة - الفردية والجماعية - لمؤثرات لم تتعرض لها من قبل، ذلك كله قد جعل الحاجة ماسة -أكثر من أي وقت مضى- إلى مزيد الاهتمام بتلك الدراسات الاجتماعية والإنسانية، والتي تتناول بالتحليل والملاحظة النفس الإنسانية المسلمة في واقعها الفرديّ والجماعي، ومن خلال حالات واقعية محددة بعيدة عن التجريد، لتصل إلى الأسباب الكامنة وراء تلك الظواهر العديدة التي تجتاح المسلمين وحياتهم، وتجتالهم عن طريق الحق والتقدم للهدف.
ولنزيد الأمر إيضاحاً فيما يخص تلك الدراسات، نستعين بضرب المثل - أسوة بالقرآن الكريم - ولنتصور جماعة من العاملين بأحد المصانع، وقد لاحظ القائمون عليهم ضعفاً وتكاسلاً، انعكس على قلة الإنتاج ورداءته، ولمعالجة ذلك القصور كان أن عرض اقتراحان:
أولهما: أن يبين للعاملين في هذا المجال -من خلال محاضرات وندوات طويلة ومكثفة - ما يجب أن يكون عليه العمل، وما هي صفات العامل المجد، وما هي عواقب التكاسل والتراخي، وما هي مزايا الجد والاجتهاد وفضل الإيثار وعدم الأنانية .. على أن يتم هذا التوجيه سواء بالكلمة المسموعة أو النشرة المكتوبة.
ثانيهما: أن نتناول بالملاحظة والتحليل تصرفات العاملين في المواقف المختلفة - أفراداً وجماعات - وطبيعة العلاقات بينهم، وأن تشمل تلك الدراسة طبائع مثل تلك التجمعات مقارنة بمثيلاتها ممن يشترك معها في صفاتها وخصائصها ونزعاتها، ثم علاقتها بقياداتها التي تدفعها للتكاسل والإحجام، أو البذل والعطاء، وما هي وسائل حفز أولئك الأفراد ليكونوا أغزر إنتاجاً، وأكثر نشاطاً، وأقل اختلافاً، وتعارضاً في المصالح كما يشمل البحث الحياة الشخصية للأفراد، فرداً فرداً ليرى ما يؤثر فيها من مشكلات وصعوبات تنعكس على أدائها بشكل أو بآخر، وما يوجهها في حركتها من دوافع داخلية مستترة قد تتوافق مع الهدف العام والسياسة النهائية للمصنع أو تتعارض معه، كذلك تلك العلاقات التي تنشأ بين الناس من حداثة وود وأخوة، أو عداء وبغض وتحاسد، والتي يرجع وجود كل منها إلى طبيعة النفس الإنسانية في أساس فطرتها حين تتعارض المصالح أو تتدافع الأهواء، بحكم ما هو واقع لا بحكم ما يجب أن
(يُتْبَعُ)
(/)
يكون.
حين تتم هذه الخطة، وينتهي هذا البحث، فإنه يمكن أن نزيل ما أمكن من عوائق داخلية تعرقل الاندفاع لتحقيق الهدف والوصول إلى الغاية وزيادة الإنتاج وكفاءته.
إذا انتقلنا بذلك المثال من مجال العمل والصناعة إلى مجال النشاط الإنساني عامة، في اجتماعه لأداء عدد من الأهداف المحددة كمجموعة إنسانية، أو لتكوين وحدة بشرية تاريخية كمجتمع متكامل، لاتضح لنا أهمية ما أشرنا إليه من دراسات.
فالحل الأول: يمثل الاتجاه المثالي في حل المشكلات، وهو الطريق الأسهل.
والحل الثاني: يمثل الاتجاه الواقعي التجريبي، الذي اعتمده القرآن في مواجهة الأحداث أثناء تنزله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ليصلح من خلال الحركة الواقعية الحية، كما يصلح من خلال البيان النظري.
الحل الأول: يمثل حلماً جميلاً يتمناه الناس جميعاً، ينبني على فرضية أن الناس تتبع أحسن ما يقال لهم، وأنه بمجرد ظهور الحق ومعرفته، سينصاع له الكل متحدين متآلفين! وأن النفس الإنسانية حينذاك تكون في قمة الأداء، لا تشوبها شائبة من طمع أو تحاسد أو مصلحة .. ولكن رصيد ذلك في الواقع قليل ..
والحل الثاني. يأخذ في الاعتبار ما أوضحه الله سبحانه في محكم آياته من أن " الإنسان" قد جبل على صفات مشتركة مركوزة في أساس فطرته، قال تعالى: ((إنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وإذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعاً)) [المعارج:70]، وقال تعالى: ((خُلِقَ الإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ)) [الأنبياء:36]، وقال تعالى: ((وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفاً)) [النساء:28]، والإنسان هو الإنسان .. المسلم يعلو بإنسانيته، لا فوقها - كما زعمت النصارى حين فرضت على قساوستها ترك الزواج لأجل الله! في زعمهم - ويدافع شهواته وطبائعه فينتصر حيناً، وله الثواب والفضل لله تعالى، وينهزم حيناً، فثم شرعت الحدود والعقوبات للتطهير والتكفير .. ثم عفو الله العميم .. ذلك والمشرك مخلد إلى الأرض قانع بالدون سادر في عينه. فاعتبار تلك الطبائع والفطر -إذن - بالنظر إلى تلك القوانين الكلية التي تحكم حركة المجتمعات الإنسانية عامة، وأسباب صعودها واندفاعها، ثم عوامل ضعفها وانهيارها إنما هو بمثابة الطريق المرسوم الذي يخطو عليه المسلمون عارفين بدروبه وشعبه، آمنين مزالقه ومخاطره، وهو الهادي لهم في تجمعاتهم العامة والخاصة، الكبيرة والصغيرة، إذ هي سنن كلية الهية لا تتخلف في زمان دون زمان، ولا تجامل فئة دون فئة.
ولا يظن ظان أن تلك الدراسات مبتوتة الصلة عن العلوم الشرعية، وأن لا مكان لها فيما يتعلق بالعلم الشرعي! وإنما هي -كما في علوم التاريخ والعربية والأصول - علوم خادمة للعلوم الشرعية الأساسية كالتفسير والفقه والحديث، والتي هي كلها في آخر الأمر إنما تفي بإقامة حياة الناس في الأرض على حسب ما أراد لهم ربهم سبحانه، فهي تعين على فهم الواقع، وتساعد على استنباط ما يصلح حياة المسلمين من الأحكام الشرعية، التي تحكم واقع المجتمعات عامة، وخلجات النفوس خاصة، كما تحكم تصرفات الأفراد وقوانين الدول.
وقد تعرضت تلك النوعية من الدراسات في هذا المجال، والتي ظهرت بشكل مستقل متخصص في أوربا منذ أوائل القرن التاسع عشر الميلادي للكثير من النقد والإعراض.
وكان ذلك النقد والإعراض مبنياً على مبدئين رئيسين:
أولهما: أن ما يعرف حالياً بالدراسات الاجتماعية والإنسانية، هو وليد الفكر الغربي، وحضارة الغرب - بكل ما تحمله من أوزار فكرية - تجعل نتاجها محظوراً، وإن صلح بعضه، درءاً للشبهة، وبعداً عن مواطن الزلل. كما أن كثيراً من رواد تلك الدراسات في الغرب من الشخصيات المشبوهة التي ينبعث فكرها من خبث فلا تنتج للناس إلى خبثاً.
ثانيهما: أنه - على العكس من ذلك وفي مقابله -يقدم الإسلام لأبنائه، كمنهج شامل للحياة الإنسانية من لدن حكيم خبير، تصوراً واضحاً، وأساساً سليماً يصور الحركة الاجتماعية في سكونها وتطورها، وفي صعودها وهبوطها، ويصف الحياة الإنسانية في أدق خلجاتها النفسية من المصادر البشرية، انحراف عن الصواب، ونكوص عن الحق، لا يليق بالطليعة المسلمة التي تنشد أن تكون مناراً وضيئاً يفىء إليه المسلمون من كل حدب و صوب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكلا الأمرين حق لا ريب فيه، فالدراسات الاجتماعية والإنسانية والغربية - في العديد من جوانبها - تختلف عن الإسلام في المصادر والوسائل، ومن ثم في الأهداف والنتائج.
كذلك فإن الزاد الهائل الذي رصده القرآن -كما أشرنا إليه - ليضع به تصوراً واضحاً لأسس الاجتماع الإنساني على أساس أن "الإنسان" هو خلق الله تعالى، وتحليل النفس الإنسانية كما هي عليه من ناحية، وكما ينبغي أن تكون من ناحية أخرى، لجدير بأن يغترف منه الباحثون ما يقيمون به علماً يوجه حركة المجتمع، وخلجات النفس إلى الأمثل والأكمل.
إلا أن ذلك كله لا يمنع من أن يتعرض المسلمون لنتاج الفكر الغربي في هذا المجال دارسين وناقدين، مصححين أو مزيفين، بشرط دقة التحري في البحث، وأن يكون الباحث كالصيرفي الماهر الذي ينقد صحيح الذهب من زائفه، وأن يكون على علم شرعي يتمكن به من تمييز ما يخالف عقيدة أهل السنة ومنهج نظرهم، أو يصادم معلوماً من الدين بالضرورة ويهدم أصلاً من أصول الشريعة، مما هو مشترك بين بني آدم بحكم اتفاق الفطرة، واتحاد الأصل، ووحدة السنن، وبما يتمشى مع توجيهات الله سبحانه للمسلمين بما يحفظ له علو المكانة وشرف المنزلة التي يسود بها سائر المخلوقات.
وإننا لنجد ذلك المنهج جلياً في تلك الدراسة العميقة التي كتبها الدكتور "محمد عبد الله دراز" عن "دستور الأخلاق في القرآن" والتي بحث فيها النظرية الأخلاقية في مباحث الغرب، بنظر المسلم المتمكن من فهم دينه، فأقر بالصحيح، وكشف عن وجه الضعف والخلل، أو النقص والقصور، ثم وضع أساساً للدستور الأخلاقي الإسلامي كما أوصت به نصوص الكتاب الكريم بناء على تلك الدراسة المقارنة.
فعلى سبيل المثال، نجد الباحث في حدود حديثه عن مصادر الإلزام الأخلاقي قد تعرض لكاتبين من كبار مفكري الغرب، أولهما: هنرى برجسون في كتابه "مصدرا الأخلاق والدين" حيث قال عنه دراز: "استطاع الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون، في تحليله العميق لقضية الإلزام الأخلاقي أن يكشف له عن مصدرين: أحدهما قوة الضغط الاجتماعي، والآخر قوة الجذب ذي الرحابة الإنسانية المستمدة من العون ا لإلهي" (4).
إلا أنه عقب على ذلك -بعد التحليل - بأن عرض برجسون لا يفي بالمقصود، بل ويخالف المنحى القرآني في بعض جوانبه؛ قال: "أما إذا تناولناه - على أنه نظرية في الإلزام الأخلاقي - فإن تحليله يحمل بعض الصعوبات، وشيئاً من الانحراف عن الجادة، بالنسبة إلى وجهة النظر القرآنية " (5).
كذلك فقد تعرض لما كتبه المفكر الفرنسي "عمانويل كانت" عن الإلزام الأخلاقي في كتابه "أسس ميتافيزيقا الأخلاق" فقال: "ولقد أحسن "كانت" صنعاً برغم النقص في طريقة تقديمه لنظريته حين أكد أنه كشف عن مصدر الإلزام الأخلاقي في تلك الملكة العليا في النفس الإنسانية".
ثم أوضح أن ذلك يتفق تماماً - حسب ما يرى- مع النظرة المستخلصة من القرآن في تكوين الإحساس بالخير والشر لدى الإنسان في قوله تعالى: ((ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاهَا)) وتزويدها بالبصيرة الأخلاقية في قوله تعالى: ((بَلِ الإنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)) (6).
ذلك المنهج الذي يتعرض لنتاج الفكر الغربي فيحلل وينقد، ويصحح ويزيف هو ما أردنا إليه، إذ تتسع من خلاله آفاق المعرفة، وتتفتح المجالات المتعددة التي يجب أن يعني بها المسلمون أكثر من عناية الغربيين فالحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها ممن سواه.
إلا أنه يتعين علينا، قبل أن نمضي في بحثنا قدماً، ألا ندع مجالاً للبس أو الغموض لدى القارئ في تحديد نوعين من المصادر التي أشرنا إليها آنفاً:
أولهما:
تلك المصادر التي يرجع إليها في تحديد القواعد العامة والقوانين الكلية التي تندرج تحتها تلك الأشكال من العلاقات الاجتماعية والإنسانية، والتي تستقي منها الإجابات والحلول لشتى المشكلات والأوضاع الواقعية، ونعني بها: كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وسيرته ثم ما انبنى عليهما من منهاج استقر عليه الصحابة والتابعون، وتمثل في حياة وسير أعلام الأئمة على مر العصور.
وثانيهما:
(يُتْبَعُ)
(/)
تلك المصادر التي يمكن أن تسهم في إثراء مجال التجربة الإنسانية، في الواقع الحي، بحيث يشمل نطاق البحث الإسلامي كافة ما يمكن أن يشمله من أوضاع وعلاقات، سواء نشأت في الواقع الإسلامي، أو في الواقع الغربي بحكم ما هو مشترك بينهما في الصفات الإنسانية العامة.
فالمصادر الأولى: هي مصادر الحلول والهداية، إلى جانب التجربة الواقعية.
والمصادر الثانية: هي مصادر تغني مجال التجربة، وإن تقيدت في نتائجها النهائية وتحليلاتها بمعطيات المنهج الإسلامي لتوائم الواقع الإسلامي الذي تُطبق عليه.
ولا بأس - إذا وصلنا إلى ذلك القدر من البحث - أن نعرض لمثالين من إسهامات باحثي الغرب في المجال الذي أشرنا إلى أهميته في بحثنا، مما نجده صالحاً للاستعانة به في فهم مجال تلك الدراسات المطلوبة وتحديد منهاجها ومجالها.
أول تلك الدراسات لأحد العلماء الألمان وهو "ماكس فيبر" 1864 - 1920 حيث ذكر خلال تحليله القيم للبناءات الاقتصادية الكبرى، وما يرتبط بها من عوامل اجتماعية، تؤخذ في الحسبان لتؤتي تلك البناءات ثمارها، إلى أن المجموعات البشرية - بشكل عام - حين تعمل لهدف من الأهداف بشكل جماعي، فإنها تمر بأطوار محددة لا تكاد تختلف -حسب ما ذهب إليه الكاتب -في حالة المجموعات الدينية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
أولها: سلطة الزعيم أو البطل الموهوب: الذي يقوم العمل على أكتافه وبمواهبه الذاتية وقدراته الشخصية، التي عادة ما تكون قدرات فائقة، وفي هذه المرحلة يكتفي الاتباع بترسم خطى الزعيم واتخاذ أقواله منهجاً وأفعاله معلماً، وغالباً ما تنعدم روح النقد وتندر روح الابتكار في تلك المرحلة للثقة في الزعيم المؤسس، ويكون الولاء مقدماً على الكفاءة، من حيث أن الحاجة إليه في إحكام الترابط أشد من الحاجة إليها، وقد استغنى عنها بمواهب الزعيم.
الثانية: وهي التي تنشاً حين اختفاء الزعيم المؤسس لسبب من الأسباب، وفيها تتجه المؤسسة إلى أحد شكلين من أشكال التعامل والتعارف.
أولهما: التقليد أو التقليدية:
وفيها تجري الأمور على ما قرر ذلك الزعيم دون تغيير أو تبديل، كما يقل التجديد ولا يتوقع أن ينشأ زعيم من طراز المؤسس، بل حتى إن نشأ فإنه عادة لا يلاقي قبولاً كافياً لمنحه سلطة العمل المطلق ولا يندفع العمل للأمام إلا بقدر طاقة القصور الذاتي، المخزونة فيه من المرحلة الأولى.
ثانيهما: التنظيمية العقلية:
وفيها تنحو المؤسسة منحى التنظيم المبني على التخطيط والعقل وإعطاء كل مشارك دوراً فعالاً، دون ادعاء لوراثة الزعيم المؤسس من أحد أتباعه، أو لضرورة تقليد خطواته كما رسمها، وتكون الحركة على أساس تقييم صحة العمل ونتائجه لا على أساس نسبته لما قرره المؤسس.
وعلى أساس الخط الذي تختاره المؤسسة - في المرحلة الثانية - من هذين الاتجاهين يكون مدى نجاحها أو إخفاقها في الوصول لهدفها المحدد (7).
وما سبق هو عرض محض - بما يناسب الواقع الإسلامي - لما ذكره العالم الألماني، يلحظ فيه قوة الملاحظة، واستقراء الواقع، مع محاولة استنباط السنن العامة التي تربط الحوادث الاجتماعية برباط واحد، وتخضعها لقانون عام، حتى يمكن تعرية آثارها والاستفادة منها فيما شابه تلك الحالات بأن ظاهرة العمل الجماعي، كما وصفت في تلك الدراسة، هي ظاهرة اجتماعية عامة، تنشاً - عادة - حول نواة ديناميكية متحركة تجتذب حولها - حسب قوة جاذبيتها الخاصة-العديد من الوحدات العاملة، لتدور في فلكها، وتتغذى بحرارتها، وتهتدي بمسارها، ثم لا تلبث تلك النواة أن تختفي لسبب أو لآخر، فماذا يكون مصير تلك الوحدات العاملة؟ وهل ينفرط عقدها ويتناثر جمعها؟! الاستقراء الذي تدفعه تلك الدراسة قد دل على طريقين: أحدهما يخضع لذلك التقليد الممقوت الذي يجعل التابع أقرب للآلة منه للإنسان، فلا يصح عنده إلا ما كان ولا مكان لجديد تحت الشمس! وما كان البطل الموهوب ليخطئ، بل وما كانت الظروف التي لابست وجوده وعمله لتتغير بما يستدعي إعادة النظر في منهاج عمله، وإن ظل الهدف ثابتاً .. إلى آخر تلك الظواهر التي هي إلى خواص النفس المريضة أقرب من النفس المخلصة.
(يُتْبَعُ)
(/)
والطريق الآخر يرجع -في حقيقة أمره - إلى دقة المؤسس الأول في رسم الخطوات التالية التي تضمن مسيرة المؤسسة للأكمل، كما يتأثر بمدى عمق الفهم وسعة الأفق واستيعاب المنهج لدى الصف الثاني من العاملين، حين تغير الظروف وتبدل الأحوال، فتنشأ حينئذ التخصصات، وتنمى المواهب، ويترك المجال مفتوحاً لكل اجتهاد يدفع عجلة التقدم، وتتسع الصدور للنقد البناء، وتتساقط دعاوى العصمة.
إلا أنه من الضروري الإشارة إلى قصور تلك الدراسة عن أن تشمل ذلك النمط الخاص الذي تفرد به أنبياء الله -صلوات الله عليهم-، فإن إطلاق ذلك التصور على كافة ما يطرأ على الاجتماع الإنساني في كل المجالات كما صور الباحث تجوُز لم لا يصح، إنما منشؤه عدم إدراكه لمعنى النبوة ودورها، فإن الأنبياء عليهم السلام، الذين هم أقطاب البشرية التي دارت حولها تجمعات إنسانية هائلة، واهتدى بهديهم البشر في كل زمان ومكان، لا يخضعون لذلك التحليل، إذ إنهم سادة المربين الذين أحسنوا توجيه الاتباع إلى خيري الدنيا والآخرة.
وثاني تلك الدراسة يختص بدراسة تصرفات الأفراد حين يعملون بشكل جماعي لتحقيق هدف من الأهداف، خلاف الأولى التي عنيت بشكل وتطور المجموعة البشرية كمؤسسة جماعية لا بأفرادها داخل تلك المؤسسة، وقد أوضح صاحبها وهو العالم الأمريكي "توم يرنز" أن نشاط الأفراد يتجه داخل المؤسسات الجماعية-أيا كانت طبيعتها وهدفها - إلى ثلاثة أشكال:
الأول - النشاط التعاوني:
ويعني أن الأفراد تنزع فيما بينها-وقد اجتمعت على هدف من الأهداف - إلى أن تتعاون لتحقيق ذلك الهدف، إذ هي تدرك بالفطرة أن قواها الذاتية منفردة لا تقوى على تحقيق الهدف إن لم تنضاف بعضها إلى بعض.
الثاني - الاتجاه التنافسي:
وهو يعنى أن الأفراد حين يعملون بشكل جماعي، وبرغم ضرورة التعاون التي يدركونها فيما بينهم، فانهم ينزعون -كأفراد أو كمجموعات -إلى التنافس على تحصيل أكبر قدر من الإمكانيات المتاحة داخل تلك المؤسسة لصالح فرد من أفرادها أو مجموعة من مجموعاتها على السواء.
الثالث - التعامل السياسي:
ولا يعني مصطلح السياسة في هذا المجال ما يتبادر إلى الذهن مما هو معروف من معاني السياسة الدولية الخارجية أو الداخلية، إنما يعني - بإيجاز - استخدام تلك الأساليب غير المباشرة التي يلجأ إليها الفرد - أو الجماعة - في ظروف خاصة، لتحقيق هدف معين، مثال ذلك من يحاول إبراز قيمة عمله الشخصي، وأهميته بالنسبة للصالح العام للمؤسسة، وكم يلاقي من متاعب في سبيل إنجازه، حتى يصل إلى هدف خاص -قد يكون مشروعاً في غالب الأحيان - كتثبيت وجوده داخل تلك المؤسسة، أو اكتساب قدر أكبر من الأهمية يمهد به لكسب معنوي أو مادي (8).
ومع التأكيد على أمرين:
أولهما: خطر التعميمات والإطلاقات التي تطلقها تلك الدراسات على نتائجها واستقراءاتها.
والثاني: أن تلك الدراسة إنما كانت مادتها التي استمدت منها مشاهداتها، هي الجماعات الأوربية - أو الغربية على الأصح - التي تتميز بثقافة خاصة لها جذور نفسية معينة، كما أن لها وسائلها الخاصة في النظر للأهداف والوسائل على حد سواء.
إلا أنه لا يمكن القول بأن تلك الدراسة وإن كانت تتناول مجالاً معيناً من مجالات الاجتماع الإنساني في سبيل تحقيق أهداف مشتركة، إلا أنها في حقيقتها وصف لذلك التدافع الذاتي الذي أقام عليه الله سبحانه أمر الدنيا والناس، وهي صورة العلاقات البشرية المعقدة التي تحتاج إلى تشريح وتفصيل في كل دقائقها، ليتمكن الناس من نهج ما يصدر عنهم وعن غيرهم -أفرادا وقيادات - في مختلف المواقف والحالات.
ولاشك أن تحليل تلك القوى العاملة -على السطح وتحته - في المجتمعات الإنسانية يعطي تصوراً للمسلمين، يمكنهم من تقوية مجتمعاتهم وتحديد القوى السالبة التي تدفعهم للوراء، وتقليل آثارها ما أمكن.
(يُتْبَعُ)
(/)
فالتركيز على فهم سنة "الاتحاد" وضرورته كبديل وحيد للوصول إلى الغاية المنشودة إنما يتأتى بإبراز ذلك النوع الأول من النشاط التعاوني وتقوية الشعور به وتنميته. كذلك فإن الحد من آثار ذلك الاتجاه التنافسي، أو تحويل قوته الدافعة إلى قوة مفيدة للعمل بدلاً من أن يكون سبيلاً للتحدي بين الأفراد، والمنافسة الذميمة بينهم، أو مجالاً لاختيارات القوى التي يظهر فيها ضعف النفوس، وصغر الاهتمامات، لهو هدف من الأهداف التي تستحق أن يبذل فيها الباحثون جهدهم للوصول إلى كافة تفصيلاته التي يمكن أن يبرز فيها في مختلف المجالات.
كما أن إدراك السبل والوسائل التي يتخذها الناس للوصول إلى أغراضهم - وإن كانت مشروعة - لهو ضرورة حتمية يحتاجها الدعاة إلى الله ليكونوا على بصيرة في تعاملاتهم، إذ إنه مما لاشك فيه أن الوصول للغرض بشكل مباشر مستقيم قد يكون أقصر طريق وأوضحه، إلا أنه يمنع منه موانع كالحذر من سوء فهم الآخرين، أو الحرص على عدم تجاوز حد معين في العلاقات، أو غير ذلك ..
ومحاولة تقليل آثار تلك الممارسة السياسية في العلاقات - إلا فيما تصلح له -أنفع للمجتمع الإسلامي، والنفس المسلمة وإن كانت في حالة إيمانها أرفع مما يدركه ذلك العالم الإنكليزي، إلا أنها لا تسلم من أن تتعرض لتلك النوازع البشرية العامة خيرها وشرها.
من هنا تنشأ أهمية توجيه الهمة إلى تحليل تلك العلاقات والنوازع التي تنشأ من ضرورة التعاون أولاً، ومن طبيعة النفس ثانياً، ثم من سنن الاجتماع ونتائجه أخيراً.
ونحن لا نقصد في هذا المقال إلى استقصاء مثل تلك الدراسات، أو بسط ما فيها بالشرح والنقد، وإنما قصدنا إلى أن نؤكد على ضرورة أن نولي هذه النوعية من البحث مزيداً من الاهتمام، وأن تبني على هدى القرآن والسنة، ومراجعة ما أفرزته العقول البشرية في هذا المضمار، كما ضربنا أمثلة من ذلك التناول ومنهجه، لما يمكن أن يكون مجالاً للبحث والتحليل في التركيبة الإسلامية الاجتماعية المعاصرة.
ولعل الله سبحانه أن يلهمنا الصواب في القول والعمل جميعاً.
الهوامش:
1 - انظر ابن كثير 1/ 422، و:في ظلال القرآن 1/ 494.
2 - في ظلال القرآن 5/ 2831.
3 - محمد قطب، منهج التربية الإسلامية 1/ 162 وبعدها.
4 - دستور الأخلاق في القرآن لدراز / 23.
5 - المصدر السابق / 24.
6 - المصدر السابق / 25 - 27.
7 - ... er, Max. The theory of social and economic Organization P 341 - 392,
and pugh, D.S Writers on Organizations P15. 8- كذلك يمكن. الرجوع إلى مصادر أخرى لهذا الموضوع مثل: Pugh, D.s. Writers on organizations Power and Politics , pfeffer. Psychology. of Group. lnfluance,p.pulou.
[ البيان اللندنية، 1987](/)
مقالات الشيخ طارق عبد الحليم {الحرية العرجاء}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 04:13]ـ
الحرية العرجاء
في إحدى قاعات الدراسات .. العليا بجامعة بريطانية عريقة، ثار نقاش بين جمع من الطلاب الإنجليز حول التركيبة الاجتماعية الحالية للمجتمع في هذه البلاد، وعلاقتها بالنظم السياسية والاقتصادية. وقد اشترك في بداية النقاش بعض الطلبة العرب، ثم آثروا ترك المجال لأبناء البلد ليدلي كل منهم بدلوه في ذلك الأمر.
وقد آثرت أن أثبت - بإيجاز - ذلك الحوار لما فيه من صدق وتلقائية .. وكما قيل "من فمه ندينه".
أبدى أستاذ القسم ملاحظة حول تكوين النقابات العمالية ونشأتها، وما يتعلق بنظام الأجور القومي الذي اتفق عليه بين أرباب العمل، وبين النقابات، وارتباطه بنوعية العمل، وبيّن أن ذلك يرتبط بعدة أمور - عدا كمية العمل ونوعيته - كعمر العامل وجنسه! أي رجل أم امرأة ..
وعند تلك النقطة تدخّل أحد الطلبة قائلاً: إن ذلك الأمر لمن غرائب هذا المجتمع، إذ لا يوجد أي سبب يبرر ذلك التمييز في الأجر؟! فالمرأة التي تعمل في وظيفة ما، تتقاضى أقل من الرجل الذي يشغل الوظيفة نفسها، ويؤدي الجهد نفسه، ويقضي ساعات العمل نفسها [حوالى 75% من أجر الرجل].
وأبدى أن ذلك يتناقض مع ما يدعيه المجتمع الإنجليزي من حرية ومساواة، خاصة في مجال المرأة وحقوقها ..
وكان ردّ أحد الطلبة البريطانيين - والذي تجاوز الخمسين من العمر - قائلاً:
إن ذلك يرجع إلى أصل ما كان عليه المجتمع الغربي قبل عدة عقود من تقاليد ومبادئ تتخذ العائلة كوحدة اجتماعية للبناء الاجتماعي، فالرجل كان هو المسؤول عن العائلة، بما فيها المرأة والولد، وهو الذي عليه أن يوفر ما يحتاجه البيت، والأسرة، والمرأة محلها داخل البيت كزوجة، وأم للأولاد، فيحتفظ المجتمع بتوازنه لاحتفاظ الخلية العائلية بتوازنها، أما من بعد الثورة الصناعية، والتطورات الأخيرة في العقلية الأوربية من اختلال للمعايير والموازين، وبزوغ فكرة الحرية الفردية وعلو شأنها حوالي منتصف القرن الماضي - بما تحمله تلك الكلمة من حق وباطل - فإن الوحدة الرئيسية للمجتمع لم تعد العائلة، بل صارت» الفرد «رجلاً كان أم امرأة .. ومن ثم .. وبعد أن تبدلت القيم والمفاهيم، وشاعت الحرية - صارت المرأة لا تعني الزوجة أو الأم للرجل، بل زميلة العمل أو الصديقة والخليلة، ولم يعد الرجل بحاجة إلى الزواج وإقامة العائلة كوحدة اجتماعية-في غالب الأحيان - فحاجاته الطبيعية ملباة دون مسؤوليات تلقى على عاتقه، وهو حر في التنقل بين امرأة وامرأة، كما أن المرأة حرة في التنقل بين رجل ورجل، كما تقتضيه دفعة الجسد العمياء ولقد كان من المنطقي، وليتناسق النظام، أن تتساوى الأجور، إلا أن ذلك لم يحدث، وظل القانون يحتفظ بتلك الصورة القديمة الكامنة في الفطرة الإنسانية، والتي تجعل من الرجل المسؤول عن تأمين احتياجات العائلة، ومن المرأة زوجة وأماً ..
وساد صمت على القاعة لعدة دقائق راح فيه كل طرف يقلب الأمر على جوانبه بين مؤيد ومعارض. وكنت أعجب من ذلك الحوار الذي أنطق الله فيه أحد عقلاء الإنجليز بالحق، وأظهر فيه ذلك التعارض القائم بين ادعاء الحرية والمساواة - خاصة في مجال المرأة - وبين ما هو واقع الحال من تفرقة عجيبة لا أساس لها من المنطق العادل بحال - إن حاكمناهم على أصولهم في الحكم على الأمور - تجعل المرأة في الصف الثاني مهما بذلت من جهد وعرق، مثلما يبذل الرجل ..
وإن كان عجبي كبيراً من ذلك المنطق الأعوج، وانحراف الفطرة عن طبيعتها لمّا تركت الهدي الإلهي، وزاغت في طريق الضلال .. فإن عجبي لأكبر ممن هم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ويدعون إلى تلك الفوضى الاجتماعية التي يلبسونها ثوب الحرية زوراً وبهتاناً، وينادون في كل ناد أن: اعطوا المرأة المسلمة حقها أسوة بالمرأة الأوربية!! بل ويقف بعض المسلمين الطيبين موقف الدفاع على أساس أن المرأة المسلمة لها حقوق كذلك في الإسلام أسوة بالمرأة الغربية!؟.
ونحن نرد عليهم دعواهم، وندعي خلافها: أن المرأة الغربية لم تنل حريتها حقاً وصدقاً .. ويالها من حرية تلك التي تشقى بها المرأة في الكد والعمل خارج البيت، وبالوحدة واحتمال الولد - غير الشرعي - ومسؤولياته، ومواجهة الحياة دون رفيق يعين على ذلك العناء .. ثم تتقاضى أجراً أقل من مثيلها من الرجال ..
والقانون الإنجليزي لم يحتفظ بتلك الصورة ورعاً وتقوى! إنما احتفظ بها لأنها تخدم أصحاب رؤوس الأموال، في مجتمع رأسمالي يؤمن بالنفعية كأساس للتعامل، فالمرأة تحتاج إلى العمل بعد أن تخلق عن دورها الطبيعي، وبعد أن تخلى عنها الرجل، ولا بأس إذن من تحقيق فائض من الربح عن طريقها.
ونحن - وإن كنا لا ندعي أن حضارة الغرب شر كلها لا يشوبه خير؛ قط إذ أن ذلك لا يكون في أمر من أمور الدنيا التي خلقها الله سبحانه على امتزاج الأمرين معاً، فخير غالب يشوبه بعض الأذى، أو شر غالب يسري فيه بعض الخير - قد قصدنا إلى بيان أحد أوجه النقص وأكثرها أهمية في المجتمعات الغربية وغيرها، التي ارتضت طريقة عيشها ليعلم المسلمون أي خير هم عليه، وأي حق هيأ لهم .. ويا ليتهم يعلمون فيعملون.
[مجلة البيان اللندنية 1986](/)
أدعياء التجديد الديني، على أطراف اصابعهم!
ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 07:06]ـ
http://www.alarab.com.qa/details.php...o=137&secId=23
مستقبل الإسلام في الغرب والشرق .. سلسلة حوارات لقرن جديد
2008 - 05 - 12
قراءة: د. أحمد خيري العمري
اسم الكتاب: مستقبل الإسلام في الغرب والشرق .. سلسلة حوارات لقرن جديد
المؤلف: مراد هوفمان - عبدالمجيد الشرفي
دار النشر: دار الفكر - دمشق
تمثل حوارية «مستقبل الإسلام في الغرب والشرق» فرصة نادرة للقاء بين رؤيتين مختلفتين للإسلام ولمستقبله، واحدة منهما رؤية مفعمة بالأمل من دون أن تنفي وجود المخاطر المحدقة، رؤية ترى إمكانات كامنة، وإن كانت غير مستغلة للنظم الإسلامية في شتى الميادين، أما الرؤية الأخرى، فهي تقول بالحرف الواحد: إن البحث عن «نظم كهذه بمثابة جري وراء السراب!» ص108.
ولأننا نعيش في عالم لا يجب أن نستغرب فيه من أي شيء .. فإنه ليس من المستغرب هنا أن تكون الرؤية الأولى، المفعمة بالأمل، هي لمسلم غربي وُلد كاثوليكياً، واهتدى إلى الإسلام عندما كان على مشارف الخمسين من العمر، إنه الدبلوماسي الألماني المعروف «مراد هوفمان».
أما الرؤية الثانية فهي للدكتور عبدالمجيد الشرفي الذي وُلد مسلماً وأتمَّ دراسة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، وقد كان، إلى تقاعده، أستاذ الحضارة الإسلامية في الجامعة التونسية، وكل مؤلفاته، تدور حول الفكر الإسلامي و «تحديثه».
هذه المفارقة بالذات هي أهم ما في الكتاب -على كثرة ما طرحه المتحاوران من أشياء مهمة- لكنها تلخَّص في رأيي بمأزق الاستلاب الحضاري الذي يعانيه الكثير من الدارسين والمشتغلين في الفكر الإسلامي، والكثير من المسلمين بطبيعة الحال.
نحن هنا أمام نموذجين، يمثل كل منهما حالة حضارية تناقض الأخرى: هوفمان الخارج من عمق الحضارة الغربية، خابراً تناقضاتها وأزماتها الدفينة، متطلعاً إلى الإسلام كمادة أساسية لبناء حضارة أخرى. والشرقي الخارج من كل واقعنا السلبي وتناقضاته وأزماته، متطلعاً إلى الحضارة الغربية وبريقها باعتبارها طوق الإنقاذ الوحيد الممكن.
جغرافياً سيبدو أن كلاً منهما ينظر باتجاه الآخر، لكن الأمر أعقد من ذلك، ذلك أن القيم الحضارية لا تسكن خطوط الطول والعرض بالضبط، وإن كانت الأوعية التي تحملها تتمثل فيها أحياناً.
سيبدو لنا هوفمان هنا كما لو كان حبيساً في بطن الحوت، مثل يونس، لكن الحوت هنا هو حوت الحضارة الغربية ببريقها وقوتها وكل ما لا يمكن إنكاره من انتصاراتها، تلك الحضارة التي التقمته جعلته يدخل فيها، لكنها لم تدخل فيه، لم تدخل في ثنايا قلبه أو تلافيف دماغه، لذلك فهو فيها، لكنه يرنو إلى الخروج نحو أرض جديدة، وتسبيحته في بطن الحوت هي الرؤية الجديدة التي تنطلق من حقيقة أن الظلم ليس فقط بظلم الجلاد للضحية، ولكن باستسلام الضحية للجلاد أيضاً، بالاستسلام للمكوث في بطن الحوت لمجرد جبروته وسطوته وانتصاره.
الدكتور الشرفي على الجانب الآخر ليس في «بطن الحوت»، لكن الحوت في داخله بطريقة أو بأخرى، أو ربما ليس الحوت، ربما ذلك العجل الذي أشرب في قلوب بني إسرائيل، لكنه عجل الحضارة الغربية هذه المرة، الحضارة المنتصرة التي صارت تمثل المرجع والمعيار وصار كل ما هو «صواب» أو «خطأ» يعود لشروطها وتقييمها.
وهذه هي المشكلة تحديداً مع صاحبنا هذا في جانبه من الحوار .. فهناك مقدمات لحواره لا يمكن أن نختلف معه فيها، مثل «ضرورة وجود قراءات جديدة للنص القرآني»، لكن المشكلة هي خط السير بعد هذه المقدمة، ذلك أن المسار سيحدَّد باتجاه تلك الحضارة ومعطياتها وشروطها كما لو أن أية طريق أخرى، وشروطا أخرى لا تقع إلا في نطاق الاستحالة.
سنلاحظ أن الدكتور الشرفي، بذكاء شديد، يتجنب قدر الإمكان استخدام لفظ «التجديد» -ويستخدم بدلاً عنه «التحديث» - ليس ذلك من دون سبب وجيه .. ذلك أن التجديد هو «إضافة جديد على القديم» -كما يقول في لقاء صحافي معه نُشر في موقع الحوار المتمدن- أما التحديث فهو يدخل في عملية الانسجام بين متطلبات الحداثة والتدين الذي هو موروث عن فترة ما قبل الحداثة.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا هو التحديث المطلوب إذن: انسجام بين متطلبات الحداثة (أو شروطها) وبين التدين، وهذه العبارة هي وجه آخر للقول إن التحديث هو «إخضاع الدين لشروط الحداثة»، فشروط الحداثة ومتطلباتها هي المرجع الأساس الذي يجب «قراءة النص الديني» من خلاله، ويجب لَيّ عنق هذا النص هنا، أو قطعه أحياناً، لا بأس، من أجل «انسجام التدين مع متطلبات الحداثة». وهذا هو بالضبط التشرب بعجل الحضارة الغربية في قلب من يقرأ النص، بل ويقرأ الدين كله، وجل همه هو وضعه في قالب مسبق لمعطيات الحضارة الغربية.
(ماذا لو كان التناقض حاداً وكان النص قطعي الدلالة؟ لا بأس في ذلك، سنستخدم تاريخية النص عندها ونقول: كان زمان! وتعددت الأساليب والهدف واحد).
يتحدث الدكتور الشرفي في لقاء آخر عن «التحديث من داخل المنظومة الدينية» من دون أن يخبرنا كيف .. لكن مشاركته في هذه الحوارية نموذج لما يقصده: إدخال شروط الحداثة الغربية على المنظومة الدينية بطريقة لا تبدو فيها أنها مفروضة عليها من خارجها.
يقول الشرفي، بصراحة: «لا قراءة للنص بريئة تماماً» ص27، وهو يقصد أن كل قراءة -على مر العصور- كانت تحمل، ضمناً، جزءاً من قارئها وتوجهاته ومعطيات عصره وظروفه التاريخية. وهذا صحيح ولا شك فيه. لكن هذا لا يساوي قط بين كل القراءات -لا يجعلها جميعاً في سلة واحدة بدعوى ألا قراءة بريئة- فهناك قراءة تتفاعل مع معطيات عصرها لتصل إلى المقاصد القرآنية -وتلتحم بها- وهناك قراءة أخرى، تعتبر المعطيات نفسها مرجعاً تحاول أن تخضع النص له، مهما كان الثمن .. وهكذا فإن قوله «لا قراءة بريئة للنص» ينسحب أيضاً على قراءته أيضاً بفارق أنه يحدد -بوضوح- هدفه: الانسجام مع معطيات الحداثة «الغربية».
وهكذا فإن مقدمته التي نتفق معها، حول ضرورة وجود «قراءات جديدة» للنص، تنتهي بقراءة «انسلاخية» من النص ومن مقاصده: قراءة «إلغائية» للنص بالكاد تسمى قراءة.
ما الذي سيبقى مما نعرفه من الفقه من جرَّاء هذا التحديث الذي يتحدث عنه الشرفي؟
سيسأل الشرفي نفس السؤال وسيجيب بنفسه: «جوابنا، من دون أدنى مواربة، هو: لا شيء!» ص71.
هذا «اللا شيء» الناتج عن «تحديث» قراءة النص سيطبقه الدكتور الشرفي ليصل في قراءته الإلغائية إلى إلغاء «الشعائر والعبادات». وهو مجال أشهد أن زملاءه كانوا يتجنبونه على الأقل، إن لم يكونوا يؤكدون دوماً ألا مساس به: كانت قراءتهم الإلغائية قد ألغت الحجاب والمواريث والحدود ومفهوم السنة النبوية لكنها وقفت عند العبادات وقالت، لأسباب مختلفة: لا مساس!
لكن يبدو أن الشرفي يرى أن التحديث يجب ألا يقف عند حدّ معين، فهو يرى أن العبادات من «الثوابت الزائفة» و «المسلمات المغلوطة» (ص50) وأن جعلها من الأركان وتسويتها بالشهادة أمر لا دليل عليه قرآنياً (كما لو أن جعل الشهادة ركناً قد تمت تسميته قرآنياً!) (ص47)، وهوَ يأخذ -مثلا- من بعض الآثار التي تتحدث عن وجود البسملة في الصلاة والأخرى التي لا تتحدث عن وجودها دليلاً على المرونة -! - التي تميزت بها صلاة النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة، والمرونة التي يقصدها ليست الاختيار من بين هذه الهيئات التي ذكرها، بل هي مرونة تتعدى ذلك بكثيرٍ، وصولاً إلى كيفية الصلاة وعدد ركعاتها (ص50)، ذلك أن «توحيد الطقوس هو مما اقتضته سيرورة المأسسة التي خضع لها الدين الإسلامي حين انخرط في التاريخ» (ص48)، وهو أمر صار تاريخاً وانقضى بحسب متطلبات التحديث والحداثة التي ينادي بها.
فلنشاهد كيف يتعامل مع حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «صلُّوا كما رأيتموني أصلي» إنه يقول: «فهذا الحديث إن صح، وعلى فرض أنه ملزم للمسلمين في غير عصره وبيئته، لا يعني بالضرورة حصر أشكال الصلاة في شكل وحيد، وليس فيه تحريم لغير الطريقة التي صلى بها ولا إقصاء للمصلين بغيرها» انتهى (ص53).
(يُتْبَعُ)
(/)
أي أن هناك ثلاث خطط يتعامل بها مع نص الحديث، أولاً: التشكيك بصحة الحديث بشكل ضبابي (إن صح!)، وهو لا يخبرنا عن معايير للتصحيح أو التضعيف، والحديث صحيح بكل الأحوال (رواه البخاري)، ثم ثانياً يقول: «على فرض أنه ملزم في غير عصره وبيئته» -أي أن «تاريخية النص» جاهزة دوماً للإجهاز على النص- ثم ثالثاً: «ليس فيه تحريم لغير الطريقة التي صلى بها» أي أن هذا يساوي -في النهاية- بين أنواع الصلوات وهيئاتها كلها .. ويسجل الشرفي «أن عدم تنصيص القرآن على عدد الصلوات وعلى كيفيات أدائها مقصود، ولم يترك بيانه عبثاً» (ص50) من أجل الدخول إلى المرونة المزعومة، التي تنسف الكيفيات والعدد والهيئات .. لكن ماذا لو كان هناك تنصيص قرآني على ذلك؟ هل كان ذلك سيجعله يرضخ له، أم أنه كان سيلقي الأمر على كاهل تاريخية النص واختلاف الإيقاع الزمني الذي «لا علاقة له بإيقاع زمن القروي والراعي والفلاح والتاجر البسيط أو الحرفي التقليدي» (ص49).
لا نفترض ذلك افتراضاً، بل لأن هذا هو ما فعله بالذات مع عبادة أخرى هي الصيام التي توافر فيها «التنصيص القرآني» على الكيفية والوقت، ورغم ذلك نراه يقرر «الصوم يبقى أفضل من الإفطار ولكن الإفطار مع الفدية من الرخص التي من المفروض أن يتمتع المسلم بها من غير شعور بالذنب أو بالتفريط في القيام بواجبه -! - (ص51)، أي أنه يتوسع في موضوع «الرخصة» لتشمل كل من لا يريد الصيام من دون ضابط واضح، مع تقريره أن الصيام «أفضل من الإفطار!».
لماذا أصلا يطالب بالتمتع برخصة الإفطار؟ «لأن الصوم يعطل الآلة الإنتاجية في وقت تعاني فيه أغلب المجتمعات الإسلامية التخلف الاقتصادي» (ص55) إذن يكون الصيام أفضل من الإفطار حسب هذا المنطق!
وهكذا فإن الشرفي يقرر «أن الثبات المزعوم للعبادات في الإسلام إنما هو تكريس للانحراف عن معانيها» (ص57) وإذا كان هذا سارياً على الصلاة والصيام، فإنه يطبقه أيضاً -وبشهية لا مثيل لها- على الزكاة، والحج، من باب أولى، مما لا داعي للدخول فيه.
وصل أدعياء التجديد إلى إلغاء العبادات والشعائر إذن، خطوة خطوة وصلوا إلى هناك، تسللوا على رؤوس أصابعهم، رويداً رويداً، إلى أن وصلوا إلى تفكيك الشعائر.
لكن هل يجب أن يثير هذا استغراب أي أحد؟ ألم يكن هذا متوقعاً منهم منذ البداية، رغم تطميناتهم وتأكيداتهم أن الأمر لن يصل إلى العبادات؟
لم يكن أدعياء التجديد الديني أكثر صدقاً وانسجاماً مع أنفسهم ومع منطلقاتهم، كما كان الدكتور الشرفي في هذه الحوارية .. لقد قال بصراحة، ما كان الآخرون يتجنبونه .. وهذا، على الأقل، إنجاز!
.............................. .................... .............................. .................... ........................(/)
مباحث في الحاكمية: المبحث الأول: معنى الحكم لغة وشرعاً واستعمالاته في القرآن
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 09:41]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم،
أبدأ - إن شاء الله - سلسلة من المباحث في الحاكمية، وسآتي على هذه المسألة بالتفصيل في كل نقطة، وعند انتهائي سأجمع هذه المباحث في كتاب وأنقحها وأهذبها، إن شاء الله.
وأرجو من الإخوة تصويبي إن زللت في أمر ما، وإثراء هذا البحث في المواضع القاصرة.
========================
بسم الله الرحمن الرحيم،
المبحث الأول: معنى الحكم لغة وشرعاً.
أما لغة:
" قال ابن فارس: مادة (ح ك م) أصل واحد هو المنع ([معجم مقاييس اللغة ـ 2/ 91 ـ مطبعة الحلبي])
قال الراغب الأصفهاني ـ رحمه الله ـ (حَكَمَ: أصله منع منعا لإصلاح، ومنه سميت اللجام: حكمة الدابة، فقيل: حَكَمْته وحَكمْتُ الدابة: منعتها بالحكمة، وأحكمتها جعلتُ لها حكمة، وكذلك حكمت السفيه وأحكمته قال الشاعر:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
والحكم بالشيء أن تقضي بأنه كذا، أو ليس بكذا، سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه، .. ويقال حاكم لمن يحكم بين الناس، ويقال الحَكَمُ للواحد والجمع وتحاكمنا إلى الحاكم) ([مفردات ألفاظ القرآن ـ مادة حكم 248 ـ دار القلم])
وأما التحاكم والتحكيم: فالعرب تقول: حكَّمت فلانا إذا أطلقت يده فيما يشاء واحتكموا إلى الحاكم بمعنى، ويقول العرب أيضا: حكمت وأحكمت وحكَّمت بمعنى منعت ورددت ([تهذيب اللغة ـ 4/ 114])
ونجد أن مادة الحكم تأتي في القرآن على عدة معان منها: الفقه والحكمة والفصل والقضاء والموعظة والفهم والعلم النبوة وحسن التأويل. ([انظر الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ـ عبدالعزيز مصطفى كامل ـ دار طيبة ـ ط: الأولى]) " [[عن رسالة: حكم من تحاكم للطواغيت، للهرفي]]
قلت: وتأتي كذلك بمعنى الأمر الشرعي، كقول الله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 43] (بمعنى، فيها أمر الله وشرعه).
وكقوله تعالى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة: 10] .. بمعنى أمره وشريعته.
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: " وقوله تعالى: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم} أي في الصلح واستثناء النساء منه، والأمر بهذا كله هو حكم الله يحكم به بين خلقه " اهـ.
ولذلك تسمى الأوامر الشرعية أحكاماً.
ومن ذلك استدلال يوسف – عليه السلام – بالحكم لإثبات الأمر في قوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاه} [يوسف: 40] .. بمعنى، إن الأمر لله وحده، وهو من يلزمكم بطاعته في أوامره، لا طاعة غيره من الطواغيت .. وهذه الآية نظير قوله تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]
ويأتي الحكم كذلك بمعنى المشيئة .. قال تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57]
قال ابن كثير في تفسيره: " {إن الحكم إلا لله} أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله، إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلك، وإن شاء أنظركم وأجلكم، لما له في ذلك من الحكمة العظيمة " اهـ.
وتأتي كذلك بمعنى الرأي والظن، قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 4] .. وقد فسرها ابن كثير فقال: " {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} أي: بئس ما يظنون ". اهـ.
وكذلك في قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (*) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35 – 36] .. قال ابن كثير: " أي: أفنساوي بين هؤلاء وهؤلاء في الجزاء؟ كلا ورب الأرض والسماء؛ ولهذا قال {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}! أي: كيف تظنون ذلك؟ " اهـ.
(يُتْبَعُ)
(/)
وجاء في الحديث: ((وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك. فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا)) .. بمعنى: أنزلهم على رأيك.
وفي الحديث الآخر: ((فقال: يا سعد إن هؤلاء نزلوا على حكمك. قال: فإني أحكم فيهم أن تقاتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، قال: حكمت بحكم الله، أو: بحكم الملك)) .. بمعنى: نزلوا على ما تراه فيهم.
ومن المعاني المهمة لكلمة الحكم: الاتباع .. وهذا المعنى سيكون أساساً في هذا البحث، إن شاء الله.
قال تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] ..
جاء في تفسير ابن كثير – رحمه الله -: " وقوله تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه} قرىء: وليحكم أهل الإنجيل بالنصب، على أن اللام لام كي، أي وآتيناه الإنجيل ليحكم أهل ملته به في زمانهم، وقرىء وليحكم بالجزم، على أن اللام لام الأمر، أي ليؤمنوا بجميع ما فيه، وليقيموا ما أمروا به فيه، ومما فيه البشارة ببعثة محمد والأمر باتباعه وتصديقه إذا وجد، كما قال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شي حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم} الاَية، وقال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة} إلى قوله {المفلحون}. ولهذا قال ههنا: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} أي الخارجون عن طاعة ربهم، المائلون إلى الباطل، التاركون للحق، وقد تقدم أن هذه الاَية نزلت في النصارى، وهو ظاهر من السياق " اهـ
وقال الطبري في تفسيره: " والذي نقول به في ذلك، أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، فبأيِّ ذلك قرأ قارئ فمصيبٌ فيه الصوابَ. وذلك أن الله تعالى لم ينزل كتابًا على نبيٍّ من أنبيائه إلا ليعمل بما فيه أهله الذين أمروا بالعمل بما فيه، ولم ينزله عليهم إلا وقد أمرهم بالعمل بما فيه، فللعمل بما فيه أنزله، وأمرًا بالعمل بما فيه أنزله. فكذلك الإنجيل، إذ كان من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه، فللعمل بما فيه أنزله على عيسى، وأمرًا بالعمل به أهلَه أنزله عليه. فسواءٌ قرئ على وجه الأمر بتسكين اللام، أو قرئ على وجه الخبر بكسرها، لاتفاق معنييهما. " اهـ
جعل هذان الإمامان الحكم بمعنى الإيمان والعمل .. أي الاتباع.
لذلك تأول الخوارج – وهم عرب – آية: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} بمعنى: ومن لم يتبع ما أنزل الله وخالف، فهو كافر ..
ولذلك قال ابن حزم في الفصل: " أيضاً فإن الله - عز وجل - قال: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}، فيلزم المعتزلة أن يصرحوا بكفر كل عاص وظالم وفاسق، لأن كل عامل بالمعصية فلم يحكم بما أنزل الله." اهـ .. فسر الحكم هنا بمعنى الاتباع.
وعلى ذلك بنى السلف أقوالهم فيمن حكم بغير ما أنزل الله في واقعة ما، متبعاً لهواه، أنه فاسق، أو مرتكب لكفر أصغر .. قياساً على سائر المعاصي .. حيث إن الحكم يكون بمعنى الاتباع، ومن اتبع هواه في أمر ما فقد عصى وفسق.
هذا والله أعلم.
ـ[أبومحمد الصعيدي]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 10:50]ـ
مثال ذلك قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)
الدلالة الشرعية الاصطلاحية لكلمة يحكم: يشرع.
والدلالة الاستعمالية قد تكون: يشرع أو يقضي (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط) أو يجتهد (وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين)، حسب السياق.
والدلالة اللغوية: مَن خُيِّر فاختار فقد حُكِّم فحَكم.
فيكون معنى ? وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ? (): مَن لم يشرع للناس ما شرعه الله لهم ليقضي به في مواضع النزاع، فيحل حلاله ويحرم حرامه فأولئك هم الكافرون.
أولئك: تعريف، هم تعريف، ال: تعريف، فالكفر هنا ينقل عن الملة.
والوصف تجرد عن مزاحمة أوصاف أو خصوصية محل فيكون منقحًا وهو محقق أيضًا ولبيان ذلك نقول:
• تنقيح المناط:
الحكم في قوله تعالى: (يسارعون في الكفر)، ينصبُّ على محل هو اليهود متصف بعدة أوصاف هي: سمَّاعون للكذب، أكَّالون للسحت، يُحرفون الكلم عن مواضعه، لم يطهر الله قلوبهم وأراد فتنتهم، يتولون عن حكم الله في التوراة إلى غيره مما يدَّعون عدم الإيمان به، إيمانهم زعمٌ باللسان دون موافقة القلب، فهنا يوجد محل مع مزاحمة أوصاف، فلا ندري هل يختص هذا الحكم بوصف من الأوصاف دون غيره أو ببعض هذه الأوصاف دون غيرها أو يختص بها في حالة الاجتماع دون الافتراق أم يختص بكل وصف منها في حالة الانفراد والاجتماع، وهل للمحل تأثير بحيث لو وجدت هذه الأوصاف في غير هذا المحل لم يختص بهذا الحكم، إلى أن يأتي موضع النص من السياق فيتجرد الوصف عن المحل وعن مزاحمة الأوصاف في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، وهو مناسب يدرك العقل مناسبته ويعتبر الشرع مثله، ويؤثر بحرف الفاء فيكون مناطًا كما سبق بيانه ثم في التحقيق كما مرَّ بتقديم الدلالة الاصطلاحية على إرادة الدلالة الاستعمالية أو القياسية اللغوية الإفرادية ثم الدلالة الاستعمالية في السياق تتفق مع الدلالة الاصطلاحية على إرادة معنى يشرع من لفظ يحكم، وليس معنى يقضي أو يجتهد.
ولكن هناك قاعدة أن الدلالات الإفرادية والاستعمالية يكون لها حظ من الحكم، وإن لم تكن مرادة، إذا كانت الدلالة الشرعية الاصطلاحية هي المرادة، وعليه قيل كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، للجور في القضاء، والجرأة على الاجتهاد، ومطلق المخالفة الشرعية مع بقاء الالتزام بشرع الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبومحمد الصعيدي]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 10:51]ـ
منقول
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[13 - May-2008, صباحاً 11:48]ـ
جزاك الله خيراً أخي الكريم،
أرى أن صاحب هذا المقال - جزاه الله خيراً - قد تكلف في شرحه ولا داعي له، حيث وإن كانت كلمة "يحكم" تؤخذ بالمعنى الخاص في هذه الآية، أي يشرع، ولكنها جاءت بالعموم، فتؤخذ بالمعنى اللغوي كذلك .. وعليه أنزل جمع من السلف هذه الآية على من حكم دون تشريع كذلك .. بما يفيد عموم اللفظ عندهم.
وعليه فإن أخذت هذه الكلمة بالمعنى العام، دخل فيها أرباب المعاصي، وهذا ما ذكره ابن حزم - رحمه الله -، وكما فهم من ذلك الخوارج من المعنى العام لهذه الكلمة.
فهذه الآية جمعت فيها بعمومها الكفر بنوعيه، الأكبر والأصغر .. وكل من عصى الله، فله نصيب من هذه الآية ونصيب من هذا الإثم.
والله أعلم
ـ[المجلسي الشنقيطي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 12:16]ـ
الحمد لله
أولا
أحب ان انبه الى ان المقصود بالحكم في الآية هو القضاء والفصل في النزاعات.
ثانيا
الدلالة الشرعية الاصطلاحية لكلمة يحكم: يشرع.
.
هذا غير مُسَلّم به فحق التشريع لله وحده .. ونحن لم تؤمر بالتشريع بل باتباع تشريع الله
ولا يسمى اتباع تشريع الله تعالى تشريعا.
وعليه فقول القائل: يحكم: يشرع ليس صحيحا.
بل الذي يحكم في شرعنا هو من يتبع شرع الله ويقضي به.
قال في القاموس: الحكم بالضم: القضاء .... وقال: الحاكم: منفذ الحكم.
وفي المصباح المنير: الحكم: القضاء وأصله المنع.
ثالثا:
والدلالة الاستعمالية قد تكون: يشرع أو يقضي (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط) أو يجتهد (وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين)، حسب السياق.
لا ادري كيف فسر كاتب المقال القضاء و الفصل في النزاعات بالاجتهاد.
فالاجتهاد يكون كلمة عامة تكون في أمور الدين و الدنيا وليست كلمة مكافئة ومساوية للفصل
بين الناس في النزاعات او في القضاء.
نعم الاجتهاد من لوازم ذلك ... لكن الدقة في مثل هذه المواضيع امر بالغ الاهمية فلا نسمي الاسماء
بلوازمها و لا نتوسع حتى لا يضيع مناط الحكم.
فأرجو ان تفيدني بارك الله فيك بخصوص تكافؤ لفظ الاجتهاد ولفظ الحكم.
رابعا:
والدلالة اللغوية: مَن خُيِّر فاختار فقد حُكِّم فحَكم.
.
هنا الحقيقة الشرعية هي المعتبرة وليست الحقيقة اللغوية ولا العرفية.
فالتسمية لله وحده سبحانه.
والله تعالى لم يجعل كل من اختار شيئا حاكما والاختيار حكما فلا داعي لاقحام مثل هذا في الموضوع.
خامسا:
تنقيح المناط:
الحكم في قوله تعالى: (يسارعون في الكفر)، ينصبُّ على محل هو اليهود متصف بعدة أوصاف هي: سمَّاعون للكذب، أكَّالون للسحت، يُحرفون الكلم عن مواضعه، لم يطهر الله قلوبهم وأراد فتنتهم، يتولون عن حكم الله في التوراة إلى غيره مما يدَّعون عدم الإيمان به، إيمانهم زعمٌ باللسان دون موافقة القلب، فهنا يوجد محل مع مزاحمة أوصاف، فلا ندري هل يختص هذا الحكم بوصف من الأوصاف دون غيره أو ببعض هذه الأوصاف دون غيرها أو يختص بها في حالة الاجتماع دون الافتراق أم يختص بكل وصف منها في حالة الانفراد والاجتماع، وهل للمحل تأثير بحيث لو وجدت هذه الأوصاف في غير هذا المحل لم يختص بهذا الحكم، إلى أن يأتي موضع النص من السياق فيتجرد الوصف عن المحل وعن مزاحمة الأوصاف في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، وهو مناسب يدرك العقل مناسبته ويعتبر الشرع مثله، ويؤثر بحرف الفاء فيكون مناطًا كما سبق بيانه ثم في التحقيق كما مرَّ بتقديم الدلالة الاصطلاحية على إرادة الدلالة الاستعمالية أو القياسية اللغوية الإفرادية ثم الدلالة الاستعمالية في السياق تتفق مع الدلالة الاصطلاحية على إرادة معنى يشرع من لفظ يحكم، وليس معنى يقضي أو يجتهد.
ولكن هناك قاعدة أن الدلالات الإفرادية والاستعمالية يكون لها حظ من الحكم، وإن لم تكن مرادة، إذا كانت الدلالة الشرعية الاصطلاحية هي المرادة، وعليه قيل كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، للجور في القضاء، والجرأة على الاجتهاد، ومطلق المخالفة الشرعية مع بقاء الالتزام بشرع الله
هذا كلام ينقض آخره واوله و هو أبعد ما يكون عن البيان .. كأن قائله يريد أن يقول ولكنه
يخشى ان يقول ... فلكل فريق فيه حجة ومتمسك.
وارجو ان تحين الفرصة لأحد الاخوة فيبين ما فيه ..
و السلام عليكم ورحمة الله.
بارك الله فيكم
ـ[المجلسي الشنقيطي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 03:08]ـ
الحمد لله
هذه زيادات بالاحمر استدركتها على نفسي حتى لا يحصل سوء فهم لكلامي
الحمد لله
هذا غير مُسَلّم به مطلقا فحق التشريع لله وحده .. ونحن لم تؤمر بالتشريع بل باتباع تشريع الله
ولا يسمى اتباع تشريع الله تعالى تشريعا.
وعليه فقول القائل: يحكم: يشرع ليس صحيحا على اطلاقه.
بل الذي يحكم في شرعنا هو من يتبع شرع الله ويقضي به.
فإذا قال القائل ان الحكم هو التشريع وقصد بذلك الله تعالى فهذا صحيح.
اما بالنسبة للبشر فلا يعني الحكم الا القضاء و لا يستقيم ان يكون بمعنى التشريع الا ان يكون
حكاية عن الكفار انهم يشرعون.
والله اعلم
الحمد لله
احببت التنبيه ها هنا على ما زدته بالاحمر في الاقتباس.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 03:37]ـ
جزاك الله خيراً أخي الكريم على هذه الزيادات النافعة، وجعلها الله في ميزان حسناتك.
هل يستقيم لنا أن نقول أن الحكم يأتي بمعنى الاتباع كما وضّحت آنفاً في مشاركتي الأولى؟
فالمتبع لحكم الله هو حاكم به ..
وعليه، جاء مقطع {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} .. عاماً في جميع أنواع الحكم، حيث إن الله - عز وجل - لم يخص اليهود بهذه الآية، وأطلق الحكم الشرعي .. أفلا يصح إدراج كل من اتبع هواه في هذه الآية فنقول إنه له نصيباً منها؟ كقوله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} .. فمن تولى عن طاعة الرسول بفعله، فله نصيب من هذه الآية ..
وجزاك الله خيراً.
ـ[المجلسي الشنقيطي]ــــــــ[14 - May-2008, مساء 02:46]ـ
الحمد لله
هل يستقيم لنا أن نقول أن الحكم يأتي بمعنى الاتباع كما وضّحت آنفاً في مشاركتي الأولى؟
.
وجزاك الله خيرا اخي الكريم.
أما الحكم في آية المائدة فهو حكم خاص وهو الفصل في النزاعات و النوازل أي ما يتعلق بالقضاء
و المحكمة الشرعية وما هو داخل في هذا ... ويؤيد هذا سبب النزول حين اصطلح اليهود على تغيير
حكم الله في الزانيين من الرجم الى التحميم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجم
فأنزل الله هذه الآية في ذلك.
فهذه آية محكمة اذا تعلق الامر بالفصل في النزاعات و القضاء ولا فرق بين يهودي و لا نصراني
في هذا ... فمن قال انها في اليهود و النصارى فهو مخالف العموم الوارد ب [من] التي هي من الفاظ العموم ... ونقول لمن قال هذا على سببيل الجدال: هي في المسلمين ايضا فقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال: لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة. وحذو النعل بالنعل ..
فقد دخلوا فيها بهذا الحديث لمن لم يدخلهم بعموم القرآن.
أما أن يقال إن الحكم هنا هو مطلق الاتباع فليس الاتباع حكما الا اذا قصدت ان القاضي يتبع حكم الله و تشريعه فهو صحيح حينئذ.
أما أن يقال ان الحكم هو مطلق الاتباع فإن ذلك سيجعل من العصاة و المبتدعة على اختلافهم
كفارا وهذا مخالف لما عليه اهل السنة و الجماعة فلو كفر العصاة لكفر كل بني آدم فكل بني آدم خطاء!
لكن يطلب دليل ترك الاتباع من نصوص أخرى.
أفلا يصح إدراج كل من اتبع هواه في هذه الآية فنقول إنه له نصيباً منها؟ كقوله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} .. فمن تولى عن طاعة الرسول بفعله، فله نصيب من هذه الآية
اذا كان المقصود التهويل وتشنيع المعصية فقد جرت عادة السلف - فيما اعلم - على تنزيل بعض نصوص التي تتناول الكفار في المسلمين لكن من غير تكفير كما ذكر الشاطبي في الاعتصام عن عمر لما خاف عن نفسه ان تشمله آية: أذهبتم طيباتكم .. فلم يتناول العسل ..
لكن الاولى بالنسبة لاتباع الهوى أن يبحث عن أدلة في نصوص أخرى طلبا للسللامة من ألسنة
الجهال ولأن اتباع الهوى لا يكون دوما كف فالزنى والغنا و الكذب و الغيبة كل ذلك من الهوى
لكن لا يكفر صاحبها الا بالاستحلال لأن الشرع لم يكفر مرتكبها فلا يكفر إذن لأن التسمية
لله وحده.
و الله أعلم
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[25 - May-2008, صباحاً 06:09]ـ
للمتابعة
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[25 - May-2008, صباحاً 07:32]ـ
الأخ (المجلس الشنقيطي)،
جزاك الله خيراً على ما تفضلت به، وأعتذر عن تأخري في الجواب.
لو أنك قرأت قول ابن حزم - رحمه الله - وكيف أنه جعل الحكم بمعنى الاتباع، لعرفت ما أقصد ..
قوله في الفصل: " أيضاً فإن الله - عز وجل - قال: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}، فيلزم المعتزلة أن يصرحوا بكفر كل عاص وظالم وفاسق، لأن كل عامل بالمعصية فلم يحكم بما أنزل الله." اهـ
وكذلك فهم الخوارج، وهم عرب، لآية الحكم بمعنى الاتباع.
وفي القرآن كذلك أتى الحكم بمعنى الاتباع، كما في قوله تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه} .. بمعنى: وليتبعوا شرع الله وأمره فيه فيما جاءهم عن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وسبب نزول الآية كما تفضلت هو الفصل في القضاء، ولكن المقطع الأخير من الآية {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أتى عاماً في كل أنواع الحكم .. ولو قصرته على سبب النزول، لحصر الأمر في الحكم بالتشريع المبدّل.
على أي حال، في مباحثي التالية - إن شاء الله - ستتوضح هذه المسألة أكثر، فإني لم أرد من هذا الموضوع أن يكون يتمحور حول هذه النقطة.
وعندما أقول أن الفسقة والعصاة يدخلون في عموم هذه الآية، فلا يعني أنهم يكفرون، لأن هناك أدلة من القرآن والسنة تنفي حكم الكفر عنهم دون استحلال، ولكن لهم نصيب من هذه الآية .. كما يقال: المعاصي بريد الكفر.
وجزاك الله خيراً مجدداً.(/)
مقالات الشيخ عبد العزيز عبد العزيز بن ناصر الجليل {غزة الصابرة والسنن الإلهية}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 06:02]ـ
غزة الصابرة والسنن الإلهية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصبحه وبعد،،،
فإن مما يحزن قلب كل مسلم صادق ويشغل ذهنه وتفكيره في هذه الأوقات، ما يلاقيه أهلنا وإخواننا المسلمين في فلسطين وبالتحديد في غزة الصابرة المحاصرة وذلك على أيدي اليهود الكفرة ومن ورائهم أمريكا الطاغية الباغية وأيدي المنافقين الخونة من بني الجلدة والنسب.
ولقد كتب الكثير من الدعاة وطلبة العلم والمجاهدين في نصرة إخواننا هناك والتضامن معهم والدعاء لهم والوقوف معهم في محنتهم كل بحسبه وقدرته، فجزى الله الجميع خيراً، وليس هذا مستغرباً على أهل التوحيد والإسلام الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. ولذا فإني في هذه الورقة لا أجد مزيداً على ما كتب في مجال نصرة إخواننا هناك ... ولكن أرى أن هناك أموراً مهمة يجب أن تطرح ويلفت أنظار المسلمين إليها وبخاصة الدعاة منهم وطلبة العلم والمجاهدين فيهم. ومع أهمية هذه الأمور فقلّ من يتطرق إليها؛ إما عن غفلة عنها، أو بحجة أن الوقت وقت مناصرة وتضامن وليس وقت محاسبة وتنظير!!
ومن أهم هذه الأمور التي ينبغي أن ننتبه إليها في خضم هذه الأحداث وأمثالها ما يلي:
الأمر الأول:
اليقين الجازم والاعتقاد الراسخ بأن ما يجري اليوم من كيد وقتل وهجوم شرس من الكفار على بلدان المسلمين فإنما هو بعلم الله تعالى وإرادته، قال الله عز وجل: (ولو شاء ربك ما فعلون فذرهم وما يفترون) [الأنعام:12].
وقال سبحانه: (ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) [البقرة: 253].
ومشيئته سبحانه ليست مجردة عن حكمته. بل له سبحانه الحكم البالغة في خلقه وأمره والعارفون لربهم عز وجل يعلمون ذلك ولذا فهم يحسنون الظن بربهم ويوقنون أن عاقبة هذه الأحداث التي يقدرها الله عز وجل هي خير ومصلحة ولطف بالموحدين إن شاء الله تعالى. ومع أن المعركة مع الكفار لا زالت في بدايتها. ومع أنها موجعة وكريهة إلا أننا نلمس لطف الله عز وجل وحكمته ورحمته في أعطافها.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «وأسماؤه الحسنى تقتضي آثارها، وتستلزمها استلزام المقتضي الموجب لموجبه ومقتضاه، فلا بد من ظهور آثارها في الوجود؛ فإن من أسمائه: الخلاق المقتضي لوجود الخلق، ومن أسمائه الرزاق المقتضي لوجود الرزق والمرزوق، وكذلك الغفار والتواب والحكيم والعفو، وكذلك الرحمن الرحيم، وكذلك الحكم العدل، إلى سائر الأسماء. ومنها الحكيم المستلزم لظهور حكمته في الوجود، والوجود متضمن لخلقه وأمره؛ (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) [الأعراف:54].
فخلقه وأمره صدرا عن حكمته وعلمه. وحكمته وعلمه اقتضيا ظهور خلقه وأمره، فمصدر الخلق والأمر عن هذين الاسمين المتضمنين لهاتين الصفتين، ولهذا يقرن سبحانه بينهما عند ذكر إنزال كتابه، وعند ذكر ملكه وربوبيته، إذ هما مصدر الخلق والأمر» (الصواعق المرسلة:4/ 1564).
الأمر الثاني:
إن من حكم الله عز وجل البالغة في هذه الأحداث أن يعرفنا على سننه سبحانه التي لا تتبدل ولا تتحول وبمعرفة هذه السنن الإلهية يتضح الطريق المستقيم ويهتدي المسلم فيه ويوفق إلى الموقف الحق والمنهج الصائب. يقول الله عز وجل آمراً لنا بالنظر في سننه سبحانه المطردة: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) [آل عمران:137].
وقال سبحانه: (فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً) [فاطر:43].
(يُتْبَعُ)
(/)
لذا وجب على المسلمين بعامة وعلى دعاة الحق والمجاهدين في سبيل الله عز وجل بخاصة أن يقفوا طويلاً مع كتاب الله عز وجل وما تضمن من الهدى والنور؛ ومن ذلك ما تضمنه من السنن الربانية المستوحاة من دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ وذلك لأن في معرفتها والسير على هداها أخذًا بأسباب النصر والتمكين والفلاح، ونجاة مما وقع فيه الغير من تخبط وعناء، بخلاف من يجهل مصدر الأحداث؛ فإن الذي يعلم تكون لديه بصيرة وطمأنينة، أما الذي يجهل فليس لديه إلا الحيرة والخوف والقلق.
وليس المقصود هنا التفصيل في موضوع السنن الربانية - فهذا له مقام آخر - وإنما المقصود هو الاستضاءة بهذه السنن في الوصول إلى الموقف الحق الذي نحسب أنه يرضي الله عز وجل؛ وذلك في الأحداث الساخنة التي تدور رحاها اليوم في الأرض المباركة فلسطين.
ومن هذه السنن التي ينبهنا الله عز وجل إليها في مثل هذه الأحداث ما يلي:
1 – سنة المدافعة:
إن إيماننا بأن كل ما يحدث في هذا الكون من أحداث إنما هو بعلم الله عز وجل وإرادته وحكمته لا يعني الاستسلام للذل وترك المدافعة؛ لأن الله عز وجل الذي أراد هذه الأحداث كونًا وقدرًا أراد منا دينًا وشرعًا مدافعتها، وهذه هي سنة المدافعة؛ قال الله عز وجل: (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضهم ببعض) [محمد: 4].
ويقول الله عز وجل: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) [الحج:40].
وقال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه مسلم: ( .. وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك) (مسلم:2865)، ففي هاتين الآيتين والحديث القدسي أبلغ دليل على حتمية الصراع بين الحق والباطل في صورة المدافعة بين المسلمين والكفار. ومن طمع في الإصلاح ودرء الفساد ونشر الخير بدون هذه السنة فإنما هو جاهل بسنن الله تعالى ومتنكب لطريق الأنبياء وأتباعهم.
والمدافعة بين الحق والباطل تأخذ صوراً متعددة: فبيان الحق وإزالة الشبه ورفع اللبس عن الحق وأهله مدافعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مدافعة، وبيان سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين مدافعة، والصبر والثبات على ابتلاء الأعداء من الكفرة والظلمة مدافعة، ويأتي الجهاد والقتال في سبيل الله عز وجل على رأس وذروة هذه المدافعات لكف شر الكفار وفسادهم عن ديار المسلمين ودينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (والجهاد منه ما هو باليد ومنه ما هو بالقلب والدعوة والحجة والبيان والرأي والتدبير والصناعة فيجب بغاية ما يمكن) (الاختيارات الفقهية: ص44)
وما يحصل الآن في غزة المحاصرة عدوان صارخ يجب على المسلين مدافعته بكل ممكن وكل بحسبه ولا يعذر أحد حتى يزول العدوان ويندفع الفساد:
• فالقادرون على حمل السلاح عليهم واجب المدافعة بالجهاد والسنان حتى يندحر العدو الصائل.
• وعلى رموز الجهاد وقادته في الأرض المباركة أن يتقوا الله عز وجل ويستعينوا به وحده وأن لا يرضوا بغير الجهاد بديلاً وخيارًا؛ لأن العدو لا يوقفه إلا الجهاد، والجهاد فحسب، والتجارب تشهد بضياع الأوقات والجهود معه في مناورات سياسية ورهانات خاسرة. كما يجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل في من تحت قيادتهم فلا يدفعونهم في طريق إلا بعد أن يتأكدوا بموافقته للشرع وأنه الأرضى لله عز وجل وأن يربوا فيهم الإخلاص والولاء لهذا الدين وليس لطائفة أو حزب أو تراب، كما عليهم أن يتقوا الله عز وجل في جمع الكلمة ووحدة الصف مع إخوانهم المجاهدين الموحدين وينزعوا أيديهم من الأحزاب الجاهلية المحادة لله ورسوله ولو أظهرت المقاومة والوطنية.
• وعلى علماء الأمة واجب المدافعة بإعلان النصرة لإخواننا هناك وتوجيههم والتضامن معهم وحث الأمة على دعمهم والوقوف معهم. ومخاطبة الأعداء من اليهود والأمريكان ببيانات قوية شديدة اللهجة يأمرونهم بالكف عن الظلم والعدوان وتهديدهم إن لم يكفوا بتوجيه الأمة إلى الانتقام ورد العدوان وإلحاق الأذى بمصالحه.
• وعلى الأغنياء في هذه الأمة واجب المدافعة بدعمهم بالمال الذي يخفف من معاناتهم ويعينهم على جهاد أعدائهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
• وعلى أصحاب الأقلام والمنابر الإعلامية النفرة لنصرة إخواننا هناك بالتعريف بقضيتهم وفضح أعدائهم من الكفرة والمنافقين وإظهار صور الظلم والعدوان التي يواجهونها ومخاطبة الأمة بالوقوف معهم ونصرتهم.
• وعلى المسلمين بعامة واجب المدافعة بالاهتمام بشؤونهم والحزن لمصابهم والدعاء لهم ودعمهم قدر الإمكان.
2 – سنة الابتلاء والتمحيص:
يقول الله عز وجل: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) [محمد: 31].
وقال الله عز وجل معقباً على غزوة أحد: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) [آل عمران:179].
وقال سبحانه في نفس الحدث: (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا ... الآية) [آل عمران: 166].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند الآية الثانية: (أي لا بد أن يعقد سبباً من المحنة يظهر فيه وليه ويفتضح فيه عدوه يعرف به المؤمن الصابر والمنافق الفاجر).
ويقول صاحب الظلال: «ويقطع النص القرآني بأنه ليس من شأن الله سبحانه وليس من مقتضى ألوهيته، وليس من فعل سنته أن يدع الصف المسلم مختلطاً غير مميز، يتوارى المنافقون فيه وراء دعوى الإيمان، ومظهر الإسلام، بينما قلوبهم خاوية من بشاشة الإيمان، ومن روح الإسلام.
وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف ليخرج منه الخبث، وأن يضغط لتتهاوى اللبنات الضعيفة، وأن تسلط عليه الأضواء لتتكشف الدخائل والضمائر، ومن ثم كان شأن الله سبحانه أن يميز الخبيث من الطيب ولم يكن شأنه أن يذر المؤمنين على ما كانوا عليه قبل هذه الرجة العظيمة».
وبالنظر لهذه الأحداث الجارية في فلسطين في ضوء سنن الابتلاء والتمحيص نرى أن هذه السنة المطردة الثابتة تعمل الآن عملها بإذن ربها سبحانه وتعالى لتؤتي أكلها الذي أراده الله عز وجل ومنه اللطف والرحمة من الله عز وجل؛ والمتمثل في تمحيص المؤمنين في فلسطين وخارجها وتمييز الصفوف حتى تتنقى من المنافقين وأصحاب القلوب المريضة وينكشف أمرهم للناس. وحتى يتعرف المؤمنون أنفسهم على أنفسهم وما فيها من الثغرات والعوائق التي تحول بينهم وبين التمكين والنصر فيتخلصوا منها ويغيروا ما بأنفسهم فإذا ما تميزت الصفوف وتساقط المتساقطون في أتون الابتلاء وخرج المؤمنون الصابرون الموحدون الصادقون منها كالذهب الأحمر الذي تخلص من شوائبه بالحرق في النار حينها تهب رياح النصر على عباد الله المصطفين الذين يستحقون أن يمحق الله من أجلهم الكافرين ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وقبل هذا التمحيص والتمييز فإن سنة محق الكافر وانتصار المسلمين التي وعدها الله عز وجل عباده المؤمنين لن تتحقق.
هكذا أراد الله عز وجل وحكم في سننه التي لا تتبدل: أنَّ محق الكافرين لا بد أن يسبقه تمحيص المؤمنين، ولذلك لما سئل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أيها أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى، كان من دقيق استنباطه وفهمه لكتاب الله عز وجل أن قال: (لا يمكن حتى يبتلى)، ولعله فهم ذلك من قوله تعالى: (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) [آل عمران:141]؛ حيث ذكر الله عز وجل المحق بعد التمحيص.
ومن الحكم العظيمة والألطاف الإلهية التي ظهرت لنا في أحداث غزة في ضوء هذه السنة الربانية ما يلي:
أولاً: ظهور المنافقين المندسين في الصفوف سواء كان ذلك في صفوف الفلسطينيين أو خارجها وهذه رحمة بالمسلمين حيث انكشف أمرهم وافتضح نفاقهم وخيانتهم وبذلك يحذرهم المسلمون ويمقتونهم وينفروهم. وما أمر محمود عباس وبطانته من المنافقين بخفي على المسلمين بعد هذه الأحداث.
بل إن المنافقين في دول المسلمين خارج فلسطين من العلمانيين واللبراليين والحكام الخانعين قد أظهرت هذه الأحداث خبثهم وموالاتهم للأعداء حيث لم نسمع لهم صوتاً ولم نرى لهم موقفاً مشرفاً ينصرون به إخوانهم المسلمين في الأرض المحتلة. كما أظهرت هذه الابتلاءات خبث دولة الرفض والتشيع في إيران ونفاقها وكذبها وخداعها لمن كان مخدوعاً بهم من المجاهدين في فلسطين فأين وقوفها ونصرتها وأين إعلامها ودعايتها التي رأيناها على أشدها وسعارها مع قائد حزب الشيطان (حسن نصر الله) إبان مناوراته مع اليهود منذ سنة ونصف تقريباً. إذاً آن الأوان لمعرفة الأعداء على حقيقتهم وهذا من حكمة الله عز وجل
(يُتْبَعُ)
(/)
ورحمته في سنة الابتلاء.
ثانياً: تعرف المجاهدين أنفسهم على بعض الآفات والهنات الكامنة في نفوسهم، وعلى قوة صبرهم وثباتهم، وكل هذا لم يكن ليعرف وينقدح زناده لولا هذه الابتلاءات والتمحيصات. وفي هذا خير إذا أدى إلى العلاج والتخلص مما يكدر القلوب ويؤخر النصر.
ثالثاً: ظهر في الأحداث معرفة الولي المناصر من العدو والمخذل وفي هذا خير للمجاهدين هناك حيث تميز لهم الموالي من المعادي وذلك على مستوى الأفراد والهيئات والحكومات.
3 – سنة التغيير:
يقول الله عز وجل: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [الرعد:11].
ويقول سبحانه عن أحداث غزوة أحد المؤلمة للمسلين: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) [آل عمران: 165].
ففي هاتين الآيتين تنبيه من الله عز وجل لعباده المؤمنين إلى أن يتفقدوا أنفسهم وواقعهم ومواقفهم ويبدأوا بالتغيير من الداخل إلى ما يحبه الله ويرضاه لأن أكثر ما يؤتى المسلمون أفراداً وجماعات إنما هو من قبل أنفسهم. لذا وجب في مثل هذه الأحداث محاسبة النفوس ومراجعة المواقف والبعد عن كل ما يسبب الهزائم وتسليط الأعداء من الذنوب والمعاصي والفرقة والأهواء. فمن هنا يبدأ التغيير ويبدأ الإصلاح. وقد يقول قائل: إخواننا هناك يواجهون الحصار والإبادة فهل هذا وقت المعاتبة والمحاسبة؟ وأقول نعم هذا هو وقتها بل هو أنسب وقت لها. وإن لم نملك الجرأة على طرحها الآن فمتى نطرحها؟ وهذا هو ما قاله الله عز وجل لأوليائه في غزوة أحد ودماؤهم طرية وجراحاتهم لم تندمل.
4 – سنة الإملاء والاستدراج للكفار والمنافقين:
قال تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين) [آل عمران:178].
وقال تعالى: (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين)
[الأعراف: 182، 183].
وقال سبحانه: (أم يحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) [المؤمنون: 55، 56].
وهذه السنة الإلهية تعمل عملها في هذه الأوقات وذلك في معسكر أهل الكفر والنفاق، وبخاصة أولئك الذين بلغ بهم الكبر والغطرسة والظلم والجبروت مبلغاً عظيماً ونراهم يزدادون يوماً بعد يوم في الظلم والبطش والكبرياء ومع ذلك نراهم ممكنين ولهم الغلبة الظاهرة كما هو الحاصل الآن من دولة الأمريكان واليهود حيث ظلموا وطغوا وقالوا بلسان حالهم ومقالهم: «من أشد منا قوة». وقد يحيك في قلوب بعض المسلمين شيء وهم يرون هؤلاء الكفرة يبغون ويظلمون ومع ذلك هم متروكون لم يأخذهم الله بعذاب من عنده، وقد يتسرب اليأس والإحباط إلى بعض النفوس ولكن المسلم الذي يفقه سنة الله عز وجل ويتأملها ويرى آثارها وعملها في الأمم السابقة لا يحيك في نفسه شيء من هذا لأنه يرى في ضوء هذه السنة أن الكفرة اليوم وعلى رأسهم أمريكا ودولة اليهود هم الآن يعيشون سنة الإملاء والاستدراج التي تقودهم إلى مزيد من الظلم والطغيان والغرور، وهذا بدوره يقودهم إلى نهايتهم الحتمية وهي الهلاك والقصم في الأجل الذي قد ضربه الله لهم؛ قال تعالى: (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا) [الكهف:59].
ففي الإملاء للكفار وتركهم يتسلطون على المسلمين في مدة من الزمن ابتلاء وتمحيص للمؤمنين حتى إذا آتت سنة الابتلاء أكلها وتميز الصف المؤمن الذي خرج من الابتلاء نظيفاً ممحصاً عندئذٍ تكون سنة الإملاء هي الأخرى قد أشرفت على نهايتها فيحق القول على الكافرين ويمحقهم الله كرامة للمؤمنين الممحصين الذين يمكن الله لهم عز وجل في الأرض ويخلفون الأرض بعد محق الكافرين.
قال تعالى: (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) [آل عمران:141].
فذكر الله سبحانه التمحيص قبل المحق ولو محق الله الكفار قبل تهيأ المؤمنين الممحصين فمن يخلف الكفار بعد محقهم. إن الله عز وجل حكيم عليم وما كان سبحانه ليحابي أحداً في سننه ولله عز وجل الحكمة في وضع السنتين، سنة الابتلاء وسنة الإملاء في آيتين متتاليتين في سورة آل عمران، قال تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين) [آل عمران:178]. ثم قال بعدها:
(ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم) [آل عمران179].
ولعل من الحكمة والله أعلم أن يعلمنا الله عز وجل أن هاتين السنتين متلازمتان ومتزامنتان وأن إحداهما تهيئ للأخرى.
وفي الوقوف مع سنة الإملاء فوائد منها: عدم الخوف والاغترار بقوة العدو؛ ذلك لأن ناصيته بيد الله عز وجل والله عز وجل يملي له ليمحق لا ليدوم ظلمه ولو شاء الله عز وجل لقصمه ولكن الله عز وجل له الحكمة في تأجيل هذا القصم. وهذا الإيمان يذهب اليأس عن النفوس ويزيل الإحباط والخوف الذي ينشأ من تسلط الأعداء وقوتهم.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز في وليك ويذل فيه عدوك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك سميع الدعاء، اللهم ارحم عبادك الموحدين والطف بهم في فلسطين والعراق وأفغانستان وفي كل مكان، اللهم احقن دماءهم واحفظ لهم دينهم وأعراضهم وأموالهم، اللهم فك أسر المأسورين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم اشف صدورنا وأقر أعيننا بنصرة دينك وأوليائك، اللهم قاتل اليهود والأمريكان الذين يكذبون رسلك ويعادون أولياءك ويصدون عن سبيلك وأنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك في نحورهم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[علي التمني]ــــــــ[18 - May-2008, مساء 02:29]ـ
بسم الله
جزى الله الشيخ عبدالعزيز الجليل خير الجزاء، وجزى الناقل الأخ أبا محمد التونسي خيرا.
وغزة وفلسطين وكل أوطان المسلمين أمانة في أعناق المسلمين كافة: حكاما ومحكومين وعلماء ودعاة وادباء ومؤرخين كل يقوم بواجبه من ناحيته،،
فالله الله في الواجب وألا يؤتى المسلمون وأطانهم من جهة أحدنا.
13/ 5/1429(/)
مقالات الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل {لا مرحباً به إنه عدو معتد}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 06:04]ـ
لا مرحباً به إنه عدو معتد
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد،،،
فإن من مآسي الأمة التي تضاف إلى مآسيها وآلامها الكثيرة أن يصل الحال بكثير من المسلمين أن يشعروا بالشلل وعدم القدرة على بيان عداوتهم لعدوهم الكافر المحارب وأقرب مثال على ذلك ما قام به الطاغوت الأمريكي بوش من زيارة إلى بعض بلدان المسلمين ومع ذلك لم نجد فينا من قال له لا مرحباً بك يا عدو الله وعدو المسلمين ويا قاتل أهلنا ونسائنا وأطفالنا في أفغانستان والعراق وفلسطين والصومال.
إنه لمن الذلة والعار أن يزورنا هذا الطاغوت وطائراته الحربية قبل يومين من زيارته تقذف بالقنابل المحرقة والحمم المدمرة بيوت أهلنا في عرب جبور وديالى بالعراق فهدمت البيوت على أهلها الآمنين وتقطع أوصال النساء والأطفال.
إنه لمن العار أن يقال له في أكثر البلدان التي زارها ومنها بعض دول الكفر لا مرحباً بك، كما كان ذلك في إيطاليا وأسبانيا بحجة جرائمه في العالم،
أنسينا قول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لأبيه وقومه {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} الزخرف26. وقوله: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} الممتحنة4. هذا لمجرد الكفر فكيف إذا كان هذا الكافر حرباً على المسلمين ويداه ملطختان بدمائهم.
ولو أن الأمر انتهى عند السكوت بعدم الترحيب به لكان – على شناعته – أهون من إعلان الترحيب به وإضفاء الفخامة والسيادة عليه في الصحف ووسائل الإعلام. وإنا بهذه المواقف المخزية نصبح أضحوكة للعالم من حولنا بل أضحوكة لهذا الطاغوت المحارب نفسه حيث سيقول بلسان حاله: انظروا إلى هؤلاء المسلمين الأذلة كيف نقتل أبناءهم وإخوانهم في العراق وأفغانستان وغيرهما من بلدان المسلمين ومع ذلك أدخل بلادهم وألقى فيها كل ترحيب وتقدير. إن هذا مما يزيده غطرسة وإجراماً ما دام أن هذا جزاؤه، وصدق الله العظيم {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} الجن6.
وتكفيراَ عن هذا السكوت المخزي أقول نيابة عن كثير من إخواني الدعاة وطلبة العلم:
لا مرحباً بك يا قاتل أهلنا ومخرب ديارنا، لا مرحباً بك في ديار الإسلام، والحمد لله الذي أخزاك وجندك على يد المجاهدين المرابطين الذين جعلوا أرض العراق وأفغانستان مستنقعاً لجنودك ومقبرة، والذين قضوا على أسطورة الدولة العظمى، والذين أفشلوا مشروعك الخبيث في بلاد المسلمين بما يسمى بالشرق الأوسط الكبير.
ووالله إننا لنحسن الظن بربنا ونقطع أن للظالمين نهاية قريبة إن شاء الله تعالى، لأن من سنن الله تعالى أن يمحق الظالمين ولا يجعلهم يظلمون إلى ما لا نهاية.قال ربنا عز وجل: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً}.
ومما نعرفه من سنن الله عز وجل أنه يملي للكافر حتى إذا أخذه لم يفلته وهذا الإملاء يغتر به الكفار فيزدادون إثماً وظلماً وغطرسة حتى يأتيهم وعد الله.قال الله عز وجل: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} آل عمران178
نسأل الله عز وجل أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يمحق الكفر والكافرين وأن يجعلنا من أنصار دينه الذين يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم إنه على كل شيء قدير. والحمد لله رب العالمين،،،(/)
عبارة حسن نصرالله الأخيرة تكشف الرؤية والذاكرة الجماعية التي ينشأ عليها الشيعي. (مهم).
ـ[أبو أحمد العنزي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 07:14]ـ
ماذا يريد "نصر الله" من لبنان؟
ما أن انتهى "حسن نصر الله" من خطابه عصر اليوم الخميس حتى انطلق مسلحو "حزب الله" في شوارع بيروت بأسلحتهم ورشاشاتهم في حرب خاضها "حزب الله" من طرف واحد، ومن الواضح أنه أعد لهذه الحرب منذ زمن طويل.
قد تنتهي المظاهر المسلحة، وقد تختفي الأسلحة، مؤقتًا، من شوارع بيروت، ولكن يبقى السؤال: ماذا يريد "حزب الله" من لبنان؟.
قبل أن نبدأ:
لعله بات من نافلة القول ومكرره أن نذكر بعدة مسلمات قبل الإجابة على هذا السؤال، ومن هذه المسلمات:
- حزب الله في حقيقة أمره هو جبهة متقدمة لإيران، وما يفعله حزب الله، أيًا كان حجمه، لا يستطيع أن يقدم عليه إلا بعد أن يأخذ الضوء الأخضر من طهران؛ هذا أمر نظنه بات مسلمًا به من الجميع خاصة وأن الأدلة والشواهد عليه تزداد يومًا بعد يوم، لذلك فلا يبعد ما فعله حزب الله في لبنان عن ما تفعله الميليشيات الشيعية في العراق، ولا يبعد كل هذا عن مشاريع إيران النووية، لذلك ليس من المستغرب ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية من أن إيران تسعى إلى صفقة نووية لتهدئة الوضع اللبناني.
- القول بأن هناك مشروعين في المنطقة، أمر لا يختلف عليه أحد، ولكن أي مشروعين هما، يتفق الجميع على أن أحد هذين المشروعين هو المشروع الأمريكي الصهيوني، والمشروع الثاني هو المشروع الإيراني الشيعي، وهناك مشروع ثالث تضع في وجهه العراقيل هو مشروع المقاومة السنية، أما الزعم بأن حزب الله ينتمي لهذا المشروع المقاوم فهو زعم خاطئ، فلا خلاف أن حزب الله تابع لإيران، ولا شك أيضًا أن إيران ساندت المشروع الأمريكي في العراق وأفغانستان، ولا غضاضة عند هذا المشروع الإيراني من الاعتراف بإسرائيل ومساعدتها إذا كان ذلك يصب في مصلحته، كما أكد ذلك كثير من الوقائع والشواهد.
ماذا يريد نصر الله؟:
مثلما كان الحال في حرب تموز 2006، أعلن نصر الله مرة جديدة تغيير قواعد اللعبة ولكن هذه المرة ليس مع إسرائيل، هذه المرة تغيير قواعد اللعبة داخل بيروت، حيث أعلن نصر الله أن مرحلة جديدة ستعلن في لبنان.
حقيقة لن نستطيع أن نعتبر هذا تغييرًا لقواعد اللعبة، ولكن ما يجري هو خطوة فيما يريده حزب الله من السيطرة على بيروت.
لقد تحدث نصر الله عن (مرحلة جديدة بالكامل) وكأن الأزمة بدأت قبل أيام بقرارات مجلس الوزراء وليس قبل أكثر من سنة بانسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة، وكرر القول: إن حزب الله لا يريد التنافس على سلطة ولا على حكومة، وكأن مطلب (الثلث المعطل) لم يكن من الحواجز على طريق التسوية.
في أغسطس 2006، وفي الأسبوع الأخير لعدوان "إسرائيل" على لبنان، كشف "نصر الله" ما يريده من لبنان، حيث قال في حديث أدلى به لمطبوعة إيرانية اسمها "رسالة الحسين": "إن رغبة حزب الله هي إقامة جمهورية إسلامية يومًا ما، لأن حزب الله يعتقد أن إقامة حكومة إسلامية هي الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار للمجتمع، وهي الطريق الوحيد لتسوية الخلافات الاجتماعية، حتى في مجتمع متكون من أقليات متعددة .. ".وبالتأكيد فإن هذه الحكومة الإسلامية هي حكومة على المذهب الجعفري تدين بالولاء لطهران كما يدين حزب الله.
يقول حسن نصر الله: "إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام، والدولة التي تناصر المسلمين والعرب وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا" (مجلة المقاومة، العدد 27: 15 - 16).وحزب الله لا يخفي إيمانه بولاية الفقيه، ولا ينكر وجوب الطاعة لهذا الفقيه، وهو الفقيه الإيراني بلا شك، يقول "نعيم قاسم" نائب الأمين العام لحزب الله في كتاب "حزب الله المنهج .. التجربة .. المستقبل" والصادر عام 2002م: "وهو (الولي الفقيه) الذي يملك صلاحية قرار الحرب أو السلم"، غير أنه يفصل في آلية تنفيذ هذه الصلاحية فيقول: "ولا يمكن تنفيذ هذه المهام بمباشرته الشخصية للتفاصيل كافة، وهذا ما يستدعي تفويض الصلاحيات لأفراد أو جهات، وتعيين الأفراد ومهماتهم في الدوائر العامة الكبرى والأساسية، وإمضاء الاقتراحات أو النشاطات أو
(يُتْبَعُ)
(/)
الاختيارات التي تنسجم مع الإسلام وفقًا لتشخيصه (الولي الفقيه) ".
وعن تبعية حزب الله لإيران في ذلك الأمر، يقول نعيم قاسم في ص 57: "وقد حقق وجود وتوجيه الولي الفقيه المتمثل بالإمام الخميني ومن بعده بالإمام خامنئي النموذج التطبيقي لإرادة الجهاد بطريقة واقعية وعملية وفاعلة".
ويقول أيضًا في كتابه في ص 75: "فإذا واجهت قيادة الحزب قضايا كبرى تشكل منعطفًا في الأداء أو تؤثر على قاعدة من قواعد العمل ... عندها تبادر إلى السؤال أو أخذ الإذن لإضفاء الشرعية على الفعل أو عدمه".
وفي سبيل تحقيق "حزب الله" لأهدافه تلك، كان مطلبه بالثلث المعطل، وهو التطبيق العملي لمبدأ "المثالثة" الذي طرحته إيران بدل المناصفة لحكم لبنان وفق صيغة جديدة بديلة عن اتفاق الطائف أو الدستور الجديد للبنان الذي أقرّ عام 1989.
فإيران ومن ورائها حزب الله يرون أن اتفاق الطائف قد انتهى ويجب العمل على وفق أسس جديدة، يقول المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله في مقابلة مع مجلة الحوادث 1/ 8/2003: "مشكلة اتفاق الطائف أنه لم ينطلق من العمق، لكنه انطلق من السطح، كان مجرد فرصة اضطرارية لوقف الحرب، فهو وسيلة للهدنة، ولم يكن وسيلة للسلام".
والخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف تكون بانتخاب رئيس توافقي منزوع القوى والسلطات مثلما كان حال الجيش اللبناني في الأزمة الأخيرة مهمته فقط الانتشار في الطرقات ويتحاشى الصدام مع حزب الله لأنه أقوى منه.
ثم تكون الخطوة الثانية أن يتولى الحكومة رئيس وزراء سني إما ضعيف الشخصية، أو أنه مؤيد لحزب الله، وإذا كان مجلس النواب في يد رئيس شيعي، فماذا يبقى من لبنان إذن سوى بعض المناصب الشكلية توزع على السنة والموارنة، وإذا لم يرضوا بهذا الحال يكون الجزاء احتلال بيروت مثلما فعل حزب الله في الأيام الماضية.
ليست فتنة مذهبية؟:
حاول "حسن نصر الله" ومن معه من قيادات الشيعة النفي بأن تكون حربه الأخيرة موجهة ضد السنة، وذلك على الرغم من أن "حزب الله" لم يهاجم سوى مكاتب تيار المستقبل "السني"، ولم يحتل سوى "بيروت الغربية" السنية.
بل الوقائع على الأرض تعيد للأذهان ما يفعله جيش المهدي في العراق، فيقول شهود العيان إن أعضاء شيعة في لجان الأمن الأهلية قامت بإيقاف السيارات وطلبت ممن فيها إبراز هوياتهم الشخصية ليتثبتوا من الطائفة التي ينتمي إليها السائق.
ويقول "محمد زين الدين" إنه كان عائدًا من ضاحية مسيحية عندما تم إيقافه في منطقة مختلطة على يد موالين لحركة أمل في ملابس مدنية ومسدسات مثبتة في ستراتهم، وطلب الرجال بطاقة هويته، وقال: لقد وجدوا أنني شيعي، وقالوا لي إن باستطاعتي متابعة السير".
وهكذا يحذو حزب الله حذو تلميذه النجيب "جيش المهدي" في العراق.
كيف نستمع لنصر الله؟:
تبقى نقطة أخيرة، تخص الطيبين من أهل السنة في أنحاء العالم العربي، والذين خدعهم "نصر الله" بلسانه، وخدعهم "حزب الله" بحروبه، كيف نستمع له وهو يتكلم ويفصل ويعيد ويزيد؟.
لا نستطيع أن ننكر أن حسن نصر الله قد أوتي قدرة خطابية تسلب أحيانًا من يستمع وإن لم يكن منتبهًا لصدق ما يقوله من كلام، فكيف نسمع ونفهم كلام حسن نصر الله؟.
يقول البعض إن حسن نصر الله يلجأ إلى التقية في خطابه، وقد يكون ذلك حقًا، ولكن الأمر ليس كذلك فحسب، الأمر أعمق من ذلك، الأمر يكمن في عبارة قالها نصر الله في خطابه الأخير حيث قال: "لن نقتل بعد اليوم في الطرقات"، هذه العبارة تجعلنا نتساءل متى قتل شيعة لبنان في الطرقات، التاريخ المعاصر لا يذكر أنهم في يوم كانوا ضحايا في الداخل اللبناني، بل على العكس من ذلك في الحرب الأهلية السابقة كانوا هم الجناة وكانوا هم من اقترفوا مذابح صابرا وشاتيلا؟.
متى قتل الشيعة في الطرقات إذن؟، إن هذه العبارة تكشف الرؤية الإدراكية والذاكرة الجماعية التي ينشأ عليها الشيعي، فالشيعي منذ صغره وهو يرى نفسه مظلومًا محرومًا، منذ صغره وهو يربى على أن إمامه الأول أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه سرقت منه الخلافة، وإمامه الثالث الحسين بن علي قتل مظلومًا، وهكذا تستمر قصة المظلومية والمحرومية.
فلذلك ترى الطائفة الشيعية نفسها في أي مكان، مهما أوتيت من قوة ونفوذ، هي الطائفة المظلومة والمحرومة، وفي الأحداث الأخيرة كررت هذه المعاني كثيرًا، قالها "عبد الأمير قبلان" رئيس المجلس الشيعي الأعلى الذي اعتبر أن إقالة مدير أمن المطار هو استمرار للظلم الذي تتعرض له الطائفة الشيعية، وكرر حسن نصر الله هذا المعنى كثيرًا في خطابه.
بهذه الرؤية الإدراكية يرى الشيعة من حولهم، وبهذه الرؤية الإدراكية تنشأ الطائفية، فيصبح الشيعة مهما حصدوا من مناصب يشعرون أنهم مظلومون محرومون، ولا ينتهي ظلمهم، في زعمهم، سوى بالاستيلاء على السلطة، مثلما جرى في العراق.
فإذا أردت أن تسمع لحسن نصر الله وإذا أردت أن تفهم تصرفات حزب الله، فضع في حسابك تلك الرؤية الإدراكية التي يعيش بها الشيعة، رؤية الطائفة المظلومة، وتلك الرؤية لا تختلف كثيرًا عن الرؤية التي يعيش وينشأ عليها الأقباط في مصر، ويستطيع من يقارن أن يجد تشابهًا في الكلمات والعبارات بين الفريقين، وهكذا كل فرقة تظن نفسها مظلومة وإن كانت في الحقيقة هي الظالمة.
بهذه الرؤية الإدراكية وبتلك الأساطير أنشأت الصهيونية "إسرائيل" حيث أشاعت الأكاذيب عن ضحايا الهولوكست وضحايا التشريد والاضطهاد، وعلى نهج هذه الأساطير يسير "حزب الله" والمشروع الشيعي الصفوي، فهل ينتبه المسلمون.
وليد نور
noor1425@hotmail.com
مفكرة الإسلام
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خزانة الأدب]ــــــــ[14 - May-2008, صباحاً 10:32]ـ
حزب الله إيراني 100%، وقيادته هناك، وله فروع في معظم البلدان، والقيادة هي التي تعيِّن حسن نصر الله أو تعزله.
وهذه علامة رمزية صغيرة لمن أراد أن يتأكد من ذلك:
جميع المسؤولين الإيرانيين لا يلبسون (الكرافتة)، لأن الخميني حرمها عليهم، فانظروا هل يلبسها نواب حزب الله في البرلمان اللبناني؟
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[14 - May-2008, صباحاً 10:59]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو محمد العمري]ــــــــ[14 - May-2008, مساء 12:49]ـ
قال أبو محمد بن حزم رحمه الله في الفصل في الملل والنحل
((واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا ولا فتح بهم من بلاد الكفر قوية ولا رفع للإسلام راية وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين ويفرقون كلمة المؤمنين ويسلون السيف على أهل الدين ويسعون في الأرض مفسدين أما الخوارج والشيعة فأمرهم في هذا الشهر من أن يتكلف ذكره وما توصلت الباطنية إلى كيد الإسلام وإخراج الضعفاء منه أي الكفر الأعلى ألسنة الشيعة وأما المرجئة فكذلك إلا أن الحارس بن سريح خرج بن عمه منكرا للجور ثم لحق بالترك فقادهم إلى أرض الإسلام فنهب الديار وهتك الأستار والمعتزلة في سبيل ذلك إلا أنه أبتلي بتقليد بعضهم المعتصم والواثق جهلا وظنا أنهم على شيء وكانت للمعتصم فتوحات محمودة كبابل والمازيار وغيرهم ..
فالله الله أيها المسلمون تحفظوا بدينكم ونحن نجمع لكم بعون الله تعالى الكلام في ذلك الزموا القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه و سلم وما مضى عليه الصحابة رضي اله عنهم والتابعون وأصحاب الحديث عصرا عصرا الذين طلبوا الأثر فلزموا الأثر ودعوا كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبالله تعالى التوفيق ثم الكلام في شنع المبتدعة أهل الأهواء والنحل المضلة والحمد لله رب العالمين))
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[14 - May-2008, مساء 09:08]ـ
ماان رايت حزب الله في شوارع بيروت الا وقلت لاعلم ولاحلم
وتوجست خيفة من هذا التهريج الشيعي
انتفاخة حماسة وعاطفة مزيفة مع عدم انضباط زيادة علي عدم معرفة باحكام الاسلام في التعامل مع الانام
كان علي الطرف الاخر من الماسنجر من اخبرني بصورة مباشرة من بيروت نفسها ان حزب الله فتش البيوت في بيروت ومن لايفتح هدده بكسر الباب واجراءات صارمة وعنف وقد حدث هذا مع مع كلمني علي الماسنجر وامه واهله وهم ناس عاديين جدا وحدث هذا للجيران والمنطقة كلها
قلت هل هذه اخلاق رجالات اي دولة اسلامية مطلوبة!
بصرف النظر عن خرافات الشيعة واعتداءتهم علي التاريخ الاسلامي والمجاهدين الاوائل صحبة رسول الله وتربيته الباهرة
افتحوا او نكسر الابواب
ثم تفتيش بالسلاح وتهديد امن
اين نحن
هل نحن في زمن عصابات مافيا عصابات مخدرات
يقولون ان حزب الله انتصر علي اسرائيل
لاااعرف هل هذه خدعة عصرية وقد دمرت الاف البيوت
ماذا كانوا يريدون هل كانوا يريدون ان تعلن اسرائيل دخلوها بيروت منتصرة وخلاف ذلك يسمي انتصارا لمقاومة
وهل المنتصر الاسلامي-بين قوسين- علي اسرائيل يهدد بيوت الناس بهذه الهمجية
ان اي تحجيم قدري للتمدد الشيعي لاشك انه محمود مجيد
وهذا مااري حقيقته منذ حرب العراق -ايران
والله اعلم
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[14 - May-2008, مساء 09:15]ـ
تعبير: ((الوجدان الجمعي)) هو الترجمة الدقيقة لا الذاكرة الجماعية ...
هتخلي الدكتور ((يانج)) يزعل منك يا مولانا ...(/)
تحولات مركز الكون النقدي وأثرها على المشهد المحلي .. ! 4 - 4
ـ[ابن الشاطيء الحقيقي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 08:29]ـ
تحولات مركز الكون النقدي وأثرها على المشهد المحلي .. ! 4 - 4
حسن بن فهد الهويمل
وحين استدار فلك النقد واستقر في رحاب المتلقي متمرداً على سلطتي الكاتب والنص، تداعت له سائر المعارف وتشعبت النظريات، وانبعثت المصطلحات من مراقدها، لتمكين المتلقي من استكمال عدته، وفرض سلطانه،
وما إن سُخِّرت له المناهج والآليات، حتى أصبح سيد المواقف كلِّها، يمتلك ناصية النص وكأنه المنتج له، والمعبر من خلاله، فلا معقب لأمره حين يريد تحميل النص ما يهواه و (نظرية التلقي) تحقيق لسلطان الذات المتلقية، فهي التي تفرض حقه المطلق في تقويل النص ما قال وما لم يقل.
وإذا كانت (نظرية المعرفة) سمة للعلماء والملل والنحل، قبل أن تكون آلية نقدٍ أدبي فإنها أتت المتلقي طائعة، لتكون بعض آلياته متحكمة في مصائر النص مغلقاً كان أو مفتوحاً أو جمالياً.
وإذ تكون للنص بيئة منتجة تتسعُ حتى تغطي الوهاد والنجاد والمعاني والمباني والمحسوس والمعنوي وسائر المكونات، وتضيقُ حتى تكمن في جوانح المنتج ومكتسباته الثقافية، وله ذات تجسِّدها اللغة ويكسوها الشكل ويَحُدُّها اللفظ والدلالة، فإن له متلقياً يتفاعلُ معه ويفعِّله، فيمضي معه أو يمضي به، حتى لا تكون له علائق لا في المنتج ولا في النص، ولا في شيء آخر سوى المتلقي، الذي يمنحه الهوية والدلالة وكأنه وعاء فارغ.
وتجسيد سلطة القارئ استدعت قضايا كثيرة، وحفزت المنظرين إلى تحرير مشروعيتها، وحقها، في إعادة الإنتاج، والانعتاق من الاستهلاك والقبول المطلق والخنوع لإرادة المنتج.
ولأن محور الحديث عن سلطة المتلقي تدور حول:
- طريقة الاستقبال.
- مستويات التأويل.
والاستقبال والتأويل يستنبطان منهجاً وآلية. أما المنهج فقد تجلى في دراسة (بول ريكور) (صراع التأويلات دراسات هيرمينوطيقية) وأما الآلية فتتجلى في عدد من الدراسات عن (التفكيكية) بحيث يصعب حصرها واستقبال النص يختلف من عصر إلى عصر، وللتراث النقدي منهجه الاستقبالي كما يصوره د. محمد المبارك في كتابه (استقبال النص عند العرب).
على أن حق القارئ لم يكن من عنديات النقد الأدبي، وإنما كان معروفاً ومتداولاً من قبل أن يكون الناقد شيئاً مذكوراً، والراصد لهذا الحق يقف على دراسات متعددة وشاملة ومعمقة، تناولت نظريات المعرفة عند المذاهب والملل والنحل، وعند الطوائف والأفراد، كما تناولت التأويل والاستقبال والتلقي من حيث هي نظريات غير منتمية، وإن كان ثمة استقلالية في التلقي وإغراق في التأويل، فإنه يتجلى بوضوح لدى (الصوفية) و (الشيعة) وإذا قُبل التأويل والتفكيك فإنَّه قبولٌ مشروط بألا يؤدي إلى تحريف الكلم عن مواضعه، وانتقال مركز الكون النقدي إلى المتلقي جعله يوغل في الانقطاع والعبث بالدلالة، والشعراء الأوائل يدركون هذا الحق، ولهذا نجد أن (أبا الطيب المتنبي) حين يُسْأل عن مشكل شعره، يحيل إلى (ابن جني) لعلمه أنه الأدرى بدخائله حتى لقد قال: (اذهبوا إلى هذا الشيخ الأعور فإنه أعلم مني بشعري، حتى أنه ليقوّلني ما لم أقل .. ومع براعة ابن جني فإن النقاد لم يركنوا إليه، ولم يوافقوه، يقول الدكتور (صفاء خلوصي) وهو أحد محققي (الفَسْر): (ولقد صُنِّفت كتبٌ عديدةٌ في الرد على كتابه (الفَسْر)) وقد ذكر منها ثلاثة كتب من بينها كتاب (قَشْر الفَسْر) الذي حققه أستاذنا الدكتور (عبدالعزيز بن ناصر المانع) وطبعه (مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية). وما نود الإشارة إليه أن حرية القارئ في توجيه الدلالة ليست مطلقة، وإن يَسَّرت له بعض المصطلحات ذلك كمصطلح (التفكيكية) و (النص المفتوح) و (التأويل). ومجمل نظريات التلقي، وإغراءات بعض المنظرين أمثال (أمبرتو إيكو) في كتابه (الأثر المفتوح) و (رولاك بارت) الذي يسوِّي بين المبدع والمتلقي حتى ليقول ب (كتابةٍ قارئةٍ) و (قراءةٍ كاتبةٍ) ويربط قيمة النص بما يتيحه للمتلقي من كتابته للمرة الثانية، ولقد بلغ تمكين المتلقي من رقاب النصوص أن جُعلت القراءة عملية إسقاط، يقول (محمد عزام): (يُدَمِّر الوجود المستقل للنص من أجل أن يبني على أشلائه ما يريد القارئُ بناءه من أفكار) ولست معه فيما ذهب إليه من أن هذا
(يُتْبَعُ)
(/)
النوع من القراءة استعادة للانطباعية والذوقية، إذ إن ذلك التصرف متعلق بالدلالة لا بالمشاعر، وإن كان (أمبرتو إيكو) يرى أن مصطلح (جمالية التلقي) امتداد لمصطلح (النص المفتوح) ومن ثم تختلط المشاعر بالتأويل وإشكالية القارئ شغلت (إيكو) ومن ثم حاول التفريق بين (التأويل) المعتمد على (السيميائيات) والتأويل المعتمد على مجرد التفكيك، وذلك في كتابه (التأويل بين السيميائيات والتفكيكية) وهو لكي يؤكد على مركزية القارئ يدافع عن التأويل المضاعف في الفصل السادس من كتابه آنف الذكر.
ولكيلا نغمط العرب حقهم في قضية الاستقبال وأهمية القارئ نحيل إلى دراسة الدكتور محمد المبارك (استقبال النص عند العرب) وإلى أسباب اختلاف المفسرين، والقارئ العربي، وإن لم يعبأ بِسَكِّ المصطلحات، فإن له إرهاصات توحي بوعيه التام بحقه في التلقي والاستقبال والاستجابة والقراءة. وهي مصطلحات قد تؤدي معنى واحداً وطغيان سلطة المتلقي تُقْبل في مجال الدراسات الأدبية، ولكنها ليست مقبولة على الإطلاق في مجال النصوص الشرعية، وإن كان هناك تميز بين القراء كما أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (بلغوا عني ولو آية فَرُبَّ مُبُلغٍ أوعى من سامع). وكذلك إشارته التمثيلية في تفاوت المتلقين في الحديث المتفق عليه: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً .. ).
ولقد أشرت إلى تطاولات غير رشيدة وغير مهذبة مَسَّتْ قدسية النص القرآني اقترفها مُسْتَغْربون لا يُقَدِّرون الله حَقَّ قدره، نجد ذلك عند (محمد أركون) و (نصر حامد أبي زيد) و (علي حرب) وآخرين استدرجتهم مفاهيم الحق والحرية والأنسنة والتلبس اللغوي دون تفريق بين قيم النصوص من حيث القطعيات الدلالية واحتمالياتها.
ودعك من أصحاب الملل والنحل والأهواء الذين عطلوا النصوص بالتأويل الفاسد، ولك أن تراجع كتاب (الشيعة الاثنا عشرية ومنهجهم في تفسير القرآن الكريم) تأليف محمد إبراهيم العسَّال، ومخطوطة (كشف الاتجاه الرافضي في تفسير الطبرسي) للطالب (أحمد طاهر أويس) ومجمل تهافت القراءات المعاصرة كما هي عند (شحرور) وأضْرابه، ومدار ذلك كله يحال إلى سلطة القارئ.
ونحن إذ لا ننكر حق القارئ، وقيمة التأويل فإنما نراها في المنتج الإنساني لا في الوحي الرباني. ومثلما تركت سلطة النص من المعارف والمناهج والآليات تركت سلطة المتلقي، على أن النقد العربي القديم وسع المراكز الثلاثة ولم يكن في معزل عن شيء منها كما لم يكن لأحدهما مزيد حق على الآخر، فالذين يحتفون بالمنتج لا ينقمون على اللغويين والعروضيين ولا على القراء المستبدين، فأصحاب الطبقات إلى جانب اللغويين، و (المتنبي) يمر بشراح شعره في الطرقات فيقف مستمعاً حتى إذا قَوَّله الشارح ما لم يقل أطلق لفرسه عنانه وذهب لا يلوي على شيء، وقد يراجع الشارح على استحياء بل قد يحيل سائلين عن مشكل شعره إلى من يُقَوِّله ما لم يقل، أما النقد الحديث فقد تبدت التحولات الجذرية، فهو إما مع المنتج أو مع النص أو مع القارئ.
وكل ما أشرنا إليه لا يتعلق بما تعرضت له النصوص التوراتية في مرحلة التنوير من تأويل ألغى مدلولها ولم يلغها، وكان الهدف الأساس إلغاءها، ومن ثم ظهرت نظريات التأويل (الهرمنيوطيقا). وذلك ما عرف بفهم الفهم مدخلٌ إلى نظرية التأويل .. والمركز إذ تنقل بين المنتج والنص والمتلقي فإنه قد تخطى ذلك إلى ما عرف (بالنقد الثقافي) .. ولكنه انتقال جزئي ولم يكن بحجم التنقلات السالفة كما لم يحصن بالوهج الذي صاحب ما سلف، وإن كان قد بدأ من فرنسا كما أشار (دليل الناقد الأدبي) وتنقل بين ألمانيا وأمريكا، وكانت بداياته غير الواعية على يد (طه حسين). فيما كانت المحاولة الجادة على يد الدكتور عبدالله بن محمد الغذامي في كتابه (النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية) وقد اعتمد -كما يشير الدليل- على (فِنْسنت ليتش) الناقد الأمريكي، ولأن المحاولات العربية متواضعة فقد صرفنا النظر عن الحديث عن هذا التحول الجزئي.
تلك إلمامة عجلى نتمنى أن يبتدرها مقتدرون لتحرير مسائلها وتأصيل معارفها، فنحن أحوج ما نكون إلى مثل هذا الرصد التاريخي والمعرفي المحايد، ليكون المتابع على بيّنة من أمره.
http://www.al-jazirah.com/192314/ar4d.htm(/)
مقالات الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل {أصحاب الأيكة المعاصرون}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 09:52]ـ
أصحاب الأيكة المعاصرون
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
فإن من المصطلحات التي كان الشيوعيون والبعثيون القوميون في العقود السابقة يرمون بها المتمسكين بشريعة الإسلام مصطلح (الرجعية) ويعنون بذلك الرجوع إلى الوراء بمئات السنين حيث نزل القرآن على قلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فمن كان على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام فهو رجعي عندهم. وما أكرمها وأجملها من رجعية ترفع الهام ونفتخر بها بين الناس فكفانا فخراً أن يكون الله عز وجل لنا رباً لا رب لنا سواه وكفانا عزاً أن نكون له عبيداً. وما أجمل قول الشاعر:
ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً
ومع أن هذا المصطلح قد أكل عليه الدهر وشرب إلا أنه ما يزال يطرح للتنفير بين المتبعين للأثر ومنهج السلف الصالح وقد تستبدل أحياناً بمصطلحات أخرى منها الأصولية والراديكالية، وغيرها من المصطلحات الحادثة.ويطرح اليوم ممن يسمون أنفسهم بالعلمانيين أو الليبراليين أو الحداثيين وهذه المصطلحات التي يفرح بها أصحابها ويسرون بإطلاقها عليهم تحمل في ألفاظها معاني الحداثة والتحرر من كل قديم أو أي شيء يحد من حرية الإنسان سواء كان ذلك ديناً وشريعة أو عادة أو تقاليد وهي عندهم تقابل الرجعية والأصولية.
وليس المقام هنا مقام نقد وهدم هذه المصطلحات والممارسات فهي تحمل في طياتها معاول هدمها وبيان ذلك له مقام أخر.
وإنما المراد في هذه المقالة بيان أن هؤلاء القوم العاقون المتمردون على دينهم ونبيهم وأمتهم الذين يدعون التحرر والتقدم والانعتاق من كل قديم هم في الحقيقة غارقون في الرجعية الضاربة في أعماق التاريخ القديم. ويا ليتها رجعية إلى ما كان علية الرسل الكرام من التوحيد والطريق المستقيم وإنما هي رجعية إلى ما كان عليه أعداء الرسل وأقوامهم المشركون وبيان ذلك في قصة شعيب عليه السلام مع قومه، وذلك عندما دعاهم إلى التوحيد وعبادة الله وحدة وأن لا يبخسوا الناس أشيائهم وأن لا ينقصوا المكيال والميزان فما كان جواب قومه إلا أن {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}] هود:87 [
وقوم شعيب هؤلاء هم أصحاب الأيكة المذكورين في سورة الشعراء وذلك في قوله عز وجل {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ}] الشعراء:176 - 177 [
فمرة ينسبون إلى قبيلتهم (مدين) ومرة ينسبون إلى (الأيكة) وهي شجرة كبيرة في ديارهم.
والمقصود أن أصحاب الأيكة قوم شعيب استنكروا على نبي الله عز وجل شعيب عليه السلام تدخله في شؤونهم التي يرون أنهم أحرار فيها فقالوا: مالك ولحريتنا الإعتقادية وما دخل دينك في اقتصادنا وتصرفنا في أموالنا فنحن أحرار نفعل فيها ما نشاء. {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء} هود87الله أكبر إنها والله نفس المقولة التي يقولها اليوم دعاة الليبرالية والعلمانية حذو القدة بالقدة {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}] الذاريات: 53 [.
وإنها والله لهي الرجعية المقيتة التي ينادي عليها العلمانيون والليبراليون في زماننا اليوم ومع ذلك يدعون أنهم المتقدمون والمتحضرون في الوقت الذي يجترون ويقتاتون على أقوال سلفهم أصحاب الأيكة الغابرين؟
(يُتْبَعُ)
(/)
إن أصحاب الأيكة المعاصرين والأقدمين لا يدركون أولا يريدون أن يدركوا أن العقيدة لا تقوم بغير توحيد الله عز وجل ونبذ ما يعبد من دون الله كما أنها لا تقوم إلا بتنفيذ شرائع الله في شئون الحياة كلها ومنها التجارة وتداول الأموال وفي كل شأن من شئون الحياة والتعامل.فهي لحمة واحدة لا يفترق الاعتقاد عن الصلاة عن شرائع الحياة وعن أوضاع الحياة، هذا معنى الاسلام والاستسلام لله عز وجل {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}}] الانعام: 162 - 163 [.
إن أصحاب الأيكة المعاصرين الحاصلين على الشهادات العليا من جامعاتنا وجامعات العالم. يتساءلون أولاً في استنكار:وما للإسلام وسلوكنا الشخصي؟ وما للإسلام والسياسة؟ وما للإسلام و زي المرأة في الطريق؟ وما للإسلام وبناء الأسرة ونظامها؟! فأي فرق بين هذا وبين سؤال أهل مدين {أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}] هود:87 [وهم يتساءلون ثانياً.بل ينكرون وبشدة وعنف.أن يتدخل الدين في الاقتصاد،وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد .. فما للدين والمعاملات الربوية؟ وما للدين والمهارة في الغش والسرقة ما لم يقعا تحت طائلة القانون الوضعي؟ لا بل إنهم يتبجحون بأن الأخلاق إذا تدخلت في الاقتصاد تفسده. وينكرون حتى على بعض أصحاب النظريات الاقتصادية الغربية - النظرية الأخلاقية مثلا ً- ويعدونها تخليطاً من أيام زمان!
فلا يذهبن بنا الترفع كثيراً على أهل مدين في تلك الجاهلية الأولى.ونحن اليوم نرى خلفهم الرجعيين من العلمانيين والليبراليين الذين يدعون العلم والمعرفة والحضارة،ويتهمون الذين يربطون بين العقيدة في الله، والسلوك الشخصي في الحياة، والمعاملات المادية في السوق .. بالرجعية والتعصب والجمود!!! فأي الفريقين أحق بالرجعية الجاهلية لو كانوا يعلمون؟!.
ويحسن في هذا المقام أن نقف مع ذلك الليبرالي الذي يتبجح بالليبرالية ويعلنها وكان من قبل ذلك يستخفي بها ويطرحها على استحياء لنقول له حدد لنا معنى هذا المصطلح الذي تتشرف بالانتساب إليه؟! فسيقول لنا إنها لفظه أجنبية تعني التحرر والانطلاق من كل قيد يقيد حرية الإنسان ولو كان ذلك القيد هو شرع الله عز وجل ودينه. حينئذ نقول له إنك بتحررك من شريعة الله عز وجل والتي هي عقيدة وأحكام وسلوك تكون بذلك قد أرتكست في العبودية لهواك ووضعت ربقه الرق الحقيقي في عنقك وإن كنت ترى أن هذه هي الحرية فأنت مخادع لنفسك مغالط لغيرك حيث أن ما أنت فيه إن هو إلا الرق والذلة والعبودية الجاهلية كما قال أبن القيم رحمه الله تعالى عن أمثال هؤلاء الليبراليين:
] هربوا من الرق الذي خلقوا له ... وبلوا برق النفس والشيطان [
ويقول شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله تعالى: (من لم يكن مخلصاً لله عبداً قد صار قلبه مستعبداً لربه وحده لا شريك له بحيث يكون هو أحب إليه مما سواه ويكون ذليلاً خاضعاً له وإلا استعبدته الكائنات واستولت على قلبه الشياطين وكان من العادين إخوان الشياطين)] العبودية: ص36 [
ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى:
(إنه حين تكون الحاكمية العليا لله وحده في مجتمع –متمثلة في سيادة شريعته الربانية – تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً حقيقياً كاملاً من العبودية للهوى البشري ومن العبودية للعبيد. وتكون هذه هي الصورة الوحيدة للإسلام أو للحضارة- كما هي في ميزان الله – لأن الحضارة التي يريدها الله للناس تقوم على قاعدة أساسية من الكرامة والتحرر لكل فرد. ولا كرامة ولا تحرر مع العبودية لعبد .. لا كرامة ولا تحرر في مجتمع بعضه أرباب يشرعون ويزاولون حق الحاكمية العليا؛ وبعضهم عبيد يخضعون ويتبعون هؤلاء الأرباب! والتشريع لا ينحصر في الأحكام القانونية. فالقيم والموازين والأخلاق والتقاليد .. كلها تشريع يخضع الأفراد لضغطه شاعرين أو غير شاعرين! .. ومجتمع هذه صفته هو مجتمع رجعي متخلف.)] في ظلال القرآن: 3/ 1257 [.
إذن وبهذا يتضح لنا بجلاء أن الليبراليين الذين يتشدقون بنحلتهم هذه و ينادون بالحرية ويطالبون بتحقيقها في المجتمعات ثم هم ينشدونها في نظم جاهلية بعيدة عن المصدر الحقيقي للحرية وهي عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له، إنما هم ضالون مضلون صادون عن سبيل الله عز وجل،إذ لا حرية حقيقية إلا في نقل الناس من عبادة غير الله عز وجل إلى عبادة الله وحده وبدون ذلك فهو الرق ولاستعباد والذلة والشقاء مهما تشدق أصحاب هذه المطالب باسم حقوق الإنسان أو غيرها.
والواقع المرير الذي تعيشه البشرية اليوم أكبر شاهد على ذلك حيث تحولت البشرية اليوم إلى استعباد القوي للضعيف والكبير للصغير،وذلك على مستوى الأفراد والطوائف والدول ثم إذا نظرنا على حياة من أعرض عن عبادة الله عز وجل ودينه رأيناه مرتكساً في عبوديات مذلة فهذا أصبح عبداً لشهوته وهذا لمنصبه وهذا لكبريائه وهذا لماله واستبدلوا بعبادة الله عز وجل التي فيها العزة والكرامة والحرية عبادة بعضهم لبعض وعبادة الهوى حيث الذلة والمهانة والرق الحقيقي وهذه هي الحرية والتحرر الذي يريده دعاة الليبرالية المعاصرون.
نسأل الله عز وجل أن يهديهم ويهدي ضال المسلمين والحمد لله رب العالمين.(/)
مقالات الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل {من هم أعداء الأمن؟!}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 09:54]ـ
من هم أعداء الأمن؟!
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنّ الله عز وجل خلق الثقلين الجن والإنس ليعبدوه، وسخر لهم ما في السماوات والأرض ليستعينوا بذلك على القيام بهذه الغاية العظيمة، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). [سورة الذاريات، الآية: 56]. وجعل ذلك مركوزاً في عقولهم وفطرهم.
ولكن من حمايته سبحانه أنه لم يكلهم إلى ذلك فحسب، بل أعانهم بإنزال الكتب وإرسال الرسل، ليبينوا للناس غاية خلقهم ومصيرهم، ويعرفوهم بربهم سبحانه، وأسمائه وصفاته، وكيفية عبادته، ووعدهم إن هم قاموا بذلك أن يسلموا ويسعدوا، ويأمنوا في الدنيا على أنفسهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم، وفي الآخرة: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ). [سورة الأعراف، الآية: 96].
وإن المتأمل في عالمنا المعاصر ليرى دون عناء ما يعج به من المخاوف والمزعجات والمقلقات، والقتل والجوع، والأمراض النفسية والأسرية والاجتماعية، ويرى الهلع على وجوه الكثير من الناس من جراء ما يهدد وجودهم وأعراضهم وأموالهم وقبل ذلك دينهم.
وقد صاحب ذلك حملة ماكرة خبيثة، ملبسة مضللة، وذلك من الكفار وأذنابهم من المنافقين في وسائل إعلامهم المختلفة، وذلك بالتلاعب بالمصطلحات، والتلبيس على الناس في معنى الأمن ووسائله، ومعنى الإرهاب وطرائقه، وجاءوا بزخرف من القول غروراً، ليصرفوا الناس عن الأسباب الحقيقية لاختلال الأمن في حياة الأفراد والمجتمعات والدول، والتي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم، وجعلها سنناً ثابتة لا تتغير ولا تتحول، وليصرفوهم عن الأعداء الحقيقيين للأمن.
وجاءوا أيضاً بأسباب أملتها عليهم أهواؤهم ومصالحهم، فجعلوا الحق باطلاً، والباطل حقاً، وهكذا شأن شياطين الإنس والجن الذين اخبرنا الله عنهم بقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ). [سورة الأنعام، الآيات: 112 - 113].
فبيّن سبحانه في هذه الآية الكريمة أن تضليل شياطين الإنس والجن للناس بأقوالهم المزخرفة المضللة لا ينطلي إلا على من ضعف دينه وإيمانه بالآخرة، وإلا فإنّ المؤمن بربه، الذي يصدر عن كتابه سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والمؤمن بلقاء ربه في الآخرة لا يصغي لهذا المكر ولا يرضاه، ولا يقبله.
ولما كانت الحملة على الإسلام وثوابته ومفاهيمه شديدة وشرسة، ولا سيما في هذه السنوات الأخيرة من قِبَلِ الكفار وإخوانهم من المنافقين في ديار الإسلام، أصبح بيان الحق في هذه الحرب متعيّناً على كل قادر بلسانه وقلمه وبيانه وماله، وذلك لرفع اللبس عن المسلمين، وإزالة الشبهات، وبيان سبل المؤمنين وسبل المجرمين، وذلك بالرجوع إلى القرآن وهديه ومجاهدة الأعداء به، قال تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً). [سورة الفرقان، الآية: 52].
ومن صور التلبيس في مفهوم الأمن اليوم: قصره على أمن النفوس والأموال فحسب، مع أنه أشمل من ذلك من جهة أنّ أعظم الأمن هو الأمن في الدين والعقيدة والأخلاق، وحماية الناس من أن يفتنوا في دينهم، وهذا المفهوم الشامل قد غاب عن حياة كثير من الناس اليوم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد أسهم الإعلامُ الماكر الموالي للكافرين وإخوانهم من المنافقين في تغييب هذا المفهوم، حيث لم يضعوا لحماية الدين أيّ اعتبار في تحقيق الأمن، مع أنّ الله عز وجل قد أفهمنا في كتابه الكريم أنّ أيّ خلل في أمن الناس فمصدره الخلل في دينهم وإيمانهم، فبضعف الدين والإيمان، أو غيابهما يحصل اختلال الأمن في بقية ضروريات الإنسان من نفس ومال وعقل وعرض، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ). [سورة النحل، الآية: 112].
وكذلك من المفهوم القاصر للأمن الذي يحاول الملبسون ترسيخه في أذهان الناس اليوم: توجيه الأنظار إلى توفير الأمن على النفس والرزق في هذه الحياة الدنيا فحسب، ونسيان الأمن الحقيقي والسعادة الكبرى في الآخرة، وعدم أو ضعف الحرص على ذلك، وإغفال الأسباب التي توصل إلى الأمن يوم الفزع الأكبر، والفوز بدار الأمن والسلام، والتي أعدها الله عز وجل لعباده المتقين، قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ). [سورة الحجر، الآية: 45 - 46]. وقال سبحانه: (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). [سورة يونس، الآية: 25].
إنّ هذا الطرح الشامل لمفهوم الأمن يكشف لنا الأعداء الحقيقيين لأمن الناس، والذين يتترّسون وراء مكافحة الإرهاب، والحرص على توفير الأمن للناس، مع أنهم مصدر الإرهاب والخوف والجرائم والفساد، وبيان ذلك واضح وجلي في أقوالهم وأفعالهم، وجرائهم الشنيعة في إفسادهم للدين والنفس والعقل والمال والعرض، وما يترتب على ذلك من العقوبات، والمخاوف الدنيوية، والعقوبات الأخروية في نار جهنم، حيث لا أمن، ولا راحة، ولا سلام.
فأيّ الفريقين أحق بالأمن والدعوة إليه في الدنيا والآخرة؟!:
أهم دعاة التوحيد والإيمان والفضيلة؛ الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، أم دعاة الشر والفساد والرذيلة؟!.
لقد حسم الله عز وجل الجواب بقوله سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ). [سورة الأنعام، الآية: 82].
وما مثل أعداء الأمن الذين يعتدون على الناس في دينهم، وأنفسهم وعقولهم، وإعراضهم وأموالهم، ويعرضونهم لعقوبة الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا كما قال الأول: "رمتني بدائها وانسلت".
ولإيضاح هذا الأمر أضم إلى آية الأنعام السابقة الآيات التالية، والتي يوضح الله عز وجل فيها من هم دعاة الأمن وأهله؟! ومن هم دعاة الشر والعذاب وأهله؟! وأنّه لا التقاء بينهما، وهي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى تعليق.
قال تعالى: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً). [سورة النساء، الآية: 27].
ويقول عز وجل: (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). [سورة البقرة، الآيات: 221].
ويقول الله عز وجل عن مؤمن آل فرعون وهو يدعو قومه: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ). [سورة غافر، الآيات: 41 - 42].
(يُتْبَعُ)
(/)
إذاً فكل من ناصب هذا الدين العداء، وسعى لصد الناس عنه، وحرمهم من نعمة الأمن في ظلاله، وكان سبباً في حلول عقوبة الله عز وجل في الناس سواء في الدنيا، أو في الآخرة في عذاب النار، فهو العدو الحقيقي لأمن الناس وسلامتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، سواء كان هذه الصدّ عسكرياً أو فكرياً أو أخلاقياً، وسواء كان هذا العداء على الدين والأخلاق، أو على الأنفس والأموال والأعراض.
وبهذا يتبين أنّن أعدى أعداء الأمن اليوم هم الكفار ومن تولاهم من المنافقين، الذين أخافوا الناس وسلبوهم الأمن في دينهم وعقولهم، أما بالشبهات والأفكار المنحرفة، أو بسلبهم أمن نفوسهم باحتلال ديار المسلمين، وإهلاك الحرث والنسل، وبالقتل والتشريد والتعذيب، وبسلبهم الأمن في أخلاقهم وأعراضهم، وذلك بما سلطوا عليهم من وسائل الشهوات والإباحيات والفضائيات، التي تقتل الفضيلة، وتشيع الفاحشة، وبسلبهم الأمن في أموالهم بما سلطوا عليهم من نار الربا والبيوع والعقود المحرمة، وأكل المال بالباطل، وقد ساعدهم في تحقيق ذلك العملاء المنافقون، المنتسبون زوراً وبهتاناً للإسلام والمسلمين، كما ساعدهم على ذلك بعض أبناء المسلمين من أهل الفسوق والمجون واللهو واللعب المتبعين للشهوات، والذين ليس لهم همٌّ إلا الدنيا ومتاعها الزائل، وهؤلاء على درجتين:
1 - فمنهم الماجن الفاسد في نفسه وبيته.
2 - ومنهم الداعي إلى الفساد بماله وفكره وجهده، وهؤلاء اشد جرماً من الفاسد في نفسه فقط.
ولا يخفي ما لأهل الفسق والمجون والشهوات من أثر خطير على أمنهم في أنفسهم، وعلى أمن الناس الذين يضلّونهم وينشرون الفساد بينهم!.
فكم من مستقيم على دينه ضل بسببهم؟!.
وكم من مال اُعتدي عليه بسببهم؟!.
والمقصود أن أثر هذه الفئة ظاهر وجلي في تهديد أمن الناس في حاجاتهم وضرورياتهم. وهم الذين يستخدمهم أعداء الدين من الكفرة والمنافقين في تمرير الفساد والخنا والرذيلة والفجور، حيث وافق فساد الكفرة ومخططاتهم الخبيثة هوى في نفوس هؤلاء الجهلة من أهل الشهوات، ووافق حباً للدنيا في قلوبهم فأسهموا في تنفيذ مخططات الكفرة المفسدين في بلاد المسلمين.
إنّ هؤلاء هم الذين أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالأخذ على أيديهم حتى لا تغرق سفينة المجتمع بسببهم، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلّم: "مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا!، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وان أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعاً". [البخاري 2493].
وممن يلحق أيضاً بأعداء الأمن: أهل الأهواء والبدع من أهل القبلة، ولا سيما فرقتا الخوارج والمرجئة؛ وذلك أن من عقيدة الخوارج تكفير عصاة المسلمين، وبالتالي استباحة دمائهم وأموالهم، وفي هذا عدوان على أمن الناس في دينهم بهذا المعتقد المخالف لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وعدوان عليهم في دمائهم وأموالهم باستحلالها، وذلك لكونهم عند الخوارج كفاراً غير معصومين.
وأما اعتداء المرجئة على أمن الناس فيتمثل في معتقدهم المنحرف المخالف لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي هذا اعتداء على الدين وعدوان على أمن الناس في أعراضهم وأنفسهم وأموالهم، وذلك بما يترتب على قولهم إن الإيمان هو التصديق فحسب، وأنه لا يضر مع الإيمان معصية!.
ولا يخفي ما في ذلك من تجرئة الناس على الفجور والفساد، والتهوين من شأن المعصية والرذيلة والفساد.
نسأل الله عز وجل أن يؤمننا في ديننا وأنفسنا وعقولنا وأعراضنا وأموالنا في الدنيا، وأن يمنَّ علينا بدخول الجنة دار السلام والأمن، يوم يُبعثر ما في القبور، ويحصّلُ ما في الصدور.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(/)
مقالات الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل {ولا يستخفّنك الذين لا يوقنون}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 10:49]ـ
ولا يستخفّنك الذين لا يوقنون
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين وبعد:
فمنذ بضعة أيام أتصل بي بعض الأخوة الغيورين عن طريق رسائل الجوال يخبرون فيها بأن قناة العربية الفاسقة قد طرحت استفتاءً حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطلب فيه رأي المشاركين في إلغاء جهاز الهيئة أو إبقائه. وكان قصد هؤلاء المتصلين التحميس و الحض على تكثير سواد المشتركين من أهل الخير في هذا الاستفتاء لتكون أصوات المطالبين بإبقاء هذا الجهاز المبارك - أعني هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – أكثر حضوراً لتنقمع الأصوات ألمطالبه بإلغائه وبذلك ينقمع الباطل في نظرهم.
ومع تقديري لغيرة هؤلاء الإخوان إلا أني عاتبتهم على هذه النظرة المتسرعة وهذا الموقف الذي أرادت هذه القناة الماجنة إيقاعهم فيه. ومن باب النصيحة والتحذير وتوسيع دائرة الفائدة انقل للقراء الكرام ما قلته لإخواني المتصلين بشيء من
التفصيل:
لقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من استخفاف الملبسين وأهل المكر إذ أن لهم أساليب وطرقاً يستفزون بها أهل الخير ليوقعوهم في مصيدتهم.
ومن ذلك ما حصل في هذا الطرح من هذه القناة الماكرة حيث استجاب لهم بعض الطيبين في المشاركة ولو كانت المشاركة عن حسن نية وبقصد نصرة الحسبة وأهلها. وكان الأولى بكل مسلم فضلاً عن أهل العلم والدعوة أن يتجاهلوا هذا الاستفتاء ويقاطعوه ويهجروه ويهجنوه، إذ كيف يطرح حول مرفق مبارك ينفذ قول الله تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] فكان الواجب إزاء هذا الطرح الفاجر أن لا يستجاب له بل يقابل بالإنكار الشديد على القائمين عليه ومطالبتهم بالتوبة من هذا الذنب العظيم والجراءة الشديدة على حدود الله تعالى وحرماته والذي يضيف إثماً زائداً على آثامهم الأخرى الكبيرة التي يمارسونها في قناتهم الخبيثة في بث الشبهات والشهوات وإشاعة أسباب الفاحشة بين الناس.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمه من شعائر الإسلام عدها بعض أهل العلم الركن السادس من أركان الإسلام،فكيف يأتي رويبضة جاهل ظالم ليبارز الله العداء بجعل شعائره سبحانه مجالاً للرفض أو القبول {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} النور16 إن المسلم الحق لا يجعل لنفسه الخيار أمام شعائر الله وشرائعه في رفضها أو قبولها بل ليس أمامه إلا القبول والتسليم وإلا فهو النفاق والفجور.قال الله عز وجل {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب:36]
بل أني لأتساءل في مقابل ذلك أقول: هل يجرؤ أصحاب هذا الطرح الخبيث أن يطرحوا استفتاءً عاماً للناس حول المرور أو الشرطة أو البلديات ونحوها ليصوت الناس في إلغائها أو إبقائها؟ الجواب قطعاً كلا لا تستطيع مثل هذه القنوات المغرضة الانتقائية أن تطرح مثل هذا بل ولم يرد في تفكيرها رغم بعض التجاوزات والأخطاء في هذه المرافق.إذاً فلم هذا التقصد والهجوم الانتقائي على شعائر الله عز وجل؟!!
إنها المشاقة لشرع الله عز وجل والمعاداة لحماة الأمن والأخلاق والأعراض والصد عن سبيل الله عز وجل. ومع أن المكر شديد إلا أن الله سبحانه قد أخبرنا في كتابه الكريم أن الباطل زاهق وذاهب وأن الحق باق وثابت قال سبحانه {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18]
وقال عز وجل {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:17] وقال تبارك وتعالى {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]
وختاماًً: أكرر الدعوة للقائمين على هذه القناة بالتوبة إلى الله عز وجل من هذه الجرأة العظيمة على شعيرة من شعائر الله وطرحها للاستفتاء وكذلك التوبة من آثامهم الأخرى الكبيرة في قناتهم المفسدة وأن لا يعودوا إلا مثلها أبدا، و والله لن ينفعكم ما أنتم فيه من صحة وتمتع بهذه الدنيا الفانية فإنما استدراج من الله عز وجل وإن هي إلا أيام،أو شهور،أو سنوات معدودة وتلاقون فيها الموت الذي تفرون منه وتقوم قيامتكم وعندها لا تسألون عن الحسرة العظيمة التي تحيط بكم وعندها لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً وعندها تنظرون إلى متاعكم الزائل كأنه ساعة من نهار وتدبروا قول الله عز وجل {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ* ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ* مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:205 - 207]
أسأل الله عز وجل أن يهدي ضال المسلمين وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليه ويذل فيه عدوه ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه سميع مجيب والله أعلم والحمد لله رب العالمين.(/)
مقالات الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل {كفوا عن حماة الامن}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 10:53]ـ
كفوا عن حماة الامن
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد
فيقول الله عز وجل {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}] التوبة: 71 [ويقول سبحانه عن الفريق المقابل لهم {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}] التوبة: 67 [وهاتان الصورتان نراهما اليوم واضحتين ومع ذلك يحاول الملبسون أن يعكسوها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)] ابن ماجه (6304) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1623) [.
وأحسب أن زماننا اليوم ليشهد وبكل وضوح وجلاء قول الله عز وجل في وصف الفريقين ويشهد صدق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره عن ما يدور في زماننا من تلبيس وتدليس وقلب للحقائق وتسمية الأمور بعكس حقيقتها حيث يصدق الكاذب ويكذب الصادق ويخون الأمين ويؤتمن الخائن ويتكلم الرجل التافه في أمر العامة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكما نرى اليوم ونسمع في وسائل الإعلام المختلفة في بلدان المسلمين اليوم من قلب للحقائق وتضليل للناس ومن ذلك رمي بعض أهل العلم والدعوة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بأنهم دعاة فساد وفتنة وإزعاج للناس.في الوقت الذي يصفون أنفسهم بالإصلاح والمحافظة على الأمن وهذا يذكرنا بقول الله عز وجل في المنافقين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}] البقرة: 12،11 [كما يذكرنا بقول فرعون لموسى عليه الصلاة والسلام {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}] غافر: 26 [أما عن نفسه فيقول {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}] غافر: 29 [ففرعون في نفسه مصلح وموسى عليه السلام مفسد.
إذن فهي شنشنة وسنة فرعونية شيطانها واحد في قديم الزمان وجديدة. وإلا فما معنى هذه الحملة الظالمة على صمام الأمان والأمن في مجتمعات المسلمين أعني دعاة الخير والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ونبزهم بصفات هي الصق بالنابزين أنفسهم الداعين إلى الشر والفساد.
إن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم والله أشراف المجتمع ووجودهم منحة ربانية وفضل من الله عظيم إذ بهم تندفع العقوبات وبهم يحمي الله عز وجل أمن الناس في دينهم وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم هذه الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة لحفظها وصيانتها.
ويا ليت الذين يتتبعون سقطات أهل الأمر والنهي ويوظفونها في مخططاتهم. يا ليتهم كانوا من الداعين إلى الخير وإلى حفظ أمن الناس في الضروريات الخمس السابقة الذكر إذن لكان الأمر أهون أما إنهم بالعكس من ذلك حيث بان في أفعالهم وأقوالهم أنهم أعداء لأمن الناس في هذه الضروريات كلها فكانوا كما قال القائل (رمتني بدائها وانسلت)، ومن كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بحجر.
ونحن نحاكمهم إلى كتاب الله عز وجل لنرى أي الفريقين أحق بوصف الإفساد والفتنه والإخلال بالأمن؟
(يُتْبَعُ)
(/)
أهم الذين يحمون عقيدة الأمة وأمنها من الشبهات والأفكار المنحرفة ويحمون أمن العقول والأخلاق والأعراض من نار الشهوات التي تشعلها القنوات الإفسادية ووسائل الإعلام المختلفة مما يفسد أمن الأعراض والبيوت أم الذين يفسدون عقيدة الأمة بالشبهات والسخرية والاستهزاء ويخربون أمن أخلاقها وأعراضها بالشهوات والإباحية ونشر الرذيلة وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين بالحملة المسعورة على المرأة المسلمة وحجابها وعفافها وإخراجها من بيتها؟
إن الجواب واضح وجلي في كتاب الله عز وجل وذلك في قوله سبحانه {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}] الأنعام: 82،81 [وأيضاً في قوله سبحانه {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا}] النساء: 27 [.
ثم هل هذا هو جزاء أهل الحسبة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الذين يسهرون على أمن الناس في دينهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم؟
ولماذا لا ينظر في الأخطاء إلا إليهم؟
إن أهل الحسبة بشر يخطئون ويصيبون وليسوا بمعصومين ولكن العبرة بالموازنة بين الحسنات والسيئات مع أن خطأهم غير مقصود والرجل الفاضل الشريف إذا كثرت حسناته وكثر خيره انغمرت سيئاته في بحر حسناته والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث فكيف وحسناتهم لا تقاس بالقلال وإنما يقاس بماء الغيث والمطر ثم أين هؤلاء المشاغبون هداهم الله من أخطاء بعض المؤسسات والمرافق الأخرى كمرافق البلديات والشرطة والمرور وغيرها أم أنهم كما قال القائل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
إذن فلابد أن وراء الأكمة ما وراءها في تقصد رجال الحسبة ومؤسساتها وهذا أمر واضح لا يخفى على أحد وهنا نقول لهؤلاء القوم
يا قومنا: اتقوا الله عز وجل وكفوا أقلامكم وألسنتكم عن حماة الأمن في مجتمعات المسلمين واعلموا أن هذه الدنيا متاع الغرور وإن هي إلا سنوات معدودة تتمتعون فيها مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم تبقى الحسرات وتذهب اللذات ويذهب مكر الليل والنهار قال الله عز وجل {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}] الشعراء: 206،205 [.
يا قومنا: ماذا يضركم إذا أنتشر الخير والأيمان وتدين الناس وخافوا ربهم المخافة الذاتية التي تحجزهم عن الشر وبها ينتشر الأمن والأمان بين الناس في ضرورياتهم
يا قومنا:اتقوا يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور وتقفون بين يدي الله عز وجل فيحاسبكم على صدكم عن سبيل الله وسخريتكم من أهل الخير والدعوة والاحتساب فماذا أنتم قائلون وما هي حجتكم التي عليها تتكئون ولا تحسبون هذا بعيدا إنه ليس بينكم وبينه إلا أن تموتوا وتقوم قيامتكم وحينئذ سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
أسأل الله عز وجل أن يهديكم ويجعلكم مفاتيح للخير مغاليق للشر وأن يرزقكم توبة صادقة قبل نزول الموت في ساحتكم حيث لا ينفع الندم ولا تقبل التوبة.
كما أسأل الله عز وجل أن يبرم لهذه الأمة أمرا رشد يعز فيه وليه ويذل فيه عدوه ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه سميع قريب والحمد لله رب العالمين.(/)
افتراضات التدافع بين الحق والباطل .... للشيخ رفاعي سرور
ـ[محمد عبد المجيد]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 10:55]ـ
افتراضات التدافع بين الحق والباطل
*للشيخ رفاعي سرور
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:-
هناك عدة حقائق هامة في إطار مفهوم التدافع بين الحق والباطل:
أولا: الاعتقاد بأن العداء بين الحق والباطل ليس حقيقة مستنبطة من دراسة الواقع أو تقييم الظروف ولكنه حتمية قدرية منهجية نؤمن بها ونلتزم مقتضاياتها بمجرد الإيمان بالحق والكفر بالباطل.
ثانياً: أن القوة هي المضمون الأساسي لهذا الصراع وأن كل أبعاد الصراع الأخري يجب أن تكون باعتبار هذا المضمون: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء:18) " فالله يبطل الباطل بالحقّ بأن يبين للناس بطلان الباطل على لسان رسله، وبأن أوجَد في عقولهم إدراكاً للتمييز بين الصلاح والفساد، وبأن يسلط بعض عباده على المبطلين لاستئصال المبطلين " التحرير والتنوير - (ج 9 / ص 137).
ثالثاً: أن المعني الأساسي لظهور الحق على الباطل هو الثبات عليه، وأن ثبات أهل الحق هو شرط تفعيل كل أساليب وأدوات إزهاق الباطل ولذلك يقول تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء:18).
ودل حرف المفاجأة على سرعة محق الحقّ الباطلَ عند وروده لأن للحقّ صولة فهو سريع المفعول إذا ورد ووضح، قال تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابيا} إلى قوله تعالى: {كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} سورة الرعد (17).
رابعاً: أن الحق واحد وأن مقتضى ذلك هو أن يمثله في العداء مع الباطل طرف واحد، والباطل متعدد يمثله أطراف متعددة، وأن العداء يكون بين هذا الحق الواحد وجميع أطراف الباطل المتعددة، وأهل السنة القائمين على عقيدة التوحيد هم الطرف الذي يمثل الحق في هذا الصراع وأي طرف لا يقوم على تلك العقيدة لا يدخل في هذه الافتراضات، وأن التدافع وهو المواجهة العملية بين أطراف العداء يقوم في الواقع بعدة افتراضات:
الافتراض الأول:
وهو قيام التدافع بين طرف الحق الواحد وأحد أطراف الباطل، وهذا التدافع هو المتوازن منهجيا، والمقتضى العملي لهذا الافتراض هو التفريق بين واجب إثبات العداء لجميع أطراف الجاهلية منهجيا وفكريا وبين إمكانية المواجهة العملية لأحد هذه الأطراف فنحن نعادي جميع الأعداء تصورا واعتقادا ولكننا نواجه في حدود إمكانياتنا العملية فنختار في تلك الحدود أنسب اتجاهات العداء وأطرافه، والأساس في معنى الآية هو قتال الأقرب إلى دار الإسلام، والله تعالى يقول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" (123).
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: 4/ 237: (أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولا فأولا الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام؛ ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة، والطائف، واليمن واليمامة، وهجر، وخيبر، وحضرموت، وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب).
وفي حالة عدم قيام حوزة للإسلام وتعدد مواقع الصراع يكون الأقرب خطرا من الإتجاهات المعادية للدعوة هو الإتجاه الواجب التعامل معه ومواجهته، والربط بين الأقرب إلى حوزة الإسلام والأقرب خطرا هو أن الأقرب إلى حوزة الإسلام هو نفسه الأقرب خطرا ولذلك يقول الأستاذ سيد قطب "سارت الفتوح الإسلامية, تواجه من يلون "دار الإسلام" ويجاورونها, مرحلة فمرحلة. فلما أسلمت الجزيرة العربية - أو كادت ولم تبق إلا فلول منعزلة لا تؤلف قوة يخشى منها على دار الإسلام بعد فتح مكة - كانت غزوة تبوك على أطراف بلاد الروم. ثم كان انسياح الجيوش الإسلامية في بلاد الروم وفي بلاد فارس, فلم يتركوا وراءهم جيوبا ; ووحدت الرقعة الإسلامية, ووصلت حدودها" (في ظلال القرآن)
(يُتْبَعُ)
(/)
فيتبين أن محاربة الأقرب كان من أجل الخشية منهم على الإسلام، وقد يتغير هذا الاتجاه حسب الظروف والأحوال ولكنه دائما هو الاتجاه الذي يمثل الخطر الأقرب علي الدعوة، فقد يكون طرف العداء الأولى بالمواجهة هم الصليبيين في مكان والشيوعيين في مكان آخر وهكذا.
الافتراض الثاني:
وهو قيام التدافع بين طرف الحق الواحد وجميع أطراف الباطل، وهذا التدافع هو الذي يتحقق توازنه بصورة قدرية مباشرة لحفظ الحق الواحد أمام اجتماع أطراف الباطل، وهذا التدخل هو سنة هزيمة الأحزاب.
والمقتضى المنهجي لهذا الافتراض هو محاولة فك الارتباط بين أطراف الباطل المجتمعة، ولعل أبرز مثال لذلك ما فعله نعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب حيث أوقع بين اليهود في المدينة ومشركي مكة بعد أن أستأذن النبي صلي الله عليه وسلم في ذلك فأذن له قائلا: خذل عنا إن شئت، وجميع أطراف الباطل المتعددة تقوم على معاداة الإسلام ولكن بمضمون نفعي دنيوي، وتعارض مصالح أهل الدنيا أمري حتمي ومن هنا ينشأ الصراع بين الأطراف المتعددة للباطل، وهذه الحقيقة تمنع المسلمين من الوقوع أمام الهزيمة النفسية أمام الكثرة الجاهلية المعادية للدعوة، لأنهم ليسوا على شيء، وأنهم معادون لأنفسهم ولا يكون لهم اجتماع إلا على الإسلام، وأن إجتماعهم على الإسلام يدفعه الله بقدره، وإذا كان الدعاء هو أساس النصر في كل أحوال المواجهة, فإنه في هذا الافتراض يبرز بصورة أوضح وأكبر, وذلك باعتبار أن الأمر هنا هو تدخل قدري، و لهذا كان ذلك الدعاء المعروف عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: (اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب, وهازم الأحزاب أهزمهم انصرنا عليهم) كما في صحيح البخاري في كتاب الجهاد باب الدعاء علي المشركين.
الافتراض الثالث:
وهو قيام التدافع بين الأطراف المتعددة للباطل وهو التدافع المحقق للتوازن بين الحق والباطل باعتبار أن هذا التدافع يحقق اختصارا لأطراف الباطل ويهيئ الواقع لصالح طرف الحق. وأوضح الأمثلة هو القتال الذي كان قائما بين الروم والفرس.
والمقتضي المنهجي لهذا الافتراض هو نفس ما جاء في القرآن الكريم بالنسبة للقتال الذي كان دائراً بين الروم والفرس وهو المتابعة والتقييم: {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ.
وهذا المثال دليل على التقييم العقيدي لأطراف العداء حيث كان الفرس أشد عداء من الروم المنتسبين إلى أهل الكتاب، وهذه القاعدة تتطلب منا أن نملك التصور السياسي للواقع العالمي؛ لكي نتمكن من المتابعة الصحيحة والتقييم الصحيح للقوي العالمية وعلاقتها، والأحداث التي تكون بينها، وأثر ذلك كله علي واقع الدعوة الإسلامية بصورته المباشرة وغير المباشرة، ومن المثال التاريخي البعيد (الروم والفرس) إلى المثال التاريخي القريب وهو الحرب العالمية الأولى والثانية التي أنهكت القوى الجاهلية المعادية، وكذلك الحروب الأهلية الأمريكية وكذلك الحروب المذهبية بين الطوائف النصرانية وغيرها كثير التي نفهم من دراستها أن المسلمين يحاربون الآن بقايا هذه القوى.
وليكن مفهوما أن هناك حقيقة خطيرة في المقتضى المنهجي لعلاقة الصراع بين أطراف الباطل وهي أن موقف أصحاب الدعوة الصحيح هو الذي يحقق آثارا جوهرية في أحداث العالم؛ وذلك بصورة قدرية خالصة وتامة؛ وهذا لأن صواب موقف اصحاب الدعوة هو الذي ينشيء استحقاقهم للنصر والغلبة، وأن نشأة هذا الاستحقاق تعني تهيئة ظروف العالم وواقعة لحدوث هذا النصر؛ وتلك الغلبة وهذا ما فهمه الصحابة من دلالة انتصار الروم علي الفرس.
الافتراض الرابع:
تعدد الحق في أطراف مختلفة (يعني واقع الفتنة).
وهذه الحالة تفرض علينا أن نعرف كيف يتم التدافع بين الحق بتعدده في الأفهام واختلاف مواقف أصحاب الدعوة في مواجهتهم للجاهلية، فيجب تحديد طرف الدفع الإسلامي المعتبر في المواجهة، ومن هنا يلزم كضرورة للمواجهة تحديد الإطار الفكري لتحديد الكيان الصحيح للمواجهة، والإطار الأساسي لهذا التحديد هو قضايا حد الإسلام "قضايا الحكم والنسك والولاء".
ويضاف إليها كل قضايا الفكر المستفادة من خبرة التحرك بقضايا حد الإسلام في الواقع، وقد سبق تقرير أن الفكر في تطوره مع الحركة مستفاد من خبرة الحركة وأن تحديده يكون باعتبار أصحابه؛ فيصبح أي فكر ناشئ عن خبرة عملية مستفادة من مواجهة صاحبه مع الجاهلية .. داخلًا في إطار الفكر الحركي.
وكما تحدد الإطار الفكري للكيان الصحيح في المواجهة يتحدد الإطار الحركي، والإطار الأساسي لهذه الحركة هو التبليغ بالكلمة واستخدام القوة وقيام السلطة؛ وبذلك يتحدد إطار الحركة الصحيحة التي تنشأ من خلالها العلاقة الجدلية الصحيحة مع الفكر.
ومعنى هذا التحديد: أن أي كيان لا يتبنى أسلوب التبليغ وإقامة الحجة ورفع الالتباس وتصحيح المفاهيم وأسلوب المواجهة القوية الهادفة إلى إقامة السلطة الإسلامية .. أي كيان لا يتبنى هذه الأساليب يكون خارجًا عن إطار التحديد السياسي للحركة ...
أما ماورد عن قتادة في القرطبي فهو الذي يمثل أساسا تصوريا عاما للتدافع ففي تفسير الآية (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) وهو قوله " والحقّ كتاب الله القرآن، والباطل: إبليس، فيدمغه فإذا هو زاهق: أي ذاهب."
طرفي الصراع هما الحق "القرآن" أمام الباطل "إبليس"
* داعية إسلامي مصري.
منقول عن موقع "قاوم"
http://qawim.net/index.php?option=com_*******&task=view&id=2579&Itemid=40(/)
مقالات الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل {موتوا بغيظكم يا عُباد الصليب}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 11:00]ـ
موتوا بغيظكم يا عُباد الصليب
الحمد الله الذي رضي لنا الإسلام ديناً , ونصب لنا الدلالة على صحته برهاناً مبيناً , وأوضح السبيل إلى معرفته
واعتقاده حقاً يقيناً , ووعد من قام بأحكامه وحفظ حدوده أجراً جسيماً , وذخراً لمن وفاه به ثوابا جزيلا وفوزاً عظيماً , وفرض علينا الانقياد له ولأحكامه , والتمسك بدعائمه وأركانه , والاعتصام بعراه وأسبابه.
فهو دينه الذي ارتضاه لنفسه ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه , فبه اهتدى المهتدون وإليه دعا الأنبياء والمرسلون (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) آل عمران83, فلا يقبل من أحد دينا سواه من الأولين والآخرين , (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران85
وحكم سبحانه بأنه أحسن الأديان , ولا أحسن من حكمه ولا أصدق منه قيلا فقال (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) النساء 125وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , ولا ضد له , ولا ند له , ولا صاحب له , ولا ولد له , ولا كفؤ له , تعالى عن إفك المبطلين , وخرص الكاذبين , وتقدس عن شرك المشركين وأباطيل الملحدين.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفوته من خلقه وخيرته من بريته , وأمينه على وحيه , وسفيره بينه وبين عباده , ابتعثه بخير ملة و أحسن شرعة , و أظهر دلالة وأوضح حجة , وأبين برهان إلى جميع العالمين أنسهم وجنهم , عربهم وعجمهم , حاضرهم وباديهم , الذي بشرت به الكتب السالفة , وأخبرت به الرسل الماضية , وجرى ذكره في الإعصار وفي القرى الأمصار والأمم الخالية , ضربت لنبوته البشائر من عهد آدم أبي البشر , إلى عهد المسيح ابن البشر.
رضي المسلمون بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً , ورضي المخذول بالصليب والوثن إلها وبالتثليث والكفر ديناً , وبسبيل الضلال والغضب سبيلا .. أما بعد:
فإن من بعض حقوق الله على عبده: رد الطاعنين على كتابه ورسوله ودينه ومجاهدتهم بالحجة والبيان , والسيف والسنان , والقلب والجنان , وليس وراء ذلك حبة خردل من الإيمان ........ )] اقتباساً من مقدمة كتاب (هداية الحيارى) لابن القيم رحمه الله باختصار. [
وإن ما تفوه به عابد الصليب وإمام الكفر ورئيسه في (الفاتيكان) لم يكن هو الأول من نوعه وليس غريباً أن يخرج من أفواههم النجسة مثل هذا الكلام لأنه وأمثاله قد ملئوا كفراً وحقداً وكل إناء بما فيه ينضح ومثل هذا الكفر المتجدد إنما هو زيادة في الكفر على كفرهم وإملاء من الله عز وجل لهم حتى يسرعوا إلى الأجل الذي قدره الله لهم ليقصمهم فيه ويمحقهم قال الله عزوجل (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) آل عمران178وليس الغرض من هذه الكتابة الرد على ماتفوه به إمام الكفر ومرجع النصرانية الوثنية في العالم اليوم فقد كفانا الرد على شبهاتهم أئمة الإسلام في القديم والحديث كشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه العظيم (الجواب الصحيح) , وتلميذه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه النفيس (هداية الحيارى). هذا لو كان ما قاله رئيس الكفر ناشئاً عن جهل بالإسلام ورسول الإسلام أما وأنه يعرف حقيقة الإسلام وحقيقة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما يعرف أبناءه وما صده عن ذلك وجعله يقول ما قال إلا العناد و الاستكبار فإن مثل هذا لا يستحق الرد ولا الالتفات وإنما الله عز وجل هو الذي يتولى الرد على هذا وأمثاله بما يشاء (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) الحج38وإنما المقصود من هذه الكتابة مخاطبة إخواني المسلمين الموحدين بتوظيف هذا الحدث في التركيز والتأكيد على بعض المسائل والأصول المهمة التي يسعى أعداء
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا الدين من الكفرة والمنافقين في توهينها والتشويش عليها لعلمهم بأنها هي التي تحفظ للمسلمين كيانهم وعقيدتهم وأخلاقهم.
ويمكن الحديث عن هذه المسائل المهمة في ظل هذه الهجمة الشرسة من أئمة الكفر على ديننا حسب الوقفات التالية:
الوقفة الأولى: النظر إلى هذه الأحداث في ضوء السنن الإلهية.
الوقفة الثانية: من ألطاف الله عز وجل وحكمته في هذه الأحداث.
الوقفة الثالثة: موتوا بغيظكم.
الوقفة الرابعة: رمتني بدائها وانسلت.
الوقفة الخامسة: بل انتشر الإسلام بالسيف والبيان.
الوقفة الأولى: النظر إلى هذه الأحداث في ضوء السنن الإلهية:
يقول الله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ) آل عمران137
ويقول سبحانه (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) فاطر 43والآيات من كتاب الله عز وجل في الحث على النظر في السنن الربانية كثيرة جداً وبخاصة عند التقديم والتعقيب على قصص الأنبياء عليه الصلاة والسلام مع أقوامهم , إنه من الواجب على دعاة الحق والمجاهدين في سبيل الله أن يقفوا طويلاً مع كتاب الله عز وجل وما تضمن من الهدى والنور ومن ذلك ما تضمنه من السنن الربانية المستوحاة من دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , وذلك لأن في معرفتها والسير على هداها أخذ بأسباب النصر والتمكين والفلاح , ونجاة مما وقع فيه الغير من تخبط وشقاء وفي الغفلة عنها تفريط في الأخذ بأسباب النجاة , وحرمان التوفيق في النظر الصحيح للأحداث والمواقف وليس المقصود هنا التفصيل في موضوع السنن الربانية فهذا له مقام آخر , وإنما المقصود هو الاستضاءة بهذه السنن في الوصول إلى الموقف الحق الذي نحسب أنه يرضي الله عز وجل وذلك في الأحداث الساخنة التي تدور رحاها اليوم في حرب الإسلام وأهله.
وأكتفي بذكر سنة واحدة من سنن الله تعالى تتناسب هذا الحدث الذي نحن بصدده. وبفهم هذه السنة يزول الاستغراب مما يحدث ونتمكن من الفهم الصحيح لحقيقة هذه الهجمات المتتالية من أعداء الإسلام ودوافعها وحكمة الله عز وجل في إيجادها لأن من أسمائه سبحانه: العليم الحكيم ومن أثار هذين الاسمين الكريمين اليقين بأن أي شيء يحدث في خلقه سبحانه فإنما هو بعلم الله تعالى وإرادته وحكمته البالغة. وهذه السنة التي أعنيها هنا والتي هي مقتضى حكمته سبحانه وعلمه هي سنة المدافعة والصراع بين الحق والباطل:
يقول الله عزوجل: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}] البقرة251. [
ويقول تبارك وتعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}] الحج40 [.
في هاتين الآيتين أبلغ دليل على أن الصراع حتمي بين الحق وأهله من جهة والباطل وأهله من جهة أخرى , هذه سنة إلهية لا تتخلف ووقائع التاريخ القديم والحديث تشهد على ذلك وهذه المدافعة وهذا الصراع بين الحق والباطل إن هو إلا مقتضى علمه سبحانه وحكمته ورحمته ولطفه وهو لصالح البشرية وإنقاذها من فساد المبطلين , ولذلك ختم الله عز وجل آية المدافعة في سورة البقرة , بقوله سبحانه (وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).
حيث لم يجعل الباطل وأهله ينفردون بالناس بل قيض الله له الحق وأهله يدمغونه حتى يزهق فالله تعالى يقول (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)] الأنبياء:18 [.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن الذين يطمعون في الإصلاح ودرء الفساد عن الأمة بدون هذه السنة – أعني سنة المدافعة مع الباطل وأهل الفساد -إنهم يتنكبون منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله عزوجل الذي ارتضاه واختاره لهم , وإن الذين يؤثرون السلامة والخوف من عناء المدافعة مع الفساد وأهله , إنهم بهذا التصرف لا يسلمون من العناء والمشقة , بل إنهم يقعون في مشقة أعظم وعناء أكبر يقاسونه في دينهم , وأنفسهم , وأعراضهم , وأموالهم , وهذه هي ضريبة القعود عن مدافعة الباطل , وإيثار الحياة الدنيا.
والمدافعة بين الحق والباطل تأخذ صوراً متعددة: فبيان الحق وإزالة الشبه ورفع اللبس عن الحق وأهله مدافعة , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مدافعة , وبيان سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين مدافعة , والصبر والثبات على ابتلاء الأعداء من الكفرة والظلمة مدافعة , ويأتي الجهاد والقتال في سبيل الله عز وجل على رأس وذروة هذا المدافعات لكف شر الكفار وفسادهم عن ديار المسلمين ودينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
واليوم لم يعد خافياً على كل مسلم ما تتعرض له بلدان المسلمين قاطبة من غزو سافر وحرب شرسة على مختلف الأصعدة , وذلك من قبل أعدائها الكفرة , وأذنابهم المنافقين , فعلى الصعيد العسكري تخضع بعض بلدان المسلمين تحت الاحتلال العسكري لجيوش الكفرة المعتدين التي غزت أهل هذه البلدان في عقر دارهم كما هي الحال في أفغانستان والشيشان والعراق وفلسطين وكشمير , وعلى صعيد الحرب على الدين والأخلاق والإعلام والتعليم والاقتصاد لم يسلم بلد من بلدان المسلمين من ذلك.
وقد تقرر عند أهل العلم أن الجهاد يتعين على المسلمين إذا غزاهم الكفار في عقر دارهم , ويصبح واجباً على كل مسلم قادر أن يشارك في دفع الصائل عن بلده بكل ممكن , فإن كان الغزو عسكرياً وبالسلاح وجب رده بالقوة الممكنة والسلاح , وإذا كان الغزو بسلاح الكلمة والكتاب و المجلة والوسائل الإعلامية الخبيثة بأنواعها المقروءة والمسموعة والمشاهدة منها أقول: إذا كان الغزو من الكفار للمسلمين في عقر دارهم بهذه الوسائل والمعاول الخطيرة والتي يباشر الكفار بعضها وينيبون إخوانهم من المنافقين في بعضها فإن الجهاد بالبيان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمدافعة والتحصين يصبح واجباً عينياً على كل قادر من المسلمين كل بحسبه وحينما نربط هذه السنة ومقتضى أسمائه الحسنى بهذه الأحداث التي تزامنت وتتالت وتشابهت قلوب أصحابها في الهجوم على دين الإسلام وأهله وبلدانه تتضح لنا هذه السنة بجلاء وحينئذ يرتفع الاستغراب مما يقوم به الكفار من هجوم وافتراء على دين الإسلام ويشمر المسلم للدخول في الصراع ضد أعداء الله تعالى بما يستطيع من نفسه وماله ولسانه وقلمه. قال صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم) (رواه النسائي (3045) وصححه الألباني)
الوقفة الثانية: ذكر بعض الحكم والألطاف الإلهية المتجلية في هذه الأحداث
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى (وأسماءه الحسنى تقتضي آثارها , وتستلزمها استلزام المقتضي المُوجب لمُوجبه ومُقتضاه , فلا بد من ظهور آثارها في الوجود فإن من أسمائه: الخلاق المقتضي لوجود الخلق , ومن أسمائه الرزاق المقتضى لوجود الرزق والمرزوق , وكذلك الغفار والتواب والحكيم والعفو, وكذلك الرحمن الرحيم , وكذلك الحكم العدل , إلى سائر الأسماء , ومنها الحكيم المستلزم لظهور حكمته في الوجود , والوجود متضمن لخلقه وأمره , (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)] الأعراف:54 [فخلقه وأمره صدرا عن حكمته وعلمه، وحكمته وعلمه اقتضيا ظهور خلقه وأمره , فمصدر الخلق والأمر عن هذين الاسمين المتضمنين لهاتين الصفتين , ولهذا يقرن – سبحانه – بينهما عند ذكر إنزال كتابه , وعند ذكر ملكه وربوبيته , إذ هما مصدر الخلق والأمر.) (الصواعق المرسلة: 4/ 1564)
اذا تبين لنا هذا الأصل العظيم أيقنا أن ما يجري اليوم من كيد وافتراء وهجوم شرس من الكفار على دين الإسلام فإنما هو بعلم الله تعالى وإرادته (ً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)] الأنعام: 112 [.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأن له سبحانه الحكم البالغة في ذلك. والمؤمنون يحسنون الظن بربهم سبحانه ويوقنون أن عاقبة هذه الأحداث التي يقدرها الله عز وجل هي خير ومصلحة ولطف بالموحدين إن شاء الله تعالى. ومع أن المعركة مع الكفار لازالت في بدايتها. ومع أنها موجعة وكريهة إلا أننا نلمس لطف الله عز وجل ورحمته في أعطافها., وأقتصر على ثلاث من أهم هذه الألطاف والثمار العظيمة:
الأولى: تلك اليقظة الشاملة بين المسلمين والوعي بحقيقة أعدائهم وما يكيدون به للإسلام وأهله. ومع إن هذا العداء والكيد من الكفار قد حذرنا الله عز وجل منه في كتابه الكريم إلا أن كثيرا من المسلمين وبحكم غفلتهم عن كتاب ربهم سبحانه تلاوة أو تدبرا لم يتعظوا بكلام ربهم سبحانه فنسوا حظا مما ذكروا به وغفلوا عن عدوهم. ولذا فمن رحمته سبحانه أن يقدر أحداثاً مؤلمة للمسلمين لكنها تحمل في طياتها خيرا ومن ذلك كما أسلفت –يقظة المسلمين ورجوعهم إلى دينهم وتقوية عقيدة الولاء والبراء , وشحذ هممهم وعزائمهم لنصرة الدين والبراءة من أعدائهم وجهادهم باللسان والسنان. وهذا مكسب عظيم إذا قارناه بأحوال الأمة قبل ذلك وما كانت تعيشه من الغفلة والإنخداع بما يزعمه الكفرة والمنافقين أنهم دعاة سلام وأمن وحرية.
والمتدبرون لكتاب الله تعالى وتاريخ الصراع بين الحق والباطل لم يكونوا بحاجة إلي إقناعهم بعداوة الكفار وكيدهم من خلال هذه الهجمات الأخيرة بل إن هذه الهجمات زادتهم إيمانا ويقينا لما حذرهم الله عزوجل منه في كتابه الكريم. ومن هذه التحذيرات قوله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)] البقرة:120 [وقوله عز وجل: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ .... الآية {] البقرة:217 [.
وقوله سبحانه: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .... الآية}] البقرة:105 [.
وقوله سبحانه {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ..... الآية}] البقرة:109 [.
وقال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}] المائدة:51 [.
إذن فلا غرابة إذا هاجموا دين الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم فهذا شأنهم وشنشنتهم في قديم الزمان وحديثه , وأعظم من ذلك وأشنع سبهم لله عز وجل وطعنهم في ربوبيته و ألوهيته بنسبة الولد إليه وجعله شريكا مع الله عز وجل في ربوبيته و ألوهيته تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
ولكن الملفت في هذه الهجمات المتأخرة تزامنها وتتابعها وتوزيع الأدوار بين رموز الكفر عندهم بمختلف توجهاتهم , السياسية , والدينية , والثقافية , و العسكرية.
والتصريح الذي صدر من رئيس الفتيكان يأتي في سياق حملة عالمية وراءها اليهود والنصارى وأذنابهم من المنافقين على الإسلام والمسلمين بدأت في دوائر الثقافة والفكر والإعلام فيما سمي بصراع الحضارات , وما سمي بنهاية التاريخ , وعبر عنه المحافظون الجدد في أمريكا والأحزاب والأنظمة والشخصيات المتناغمة معهم في أوروبا وأستراليا , وأيضاً عبر عنه الإنجيليون وعبرت عنه التجمعات الماسونية المختلفة في العالم , ثم تحولت هذه الحملة المحمومة المسمومة الحاقدة إلى فعل سياسي واحتلال عسكري يمارس من خلال الجيوش الغربية , حين أعلن الطاغوت الأول "بوش " أنها حرب صليبية , واحتلت العراق وأفغانستان , وتهدد وتحاصر البلدان الإسلامية الأخرى وتمارس عليها الضغوط ومن ذلك كلام بوش الأخير ووصفه للمسلمين بالفاشيين وقبله كلام رئيس الوزراء الإيطالي عن الحضارة والإسلام وبعده الرسوم المسيئة في الصحف الدنماركية ثم ها نحن نرى الآن رئيس الفاتيكان يبارك هذه الجهود , ويعلن من كرسي
(يُتْبَعُ)
(/)
البابوية انسياقه في هذه الحملة , وهذا يذكرنا بدور الباباوات في الحروب الصليبية السيئة الذكر , التي حفل بها تاريخ الغربيين.
إذن فإن يقظة المسلمين ووقوفهم على حقيقة أعدائهم وما يخططون من حروب صليبية بدأت طلائعها في بعض بلدان المسلمين. إن هذا من فوائد هذه الأحداث المرة والتي يجب على دعاة هذه الأمة وعلمائها توظيفها في شحن الهمم وتقوية عقيدة الولاء والبراء ودعوة كل قادر في هذه الأمة إلى مواجهة هذا الغزو الخطير على بلدان المسلمين عقدياً وعسكرياً واستنفار المسلمين في جهاد الأعداء الغزاة باللسان والبيان والسنان.
الثانية: فضح الدعوات التي يرفعها رموز المنافقين وبعض المهزومين من المسلمين التي تدعو إلى التعايش مع الآخر وترك تسميته بالكافر والقضاء على مشاعر الكراهية نحوه بل الدعوة إلى محبته وموالاته!!
فهاهو حقد الآخر وكيده وحربه فماذا يقول دعاة (نحن ولآخر)؟ وماذا يقوله رموز السلام الذين يريدون نزع الكراهية والبراءة من الكفار من صدور المسلمين؟ وقال كلينتون –الرئيس الأمريكي الأسبق - في تصريحات لشبكة سي. إن. إن الإخبارية إن البابا ساهم من خلال هذه التصريحات في إضعاف تأثير رجال الدين الإسلامي المعتدلين الذين يحاولون “استعادة” راية دينهم من الإسلاميين المتعصبين، وقال أيضاً في برنامج لاري كينج لايف الحواري الشهير على الشبكة الأمريكية إن كل شخص منا يدلي بهذه التصريحات وخاصة إذا كان في منصب مرموق مثل البابا، يزيد من صعوبة مهمة المعتدلين في العالم الإسلامي.
إنهم يفتضحون وتتهاوى دعواتهم وبرامجهم, هذا عن المنافقين منهم. أما من انخدع بهذه الدعوات من جهلة المسلمين ومهزوميهم فأحسب أن الغفلة والتلبيس قد زالت عنهم وحل مكانهما الشعور بكراهية الكافر والبراءة منه ومن كفره والاستعداد لجهاده ورد كيده وكفره. وهذه ثمرة عظيمة أفرزها هذا الهجوم السافر الظالم من رموز الكفار المحاربين لله ولرسوله (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)] النساء19 [
الثالثة: السقوط الذريع لما يسمى بالدعوة إلى وحدة الأديان وتقاربها!! ومع أن هذه الدعوة الخطيرة متهافتة وباطلة من أصلها بما تعرفه من استحالة اجتماع التوحيد مع الشرك حيث علمنا الله عز وجل أن لا وحدة ولا تقارب ولا تفاهم بين الإيمان والكفر وذلك في كتابه سبحانه حيث قال (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ)] يونس: 32 [ويبين لنا سبحانه موقف الكفار مع أنبيائهم الذين يدعونهم إلى التوحيد بقوله (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ)] ابراهيم: 13 [
وقال سبحانه عن نبيه هود عليه السلام وهو يتحدى قومه الكفار: ({قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ *مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ}
] هود:55 [ومع وضوح هذه الأدلة الدامغة إلا أنه وجد من المسلمين من انخدع بمثل هذه الدعوات فراح يضيع عمره في اللهث وراءها. ولكن من رحمة الله تعالى ولطفه أن يقدر مثل هذه الأحداث التي تبين خبث القوم وكيدهم وغطرستهم مما كان له الأثر الكبير في استيقاظ المخدوعين من المسلمين على استحالة هذا التقارب وبطلانه من أصله.
ومن باب الفائدة في هذا المقام أحيل القارئ الكريم إلي فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في حكم الدعوة إلي وحدة الأديان وتقاربها وتحمل هذه الفتوى رقم (19042).
الوقفة الثالثة: (قل موتوا بغيظكم)
يعجب بعض المتابعين من الحملة المتزايدة على الإسلام من بعض الزعماء الدينيين والسياسيين النصارى في السنوات الأخيرة , ويتساءل بعضهم عن سر التوقيت والتزامن , فمن كلام بوش عن المسلمين الفاشيين , إلى كلام البابا بندكت السادس عن – النبي صلى الله عليه وسلم – وقبلها كلام رئيس الوزراء الايطالي عن الحضارة الإسلامية , وبعده الرسوم المسيئة , وغير ذلك من حملات التشويه ويتساءل البعض عن الأسباب الكامنة في هذه الحملات ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ ولا شك أن هناك أسباباً لهذه الحملات في هذا الوقت من أهمها ما يلي:
(يُتْبَعُ)
(/)
السبب الأول: الانتشار الواسع لدين الإسلام في معاقل النصرانية والذي أقض مضاجعهم وملأ قلوبهم غيظاً وحقداً وحسداً على أهل الإسلام والتوحيد ويمثل هذا الانتشار الواسع لدين الإسلام وكثرة المعتنقين له في المظاهر التالية:
أ- زيادة أعداد المساجد في دول الغرب:
ففي قلب أوروبا بدأت أعداد المساجد فيها تنافس أعداد الكنائس في باريس ولندن ومدريد وروما ونيويورك , وصوت الأذان الذي يرفع كل يوم في تلك البلاد خمس مرات , خير شاهد على إن الإسلام يكسب كل يوم أرضاً جديدة وأتباعا جدداً. فقد أصبح للأذان من يلبيه في كل أنحاء الأرض , من طوكيو حتى نيويورك , وعند نيويورك ومساجدها نتوقف , ففي أوقات الأذان الخمس ينطلق الأذان في نيويورك وحدها في مائة مسجد , وبلغ عدد المساجد في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقرب (2000) مسجد والحمدالله, وترتفع في بريطانيا مئذنة نحو (1000) مسجد , وتعلو سماء فرنسا وحدها مئذنة (1554) مسجداً ولا تتسع المصلين , وأما ألمانيا فتقدر المساجد وأماكن الصلاة فيها بـ (2200) مسجد ومصلى , وأما بلجيكا فيوجد فيها نحو (300) مسجد ومصلى ووصل عدد المساجد ومصليات في هولندا الى مايزيد عن (400) مسجد , كما ترتفع في إيطاليا وحدها مئذنة (130) مسجداً , أبرزها مسجد روما الكبير , وأما النمسا فيبلغ عدد المساجد فيها حوالي (76) مسجداً. هذه فقط بعض الدول في أوروبا الغربية، عدا عن أوروبا الشرقية، والاقبال يزداد يوماً بعد يوم، ومن هذه المساجد يتحرك الإسلام وينطلق.
ب – تحذير الصحف الغربية من إنتشار الإسلام:
فقد بدأت الصحف الغربية تطلق صيحات تحذير من إنتشار واسع لدين الإسلام بين النصارى , ومن ذلك ما جاء في مقال نشر في مجلة (التايم) الأمريكية " وستشرق شمس الإسلام من جديد , ولكنها هذه المرة تعكس كل حقائق الجغرافيا , فهي لا تشرق من المشرق كالعادة , وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب "
أما جريدة (الصاندي تلغراف) البريطانية فقالت في نهاية القرن الماضى: " إن إنتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن – يعني الذي مضى – ومطلع القرن الجديد يعني الذي نحن فيه – ليس له من سبب مباشر إلا أن سكان العالم من غير المسلمين بدؤوا يتطلعون إلى الإسلام , وبدؤوا يقرؤون عن الإسلام , فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية "
مجلة (لودينا) الفرنسية قالت بعد دراسة قام بها متخصصون " إن مستقبل نظام العالم سيكون دينياً , وسيعود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي , لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة "
ج – انتشار بيع نسخ القران الكريم والكتب الإسلامية:
وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر , التي كان لها آثار سيئة واسعة على النشاطات الإسلامية في الغرب وعلى دول الإسلام , إلا أنه مع ذلك ازداد في العالم الغربي الإقبال على التعرف على الإسلام بصورة غير متوقعة , وأصبحت نسخ القران الكريم المترجمة من أكثر الكتب مبيعاً في الأسواق الأمريكية والأوروبية حتى نفدت من المكتبات , لكثرة الإقبال على اقتنائها , وتسبب ذلك في دخول الكثير منهم في الإسلام , وفي ألمانيا وحدها بيعت خلال سنة (40) ألف نسخة من كتاب ترجمة معاني القران الكريم باللغة الألمانية. كما أعادت دار نشر (لاروس) الفرنسية الشهيرة طباعة ترجمة معاني القران الكريم بعد نفادها من الأسواق.
د- تزايد أعداد الداخلين في الإسلام:
ففي عام 2001 نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) مقالاً ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأمريكيين الذين يعتنقون الإسلام سنوياً ب (25) ألف شخص، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يومياً تضاعف أربع مرات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حسب تقديرات أوساط دينية. والمدهش أن أحد التقارير الأمريكية الذي نُشر قبل أربع سنوات ذكر أن عدد الداخلين في الإسلام بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة، وهذا ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي؛ إذ قال: "إن أكثر من (24) ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر " وهو أعلى مستوى تحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام ".
(يُتْبَعُ)
(/)
أما في فرنسا فقد أوردت صحيفة (لاكسبرس) الفرنسية تقريراً عن انتشار الفرنسيين جاء فيه: "على الرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية مؤخراً ضد الحجاب الإسلامي وضد كل رمز ديني في البلاد، أشارت الأرقام الرسمية الفرنسية إلى أن أعداد الفرنسيين الذين يدخلون في دين الله بلغت عشرات الآلاف مؤخراً، وهو ما يعادل إسلام عشرة أشخاص يومياً من ذوي الأصول الفرنسية، هذا خلاف عدد المسلمين الفعلي من المهاجرين ومن المسلمين القدامى في البلاد"
وقد أشار التقرير إلى أن أعداد المسلمين في ازدياد من كافة الطبقات والمهن في المجتمع الفرنسي، وكذلك من مختلف المذاهب الفكرية.
وهذا الانتشار الواسع لدين الإسلام يحصل مع التضييق الشديد على الأنشطة الإسلامية والجمعيات الخيرية الإسلامية في كثير من الدول، ومع وجود الجهود الهائلة والإمكانات الضخمة التي يبذلها النصارى في نشر الديانة النصرانية والصد عن الإسلام على كافة الأصعدة حتى بلغت ميزانيات بعض الكنائس العالمية أكثر من مليار دولار للسنة الواحدة وصدق الله العظيم إذ يقول (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)] الأنفال: 36 [
كل هذا مما أغاظ الكفار ونفسوا عن هذا الغيظ والحقد بهذة الهجمات المخذولة. وهنا نقول ما قال الله عز وجل لسلفهم (قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) آل عمران119.
السبب الثاني لهذه الحملات:
ما حققه الله عز وجل على أيدي المجاهدين في هذه الأمة جزآهم الله خيراً من نكاية وإثخان في الغزاة حيث نسمع ونرى من انتصارات المجاهدين في أفغانستان والعراق وفلسطين ما يثلج الصدور ويغم الكفار حيث أصبح الكفرة الغزاة في متناول المجاهدين الأسود تنالهم أيديهم ورماحهم فقذف الله في قلوبهم الرعب ورد الله كيدهم في نحورهم وصاروا يفكرون في الخروج من مأزقهم بعد أن ضنوا أن ديار المسلمين لقمة سائغة لهم. ولما رأى رموز الكفر في الغرب السياسيون منهم والدينيون تصاعد العمل الجهادي أمامهم وتصاعد الكراهية والبغض والبراءة منهم كل هذا زادهم غيضاً وحنقاً فلجئوا إلى هذه الحملات الفجة الحاقدة على الإسلام لينفسوا عن غيظهم نسأل الله عز وجل أن يزيدهم حسرة وأن يموتوا بغيظهم {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}] التوبة:32. [
السبب الثالث:
التغطية على جرائمهم البشعة بنشر التشويه لسمعة المسلمين في العالم وتبرير حملاتهم البربرية على بلدان المسلمين بحجة الحرب على الإرهاب ونشر السلام حيث أن هذه الحملات تأتي بمباركة رئيس الفاتيكان كما كان ذلك في الحروب الصليبية القديمة التي حفل بها تاريخ الغرب الصليبي حيث سبقها مباركة الباباوات وتشجيعهم للنصارى على حرب المسلمين، وتصويرهم لأنفسهم بأنهم رسل حضارة وتقدم، وإظهار إبادتهم للمسلمين بأنها دعوة للسلام والحرية والديموقراطية!!.
الوقفة الرابعة: رمتني بدائها وانسلت.
هذا المثل يضرب لمن يعير غيره بعيب هو فيه (أنظر مجمع الأمثال 2/ 23) وإنه لمن العجائب والمضحكات أن يتهم عابد الصليب دين الإسلام بأنه مخالف للعقل والمنطق أو أنه متعطش للدماء، وأنه ما قام إلا على العنف والحقد والإكراه!!
إن عابد الصليب حينما تفوه بهذا الكلام من فمه النجس ليعلم في قراره نفسه أنه كذاب وأن دين النصرانية الذي هو رئيسة اليوم غارق في أوحال الشرك والهمجية وإلغاء العقل والتفكير، كما يعلم في نفس الوقت أن دين الإسلام بريء من كل ما قال وأنه ما من دين أكرم العقل و وضعة في مكانة اللائق به كالإسلام.
إن رئيس الفاتيكان يعلم ذلك علم اليقين ولكنه الاستكبار والحسد والغيظ قال الله عز وجل عن سلفه (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة146
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال عن من آمن منهم وانقاد للتوحيد والإسلام (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)] لمائدة: 83 [
فسبحان من وفق من شاء من عبادة إلى هدايته وحرم من حرم منهم حكمة منه وعدلا.
وأكتفي بمثال واحد ساقه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى من دين النصارى المحرف يدل على همجية العقول وانتكاسها قال رحمة الله تعالى: (وكيف لا يميز من له أدنى عقل يرجع إليه بين دين قام أساسه وارتفع بناؤه على عبادة الرحمن،والعمل بما يحبه ويرضاه مع الإخلاص في السر والإعلان، ومعاملة خلقه بما أمر به من العدل ولإحسان، مع إيثار طاعته على طاعة الشيطان، وبين دين أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار بصاحبه في النار، أسس على عبادة النيران، وعقد الشركة بين الرحمن والشيطان، وبينه وبين الأوثان، أو دين أسس بنيانه على عبادة الصلبان والصور المدهونة في السقوف والحيطان. وأن رب العالمين نزل عن كرسي عظمته فالتحم ببطن أنثى، وأقام هناك مدة من الزمان بين دم الطمث وظلمات الأحشاء تحت ملتقى الأعكان، ثم خرج صبياً رضيعاً يشب شيئاً فشيئاً ويأكل ويشرب ويبول وينام، ويتقلب مع الصبيان.
ثم أودع في المكتب بين صبيان اليهود يتعلم ما ينبغي للإنسان،هذا وقد قطعت منه القلفة حين الختان، ثم جعل اليهود يطردونه ويشردونه من مكان إلى مكان.
ثم قبضوا عليه، وأحلوه أصناف الذل والهوان، فعقدوا على رأسه من الشوك تاجا من أقبح التيجان، وأركبوه قصبة ليس لها لجام ولا عنان، ثم ساقوه إلى خشبة الصلب مصفوعاً مبصوقاً في وجهه، وهم خلفه وأمامه وعن شمائله وعن الأيمان.
ثم أركبوه ذلك المركب الذي تقشعر منه القلوب مع الأبدان، ثم شدت بالحبال يداه مع الرجلان، ثم خالطهما تلك المسامير التي تكسر العظام وتمزق اللحمان، وهو يستغيث: ياقوم ارحموني! فلا يرحمه منهم إنسان.
هذا وهوا مدبر العالم العلوي والسفلي الذي يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شان) من مقدمة كتاب هداية الحيارى.
ولكن العجيب المضحك كما أسلفت هو أن يرمي هذا المخذول خصمه بما هو غارق فيه وفي أوحاله ولكنها الغطرسة والاستخفاف بعقول الناس إذ كيف يرمي غيره بحجر من بيته من زجاج!؟
أما الأشد عجباً وسخفاً فهو رميه لدين الإسلام بأنة متعطش للدماء والعنف وأنه انتشر على جماجم الناس وأشلائهم!! ألا يستحي هذا الظالم المخذول من نفسه؟ إنه والله يعلم أنه كاذب وأن الناس يعلمون أنه كاذب ولكنه الاستخفاف بعقول الناس والكبر و الغطرسة. وإلا فماذا يقول عباد الصليب عن حروبهم الدينية المخزية عبر مئات السنين التي شنوها قديماً في حروبهم الصليبية؟! ومن هم الذين وراءها وماذا يقولون عن محاكم التفتيش. وماذا يقولون عن الحربين العالميتين التي قتل فيها الملايين من بني جلدتهم ومن غيرهم. ومن هم الذين غزوا بلاد المسلمين واحتلوها في القرن الماضي ومن هم الذين قتلوا عشرات الآلاف بالقنبلة الذرية التي تحرق الأخضر واليابس!!
ومن هم الذين قتلوا وشردوا مئات الآلاف في أفغانستان والعراق!!؟
ومن الذين قتلوا المسلمين ودفنوهم في مقابر جماعية في حرب البوسنة والهرسك؟!!
ومن هم الذين ساهموا في المذابح المروعة في أفريقية بمباركة قسيس ورهبان الهوتو التي حدثت لقبائل التوتسي؟!! ومن ومن؟
إن كل هذه الجرائم والدماء والأشلاء إنما تمت على يد النصارى بمباركة قساوسهم فكيف لا يستحي هذا المتغطرس النجس من هذه الجرائم؟ لكنهم استخفوا بعقول الناس وبدلاً من الاعتراف بهذه الجرائم والانكفاء على أنفسهم راحوا يزيدون جرائمهم ويشعلونها حرباً على الإسلام ثم يسمون جميع ضحاياهم إرهابيين أو أنهم دعاة للإسلام بالعنف ويسمون إبادتهم دعوة للسلام والحرية والديمقراطية!! إنهم هم فقط لهم حق القتل والإبادة ويجب أن يقبل المسلمون بالموت وأن يعتبروه حرية وتقدماً وسلاماً مسيحياً!!
الوقفة الخامسة: بل أنتشر الإسلام بالسيف والبيان.
(يُتْبَعُ)
(/)
إنه لمن المؤسف أن يضع بعض الدعاة والمفكرين من المسلمين أنفسهم موضع المتهم المنهزم الذي يريد أن يبرئ نفسه من تهمه ويحسن وضعه عند خصمه. إن هذا المنهج الأعوج هو ما يتبناه اليوم بعض من قام بالرد على عابد الصليب المخذول عندما قال أن الإسلام أنتشر بالسيف، فبادر هؤلاء بالرد عليه بقولهم إن الإسلام لم ينتشر بالسيف،وإنما بالدعوة والبيان وإنما كان السيف للدفاع عن النفس و عن الديار فقط!! ولا يخفى ما في هذا الكلام من مخالفة لما ذكره الله عز وجل في كتابة الكريم عن غاية الجهاد وما فيه أيضاً من مخالفة لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء وأمراء المسلمين من بعدة في تسيير الجيوش لفتح الدنيا وإزالة الطواغيت الذين يصدون عن الدين الحق وحتى لا تكون فتنة أي شرك. ويكون الدين كله لله يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (والسيف إنما جاء منفذاً للحجة مقوماً للمعاند، وحداً للجاحد، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}] الحديد25 [
دين الإسلام قام بالكتاب الهادي ونفذه السيف الماضي شعر:
فما هو إلا الوحي أوحد مرهف ** يقيم ضباه أخدعي كل مائل
فهذا شفاء الداء من كل عاقل * وهذا دواء الداء من كل جاهل
] هداية الحيارى (المقدمة) [
ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى: (إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر، وتحت الهجوم الإستشراقي الماكر، يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة. والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيداً أن هذه ليست الحقيقة، ولكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة .. ومن ثم يقوم المنافحون – المهزومون- عن سمعة الإسلام، بنفي هذا الاتهام! فيلجأون إلي تلمس المبررات الدفاعية! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته، وحقه في ((تحرير الإنسان)) ابتداء ...
والمهزومون روحياً وعقلياً حين يكتبون عن ((الجهاد في الإسلام)) ليدفعوا عن الإسلام هذا الاتهام .. يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة، وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه، والتي تعبد الناس للناس وتمنعهم من العبودية لله ومن أجل هذا التخليط –وقبل ذلك من أجل الهزيمة! – يحاولون أن يحصروا الجهاد في الإسلام فيما يسمونه اليوم: ((الحرب الدفاعية)) .. والجهاد في الإسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم، ولا بواعثها، ولا تكييفها كذلك .. إن بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة ((الإسلام)) ذاته، ودوره في هذه الارض، وأهدافه العليا التي قررها الله، وذكر الله أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بهذه الرسالة، وجعله خاتم النبيين، وجعلها خاتمة الرسالات ..
إن هذا الدين إعلان عام لتحرير ((الإنسان)) في ((الأرض)) من العبودية للعباد- وذلك بإعلان الوهية الله وحده – سبحانه- وربوبيته للعالمين ..
ترى لو كان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم قد امنوا عدوان الروم والفرس على الجزيرة أكانوا يقعدون إذن عن دفع المد الإسلامي إلى أطراف الأرض؟ وكيف كانوا يدافعون هذا المد، وأمام الدعوة تلك العقبات المادية من: أنظمة الدول السياسية، وأنظمة المجتمع العنصرية إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير ((الإنسان)) نوع الإنسان .. في ((الأرض)) .. ملء الأرض .. ثم تقف أمام العقبات تجاهدها باللسان والبيان! .. إنها تجاهد باللسان والبيان حينما يخلى بينها وبين الأفراد، تخاطبهم بحرية، وهم مطلقو السراح من جميع تلك المؤثرات .. فهنا: ((لا إكراه في الدين)) .. أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية، فلا بد من إزالتها أولاً بالقوة، للتمكن من مخاطبة قلب الإنسان وعقله، وهو طليق من الأغلال)) [أنظر في ظلال القران 3/ 1440 - 1444،3/ 1433 - 1436].
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد وقفت على مقال مسدد في موقع (المختصر) أحسب أن صاحبه وفق لبيان الحق في هذه المسالة ومن باب الفائدة أنقله مختصراً: "إنَّ الإسلام يحتاج اليوم إلى من يقدمه للناس كما هو بِعزَّة ووضوح، نعم بحكمة ولكن دون تحريف أو انهزام. والذي أعتقده أنَّ الفرصة هذه الأيام سانحة لمثل هذا التقديم، فلا ينبغي تضييعها. والإسلام ليس ضعيفاً كي نضعه في قفص الاتهام ثم نجهد في الدفاع عنه لإخراجه منه! وهكذا أوقعونا في الفخ فقالوا: إنَّ إسلامكم انتشر بالسيف، ودينكم دين إرهاب، وإنَّ نبيكم لم يأتِ إلا بالدمار للعالم! وأنتم معشر المسلمين تحبون الدماء! فقام المخلصون، وهم إما جهلة، وإما منهزمون، وإما يريدون تجميل الإسلام إلى أن يفتح الله، وإما ـ وللإنصاف ـ مجتهدون، يَرددون: كلا ديننا لم ينتشر بالسيف، انظروا إلى شرق آسيا لم يدخله الإسلام إلا عن طريق التجار، وكلا نحن لسنا إرهابيين، نحن ألطف مَن خلَقَ الله! ونبينا نبي الرحمة، حتى الحيوانات لم تهملها رحمته! أما عن حبنا للدماء فإشاعات مغرضة والله!
ألا دعونا مما قاله رئيس الفاتيكان وأجداده وأبناؤه، وقولوا لنا ماذا قال الله سبحانه، وماذا قال رسوله صلى الله عليه وسلم! دعونا من فقه الأزمة هذا الذي يقودكم وخذونا إلى فقه الرشد الذي دلَّنا اللهُ عليه ورسولُه، وحمله الصحابةُ ومن بعدهم من كبار الأمة وفقهائها وعليه ساروا حتى وهم في أصعب حالاتهم أيام الصليبيين والتتار، ذلك أنَّ الهزيمة لا تقاس بكم احتل من أشبار، وإنما بكم احتل من قلوب!
قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)] الحديد25 [
لقد بينت الآية القاعدة التي يقوم عليها الإسلام، وهي الكتاب، والقوة. وقد قال ابن تيمية رحمه الله: "قِوام الدين: كتاب يهدي وسيف ينصر"، لقد جاء الإسلام معلنا للحق، ومؤيدا للحق في نفس الوقت، وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لأن الحق لا قوة له، ولذلك أمر الله المسلمين بالإعداد (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ..... )] الأنفال: 60 [. أمر بذلك لأنه لا يوجد مبدأ دون قوة، وسواء كان هذا المبدأ حقا أم باطلا، أرضيا أم سماويا فلا بد له من قوة تحميه.
الإسلام دين السيف لأنه جاء لقيادة البشرية نحو خيرها، فمن حقها أن تبلغَها الدعوةُ، ولا يمكن هذا إلا بتحطيم الأنظمة التي تحول بين الناس وبين أن يسمعوا كلمة الله. والإسلام دين السيف لمنع الفتنة التي يقترفها المفسدون في الأرض، وليكون الدين كله لله "لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان، ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض"، قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال39
وهل نريد هذا فعلا؟! مع كل هذا الضعف: نعم! ومع كل هذا الهوان: نعم! ونحن تحت القصف: نعم! ونحن مشردون: نعم! هذا هو فقه الرشد الذي لا يتغير في الأزمات! وغيره فقه أزمة لا يمثل الإسلام، وإنما يمثل النفوس المسحوقة ...
والإسلام دين السيف لأن الصراع بين الخير والشر لا ينقطع، فالحياة قائمة على قانون التدافع، ولو تمكن الشر وحده من الأمر ـ كما يحصل الآن ـ لفسدت الحياة. وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لانعدام القوة المقابلة. قال الله تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}] الحج: 40 [ .. والإسلام دين السيف لأنه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبي المرحمة ونبي الملحمة؛ نبي المرحمة في وقتها، ونبي الملحمة في وقتها، وهذا مقتضى الحكمة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم:
(يُتْبَعُ)
(/)
فإن قيل حلم فقل للحلم موضع ** وحلم الفتى في غير موضعه جهل
فهو صلى الله عليه وسلم الذي أمر بقتال الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ... كما صح عنه، والنص عام والقول بأنه خاص بوقته ضعيف. وهو الذي أمر كما قال الصحابي فيما رواه البخاري: "أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية". [البخاري (2925)].
لقد آن للمسلمين أن يتحولوا إلى موقف الهجوم بدلا من موقف الدفاع الذي لصقوا به دهرا طويلا، وليقولوا للعالمين: إذا كان الإرهاب لحفظ الحق، فنحن إرهابيون، ذلك أن الإرهاب ليس وصفا مطلقا فقد يكون خيرا وقد يكون شرا! كالقتل، منه ما هو شر، ومنه ما هو خير، فقتل النفس البريئة شر، وقتل القاتل خير! وهكذا ...
إن من يتهمنا بالإرهاب هم آخر من يحق لهم الكلام عنه، فلسنا نحن الذين استعمرنا العالم في القرون الوسطى، أنهكنا الشعوب وسرقنا خيراتها، ولسنا نحن الذين اصطحبنا رجال الدين ليخدعوا الشعوب باسم الرب! ولسنا نحن الذين أشعلنا أقذر حربين في قرن واحد أكلتا ملايين البشر، ومحقتا خيرات الدنيا! والقائمة تطول.) أ.هـ] أنظر موقع المختصر المقال بعنوان (بل الإسلام دين السيف) [إبراهيم العسعس.
(هذا هو قوام الأمر في نظر الإسلام. وهكذا ينبغي أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم، وحقيقة تاريخهم، فلا يقفوا بدينهم موقف المتهم الذي يحاول الدفاع، إنما يقفون به دائماً موقف المطمئن الواثق المستعلي على تصورات الأرض جميعاً، وعلى نظم الأرض جميعاً، وعلى مذاهب الأرض جميعاً، ولا ينخدعوا بمن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده في حسهم من حقه في الجهاد لتأمين أهله، والجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدي، والجهاد لتمتيع البشرية كلها بالخير الذي جاء به، والذي لا يجني أحد على البشرية جناية من يحرمها منه، ويحول بينها وبينه. فهذا هو أعدى أعداء البشرية، الذي ينبغي أن يطارده المؤمنون، الذين أختارهم الله وحباهم بنعمة الإيمان، فذلك واجبهم لأنفسهم وللبشرية كلها، وهم مطالبون بهذا الواجب أمام الله ..
جاهد الإسلام أولاً ليدفع عن المؤمنين الأذى، والفتنة التي كانوا يسامونها، وليكفل لهم الأمن على أنفسهم، وأموالهم، وعقيدتهم. وقرر ذلك المبدأ العظيم {والفتنة أشد من القتل}. فأعتبر الاعتداء على العقيدة والإيذاء بسببها، وفتنة أهلها أشد من الاعتداء على الحياة ذاتها. فالعقيدة أعظم قيمة من الحياة وفق هذا المبدأ العظيم، وإذا كان المؤمن مأذون في القتال ليدفع عن حياته وعن ماله، فهو من باب أولى مأذون في القتال ليدفع عن عقيدته ودينه .....
وجاهد الإسلام ثانياً لتقرير حرية الدعوة- بعد تقرير حرية العقيدة- فقد جاء الإسلام بأكمل تصور للوجود والحياة، وبأرقى نظام لتطوير الحياة جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشرية كلها؛ ويبلغه إلى أسماعها وإلى قلوبها فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن ومن شاء فليكفر. ولا إكراه في الدين ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلاغ هذا الخير للناس كافة؛ كما جاء من عند الله للناس كافة. وأن تزول الحواجز التي تمنع الناس أن يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضموا إلى موكب الهدى إذا أرادوا. ومن هذه الحواجز أن تكون هناك نظم طاغية في الأرض تصد الناس عن الإسماع إلى الهدى، وتفتن المهتدين أيضاً فجاهد الإسلام ليحطم هذه النظم الطاغية؛ وليقيم مكانها نظاماً عادلاً يكفل حرية الدعوة إلى الحق في كل مكان وحرية الدعاة. وما يزال الجهاد مفروضاً على المسلمين ليبلغوه إن كانوا مسلمين!
وجاهد الإسلام ثالثاً ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه. وهو وحده النظام الذي يحقق حرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان؛ حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة لله الكبير المتعال؛ ويلغي من الأرض عبودية البشر للبشر في جميع أشكالها وصورها .. ) أنظر باختصار في ظلال القرآن 1/ 294 - 296
وقد يستغرب القارئ هذا الاستطراد في هذه المسألة ولكن هذا الاستغراب يزول إذا نظرنا إلى ضخامة هذا التلبيس والتضليل الذي تتعرض له ثوابت هذا الدين وشعائره. فعندما ندرك خطورة هذا التبديل في دين الله عز وجل فإنه لا يستكثر الكلام في إزالة هذا اللبس وبيان الحق للناس. بل أن الأمر يستحق بسطاً وتفصيلاً أكثر من ذلك. ولكن مالا يدرك كله لا يترك جله. والله سبحانه الموفق والمعين والمسدد.
وفي ختام هذه المقالة أقول ما قاله ابن القيم رحمه الله تعالى في آخر خطبة كتابة
(هداية الحيارى)
((فلله الحمد الذي أنقذنا بمحمد صلى الله عليه وسلم من تلك الظلمات، وفتح لنا به باب الهدى فلا يغلق إلى يوم الميقات، وأرانا في نوره أهل الضلال وهم في ضلالهم يتخبطون، وفي سكرتهم يعمهون، وفي جهالتهم يتقلبون وفي ريبهم يترددون، يؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت،يؤمنون ويعدلون، ولكن بربهم يعدلون، ويعلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، ويسجدون ولكن للصليب والوثن والشمس يسجدون، ويمكرون ولكن لا يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)] ال عمران:164 [
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)] البقرة:151 [
الحمد لله الذي أغنانا بشريعته التي تدعوا إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل والإحسان، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، فله المنة والفضل على ما أنعم به علينا وآثرنا به على سائر الأمم، وإليه الرغبة أن يوزعنا شكر هذه النعمة، وأن يفتح لنا أبواب التوبة والمغفرة والرحمة .. ))(/)
مقالات الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل {يا إخواننا الدعاة لا تنسوا أهل السنة في العراق
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[13 - May-2008, مساء 11:02]ـ
(يا إخواننا الدعاة لا تنسوا أهل السنة في العراق)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:
فيقول الله عز وجل: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)) (التوبة:71).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
ثم أن ما يقفه المسلمون اليوم وبخاصة رموز الدعوة والعلم فيهم مما يجري من الأحداث المؤلمة في لبنان لموقف يذكر لهم ويشكر وذلك في استنكارهم القصف الوحشي من اليهود الظلمة للأبرياء من أهل لبنان وإدانتهم لهذا العمل الإجرامي نسأل الله عز وجل أن يقصم الظالمين وأن يلطف بالمسلمين ويرفع عنهم المحنة والبلاء.
ومع الفرح بهذا الموقف المشرف من دعاة المسلمين إزاء ما يحدث في لبنان إلا أن في النفس لوم وعتاب على بعضهم أرجو أن يتقبلوه بصدر رحب وأن لا يضيقوا به ذرعاً فإن المؤمنين نصحة والمنافقين غششة ولا زال المؤمنون يناصح بعضهم بعضاً وقلوبهم سليمة ولا يقدح ذلك في مودة بعضهم بعضاً، وقبل أن أدخل في العتاب أود أن أنوه أن من أكره الأشياء إلي النفس نشر العتب بين الإخوان في منابر عامة، ولكن رأيت كلاماً منشوراً للناس عامة في مواقع الإنترنت وفي بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لا يصبر عليه، أسأل الله عز وجل أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وألخص هذا العتاب لبعض إخواني الدعاة فيما يلي:
أولاً: إن الدعوة من بعضهم إلى دعم (حزب الله) بقيادة حسن نصر الله في حربه الغامضة ضد اليهود لأمر مستغرب جداً ومستنكر، ولقد بينت شناعة هذا الموقف في مقالة نشرت بعنوان (احذروا فنتة حسن نصر الله وشيعته) وإن المرء ليقف محتاراً من هذه المواقف ويتساءل؟ ألا يعرف إخواننا هداهم الله حقيقة الرافضة في القديم والحديث؟ إن كانوا لا يعرفون فتلك مصيبة، وندعوهم أن يعرفوا. وإن كانوا يعرفون فالمصيبة أعظم على أنفسهم وعلى المسلمين الذين يضلون بسبب هذه المواقف.
ثانياً: إذا كان من يدعو إلى دعم نصر الله وحزبه قد درس الأمر من الناحية الشرعية وانتهى إلى قناعة شرعية بموقف يدين الله به، فإن السؤال الكبير هنا هو: أين الدعوة إلى دعم إخوانكم السنة في بلاد الرافدين، الذين يواجهون الإبادة و التهجير من الأمريكان و إخوانهم الرافضة! أين دعوتكم للمسلمين بالوقوف معهم ودعمهم في جهادهم مساواة بدعم داعي الرفض والتشيع في لبنان؟! فهلا كان المكيال واحد؟!
ثالثاً: ومع تألمنا لما أصاب الأبرياء في (قانا) وغيرها من جراء العدوان اليهودي الغاشم فإننا نسأل إخواننا الدعاة الذين نددوا واستنكروا ـ وهذا أمر يشكرون عليه ـ ولكننا نسألهم أين استنكاركم لما يصيب إخوانكم السنة في بلاد الرافدين، والقتلى ليسوا بالعشرات بل بالمئات، أين استنكاركم عندما ضربت الفلوجة بالأطنان من القنابل والقنابل الفسفورية التي تفتت اللحم وتذيب الصخر؟ وأين استنكاركم لما ضربت تل عفر وسامراء والأعظمية والرمادي وغيرها من مدن أهل السنة؟ هلا كان المكيال واحد؟ إن الله عز و جل سيسألنا عن نطقنا وصمتنا فهل اعددنا للسؤال جواباً،،
أسأل الله عز وجل أن يهدينا جميعاً للحق وأن يجعلنا من أنصار دينه الذين يحبهم ويحبونه، والذين يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم ...
والحمد لله رب العالمين.(/)
مقالات الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل {الاعتداء على ثروات المسلمين}
ـ[أبو محمد التونسي]ــــــــ[14 - May-2008, صباحاً 03:45]ـ
الاعتداء على ثروات المسلمين
إن العدوان على أموال الناس واقتصادهم من قبل الكفار، وأذنابهم المنافقين، لم يعد خافياً على أحد من المهتمين بأمر هذا الدين وأهله، حتى آل الأمر إلى أن يكون المال دُولة بين الأغنياء، الذين احتكروا المال، وأوقدوا فيه نار الربا، وأغرقوا الفقراء – وهم الكثرة من المسلمين – بسيل من الديون التي تتضاعف مع الزمن، فأكل القوي فيها الضعيف، ومحقت فيه بركة المال، وأُكل المال بالباطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأسوق فيما يلي بعض صور هذا العدوان على أمن الأموال والاقتصاد:
أولاً: التشبه بالكفار في حبهم العظيم للمال، وكونه غاية عندهم لا يبالون من أي جهة حصلوا عليه من حلال أو حرام، ولذلك صدروا إلى ديار المسلمين صنوفاً من البضائع المحرمة، وأدخلوا على مجتمعات المسلمين وسائل كثيرة من المعاملات المحرمة.
ومن أعظمها وأخطرها نشر الربا الصريح، واستحداث المعاملات المصرفية التي تقوم على الربا تارة، وعلى الجهالة والغرر تارة، وعلى التحايل تارة.
ولا يخفى ما في ذلك من محق لبركة المال، وغش وتحايل على المسلمين، وظلم للفقراء وما أكثرهم، وفي كل ذلك عدوان على أمن الناس في أموالهم، ومؤذن بعقوبة من الله عز وجل، قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)) (البقرة: 279,278).
ثانياً: استنزاف الكفار لأموال المسلمين، وسحب رؤوس أموال المسلمين إلى الاتجار بها في ديار الكفار.
ولا يخفى ما في ذلك من دعم لاقتصاد الكفرة، وفي المقابل إضعاف لاقتصاد المجتمعات المسلمة، فوق أن غالب هذه الاستثمارات الخارجية يقوم على الربا والتحايل والمعاملات المحرمة، المهم عندهم كسب المال بأية وسيلة كانت، ولا يخفى ما في ذلك من إضعاف للمسلمين، ونهب لأموالهم، وتسلط على مقدراتهم.
ثالثاً: نشأ من غزو الكفار وعدوانهم على الدين والأخلاق والأعراض، والذي سبق الكلام عنه أن قل الخوف من الله عز وجل، وقل الوازع الديني، فانتشرت الجرائم ومنها السرقات، والاعتداء على أموال الناس بالقوة أو بالخلسة.
رابعاً: إشغال مجتمعات المسلمين باللهث وراء الدنيا، وجرهم إلى صنوف من المعاملات التي جعلتهم في دوامة من أمرهم، وجعلتهم في سعار شديد، وتنافس ممقوت على كسب المال.
وأذكر من ذلك تجارة الأسهم، التي في أغلبها هي أشبه شيء بالقمار والميسر، حيث يصبح الرجل غنياً ويمسى فقيراً، ويمسي عاقلاً ويصبح منهاراً كئيباً، وقد أدى هذا إلى عمى القلوب عن الآخرة، وعن شئون المسلمين ومآسيهم، وهذا ما يريده الأعداء الكفرة وإخوانهم المنافقون.
خامساً: تضييق الخناق على الجمعيات الخيرية للمسلمين، التي كان لها الأثر العظيم في مواساة فقراء المسلمين في كل مكان، وكفالة أيتامهم ودعاتهم، وطباعة الكتب الإسلامية ونشرها، ونصر المجاهدين في سبيل الله تعالى، وإغاثة اللاجئين والمنكوبين من المسلمين، ولم يقف الأمر عند التضييق، بل ذهبوا إلى مصادرة أموال هذه الجمعيات أو تجميدها، وتخويف الناس وإرهابهم من دعم هذه الجمعيات، أو الانفاق في وجوه الخير، فهل بعد هذا من عدوان على المال، بل إنه تعداه إلى العدوان على الأنفس، وإطعامها وكسوتها وإغاثتها.
سادساً: امتصاص الخيرات من الأراضي المسلمة، وبخاصة البترول والنفط، والتحكم في إنتاجه وأسعاره.
سابعاً: إغراق أسواق المسلمين بآلاف الأصناف من البضائع المختلفة، التي تستورد من بلاد الكفار.
وهذا بدوره يقوي اقتصاد الأعداء من الكفرة، ويجعل بلاد المسلمين بلاداً مستوردة ومستهلكة، لا منتجة مصدرة، بل إن الكفار يضعون العوائق أمام كون بلدان المسلمين مصنعة منتجة، تستغني عن مصانع الكفار، ولا يخفى ما في ذلك من عدوان على أموال المسلمين وإرادتهم، وإضعاف لاقتصادهم.
فوق ما في ذلك من تبعية للأعداء، وبخاصة فيما يتعلق بالغذاء والطعام. ولا يخفى على ذي لب أن أمة لا تمتلك ولاتنتج غذاءها فإنها لا تمتلك أمنها.
فالأمن على الغذاء ليس هو فقط أمن أكل وشرب، يأمن صاحبه فيه من الموت، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى أن يؤثر على أمن الدين والنفس والعرض، لأن المرأ تحت وطأة الجوع، معرض أن يتنازل عن دينه أو عن عرضه عياذاً بالله تعالى.
ثامناً: القيام بالحملات الدعائية الفاجرة الكاذبة، التي تروج السلع، وتخدع الناس، وتؤزهم إلى شرائها أزاً.
وبهذا تمتص الأموال من جيوب الناس، ولو كانوا كارهين.
ولا يخفى ما في ذلك من أكل لأموال الناس بالباطل، لأنه يقوم على الخداع والكذب والدجل.
وفي هذا عدوان على أموال الناس ولو كان برضاهم.(/)
الحكم على البلد بالاسلام أو خلافه
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[14 - May-2008, مساء 01:26]ـ
(1459 ـ الحكم على البلد بالاسلام أو خلافه)
س: هل يحكم على أهل البلد بأنها بلاد كفر بظهور الشرك فيهم، أو باطباقهم عليه، أو بولايتهم.
ج: إذا ظهر الشرك ولم ينكر ويزال حكم عليها بالكفر،ودعوى الإسلام لا تنفع فمتى وجد الشرك ظاهراً ولم يزال حكم عليها بالكفر.
(تقرير أصول الأحكام 28/ 3/1368)
من فتاوى الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ رحمهم الله
ـ[ابن رشد]ــــــــ[14 - May-2008, مساء 01:40]ـ
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
ولكن الان الرافضة يدعون من دون الله في المدينة النبوية ,,وعند قبر البقيع ,وهذا له زمن
فهل يقال:هذا شرك ظاهر وبالتالي يحكم بأن البلاد بلاد كفر؟
أفتونا مأجورين غير مأزورين
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[17 - May-2008, مساء 07:00]ـ
وفيكم بارك الله
وتركي الحمد يستهزيء برب العالمين و بالدين في مؤلفاته و يعاقب من يتصدى له
و يستهزأ بالدين في مسلسل طاش ما طاش هل عوقب من فعل ذلك؟
وغير ذلك من مظاهرة المشركين على المسلمين
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ـ[محمد س]ــــــــ[07 - Aug-2008, صباحاً 09:37]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليك اخي فتوى لابن العثيمين والالباني رحمهما الله تعالى في الحكم على البلد بالاسلام أو خلافه
القاعدة الفقهية في التفريق بين البلد المسلم والبلد الكافر
السؤال
فضيلة الشيخ: السفر لبلاد الكفار لا يجوز إلا لضرورة، فما هو الضابط لمعرفة أن هذا البلد بلد كفار أم لا، هل على وجود المسلمين أم ماذا؟
الجواب
هذا يشكل عليك يا أخي؟ ماذا تقول في أمريكا بلد كفار أو بلد إسلام؟
السائل: بلد كفار.
الشيخ: مع أن فيها كثيراً من المسلمين، ماذا تقول في روسيا؟ في فرنسا؟ في بريطانيا؟ في اليابان؟ هذه واضح أنها بلاد كفر.
الشيخ: وأنا أقول مثلاً في البلاد الأخرى كباكستان و سوريا و الكويت وما أشبهها، نقول: بلد إسلام.
السؤال: هناك دولة إسلامية ومع ذلك لا يرفع فيها النداء للصلاة؟ الجواب: لا أدري ما أظن هذا ما أظن أنه لا يرفع فيها النداء للصلاة، ثم لو فرض أنهم منعوا من رفع الأذان فهؤلاء مكرهين، فإذا كانوا مكرهين فهو كالذي يترك الواجبات إكراهاً.
السائل: ضابط القاعدة.
الشيخ: القاعدة هي: ما كانت تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام، حتى لو فرض أن نفس الحكومة كافرة، وهذه البلاد تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام.
من دروس الباب المفتوح لقاء 166
· وسُئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين في شوال (1414هـ) عمَّا يأتي:
وهل كذلك أنكم قلتم باستمرار المواجهة ضد النظام بالجزائر؟
فأجاب: ((ما قلنا بشيء من ذلك!)).
قال السائل: في اشتداد هذه المضايقات هل تُشرَع الهجرة إلى بلاد الكفر؟
قال: ((الواجبُ الصبر؛ لأن البلاد بلاد إسلام، يُنادَى بها للصلوات وتقام فيها الجمعة والجماعات، فالواجب الصبر حتى يأتي الله بأمره)).
من شريط سمعي بعنوان: ((فتاوى الأكابر في نازلة الجزائر)).
الشيخ الالباني يعرف بلاد الاسلام وبلاد الكفر وبلاد الحرب
--------------------------------------------------------------------------------
السؤال التالي:ما هو تعريف بلاد الإسلام وبلاد الكفر وبلاد الحرب؟
قال الشيخ العلامة الألباني-رحمه الله-:هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء قديما. والذي أراه -والله اعلم -أنها مسألة اجتهادية وليس عليها أدلة نبوية صريحة في الموضوع ... دار الإسلام هي التي يحكمها ويقطنها و يسكنها المسلمون أكثريتهم .... ودار الكفر على العكس من ذلك أن يكون سكانهاكفار وان كان فيهم بعض المسلمين ..... ودار الحرب هي دار الكفر التي قد أعلن المسلمون الحرب عليها وحينئذ فلا يجوز للمسلمين أن يتعاملون معها بل يجب عليهم أن يقاتلوا أهل تلك البلاد وان يدعوهم إلى الإسلام حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وليس من شرط البلاد الإسلامية أن يكون الحاكم فيها يحكم بالإسلام. فقد تُغلب بعض البلاد على أمرها كما وقع في قديم الزمان بالنسبة لبلاد فلسطين وبالنسبة لبعض البلاد كسوريا مثلا والأردن وغيرها فيما مضى حُكمت بالاستعمار الانجليزي أو الفرنسي فلم تخرج تلك البلاد عن كونها بلادا إسلامية وان كان الحاكم هو الكافر المستعمر و على ذلك فحكم المستعمر قصرا لتلك البلاد لا يجعلها بلادا غير إسلامية ... ولكن على المسلمين كما هو الشأن في أفغانستان أن يجتمعوا ليخرجوا هذا المستعمر من بلاد الإسلام حتى تعود الأحكام في بلاد الإسلامية إسلامية كما كانت قبل غزو الاستعمار الكافرهذا ما أمكن قوله في هذا السؤال .... انتهى كلامه
الشريط رقم 26 الوجه ب من فتاوى جدة
تسجيلات الرغائب و النفائس الجزائر
واليك وصلة لكتاب فقة السياسة الشرعية لخالد العنبري فقد خصص حفظه الله فصلا كاملا لهذه المسألة المهمة والخطيرة
و أورد فيها كلام لأهل العلم في القديم والحديث في هذه المسألة .... فهو بحث عزيز أنصح به اخواني طالبي العلم
اليكم الوصلة لتحميل كتاب
اضغط هنا ( http://islamancient.com/books,item,64.html)
وشكرا
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[حمدان الجزائري]ــــــــ[07 - Aug-2008, صباحاً 09:59]ـ
والشيخ محمد بن براهيم -رحمه الله- يرى بأن البلاد التي لا تحكم الشريعة كافرة يعني الأرض أرض كفر فضلا عن حاكميها
بما استدل الشيخ -رحمه الله-؟
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[07 - Aug-2008, مساء 12:19]ـ
يقول العلامة أبو بطين في جوابه على عليّ بن سليم قال: فالأولي البلد التي فيها شيء من مشاهد الشرك، والشرك فيها ظاهر، مع كونهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، مع عدم القيام بحقيقتهما، ويؤذنون ويصلون الجمعة، والجماعة مع التقصير في ذلك، هل تسمى دار كفر أو دار إسلام؟ فهذه المسألة يؤخذ جوابها مما ذكره الفقهاء في بلدة كل أهلها يهود أو نصارى، أنهم إذا بذلوا الجزية صارت بلادهم بلد إسلام وتسمي دار إسلام، فإذا كان أهل بلدة نصارى يقولون في المسيح أنه ابن الله أو ثالث ثلاثة أنهم إذا بذلوا الجزية سميت بلادهم بلد إسلام، فبالأولى فيما أرى أن البلد التي سألتم عنها، وذكرتم حال أهلها، أولى بهذا الاسم، ومع هذا يقاتلون لإزالة مشاهد الشرك، والإقرار بالتوحيد والعمل به، بل لو أن طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام قوتلوا، وإن لم يكونوا كفارًا ولا مشركين ودارهم دار إسلام. قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى: أجمع العلماء على أن كل طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام أنها تقاتل، حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولي. انتهى. مجموعة الرسائل، ج2، ص203
هذا جواب منه على من أراد أن يلزمهم بأن يعتبروا بعض بلدان المسلمين دار كفر بسبب ظهور بعض الشركيات فيها.
وهناك كلام أخر مقارب لهذا الكلام ذكره العلامة صديق حسن خان القنوجي رحمه الله في كتابه العبرة وهذا نصه: ( .. وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز، وبعض البلاد التابعة لها، كلها دار إسلام لأنها وإن كانت لها أحكام دروز أو نصارى، ولهم قضاة على دينهم، وبعضهم يعلنون بشتم الإسلام والمسلمين، لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا، وبلاد الإسلام محيطة ببلادهم من كل جانب، وإذا أراد وليُّ الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها) إهـ.
ويقول أيضاً: ( ... وقد سئل العلامة محمد بن إسماعيل الأمير رحمه الله عن دار الكفر هل هى كما عُرف من مفاهيم الكتب أنها ما ظهرت فيها خصلة كفرية من غير جوار، فإن كانت كذلك فلزم مثل أن عدن وما والاها أنها ديار كفر مع أن أكثر أهلها من المسلمين، تقام فيهم الجمعة والجماعة، ولكن الشوكة فيها للإفرنج، وكذلك نظائرها من بلاد الهند، فما الذي يترجح عندكم؟ فأجاب رحمه الله بما نصه: أن الإمام المهدي رحمه الله ذكر في كتابه ”القلائد“ أن دار الكفر ودار الإسلام ثابتتان بالإجماع، وإنما الخلاف في تفسيرهما. فقال الأكثر وهم الهدوية: أن دار الإسلام ما ظهرت فيها الشهادتان والصلاة، ولم تظهر فيها خصلة كفرية ولو تأويلا إلا بجوار وذمة من المسلمين، كإظهار اليهود والنصارى دينهم في أمصار المسلمين
قال المؤيد بالله وغيره من أهل البيت وأبو حنيفة: «بل دار الإسلام ما ظهرت فيها الشهادتان والصلاة، ولو ظهرت فيها الخصال الكفرية من غير جوار، قيل والعبرة في الدار بالغلبة والقوة، فإن كانت القوة للكفار من سلطان أو رعية، كانت الدار دار كفر، وإن كانت القوة للمسلمين كانت دار الإسلام. وقيل بل العبرة بالكثرة، فإن كان الأكثر مسلمين فهى دار إسلام، وإن كان الأكثر كفار فهى دار كفر. وقيل الحكم للسلطان، فإن كان كافرًا كانت الدار دار كفر ولو كانت الرعية كلهم مؤمنين، وإن كان مسلمًا كانت الدار دار إسلام ولو كانت الرعية كلهم كفارًا. وهذه الأقاويل في خلاف دار الكفر) إهـ.
ثم شرع بعد ذلك في عرض أدلة الفريقين في كلام طويلاً جداً ومفيد.
وقد وجدت هذا النقل أيضاً لعلكم تستفيدوا منه فقد اعتبر أبو علي الجبائي المعتزلي في زمانه بناءً على عقيدته أن بغداد دار فقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله في الرد عليه: (واختلفوا هل الدار دار إيمان أم لا؟ فقال أكثر المعتزلة والمرجئة: الدار دار إيمان، وقالت الخوارج من الأزارقة والصغرية: هي دار كفر وشرك، وقالت الزيدية: هي دار كفر نعمة، وقال جعفر بن مبشر ومن وافقه هي دار فسق. وقال الجبائي: كل دار لا يمكن فيها أحد أن يقيم بها أو يجتاز بها إلا بإظهار ضرب من الكفر أو باظهار الرضى بشئ من الكفر وترك الإنكار له فهي دار كفر، وكل دار أمكن القيام بها والإجتياز بها من غير إظهار ضرب من الكفر أو إظهار الرضى بشئ من الكفر وترك الإنكار له فهي دار إيمان) إهـ وقد علق أبو الحسن الأشعري على رأي الجبائي فقال: ( .. وبغداد على قياس الجبائي دار كفر لا يمكن المقام بها عنده إلا بإظهار الكفر الذي هو عنده كفر أو الرضى، كنحو القول إن القرآن غير مخلوق، وأن الله سبحانه وتعالى لم يزل متكلماً به، وأن الله سبحانه أراد المعاصي وخلقها، لأن هذا كله عنده كفر، وكذلك القول في مصر على قياس قوله، وفي سائر أمصار المسلمين، وهذا هو القول بأن دار الإسلام دار كفر معاذ الله من ذلك) إهـ مقالات الإسلاميين (463).
هذا القول للجبائي وقد رده الأشعري رحمه الله ... ومع هذا عندما ظهر في بغداد هذه الأقوال الكفرية كالقول بخلق القرآن وانكار الصفات وانتشرت بسبب سطوة الخلفاء وتمكن المبتدعة لم يعتبر أحد من أهل السنة والجماعة أن بغداد دار كفر اللهم إذا ما نسب إلى الإمام أحمد رحمه الله أنه كان يقول إذا ظهر القول بخلق القرآن وإنكار الصفات في بلدة من غير إنكار فهي دار كفر وهذا موجود في رسالة إعتقاد الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله ولكن لا أدري ما صحة هذا القول ونسبته إلى الإمام أحمد رحمه الله ... وإن شاء ننتظر من الأخوة الكرام أن يعلقوا على هذه النقول وجزاكم الله خير.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[07 - Aug-2008, مساء 01:15]ـ
فرق بين الشرك الظاهر المقر، و بين الشرك المستخفي الذي يفعله أفراد قليلون مثل السحرة و غيرهم
الأخ ابن رشد، ليس كل ما يعمل عند القبور شرك أكبر، بل منه ما هو شرك أكبر و من ما هو بدع و يجب منع الجميع مع القدرة و هيئة الحرم تعمل هناك
الأخ البحث العلمي: الذي يستهزء بالله قد صدرت فتوى من المفتي السابق بتكفيره، و أنه منافق، لكن حكم المنافق إذا أظهر النفاق يتردد بين قتله أو عدم قتله إذا كان مثل ابن سلول يترجح عدم قتله للمصلحة لأنه مدعوم من المشركين الذين علموه النفاق و لكن يمنع من إظهار النفاق و إعلانه
و أصحاب المسلسلات مثله و يجب منعهم على الأقل في داخل البلد من هذا الفعل
أما مظاهرة المشركين فهي تختلف عن مصانعتهم و عن معاملتهم و عن مداراتهم، فهذه أربع تعاملات مع المشركين تختلف في الحكم
وفقنا الله و إياكم
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[07 - Aug-2008, مساء 03:06]ـ
صاحب النقب كلامك به مغالطات واضحة وهي كالأتي::
أولاً: ما يفعله الروافض المشركين في الحرم هو من الشرك الأكبر وليس الأصغر وهم يعلنون بذلك الشرك الصراح ولا يخفونه ولا أحد يستطيع أن ينهاهم عن شركهم بل من ينهاهم بيده سوف يعاقب من رجال الأمن، ثم إن الواجب أن يخرجوا هؤلاء المشركون من جزيرة العرب وليس الحرم فقط فأين حكم الله وأين شريعة الله.
ثانياً: لا تخلط بين وصف المنافق ووصف المرتد، فإن المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أظهر أحدهم الكفر البواح ولم يقم عليه الحد الشرعي فإن هذا راجع إلى عدم ثبوت الكفر عليه ثبوتاً شرعياً وهذه المسألة من أوضح المسائل عند طلبة العلم وراجع كتاب الأم للشافعي والشفا للقاضي عياض والصارم المسلول لأبن تيمية والفصل في الملل والنحل لأبن حزم رحمهم الله أجمعين فقد أزالوا اللبس على هذه المسألة، أما أؤلئك الكفرة الملاعين الذين يتكلم عنهم أخونا البحث العلمي فهم يصرحون بالردة والكفر والسخرية والإستهزاء بالدين علانية على شاشات التلفاز ولا ينكرون ما يقولونه لأن أحكام الكفر سوف تحميهم حدود الله ففرق بين منافق ينكر ويتخذ أيمانه جنة يتقي بها حدود الله وبين كافر مرتد ملعون يعلن بالكفر البواح على شاشات القنوات الخبيثة ولا أحد يقيم عليه حدود الله بينما تقام حدود الحرابة على المجاهدين.
ثم من أين جأت بهذا الفهم الغريب حين وضعت لنا قاعدة عجيبة وهي أن حدود الله لا تقم إذا خفنا من المشركين من قال بهذا القول ومتى كان الخوف عذر في ترك أقامة شرعية الله أليس هذا هو مضمون قولك حين قلت: ( ... لكن حكم المنافق إذا أظهر النفاق يتردد بين قتله أو عدم قتله إذا كان مثل ابن سلول يترجح عدم قتله للمصلحة لأنه مدعوم من المشركين الذين علموه النفاق و لكن يمنع من إظهار النفاق و إعلانه) أيش هذا الكلام العجيب
وأعجب منه قولك: ( ... أصحاب المسلسلات مثله و يجب منعهم على الأقل في داخل البلد من هذا الفعل) إهـ
فقد منعهم في داخل البلد ليس عندك مشكلة إلا داخل البلد ... أتقي الله في نفسك هؤلاء ملاعين مرتدون عن الإسلام قد بارزوا الله بالحرب يسخرون بدينه وأوليائه الواجب أن يستتاب هؤلاء الكفرة أو يقتلوا ولا تأتي بكلام من عند بنات أفكارك تهون فيه شأن الكفر والكفرة.
ـ[شريف شلبي]ــــــــ[07 - Aug-2008, مساء 03:49]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الحديث عن الحكم بإسلام البلد أو كفره، وتعريفات الفقهاء السابقين لا تسعفنا حالياً حيث الأوضاع جد مختلفة، ففي السابق كانت الدولة غير المسلمة تضطهد المسلمين وتصدهم عن دينهم فأمر المسلمون بالهجرة الى دولة مسلمة حيث لا يفتنون في دينهم
أما الآن فعندنا دولة فتحها المسلمون وتقطنها غالبية مسلمة ولكنها لا تحكم بالاسلام ويفتن المسلمون في دينهم ويحاربون في بعض شعائر دينهم كالحجاب واللحية مثلاً.
وعكس ذلك دولة أخرى لم تفتح للاسلام وتقطنها غالبية غير مسلمة ولكن تعطى الحرية للمسلمين في أداء شعائر دينهم ولا تقهرهم على نبذ شيء من تشريعاته.
فطبقاً لتعريفات الأولين - لو سلمنا بها - يجب على قاطن الدولة الثانية (الكافرة والتي تعطيه حرية دينه) أن يهاجر الى الدولة الأولى (المسلمة التي تفتنه في دينه؟!!)
فهل يستقيم ذلك؟
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[07 - Aug-2008, مساء 04:30]ـ
الأخ الإمام الدهلوي
قولي الذي يستهزأ بالله أعني ذلك المذكور الذي أفتى فيه المفتي، لأنه يدعي أنه لم يسب الله، و إنما هي رواية على لسان أبطال القصة، لهذا قال البعض هو منافق و لم يقولوا إنه مرتد
و قد ذكر المفتي سابق الذكر نفسه أن من المنافقين من يعامل معاملة ابن سلول حيث كان مطاعاً في قومه فترك قتله للمصلحة مع اعتقاد نفاقه مع أنه قال ليخرجن الأعز منها الأذل
و أنا نقلت فتوى هذا المفتي و لم آتي بشيء من عندي
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[العاصمي من الجزائر]ــــــــ[07 - Aug-2008, مساء 07:18]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الكريم:
اذكر اني قرات مبحثا مهما حول هذه الجزئية في كتاب بعنوان الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة للدكتور عبد الرحمن بن معلا اللويحق ادعوا اخي للاطلاع عليه مشكورا
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[08 - Aug-2008, صباحاً 09:42]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليك اخي فتوى لابن العثيمين والالباني رحمهما الله تعالى في الحكم على البلد بالاسلام أو خلافه
القاعدة الفقهية في التفريق بين البلد المسلم والبلد الكافر
السؤال
فضيلة الشيخ: السفر لبلاد الكفار لا يجوز إلا لضرورة، فما هو الضابط لمعرفة أن هذا البلد بلد كفار أم لا، هل على وجود المسلمين أم ماذا؟
الجواب
هذا يشكل عليك يا أخي؟ ماذا تقول في أمريكا بلد كفار أو بلد إسلام؟
السائل: بلد كفار.
الشيخ: مع أن فيها كثيراً من المسلمين، ماذا تقول في روسيا؟ في فرنسا؟ في بريطانيا؟ في اليابان؟ هذه واضح أنها بلاد كفر.
الشيخ: وأنا أقول مثلاً في البلاد الأخرى كباكستان و سوريا و الكويت وما أشبهها، نقول: بلد إسلام.
السؤال: هناك دولة إسلامية ومع ذلك لا يرفع فيها النداء للصلاة؟ الجواب: لا أدري ما أظن هذا ما أظن أنه لا يرفع فيها النداء للصلاة، ثم لو فرض أنهم منعوا من رفع الأذان فهؤلاء مكرهين، فإذا كانوا مكرهين فهو كالذي يترك الواجبات إكراهاً.
السائل: ضابط القاعدة.
الشيخ: القاعدة هي: ما كانت تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام، حتى لو فرض أن نفس الحكومة كافرة، وهذه البلاد تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام.
من دروس الباب المفتوح لقاء 166
· وسُئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين في شوال (1414هـ) عمَّا يأتي:
وهل كذلك أنكم قلتم باستمرار المواجهة ضد النظام بالجزائر؟
فأجاب: ((ما قلنا بشيء من ذلك!)).
قال السائل: في اشتداد هذه المضايقات هل تُشرَع الهجرة إلى بلاد الكفر؟
قال: ((الواجبُ الصبر؛ لأن البلاد بلاد إسلام، يُنادَى بها للصلوات وتقام فيها الجمعة والجماعات، فالواجب الصبر حتى يأتي الله بأمره)).
من شريط سمعي بعنوان: ((فتاوى الأكابر في نازلة الجزائر)).
انا اسألكم سؤال يعني اذا افترضنا ان احدى بلاد الكفر الاصلية اذنت للمسلمين ان يرفعوا الاذان للصلوات الخمس و اقيمت فيها الشعائر المذكروة في الفتوى هل تسمى بلاد الاسلام؟
وما هي الشعائر المقصودة هل هي بعض الشعائر فقط ام كلها؟
((وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله .. )) الاية
وهل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر و اقامة الحدود واقامة الجهاد و عدم تعطيله من شعائر الله ام ليست من شعائر الله
ـ[مستور الحال]ــــــــ[08 - Aug-2008, مساء 03:43]ـ
لعل من أكثر الضوابط قُرباً من الصحة والواقعية هي حال البلد العامة وظهور الإسلام فيها وتمكن المسلمين من إقامة شعائر دينهم.
ثم إن المسألة قابله للاجتهاد، خصوصاً في هذا العصر فقد اختلفت الأوضاع عن الزمن السابق ولا شك.
ولذلك فلسيت العبرة أن هذه الدار دار إسلام وهذه الدار دار كفر، بل العبرة ماذا يترتب على الحكم على الدار من الجوانب العملية ومنها:
1 - وجوب الهجرة على من كان في بلد الكافرين.
2 - في الجهاد يعمم الحكم على ديار الكفر بالقتال والنكاية على الكفار، ولا يقال هناك مسلمين يعيشون بين أظهر المشركين.
فأما الأول: فوجوب الهجرة من مناطاته عدم التمكن من إقامة الدين، فمن استطاع أن يقيم الآن بين ديار الكفار مقيماً دينه منظمّاً إلى مسلمين ويحضر معهم الجماعة، وليس مضايقاً في دينه ولا في أسرته ولا تعليم أولاده. فهذا إن كان لا ينكر عليه بعض العلماء قعوده، إلا أنه يطالب بالبحث عن مجتمع إسلامي أكبر ليعيش فيه.
والأوضاع الآن في الدول الإسلامية!! لا تساعد على الهجرة فحكامهم يتعاملون مع المسلم المهاجر كأي أجنبي يطالب تحدد مدة إقامته ثم يسفر ولا عبرة بدين عند حكامهم.
أيضاً المسلمون يعيشون في أقفاص كبيرة محكمة الإغلاق فمن كان في بلد يبيد خضراءهم هم أملاك عند صاحب قفصهم، ولا يحق لهم الهجرة فلا بد من إذن صاحب القفص وهل يأتون كعمال أو سياح؟؟ والله المستعان على ما يصفون.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما الأمر الثاني فإذا حُكِم على بلد ما بالكفر، فلا تجوز معاملة الشعب المسلم، كمعاملة الكفار في بلد كافر أي لا يجوز بأي حال التساهل في قتل المسلمين بحجة التترس، أو عدم الاكتراث بهم، أو تكفير من يعمل بالدوائر الحكومية والعسكرية ولمّا تظهر الحجة وتستبين المحجة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبما أنه اختلفت الأوضاع واختلط الحابل بالنابل واسكتت الأصوات الآن فتجزأ الأحكام على البلاد التي كان يحكمها الإسلام ولا يجوز تعميمها بل يجعل لكل حالة حكماً لاختلاف سببها.
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[08 - Aug-2008, مساء 06:48]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم،
قال ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (وإظهار الدين تكفيرهم وعيب دينهم، والطعن عليهم، والبراءة منهم، والتحفظ من مودتهم والركون إليهم، واعتزالهم، وليس فعل الصلوات فقط إظهاراً للدين. وقول القائل إنا نعتزلهم في الصلاة ولا نأكل ذبيحتهم حسن، لكن لا يكفي في إظهار الدين وحده، بل لا بد مما ذكر).
وقال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى: والمراد التصريح باستمرار العداوة والبغضاء لمن لم يوحد ربه، فمن حقق ذلك علماً وعملاً، وصرح به حتى يعلمه منه أهل بلده، لم تجب عليه الهجرة من أي بلد كان. وأما من لم يكن كذلك، بل ظن أنه إذا ترك يصلي ويصوم ويحج، سقطت عنه الهجرة، فهذا جهل بالدين، وغفول عن زبدة رسالة المرسلين، فإن البلاد إذا كان الحكم فيها لأهل الباطل، عباد القبور، وشربة الخمور وأهل القمار، فهم لا يرضون إلا بشعائر الشرك وأحكام الطواغيت، وكل موطن يكون كذلك لا يشك من له أدنى ممارسة للكتاب والسنة أن أهله على غير ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أما الأمر الثاني فإذا حُكِم على بلد ما بالكفر، فلا تجوز معاملة الشعب المسلم، كمعاملة الكفار في بلد كافر أي لا يجوز بأي حال التساهل في قتل المسلمين بحجة التترس، أو عدم الاكتراث بهم، أو تكفير من يعمل بالدوائر الحكومية والعسكرية ولمّا تظهر الحجة وتستبين المحجة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إذا لم يجز تكفير من يعمل لتوطيد حكم النظام الكافر، وترسيخ وجوده، واستمرار بقائه، بحمايته والذب عنه بشتى الطرق .. فمن ذا الذي لا يجوز تكفيره؟
والجيش كطائفة ممتنعة لا يشك ذو علم أنهم كفار، لأنهم ممتنعون عن أصل من أصول الدين، وهو تحكيم شريعة رب العالمين ..
يقول ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:
فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال، والخمر، والزنا، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته ـ التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها ـ التي يكفر الجاحد لوجوبها. فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مُقرّة بها. وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء.
وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السُنن كركعتي الفجر، والأذان والإقامة ـ عند من لا يقول بِوجوبها ـ ونحو ذلك من الشعائر. هل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا؟ فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها.
وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البُغاة الخارجين على الإمام، أو الخارجين عن طاعته؛ كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام مُعين، أو خارجون عليه لإزالة ولايته. وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام؛ بمنزلة مانعي الزكاة، وبمنزلة الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ولهذا افترقت سيرة علي رضي الله عنه في قتاله لأهل البصرة والشام، وفي قتاله لأهل النهروان فكانت سيرته مع أهل البصرة والشاميين سيرة الأخ مع أخيه، ومع الخوارج بخلاف ذلك. وثبتت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بما استقر عليه إجماع الصحابة من قتال الصديق وقتال الخوارج؛ بخلاف الفتنة الواقعة مع أهل الشام والبصرة؛ فإن النصوص دلت فيها بما دلت، والصحابة والتابعون اختلفوا فيها.
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[08 - Aug-2008, مساء 07:44]ـ
الأخ أبو شعيب و الإخوة جميعاً
سبق أن تكلمت مع الأخ أبي شعيب في موضوع الطائفة الممتنعة و أنها ثلاثة أقسام عند ابن تيمية
و ها قد نقل أبو شعيب نص ابن تيمية الذي تكلمت عنه سابقاً
فأهل دار الكفر قد يكون منهم مسلم مظهر لدينه، و قد يكون منهم مشرك، و قد يكون منهم ممتنع عن ركن، و قد يكون منهم ممتنع عن واجب، و قد يكون منهم ممتنع عن نافلة
أما ما يسمى السلطة التشريعية و السلطة القضائية في دار الكفر فممتنعون عن ركن و هو الحكم نفسه و هو مثل قول ابن تيمية في مانعي الزكاة، أما ما يسمى السلطة التنفيذية أو الجيش في دار الكفر فهو ممتنع عن واجب لأن تنفيذ الحكم بما أنزل الله واجب و ليس ركناً، و الممتنع عن واجب لا يكفر إلا بعد أن يقاتله أهل دار الإسلام و ليس قبل القتال فهذا الذي نقل ابن تيمية عدم الخلاف فيه و مثل له بالممتنع عن الخمر و الزنا و الميسر، و لهذا جوز بعض أهل العلم الدخول في السلطة التنفيذية في دار الكفر للإصلاح، إلا في حالة الحرب الحقيقية أي كون البلد محتلة من الكفار، أما الممتنع عن النافلة فمثل له ابن تيمية بصلوات النوافل و ذكر الخلاف فيها و لم يرجح
و فقنا الله و إياكم
و رحم الله الإمام ابن تيمية، كل علمائنا أتباع السلف الذين نعرفهم يستفيدون من فقهه، و لهذا يشن عليه الكفار و المبتدعة حملة شعواء
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مستور الحال]ــــــــ[09 - Aug-2008, مساء 12:18]ـ
عدم تكفير من يعمل في الدوائر العسكرية - هو للجاهل بكفر ولي أمر نعمته، لا سيما أن المشايخ الرسميين منهم من لا يتطرق لمسألة الحكم القوانين الوضعية أو مولاة الكفار، وهل الحاكم مسلم أو كافر وهو بعمله هذا يوهم كل المواطنين أن الحكومة على الإسلام.
ومنهم من يزيد الطين بلّةً، فيسلك مسالك من يدافع عنهم بأن كل ما يفعلونه موافق للإسلام وأعذارهم مشهورة ومعروفة في كل مكان. فكفر المشرّع: قالوا هو كفر دون كفر. وكفر الموالي للكفار: كفر دون كفر- ما لم يستحل وهو لم يستحل مهما بدر منه لم يستحل ولم يأت دليل على أنه استحل ولم يصرح بأنه استحل ... وهلم جراً.
فكيف نكفِّر من يعمل معهم وهو مغرّر به ولا شك.
وأخشى أن تمتد أيدي التكفير للعلماء الساكتين، أو العلماء المصرِّحين بأن أعمالهم ليست كفراً، لأن هؤلاء العلماء - بإحسان الظن فيهم وهو الواجب - لم يختلفوا إلا بناءً على بعض الأدلة، ولهم أعذار أخرى.
فالسكوت في هذا المقام هو السلامة
وخرج البخاري عن حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا فقال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك
وخرّج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه في أمر العامة
وخرّج الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكروا الفتنة أو ذكرت عنده قال إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه قال فقمت إليه فقلت له كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك قال الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة
فالعبادة في زمن الفتن هي الواجب الآن والدعاء ثم الدعاء.
ـ[من صاحب النقب]ــــــــ[09 - Aug-2008, مساء 02:16]ـ
ما الدليل على تكفير العسكريين في دار الكفر الذي يقول به بعض الناس و ما دخلهم في الحكم بغير ما أنزل الله؟ و كيف توجهون كلام ابن تيمية هذا، فإنه إنما يكفر من امتنع عن ركن و ليس من امتنع عن واجب، و إنما قال في من امتنع عن واجب أنه يقاتل و لم يقل أنه يكفر
ـ[حسن كفتة]ــــــــ[09 - Aug-2008, مساء 10:16]ـ
وخرج البخاري عن حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا فقال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك
وخرّج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه في أمر العامة
وخرّج الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكروا الفتنة أو ذكرت عنده قال إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه قال فقمت إليه فقلت له كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك قال الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة
فالعبادة في زمن الفتن هي الواجب الآن والدعاء ثم الدعاء.
الأولى أن تقول الاعتزال وفق استدلالك
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[09 - Aug-2008, مساء 10:46]ـ
الأخ (مستور الحال)،
سأحاورك إن شاء الله إن أجبتني عن سؤالين:
1 - ما حقيقة عمل جيوش وشرطة ومخابرات هذه الأنظمة؟ .. أليس بها يحتمي النظام ويقمع كل من يعارضه من مطالبي حكم الله، كما حدث في سوريا ومصر ويحدث الآن في الجزائر وأفغانستان والعراق وغيرها من البلدان؟
2 - هل يعلم هؤلاء الجيش والشرطة أن أولياء أمورهم على باطل؟ .. أم يظنون أن الحكم بغير ما أنزل الله جائز ولا شيء فيه؟ .. فإن هم علموا ذلك، بل ويعلمون ذلك ضرورة في دين الله، فهل هم يعلمون أنهم يرسخون لحكم هذا النظام وتوطيد أركانه وحمايته من كل من تسول له نفسه إسقاطه أو الانقلاب عليه، حتى لو كان ساعياً لحكم الله في الأرض؟
دعنا نتفق على هذه النكتتين، ثم نتكلم عن باقي الأمور إن شاء الله.
---------
الأخ (من صاحب النقب)،
اعذرني، فقد تجادلت معك فيما سبق، ولا أود تكرار هذه التجربة .. وإنما أفعل ذلك لحفظ وقتي ووقتك. هدانا الله وإياك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[حمدان الجزائري]ــــــــ[09 - Aug-2008, مساء 11:08]ـ
بهاتين الشبهتين التي طرحهما أخونا أبوشعيب كفرت الخوارج كل من يعمل في سلك الأمن وهذا التكفير العشوائي كله مبناه على أنه يحمي القوانين الطاغوتية،وهذه المسألة تحتاج لضبط كبير من عالم متفنن.
وفقكم الله
ـ[أبو عمر الماردي]ــــــــ[10 - Aug-2008, صباحاً 06:25]ـ
الشيخ: مع أن فيها كثيراً من المسلمين، ماذا تقول في روسيا؟ في فرنسا؟ في بريطانيا؟ في اليابان؟ هذه واضح أنها بلاد كفر.
الشيخ: وأنا أقول مثلاً في البلاد الأخرى كباكستان و سوريا و الكويت وما أشبهها، نقول: بلد إسلام.
السؤال: هناك دولة إسلامية ومع ذلك لا يرفع فيها النداء للصلاة؟ الجواب: لا أدري ما أظن هذا ما أظن أنه لا يرفع فيها النداء للصلاة، ثم لو فرض أنهم منعوا من رفع الأذان فهؤلاء مكرهين، فإذا كانوا مكرهين فهو كالذي يترك الواجبات إكراهاً.
السائل: ضابط القاعدة.
الشيخ: القاعدة هي: ما كانت تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام، حتى لو فرض أن نفس الحكومة كافرة، وهذه البلاد تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام.
من دروس الباب المفتوح لقاء 166
هذه قاعدة تهدم الإسلام هدما، وبريطانيا تقام فيها الصلوات الخمس، وكذلك كل بلاد أوربا تقام فيها الصلوات ويرفع الأذان، على هذا الكلام يعني أوربا دولة إسلامية!!!!.
دار الكفر هي التي يحكمها الكفار، وتجري فيها أحكام الكفر ويكون النفوذ فيها للكفار وهي على نوعين:
1 / بلاد كفار حربيين
2 / بلاد كفار مهادنيين بينهم وبين المسلمين صلح وهدنة فتصير إذا كانت الأحكام للكفار، دار كفر ولو كان بها كثير من المسلمين.
ودار الإسلام هي التي يحكمها المسلمون، وتجري فيها الأحكام الإسلامية، ويكون النفوذ فيها للمسلمين ولو كان جمهور أهلها كفارا. الفتاوى السعدية (1/ 92).
وصلى الله على محمد
ـ[أبو العباس السكندري]ــــــــ[10 - Aug-2008, صباحاً 08:07]ـ
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وَكَوْنُ الْبُقْعَةِ ثَغْرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرَ ثَغْرٍ هُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا لَا اللَّازِمَةِ لَهَا؛ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهَا دَارَ إسْلَامٍ أَوْ دَارَ كُفْرٍ أَوْ دَارَ حَرْبٍ أَوْ دَارَ سِلْمٍ أَوْ دَارَ عِلْمٍ وَإِيمَانٍ أَوْ دَارَ جَهْلٍ وَنِفَاقٍ. فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سُكَّانِهَا وَصِفَاتِهِمْ؛"27/ 54،
ويقول: "فَكَانَتْ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ وَصَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَدَخَلَتْ الْعَرَبُ فِي الْإِسْلَامِ صَارَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ كُلُّهَا دَارَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: {لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ} وَكَوْنُ الْأَرْضِ دَارَ كُفْرٍ وَدَارَ إيمَانٍ أَوْ دَارَ فَاسِقِينَ لَيْسَتْ صِفَةً لَازِمَةً لَهَا؛ بَلْ هِيَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ بِحَسَبِ سُكَّانِهَا فَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ هِيَ دَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْكُفَّارُ فَهِيَ دَارُ كُفْرٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْفُسَّاقُ فَهِيَ دَارُ فُسُوقٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ سَكَنَهَا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَتَبَدَّلَتْ بِغَيْرِهِمْ فَهِيَ دَارُهُمْ. وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا تَبَدَّلَ بِخَمَّارَةٍ أَوْ صَارَ دَارَ فِسْقٍ أَوْ دَارَ ظُلْمٍ أَوْ كَنِيسَةً يُشْرِكُ فِيهَا بِاَللَّهِ كَانَ بِحَسَبِ سُكَّانِهِ؛ وَكَذَلِكَ دَارُ الْخَمْرِ وَالْفُسُوقِ وَنَحْوُهَا إذَا جُعِلَتْ مَسْجِدًا يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ يَصِيرُ فَاسِقًا وَالْكَافِرُ يَصِيرُ مُؤْمِنًا أَوْ الْمُؤْمِنُ يَصِيرُ كَافِرًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كُلٌّ بِحَسَبِ انْتِقَالِ الْأَحْوَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَكَّةَ لَمَّا كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ وَهِيَ مَا زَالَتْ فِي نَفْسِهَا خَيْرَ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبَّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ سُكَّانَهَا. فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا: {أَنَّهُ قَالَ لِمَكَّةَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ: وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْك لَمَا خَرَجْت} وَفِي رِوَايَةٍ: {خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ} فَبَيَّنَ أَنَّهَا أَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَانَ مَقَامُهُ بِالْمَدِينَةِ "
ثم يقول:
"فَأَحْوَالُ الْبِلَادِ كَأَحْوَالِ الْعِبَادِ فَيَكُونُ الرَّجُلُ تَارَةً مُسْلِمًا وَتَارَةً كَافِرًا وَتَارَةً مُؤْمِنًا؛ وَتَارَةً مُنَافِقًا وَتَارَةً بَرًّا تَقِيًّا وَتَارَةً فَاسِقًا وَتَارَةً فَاجِرًا شَقِيًّا. وَهَكَذَا الْمَسَاكِنُ بِحَسَبِ سُكَّانِهَا فَهِجْرَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ مَكَانِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي إلَى مَكَانِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ كَتَوْبَتِهِ وَانْتِقَالِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ إلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَهَذَا أَمْرٌ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" 18/ 281 - 284.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد س]ــــــــ[10 - Aug-2008, صباحاً 09:53]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ محمد علي فركوس يرد على من لايفرق بين الجزائر وبلاد الكفر
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فلقد رَاجَ -في الآونة الأخيرة- على ألسنةِ مَنْ وَصَفهم النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ب: «سُفهاءُ الأَحْلاَمِ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ» (1 - أخرجه البخاري في «المناقب»، باب علامات النبوة في الإسلام: (3415)، ومسلم في «الزكاة»، باب التحريض على قتل الخوارج: (2462)، وأبو داود في «السنة»، باب في قتال الخوارج: (4767)، والنسائي في «تحريم الدم»، باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس: (4102)، وأحمد في «مسنده»: (914)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي في «الفتن»، باب في صفة المارقة: (2188)، وابن ماجه في «سننه»، باب ذكر الخوارج: (168)، وأحمد في «مسنده»: (3821)، وأبو يعلى في «مسنده»: (5402)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه) نفيُ التفريقِ بين الجزائر وسائر بلدان الكفر، حتى إذا سُئِلَ أحدُهم عن السفر إلى بلاد الكفر فيجيب -من غير تُؤَدة ولا تَرَوٍّ-: «أين أنت الآن؟» أو «بصَّرك اللهُ، وهل يوجد فَرْقٌ بين بلدان الكفر؟ الكفر مِلَّةٌ واحدةٌ»، ونحوذلك من عبارات الأجوبة التي تتصدَّع لها القلوبُ المؤمنة، وتفزع منها النفوس المطمئنَّة، وهكذا -على حين غفلةٍ من أهلها- تتسرَّب بضائعُ الشُّبُهات والأفكار من الأغمار، ويُنَفِّقون سلعتهم ولو بالحلف الكاذب، والله المستعان.
إنّ أَوَّلَ اهتمامات الداعية إلى الله تعالى وأعظمَها حملُ الناس على إفراد الله تعالى بالعبادة، وتركِ الشرك، وإقامةِ السُّنَّة، ونَبْذِ البدعة، وهو المنهج الشرعيُّ في جميع رسالات المرسلين، قال تعالى: ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ? [النحل: 36]، فهذا السبيلُ الحقُّ الذي ينبغي أن يَبذُل فيه الداعيةُ جُهْدَهُ، ويَستفرِغَ طَاقَتَهُ ووقته لهداية الناس إلى الصراطٍ المستقيمٍ، على منهجِ أهل السُّنَّة الذين يَعرفون الحقَّ ويرحمون الخلقَ، لا سبيلَ التشويش بالشُّبُهات والتضليل، وحملِ الناس على التكفير ثمَّ التفجير والتدمير.
إنَّ التسويةَ بين الجزائر وبين غيرها من بلدان الكفر، كإنجلترا وفرنسا وألمانيا هي تسويةٌ مع ظهور فارقٍ شاسعٍ بين بلادٍ تَدِينُ بالإسلام، وأخرى لا تدين إلاًَّ بالشرك، وقراءةُ مضامين هذه العبارات تشدُّ بالَ العاقلِ، وتَصْرِفُ نظرَه إلى أهل «التكفير بالعموم» أو «التكفير الجماعي»، الذين يجانبون في معتقدهم أصولَ أهل السُّنَّة والجماعةِ، فيكفِّرون أهلَ القِبلة بمطلق المعاصي والكبائر، ويرون أنَّ الأعمالَ داخلةٌ في مُسمَّى الإيمان، وأَنَّها شرطٌ في بقائه، فمَنْ فعلَ معصيةً من الكبائر خرج عن الإيمان؛ ذلك لأنَّ الإيمانَ عندهم كالجُملة الواحدة لا يتبعَّضُ فإِنْ ذهب بعضُه ذهب كُلُّه، فيزول بالتالي الإيمانُ جملة عن العاصي، فيخرج عن دائرته إلى الكفر، فهذا هو أصلُ مُعتقد الخوارج.
أمَّا أهلُ السُّنَّة والجماعة فلا يُكفِّرون بمطلق المعاصي، ويُسمُّون أهلَ القِبلة مسلمين مؤمنين، وإن كانوا عُصاةً، ما داموا بما جاء به النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مُعترفين، وله بكلِّ ما قال وأخبر مُصدِّقين؛ ذلك لأنَّ الإيمانَ عند أهل السُّنَّة يتبعَّضُ، فإذا ذهب بعضُهُ لم يذهب كُلُّه، فيبقى مع العاصي مُطْلَقُ الإيمانِ لا الإيمانُ المطلَقُ، ويشهد لذلك قولُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، واستَقْبَلَ قِبلَتَنا، وصَلَّى صَلاتَنا، وَأَكلَ ذَبِيحتَنَا، فهوَ المُسلمُ: له ما للمُسلمِ، وعليهِ ما على المُسلِم» (2 - أخرجه البخاري في «الصلاة»، باب فضل استقبال القبلة: (393)، من حديث أنس رضي الله عنه)، وفي روايةٍ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسِولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللهَ فِي ذِمَّتِهِ» (3 - أخرجه البخاري
(يُتْبَعُ)
(/)
في «الصلاة»، باب فضل استقبال القبلة: (391)، والبيهقي «السنن الكبرى»: (2239)، من حديث أنس رضي الله عنه، وقد رواه بمعناه النسائي في «الإيمان وشرائعه»، باب صفة المسلم: (5012))، أي: لا تغدروا الله في ذِمَّته، ولا تخونوه في عهده، ولا تتعرَّضوا في حَقِّه من ماله ودمه وعرضه (4 - انظر «فتح الباري» لابن حجر: (1/ 496). «مرقاة المفاتيح» للقاري: (1/ 159)).
وفي الحديث دليل على تحريم «التكفير الجماعي» أو «بالعموم»، وإنَّما أمور الناس محمولةٌ على الظاهر، فمَنْ أظهر شِعار الإسلامِ أُجْرِيَتْ عليه أحكامُ أهله، ما لم يظهر منه خلافُ ذلك، كأن يُكذِّب بشيء جاء به رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم صحيحًا ثابتًا، أو يستحلُّ ما حَرَّمَهُ اللهُ تعالى، ونحو ذلك، إذ أنَّ «مَنْ ثَبَتَ إِسْلاَمُهُ بِيَقِينٍ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ، بَلْ لاَ يَزُولُ إِلاَّ بَعْدَ إِقَامَةِ الحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ» (5 - «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (12/ 501))، لذلك كان من أصول أهلِ السُّنَّةِ: عدمُ جواز الشهادة بالكفر والنِّفاق على أحدٍ من أهل القِبلة ما لم يظهر منه ذلك، وردُّ سرائرِهِم إلى الله تعالى، ذلك لأنَّا أُمرنا بالحكم بالظاهر، ونُهينَا عن الظنِّ واتِّباع ما ليس لنا به علم، قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ? [الحجرات: 12]، وقال تعالى: ?وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً? [الإسراء: 36].
فمن عيوب أهلِ البدع تكفير بعضهم بعضًا، ومن مَمادح أهل السُّنَّة أنَّهم يُخطِّئون ولا يُكفِّرون أحدًا من أهل القِبلة بكلّ ذنب، بل الأُخوَّة الإيمانيةُ ثابتةٌ مع المعاصي.
وإذا أظهر البلد شعارَ الدِّين، مِنَ النًُّطْقِ بالشهادتين، ورفعِ الأذان فيه، وإقامةِ الصلاة، واستقبالِ القِبلة، ومَكَّن أهلَهُ من أدائها أصالةً وبأمانٍ، لا معاهدةً أو اتِّفاقًا وتبعًا، فإنَّ ذلك البلد معدودٌ من ديار الإسلام عند أهل السُّنَّةِ، لا دارَ كُفْرٍ، كما رأته المعتزلةُ، ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا؛ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» (6 - أخرجه البخاري في «الصلاة»، باب فضل استقبال القبلة يستقبل بأطراف رجليه: (392)، وأبو داود في «الجهاد»، باب على ما يقاتَل المشركون: (2641)، والترمذي في «الإيمان»، باب ما جاء في قول النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «أُمِرْتُ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ»: (2608)، والنسائي: في «تحريم الدم»، (3966)، وأحمد في «مسنده»: (12643)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه).
ومنه يظهر عوارُ من لم يُفرِّقْ بين البَلَدَيْنِ، وينهدم بنيانُ من أجاز الهِجرة إلى بلدان الكفر والضلال بدعوى عدم وجود دار إسلام، وإرادة التماس من الهجرة الأولى إلى الحبشة دليلاً شرعيًّا لهم يوافق هواهم استنادًا إلى خلوِّ المرحلة المكِّية من دار الإسلام.
وعجبي لا ينقطع في الذين أرادوا حصر تطبيق المرحلة المكِّية التي كان فيها المسلمون مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مستضعفين في أوَّل الإسلام على الهجرة إلى الحبشة تمسُّكًا بخلوِّ دار الإسلام ذلك الوقت، تركوا العمل بحكم المرحلة المكِّية في عصمة دم الكافر العصمة الأصلية، إذ دم الآدمي معصومٌ لا يقتل إلاَّ بحقٍّ، وقد كان المسلمون ممنوعين قبل الهجرة من ابتداء القتال، وكان ابتداءُ قتل الكفَّار المتفق على تكفيرهم مُحرَّمًا، وهو مِن قَتْلِ النفس بغير حقٍّ، فمن بابٍ أَوْلَى كان العمل بهذه المرحلة في حقِّ المؤمن العاصي أو المشتبه فيه غير المُتَّفَقِ على كفره! فَلِمَ تركوا العمل بآيات الصبر والصفح عمَّن يُؤذي اللهَ ورسولَه في حالة الضَّعف، وبآيات القتال في حالة القُوَّة جمعًا بين الأدلَّة، وهو
(يُتْبَعُ)
(/)
أَوْلَى من النَّسخ المحتمل والترجيح، لانتفاء التعارض بين أحكام المرحلتين؟!
وأصلُ هذا الكلام نابع من اعتقاد الخوارج، الذين جعلوا «الحاكمية» شرطًا في الإيمان، ومعنىً للتوحيد، أي أنَّ معنى: «لا إله إلاَّ الله» -في زعمهم-: «لا حاكمية إلاَّ لله»، وقد انتشرت هذه الدعوة التي ابتدعَ مفهومَها ومُسمَّاها المفكرُ الحركيُّ: سيّد قطب، وهي مؤلّفة بين عقيدة الإمامية والبهنسية. وتفسيرُ «لا إله إلاَّ الله» ب «الحاكمية لله» مخالفٌ لتفسير السلف لها -بلا ريبٍ- ومعناها عند السلف: «لا معبودَ بحقٍّ إلاَّ اللهُ»، لقوله تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ? [الحجّ: 62]، وقولِه تعالى: ?وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا? [النساء: 36]، وقولِه تعالى: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ? [الذاريات: 56]، وتفسيرُ السلف الصالح لها هو التفسيرُ الوحيد الذي لا يصحُّ تفسيرٌ غيرُه، وهو إخلاصُ العبادةِ لله وحدَهُ لا شريكَ له، ويدخل فيها تحكيم الشريعة، قال تعالى: ?وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ? [البينة: 5].
ولا يخفى أنَّ التوحيدَ رأسُ التشريع، وهو من أَوَّليَّات الدعوة إلى الله تعالى، قال الله عزَّ وجلَّ: ?شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ? [الشورى: 13]، وهو حكمٌ أَوَّلِيٌّ بما أنزلَ اللهُ، إذ أنَّ أَوَّلَ ما أوصى به الرسلَ والأنبياءَ في نزع عوالق الشرك من صدور المتشبِّثين به، وتطهير أرض الله ومساجده من أدران الأوثان والأضرحة، وإبعاد فتنة القبور والمشاهد عنها، فسبيلُ الدعوةِ إلى الله يبدأ من التوحيد أَوَّلاً وقبل كلِّ شيء: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اِتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ? [يوسف: 108]، والمراد بالآية: الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له لا شريك له، وفي حديث معاذ رضي الله عنه قال له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لما بعثه لليمن: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ؛ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَتَيْ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افَتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ... » الحديث (7 - متفق عليه: أخرجه البخاري: في «المغازي»، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع: (4347)، ومسلم: في «الإيمان»، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام: (121)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما).
هذا؛ وينبني على جعل الحاكمية شرطًا في الإيمان تكفيرُ الداعي الحاكمَ الذي يخالف الحكمَ بما أنزل اللهُ مُطلقًا، وتكفير رعيَّته على حدٍّ سواء، ولو كانوا منكرين على الحاكم بقلوبهم، ولو بألسنتهم، وفساد هذا الاعتقاد ظاهر؛ لأنَّ تفسير كلمة التوحيد بالحاكمية قاصرٌ على جزءٍ من توحيد الربوبية، كما يلزم من اشتراط (الحاكمية) إخراج توحيد الإلهية وكثيرمن الأصول والأركان كالصلاة وغيرها من الحكم بما أنزل الله تعالى ومن عُرى الدِّين الذي شرع المولى عزَّ وجلَّ، فمثل هذا الاشتراط ناقص ومخالف لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ، تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا: الحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ: الصَّلاَةُ» (8 - أخرجه ابن حبان في «صحيحه»: (6601)، والحاكم في «المستدرك»: (7022)، وأحمد في «مسنده»: (21784)، والطبراني في «مسند الشاميين»: (1615)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، والحديث صحَّحه الألباني في: «صحيح الجامع الصغير»: (5354) وفي «صحيح الترغيب»: (1/ 369)، وحسنه الوادعي
(يُتْبَعُ)
(/)
في «الصحيح المسند»: (490)).
وباختصار، فإنَّ ترويج بضائع الشُّبهات والأوهام من أصاغر القوم، حدثاء الأسنان الذين همُّهم التزعُّم على الرعاع، والتصدُّر على الأتباع يؤدِّي بطريقٍ أو بآخر إلى مسالك التهلكة والرَّدَى، وطريقِ الغواية والهوى، وصَدَقَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم حيث قال: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُلْتَمَسَ العِلْمُ عِنْدَ الأَصَاغِرِ» (9 - أخرجه الطبراني في «الكبير»: (22/ 361)، وفي «الأوسط»: (8/ 116)، من حديث أبي أمية الجمحي رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»: (2207)، وفي «السلسلة الصحيحة»: (695))، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «لا يزال الناسُ بخيرٍ ما أتاهم العلمُ مِنْ أصحابِ مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ومِن أكابرهم، فإذا أتاهم العلمُ من قبل أصاغرهم، وتفرَّقت أهواؤهم، هلكوا» (10 - أخرجه عبد الرزاق في «المصنف»: (21508)، والطبراني في «الكبير»: (19/ 114)، وفي «الأوسط»: (7/ 311)، وابن المبارك في «الزهد»: (1/ 281)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 349): «رجاله موثوقون»، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (2/ 310)).
فبمقدار ما يكون عليه الداعيةُ إلى الله -في أداء رسالته وقيامه بواجبه- قريبًا من منهج الأنبياء في دعوتهم وإصلاحهم بمقدار ما تؤتي دعوته أكلها بإذن ربها، وتنتهج التربية الوجهة الصحيحة، ويتجسَّدُ في أرض الواقع نورُ الإسلام المصفَّى، وبمقدار ما يبتعد عن مشكاة النُّبُوَّة يَحُلُّ الظلامُ، وتنتشرُ البدعةُ، ويكثرُ رُوَّادُ الضلالة.
ولله دَرُّمَنْ قال: «إنها ستكون أمورٌ مُشْتبِهَاتٌ، فعليكم بالتُّؤَدة، فإنَّ الرجلَ يكون تابعًا في الخير خيرٌ من أن يكون رأسًا في الضلالة» (11 - أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان»: (7/ 297)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه).
واللهَ تعالى نسألُ أن يَعْصِمَنَا من الزَّلَلِ والضلالةِ، وأن يوفِّقَ الأُمَّةَ -حاكمًا ومحكومًا- لاتباع الحقِّ ونصرته وموالاة أهله، ويهدي المخاصمين للحقِّ المعاندين لأهله إلى صراط الله المستقيم: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا? [النساء: 135].
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في 18 المحرم 1429ه
الموافق ل: 26/ 01/2008م
اليكم رابط هذا المقال من موقع الشيخ حفظه الله تعالى
اضغط هنا ( http://www.ferkous.com/rep/M25.php)
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[10 - Aug-2008, صباحاً 10:46]ـ
ربنا يهديك يا فركوس كلام لا يصدر حتى من صغار طلبة العلم ومجرد قرأته يكفي مؤنة الرد عليه.
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[10 - Aug-2008, مساء 01:53]ـ
هذا المقال للشيخ فركوس لا يعد الا مجموعة من التهم و الخلط المركب وبحر عكر من اللبس و الغموض الذي لا يتسع المقام في هذا الموضوع للرد عليه بالكلية
ولكن ما يشد الانتباه هذه الفقرة
ما داموا بما جاء به النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مُعترفين، وله بكلِّ ما قال وأخبر مُصدِّقين؛
للاسف هذا اعتقاد غلاة المرجئة الذين يخرجون العمل من مسمى الايمان فمعلوم ان هذه الطائفة ظهرت منذ مدة في الجزائر افسدت عقائد الناس ولم نرى الفساد قد انتشر في بلاد الجزائر كانتشاره بعد خروج هذه الطائفة من غلاة المرجئة الذين يكفرون بالاستحلال فقط وبعضهم ذهب بعيدا واشترط اعتقاد الاستحلال يعني استحلال الاستحلال
بمعنى اوضح ليس لك ان تكفر احدا مادامت جنسيته " جزائرية " ولو فعل ما فعل مادام لم يعتقد الكفر وبمأن لا أحد شق قلوب الناس و لا يمكن لاحد ذلك فقد اغلق هؤلاء باب التكفير مطلقا و صنفوا فيه المصنفات يحذرون من " التكفير " فلا عجب!
ووصفوا من كفّر بناقضة من نواقض الاسلام يُكَفِرْ بالكبائر كذبا و بهتانا لستر ارجائهم
وجعلوا الدين مجرد صلاة و عبادات لا حكم ولا شرع ولا ريب ان هذا ليس من الاسلام في شيء بل هو اشبه بدين بعض اهل الكتاب
وعطلوا الجهاد الذي لا يسع مسلم تعطيله كما لا يسعه تعطيل الصوم و الصلاة
وجعلوا القتال جهاد النفس بأي عقل فعلوا ذلك؟ و باي منطق؟
وضربوا النصوص بعضها ببعض فعطلوا المحكم و اولوا المتشابعه
اما فيما يخص كلمة حدثاء الاسنان سفهاء الاحلام فهل سيد رحمه الله كان منهم بل وهل الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ رحمهم الله ايضا كذلك؟ وهل علماء نجد و الجزير كذلك؟
وماذا عن حروب الردة؟ هل سمعتم بها يوما هل ورد ان الصديق رضي الله عنهم تكلم عن الاستحلال بل القوم منعوا الزكاة فهل المنع مجرد اعتقاد ام ان الصديق شق على قلوبهم؟
وللقوم شبه اخرى كالاستدلال بالاية الاكراه فيجعلونها حجة لهم وهي حجة عليهم
و الاستدلال بحديث اسامة بن زيد و جعله دليلا لترويج معتقداتهم و هو حجة عليهم
وفيما يخص التحاكم الى غير شرع الله فعلى هذا الموقع مواضيع تتحدث في ذلك و الافضل ايراد الادلة هناك فارفعوها ان اردتم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو جهاد الأثري]ــــــــ[10 - Aug-2008, مساء 02:18]ـ
وخرّج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه في أمر العامة
عفوا أخي أين أجد هذا الحديث في مسلم؟
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[10 - Aug-2008, مساء 02:27]ـ
أخي الكريم البحث العلمي اعلم أنه لولا ظهور المرجئة متأخراً عن زمن الصحابة رضي الله عنهم لكانوا قالوا عن أبو بكر رضي الله عنه عندما قاتل مانعي الزكاة أنه من الخوارج ويكفر بغير دليل مثل ما يقولونه اليوم في أهل التوحيد ولكن الله سلم منهم.
ومن الطرايف في هذا المقال لصاحبه فركوس أنه جعل مسألة الحاكمية التي هي من صلب التوحيد: (الكفر بالطاغوت) كما قال تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) هي مثل قول الروافض في بدعة الإمامة المخترعة فانظر ترى العجب واسأل الله السلامة ... ووالله الذي رفع السماء بغير عمد إن أصحاب هذا القول لا يعرفون ما معنى الكفر بالطاغوت ولا يعرفون ما مقصود الإمامة عند الروافض فعليهم أن يتعلوا أبجديات التوحيد قبل أن يسودوا أوراقهم بهذه الأباطيل المضحكة.
وأما بالنسبة إلى مسألة البلد إذا حكمتم بالقانون المخالف لأحكام الشرعية فتصبح دار كفر فهذا ليس قول سفهاء الاحلام كما يزعم صاحبنا فركوس بل هو قول كبار علماء أهل السنة والجماعة فهل العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن والشيخ أحمد شاكر ومحمد بن إبراهيم رحمهم الله أجمعين الذين قالوا أن البلد التي تحكم بالقانون الوضعي تصبح دار كفر يجب الهجرة منها هم من سفهاء الاحلام عند فركوس أم أنه قد أرتقى مرتقى صعب وصار يتكلم بما لا يعلم نسأل الله أن يهديه إلى الحق ويردوه إلى الصواب.
ـ[البحث العلمي]ــــــــ[10 - Aug-2008, مساء 02:59]ـ
بارك الله فيكم وكفى بهذه الاية كما قال تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) ردا على هذه الشبهة والله المستعان فهم يقرؤون القران لا يجاوز تراقيهم حتى ان بعضهم يتركون اهل الاوثان و يكفرون اهل الايمان فهم احق بصفات الخوارج من حيث لا يشعرون
وهذا اشبه بقول اينشتاين "لو امتد بصري الى اخر الكون لرأيت رأسي من الخلف "
فالقوم تمادوا في الارجاء حتى حق عليهم وصف الخوارج
نسأل الله السلامة و العافية
ـ[مستور الحال]ــــــــ[10 - Aug-2008, مساء 07:46]ـ
الأولى أن تقول الاعتزال وفق استدلالك
نعم جزاك الله خيراً، والأولى قبل الاعتزال هو لزوم الجماعة إن لم يوجد إمام ثم العزلة.
1 - ما حقيقة عمل جيوش وشرطة ومخابرات هذه الأنظمة؟ .. أليس بها يحتمي النظام ويقمع كل من يعارضه من مطالبي حكم الله.
نعم الأصل فيمن يتولّى أعداء الله ويدافع عنهم أنهم كفار كأسيادهم. وقال الله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}
2 - هل يعلم هؤلاء الجيش والشرطة أن أولياء أمورهم على باطل؟ .. أم يظنون أن الحكم بغير ما أنزل الله جائز ولا شيء فيه؟ .. فإن هم علموا ذلك، بل ويعلمون ذلك ضرورة في دين الله، فهل هم يعلمون أنهم يرسخون لحكم هذا النظام وتوطيد أركانه ...
هذا يختلف من بلد إلى بلد، فبلد ورثه العلمانيون عن الاستعمار - كمن مثّلتَ - ليس كبلد تبدّلت في الأحكام والأحوال تدريجياً - كالسعودية.
وأيضاً بلد تعادي الحكومة فيه الإسلام والعامة يعرفون، ليس كبلد الحكومة تعادي الاسلام بالتدرج وعلى استحياء من العلماء والعامة والناس لا يعون ولا يفطنون.
(يُتْبَعُ)
(/)
وضربتُ مثالاً بالسعودية - لأجل طرق الموضوع من أطرافه - فقد قيل بكفر الحكومة وقيل ببقائها على الإسلام وليس قصدي هنا هو البتّ في الحكم وإنما المقصد هنا ما له علاقة بالموضوع وهو أنه أذا قيل بكفر هذه الدار دار كفر لكفر الحاكم والكثير من بطانته، فهل ينجر التكفير على كل من كان في الدوائر الحكومية والعسكرية، وهل تعامل مثل تعاملنا مع أمريكا ودول الكفر باتفاق.
الجواب والله أعلم هو ما قرّرته سابقاً: وأنه لاجل الجهل والتباس حال الحكومة ودعاية بعض المشايخ لها - الذين لهم قبول وصيت - وإظهارها بمظهر حامية الإسلام، لأجل ذلك يصعب الحكم على من يعمل معهم ويدافع عنهم بالكفر بالتعميم.
فهنا الدولة تحرص على ألا تعمل شيئاً ينتقدها الناس فيه إلا بعد الغطاء الديني والله المستعان.
وهذا موضوع آخر جرّنا إليه الاستطراد ولو أن الأخوة بحثوه في موضوع مستقل لكان أولى (؟)
دعنا نتفق على هذه النكتتين، ثم نتكلم عن باقي الأمور إن شاء الله.
أخي شعيب يظهر أنك تنشط للنقاش و أعذرني لأني لا أنشط له ولأني أيضاً ضيّق العطن، ولكن لعلك تركز مع الأخوة في صلب الموضوع حتى لا يتشتت.
قول الشيخ ابن عثيمين القاعدة هي: ما كانت تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام، حتى لو فرض أن نفس الحكومة كافرة، وهذه البلاد تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام
هذه قاعدة تهدم الإسلام هدما، وبريطانيا تقام فيها الصلوات الخمس، وكذلك كل بلاد أوربا تقام فيها الصلوات ويرفع الأذان، على هذا الكلام يعني أوربا دولة إسلامية!!!!.
نعم، أخي الكريم والصواب كما نقلتَ وهو التقييد بالأكثرية المسلمة والظهور لهم، والإ فما الفائدة من بلد إسلامي والمسلمين فيه مستضعفين، ولعل هذا مقصد الشيخ رحمه الله فقد سبق النقل عنه هنا قوله:
الشيخ: مع أن فيها كثيراً من المسلمين، ماذا تقول في روسيا؟ في فرنسا؟ في بريطانيا؟ في اليابان؟ هذه واضح أنها بلاد كفر.
الشيخ: وأنا أقول مثلاً في البلاد الأخرى كباكستان و سوريا و الكويت وما أشبهها، نقول: بلد إسلام.
أ. هـ
عفوا أخي أين أجد هذا الحديث في مسلم؟
عذراً فقد أخطأت لسبق نظري في بحثي في الشاملة وإنما أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني رحم الله الجميع.
إخواني لتحديد البحث أكثر ولئلا يتشتت بكثرة المداخلات نضع الأسئلة التالية:
ما هو الضابط في دار الإسلام ودار الكفر؟
ما هي الآثار التي يترتّب عليها وصف الكفر على بلد؟
هل يختلف في تطيبق هذا الضابط من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان؟ أي أهذا الذي وضعتموه على أنه ضابط هل هو ضابط حقيقي لا شذوذ في أحواله؟ أم أنه صفات متى ما اجتمعت أو ظهرت أكثرها في بلد حكم بإسلامه.
بلدٌ به أكثرية إسلامية تقيم شعائر الإسلام التي لا يصح إسلام المرء إلا بها - إذا قيل بأنه دار كُفْر فهل ينجر الحكم على الأفراد؟ ومن هم الأفراد المعنيين بالكفر؟ وما هو فعلهم الذي كُفِّروا به؟
سؤال له علاقة بما قبله: إذا قيل بجواز الإقامة في دار الكفر للضرورة، فما هي الوظائف التي يتقلدها المسلم هناك؟
لعل من ينشط بتلخيص ما جرى في الموضوع من نقاش ويجيب على الأسئلة وهي التي تحدد الموضوع بدل التشتيت الحاصل.
ـ[العاصمي من الجزائر]ــــــــ[10 - Aug-2008, مساء 08:07]ـ
نعم جزاك الله خيراً، والأولى قبل الاعتزال هو لزوم الجماعة إن لم يوجد إمام ثم العزلة.
نعم الأصل فيمن يتولّى أعداء الله ويدافع عنهم أنهم كفار كأسيادهم. وقال الله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}
هذا يختلف من بلد إلى بلد، فبلد ورثه العلمانيون عن الاستعمار - كمن مثّلتَ - ليس كبلد تبدّلت في الأحكام والأحوال تدريجياً - كالسعودية.
وأيضاً بلد تعادي الحكومة فيه الإسلام والعامة يعرفون، ليس كبلد الحكومة تعادي الاسلام بالتدرج وعلى استحياء من العلماء والعامة والناس لا يعون ولا يفطنون.
(يُتْبَعُ)
(/)
وضربتُ مثالاً بالسعودية - لأجل طرق الموضوع من أطرافه - فقد قيل بكفر الحكومة وقيل ببقائها على الإسلام وليس قصدي هنا هو البتّ في الحكم وإنما المقصد هنا ما له علاقة بالموضوع وهو أنه أذا قيل بكفر هذه الدار دار كفر لكفر الحاكم والكثير من بطانته، فهل ينجر التكفير على كل من كان في الدوائر الحكومية والعسكرية، وهل تعامل مثل تعاملنا مع أمريكا ودول الكفر باتفاق.
الجواب والله أعلم هو ما قرّرته سابقاً: وأنه لاجل الجهل والتباس حال الحكومة ودعاية بعض المشايخ لها - الذين لهم قبول وصيت - وإظهارها بمظهر حامية الإسلام، لأجل ذلك يصعب الحكم على من يعمل معهم ويدافع عنهم بالكفر بالتعميم.
فهنا الدولة تحرص على ألا تعمل شيئاً ينتقدها الناس فيه إلا بعد الغطاء الديني والله المستعان.
وهذا موضوع آخر جرّنا إليه الاستطراد ولو أن الأخوة بحثوه في موضوع مستقل لكان أولى (؟)
أخي شعيب يظهر أنك تنشط للنقاش و أعذرني لأني لا أنشط له ولأني أيضاً ضيّق العطن، ولكن لعلك تركز مع الأخوة في صلب الموضوع حتى لا يتشتت.
نعم، أخي الكريم والصواب كما نقلتَ وهو التقييد بالأكثرية المسلمة والظهور لهم، والإ فما الفائدة من بلد إسلامي والمسلمين فيه مستضعفين، ولعل هذا مقصد الشيخ رحمه الله فقد سبق النقل عنه هنا قوله:
الشيخ: مع أن فيها كثيراً من المسلمين، ماذا تقول في روسيا؟ في فرنسا؟ في بريطانيا؟ في اليابان؟ هذه واضح أنها بلاد كفر.
الشيخ: وأنا أقول مثلاً في البلاد الأخرى كباكستان و سوريا و الكويت وما أشبهها، نقول: بلد إسلام.
أ. هـ
عذراً فقد أخطأت لسبق نظري في بحثي في الشاملة وإنما أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني رحم الله الجميع.
إخواني لتحديد البحث أكثر ولئلا يتشتت بكثرة المداخلات نضع الأسئلة التالية:
ما هو الضابط في دار الإسلام ودار الكفر؟
ما هي الآثار التي يترتّب عليها وصف الكفر على بلد؟
هل يختلف في تطيبق هذا الضابط من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان؟ أي أهذا الذي وضعتموه على أنه ضابط هل هو ضابط حقيقي لا شذوذ في أحواله؟ أم أنه صفات متى ما اجتمعت أو ظهرت أكثرها في بلد حكم بإسلامه.
بلدٌ به أكثرية إسلامية تقيم شعائر الإسلام التي لا يصح إسلام المرء إلا بها - إذا قيل بأنه دار كُفْر فهل ينجر الحكم على الأفراد؟ ومن هم الأفراد المعنيين بالكفر؟ وما هو فعلهم الذي كُفِّروا به؟
سؤال له علاقة بما قبله: إذا قيل بجواز الإقامة في دار الكفر للضرورة، فما هي الوظائف التي يتقلدها المسلم هناك؟
لعل من ينشط بتلخيص ما جرى في الموضوع من نقاش ويجيب على الأسئلة وهي التي تحدد الموضوع بدل التشتيت الحاصل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الكريم:
اذكر اني قرات مبحثا مهما حول هذه الجزئية في كتاب بعنوان الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة للدكتور عبد الرحمن بن معلا اللويحق ادعوا اخي للاطلاع عليه مشكورا
ـ[أبو العباس السكندري]ــــــــ[10 - Aug-2008, مساء 09:27]ـ
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وَكَوْنُ الْبُقْعَةِ ثَغْرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرَ ثَغْرٍ هُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا لَا اللَّازِمَةِ لَهَا؛ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهَا دَارَ إسْلَامٍ أَوْ دَارَ كُفْرٍ أَوْ دَارَ حَرْبٍ أَوْ دَارَ سِلْمٍ أَوْ دَارَ عِلْمٍ وَإِيمَانٍ أَوْ دَارَ جَهْلٍ وَنِفَاقٍ. فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سُكَّانِهَا وَصِفَاتِهِمْ؛"27/ 54،
ويقول: "فَكَانَتْ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ وَصَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَدَخَلَتْ الْعَرَبُ فِي الْإِسْلَامِ صَارَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ كُلُّهَا دَارَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: {لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ} وَكَوْنُ الْأَرْضِ دَارَ كُفْرٍ وَدَارَ إيمَانٍ أَوْ دَارَ فَاسِقِينَ لَيْسَتْ صِفَةً لَازِمَةً لَهَا؛ بَلْ هِيَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ بِحَسَبِ سُكَّانِهَا فَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ هِيَ دَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْكُفَّارُ فَهِيَ دَارُ كُفْرٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكُلُّ أَرْضٍ
(يُتْبَعُ)
(/)
سُكَّانُهَا الْفُسَّاقُ فَهِيَ دَارُ فُسُوقٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ سَكَنَهَا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَتَبَدَّلَتْ بِغَيْرِهِمْ فَهِيَ دَارُهُمْ. وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا تَبَدَّلَ بِخَمَّارَةٍ أَوْ صَارَ دَارَ فِسْقٍ أَوْ دَارَ ظُلْمٍ أَوْ كَنِيسَةً يُشْرِكُ فِيهَا بِاَللَّهِ كَانَ بِحَسَبِ سُكَّانِهِ؛ وَكَذَلِكَ دَارُ الْخَمْرِ وَالْفُسُوقِ وَنَحْوُهَا إذَا جُعِلَتْ مَسْجِدًا يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ يَصِيرُ فَاسِقًا وَالْكَافِرُ يَصِيرُ مُؤْمِنًا أَوْ الْمُؤْمِنُ يَصِيرُ كَافِرًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كُلٌّ بِحَسَبِ انْتِقَالِ الْأَحْوَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَكَّةَ لَمَّا كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ وَهِيَ مَا زَالَتْ فِي نَفْسِهَا خَيْرَ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبَّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ سُكَّانَهَا. فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا: {أَنَّهُ قَالَ لِمَكَّةَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ: وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْك لَمَا خَرَجْت} وَفِي رِوَايَةٍ: {خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ} فَبَيَّنَ أَنَّهَا أَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَانَ مَقَامُهُ بِالْمَدِينَةِ "
ثم يقول:
"فَأَحْوَالُ الْبِلَادِ كَأَحْوَالِ الْعِبَادِ فَيَكُونُ الرَّجُلُ تَارَةً مُسْلِمًا وَتَارَةً كَافِرًا وَتَارَةً مُؤْمِنًا؛ وَتَارَةً مُنَافِقًا وَتَارَةً بَرًّا تَقِيًّا وَتَارَةً فَاسِقًا وَتَارَةً فَاجِرًا شَقِيًّا. وَهَكَذَا الْمَسَاكِنُ بِحَسَبِ سُكَّانِهَا فَهِجْرَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ مَكَانِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي إلَى مَكَانِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ كَتَوْبَتِهِ وَانْتِقَالِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ إلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَهَذَا أَمْرٌ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" 18/ 281 - 284.
>>>>>>>>>>
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[10 - Aug-2008, مساء 10:12]ـ
(أبو العباس السكندري)،
لذلك قال المشايخ إن البلاد التي أهلها مسلمون وظهر فيهم الشرك وتفشى ولم يُغيّر، فإنهم يكونون قوم كفر وردة ..
فكلام ابن تيمية - رحمه الله - يعني به البلاد التي أهلها مسلمون ويقيمون فيها حكم الإسلام .. وإلا فهم غير مسلمين إن أقاموا حكم الطاغوت بينهم.
هذا، والله أعلم.
ـ[مستور الحال]ــــــــ[10 - Aug-2008, مساء 11:31]ـ
أنواع الديار وأحكامها
ما هي أنواع الديار؟ وما أحكامها؟
* * *
الجواب:
الحمد لله.
أنواع الديار بشكل عام؛ داران دار إسلام، ودار كفر، وهذا التقسيم مجمع عليه بين علماء الأمة من السلف والخلف.
والدليل على هذا التقسيم
كما قال تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا}، وقوله تعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا}، وأيضاً قوله تعالى: {سأوريكم دار الفاسقين}.
وكما جاء في حديث ابن عباس الطويل في الرجم وفيه أن عبد الرحمن بن عوف قال لعمر بن الخطاب بمنى: (فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة ... الحديث) [رواه البخاري: 6830].
ومنها ما رواه النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا من المهاجرين، لأنهم هجروا المشركين، وكان من الأنصار مهاجرون، لأن المدينة كانت دار شرك، فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة) أهـ.
والأدلة في ذلك كثيرة.
ودار الإسلام:
هي الأرض التي تعلوا فيها كلمة الله ويظهر توحيده وطاعته ويؤمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر، وتكون الأحكام الغالبة هي أحكام الإسلام، وخاضعة لسلطان المسلمين وحكمهم، حتى وإن كان هنالك دار لأهل الذمة فإنها تسمى دار إسلام لأنها محكومة بالإسلام، وغالبية أحكامها إسلامية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة فتح خيبر؛ بعد أن فتحها عيّن عليها والياً مسلماً يقيم فيهم حكم الله، وأهلها هم اليهود وهم لايزالون على كفرهم.
وقد بوّب البخاري في صحيحه: (باب؛ استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر).
وقال ابن حزم: (وإذا كان أهل الذمة في مدائنهم لا يمازجهم غيرهم فلا يسمى الساكن فيهم لإمارة عليهم أو لتجارة بينهم كافراً ولا مسيئاً، بل هم مسلم محسن، ودارهم دار إسلام لا دار شرك، لأن الدار إنما تنسب للغالب عليها والحاكم والمالك لها ... ).
وإن كان هنالك دار تعلوا فيها كلمة الله ويظهر توحيده وطاعته ويؤمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر، وتكون الأحكام الغالبة هي أحكام الإسلام، ولكن إن أُعلن بالشرك من غير نكير ولا تغيير، وخاصة إذا كان ممن في يده مقاليد السلطان والحكم أو كان منهم تغيير لبعض قواعد الشريعة بالتبديل والمسخ، مع أنهم يقيمون الصلاة والجماعة ويظهرون شرائع الدين الأخرى، فإنها تسمى دار كفر.
كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن بني عبيد القداح: ( ... فإنهم ظهروا على رأس المائة والثالثة، فادعى عبيد الله أنه من آل علي من ذرية فاطمة، وتزيا بزي الطاعة والجهاد في سبيل الله، فتبعه أقوام من أهل المغرب وصار له دولة كبيرة في المغرب ولأولاده من بعده، ثم ملكوا مصر والشام وأظهروا شرائع الإسلام وإقامة الجمعة والجماعة ونصبوا القضاة والمفتين، لكن أظهروا أشياء من الشرك ومخالفة الشرع، وظهر منهم ما يدل على نفاقهم، فأجمع أهل العلم على أنهم كفار وأن دارهم دار حرب، مع إظهارهم شعائر الإسلام وشرائعه ... ).
ودار الكفر:
هي الدار التي فيها الغلبة لأحكام الكفر وسلطانه.
وقال القاضي أبو يعلى: (وكل دار كانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام؛ فهي دار كفر).
وتنقسم دار الكفر إلى قسمين:
دار حرب:
وهى التي ليس بينها وبين دار الإسلام صلح أو هدنة، ولا يشترط قيام الحرب فعليا لصحة هذه التسمية، بل يكفي عدم وجود صلح كما ذكرنا، بما يعني أنه يجوز للمسلمين قتال أهل هذه الديار وقتما شاءوا، ومن هنا سميت دار حرب.
ومن أحكام دار الحرب؛ سبى ذراريهم, وتغنم أموالهم، ويجب الهجرة منها، سقوط وجوب المَحْرَم لسفر المرأة المهاجرة من دار الكفر، وإذا أسلم بعض عبيد الكفار وهاجروا صاروا أحراراً ويملكون ما خرجوا به من أموال أهل الحرب ... وغيرها من الأحكام المعروفة التي لا يتسع المقام في الشروع فيها.
دار عهد:
وهى التي بينها وبين دار الإسلام موادعة وصلح وهدنة، وتسمى أيضاً دار كفر ولا تأخذ أحكام دار الكفر.
ولا تجوز موادعة الكفار على الصلح وترك الحرب إلا بالنظر إلى مصلحة المسلمين، كأن يكون بهم ضعف، لقوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون) محمد 35، وذلك لأن الله فرض علينا قتال الكفار حتى يكون الدين كله لله، لم يفرض علينا مسالمتهم ومصالحتهم إلا عند حاجتنا لذلك، قال تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}، وقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله} [انظر المغني مع الشرح الكبير: 10/ 517، والسير الكبير، لمحمد بن الحسن: 5/ 1689].
ولا يجوز عقد الهدنة إلا من إمام المسلمين أو من يُنيبه.
ونظراً لغياب هذا الإمام في زماننا هذا فلا اعتبار لأي معاهدات دولية يعقدها الحكام الكافرون، لصدورها ممن ليست لهم ولاية شرعية على المسلمين، فوجودها كعدمها، إذ المعدوم حكماً كالمعدوم حقيقة.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى القول بقسم ثالث من أقسام الديار وهي الدار المركبة.
والدار مركبة:
هي الدار التي يسكنها المسلمون، ولكن حكموها الكفار.
مثل بلدة "ماردين" في زمن شيخ الأسلام ابن تيميه عندما احتلوها التتار، وهي بلدة أهلها مسلمون، أو سلطانها أرتد وأظهر الشركيات والكفريات، كحال بلاد المسلمين في وقتنا الحالي.
وعندما سئل شيخ الإسلام عن بلد "ماردين" التي أهل مسلمون واحتلها التتار؟ فقال: (وأما كونها دار حرب أو سلم؛ فهي مركبة فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام، لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث، يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه) اهـ.
قال الشيخ سليمان بن سحمان:
ولم تجر للكفار أحكام دينهم على أهلها لكن بها الكفر قد حصل
وما كان فيها الجانبان على السوى فقال تقي الدين في ذلك المحل
يُعامل فيها المسلمون بحقهم وذا الكفر ما قد يستحق من العمل
فلا تُعط حكم الكفر من كل جانب ولا الحكم بالإسلام في قول من عَدَلِ
ودماء المسلمين وأموالهم محرّمة في هذا الدار المركبة، ويجب الابتعاد عن الأهداف الذي يكون قريب منها المسلمون، ولا يجوز للمسلمين في هذه الدار مساعدة العدو بأموالهم وأنفسهم، سواء كان عدواً من المشركين الأصليين أو من المرتدين، كحال بلاد الإسلام الذي يحكمها المرتدون وأظهروا الشركيات وكفروا بما أُنزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا والله أعلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه؛ الشيخ عبد الله بن سعد الفهد
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مستور الحال]ــــــــ[10 - Aug-2008, مساء 11:35]ـ
فتوى في بلد يسكنها المسلمون ويحكمها الكافرون
سئل شيخ الإسلام رحمه الله؛ عن بلد " ماردين "، هل هي بلد حرب أم بلد سلم؟ وهل يجب على المسلم المقيم بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا؟ وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر، وساعد أعداء المسلمين بنفسه أو ماله، هل يأثم في ذلك؟ وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه به أم لا؟
* * *
الجواب:
الحمد لله.
دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في " ماردين " أو غيرها.
وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة، سواء كانوا أهل " ماردين " أو غيرهم.
والمقيم بها إن كان عاجزًا عن إقامة دينه؛ وجبت الهجرة عليه، وإلا استحبت ولم تجب.
ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال؛ محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك بأي طريق أمكنهم من تغيب أو تعريض أو مصانعة، فإذا لم يمكن إلا بالهجرة؛ تعينت.
ولا يحل سبهم عمومًا ورميهم بالنفاق، بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة، فيدخل فيها بعض أهل " ماردين " وغيرهم.
وأما كونها دار حرب أو سلم؟
فهي مركبة، فيها المعنيان.
ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام، لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار.
بل هي قسم ثالث، يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه.
أ. هـ
من يساعد في عزو هذه الفتوى وجزاكم الله خيراً.
ـ[محمد س]ــــــــ[11 - Aug-2008, صباحاً 10:09]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
انقل هنا مبحث الشيخ خالد العنبري في كتابه الرائع فقه السياسة الشرعية يتحدث فيه عن مناط الحكم على الداربااسلام او الكفر ... واليكم هذا المبحث ...
الركن الرابع: الإقليم
لكل دولة إقليم، ويعبر عنه العلماء المسلمون بالدار، ويعرفهُ كُتاب السياسة بأنه: "رقعة من الأرض والبحر وطبقات الجو الَّتِي تعلوها، تباشر الدولة عليها سلطاتَها بصفة دائمة ومستقرة، والإقليم عنصر أساسي من عناصر قيام الدولة؛ لأنه لا يُمكن أن يكون لشعب كيان مستقل وحقيقي ما لَمْ يكن على إقليم معين" (). "ولأنه تعبير عن شخصية الدولة، وطمأنينة لسكانِها، ومَجال لتطبيق سيادتِها، فأهمية الإقليم لا تأتي فقط من كونه عنصرًا ماديًّا جغرافيًّا يقيم عليه السكان، ولكن له أهمية معنوية فِي وجود الدولة وتَجسيد شخصيتها" ().
وقد درج الفقهاءُ على تقسيم العالم إلَى دول إسلام ودول كفر، أو دار إسلام ودار كفر، لكل خصائصها وأحكامها، تَمييزًا للمسلمين عن الكفار، وتأكيدًا على المفاصلة التامة بين الكفر والإيْمان، وإن كان بعض الباحثين لا يرى هذا التقسيم ()!
مناط الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام:
سيطرةُ المسلمين أو الكفار على الدار، وسيادتُهم عليها، وامتلاكهم لَها، هو مناط الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام، ثُم يتبع ذلك علامات، توجد أحيانًا وتضعف أحيانًا أخرى، بل ربَّما تنعدم كالأمن أو الخوف، وتطبيق أحكام الإسلام أو الكفر.
إذ تلتقي كلمة المذاهب الأربعة على أن البلدة تصبح دار إسلام إذا دخلت فِي منعة المسلمين واستقرت تَحت سيادتِهم، بحيث يقدرون على إظهار أحكام الإسلام والامتناع عن أعدائهم، وإنَّما يكون ذلك بطريق الفتح عنوة أو صلحًا، سواء أصبح أهلها كلهم أو بعضهم مسلمين، أو بقوا جَميعًا غير مسلمين، كبلد كان جَميع سكانه أهل ذمة مثلاً، وينبغي أن نعلم أن المقصود من ظهور أحكام الإسلام فيها ظهور الشعائر الإسلامية الكبرى، كالجمعة والعيدين وصوم رمضان والحج، دون أي منع أو حرج، وليس المقصود بِها أن تكون القوانين المرعية كلها إسلامية" ().
لَمْ أجد اختلافًا بين فقهاء المذاهب الأربعة فِي هذا المناط، غير أنه قد وقع فِي جُملة من نصوصهم تباين فِي الأسلوب، وتغاير فِي العبارات، حسبها بعض الباحثين اختلافًا متباينًا، فحكاها أقوالاً متنافرةً، وليس الأمر كذلك، فإن منهم من ينص على المناط بعينه، ومنهم من يعبر عنه بلوازمه وعلاماته، والكل بِمعنى واحد، وليس هذا بغريب على من عرف طريقة العلماء ومناهجهم فِي البحث والتصنيف.
وهذا المناط الذي ذكرناه نص عليه الشارع صراحة فِي حديث بريدة ?، وعبر عن لازمه أو علامته فِي حديث أنس ?.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما حديث بريدة: $كان رسول الله ج إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه فِي خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: اغزوا باسم الله فِي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تُمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلَى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... ادعهم إلَى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثُمَّ ادعهم إلَى التحول من دارهم إلَى دار المهاجرين، وأخبرهم أنَّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنَّهم يكونون كأعراب المسلمين، يَجري عليهم حكم الله الذي يَجري على المؤمنين ولا يكون لَهم فِي الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يُجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ... # ().
فأضاف رسول الله ج الدار إلَى المهاجرين لوجودهم فيها وسيادتِهم عليها، ثُمَّ أمر بالانتقال من دار ليس عليها سلطان أهل الإسلام إلَى بلاد عليها سلطان أهل الإسلام، مما يدل على أن الدار إنَّما تُعتبر بامتلاك السيادة والسلطان بحيث يَملك المسلمون أو الكفار إعلان أحكامهم، فبحسبها تكون، فإن كانت السيادة لأهل الإسلام، كانت دار إسلام، وإن كانت السيادة للكفرة، كانت دار كفر.
ومن مشكاة هذا الحديث أخذ شيخ الإسلام بن تيمية -رحِمه الله- قاعدته الشرعية المنضبطة قائلا: "وكون الأرض دار كفر أو دار إيْمان، أو دار الفاسقين ليس صفة لازمة لَها، بل هي صفة عارضة بحسب سكانِها" ().
ويقول: "والبقاع تتغير أحكامها بتغير أحوال أهلها، فقد تكون البقعة دار كفر إذا كان أهلها كفارًا، ثُمَّ تصير دار إسلام إذا أسلم أهلها، كما كانت مكة -شرفها الله- فِي أول الأمر دار كفر وحرب" ().
أما حديث أنس ?: $كان رسول الله ج يغير إذا طلع الأذان، فإن سَمع أذانًا أمسك وإلا أغار# ().
ففيه دليل واضح أن وجود بعض أحكام الإسلام الظاهرة للحكم على الدار بالإسلام، وهذه الأحكام من لوازم السيادة على الدار، كما أسلفنا.
والمقصود من ذلك: أن المعول عليه فِي الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام: السيادة والسلطان والامتلاك للدار، ثُمَّ يتبع ذلك ظهور الأحكام، وكذلك الخوف أو الأمن للمسلمين أو الكفار، وبعبارة أخرى: "فالشرط الجوهري لاعتبار الدار دار إسلام هو كونُها محكومة من قبل المسلمين وتحت سيادتِهم وسلطانِهم، فتظهر عند ذاك أحكام الإسلام، ويأمن جَميع السكان مسلمون وكفار بأمان الإسلام، المسلمون بسبب إسلامهم، وغير المسلمين بعقد الذمة.
وليس من شرط هذه الدار أن يكون فيها مسلمون ما دامت تحت سلطانِهم ()، وفِي هذا يقول الإمام الرافعي: "ليس من شرط دار الإسلام أن يكون فيها مسلمون بل يكفي كونُها فِي يد الإمام وإسلامه" ().
ومن هاهنا جعل العلماء من أقسام دار الإسلام دارًا يفتحها المسلمون ويقرون فيها سكانَها الأصليين "أهل الذمة" مقابل جزية يدفعونَها أو خراج، فمثل هذه الدار حكم عليها بالإسلام مع أن سكانَها كفار، ولَهم قضاة يَحكمون بينهم بغير ما أنزل الله من القوانين الكفرية والأحكام الجاهلية.
قال الشوكانِي: "الاعتبار بظهور الكلمة فإن كانت الأوامر والنواهي فِي الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونًا له بذلك من أهل الإسلام، فهذه دار إسلام ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها، لأنَّها لَمْ تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم كما هو مشاهد فِي أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين فِي المدائن الإسلامية، وإذا كان الأمر بالعكس فالدار بالعكس" ().
وقد اختصر ابن حزم الكلام فِي هذا المناط قائلاً: "والدار إنَّما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها والمالك لَها" ().
واختصره كذلك الحافظ أبو بكر الإسماعيلي فِي كتابه "اعتقاد أهل السنة" وجعل التمكين والسيطرة مناط الحكم على الدار بالإسلام، وجعل ذلك من عقيدة أهل السنة، إذ يقول: "ويرون الدار إسلام لا دار كفر -كما رأته المعتزلة- ما دام النداء بالصلاة والإقامة بِها ظاهرين، وأهلها ممكنين منها آمنين" ().
تحول دار الإسلام إلَى دار كفر:
(يُتْبَعُ)
(/)
وصف الدار بالكفر أو الإسلام ليس وصفًا لازمًا لا يتغير، بل هو وصف عارض يُمكن أن يتبدل بتحول صفاتِها وتغير أحوالِها.
وفِي هذا يقول شيخ الإسلام بن تيمية: "وكون الأرض دار كفر أو دار إيْمان، أو دار الفاسقين ليس صفة لازمة لَها، بل هي صفة عارضة بحسب سكانِها" ().
والذي يَهمنا ثمة تَحقيق المناط الذي به تتحول دار الإسلام إلَى دار كفر، وهذا يقتضي عرض مذاهب العلماء فِي هذه المسألة الدقيقة.
المذهب الأول: أن دار الإسلام لا تصير دار كفر مطلقًا، وهذا قول ابن حجر الهيتمي ونسبه إلَى الشافعية.
المذهب الثانِي: أن دار الإسلام تتحول إلَى دار كفر بارتكاب الكبائر، وهذا قول طوائف من الخوارج والمعتزلة.
المذهب الثالث: أن دار الإسلام لا تتحول إلَى دار كفر بِمجرد استيلاء الكفار، بل حَتَّى تنقطع شعائر الإسلام، وهذا قول الدسوقي المالكي.
المذهب الرابع: أن دار الإسلام تتحول إلَى دار كفر بتمام القهر والغلبة، وهذا قول أبِي حنيفة.
المذهب الخامس: أن دار الإسلام تتحول إلَى دار كفر إذا استولى عليها الكفار، وأظهروا أحكامهم، وهذا مذهب صاحبيه.
وهذا المذهب الأخير أولى بالقبول، وأقرب إلَى الرجحان، ويوافق ما قررناه سابقًا أن مناط الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام هو السيطرة والغلبة وما يتبع ذلك من ظهور الأحكام على النحو الذي فصلنا، وهو مذهب أكثر أهل العلم، ووجهوا ذلك بأن "البقعة إنَّما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة" وسبق نقل جُملة من أقوالِهم.
استيلاء الكفار على دار الإسلام وإقرارهم المسلمين فيها يظهرون دينهم:
المذاهب السابقة فيما إذا غلب الكفار على دار من ديار الإسلام، وعطلوا فيها شرائعه الربانية، وطبقوا أحكامها الجاهلية، فكان لَهم الحكم والأمر والنهي، وليس للمسلمين فيها من شيء، لكن ماذا لو غلب الكفار على دار إسلامية، فسقطت تحت سيطرتِهم الكاملة، لكنهم أقروا فيها أهلها "المسلمين" على إظهار دينهم، بل وأبقوا فيها من يواليهم من هؤلاء المسلمين يَحكمون فيها بِما يشاءون، غير أن الدار تَحت ذمة الكفار وسيادتِهم، بِحيث يسير المسلمون على الخطوط العامة لسياستهم الخارجية، بل ويتحالف جيش المسلمين معهم ضد المسلمين فِي الدار الأخرى؟
هنا تتنَزل بِحق فتوى شيخ الإسلام بن تيمية فِي ماردين (): بلدة إسلامية شهيرة فِي تركيا حكمها الأراتقة () ما يزيد عن ثلاثة قرون "من سنة 465 إلَى سنة 812’" استولى عليها التتار ودخلت تحت حِمايتهم، وأقروا فيها المسلمين يحكمهم الأراتقة، وبعد هجوم التتار على بلاد الشام تَحول جند ماردين إلَى موالاة الكفار نصارى وتتار، ونصروهم على أهل الإسلام.
هاك فتوى شيخ الإسلام -رحمه الله-:
مسألة: فِي بلدة "ماردين" هل هي بلدة حرب أو بلد سلم؟ وهل يجب على المسلم المقيم بِها الهجرة إلَى بلاد الإسلام أم لا؟ وإذا وجبت عليه الهجرة ولَمْ يهاجر وساعد أعداء المسلمين بنفسه أو ماله، هل يأثم فِي ذلك، وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه به أم لا؟
الجواب: الحمد لله دماء المسلمين وأموالهم مُحرمة حيث كانوا فِي ماردين أو غيرها، وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام مُحرمة، سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم، والمقيم بِها إن كان عاجزًا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه، وإلا استحبت ولَمْ تَجب، ومساعدتُهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال مُحرمة عليهم، ويَجب عليهم الامتناع عن ذلك بأي طريق أمكنهم من تغيب، أو تعرض، أو مصانعة، فإذا لَمْ يمكن إلا بالهجرة تعينت، ولا يحل سبهم عمومًا ورميهم بالنفاق، بل السبُّ والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة فِي الكتاب والسنة، فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم.
وأما كونُهم دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان ليست بِمنْزلة دار السلم التي يَجري عليها أحكام الإسلام، لكون جندها مسلمين، ولا بِمنْزلة دار الحرب الَّتِي أهلها كفر، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بِما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بِما يستحقه.
ولنا وقفات عند هذه الفتوى المباركة:
1 - أن شيخ الإسلام لَمْ يكفر حكومة ماردين ولا جندها مع أنَّهم يوالون الكفار وينصرونَهم على المسلمين، وذلك لعدم تَحقق مناط الحكم بالتكفير، وهو الرضا بدين الكفار ونصرتُهم لأجله، والحجة فِي هذا قصة حاطب.
(يُتْبَعُ)
(/)
2 - أنه لَمْ يَحكم على "ماردين" بكفر مع أنَّها قد غلب عليها الكفار، وجعلوها تابعة لَهم، وولاتُها وجندها يبذلون لَهم الولاء والطاعة، وينصرونَهم على المسلمين، وذلك لأن سكانَها مسلمون، ويظهرون أحكام الإسلام، فهم فِي حالة أشبه ما تكون بالحكم الذاتِي، وكذلك لَمْ يَحكم عليها بإسلام مع أن أهلها مسلمون، وهو القائل: "وكون الأرض دار كفر أو دار إيْمان، أو دار الفاسقين ليس صفة لازمة لَها، بل هي صفة عارضة بحسب سكانِها"، وذلك لأن الغلبة والسيطرة للكفار، ومن ثَم فهي ليست بدار إسلام خالصة، وليست بدار حرب مَحضة، إذن هي دار مركبة يتنازعها الإسلام والكفر، أو خالطها الإيْمان والشرك، وبعبارة أدق هي "قسم ثالث يعامل المسلم فيها بِما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بِما يستحقه".
وإذا كان هذا رأي الإمام بن تيمية، فإن ثَمة رأيًا آخر:
فقد "تعرض الإسبيجابي -الفقيه الحنفي- لِهذه المسألة، بعد إغارة التتار على البلاد الإسلامية واستيلائهم على أجزاء منها، والذي رآه الإمام المذكور هو بقاء تلك البلاد المحتلة من قبل التتار من جُملة الإسلام؛ لعدم اتصالِها بدار الحرب؛ ولأن الكفرة لَمْ يظهروا فيها أحكام الكفر، فقد ظل القضاء من المسلمين، ثُمَّ قال: وقد تقرر أن بقاء شيء من العلة يبقى الحكم، وقد حكمنا بلا خلاف بأن هذه الديار قبل استيلاء التتار عليها كانت من ديار الإسلام، وأنه بعد الاستيلاء عليها بقيت شعائر الإسلام كالأذان والجمع والجماعات وغيرها فتبقى دار إسلام" ().
كما تعرض لَها الرملي "الفقيه الشافعي"، فقد سئل عن المسلمين الساكنين فِي وطن من الأوطان الأندلسية، يقال له: "أرغون" () وهاهم تَحت ذمة السلطان النصرانِي يأخذ منهم خراج الأرض، ولَمْ يتعد عليها بظلم، ولَهم جوامع يصلون فيها، ويصومون رمضان ويتصدقون، ويقيمون حدود الإسلام جهرًا كما ينبغي، ولا يتعرض لَهم النصرانِي فِي شيء من أفعالهم الدينية؛ فأجاب ():
"لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم لقدرتِهم على إظهار دينهم به، ولأنه ج بعث عثمان يوم الحديبية إلَى مكة على إظهار دينه بِها، بل لا تَجوز الجهرة منه، لأنه يرجى بإقامتهم به إسلام غيرهم، ولأنه دار إسلام فلو هاجروا منها صار دار حرب" ().
وهذا الرأي من ذينك الفقيهين "الحنفي والشافعي" يلتقي رأي الدسوقي "الفقيه المالكي" القائل: "إن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب يأخذ الكفار لَها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها".
فها نحن أمام رأيين فيما إذا غلب الكفار على الدار، وأقروا فيها أهل الإسلام دينهم مقابل مال أو خراج يدفعونه لَهم، أو نصرتِهم على أهل الإسلام، ليس رأي منهما يَجعلها دار كفر مَحضة!
أثر القوانين الوضعية فِي الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام:
اختلف الإسلاميون فِي عصرنا فِي وصف ديارهم التي تَحكم بالقوانين المخالفة لما أنزل رب البرية، وقال فيها بعضهم أقاويل منكرة، يترتب عليها عواقب وخيمة، ونكبات مدمرة.
ويرجع هذا الخلاف إلَى الأسباب التالية:
- اختلافهم فِي تَحديد المناط التي تتقلب به دار الإسلام إلَى دار كفر.
- اختلافهم فِي تكفير من حكم بغير ما أنزل الله ().
- عدم فهم بعضهم كلام أهل العلم فِي هذه المسألة، أو تنْزيلهم له فِي غير منْزله.
ويُمكن أن نحصر مذاهبهم فِي ثلاثة مذاهب:
الأول: أن الديار الإسلامية تَحولت إلَى دار كفر محضة.
الثانِي: أن الديار الإسلامية تَحولت إلَى دار مركبة من كفر وإسلام.
الثالث: أن ديارنا إسلامية، وإن حكمت بالقوانين الوضعية.
1 - أقول: إذا طبقنا مذهب أبِي حنيفة فكما قال الشيخ أبو زهرة: تكون الأقاليم الإسلامية من أقصى المغرب إلَى سهول تركستان وباكستان ديار إسلامية، لأنَّها وإن كان سكانُها لا يطبقون أحكام الإسلام، يعيشون بأمان الإسلام الأول، وبذلك تكون الديار ديار إسلامية" ().
2 - وأما على مذهب المالكية أو ما نقلناه عن الدسوقي أن: "بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بأخذ الكفار لَها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها" (). فلا ريب فِي إسلام ديارنا قولاً واحدًا.
3 - وأولى أن تكون إسلامية بلا مرية على رأي ابن حجر الهيتمي القائل: "أن ما حكم بأنه دار إسلام لا يصير دار كفر مطلقًا".
(يُتْبَعُ)
(/)
4 - أما على رأي أهل البدع والخوارج ومن انتهج سبيلهم ممن يقول: إن دار الإسلام تنقلب إلَى دار كفر بظهور الكبائر، فتكون البلاد جَميعًا على هذا الرأي دار كفر، لكن ما بني على باطل فهو باطل، ومن ثُمَّ فلا نطيل فِي الرد والمناقشة.
5 - فإذا أتينا إلَى قول من ذهب إلَى أن غلبة الكفار على دار الإسلام وإظهار أحكامهم يصيرها دار كفر وحرب، وممن ذهب إلَى ذلك صاحبا أبِي حنيفة، فقد فهم منه كثرة من المعاصرين أن بلادنا تصير ديار كفر!!
فها هو الشيخ أبو زهرة -رحِمه الله- يقول:
"لعل ثمرة الخلاف بين الرأيين تظهر فِي عصرنا هذا:
- فإنه على تطبيق رأي أبِي حنيفة: تكون الأقاليم الإسلامية من أقصى المغرب إلَى سهول تركستان وباكستان ديار إسلامية؛ لأنَّها وإن كان سكانُها لا يطبقون أحكام الإسلام، يعيشون بأمان الإسلام الأول، وبذلك تكون الديار ديارًا إسلامية.
- وبتطبيق رأي أبِي يوسف ومُحَمَّد ومن معهما من الفقهاء تكون الأقاليم الإسلامية لا تعد دار إسلام بل دار حرب، لأنَّها لا تظهر فيها أحكام الإسلام ولا تطبق".
وإذا كنا مع الشيخ أبِي زهرة فيما يثمره رأي أبِي حنيفة، فلسنا معه فِي أن الأقاليم تصير دار كفر وحرب بتطبيق رأي صاحبيه! وذلك لأمور:
أولُها: أن المعتبر عند أصحاب هذا المذهب لصيرورة دار الإسلام إلَى دار كفر غلبة الكفار على الدار بحيث تكون لَهم السيادة عليها والأمر والنهي، وليس مُجرد تطبيق أحكام الكفر "القوانين الوضعية"، فمن الغلط هاهنا أن ينْزل هذا المذهب على بلادنا والغلبة فيها والسيادة للمسلمين!
وبعبارة أخرى فإن هذا القول ممن ذهب إليه مفترض فيما إذا استولى الكفار على دار الإسلام، وليست صورته فيما إذا كان المسلمون هم الذين لَهم السيادة والحكم والأمر والنهي.
ثانيها: أن أحكام الكفر "القوانين الوضعية" لَمْ تظهر بسبب غلبة الكفار وسيطرتِهم على دار الإسلام، إنَّما ظهرت بإذن من حكام المسلمين، وفِي استطاعتهم تطبيق جَميع أحكام الإسلام، ورأي الصاحبين مفترض فيما إذا غلب الكفار على دار الإسلام وسيطروا عليها وأظهروا أحكامهم بقوتِهم وصولتِهم، يؤكد هذا والذي قبله قول الكاساني بعد سياقه رأي أبِي حنيفة ورأي صاحبيه: "وقياس هذا الاختلاف فِي أرض لأهل الإسلام ظهر عليها المشركون وأظهروا فيها أحكام الكفر، أو كان أهلها أهل ذمة فنقضوا الذمة وأظهروا أحكام الشرك هل تصير دار الحرب؟ فهو على ما ذكرنا من الاختلاف" ().
ثالثها: أن الفقهاء القائلين بِهذا القول يَحكمون بالإسلام على دار الكفر التي غلب عليها المسلمون، وأقروا عليها أهل الذمة بِجزية يؤدونَها أو خراج، وما من شك أن الذميين يَحكمون فِي هذه الدار بغير ما أنزل الله، فالأولى أن يَحكم بإسلام الدار إذا كانت السيادة فيها للمسلمين، ويحكمون بِجملة مما أنزل الله من إقامة للشعائر الظاهرة وأحكام المواريث والأحوال الشخصية وغير ذلك.
رابعها: أن الفقهاء الذين يقولون بِهذا القول لَمْ يشترط أحد منهم تطبيق جَميع أحكام الإسلام للحكم على الدار بأنَّها دار إسلام، فصاحبا أبِي حنيفة وهُما ممن يقولان بِهذا القول يريان صيرورة دار الكفر دار إسلام بإجراء بعض أحكام الإسلام، وقد بقي فِي أوطاننا كثرة من مظاهر الإسلام من إقامة الجمع والجماعات والأعياد وغيرها من الشعائر الإسلامية، بالإضافة إلَى الحكم فِي الأحوال الشخصية بالشريعة الإسلامية، وقد تقرر أيضًا أن بقاء شيء من العلة يبقى الحكم.
خامسًا: لو سلمنا "جدلاً" أن ديارنا تتقلب دار كفر بتطبيق الأحكام الوضعية على رأي الصاحبين، فإن تطبيق بعض أحكام الإسلام يحول دار الكفر إلَى دار إسلام عند جَميع الأحناف، ومنهم الصاحبان، بل عند فقهاء المذاهب الأربعة كافة، وغير خاف أنه يطبق فِي ديارنا عامة أحكام الميراث والزواج والطلاق وغير ذلك مما يعرف بالأحوال الشخصية، هذا بالإضافة إلَى ظهور الشعائر الإسلامية من الصلوات الخمس والجمعة والعيد وغيرها، فدارنا إسلامية فِي كل الأحوال على مذهب الأحناف بلا خلاف.
يقول التهانوي فِي كشافه: "ولا خلاف فِي أنه يصير دار الحرب دار إسلام بإجراء بعض أحكام الإسلام فيها" ().
وهذا ابن عابدين يكتفي بالشعائر فيقول:
(يُتْبَعُ)
(/)
"دار الحرب تصير دار الإسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها" كجمعة وعيد "وإن بقي فيها كافر أصلي وإن لَمْ تتصل بدار الإسلام" ().
سادسها: وإذا كان فِي الدار أحكام للكفر وأحكام للإسلام، وهذا هو الواقع للأسف، فينبغي أن يحكم على الدار بالإسلام تغليبًا للإسلام لحديث: $الإسلام يعلو ولا يعلى عليه#. ولا يقال إن القوانين الوضعية أكثر من الشرعية عددًا، فالعبرة هنا ليست بالعدد، ألا ترى أن الفقهاء يَحكمون للقيط فِي الدار التي فيها مسلم واحد وبقيتها كفار بالإسلام، وقد سبق نقل جُملة من أقوالِهم، هذه هي طريقة الفقهاء، ولذلك قال ابن عابدين:
قوله: "بإجراء أحكام أهل الشرك" أي: على الاشتهار وأن لا يَحكم فيها بِحكم أهل الإسلام.
"وظاهره أنه لو أجريت أحكام المسلمين وأحكام أهل الشرك لا تكون دار حرب"
وسابعها الأخير: أنه على فرض تعارض الأدلة أو الشرائط، واختلاف وجهات النظر، فإنه يبقى ما كان على ما كان، أو يترجح جانب الإسلام احتياطًا.
نخلص من ذلك كله: أن الحكم على بلادنا الإسلامية بأنَّها ديار كفرية لأنَّها تطبق القوانين الوضعية مجانب للصواب، لا يجري على أصول الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، اللهم إلا على مذهب الخوارج، الذين يرون تكفير الأشخاص والديار بِمجرد فعل الكبائر.
وقد استروح كثيرون من الإسلاميين فتوى شيخ الإسلام بن تيمية فِي ماردين، وأنزلوا حكمها على بلاد المسلمين، ورأوها حكمًا عدلاً ومَخرجًا حسنًا مما يَجدونه فِي أنفسهم من التردد فِي وصف ديارهم بالكفر أو الإسلام، فنادوا بأن بلادهم ليست بدار إسلام مَحضة ولا كفر خالصة، بل هي دار ثالثة مركبة من الكفر والإسلام، وأعرض أكثرهم عن كلام آخر لشيخ الإسلام بن تيمية يتنَزل على أوطانِهم تَمامًا دون تَمحل أو التواء!
يقول أبو بصير من موقعه على الشبكة العالمية: "وأمصارنا لا تختلف كثيرًا عن بلدة ماردين التي سئل عنها شيخ الإسلام بن تيمية .. حيث كان فيها الكفار ويمثلون الطبقة الحاكمة المتنفذة .. والمسلمون ويُمثلون عامة الناس والسكان، فأجاب شيخ الإسلام فذكر الفتوى، ثُمَّ قال: وهذا الحكمُ يُحمل على أكثر أمصار المسلمين فِي هذا العصر لتطابق أوصافها مع أوصاف بلدة ماردين التي سُئل عنها شيخ الإسلام ().
والحق أن الأوصاف غير متطابقة؛ ذلك أن ماردين تغلب عليها التتار الكفار، فصارت لَهم الكلمة والسيادة عليها، بينما السيادة والغلبة فِي بلادنا للمسلمين، وتطبق فيها جُملة من الأحكام كافية للحكم عليها بالإسلام، وما يطبق فيها من القوانين الكفرية ليس بسبب غلبة الكفرة وسيطرتِهم على الدار.
وقد أوضحنا سابقًا أن موضع هذه الفتوى فيما إذا غلب الكفار على دار الإسلام، وأقروا فيها من يواليهم من المسلمين يظهرون دينهم مقابل مال أو خراج يدفعونه لَهم، أو مقابل نصرتِهم على أهل الإسلام.
وإذا كانت السيادة فِي بلادنا للمسلمين، فهم أهلها وأصحاب الأمر والنهي فيها، فأحق أن ينْزل عليها قول شيخ الإسلام: "وكون الأرض دار كفر أو دار إيْمان، أو دار الفاسقين ليس صفة لازمة لَها، بل هي صفة عارضة بحسب سكانِها" ().
وقوله فِي موضع آخر:
"والبقاع تتغير أحكامها بتغير أحوال أهلها، فقد تكون البقعة دار كفر إذا كان أهلها كفارًا، ثُمَّ تصير دار إسلام إذا أسلم أهلها كما كانت مكة -شرفها الله- فِي أول الأمر دار كفر وحرب".
وغير خاف أن الشيخ ابن تيمية لا يقصد مُجرد السكنى هاهنا، وإنَّما يقصد الغلبة على الدار والسيادة، وهذا ما يترشح من كلمة "سكانِها" فِي النص الأول وكلمة "أهلها" فِي النص الثاني.
والخلاصة: أن الحكم بالقوانين الوضعية لَمْ يسلب عن ديارنا صفة الإسلام ولَمْ يُحولها إلَى وصف آخر، وذلك لأمور:
أولها: أن الأصل الذي لا اختلاف فيه بقاء ما كان على ما كان، وهو هاهنا: وصف ديارنا بالإسلام، فلا خروج عن هذا الأصل الأصيل، ولا انتقال عنه إلا بقين، وهو هاهنا: تَحقيق مناط الحكم عليها بالكفر أو الخروج من وصفها بالإسلام.
وهذا يقتضي منا قبل الحكم على الدار أن نتثبت من شيئين:
1 - أما أحدهُما: فدلالة القرآن والسنة على أن تحقيق هذا المناط موجب للحكم على الدار بالكفر أو الخروج عن الإسلام.
2 - والآخر: انطباق هذا المناط على الدار المعينة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثانيًا: أنه قد تبين مما سبق عدم انطباق أي مناط مما ذكره العلماء على أي من ديارنا الإسلامية التي تَحكم بالقوانين الوضعية والسيادة فيها للمسلمين، اللهم إلا المناط الذي ذكره الخوارج والمعتزلة القائلون بأن ظهور الكبائر ينْزع وصف الإسلام عن الدار، وقد سبق تفصيل ذلك.
ثالثها: أنه جدلاً وعلى سبيل التنْزل وفرض انطباق المناط الذي ذكره مُحَمَّد ابن الحسن وأبو يوسف وغيرهُما وهو ظهور أحكام الكفر، "فعند تعارض الأدلة أو الشرائط، فإنه يبقى ما كان على ما كان، أو يترجح جانب الإسلام احتياطًا" () فإن فِي الحكم على الدار بالكفر مفسدة بينة لاسيما عند الشباب الذين يَجعلون هذا الحكم منطلقًا لأعمال العنف والإفساد.
ويأتِي على رأس القائلين بذلك من العلماء شيخنا الإمام الرباني مُحَمَّد ابن ناصر الدين الألباني -رحِمه الله- إذ يقول فِي أحد أحاديثه المسجلة:
"يبدو لنا أن الأمر ما ذكره ابن تيمية -رحِمه الله- فِي بعض فصول فتاويه أن الأرض ليست بالجدران، وإنَّما هي بالسكان، فإذا كان الغالب على سكان البلد ونظامهم هو الإسلام، فهِي دار إسلام، وإن كان قد يُحكمون بنظام ليس إسلاميًّا صرفًا، أو مَحضًا.
وعلى العكس من ذلك: إذا كان الحاكم كافرًا واحتل أرضًا مسلمة، فلا شك أنه لو كان هنا دولة مسلمة لغزت هذه البلاد التي حكمها الكفار، كما وقع قديْمًا حينما احتل النصارى فلسطين وحاربَهم صلاح الدين ....
ثُمَّ أقر الشيخ الألباني سائله على ما يلي: "سمعناكم فِي شريط قديْم تقولون: إن بالنسبة للجزائر وسوريا تقولون: إن ما دام أغلب سكانِها مسلمين، كون حكامها لا يحكمون بِما أنزل الله، هذا لا يخرجها من كونِها دار إسلام إلَى دار حرب" ().
وكان قد اختصر الكلام فِي المسألة فِي حديث مسجل آخر، فقال: "إن بلاد الإسلام اليوم ليست كما كانت من قبل، ولكنها على كل حال هي ليست بلاد كفر، بل هي بلاد إسلام" () ().
وبِذا نعلم مدى غلو هؤلاء الذين يصفون الدول الإسلامية التي لا تحكم بِما أنزل رب البرية بأنَّها دار كفر، ثم يعلنون على أهلها الجهاد، ويستبيحون الدماء والأموال، بل والأعراض، فهاهم هؤلاء في الجزائر يسبون النساء المسلمات، ويقتلون المصلين الراكعين، الساجدين، فيا لله للمسلمين.
ونؤكد ها هنا أن دار الحرب ليست بناسخة للأحكام الشرعية، والمحرم في دار الإسلام، محرم في دار الحرب، محرم في كل مكان، فليس للمسلم على سبيل المثال أن يتعامل مع الكافر في دار الحرب بالربا، أو أن يقترض منه ثم لا يرده، بزعم أن المداينة في دار الحرب وقعت هدرًا!!، يعلق الشوكاني على قول مؤلف "حدائق الأزهار": "لا قصاص في دار الحرب مطلقًا" فيقول: "هذا لا وجه له، لا من كتاب، ولا سنة، ولا قياس صحيح، ولا إجماع، فإن أحكام الشرع لازمة للمسلمين في أي مكان وجدوا، ودار الحرب ليست بناسخة للأحكام الشرعية، أو لبعضها، مما أوجبه الله على المسلمين من القصاص ثابت في دار الحرب كما هو ثابت في غيرها، مهما وجدنا إلى ذلك سبيلاً ... ولا يرفع شيئًا من هذه الأحكام إلا دليل يصلح للنقل، وإلا وجب البقاء على الثابت في الشرع من لزوم القصاص" ()
ومن اراد معرفة المزيد و مراجع هذه الاقوال عليه بتحميل كتاب فقة السياسة الشرعية لخالد العنبري
من هذه الوصلة
اضغط هنا ( http://islamancient.com/books,item,64.html)
وشكرا
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[11 - Aug-2008, صباحاً 11:37]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم،
لديّ ملاحظة في معنى البلاد المركبة.
البلاد المركبة هي البلاد التي كانت مسلمة فغزاها الكافرون عنوة وأقاموا فيها حكمهم، ولم يتغير أهل تلك البلاد عن دينهم .. وهذا هو حال بلاد ماردين، فلقد غزاها التتار وحكمّوا فيهم شريعة الطاغوت ..
فالتتار ليسوا من شعب ماردين حتى يقال إن الشعب هو من اختارهم ونصبهم عليهم.
أما أكثر بلاد المسلمين اليوم، فمن يحكمها هو الشعب نفسه .. فالحاكم من الشعب، والجيش من الشعب، والوزارات والمخابرات والعساك
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[14 - Sep-2008, صباحاً 05:36]ـ
أرجو من الجميع مراجعة هذا الرابط للأهمية:
http://majles.alukah.net/showpost.php?p=101411&postcount=54
ـ[أبو طلحة الثاني]ــــــــ[14 - Sep-2008, صباحاً 06:24]ـ
الديار التي تعلوها أحكام الكفر حتى ولو كان أغلبها مسلمين فإنها ديار كفر أما الديار التي تعلوها أحكام الإسلام فهي ديار إسلام حتى وإن كان أغلبها كفار
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[14 - Sep-2008, صباحاً 06:54]ـ
الديار التي تعلوها أحكام الكفر حتى ولو كان أغلبها مسلمين فإنها ديار كفر أما الديار التي تعلوها أحكام الإسلام فهي ديار إسلام حتى وإن كان أغلبها كفار
أرجو مراجعة هذا الرابط؛ ففيه الرد الشافي؛ إن شاء الله:
http://majles.alukah.net/showpost.ph...1&postcount=54 (http://majles.alukah.net/showpost.php?p=101411&postcount=54)
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[14 - Sep-2008, صباحاً 07:28]ـ
قال الكاساني - رحمه الله -: (لا خلاف بين أصحابنا في أن دار الكفر تصير دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها واختلفوا في دار الإسلام , إنها بماذا تصير دار الكفر؟ قال أبو حنيفة: إنها لا تصير دار الكفر إلا بثلاث شرائط , أحدها: ظهور أحكام الكفر فيها والثاني: أن تكون متاخمة لدار الكفر والثالث: أن لا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمنا بالأمان الأول , وهو أمان المسلمين. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله: إنها تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها).
وجاء في الفتاوى الهندية: (اعلم أن دار الحرب تصير دار الإسلام بشرط واحد , وهو إظهار حكم الإسلام فيها. قال محمد رحمه الله تعالى في الزيادات: إنما تصير دار الإسلام دار الحرب عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بشروط ثلاثة أحدها: إجراء أحكام الكفار على سبيل الاشتهار وأن لا يحكم فيها بحكم الإسلام , والثاني: أن تكون متصلة بدار الحرب لا يتخلل بينهما بلد من بلاد الإسلام , والثالث: أن لا يبقى فيها مؤمن , ولا ذمي آمنا بأمانه الأول الذي كان ثابتا قبل استيلاء الكفار للمسلم بإسلامه وللذمي بعقد الذمة , وصورة المسألة على ثلاثة أوجه: إما أن يغلب أهل الحرب على دار من دورنا، أو ارتد أهل مصر وغلبوا وأجروا أحكام الكفر، أو نقض أهل الذمة العهد , وتغلبوا على دارهم , ففي كل من هذه الصور لا تصير دار حرب إلا بثلاثة شروط , وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - بشرط واحد لا غير , وهو إظهار أحكام الكفر , وهو القياس).
قال السرخسي رحمه الله: (الحاصل أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إنما تصير دارهم دار الحرب بثلاث شرائط: أحدها: أن تكون متاخمة أرض الترك ليس بينها وبين أرض الحرب دار للمسلمين , والثاني: أن لا يبقى فيها مسلم آمن بإيمانه , ولا ذمي آمن بأمانه , والثالث: أن يظهروا أحكام الشرك فيها , وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا أظهروا أحكام الشرك فيها فقد صارت دارهم دار حرب ; لأن البقعة إنما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة , فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب , وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للمسلمين).
ويقرر الكاساني رحمه الله حجة هذا القول بأن الأصل في تسمية الدار هو ظهور أحكام الإسلام أو أحكام الكفر فيقول: (وجه قولهما أن قولنا دار الإسلام ودار الكفر إضافة دار إلى الإسلام وإلى الكفر , وإنما تضاف الدار إلى الإسلام أو إلى الكفر لظهور الإسلام أو الكفر فيها , كما تسمى الجنة دار السلام , والنار دار البوار ; لوجود السلامة في الجنة , والبوار في النار وظهور الإسلام والكفر بظهور أحكامهما , فإذا ظهر أحكام الكفر في دار فقد صارت دار كفر فصحت الإضافة , ولهذا صارت الدار دار الإسلام بظهور أحكام الإسلام فيها من غير شريطة أخرى , فكذا تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها والله سبحانه وتعالى أعلم).
ولم يعتبر العلماء الشروط التي ذكرها أبو حنيفة كما ترى بل إن كبار أصحابه وتلامذته قد ردوا هذه الشروط كما سبق في كلام الكاساني والسرخسي رحمهم الله.
وقال السرخسي رحمه الله: (والدار تصير دار المسلمين بإجراء أحكام المسلمين).
وقال ابن القيم رحمه الله: (قال الجمهور: دار الإسلام هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام وما لم تجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها فهذه الطائف قريبة إلى مكة جداً ولم تصر دار إسلام بفتح مكة وكذلك الساحل .. ).
وقال ابن مفلح رحمه الله: (فصل في تحقيق دار الإسلام ودار الحرب فكلُّ دار غلب عليها أحكام المسلمين فدار الإسلام وإن غلب عليها أحكام الكفار فدار الكفر ولا دار لغيرهما .. ).
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي: (كلُّ دار كانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي دار الكفر).
وقال المرداوي رحمه الله: (ودار الحرب: ما يغلب فيها حكم الكفر).
وقال الشوكاني رحمه الله: (الاعتبار - في الدار - بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذوناً له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها لأنها لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية، وإذا كان الأمر بالعكس، فالدار بالعكس).
وقال عبد الله أبو بطين: (قالَ الأَصحاب: الدار داران؛ دار إسلامٍ ودار كفرٍ، فدارُ الإسلامِ: هَي التي تجري أحكام الإسلام فيها، وإن لم يكن أهلُها مسلمين، وغيرها دار كفرٍ).
قال العلامة حمد بن عتيق النجدي: ((وبذلك عارضوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، في أصل هذه الدعوة، ومن له مشاركة فيما قرره المحققون، قد اطلع على أن البلد، إذا ظهر فيها الشرك، وأعلنت فيها المحرمات، وعطلت فيها معالم الدين، أنها تكون بلاد كفر، تغنم أموال أهلها، وتستباح دماؤهم.
وقد زاد أهل هذه البلد، بإظهار المسبة لله ولدينه، ووضعوا قوانين ينفذونها في الرعية، مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد علمت أن هذه كافية وحدها، في إخراج من أتى بها من الإسلام.)) اهـ
==============
وإن اتفقت معنا أن ديارنا تُحكم بقوانين الكفر .. فإذن، هي دار حرب.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[14 - Sep-2008, صباحاً 07:37]ـ
أرجو مراجعة هذا الرابط؛ ففيه الرد (الشافي الكافي)؛ إن شاء الله:
http://majles.alukah.net/showp ost.ph...1&postcount=54 (http://majles.alukah.net/showpost.php?p=101411&postcount=54)
وبالمناسبة!:
أين يقيم المتبجحون بأن الديار ديار كفر؟!
وأين ديار الإسلام في نظرهم؟!
ولماذا لا يهاجرون إليها، ويريحونا منهم؛ طالما أن الديار ديار كفر في نظرهم؟!
وقد سئل العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله-:
س: هل تجب الهجرة من بلاد المسلمين التي يحكم فيها بالقانون.
فأجاب: «البلد التي يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام؛ ((تجب)) الهجرة منها» اهـ.
فلتهاجروا إذًا يا أصحاب الجهاد المزعوم (التفجير والتدمير)!
ـ[عبدالله الجنوبي]ــــــــ[14 - Sep-2008, صباحاً 08:00]ـ
وبالمناسبة!:
أين يقيم المتبجحون بأن الديار ديار كفر؟!
وأين ديار الإسلام في نظرهم؟!
ولماذا لا يهاجرون إليها، ويريحونا منهم؛ طالما أن الديار ديار كفر في نظرهم؟!
وقد سئل العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله-:
س: هل تجب الهجرة من بلاد المسلمين التي يحكم فيها بالقانون.
فأجاب: «البلد التي يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام؛ ((تجب)) الهجرة منها» اهـ.
فلتهاجروا إذًا يا أصحاب الجهاد المزعوم (التفجير والتدمير)!
[/ SIZE]
نحن في غنى عن مثل هذا الكلام ... من فضلك ناقش المسألة من الناحية العلمية و دع عنك الأشخاص ... وفقني الله وإياك لكل خير
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[14 - Sep-2008, صباحاً 08:03]ـ
شكراً على النقل عن الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله، فقد نسيت أن أورده .. لعله كان خارجياً في نظرك؟
أما الهجرة، فإن لها شروطاً وأحكاماً .. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقيم بمكة، وهي بلاد كفر .. حتى أقام دولة الإسلام فأمر المسلمين بالهجرة إليها ..
وأرجو ألا تحرف الموضوع عن أصله ..
تقول إن مذهب الصاحبين هو في حال غلبة الكفار على بلادنا وفرضهم لأحكامهم علينا ..
وأكثر بلادنا غلب عليها الكفار، وحكموا البلاد بقوانينهم .. فلا تكاد تجد بلداً أهله مسلمين إلا واستولى عليه الكفار وحكموا فيهم بشريعتهم ..
ثم تركوا عليها عملاء يحكمون بنفس الشريعة التي حكم بها الكفار ..
ثم دعنا نتفق على أمر ..
هل كانت بلاد المسلمين بلاد كفر أيام الاستعمار (على مذهب الصاحبين)؟ .. أرجو أن يكون الجواب صريحاً.
ثم إذا هم نصبوا عليها عميلاً يحكم بنفس أحكامهم، ثم تكروا البلاد لهذا العميل، فهل تصبح بلاد إسلام؟
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[14 - Sep-2008, صباحاً 08:15]ـ
ولا أدري ما تفسيرك لكلام هؤلاء "الخوارج" ..
وقال ابن مفلح رحمه الله: (فصل في تحقيق دار الإسلام ودار الحرب فكلُّ دار غلب عليها أحكام المسلمين فدار الإسلام وإن غلب عليها أحكام الكفار فدار الكفر ولا دار لغيرهما .. ).
ولم يقل: يجب أن يحتلها الكفار وينفذوا فيها أحكامهم، كما تقول أنت .. بل جعل الشرط هو: الحكم بالكفر ..
------------------
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي: (كلُّ دار كانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي دار الكفر).
وهذا نص آخر .. لم يقل: يجب أن يحتلها الكفار أولاً، ثم يجروا عليها أحكامهم ثانياً .. بل أطلق القول وجعل مجرد الحكم بالكفر داعياً لصيرورة الدار دار كفر ..
------------------
وقال المرداوي رحمه الله: (ودار الحرب: ما يغلب فيها حكم الكفر).
هذا قول على عمومه .. ولم يحدد الأهل أو الغزو أو غيره.
------------------
وقال الشوكاني رحمه الله: (الاعتبار - في الدار - بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذوناً له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها لأنها لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية، وإذا كان الأمر بالعكس، فالدار بالعكس).
ونحن نرى في بلادنا "الإسلامية!! " أن الكفر وسب الدين والاستهزاء به في الجرائد والمجلات وفي الطرقات، كلها بسلطان وقوة وغلبة لهؤلاء العلمانيين والملاحدة، بل ويكفي دعواهم الصريحة إلى الكفر الأكبر (الديموقراطية وتحكيم القوانين) .. ولا يقول أحد إنه كان بإذن أهل الإسلام .. فهذا لا يقوله عاقل عنده مسحة من توحيد.
---------------------
وقال عبد الله أبو بطين: (قالَ الأَصحاب: الدار داران؛ دار إسلامٍ ودار كفرٍ، فدارُ الإسلامِ: هَي التي تجري أحكام الإسلام فيها، وإن لم يكن أهلُها مسلمين، وغيرها دار كفرٍ).
لم أكن أعلم أنك "خارجي!! " يا أبابطين .. رحمك الله.
---------------------
قال العلامة حمد بن عتيق النجدي: ((وبذلك عارضوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، في أصل هذه الدعوة، ومن له مشاركة فيما قرره المحققون، قد اطلع على أن البلد، إذا ظهر فيها الشرك، وأعلنت فيها المحرمات، وعطلت فيها معالم الدين، أنها تكون بلاد كفر، تغنم أموال أهلها، وتستباح دماؤهم.
وقد زاد أهل هذه البلد، بإظهار المسبة لله ولدينه، ووضعوا قوانين ينفذونها في الرعية، مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد علمت أن هذه كافية وحدها، في إخراج من أتى بها من الإسلام.)) اهـ
ربما الشيخ حمد بن عتيق النجدي - رحمه الله - من الحرورية المارقين؟؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[14 - Sep-2008, صباحاً 08:24]ـ
يقول أبو رقية:
وبرهان ذلك -من بعض ما نقلتُ- أن الشيخ أبا بطين قال: «فدارُ الإسلامِ: هَي التي تجري أحكام الإسلام فيها، ((وإن لم يكن أهلُها مسلمين))، وغيرها دار كفرٍ» اهـ.
قلتُ:
فتأمل! قوله: «تجري أحكام الإسلام» مع قوله «وإن لم يكن أهلُها مسلمين»؛ فهل يجري الحكم بقوانين الإسلام على اليهود والنصارى؟!.
وماذا في ذلك؟؟ .. وما الخطأ؟؟
لو كان الحاكم مسلماً وشعبه كله كافر، فعليه أن يحكم بما أنزل الله، ولا يحكم بغيره ..
ولكن الإشكال عندك أن الإسلام أباح للنصارى المعاهدين الحكم فيما بينهم بحكمهم .. وتظن أن ذلك يناقض مذهبنا ..
وهذا فهم باطل .. فإن حكم النصارى فيما بينهم إنما هو في الحدود التي أجازها الشرع الإسلامي لهم .. بمعنى: أن حكمهم لأنفسهم هو تحت مظلة الحكم الإسلامي ..
فالغلبة هي لشرع الله (وإن من شرع الله أن يجيز للنصارى أن يحكموا فيما بينهم بشريعتهم) ..
ولكن أين هو حكم الله الذي يجيز للمسلمين الحكم بالقانون؟؟
----------
وأما قولك:
- ويوضح هذا المصطلح صاحب "الدر المحتار" (4/ 356) فيقول: «ودار الحرب تصير دار الإسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها ((كجمعة وعيد))» اهـ
- وكذلك يصرح صاحب "الدر الحكام" (1/ 331)؛ فيقول: «ودار الحرب تصير دار إسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها؛ ((كإقامة الجمع والأعياد))، وإن بقي فيها كافر أصلي!» اهـ.
- ويقول الدكتور البوطي "قضايا معاصرة" (1/ 182): «المقصود من ظهور أحكام الإسلام فيها: ظهور الشعائر الإسلامية الكبرى؛ ((كالجمعة والعيدين وصوم رمضان والحج))، دون أي منع أو حرج. وليس المقصود بها أن تكون القوانين المرعية كلها إسلامية!!».اهـ
يعني أمريكا وكل أروبا، بل وإسرائيل، بلاد إسلامية؟؟ .. لأنهم يسمحون بإقامة الجمعة والعيدين؟؟
أرجو الجواب الصريح
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[14 - Sep-2008, صباحاً 08:30]ـ
تلزمني بما لا يلزم؛ والآفة في فهمك لقول هؤلاء (الأفاضل).
ثم إن العبرة بالدليل لا بالاقاويل يا هذا؛ فهلا نقلتَ لنا أدلتهم.
ونصحية مشفق:
أرجو أن تعتمد على الدليل في المقام الأول، ثم تستأنس بأقوال من أيدوه ثانيًا؛ وإلا ستبتلى بمن يردون عليك بأقوال مثلها؛ كما حدث معك في كثير من مواضيعك، ومشاركاتك!.
وإذا كنت تصر على عدم قراءة كلامي المشار إليه (كاملاً)؛ فإليك تفصيله:
قلتُ:
أولاً، وقبل أن أرد على تلك الشبهة (الصلعاء)!؛ ينبغي أن يعلم الجميع أن (جميع) الفقهاء قد (اتفقوا) على أن مناط الحكم على الدار بالإسلام هو: ((سيطرة المسلمين على الدار وسيادتهم عليها وامتلاكهم لها)) إلا أنه قد وقع منهم عبارات متباينة في التعبير عن هذا المناط حسبها البعض اختلافًا متباينًا؛ فعدوها أقوالاً مختلفة؛ وليس كذلك!.
فإن كثيرًا من الفقهاء من ((ينص)) على هذا المناط بعينه، ومنهم من ((يعبر)) عنه بلوازمه وعلاماته من:
[1] ظهور وغلبة أحكام الإسلام،
[2] أو ظهور بعضها،
[3] أو ظهور أمن وأمان الإسلام المطلق.
لأن ظهور (جميع) هذه الأشياء أو (بعضها) تكفي عندهم في الدلالة على سيادة المسلمين وتمكنهم من الدار (=مناط الحكم على الدار). ولذلك فإن النبي (ص) -كما ثبت عنه- كان يمسك عن الدار التي يُسمع فيها الأذان.
والدليل على أن هذا المناط -وهو (سيطرة المسلمين على الدار وسيادتهم عليها وامتلاكهم لها) - هو المناط المعتبر: حديث بريدة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -؛ قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ ... ثُمَّ قَالَ: ... وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ [1] ... [2] ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى (((دَارِ الْمُهَاجِرِينَ))) ... [3] ... » أخرجه مسلم.
وفي هذا الحديث أن النبي (ص) أضاف دار الإسلام (=المدينة) إلى المهاجرين لوجودهم فيها وسيادتهم عليها.
?وأقوال الفقهاء في الحكم على الدار ((بالإسلام)) على النحو الآتي?
? أولاً: من ((نَصَّ)) على هذا المناط ((صراحة)):
(1) - ابن تيمية:
قال "الفتاوى" (27/ 143 - 144)، و"الكبرى" (2/ 445):
(يُتْبَعُ)
(/)
«والبقاع تتغير أحكامها ((بتغير أحوال أهلها)). فقد تكون البقعة دار كفر إذا كان أهلها كفارا ثم تصير دار إسلام إذا أسلم أهلها كما كانت مكة -شرفها الله- في أول الأمر دار كفر وحرب» اهـ.
وقال -"الفتاوى" (18/ 282) -: «وكون الأرض دار كفر ودار إيمان أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها؛ بل هي صفة عارضة ((بحسب سكانها))» اهـ
(2) - أبو محمد بن حزم:
قال في "المحلى" (11/ 200): «الدار إنما تنسب ((للغالب عليها والحاكم فيها والمالك لها))» اهـ. قلتُ: قصد بـ «الحاكم فيها»: أي هل الحكم فيها بِيَدِ المسلمين أم بيد الكافرين.
? ثانيًا: من عَبَّرَ ((بلوازم)) هذا المناط وأراده ((تلميحًا)):
(1) - فمنهم من عبر عن هذا المناط بظهور أحكام الإسلام في الدار ((على الغلبة والاشتهار)):
لأن ذلك من علامات غلبة المسلمين وسيادتهم على الدار. قال السرخسي -موضحًا وجهة صاحبي أبي حنيفة-: «لأن البقعة إنما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة، فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين؛ فكانت دار حرب. وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام؛ فالقوة فيه للمسلمين» اهـ. انظر "المبسوط" (10/ 114)، وكذلك "بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 130)، و"المعتمد" لأبي يعلى (267)، و"الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/ 212). وهذا مذهب صاحبي أبي حنيفة وبعض الحنابلة.
(2) - ومنهم من عبر عن هذا المناط بظهور ((بعض)) أحكام الإسلام كالأذان:
فجعلوه علامة مفرقة بين الدارين. ووجهة هؤلاء: إمساك النبي (ص) عن الدار -وأمره بذلك- عندما كان يسمع فيها الأذان؛ لأنه أيضًا من علامات غلبة المسلمين وسيادتهم على الدار وامتلاكهم لها؛ حيث تمكنوا من إظهار شعائرهم الظاهرة دون حرج. "الاستذكار" (4/ 18) و"التمهيد/مرتب" (3/ 61) كلاهما لابن عبدالبر، و"الذخيرة" للقرافي (2/ 58) و"الدرر السنية" (12/ 127)، و"شرح الزرقاني" (1/ 148)، و"المنتقى" للباجي (1/ 133)، و "التاج والإكليل" للعبدري (1/ 451)، و"الفواكه الدواني" للنفراوي (1/ 171). وهذا مذهب المالكية.
(3) - ومنهم من عبر عن المناط بشرط متاخمة (=مجاورة) الدار للمسلمين، وأن يأمن أهلها بأمن وأمان الإسلام (المطلق):
ووجهة هؤلاء -كما يوضحها الكاساني-: أنه «لا تظهر أحكام الكفر إلا عند وجود هذين الشرطين -أعني المتاخمة وزوال الأمان الأول-؛ لأنها [أي: أحكام الكفر] لا تظهر إلا بالمنعة، ((ولا منعة إلا بهما))» اهـ. "بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 130)، وانظر "المبسوط" (10/ 114) و"شرح السير" (5/ 1073) كلاهما للسرخسي. وهذا قول أبي حنيفة.
?? أقول:
وما أدل على ((اتفاقهم)) -على ذلك المناط- من نقل الحافظ أبي بكر الإسماعيلي لذلك كما في كتابه "اعتقاد أهل السنة" (ص56/ رقم 49)؛ حيث قال:
«ويرون -[أي أهل السنة]- الدار دار إسلام لا دار كفر -كما رأته المعتزلة!! - ما دام:
[1] النداء بالصلاة والإقامة بها ظاهرين،
[2] وأهلها ممكنين منها
[3] آمنين» اهـ
فالمقصود أن المعول عليه في الحكم على الدار بالإسلام هو: ((السيادة والغلبة والسلطان والامتلاك للدار))، ثم يتبع ذلك علامات أخرى قد تضعف وتزيد أحيانًا؛
[1] كظهور الأحكام،
[2] أو (بعضها)،
[3] وكذلك أمن وأمان المسلمين المطلق.
وهذا المناط - (=سيادة المسلمين وامتلاكهم للدار) - متحقق والحمد لله في ديار أهل الإسلام الآن -وإن حكموا بالقوانين الوضعية! -؛ فالمسلمون هم المالكون لهذه الديار، وهم السائدون عليها، كما أن الغلبة لهم على غيرهم، وهذا ظاهر للعميان!.
??أقوال الفقهاء في تَحَوُّلِ دار ((الإسلام)) إلى دار ((للكفر)) ??
أما الحكم على دار الإسلام بالكفر، وهو مربط الفرس، وأساس الشبهة المطروحة!؛ فإن أهل العلم وإن كانوا ((متفقين)) -على وجه التحقيق- على مناط الحكم على الدار بالإسلام؛ إلا أنهم ((اختلفوا)) في أنه: بِمَ تصير الديارُ الإسلامية ديارًا كفرية؟!. واختلافهم هذا يرجع إلى رؤيةٍ خاصةٍ لِكُلٍّ منهم في مدى (ثبوت) هذا المناط من (انعدامه).
و (مجمل) اختلافهم -في صيرورة دار الإسلام إلى دار كفر- يتمثل في المذاهب الآتية:
? المذهب الأول:
(يُتْبَعُ)
(/)
أن الدار التي ثبت كونها دارًا للإسلام؛ لا تصير دارَ كفر ((مطلقًا))!؛ وإن استولى عليها الكفار!، وأظهروا فيها أحكامهم!، وزاد بعضهم: طالما أن المسلمين في منعة منهم. وعلل ذلك الرافعي بأن: «الاستيلاء القديم يكفي [عندهم] لاستمرار الحكم» اهـ. واحتج هؤلاء بحديث: «الإسلام يعلو ولا يُعْلَى» [حسنه الألباني]، وهو قول ابن حجر الهيتمي، ونسبه إلى الشافعية. انظر: "تحفة المحتاج" (8/ 82)، و"أسنى المطالب" (4/ 204)
? المذهب الثاني:
أن دار الإسلام لا تتحول إلى دار كفر بمجرد باستيلاء الكفار عليها، وإظهار أحكامهم فيها؛ إلا بانقطاع شعائر الإسلام فيها؛ وهو قول الدسوقي المالكي والاسبيجابي الحنفي والرملي الشافعي. انظر: "حاشية الدسوقي" (2/ 188)، "فتاوى الرملي" (4/ 52)
? المذهب الثالث:
أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر (((بتمام))) القهر والغلبة من المشركين؛ وذلك يتحقق بشروط ثلاث:
[1] بأن تنعزل الدار عن سائر ديار المسلمين،
[2] وأن يذهب الأمن والأمان الأولان (=أمن وأمان الإسلام)،
[3] وأن يظهر فيها أحكام الكفر.
وهذا قول أبي حنيفة. "المبسوط" للسرخسي (10/ 114)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 130).
? المذهب الرابع:
أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها (((على الغلبة والاشتهار))). وهذا قول صاحبي أبي حنيفة. "المبسوط" للسرخسي (10/ 114)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 130).
? المذهب! الخامس!:
أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر بارتكاب الكبائر!؛ وهذا قول طوائف من الخوارج والمعتزلة.
والآن، وبعد هذا ((العرض المجمل)) لمسألة الحكم على الدار:
- من جهة الحكم بإسلامها،
- ومن جهة تحولها من الإسلام إلى الكفر
وقد ذكرنا مذاهب الناس في ذلك؛ أشرع الآن في الرد على قول القائل بأن: ((ديارنا الآن أصبحت ديارًا كفرية)).
فأقول -مستعينًا بالله-: إن هذا الكلام مردود من وجوه:
?? ((الوجه الأول)) ??
أنه بالرغم من اختلاف أهل العلم في صيرورة دار الإسلام إلى دار كفر -كما أسلفنا-؛ إلا أن ديارنا لا تتحول إلى دار كفر على مذهب أي منهم -خلا مذهب الخوارج! والمعتزلة! - ((وإن حكمت بالقوانين الوضعية))؛ حتى على مذهب الصاحبين! القائلين بصيرورة الدار للكفر بظهور أحكام الكفر فيها. وبيان ذلك كالتالي:
? فعلى المذهب الأول -وهو مذهب الشافعية-:
فلا تصير ديارنا الإسلامية -التي تحكم بالقوانين- ديارًا كفرية مطلقًا؛ قولاً واحدًا؛ وهذا واضح لا يحتاج بيان!.
? وعلى المذهب الثاني -وهو مذهب المالكية-:
فلا تصير ديارنا الإسلامية -التي تحكم بالقوانين- ديارًا كفرية -وإن استولى عليها الكفار-؛ لأن ديارنا لا تزال شعائر الإسلام فيها قائمة ولم تنقطع والحمد لله.
? وعلى المذهب الثالث -وهو مذهب أبي حنيفة-:
فلا تصير ديارنا الإسلامية -التي تحكم بالقوانين- ديارًا كفرية لعدم تحقق ((الشروط الثلاثة)) فيها؛ فديارنا:
[1] لم تنعزل عن سائر ديار المسلمين،
[2] وكذلك لم يذهب منها أمن وأمان الإسلام.
(إلا) أنه تظهر فيها أحكام الكفر؛ وهي القوانين الوضعية -عند من يفسرها بذلك! -؛ وسيأتي بيان خطأ هذا التفسير؛ فَتَرَقَّبْ!!.
فالدار لا تزال إسلامية لعدم انطباق ((جميع)) الشروط عليها. قال الكاساني -موضحًا مذهب أبي حنيفة-: «فما لم تقع الحاجة للمسلمين إلى الاستئمان؛ بقي الأمن الثابت فيها على الإطلاق، فلا تصير دار الكفر» اهـ.
وكذلك ((يصرح)) السرخسي –"المبسوط" (10/ 114) - موضحًا وجهة إمامه قائلاً: «لأن هذه البلدة كانت من دار الإسلام محرزة للمسلمين فلا يبطل ذلك الإحراز إلا ((بتمام القهر)) من المشركين؛ وذلك (((باستجماع الشرائط الثلاث)))» اهـ.
??وعلى المذهب الرابع -وهو مذهب صاحبي أبي حنيفة-:
فلا تصير ديارنا الإسلامية -التي تحكم بالقوانين الوضعية- ديارًا كفرية أيضًا؛ وذلك للآتي:
أولاً:-
أن الصورة المفروضة -عند أصحاب هذا المذهب- لصيرورة دار الإسلام دارًا للكفر؛ هو إذا ما ظهرت أحكام الكفر (((نتيجةً لِتَغَلُّبِ الكفار على الدار واستيلاءهم عليها))). بمعنىً أوضح: أن هذا المذهب مفترض فيما إذا ((استولى الكفار)) على دار الإسلام، وليست صورته فيما إذا كان المسلمون لهم السيادة والسيطرة والحكم؛ وإن حكموا بخلاف الشرع.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال الكاساني –"بدائع الصنائع" (7/ 130) - بعد سوقه رأي أبي حنيفة وصاحبيه والاختلاف بينهم: «وقياس هذا الاختلاف: في (((أرض لأهل الإسلام ظهر عليها المشركون)))، وأظهروا فيها أحكام الكفر، (أو) كان أهلها أهل ذمة فنقضوا الذمة، وأظهروا أحكام الشرك؛ هل تصير دار الحرب؟؛ فهو على ما ذكرنا من الاختلاف» اهـ.
والغريب! أن أخانا أبا شعيب قد نقل -بنفسه-! عن "الفتاوى الهندية" أن:
«((صورة المسألة)) على ثلاثة أوجه:
[1] إما أن ((يغلب)) أهل الحرب على دار من دورنا،
[2] أو ارتد أهل مصر ((وغلبوا)) وأجروا أحكام الكفر،
[3] أو نقض أهل الذمة العهد, ((وتغلبوا)) على دارهم» اهـ.
فلا أدري هل يستشهد أخونا بكلام لا يخدم مراده؟!؛ أم أن أخانا أبا شعيب لا يدري ما يخرج من كِيسِه!.
والشاهد هاهنا: أن يتقرر ((غلط)) من ينزل هذا المذهب على بلادنا الإسلامية؛ فإن الغلبة فيها والسيادة لازالت للمسلمين. ورأي الصاحبين مفترض فيما إذا ((غلب الكفار)) على ديار الإسلام، وسيطروا عليها، وأظهروا أحكامهم فيها بقوتهم وصولتهم وسيادتهم؛ وهذا ليس بمتحقق في بلادنا الإسلامية والحمد لله.
ولذلك لا يصح تنزيل قولهما -بحال! - على ديارنا الإسلامية التي يسودها ويملكها المسلمون؛ حتى لو ظهرت فيها أحكام الكفر - (=القوانين الوضعية عند من يفسرها بذلك!!) -. وهذا واضح جدًا لكل من تأمل مذهبهما كما بينه الكاساني في "البدائع"، وغيره من أهل العلم.
ثانيًا:-
أن الفقهاء القائلين بأن الدار تصير دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها -أي على الغلبة والاشتهار- ((لم يشترط)) أحد منهم إجراء ((جميع)) أحكام الإسلام فيها لبقائها على الإسلام؛ بل إنهم يحكمون على ديار الكفر بالإسلام بإجراء ((بعض)) أحكام الإسلام فيها.
وهذا يؤيد بقاء ديارنا على الإسلام؛ فقد بقي فيها كثرة كاثرة من مظاهر الإسلام كالجمع والجماعات والأعياد .. إلخ، بالإضافة إلى بقاء (بعض) الأحكام القضائية الإسلامية كالحكم بشرع الله في مسائل الأحوال الشخصية وغير ذلك، وقد تقرر في الأصول أن بقاء شيء من العلة يبقي الحكم.
ولو سلمنا -جدلاً- أن مذهب الصاحبين أن ديارنا الإسلامية تنقلب!! ديارًا كفرية بتطبيق أحكام الكفر فيها - (=القوانين الوضعية عند من يفسرها بذلك!!) -؛ فإن تطبيق ((بعض)) أحكام الإسلام فيها يحولها من دار للكفر إلى دار للإسلام عند ((جميع الأحناف)) -وعلى رأسهم الصاحبان- ((بلا خلاف))؛ فـ (جميعهم) يقولون بصيرورة دار الكفر دارًا للإسلام بإجراء ((بعض)) أحكام الإسلام فيها.
قال التهانوي في "الكشاف" (2/ 92): «((ولا خلاف)) في أنه يصير دار الحرب دار إسلام بإجراء ((بعض)) الأحكام فيها» اهـ.
وهذا ابن عابدين -في "الدر المحتار" (4/ 356) - يكتفي بالشعائر؛ فيقول: «ودار الحرب تصير دار الإسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها؛ كجمعة وعيد، وإن بقي فيها كافر أصلي، وإن لم تتصل بدار الإسلام» اهـ.
ثالثًا:-
أن (القوانين الوضعية) وإن كانت من (بعض) أحكام الكفر؛ إلا أنها (لم تظهر بسبب غلبة الكفار وسيطرتهم على دار الإسلام)؛ وإنما ظهرت بإذن!! حكام المسلمين مع استطاعتهم! تطبيق جميع أحكام الإسلام فيها. وقد تبين -كما سبق من قول الكاساني في (أولاً) - أن الضابط المؤثر (فقط) عند الصاحبين في الحكم على الدار؛ هو: إظهار أحكام الكفر بـ ((غلبة الكفار وسيطرتهم على الدار))، وليس مجرد ظهور أحكام الكفر فقط -ولو بإذن المسلمين! - دون غلبة الكفار.
ولقد سبق أيضًا من كلام السرخسي –في "المبسوط" (10/ 114) - الإشارة إلى أن المعنى الذي اشترطه الصاحبان -وهو ظهور الأحكام-؛ إنما كان المقصد منه: الاستدلال على سيادة وغلبة المسلمين من عدمها، كما قال السرخسي -موضحًا ذلك-: «لأن البقعة إنما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة» اهـ.
فظهر بذلك أن ديارنا -على مذهب الصاحبين- ديار إسلامية؛ ((وإن ظهرت فيها أحكام الكفر))؛ وهي القوانين الوضعية عند من يفسرها بذلك!!.
ويقرر الشوكاني -في "السيل الجرار" (4/ 575) - ما ذهبنا إليه هنا؛ فيقول:
(يُتْبَعُ)
(/)
«الاعتبار ((بظهور الكلمة)) فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام. ((ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها))؛ لأنها ((لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم))، كما هو مشاهد في أهل الذمة -من اليهود والنصارى والمعاهدين- الساكنين في المدائن الإسلامية. وإذا كان الأمر العكس؛ فالدار بالعكس» اهـ. والعجب! العجاب!! العجيب!!!؛ أن أخانا أبا شعيب نقل هذا أيضًا في جملة ما نقل!.
رابعًا:-
أن جميع أهل العلم -وبما فيهم الصاحبان- (((مجمعون))) على الحكم بالإسلام على دار الكفر التي فتحها المسلمون؛ فملكوها، وأقروا عليها أهلها بخراج للأرض وصالحوهم على ذلك. وما من شك أن هؤلاء الكفار -أهل هذه الديار- يحكمون في هذه الدار بقوانينهم الكفرية!؛ فالأَوْلَى أن يُحكم بإسلام الدار التي يسودها ويمتلكها المسلمون لاسيما وهم يحكمون فيها بجملة مما أنزل الله من إقامة الشعائر الظاهرة، وأحكام المواريث والأحوال الشخصية وغير ذلك.
قال ابن عابدين في "حاشتية" (4/ 355 - 356): «وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز وبعض البلاد التابعة كلها دار إسلام، لأنها ((وإن كانت لها حكام دروز أو نصارى، ولهم قضاة على دينهم)) وبعضهم يعلنون بشتم الإسلام والمسلمين، لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا، وبلاد الإسلام محيطة ببلادهم من كل جانب وإذا أراد ولي الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها» اهـ.
ولقد سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله -كما في "رسائله" (1/ 203) و"الدرر السنية" (9/ 254 - 255) -؛ سئل عن البلدة يكون فيها شيء من مشاهد الشرك، ((والشرك فيها ظاهر))، مع كونهم يشهدون الشهادتين، مع عدم القيام بحقيقتها، ويؤذنون، ويصلون الجمعة والجماعة، مع التقصير في ذلك، هل تسمى دار كفر، أو دار إسلام؟.
فأجاب:
«فهذه المسألة: يؤخذ جوابها مما ذكره الفقهاء، في بلدة ((كل أهلها)) يهود، أو نصارى، أنهم إذا بذلوا الجزية، صارت بلادهم بلاد إسلام; وتسمى دار إسلام.
فإذا كان أهل بلدة نصارى، يقولون في المسيح أنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، أنهم إذا بذلوا الجزية سميت بلادهم بلاد إسلام، فبالأولى -فيما أرى- أن البلاد التي سألتم عنها، وذكرتم حال أهلها، أولى بهذا الاسم، ومع هذا يقاتلون لإزالة مشاهد الشرك، والإقرار بالتوحيد والعمل به ..... "اهـ. قلتُ: وهذا القتال -كما أسلفنا- له ((ضوابط)) ليس هنا محل تفصيلها.
خامسًا:-
أنه إذا كان في الدار أحكام للكفر وأحكام للإسلام -وهذا هو الواقع للأسف-؛ فينبغي أن يحكم على الدار بالإسلام تغليبًا للإسلام للحديث الذي حسنه الألباني: «الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى».
قال ابن عابدين -في "حاشيته" (4/ 355) -: «قوله: (بإجراء أحكام أهل الشرك) أي: على الاشتهار، وأن لا يحكم فيها بحكم أهل الإسلام، ... وظاهره أنه لو أجريت أحكام المسلمين، وأحكام أهل الشرك لا تكون دار حرب» اهـ.
ولا يقال إن القوانين الوضعية أكثر من الشرعية عددًا؛ فالعبرة -في هذا الأمر- ليست بالعدد؛ ألا ترى أن الفقهاء يحكمون لِلَّقِيطِ -في الدار التي فيها مسلم واحد وبقيتها كفار- بالإسلام؛ كما هو مبسوط في كتب الفقه.
سادسًا:-
أنه على فرض تنازعنا في الأدلة والأقوال والشرائط؛ فاختلفت وجهات النظر في كون ديارنا إسلامية أو كفرية، ولم نتفق على شيء من ذلك؛ فإنه يبقى الوضع على ما كان عليه استصحابًا للأصل؛ وذلك بترجيح جانب الإسلام احتياطًا.
??? أما على المذهب الخامس! -وهو مذهب الخوارج والمعتزلة-:
فديارنا تحولت إلى ديار كفرية لظهور (بعض) أحكام الكفر فيها؛ وذلك رغم وجود الآتي:
1 - سيطرة المسلمين عليها وامتلاكهم لها.
2 - ظهور وقيام غالب الشعائر الإسلامية.
3 - التوفر التام لأمن وأمان الإسلام.
?? ((الوجه الثاني)) ??
أن هذا القول (يوجب) أن تكون غالب الدول -التي يسكنها المسلمون الآن- ديارًا كفرية!؛ وهذا محال!. فإن ذلك يستلزم هجرة (جميع) المسلمين منها إلى دار الإسلام -إن وُجِدَتْ-!!، كما يستلزم الحكم على هذه الدور بالحرب!؛ فكل من لم يهاجر فهو محارب؛ يُحَارَبُ كما يحارب الكفار لبقائه مع المحاربين.
?? ((الوجه الثالث)) ??
(يُتْبَعُ)
(/)
وهو ما اختم به ردي هذا، وهو سؤال موجه للعلامة الفقيه -بحق- الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين -كما في سلسلة "تفسير القرآن"/سورة العنكبوت الشريط رقم (13) الوجه (أ) الدقيقة (00:26:00) -:
سُئِلَ -رحمه الله-: ما حد دار الإسلام وحد دار الكفر؟
فأجاب:
«دار الإسلام هي التي تقام فيها شعائر الإسلام ((بقطع النظر عن حكامها))، حتى ((لو تولى عليها رجل كافر)) -وإن لم يأمر بشرائع الإسلام- (((فهي دار إسلام)))؛ يؤذن فيها، تقام فيها الصلوات، تقام فيها الجمعة، يكون فيها الأعياد الشرعية، والصوم، والحج وما أشبه ذلك؛ ((هذه ديار إسلام حتى لو كان حكامها كفارًا)). لأن النبي (ص) أمرنا إذا رأينا كفرًا بواحًا أن نقاتل، ومعنى ذلك أن بلادنا بقيت بلاد إسلام تقاتل هذا الكافر وتزيله عن الحكم.
فأما قول من يقول إن بلاد الكفر هي التي يحكمها المسلمون أي يكون حكامها مسلمين؛ فهذا ليس بصحيح!، ولو أننا طبقنا هذا القول على واقع الناس اليوم؛ فكم تكون بلاد الإسلام؟!!؛ ممكن [يكون] بلد أو بلدين؛ والله أعلم. وعلى كل حال ما هذا بصحيح. فإذا كانت شعائر الإسلام تظهر في هذه البلاد؛ فإنها بلاد إسلام.
بقى علينا [أن نجيب]: إذا كان يظهر فيها شعائر الإسلام وشعائر الكفر!؛ كما لو كان يسمع فيها الأذان، وتقام فيها الجماعة والجمعات، ولكن يسمع فيها أيضًا أبواق اليهود ونواقيس النصارى في نفس الوقت، وتقام فيها [أيضًأ] صلوات النصارى واليهود؛ فماذا نسميه [أي هذا البلد]؟ في هذا الحال قد نرجع إلى الحكام والأغلبية لأنه الحاكم قد يعجز عن إزالة شعائر الكفر؛ فإذا كان غالب البلد مسلمين، وحكامها مسلمين؛ فإن هذه بلاد إسلام وإن كان بها شيء من شعائر الكفر لأن الغلبة كميةً وسلطةً للمسلمين، لكن هذه معاصي يعجزون أن يزيلوها، وواجب إزالتها ومنعها لأنه حتى إظهار الصليب ممنوع في بلاد الإسلام؛ فكونه يعلن الصليب مثلاً على الكنائس أو الطرقات أو ما أشبه ذلك؛ فهذا ممنوع في بلاد الإسلام.
[ثم سئل عن بلدة ماردين فقال:]
هذا الحكم بغض النظر عن أي بلد؛
[فالدار] إذا ما ظهرت فيها شعائر الإسلام؛ فهي بلاد إسلام،
و [إذا] ما ظهرت فيها شعائر الكفر؛ فهي بلاد كفر،
و [إذا] ما ظهر فيها هذا وهذا؛ فنرجع إلى الحاكم والأغلبية ... » انتهى كلامه رحمه الله.
قلتُ: يقصد الشيخ -رحمه الله- بـ «الحاكم» أي: هل الحكم فيها بِيَدِ المسلمين أم بيد الكافرين؟!؛ بدليل أنه قال في مطلع الإجابة: «دار الإسلام هي التي تقام فيها شعائر الإسلام ((بقطع النظر عن حكامها))، حتى ((لو تولى عليها رجل كافر))» اهـ. فثبت ما قررنا والحمد لله.
?? ((أما بخصوص معنى ظهور الأحكام من عدمها)) ??
فنقول: إن الكثير ممن لم يتأصلوا في فهم مصطلحات أهل العلم لا يفهمون كلامهم -غالبًا- (بصورة صحيحة)!. ويزداد هذا الأمر إذا ما وافق ذلك الفهم أهواءً مكبوتة!، وأفكارًا منشودة!، ورغبات! مرصودة!؛ فيضل هؤلاء بذلك، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}!!. وصدق العلامة ابن القيم إذ يقول -كما في "المدارج" (3/ 521) -: «والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما أعظم الباطل!!، ويريد بها الآخر محض الحق» اهـ.
ومن هذا؛ ما فهمه الكثيرون! من عبارة «أحكام الكفر» أو «حكم الكفر»، وعبارة «أحكام الإسلام» أو «حكم الإسلام».
فهم يفهمونها فهمًا خاطئًا، أو إن شئت فقل: فهمًا محدودًا وضيقًا (!)؛ فإنهم يفسرونها بـ «قوانين الإسلام»، و «قوانين الكفر»؛ وهذا خطأ ظاهر!، فليس المقصود من هذه العبارات القوانين الحاكمة (فقط)!!؛ وإنما المقصود بذلك: (جميع) أحكام الإسلام من تحكيم الشرع وتحريم المحرمات، وإقامة الشعائر الظاهرة كالصلاة والجمعات والأعياد والحج .. إلخ.
ثم إن مقصود أهل العلم بظهور هذه الأحكام؛ أنها إذا ظهرت (باشتهار) و (غلبة) وأمن؛ فالدار دار إسلام. لأن ظهورها بهذه الكيفية مما يدل على سيادة المسلمين وغلبتهم على هذه الدار؛ ولذلك اكتفى بعض العلماء بظهور (بعضها) لا (كلها) للحكم بإسلام الدار؛ فإن ظهور ذلك البعض مما يؤكد المناط المذكور آنفًا؛ ألا وهو سيطرة المسلمين وأمنهم وامتلاكهم للدار، وقد سبق طرفًا من أقوالهم في ذلك.
- ويوضح هذا المصطلح صاحب "الدر المحتار" (4/ 356) فيقول: «ودار الحرب تصير دار الإسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها ((كجمعة وعيد))» اهـ
- وكذلك يصرح صاحب "الدر الحكام" (1/ 331)؛ فيقول: «ودار الحرب تصير دار إسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها؛ ((كإقامة الجمع والأعياد))، وإن بقي فيها كافر أصلي!» اهـ.
- ويقول الدكتور البوطي "قضايا معاصرة" (1/ 182): «المقصود من ظهور أحكام الإسلام فيها: ظهور الشعائر الإسلامية الكبرى؛ ((كالجمعة والعيدين وصوم رمضان والحج))، دون أي منع أو حرج. وليس المقصود بها أن تكون القوانين المرعية كلها إسلامية!!».اهـ
ويؤكد ذلك؛ ما نقلتُه عن (جميع) الفقهاء؛ أنهم يعتبرون الدار التي غلب عليها المسلمون؛ فملكوها، وصالحوا أهلها بخراج؛ أنهم يعتبرونها دار إسلام، وإن حُكِم فيها بحكم الطاغوت!.
وبرهان ذلك -من بعض ما نقلتُ- أن الشيخ أبا بطين قال: «فدارُ الإسلامِ: هَي التي تجري أحكام الإسلام فيها، ((وإن لم يكن أهلُها مسلمين))، وغيرها دار كفرٍ» اهـ.
قلتُ:
فتأمل! قوله: «تجري أحكام الإسلام» مع قوله «وإن لم يكن أهلُها مسلمين»؛ فهل يجري الحكم بقوانين الإسلام على اليهود والنصارى؟!.
فهذا يدلك أن المقصود من «ظهور أحكام الإسلام»: أن أحكام الإسلام من شعائر ظاهرة تجري في أي وقت وباشتهار وأمن الإسلام في هذه البلاد، متى شاء المسلمون ذلك؛ فهذا -كما سبق بيانه- مما يدل على أن للمسلمين السيادة فيها؛ فهي دار إسلام.
وللكلام بقية إن شاء الله .....
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[14 - Sep-2008, مساء 06:55]ـ
يقول أبو رقية هدانا الله وإياه: (أنه بالرغم من اختلاف أهل العلم في صيرورة دار الإسلام إلى دار كفر -كما أسلفنا-؛ إلا أن ديارنا لا تتحول إلى دار كفر على مذهب أي منهم - خلا مذهب الخوارج! والمعتزلة! - ((وإن حكمت بالقوانين الوضعية))؛ حتى على مذهب الصاحبين! القائلين بصيرورة الدار للكفر بظهور أحكام الكفر فيها)
أقول: ألا ترى أنك تبالغ في وصف مخالفيك بأنهم من الخوارج ... وتدلس في فهم الأحكام الشرعية.
وعندي سؤال بمناسبة موضوع الخوارج والمعتزلة نريد منك جوابه.
فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله عن الديار المصرية في زمن العبيديين: (ولأجل ما كانوا عليه من الزندقة والبدعة بقيت البلاد المصرية مدة دولتهم نحو مائتي سنة قد انطفأ نور الإسلام والإيمان، حتى قالت فيها العلماء إنها كانت دار ردة ونفاق كدار مسيلمة الكذاب) إهـ.
هل هؤلاء العلماء هم من الخوارج والمعتزلة عندك؟؟!!. ولنا عودة بعد أن تجيب إن شاء الله تعالى.
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[14 - Sep-2008, مساء 07:14]ـ
أبو رقية - هداه الله - يرى أنه بإقامة الجمعة والعيدين تصبح دار إسلام .. فعليه أمريكا وإسرائيل دارا إسلام ..
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[15 - Sep-2008, صباحاً 12:54]ـ
عذرًا إخواني؛ فأنتم تلزمونني دائمًا بما لا يلزمني؛ وهذا نتيجة سوء الفهم أو الجهل؛ هذا أولاً.
ثانيًا: أنتم -وخصوصًا أبو شعيب- لم تفهموا كلامي جيدًا؛ وأنا أعذركم في ذلك!؛ للسبب الذي ذكرته.
ثالثًا: ردودكم ردود العجزة!؛ الذين لا يملكون من الحجة والبرهان ما يكفي لإثبات صحة دعاواهم!. {وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا؛ فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ!؛ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}!!.
والحق أبلج، والباطل لجلج!!.
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[15 - Sep-2008, صباحاً 01:02]ـ
أبو رقية - هداه الله - يرى أنه بإقامة الجمعة والعيدين تصبح دار إسلام .. فعليه أمريكا وإسرائيل دارا إسلام ..
إنما هذا محض كذب وافتراء علىَّ؛ وأكبر دليل على ذلك قولي الذي تعاميت عنه:
ينبغي أن يعلم الجميع أن (جميع) الفقهاء قد (اتفقوا) على أن مناط الحكم على الدار بالإسلام هو: ((سيطرة المسلمين على الدار وسيادتهم عليها وامتلاكهم لها)) إلا أنه قد وقع منهم عبارات متباينة في التعبير عن هذا المناط حسبها البعض اختلافًا متباينًا؛ فعدوها أقوالاً مختلفة؛ وليس كذلك!.
فإن كثيرًا من الفقهاء من ((ينص)) على هذا المناط بعينه، ومنهم من ((يعبر)) عنه بلوازمه وعلاماته من:
[1] ظهور وغلبة أحكام الإسلام،
[2] أو ظهور بعضها،
[3] أو ظهور أمن وأمان الإسلام المطلق.
لأن ظهور (جميع) هذه الأشياء أو (بعضها) تكفي عندهم في الدلالة على سيادة المسلمين وتمكنهم من الدار (=مناط الحكم على الدار). ولذلك فإن النبي (ص) -كما ثبت عنه- كان يمسك عن الدار التي يُسمع فيها الأذان.
والدليل على أن هذا المناط -وهو (سيطرة المسلمين على الدار وسيادتهم عليها وامتلاكهم لها) - هو المناط المعتبر: حديث بريدة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -؛ قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ ... ثُمَّ قَالَ: ... وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ [1] ... [2] ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى (((دَارِ الْمُهَاجِرِينَ))) ... [3] ... » أخرجه مسلم.
وفي هذا الحديث أن النبي (ص) أضاف دار الإسلام (=المدينة) إلى المهاجرين لوجودهم فيها وسيادتهم عليها.
فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
أما قولي الذي تستشهد به على كذبك؛ فأنا لم أورده تبيانًا لمناط الحكم على الدار؛ وإنما أوردته مبوبًا عليه بقولي الذي هو ظاهر للعميان!:
?? ((أما بخصوص معنى ظهور الأحكام من عدمها)) ??
فكل ما نقلته من نقولات تحت هذا الباب؛ إنما هو من أجل بيان الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون!؛ بفهمهم عبارة «أحكام الكفر» أو «حكم الكفر»، وعبارة «أحكام الإسلام» أو «حكم الإسلام»؛ على أنها «قوانين الإسلام»، و «قوانين الكفر».
(يُتْبَعُ)
(/)
وليس معنى ذلك أنني أرى أن ظهور هذه الأحكام كاف في الحكم على الدار بالإسلام كما افتريت عَلَيَّ. فالأمر قد بينتُه آنفًا بالتفصيل؛ فلا أعيد.
فلو أنك تقرأ أصلاً يا أبا شعيب؛ لما رميتني بما رميت!؛ فالله المستعان على سوء الفهم!، والكذب!، والبهتان!.
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[15 - Sep-2008, صباحاً 03:49]ـ
ألا ترى أنك تبالغ في وصف مخالفيك بأنهم من الخوارج ...
أنا لم أصف المخالف بكونه من الخوارج؛ ولكني حكيت مذاهب أهل العلم في المسألة، وحكيت مذهب الخوارج، ثم توصلت لنتيجة بحثي، وقلت أنه لم يخالف في ذلك إلا الخوارج والمعتزلة؛ كما ذكر ذلك الحافظ أبي بكر الإسماعيلي لذلك كما في كتابه "اعتقاد أهل السنة" (ص56/ رقم 49)؛ حيث قال:
«ويرون -[أي أهل السنة]- الدار دار إسلام لا دار كفر -كما رأته المعتزلة!! - ما دام:
[1] النداء بالصلاة والإقامة بها ظاهرين،
[2] وأهلها ممكنين منها
[3] آمنين» اهـ
فهل تنكر على الحافظ الإسماعيلي هذا الكلام الذي نقله عن أهل السنة؟!.
أما بخصوص قولك:
وتدلس في فهم الأحكام الشرعية
فهلم إلينا بفهمك المستنير أيها الإمام!!.
وبين لنا مواضع التدليس المزعومة!.
أما بخصوص قولك:
وعندي سؤال بمناسبة موضوع الخوارج والمعتزلة نريد منك جوابه.
فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله عن الديار المصرية في زمن العبيديين: ...... هل هؤلاء العلماء هم من الخوارج والمعتزلة عندك؟؟!!
فأقول: تلزمني بما لا يلزمني أنت وغيرك!؛ فليس (كل) من يخالف ما أصلناه يلزمه مذهب الخوارج أو المعتزلة؛ فليس كل من وقع في البدعة؛ وقعت البدعة عليه.
كما أن هناك فرق بين الحكم والفتوى. فالحكم الشرعي؛ هو ما أصلناه آنفًا. وقد يتخلف هذا الحكم في واقع معين كما هو معلوم.
فاستدلالكم هذا نتيجة الخلط بين الحكم والفتوى. وإن من يدخلون الأحكام في الفتاوى؛ يجيئون بالعجائب والتخليط؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهل مصيبتنا إلا من جراء ذلك (=خلط الحكم الشرعي بالواقع!).
فكل من يتكلم في تلكم المسائل -إلا من رحم الله-؛ تغلب على نظرته! الحال والواقع المرير الذي يعيشه!؛ فيلجاه ذلك إلى التخليط في دين الله، والقول على الله بغير علم.
فينبغي؛ بارك الله فيكم؛ ألا نخلط الأوراق. فالحكم الشرعي شيء، وما تفرع عنه من تعيين لهذا الحكم على الواقع شيء آخر.
وبمناسبة ذكرك للعبيديين؛ أرجو منكم -ومن أخينا أبي شعيب- أن تبينوا لنا موقف علماء الأمة آنذاك من العبيديين؛ وذلك في ضوء فقهكم!! لقتال الطوائف الممتنعة
[رجاء: لِيَكُنِ الجواب في موضوع «هل تسقط ولاية الإمام بحكمه بالقوانين الوضعية؟ ( http://majles.alukah.net/showthread.php?t=12527)»]
ـ[أبو البراء الأندلسي]ــــــــ[17 - Sep-2008, مساء 06:32]ـ
قال ابن القيم رحمه الله (قال الجمهور: دار الإسلام هى التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام، ومالم تجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها، فهذه الطائف قريبة إلى مكة جداً ولم تصر دار إسلام بفتح مكة) (أحكام أهل الذمة)
وقال الإمام السَّرَخْسي الحنفي رحمه الله (عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إنما تصير دارهم دار الحرب بثلاث شرائط، أحدها: أن تكون متاخمة أرض الترك ليس بينها وبين أرض الحرب دار للمسلمين، والثاني: أن لايبقى فيها مسلم آمن بإيمانه ولا ذمي آمن بأمانه، والثالث: أن يُظهروا أحكام الشرك فيها. وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا أظهروا أحكام الشرك فيها فقد صارت دارهم دار حرب، لأن البقعة إنما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة، فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب، وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للمسلمين) (المبسوط)
قال الكاساني
(إن كل دار مضافة إما إلى الإسلام وإما إلى الكفر، وإنما تضاف الدار إلى الإسلام إذا طُبقت فيها أحكامه، وتضاف إلى الكفر إذا طبقت فيها أحكامه، كما تقول الجنة دار السلام والنار دار البوار، لوجود السلامة في الجنة والبوار في النار، ولأن ظهور الإسلام أو الكفر بظهور أحكامهما) (بدائع الصنائع)
قال ابن قدامة
(يُتْبَعُ)
(/)
(ومتى ارتد أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صاروا دار حرب في اغتنام أموالهم وسبي ذراريهم الحادثين بعد الردة، وعلى الإمام قتالهم فإن أبابكر الصديق رضي الله عنه قاتل أهل الردة بجماعة الصحابة، ولأن الله تعالى قد أمر بقتال الكفار في مواضع من كتابه وهؤلاء أحقهم بالقتال لأن تركهم ربما أغرى أمثالهم بالتشبه بهم والارتداد معهم فيكثر الضرر بهم، وإذا قاتلهم قتل من قدر عليه ويُتبع مدبرهم ويُجاز على جريحهم وتغنم أموالهم، وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لاتصير دار حرب حتى تجتمع فيها ثلاثة أشياء: أن تكون متاخمة لدار الحرب لاشيء بينهما من دار الإسلام (الثاني) أن لايبقى فيها مسلم ولاذمي آمن (الثالث) أن تجري فيها أحكامهم. ــ قال ابن قدامة ــ ولنا أنها دار كفار فيها أحكامهم فكانت دار حرب) (المغني مع الشرح الكبير)
وقال السرخسي في شرحه لكتاب (السير الكبير) (والدار تصير دار المسلمين بإجراء أحكام الإسلام)
قال القاضي أبي يعلى الحنبلي (كل دار كانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهى دار الكفر) (المعتمد في أصول الدين)
قال الشيخ منصور البهوتي (وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب وهى مايغلب فيها حكم الكفر) (كشاف القناع)
قال الشيخ عبد القادر عبد العزيز فك الله أسره {بعد نقله لأقوال العلماء السابقين}
مناط الحكم على الدار
مناط الحكم هو عِلّته، وسميت العلة مناطاً لأنها مكان نوطه أي تعليقه، وسميت عِلة لأنها أثرت في المحل كعِلّة المريض، فالعلة هى الوصف الذي عُلِّق عليه الحكم، فإذا وُجِدَ الوصف وُجِدَ الحكم وإلا فلا، وهذا هو معنى قول العلماء (الحكم يدور مع عِلته وجوداً وعدماً).
وقد تضمنت أقوال العلماء السابقة ذِكر سببين للحكم على الدار: الأول (القوة والغلبة) كما قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن (لأن البقعة إنما تُنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة). والسبب الثاني (نوع الأحكام المطبقة فيها) كما ورد في كلام سائر من نقلنا عنهم. وعند التحقيق فإن السببين يرجعان إلى شيء واحد هو مناط الحكم على الدار، ولاتناقض بين السببين: لأن الغلبة والأحكام قرينان، فلا يكون المتغلِّب متغلباً إلا إذا كان هو صاحب الأمر والنهي، فالأمر والنهي هما من أهم مظاهر الغلبة والسلطان، فالسلطان المسلم يطبق أحكام الإسلام وإلا لما كان مسلماً، والسلطان الكافر يطبق أحكام الكفر. وبهذا يكون مناط الحكم على الدار هو نوع الأحكام المطبقة فيها والتي تدل على من له الغلبة فيها، كما قال الصاحبان ــ فيما نقله السرخسي ــ (فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب، وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للمسلمين) أهـ. وسوف يأتي في مسألة استيلاء الكفار على دار الإسلام بيان أنه إذا تغلب كافر على الدار وظلت أحكام الإسلام مطبقة (وهو الاستيلاء الناقص) فهى دار إسلام، مما يبيّن أن المناط يرجع إلى الأحكام المطبقة.
ويلاحظ أن كون المناط: نوع الأحكام المطبقة في الدار، هو وصفٌ مناسب للتعليل، وذلك لأن الأحكام ــ لا الحاكم ــ هى التي تصبغ الدار بصبغتها، فأحكام الإسلام بما تأمر به وتنهى عنه تصبغ الدار بصبغة إسلامية، وأحكام الكفر بما تأمر به وتبيحه وبما تنهى عنه تصبغ الدار بصبغة الكفر من إباحة الردة والإلحاد وسب الدين والطعن فيه بلا رادع أو عقوبة، ومن إباحة الربا والزنا والخمر والتبرج والاختلاط، ومن عدم مؤاخذة تارك الصلاة والصيام والزكاة، ومن معاقبة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر خاصة بيده، وشيوع هذا كله وغيره هو من صفات دار الكفر. فالأحكام هى التي تصبغ الدار بصبغتها لا الحاكم، الذي لو أراد شيئا من ذلك فإنه لايتمكن منه إلا بالأمر والنهي، وهذه هى الأحكام فهى إما أمر أو نهي أو إباحة، والحاكم ينفذ ذلك بشوكته.
ومن الأدلة على أن مناط الحكم على الدار: نوع الأحكام المعبرة عن أصحاب الغلبة فيها:
(يُتْبَعُ)
(/)
* قوله تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فِيمَ كنتم، قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) النساء 97. فكون المسلم المخاطب بالهجرة مستضعفاً في أرض ٍ ما يدل على أن الغلبة فيها للكفار، ومثله قوله تعالى (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن من ملتنا) الأعراف 88، فالإضافة في كلمة (قريتنا) هى إضافة نسبة وتملك، أي قرية الكافرين المستكبرين، ويدل على تملكهم لها وغلبتهم عليها تهديدهم المؤمنين بالإخراج منها بما يعني أنهم أصحاب الأمر والنهي فيها، فدلَّ هذا على أن دار الكفر ماكانت الغلبة فيها للكفار وماكان الأمر والنهي فيها للكفار والأمر والنهي هما الأحكام وهما مظهر الغلبة والسلطان. ومثل هذه الآية قوله تعالى (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) إبراهيم 13. ويقال فيها ماقيل في الآية السابقة. فدل مجموع هذه الآيات على أن دار الكفر هى ماكانت الغلبة والأحكام فيها للكفار.
* وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ بعد فتح مكة ــ (لاهجرة بعد الفتح) الحديث متفق عليه، وكانت الهجرة واجبة من مكة لأنها كانت دار كفر حتى الفتح، فصارت دار إسلام وسقط فرض الهجرة منها، والذي تغير بالفتح وتغيرت معه أحكام مكة هو تغير اليد الغالبة عليها من يد الكفار إلى يد المسلمين وما تبع ذلك من تغير الأحكام، فدلّ هذا على أن مناط الحكم على الدار هو اليد الغالبة عليها والأحكام تبع لها، فإن الكافر يحكم بأحكام الكفار والمسلم يحكم بأحكام الإسلام وإلا لكان كافراً. وفي بيان هذا المناط قال ابن حزم رحمه الله (لأن الدار إنما تنسب للغالب عليها والحاكمناط الحكم على الدار
مناط الحكم هو عِلّته، وسميت العلة مناطاً لأنها مكان نوطه أي تعليقه، وسميت عِلة لأنها أثرت في المحل كعِلّة المريض، فالعلة هى الوصف الذي عُلِّق عليه الحكم، فإذا وُجِدَ الوصف وُجِدَ الحكم وإلا فلا، وهذا هو معنى قول العلماء (الحكم يدور مع عِلته وجوداً وعدماً).
وقد تضمنت أقوال العلماء السابقة ذِكر سببين للحكم على الدار: الأول (القوة والغلبة) كما قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن (لأن البقعة إنما تُنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة). والسبب الثاني (نوع الأحكام المطبقة فيها) كما ورد في كلام سائر من نقلنا عنهم. وعند التحقيق فإن السببين يرجعان إلى شيء واحد هو مناط الحكم على الدار، ولاتناقض بين السببين: لأن الغلبة والأحكام قرينان، فلا يكون المتغلِّب متغلباً إلا إذا كان هو صاحب الأمر والنهي، فالأمر والنهي هما من أهم مظاهر الغلبة والسلطان، فالسلطان المسلم يطبق أحكام الإسلام وإلا لما كان مسلماً، والسلطان الكافر يطبق أحكام الكفر. وبهذا يكون مناط الحكم على الدار هو نوع الأحكام المطبقة فيها والتي تدل على من له الغلبة فيها، كما قال الصاحبان ــ فيما نقله السرخسي ــ (فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب، وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للمسلمين) أهـ. وسوف يأتي في مسألة استيلاء الكفار على دار الإسلام بيان أنه إذا تغلب كافر على الدار وظلت أحكام الإسلام مطبقة (وهو الاستيلاء الناقص) فهى دار إسلام، مما يبيّن أن المناط يرجع إلى الأحكام المطبقة.
ويلاحظ أن كون المناط: نوع الأحكام المطبقة في الدار، هو وصفٌ مناسب للتعليل، وذلك لأن الأحكام ــ لا الحاكم ــ هى التي تصبغ الدار بصبغتها، فأحكام الإسلام بما تأمر به وتنهى عنه تصبغ الدار بصبغة إسلامية، وأحكام الكفر بما تأمر به وتبيحه وبما تنهى عنه تصبغ الدار بصبغة الكفر من إباحة الردة والإلحاد وسب الدين والطعن فيه بلا رادع أو عقوبة، ومن إباحة الربا والزنا والخمر والتبرج والاختلاط، ومن عدم مؤاخذة تارك الصلاة والصيام والزكاة، ومن معاقبة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر خاصة بيده، وشيوع هذا كله وغيره هو من صفات دار الكفر. فالأحكام هى التي تصبغ الدار بصبغتها لا الحاكم، الذي لو أراد شيئا من ذلك فإنه لايتمكن منه إلا بالأمر والنهي، وهذه هى الأحكام فهى إما أمر أو نهي أو إباحة، والحاكم ينفذ ذلك بشوكته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن الأدلة على أن مناط الحكم على الدار: نوع الأحكام المعبرة عن أصحاب الغلبة فيها:
* قوله تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فِيمَ كنتم، قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) النساء 97. فكون المسلم المخاطب بالهجرة مستضعفاً في أرض ٍ ما يدل على أن الغلبة فيها للكفار، ومثله قوله تعالى (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن من ملتنا) الأعراف 88، فالإضافة في كلمة (قريتنا) هى إضافة نسبة وتملك، أي قرية الكافرين المستكبرين، ويدل على تملكهم لها وغلبتهم عليها تهديدهم المؤمنين بالإخراج منها بما يعني أنهم أصحاب الأمر والنهي فيها، فدلَّ هذا على أن دار الكفر ماكانت الغلبة فيها للكفار وماكان الأمر والنهي فيها للكفار والأمر والنهي هما الأحكام وهما مظهر الغلبة والسلطان. ومثل هذه الآية قوله تعالى (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) إبراهيم 13. ويقال فيها ماقيل في الآية السابقة. فدل مجموع هذه الآيات على أن دار الكفر هى ماكانت الغلبة والأحكام فيها للكفار.
* وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ بعد فتح مكة ــ (لاهجرة بعد الفتح) الحديث متفق عليه، وكانت الهجرة واجبة من مكة لأنها كانت دار كفر حتى الفتح، فصارت دار إسلام وسقط فرض الهجرة منها، والذي تغير بالفتح وتغيرت معه أحكام مكة هو تغير اليد الغالبة عليها من يد الكفار إلى يد المسلمين وما تبع ذلك من تغير الأحكام، فدلّ هذا على أن مناط الحكم على الدار هو اليد الغالبة عليها والأحكام تبع لها، فإن الكافر يحكم بأحكام الكفار والمسلم يحكم بأحكام الإسلام وإلا لكان كافراً. وفي بيان هذا المناط قال ابن حزم رحمه الله (لأن الدار إنما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها والمالك لها) (المحلى) 11/ 200. هذا مناط الحكم على الدار.
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[17 - Sep-2008, مساء 10:12]ـ
قال ابن القيم رحمه الله (قال الجمهور: دار الإسلام هى التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام، ومالم تجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها، فهذه الطائف قريبة إلى مكة جداً ولم تصر دار إسلام بفتح مكة) (أحكام أهل الذمة)
?? ((بخصوص معنى ظهور أحكام الإسلام من عدمها)) ??
فنقول: إن الكثير ممن لم يتأصلوا في فهم مصطلحات أهل العلم لا يفهمون كلامهم -غالبًا- (بصورة صحيحة)!. ويزداد هذا الأمر إذا ما وافق ذلك الفهم أهواءً مكبوتة!، وأفكارًا منشودة!، ورغبات! مرصودة!؛ فيضل هؤلاء بذلك، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}!!. وصدق العلامة ابن القيم إذ يقول -كما في "المدارج" (3/ 521) -: «والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما أعظم الباطل!!، ويريد بها الآخر محض الحق» اهـ.
ومن هذا؛ ما فهمه الكثيرون! من عبارة «أحكام الكفر» أو «حكم الكفر»، وعبارة «أحكام الإسلام» أو «حكم الإسلام».
فهم يفهمونها فهمًا خاطئًا، أو إن شئت فقل: فهمًا محدودًا وضيقًا (!)؛ فإنهم يفسرونها بـ «قوانين الإسلام»، و «قوانين الكفر»؛ وهذا خطأ ظاهر!، فليس المقصود من هذه العبارات القوانين الحاكمة (فقط)!!؛ وإنما المقصود بذلك: (جميع) أحكام الإسلام من تحكيم الشرع وتحريم المحرمات، وإقامة الشعائر الظاهرة كالصلاة والجمعات والأعياد والحج .. إلخ.
ثم إن مقصود أهل العلم بظهور هذه الأحكام؛ أنها إذا ظهرت (باشتهار) و (غلبة) وأمن؛ فالدار دار إسلام. لأن ظهورها بهذه الكيفية مما يدل على سيادة المسلمين وغلبتهم على هذه الدار؛ ولذلك اكتفى بعض العلماء بظهور (بعضها) لا (كلها) للحكم بإسلام الدار؛ فإن ظهور ذلك البعض مما يؤكد المناط المذكور آنفًا؛ ألا وهو سيطرة المسلمين وأمنهم وامتلاكهم للدار، وقد سبق طرفًا من أقوالهم في ذلك.
- ويوضح هذا المصطلح صاحب "الدر المحتار" (4/ 356) فيقول: «ودار الحرب تصير دار الإسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها ((كجمعة وعيد))» اهـ
- وكذلك يصرح صاحب "الدر الحكام" (1/ 331)؛ فيقول: «ودار الحرب تصير دار إسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها؛ ((كإقامة الجمع والأعياد))، وإن بقي فيها كافر أصلي!» اهـ.
(يُتْبَعُ)
(/)
- ويقول الدكتور البوطي "قضايا معاصرة" (1/ 182): «المقصود من ظهور أحكام الإسلام فيها: ظهور الشعائر الإسلامية الكبرى؛ ((كالجمعة والعيدين وصوم رمضان والحج))، دون أي منع أو حرج. وليس المقصود بها أن تكون القوانين المرعية كلها إسلامية!!».اهـ
ويؤكد ذلك؛ ما نقلتُه عن (جميع) الفقهاء؛ أنهم يعتبرون الدار التي غلب عليها المسلمون؛ فملكوها، وصالحوا أهلها بخراج؛ أنهم يعتبرونها دار إسلام، وإن حُكِم فيها بحكم الطاغوت!.
وبرهان ذلك -من بعض ما نقلتُ- أن الشيخ أبا بطين قال: «فدارُ الإسلامِ: هَي التي تجري أحكام الإسلام فيها، ((وإن لم يكن أهلُها مسلمين))، وغيرها دار كفرٍ» اهـ.
قلتُ:
فتأمل! قوله: «تجري أحكام الإسلام» مع قوله «وإن لم يكن أهلُها مسلمين»؛ فهل يجري الحكم بقوانين الإسلام على اليهود والنصارى؟!.
فهذا يدلك أن المقصود من «ظهور أحكام الإسلام»: أن أحكام الإسلام من شعائر ظاهرة تجري في أي وقت وباشتهار وأمن الإسلام في هذه البلاد، متى شاء المسلمون ذلك؛ فهذا -كما سبق بيانه- مما يدل على أن للمسلمين السيادة فيها؛ فهي دار إسلام.
والذي تغير بالفتح وتغيرت معه أحكام مكة هو:
1 - تغير اليد الغالبة عليها من يد الكفار إلى يد المسلمين
2 - وما تبع ذلك من تغير الأحكام
فدلّ هذا على أن مناط الحكم على الدار هو اليد الغالبة عليها والأحكام تبع لها
هذا الكلام صحيح في الجملة؛ إلا أن ذكر ظهور الأحكام مما لا اعتبار له في ذكر مناط الحكم على الدار.
والدليل على صحة قولي:
أن مكة أصحبت دار إسلام بمجرد تغلب المسلمين عليها، ودخولهم لها، وامتلاكهم إياها؛ حتى قبل أن يظهروا أحكام الإسلام فيها. ولا أظن منصفًا يأبى ذلك.
فلا فائدة من ذكر (ظهور الأحكام) مع المناط إلا إن كان سيقيد ذلك؛ كما قيده بعض الحنفية والصاحبان.
? وكما ذكر: أن الأحكام تابعة للغلبة، وليست العكس:
? فإذا (تغلب) المسلمون على الدار و (ملكوها)؛ فلا عبرة بتغير الأحكام أو بعضها؛ طالما أن المسلمين هم (الغالبون) (المالكون) للدار؛ فتبقى الدار على الإسلام.
? أما إذا ظهرت أحكام الكافرين 1 - (بغلبة الكافرين)، 2 - (وتملكهم للديار)؛ فلا شك في صيرورة الدار للكفر حينئذٍ؛ وذلك على مذهب الصاحبين.
فإن الكافر يحكم بأحكام الكفار والمسلم يحكم بأحكام الإسلام وإلا لكان كافراً. وفي بيان هذا المناط قال ابن حزم رحمه الله (لأن الدار إنما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها والمالك لها) (المحلى) 11/ 200. هذا مناط الحكم على الدار.
إن كان يقصد أحكام الإسلام - (كالشعائر الظاهرة) وغيرها وليس الحكم بالشرع فقط-؛ كما أوضجنا آنفًا؛ فكلامه صحيح بالنسبة إلى الحاكم. فالكافر هو الذي لا يُجري أحكام الإسلام الظاهرة كالصلاة وغيرها من أحكام الإسلام (مجتمعة).
لكن هذا المناط لا دليل عليه أصلاً؛ فضلا عن أن يكون هو المؤثر على الدار؛ فالمناط المعتبر -كما أثبتناه آنفًَا- هو: (الغلبة والتملك).
ولا ضير على الدار حينئذٍ -مع غلبة المسلمين وتملكهم لها- إذا حكموا بغير ما أنزل الله؛ لأن ذلك لا يكون مؤثرًا ألبتة (إلا) إذا ظهر بغلبة الكافرين على الدار وتملكهم لها؛ كما بينا من مذهب الصاحبين، وغيرهما ممن يشترطون ذلك للحكم على الدار بظهور أحكام الكفر.
فإنهم اشترطوا في صيرورة الدار للكفر؛ أن تظهر أحكام الكفر (بغلبة الكافرين)، (وتملكهم للدار)؛ أما إذا ظهرت أحكام الكفر أو بعضها بإرادة المسلمين؛ مع كونهم الغالبين على الدار والمالكين لها؛ فإن ذلك لا يؤثر على الدار بحال؛ كما أوضحنا من مذهبهم آنفًا.
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[17 - Sep-2008, مساء 10:18]ـ
قال ابن عابدين في "حاشتية" (4/ 355 - 356): «وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز وبعض البلاد التابعة كلها دار إسلام، لأنها ((وإن كانت لها حكام دروز أو نصارى، ولهم قضاة على دينهم)) وبعضهم يعلنون بشتم الإسلام والمسلمين، لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا، وبلاد الإسلام محيطة ببلادهم من كل جانب وإذا أراد ولي الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها» اهـ.
ويقرر الشوكاني -في "السيل الجرار" (4/ 575) - ما ذهبنا إليه هنا؛ فيقول:
«الاعتبار ((بظهور الكلمة)) فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام. ((ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها))؛ لأنها ((لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم))، كما هو مشاهد في أهل الذمة -من اليهود والنصارى والمعاهدين- الساكنين في المدائن الإسلامية. وإذا كان الأمر العكس؛ فالدار بالعكس» اهـ.
ولقد سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله -كما في "رسائله" (1/ 203) و"الدرر السنية" (9/ 254 - 255) -؛ سئل عن البلدة يكون فيها شيء من مشاهد الشرك، ((والشرك فيها ظاهر))، مع كونهم يشهدون الشهادتين، مع عدم القيام بحقيقتها، ويؤذنون، ويصلون الجمعة والجماعة، مع التقصير في ذلك، هل تسمى دار كفر، أو دار إسلام؟.
فأجاب:
«فهذه المسألة: يؤخذ جوابها مما ذكره الفقهاء، في بلدة ((كل أهلها)) يهود، أو نصارى، أنهم إذا بذلوا الجزية، صارت بلادهم بلاد إسلام; وتسمى دار إسلام.
فإذا كان أهل بلدة نصارى، يقولون في المسيح أنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، أنهم إذا بذلوا الجزية سميت بلادهم بلاد إسلام، فبالأولى -فيما أرى- أن البلاد التي سألتم عنها، وذكرتم حال أهلها، أولى بهذا الاسم، ومع هذا يقاتلون لإزالة مشاهد الشرك، والإقرار بالتوحيد والعمل به ..... "اهـ. قلتُ: وهذا القتال له ((ضوابط)) ليس ههنا محل تفصيلها.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[17 - Sep-2008, مساء 11:03]ـ
أبا رقية،
أرجو أن تجيبني عن سؤالي ..
بلادنا عندما كانت تحت الاستعمار، هل كانت ديار إسلام أم ديار كفر؟
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 01:36]ـ
بلادنا عندما كانت تحت الاستعمار، هل كانت ديار إسلام أم ديار كفر؟
سأعتبر كلامك هذا ليس من باب إثارة الشبه، والتشغيب من غير دليل!؛ وإنما من باب الاستفسار؛ وهذا إحسانًا للظن بك.
وقبل أن أجيب على سؤالك؛ أريد أن أوضح لك شيئًا:
فأقول: إن مقصدنا بالغلبة والتملك؛ إنما هو (تمام) الغلبة والتملك؛ لا مجرد دخول الديار والاستيطان فيها؛ كما حدث من أمر الاستخراب ... أقصد الاستعمار!! ... في بلاد المسلمين.
كما ذكر السرخسي –"المبسوط" (10/ 114) - موضحًا وجهة إمامه قائلاً: «لأن هذه البلدة كانت من دار الإسلام محرزة للمسلمين فلا يبطل ذلك الإحراز إلا ((بتمام القهر)) من المشركين» اهـ
وبالمثال يتضح المقال:
هل أفغانستان صارت دار كفر؛ بمجرد دخول الأمريكيين لها؟!
وهل صارت فلسطين دار كفر؛ بمجرد دخول اليهود لها؟!
الجواب: لا؛
حتى (تتم) غلبتهم عليها، ويعجز المسلمون (تمامًا) عن إخراجهم، وتنطفئ كل نيران المقاومة؛ كما كان من أمر الأندلس.
وبالمقابل يتضح القول أكثر:
هل إذا دخل المسلمون دار كفر ليفتحوها؛ هل تصير دار إسلام بمجرد دخولهم لها؟!
الجواب: لا؛
فلا تصير كذلك حتى (تتم) غلبتهم عليها؛ فيتملكوها (تمامًا). فإن لم تتم الغلبة للمسلمين عليها، وكانت هناك مقاومة من أهلها؛ فهي (دار حرب)؛ وإن كان أكثر الغلبة فيها للمسلمين.
وضابط المقاومة المعتبرة:
أنها هي المقاومة التي يعجز الغازي معها عن الإقامة الآمنة في هذه الديار.
أما عن الجواب على سؤالك؛ فأقول:
إن ديارنا وقت دخلها (الاستخراب) كانت دار إسلام (بلا شك أو تردد).
لأن المسلمين كانوا يواجهونهم ويقاومونهم بما استطاعوا.
ثم إن غلبة هؤلاء المستخربين لم تتم على ديارنا؛ وإن كانت لهم أكثر الغلبة عليها.
فمناط صيرورة الدار للكفر (=الغلبة والتملك التامان) لم يتحقق؛ ولهذا كانت ديارنا إسلامية، ولم تصر إلى الكفر أبدًا.
فإن خالفتنا فيما ذهبنا إليه؛ فنرجو منك أن تبين لنا حكم أفغانستان و فلسطين في وجهة نظرك؛ هل هما دارا كفر أم دارا إسلام؟!
ـ[ابو حمدان]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 02:05]ـ
ماشاء الله
ـ[أبو عبد الرحمن المغربي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 02:43]ـ
(أبا رقية)
كلامك السابق لو نزلناه على إسرائيل لا يمكن أن تكون إلا دولة إسلامية تجب الهجرة إليها! , على الأقل قبل اتفاقية (أوسلو).
فالجماعة و الجمعة تقام فيها و المقاومة موجودة و اليهود غير أمنيين ...
فكر قبل الكتابة هداك الله و لا تفضح نفسك بنفسك.
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 02:57]ـ
(أبا رقية)
كلامك السابق لو نزلناه على إسرائيل لا يمكن أن تكون إلا دولة إسلامية تجب الهجرة إليها! , على الأقل قبل اتفاقية (أوسلو).
فالجماعة و الجمعة تقام فيها و المقاومة موجودة و اليهود غير أمنيين ...
فكر قبل الكتابة هداك الله و لا تفضح نفسك بنفسك.
ما شاء الله على الذكاء!، والنباهة!!
يا أخانا؛ لماذا تضطرني أن أعيد ما سبق ورددت عليه؟!
ألأنك لم تكلف نفسك بقراءة ما سبق؟!
إليك (نفس) الرد على (نفس) الإلزام!؛ والذي رددته على غيرك!:
قلت بالحرف الواحد في (المشاركة رقم 50 #) ( http://majles.alukah.net/showpost.php?p=142331&postcount=50):
=============== بداية المشاركة===============
أبو رقية - هداه الله - يرى أنه بإقامة الجمعة والعيدين تصبح دار إسلام .. فعليه أمريكا وإسرائيل دارا إسلام ..
إنما هذا محض كذب وافتراء علىَّ؛ وأكبر دليل على ذلك قولي الذي تعاميت عنه:
ينبغي أن يعلم الجميع أن (جميع) الفقهاء قد (اتفقوا) على أن مناط الحكم على الدار بالإسلام هو: ((سيطرة المسلمين على الدار وسيادتهم عليها وامتلاكهم لها)) إلا أنه قد وقع منهم عبارات متباينة في التعبير عن هذا المناط حسبها البعض اختلافًا متباينًا؛ فعدوها أقوالاً مختلفة؛ وليس كذلك!.
فإن كثيرًا من الفقهاء من ((ينص)) على هذا المناط بعينه، ومنهم من ((يعبر)) عنه بلوازمه وعلاماته من:
[1] ظهور وغلبة أحكام الإسلام،
[2] أو ظهور بعضها،
(يُتْبَعُ)
(/)
[3] أو ظهور أمن وأمان الإسلام المطلق.
لأن ظهور (جميع) هذه الأشياء أو (بعضها) تكفي عندهم في الدلالة على سيادة المسلمين وتمكنهم من الدار (=مناط الحكم على الدار). ولذلك فإن النبي (ص) -كما ثبت عنه- كان يمسك عن الدار التي يُسمع فيها الأذان.
والدليل على أن هذا المناط -وهو (سيطرة المسلمين على الدار وسيادتهم عليها وامتلاكهم لها) - هو المناط المعتبر: حديث بريدة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -؛ قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ ... ثُمَّ قَالَ: ... وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ [1] ... [2] ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى (((دَارِ الْمُهَاجِرِينَ))) ... [3] ... » أخرجه مسلم.
وفي هذا الحديث أن النبي (ص) أضاف دار الإسلام (=المدينة) إلى المهاجرين لوجودهم فيها وسيادتهم عليها.
فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
أما قولي الذي تستشهد به على كذبك؛ فأنا لم أورده تبيانًا لمناط الحكم على الدار؛ وإنما أوردته مبوبًا عليه بقولي الذي هو ظاهر للعميان!:
?? ((أما بخصوص معنى ظهور الأحكام من عدمها)) ??
فكل ما نقلته من نقولات تحت هذا الباب؛ إنما هو من أجل بيان الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون!؛ بفهمهم عبارة «أحكام الكفر» أو «حكم الكفر»، وعبارة «أحكام الإسلام» أو «حكم الإسلام»؛ على أنها «قوانين الإسلام»، و «قوانين الكفر».
وليس معنى ذلك أنني أرى أن ظهور هذه الأحكام كاف في الحكم على الدار بالإسلام كما افتريت عَلَيَّ. فالأمر قد بينتُه آنفًا بالتفصيل؛ فلا أعيد.
فلو أنك تقرأ أصلاً يا أبا شعيب؛ لما رميتني بما رميت!؛ فالله المستعان على سوء الفهم!، والكذب!، والبهتان!.
==================انتهى======= ===========
وأقول لك يا أيها المغربي!:
فلو أنك تقرأ أصلاً أيها المغربي!؛ لما رميتني بما رميت!؛ فالله المستعان على سوء الفهم!، والكذب!، والبهتان!.
فكر قبل الكتابة هداك الله، ولا تفضح (عقلك)! بنفسك!!.
ـ[أبو عبد الرحمن المغربي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 03:01]ـ
طيب وضح لو سمحت سبب كون اسرائيل دار كفر
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 03:08]ـ
طيب وضح لو سمحت سبب كون اسرائيل دار كفر
السبب بكل بساطة هو تحقق المناط عليها؛ ألا وهو تغلب اليهود الكافرين التام عليها، وامتلاكهم التام لها؛ وطبيعي أن يتبع ذلك إجراء أحكامهم فيها، وكذلك أمنهم.
ـ[أبو عبد الرحمن المغربي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 03:11]ـ
اليهود آمنون في إسرائيل؟!
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 03:37]ـ
اليهود آمنون في إسرائيل؟!
في إسرائيل: نعم، وفي فلسطين: لا
وأرجو أن تدع هذا الأسلوب!؛ فإن كان لديك دليل أو شبهة!؛ فلتطرح كل ما في جعبتك مرة واحدة؛ لننظر فيه.
فكفى لفًا ودورانًا يا إخوان.
أسأل الله لي ولكم الهداية إلى الحق.
ـ[أبو عبد الرحمن المغربي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 04:26]ـ
تريد نصرة قولك و لو بما أستقر وعُرف بطلانه عند جميع الناس
لم أتوقع أن تكون المكابرة بهذا الشكل
96% من اليهود لا يشعرون بالأمن في إسرائيل
و الهجرة العكسية واقع يُقر به اليهود
لعلهم يغيرون رأيهم لو يقرؤون ما تكتب
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 05:23]ـ
تريد نصرة قولك و لو بما أستقر وعُرف بطلانه عند جميع الناس
لم أتوقع أن تكون المكابرة بهذا الشكل
96% من اليهود لا يشعرون بالأمن في إسرائيل
و الهجرة العكسية واقع يُقر به اليهود
لعلهم يغيرون رأيهم لو يقرؤون ما تكتب
هداكم الله يا أخانا
? أولاً:
أنا لا أكابر كما تفتري عليَّ؛ ثم هذه النسب التي تدعيها! غير حقيقية بالمرة؛ لأنها ليست من أي جهة رسمية. ثم لو كان كلامُك صحيحًا بالفعل أن (96%)!! غير آمنين في إسرائيل، وأنهم يهاجرون منها؛ لما كانت المصيبة كما نرى!!؛ ولَهَانَ الأمرُ كثيرًا. فمن أحق بالمكابرة منا؟!.
? ثانيًا:
حتى لا نخرج عن الموضوع إلى هذه التفاهات!!؛ فبغض النظر عن إسرائيل. هل لا يوجد دول للكفر غيرها؟! فعندك أمريكا مثلاً؛ بل سائر دول الكفر في أوربا؛ هل هم ليسوا آمنين في بلادهم؛ أليس ذلك الأمن تابعًا لتمام غلبتهم على الدار، وتمام امتلاكهم لها.
(يُتْبَعُ)
(/)
? ثالثًا:
إنني لم أذكر الأمن إلا تابعًا للغلبة والتملك التامين؛ واللذان هما مناط الحكم على الدار؛ حيث قلتُ: (السبب -أي في الحكم على إسرائيل بالكفر- بكل بساطة هو تحقق المناط عليها؛ ألا وهو تغلب اليهود الكافرين التام عليها، وامتلاكهم التام لها؛ وطبيعي أن يتبع ذلك إجراء أحكامهم فيها، وكذلك أمنهم) اهـ.
فالأمن ليس مؤثرًا بذاته في الحكم على الدار؛ وإنما هو تابع فقط، وقد جعله بعض العلماء قرينة تدل على المناط؛ فعدوه شرطًا من شروط الحكم على الدار؛ وليس صحيحًا؛ كما أوضحنا آنفًا. لأن الأمن نسبي؛ فقد يكون المسلمون في ديار الإسلام، ولا يشعرون بالأمن الكافي فيها. فالمناط المعتبر الذي دلت عليه الأدلة؛ هو (الغلبة والتملك)، وما يتبعه بعد ذلك؛ وإن تفاوت فيه!.
فما سر تمسكك بلفظة (الأمن) في عبارتي السابقة؛ مع أني لم أذكرها إلا تهميشًا لها؟!
أم أنه التهويش! الفارغ؟!
? رابعًا:
هل (لو) أخطأتُ بالفعل بشأن ما ذكرتُه عن إسرائيل؛ هل سيؤول تأصيلي السابق إلى انهدام؟!
فعجبًا لك!، ثم عجبًا لك!!؛ أفهم من اعتراضاتك أنك تعترض على تأصيلاتي (العلمية) بكون اليهود في إسرائيل غير آمنين كما تزعم!!.
صدق أبو الطيب المتنبي؛ حين قال:
____ـ____ذُو الْعَقْلِ يَشْقَى في النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ ??? وَأَخُو الْجَهَالَةِ في الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ!
____ـ____وَمِنَ البَلِيَّةِ عَذْلُ مَنْ لا يَرْعَوي ??? عَنْ جَهْلِهِ وَخِطَابُ مَنْ لا يَفْهَمُ
وفي الحقيقة .... بدأت أستحقر نفسي لأني مازلتُ أرد على تفاهاتك!! هذه؛ فَبَعْدَ (أبي شعيب) و (الدهلوي) وغيرهم من الإخوة الذين يتناقشون (بالعلم) شيئًا ما؛ قد ابْتُلِينَا بكم!!.
____ـ____وإذا بُلِيتُ بـ ..... ٍ!؛ ...... ٍ! ??? يَدْعُو الْمُحَالَ مِنَ الأُمُورِ صَوَابًا
____ـ____أوليتُهُ مِنِّي السكوتُ وربما ??? كانَ السُّكُوتُ عَنِ الْجَوَابِ جَوَابًا
فطالما أنك لا تدري شيئًا، ولا تملك علمًا؛ ولا تنوي الطرح الْجِدِّي؛ فأفسح مجال النقاش لغيرك!، ولا تشغلنا بهذه التفاهات!، والتي لا طائل من الكلام فيها.
فهل نحن نتكلم عن إسرائيل وأمنها وغير ذلك!؛ أم نتكلم في مسألة علمية (تختص) بالحكم على الدار بالإسلام أو الكفر؟!
أسأل الله أن يهديك، ويعصمك من شيطانك!
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 05:34]ـ
(أبا رقية)،
لم أقصد إثارة الشبهات .. فقط وددت الاستفصال أكثر عن مذهبك، وهذا لا يُعلم إلا بإنزال هذه الأحكام على الواقع.
أما عن الحكم الشرعي العام، فنعم، أتفق معك فيه، فجزاك الله خيراً .. ولست أكابر أو أعاند، فالحق أجلى من أن يُردّ ..
ولكن دعنا نتفق على أمر ما ..
- هل ترى أن البلاد المسلمة التي رأت في نفسها العجز عن قتال المحتل الكافر، بعدته وعتاده، وبأسه وسلطانه، فسكنت ورضخت، تكون بلاد كفر؟
ـ[أبو عبد الرحمن المغربي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 05:44]ـ
التفلسف و القفز على الحقائق لا يُقابل بالعلم و بخاصة إذا اقترن بالمكابرة
الذي يصلح في هذه الأحوال هو بيان فساد قول المخالف بمجرد أن يُنزل على الواقع
و هذا ما تم بحمد الله بحيث لم يسلم لك تأصيلك المزعوم
ما ذكرته أنا من نسبة عدم الأمن أنكرتها دون العلم بمصدرها و حكمتَ بأنها غير رسمية مما يُبين أن المكابرة مُستحكمة مع الأسف الشديد
أعانك الله على ما أنت فيه
ـ[أبو البراء الأندلسي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 06:15]ـ
الأخ الكريم أبو رقية لدي أسئلة
1 - ماذا تقصد بالغلبة؟ هل لا بد من القتال أم يكون أيضا بدونه؟
2 - ماذا تقصد بأحكام الكفر؟ بين لي حكما من أحكام الكفر.
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 07:47]ـ
- هل ترى أن البلاد المسلمة التي رأت في نفسها العجز عن قتال المحتل الكافر، بعدته وعتاده، وبأسه وسلطانه، فسكنت ورضخت، تكون بلاد كفر؟
إذا هاجمت إحدى دول الكفر إحدى الدول الإسلامية؛ فإنه (يجب) عليهم -حينئذٍ- الدفع عن بلادهم بكل ما يملكون من قوة؛ وإن كانت قوتهم لا تساوي شيئًا بجانب قوة الكفار الغازين؛ فالجهاد في هذه الحالة فرض عين على كل مسلم، ولا يجوز التخلف عنه بحال.
فإذا (تمكن) الكفار منهم (تمامًا)؛ فعجزوا عن مقاومتهم؛ فالدار -حينئذٍ- دار كفر، ولكن ينظر أهل العلم -حينئذٍ- فيما يصلح:
(يُتْبَعُ)
(/)
• فإن أُذِنَ لهم في إقامة شعائر دينهم، والجهر بها، والدعوة إليها، وأمنوا على أنفسهم من الفتنة في دينهم؛ فيجوز لهم البقاء في هذه الدار.
• وإن كان غير ما سيق؛ (فيجب) الهجرة منها؛ كما كان من أمر النبي (ص).
• فإن لم يستطيعوا الهجرة منها إلى غيرها؛ فيبقون فيها، وعليهم بإقامة دينهم قدر الإمكان؛ حتى يستطيعوا الهجرة، أو يمكن الله للمسلمين.
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[18 - Sep-2008, صباحاً 08:05]ـ
1 - ماذا تقصد بالغلبة؟ هل لا بد من القتال أم يكون أيضا بدونه؟
? الغلبة:
____ هي التمكين والتملك والسيطرة (التامة) على الدار.
ولا يشترط القتال لحصول الغلبة؛ كما كان من أمر المسلمين في فتح مكة؛ فقد تغلبوا على الدار (=مكة) دون قتال يذكر.
2 - ماذا تقصد بأحكام الكفر؟ بين لي حكما من أحكام الكفر.
? أحكام الكفر:
____هي كل مظاهر الكفر والشرك (الظاهرة).
أستطيع أن أستشف ما تلمح إليه بسؤالك هذا؛ ولكني لا أجد فائدة تذكر منه؛ إذ أننا ذكرنا أن ظهور أحكام الكفر أو أحكام الإسلام مما لا يؤثر على الحكم على الدار إلا إذا ظهرت هذه الأحكام بالغلبة.
• فلو (تغلب) المشركون على الدار و (امتلكوها)؛ فالدار دار كفر؛ وإن لم تظهر أحكام الكفر فيها.
• ولو (تغلب) المسلمون على الدار و (امتلكوها)؛ فالدار دار إسلام؛ وإن ظهرت أحكام الكفر فيها.
قال ابن عابدين في "حاشتية" (4/ 355 - 356): «وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز وبعض البلاد التابعة كلها دار إسلام، لأنها ((وإن كانت لها حكام دروز أو نصارى، ولهم قضاة على دينهم)) وبعضهم يعلنون بشتم الإسلام والمسلمين، لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا، وبلاد الإسلام محيطة ببلادهم من كل جانب وإذا أراد ولي الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها» اهـ.
ويقرر الشوكاني -في "السيل الجرار" (4/ 575) - ما ذهبنا إليه هنا؛ فيقول:
«الاعتبار ((بظهور الكلمة)) فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام. ((ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها))؛ لأنها ((لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم))، كما هو مشاهد في أهل الذمة -من اليهود والنصارى والمعاهدين- الساكنين في المدائن الإسلامية. وإذا كان الأمر العكس؛ فالدار بالعكس» اهـ.
ولقد سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله -كما في "رسائله" (1/ 203) و"الدرر السنية" (9/ 254 - 255) -؛ سئل عن البلدة يكون فيها شيء من مشاهد الشرك، ((والشرك فيها ظاهر))، مع كونهم يشهدون الشهادتين، مع عدم القيام بحقيقتها، ويؤذنون، ويصلون الجمعة والجماعة، مع التقصير في ذلك، هل تسمى دار كفر، أو دار إسلام؟.
فأجاب:
«فهذه المسألة: يؤخذ جوابها مما ذكره الفقهاء، في بلدة ((كل أهلها)) يهود، أو نصارى، أنهم إذا بذلوا الجزية، صارت بلادهم بلاد إسلام; وتسمى دار إسلام.
فإذا كان أهل بلدة نصارى، يقولون في المسيح أنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، أنهم إذا بذلوا الجزية سميت بلادهم بلاد إسلام، فبالأولى -فيما أرى- أن البلاد التي سألتم عنها، وذكرتم حال أهلها، أولى بهذا الاسم، ومع هذا يقاتلون لإزالة مشاهد الشرك، والإقرار بالتوحيد والعمل به ..... "اهـ.
ـ[أبو شعيب]ــــــــ[19 - Sep-2008, صباحاً 07:06]ـ
جميل يا أبا رقية، بتنا نتفق على بعض المسائل .. ولكن اسمح لي بأن أستفصل منك أكثر حتى نضبط كل مسألة على حدة، ثم نجمعها ونخلص إلى الحكم الشرعي الصحيح في واقعنا المعاصر.
نحن ما زلنا في مسألة: غزو الكفار لبلاد المسلمين، ولم نبرحها بعد .. فعوالقها تحتاج إلى ضبط .. فعليه أسألك:
1 - هل غلبة الكفار التامة على المسلمين تكون بتسلمهم مقاليد الحكم كاملة؟ .. بمعنى: أنهم أسقطوا حكومة المسلمين بحيث لم يعد لهذه الحكومة سلطان يذكر، وفرضوا أحكامهم الكافرة عليهم .. فلم تعد الحدود الشرعية التي تحتاج إلى شوكة تقام في الأرض، كحدّ الزنى والخمر والقتل والسرقة .. وغيرها .. بل حكموا فيهم بشريعة الكفر.
(يُتْبَعُ)
(/)
فالمسلمون في هذه الدار لم يعد لهم سلطان لإقامة حكم الله في الأرض .. ولم يعد لهم إمام يحكم فيهم بكتاب الله .. بل ولم يعودوا شوكة ممتنعة تستطيع بذاتها تحكيم شريعة الله تعالى .. وما ينفذ فيهم إنما هو أحكام الكفر، وإلا فلا حكم.
فعندنا في هذه الحال أمور معتبرة وهي: لا حكم لله في الأرض في تلك البلاد، بل ما يحكمها هو شريعة الطاغوت.
وثانياً: ليس للمسلمين طائفة ممتنعة عن الدخول في سلطان الكافرين، ولا هم يستطيعون اعتزالهم وإقامة شرع الله فيما بينهم.
أوليس هذا هو ما يقصده العلماء بالغلبة التامة؟؟
وأنت بنفسك قررت أكثر من مرة أنه:
ينبغي أن يعلم الجميع أن (جميع) الفقهاء قد (اتفقوا) على أن مناط الحكم على الدار بالإسلام هو: ((سيطرة المسلمين على الدار وسيادتهم عليها وامتلاكهم لها))
والمسلمون الذين احتلهم الكافر وأسقط دولتهم، وملك أكثر أمرهم، بل قل: مناطقهم .. لم يعد للمسلمين عليها سلطان ولا ملكية ..
فإن كنت تشترط حتى تكون البلاد بلاد كفر أن تتحقق فيها الغلبة التامة للكافرين .. فالأمر سيان عند الحكم على بلاد بالإسلام، يجب أن نشترط الغلبة التامة للمسلمين ..
ولكن نجد أن الغلبة الساحقة هي للكافرين .. مع بعض المناوشات والعمليات التي لا ترفع حكم الكافرين عن الأرض .. خاصة في حروب العصابات .. وقد ضربت لنا أمثلة في ذلك، وهي: أفغانستان والعراق.
ولا أريد الخوض في أمر هاتين الدولتين، لأن حديثنا منصب في الأصل على الحكم الشرعي العام .. ولكن الجميع يعلم أن أكثر مناطق هذه الدولتين تحت حكم ونفوذ الكفرة (التامة [بحسب ما قررته أنا]) .. وأن من يقاومهم يأتي من خارج حدود هذه المناطق المحتلة ..
على أي حال ..
فهنا أسألك ..
في البلاد التي يحكمها اليهود والنصارى .. كأفغانستان والعراق .. الغلبة هي للكافرين (وإن كانت غير تامة بحسب قولك) .. وسلطان المسلمين فيها ضئيل ..
فإن كنت تشترط الغلبة التامة (بحسب مفهومك) للكافرين حتى تستحيل البلاد بلاد كفر .. فأين هي الغلبة التامة للمسلمين حتى تبقى بلاداً إسلامية؟؟
وهذا المفهوم للغلبة هو ما قرره العلماء ..
يقول الشوكاني -في [السيل الجرار: 4/ 575]:
الاعتبار بظهور الكلمة (ولم يقل غلبة تامة بمفهومك ولا غيره .. بل اشترط ظهور الكلمة، أي السلطان والنفوذ والبأس والمنعة) فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام، بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام. (وهذا بالضبط ما أقول به .. وما قررته. فإن البلاد المحتلة يظهر فيها الكفر بقوة الكافرين وسلطانهم وغلبتهم، وليس هو مأذوناً له من المسلمين، بل المسلمون مرغمون) ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها؛ لأنها لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم، كما هو مشاهد في أهل الذمة - من اليهود والنصارى والمعاهدين - الساكنين في المدائن الإسلامية. وإذا كان الأمر العكس؛ فالدار بالعكس
ويقول ابن حزم في [المحلى: 11/ 200]:
الدار إنما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها والمالك لها
انظر كيف اشترط الغلبة والحكم والملك .. وهو ما قررته سابقاً .. ولم يقل: غلبة تامة، وقهر تام .. كما تقول .. بل يكفي أن يكون للكافرين سلطان على المسلمين، ونفوذ لأحكامهم، حتى تكون البلاد بلاد كفر.
وأنت تقول:
والشاهد هاهنا: أن يتقرر ((غلط)) من ينزل هذا المذهب على بلادنا الإسلامية؛ فإن الغلبة فيها والسيادة لازالت للمسلمين. ورأي الصاحبين مفترض فيما إذا ((غلب الكفار)) على ديار الإسلام، وسيطروا عليها، وأظهروا أحكامهم فيها بقوتهم وصولتهم وسيادتهم؛ وهذا ليس بمتحقق في بلادنا الإسلامية والحمد لله.
شكراً على البيان .. وقد أجدت في ذلك أيما إجادة.
فيكفي إظهار الكافرين لكفرهم بقوة وسلطة ونفوذ، وأن لا يكون للمسلمين منعة عنهم وعن أحكامهم، حتى نحكم على تلك البلاد بالكفر .. (على الأقل، على مذهب الصاحبين) ..
----------------------------------------
أما كلامك في الحكم بالقانون .. فلن أتطرق إليه الآن حتى ننتهي من ضبط هذه المسألة .. إن شاء الله.
ـ[أبو البراء الأندلسي]ــــــــ[19 - Sep-2008, صباحاً 07:16]ـ
أخي أبو شعيب لعلي أسبق الأحداث و سأسل الأخ أبو رقية سؤال
(يُتْبَعُ)
(/)
هل تعتبر الحكومات الموجودات الآن في بلادنا {بغض النظر عن كفر الحكومات و إسلامها} لديها غلبة تامة على الدار؟
أرجو الإجابة بدون النظر إلى مسألة تكفير الأنظمة.
ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[19 - Sep-2008, صباحاً 07:30]ـ
الأخ المكرم أبو رقية عندي سؤال عن حكم تركيا عندما تغلب عليها العلمانيين وأجروا فيها أحكام الكفر بعد أن اسقطوا الخلافة الإسلامية هل أصبحت دار إسلام أو دار كفر؟؟!! ...
ـ[أبو رقية الذهبي]ــــــــ[19 - Sep-2008, صباحاً 11:12]ـ
نحن ما زلنا في مسألة: غزو الكفار لبلاد المسلمين، ولم نبرحها بعد .. فعوالقها تحتاج إلى ضبط .. فعليه أسألك:
1 - هل غلبة الكفار التامة على المسلمين تكون بتسلمهم مقاليد الحكم كاملة؟ .. بمعنى: أنهم أسقطوا حكومة المسلمين بحيث لم يعد لهذه الحكومة سلطان يذكر، وفرضوا أحكامهم الكافرة عليهم .. فلم تعد الحدود الشرعية التي تحتاج إلى شوكة تقام في الأرض، كحدّ الزنى والخمر والقتل والسرقة .. وغيرها .. بل حكموا فيهم بشريعة الكفر.
فالمسلمون في هذه الدار لم يعد لهم سلطان لإقامة حكم الله في الأرض .. ولم يعد لهم إمام يحكم فيهم بكتاب الله .. بل ولم يعودوا شوكة ممتنعة تستطيع بذاتها تحكيم شريعة الله تعالى .. وما ينفذ فيهم إنما هو أحكام الكفر، وإلا فلا حكم.
فعندنا في هذه الحال أمور معتبرة وهي: لا حكم لله في الأرض في تلك البلاد، بل ما يحكمها هو شريعة الطاغوت.
وثانياً: ليس للمسلمين طائفة ممتنعة عن الدخول في سلطان الكافرين، ولا هم يستطيعون اعتزالهم وإقامة شرع الله فيما بينهم.
أوليس هذا هو ما يقصده العلماء بالغلبة التامة؟؟
وأنت بنفسك قررت أكثر من مرة أن: مناط الحكم على الدار بالإسلام هو: ((سيطرة المسلمين على الدار وسيادتهم عليها وامتلاكهم لها))
والمسلمون الذين احتلهم الكافر وأسقط دولتهم، وملك أكثر أمرهم، بل قل: مناطقهم .. لم يعد للمسلمين عليها سلطان ولا ملكية ..
..........
ولكن نجد أن الغلبة الساحقة هي للكافرين .. مع بعض المناوشات والعمليات التي لا ترفع حكم الكافرين عن الأرض .. خاصة في حروب العصابات .. وقد ضربت لنا أمثلة في ذلك، وهي: أفغانستان والعراق.
? هناك تباين بين ما ذكرتَ!!:
? فإنك ذكرتَ أولاً: بلدًا دخلها الكافرون، وتوفر فيها الظروف الآتية:
1 - أسقطوا حكومة المسلمين بحيث لم يعد لهذه الحكومة سلطان يذكر ... فالمسلمون في هذه الدار 2 - لم يعد لهم سلطان لإقامة حكم الله في الأرض
3 - لم يعد لهم إمام يحكم فيهم بكتاب الله
4 - بل ولم يعودوا شوكة ممتنعة تستطيع بذاتها تحكيم شريعة الله تعالى
5 - ليس للمسلمين طائفة ممتنعة عن الدخول في سلطان الكافرين، ولا هم يستطيعون اعتزالهم وإقامة شرع الله فيما بينهم
ففي هذه الحالة؛ غلبة الكافرين (تامة)؛ إذ ليس للمسلمين شوكة لعمل شيء أصلاً!. فالدار تزحزحت -بهذا الحال- عن أصلها؛ أي صارت دار كفر بعدما كانت دار إسلام.
? ثم ذكرتَ ثانيًا: بلدًا دخلها الكافرون، وتوفر فيها الظروف الآتية:
1 - الغلبة الساحقة هي للكافرين.
2 - وجود بعض المناوشات والعمليات؛ كحروب العصابات؛ وإن كانت لا ترفع حكم الكافرين عن الأرض.
وفي هذه الحالة؛ المسلمون لهم شوكة ومنعة؛ بدليل أنهم مازالوا يواجهون الكافرين؛ وإن كانت الكثرة للكافرين عليهم، ولكنهم لم يتغلبوا (تمامًا) عليهم بعد.
ففي هذه الحالة: الدار باقية على أصلها؛ ألا وهو الإسلام، ولا تصير دار كفر إلا (بتمام) غلبة الكافرين عليها؛ كما ذكرنا.
فإن كنت تشترط حتى تكون البلاد بلاد كفر أن تتحقق فيها الغلبة التامة للكافرين .. فالأمر سيان عند الحكم على بلاد بالإسلام، يجب أن نشترط الغلبة التامة للمسلمين ..
........
فإن كنت تشترط الغلبة التامة (بحسب مفهومك) للكافرين حتى تستحيل البلاد بلاد كفر .. فأين هي الغلبة التامة للمسلمين حتى تبقى بلاداً إسلامية؟؟
الأصل في البلاد التي امتلكها المسلمون -أصالة أو فتحًا-، وكانت تحت غلبتهم وسيطرتهم؛ الأصل في هذه البلاد أنها دار إسلام.
ولا يتغير هذا الأصل بحال (إلا) بزواله (تمامًا)؛ أي بغلبة الكفار (التامة) على الدار.
فقولك: (أنه يشترط للحكم على الدار بالإسلام أن تكون الغلبة التامة للمسلمين):
(يُتْبَعُ)
(/)