هل هناك صورة جمالية؟
ـ[المعلم الفاضل]ــــــــ[28 - 10 - 2010, 03:04 م]ـ
(الله نور السموات والأرض) هل هنا يوجد صورة جمالية؟؟(/)
عن الحياء
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 10 - 2010, 04:21 ص]ـ
من حديث: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له:
فذلك من قبيل الاستعارة التصريحية لفعل الإلقاء الحسي بيانا لفعل النزع المعنوي لخلق الحياء، بمباشرة ما يخدشه بل يدميه ويقتله من المحرمات بل وخوارم المروءات ولو كانت من جملة المباحات، فليس كل مباح مما تحسن مباشرته فمنه ما هو دني يتنزه عنه أصحاب الوجاهات، ولذلك نزه الرب، جل وعلا، الرسل، عليهم السلام، عن جملة من الخلائق كأكل في الطرقات، والصنائع كحجامة ونحوه، فإن كانت تلك الأفعال في نفسها مباحة، ولو برسم الكراهة، ولو تنزيهية خفيفة، إلا أنها لا تنفك في مباشرتها عن هيئات تخل بكمال النفس، فالأكل من جملة الشهوات التي يحسن الاستتار حال مباشرتها، وإن كانت السنة في الاجتماع عليه، فـ: "خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي"، فالاجتماع، أيضا، لا يحسن إلا في محل قد أعد لتناول الطعام، فلا يحسن بداهة الاجتماع في الطريق، فذلك مظنة هتك الستر، فيصير الآكل مادة نقد واستياء من جملة السائرين، فالحياء الذي يسبله الله، عز وجل، على عباده الصالحين من الأنبياء والأولياء يمنع صاحبه من مقارفة ما يخدش المروءات، فإذا نزع جلباب الحياء، وذلك مظنة زوال الإيمان، إما زوالا كاملا، فالكفار الأصليون مظنة الوقوع في خوارم المروءة، فقد هتكوا ستر العبودية، فليس بعده ستر يصان، فليس بعد الكفر ذنب، فالفواحش فيهم قد ظهرت برسم الاستعلان بل قد أعدت لها المنتجعات والشواطئ، وبعض أمصار المسلمين قد ارتضى أهله استقبال وفود من الفساق والشواذ بل والقيام على خدمتهم طوال مدة زيارتهم المشئومة التي يصيب بلاد المسلمين من شؤمها ما يصيب! فلا خير في درهم محرم، ولو كثر، فكيف إن كان هذا الدرهم قد نيل ببذل الدين والمروءة، فليت فيه كرامة ولو بمقتضى العرف، فليس فيه من ذلك شيء فلا كرامة في نيله بمقتضى الشرع فهو من المحرم الصريح فالقيام على خدمة الفساق من التعاون المنهي عنه برسم: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، فما تولد عنه بداهة فله حكمه، فللفرع المتولد حكم الأصل الذي صدر عنه، أو بمقتضى الطبع، فخدمة البشر مما تأنف منه النفوس الكاملة إلا إن كان لذوي الرياسات الدينية من أنبياء وعلماء وصالحين، بل لا يحسن الإمعان في ذلك فهو مظنة الغلو المنهي عنه في حق كل أحد، ولو نبيا برسم العصمة فكيف بمن دونه من عامة البشر، ولو كانوا أهل دين ومروءة، فتلك كانت ذريعة إلى الغلو في الصالحين بل والطالحين!، فغلا من غلا من عباد الصليب في رءوسهم فخلعوا عليهم من ضروب التعظيم بل والعصمة ما صيرهم نوابا عن الإله المصلوب! فخدمة أولئك قد صارت مطمع كل راغب في الخلاص، فالأتباع يتخيرون من صور الخضوع والذل ما يحصل به كمال الخدمة المادية والمعنوية للمتبوع برسم الديانة، فتعظيمه من تعظيم الدين الصحيح، بزعمهم، وبمثل ذلك استرقت أمم فسلبت حريتها بل آدميتها فقد ارتضت التقليد لمقالة هي إلى السفسطة أقرب ففيها من إنكار البدهيات النقلية والعقلية بل والعلمية الضرورية التي لا يختلف فيها العقلاء، فأصول الاستدلال العقلي مركوزة في كل عقل فهي مما تواطأ عليه أفراد النوع الإنساني وإنما يقع الاختلاف فيما يتولد منها من علوم نظرية فليست مما يدركه كل أحد، فإذا وقع الاختلاف في الأصل الذي لا خلاف فيه بين العقلاء فقد رضي المقلد لذلك بالانحطاط إلى دركة العجماوات فقياس عقله قد تعطل، فأي كرامة له وقد رضي بما يقدح فيها بتقليد بشر مثله برسم الذل والخضوع الذي لا يحسن بل لا يجوز إلا للرب، جل وعلا، وقل مثل ذلك في أتباع شيوخ الضلالة ممن يدعون ولاية فقهية أو رياسة روحية فيمارسون من صور الطغيان الروحي والفكري ما يقطع بداهة ببطلان ولاياتهم وطرائقهم الحادثة، فذلك مما يباين طرائق الأنبياء عليهم السلام، فـ: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ)، و: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله" ..... إلخ، فذلك رسم الأنبياء عليهم
(يُتْبَعُ)
(/)
السلام الذين جاءوا لتحرير البشر من قيد الكهنوت الديني، فـ: "لقد بعثنا الله تعالى لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن ظلم الحكام إلى عدل الإسلام"، فعدل الإسلام عدل في النفس بتحرير العقل من الأوهام والخرافات، فالدين المقبول ليس رؤى ومنامات، ومقالات فلسفية حادثة من مثرائية ورواقية ..... إلخ، وخوارق برسم السحر أو الخديعة، فليس ثم إلا وحي شيطاني بتزيين سوء القول من المحال العقلي الذي لا يجوز في حق الرب العلي، جل وعلا، فجعله أولئك واجبا فلا يثبت عقد الديانة الصحيحة ولا يحصل الخلاص بولوج الملكوت إلا بالتصديق بما تأنف منه العقول الصريحة والفطر السوية من مقالات تنقض نقل النبوات الصحيح نقضا!، وليس ثم إلا وحي شيطاني تسحر به أعين الناس وتسترهب نفوسهم فهو من السحر العظيم، وعدل الإسلام مع ذلك: عدل عام بين البشر، فالعدل مما أجمعت العقول الصريحة على حسنه، وإن وقع النزاع بينها في حده، فحده بعضهم بالتسوية المطلقة، وذلك عين الجور بالتسوية بين المتباينات فلا تنفك الذوات عن تباين في حقائقها وصفاتها التي تقوم بها، فالتسوية بينها مع الاختلاف في الحقائق والصفات: عين الجور الذي يناقض العدل الذي ظنه أولئك في التسوية المطلقة من كل وجه!، فمن الذوات: الناقص، ومنها الكامل ومنها الأكمل، ومنها ما له الكمال برسم العصمة كذوات الأنبياء، عليهم السلام، ومنها ما له الكمال المطلق على وجه تمتنع معه الشراكة، فتلك ذات الرب، جل وعلا، فليس كمثله شيء في ذاته فذلك أصل يتفرع عليه انتفاء المثيل أو الشبيه لوصفه الذاتي والفعلي، فليس كمثله شيء مطلقا في حقائق الذات والأسماء والصفات، وإن وقع الاشتراك في أصول المعاني في الأذهان، فلا يلزم من التشابه بل والتشارك فيها تشبيه مذموم للخالق بالمخلوق، فالمعاني المشتركة لا يمنع تصورها وقوع الشركة فيها، وحده بعضهم بإعطاء كل ذي حق حقه وهو المفهوم السديد لذلك المعنى الجليل، فعدل النبوات قد أعطى كل ذات أو حال ما يلائمها من الأحكام القدرية، فـ: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)، والأحكام الشرعية فـ: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، فلكل أمة ما يلائمها من الشرائع والمناهج، فأمة تلائمها الشدة كالأمة الموسوية، وأمة يلائمها اللين فبه ترق القلوب القاسية فذلك رسم الرسالة العيسوية التي جاءت برسم التخفيف استئلافا لنفوس بني إسرائيل والترقيق استصلاحا لقلوبهم، وأمة هي أكمل الأمم جبلة وخلقا، فقد طبعت على جملة من الفضائل الجبلية فلا تجد من أبناء الأمم المختلفة، ولو كتابيين بل ووثنيين، من أمة الدعوة، لا تجد منهم سليم الطبع والحس إلا وله ميل فطري إلى الدين التوحيدي، فهو مما يستثير مكامن الفطرة التوحيدية الأولى في نفسه فيلامس بأخباره وأحكامه آثار الميثاق الأول، فتلك أمة الوسط التي جاءت شريعتها برسم الكمال فجمعت جلال الموسوية وجمال العيسوية، فذلك رسم الشريعة المحمدية الخاتمة.
والشاهد أن الكفار الأصليين ليسوا، في غالب أمرهم، مظنة الصيانة من خوارم المروءة التي تدل على قلة الحياء بل وعدمه في بعض الأحوال، وإن وجد منهم من له بمقتضى الجبلة الصحيحة بقايا من الحياء، ولا تجد أولئك بالتتبع والاستقراء إلا أقرب إلى الدين الخاتم من غيرهم من الكفار الأصليين، فذلك، أيضا، من آثار الميثاق التوحيدي الأول، فهو ميثاق علمي تظهر آثاره العملية ضرورة في مسالك البشر، فالطفلة تأنف من التعري فإن كشف أحد سترها سارعت بالتستر بداهة، ثم هي، بعد بلوغها تتعرى بنفسها اختيارا!، فذلك من شؤم التبديل، فكما تبدل نصوص الكتب تبدل أخلاق البشر، فذلك معنى يعم، أيضا، العلم والعمل فتغير العلوم بالوقوع في الشرك اختيارا بعد البلوغ، مظنة فساد الأعمال، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين العلم الباطن والعمل الظاهر، فيصيب الفطر النقية من كدر التنصير والتهويد ..... إلخ، ما تفسد به آثارها العملية في الخارج، ففساد التصور في الذهن ذريعة إلى فساد العمل في الخارج.
فعدم الإيمان مظنة عدم الحياء، ونقصان الإيمان الواجب مئنة من نقصان الحياء، فالتلازم بينهما مطرد منعكس، فيدور خلق الحياء مع الإيمان، وجودا وعدما، كثرة أو قلة، فالحياء شعبة من الإيمان، فيتولد منه تولد الفرع من الأصل، فإذا قوي الأصل قوي الفرع، وإذا ضعف الأصل ضعف الفرع، وإذا عدم الأصل عدم الفرع، فالحكم: حياء عمليا فهو خلق باطن تظهر آثاره في الخارج، يدور مع علته: إيمانا علميا، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر.
والاستعارة من وجه آخر: تبعية في الفعل: "ألقى"، والإلقاء، كما تقدم، مظنة الاختيار فقد خلع ربقة الحياء مريدا مختارا، فجاءت الاستعارة لمشتق من المصدر فهو أصل المشتقات على الراجح من أقوال أهل اللغة والنحو، وجاء التشبيه البليغ في إضافة المشبه به إلى المشبه، فشبه الحياء بالجلباب وأضيف إليه تقريرا للمعنى فحذف أداة التشبيه ووجهه مما يقوى به المعنى فتتوثق العلاقة بين ركني التشبيه فكأنهما واحد، وذلك، كما تقدم، مما يزيد المعنى تقريرا وتوكيدا، فيجري ذلك مجرى قولك: لبس محمد ثوب الصحة، وتشبيه الحياء بالجلباب مئنة من سبوغ الوصف على النفس فالحياء خلق يجلل صاحبه فلا تكاد تصدر لفظة أو حركة إلا برسمه فهو خلق يعم أقوال وأحوال صاحبه كما يعم الجلباب جسد لابسه.
فمن خلعه: فلا غيبة له:
فتسلط النفي على النكرة مئنة من العموم، وذلك خبر يجري مجرى الإنشاء بإباحة غيبته فقد هتك ستره بنفسه، بل قد تكون غيبته واجبة تحذيرا منه بلا تعد بنسبته إلى ما لم يرتكبه من جنايات فلا تجوز غيبة الزاني بنسبة جناية أخرى إليه، وإنما يقتصر على محل التهمة التي استعلن بها فلا حرمة له وقد هتك ستره بنفسه.
وقد قال البيهقي، رحمه الله، عقيب تخريجه في "السنن الكبرى": وهذا أيضا ليس بالقوي. والله أعلم. اهـ
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[30 - 10 - 2010, 02:27 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: مهاجر
جزاك الله خيرا، مقال بلاغي قيم، جعله الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة / اللهم آمين.
نسأل الله أن تكون صفة الحياء تلازمنا جميعا، ففي الحياء خير وبركة ونفع وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير) [متفق عليه].
حياؤك فاحفظه عَلَيْك وإنما ..... يَدُلُّ على فِعْلِ الكريمِ حياؤُهُ
أو
إذا لم تَخْشَ عاقبة اللَّيالي ..... ولم تَسْتَحْي فاصنعْ ما تشاءُ
فلا والله ما في الْعَيْشِ خيرٌ .... ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
لقد استفدنا، بارك الله في علمكم، وزادكم الله من فضله العظيم.
والله الموفق(/)
قال تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلا هو"
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[30 - 10 - 2010, 04:22 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم" (آل عمران18)
في هذه الآية أمور منها:
1 - تقديم شهادة الله والفصل بينها وبين شهادة المعطوفين، لأنها الأهم، وهي كافية، أما غيرها فتبع وتأكيد لها، وهذه الشهادة تترتب من الخاص إلى العام.
2 - تقديم الفاصل على المعطوفين، يوحي بأهمية الفاصل، فالأهمية للمشهود به وليس للشاهد، وليتصل الشاهد الأول مع الشهادة، كما أن تأخير المشهود به يضعف العلاقة بين الفعل "شهد" وموضوع الشهادة، كما أن تاخير موضوع الشهادة يجعل التركيب ملبسا غامضا، لعدم وضوح المقصود بالضمير.
3 - الفصل بين المعطوف عليه"الله" والمعطوفين وتأخيرهما حتى لا تتساوى أو تقترب شهادة الملائكة وأولي العلم من شهادة الله في المكانة والمنزلة.
والله تعالى أعلم(/)
تقلب القلب
ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 10 - 2010, 03:47 ص]ـ
ومن حديث: إنما القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن: فذلك من القصر الإضافي لبيان أصل الاشتقاق، فجنس القلب في حركاته من جنس مادة قلب فيتحرك القلب بجملة من التصورات والإرادات، فـ: "من" لبيان الجنس فمادة حركته، كما تقدم، من جنس التقلب، فتردد فيه العلوم والإرادات صحة وفسادا، حلا وعقدا، فكم من همم عقدت ثم حلت، فذلك مئنة من كمال ربوبيته، جل وعلا، كما أثر عن بعض السلف: "بم عرفت الله؟ قال: بفسخ العزائم ونقض الهمم"، فانفساخ الهمة مع سبق العقد الجازم وصحة الآلة الفاعلة فلا مانع ظاهر يمنع من وقوع الفعل كما يظن فاعله، فإذا بالهمة يحل وكاؤها وينسكب ماؤها هدرا، فمن حل المعقود وأذهب حرارة الإرادة في القلب، فقعدت الجوارح عن الفعل فكانت برسم النشاط فاعلة فإذا هي برسم الكسل قاعدة؟!، فلا تتحرك الجوارح إلا تبعا لما يقوم بالقلب من تصور علمي أول هو الباعث لجملة من الإرادات الفاعلة يقع تأويلها في الخارج أفعالا بالجوارح تصدق أفعال القلوب، فعمل القلب هو الركن الرئيس في بنيان أي عقد إيماني، ولو باطلا، يحمل صاحبه على سفك الدماء وانتهاك الحرمات برسم الانتصار للديانات، فتلك سمة رئيسة في مناهج أهل الأهواء من أصحاب الملل الباطلة والنحل الحادثة، وتاريخ النصرانية، وهو أبرز مثال على ذلك، شاهد عدل على فساد العمل الظاهر فرعا على فساد الباطن، عقدا علميا، فالنفوس قد ارتضت مقالة تنقض بنيان التوحيد نقضا فماذا بقي من مادة صلاح للكون وقد أهدر الشرع وبطلت علوم الرسالة التوحيدية فاستبدلت مقالة التثليث بمقالة التوحيد، برسم: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) بل قد رضيت تلك النفوس مقالة تنقض قياس العقل نقضا فتأنف العقول الصريحة منها بما ركز فيها من ملكات العلوم الضرورية الراسخة التي لا يماري فيها إلا جاحد أو مسفسط فأسرار الديانة التي أحيطت بهالة من القداسة فصارت فرضية 1+1+1 = 1! مسلمة رياضية عقلية سليمة وصار العشاء الرباني الذي يتحول فيه الخمر والخبز إلى دم ولحم الإله! فتصيب البركة آكله فقد اختلطت أحشائه بناسوت الإله البشري فضلا عما ارتضته تلك العقول الضعيفة برسم التقليد المذموم من مقالات حادثة من قبيل تجسد الإله في بشر حادث أو تجسد وصفه الكامل في جسد ناقص بمقتضى الجبلة الآدمية فكل تلك المقالات تدل على فساد عظيم في قوى القلب العلمية فقبول ما تكره البدائه ضرورة برسم التسليم المطلق! مئنة من فساد قوى العقل الضرورية فيصير الجدال بنقل النبوات الصحيح مما تواطأ عليه الرسل عليهم السلام من مقالة التوحيد: عبثا لجحد المخالف لها برسم السفسطة مع أنها مسلمة نصية ضرورية برسم التواتر، فـ: (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فهي مقالة تواطأت عليها النبوات جميعا فلها التواتر النقلي، وهي مقالة تواطئ قياس العقل الصريح برسم: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، فـ: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)، فما خلق الرب، جل وعلا، بصفاته الفاعلة برسم التعظيم بإضافة الفعل إلى ضمير الفاعلين فالخلق عملية مركبة من تقدير أول وإيجاد ثان بقدرة نافذة وحكمة بالغة بها يقع المقدور على ما قد علم أزلا برسم الإحاطة بالدقائق، فعلمه، جل وعلا، قد أحاط بما دق وجل من أعيان وأحوال العالم فكل بقدره الكوني النافذ مسطور في اللوح المحفوظ برسم الجزم فلا يجري عليه تبديل بل: (لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ) فلا تبديل للقضاء الكوني المبرم، وكل بقدره النافذ موجود فخلقه الإيجادي في عالم الشهادة تأويل
(يُتْبَعُ)
(/)
خلقه التقديري في عالم الغيب، فما خلق ذلك برسم البطلان فذلك مما يتنزه عنه آحاد الحكماء بداهة أولى فهي مقدمة القياس الأولوي الصحيح في حق الرب الجليل تبارك وتعالى، فأحكم الحاكمين أحق بالتنزيه بداهة ثانية هي نتيجة القياس، فكل نقص تنزه عنه المخلوق: فالخالق، جل وعلا، أولى بالتنزيه عنه، لاتصافه بكمال ضده فذلك مقتضى المثل الأعلى الثابت له، جل وعلا، على جهة الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير في قوله تعالى: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فدلالة اللام في نفسها أمارة على الاختصاص، فزيد المعنى بتقديم الجار والمجرور، فالاختصاص ثابت من وجهين وذلك آكد في تقرير المعنى بتوالي المؤكدات إما بدلالة اللفظ فاللام في نفسها مئنة من الاختصاص كما أشار إلى ذلك من صنف في معاني الحروف كصاحب "المغني" رحمه الله، أو بدلالة التركيب فتغيير نظمه لا يكون إلا لنكتة معنوية فلا يخلو تغيير لترتيب الألفاظ من تغيير في معانيها بإشارة بلاغية لطيفة تستمد من لسان العرب، فمعهود كلامهم يحسم النزاع في موارد الاختلاف في معرفة مراد المتكلم.
ويقال من وجه آخر بأن كل كمال ثبت للمخلوق، برسم الكمال في أصله، وإن كان تحققه في المخلوق برسم النقصان، فلا ينفك أي وصف محمود في الإنسان عن المخلوق عن وجه نقص بل وجوه!، ليظهر بذلك من تفاوت الصفات والهيئات والملكات ما يدل على تنوع آثار القدرة الربانية والحكمة الإلهية وذلك مئنة من كمال الربوبية فالخلق في أصله واحد ولكن تعدد صوره في الخارج على وجه يقع به التدافع بين الأضداد هو مادة صلاح الأرض، فـ: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، وهو دليل محسوس يولد في النفس علما ضروريا بأن للكون ربا فاعلا غير معطل عن وصف الكمال فآثار أفعاله في الكون مئنة من قدرة نافذة ومشيئة عامة غالبة، فـ: (اللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، فغالب برسم التكوين فهو مئنة من وصف الجلال بالقهر العام للكائنات وغالب برسم التشريع العام فهو مئنة من وصف الجمال، فبه تظهر آثار الحكمة البالغة في تقدير الصور والهيئات الظاهرة، وتقدير العلوم والإرادات الباطنة، فالقدر قد عم ما خفي من العلوم والعقود وما ظهر من الأعمال المحسوسة التي بها يكون تأويل ما في القلب من حركات معقولة برسم الفكر الذي تتحرك به النفوس في المعقولات استدلالا بما وقع لها من أدلة الخبر وأصدق الخبر: خبر النبوات فهو معدن العصمة لا سيما في الغيبيات التي لا تدركها العقول بمداركها المحدودة فهي آلة تكليف بإيمان بغيب مطلق، حقائقه مغيبة فلا تدرك العقول أو الحواس كنهه، فلا تدرك إلا معانيه فهي مما يوجبه العقل أو يجيزه، فوظيفة العقل العمل في الأخبار تصورا لمعانيها فإعمال العقل فيها من أجل القرب وتعطيله برسم التفويض للمعاني الكلية التي يدركها بداهة فهي أصول الكلام فلا يصدر الكلام إلا عن مسلمات ضرورية تتواطأ عليها العقول فهي من جملة الضرورات الذهنية، فتعطيل تلك الضرورات إهدار لقوى العقل بحجبه عن النظر المسدد في أدلة الشرع المنزل، فتصير الأخبار ألفاظا لا تدل على معانيها التي تواطأت العرب عليها فإبطال دلالات الألفاظ المعجمية وإهمال دلالات التراكيب السياقية التي ترد فيها الألفاظ فلا يعرف مراد المتكلم إلا بالنظر فيها، فهي أمارات ترجيح يرتفع بها الإجمال ويحصل بها البيان الذي يزول به كل إشكال، ووظيفته مع ذلك: التفتيش عن مصادرها فلا يقبل خبر في أمر الدنيا إلا من مصدر يحصل الرضا بخبره فهو من أهل الشأن ولو آحادا من أصحاب الصناعات، فكذلك الخبر الديني بل هو أولى بالاحتياط فلا يقبل إلا من مصدر تلق صحيح فينظر في إسناده ومتنه، ليعلم من حال رجاله إن كان آحادا ما يقع به الرضا فتطمئن النفوس بنقله، وما كان من متواتر فقد كفي العقل مؤنة التفتيش في حال نقلته فالتواتر يحصل به علم ضروري ترتفع به الحاجة إلى النظر في رجال أسانيده فهي من الكثرة بمكان فاحتمال التواطؤ على الكذب فيها محال، ومن رحمة الرب، جل وعلا، أن أقام الحجة الرسالية
(يُتْبَعُ)
(/)
الخاتمة بمعجزة عقلية باقية هي التنزيل المنقول برسم التواتر فحصلت به الطمأنينة في النقل الصحيح على وجه ليس لغيره من الكتب أو المقالات بل قد حصل لما هو دونه من أخبار السنة فمتواترها قليل وآحادها كثيرة قد حصل لها التواتر العام باعتبار الجملة فنقل مجموعها متواتر، ولكثير من آحادها من الأدلة والقرائن المحتفة ما ارتقت به من مرتبة الظن الغالب إلى مرتبة العلم النظري، فالوحي بنوعيه قد حصل له من الحفظ ما قامت به حجة الرب، جل وعلا، على عباده فذلك من أعظم صور العناية بالبشر بحفظ ما يقيم دينهم، فذلك، عند التحقيق، أعظم مما يقيم أبدانهم، فعلاج أمراض القلوب أولى بالعناية من علاج أمراض الأبدان، وإن كان الدواء مرا، فـ: "كما أنه لا بد من احتمال مرارة الدواء، وشدة الصبر عن المشتهيات لصلاح الأبدان المريضة، فكذلك لا بد من احتمال المجاهدة، والصبر على مداومة مرض القلب بل أولى، فإن مرض البدن يخلص منه بالموت، ومرض القلب عذاب يدوم بعد الموت أبداً". اهـ
"مختصر منهاج القاصدين"، ص130.
فكلما كان الناس إلى الشيء أحوج كان الرب، جل وعلا، به أجود، فيجود بأدلة الخبر والعقل ليحصل للعبد طمأنينة تقر بها عينه فـ: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، فتلك، عند التأمل، وظائف العقل المسدد، فليس من وظيفته: البحث والتنقير عن حقيقة ما غيب من حقائق السمعيات من وصف الرب الجليل، تبارك وتعالى، أو حقائق السمعيات الخبرية من أحوال دور لا يدركها العقل، فلا يكلف إلا بالإيمان بما صح من أخبارها، ومستندها، كما تقدم، لا يكون إلا نبوة معصومة، فذلك وصف الرسل عليهم السلام، أخبارها محفوظة، فذلك مما استقلت به النبوة الخاتمة، فذلك مما يلائم وصف العالمية والأبدية، فحفظها قد حصل برسم الديمومة، فالكتاب العزيز محفوظ، والسنة محفوظة فلو: "همّ رجل أن يكذب في الحديث وهو في بيت في جوف بيت، لأظهر الله عليه" كما أثر عن سفيان الثوري رحمه الله.
فلا يصلح العقل لإعمال القياس في مقابل النص، معارضة للوحي برسم الازدراء للخبر والتوقير للقياس الذي يأتي تبعا فمرتبته مرتبة المقلد لا سيما في الغيبيات السمعية، فلا يدرك حقائقها، كما تقدم، بل غايته أن يدرك منها معان كلية يوجبها كصفات الذات الإلهية المعنوية من علم وحكمة ..... إلخ، فالرب الإله المعبود بحق لا يكون إلا عليما حكيما، فذلك من البدائه الضرورية التي دلت عليها جملة من الأدلة العقلية: من خلق وإحكام وعناية، أو يجوزها كصفات من قبيل صفات النزول الإلهي على الوجه المرضي برسم التفويض في الحقيقة فلا تدرك والتدبر في المعنى فهو نزول يليق بالذات الإلهية لا يلزم منه حلول في جهة مخلوقة بل يقرب، جل وعلا، من عباده، برسم الفضل، فيفيض عليهم من رحماته برسم: "هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ"، فإذا ثبت له كمال الربوبية فلا يصح في الأذهان ولو قبل ورود الشرائع المنزلة صرف شيء من ضروب التأله لغيره، فتوحيده في ألوهيته شعائر وأحكاما وسياسات وأخلاقا، توحيده العام في كل صور التأله برسم: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ): لازم توحيده العام في ربوبيته إيجادا وإعدادا وإمدادا وتدبيرا وإحكاما ورزقا ....... إلخ، ففي عالم الشهادة لا يصح في الأذهان في الأذهان أن يصرف العبد خراجه إلى غير مولاه الذي يملك رقبته، فكيف بملك الملوك، جل وعلا، فقياس الأولى في هذا الباب صحيح فهو، تبارك وتعالى، الأولى نقلا وعقلا بصرف خراج العبد الإرادي من عمل باطن مستتر وعمل ظاهر مشتهر إليه وحده برسم الإفراد فلا شريك له في التوجه بالقلب والجوارح، فـ: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، إذ لا شريك له في الخلق والرزق والتدبير.
(يُتْبَعُ)
(/)
فالعقل، كما تقدم، لا يصلح لمعارضة خبر الوحي بالتكذيب أو التأويل، أو حكمه بالتنحية والتعطيل وتقديم قياس أصحاب الأهواء والأذواق عليه، فتلك، أيضا، سمة رئيسة في مناهج أهل الأهواء، فقياس العقل أول، والوحي بعده في المحل الثاني، فهو المادة الثانية في الدستور الموضوع!، بل قد لا يكون له محل في حقيقة الأمر ففشو الظلم في ممالك الجور على هذا الوجه الذي تجده البشرية الحائرة في زماننا هو أمارة ظاهرة على عزل الوحي وتولية الهوى والذوق بدعوى العقل التي ينتحلها من لا عقل له لو دقق وحقق!، فالعقل قاض بحكمه الصريح باتباع الخبر الصادق وامتثال الحكم العادل، فقد قامت الدلائل القطعية على صحة نسبته إلى رب البرية، جل وعلا، فهو برسم العصمة نازل، فاتباع المعصوم أسلم في الأولى والآخرة من اتباع من لم تثبت عصمته بل ثبت بتناقض أحكامه واختلاف أهوائه بتعدد أصحابه فلكل عقله الشارع!، ثبت بذلك خلوه من فضيلة العصمة التي لا تنال بالاكتساب فلا سبيل إليها إلا محض الاصطفاء، فـ: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، فيصطفي بقدره الكوني النافذ لكمال سمعه وبصره فهو العليم بمحال عباده فهو أعلم حيث يجعل رسالته فتلك الحكمة البالغة التي تقارن القدرة النافذة في أفعال الرب جل وعلا، يصطفي من شاء من خلقه برسم الرسالة، فاتباع المصطفين الأخيار عليهم السلام خير بداهة من اتباع من نازع الرب جل وعلا ربوبيته فرام تقديم قياس عقله في خبر أو حكم على خبر الوحي الصادق العادل فلا يفعل ذلك إلا من فسد قياس عقله فقدم المرجوح على الراجح، بل قد قدم الباطل المحض الذي لا خير فيه إذ تعدى على مقام الشارع عز وجل على الحق المحض، فـ: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ)، فهو الحق على جهة الاختصاص بخبره وحكمه وغيره الباطل بقياس عقله أو وجدان ذوقه إن عارض به محكم الوحي المنزل من كتاب محفوظ برسم: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وذكر شارح برسم: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).
فما خلقت السماوات والأرض باطلا فذلك ظن الذين كفروا، فهو ظن من لم يتضلع من أخبار النبوات وأحكامها، فظن السلامة في غيرها، فهو مزدر بلسان الحال بل وبلسان المقال كحال كثير من الكفار الأصليين وأتباعهم من الزنادقة والمرتدين والعلمانيين، مزدر للوحي مستهزئ بأخباره معطل لأحكامه، لجهله بما جاء به من معاني الصدق والعدل التي لا يصلح الكون إلا بها، فـ: (تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، فالوحي معدن الصلاح العاجل والآجل، ولكن المعرض عن اتباعه برسم الهدى المفتون بتقليد غيره برسم العمى فقد استبدل به كتبا ودساتير فيها من الأخبار المبدلة والأحكام الباطلة ما يفضح عوارها لمن كان له قلب، فالمعرض عنه قد زين له سوء عمله فرآه حسنا، المعرض عنه لخذلان الرب، جل وعلا، له بحرمانه من هداية التوفيق والإلهام وإن قامت عليه الحجة فله ما لغيره من هداية الدلالة والإرشاد، المعرض عنه جحودا وكبرا حتى عمي بصره فلا يرى أدلة الكون المنظور وعميت بصيرته فلا ينتفع بأدلة الشرع المسطور، فـ: (إِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، المعرض عنه لا يعلم من كماله وفضله ما قد علمه الأنبياء وأتباعهم، فقد شاء الرب، جل وعلا، بقدره الكوني النافذ، أن يكون من أصحاب السعير فهو من حزب أعداء الله ورسالاته، فنفذ فيه العدل الإلهي فليس ممن تفضل عليهم الرب، جل وعلا، بقبول خبر الوحي تصديقا لأخباره وتأويلا لأحكامه.
والشاهد أن جدال المسفسط جدال عقيم فقد عقد العزم على عدم الإيمان، فلا يحسن في حقه إلا المباهلة كما قد صنع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع وفد نصارى نجران بعد أن أقام عليهم الحجة النقلية والعقلية الدامغة.
(يُتْبَعُ)
(/)
فإذا انسد باب الجدال فتح باب القتال ضرورة فهو تأويل ما يعقد في القلوب من ألوية الولاء والبراء، ولو انتصارا لمقالات باطلة وأهواء حادثة، فيظهر من صور القتال بالأبدان: فرقان ما بين قتال الأنبياء وأتباعهم بسيف العدل، وقتال أعدائهم بسيف الجور، وتاريخ الحروب النصرانية، كما تقدم، خير شاهد على إفساد سيف الجور، وهو أمر لا زلنا نرى آثاره الغائرة في جسد البشرية الحائرة، وخير شاهد في المقابل على إصلاح سيف العدل الذي نزل عضدا للكتاب الهادي فأزال عروش الطغيان التي تحول بين الناس وبين الإيمان.
فاجتمع لكل مكلف في هذا القلب الذي لا يسكن حسا ولا معنى، فلا تسكن عضلته الجسدية الكثيفة ولا تسكن حركته العقلية اللطيفة، اجتمع له تصور وإرادة يقابلها في الخارج: حركة عملية بأجناس من الأقوال والأعمال تصح بصحة العقد العلمي والإرادة العملية، وتفسد بفسادهما.
فمادة التقلب بتغير الأحوال والمؤثرات الخارجية التي توقع لا محالة جملة من التغيرات الداخلية مما يحمل المكلف على حراسة جوارحه من المحرمات وحراسة خواطره من الأماني الباطلات.
ثم جاء التشبيه التمثيلي بانتزاع صورة مركبة هي مئنة من الضعف وسرعة التقلب، فتلك صورة محسوسة انتزعت في مورد التشبيه لصورة معقولة هي صورة القلب بما يعتمل فيه من تصورات وأحاسيس تقلبه كما يقلب ورق الشجر في مهب الريح.
وكم كانت قلوب حاضرة برسم الرسوخ ثم فتنت بجاه أو رياسة أو منصب في دولة من دول الجور فغابت عن الحق، فكان المنصب أثر المكر الإلهي بصاحبه فبه استخرج الرب، جل وعلا، في عالم الشهادة، ما قضى به عليه في عالم الغيب أزلا من الضلال فذلك عدله فيه وحكمته بأن علم من فساد محله ما يلائم مادة الضلال التي ألقاها في قلبه فرسخ حينا ثم زلزل مع ورود فتنة الدنيا، فذلك من أظهر صور تقلب القلوب في زماننا وهو ما يجعل المكلف على حذر بل رباط على ثغور قلبه لئلا تنفذ الدنيا بزخرفها إلى حمى قلبه فيصيبه من شؤمها ما يفسد نيته وعمله، وذلك أمر عسير لا يوفق إليه إلا مسدد، ولا يناله إلا من داوم الدعاء بالثبات حتى لقاء الرب جل وعلا على الإسلام والسنة.
والله أعلى وأعلم.(/)
التشبيه الضمني
ـ[الياسين]ــــــــ[01 - 11 - 2010, 05:16 م]ـ
كون تشبيهاً ضمنياً من كل طرفين مما يأتى:
(1) ظهور الحق بعد خفائه وبروز الشمس من وراء السحب.
(2) المصائب تظهر فضل الكريم والنار تويد الذهب نقاءً.
(3) وعد الكريم ثم عطاؤُه والبرق يعْقُبه المطر.
(4) الكلمة لا يستطاع ردها والسهم يخرج من قوسه فيتعذر رده.
من بإمكانه التطبيق فليتفضل ....(/)
النهي عن الغلو
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 11 - 2010, 03:36 ص]ـ
من حديث:
لا زمام ولا خزام ولا رهبانية ولا تبتل ولا سياحة في الإسلام:
فنفى على سبيل الإنشاء فذلك أبلغ في النهي، فالإنشاء بأمر أو نهي إذا ورد في سياق إثبات أو نفي خبري كان آكد في تقرير المعنى، فتسلط النفي على جهة النهي على جملة من الطرائق الزهدية التي كانت في الأمة الإسرائيلية ومن بعدها الأمة النصرانية فتلك شعائر العباد في الأمم الخالية، ولو صح جوازها أو استحبابها في شرعهم فإن ذلك ليس دليلا على جوازها أو استحبابها في شرعنا، فشرع من قبلنا شرع لنا إذا حكاه شرعنا على جهة التقرير بالقول أو السكوت، على خلاف في ذلك فبعض أهل العلم لم يجعل المحكي المسكوت عنه من شرعنا فلا بد من التصريح بمشروعيته ليصير منه وحجة من جعله من شرعنا أن السكوت في موضع البيان: بيان، فهو مئنة من الإقرار على جهة الرضا ما لم توجد أمارة إكراه وذلك لا يكون في موارد الشرع لقرينة الحفظ والعصمة، فـ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، ومع ذلك فصل بعض أهل الأصول فجعل سكوت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أمور من صدر البعثة إلى زمن الهجرة وقيام الدولة، لا يدل على مشروعيتها فقد يكون السكوت برسم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ)، فلم تكن ثم دولة، ولم تكن ثم قوة تجعل السكوت أمارة يقينية على المشروعية، وفرعوا على ذلك تقديم الخبر الذي يدل على قوة الدولة الناشئة على الخبر الذي يدل على الضعف، كما أشار إلى ذلك صاحب "أضواء البيان" رحمه الله، فيحسن فيه السكوت لا جبنا، فقد صدع صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرسالة فذلك تأويل الأمر الصريح: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) فهو قطعي الثبوت والدلالة على الوجوب، وإنما يحسن السكوت حكمة دفعا للمفسدة العظمى بإفناء الجماعة المؤمنة لو استعجلت المفاصلة التي وقعت بعد ذلك بسنوات قلائل معدودات في بدر وأحد والخندق إلى الفتح المبين، دفعا لتلك المفسدة بالمفسدة الصغرى بتحمل صنوف من الضيم والقهر لم تخل من مصلحة شرعية فبها كانت التربية النفسية لرجال جبلوا على الانتصار للنفس وللغير إن كان ضعيفا لا يقدر على دفع الصائل على دمه أو عرضه أو ماله، فكفت الأيدي برسم الصبر، فـ: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)، فتعلمت النفوس الانتصار للشرع بامتثال أمره ولو كان على غير مراد النفس بل على ضده!، فصبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قتل سمية، رضي الله عنها، ولم يستنفر أصحابه ولم يسل سيفا للذب عنها، مع عظم المفسدة، وليس ذلك جبنا فذلك مما تنزه عنه الأنبياء بداهة والنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولى الأنبياء بهذا المعنى الشريف، ولكنه تأول فقه زمانه، فتأويل فقه المستضعف: السكوت برسم الصبر لا الإقرار، فلم يقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظلما بسكوته، وإنما سكت درءا لمفسدة عظمى فلو استنفرت الجماعة المؤمنة لنصرة سمية، رضي الله عنها، مع قلة عددها وعتادها لفنيت فاندرس رسم الإسلام، وتلك مفسدة أعظم بداهة من مفسدة قتل نفس مؤمنة، مع أن قتلها برسم الشهادة مما يخفف على النفس وطأة الأمر فهي منحة في حقها فبها نالت رسم الأولية فهي أول شهيدة في الإسلام، ومحنة في حق غيرها بالصبر على ما نالها حتى يأتي زمان يجيش فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جيشا كاملا انتصارا لمؤمنة كشفت يهود عورتها، فذلك تأويل فقه زمان التمكين، فالقدرة مناط التكليف، والحكم بالانتصار للمؤمنين المستضعفين يدور مع القدرة وجودا وعدما، وذلك أمر نرى منه صورا مؤلمة في زماننا فكم من مستضعفين ومستضعفات قد قتلوا وعذبوا وهتكت حرماتهم ولم يقدر أحد من قرن الذل! على نجدتهم، فنال كلا من شؤم القعود عن نصرتهم ما ناله إلا من بذل وسعه واستفرغ جهده نصرة لهم بما يقدر عليه من قول أو فعل ولو هان في عين فاعله فهو عند الله، عز
(يُتْبَعُ)
(/)
وجل، عظيم، فـ: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)، ومع ذلك لا ينفك من قام بواجبه عن أثر ظاهر في حياته لشؤم القعود العام عن القيام بواجبات الدين عموما ونصرة المؤمنين خصوصا فالعقوبات الكونية كما تقدم في مواضع سابقة لا تنزل إلا برسم العموم ومن ثم يفد الجميع على الباري عز وجل فهو الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون فيوفي العامل أجره ويعاقب القاعد بعدله أو يعفو عنه بفضله إن كان له توحيد صحيح ولو في الجملة فلا يحكم على من معه أصل الإيمان بالخلود في العذاب.
والشاهد أن الخبر الذي يدل على علو شأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتنامي قوة دولته يكون متأخرا في الترتيب، فيكون ناسخا للخبر الذي يدل على ضعف الجماعة المؤمنة فذلك مما استعمله الأصوليون في الترجيح بين الأخبار المتعارضة إذا تعذر الجمع بينها.
فإن كانت تلك الأمور جائزة في شرع من قبلنا فكانت طرائق الزهد بالزمام والخزام ....... إلخ في زهادهم ظاهرة، فإن ذلك لا يلزم منه استحباب بل مشروعية ذلك في حقنا، بل قد جاء النهي صراحة بنفي تسلط على جملة من النكرات فأفاد العموم، وذلك آكد، كما تقدم، في تقرير المعنى من النهي الصريح، فضلا عن الإطناب بتكرار أداة النفي فهو، أيضا، مئنة من التوكيد بتكرار اللفظ تقريرا للمعنى.
والإسلام دين كامل جمع من شرائع الماضين: جلال الشريعة الموسوية وجمال الشريعة العيسوية، فنفى غلو يهود في الماديات الكثيفة وغلو النصارى في الروحانيات اللطيفة، مع أن الواقع في زماننا شاهد بمادية مفرطة في سلوك النصارى لا سيما بعد هبوب رياح العلمانية في أوروبا وفي الشرق مهد الرسالات التوحيدية التي فطر الناس على قبول آثارها النافعة، فـ: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، فالتوحيد الآن في خندق تحاصره مقررات العلمانية الملحدة وبقايا كهنوت الديانة المثلثة، فضلا عن عداء يهود أصحاب الكتاب الأول فهم أشد الناس عداوة للمؤمنين من لدن بعث النبي الخاتم من غيرهم، فـ: (لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). فكل قوى الشر سواء أكانت برسم التدين الزائف أم الإلحاد الصارخ قد تواطأت مع اختلاف مقرراتها على حصار الدين الخاتم في خندق الاتهام بالتطرف والإرهاب ...... إلخ، فشنت عليه حملات فكرية وعسكرية منظمة اشتدت وطأتها في السنوات الأخيرة إيذانا بميلاد فجر جديد لدين التوحيد ولو أبت خفافيش الظلام من أرباب الديانات والمقالات الباطلة، وتلك سنة الرب، جل وعلا، في تدافع أتباع الرسالات وأعدائهم، فتزايد الضغط برسم: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ)، مؤذن بقرب النصر: (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).
فلا زمام ولا خزام فتلك من الشعائر الظاهرة التي تدل على مسلك تعبدي جاء النهي الشرعي عنه لما فيه من غلو يورث السآمة، فذلك مقتضى الجبلة البشرية، فما غلا أحد في مسلك علمي أو عملي إلا وأصابه من ذلك من فساد الرأي والحكم ما أصابه، بل قد يورثه ذلك جفاء في حق من غلا فيه ابتداء، وكل جفاء يقابله ضرورة: غلو تظهر به فضيلة التوسط بين الطرفين، فالتعصب: غلوا أو جفاء: سمة رئيسة من سمات أصحاب المقالات الحادثة في الملل والنحل، فملة الأنبياء عليهم السلام: التوحيد، وملة غيرهم وإن أظهروا الانتساب إليهم: التشريك بتثليث ونحوه فهو مما ينقض أصول الفطرة التوحيدية الأولى نقضا، والتشريك لا ينفك ضرورة عن: غلو في المخلوق بنعته بما لا يكون إلا للخالق جل وعلا، وجفاء يقابله في حق الخالق، تبارك وتعالى، بسلبه ما تفرد به من كمال الذات والوصف والفعل إيجادا وتدبيرا، ومنحه لمن لا يستحقه من الخلق العاجزين عن تدبير أنفسهم فضلا عن تدبير غيرهم: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). فذلك من صور الغلو العلمي الذي يصيب صاحبه
(يُتْبَعُ)
(/)
بفساد عظيم في التصور والرأي فيعتقد الناقص كاملا يتصرف في أمر الكون على جهة المشاركة أو المظاهرة، وذلك مما أبطله التنزيل فـ: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)، فإذا اعتقد ذلك حصل في عقله تصور علمي فاسد يولد رأيا في العقل فاسدا وعملا في الجوارح باطلا، فتلك سلسلة من المتلازمات الضرورية على ما اطرد ذكره مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن بعلومه والظاهر بأعماله، وأما الحديث فقد نص على جملة من صور الغلو العملي، وهو، كما تقدم، لازم ضروري للغلو العلمي الباطن، فلا ينفك فساد الباطن بشبهة عن فساد الظاهر بمعاقرة أجناس الشهوات فذلك من التعدي بالزيادة، أو زهد يهجر صاحبه أجناس المباحات فذلك من التعدي بالنقصان، فكل قد وقع في الغلو، فمن غال في الحرام فقبحه ظاهر فقد استمتع بخلاقه برسم التعدي ومجاوزة الحد المشروع، فـ: (اسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) فقرن، جل وعلا، بين الاستمتاع بالخلاق المحسوس فذلك من جنس فساد الظاهر، والخوض في الشبهات العقلية فذلك من جنس فساد الباطن، فالتلازم، كما تقدم، ضروري بين فساد التصور العلمي الباطن وفساد الحكم العملي الظاهر، وإلى هذا التلازم الضروري أشار صاحب "إعلام الموقعين" رحمه الله بقوله: "والمقصود أنه سبحانه جمع بين الاستمتاع بالخلاق وبين الخوض بالباطل لأن فساد الدين إما أن يقع بالاعتقاد الباطل والتكلم به وهو الخوض أو يقع في العمل بخلاف الحق والصواب وهو الاستمتاع بالخلاق، فالأول: البدع، والثاني: اتباع الهوى وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء وبهما كذبت الرسل وعصي الرب ودخلت النار وحلت العقوبات فالأول من جهة الشبهات والثاني من جهة الشهوات ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين صاحب هوى فتنه هواه وصاحب دنيا أعجبته دنياه". اهـ
"إعلام الموقعين"، (1/ 113).
ومن غال في الواجب أو المستحب برسم الإحداث في الديانة طرائق يضاهي بها الطرائق الشرعية مبالغة في التعبد والتنسك فذلك حد البدعة الشرعية كما ذكر ذلك صاحب "الاعتصام" رحمه الله، فلسان حال صاحبها: الاستدراك على مقرر الشرائع، جل وعلا، فيعتبر ما ألغاه، ويستحسن ما لم يستحسنه بل قد يستحسن ما قبحه، فذلك من جنس ظن المنافقين: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا).
فالغلو، كما تقدم، يكون في العلوم والأعمال، ولا ينفك أحدهما عن الآخر، فما وقع أولئك في تلك الصور من الغلو العملي إلا فرعا على تصور علمي فاسد، فقد عارضوا إفراط أصحاب الشهوات في زمانهم، والرهبانية ما ظهرت إلا في كنف الإمبراطورية الرومانية التي كانت تسيطر آنذاك على مقاليد الحكم في بلاد الشام، مهد النصرانية، وهي إمبراطورية وثنية ورثت تراث أمة اليونان المادي فإفراطهم في تناول الشهوات المحسوسة أمر قد اشتهر في تاريخ البشر، فكان الرومان على رسمهم، فضلا عن غلو يهود في معاقرة الشهوات والحرص على الحيوات ولو ذليلة، فـ: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)، فذلك مئنة من دناءة النفوس وغلظ الأكباد فالهمم قد علقت بتراث الدنيا الفاني، فبعث فيهم المسيح عليه السلام برسم الترقيق بجملة من المواعظ والرقائق لقلوب نعتها: (كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً).
(يُتْبَعُ)
(/)
فعارضوا الغلو في معاقرة الشهوات المحسوسة بالامتناع عن جنسها، ولهم في ذلك حكايات ونوادر عجيبة صنفت فيها المصنفات فصارت من جملة الكرامات فهي عندهم وعند من سار على طريقتهم الغالية من غلاة المتزهدة من الإسلاميين، هي عندهم: أمارات على صحة الديانات وكمال الهيئات!، فذلك غلو في الامتناع يقابل الغلو في المباشرة، فـ: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، فذلك من الاستفهام الإنكاري الإبطالي لنسبة التحليل أو التحريم إلى غير الرب الشارع، جل وعلا، فلا يملك أحد تحريم ما أحله من زينة أضيفت إليه إضافة مخلوق إلى خالقه إمعانا في تقرير معنى الإباحة، وطيبات من جنس الأرزاق النازلة، فـ: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ): فذكر آية كونية تدل على كمال الربوبية ثم ثنى بلازمها من التكليف الشرعي على ما اطرد في التنزيل من اقتران تصور الربوبية علما بلازمه من حكم الألوهية عملا، فبهما يكتمل الإيمان: قولا وعملا، فقول علمي في القلب وآخر على اللسان، وعمل يصدقه باطنا بأجناس الخوف والخشية والرجاء ......... إلخ وظاهرا على اللسان ذكرا والأركان ركوعا وسجودا وطوافا وسعيا وقتالا ..... إلخ.
وبينهما التوسط في الاعتقاد والعمل الذي جاء به الوحي فهو جوهر الرسالات، فقد جاءت بمعادن التوسط في العلوم والأعمال، فـ: (كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).
والزمام والخزام، كما تقدم، شعائر ظاهرة، فآثارها المحسوسة تظهر على البدن، والرهبانية والتبتل والسياحة، وإن كانت، أيضا، من المسالك العملية الظاهرة إلا أن فيها نوع استتار فجانب التخلق المعنوي فيها أقوى من جانب الظهور كشعار يظهر أثره على البدن، فهي مسالك عملية تتولد من أخلاق باطنة، فيقابل الغلو المادي، كما تقدم، بضده من الغلو المعنوي، والجمع بين هذه الصور من الغلو في معرض النهي لا يدل على تخصيص معنى الغلو الجامع بها، بل ذكرها يجري مجرى التمثيل لمعنى عام بجملة من أفراده، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه، وإنما خصت بالذكر لأنها أظهر صور الغلو العملي، فجاء التنويه بها، فالغلو عادة ما يكون في هجر الشهوات المحسوسة من مطعوم فالرهبانية تقتضي الامتناع عن أكل اللحم، كما ذكر ذلك ابن الأنباري رحمه الله في "الزاهر"، بل وتقتضي الامتناع عن جنس الطيبات المباحة من مطعوم أو مشروب تلتذ به النفس، بل وتقتضي صورا من المشقة برسم التكلف تعذيبا للبدن، وهو ما جاء النهي عنه، فـ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، وقد أشار صاحب "اللسان"، رحمه الله إلى جملة منها في مادة "رهب" فأصلها الخوف وهو مما يحجز النفس عن مباشرة الشهوات، ثم زيد فيه عن القدر الواجب، فذلك، كما تقدم، معدن الغلو بالإفراط في خلق باطن أو عمل ظاهر، بل قد وصل الأمر، كما تقدم إلى صور من التعذيب البدني بغل الأعناق بالسلاسل والاختصاء ..... إلخ، فجاء النهي عن ذلك، وجاء البديل الصحيح النافع فـ: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، فذلك من قبيل شغل المحل بالحق لئلا ينشغل بالباطل، فلم تخلق النفوس لتكون محالا شاغرة من التصورات والإرادات، بل لا بد لها مما يشغلها من:
حق معدنه وحي الرحمن، فـ: (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ)، فعلم الكتاب الذي نزل به الروح الأمين، فالنبوة هي المشكاة التي تتلقى منها التصورات العلمية الصحيحة والإرادات القلبية النافعة والأعمال البدنية الصالحة.
(يُتْبَعُ)
(/)
أو نقيضه من الباطل معدنه وحي الشيطان، فـ: (إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)، فإن أطعتموهم فسلكتم مسلكهم الباطل في مقابلة النص الصحيح بالقياس الفاسد، فقستم ما يلقى حتفه بقدر الله، عز وجل، على ما يذبحه الإنسان باسم الله، فعلام تحريم الأول وإباحة الثاني، وذبيحة الرب أولى بالحل من ذبيحة العبد؟!، فإن فعلتم ذلك فعارضتم المنقول القطعي الصحيح بالمعقول الظني بل الفاسد الردي، فقد وقعتم في الشرك بتقديم حكم غير الله، على حكمه، فذلك من الشرك في منصب التشريع وهو من أخص وظائف الربوبية فلا يتصور وقوع الشراكة فيه فضلا عن المنازعة بتقديم غيره وابتغاء ضده: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
فجاء البديل، كما أشار إلى ذلك صاحب "اللسان" نقلا عن ابن الأثير رحمه الله في معرض حكايته صورا من الغلو الذي وقع فيه الرهبان: "حتى إِنَّ منهم مَن كان يَخْصِي نَفْسَه ويَضَعُ السِّلسلةَ في عُنقه وغير ذلك من أَنواع التعذيب فنفاها النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم عن الإِسلام ونهى المسلمين عنها وفي الحديث: "عليكم بالجهاد فإِنه رَهْبانِيَّة أُمتي" يُريد أَنَّ الرُّهْبانَ وإِن تركوا الدنيا وزَهِدُوا فيها وتَخَلَّوْا عنها فلا تَرْكَ ولا زُهْدَ ولا تَخَلِّيَ أَكثرُ من بذل النفس في سبيل اللّه وكما أَنه ليس عند النصارى عَمَلٌ أَفضلُ من التَّرَهُّب ففي الإِسلام لا عَمَلَ أَفضلُ من الجهاد ولهذا قال ذِرْوة سَنامُ الإِسلامِ الجِهادُ في سبيل اللّه". اهـ
فرهبانية الإسلام إيجابية نافعة، ورهبانية النصرانية، وإن اشتركت مع رهبانية الإسلام في معنى الزهد العام إلا أنها سلبية ضارة، تضر صاحبها بما يلحق بدنه من صنوف الأذى بلا فائدة، فليست كجنس الآلام والجراحات التي تصيب رهبان الإسلام في ميادين الجهاد، فهي مما تظهر به أعلام الملة الخاتمة، وينصر به الكتاب الهادي، فأي إيجابية ونفع أعظم من ذلك، وأي مشاركة في دنيا الناس بإيصال النفع إليهم فلا أعظم من انتفاعهم بالوحي الذي يؤيده الراهب الإسلامي بسيفه الشرعي، في مقابل عزلة الراهب النصراني فلا ينتفع به خاص أو عام.
والشاهد أن: الغلو عادة ما يكون في هجر الشهوات المحسوسة من مطعوم، كما تقدم، ومنكوح فالتبتل يقتضي الامتناع عن إتيان النساء، فمادة "بتل" كما ذكر صاحب "اللسان" رحمه الله مئنة من القطع، فالمعنى الكلي يعم صورا منه: محسوسة أو معقولة، مشروعة، كالتبتل في قوله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) فهو الانقطاع إلى العبادة برسم الإخلاص وهو مئنة من انقطاع طمع العابد في جاه أو رياسة فالإخلاص يقطع مادة الشرك الظاهر أو الخفي من القلب، دون غلو في أمور المعاد بالفعل، وجفاء في أمور المعاش بالترك والهجر، وغير مشروعة كالامتناع عن النكاح، فالتبتل كما يقول صاحب "اللسان" رحمه الله: "ترك النكاح والزهدُ فيه والانقطاع عنه"، وذلك مما قد جاء النهي عنه صراحة، كما قد أثر عن سعد رضي الله عنه فـ: "لقد ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التَّبَتُّل ولو أَحَلَّه لاخْتَصَيْنا".
والسياحة في الأرض بغير هدى مسلك آخر من مسالك هجر الدنيا بلا طائل، فالسياحة إنما تكون نافعة إذا كانت برسم: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، فالسير في الأرض ذريعة إلى قياس صحيح يتعظ به كل مكذب بالنبوات فسيلحقه ما لحق أمثاله من المكذبين إن أصر على تكذيبه فهو علة الحكم بالإهلاك فيدور معها وجودا وعدما بمقتضى القياس الصحيح الذي يحصل في الذهن بالسياحة النافعة في الأرض، فـ: (إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، أو برسم طلب العلم النافع، فـ: "من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة".
فال في "الآداب الشرعية":
(يُتْبَعُ)
(/)
"قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: السِّيَاحَةُ فِي الْأَرْضِ لَا لِمَقْصُودٍ وَلَا إلَى مَكَان مَعْرُوفٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا تَبَتُّلَ وَلَا سِيَاحَةَ فِي الْإِسْلَامِ} وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَا السِّيَاحَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، وَلَا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّينَ وَلَا الصَّالِحِينَ، وَلِأَنَّ السَّفَرَ يُشَتِّتُ الْقَلْبَ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يُسَافِرَ إلَّا فِي طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ شَيْخٍ يَقْتَدِي بِهِ". اهـ
والشاهد أن هذه الصور إنما ورد التنويه بها بعينها، وإن كان المعنى العام يعمها وغيرها، لأنها مظنة التقليد والمحاكاة من غلاة المتزهدة من الإسلاميين، وقد ظهرت بوادر ذلك في عصر النبوة، فجاء الثلاثة، فحسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مادة الغلو: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
فعموم النهي ينصرف بداهة إلى كل صور الغلو في كل عصر أو مصر، فلم تزل المحدثات تظهر تترى، واحدة بعد أخرى، فمعنى النهي العام يحسم مادتها جميعا دون النص على أفرادها فردا فردا، وذلك أمر مطرد في كليات الشريعة الجامعة، وهو مئنة من عظم وعائها الذي استوعب الأحكام والنوازل بأنواعها وإن لم يستوف أفرادها فليس ذلك مما يحسن في شريعة أوتي صاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم جوامع الكلم فيجمع في كلمات يسيرات معان عديدة، فالإطناب بذكر أحكام الجزئيات تفصيلا ينافي إجاز الوحي في إيجازه الجامع، فألفاظه وجيزة ومعانيه فسيحة فتتسع دائرتها لتعم كل ما يجد للمكلفين من نوازل.
فلا شيء من ذلك في الإسلام، فيحمل ذلك على الإيجاز فتقدير الكلام: لا شيء منه في دين الإسلام، أو: لا شيء منه في أحكام دين الإسلام، أو: لا شيء منه فيما شرع في دين الإسلام من وجوه القرب واجبة كانت أو مستحبة ....... إلخ، فليست من دين الإسلام في شيء، وإن وقعت من كثير من الإسلاميين فليس فعلهم حكما على الشريعة، بل الشريعة هي الحاكمة على أقوالهم وأفعالهم فليس في هذا الدين رجال دين يشرعون كيفما شاءوا بما يظهر لهم من هوى العقل أو وجدان الذوق، أو رؤيا المنام ...... إلخ من مصادر التلقي المتهافتة، فيعدل المقلد الجاهل عن أحكام النبوة معدن الصدق والعدل برسم العصمة إلى أحكام عقول وأذواق رهبان قد فسد دينهم بنقض أصل التوحيد، فكيف يرجى من الفرع خير وقد فسد الأصل الأول؟!، فليس في دين الإسلام إلا علماء يؤخذ من أقوالهم ويرد من لدن الصديق، رضي الله عنهم، أرسخ رجال الأمة علما وأكمل شيوخها عملا وسمتا، ومع ذلك لم يسلم أهل العلم له في كل قول وحال، كما أشار إلى ذلك ابن عقيل، رحمه الله، بل قد قال الصديق، رضي الله عنه، حسما لمادة الغلو فيه: "فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني"، فكيف بمن دونه؟!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[04 - 11 - 2010, 06:51 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي مهاجرا
أنت دائما متألق ونافع ومفيد
فعلا نحن أمة وسط في القصد والعدل، والحسن والفضل، في العبادة والطاعة، وكذلك رسولنا يصوم ويفطر ويصلي وينام ويتزوج النساء، صلى الله عليه وسلم، فلماذا نرغب عن سنته ولا نرغب في سنته؟!
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[04 - 11 - 2010, 10:19 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: مهاجر
جزاك الله خيرا، مقال بلاغي قيم، ومعلومات مفيدة، ولقد قرأتُ طرفا منه، وسوف نحاول تكملة قراءته حتى تكتمل الافادة، بارك الله في علمكم، وجعل الله ما كتبتم في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة / اللهم آمين(/)
سؤال؟
ـ[سأبلغ للبلاغة مابلغت]ــــــــ[04 - 11 - 2010, 10:22 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل هناك كتب تحدثت عن (نفي النفي)؟(/)
من آيات الصرف الكوني
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 11 - 2010, 04:00 ص]ـ
من قوله تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ):
فذلك من الصرف الكوني عقوبة عادلة لمن تكبر في الأرض بغير الحق، ولا يكون الكبر في حق البشر إلا نقصا، فقوله: (بِغَيْرِ الْحَقِّ): وصف كاشف يزيد المعنى بيانا وتقريرا، فترسخ في الذهن صورة قبيحة لمن علا وتكبر في الأرض فنازع الرب، جل وعلا، وصفه الذاتي اللازم، فـ: "الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ"، فليعلم المتكبر أن الكبر، كما يقول الغزالي، رحمه الله، في "الإحياء": "لا يليق إلا بالله عز وجل وحده وأنه إذا تكبر صار ممقوتا عند الله بغيضا وقد أحب الله منه أن يتواضع وقال له: إن لك عندي قدرا ما لم تر لنفسك قدرا فإن رأيت لنفسك قدرا فلا قدر لك عندي.
فلا بد وأن يكلف نفسه ما يحبه مولاه منه.
وهذا يزيل التكبر عن قلبه وإن كان يستيقن أنه لا ذنب له مثلا أو تصور ذلك.
وبهذا زال التكبر عن الأنبياء عليهم السلام إذ علموا أن من نازع الله تعالى في رداء الكبرياء قصمه وقد أمرهم الله بأن يصغروا أنفسهم حتى يعظم عند الله محلهم فهذا أيضا مما يبعثه على التواضع لا محالة". اهـ اهـ
ومثله القيد في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ): فلا يكون البغي بحق، ولا يكون من الآلهة التي تشرك بالله، جل وعلا، لا يكون منها ما قد نزل به سلطان فذلك من الممتنع بداهة وإلا بطلت الحجة الرسالية المقررة للتوحيد: دين المرسلين عليهم السلام، فالحجة الرسالية سالمة من المعارضة فليس مع أعدائها سلطان علمي وإنما محض شبهات ردية يعارض بها محكم النبوات الذي قرر التوحيد بأبين معنى وأفصح لفظ.
وجاء التعريف بالموصولية على ما اطرد مرارا من تعليق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه الصلة فعلقت عقوبة الصرف الكوني عن الآيات الشرعية والكونية، فصرف المخذول عن النظر في الآيات الشرعية المسطورة، وصرف عن تأويل أخبارها بالتصديق وأحكامها بالامتثال، فتأويل خبر الوحي تصديقه فلا أصدق منه فهو من كلمات الرب النازلات، وكلماته، جل وعلا، كونية كانت أو شرعية، قد صدرت ممن له كمال العلم والحكمة فتطرق احتمال الكذب إليها محال عقلي فيمتنع لذاته فهو مما لا تنال صورته في الذهن، بل غايته أن يفرضه المفتري فيكذب خبر الوحي، وليس ذلك بدليل بداهة، فهي دعوى تفتقر إلى دليل، وأنى لصاحب هذه الدعوى الباطلة دليل صحيح صريح سالم من المعارضة على كذب خبر الوحي، معدن الصدق، وصدق دعواه؟!، وذلك سؤال يتوجه بداهة إلى كل مكذب بالرسالات، لا سيما الرسالة الخاتمة، فقد قام عليها من دلائل الصدق ما لم يقم على غيرها، فاشتركت مع بقية الرسالات في الأصل التوحيدي الجامع، وهو أصل جليل قامت عليه من دلائل النقل والعقل والحس ما لم يقم على غيره، فهو الكلمة التي بها قامت السماوات والأرض، ولها خلقت وبها حفظت، فلا عمارة للكون إلا بها، ولا صلاح لأعيانه وأحواله إلا بتصديقها وامتثال لازمها الحكمي، فهي أول وهو المحل الثاني، فالتصور يسبق الحكم بداهة فترتسم صورة علمية في ذهن المخاطب تولد في نفسه من أجناس الإرادات ما يلائمها صحة أو فسادا، فذلك التأويل الباطن لخبر الرسالة، وتولد على لسانه وفي أركانه من أجناس الأقوال والأفعال ما يلائمها، أيضا، صحة أو فسادا فذلك التأويل الظاهر لخبر الرسالة، فخبر الرسالة يقتضي بداهة شريعة يحصل بامتثالها البرهان العملي والتصديق الحكمي لما قام في النفس من تصور علمي لمعنى التوحيد معدن الرسالات، فبه رد الأمر كله: عقائد وشرائع وسياسات
(يُتْبَعُ)
(/)
وأحكاما وأخلاقا ..... إلخ إلى الله، عز وجل، فذلك تأويل خبر التنزيل المحفوظ فـ: (مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، فذلك عموم مؤكد بـ: "من" فمرد الأشياء جميعها في معرض الإلهيات والشرعيات إلى رب البريات جل وعلا، بل التجريبيات، وإن لم تتلق من الوحي فليس بيانها وظيفته وإن أشار إلى أصولها الجامعة على جهة التبع، إلا أنها تخضع من جهة العموم لمقاصد الشريعة الكلية فهي وسائل قد يتذرع بها إلى واجب فتصير واجبة، أو محرم فتصير محرمة، فللوسيلة حكم مقصدها، ثم جاء التذييل بعلة الرد فهو رد إلى الرب، جل وعلا، الذي له ربوبية الخلق والتقدير فله القدرة النافذة والحكمة البالغة فيرد الحكم إليه فهو العليم بالمآلات الحكيم في تقدير الأعيان كونا والأحكام شرعا، فـ: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، ولذلك تجد من آثار هذا الصرف الكوني في الخارج صورا تظهر فيها آثار ربوبية القهر للقلوب بإعراضها بمحض اختيارها الذي لا يخرج عن الاختيار الكوني النافذ بإعراضها عن محكم الوحي المنزل وتتبعها لمتشابهه بطرائق توقع صاحبها في حرج شديد لافتضاح أمره ورقة بل بطلان حجته الظاهر ومع ذلك لا يزال يدفع بالقول تارة وبالفعل أخرى عن مقالته الردية التي تنقض أصول الملة التوحيدية فهو على طريقة الملأ من قريش فـ: (انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)، والملأ من قوم فرعون فهم القائلون في معرض التحريض الإعلامي!: (أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ)، فالكل قد تواطأ على حرب الرسالات على مر الأعصار والأمصار، وإن اختلفت الشخوص فالطرائق والمكائد واحدة، فإثارة للشبهات وتهديد ووعيد ثم بطش وتنكيل، فكل صور الإرهاب الذي يقذف به دين المرسلين قد وقع فيه أعداؤه، على وزان: رمتني بدائها وانسلت!، ولعل صور الكهنوت المعاصر وقد علا في الأرض ليفسد فيها كما علا فرعون من قبله، فكتم من كتم إيمانه فهو على رسم مؤمن آل فرعون!، ولقي من لقي جزاءه بخلعه لنائب المسيح من منصب الهيمنة على العقول والأبدان، والتشريع تحليلا وتحريما بمحض الأهواء، لعل هذه الصورة التي يبذل فيها الباطل ما يبذل من تضحيات جسيمة استبقاء لسلطانه المهيمن على قلوب أتباعه فلا يروم إلا التعمية عليهم برسوم العصمة والقداسة فذلك مما يولد في النفوس رهبة تخرس الألسنة فلا تنطق، فالحرمان مآل من أعمل فكره فنطق بما يعارض مقررات الكهنوت ولو كان من أهله فلا صوت يعلو على صوت الطاغوت الأعظم الذي ترأس برسم الديانة، فلن يلج الملكوت أحد غضب عليه!، فغضبه من غضب من أنابه ليحل ويعقد ما شاء من أحكام الأرض فله حق التحلة بل وله نسخ ما شاء من الأخبار التي يمتنع نقلا وعقلا نسخها فذلك إبطال للخبر بتكذيب مخبره وذلك مما يأتي على أصل المقالة بالإبطال، بل قد استجاز من استجاز من طواغيت الثليث تبرئة يهود من دم المسيح عليه السلام، بزعم من أقام بنيانه على شفا جرف مقالة الصلب المتهافتة، فنسخ بذلك أصلا راسخا في قلب كل نصراني فعداوة يهود للمسيح عليه السلام أمر قد تواتر نقلا عند سائر أتباع الملل، فأبى الناسخ إلا إبطاله نقضا لكل معايير النقل والعقل بإنكار معلوم بالتواتر قد أغنت شهرته عن إسناده، فعداوة يهود للمسيح، عليه السلام، وذلك القدر المشترك بين أتباع كل الديانات، أمر قد صار من الضرورة العلمية بمكان، فإنكاره إنكار معلوم بدهي وذلك من جنس السفسطة والمكابرة فلعله من جنس الاستكبار في الأرض بغير الحق بانتحال مقالة قد قامت أدلة النقل والعقل والحس على بطلانها والذب عنها ومدافعة خصومها باستماتة وحمل الأتباع عليها برسم الإرهاب الفكري والبدني، فطغيانه من جنس طغيان ملوك الجور الذين يكممون الأفواه ويجلدون الأبشار ويصادرون الآراء مع انتحالهم حرية إبداء الرأي!، وإن كان طغيان الكهنوت الديني أبشع من طغيان الجور السياسي، فمكان الدين أعظم في القلوب فيكون الانتصار له ولو برسم الغلو أشرس، فالطاغوت الذي يمارس طغيانه باسم الدين يسترق القلوب
(يُتْبَعُ)
(/)
بمعاني الوحي النازل في دار الابتلاء والخلاص في دار الجزاء، وذلك مما تنشط له كل الهمم، ولو خسيسة، فلا يجد الرأس أفضل من دعاية الدين، ولو باطلا، لتجييش الأتباع فتتسابق الأبدان انتصارا للأقوال، ويقع التدافع الكوني بين المختلفين، ليظهر بذلك من آثار قدرة وحكمة رب العالمين ما يدل ضرورة على كمال وصفه الذاتي والفعلي.
والصرف الذي صدرت به الآية من الوصف الفعلي، فهو، بدلالة مجيئه على حد المضارعة التي تدل على الزمن الحاضر والزمن المستقبل، من وصف فعل الرب، جل وعلا، الذي يتعلق بمشيئته النافذة، فيحدث من آحاده ما شاء برسم التجدد، فالنوع أزلي برسم الأولية المطلقة الثابتة للرب، جل وعلا، ذاتا ووصفا، فله الكمال الذاتي والوصفي أولا وآخرا، فذلك، كما تقدم مرارا، من معاني اسميه المتقابلين: الأول والآخر فبهما ثبت له كمال الإحاطة الزمانية فأول قبل كل شيء، وآخر بعد كل شيء، وعليم بكل شيء، والمضارعة من وجه آخر مما تستحضر به صورة العقوبة في الذهن، فهي عقوبة كونية نافذة، من جنس عقوبة الطبع الكوني النافذ على قلوب أعداء الرسل عليهم السلام، فالصرف من جنس الطبع، بل لعله لازمه الضروري، فيطبع على القلب برسم الختم بعدم الفقه، فـ: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فينصرف القلب عن الآيات الكونية تدبرا، والشرعية تلاوة وتصديقا بالقول والفعل، فيكون الصرف فرعا على الطبع، فقد سدت المنافذ، فأقفر القلب من مادة الخير والصلاح فليس فيه من مادة التوفيق شيء، وإن حصل له الإرشاد بحجة الرسالة الباهرة، فبها بعث الرسل عليهم السلام: (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، فصرفت قلوب الذين يستكبرون في الأرض بغير الحق، وتلك صورة أخرى جاءت، أيضا، على حد المضارعة، فذلك، أيضا، آكد في التنفير من الجرم، فالكبر فيهم ملكة راسخة، فيدور حكم الصرف عن الآيات مع وصف الكبر الذي اشتقت منه الصلة المضارعة، يدور معه وجودا وعدما، فهو، كما تقدم، من الوصف الفعلي الذي تتجدد آحاده بتجدد مشيئة الرب، جل وعلا، إيقاعه، فمنه ما يعلق بمعنى يدل عليه اسم يقع على مسماه الذي يصح تعليق الحكم عليه فهو وصف مؤثر، فوصف الكبر: وصف مؤثر في إيقاع عقوبة الصرف الكوني، فيكون وقوعه من قبيل وقوع المسبَّب بتجدد وقوع سببه، فهو لازمه في الذهن وتابعه في الخارج، فيتصور الذهن السبب أولا، ثم يتصور ما ينبني عليه من المسبَّب، ويقع السبب في الخارج أولا، ثم يقع المسبَّب عقيبه، فتلك سنة الكون الجارية، فالأسباب تؤدي إلى مسبَّباتها بما ركز الرب، جل وعلا، فيها من قوى التأثير، ولا يكون ذلك إلا بمشيئة كونية نافذة، فالسبب وإن كان فاعلا في نفسه إلا أنه يفتقر إلى جملة أسباب تعضده، وجملة موانع تنتفي لئلا تنقضه، وكل سبب يرجع إلى آخر حتى تنتهي سلسلة الإسناد الكونية إلى سبب أول لا سبب وراءه هو الكلمة الكونية النافذة التي تصدر عن المشيئة الربانية الكاملة، ومن أوصاف الفعل الرباني ما لا يتعلق بسبب، فيوقعه الرب، جل وعلا، بمشيئة محضة، فـ: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)، فلا يسأل لكمال قدرته وحكمته، وهم يسألون على جهة المقابلة بين النفي والإثبات، فيسألون لقيام نقيض أوصاف الرب، جل وعلا، بهم، فيثبت لهم ضد الحكم بثبوت ضد الوصف فذلك من الطرد والعكس القياسي الذي يثبت في العقول الصريحة بداهة، فمن ذلك وصف النزول برسم: "مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ"، فذلك محض رحمة وفضل تظهر به آثار أوصاف جماله، جل وعلا، كما يظهر أثر وصف جلاله من نزول كلمات العذاب، فـ: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ)، فجاء الأمر الكوني النافذ المعلق بالمشيئة لدلالة "لما" التوقيتية، جاء بعذاب الاستئصال فظهر بذلك من آثار جلال وعدل الرب، تبارك وتعالى، ما ظهر.
(يُتْبَعُ)
(/)
والشاهد أن الطغيان الكهنوتي لمكان الدين في النفوس أعظم من الطغيان السياسي، فليس لملوك الجور ما لرءوس المقالات الباطلة من النفوذ، فلا يتجاوز نفوذ ساسة الدنيا حد القهر الأبدان بسيف الإرهاب والتنكيل فغايتهم التهديد بإفساد الدنيا وإزهاق الروح في هذه الدار، وأما رءوس المقالات الحادثة فيلوحون بسيف الإرهاب الفكري فتهديدهم بالحرمان من دخول الملكوت الأبدي أعظم من تهديد ساسة الدنيا بالحرمان من حياة مؤقتة ستزول حتما ولو اجتمع لأصحابها من أسباب الدعة والراحة ما اجتمع، بل قد يجتمع لهم السيفان إذا وقع التآمر المقيت بين ساسة الجور وأئمة الضلالة تحصيلا لمكاسب دنية، فذلك تآمر من جنس ما وقع في مجمع نيقية الذي استنصرت فيه القلة الضالة بسيف قسطنطين، ثم تلاه تآمر الكنيسة مع العرش في أوروبا المظلمة المقفرة حتى الآن من آثار الرسالة الصحيحة إلا ما كان من نور أشرق عليها من أرض النبوات فنفذ إليها مع غلظ حجب الظلمات بكتابه الهادي وسيفه الناصر، ففي الأندلس اجتمع الكتاب والسيف، واليوم تبدد النبوة ظلمات أوروبا شيئا فشيئا بالكتاب الهادي بعد أن أغمد السيف الناصر إلى حين، فلن يقوم الدين كما قام أولا إلا بما أقامه به الأولون من حجج باهرة وسيوف عدل قاطعة لجذور الطغيان الديني والدنيوي الراسخة في الأعصار والأمصار التي اندرست فيها آثار النبوات، فتلاه تآمر الكنيسة مع العرش حتى سقط كلاهما بثورة عارمة قضت على الكهنوت الديني وأقرت كهنوتا آخر صارت الدولة فيه لعقول البشر بمنأى عن نور الوحي الصحيح المحفوظ لا وحي الكنيسة المبدل، فصار منصب التشريع لأهواء وأذواق مضطربة تتفاوت أحكامها بتفاوت عقول وعلوم أصحابها، فتعددت الشرائع الحادثة في مقابل الشريعة الباقية، فذلك من صور التوحيد الرباني في مقابل التشريك البشري، فيجتمع في هذه الصورة: الشرك في الربوبية فمنصب التشريع من أخص وظائفها، والشرك في الألوهية بتوجه القلب إلى غير الوحي فيرضى حكمه ويمتثل أمره ونهيه وذلك عين التأله للمعبود فـ: (لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فرضاهم بحكم الله، عز وجل، عين التأله الصحيح للمعبود بحق، ورضا غيرهم بحكم غيره عين التأله الفاسد لسائر المعبودات الباطلة، فـ: (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)، والنفوس تتفاوت أقدارها ومنازلها بتفاوت إراداتها في القلب وتفاوت أغراضها في الخارج.
ومادة الصرف مادة مجملة لا يظهر المراد منها إلا بالتقييد بالحرف فمنه الصرف عن الشيء، كما في هذه الآية، ومنه الصرف إلى الشي، كما في قوله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ)، ومنه، أيضا، صرف كوني إلى الحق كما وقع للجن فذلك من فضل الرب، جل وعلا، أو إلى الباطل، كما وقع لأولئك المتكبرين، فذلك من عدل الرب، جل وعلا، ومنه صرف للمكلف العاقل، كما في الآيات السابقة، ومنه صرف لما لا يعقل فليس أهلا للتكليف الشرعي، فـ: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ)، ومنه التصريف الكوني، كما تقدم، ومنه التصريف الشرعي، فـ: (لَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)، فتنوع موارد المادة الواحدة بتعدد وجوه التقييد اللفظي بالحرف، أو المعنوي بالسياق، ذلك التنوع مئنة ظاهرة من بلاغة لسان العرب عموما، وكلام التنزيل خصوصا، فـ: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
(يُتْبَعُ)
(/)
وأضيفت الآيات إلى الرب، جل وعلا، فذلك مئنة من العموم القياسي، كما قرر أهل الأصول، فتعم الآيات الكونية والآيات الشرعية فضلا عن دلالة الإضافة إلى أعظم موجود، تبارك وتعالى، على عظم الآيات، فتعددت وجوه المعاني بتعدد وجوه الإضافة، وذلك، أيضا، مئنة من سعة لسان العرب ودقة ألفاظه فاللفظ يدل بمفرده على معنى مطلق، ويدل بسياقه على معنى مقيد، فدلالة التركيب تضيف إلى المعنى المطلق ما لا يدل عليه اللفظ المفرد، فالألفاظ إنما تفيد بإيرادها في تراكيب لا في نطقها مفاريد بلا سياق مذكور أو مقدر ترد فيه لتدل بقرينته على مراد المتكلم.
وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا: فذلك من الإطناب في بيان مساويهم فيحسن ذلك في معرض التذييل بعلة الحكم الذي صدرت به الآية، وإيراد الخبر مورد الشرط آكد في تقرير المعنى في الذهن فإن يروا كل آية فجاء العموم من وجهين، فـ: "كل" نص فيه وورود النكرة في سياق الشرط نص فيه، أيضا، وذلك جار مجرى ما تقدم من تقرير المعنى فهو مما يظهر به غلظ كفرهم فلا يؤمنوا بكل آية مسطورة يرونها بعين البصر، أو آية كونية يجد المكلف آثارها بعين البصيرة، فهي مئنة ضرورية من انفراد الرب، جل وعلا، بمنصب الربوبية: تكوينا وتشريعا، بكلمات هي آثار كماله ذاته ووصفه، فالكلمات، عند التأمل، هي أثر وصف الرب، جل وعلا، فكل كمال ثبت له يظهر أثره في تقديره الكوني بكلمات التكوين النافذة، وتقديره الشرعي بكلمات التشريع الحاكمة.
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا: فتلك من المقابلة التي تدل على فساد التصور العلمي، فما تقدم، وقد أشير إليه بإشارة البعيد مئنة من التحقير: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ:
ففساد العلم مئنة من فساد العمل، فما توليهم وإعراضهم إلا فرع عن تكذيبهم وغفلتهم، فمنهم من كفر جحودا وتكذيبا، ومنهم من أعرض عن طلب أسباب الحق الذي لا يتلقى في الشرعيات إلا من مشكاة النبوات، فتلهى بطلب أسباب الباطل، فذلك مما جبلت عليه النفوس الحساسة المتحركة ضرورة، فإن لم تغتذي بغذاء الحق من أسباب الوحي الرحماني فينشغل القلب بتحصيل أسبابه فهو من نبات البلد الطيب، تغذت بغذاء الباطل من أسباب الوحي الشيطاني فينشغل القلب بتحصيله فهو من نبات البلد الذي خبث فلا يخرج إلا نكدا، فذلك مثل بديع ضربه التنزيل في قوله تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)، كما أشار إلى ذلك ابن القيم، رحمه الله، بقوله:
"فالمؤمن إذا سمع القرآن وعقله وتدبره بان أثره عليه فشبه بالبلد الطيب الذي يمرع ويخصب ويحسن أثر المطر عليه فينبت من كل زوج كريم والمعرض عن الوحي عكسه". اهـ
فبين مكذب جاحد، ومستكبر، وغافل قد تلهى بالخسيس عن النفيس لضعف عقله وقلة علمه فهو مغرور بالدنيا، فقد غرته، كما يقول الغزالي، رحمه الله، في "الإحياء": "الحياة الدنيا ومنهم من غره بالله الغرور أما الذين غرتهم الحياة الدنيا فهم الذين قالوا النقد خير من النسيئة والدنيا نقد والآخرة نسيئة فهي إذن خير فلا بد من إيثارها وقالوا اليقين خير من الشك ولذات الدنيا يقين ولذات الآخرة شك فلا نترك اليقين بالشك.
وهذه أقيسة فاسدة تشبه قياس إبليس حيث قال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) وإلى هؤلاء الإشارة بقوله تعالى: (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) ". اهـ
فما فسد حال في الخارج إلا فرعا على فساد باطن سبقه في التصور والوقوع، ولا يصلح فساد التصورات والإرادات في الباطن، وفساد الأقوال والأفعال في الخارج لا يصلحها إلا الوحي الذي بعث به الرسل عليهم السلام حسما لمادة النزاع، فـ: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ).
والله أعلى وأعلم.(/)
ما أغراض الأساليب؟؟؟
ـ[أمير الفصحاء]ــــــــ[05 - 11 - 2010, 09:08 م]ـ
فقلتُ: من ياترى يحنو ... فيوقفُهُ
من بين أهلي .. وأحبابي وإخواني؟
وهل هناكَ ضميرٌ سوفَ يُنصفُنا
أم الضمائرُ لُفّتْ عبر أكفانِ؟
وهل بدنيا الورى سيفٌ نُقدّرُهُ
أم السيوفُ غدتْ أشلاءَ نسيانِ؟
فمن سيسمعُ صوتي .. من يرى صُوري
وهل أنا بينَ طرشانٍ وعميانِ؟
نوع الأساليب السابقة استفهام ولكن ما غرضها؟؟(/)
هام جدا جدا جدا (ادخلوا رجاء)
ـ[همبريالي]ــــــــ[07 - 11 - 2010, 01:56 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد:
اخواني الأفاضل
كما تعلمون جميعا، غرفة هتاف هي الغرفة الصوتية للفصيح
فيها يقدم الأساتذة والدكاترة الأفاضل دروسا جد مفيدة، وتطرح فيها أيضا
نقاشات حول بعض مواضيع الفصيح والإجابة عن جميع الإستفسارات
كما يمكن سماع قصائد شعراء الفصيح بصوتهم مباشرة
وغير ذلك ...
ولكن المشكلة أن الغرفة تعاني من الجفاف-إن صح التعبير-
وأقصد قلة مرتادي الغرفة، حتى أن بعض الرواد قل نشاطهم
لذا نرجوا منكم مشاركتنا والانتفاع
بما في الغرفة من خير
اقتربوا ولن تندموا بإذن الله
من كان عنده تحفظ أو ملاحظة أو رأي أو نصيحة
فليعلمنا ويعلم أحد المشرفين
وأخيرا وليس آخرا
ننتظر اقبالكم وردووكم وآراءكم
من كانت لديه مشكلة في دخول الغرفة فليتصل بـ "أبو محمدع"
http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?25648- (http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?25648-%C3%C8%E6%E3%CD%E3%CF%DA)
%C3%C8%E6%E3%CD%E3%CF%DA (http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?25648-%C3%C8%E6%E3%CD%E3%CF%DA)
دعمك لهتاف هو دعم للفصيح /
تقبلوا تحياتي
ـ[همبريالي]ــــــــ[09 - 11 - 2010, 11:08 م]ـ
هتاف الآن مفتوحة
ننتظركم
ـ[عبود]ــــــــ[10 - 11 - 2010, 08:56 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[همبريالي]ــــــــ[11 - 11 - 2010, 01:18 م]ـ
جزاك الله خيرا
بارك الله فيك أخي الكريم
جزيتَ الجنة
ـ[الياسين]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 05:21 م]ـ
قل مهم ولاتقل هام
إلا إن كان الهم كبير جدا جدا(/)
من حديث: "أي الذنب أعظم ..... "
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 11 - 2010, 04:13 ص]ـ
من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: "أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ مَاذَا قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ مَاذَا قَالَ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ":
فـ: أي الذنب أعظم؟: فذلك من الاستفهام لبيان ماهية الذنب الذي يندرج في حد الكبيرة، وهو ما جعل بعض أهل العلم يجعل هذا الحديث عمدة في حد الكبيرة بذكر أفرادها فيكون ذلك من قبيل التعريف بذكر الأفراد، فالتعريف قد يكون بالمثال، وقد يكون بذكر جميع الأفراد استيعابا، كما في حديث وفد عبد القيس وفيه: "هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا الخمس من المغنم"، فحد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الإيمان بخصال الإسلام العملية، وذلك مما استدل به المحققون من أهل العلم على دخول الأعمال في حد الإيمان، فقد عرفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذكر أفراده العملية، كما عرفه في حديث جبريل بخصاله العلمية: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"، ومما استدل به على ترادف الإيمان والإسلام حال المفارقة، فيترادفان حال المفارقة، فكل منهما يدل على معناه أصالة وعلى معنى الآخر نيابة، فيعم الإسلام خصال العمل أصالة، ويدل مع ذلك على خصال العلم نيابة، فيعم معاني الدين: علما وعملا، فيكون الإسلام إذا أفرد بالذكر هو الدين الجامع للإلهيات والشرعيات والسياسات والزهديات ...... إلخ، فـ: (مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ): فمن يبتغ غير الإسلام العام قبل الرسالة الخاتمة دينا، فهو دين المرسلين جميعا، فكان دين المسيح عليه السلام وإن كانت شريعته النصرانية، وكان دين موسى الكليم عليه السلام وإن كانت شريعته اليهودية، فلن يقبل منه، فالتوحيد شرط صحة رئيس لما بعده من أصول وفروع علمية وعملية فهو الأصل الأول ولا صلاح لفرع فسد أصله فصلاح المنشأ مئنة من صلاح ما ينشأ عنه سواء أكان ذلك في المعقولات أم في المحسوسات، والتلازم بينهما تلازم وثيق أشار إليه ابن تيمية، رحمه الله، بقوله: "وَالدِّينُ الْقَائِمُ بِالْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ عِلْمًا وَحَالًا هُوَ " الْأَصْلُ " وَالْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ هِيَ " الْفُرُوعُ " وَهِيَ كَمَالُ الْإِيمَانِ. فَالدِّينُ أَوَّلُ مَا يُبْنَى مِنْ أُصُولِهِ وَيَكْمُلُ بِفُرُوعِهِ كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِمَكَّةَ أُصُولَهُ مِنْ التَّوْحِيدِ وَالْأَمْثَالِ الَّتِي هِيَ الْمَقَايِيسُ الْعَقْلِيَّةُ وَالْقِصَصُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ثُمَّ أَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ - لَمَّا صَارَ لَهُ قُوَّةٌ - فُرُوعَهُ الظَّاهِرَةَ مِنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجِهَادِ وَالصِّيَامِ وَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالْمَيْسِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِهِ وَمُحَرَّمَاتِهِ".
ومن يبتغ غير الإسلام الخاص بعد الرسالة الخاتمة فلن يقبل منه، فهو معدن التوحيد علما وعملا ففيه من بيان الأصول العلمية والفروع العملية ما ليس في غيره من الشرائع والرسالات، فـ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، فرضيت لكم التوحيد الذي جاء به الأنبياء عليهم السلام: دينا، ورضيت لكم ما جاء به النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الإسلام الخاص فهو زبدة الرسالات وخلاصة علوم النبوات، رضيته لكم دينا برسم النسخ لشرائع المتقدمين والإحكام لعلوم النبيين، عليهم السلام، فعلومهم الإلهية واحدة، وإن تفاوتت إجمالا وتفصيلا، فقد جاءت كلها بإثبات وصف الكمال ونفي وصف النقصان عن رب البرية، جل وعلا، فتراوحت بين الإجمال والبيان الجزئي الذي يلائم حال
(يُتْبَعُ)
(/)
المخاطب فضلا عن محلية الرسالات السابقة، فجاءت الرسالة الخاتمة ببيان كلي لأصول وفروع الديانة، رفع كل إجمال وأزال كل إشكال، فـ: "لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي"، فاستعير البياض الحسي وهو مئنة من وضوح الرؤية، للبياض المعنوي فوضوح أخبار وأحكام الرسالة الخاتمة أمر ظاهر بل قد سلم به المخالف فليس ثم في دين الإسلام نقل شرعي يحتج به إلا ما كان رجال إسناده على الوجه المرضي، فلهم من كمال العدالة والضبط ما يوجب قبول خبرهم وتصحيح نقلهم، فضلا عن نقل الكتاب العزيز: حجة الإسلام الأولى، ففيه من الأخبار اليقينية الصادقة والأقيسة العقلية الباهرة فحجتها صحيحة سالمة من المعارضة، فيه من ذلك ما يقطع بداهة بصحة نقله وصحته في نفسه فقد قامت به الحجة الرسالية على عموم البرية برسم العموم المحفوظ، فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) إلا ما كان من تخصيص بنحو قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في الفترة"، وليس ثم في دين الإسلام: استدلال باطل بقياس عقلي فاسد يعارض الحجة الرسالية الصحيحة فضلا عن معارضته للأصول العقلية الصريحة، فتعاضد أدلة الشرع المنزل والعقل المسدد أصل عظيم يستمسك به في مضايق الاستدلال، فلا يسلم الاستدلال حتى يكون نقل الخبر صحيحا وقياس العقل الذي ينظر به المستدل صريحا، وطرائق الاستنباط معتبرة ولا تكون كذلك إلا بإتقان طرائق اللسان العربي في أداء المعاني بألفاظ تتراوح حقائقها بين: الشرع فهو العمدة في الاستدلال في الشرعيات، فالشرع قد أخذ من اللسان حقيقة مطلقة فقيدها بصورة معهودة في الوحي هي فحوى التعريف الاصطلاحي للحقائق الشرعية فلكل حقيقة شرعية في كتب المصنفين: تعريف لغوي يدل على الحقيقة المطلقة، وتعريف اصطلاحي يدل على الحقيقة المقيدة بما زاده الشرع من قيود في هيئات العبادات وماهية المعاملات والسياسات وحدود الأخلاق والزهديات، فتراوح الحقائق بين: الشرع فهو العمدة في هذا الباب، والعرف، فالعرف كالشرع يقيد حقيقة اللفظ المطلق وإن أتى بعده في الحجية والاستدلال فلا يسبق العرف الشرع في حد الحقائق إلا ما لم ينص الشرع على حده كحقائق السفر ونحوه، فحقيقة السفر تتفاوت بتفاوت الأعراف فما عد في عرف قوم سفرا لم يعد في عرف غيرهم لاختلاف الأعصار والأمصار فلا يحد المعنى بقيد مخصوص لعدم النص عليه، بل يرد الأمر إلى العرف فهو الذي يفصل النزاع في بيان هيئات ومقادير ما لم ينص الشرع عليه من حقائق الأسماء التي يكثر تداولها بين الناس، واللغة فهي آخر ما يلجأ المستدل إليه فدلالة اللفظ المعجمية: دلالة مطلقة، تدل على ماهية مجردة، فالصلاة في اللغة: مطلق الدعاء، فتلك ماهية مجردة حدها الشرع بماهية الصلاة المعهودة، فلا يعدل عن الماهية الشرعية المقيدة التي دل النص الصحيح عليها إلى الماهية اللسانية المطلقة إلا بقرينة مرجحة كما قد عدل عن الصلاة الشرعية إلى الصلاة اللغوية في نحو قوله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)، فلم تشرع صلاة شرعية على المتصدق، وإنما شرعت صلاة لغوية بدعاء بالرحمات الآجلة والبركات العاجلة. فحصل بهذا البيان الوافي بـ: شرع محفوظ، واستدلال معقول ولسان عربي مبين عن مراد المتكلم بما اختص به من سعة المباني اللفظية والمعاني الدلالية فمجمل ومبين، وعام وخاص، وظني وقطعي، وظاهر ونص ومفسر ومحكم، ومشترك لفظي وآخر معنوي، وترادف يقابل الاشتراك، ومطابقة وتضمن والتزام ........ إلخ، فذلك البيان المحفوظ برسم العناية الربانية، فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، ذلك مما يلائم عالمية وديمومة الرسالة الخاتمة، فعمومها الزماني والمكاني قد استدعى بداهة توافر وسائل الحفظ للفظ المنطوق، والفهم للمعنى المعقول، وذلك، كما تقدم، مما أتيح للرسالة الخاتمة فنصوصها المعجزة بلفظها المتلو بالألسنة: محفوظة برسم التواتر، فذلك نقل الكتاب العزيز الذي لا يماري فيه إلا جاحد مسفسط منكر لبدائه العقول من
(يُتْبَعُ)
(/)
العلوم الضرورية، ونصوصها المعجزة بمعانيها فهي من جوامع كلام البشر وإن لم تتل برسم التعبد، نصوصها من كلام صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم محفوظة برسم التواتر العام لجملة الأخبار، والتواتر الخاص لنصوص بعينها، والظن الراجح الذي يرتفع بالقرائن المحتفة إلى درجة العلم النظري، فيفيد العلم والعمل معا كما قرر المحققون من أهل الأصول.
والشاهد أن السؤال هنا قد جاء عن ماهية الذنب الأكبر، في معرض الاستفسار، إرادةَ الاجتناب، فالسؤال عن الشر لا يراد لذاته، بل يراد لاجتنابه، فـ:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه
وتلك فحوى طريقة حذيفة رضي الله عنه فـ: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني".
ولم يرد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: استغراق أفراد الكبائر في هذا السياق، فقد نص على كبائر غيرها في نصوص أخرى من قبيل: "اجتنبوا السبع الموبقات. قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"، فصدر سياق كل منهما بالشرك، فهو أعظم الذنوب بالإجماع، فلا تدل الأحاديث على حصر أعيان الكبائر فسياقها غير حاصر بلفظه أو معناه، وإن حصل التنويه بجملة منها بإفرادها بالذكر فذلك لا يعني تخصيص العموم بها، فذكر بعض أفراد العام في معرض التعريف بالتمثيل لا يخصصه، فيعرف منها: أجناس الكبائر وأكبر الكبائر، كما أشار إلى ذلك في "مختصر منهاج القاصدين" بقوله: "وقد اختلفت العلماء فيها على أقوال كثيرة، والأحاديث فى الكبائر لا تدل على حصرها فيها، ولعل الشارع قصد الإبهام ليكون الناس على وجل من الذنوب، لكن يعرف من الأحاديث أجناس الكبائر، ويعرف أيضاً الكبائر". اهـ
"مختصر منهاج القاصدين"، ص213.
كما لم يرد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تعريف الإيمان بخصال العمل قصره عليها فالسياق، أيضا، غير حاصر، بل قد جاء تعريفه في نص آخر بخصال العلم، فخص كل سياق بتعريف لقرينة الحال، واكتملت صورة الاستدلال بجمعهما فلا تعارض بينهما بل هما متوافقان متعاضدان فالعمل الظاهر تأويل العلم الباطن، وكذلك الشأن في النصوص التي أبانت عن جملة من الكبائر فليست حاصرة بلفظها أو معناها، كما تقدم، فتكتمل صورة الاستدلال بجمعها، وتلك طريقة المحققين من أهل العلم فلا ينظر في الشريعة برسم الانتقاء لجزء بل لا بد من نظر عام في كل نصوص الباب لتكتمل صورة الاستدلال، وإليه أشار البطليوسي، رحمه الله، في باب عقده في "الإنصاف" بعنوان: "في الخلاف العارض من جهة الإفراد والتركيب". اهـ
فيزول بحمل المجمل على مبينه فالصورة المركبة منهما تزيل إجمال الصورة المفردة.
فجاء الجواب على جهة الابتداء بمصدر مؤول: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"، فدلالة "أن" وما دخلت عليه آكد في تقرير المعنى من دلالة المصدر الصريح، وفيه مزيد تقبيح لصورة الشرك بإيرادها مورد المضارعة فهي ذريعة إلى استحضار الصورة فذلك مما يزيد نفور العقل الصريح والفطرة السوية منها فهي مما ينقض أصول الإدراك العقلي والوجداني.
والجعل مئنة من الاتخاذ وفيه دلالة على التكلف فذلك مما يقطع العذر بتقصد الفاعل الفعل على وجه تعظم به الجناية ويقبح به الوصف.
ونكر "الند": مئنة من الإطلاق فمطلق الحقيقة مذموم، بغض النظر عن عين الند المتخذ برسم المساواة في المحبة مع الرب جل وعلا فـ: (مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)، ولو كان شريف القدر، بل ولو كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا، فـ: (لَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، وذيل بالحال: "وهو خلقك"، فهي قيد في المعنى، وموقعها في اللفظ: فضلة، وفي المعنى: عمدة فهي دليل على بطلان ربوبية ما سوى الرب، جل وعلا، من الأرباب الباطلة، فالقيد بوصف الخلق يخرج ما سوى الرب، جل
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلا، من حكم الربوبية وما يلزم منها من الألوهية، فهو من أوصاف الرب جل وعلا الفعلية التي لا ينازعه المخلوق فيها بداهة، فذلك مما اختص به، جل وعلا، فهو الذي خلقك لا غيره فذلك وصف لا يقبل الشراكة، بل قد دل النقل والعقل على بطلان نسبته إلى غير الرب، جل وعلا، برسم السبر والتقسيم الذي أتى بالبطلان على المذكور ودل بداهة على المحذوف: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ)، فلم يبق إلا الاحتمال المحذوف لدلالة المذكور عليه فبه تستوفى القسمة العقلية الضرورية وهو: أنهم مخلوقون مربوبون لرب واحد له كمال الانفراد بمنصب الربوبية فلزمهم ضرورة إفراده بمنصب الألوهية. بل قد أقر به المشركون فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)، فلزمهم عقلا الإقرار بلازمه من توحيد الألوهية وإلا وقعوا في التناقض العقلي بإثبات الملزوم ونفي لازمه الذي يتفرع عليه ضرورة.
فنفي الندية يقطع مادة الغلو، فما وقع الغلو إلا فرعا على تصور فاسد قيس فيه المخلوق على الخالق، جل وعلا، غلوا فنسبت إليه جملة من الصفات الإلهية، أو الخالق على المخلوق جفاء فنسبت إليه، جل وعلا، جملة من الصفات البشرية وهي صفات نقص مطلق بمقتضى الجبلة التكوينية التي يظهر بها القدر الفارق بين وصف رب البرية، جل وعلا، فليس كمثله شيء، ووصف المخلوق برسم الحدوث والفناء وما بينهما من نقص ذاتي لازم هو مئنة من الفقر الذاتي اللازم لأعيان المخلوقات فبه يثبت بطلان ربوبيتها فلا يكون الرب الخالق بداهة فقيرا إلى سبب مخلوق حادث، بل هو الذي يخلق الأسباب بكلماته الكونية النافذة، ويجريها بسنن كوني محكم يدل على كمال انفراده بربوبية التكوين والتدبير، فخلق الأسباب المغيبة فـ: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، وخلق الأسباب المشهودة من مطعوم يقع به الشبع ....... إلخ.
ثم جاء النص على الذنب الثاني على جهة المصدرية المؤولة والمضارعة، أيضا، استحضارا لما تقدم من قبح الجناية والتئاما للسياق فكل المعرَّفات فيه قد عرفت على هذا الوجه من اللسان العربي:
"أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ": فالقتل مذموم ولكن أبشع صوره قتل الولد خشية أن يطعم مع أبيه فذلك أعظم صور القتل ظلما، وإن كان القتل كله ظلما، وقتله خشية أمر لم يقع بعد مئنة من لؤم الطبع وشح النفس التي خالفت ما جبل عليه البشر من حب الولد وإيثاره بكل محبوب مرغوب فيه من طيب المأكل والمشرب ...... إلخ، فضلا عن سوء الظن بالرب الرزاق جل وعلا، وقد جاء النص على تحريمه القطعي صراحة في التنزيل: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)، فذلك المتوقع فقدم رزق المولود على رزق الوالد ليطمئن قلبه فلا يخشى استيلاده، و: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ): فذلك الحاصل، فقدم رزق الوالد على المولود.
ثم جاء النص على الذنب الثالث:
"أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ"
والزنى مذموم، ولكن أبشع صوره الزنى بحليلة الجار، وإضافة الجار إلى الضمير آكد في تقرير قبح الجناية فهو جار الفاعل فكان الأليق في الشرع والعقل حفظ حرماته لا انتهاكها، فذلك مما يأنف منه أصحاب المروءات وإن لم يكونوا من أصحاب الديانات.
وقد جاء الفعل في بعض الروايات على جهة المفاعلة: "تزاني" فذلك آكد في تقرير الجناية ففي المفاعلة نوع تقصد وتواطؤ على الفعل، وجاء في بعض آخر متعديا بألف المفاعلة والباء معا: "تزاني بحليلة" فيكون ذلك، أيضا، من قبيل التوكيد إمعانا في تقرير قبح الجناية فتعدى الفعل من أكثر من وجه، وذلك مئنة، كما تقدم، من كمال الترصد والتقصد.
والله أعلى وأعلم.(/)
ساعدوني في التشبية التمثيلي
ـ[احلى ابتسامة]ــــــــ[10 - 11 - 2010, 08:45 م]ـ
لو سمحتوا أريد توضيح التشبيهات التمثيلية الاتية وبيان المشبه والمشبة به ووجه الشبه:
قال الشاعر:
كأن القلب ليلة قيل يغدى بليلى العامرية أو يراح
قطأة عزها شرك فباتت تجاذبه وقدعلق الجناح
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ?
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
قال رسول الله صلى الله علية وسلم: (مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد ادا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وعفوا
ـ[ظل الشجر]ــــــــ[11 - 11 - 2010, 04:49 م]ـ
1 - المشبه (القلب وقد أصبح مضطربا يريد الخروج من صدر الشاعر هما وكمدا) المشبه به (طير يقال له القطا وقع في شرك ويريد الخروج من هذا المأزق مع ما يصيبه من الهم والكمد) وجه الشبه الألم والحزن وإرادة الخروج من المأزق
2 شبه الله الحياة الدنيا وبهجتها ثم تغير حالها بالأرض حين ينزل عليها المطر فتنبت وتزهر ثم تصفر وتتبدل وتعود إلى ما كانت عليه
وجه الشبه (الحياة والموت أو نكتب التغيير والتبدل
3 التشبيه الثالث اضنه واضح حيث شبه الرسول المسلمين في ترابطهم وحبهم بالجسد الواحد الذي يألم بألم كل عضو فيه وجه الشبه الترابط.
ـ[فتون]ــــــــ[12 - 11 - 2010, 02:29 ص]ـ
إضافة إلى ما قاله أخي ظل الشجر
وجه الشبه في التشبيه الثالث هو الترابط الشديد بين أشياء عديدة
حتى إن ضرر أحدها يؤثر عليها جميعا ويضرها ...
ولكم تحيتي(/)
من حديث "اتق الله حيثما كنت"
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 11 - 2010, 03:52 ص]ـ
من حديث معاذ، رضي الله عنه، مرفوعا: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".
فاتق الله، فذلك معنى يعم صور الوقاية، فاتق الله، فمادة التقوى تتعلق بالرب، جل وعلا، فاتق الله، باتقاء آثار صفات جلاله، والأمر لا يخلو من معنى الإرشاد الذي ينبه الغافل، فما عصى العصاة فانتهكوا الحرمات وتلك مئنة ظاهرة من قلة التقوى، ما وقعوا في ذلك إلا لعظم جهلهم وقلة علمهم بالرب، جل وعلا، ذاتا قدسية وصفات علية، فجهلوا مكره، وأمنوه فالجهل يولد في النفس أمنا مذموما من قبيل الأمن في قوله تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، فذلك من الاستفهام الإنكاري التوبيخي، ثم جاء التعقيب بلازم ذلك من الخسران، فالأمن برسم الجهالة أو الاستخفاف بوصف جلال الرب، جل وعلا، ذريعة إلى خسران الدنيا: (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، وخسران الآخرة، فـ: (مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)، والقصر حقيقي قد صيغ بأقوى أساليبه فذلك مئنة من التوكيد والتقرير للمعنى، فضلا عن الإظهار في موضع الإضمار فتقدير الكلام: فلا يأمنه، لتقدم ذكره، فإظهاره تعظيم للجناية بأمن وصف جلال الرب، جل وعلا، الثابت له برسم العدل والكمال فلا يمكر إلا بالماكرين، فـ: (مَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، وقد ذيلت الآية بوصف الخسران على جهة الاستغراق الذي دلت عليه "أل" الداخلة على الجمع، فضلا عن جواز حملها على الموصولية لاتصالها بوصف، فذلك أيضا آكد في تقرير المعنى بتعميم الحكم بالخسران في حق كل من أمن مكر الرب جل وعلا.
فما فسد العمل إلا فرعا على فساد العلم الذي يورث التقوى ومن آثارها الباطنة: الخشية، فهي من آثار العلم بصفات الجلال التي تولد في النفس رهبة من آثار صفات الجلال من كيد متين وأخذ شديد، فـ: "ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية" فذلك من القصر الإضافي الادعائي إمعانا في تقرير المعنى فما العلم إلا بآثاره النافعة خشية باطنة وخضوعا ظاهرا، فإذا خشع القلب بمباشرة أسباب التقوى العلمية والعملية: خشع البدن، فلا تتحرك أركانه إلا في مراضي الرب، جل وعلا، ولا تسكن إلا عن مساخطه، فتخلية المحل من أوصاف الشر تكون بالتقوى، فإذا علم العبد من صفات الجلال ما يحمله على الرهبة من آثارها، ولا يكون علم نافع في هذا الباب إلا من مشكاة النبوات التي يباشرها العبد المسدد بنظر عقلي محكم فلا يسوي بين المختلفين فيشبه الكامل بالناقص فيجعل حقائق أوصاف الخالق جل وعلا من جنس حقائق أوصاف المخلوق وإن وقع الاشتراك في المعاني الكلية الثابتة في الأذهان فلا يلزم منه وقوع الاشتراك في الحقائق الخارجية في الأعيان، فليس كمثله شيء، جل وعلا، في ذاته وصفاته، كما تقدم مرارا في مواضع سابقة، ولا يفرق بين المتماثلين، فلا يثبت للرب، جل وعلا، شيئا أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون آخر مع صحة دليله فهو ثابت بنص صحيح صريح كالأول، فعلام التفريق بينهما وكلاهما من مشكاة الوحي قد صدر، فتعطل بعض الأخبار الإلهية برسم التأويل بل قد يزيد الانحراف في هذا الباب فتؤول الأحبار السمعية بل الأحكام الشرعية كما هو مسلك الباطنية، وما ذلك إلا من شؤم: مخالفة الوحي، ونقض قياس العقل الذي لا يفرق، كما تقدم، بين متماثلين، ولا يسوي بين مختلفين، فذلك أصل جليل وفرقان مبين بين طريقة الوحي في الإلهيات والشرعيات، وسائر الطرائق المحدثة، فالوحي قد جاء بإثبات أمور ونفي أخرى فهي مما تنزه عنه الرب، جل وعلا، فلا يصح في الأذهان قبول بعض أخبار الوحي وأحكامه ورد بعض، برسم: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)، فذلك من الإنكار والتوبيخ لمن وقع في أقبح صور المناقضة لصريح المعقول ففرق بين متماثلين من مشكاة واحدة قد صدرا، فالتفريق بين المتماثلين
(يُتْبَعُ)
(/)
يعم صورا شتى:
فتفريق بين خبر الوحي وقياس العقل وكلاهما، كما تقدم، من مشكاة واحدة، فمن أنزل الوحي بكلماته الشرعية هو الذي خلق العقل بكلماته الكونية فركز غريزة العقل في المكلف فهو آلة التكليف نظرا في نصوص الأخبار بقياس صريح يواطئ لزوما النص الصحيح، فالتعارض بينهما عين المحال، فيثبت من القياس في الأخبار ما أثبته الوحي من قياس الأولى، فـ: (لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وينفي ما نفاه من قياس التمثيل في الجزئيات وقياس الشمول في الكليات، فـ: (لَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فالتلاؤم بين النفي والإثبات ظاهر فليس عين المثل المثبت للرب، جل وعلا، على جهة الاختصاص والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، ليس عين المثل المثبت هو عين المثل المنفي عنه، جل وعلا، برسم التنزيه، فتسلط النهي على المصدر الكامن في الفعل مئنة من العموم فـ: "لا تضربوا"، فذلك من النهي العام عن كل صور الفعل، فلا تضربوا له الأمثال، فـ: "أل" في: "الأمثال": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فتعم سائر الأمثال، على ما تقدم من دخول "أل" على الجمع فهو من صور العموم القياسية، وذلك عموم قد خص من وجه آخر بالمثل الأعلى، فيكون المثبت مخصصا لعموم النافي، والخاص بدلالته القطعية قاض على العام بدلالته الظنية، فيقيد المثل المنهي عنه بوصف مقدر، فلا تضربوا لله الأمثال الباطلة من أقيسة التمثيل بالمخلوق والشمول بإدراجه مع المخلوق في قاعدة عقلية واحدة فيسوى بين الخالق والمخلوق بتجويز جملة من الأحكام المتماثلة عليهما مع التباين العظيم بينهما، بل التباين بينهما، كما تقدم، أعظم صور التباين في الوجود، وفيه من الجفاء في حق الرب، جل وعلا، ما فيه!، بتسويته وهو الكامل برسم الإطلاق والديمومة أزلا وأبدا، مع المخلوق الحادث برسم النقصان المطلق والفناء العاجل، ففقر ذاته في حياته، وفسادها بعد مماته وصف ذاتي لازم له، يحصل بالنظر فيه بعين التدبر والاعتبار: التفريق الضروري شرعا وعقلا بين الخالق، جل وعلا، والمخلوق، وذلك، كما تقدم، من بدائه العقول التي عارضها من عارض من أصحاب المقالات الحادثة التي جوزت طروء وصف النقص على الذات القدسية، وذلك عين المحال الذاتي، وهو، كما تقدم في أكثر من موضع، مما احتج به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في معرض إبطال مقالة وفد نصارى نجران فأشار إلى جملة من أوصاف النقص الجبلي في ذات المسيح عليه السلام الذي غلا فيه القوم فصيروه إلها، أو صورة أرضية للإله، فهو الناسوت الذي تجسد فيه اللاهوت، مع كونه ناسوتا أرضيا محمولا في رحم امرأة مولودا من فرجها مفتقرا إلى لبنها، فيجري على صورته الطينية الكثيفة ما يجري على غيرها من أعراض النقص الذاتي اللازم، وهي، كما تقدم، مما لا يليق بذات الإله الكامل أو صفاته فذلك من ضرورات الشرع وبدائه العقل، فصورته الطينية الكثيفة يجري عليها وصف النقصان الجبلي، كما تقدم، وإن كانت صورته الروحية اللطيفة شريفة بل من أشرف أرواح البرية.
فلا تضربوا لله الأمثال برسم التمثيل أو الشمول، فذلك من التخرص والظن في باب مستنده الخبر فلا يدركه العقل بمداركه المحدودة، فلا عمل له في الغيب إلا إدراك المجملات التي تفتقر إلى بيان النبوات، فتلك آثار الميثاق الأول المركوز في نفوس البشر: فطرة توحيدية يولد عليها كل مولود، فيدرك العقل من ذلك: الإثبات المجمل لوصف الكمال والنفي المجمل برسم التنزيه، وتظل الحاجة قائمة إلى بيان النبوات فهو الرافع لإجمال تلك العلوم الضرورية، وتظل الحاجة إليه لنقويم ما اعوج من الفطرة فتلطخ من تلطخ من البشر بأوضار الشرك، أعظم صور الظلم شرعا وعقلا، فقد سوي فيه، كما تقدم مرارا، بين الخالق الكامل والمخلوق الناقص، وذلك أقبح صور التسوية الجائرة بين أعظم متباينين، فالتسوية بين مخلوق وآخر، كالتسوية بين الذكر والأنثى من كل وجه، برسم العدل المزعوم!، تلك التسوية مما ثبت قبحه في الشرع والعقل، مع كونها بين متماثلين في أصل الماهية فكلاهما مخلوق حادث من نوع واحد وإن اختلف الجنس الأدنى، فجنس البشرية الأعلى جامع لهما فقد
(يُتْبَعُ)
(/)
تحقق معناه الكلي فيهما واختص كلٌ بقدر فارق هو الذي أوجب ذلك التفريق مع التماثل في النوع، بل لو اتحد الجنس الأدنى ما حسنت التسوية من كل وجه، فلا يسوى كونا وشرعا بين كل الذكور أو كل الإناث فلكل فرد من الأحكام الكونية جمالا وقبحا، وصحة ومرضا، وغنى وفقرا ..... إلخ، والأحكام الشرعية فلا يجب على الصغير ما يجب على الكبير، ولا يجب على المريض ما يجب على الصحيح وإن كان الأصل في التكليف الشرعي العموم فلا يثبت الخصوص إلا بدليل ناقل عن الأصل، فلكل فرد ما ليس لبقية الأفراد لاختصاصه بقدر فارق يحصل به التمايز بينه وبينهم، فلزم من الاختلاف في الوصف ولو اتحد الجنس: الاختلاف في الحكم الكوني والشرعي، وذلك أمر بدهي، فالتباين بين الأعيان والأحوال والأخلاق ..... إلخ سنة جارية في الكون، فقد خلقها الرب، جل وعلا، على صور شتى ليقع بينها بمقتضى سنة التدافع ما تظهر به آثار صفات جلاله قدرة وجماله علما وحكمة وتدبيرا لأمر المتضادات بل والمتناقضات، فذلك أبلغ ما يكون في الثناء على الرب، جل وعلا، بمحكم التقدير وبديع الصنع. فإذا كانت التسوية بين مخلوق حادث وآخر مثله من كل وجه أمرا قد ثبت قبحه وبطلانه في الشرع والعقل، فكيف بالتسوية الجائرة التي وقع فيها من جوز طروء وصف النقص البشري على ذات الرب العلي جل وعلا، وهل ذلك إلا من نقص العلم وضعف العقل وفساد النية، ففساد القوة العلمية هو الذريعة إلى ذلك، ولذلك حسن التذييل بعلة النهي عن ضرب الأمثال لله، عز وجل، فـ: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فحصل بالمقابلة بين العلم الثابت للرب، جل وعلا، على جهة المضارعة استحضارا للصورة فذلك آكد في تقرير المعنى فضلا عن التوكيد بتكرار المسند إليه ظاهرا: "الله" ومضمرا في عامله: "يعلم" فتقديره: "هو"، حصل بالمقابلة بينه وبين العلم المنفي عنهم، فهم عن العلم بحقائق الغيب معزولون فلا يعلمها إلا الرب، جل وعلا، حصل بتلك المقابلة تقرير للحكم ببيان علته، فذلك مما يرسخه في الذهن ويحمل النفس على قبوله تصديقا بنصه وامتثالا لأمره أو نهيه.
وتفريق بين خبر وآخر، فيجرى الأول على ظاهره ويؤول الثاني وهو من جنسه فالقياس يقتضي التسوية في الحكم فرعا على التسوية في الوصف.
وتفريق بين الخبر والحكم، فيمتثل الحكم ويؤول الخبر كما قد وقع من المتكلمين في أصول الدين في الزمن الماضي.
وتفريق بين الأحكام، برسم: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ): فتقبل أحكام وترد أخرى لمعارضتها لأهواء أو أذواق المحكومين فقد نازعوا الرب، جل وعلا، منصب التشريع فراموا نيل وصف الحاكم أنفة من وصف المحكوم بلجام الشرع فخرجوا من أشرف عبودية وحكم، فصاروا محكومين بلجام هوى وذوق فلان وفلان من أرباب الشرائع الحادثة والأحكام الباطلة! كما قد وقع من العلمانيين في الماضي القريب والحاضر الأليم.
والشاهد أن من جوز التسوية بين المختلفين من أصحاب المقالات الباطلة والأقيسة الفاسدة فقد جوز طروء وصف النقص على الرب، جل وعلا، مع ادعاء أصحابها كمال التوحيد والتنزيه!، وقد وقع بذلك في عين التشبيه بل التمثيل بل الحلول والاتحاد لذات الرب، جل وعلا، بذوات مخلوقة حادثة، وإن شرفت أقدارها، كذات المسيح عيه السلام فمنشأ الانحراف: غلو في المخلوق بخلع صفات الكمال المطلق عليه، أو جفاء في الخالق، جل وعلا، بنزع صفات كماله أو تجويز طروء وصف المخلوق الحادث عليه، وذلك أمر يعم الوصف والحكم، فمن عارض أوصاف الرب، جل وعلا، بأوصاف المخلوق بتجويز التسوية بينهما في الحقيقة، ففساده في العلم أظهر، هو كمن عارض حكم الرب، جل وعلا، بحكم المخلوق فجوز لبشر وصفه الحدوث والنقص في الذات والوصف جوز له أن يضع من الشرع الحادث ما يعارض به الوحي النازل، ففساده في العمل أظهر، ولا ينفك الفساد في العلم عن فساد في العمل فهو أثره في الخارج، كما لا ينفك الفساد في العمل عن فساد في العلم فهو منشأه في الباطن، فالتأثير المتبادل لكليهما: لازم عقلي ضروري، فاذا اجتنب المكلف ذلك الناقض الصريح لضرورات الشرع وبدائه العقل فقد سلم من التناقض والاضطراب، فيسوي بين المتماثلين برسم: (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ
(يُتْبَعُ)
(/)
أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فذلك مما يحصل به الاعتبار بقياس النظير على نظيره، فـ: (كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)، فتحصل العظة والذكرى بطرد ما وقع في حق الأولين في حق الآخرين إن ساروا على طريقتهم في التكذيب وبعكسه إن ساروا على ضد طريقتهم فكانوا على التصديق، ويفرق بين المتباينين برسم: (آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ)، فذلك من الإنكار الإبطالي للتسوية بين الخالق، جل وعلا، والمخلوق، فلا خير في معبوداتهم ابتداء وإنما جيء بالتفضيل في الخيرية: تنزلا مع المخالف فما أشرك إلا لظن فاسد توهم به خيرا عاجلا أو آجلا في تلك المعبودات الباطلة.
فإذا حصل ذلك: حصلت التقوى العلمية فانكفت نفسه لزوما عما يسخط من له ذلك الوصف الجليل برسم الانفراد فلا ند له ولا شريك، فتحصل التقوى إن كان العلم حقيقة فاعلة، فظهر تأويله في الخارج بامتثال الأمر واجتناب النهي، لا محض تصور علمي في الذهن تقام به الحجة الرسالية دون حصول أثرها من لزوم الطريقة الشرعية التي يحصل بلزومها الصلاح في الأولى والنجاة في الآخرة.
فالتقوى العملية أثر لازم للتقوى العلمية، فالأمر بالتقوى في الحديث يعم كلا النوعين، كما أن التقوى تعم: تقوى الله باجتناب ما نهى عنه من المحرمات، وتقوى عذابه فهو أثر صفات جلاله، وتقوى اليوم الآخر فهو الظرف الذي يقع فيه من تأويل آثار صفات الجلال ما يقع فـ: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)، و: "إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله" فذلك تأويل وصف جلاله غيرة على حرماته التي انتهكت وأعظمها التوحيد الذي ينتهك المشرك حماه بما يقع فيه من صور الظلم الفاحش بالتسوية، كما تقدم، بين الرب الكامل، جل وعلا، والمخلوق الناقص.
فـ: اتق الله حيثما كنت: فذلك من العموم المكاني، الذي يدل لزوما على العموم الزماني فمن اتقى الله، عز وجل، في كل مكان اتقاه، بداهة، في كل زمان، فيكون ذلك من صور الإيجاز في اللفظ بالاكتفاء بذكر الملزوم فهو دال بضروة العقل على لازمه.
وأتبع السيئة الحسنة تمحها: فذلك من تأويل التقوى بمعارضة السيئات بالحسنات الماحيات فهي من جملة المكفرات التي تذهب عين وأثر السيئة برسم: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، فاستعيرت صورة المتابعة الحسية التي تدل على نوع مسارعة في الفعل فيتبع المكلف الحسنة السيئة، لتمحوها، كما يتبع الماء القذر ليزيله، فاستعير المحو الحسي للمحو المعنوي، فذلك، أيضا، من جنس استعارة المحسوس للمعقول فبه يحصل كمال التصور للمعنى.
وخالق الناس بخلق حسن: فالمفاعلة مئنة من المكابدة فلا يصبر على مخالقة الناس بالخلق الحسن كل أحد مع ما يصيب المخالط لهم من صور الأذى التي تحمل كثيرا من البشر على العزلة فتحسن في حق من لا يصبر على أذى الناس فخير له الاعتزال بشرط الفقه أولا والمخالطة في كل ما فيه نفع ديني أو دنيوي معتبر تصلح به حال المكلف في الأولى والآخرة فذلك مراد الشرع الأول، فما نزلت الشرائع إلا لإصلاح دين ودنيا الخلائق.
فخالقهم بخلق حسن هو أيضا من التأويل العملي لمعنى التقوى العلمي، فيكون ذلك من قبيل عطف اللازم العملي المصدق في الخارج على الملزوم العلمي في الباطن.
والله أعلى وأعلم.(/)
ومن قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 11 - 2010, 03:59 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ):
فذلك من الذم العام لكل علماء السوء الذين يكتمون الحق أو يحرفونه، لفظا بتبديل مبانيه بل إعجامه ونقطه، بل حركاته وشكله، أو معنى بحمله على وجوه من التأويل بعيدة، فخلف من بعد بني إسرائيل خلف منهم، فـ: "خَلْف" نكرة في سياق الإثبات، فتفيد الإطلاق، فذلك مما يعم كل علماء السوء، كما تقدم، وإن قيد الخلف بقيد بني إسرائيل لقرينة السياق، فالآية قد جاءت في معرض حكاية جملة من أخبارهم، وما أجرى الرب، جل وعلا، عليهم من العقوبات الكونية، فذكر الرب، جل وعلا، قصة أصحاب السبت وما حاق بهم من العذاب، وذلك دليل من دلائل النبوة، فهي مما استأثر أهل الكتاب الأول بعلمه، فلم تكن العرب تعلمه لخمول ذكر النبوات فيهم إلا آثار إبراهيمية دارسة قد صارت بمنزلة الطقوس الدينية التي يمارسها أصحابها برسم التقليد، كما هي حال كثير من الديانات السماوية التي طرأ عليها التبديل أو اندرست معالمها فاستبدل الذي هو أدنى من مقالات التشريك من تثليث وبنوة باطلة لخلق حادث ناقص نسبت إلى الرب الأول الكامل، جل وعلا، ونعت لمن له كمال الذات والصفات بصفات الحوادث من نصب ولغوب وفقر بعطش وجوع وعارض نقص من سنة ونوم وإحاطة كون، فالكون يحيط بالخلق الحادث ولا يحيط بالخالق الحكيم العليم، جل وعلا، بل: (إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ)، فهي من صفات الربوبية فناسب ذلك مجيء اسم الرب جل وعلا فأحاط بالناس عموما لدلالة "أل" الجنسية الاستغراقية لعموم ما دخلت عليه، فله الإحاطة بذواتهم بلا حلول أو اتحاد بها بل وسع كرسيه السماوات والأرض فهو العلي بذاته ووصفه، وله الإحاطة العلمية الزمانية فهو الأول ذاتا ووصفا، وهو الأول تقديرا لمقادير السماوات والأرض فعلمها بعلمه المحيط أزلا ثم سطرها في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وهو الباطن الذي أحاط بالدقائق والبواطن علما، فظهوره بذاته القدسية على خلقه فله العلو المطلق فذلك وصف ذاته، فالعلو وصف ذاتي لازم له، وذلك مما يدل عليه العقل الصريح بداهة قبل ورود الخبر الصحيح، فلا يتصور إله كامل الوصف مدبر لأمور الخلق، وهو واحد من جنسهم، أو حال أو متحد بأحدهم فضلا عن أن يتحد بجميعهم!، أو ناقص الوصف بمقتضى الجبلة الآدمية فيجري عليه ما يجري عليهم من أعراض النقص بل قد زاد البعض فأجرى عليه أوصاف الذل والمهانة وجعل ذلك شرطا واجبا على الرب، جل وعلا، ليفتدي النوع الإنساني من الرق الشيطاني وذلك من جنس مقالة أهل الاعتزال، وإن كان أشد فحشا، فيحكم كلٌ على الرب، جل وعلا، ثبوتا أو امتناعا، بما يروق له من هوى عقلي أو ذوق وجداني، فكل يجري القياس الذي يحلو له فيقيس الرب، جل وعلا، على ما بدا له من صور يتوهم الكمال فيها بلا مستند من خبر صحيح فهو من أجهل الناس بعلوم النبوات، أو عقل صريح فكل عقل قد عزلت النبوة عن إفتائه في النوازل الخبرية من شبهات ترد عليه لا يدفعها إلا الوحي المنزل، فهو معدن العصمة عند ورود المشتبهات فيردها إلى المحكمات، فـ: "إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند حلول الشهوات"، فذلك النظر المسدد برسم الهداية التوفيقية إلى منهاج النبوات فما كان لصاحبه أن يسلكه لولا فضل الرب، جل وعلا، عليه بأن يسر له معرفته وبذل له أسبابه فيسر للذكر تلاوة باللسان تحصل بها هداية البيان فتقام بها الحجة الرسالية، ثم تلاوة بالقلب والأركان، فتلك هداية التوفيق فقد خضع الباطن والظاهر لمنهاج النبوة الحاكم، فذلك النظر المسدد هو: طريقة أهل الحق الذين استنوا بأئمة الحق المهديين، فـ: (جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا
(يُتْبَعُ)
(/)
وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، فلهم من الإمامة القدح المعلى ولمن جاء بعدهم من أهل الصدق والولاية والعلم قدح عال لا يضارع قدحهم فالنبوة مرتبة شريفة لا طمع في دركها لمن حجب عنها من عامة البشر فلم يصطف الرب، جل وعلا، لها إلا خاصة الخاصة بل قد اصطفى بعضهم اصطفاء خاصا، فـ: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، وإن اشترك الجميع في قدر النبوة المشترك، بل قد اختص آحاد منهم بمرتبة "أولي العزم"، فهم أفضل الخلق على الإطلاق، فكل عقل عزلت النبوة عن إفتائه في النوازل الخبرية أو النوازل العملية من شهوات ترد على مدارك الحس باطنا وظاهرا فتفسد قوى الإرادة والعمل، ولا ينفك فسادها غالبا عن تعد إلى القوى العلمية، فأصحاب الشبهات لا ينفكون غالبا عن شهوات تفسد ظاهرهم ليلائم باطنهم، فالاقتران بينهما صحة أو فسادا أمر بدهي، فهو، كما تقدم مرارا، من جملة العلوم الضرورية فالحس يدرك من آثار ذلك ما يجعله يجزم بصحته واطراده، فقل بل ندر بل ربما عدم أن يفسد الباطن ولا يقترن فساده بفساد الظاهر، فالفرع على أصله يبنى، كما يقول علماء الأصول في حد الفرع، وذلك أمر يعم الفروع العلمية والفروع العملية، المعقولة والمحسوسة، وكذلك الشأن في أصحاب الشهوات فقل أن تفسد قوة العمل إلا ويصير صاحبها فريسة يسيرة المنال لوساوس وشبهات الشياطين من الإنس والجان فتتسلط عليه لإفساد قواه العلمية ما لا تتسلط على غيره ممن سلموا من شؤم معاصي الجوارح، فمحله قد ضعفت مناعته الإيمانية بالتعرض لجراثيم الشر، فصار عرضة في ظاهره لأي مرض شهوة، وفي باطنه لأي مرض شبهة، وهما، كما تقدم، مما قد ثبت فيه التلازم بدلالة الشرع والعقل والحس.
فله، جل وعلا، العلو المطلق، وله العلو المقيد بالاستواء على العرش فالاستواء وصف فعلي يتعلق بالمشيئة الربانية النافذة، فاستوى على أعظم المخلوقات بأعظم الصفات، فـ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، فاستوى استواء يليق بجلاله، فلا يفتقر إلى خلقه بل هم المفتقرون إليه ليقيم أودهم فهو القيوم قد قام بذاته القدسية التي قامت بها الصفات العلية ذاتية كانت أو فعلية، فلا يتصور في حقه نقص أو حاجة توجب افتقاره إلى سبب خارج بل الأسباب هي التي تفتقر إليه فهو خالقها ومجريها على سنن كوني محكم هو مئنة ظاهرة من نفاذ القدرة فقدر السبب أزلا، وقدر له ما يلائمه من قوى التأثير، وقدر له ما يلائمه من نفاذ حكمه إذا قضى الرب، جل وعلا، به، قضاء ثانيا في عالم الشهادة بعد القضاء الأول في عالم الغيب، فقضاء التكوين تأويل قضاء التقدير، فيقع التكوين كما قد قدر في الأزل بلا زيادة أو نقصان فيحصل من التواطئ بين القدر الأول علما وكتابة، والقدر الثاني: مشيئة وخلقا، يحصل به علم ضروري في نفس كل مكلف بمراتب القدر التي تدل على كمال انفراد الرب، جل وعلا، بمنصب الربوبية العامة، فله العلم المحيط والحكمة البالغة في الخلق: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ): فالتلازم بين العلم والخلق تلازم وثيق، فلا يكون خلق تقديري في عالم الغيب، أو خلق إيجادي في عالم الشهادة إلا بعلم محيط بالدقائق فهو الذي: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فذلك قدر زائد على العلم، فله العلم العام برسم الإحاطة، ومن لوازمها أن يثبت له ضرورة شرعية وعقلية: العلم الخاص بالدقائق فهو الخبير بها الحكيم الذي أتقن صنعها، وأحكم سننها فلا تحول لذرة في هذا الكون إلا بقوة الرب، جل وعلا، فيقدر لها التحول، وييسر لها السبب، ويجريه على ما قد أحكم من سنن الكون، فاللقمة لا تتحول إلى دم ولحم وعظم وعصب إلا بعد سلسلة من العمليات الكيميائية الحيوية المعقدة وفق جملة من السنن الكونية المحكمة، فلا بد من نضجها في المعدة بما ركز الرب، جل وعلا، فيها من قوى الهضم فبحرارة التفاعلات التي تفرز فيها جملة من الإنزيمات والعوامل الحفازة، بتلك الحرارة الفاعلة تنضج اللقمة فينهدم بنيانها المعقد إلى مواد أولية بسيطة يسهل على الأمعاء امتصاصها ولفظ ما لم تقو المعدة على طبخه، فيحصل بذلك التمايز بين لذة دار عاجلة لا تنفك عن وجه بل وجوه
(يُتْبَعُ)
(/)
من النقصان، ولذة دار آجلة فيها الكمال المطلق حسا ومعنى، فلا فضلات في أمعاء أهل الجنة تستقذر النفوس منها، ولا تغير في أبدانهم بثقل ونوم ومرض وموت من مباشرة مطعومات الدنيا التي لا تنفك عن وجه فساد مع عظم المنة بتيسيرها فهي من أظهر دلائل العناية الكونية لكثرة مباشرة النفوس لها، فلا تنفك مع ذلك عن وجه من وجوه الفساد لا سيما إذا أفرط الإنسان في تعاطيها فـ:
فإن الداء أكثر ما تراه ******* يكون من الطعام أو الشراب
فاكتفاء الإنسان بقدر من المطعوم يسد حاجته، هو عند التدبر والنظر، دليل آخر من أدلة الحكمة الربانية بوقوع المسبَّب من شبع تسكن به النفوس عقيب مباشرة سببه من تناولٍ لمطعوم برسم سد الفاقة الضرورية بمقتضى الجبلة الآدمية التي تفتقر إلى أسباب الشرع لتقيم أود الروح، وأسباب الكون لتقيم أود البدن، وهو أيضا، دليل آخر من أدلة العناية بالنوع الإنساني لئلا يفسد بدنه بما زاد عن حاجته فهو ذريعة إلى وقوع الضرر بعد أن كان مظنة النفع، وذلك معنى لطيف أشار إليه الغزالي، رحمه الله، في "الإحياء" بقوله:
"ثم هذه الشهوة لو لم تسكن إذا أخذت مقدار الحاجة أسرفت وأهلكت نفسك فخلق الله لك الكراهة عند الشبع لتترك الأكل بها لا كالزرع فإنه لا يزال يجتذب الماء إذا انصب فى أسفله حتى يفسد فيحتاج إلى آدمى يقدر غذاءه بقدر الحاجة فيسقيه مرة ويقطع عنه الماء أخرى". اهـ
فالنبات لا يملك رد فضلة الغذاء بخلاف الحيوان الحساس المتحرك فإنه يملك ردها فيترك الطعام أو يرده إذا شبع، وأكمل الأحوال: حال الإنسان فإن قلة المطعوم في حقه محمدة في كل الشرائع والطرائق، فالغالب على ذوي الكمال الإقلال من المطعوم الذي يشترك فيه مع عامة الكائنات العجماوات فحسن فراقها في قدر الصفة، برسم الاعتدال لا برسم الغلو الذي يضرب فيه صاحبه عن الطعام كما هي حال أصحاب الطرائق الرياضية الزهدية المحدثة برسم الرهبنة والتعبد بما لم يشرعه الله جل وعلا أو يقل منه قلة تضعف بدنه فكل ذلك من الغلو المذموم، فحسن فراق الدواب في قدر الصفة إن لم يكن ثم مناص من مفارقتها في أصلها فلا ينفك الإنسان عن حاجة ضرورية إلى المطعوم فذلك كما تقدم مما يحصل به الفرقان بين الرب، جل وعلا، والعبد، فيذل العبد إذ ينظر في حاله عند جوع أو عطش يكون فيه فقيرا مستكينا طالبا لسبب خارج عن ذاته يحفظ به مهجته فلا يصح في حق مثله تكبر أو تجبر فكيف بادعاء ربوبية أو ألوهية بلسان المقال أو الحال؟!.
فيحدث الشبع بتناوله لما ركز فيه من قوى الإشباع التي لا تعمل، أيضا، إلا وفق الإرادة الربانية النافذة، والحكمة الربانية البالغة في مباشرة الغذاء لمراكز الإحساس بالجوع فتسكن بعد هياج وتهدأ بعد ثورة هي أيضا مما يحصل به التمايز بين وصف الرب الكامل، فلا يفتقر، جل وعلا، كما تقدم مرارا، إلى سبب يقيمه، ووصف المخلوق الذي لا يستغني عن سبب يقيم النفس من روح الشرع وحيا ونبوة تطهر بها النفوس برسم التزكية بعلم الكتاب والحكمة فتلك من أعظم المنن الربانية فـ: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، ومن روح الكون: هواء وطعاما وشرابا ونكاحا فهو مما يقيم البدن ويحفظ النسل، وهو من صور العناية الربانية التي يغفل كثير من البشر عن مطالعتها لما أصيبت به النفوس من إلف النعمة فصارت عادة يباشرها الإنسان برسم الرتابة بل قد يشتكي الملل من تكرارها!، فلا يعرف خطرها إلا عند فقدها، وذلك، أيضا، معنى لطيف أشار إليه في "مختصر منهاج القاصدين" في معرض حكاية أسباب الغفلة عن النعم، فقال:
(يُتْبَعُ)
(/)
"إن الناس لجهلهم لا يعدون ما يعم الخلق في جميع أحوالهم نعمة، فلذلك لا يشكرون على جملة ما ذكرناه، من النعم، لأنها عامة للخلق، فلا يعده نعمة، فلا تراهم يشكرون الله على روح الهواء، ولو أخذ بمخنقهم لحظة حتى انقطع الهواء عنهم ماتوا، ولو حبسوا في حمام أو بئر ماتوا غماً، فإن ابتلى أحدهم بشيء من ذلك ثم نجا، قدر ذلك نعمة يشكر الله عليها، وهذا غاية الجهل، إذ صار شكرهم موقوفاً على أن تسلب عنهم النعمة، ثم ترد إليهم في بعض الأحوال، فالنعم في جميع الأحوال أولى بالشكر، فلا ترى البصير يشكر صحة البصر إلا أن يعمى، فإذا أعيد بصره أحس بالنعمة وشكرها حينئذ وعدها نعمة، وهو مثل عبد السوء يضرب دائماً، فإذا ترك ضربه ساعة، شكر وتقلد ذلك منة، وإن ترك ضربه أصلا، غلبه البطر وترك الشكر". اهـ
بتصرف يسير من: "مختصر منهاج القاصدين"، ص242.
فله، جل وعلا، القيومية اللازمة في نفسه والقيومية المتعدية إلى غيره فهو القائم بذاته القدسية وصفاته العلية فلا يفتقر إلى غيره، المقيم لغيره بقدره الكوني النافذ ورزقه النازل.
وفي زماننا قد صارت كثرة مباشرة المطعوم، أو حتى مباشرته على جهة الاعتدال مظنة الهلاك!، مع كونه من الرزق الرباني ولكن التدخل البشري: المعقول بشؤم الكفر والمعاصي، والمحسوس بعبث الإنسان الظاهر في استنبات الأرزاق قد صيرها معدنا للمرض والسقم، بل الموت بأدواء عضال لم يكن لها وجود حتى أعصار قريبة ولم يكن لها هذا الانتشار الكبير حتى سنوات قليلة.
فالضرورات تقدر بقدرها، وما أمات كثيره فتناول قليله يكون برسم الاضطرار فإنه لا بدن يستغني عن طعام وشراب، فليأخذ قدر الحاجة ولا يزيد فذلك مما يحسن في أزمنة البركة والرخاء فكيف بأزمنة الشؤم والشدة؟!.
فللرب، جل وعلا، الإحاطة العلمية الزمانية، كما تقدم، فهو الأول والآخر الذي كان ولم يكن أحد، وسيبقى بعد أن يفنى البشر، وهو بما كان قبل الخلق، وما كان بعده، عالم بل عليم برسم الإحاطة، كما تقدم، فعلمه ذاتي ملازم له، فأولية العلم من أولية الذات التي اتصفت به، وله الإحاطة المكانية فهو الظاهر فليس فوقه شيء، فله الظهور الذاتي على خلقه برسم العموم والفعلي بالاستواء على العرش برسم الخصوص، كما تقدم، وتلك معان، وهو محل الشاهد، لم يكن للعرب، علم مفصل بها، فكان لهم منها المجملات الفطرية وآثار دارسة من الملة الإبراهيمية فلم يكن لهم ما لأصحاب الشريعة التوراتية الذين ورثوا الكتاب علما بلا عمل فجحدوا الكتاب الخاتم فـ: (لَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)، وجحدوا وصف النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: (لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، فجاء التنزيل الذي أنكروه وطعنوا فيه ونبذوه، جاء بما يفضح مسطور كتبهم فـ: (كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)، وتاريخ أممهم، فـ: (اسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ)، وهو ما تقدم آيةَ ذم الخلف الذي ورث الكتاب وأعرض عن أخباره فكذبها، وأحكامه فخالفها، فحكى التنزيل طرفا من حالهم: (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، ثم حكى طرفا من العقوبات الكونية التي أنزلها بهم جزاء وفاقا لمخالفتهم الطيقة الشرعية، فشؤم مخالفة الشرع يظهر لزوما في فساد أمر الكون:
(يُتْبَعُ)
(/)
خصوصا بعقوبة تستأصل بها أمة أو جماعة بعينها، وقد انتهى ذلك بمبعث الكليم عليه السلام، كما أشار إلى ذلك بعض أهل التحقيق، وإن وقعت صور منه بعد ذلك فهدمت مدن وأغرقت قواعد ولكنها لم تكن على شاكلة إغراق فرعون وجنده، فلم تكن بتلك الضخامة ولم يكتب لها ذلك الذيوع، فذلك، والله أعلم، مما ينزل منزلة الدجاجلة الثلاثين فقد ادعى النبوة غيرهم كثير، وإنما ورد النص على عدد بعينه فهو عدد من سيظهر أمره ويفشو ذكره حينا ليقع بذلك الابتلاء الكوني ثم يفضح فذلك موجب ما كتبه الرب، جل وعلا، على نفسه من حفظ لحجة الرسالة الخاتمة من المعارضة ورحمة بالأمة الخاتمة من شؤم تبديل النبوات الذي وقعت فيه الأمم من قبلها، وإن نالها ما نالها من شؤم كتمان علماء السوء الممالئين لأئمة الجور في كل عصر ومصر، فلا يخلو زمان أو مكان منهم، ولا يخلو دين منزل منهم وإن تفاوت أثرهم فقد عظم في ملة كالملة التثليثية فقد تآمر من ينتسب إلى الديانة مع إمبراطور من أباطرة الوثنية فاصطلح الطرفان على ديانة حادثة مزج بها التوحيد بالشرك!، ونسب فيها وصف النقص إلى الرب، جل وعلا، وذلك من اجتماع المتناقضين الممتنع عقلا وهو مما يسبب حرجا لكثير من المثلثة الذين يعملون عقولهم فيتحررون من رق الكهنوت، فيقعون لزوما في مأزق فكري كبير لا ينقذهم منه إلا دين التوحيد الخاتم فهو دين الأنبياء الجامع الذي استجمع أصول الخبر والعقل والفطرة فلا يكابد أصحابه ما يكابد أصحاب المقالات الحادثة من جهد عقلي مضن لقبول مقالة تنقض أصول العقل والفطرة نقضا، فلا يقبلونها إلا بتأويل متكلف أو تغييب للعقل برسم التقليد الأعمى، فـ: (إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ).
فعظم أثرهم في الملة النصرانية حتى أتى على أصل التوحيد بالإبطال، وعظم أثرهم في الملة الخاتمة كما هي الحال في زماننا فكتموا وداهنوا وأعطوا الدنية في الدين للكفار الأصليين وأذنابهم من العلمانيين والزنادقة، بل وأصحاب المقالات الحادثة ممن ينتسبون إلى الملة الخاتمة، فأثر علماء السوء الذين يرثون علم الكتاب دون عمله فيأخذون به عرض الدنيا فهم متأكلون برياساتهم الزائلة تأكل رءوس الكفار الأصليين من حاخامات وقساوسة، فقد شابهوهم في الوصف وإن لم يشتركوا معهم في الأصل، فكلاهما: مادة شؤم تستنزل بها العقوبات الكونية وتحجب بها الرحمات الربانية بتعطيل أخبار الشرع وأحكامه وذلك الخبر عن الدجاجلة الكذابين هو من جنس الخبر عن المكذبين من بني إسرائيل فكلاهما من دلائل النبوة ففيه من الإخبار عن المغيب سواء أكان مما مضى أم مما سيأتي، فيه من الإخبار عنه ممن لم يؤت علمه فلم تتوفر له أسبابه بكتاب يقرؤه، فـ: (مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)، أو معلم يجلس إليه فـ: (لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)، فيه منه ما يشهد ضرورة بصحة الرسالة الخاتمة وصدق النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أو عموما بعقوبة يستأصل بها النوع الإنساني، وذلك مما انتهى بطوفان نوح عليه السلام، وإن بقي الشؤم العام لكفر البشر ومعاصيهم أمرا ظاهرا لا سيما في الأعصار المتأخرة التي حجبت فيها شمس النبوة عن كثير من أمصار الدنيا، فذلك شؤم عام من جنس الشؤم العام لكفر قوم نوح فقد أتى عليهم بالاستئصال العاجل، وشؤم البشرية الآن يأتي عليهم بالاستئصال التدريجي برسم التخوف في قوله تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ).
ومن جملة ما وقع لأولئك:
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا:
فالزيادة في المبنى مئنة من الزيادة في المعنى فذلك آكد في تصوير العقوبة.
ومن ثم:
(يُتْبَعُ)
(/)
خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ: فالإطلاق مظنة العموم المعنوي، فالسبب وإن كان خاصا إلا أن معناه يعم كل علماء السوء في كل الأعصار والأمصار، فشؤمهم، كما تقدم، عام في كل عصر ومصر، فالعبرة بعموم المعنى لا بخصوص السبب، فخلف: خلف: يطلق على القليل والكثير فتلك دلالة المصدر إذا أخبر به أو وقع نعتا، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فينزل منزلة اسم الجنس الذي يدل على القليل والكثير، فضلا عن دلالة النكرة على معنى الكثرة فهي مظنة العموم والشيوع، فقد يقلون في زمان تكون أعلام الدين فيه ظاهرة، وقد يكثرون في زمان كزماننا أعلام الدين فيه خافية بل تكاد آثار الوحي فيه تندرس في بعض الأمصار لهيمنة أعداء النبوات على مقاليد الحكم برسم الجور والظلم وهو مما يناقض بداهة حكم النبوة العادل، والتنكير من وجه آخر مئنة من التحقير، فهم فئة حقيرة المعنى وإن كانت كثيرة المبنى فقد صار ذلك رسما عاما لجملة كبيرة من المترسمين برسم العلم، وهم أشد الناس تعطيلا لأخباره بالكتمان وأحكامه بالمخالفة والعصيان، والخلف في حد ذاته: نص في الذم، فتسكين اللام يجعل الخلف نصا في الطالح، كما قد نقل ذلك البغوي، رحمه الله، عن ابن الأعرابي، رحمه الله، أو يكون الفتح والتسكين سواء في الطالح ويختص الصالح بالتحريك، كما قد قال النضر بن شميل، رحمه الله، أو يكون الغالب في التحريك الإشارة إلى: الصالح، وفي التسكين الإشارة إلى: الطالح، وإن جازت الإشارة بكل إلى الآخر كما قد قال ذلك ابن جرير الطبري رحمه الله.
فخلف: خلف: وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ:
فأطنب في وصفهم في معرض الذم: فورثوا الكتاب، فدلالة "أل" بالنظر إلى خصوص السبب: عهدية تشير إلى التوراة، وبالنظر إلى عموم المعنى: جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فيعم الذم كل من ورث كتابا منزلا فعلم منه ما علم، وعطل من أحكامه ما عطل، وقد كان الأولى في حقه التصديق والامتثال فعنده من الهدى والبينات ما ليس عند غيره من عموم المكلفين، فصار العلم في حقه نقمة، فلم يستعمله إلا في تحصيل العرض الأدنى:
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى:
فالمضارعة مئنة من الحدوث والتجدد، فذلك وصف لازم لعلماء السوء، كما قد نقل البغوي، رحمه الله، عن السدي، في حكاية حال قضاة بني إسرائيل، وهو معنى، كما تقدم، يعم كل علماء السوء وقضاة الجور في كل زمان ومكان.
ولا يخلو من استحضار لتلك الصورة القبيحة إمعانا في التنفير منها.
فيقولون: سَيُغْفَرُ لَنَا:
فتلك من الأماني التي تدل على فساد القوة العملية فلم تصبر تلك المحال الخبيثة على تأويل ما قد يسر لها من العلوم الرسالية، فأقيمت الحجة وتوافرت أسباب القوى العلمية الباطنة، ولكنها لم تنتج في تلك المحال البطالة قوى إرادية باطنة أو قوى عملية ظاهرة، بل فسدت حالهم الباطنة برسم الخلود إلى الأرض، وفسدت حالهم الظاهرة فصدوا عن السبيل وصدوا غيرهم عنه، فشؤمهم لازم في أنفسهم حتى ترى كثيرا منهم لا يلتزم بالفروض الرئيسة، وشؤمهم متعد لغيرهم فيهونون بلسان المقال أو الحال: مخالفة شريعة السماء، ويمنون أنفسهم بما يسكن الضمائر من شبهات يتوهمون أنها محكمات، كما أشار إلى ذلك بعض المحققين من أهل العلم.
ونكر العرض تحقيرا في قوله تعالى: (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ)، والإشارة في قوله تعالى: (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى) للتحقير فهي من جنس الإشارة في قوله تعالى: (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا)، وإن كان الواقع بخلاف ذلك فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم العظيم وعدوه هو المكبوت الحقير.
ثم جاء الإطناب في بيان تجدد وصف الذم في حقهم:
وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ:
فذلك من جملة ما تقدم من الأماني الكاذبة.
ثم جاء الاستفهام على جهة الإنكار والتوبيخ إمعانا في تقرير الحجة الرسالية التي درسوها ثم نبذوها:
أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ:
فالنص على دراستهم مما يقطع كل حجة فلم يكن الترك برسم الجهل أو الخطأ أو النسيان بل مع تمام العلم والتقصد فانتفت في حقهم كل عوارض الأهلية التي يلتمس بها العذر في هذا الباب وفي عامة أبواب الدين علمية كانت أو عملية على تفصيل في ذلك.
وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ:
فذلك من التنزل مع المخالف، فلا خيرية في الدنيا الفانية إن قورنت بالآخرة الباقية، فهي خير للذين يتقون فذلك من التعريض بخصومهم فليس لهم بدلالة المفهوم حظ من التقوى التي تحمد في كل الطرائق والشرائع ولو أرضية محدثة فهي مظنة التقلل والتزهد الذي تستحسنه النفوس بما جبلت عليه من الخير.
ثم جاء التذييل باستفهام إنكاري آخر: أَفَلَا تَعْقِلُونَ: يؤول في معناه إلى الأمر: فاعقلوا واعتبروا بحال أسلافكم فإن سرتم على طريقتهم في الكتمان والتحريف نالكم ما نالهم من شؤم العقوبة في الأولى والآخرة فذلك مقتضى القياس الصريح بالتسوية بين المتماثلين في الحكم إن استويا في الوصف.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أنوار]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 10:22 ص]ـ
أجزل الله لكم المثوبة والأجر ..
ـ[نبراس المعالي]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 04:16 م]ـ
شكر الله لك هذا الموضوع، موضوع ماتع جدا
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 11 - 2010, 04:16 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أيها الكرام الأفاضل على المرور والتعليق وشكر لكم حسن الظن وكل عام وأنتم وكل أعضاء الشبكة الأفاضل بخير.
وفي المقابل:
ومن قوله تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ):
فذلك من الاستفهام الذي يقرر قاعدة قرآنية مطردة في التفريق بين المختلفين، ومنشأ الخلاف هنا هو العلم النافع الذي يولد في النفس خشية، فإنه ينتج ضرورة حركة نفسانية نافعة تفيد صاحبها خشية نافعة لا إفراط فيها يوقع صاحبه في اليأس، ولا تفريط يوقع صاحبه في الأمن، وإنما التوسط الذي ينجي صاحبه بمباشرة أسباب الرغبة في آثار جمال الرب، جل وعلا، فذلك حد الرجاء الذي يحسن حال المرض والموت، فلا يجمع العاقل على أخيه هم الألم البدني والألم النفسي، فـ: "عند نزول الموت، فالأصلح للإنسان الرجاء، لأن الخوف كالسوط الباعث على العمل، وليس ثمة عمل، فلا يستفيد الخائف حيئنذ إلا تقطيع نياط قلبه، والرجاء فى هذه الحال يقوي قلبه، ويحبب إليه ربه، فلا ينبغي لأحد أن يفارق الدنيا إلا محباً لله تعالى، محباً للقائه، حسن الظن به". اهـ
"مختصر منهاج القاصدين"، ص257.
فليس ثم فائدة ترجى من استعمال دواء الخشية في محل لا يقدر صاحبه على مباشرة أسباب الطاعة، فلا يزيده التقريع إلا يأسا وقنوطا، فالتقريع إنما يحسن في حق الغافل السالم الذي غرته الأماني لفساد تصوره وإرادته، فظن السلامة هبة برسم التأبيد، وهي عارية تسترد إذا أراد مالكها، جل وعلا، فـ:
وما المال والأهلون إلا وديعة ******* ولا بد يوماً أن ترد الودائع.
وذلك من فضله إذا أعارها فأباح منفعتها للمستعير، وأنزل له من الوحي ما يحصل به كمال المنفعة العاجلة والآجلة منها، فالوحي، كما تقدم مرارا، مادة صلاح الكون، فبه تستجلب الرحمات الربانية: شرعية تغتذي بها القلوب، فـ: (مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وكونية تغتذي بها الأبدان، فـ: (انْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فهو رحمة بالنظر إلى المنشأ، فبكلمة كونية نافذة أنزل، وهي أثر صفة الرحمة العامة بالإنسان والوحش والطير والشجر، وكل كائن ينتفع بالماء، فـ: (جَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، ولذلك كان من أعظم جنايات الكافر والعاصي على النوع الإنساني: حجب مادة الحياة بشؤم كفره ومعاصيه، فـ: "ما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان"، و: "لولا شيوخ ركع وشباب خشع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا"، على ضعف في إسناده فحال أكثر الناس تستنزل بها النقمات ولولا رحمة الرب، جل وعلا، بأولئك المذكورين في الحديث لصب العذاب برسم العموم، فنزول البلاء العام قد يرد على سبب خاص، فالعام في التقدير الشرعي قد يرد ابتداء، وهو الغالب، وقد يرد على سبب، وكذلك العام في التقدير الكوني فإنه قد يرد ابتداء فيكون الابتلاء مرضاة للرب بما يستخرج به من صور الصبر والرضا، فالواجب والمندوب مما حض عليه الشرع فرجح فيه جانب الفعل على جانب الترك، إما برسم الجزم فالصبر حتم لازم بكل أنواعه: البدنية والنفسانية، وبكل متعلقاته إما: على طاعة أو عن معصية أو في بلية، ولا يقدر عليه ولا يقوى على مباشرة أسبابه ولا يستحضر معناه الجامع عند وقوع الابتلاء الذي يذهل العقل ويذهب اللب، لا يستحضره إلا من قد امتن الرب، جل وعلا، عليه بتيسير ذلك فألهمه في زمن الرخاء: طاعة تكون له زادا في زمن الشدة، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، و: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، فذلك عموم مؤكد بـ: "من"، فهي نص فيه، وإيراد الخبر مورد الشرط مئنة من تحقق المشروط بتحقق الشرط وذلك آكد في تقرير المعنى فتعليق شيء على شيء مئنة من التلازم الذهني والخارجي، فما تقدموا لأنفسكم من خيره تجدوه: فتجدوا آثاره في الدنيا بركة في الدين فالطاعات تزيد الإيمان، فهي زاد أصحاب العقائد، ولو لم يكونوا من الراسخين في العلم، فـ: "إن العقائد التقليدية ضعيفة في الغالب، إلا إذا قويت بمشاهدة أسبابها المولدة لها على الدوام، وبالمواظبة على مقتضاها في تكثير الطاعات، واجتناب المعاصي". اهـ
"مختصر منهاج القاصدين"، ص258.
فإذا كان هذا وجدان أصحاب العقائد التقليدية، فكيف بمن رسخت قدمه في الديانة: علما نافعا يولد في القلب إرادات صالحة، فليس علما نظريا كذلك الذي ابتلي به علماء السوء الذين فتنوا بزهرة الحياة الدنيا فأصابهم من شؤم أكل التراث الزائل ما أصابهم، فبذلوا في سبيل بلوغه: العلم الذي يسرت لهم أسبابه تيسير: "أَوَّلُ النَّاسِ يُقْضَى لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا فَقَالَ مَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ وَلَمْ أَفْهَمْ تُحِبُّ كَمَا أَرَدْتُ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنْ لِيُقَالَ إِنَّهُ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ فَأُلْقِيَ فِي النَّارِ"، فذلك مما يحمل العاقل على الفرار من ملوك الدنيا، فهم القسورة الذي يفترس الأديان والأبدان، فلا يرضى إلا بمداهنته وإقراره على باطله، وإلا تسلط على الأبدان بالإتلاف والأرزاق بالتضييق، فمن يسر له سبب يكفيه هم الدنيا برسم: "من أصبح معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا"، فلينأى بنفسه عن فضول المباحات فكيف بالشبهات بل كيف بالمحرم الخبيث الذي يبذل فيه: الدين برسم المداهنة أو العلم برسم الكتمان والتبديل فهو متلازمان برسم: (لَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، فإلباس الحق بالباطل تحريف لمعانيه فيصير الحق المحكم الذي يدل عليه الشرع والعقل والفطرة والحس ضرورة باطلا بل هرطقة تناقض العقائد الإيمانية الراسخة برسم التقليد الأعمى!، فالمقلد ينافح عن باطله بلا حجة، بل محض لغو إرادة التشويش والمعارضة فـ: (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، فذلك رسم الكفار في الماضي والحاضر، فلا زال كفار زماننا، لا سيما أهل الكتاب، يتلمسون الشبهات في آي الكتاب العزيز، على نحو يثير الدهشة والشفقة، فحالهم كحال:
ناطحٍ صَخْرةً يوماً ليُوهِنَهَا ******* فَلَمْ يَضِرْهَا وأَوْهَي قَرَنه الوَعِلُ!.
(يُتْبَعُ)
(/)
فمن ذا الذي يقدر على معارضة الحجة الرسالية المحفوظة بشبهات عقلية ممجوجة، فلا يقبلها أي عاقل، ولو مخالفا للحق لا يقر به، فما تعلق بنفسه من آثار الفطرة الأولى، وما ركز فيه من قوى العقل الصريح، يمج تلك المقالات والحجج، فلا يقبلها إلا على مضض التقليد، فإن كان حرا قد رزق نفسا تأبى الانقياد لغير الحق، فإن ذلك يحمله على ترداد النظر في النبوات، فهي معدن الهداية والنجاة في هذا الباب، فإذا نظر بعين الإنصاف والافتقار إلى الرب، جل وعلا، فلن يهتدي إلا من سبقت، فأولئك المبعدون عن جحيم الحيرة والقلق في دار التكليف فـ: (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)، وجحيم العذاب في دار الجزاء، فإذا نظر بعين الإنصاف والافتقار تبين له جزما صحة الرسالة الخاتمة وصدق صاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فدلائل نبوته المعقولة والمحسوسة قد تواترت فلم تبق لمنصف حجة إلا أن يسلم لصاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمنصب النبوة الخاتمة فـ: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)، وأعظمها الكتاب العزيز فهو المعجزة المعنوية الباقية برسم الحفظ المؤبد فالألفاظ سالمة من التبديل، والمعاني سالمة من التحريف فـ: "لا تزالُ طائفةٌ من أمّتي على الحقِّ ظاهرين. لا يضُرُّهُم من خالَفَهُم. حتى يأتي أمرُ الله"، فيحفظ الرب، جل وعلا، بهم الحق، فعندهم من العلم بالمشتبهات ما ليس عند غيرهم، وعندهم من أصول الاستدلال الصحيح بتحرير المنقول إسنادا والمعقول بيانا لمعاني المنقول وإزالة لمشتبهه برده إلى محكمه، فتلك طريقة الراسخين الذين يعلمون من معاني الوحي ما لا يعلمه غيرهم، فذلك وجه الوقف على قوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، فذلك من المتشابه الإضافي أو الجزئي الذي يزول إجماله برده إلى البيان المحكم في مواضع أخرى من الوحي المنزل: كتابا أو سنة، وعندهم من صحة الإرادة ما ليس عند غيرهم، فذلك وجه الوقف في قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ)، فلا يعلم المتشابه الكلي كحقائق الغيبيات من إلهيات وسمعيات لا يعلمها إلا الرب، جل وعلا، وإن علم الراسخون من معانيها جملة عظيمة يحصل بها كمال الانتفاع في الدنيا طمأنينة في القلب وفي الآخرة نوالا لرضا الرب جل وعلا، فلا يسلم لذلك إلا صحيح الإرادة راسخ القلب فلا يزيغ عن الحق إلا من فسد تصوره فانقطع مدد النبوات عن قلبه فهو غير عاقل بالنظر إلى عدم انتفاعه بآلة التكليف التي عطلها عن النظر في الوحي بعين الافتقار لهداية لا تنال، كما تقدم، إلا من مشكاة النبوة، وإن كان عاقلا من جهة سلامة الآلة فخطاب التكليف إليه قد توجه، وإن أعرض عنه فعطل عينه عن النظر فيه فذلك تعطيل لجارحة الباصرة المحسوسة، وعطل عقله عن تدبر معانيه والاعتبار بأمثاله ومنها ما صدرت به الآية من التفريق الضروري بين من يعلم فيظهر أثر ذلك على جوارحه قنوتا وخشية، ومن لا يعلم، فالتسوية بينهما تعطيل لملكة البصيرة المعقولة، فالكافر قد وقع في فساد أول بتعطيل قوى الحس الظاهر وفساد ثان يقترن بالأول ضرورة بتعطيل قوى العقل الباطن فلسان مقاله يوم الجزاء: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، فمتتبع الشبهات قد وقع له من فساد البصر والبصيرة ما صرفه عن اتباع الوحي المنزل: تصديقا لأخباره فذلك غذاء قلبه وامتثالا لأحكامه فذلك غذاء جوارحه، وتلك عقوبة عادلة لكل من أعرض عن النبوة فابتغى الهدى في غيرها بل قد غره شيطانه فراح يتلمس أوجها متهافتة لمعارضتها والطعن فيها، فناله من حججها الداحضة شهب ثاقبة أبطلت شبهاته وفضحت نياته، فلا يسلم صاحب الهوى المعارض للحق الطاعن في النبوة الخاتمة من صور من الجهل الفاضح بنقل باطل أو قياس فاسد، فكل من خالف الحق فإنه سيتناقض لا محالة فيفضح آخر كلامه أوله، فذلك من حفظ الرب، جل وعلا، للحجة الرسالية، فسلمت من المعارضة، لئلا: (يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ
(يُتْبَعُ)
(/)
الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، فحجة أهل الباطل فـ: (الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)، فالمتشابه لا يعدل المحكم بداهة، فذلك، أيضا، من صور القياس العقلي الصريح الذي صدرت به الآية فلا يستوي متشابه يورث حيرة وقلقا ومحكم يورث طمأنينة ورسوخا، فالقانت آناء الليل عنده من محكم التصور والإرادة ما ليس عند خصمه، فالمحكم زاده الذي يغتذي به فينتفع: تصورا صحيحا يولد في القلب والجوارح إرادات وحركات صالحة هي تأويل العلم الذي ذيلت الآية بمدح أهله فالاستفهام: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ): إنكاري إبطالي في معرض مدح وذم، فهو في معنى النفي فما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فيمدح أهل العلم فمدحهم ثابت في الشرع والعقل فالعلم معنى شريف دل عليه الوحي بالإنكار على من عطله، فجاء الاستفهام الإنكاري التوبيخي في مواضع من التنزيل حضا لأصحاب العقول المعطلة على إعمال قوى القياس والنظر، وتنويها بأصحاب العقول العاملة التي استفادت من العلم أعظم فائدة فقد ولد فيها من صلاح العمل ما حملها على القنوت والسجود فذلك العلم النافع الذي يحمل صاحبه على مباشرة أسباب العمل الصالح فيكون ذلك من قبيل التذييل بالعلة عقيب المعلول، فالعلم علة أولى والعمل باطنا أو ظاهرا: نتيجة ضرورية تقترن به برسم الضرورة العقلية التي لا ينكرها إلا جاحد أو مسفسط ينكر بدائه العقول الصريحة التي ركزها الرب جل وعلا في عموم الخليقة فالتذييل بالعلة عقيب المعلول آكد في تقرير المعنى وأدعى إلى قبول الحكم، فيغتذي بالمحكم ويرد به غائلة المتشابه الذي يضر القلب ويفسد المحل، فاختلف الحكم لاختلاف الوصف، فذلك من الطرد والعكس الذي يشهد لقياس التنزيل بالإحكام، فمن اتبع المحكم فرد إليه المتشابه نجا بموافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، ومن تتبع المتشابه هلك بمعارضة النقل الصحيح بعقل فاسد، أو معارضة القياس الصريح بنقل باطل، فلا ينفك الفساد في الاستدلال عن: نقل باطل ابتداء، أو عقل فاسد يباشر المنقول على غير هدى من لغة أو أصول، فلا ينظر في الدليل بعد ثبوت صحته، وذلك حكم لا يفتي به إلا من تضلع في علوم الرواية، ولا ينظر فيه إلا من تضلع من علوم الدراية فعلم من طرائق اللسان الذي نزل به الوحي ومسالك الاستدلال التي قررها أهل الأصول ولا تخرج في جملتها عن طرائق العرب في كلامها فالأصول الشرعية: أصول استدلال على المعاني بالنظر في المباني لمعرفة مراد المتكلم وذلك الغرض الرئيس لأي ناظر في نص شرعي أو بشري فمعرفة مراد المتكلم لا تحصل إلا بالإلمام بمعهود كلامه بل ومعهود حاله، فالقرائن التي تدل على مراد المتكلم: سياقية وحالية، فالأولى تستفاد من منطوق لسانه، والثانية تستفاد من منطوق حاله أو ما اصطلح على تسميته بـ: "بساط الحال"، وإليه أشار ابن خلدون، رحمه الله، في "المقدمة" بقوله:
"لأن الألفاظ بأعيانها دالة على المعاني بأعيانها. ويبقى ما تقتضيه الأحوال ويسمى بساط الحال محتاجاً إلى ما يدل عليه. وكل معنى لا بد وأن تكتنفه أحوال تخصه، فيجب أن تعتبر تلك الأحوال في تأدية المقصود لأنها صفاته، وتلك الأحوال في جميع الألسن أكثر ما يدل عليها بألفاظ تخصها بالوضع. وأما في اللسان العربي فإنما يدل عليها بأحوال وكيفيات، في تراكيب الألفاظ وتأليفها، من تقديم أو تأخير أو حذف أو حركة إعراب. وقد يدل عليها بالحروف غير المستقلة. ولذلك تفاوتت طبقات الكلام في اللسان العربي بحسب تفاوت الدلالة على تلك الكيفيات ........ فكان الكلام العربي لذلك أوجز وأقل ألفاظاً وعبارة من جميع الألسن". اهـ بتصرف.
(يُتْبَعُ)
(/)
فله من الدلالة على المعاني ما قد يفوق الدلالة اللفظية المعجمية، فالحال يدل على معان ثانوية لا يدل عليها الكلام ففيه من المعاني الخفية ما قد يعجز اللسان عن نقله فـ: "لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ" وذلك مما يظهر في مسائل كمسائل الكنايات التي لا يحكم بمراد قائلها قبل الاستفسار وترداد النظر في حال المتكلم فهو قرينة ترجح معنى دون آخر، فدلالته من جنس دلالة السياق على معان إضافية لا يدل عليها اللفظ مفردا، فالتركيب، سواء أكان لفظيا بإدراج الكلمة في سياق يرجح معنى دون آخر إن وقع إجمال باشتراك أو نحوه، أم حاليا فالحال بمنزلة القرينة التي تفصل النزاع، أيضا، في بيان المجمل، بتعيين المراد منه.
فما تقدموه لأنفسكم تجدوه في الدين تثبيتا ورسوخ قدم في الديانة، ونورا في البصر والبصيرة، فينجو صاحبه من الشبهات التي تعرض على القلوب عرض الحصير عودا عودا، والنوازل التي أقبلت تترى، فتدع الحليم حيران، ويزل فيها الأكابر فكيف بمن دونهم؟!، فما يقدمه الإنسان من عمل صالح في زمن الأمن والرخاء يجد أثره في زمن الخوف والشدة، وما يبذله في نصرة الديانة يجد أثره إذا أقبلت الفتنة، فلا يصمد فيها إلا من سدده الرب، جل وعلا، برسم البصيرة النافذة فبها يعرف الحق من الباطل، والإرادة الكاملة فبها يتبع الأول ويجتنب الثاني، فـ: "إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند حلول الشهوات"، فلا تكتمل القوى العلمية الباطنة التي تصد بها جيوش الشبهة، ولا تكتمل القوة العملية الظاهرة التي تصد بها جيوش الشهوة إلا بعلم نافع وعمل صالح وبذل خالص يجد صاحبه أثره في الدين وفي الدنيا، فيجد المبتلى ما قدم في زمن الشدة، فـ: "اللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ"، فيجد من التيسير لأمره والتهوين لخطبه ما فيه عزاء وسلوى عن كل ما فات أو فقد، فإن في الله عزاء من كل هالك، وعوض من كل مصيبة، وخلف من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المحروم من حرم الثواب.
والعاقبة للمتقين في دار الابتلاء نجاة ولو بعد حين، وفي دار الجزاء بسكنى جنان رب العالمين فهي الدار الكاملة فلا كدر ينغص ولا خوف من آت ولا حزن على ماض يذهل العقل ويشغل القلب، فهي دار النعيم الكامل، أعيانا وأحوالا، برسم التأبيد في جوار الرحمن، جل وعلا، فنعم الجار ونعم الدار.
ومن جوامع كلمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بيان محال الخشية التي تحمل على العمل والرجاء عند انقطاع الأجل، من جوامعها قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
"اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام , ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان"
فإن كان ثم حياة وأجل فاجعلها برسم العمل، فالإسلام إذا اقترن بالإيمان كما في هذا السياق أفاد الدلالة على العمل فقد ورد في نصوص أخرى تفسيره بالمباني الظاهرة وهي من أعمال الجوارح بداهة، فالمداومة على أركان الإسلام وواجباته برسم الصلاح العلمي الباطن الذي يواطئ الصلاح العملي الظاهر، هي مراد الرب، جل وعلا، من المكلف، فبذلك نزلت الشريعة، ولا يكون ذلك إلا بمطالعة أوصاف الجلال التي تفيد القلب خشية حدها الاعتدال، فلا زيادة ولا نقصان، فكلاهما، كما تقدم، مئنة من الفساد بغلو يقنط صاحبه أو أمن يغره، وإن كان ثم موت وانقطاع للأجل، فاجعله برسم الإيمان فذلك مما يرجوه العبد وقد نزل القضاء بساحته، فاقترانه بالإسلام، كما تقدم، قد خصه بالعلم والعمل الباطن، فلا يقدر على عمل ظاهر وقد ضعف بنيانه وانهدت أركانه، فلا تنفعه الخشية في هذه الحال، فهي مما يبعث على العمل، وليس له الآن قدرة عليه، فلا يفيده الوعيد إلا حسرة قد تحمله على إساءة الظن بالرب، جل وعلا، وذلك مراد الشيطان في تلك اللحظات الفارقة.
(يُتْبَعُ)
(/)
والشاهد أنه لا كمال للعبد إلا بمباشرة أسباب الرغبة في آثار صفات الجمال، ومباشرة أسباب الرهبة من آثار صفات جلال الرب، جل وعلا، فذلك حد الخشية التي تحسن حال الصحة والغفلة، فلكل محله الذي يلائمه، وداؤه الذي يعالجه، فلا يحسن استعمال الدواء في غير محله فإنه يفسد المزاج ويزيد الألم فيوقع دواء الخشية الخائف في القنوط، بل قد يخرجه حد عن الاعتدال إلى صور من الخوف المفرط فهو، كما يقول في "مختصر منهاج القاصدين": "كالذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال حتى يخرج إلى اليأس والقنوط، فهو أيضاً مذموم، لأنه يمنع من العمل، وقد يخرج إلى المرض والوله والموت، وليس ذلك محموداً، وكل ما يراد لأمر، فالمحمود منه ما يفضي إلى المراد المقصود منه، وما يقصر عنه أو يجاوزه، فهو مذموم". اهـ
"مختصر منهاج القاصدين"، ص255.
ويوقع دواء الرجاء الغافل في الأمن، فلا يحسن في حقه، ومن هنا وقعت المفاضلة بين الخشية والرجاء، وحسن الجمع بينهما، وإن كانت الخشية، كما تقدم، أليق بأزمنة السلامة، فهي أول تحصل به التخلية للمحل من دنس المعاصي، والرجاء الثاني فبه تحصل التحلية فالرجاء لا يكون إلا بمباشرة الطاعات، وإلا كان غرورا وأماني باطلة، فبالطاعات تستجلب الرحمات وتستنزل البركات وكلها من آثار صفات الجمال التي يرجو العبد نوالها، فبها يكون الترغيب في الخير كما يكون الترهيب من الشر بمطالعة آثار صفات الجلال التي يرجو العبد فواتها.
فجاء الاستفهام الإنكاري الإبطالي لنفي التماثل بين طرف مذكور وآخر مقدر دل عليه السياق، فتقدير الكلام:
أمن هو قانت خير أم الكافر، فحذف الخبر: "خير"، و: "أم"، ومعادل الهمزة: "الكافر"، كما ذكر ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "المغني"، في صدر كتابه في صدر كلامه على الهمزة فذلك ثاني استعمال ذكره لها فتستعمل في الاستفهام حقيقة أو مجازا فقد جعل الاستفهام من الرب، جل وعلا، جار مجرى المجاز لا الحقيقة فهو العليم بكل شيء فلا يتصور منه استفهام عن حقيقة الشيء تصورا أو تصديقا، وقد يقال بأنه لا مجاز هنا فالاستفهام قد استعمل على وجه معهود في لسان العرب لغرض بلاغي هو الاستفهام إنكارا وإبطالا للتسوية بين المؤمن والكافر، وفيه معنى التوبيخ للكافر لقرينة التذييل بـ: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، فذلك نوع تعريض بمقتضى المفهوم فلا يتذكر من ليس له لب ينتفع به وإن كان له عقل يدرك به منطوق الحجة الرسالية، فمعه الاستطاعة الشرعية لسلامة الآلة التي يصح بمقتضى صحتها توجه الخطاب إليه وليس معه الاستطاعة الكونية التي يقع بها الفعل.
والشاهد أن حذف ما دل عليه السياق ضرورة يحسن في الكلام البليغ المبني على الإيجاز في المبنى والإطناب في المعنى، والتنزيل أحق الكلام بوصف البلاغة.
فلا يستويان، فمعنى المقابلة بين الطرفين ظاهر وإن لم يقع على صورته القياسية التي قررها البلاغيون، وما انتفاء الاستواء في العمل، إلا فرع على انتفاء الاستواء في العلم، على ما تقدم مرارا، من التلازم الوثيق بين العلم والعمل، فدلالة الاستفهام إنكارية إبطالية، وهو، من وجه آخر، يدل على خبر تحمل فيه "هل" على معنى "ما" النافية، فاجتمعت فيه الدلالة الإنشائية والدلالة الخبرية، فـ: لا يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ: فذلك من طباق السلب الذي يزيد المعنى تقريرا فهو آكد في بيان انتفاء التماثل في الحكم، بل التضاد فيه، فرعا على التضاد في الوصف الجالب له، وحسن التعريف بالموصولية، فالعموم، أيضا، يزيد المعنى تقريرا، فيجري مجرى القاعدة العامة، بل قد صار ذلك من الأمثال القرآنية الشائعة في نفي التماثل بين الضدين أو النقيضين، فبينهما من الاختلاف في الماهية ما يدل بداهة على الاختلاف في الحكم، وحسن ذلك من وجه آخر علق فيه الحكم على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة فذلك، أيضا، آكد في تقرير الصلة العقلية الوثيقة بين الوصف والحكم الذي ينشأ منه.
وحسن الإتيان بالصلة على حد المضارعة استحضارا للصورة ترغيبا في طلب العلم النافع الذي يبلغ بصاحبه درجة القانت إن أحسن تأويله في الخارج فلم يصر علما نظريا مجردا، وتنفيرا من هجره فنفيه مما يذم صاحبه في كل الشرائع والأعراف فـ: "كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس بأهله، وكفى بالجهل عاراً أن يتبرأ منه من هو فيه"، كما أثر عن أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، وهو مروي عن الشافعي، رحمه الله، في "حلية الأولياء" بلفظ: "كفى بالعلم فضيلة أن يدعيه من ليس فيه ويفرح إذا نسب إليه وكفى بالجهل شيئا أن يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه". اهـ
والله أعلى وأعلم.(/)
الصحة والفراغ
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 03:54 ص]ـ
من حديث: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ":
فذلك من التوشيح بإجمال يعقبه البيان: وهو مما يزيد المخاطب تشويقا بتقديم المسند إليه فتقديمه في حد ذاته يفيد التشويق إلى معرفة الحكم المسند فبه يحصل البيان، والبيان بعد الإجمال أوقع في النفس من البيان الابتدائي، فإذا كان تقديم المسند إليه في حد ذاته يفيد التشويق، فكيف وقد انضمت إليه دلالة التوشيح، ففيه إجمال يفتقر إلى بيان آخر بل افتقاره إلى البيان أعظم فـ:
نعمتان:
والنعمة هي ما تطلبه النفس، كما عرفها بعض أهل العلم، فيكون ذلك بالنظر إلى تصور الطالب لا إلى حقيقة الأمر، فقد يطلب لفساد تصوره: نقمة يظنها نعمة، كمن يحتسي عسلا قد دس فيه السم، فلذة العسل العاجلة: نعمة، وضرر السم وألمه: نقمة آجلة، وهي أعظم وأسوأ عاقبة، فالطبع يقتضي مباشرة اللذة فلا يلتفت إلى العواقب والمآلات، فهو إلى خلق البهيمة أقرب، فالإنسان يولد ومدارك الحس عليه أغلب، فليس له من العقل إلا ما يطلب به حاجات بدنه، فيبكي إذا أحس بالجوع، أو يستدفع به ما يلحق الضرر ببدنه فيصرخ إذا ضرب، فليس له من القوة ما يدفع به الصائل عليه إلا الصراخ والبكاء، فالبهيمة على دفع الصائل منه أقدر، وذلك مئنة من ضعف جبلته، فالفقر وصف لازم له في كل أطوار حياته، فلا ينفك عن حاجة ضرورية إلى غذاء يقيم به أوده، فيفتقر إلى مال يشتري به الغذاء، فمن رحمة الرب، جل وعلا، وحكمته أن يسر النقد مصكوكا ومطبوعا، ولولا ذلك لوقع الحرج في المبادلات، فتلك من صور العناية الكونية بالنوع الإنساني، ومن صور الحكمة باصطفاء معادن دون أخر لتكون وسيلة التبادل في البيع والشراء، فتلك صورة خفية من صور الحكمة الربانية، كما أشار إلى ذلك صاحب "مختصر منهاج القاصدين" بقوله:
"ولنذكر مثالاً واحداً للحكم الخفية التي ليست في غاية الخفاء، حتى يعتبر بها، ويعلم طريق الشكر والكفران على النعم، فنقول: من نعم الله تعالى خلق الدراهم والدنانير اللذين بهما قوام الدنيا، وهما حجران لا منفعة في أعينهما، ولكن يضطر الخلق إليهما، من حيث كل إنسان يحتاج إلى أعيان كثيرة، في مطعمه، ومشربه، وملبسه، ومركبه، وسائر حاجاته، وقد يعجز عما يحتاج إليه، ويملك ما يستغني عنه، كمن يملك قدراً من الزعفران مثلاً وهو يحتاج إلى جمل يركبه، وآخر يملك الجمل، وربما استغنى عنه، ويحتاج إلى الزعفران، فلا بد بينهما من معاوضة، ولابد في مقدار العوض من تقدير، إذا لا يبذل صاحب الجمل جمله بكل مقدار من الزعفران، ولا مناسبة بين الزعفران والجمل، حتى يعطى مثله في الوزن والصورة". اهـ
"مختصر منهاج القاصدين"، ص234.
والشاهد أن البدن لا يقوم بنفسه بل لا ينفك عن فقر إلى آلات تهضم الغذاء بما ركز فيها من قوى الهضم الفاعلة، وذلك من ربوبية الإعداد للمحال لمباشرة أسباب الحياة والنماء فينمو البدن بمعالجة ما استخلصه من مواد نافعة إن كان ثم غذاء صالح في زماننا لم تنله يد البشر بالتسميم والإفساد!، فتلك مواد أولية تدخل في بناء خلاياه وأنسجته فيدخل في عملية بناء خلوي عقيب تعرضه لعملية هدم عضوي، فتتحلل مواده المعقدة إلى عناصر بسيطة ومن ثم تتجمع تلك العناصر في مركبات كيميائية معقدة تدخل في بناء الخلايا وفق سنن كوني محكم لا زيادة فيه ولا نقصان، فذلك من معاني العدل الرباني، فإن وقع خلل أو اضطراب في نمو الخلايا بتأثير عامل خارجي كتلوث بيئي يصيب الغذاء، فينتقل أثره إلى الخلايا التي تباشره، إن وقع ذلك الخلل بشؤم مخالفة الشرع، فأثره يظهر لزوما في الكون، فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، إن وقع ذلك الخلل تعطلت السنة الكونية المحكمة فخرجت الخلايا عن حد الاعتدال بنقص برسم الضمور والهزال، أو زيادة برسم الورم فليس شحما يدل على الصحة، بل هو ورم يدل على المرض، فهو من جنس الورم في قول أبي الطيب:
أعيذها نظراتٍ منك صادقةَ ******* أن تحسبَ الشحم فيمن شحمهُ ورم.
(يُتْبَعُ)
(/)
فليس للبدن وصف القيومية الذاتية، فذلك مما اختص به رب البرية، جل وعلا، فهو القيوم الذي يقوم بنفسه فلا يفتقر إلى غيره، بل هو المقيم لغيره، فيقوم بكمال صفاته الذاتية فهو الحي، ويقيم غيره بكمال صفاته الفعلية فهو المحيي، فالقيوم قد استجمع صفات الكمال الذاتية والفعلية، وليس ذلك مما يقبل الشراكة، فلا قيوم برسم الإطلاق، فلا يستغني عن الأسباب استغناء كاملا بل هي المفتقرة إليه في الإيجاد والعمل، لا قيوم برسم الإطلاق إلا واحد في ذاته، جل وعلا، أحد في صفات كماله، فقيام الكون على هذا النحو البديع مئنة من كمال وأحدية صفاته فما انتظام أمر الكون والخلائق إلا تأويل صفات فعله في العالم المشهود بكلماته الكونية النافذة فهي السبب الأول الذي صدرت عنه جملة من الأسباب المغيبة فـ: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، والمشهودة، فقد ركزت قوى التأثير في الأسباب المحسوسة التي يباشرها الإنسان بما أودع في آلاته من قوى الهضم والتمثيل، فقوى مركوزة في الأسباب وقوى مركوزة في الآلات يحصل بمعالجتها كمال الانتفاع للأبدان، وذلك، كما تقدم، من أظهر دلائل العناية والرحمة، والحكمة والدقة في تسيير هذه القوى على سنن الصحة والاعتدال، فلا تخرج إلى سنن الفساد والاعتلال إلا إذا شاء الرب، جل وعلا، ضعف البدن ومرضه، فيكون ذلك، أيضا، من صور كمال الربوبية فلا يعرف الشيء إلا بضده، ولا يقدر على المتضادين: خلقا لهما بالقدرة النافذة ومدافعة بينهما بالحكمة البالغة، فتدافع الأسباب مما تظهر به حكمة الرب، جل وعلا، في تسييرها على وجه يحصل به الصلاح ويمتنع به الفساد، فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).
وإنما يزداد ظهور الضعف في بعض الأطوار دون بعض، فـ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)، فالضعف يظهر أعظم ما يظهر في المبتدى والمنتهى، فتلك، أيضا، من سنن الرب، جل وعلا، في كونه، في الأعيان والأحوال بل والدول كما أشار إلى ذلك ابن خلدون رحمه الله في "المقدمة"، وفيه إشارة لطيفة إلى انفراده، جل وعلا، بمعاني الأولية والآخرية المطلقة، فضعف المبتدى مئنة من الحدوث بعد العدم، وذلك مما يمتنع بداهة في حق الأول بذاته ووصفه، فأوليته، جل وعلا، مطلقة لم تسبق بعدم، فلم توجد ذاته القدسية عقيب عدم بل قد ثبت لها معنى الأزلية وانتفى عنها معنى العدمية. ولم يحدث له، جل وعلا، وصف لم يكن قائما بذاته، بل له كمال الوصف أزلا، فهو موصوف بكمال صفات الذات وكمال قوى الفعل وإن لم يقع تأويلها في الكون بعد، فكان قادرا على كل شيء بالقوة قبل الخلق، ثم قد صار بعد الخلق قادرا عليها بالفعل، فدعوى حدوث وصف كمال له بعد أن لم يكن، أو تعطيل ذاته عن وصف كمال حتى حدث له، دعوى باطلة لا تتصور إلا في المخلوق الذي يكتمل وصفه بتكرار فعله، فكماله أثر فعله، والرب، جل وعلا، قد ثبت له الكمال أزلا فلا يزداد بالفعل كمالا بل الفعل هو تأويل كماله في الخارج، فأثر الصفات الذاتية والفعلية هو ما يتكلم به رب البرية من كلمات كونية نافذة تصلح بها الأبدان، وكلمات شرعية حاكمة تصلح بها الأرواح، فكمال الرب، جل وعلا، يظهر أثره في الكون فبقضائه الكوني ينتظم أمر العالم، وفي الشرع فبقضائه الشرعي تستقيم أمور الأفراد والجماعات فالشرع يصحح التصور العلمي للأفراد، فيميز العقل بين النعمة الحقيقية والنعمة المتوهمة فهي نقمة آجلة وإن وجد الإنسان فيها لذة طارئة، فما امتاز الإنسان عن البهيمة إلا بتلك القوى الإدراكية التي لا ينتفع بها إلا بالسير على الطريقة الشرعية، فالعقل الصريح لا يستضيء إلا بنور الوحي الصحيح فلا تصلح أرضه إلا إذا أشرقت بنور النبوات.
(يُتْبَعُ)
(/)
وضعف المنتهى مئنة من الفناء بعد الحدوث، وذلك، أيضا، مما يمتنع بداهة في حق الآخر بذاته ووصفه، فآخريته، جل وعلا، مطلقة لا يلحقها فناء، وذلك، كما تقدم، أمر يعم الذات القدسية والصفات العلية، فلا يزول عنه كمال كان موصوفا به، فذلك مما يعتري البشر فلا يسلمون من عوارض النقص من جوع وعطش ونصب ووصب وموت وفناء ....... إلخ، فذلك، فرقان مبين، بين وصف الرب القوي الغني والعبد الضعيف الفقير، فلا أفسد عقلا ممن جوز اتصاف القوي بوصف الضعيف فذلك من الجفاء في حق الكامل، وهو مئنة من السفه فصاحبه يفتقر إلى بدائه الحكمة بوضعه الشيء في غير موضعه فيضع مادة النقص في محل الكمال المطلق، كما قد وقع من اليهود والنصارى الذين جوزوا طروء وصف النقص على الذات الإلهية، بل قد أفحش النصارى القول فجوزوا في حق الرب جل وعلا: صورا من النقص والمهانة يتنزه عنها آحاد القادرين من البشر فكيف بالقدير الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؟!.
وقال بعضهم بجواز مفارقة وصف الكمال لذاته القدسية وتجسده في هيئة أرضية حادثة لا تنفك عن نقص جبلي يمتنع معه بداهة حلول الوصف الكامل فيها فلا تقوى على احتمال آثاره، ومآل الحال في المخلوق الحادث: الفناء الذي لا ينفك عنه فما حدث بعد العدم فهو فان لا محالة فتلك سنة الرب، جل وعلا، في كونه، فكل مولود سيموت وكل مخلوق سيفنى، والفناء ممتنع بداهة في حق الرب الآخر، جل وعلا، لو سلم لهم ابتداء بجواز مفارقة الوصف للموصوف وانقطاع نسبته إليه وحلوله في موصوف آخر، أو تجسده وهو معنى لطيف في جسد كثيف، فكل أولئك: محالات عقلية لا يقبلها العقل إلا بدعوى الإيمان المطلق ورسم التقليد الأعمى بتعطيل بدائه العلوم الضرورية التي ركزت في العقول البشرية التي امتاز بها النوع الإنساني عن بقية أفراد النوع الحيواني!.
ولا أفسد عقلا ممن جوز اتصاف الضعيف بوصف القوي فذلك من الغلو في حق الناقص، بإنزاله منزلة الكامل فمحله لا يحتمل آثار وصف الجلال والجمال التي يتصف بها الكامل، وذلك أمر ظاهر في عالم الشهادة فلكلٍ مقام يلائمه بما ركز فيه من قوى، فلا يستوي العالم والجاهل، فإنزال الثاني منزلة الأول: إفساد له بتحميله ما لا يحتمل من آثار كمال لا تلائم نقصان وصفه، فكيف بالغلو الفاحش بتحميل المخلوق وصف الخالق برسم: نيابة عن الإله أو إمامة تكوينية أو ولاية مطلقة على الأتباع؟!.
والشاهد أن ضعف العقل هو الذي ولد تلك التصورات الفاسدة:
فقد ظن أناس المال نعمة فانقلب نقمة بإمساكه وتعطيله عن وظيفته التي خلق لها فما خلق إلا ليطلب من حله وينفق في حقه، فإن حصله صاحبه من حرام أو اختزنه فلم يؤد حقه برسم الشح والتقتير فمنع حقه الواجب ورفده مما ينفق في المروءات وصيانة العرض وإيفاء أصحاب الحقوق حقوقَهم، فصار في حقه مادة شؤم وضنك، كما أثر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، والأصل أنه مادة سعة وبركة فانقلب إلى ضده لما انقلب وصفه من سبب ينفق في الطاعة إلى غاية تجمع وتدخر برسم المعصية بعدم تحري الحلال وحجب الحق الواجب والمستحب فيه، فالأول ذريعة إلى العقوبة، والثاني خارم للمروءة فيقبح حجب المال تعطيلا لواجب فذلك أمر ظاهر أو ضنا به عما تقتضيه المروءة من نفقة على الإخوان وإطعام للطعام وإقالة لذوي الهيئات لا سيما الشرعية ....... إلخ من وجوه الإنفاق المشروعة.
وظن أناس الجاه نعمة فانقلب نقمة لما صار ذريعة إلى البغي والعدوان.
بل قد ظن أناس الكفر نعمة!، فباشروا أسبابه برسم الإيمان الذي يحصل به الخلاص لمعتنقه ودخول الملكوت لمنتحله ولو خالف نقل النبوات الصحيح وقياس العقول الصريح.
وكل أولئك مئنة من فساد التصور الذي انحط به الآدمي بفساد قوى عقله الفاعلة، إلى مرتبة البهيمة التي لا تدرك، كما تقدم، إلا ضرورات بدنها فليس لها عقل يتعلق به تكليف شرعي يطلب به صلاح آجل، فلا تعنيها عاقبة أو مآل، فهي تأكل لتسمن، وما علمت أنها غدا تذبح!، ولو علمت ما أكلت، ولكنها لا تدرك عاقبة الأمر فلا يعنيها إلا مباشرة اللذة العاجلة، وإن أعقبها ألم أعظم ينسيها تلك اللذة، بل يأتي على روحها بالإزهاق، وتلك حال أنعم أهل الدنيا من الكفار، فـ: "يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ
(يُتْبَعُ)
(/)
الدُّنْيَا مِنْ الْكُفَّارِ فَيُقَالُ اغْمِسُوهُ فِي النَّارِ غَمْسَةً فَيُغْمَسُ فِيهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ أَيْ فُلَانُ هَلْ أَصَابَكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لَا مَا أَصَابَنِي نَعِيمٌ قَطُّ".
فـ: نعمتان فتلك نكرة سوغ الوصفُ الابتداء بها، وقد أطنب في الوصف: مغبون فيهما كثير من الناس، فذلك آكد في شحذ الأذهان واسترعاء الانتباه فلا يخلو السياق الخبري من دلالة إنشائية تحذيرية، فمآل الخبر إلى الأمر إرشادا، فـ: احذروا الغبن الذي وقع فيه أكثر الناس، فالأكثرية في نصوص الوحي مظنة القدح في الوصف والذم في الحكم فـ: (مَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، فاحذروا الغبن الذي وقع فيه أكثر الناس في الصحة والفراغ، وقد فسره بعض أهل العلم بالتقصير في أداء حقها فذلك من الغبن الظاهر، وقد استعير الغبن في المحسوسات للغبن في المعقولات، فالغبن في الصحة والفراغ أمر معنوي وإن وجد المغبون أثره الحسي في شؤم يصيبه بالتفريط في أيام صحته وفراغه، فذلك من شؤم مخالفة الشريعة فلم يتأول قول ابن عمر رضي الله عنهما: "وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ"، فاليوم صحة وغدا مرض، واليوم فراغ وغدا شغل، والموفق نادم على ما قد ترك فكيف بندم المفرط على ما قد هجر من أجناس الصالحات واجبة كانت أو مستحبة؟!.
ثم جاء البيان عقيب هذا التشويق بتوشيح فإطناب في وصف النعمتين زاد المخاطب تلهفا على معرفتهما، فهما: الصحة والفراغ، فـ: "أل" في كليهما لبيان الماهية، فهي جنسية بيانية للماهية من قبيل "أل" في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ). وهي من وجه آخر تجمع أوصاف الصحة التي تنصرف بداهة إلى صحة البدن ولكنها تتعدى بالنظر في أحوال الناس إلى صحة النفس من مرض الهم والحزن الذي أقعد كثيرا من الأبدان الصحيحة بل قد قامت أبدان عليلة فظهر من صلاحها شيء عظيم لما صلحت الروح فعوضت نقصها، فجاءت بما لا يقدر كثير من الأسوياء على الإتيان به بل لعلها لو كانت سوية ما صنعت ذلك، فكان الابتلاء بمرض البدن في حقها نعمة بالنظر إلى آجل أمرها، وذلك من تدبير الرب، جل وعلا، الخفي اللطيف لعباده، فيختار لهم ما يظنونه شرا فإذا هو عين الخير والمصلحة ولا يدرك ذلك غالبا إلا بعد فوات أوان الشكر فيسخط العبد على المقضي ثم تمضي سنون فإذا ما قد سخط عليه بالأمس هو سبب ما فيه من خير وصلاح اليوم!. فتكون استغراقية لمعاني الصحة فتعم الباطن والظاهر، والصحة المعقولة بالسلامة من آفات الشبهات العلمية المفسدة للقلب والشهوات العملية المفسدة للسان والجوارح، والصحة المحسوسة بسلامة البدن من الآفات الظاهرة، وكذلك الشأن في الفراغ فـ: "أل" فيه تبين ماهيته وتعم أوقاته التي لا يندم عليها الإنسان، أيضا، فيدرك قيمتها إلا بعد فوات الأوان بمضي سني الشباب ووفود سني الكهولة فالشيخوخة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أنوار]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 10:20 ص]ـ
بوركت جهودكم أستاذنا المهاجر ..
ولكم جزيل الشكر على انتقاءاتكم الراقية.
ـ[يحيى عيسى الشبيلي]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 05:32 م]ـ
بوركت وجزيت خيرا
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 09:40 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: مهاجر
جزاك الله خيرا، مقال بلاغي قيم، يحمل مواعظ بليغة، ونصائح ثمينة، بارك الله في علمكم، وجعله الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة / اللهم آمين.
اختيار موفق وأراه قد جاء في وقته.(/)
هل ................. ؟
ـ[عرباوى]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 03:03 م]ـ
الإخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا بعد.
"أسلوب القصر".هل هو أسلوب إنشائى أم خبرى
جزاكم الله خيرا، نسأل الله أن يبارك في علمكم، وأن ينفع بكم الأمة / اللهم آمين.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 03:14 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هو أسلوب خبري، ويمكنك تطبيق مفهوم الخبرية على القصر بكل طرقه:
1 - النفي مع الاستثناء {وما محمد إلا رسول}
2 - مع "إنما" {إنما أنت منذر}
3 - تقديم ما حقه التأخير {وفي الأرض آيات للموقنين}
ونفع الله بك أخي الكريم(/)
(شرح البلاغة الواضحة) للشيخ محمد بن سعيد رسلان
ـ[سلمان بن أبي بكر]ــــــــ[15 - 11 - 2010, 04:33 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
(شرح البلاغة الواضحة)
لفضيلة الشيخ محمد بن سعيد بن رسلان - حفظه الله تعالى -
نبذة عن السلسلة:
فإنَّ البلاغةَ مِنَ الفنونِ التي تعتمدُ على صفاءِ الاستعداد الفِطريِّ, ودقةِ إدراك الجمالِ اللفظي،
وتبَينِ الفروقِ الخفيَّة بين صنوف الأَساليب, فلولاها لتعطَّلَت قُوَى الخواطر والأفكار من معانيها،
ولوقع الحيُّ الحسَّاس في مرتبةِ الجماد، ولكان الإدراك كالذي ينافيه من الأضداد،
ولبقيتِ القلوب مُقْفَلةً تَتَصَوَّنُ على ودائعها، والمعاني مَسْجُونَةً في مواضعها، ولصارت القرائح عن تصرُّفها معقولةً،
والأذْهان عن سلطانها معزولةً، ولما عُرف جحد من عِرفان، وإساءة من إحسان، ولمَا ظهر فرقٌ بين مدح وتزيين، وذمّ وتهجين.
http://www.rslan.com/vad/items.php?chain_id=172
ـ[أنوار]ــــــــ[15 - 11 - 2010, 06:47 ص]ـ
بارك الله بكم ..
وجزى الله الشيخ خيرا
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[15 - 11 - 2010, 12:25 م]ـ
بارك الله فيك، أخي سلمان
ونفع بعلم الشيخ محمد.
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[15 - 11 - 2010, 12:35 م]ـ
جزاك الله خيرا على هذا النقل النافع.
ـ[سلمان بن أبي بكر]ــــــــ[08 - 12 - 2010, 02:25 ص]ـ
حياكم الله جميعاً(/)
أول من ألّف في علم البيان والمعاني والبديع
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[15 - 11 - 2010, 02:26 م]ـ
- أول من تكلم في علم البيان أبو عبيدة معمر بن المثنى، وقد وضعه لما حدث له في أحد المجالس حينما استشكل على أحدهم قوله تعالى: " طلعها كأنه رؤوس الشياطين " في أحد المجالس؛ فاستدل أبو عبيدة بأن العرب تعرف ذلك وذكر قول الشاعر:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال
فهو إذن من أساليب العرب، ثم ألّف " مجاز القرآن " وهو أول ما ألف في هذا الفن.
- أما علم المعاني فلا يمكن أن نجزم بأول من تكلم فيه، قيل سهل بن هارون وقيل غيره ... ولكن أعظم من وضع أسسه الجاحظ في البيان والتبيين أو البيان والتبيّن، وتلاه قدامة بن جعفر ثم المبرد ...
- أما علم البديع فأول من ألّف فيه الخليفة العباسي المقتول ابن المعتز في كتابه " البديع "، وجمع فيه سبعة عشر نوعًا، ثم جاء قدامة بن جعفر فجمع عشرين نوعًا ثم زاد العسكري وابن رشيق فيهما بتوسع ...
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[15 - 11 - 2010, 03:20 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، أيها الأديب اللبيب
لم تتغير، قارئ نهم، و أديب لبيب.
رأيتك فقلت: أسلم عليه، و أسأله عن أحواله؟
خالص ودي لك
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[15 - 11 - 2010, 03:52 م]ـ
بارك الله فيك، أستاذ الأديب اللبيب
لكن لم تُعرف أقسام البلاغة بهذا الحصر إلا في القرن السابع، عند السكاكي صاحب مفتاح العلوم (القسم الثالث) بل جعل البديع تابعاً للمعاني والبيان.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[15 - 11 - 2010, 06:33 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، أيها الأديب اللبيب
لم تتغير، قارئ نهم، و أديب لبيب.
رأيتك فقلت: أسلم عليه، و أسأله عن أحواله؟
خالص ودي لك
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
حياك الله أخي أبا الذئاب -- كفانا الله شرها --:)
سلمك الله من كل مكروه
أحوالي بخير وعافية تسرك وتسعدك ولله الحمد
يسر الله لك كل عسير
وأنار دربك في الدارين
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[15 - 11 - 2010, 06:34 م]ـ
بارك الله فيك، أستاذ الأديب اللبيب
لكن لم تُعرف أقسام البلاغة بهذا الحصر إلا في القرن السابع، عند السكاكي صاحب مفتاح العلوم (القسم الثالث) بل جعل البديع تابعاً للمعاني والبيان.
صدقت د. خالد
لعلي لم أوفق في اختيار الكلمة المناسبة
ولعل الصواب هو أول من تكلم في فن البيان والمعاني والبديع
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[15 - 11 - 2010, 10:04 م]ـ
جزاك الله خيرا أخانا الأديب اللبيب الحبيب
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 08:28 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخانا الأديب اللبيب الحبيب
وجزاك الله خيرًا أخي طارق(/)
"كبش الفداء" كناية أم مجاز؟
ـ[كاتزم]ــــــــ[17 - 11 - 2010, 06:12 م]ـ
السلام عليكم.
عيدكم مبارك، تقبل الله منا ومنكم.:)
بمناسبة العيد، وبمناسبة الخراف، خطر على بالي قولهم "كبش فداء" للدلالة على الشخص الذي تلقى باللائمة عليه وحده، أو يُضحى به ثمنا لموقف لا ذنب له فيه. وأظل أن التعبير منقول من الإنجليزية، وهذا ليس موضوعنا.
سؤالي هو:
هل قولنا "كبش فداء" يعد مجازا أم كناية؟ ولماذا؟
شكر الله لكم.
ـ[أنوار]ــــــــ[17 - 11 - 2010, 08:47 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله ..
عيدكِ مبارك أختي الكريمة ..
بالنسبة للجواب:
أجد أنها تأتي على الوجهين ..
فإن قلنا كناية .. على اعتبار الموقف.
وإن قلنا مجازا .. على اعتبار المشبه به.
الجملة حمّالة أوجه:) 2
والله أعلم
ـ[كاتزم]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 03:27 ص]ـ
شكرا أختي الكريمة.
كنت أميل إلى أنها مجاز، لأن الشخص لا يعقل أن يكون كبشا فعلا، بل هو يواجه ما يواجهه الكبش.
لكني كنت مترددة. لكن الآن حيرتي زادت:)
من يفتينا مأجورا؟
ـ[أنوار]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 04:04 ص]ـ
كنت أميل إلى أنها مجاز، لأن الشخص لا يعقل أن يكون كبشا فعلا، بل هو يواجه ما يواجهه الكبش.
فإن قلنا كناية .. على اعتبار الموقف.
لعل من يأتي فيقطع الشكّ باليقين ..
ـ[محمود السيد]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 04:47 ص]ـ
أظنها -والله أعلم- استعارة.
لأن الاستعارة هي: إطلاق لفظ المشبه دون إرادة المشبه مع لزوم قرينة دالة على عدم إرادة اللفظ المستعار.
ولابد أن تكون العلاقة بين المستعار والمستعار له الشبه.
وأظن أن التعبير منقول من الإنجليزية. لم هذا الظن؟!
أليست مأخوذة من قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام
وقول الله تعالى <<وفديناه بذبح عظيم>>
ألايصح شاهدا؟؟
أسأل؛ لأتعلم.
ـ[كاتزم]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 04:27 م]ـ
شكرا أختي أنوار.:)
هلا وضحتِ لي مسالة اعتبار الموقف؟
هل تقصدين أن الشخص له ذات موقف الكبش، وبهذا يُعد التعبير كناية؟
لكن التعبير ليس "كشعور أو كموقف كبش الفداء"، بل هو "كبش فداء" وحسب.
شكرا.
ـ[كاتزم]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 04:29 م]ـ
أظنها -والله أعلم- استعارة.
لأن الاستعارة هي: إطلاق لفظ المشبه دون إرادة المشبه مع لزوم قرينة دالة على عدم إرادة اللفظ المستعار.
ولابد أن تكون العلاقة بين المستعار والمستعار له الشبه.
لم هذا الظن؟!
أليست مأخوذة من قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام
وقول الله تعالى <<وفديناه بذبح عظيم>>
ألايصح شاهدا؟؟
أسأل؛ لأتعلم.
إذا هي مجاز؟ على اعتبار أن الاستعارة التصريحية من المجاز اللغوي.
لا أظن أن التعبير له علاقة بإسماعيل عليه السلام. لأن التعبير يعني من يضخي به أحدهم ليتخلص هو من المسؤولية، ولا أظن أن هذا يليق به وبأبيه عليهما السلام.
أظنني قرأت شئا عن هذا التعبير "كبش فداء" وأيضا التعبير "كبش محرقة" وأنهما منقولان إلى العربية.
سأبحث وأعود إليكم إن شاء الله.
شكر الله لك وبارك فيك.
ـ[أنوار]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 01:34 ص]ـ
شكرا أختي أنوار.:)
هلا وضحتِ لي مسالة اعتبار الموقف؟
هل تقصدين أن الشخص له ذات موقف الكبش، وبهذا يُعد التعبير كناية؟
لكن التعبير ليس "كشعور أو كموقف كبش الفداء"، بل هو "كبش فداء" وحسب.
شكرا.
وما الكناية ..
إلا أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة .. ولكن يجيئ إلى معنى هو دونه في الوجود فيومئ إليه ويجعله دليلا عليه ..
أخيتي .. لم أجزم بما قلت، فلربما كنتُ للخطأ أقرب.:) 2
ولعل من يفيدنا في الأمر ..
ـ[كاتزم]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 05:31 م]ـ
وما الكناية ..
إلا أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة .. ولكن يجيئ إلى معنى هو دونه في الوجود فيومئ إليه ويجعله دليلا عليه ..
أخيتي .. لم أجزم بما قلت، فلربما كنتُ للخطأ أقرب.:) 2
ولعل من يفيدنا في الأمر ..
وضحت الصورة، بارك الله فيك.:)
كان قصدي هو أن الكناية تختلف عن المجاز في أنه يمكن حدوثها واقعا. مثلا (كثير الرماد) قد يكون فعلا كثير الرماد (المعنى القريب)، لكن المقصود هو المعنى الأبعد هو الكرم، دون أن يكون لديه رماد كثير لكثرة الطهو والإطعام.(/)
المجاز المرسل و ..............
ـ[عرباوى]ــــــــ[17 - 11 - 2010, 09:41 م]ـ
الأخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا بعد.
ما الفرق بين " المجاز المرسل و التورية ".
أرجو الإفادة وجزى الجميع خير الجزاء وأجزل لهم المثوبة
ـ[أمير الفصحاء]ــــــــ[17 - 11 - 2010, 10:37 م]ـ
التورية: أن يذكر المتكلم لقظا مفردا له معنيان قريب ظاهر عير مراد وبعيد خفي وهو المراد.
كقول الشاعر:
أصُونُ أديمَ وجهي عَن أُنَاس … …لقاءُ الموتِ عِنْدهُم الأديبُ
وَرَبُّ الشعر عندهُمُ بَغِيضٌ … …وَلَوْ وَافَى بهِ لَهُمُ "حبَيبُ"
نجد كلمة "حَبيبٍ" في هذا المثال لها معنيان:
أحدهما: المحبوب وهو المعنى القريب الذي يتبادر إلى الذهنْ بسبب التمهيد له بكلمة "بغيض".
والثاني: اسم أبي تمام الشاعر وهو حبيبُ بنُ أَوْس، وهذا المعنى بعيد. وقد أَراده الشاعر ولكنه تَلطف فَورَّى عنه وستره بالمعنى القريب.
ويسمَّى هذا النوع من البديع تورية.
المجاز المرسل هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة غير المشابهة، ويجب أن تكون هناك قرينة تمنع المعنى الأصلي للفظ.
وللمجاز عدة علاقات منها:
1 - الجزئية: عندما نعبر بالجزء ونريد الكل.
& قال تعالى: (فتحرير رقبة مؤمنة) فكلمة (رقبة) مجاز مرسل علاقته الجزئية؛ لأنه عبر بالجزء (الرقبة) وأراد الكل (الإنسان المؤمن).
& قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أصدق كلمةٍ قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كُلُّ شيءٍ ما خلا الله باطلُ) فـ (كلمة) مجاز مرسل علاقته الجزئية؛ لأنه عبر بالجزء (كلمة)
وأراد الكل (الكلام).
2 – الكلية: عندما نعبر بالكل ونريد الجزء.
& قال تعالى: (يجعلون أصابعهم في آذانهم) فـ (أصابعهم) مجاز مرسل علاقته الكلية؛ لأنه عبر بالكل (أصابعهم) وأراد الجزء (أناملهم أي أطراف أصابعهم).
& شربتُ ماء زمزم. فـ (ماء زمزم) مجاز مرسل علاقته الكلية؛ لأنه عبر بالكل (ماء زمزم) وأراد الجزء (زجاجة ماء مثلاً).
3 – المحلّية: عندما نعبر بلفظ المحل ونريد الموجود فيه
& قال الشاعر: بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وقومي وإن ضنوا عليّ كراما
فـ (بلادي) مجاز مرسل علاقته المحلّية؛ لأنه ذكر البلاد وأراد أهلها فالعلاقة المحلية.
& قال تعالى: (واسأل القرية) فـ (القرية) مجاز مرسل علاقته المحلّية؛ لأنه ذكر القرية وأراد أهلها الذين محلهم ومكانهم القرية، فالعلاقة المحلية.
4 – الحاليّة: عندما نعبر بلفظ الحال ونريد المكان نفسه.
&مثل: (إِنَّ الْأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) فقد استعمل (نعيم) وهو دال على حالهم، وأراد محل ومكان النعيم وهو الجنة.
& نزلتُ بالقوم فأكرموني. المجاز المرسل في كلمة القوم؛ لأن القوم لا يُنزل بهم، وإنما يُنزل في المكان الذي يسكنه القوم، فذكر الحال وهو (قوم) وأراد المحل وهو المكان.
5 – السببية:
وهي تسمية الشيء باسم سببه، أو عندما نعبر بالسبب عن المسبَّب.
& (رعت الماشية الغيث) المجاز في كلمة: الغيث، فهي في غير معناها الأصلي؛ لأن الغيث لا يرعى، وإنما الذي يرعى النبات. حيث أن الغيث سبب للنبات فعُبِّر
بالسبب عن المسبَّب.
6 – المسبَّبِيّة: وهي تسمية الشيء باسم ما تسبب عنه.
&قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا .. ) المجاز في كلمة: رزقًا، فهي في غير معناها الأصلي؛ لأن الذي ينزل من السماء المطر وليس الرزق، وعبر بالرزق عن المطر؛ لأن الأول (الرزق) متسبب عن الثاني (المطر).
7 - اعتبار ما كان: بأن يستعمل اللفظ الذي وضع للماضي في الحال
&قال تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم .. ) المجاز في كلمة: اليتامى، فهي في غير معناها الأصلي؛ لأن اليتيم وهو: من فقد والده قبل الرشد لا يأخذ ماله، وإنما يأخذ المال عندما يتجاوز سن اليُتْم ويبلغ سن الرشد، فاستعملت كلمة يتامى وأريد بها الذين كانوا يتامى، بالنظر إلى حالتهم السابقة.
8 - اعتبار ما سيكون: بأن يستعمل اللفظ الذي وضع للمستقبل في الحال.
& قال تعالى: (إنَّكَ ميتٌ وإنهم ميتون) المجاز في كلمة: ميتٌ، فهي في غير معناها الأصلي؛ لأن المخاطب بهذا هو النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد خوطب بلفظ (ميت) وهو لا يزال حيًا بالنظر إلى ما سيصير إليه أي باعتبار ما سيكون.
& قال تعالى: (إنّي أراني أعصر خمراً) أي عصيراً سيتحول إلى الخمر، إذ هو حال العصر لا يكون خمراً.
& سر جمال المجاز:
الإيجاز و الدقة في اختيار العلاقة مع المبالغة المقبولة.(/)
أرجو المساعدة
ـ[أمير الفصحاء]ــــــــ[17 - 11 - 2010, 10:09 م]ـ
س1 / على بالي دوما
يا فدس
ما غرض النداء؟
س2 / تاريخك علمني الأملا
هل في هذه العبارة صورة فنية أم لا؟
س3 / قدساه
لماذا حذفت أداة النداء وما غرض النداء هنا؟
س4/ لن أبلع صنارة سلم
فحمامته
صقر نزال
ما نوع الصورة المحددة؟
ولكم جزيل الشكر ...
ـ[أمير الفصحاء]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 12:03 م]ـ
هل من مجيب!!!
ـ[أنوار]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 12:36 م]ـ
س1 / على بالي دوما يا قدس
ما غرض النداء؟
للدلالة على أن المنادى رفيع القدر عظيم الشأن.
س2 / تاريخك علمني الأملا
هل في هذه العبارة صورة فنية أم لا؟
نعم .. التقديم والتأخير، أعطى للجملة معنى جماليا.
والله أعلم(/)
اقطع لسانها!
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 08:39 ص]ـ
قال الثعالبي: البليغ من يحول الكلام على حسب الأمالي، ويخيط الألفاظ على قدر المعاني، والكلام البليغ ما كان لفظه فحلا، ومعناه بكرا.
وقال الإمام فخر الدين الرازي - رحمه الله - في حد البلاغة: إنها بلوغ الرجل بعبارته كنه ما في قلبه مع الاحتراز عن الإيجاز المخل والتطويل الممل.
ومن البلاغة ما يذكر أن ليلى الأخيلية مدحت الحجاج، فقال: يا غلام اذهب إلى فلان فقل له: اقطع لسانها. قال: فطلب حجاما! فقالت: ثكلتك أمك! إنما أمرك أن تقطع لساني بالصلة!. فلولا تبصرها بأنحاء الكلام ومذاهب العرب والتوسعة في اللفظ ومعاني الخطاب لتم عليها جهل هذا الرجل.
وقال لها مرة عبد الملك بن مروان: ما رأى منك توبة حتى عشقك؟ فقالت: ما رأى الناس منك حتى جعلوك خليفة!
من كتاب المستطرف في كل فن مستظرف
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 10:27 ص]ـ
بارك الله فيك أيها الأديب اللبيب الحبيب
ومن البلاغة وما يدخل في الأجوبة المسكتة، قول أحدهم لأبي تمام-وكان مشهورا بالإكثار من البديع- لمَ لا تقول ما يفهم؟ فردّ عليه ولمَ لا تفهم ما يقال؟!
ـ[السراج]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 10:30 ص]ـ
هي أكثر ذكاء وبلاغة ..
شكراً أخي الأديب.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 07:58 ص]ـ
بارك الله فيك أيها الأديب اللبيب الحبيب
ومن البلاغة وما يدخل في الأجوبة المسكتة، قول أحدهم لأبي تمام-وكان مشهورا بالإكثار من البديع- لمَ لا تقول ما يفهم؟ فردّ عليه ولمَ لا تفهم ما يقال؟!
زيادة جميلة
بارك الله فيك أخي طارق
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 08:00 ص]ـ
هي أكثر ذكاء وبلاغة ..
شكراً أخي الأديب.
وشكرًا أيها السراج الوضّاء
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 03:44 ص]ـ
الحمدُ لله الذي نجّاها.
(مثلُ الحجاج ينبغي ألا يتلاعب بالمجاز! لأن أوامره كلها؛ لا سيما المتعلقة بالقتل والقطع، ليس لها سبيل إلا الحقيقة. "إلا ما ندر، كهذه الحادثة").
شكر اللهُ لكم.
.
إضافة:
قالوا أيضًا:
البلاغة: ما فهِمتْهُ العامّةُ، ورضِيَتْ عنه الخاصّة.
بورك فيكم.
ـ[نسائم الخير]ــــــــ[24 - 11 - 2010, 05:32 ص]ـ
بارك الله بك
وجزاك الله خيرا ..(/)
التصور والتصديق
ـ[الياسين]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 05:08 م]ـ
كلنا يعلم أن حرفي الاستفهام (الهمزة وهل) تنقسم باعتبارات إلى تصور وتصديق ..
هل يمكن توضيح مفهوم التصور ومفهوم التصديق، وتبسيطه للدارسين بإيجاد ألفاظ قريبة من الناس؟
ـ[أنوار]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 07:38 م]ـ
1 - الاستفهام هو: طلب الفهم.
2 - وتنقسم أدواته بحسب الطلب إلى ثلاثة أنواع:
1 - الهمزة: ويطلب بها التصّور أو التصديق.
2 - هل: ويطلببها التصديق فقط.
3 - بقية أدوات الاستفهام يطلب بها التصور فقط وهي: (من – متى – أيان – أين – أنى – كيف – كم وأيّ).
.......................
3 - أولا: الهمزة ..
ولها حالتان:
1 - أن تكون لطلب تصور المفرد ومعرفته.
كطلب معرفة المسند إليه أو المسند مثل:
- أمحمدٌ مسافر أم محمود.
هنا أنت متأكد من المسند (السفر) وغير متأكد من المسند إليه (أهو محمد أم محمود).
- أمسافر محمود أم مقيم.
وفي هذه الجملة أنت متأكد من المسند إليه (محمود) وغير متأكد من المسند (السفر).
وفي هذه الحالة لا يليها – الهمزة – إلا المسؤول عنه ..
أ/ إن كان مسندا نحو .. (أبنيت الدار التي أزمعت أن تبنيها)
و (أفرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه).
ففي الأولى الاستفهام عن البناء .. أتمّ البناء أم لا.
وفي الثانية .. عن إتمام الكتابة أأنهيتها أم لا.
ب/ أو مسندا إليه نحو .. (أأنت ابتكرت هذه الخطبة) و (أأنت بنيت هذه الدار).
فأنا ليس لدي أدنى شك في الفعل (المسند) سواء الابتكار أم البناء،
ولكن الشك عليك أنت (المسند إليه) أأنت من ابتكر هذه الخطبة أم غيرك،
وهل أنت من بنى هذه الدار أم غيرك.
ملاحظة:
اللفظ المعادل بعد أم يجوز إثباته أو حذفه نحو:
- أراغب أنت في الدراسة أم غير راغب.
- أراغب أنت في الدراسة.
2 - أن يطلب بها التصديق:
أي إدراك نسبة يتردد العقل بين ثبوتها ونفيها.
وكثيرا ما يكون بجملة فعليّة نحو: أقدِم زيد؟
وقليلا ما يكون بجملة اسميّة نحو: أقادمٌ زيد؟
ويكون الجواب بنعم أو لا.
....................
ويمتنع في هذه الحالة:
أن يذكر معادل، فإن جاءت (أم) بعدها قدِّرت منقطعة بمعنى (بل). ويستدرك المراغي بقوله: ولم نر شاهدا عربيا يؤيد استعمال (أم) بعد همزة التصديق، بل سمع ذلك بعد هل فقط.
الخلاصة:
إن كانت الهمزة للتصور فيطلب بها تعيين أحد أمرين.
وإن كانت للتصديق فيكفي السائل الجواب بنعم أو لا.
...................................
4 - ثانيا: هل:
وهو حرف لطلب التصديق فقط.
فتقول:
هل قَدِمَ أخوك من السفر؟
فتجاب بنعم أو لا.
أنواع هل:
1 - بسيطة:
وهي ما يستفهم بها عن وجود الشيء أو عدم وجوده.
نحو: هل الخل الوفيّ موجود؟
2 - مركبة:
وهي ما يستفهم بها عن وجود شيء لشيء.
نحو: هل المعرض آهلٌ بالزوار؟
.................
5 - وهناك فروق دقيقة بين الهمزة التي للتصديق وهل:
وهي أن (هل) لا تدخل على:
1 - النفي .. فيمتنع: هل لم يسافر عليّ؟
2 - المضارع الذي للحال .. هل تحتقر عليًا وهو مؤدب؟
3 - الشرط .. هل إن نجحت أكافأ.
4 - إن .. هل إنك مسافر.
...........................
اعتمدتُ في هذا التعليق على كتاب المراغي في علوم البلاغة، مع شيء من التصرّف.
وأرى أنه أوضح ما قُدّم في هذا الجانب.
والله أعلم
ـ[الياسين]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 11:10 م]ـ
بارك الله فيك(/)
بحث
ـ[درووب الاصدقاء]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 05:33 م]ـ
الرجاء مساعدتي لدي بحث جامعي عن أحد كتب البلاغية من كتب العلماء القدماء مثل الجرجاني: ((وما عرف كيف افعل
ـ[أنوار]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 07:51 م]ـ
حياكِ الله أختي الكريمة ..
لا أعلم بالضبط مالمطلوب منكِ، أهو تلخيص للكتاب، أم الوقوف على أهم قضاياه وما تناوله المؤلف ..
لكِ أن تأخذي من الكتب الموجزة حتى تتمكني من المطلوب مثل:
- قواعد الشعر لثعلب، أو نقد الشعر لقدامة بن جعفر، أو البديع لابن المعتز.
أرجو أن أكون قد أفدتكِ ..(/)
أنواع التشبيهات في البلاغة العربية
ـ[ام نادر]ــــــــ[18 - 11 - 2010, 09:43 م]ـ
ماهي أنواع التشبيهات في البلاغه العربية مع الاستشهاد؟(/)
من نصوص الرضا
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 03:46 ص]ـ
ومن نصوص الرضا:
ومن حديث: "إذا أراد الله بعبد خيرا أرضاه بما قسم وبارك له فيه":
فذلك من عموم الشرط في معرض تعليق وقوع المشروط على شرطه بغض النظر عن عين العبد الذي يقع عليه فعل الإرادة الربانية النافذة، فمادة الإرادة تنقسم إلى: شرعية حاكمة، وكونية نافذة، فالأولى متعلق الرضا وما يتفرع عليه من محبة الرب، جل وعلا، للفاعل، وذلك مما ينصرف بداهة إلى صفات جمال الرب، جل وعلا، فإن الشرع لا يأتي إلا بما يحبه الشارع، جل وعلا، فيكون ذريعة مشروعة لنيل آثار صفات جماله، والثانية متعلق القدرة فتعم ما يحب الرب، جل وعلا، وما يبغضه، فما كان من مقدور يحبه فهو، كما تقدم، متعلق آثار جماله فبه تستنزل الرحمات الكونية والشرعية، فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، فتلك الرحمات الكونية، وما كان من مقدور يبغضه فهو متعلق آثار جلاله فبه يوقع الرب، جل وعلا، ما شاء من العقوبات الكونية النافذة، فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، فذلك من العذاب العاجل في دار الابتلاء، و: (لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، فصدر السياق بلام الجواب التي تدل على قسم محذوف، فذلك مما يؤكد به الخبر، وزيد في التوكيد باتصال الفعل بنون التوكيد المثقلة ومادة الذوق تدل على وجدان طعم الشيء، فيعم الوجدان المعقول للعذاب المعنوي، والوجدان المحسوس للعذاب المادي، فذوق العذاب في معرض الوعيد يعم الجنسين، فلنذيقنهم من جنس العذاب الأدنى، فـ: "من" جنسية بيانية وفيها معنى التبعيض بالنظر إلى وقوع بعض صوره دون بعض، كما في ورد في تفسير الآية عند جمع من المفسرين كابن كثير والبغوي، رحمهما الله، فقيل هو: القتل يوم بدر، وقيل هو: إقامة الحدود، كما روي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، وقيل: الدخان، فتلك صور بعينها لا تعم كل صور العذاب بداهة، وإن اشتركت كلها في معنى العذاب الجامع فهو معدن الألم النفسي أو الجسدي، وغالبا ما يقترن الجنسان فيقع العذاب على النفس برسم الإهانة وهو أعظمها، وعلى الجسد برسم الإتلاف، فتلك سنة الرب، جل وعلا، في تشديد العقوبة على أهل الكفر والعصيان، فيجتمع عليهم الهمان:
هم الروح التي تتألم بما نالها من عذاب: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)، فالأمر في هذا السياق مئنة من الإهانة، وقد ذيل بلازمه من النهي عن الكلام، فالأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده كما قرر المحققون من أهل الأصول، فاصمتوا ولا تتكلموا، وذلك مظنة الإعراض عنهم، بالنظر إلى العموم الذي يشير إليه معنى الجمع في الضمير، فلم يستثن منهم أحد، وذلك مئنة من توجه الخطاب إلى الكفار الأصليين وأذنابهم من المنافقين والمرتدين فلا أمل لهم في النجاة بعدها فينقطع كلامهم، كما أثر عن ابن عمر، رضي الله عنهما، وليس ذلك بثابت في حق عصاة الموحدين ممن يدخلون النار برسم التأقيت، فيكلمهم الرب، جل وعلا، بعد الخروج منها، كما في حديث: "ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ، مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَيَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ ......... "، فيدخلون الجنة بعد حصول التطهير بكير النار الذي ينفي خبث معاصيهم فيبرز معدن التوحيد الكامن في نفوسهم فقد سترته حجب الشهوات العملية التي نالت من كمال إيمانهم الواجب ولم تنل من أصل إيمانهم فأصاب عقدهم العلمي ما أصابه من شؤم أعمالهم، فالعلم والعمل صنوان، فإذا اختل أحدهما ظهر أثر ذلك في الثاني لزوما، ولكن بقي لهم من العلم أصله فلم ينتف أصل الإيمان من قلبهم فمعهم الأصل العلمي
(يُتْبَعُ)
(/)
ومعهم القول اللفظي، ومعهم جنس العمل وإن تخلفت منه آحاد كثيرة، فلا ينفك مؤمن عن عمل، ولو برسم النقصان أو التأخير، فلا بد أن يؤثر العقد العلمي الصحيح في أعمال الجوارح فيولد منها ما يصدق العقد الباطن، فالأعمال شاهدة للعلوم بالصحة أو الفساد، فدعوى الإيمان مركبة من العلم الباطن والقول والعمل، فيشهد الظاهر للباطن إلا إن كان الفاعل منافقا، وذلك استثناء لا يقاس عليه فلا يصلح لتقرير قاعدة كلية في مسألة دينية أو دنيوية، فالأصل هو المعتبر في تقرير القواعد فهو المطرد الذي يتحقق في أكثر الأفراد فلا يضر تخلفه في بعضها، فلكل قاعدة شواذها، فالقواعد العقلية أغلبية، وهي المعول عليها في القياس الشرعي، فأنيطت الأحكام بعللها فهي مظنة تحقق الحكمة فتلك الحال الغالبة فلا يضر تخلف الوصف في بعض الجزئيات، والشاهد أنه لا يتصور إيمان باطن بلا عمل ظاهر فهو تأويله في عالم الشهادة، وتأويل الخبر تصديق له بحضوره في الخارج فذلك قدر زائد على مجرد التصور الذهني، فلا يكفي التصديق الباطن حتى يظهر أثره العملي في الباطن: إرادات صالحة هي ترجمان ما يقوم بالقلب من علوم نافعة، ومن ثم يظهر أثر الحركة الباطنة في الصور القولية والعملية الظاهرة فذلك مقتضى الترتيب العقلي، فالفعل قبل حصوله ينشأ تصورا علميا في الذهن فيعقبه نية فهي انبعاث القلب، كما ذكر صاحب "مختصر منهاج القاصدين"، وكما ذكر البيضاوي، رحمه الله، في تعريف جامع مانع، فهي: "عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مآلاً"، وقال الإمام الغزالي، رحمه الله، في كلمة جامعة في هذا الشأن:
"وكانوا لا يرون أن يعملوا عملا إلا بنية لعلمهم بأن النية روح العمل وأن العمل بغير نية صادقة رياء وتكلف وهو سبب مقت لا سبب قرب وعلموا أن النية ليست هي قول القائل بلسانه نويت بل هو انبعاث القلب يجري مجرى الفتوح من الله تعالى فقد تتيسر في بعض الأوقات وقد تتعذر في بعضها نعم من كان الغالب على قلبه أمر الدين تيسر عليه في أكثر الأحوال إحضار النية للخيرات فإن قلبه مائل بالجملة إلى أصل الخير فينبعث إلى التفاصيل غالبا ومن مال قلبه إلى الدنيا وغلبت عليه لم يتيسر له ذلك بل لا يتيسر له في الفرائض إلا بجهد جهيد وغايته أن يتذكر النار ويحذر نفسه عقابها أو نعيم الجنة ويرغب نفسه فيها فربما تنبعث له داعية ضعيفة فيكون ثوابه بقدر رغبته ونيته وأما الطاعة على نية إجلال الله تعالى لاستحقاقه الطاعة والعبودية فلا تتيسر للراغب في الدنيا وهذه أعز النيات وأعلاها ويعز على بسيط الأرض من يفهمها فضلا عمن يتعاطاها". اهـ
فالنية تأويل ما قام بالقلب من تصور علمي ففسادها من فساده، وفساده من فساد مصدره، فإن كان مصدر التلقي غير النبوة، كان تصور النفع المجلوب والضر المدفوع فاسدا، فيرى الحق باطلا، والباطل حقا، ويرى الآجل النفيس خسيسا لا يستحق سعيا في نواله فيستبدل العاجل الخسيس به فبه يظن النفاسة فذلك مقتضى الكياسة: أن يقدم النفيس ويؤخر الخسيس، فتلك قاعدة عامة اتفق عليها العقلاء ولكنهم اختلفوا في تطبيقها، فلكلٍ معايير للنفاسة والخسة تخصه، فإن لم يردوا إلى أصل جامع يفصل النزاع في هذا الشأن، ضلت العقول في أودية الأهواء العقلية والأذواق الوجدانية، فقدم ما حقه التأخير فصارت النبوة تالية للعقل والذوق، وهي الحاكمة بالشرع الذي بعثت لتقريره، فكيف تصير تابعة برسم النافلة، وهي الفريضة التي لا تحصل براءة الذمة إلا بأداء حقها من الاتباع برسم الإطلاق، فـ: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فالعموم في: "فيما شجر": يعم كل موارد النزاع العلمية والعملية، فينشأ الفعل علما فنية باعثة، فيظهر أثر ذلك الانبعاث الباطن في انبعاث الظاهر برسم القول والعمل، فيكون صلاحه أو فساده، أيضا، فرعا على صلاح أو فساد النية، فسلسلة الإسناد متصلة من تصور مجرد فنية هي تأويله العملي في الباطن، فللباطن عمله كما للظاهر، فالتصديق، كما تقدم، إن نظر إليه من جهة العلم فلا يكفي حصوله لحصول النجاة فلا بد من قدر زائد
(يُتْبَعُ)
(/)
هو انقياد القلب بأجناس الأعمال والإرادات الصالحة فذلك تصديق بعد تصديق، فالأول مجرد في الذهن يتعلق بالتصور العلمي، والثاني حاصل في القلب يتعلق بالتأويل العملي لذلك التصور الأول، فيصدق القلب بالعلم، ثم يصدق بالعمل، فذلك، كما تقدم، تصديق بعد تصديق، فينشأ من ذلك لزوما تصديق ثالث هو تأويل العلم العملي في الظاهر، فهو أول ما يظهر للرائي وآخر ما يتولد بالنظر إلى التسلسل العقلي السابق، فلا يتصور، كما تقدم، علم إلا بعمل يصدقه، ولو تصديقا ضعيفا بل وناقصا، يصير صاحبه من أهل الوعيد فمعه، كما تقدم، أصل الإيمان دون كماله الواجب، فوعيده مؤقت في مقابل وعيد من انتفى الأصل من قلبه فعمله حابط برسم: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) فلا يستفيد منه إلا جزاء معجلا في دار الابتلاء برسم: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)، فوعيده مؤبد، فتفاوتت درجات الوعيد بتفاوت ما قام بالقلب من فساد التصور والإرادة، فمنهم من فسد تصوره بغفلة عارضة بصغيرة فيكفرها اجتناب الكبائر، ومنهم من فسد تصوره بكبيرة فحجاب الشهوة في حقه أغلظ، ومنه من فسد تصوره بشبهة لا تأتي على أصل الإيمان بالإبطال، فتلك حال غالب أهل البدعة إلا من كان زنديقا في الباطن، وتلك حال رءوس البدع المغلظة، كما قد علم من تتبع تاريخ الفرق والمقالات الإسلامية، ومنهم من فسد تصوره بشبهة عظيمة حلت عرى الإيمان في قلبه، فأتت على أصله بالإبطال برسم الكفر الأصلي أو الردة المغلظة بزندقة هي، كما تقدم، نعت رءوس المقالات الردية في الملة الإسلامية، وذلك التفاوت في الأحكام تبعا للتفاوت في الأسماء في الدنيا والآخرة مما عظم فيه الخلاف فهو أول خلاف وقع في هذه الأمة، كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله، ومما يلزم الاقتصار في استمداده على موارد الوحي المحفوظ: كتابا وسنة، فالأسماء الشرعية التي يحكم بها على الأقوال برسم الإطلاق أو الأعيان برسم التقييد، لا تتلقى إلا من الوحي، فيدور الاسم وما يتضمنه من حكم بتكفير أو تفسيق ..... إلخ، يدور مع علله التي علمت باستقراء موارد الباب من نصوص الوعد والوعيد، كما قد أبان عن ذلك من صنف في حقيقة الإيمان وحدوده وفرائضه ونواقضه ..... إلخ من المسائل التي لا تحصل النجاة إلا بالافتقار إلى نصوص الوحي في تقريرها.
وهم البدن الذي يتألم بما ناله من عذاب: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)، فعذاب أدنى في الدنيا قبل العذاب الأكبر في الآخرة، وقال بعض السلف بأنه عذاب البرزخ، فتكتمل بذلك القسمة العقلية الثلاثية بتعدد الدور فهي ثلاثة: دار ابتلاء فيها من العذاب: عذاب الاستئصال العام وقد انقطع هذا الجنس بطوفان نوح عليه السلام، وعذاب الاستئصال الخاص لأمة بعينها وقد انقطع هذا الجنس بإغراق فرعون، والعذاب الجزئي بالاستئصال الموضعي كما قد وقع للشرك في مكة بعد الفتح فقد زال منها بصيرورتها دار إسلام وسلم بعد أن كانت دار كفر وحرب، والعذاب الذي تبتلى به الأمم ولو مؤمنة فلا يلزم أن يكون برسم الاستباحة للمصر أو المحلة، بل قد يكون كذلك، كما يقع في البلاد التي يدهمها العدو فيستبيح بيضتها دون سائر المحال فالبيضة العامة للأمة الخاتمة باقية فذلك موعود الرب، جل وعلا، لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فـ: "إني سألت ربي لأمتي أن لا يُهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمَّد، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُرد، وإني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً، ويَسْبي بعضهم بعضاً"، وقد يكون:
(يُتْبَعُ)
(/)
عذابا معنويا برسم الذل العام الذي نال من نفوس كثيرة فغفلت عن تأويل النهي في قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فالقيد في آخر الآية: قيد فارق به علم سبب الانتكاسة، فلم يتحقق السبب ليقع مسبَّبه في الخارج، فالإيمان ذريعة إلى العلو برسم العدل، فذلك علو الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم برسم: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، في مقابل علو أعدائهم، فـ: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ)، و: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)، فليس لهم من الدار الآخرة نصيب، فـ: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، فاللام في: "للذين": مئنة من الاختصاص، وورود النكرة في سياق النفي مئنة من العموم فلا يريدون أي علو في الأرض، وهو عموم مخصوص، كما تقدم، بعلو المؤمنين، فليس من جنس علو من علا في الأرض بغير الحق، بل لا يكون علوهم، كما تقدم، إلا برسم العدل، بل والفضل فلا يأمن الناس ولو كفارا على أديانهم وأبدانهم إلا في ظل حكم النبوة، فدولة النبوة: دولة العدل الذي تقوم به السماوات والأرض فتنال بركته المخالف برسم الذمة أو العهد أو عقد الأمان، قبل أن تنال الموافق، فيكون العلو بقدر الإيمان فالأول فرع على الثاني فكلما ازداد الإنسان رسوخا في الإيمان، ازداد علوا برسم: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، فهو عزيز في مواضع الجلال هين في مواضع الجمال بل ذليل لأهل الإيمان، وتلك سنة مطردة منعكسة، قد ظهر تأويلها في الزمان الأول فكان المؤمن أذل ما يكون لأخيه وأعز ما يكون على عدوه في الدين، وفي الزمان القريب والحاضر فصار المؤمن أعز ما يكون على أخيه برسم القهر والقسوة بل والفتنة في الدين بالقتل والحصار والتنكيل والتعدي على الحرمات الشرعية التي جبن الكفار الأصليون عن انتهاكها!، وأذل ما يكون على عدوه برسم المداهنة وإعطاء الدنية في الدين استبقاء لعرض زائل بل ربما تعدى ذلك إلى صورة التآمر مع أعداء الديانة وهي مظنة وذريعة إلى الوقوع في النفاق الأكبر فصاحبه أشد ضراوة من الكافر الأصلي، فتلك حال كثير من أمصار المسلمين، من لدن زال رسم الخلافة بل قبله بسنين، فقد نخر السوس أركان العزة في نفس المؤمن لا سيما بعد ظهور التيارات العلمانية الملحدة في أوروبا وتأثر كثير من المسلمين بمقرراتها فالمبتعثون المفتونون بمدنية أوروبا في مقابل تخلف المسلمين المادي الذي نجم عن فساد تصورهم لمعنى الدين الجامع للشعائر والمعاملات والسياسات وسائر مناحي الحياة فانزوى الدين شيئا فشيئا حتى انحصر في الشعائر والشرائع التي صارت محط أنظار العلمانية تقليصا وتشكيكا في جدوى العمل بها في هذه الأعصار المتقدمة وقد انتدب لذلك من انتدب من شيوخ الفتنة وعلماء السوء الذين روجوا لقوانين أوروبا بتقريبها إلى شريعة الملة الخاتمة في محاولة توفيقية بل تلفيقية عند التحقيق من جنس محاولة ابن سينا ومن سار على طريقته من الفلاسفة في تقريب فلسفة أرسطو الإلحادية إلى ملة الأنبياء التوحيدية، فهذا تلفيق في التصورات العلمية، وذاك تلفيق في الأحكام العملية، فقد حمل أولئك جراثيم ظلت كامنة في الجسد الإسلامي حتى تمكنت منه بالتدريج فتلك سنة الرب الحكيم العليم، جل وعلا، فحصل الانهيار شيئا فشيئا حتى كان السقوط الرسمي فهو عند التدبر والنظر مسبوق بالسقوط الفعلي فلم يبق إلا الإجهاز على الصورة بعد إفناء الجوهر، ولا سبيل إلى النهوض مرة أخرى إلا بالسير على نفس السنة ولكن في الاتجاه العكسي فلن يكتمل البنيان مرة واحدة بل تولد الأمم ضعيفة فتقوى شيئا فشيئا حتي تصير على رسم الكمال ثم يلحقها الضعف شيئا فشيئا حتى تنهار، كما أشار إلى ذلك ابن خلدون، رحمه الله، في "المقدمة" فتلك سنة: "حقٌّ على الله أن
(يُتْبَعُ)
(/)
لا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضعه".
وقد يكون العذاب في الدنيا عذابا محسوسا كالذي نرى صورا منه الآن من سقم الأبدان ومعدلات الأمراض الفتاكة في زماننا خير شاهد على ذلك، فقد زاد في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ بل مطرد فهو في ازدياد متصل، وقل مثل ذلك في ضيق الأرزاق وارتفاع الأسعار على نحو شغل النفوس بتحصيل مطعوم البدن الخسيس الذي يصير عما قريب إلى ما قد علم من فضلة يستحى من ذكرها صراحة، وأذهل العقول عن غاية الخلق الأولى، غاية: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
وأما عذاب البرزخ فقد تواترت النصوص في إثباته على جهة الحقيقة التي يجوزها العقل ولا يحيلها، وإنما يحار في تعيين حقيقتها فالعقل لا يدرك بقياسه القاصر على أحكام هذه الدار فقد علق التكليف فيها به، لا يدرك بذلك القياس القاصر أحكام دار أخرى، فلكل دار أحكامها، فالعذاب في الدنيا واقع على البدن أصلا والروح تبعا، فيتألم البدن ومن ثم تليه الروح في الترتيب، والعذاب في البرزخ واقع على الروح ابتداء والبدن تبعا، ومن ثم يكتمل الإحساس باللذة أو الألم في دار الجزاء فيكون النعيم أو العذاب في حق الروح والجسد معا فلا يقع بينهما من التفاضل ما قد وقع في الدارين الأوليين.
والشاهد أن الإرادة تنقسم مادتها إلى شرعية، فـ: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، فهي متعلق الرحمة، وكونية فـ: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) فهي متعلق العذاب الذي سبقت الإشارة إليه.
والعموم في المفعولين: "عبد" و: "خيرا": قد ثبت بدخولهما في حيز الشرط، فالنكرة في سياق الشرط مئنة من العموم، فحصل العموم في فعل الإرادة بالنظر إلى المصدر الكامن في الفعل، فتسلط الشرط عليه من جنس تسلط النفي عليه فكلاهما مئنة من العموم، وحصل في المفعول، وذلك أبلغ ما يكون في تقرير القواعد العامة، فإذا أراد الله، عز وجل، بعبد خيرا، نكر، أيضا، للدلالة على معنى التعظيم، وأي خير أعظم من الرضا بقضاء الله عز وجل، فإذا أراد به الخير فضلا وامتنانا، ولو شاء لحجبه عنه عدلا، فالحكمة، كما تقدم في مواضع عدة، تكون بوضع الشيء في موضعه الذي يلائمه، فتوضع مادة الفضل بتيسير الطاعة في المحال الكاملة، وتوضع مادة العدل بتيسير المعصية في المحال الناقصة، فإذا أراد به خيرا: أرضاه فذلك من الوصف الفعلي المتعدي بالهمزة، فالرب، جل وعلا، يرضى، فذلك وصف الفعل المتعلق بمشيئته النافذة فيرضى إذا شاء وجود سبب الرضا، فيرضى عمن رضي بقضائه، فالجزاء من جنس العمل، فالمشاكلة بين رضاه ورضا عباده بقضائه حاصلة في اللفظ وأصل المعنى، وإن حصل التباين العظيم بين حقيقة رضاه الكاملة التي تقوم بذاته القدسية وحقيقة رضاهم فلا تنفك عن حقيقة ذواتهم الأرضية التي تقوم بها، فلكل ذات ما يليق بها من الأوصاف كمالا أو نقصانا، فإذا أراد به خيرا: أرضاه بما قسم له فذلك عموم آخر يشمل المقسوم في أزمنة العافية سعة، والمقسوم في أزمنة الابتلاء ضيقا، فهو راض بكل حال، وتلك مرتبة شريفة لا ينالها إلا آحاد المقربين، فهي تعلو مرتبة الصبر حال المصيبة التي يعجز عنها أكثرنا فكيف بالمرتبة التي تليها؟!، ثم بعد إرضائه بارك له في عطائه فذلك من الإطناب في بيان الجزاء حضا على لزوم الوصف الجالب له، فالرضا ذريعة إلى عظم البركة في القليل فيصير كثيرا، كما أن السخط مظنة تحقير النعمة ولو عظمت فلا تطيب لصاحبها وتلك من أعظم العقوبات التي تنال من ازدرى نعم الرب جل وعلا، فحصل التشويق بإيراد الشرط ابتداء فتطلعت النفوس إلى وصف من بلغ تلك الدرجة الرفيعة فاختاره الرب، جل وعلا، بإرادته الكونية النافذة ليكون محل عنايته بإيصال الخير إليه دون غيره، وقد أفاد الشرط بمنطوقه ومفهومه، فدليل خطابه عكسا: وإن لم يرد به خيرا لم يرضه بقضائه ولم يبارك له فيما أعطاه ولو كثر.
وقد وردت نصوص أخرى كثيرة علق فيها فعل الرب، جل وعلا، على الإرادة الكونية النافذة من قبيل حديث: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَالَ: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ"، فإذا أراد به خيرا بمقتضى ما قدر له كونا، وفقه إلى عمل صالح فذلك مقتضى الإرادة الشرعية الحاكمة فوقع الاقتران هنا، أيضا، بين الإرادتين: الشرعية والكونية، كما قد وقع بين إرادة الرب، جل وعلا، الكونية وفعل العبد: رضا بقسمه، تبارك وتعالى، فذلك، بداهة، من تأويل الإرادة الشرعية بإيقاع مراد الرب، جل وعلا، الذي يحب ويرضى، فالعبد المسدد من اجتمعت فيه الإرادتان فهو على سنن الشرع سائر برسم: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ)، وهو على سنن الكون سائر برسم: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، فلن يكون شيء في الكون إلا بمشيئة الرب الخالق المدبر جل وعلا.
ومثله أيضا: حديث: "إذا أراد الله بعبد خيرا بعث إليه ملكا قبل موته بعام يسدده ويوفقه حتى يموت على خير أحايينه": فيقع للعبد: التوفيق الكوني إلى امتثال الحكم الشرعي فعلا للمأمور وكفا عن المحظور.
وضده إردة الشر فلا تكون إلا كونية، فـ: "إذا أراد الله بعبد شرا أهلك ماله في الطين واللبن"، ففاته امتثال الأمر الشرعي لسبق القضاء الكوني، فالمحل خبيث لا يقبل آثار الخير والصلاح.
ولا تعارض بين كل هذه النصوص فلم يرد أي منها بصيغة الحصر فلا تمنع إرادة شيء إرادة آخر، فذلك من تعدد آحاد فعل الإرادة الكونية النافذة، فهي من الوصف الفعلي المتجدد بتجدد مشيئة الرب، جل وعلا إيقاع ما شاء في كونه، فيريد الرب، جل وعلا، ما شاء، برسم القدرة النافذة والحكمة البالغة، فـ: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)، ويقضي ما يريده كونا فلا راد لقضائه المبرم في الأزل المسطور في الكتاب الأول، فهو: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ).
والله أعلى وأعلم.(/)
بين لفظتي الفصاحة والجِرس ..
ـ[أنوار]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 12:44 م]ـ
لم يكن الأوائل يستخدمون الجرس استعمالا اصطلاحيًا، وإنما كانوا يستعملون لفظتي الفصاحة والبلاغة، ويختلفون بعد في مدلولها، والذي كان راجحا عندهم .. أن الفصاحة تتعلق باللفظ والبلاغة بالمعنى ..
ويقول أبو هلال العسكري في الصناعتين: " ومن الدليل على أن الفصاحة تتضمن اللفظ، والبلاغة تتناول المعنى .. أن الببغاء يسمى فصيحا ولا يسمى بليغا، إذ هو مقيم الحروف، وليس له قصدٌ للكلام الذي يؤديه "
وقال في موضع آخر: " إذا كان الكلام يجمع نعوت الجودة ولم يكن فيه فخامة وفضل جزالة سميَ بليغا، ولم يسمَّ فصيحا ".
وهذا كله يدل على أن الفصاحة بالمعنى الاصطلاحي القديم كان يراد منها رنين الألفاظ، وهذا قريب من مرادنا بكلمة الجرس.
وكلمة الجرس التي نستعملها نحن المعاصرين أدَّل منها على القصد؛ فصوتها نفسه يشعر بمعناها.
ومن العجيب أن النقاد القدماء ضلَّ عنهم أن يستعملوا كلمة الجرس استعمالا اصطلاحيا،
وهي أدلُّ من كلمة الفصاحة ..
ومع أنهم كانوا حريصين على البديع وتسمية أنواعه والاصطلاح عليها، إلا أني أحسب أن للدين يدا في هذا .. فلما كان المقصود من علم البلاغة هو إظهار الإعجاز ودلائله فقد فضّل العلماء أن يستعملوا كلمة " الفصاحة " المشتقَّة من البيان والظهور على استعمال أي كلمة تُشْتَمُّ منها رائحة " الترنم " لوصف الجانب اللفظي من القرآن.
..............................................
مقتطع إيجازا من:
المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها
د/ عبد الله الطيب
وقفة للحوار والرأي ..
هل وُفق الدكتور في رأيه الأخير؟؟
هل كلمة الجرسُ أدقُّ وأشملُ في معناها من كلمة الفصاحة .. ؟؟
هل العرب تجنّبت لفظة الجرس، لموقفٍ دينيّ .. ؟؟
إذا فهل استخدمت لفظة الفصاحة بعد مجيء الإسلام .. ؟؟
ألم يكن للعرب معرفة سابقة بها .. ؟؟
وكيف نفسر وضع الخليل لكتابيّ النغم والإيقاع مع ما يتحلى به من تقوى وورع؟؟(/)
الكناية والاستعارة .....
ـ[عرباوى]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 05:31 م]ـ
الأخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا بعد.
هل كل استعارة تصح أن تكون كنايه؟
أرجو الإفادة وجزى الجميع خير الجزاء وأجزل لهم المثوبة.
ـ[أنوار]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 11:27 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله ..
في الاستعارة لابدّ من وجود قرينة تمنع وجود المعنى الحقيقي ..
فعندما تقول:
رأيتُ أسدًا يحكي بطولاته.
فـ (أسد) هنا استعارة، والقرينة (يحكي) وهذه القرينه مانعة من إيراد المعنى الحقيقي ..
فلا يوجد أسد يحكي أو يتكلم ..
....................
بينما في الكناية لا توجد قرينة تمنع وجود المعنى الحقيقي ..
فعندما أقول: (طويل النجاد)
فإنه يجوز إيراد المعنى الحقيقي وهو طول النجاد - حمائل السيف -،
كما يصح إيراد المعنى الخيالي الذي ذهب إليه الذهن وهو طول قامته.
وعليه يصح أن تكون كل استعارة كناية، وليست كل كناية استعارة.
والله أعلم
ـ[عرباوى]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 07:13 ص]ـ
القرينة فى الاستعارة المكنية وماذا عن الاستعارة التصريحية التى لاتوجد بها قرينة؟
أرجو الإفادة وجزى الجميع خير الجزاء وأجزل لهم المثوبة ..
ـ[أنوار]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 11:14 ص]ـ
قدْ .. يكون الفَيْصل في ذلك أن الكناية يراد بها لازم المعنى، مع جواز إرادة المعنى الحقيقي.
كأن أقول .. " كثير الرماد " فكثرة الرماد تستوجب الكرم حقيقة، ومن دلالة الكرم كثرة الرماد.
أما التصريحية كقوله تعالى " اهدنا الصراط المستقيم " فاستعيرت لفظة الصراط للدين، ولن أتمكن هنا من إيراد (الصراط) بمعناه الحقيقي وهو الطريق لوجود قرينة وهي " المستقيم ".
ملاحظة ..
ليس الأمر على إطلاقه في الكناية بإيراد المعنى الحقيقي .. هناك بعض الصور يمتنع فيها إيراده ..
ففي قوله تعالى: (لَيْسَ كَمُِثْلِه شَيءٌ) ..
وعلى القول القائل بأن الكاف أصلية، وأنه يريد نفي المثليّة بطريق الكناية، فلا يصح هنا إيراد المعنى الحقيقي فيه؛ لأنه يفيد ثبوت المثل لله تعالى .. _ تبارك الله وتعالى علوا كبيرا _.
والمشهور أن الكناية قسمٌ آخر غير الحقيقة والمجاز ..
وقيل إن الكناية لفظ مستعمل في معناه الحقيقيّ لينتقل إلى المعنى المجازي، وعلى هذا تكون الكناية قسما من الحقيقة.
وقيل إن الكناية تارةً يراد بها المعنى المجازي لدلالة المعنى الحقيقي عليه فتكون مجازا.
وتارة يراد بها المعنى الحقيقي ليدل به على المعنى المجازي فتكون حقيقة.
والله أعلم ..
ـ[السراج]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 11:24 ص]ـ
وعليه يصح أن تكون كل استعارة كناية، وليست كل كناية استعارة.
والله أعلم
بارك الله فيكِ أنوار ..
ـ[أنوار]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 11:32 ص]ـ
بارك الله فيكِ أنوار ..
وبارك الله فيكم أستاذنا الكريم(/)
الاستعارة التمثيلية، مجاز؟
ـ[كاتزم]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 05:58 م]ـ
السلام عليكم.
الاستعارة المكنية والتصريحية تعد منالمجازات اللغوية.
فماذا عن الاستعارة التمثيلية؟ هل يمكن أن نعدها من المجاز اللغوي؟
كقولهم:
إنك لا تجني من الشوك العنب.
أرى أنه ليس مجازا، لأنه يمكن أن يحدث.
فما رأيكم؟
ـ[السراج]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 09:42 م]ـ
السلام عليكم.
الاستعارة المكنية والتصريحية تعد منالمجازات اللغوية.
فماذا عن الاستعارة التمثيلية؟ هل يمكن أن نعدها من المجاز اللغوي؟
كقولهم:
إنك لا تجني من الشوك العنب.
أرى أنه ليس مجازا، لأنه يمكن أن يحدث.
فما رأيكم؟
كيف يحدث يا (كاتزم)؟
ـ[أنوار]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 10:22 م]ـ
الاستعارة المكنية والتصريحية تعد من المجازات اللغوية.
فماذا عن الاستعارة التمثيلية؟ هل يمكن أن نعدها من المجاز اللغوي؟
نعم كلاها من المجاز اللغوي، ولكن ما يفرق بينهما ..
أن جميع الاستعارات تتبع المجاز اللغوي المفرد.
أما الاستعارة التمثيلية فتتبع المجاز اللغوي المركب.
فالتمثيلية هي تشبيه صورة بصورة لما بينهما من صلة من حيث المعنى ثم تحذف الصورة الأولى (المشبه) ويبقى المشبه به.
والله أعلم(/)
سؤال
ـ[النبوغ]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 07:25 م]ـ
قال الله تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون136).
السؤال هو: لماذا قال تعالى عند ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط (أُنزل) وقال عند ذكر موسى وعيسى والنبيون (أُوتي)؟
ولماذا لم يجمع بين موسى وعيسى وبين النبيين حيث أن لفظ الفعل واحد وهو (أُوتي)؟ وما علاقة ذلك بالإيمان؟
ـ[الأبلق]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 07:30 م]ـ
في انتظار الإجابة
لنستفيد(/)
الاستعارة التبعية والأصلية
ـ[النبوغ]ــــــــ[19 - 11 - 2010, 07:39 م]ـ
أريد معرفة ما إذا كانت الاستعارات الآتية أصلية أو تبعية مع توضيح ذلك من فضلكم:
1) شر الناس من يرضى بهدم دينه لبناء دنياه.
2) شراء النفوس بالإحسان خير من بيعها بالعدوان.
3) إن خوض المرء فيما لا يعنيه وفراره من الحق من أسباب عِثاره.
4) خير حلية للشباب كبح النفس عند جموحها.
ـ[السراج]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 08:36 م]ـ
سأعطيك أخي النبوغ القاعدة العامة لذلك، وعليك البدء في التشخيص:
الأصلية: إذا كان اللفظ الذي جرت فيه (المشبه أو المشبه به) اسما جامداً.
التبعية: إذا كان اللفظ الذي جرت فيه (المشبه أو المشبه به) اسماً مشتقاً.(/)
سؤال حول مواطن الإيجاز في القرآن
ـ[الحررر]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 02:00 م]ـ
السلام عليكم
العنوان واضح .. أريد تحديد بعض مواطن الإيجاز في القرآن الكريم لا تقل عن خمسة مواطن ^^
أرجوكم: ((
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 02:45 م]ـ
ممنوع حل الواجبات في الفصيح، ولكن بإمكانك استخراج المواطن ونحن نساعدك في اختيار الصحيح منها.
وفقك الله.
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 06:16 م]ـ
ماعتقد حد بيسااعدني: ((
حسنا سأساعدك هذه المرة، ولكن احرص مستقبلا على حل واجباتك بنفسك:
* قوله تعالى في وصف خمر الجنة:? لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ ? (الواقعة: 19)، فقد جمع عيوب خمر الدنيا من الصداع، وعدم العقل، وذهاب المال، ونفاد الشراب.
* حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (النمل: 18).
الإيجاز فنلحظه فيما جمعت هذه النملة في قولها من أجناس الكلام؛ فقد جمعت أحد عشر جنسًا: النداء، والكناية، والتنبيه، والتسمية، والأمر، والقصص، والتحذير، والتخصيص، والتعميم، والإشارة، والعذر.
* إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9]
* ?ولكم في القصاص حياة? (سورة البقرة: 178).
* ?وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً، حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها? (سورة الزمر: 70).
جمعته لك تجميعًا.
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 06:32 م]ـ
حاول أولاً أن تتدرب على الكلام والكتابة بلغة عربية صحيحة، ثانيًا أنت طلبت الآيات ولم تطلب التعليل، ومع ذلك نقلت لك تعليل أول آيتين من باب زيادة الخير خيرين.(/)
من فنون البديع: الالتزام
ـ[أنوار]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 10:49 م]ـ
1 - ويسمى:
- لزوم مالا يلزم.
- الإعنات.
- التضييق.
- التشْديد.
- التضمين.
ويسميه النقاد:
- القافية الغنيّة.
وجمالها عندهم: ناشئ من ندرتها.
2 - وأسماؤه:
كلها ناطقة بما يأخذ به صاحبها نفسه، من عُسْر القيود، وثقل المؤونة، وتكلف ما لو تجنبه لم تلحقه تبعه، ولا أدركه عيب، ولا وقع في قصورٍ أو تقصير.
و قال المرشدي:
" إنما يحمد من هذا النوع ما عُدِم الكَلَفة؛ لأن وحشتها تُذْهِبُ بِرَوْنَقِ الصَّنعة ".
وكان ابن المعتز أول من جمع ألوان البديع في كتابه المشهور "البديع " وعدَّ اللزوم من أنواعه الخمسة عنده.
وعرّفه ابن أبي الإصبع:
بأن يلزم الناثر في نثره، والشاعر في شعره، قبل رَوي النثر والشعر حرفا فصاعدًا على قدر قدرته، مشروطًا بعدم الكلفة.
وقال النويري:
هو أن يعنِّت نفسه في التزام ردف أو دخيل أو حرف مخصوص قبل حرف الروي، أو حركة مخصوصة.
وقال عنه السيوطي في عقود الجمان:
وَالحَرْفُ مِنْ قَبْلِ الروي مُلْتَزَمْ
فَسَمِّهِ لُزُومَمَا لا يُلتَزَمْ
كَقَولِه: تَقْهَرْ وَتَنْهَرْصَدْرَكَا
وِزْرَكَ ظَهْرَكَ وَبَعْدَ ذِكْرَكَا
3 - وهو على ثلاثة أقسام:
1 - التزام الحركة وحدها:
كقول ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ........... يكون بكاء الطفل ساعة يولَدُ
و إلا فما يبكيه منها و إنها ......... لأوسع مما كان فيه و أرغَدُ
إذا أبصر الدنيا استهلّ كأنه ........ بما سوف يلقى من أذاها يهدَّدُ
فالتزم الفتح قبل الروي.
2 - التزام حرف:
كقول شاعر جاهلي:
عصاني قومي والرشاد الذي به ........... أمرت ومن يعصِ المجرب يندمِ
فصبرًا بني بكر على الموتِ إنني .......... أرى عارضًا ينهل بالموت والدمِ
3 - التزام حرفين:
كقول الشاعر:
سلِّم على قَطَن إنْ كنتَ نازِله ......... سلام من كان يهوى مرَّة قطنا
ما منْ غريبٍ وإن أبْدى تَجلُّده ........ إلا تذكَّر عند الغُربَةِ الوَطنَا
4 - التزام أكثر من حرفين:
كقول عبد الله بن الزبير يمدحُ عمرو بن عثمان بن عفان:
سأشْكُرُ عَمْرًا إنْ تراخت منيتي ........ أياديَ لمْ تُمْنَن وإن هي جلَّت
فتًى غير محجوب الغنى عن صديقه ............ ولا مظهر الشكوى إذا النَّعل زلت
رأى خلَّتي من حيثُ يخفى مكانُها ........ فكانت قذى عينه حتى تجلّت
4 - الملتزمون:
من أشهر شعراء اللُّزوم في العصر الإسلامي:
1 - " كثير عزَّة ":
فقد نظم قصيدته التائِّية المشهورة على هذا النمط، وهي القصيدة التي يقول في مطلعها:
خليليَّ هذا ربْعُ عزَّة فاعقِلا ........... قلوصيكما ثمَّ انظرا حيث حلّت
والقصيدة تربو على عشرين بيتًا، ولكنك لا ترى فيها أثرا للتكلُّف والتعقيد، وضعف النسج، بل ترى أبياتها تترادف في سلاسة أخاذة واطراد ساحر كأنما كان يغترفها من بحر.
ويقول فيها الدكتور طه حسين:
" لا تتردد في أن الشاعر قد تعمد التزام اللام والتاء، ولكنكَ في الوقت نفسه لا تشعر بأن " كثيرًا" قد لقي في ذلك جهدا،
أو احتمل فيه عناء، وإنما يخيّل إليك أنه دعا الألفاظ فاستجابت له، وأهاب بها فأسرعت إليه ".
ولعل هذه القصيدة اللزوميّة – من حيث طولها – أول أثرٍ من هذا اللون في الشعر الجاهلي والإسلامي، ولن تجد لها نظيرا إلا في لزوميَّات أبي العلاء المعري.
2 - أبو العلاء المعري ..
ويُعد شيخ الالتزام، وديوانه " اللزوميات " جاء كله على هذه الطريقة. ولعل من العجب أن المعري – وهو معروف بعمق الفكر، وبعد النظر، وقوة النَّفَس، واستقلال الشخصية، وميله للحرية في مظاهرها المختلفة، وتساميه على نوائب الزمن بكبريائه ومصابرته، وتحدِّيه لمعاصريه بمعتقداته وآرائه – ينساق في هذا الطريق الوعر الشائك، ولا يكتفي بذلك، بل يزيد في الطنبور نغمات، بما يضيف إليه من الغرابة والتعمق والرموز في كتابه " الفصول والغايات " حتى ليحتاج قراؤه إلى من يترجمه لهم من العربية إلى العربية، بل اضطر المعري نفسه أن يترجمه للقراء، فأنشأ - كما يقول ياقوت – كتاب " الشاذن " (وقد ورد في كشف الظنون باسم " السادر "، وعند الذهبي " السادن ")؛ في ذكر غريب هذا الكتاب، وما فيه من اللَّغز، مقداره عشر كراريس.
وهذا اعتراف منه بأنه ألّفه لنفسه أولا، لا للناس!!
وقد فعل ذلك في شعره اللزوميّ؛ فقد ألف كتابًا سماه: "راحلة اللزوم "؛ يشرح فيه ما في لزوم مالا يلزم من الغريب في نحو مائة كراسة. وكتاب الراحلة؛ ثلاثة أجزاء في تفسيره أيضا. وله كتاب آخر يتعلق بلزوم مالا يلزم سماه: "زجر النابح".
وذلك أن بعض ذوي الجهالة؛ تكلم على أبيات من لزوم مالا يلزم يريد بها الشرر والأذيّة، فألزم أبا العلاء أصدقاؤه؛ أن ينشئ هذا الكتاب وهو كاره.
وقد رأينا الدكتور طه حسين يشرح بعض مختارات من أشعاره في كتاب " اقرأ " وأحسب – والحديث للمؤلف – أنه لو كان يترجم شعرًا عن الفرنسية، ما لقي فيه هذا الجَهْد والعناء.
.............................................................
- البلاغة الغنيَّة لعلي الجندي.
- عقود الجمان للمرشدي.
- البديع في ضوء أساليب القرآن لعبد الفتاح لاشين.
- علم البديع لعبد العزيز عتيق.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 10:32 ص]ـ
جزاك الله خيرا أستاذة أنوار على هذا الطرح الجيد والموضوع المتميز
لكنني وأنا أقرأ تسابقني عيناي بحثا عن أبي العلاء؛ لإيماني بأن له نصيبا كبيرا في هذا الفن، وفوجئت بك توردينه أسفل الموضوع، وأرى أن يتصدر.
شكري مجددا
ـ[السراج]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 12:48 م]ـ
بارك الله فيك يا أنوار ...
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 01:06 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة: أنوار
جزاك الله خيرا، طرح جميل، وموجز رائع، ومعلومات مفيدة، نفعنا الله جميعا بهذا العلم، أسأل الله ألا يحرمك من الأجر، جعله الله في موازين حسناتك يوم تلقينه / اللهم آمين
ودمت ِ موفقة ومسددة ونافعة.
ـ[أنوار]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 03:09 م]ـ
جزاك الله خيرا أستاذة أنوار على هذا الطرح الجيد والموضوع المتميز
لكنني وأنا أقرأ تسابقني عيناي بحثا عن أبي العلاء؛ لإيماني بأن له نصيبا كبيرا في هذا الفن، وفوجئت بك توردينه أسفل الموضوع، وأرى أن يتصدر.
شكري مجددا
وجزاكم الله خيرا أستاذنا الكريم ..
بالنسبة لأبي العلاء ..
فقد كان اهتمامي بالموضوع منصبا على الفن البلاغي، وقد أشرتُ إليه بإلماحة سريعة؛ لأنه وهذا الفن علم على رأسه نار ..
وسأذكر شيئا موجزا عنه وعن ديوان لزوم مالا يلزم، مما أورده صاحب البلاغة الغنيّة؛ والذي قد أسهب في الحديث عن هذا الفن.
ولكم التقدير لمروركم وتعليقكم ..
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 03:16 م]ـ
موضوع جميل جدا، ونحن بأمس الحاجة إليه في مجال النقد خاصة، لذلك أتمنى أن تستمري بوضع المزيد من تلك التعريفات والشواهد عليها.
وفقك الله.
ـ[أنوار]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 03:16 م]ـ
أستاذنا السراج .. شكر الله لكم
...................
أختي الفاضلة الزهرة المتفائلة ..
أشكرك مرارا، لوجودكِ هنا، ودعواتك الصادقة ..
وأسأل الله أن يجزل لكِ الثناء، ويغدق عليكِ من فضله
لكِ وافر التقدير
ـ[أنوار]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 03:38 م]ـ
موضوع جميل جدا، ونحن بأمس الحاجة إليه في مجال النقد خاصة، لذلك أتمنى أن تستمري بوضع المزيد من تلك التعريفات والشواهد عليها.
وفقك الله.
جزاكم الله خيرا أستاذنا الكريم ..
وأسأل الله أن ينفع به ,,
تقديري لكم(/)
مساعدتكم؟؟
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 05:46 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحقيقة داولتني فكرة وأريد تقديم عرض لدكتور مقرر علم المعاني والبديع عن موضوع علم البديع ومايتفرع تحته لأننا سنبدأ في علم البديع قريبا جدا,, فأريد من حضراتكم مساعدتي بما لديكم من معلومات وتعاريف وأمثلة قرآنية وشعرية مفيدة حتى أعرضها لدكتورالمقرر ويستفدن منها أخواتي الطالبات ...
في أنتظاركم
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 05:51 م]ـ
بصراحة أنا لم أفهم ما المطلوب بالضبط، ليتك تحددين.
ـ[أنوار]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 06:26 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله ..
سأسرد لكِ بعض الكتب التي عنت بعلم البديع:
1 - التحرير والتحبير .. لابن أبي الإصبع.
2 - علم البديع لعبد العزيز عتيق.
3 - علم البديع في ضوء أساليب القرآن لعبد الفتاح لاشين.
وأرجو أن تجدي فيها الفائدة
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 11:20 م]ـ
بصراحة أنا لم أفهم ما المطلوب بالضبط، ليتك تحددين.
قصدي تعريف علم البديع أنواعه وأشكاله وأمثله لهذه الأنواع لأنني في الحقيقة أفتقد لكتب علم المعاني والبديع ..
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[21 - 11 - 2010, 11:22 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله ..
سأسرد لكِ بعض الكتب التي عنت بعلم البديع:
1 - التحرير والتحبير .. لابن أبي الإصبع.
2 - علم البديع لعبد العزيز عتيق.
3 - علم البديع في ضوء أساليب القرآن لعبد الفتاح لاشين.
وأرجو أن تجدي فيها الفائدة
شكرا لك على إرشادك لي ولكن ما لا تعلمينه للأسف هو افتقاد مكتبتنا لهذه الكتب ,, فهل أستطيع إيجادها في الانترنت pdf؟؟..
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 11 - 2010, 12:40 ص]ـ
ستجدين بإذن الله .. فقط ابحثي.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[22 - 11 - 2010, 12:48 ص]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الشقيقة العزيزة: زهر قطر
أهلا وسهلا بكِ من جديد، حياكِ الله وبياكِ، كل عام أنتِ بخير ..
لك ِ كتبا أخرى تحدثت عن علم البديع وهي:
1 ـ اسم الكتاب: أنوار الربيع في علم البديع
اسم المؤلف: صدر الدين المدني ابن احمد نظام الدين الحسيني الحسني
تحميل الكتاب من هنا ( http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=i000616.pdf)
2 ـ اسم الكتاب: دراسات منهجية في علم البديع.
اسم المؤلف: د. الشحات محمد
تحميل الكتاب من هنا ( http://www.4shared.com/get/8cj-WHiA/_________.html)
3 ـ اسم الكتاب: عقود الجمان في المعاني والبيان
اسم المؤلف: السيوطي
تحميل الكتاب من هنا ( http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=m000944.pdf)
4- جواهر البلاغة
اسم المؤلف: الهاشمي
تحميل الكتاب من هنا ( http://www.4shared.com/file/108923803/28115770/______-__.html)
أسال الله لكِ التوفيق والسداد والنجاح الدائم / اللهم آمين
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[22 - 11 - 2010, 12:56 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله ..
سأسرد لكِ بعض الكتب التي عنت بعلم البديع:
1 - التحرير والتحبير .. لابن أبي الإصبع.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
تحميل كتاب التحرير والتحبير من هنا ( http://al-mostafa.info/data/arabic/depot/gap.php?file=001343-www.al-mostafa.com.pdf)
أتمنى أن يكون هو الكتاب المطلوب
والله الموفق
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 11 - 2010, 01:06 ص]ـ
الزهرة المتفائلة ..
الشكر لمجهودك .. أسأل الله أن يكتبه في موازين أعمالك.
وأن يثيبكِ الخير الكثير
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[22 - 11 - 2010, 09:18 م]ـ
الزهرة المتفائلة ..
الشكر لمجهودك .. أسأل الله أن يكتبه في موازين أعمالك.
وأن يثيبكِ الخير الكثير
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
العزيزة: أنوار
جزاك الله الجنة على هذا الدعاء الطيب ولكِ بالمثل أختي الحبيبة / اللهم آمين
رفع الله قدرك، وأعلى الله من شأنك / اللهم آمين.
في الحقيقة / أنوار: الكتابان الأخيران لم أجد تحميلهما على الشبكة للأسف، وأعتقد أنهما مهمان جدا، ولعلي لم أبحث جيدا.
ولكن هنا كذلك كتاب آخر
اسم الكتاب: الإظهار البديع على المدخل في المعاني والبيان والبديع
تحميل الكتاب من هنا ( http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=m000167.pdf)
وكتاب آخر:
اسم الكتاب: علم البديع"
د. محمود أحمد حسن المراغي
تحميل الكتاب من هنا ( http://www.4shared.com/document/beUTiXVr/__online.html?cau2=401waitm)
وكتاب آخر:
اسم الكتاب: البديع تأصيل وتجديد"
د. منير سلطان
تحميل الكتاب من هنا ( http://www.4shared.com/document/S_5sdeza/___online.html?cau2=401waitm)
وكتاب أخير:
اسم الكتاب: البديع في شعر المتنبي "التشبيه والمجاز "
المؤلف: منير سلطان
تحميل الكتاب من هنا ( http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=002685.pdf)
كل الكتب على pdf
أسأل الله لكِ التوفيق يا زهرة
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 11 - 2010, 11:09 م]ـ
في الحقيقة / أنوار: الكتابان الأخيران لم أجد تحميلهما على الشبكة للأسف، وأعتقد أنهما مهمان جدا، ولعلي لم أبحث جيدا.
مرحبًا زهرة ..
هذان الكتابان لدي في نسخة ورقية، ولا أعلم إن كانا على الشبكة أو لا ..
وللعلم فكتب علم البديع على اختلافها إلا أنها تحوي نفس المادة العلميّة ..
ويكفى الطالب كتابا واحدا، إلا إن كان من باب الاستزادة، والإطلاع على الأسلوب والعرض الأمثل للقارئ.
وكتاب التحرير والتحبير يذكر فنون البديع بأسلوب موجز ميسّر
زهرة .. بوركتِ على مجهودك
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 02:10 ص]ـ
أختي زهرة وفقك الله دنيا وآخره ,, كفيتي ووفيتي,,
وما أدراك أنني أقول في نفسي بالأمس أين عزيزتي زهرة متفائلة التي لا أستغرب وقوفها الدائم إلى جنبي وجنب جميع الأعضاء ..
أحبك في الله
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 02:15 ص]ـ
ستجدين بإذن الله .. فقط ابحثي.
أشكرك أختي أنوار على متابعتك لموضوعي ..
وفقك الله
ـ[أنوار]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 12:27 م]ـ
في الحقيقة / أنوار: الكتابان الأخيران لم أجد تحميلهما على الشبكة للأسف، وأعتقد أنهما مهمان جدا، ولعلي لم أبحث جيدا.
البيان في ضوء أساليب القرآن ( http://sub3.rofof.com/08sviba4/Al-bdy3_fy.html)(/)
الأسرار البلاغيّة في صيغة الحوقلة ..
ـ[أنوار]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 11:52 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ..
أولا: معنى لا حول ولا قوة إلا بالله:
لا حول عن معصية الله ولا قوة على طاعة الله إلا بالله، فمن عرف حقيقتها استراحت نفسه، قال صلى الله عليه وسلم: "لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من تسع وتسعين داء أيسرها الهم" رواه ابن أبي الدنيا وحسنه السيوطي.
فلا يقع للعبد إلا ما قدر له، ولن يبلغ عبد شيئا إلا بقدر الله. فمتى استدام العبد هذا العلم وهذا الاعتماد والثقة فهو المتوكل على الله حقيقة، وليبشر بكفاية الله له ووعده للمتوكلين، ومتى علق ذلك بغير الله فهو مشرك، ومن توكل على غير الله، وتعلق به، وُكِّل إليه وخاب أمله.
ثانيا: أسرارها البلاغية:
السر الأول: جاءت هذه الصيغة العجيبة في هيكل أسلوبي رائع (أسلوب القصر) الذي أفد حصر الحول والقوة على الله سبحانه وتعالى. فلقد نفى الحول والقوة عن كل مخلوق وأثبتها للخالق وحده لا شريك له.
السر الثاني: تنكير كلمتي (حول) و (قوة) يدلان على النفي المطلق، فلا يستثنى منهما شيء مهما صغر أو كبر.
السر الثالث: تقديم الحول على القوة، تقدم الحول على القوة؛ لأن الحول نتيجة للقوة، فلن يقع تحويل بغير قوة دافعة للتحويل، ولذلك قدمت النتيجة على أسبابها من باب نفي إثبات القوة لغير الله تعالى.
السر الرابع: تقديم (حول) على (قوة) تقديم خاص على عام؛ لأن الحول ناتج عن القوة فهو جزء منها، وذلك للتنبيه على قدرة الله تعالى.
السر الخامس: حذف خبر لا، فتقدير الكلام (لا حول موجود، ولا قوة موجودة) أو (لا حول لنا، ولا قوة لنا) وسر الحذف هنا هو إعطاء كل إنسان الفرصة لتخيل الخبر، حتى تذهب النفس فيه كل مذهب.
السر السادس: استخدام حرف العطف (و) بدلا من (أو) ليدل عن الحول والقوة مقترنان مصطحبان، لا يمكن أن يفترقا.
السر السابع: استخدام حرف الاستثناء (إلا) بدلا من غير أو سوى؛ وذلك لأن إلا تفيد النفي التام لما قبلها، والإثبات التام لما بعدها. فلو استخدمنا غير لكان من الممكن أن يدل السياق على قبول دخول غير الله معه في الحول والقوة، ولو بنسب قليلة.
السر الثامن: استخدام حرف الجر (الباء) الذي يدل على الاستعانة، ولاحظ الفرق – هنا- بين (الباء) و (من) فالباء تدل على أن مطلق الاستعانة لا يكون إلا بالله، فالباء –هنا- أبلغ من (من) لدلالة الباء على أن الاستعانة لا تكون إلا بالله ولا تطلب من غيره، أما (من) فتحمل معنى المصدرية، ولا تمنع وجود مصدر آخر غير الله تعالى.
السر التاسع: الإيجاز حيث جاءت الجملة قليلة المبنى كثيرة المعنى، والإيجاز هو البلاغة عند العرب. فلو أردنا أن نشرح هذه الجملة الصغيرة لاحتجنا إلى تفصيل وإطناب وإسهاب.
....................................
هذا ومن الله يطلب التوفيق والسداد، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
للباحث: أيمن خميس عبد اللطيف أبو مصطفى
جامعة الإسكندرية، ماجستير في البلاغة والنقد.
ـ[الشّابّة المقدسيّة]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 12:38 م]ـ
أسرار بلاغيّة بليغة
جزاكِ الله خيرا
ـ[أنوار]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 08:11 م]ـ
وجزاكِ الله خيرا أيتها الفاضلة ..
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 11:58 م]ـ
ومن البلاغة حسن الاختيار فبارك الله فيك
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[24 - 11 - 2010, 09:40 ص]ـ
نفع الله بك أختي الكريمة أنوار
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 11 - 2010, 11:33 م]ـ
الأفاضل ..
الأستاذ الأديب اللبيب
والأستاذ طارق يسن
الشكر الجزيل لمروركم الكريم ..
ـ[عصماء]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 12:19 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستاذتي الفاضلة الكريمة أنوار جزاك الله خيرا وزادك من فضله ...
انتفعت بذا البحث، جعله الله في ميزان حسناتك كذلك ...
ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 01:32 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي أنوار جزاك الله خيرا وزادك من فضله ...
انتفعت بذا البحث، جعله الله في ميزان حسناتك كذلك ...
وعليكم السلام والرحمة والغفران
مروركِ أسعدني أستاذتي الفاضلة:) 2 عصماء
فلكِ مني جزيل الشكر
ـ[عصماء]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 01:52 ص]ـ
وعليكم السلام والرحمة والغفران
مروركِ أسعدني أستاذتي الفاضلة:) 2 عصماء
فلكِ مني جزيل الشكر
اقتباس عجيب!!!
أنسيت الكريمة أم أنني لست كريمة؟!! ابتسامة ...
ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 09:57 ص]ـ
اقتباس عجيب!!!
أنسيت الكريمة أم أنني لست كريمة؟!! ابتسامة ...
سقط سهوا عصماء .. :) 2
ـ[السراج]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 02:51 م]ـ
بارك الله فيكِ أنوار ...
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 04:33 م]ـ
جزاكما الله خيراً.
ـ[يحيى عيسى الشبيلي]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 08:32 م]ـ
معلومة قيمة جزيتِ خيرا
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أنوار]ــــــــ[26 - 11 - 2010, 05:14 م]ـ
أساتذتي الأفاضل ..
أ/ السراج
د/ خالد الشبل
أ/ يحيى الشبيلي
لكم وافر التقدير لمروركم الكريم(/)
القواعد البلاغية ..
ـ[أنوار]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 12:42 م]ـ
1 - التشبيه
أ- تعريف التشبيه:
هو: بيان أن شيئا أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر بأداة هي الكاف أو نحوها ملفوظة أو ملحوظة.
ب- أركان التشبيه:
أركان التشبيه أربعة هي: المشبه والمشبه به ويسميان طرفا التشبيه وأداة التشبيه ووجه الشبه ويجب أن يكون أقوى وأظهر في المشبه به منه في المشبه.
كقول الشاعر:
أنت كالليث في الشجاعة والإقـ ...... ـدام والسيف في قراع الخطوب
ج- أقسام التشبيه:
1 - التشبيه المرسل وهو: ما ذكرت فيه الأداة.
نحو: وكأن أجرام النجوم لوامعا ........ درر نثرن على بساط أزرق
2 - التشبيه المؤكد وهو: ما حذفت منه الأداة.
مثل: قوله تعالى:) وهي تمر مر السحاب (
3 - " المجمل وهو: ما حذف منه وجه الشبه.
مثل: "العالم سراج أمته".
4 - " المفصل وهو: ما ذكر فيه وجه الشبه.
كقول الشاعر: أنت كالشمس في الضياء وإن جا وزت كيوان في علو المكان
5 - " البليغ وهو: ما حذفت منه الأداة ووجه الشبه.
نحو: "علي أسد"
د- تشبيه التمثيل:
يسمى التشبيه تمثيلا إذا كان وجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد، وغير تمثيل إذا لم يكن وجه الشبه كذلك.
كقول الشاعر: وكأن الهلال نُون لجين ........ غرقت في صحيفة زرقاءِ
ل- التشبيه الضمني:
هو: تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة بل يلمحان في التركيب.
وهذا النوع يؤتى به ليفيد أن الحكم الذي أسند على المشبه ممكن الوقوع.
كقول الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه .......... ما لجرح بميت إيلام
هـ- أغراض التشبيه:
أغراض التشبيه كثيرة منها:
1 - بيان إمكان المشبه، وذلك حين يسند إليه أمر مستغرب لا تزول غرابته إلا بذكر شبيه له.
كقول الشاعر:
كم من أب قد علا بابن ذرا شرف ............ كما علت برسول الله عدنان
2 - بيان حاله، وذلك حينما يكون المشبه غير معروف الصفة قبل التشبيه فيفيده التشبيه الوصف.
مثل:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ........ لدى وكرها العناب والحشف البالي
3 - بيان مقدار حاله، وذلك إذا كان المشبه معروف الصفة قبل التشبيه معرفة إجمالية وكان التشبيه يبين مقدار هذه الصفة.
كقول الشاعر:
مداد مثل خافية الغراب ............ وقرطاس كزقزاق السحاب
4 - تقرير حاله: كما إذا كان ما أسند إلى المشبه يحتاج إلى التثبيت والإيضاح بالمثال.
كقول الشاعر:
إن القلوب إذا تنافر ودها ............ مثل الزجاجة كسرها لا يجبر
5 - تزيين المشبه أو تقبيحه.
كقول الشاعر:
مدد يديك نحوهم احتفاء ......... كمدهما إليهم بالهبات
وقول آخر:
وتفتح –لا كانت- فما لو رأيته ...... توهمته بابا من النار يفتح
و- التشبيه المقلوب:
هو جعل المشبه مشبها به بادعاء أن وجه الشبه فيه أقوى وأظهر.
كقول الشاعر:
وبدا الصباح كأن غرته .......... وجه الخليفة حين يمتدح
...............
من كتاب قواعد البلاغة ..(/)
الأمثال في القرآن الكريم ..
ـ[أنوار]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 03:50 م]ـ
1 - الأمثال:
جمع مثل، والمثَلُ والمِثْلُ كالشَّبه والشّبْه والشّبيه لفظا ومعنى.
تعريفه لغة:
عبارة عن قول في شيء يشبه قولاً في شيء آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره.
المثل القرآني اصطلاحا:
نظم من التنزيل يعرض نمطا واضحا معروفا من الكائنات أو الحوادث الكونية أو التاريخية، عرضا لافتا للأنظار، ليشبه أو يقارن به سلوك بشري، أو فكرة مجردة، أو أي معنى من المعاني، بقصد التوضيح أو الإقناع أو البرهان أو التأثير، أو لمجرد الإقتداء به، أو التنفير منه والابتعاد عنه أو بقصد بيان الفارق بين أمرين متناقضين للأخذ بأحدهما والابتعاد عن الآخر أو للبرهان على صحة أحدهما، وبطلان الآخر.
والتمثيل:
هو القالب الذي يبرز المعاني في صورة حيّة تستقرُّ في الأذهان، بتشبيه الغائب بالحاضر والمعقول بالمحسوس، وقياس النظير على النظير ..
وكم من معنى جميل أكسبه التمثيل روعة وجمالا، فكان ذلك أدعى لتقبل النفس له واقتناع العقل به، وهو من أساليب القرآن الكريم في ضروب بيانه ونواحي إعجازه.
وقال تعالى: " وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون "
ويطلق المثل على الحال والقصة العجيبة الشأن، وبهذا فسر لفظ المثل في كثير من الآيات كقوله تعالى: " مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من مآء غير آسن " .. أي قصتها وصفتها التي يتعجب منها.
2 - الفرق بين المثل في الأدب والمثل في القرآن:
المثل في الأدب:
قول محكيّ سائر يقصد به تشبيه حال الذي حكي فيه بحال الذي قيل لأجله، أي يشبه ضربه بمورده مثل: (ربَّ رمية من غير رامٍ).
وأول من قال ذلك، الحكم بن عبد يغوث النقري، وكان أرمى أهل زمانه.
وعلى هذا فلابد للمثل في الأدب من مورد يشبه مضربه به.
أما المثل في القرآن الكريم:
فهو إبراز المعنى في صورة موجزة لها وقعها في النفس، سواء أكانت تشبيها أم قولا مرسلا، ومن أمثال القرآن مالم يشتمل على تشبيه ولا استعارة كقوله تعالى: " يا أيها الناس ضرب مثل ".
قال ابن القيّم رحمه الله في أمثال القرآن:
هي تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الآخر واعتبار أحدهما بالآخر.
3 - أنواع الأمثال بعامة:
1. المثل الموجز السائر: وهو إما شعبي لا تعلُّم فيه، ولا تكلف ولا تقيد بقواعد النحو، وإما كتابي، صادر عن ذوي الثقافة العالمية كالشعراء والخطباء كقولهم: كالمستجير من الرمضاء بالنار.
2. المثل القياسي: هو سرد وصفي أو قصصي أو صورة بيانية لتوضيح فكرة ما عن طريق التشبيه والتمثيل ويسميه البلاغيون التمثيل المركب أو اعتبار أحدهما بالآخر لغرض التأديب والتهذيب أو التوضيح والتصوير وهذا النوع فيه إطناب إذا قورن بسابقه ويجمع بين عمق الفكرة وجمال التصوير.
3. المثل الخرافي: وهي حكاية ذات مغزى على لسان غير الإنسان لغرض تعليمي أو فكاهي وما أشبه ذلك كقولهم: أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض.
4 - أنواع الأمثال في القرآن الكريم:
1 - الأمثال المصرّحة.
2 - الأمثال الكامنة.
3 - الأمثال المرسلة.
النوع الأول: الأمثال المصرحة:
وهي ما صرّح فيها بلفظ المثل أو ما يدل على التشبيه وهي كثيرة في القرآن .. ومنها قوله تعالى: قال الله تعالى:? مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ *صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ *أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ? (البقرة:17 - 20)
فيصور هنا حال المنافقين وأنهم بمنزلة من استوقد نارًا للإضاءة والنفع حيث انتفعوا ماديا من الدخول في الإسلام، ولكن لم يكن له أثر نوريّ في قلوبهم، فذهب الله بما في النار من الإضاءة (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) وأبقى ما فيها من الإحراق ..
النوع الثاني وهي الأمثال الكامنة:
وهي التي لم يصرح فيها بلفظ التمثيل، ولكنها تدلّ على معان رائعة في إيجاز .. يكون لها وقعها إذا نقلت إلى ما يشبهها مثل:
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - ما في معنى قولهم (خير الأمور الوسط):
(لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك)
(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولاتبسطها كل البسط)
(ولا تجهر بصلاتك ولاتخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا).
2 - ما في معنى قولهم: (من جهل شيئا عاداه)
* (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه)
* (وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم)
3 - ما في معنى قولهم: (اتق شر من أحسنت إليه).
(وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولَهُ مِنْ فَضْلِه)
4 - ما في معنى قولهم: (ليس المُخبَر كالمعاين)
(أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)
5 - ما في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟
(هَلْ آمَنُكُمْ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْل)
7 - ما في معنى قولهم: "قد وضح الصبح لذي عينين"
?الآن حَصْحَصَ الحَقّ?
8 - ما في معنى قولهم: "سبق السيف العذل"
?قُضِيَ الاََمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتيان?
النوع الثالث: الأمثال المرسلة في القرآن ..
وهي جُمَلٌ أرسلت إرسالا من غير تصريح بلفظ التشبيه؛ وهي آيات جارية مجرى الأمثال مثل قوله تعالى:
(ولاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)
مثّل سبحانه لاستحالة دخول الكافر الجنّة، بأنّهم يدخلون لو دخل الجمل في ثقب الإبرة، ففي الآية تمثيل وليس لها من لفظ المثل وحرف التشبيه أثر.
5 - آيات قرآنية تجري مجرى المثل:
· ?كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَة?
· ?لا يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها?
· ?لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّون?
· ?ما عَلى الرَّسُولِ إِلا البَلاغُ?
· ?قُلْ لا يَسْتَوي الْخَبيثُ وَالطَّيّب?
· ?لِكُلّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٍ?
· ?وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيراً لأسمعهم?
· ?ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل?
· ?أَلَيْسَ الصُّبحُ بِقَرِيب?
· ?قُلْ كُلّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه?
· ?ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداك?
· ?ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوب?
· ?كُلُّ حِزبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُون?
· ?كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَة?
· ?لَكُمْ دِينُكُمْ وََلِي دِين?
· ?هَلْ جَزاء الإحسان إِلاّ الإحسان?
6 - الفرق بين المثل والحكمة
يظهر الفرق بين المثل والحكمة في ثلاثة أمور:
أولًا: أن الحكمة عامة في الأقوال والأفعال والمثل خاص بالأقوال.
ثانيًا: أن المثل وقع فيه التشبيه والحكمة قد يقع فيها التشبيه وقد لا يقع فإذا وقع فيها التشبيه اجتمعت مع المثل وإلا اختلفت عنه.
ثالثًا: أن المقصود من المثل الاحتجاج ومن الحكمة التنبيه والإعلام والوعظ ولا يبعد أن يقال بعد ذلك إن المثل هو من الحكمة فهي تعمه وتعم غيره ومن هنا قرر الإمام أبو هلال العسكري صاحب كتاب جمهرة الأمثال أن كل حكمة سائرة تسمى مثلا.
7 - أهم من ألف في أمثال القرآن:
1 - الأمثال من الكتاب والسنة تأليف أبي عبد الله محمد بن علي ابن الحسن المعروف بالحكيم الترمذي المتوفى سنة 320 هـ.
2 - أمثال القرآن تأليف إبراهيم بن محمد بن نفطويه المتوفى سنة 323 هـ.
3 - الأمثال الكامنة في القرآن تأليف الحسن بن الفضل.
4 - الأمثال الكامنة في القرآن تأليف أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن إسحاق القضاعي.
5 - أمثال القرآن تأليف أبي علي محمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي المتوفى سنة 381 هـ.
6 - أمثال القرآن لأبي عبد الرحمن بن حسين السلمي النيسابوري المتوفى سنة 406 هـ.
7 - أمثال القرآن لأبي الحسن علي بن محمد المعروف بالماوردي الفقيه الشافعي المتوفى سنة 450 هـ.
8 - درر الأمثال لابن أبي الأصبع العدواني المتوفى سنة 654 هـ.
9 - أمثال القرآن لابن القيم المتوفى سنة 751 هـ.
10 - أمثال القرآن للأستاذ محمود بن الشريف.
.......................
1 - دراسات في علوم القرآن، ط3 - تأليف: زاهر بن عواض الألمعي.
2 - بحث .. من أسرار ابيان في أمثال القرآن، بقلم أ/ محمد إسماعيل عتوك.(/)
شواهد التشبيه في أسرار البلاغة أرجو شرحها
ـ[نسائم الخير]ــــــــ[23 - 11 - 2010, 09:43 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ارجو من أخوتي في هذا الملتقى المبارك مساعدتي في شرح هذه الشواهد وتزويدي بمظانها إن أمكن ذلك
لأني لم أجدها سوى في كتاب أسرار البلاغة , عدا البيت الاخير الذي وجدته في أكثر من كتاب.
1 - حتى حسبت الليل والصبح إذ بدا
حصانين مختالين جونا وأشقرا
2 - والصبح مثل غرة في أدهم
3 - إني وتزييني بمدحي معشرا
كمعلق درا على خنزير
البيت الاول ذكر أنه للطائي حاتم وبالفعل وجدته بديوانه
والشطر الثاني قيل أنه للمتنبي ولم أبحث عنه للتأكد
أما البيت الأخير
لابن الرومي لم أجده في ديوانه ..
ولو أمكن الموازنة بينهن وبيان دقة التركيب في التشبيه؟
وجزاكم الله عني خير الجزاء
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 11 - 2010, 07:26 م]ـ
وعليكِ السلام ورحمة الله ..
لعل كتاب غرائب التنبيهات على عجائب التشبيهات ( http://www.archive.org/details/kraeb) يفيدكِ ..
أيضا لو كان كتاب الأسرار الذي بحوزتكِ بتحقيق الشيخ محمود شاكر فلربما وضع تخريجا للبيت.
ـ[نسائم الخير]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 03:00 ص]ـ
للاسف عزيزتي
المحققين لم يعثروا على قائليها
وقد نسبوه خطأ لابن المعتز أو ابن الرومي أو المتني ولم اجدها في دواوينهم كلذلك لم يجدها من شرح الشواهد عايد الحربي في رسالته.
ووجدت أن البيت الأول هو لحاتم رغم وروده بالتحقيقات على أنه لابن المعتز والمتنبي
وكلها غير وارده لافي كتاب الغرائب ولاكتاب ابن ابي عون
ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 09:27 ص]ـ
أأنتِ بصدد الإعداد لرسالة .. بتوثيق الشواهد؟؟
لعلك تعودين للموسوعة الشعريّة، فلربما اهتديتِ.
أعانكِ الله
ـ[نسائم الخير]ــــــــ[26 - 11 - 2010, 02:54 ص]ـ
أيضا عدت للموسوعة بدون فائدة
حتى حسبت الليل والصبح
في الموسوعة ذكر أنه في الأغاني ورجعت للأغاني وليم أجده منسوبا
هذا انتهيت منه بعد وجوده بديوان حاتم الطائي في قصيده رائعة.
إني وتزييني
بحثت في ديوان ابن الرومي (ولم أعثر عليه) لأن المحقق الاسكندراني نسبه إليه
والبقيه لم ينسبوه
وهو موجود في الايضاح وعلوم البلاغة , وبغية الايضاح كما تقول الموسوعة الشعرية لكنها طبعا غير منسوبه لأحد
أما
الطامة الكبرى
فهو هذا الشطر الذي أورد الجرجاني في الاسرار:
والصبح مثل غرة في أدهم!!!!
لاأعرف صدر أم عجز
ومن شاعرها
ولا أعرف كيف اشرحها واستشف منها المعاني الداخلية
نعم اختي أنا في مرحلة الماجستير واعد بحث كبير
بارك الله بك
ـ[أنوار]ــــــــ[26 - 11 - 2010, 10:46 ص]ـ
أعانكِ الله أختي الكريمة ..
هناك رسالة ما جستير عنوانها: " الشواهد الشعريّة في كتاب أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني توثيق وتحليل بلاغي ونقدي ( http://www.hadielislam.com/arabic/index.php?pg=rasael%2Fresala&id=3796) " .
لعلكِ تحاولين الحصول عليها ..
ولا أعرف كيف اشرحها واستشف منها المعاني الداخلية
- أولا تعودين للمعاجم بحثا عما خفي معناه .. ثم العمق الدلالي لذات اللفظة وتستعينين في ذلك بمعاجم المعاني ..
النظر في بحر القصيدة .. ومن أي البحور هو؟؟ الغرض الذي كثر استخدام البحر له ..
الموقف النفسي للشاعر عند قوله للبيت، والغرض الذي من أجله قال البيت أو القصيدة التي كان منها البيت ..
باختصار الجانب التاريخي والنفسي والاجتماعي ..
أيضا هناك كتاب الدكتور محمد أبو موسى: مدخل لكتابي عبد القاهر .. لو اطلعتِ عليه ..
فلعله عرج في طيات حديثه على الأبيات وقائليها ..
أرجو أن أكون قد أفدتكِ
ـ[نسائم الخير]ــــــــ[26 - 11 - 2010, 08:29 م]ـ
حصلت على الرسالة منذ فتره ولم أجد الكثير من التحليل ,
الموقف النفسي للشاعر عند قوله للبيت، والغرض الذي من أجله قال البيت أو القصيدة التي كان منها البيت ..
باختصار الجانب التاريخي والنفسي والاجتماعي ..
وهذا أكثر ما أعتمد عليه ,لكن في البيت الاخير
لاشي يساعدني ,,
الان اوشكت على الانتهاء من الشواهد ولم يبق سوى هذا البيت
والصبح مثل غرة في أدهم
دعواتك
وجزاك الله خيرا
واشكرك من اعماق قلبي على هذه المساعدة
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 11 - 2010, 02:08 ص]ـ
العفو ..
أسأل الله لكِ التيسير(/)
من حديث: "إن الله يحب البصر النافذ ........ "
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 11 - 2010, 03:17 ص]ـ
في بعض المراسيل:
"إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند حلول الشهوات":
فصدر السياق بالمؤكد على ما اطرد مرارا من استرعاء انتباه المكلفين بالتراكيب اللفظية التي تدل على معان تثير قوى الذهن فتشحذ رجاء نيل المعلوم الذي صدر سياقه بالتوكيد.
فيحب، جل وعلا، على جهة المضارعة البصر النافذ، فذلك مئنة من تجدد الوصف بتجدد سببه، فهو من الوصف الفعلي الذي يتعلق بالمشيئة الربانية النافذة، فيحب إذا وجد سبب الحب، ويبغض إذا وجد سبب البغض، فهو، أيضا، مما علق على سببه وجودا وعدما، فيدور معه دوران الحكم مع علته، وذلك، كما تقدم في مواضع سابقة، مئنة ظاهرة من حكمة الرب، جل وعلا، البالغة، فالكون والشرع، كلاهما، على سنن محكم يجري، وحب الرب، جل وعلا، مما يشاكل حب العبد في المبنى وأصل المعنى فيقع الاشتراك بينهما من هذا الوجه، فالمشاكلة ليست لفظية من كل وجه فذلك ذريعة إلى نفي معاني الصفات برسم التعطيل أو التفويض لمعانيها التي يدركها العقل، فالتفويض إنما يصح لحقائق الصفات خصوصا، ولحقائق الغيبيات من إلهيات وسمعيات عموما، فذلك مما لا يدركه العقل والحس، فمدارك الحس الباطن والظاهر لا تدرك حقائق الغيب في الخارج وإلا بطل التكليف فقد صار الغيب: شهادة، بتكييفه في العقل، أو مشاهدة نظير له في الخارج، أو خبر صادق عنه، فتلك مصادر المعرفة عند أهل النظر، فإذا امتنعت كلها في هذا الباب، فلا يدرك العقل منه إلا المعاني الكلية المطلقة في الذهن، فلا مناص من التسليم في باب الحقائق، فلا مطمع في دركها، فهي مناط الابتلاء في قوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)، فصدر الوصف أو البدل في معرض البيان لإجمال أوصاف المتقين، بالإيمان بالغيب على جهة التعريف بالموصول فالمدح قد علق بالمعنى الذي اشتقت منه صلته التي جاءت على حد المضارعة استحضارا للصورة ومئنة من تجدد الوصف فتلك حالهم المطردة، فالكتاب الخاتم، فـ: "أل" في الكتاب: عهدية ذهنية تشير إلى كتاب بعينه هو الكتاب العزيز آخر الكتب تنزلا، بما فيه من أخبار غيبية وأحكام شرعية: هدى نكر تعظيما للمتقين خصوصا ولغيرهم عموما، بالنظر إلى معنى الهداية العامة: هداية الدلالة والإرشاد فلا يلزم من اختصاصهم بالذكر تنويها بشأنهم وتعريضا بغيرهم فغيرهم بدلالة المفهوم ليسوا بمتقين فليس بهدى لغير المتقين، لا يلزم من ذلك اختصاصهم بالحكم دون غيرهم فهداية الدلالة مبذولة لكل أحد فذلك من عموم وعالمية الحجة الرسالية الخاتمة، وهي لهم وحدهم بالنظر إلى معنى الهداية الخاصة: هداية التوفيق والإلهام، فهو هدى لأولئك المتقين الذين يؤمنون بالغيب وإن حارت عقولهم في تخريجه، فقد يظهر، بادي الرأي، محالا عقلا أو باطلا شرعا أو مئنة من فساد مقالة الوحي، فلا يزيد المنافقين إلا نفاقا فهو حقهم عقوبة، فـ: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)، فعجزت عقولهم عن فهمه لا لكونه محالا فذلك مما لا يتعلق به تكليف وإنما لفساد تصوراتهم وإراداتهم فقد انصرفوا عن عقل معاني التنزيل فكان فتنة لهم كما قد عجزت عقول العلمانيين في زماننا عن فهم كثير من نصوص الشريعة لسوء النية المبيت وفساد العقل واللسان فليس لهم من لسان العرب أو أصول الفهم نصيب فكان انحسار الإسلام في زماننا، أيضا، ابتلاء أظهر الرب، جل وعلا، به ما يعتمل في صدورهم من نفاق يحاكي نفاق أسلافهم ممن كذب بخبر الوحي وتولى عن امتثال أمره، وفي المقابل كان ذلك نعمة في حق المؤمنين بحصول كمال الإيمان والتسليم حال اشتداد الابتلاء فـ: (لَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)، فلم يزدهم الابتلاء إلا تصديقا وإيمانا، فصدق الله ورسوله على جهة الماضوية فهي مئنة من
(يُتْبَعُ)
(/)
تحقق الوصف، فصدق الله، جل وعلا، فهو العليم القدير، فمعلومه أصح معلوم برسم العصمة فلا يتصور بداهة كذب في خبر الشارع، جل وعلا، أو حيف في حكمه، كما يزعم من يزعم من أصحاب الأهواء العقلية والأذواق الوجدانية الذين عارضوا حكم الشارع، جل وعلا، بأهوائهم وأذواقهم، فعطلوا تأويله، فتأويله: امتثال أمره ونهيه في الشأن الخاص، فتأويل قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا): سد الذرائع الموصلة إليه بعدم قربانها فهي سبب رئيس في مقارفته، فحاله كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وتحكيمه في الشأن العام، فـ: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فذلك عموم في النفي فتسلط أداته على المصدر الكامن في الفعل مئنة من انتفائه، وهو مما يحتمل انتفاء أصل الإيمان، أو انتفاء كماله الواجب، فلا يرد النفي للإيمان في نصوص التنزيل إلا في معرض الوعيد بترك واجب فلا يتصور انتفاء الإيمان بانتفاء مستحب، وإلا صار عموم المكلفين متوعدين بنقص قادح في إيمانهم، فيكون العمل واجبا أو مستحبا شرط صحة في الإيمان، وذلك غلو في اعتبار العمل وقع فيه غلاة الخوارج والمعتزلة فيقابل جفاء غلاة المرجئة في إخراج العمل بالكلية من مسمى الإيمان، والصحيح التوسط بينهما فالعمل شرط لتحقق كمال الإيمان الواجب الذي يخرج صاحبه من دائرة الوعيد ابتداء، وجنسه شرط لتحقق مطلق الإيمان الذي يثبت به الحكم، فلا يتصور إيمان بلا عمل، فتخلف آحاد العمل برسم النقصان متصور فينقص الإيمان بما ترك منها، وأما تخلف جنس العمل بالكلية مع ادعاء إيمان قلبي مجرد ليس إلا صورة علمية في الذهن برسم التصديق بلا شاهد له في الخارج من قول اللسان وأعمال الجوارح، فتخلف جنس العمل على هذا الوجه مئنة من انتفاء أصل الإيمان من القلب، وكذلك الشأن في أعمال بعينها وقع الخلاف في اعتبارها شروط صحة، فلا يصح الإيمان إلا بها، كالصلاة، فهي شرط صحة في الإيمان عند جمع من السلف وهو مذهب الحنابلة، رحمهم الله، إلى يوم الناس هذا، وعليه الفتوى في الأمصار التي ذاع فيها مذهب الإمام أحمد وانتشر، كبلاد الحرمين، وقد توسط بعضهم فجعل الترك الكلي للصلاة هو الناقض لأصل الإيمان فهو مئنة ظاهرة من زوال أصل الإيمان من القلب وإن لم يزل التصور العلمي بالتصديق فذلك مما تحقق لكثير من الكافرين بل لزعيم الأبالسة والشياطين!، فكان كفره بانتفاء عمل القلب خضوعا وانقيادا، فترك الصلاة مئنة ظاهرة من انتفاء خضوع القلب وانقياده، فمعنى الإباء والاستكبار في حقه ظاهر وكذلك الشأن في حق من ترك تحكيم الوحي في النوازل الخاصة والعامة فعطل الشرع تعطيلا عاما بل استبدل به الذي هو أدنى من نحاتة الأذهان البشرية!، فـ: (مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، وذلك مما يحسن فيه إطلاق الحكم الذي يدور مع الوصف الجالب له وجودا وعدما فلا يحسن التعيين في حق آحاد المكلفين فليس تحقيق مناط الأحكام إلا للراسخين من أولي العلم فعندهم من العلم ما يلتمسون به الأعذار والموانع، وإن لم يمتنع عندهم الحكم على المعين متى استبان كفره الصريح وأقيمت عليه الحجة الرسالية فانتفت في حقه الموانع، وذلك، كما تقدم، أمر يعسر على عموم المكلفين بل على كثير من خواصهم فلا يحسن الكلام فيه إلا من أوتي علما ورحمة فينظر بعين القدر الراحم، وعين الشرع الحاكم، فلا يجنح إلى أحدهما دون الآخر، وقد ينتفي أصل الإيمان بفعل لا بترك، فكما ينتفي أصله بترك بعض الأعمال كالترك الكلي للصلاة وتبديل الشرائع المنزلة فذلك ترك لها برسم التعطيل، ينتفي، أيضا، بفعل بعض الأعمال كموالاة الكفار الأصليين في عدوانهم على المؤمنين فيظاهرهم على أهل الإيمان برسم التآمر والخذلان للمؤمن بإسلامه إلى الكافر سواء أكان ذلك التآمر عاما كما يقع في الحروب التي تستباح فيها أمصار بأكملها، أم خاصا كما يقع من صور الخذلان لآحاد المؤمنين بإسلامهم إلى الكفار الأصليين ليفتنوهم في دينهم!، فنواقض الإيمان لا تقتصر على النواقض القلبية
(يُتْبَعُ)
(/)
فقط، بل منها نواقض لسانية وأخرى عملية وبينها، عند التدبر والنظر، رباط وثيق فلا ينفك ناقض السخرية والاستهزاء بأحكام الشريعة وأهلها، فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)، لا ينفك، على سبيل المثال، وهو ناقض قولي عن ناقض قلبي بانتفاء تعظيم الشرع، ففساد القلب قد ظهرت آثاره على اللسان.
ففساد أصحاب المعاصي القادحة في كمال الإيمان الواجب أو أصله الجامع، فسادهم بمعارضة حكم الشارع، جل وعلا، بأهوائهم وأذواقهم، فسادهم: في العمل أظهر، في مقابل فساد من كذب خبر الشارع، جل وعلا، أو عارضه بقياس عقله برسم التعطيل لمعناه أو التحريف له برسم التأويل بصرفه إلى وجوه بعيدة مهجورة في اللسان العربي، أو محالة لا عهد للشرع أو العقل أو اللسان بها فليست من حقيقة اللفظ أو لوازمه ولو بعيدة لا عهد لأكثر الناس بها، ففساد من تلك حاله: في العلم أظهر، فمعارضة التنزيل ذريعة إلى فساد القول والعمل، ولا ينفك الفساد العلمي، كما تقدم مرارا، عن فساد عملي في الخارج يشهد له، فالظاهر شاهد بصحة أو فساد الباطن الذي يصدر عنه، فمبعث الفعل الظاهر إرادة باطنة، ومنشأ الإرادة في القلب برسم النية الجازمة: تصور علمي هو أول أطوار الفعل، فعلم يولد إرادة، فإرادة تبعث الظاهر، فتتحرك الجوارح إذا انتفت الموانع بما يشهد للباطن بعلومه وإراداته، فتصور الانفكاك بين تلك المعاني المتلازمة أمر لا يتصور في الخارج فغايته أن يجرد في الذهن على جهة التصور العلمي المحض.
والمؤمن المسدد هو الذي يعتبر ما اعتبر الشارع جل وعلا، ويلغى ما ألغاه، ويرسل ما أرسله فهو من قبيل المصالح المرسلة التي تتردد الأنظار فيها اعتبارا وإلغاء بقدر ملاءمتها لقواعد الشريعة الجامعة فكلياتها تعم بمعناها ما لا يحصى من الصور ففي نصوص الوحي غنية عن القياس المعارض لها، فـ: "إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما هو عام الرسالة إلى كل مكلف فرسالته عامة في كل شيء من الدين أصوله وفروعه ودقيقه وجليله فكما لا يخرج أحد عن رسالته فكذلك لا يخرج حكم تحتاج إليه الأمة عنها وعن بيانه له". اهـ
بتصرف يسير من: "إعلام الموقعين"، (1/ 350).
فالنصوص تشمل جميع الصور بدلالتها الحقيقية فهي نص في محل النزاع، أو بدلالتها الإضافية، كما أشار إلى ذلك ابن القيم، رحمه الله، بقوله:
"إن دلالة النصوص نوعان: حقيقية وإضافية، فالحقيقية: تابعة لقصد المتكلم وإرادته وهذه الدلالة لا تختلف، والإضافية تابعة لفهم السامع وإدراكه وجودة فكره وقريحته وصفاء ذهنه ومعرفته بالألفاظ ومراتبها وهذه الدلالة تختلف اختلافا متباينا بحسب تباين السامعين في ذلك". اهـ
بتصرف من: "إعلام الموقعين"، (1/ 350).
فاللفظ يعم بمعناه الذي يدل عليه أفرادا بعضها يدخل تحته مباشرة فهو مما يدل عليه دلالة معجمية مباشرة، كالخمر فهي تدل على الخمر المعهودة دلالة لفظية مباشرة، وبعض آخر يدخل تحته دخولا غير مباشر، فيدل على المسكرات الحادثة دلالة معنوية أو إضافية غير مباشرة، فمعنى الإسكار الذي تعلق به الاسم، الذي تعلق عليه حكم التحريم، ذلك المعنى متحقق في كلها، وذلك مما قد يشهد لمن توسع في قياس اللغة، فجعل النصوص دالة بألفاظها على أحكام الفروع الحادثة دون حاجة إلى القياس الشرعي الذي تلحق فيه الفروع بأصولها لمعنى جامع بينها، فلا يدل اللفظ بنفسه على جميع الأفراد الداخلة في حد الحكم بل يدل على بعضها بدلالة الوضع المعجمي ويدل على بعضها بدلالة القياس العقلي، والخلاف يسير بالنظر إلى ما تقدم من دلالة النصوص على الأحكام دلالة حقيقية هي الدلالة الوضعية ودلالة إضافية هي الدلالة القياسية.
والشاهد: أنه، جل وعلا، يحب البصر النافذ، فنفاذ البصر مما تخترق به حجب الشبهات العلمية فتسلم قوى العبد العلمية، وذلك شطر النجاة الأول.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويحب العقل الكامل، فأطنب بتكرار العامل، وحصل بالجناس على جهة السجع بين: "البصر النافذ"، و: "العقل الكامل"، نوع تحسين للفظ لا تكلف فيه فهو تابع للمعنى.
فالمعنى الذي يحسن تعلقه بالبصر العلمي الذي يرى بنور الوحي فلا يصدر إلا عن خبره ولا يستعمل إلا قياسه، المعنى الذي يحسن تعلقه به هو النفاذ، فقياسه صريح يعضده ويزكيه النقل الصحيح، فيجتمع لصاحبه ركنا الاستدلال فـ: نقل صحيح فالمصدر العلمي محقق برسم النقل المسند، فثبتت صحته برسم التواتر العام أو التواتر الخاص، أو القرائن المحتفة بأخبار الآحاد التي تلقتها الأمة بالقبول، وعقل صريح يسير على منهاج النبوة في تقرير الحجج العقلية بأوجز عبارة فلا يطيل في المقدمات الضرورية، وإنما يذكر منها ما تمس الحاجة إليه للتوصل إلى المطلوب، ويحذف ما دل المذكور عليه فذلك من البيان الحسن بإيجاز غير مخل، بل الكمال في حذف ما لا ضرورة لذكره لكونه بدهيا معلوما بالضرورة، أو معلوما، كما تقدم، بدلالة المذكور عليه.
والمعنى الذي يحسن تعلقه بالعقل هو الكمال، فالعقل قوة غريزية يحسن بداهة اكتمالها، فاكتمال قوى المكلف المعقولة والمحسوسة مما يمدح به بنو آدم، وكمال العقل، ولا يكون ذلك إلا بمدد الوحي، هو اللجام لما يطرأ على الذهن من إرادات فاسدة هي الذريعة إلى مقارفة الشهوات الجامحة فالوحي يعصم التصورات والإرادات الباطنة والأقوال والأعمال الظاهرة، وذلك جار على ما تقدم مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن علما وإرادة والظاهر تأويلا بالقول والفعل.
فيحب، جل وعلا، العقل الكامل عند حلول الشهوات فاكتملت القسمة العقلية، فبصر يصد غارة الشبهة العلمية، وعقل يصد غارة الشهوة العملية فتكتمل أركان القوى الفاعلة: علما باطنا وعملا ظاهرا.
فعلم الباطن: يقين بالخبر، وعمل الظاهر: صبر على تأويل حكم الوحي بامتثال أمره ونهيه، فتلك حال المتقين، فـ: "في صفة الإمام أحمد رحمه الله: عن الدنيا ما كان أصبره وبالماضين ما كان أشبهه أتته البدع فنفاها والدنيا فأباها، وهذه حال أئمة المتقين الذين وصفهم الله في كتابه بقوله: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) فبالصبر تترك الشهوات وباليقين تدفع الشبهات قال تعالى: (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، وقوله تعالى: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) ". اهـ
بتصرف يسير من: "إعلام الموقعين"، (1/ 136).
والله أعلى وأعلم.
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 11 - 2010, 09:13 م]ـ
بارك الله بكم وبعلمكم أستاذنا الكريم ..
موضوع قيّم مفيد، جعله الله في موازين أعمالكم.(/)
طلب مساعدة
ـ[شاعرة البنيان]ــــــــ[24 - 11 - 2010, 08:07 م]ـ
أرجو من إداريي وأعضاء شبكة الفصيح
مساعدتي في إيجاد مواضع التشبيهات في سورة الأنبياء
وشرح هذه التشبيهات ولكم جزيل الشكر
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 11 - 2010, 09:06 م]ـ
لعلكِ تعودين لتفاسير كتاب الله، خاصة كتاب التحرير والتنوير للطاهر عاشور ..
موفقة
ـ[شاعرة البنيان]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 11:26 م]ـ
جزاك الله خيرا أختي(/)
" الصورة " في التراث البلاغي ..
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 11 - 2010, 10:35 م]ـ
طغى مصطلح " الصورة " بمعناه الأعجمي المحدَث على معناه العربي القديم في دراستنا الحديثة، حتى تضاءل هذا المصطلح القديم في بعض الكتابات، وصار خاصًا بألوان البيان.
والواقع أن هذا المصطلح البلاغي له دلالة دقيقة في إطلاقات القدماء. وهو بإيجاز شديد .. ما يدركه المتأمل في المعاني من فوارق دقيقة وشفيفة بين هيآتها وأشكالها، وشياتها، وملامحها. أشياء كثيرة غامضة يفترق بها المعنى في الذهن عن المعنى، وتكون له في النفس بها هيأة لا تكون لغيره، وهذا ما سماه العلماء " الصورة ".
وقد نبَّه البلاغيون إلى أن لفظ الصورة بهذا المعنى مقتَبسٌ من المبصرات على وجه التمثيل والقياس.
وذلك لأن الفروق القائمة بين المرئيات ترجع إلى أحوال في صورها، تفرِّق بها العين بين إنسان وإنسان، وفرس وفرس، وسِوارٍ وسوار ....... إلى آخر ما قالوا.
وتعبير العلماء عن هذه الشِّيات، والنمنمات الدقيقة التي تتمايز بها ضروب المعاني، فيه ما فيها من دقة يحتاج معها إلى فضل نظر، حتى يُستخلص منه المراد. وتراهم يقولون .. هيأة الكلام .. وطبعه .. وسمته ونهجه .. ويريدون حالته التي كان عليها في نفس قائِلِه ومتذوِّقِه.
والجملة في ذلك كالفقرة والخطبة، والبيت كالقطعة والقصيدة .. كلٌ له سمت كسمت الوجوه، ونهج كنهج السُبُل، يعرفه أهل العلم معرفةً لا تلتبس.
وكما أن لكل معنى هيأة وسمتًا في الجملة والبيت والقطعة والقصيدة، صار بالضرورة لكل شعر شاعر هيأة وسمتُ ملامحٍ، يتميّز بها عن غيره ولا يلتبس.
فلكل شاعر نهج يتكون من هيآت معانيه وأحوالها .. مثال ذلك:
قالوا: مرَّ جرير على ذي الرمة وهو ينشد قصيدته:
نَبَتْ عَيْنَاكَ عن طلَلٍ بِحُزْوى ........... عَفَتْهُ الرِّيحُ وامْتَنَحَ القطارا
فقال له جرير: ألا أُنجدكَ بأبيات تزيد فيها؟ قال: نعم.
فقال جرير:
يَعُد الناسبونَ بني تميم ............ بيوت المجدِ أربعة كبارا
يَعدون الرباب وآل تيم ............ وسعدا ثم حنطلة الخيارا
ويذهب بينها المرئيُّ لغوًا .......... كما ألغيت في الدية الحوارا
فوضعها ذو الرمة في قصيدته، ثم مرّ به الفرزدق فسأله عمّا أحدث من الشعر، فأنشده القصيدة، فلمّا بلغ هذه الأبيات، قال الفرزدق: ليس هذا من بحرك، مضيفها أشد لحيين منك.
قال أهل العلم:
فاستدركها بطبعه، وفطن لها بلطف ذهنه، والذي أدركه الفرزدق بطبعه، وفطن له بلطف ذهنه هو الفرق الذي لا يلتبس على مثله بين هيأة، وسمت، وطبع، أو صورة هذه الأبيات وما دخلت فيه.
وقد ذكر أهل العلم أن إدراك البينوية بين صور كلام وكلام لا يعين فقط على تمييز بيت أو بيتين اندسا في شعر شاعر آخر.
وإنما ذكروا أنه لو رمى حاذق بكلمة في شعر شاعر كامرئ القيس، لفطن لها أهل العلم؛ لأنها تدخل في كلامه دخول الغريب، وتُرى فيه مستوحشة، غير متمكنة ولا مأنوسة.
وإدراك ذلك بالنسبة لنا قد يكون ممكنًا، وإن كان طريقه شاقا؛ لأنه يحتاج إلى طول النظر في كلمات الشاعر ومعرفة مذهبه في الاختيار، وهذا شاقٌ ومُلبس. ثم طول النظر في جُمله، وطرائق تركيبها، ونسجها، والمذهب في ذلك متسع جدا، ثم طرائق وصل جُمله، ومدى إتقانه فن دمج بعضها مع بعض، وتولد بعضها من بعض، ثم طرائق وصل فقره، وجمع معانيه. وإدخال أواخر هذه في أوائل تلك، وكيف يحتال بدهاء فنه فيحسن ذلك، حتى يجعل الأول مهادا للثاني، ووطاء له.
ويمكننا بعد ذلك أن نتلمس ملامح هذه الهيئات والصور، وأن نصفها وصفا دقيقا فيه حذر، ودقة، ومعاناة، وحذق .. وسوف يفتح ذلك لنا آفاقًا في بحث لغة كل شاعر من جهات لاتزال مغلقة على كثير من الأسرار، وهذا كله يمكن أن نسميه خصائص لغة الشاعر. التي ينماز بها عن غيره.
.....................................
من كتاب:
دراسة في البلاغة والشعر، للدكتور محمد محمد أبو موسى.
لربما أتممتُ المقال إن يسّر الله.
ـ[السراج]ــــــــ[26 - 11 - 2010, 09:13 م]ـ
ننتظر التتمة أنوار ..
دراسة فريدة.
(يُتْبَعُ)
(/)
لذلك نجد ارتباط أسماء بعض رواة الشعر العربي بقضية الانتحال. وحقاً أن الشِعر - كما الصورة - يدلّ بمكوناته الحسّية والمعنوية على شخصية القائل.
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 11 - 2010, 01:59 ص]ـ
أستاذنا السراج ..
وافر تقديري لمروركم الكريم
لعله لا يكون في عالم الشعر أن تقترب لغة شاعر من آخر، وهذا ما دهاهم للقول بمصطلح السرقات الشعرية، وقد رفض بعض النقاد هذا المسمى كابن قتيبة؛ الذي رفض إطلاق هذا الاسم على الشعراء الإسلاميين مستبدلا إياها بلفظتي .. الأخذ والاتباع.
ـ[أنوار]ــــــــ[02 - 12 - 2010, 09:19 م]ـ
يتبع
وإذا أردنا أن نحقق المسألة تحقيقًا يعود بها إلى جذورها،
وجدنا ذلك الأمر اللُّغوي مردودًا إلى أمر آخر هو انبثاق المعاني وانبعاثها في النفوس، وإنما تكون على هيئات خاصة، وصور خاصة، تتكاثر وتستفيض وتزخر كل نفس بما تزخر به منه،
وهي مع هذه الكثرة، وهذا الفيض، تتباعد أو تتقارب، وتتشابه أو تتباين، ولكنها لا تتطابق أبدًا.
وما قام معنى واحد على هيأة واحدة في نفسين مختلفتين من نفوس البشر من يوم أن نفخ الله في طينة آدم
إلى يومنا هذا، وإلى يوم أن يرث الله الأرض. ولا تجد معنى واحدًا مما سماه العلماء " صورة "
يتكرر قيامه في نفس واحدة.
والمعاني التي نتكلم عنها هنا غير التي ذكرها أهل العلم في باب إغارة الشعراء بعضهم على بعض،
وأخذ بعضهم من بعض؛ لأنهم أرادوا أصل المعنى المخترع، أما هيئاته وصوره فلا توجد إلا في معنى اللفظ الذي نطق به الشاعر.
والمهم هنا هو أن التباين القائم لا محالة بين صور المعاني المتولِّدة من الألفاظ،
هو نفسه التباين القائم بين صور المعاني المتولِّدة في القلوب؛
لأن بنية الكلام في جوهرها بِنية خواطر وأفكار ومعان،
واللغة في الفؤاد، وليست في اللسان، والبلاغة بلاغة القلوب وليست بلاغة الأشداق ...
وأحوال اللغة وخصائص بلاغتها هي أحوال الإنسان، الذي أضمر نفسه وقلبه وعقله وجوهره في هذا الكلم الذي علمه الله إياه.
ولا تظن أننا في شيء من ذلك .. نتجاوز سبيل ما قاله سلفنا لأنهم ذكروا ما هو أبين، فقد ذكر عبد القاهر الرابطة بين قوانين نحو العربية، وطبائع الأقوام الذين رققوها وصقلوها، وأن ما يوجب النحاة تقديمه، إنما هو منتزع من مغارسه في فطرة العرب وسليقتهم حيث لا يكون فيها إلا مقدَّما،
وقوانين النحو في جوهرها قوانين ذهنية، وعادات عقلية، تصف مزاج الأمة وطرائق تناولها ..(/)
من روائع الاستعارة في القرآن الكريم
ـ[العبد اللطيف]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 09:26 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من روائع الاستعارة في القرآن الكريم
قال - تعالى -: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ) (يّس: 37)
استعير في الآية الكريمة: " السلخ " وهو كشط الجلد عن الشاة ونحوها لإزالة ضوء النهار عن الكون قليلاً قليلاً، بجامع ما يترتب على كل منهما من ظهور شيء كان خافياً، فبكشط الجلد يظهر لحم الشاة، وبغروب الشمس تظهر الظلمة التي هي الأصل والنور طاريء عليها، يسترها بضوئه. و هذا التعبير الفني يسميه علماء البلاغة " الاستعارة التصريحية التبعية ".
استعارة رائعة وجملية، إنها بنظمها الفريد وبإيحائها وظلها وجرسها قد رسمت منظر بديعاً للضوء وهو ينحسر عن الكون قليلاً قليلاً وللظلام وهو يدب إليه في بطء.
إنها قد خلعت على الضوء والظلام الحياة، حتى صارا كأنهما جيشان يقتتلان، قد أنهزم أحدهما فولى هارباً، وترك مكانه للآخر.
تأمل اللفظة المستعارة وهي " نسلخ " إن هذه الكلمة هي التي قد استقلت بالتصوير والتعبير داخل نظم الآية المعجز فهل يصلح مكانها غيرها؟
قال - تعالى -: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) (التكوير: 18) استعير في الآية الكريمة خروج النفس شيئاً فشيئاً لخروج النور من المشرق عند انشقاق الفجر قليلاً قليلاً بمعنى النفس، تنفس بمعنى خرج النور من المشرق عند انشقاق الفجر.
استعارة قد بلغت من الحسن أقصاه، وتربعت على عرش الجمال بنظمها الفريد، إنها قد خلعت على الصبح الحياة حتى لقد صار كائنا حيا يتنفس، بل إنساناً ذا عواطف وخلجات نفسية، تشرق الحياة بإشراق من ثغره المنفرج عن ابتسامة وديعة، وهو يتنفس بهدوء، فتتنفس معه الحياة، ويدب النشاط في الأحياء على وجه الأرض والسماء، أرأيت أعجب من هذا التصوير، ولا أمتع من هذا التعبير؟ ثم تأمل اللفظة المستعارة وهي " تنفس " أنها بصوتها الجميل وظلها الظليل، وجرسها الساحر قد رسمت هذه الصورة البديعة في إطار نظم الآية المعجزة، فهل من ألفاظ اللغة العربية على كثرتها يؤدي ما أدته، ويصور ما صورته؟
قال - تعالى -: (إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) (الحاقة: 11).
استعير في الآية الكريمة " الطغيان " للأكثر الماء بجامع الخروج عن حد الاعتدال والاستعارة المفرط في كل منها. ثم اشتق من الطغيان: " طغى " بمعنى كثر.
استعارة فريدة لا توجد في غير القرآن إنها تصور لك الماء إذا كثر وفار واضطرب بالطاغية الذي جاوز حده، وأفرط في استعلائه. أرأيت أعجب من هذا التصوير الذي يخلع على الماء صفات الإنسان الآدمي؟ ثم تأمل اللفظة المستعارة " طغى " إنها بصوتها وظلها وجرسها إيحائها قد استقلت برسم هذه الصورة الساحرة في إطار نظم الآية المعجز.
قال - تعالى -: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر: 94).
استعير في الآية الكريمة: " الصدع " وهو كسر الزجاج للتبليغ بجامع التأثير في كل منهما أما في التبليغ فلأن المبلغ قد أثر في الأمور المبلغة ببيانها بحيث لا تعود إلى حالتها الأولى من الخفاء، وأما في الكسر فلأن فيه تأثير لا يعود المكسور معه إلى الإلتئامه.
ثم اشتق من الصدع معنى التبليغ اصدع بمعنى بلغ، استعارة رائعة وجميلة إنها تبرز لك ما أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صورة مادة يشق بها ويصدع. إنها تتبرز لك المعنى المعقول في صورة حسية متحركة كأنها كأنك تراها بعينك وتلمسها بيدك. تأمل اللفظة المستعارة " اصدع " إنها بصورتها وجرسها وإيحائها قد استقلت برسم هذه الصورة الفردية المؤثرة إذ أن من يقرأها يخيل إليها أنه يسمع حركة هذه المادة المصدوعة تخيل لو استبدلت كلمة " اصدع " بكلمة " بلغ" ألا تحس أن عنصر التأثير قد تضاءل وأن الصورة الحية المتحركة قد اختفت وأن المعنى قد أصبح شاحباً باهتاً؟ إن اللفظة المستعارة هي التي رسمت هذه الصورة في إطار نظم الآية المعجزة.
قال - تعالى -: (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً) (الكهف: 99). استعير في الآية الكريمة الموج " حركة الماء" للدفع الشديد بجامع سرعة الاضطراب وتتابعه في الكثرة ثم اشتق من الموج بمعنى الدفع الشديد" يموج " بمعنى يدفع بشدة.
إن هذه الاستعارة القرآنية الرائعة تصور للخيال هذا الجمع الحاشد من الناس احتشاداً لا تدرك العين مداه حتى صار هذا الحشد الزاخر كبحر ترى العين منه ما تراه من البحر الزاخر من حركة وتموج واضطراب. تأمل اللفظة المستعارة أنها في إطار نظم الآية المعجزة قد استقلت برسم هذا المشهد الفريد بصوتها وجرسها وإيحائها.
قال - تعالى -: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (ابراهيم: 1).
استعير في الآية الكريمة الظلمات للضلال بجامع عدم الاهتداء في كل منها .. واستعير النور بجامع الاهتداء في كل منها. وهذا المسلك الأدبي يسميه علماء البلاغة " الاستعارة التصريحة الأصلية ". هذه الاستعارة الفردية تجعل الهدى والضلال يستحيلان نوراً وظلمة. إنها تبرز المعاني المعقولة الخفية في صورة محسوسة، حية متحركة كأن العين تراها واليد تلمسها.
تأمل كلمة " الظلمات " إنها تصور لك بظلامها الضلال ليلاً دامساً يطمس معالم الطريق أمام الضلال فلا يهتدي إلى الحق ثم تأمل الدقة القرآنية في جمع " الظلمات " أنه يصور لك إلى أي مدى ينبهم الطريق أمام الضلال فلا يهتدون إلى الحق وسط هذا الظلام المتراكم.
ثم تأمل كلمة " النور " أنها بنورها تصور لك الهداية مصباحاً منيراً ينير جوانب العقل والقلب ويوضح معالم الطريق أمام المهتدي فيصل في سهولة ويسر إلى الحق فينتفع به فيطمئن قلبه وتسكن نفسه ويحظى بالسعادة في دنياه وأخراه.(/)
أتمنى المساعدة
ـ[ليال 2009]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 08:41 م]ـ
السلام عليكم يا أعضاء الفصيح.
أتمنى منكم إفادتي في نوع التشبيه في هذا البيت لابن الرومي وهو:
كأنَّ الفتى نصبَ الليالي بنية ٌ بمصطفق من موج بحر وملتطم
تقاذف عنها موجة بعد موجة إلى موجة تأتي ذراها من الدعم
كذلك الفتى نصب الليالي يمرها إلى ليلة ترمي به إلى سالف الأمم
وشكراًلكم
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 09:07 م]ـ
أرى ـ والله أعلم ـ أنهُ تشبيه مركب ـ تمثيلي ـ
لأنّ كِلا المُشبه والمشبه به مشهد حيّ عبارة عن مجموعة من الصور العديدة, فهو ينأى عن البساطة مما يجعلهُ مُركبا.
المشبه (الفتى وهو مُثقل بالهموم يحيا ليله ساهرا)
المشبه به (الموج المتلاطم الذي يصفق الشخص فتتقاذفه الأمواج المتتالية المتعاقبة)
أتمنى أن أكون قد مددتُ لكِ يد العون أختي الكريمة
تحيتي
ـ[ليال 2009]ــــــــ[26 - 11 - 2010, 03:22 ص]ـ
شكراً لك وجزاك الله ألف خير, لكنني فهمت التشبيه بشكل آخر فقد حسبته:
أ ن ابن الرومي شبه الفتى بالبناء الذي تلطمه أمواج البحر .. ألا يكون كذلك؟؟(/)
ما هي الأغراض البلاغية في القصيدة؟
ـ[أحلام محطمة]ــــــــ[28 - 11 - 2010, 07:04 م]ـ
ألؤلؤٌ دمعُ هذا الغيثِ أم نقطُ ما كان أحْسَنَهُ لو كان يُلتَقَطُ
بينَ السّحابِ وبينَ الريحِ ملحمة ٌ قعاقعٌ وظبى ً في الجوِّ تخترطُ
كأنّهُ ساِخطٌ يَرضى على عَجَلٍ فما يدومُ رضى ً منه ولا سخط
أهْدى الرّبيعُ إلينا روضة ً أُنُفاً كما تنفّسَ عن كافورهِ السَفط
غمائمٌ في نواحي الجوَّ عاكفَة ٌ جَعْدٌ تَحَدَّرَ منها وابلٌ سَبِط
كأنّ تهتانها في كلِّ ناحية ٍ مَدٌّ من البحرِ يعلو ثم ينهبط
والبَرْق يَظهرُ في لألاءِ غرَّتِهِ قاضٍ من المُزْنِ في أحكامه شَطط
وللجَديَدينِ من طُولٍ ومن قِصَرٍ حبلانِ منقبضٌ عنّا ومنبسط
والأرْضُ تبسُطُ في الثرى وَرَقاً كما تنشَّرُ في حافاتها البسطُ
والرّيحُ تَبعَثُ أنفاساً مُعَطَّرَة ً مثلَ العبيرِ بماءِ الوَرد يختلِط
كأنّما هي أنفاسُ المعزِّ سرتْ لا شُبْهَة ٌ للنّدى فِيهَا ولا غَلَط
تاللهِ لو كانت الأنواء تشبهه ما مَرَّ بُؤسٌ على الدّنْيا ولا قَنَط
شَقّ الزمانُ لنا عن نورِ غُرّتِهِ عن دولة ٍ ما بها وهنٌ ولا سقط
حتّى تسلَّطَ منهُ في الورى ملكٌ زينتْ بدولتهِ الأملاك والسُّلط
يختطُّ فوق النُّجوم الزُّهرِ منزلة ً لم يدنُ منها ولم يقرنْ بها الخططْ
إمامُ عدلٍ وفى في كلِّ ناحية ٍ كما قضَوْا في الإمامِ العدلِ واشترطوا
قد بانَ بالفضلِ عن ماضٍ ومؤتَنِفٍ كالعِقدِ عن طرَفَيْه يفضُلُ الوسَط
لا يغتدي فرحاً بالمالِ يجمعهُ و لا يبيتُ بدنيا وهو مغتبط
لكنّهُ ضدُّ ما ظنَّ الحسودُ بهِ وفوقَ ما ينتهي غالٍ ومنبِسط
يزري بفيض بحارِ الأرض لو جمعتْ بنان راحتهِ المُغلَولِبُ الخَمِط
ـ[السراج]ــــــــ[28 - 11 - 2010, 09:11 م]ـ
الشاعر - ابن هانئ الأندلسي - تخلّص من مقدمة الوصف (كما في بداية القصيدة) إلى المدح.
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 11 - 2010, 10:43 م]ـ
ما هي الأغراض البلاغية في القصيدة؟
لكِ من الله سلاما ,,
أختاه .. أتيتِ بدرّة ما تركت من جمال البلاغة شيء .. !!
وبلاغتها ناطقة عنها بها ..
فلله هذه القصيدة إن هجرت .. !!
ولله هذه القصيدة إن خُفيت بلاغتها ورونقها على قارئ ..
لكِ الشكر أيتها الأحلام الطموحة
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 11 - 2010, 10:46 م]ـ
الشاعر - ابن هانئ الأندلسي - تخلّص من مقدمة الوصف (كما في بداية القصيدة) إلى المدح.
بوركت أستاذنا السراج ..
ـ[أحلام محطمة]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 02:36 ص]ـ
لقد ساعدني كتاب البيان والتبين في شرح ديوان ابن هانئ
على فهم بعض معانيها ولكن لم يساعدني حقا في معرفة جميع أساليب البلاغه
إذ لم أفهم المقصود من بعض الأبيات بالرغم من بحثي في المعاجم عن معانيها وأرجو المساعدة
وأشكر كل من رد على موضوعي
ـ[السراج]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 07:58 ص]ـ
ما تلك الأبيات التي احتجتِ لفهمها .. ؟
ـ[أحلام محطمة]ــــــــ[02 - 12 - 2010, 08:59 ص]ـ
صباح الخير ..
الأبيات التي لم أفهمها هي
عندما ذكر
كأنّما هي أنفاسُ المعزِّ سرتْ لا شُبْهَة ٌ للنّدى فِيهَا ولا غَلَط
هو شبه أنفاس المعز بالروضة كما أن أنفاس الروضة تأتي بطيب العبيروالورد كذلك أنفاس المعز تأتي بطيب رائحة الجود لاشبه في كونها فائحة بالندى ماقصده عندما قال
لا شُبْهَة ٌ للنّدى فِيهَا
ولا غَلَط أي غلط يقصد وكيف لاشبه في كونها فائحة بالندى
وقوله:
شَقّ الزمانُ لنا عن نورِ غُرّتِهِ عن دولة ٍ ما بها وهنٌ ولا سقط
حتّى تسلَّطَ منهُ في الورى ملكٌ زينتْ بدولتهِ الأملاك والسُّلط
لم أستطع فهم المعنى أي شرح البيتين
السقط الفضيحة وهو أيضا الخطأ في الحساب و الكتابة والقول
والسلط جمع سلطه وهي القدرة والملك
يختطُّ فوق النُّجوم الزُّهرِ منزلة ً لم يدنُ منها ولم يقرنْ بها الخططْ
إمامُ عدلٍ وفى في كلِّ ناحية ٍ كما قضَوْا في الإمامِ العدلِ واشترطوا
قد بانَ بالفضلِ عن ماضٍ ومؤتَنِفٍ كالعِقدِ عن طرَفَيْه يفضُلُ الوسَط
.....
لا يغتدي فرحاً بالمالِ يجمعهُ و لا يبيتُ بدنيا وهو مغتبط
لكنّهُ ضدُّ ما ظنَّ الحسودُ بهِ وفوقَ ما ينتهي غالٍ ومنبِسط
عدوه يظن حسدا أنه يقضي ليله ونهاره مسرورا يتحصيل الدنيا وجمع حطامها ووليه يبالغ في مدحه
وينبسط فيه ولكنه على خلاف ظن العدو الحاسد وفوق الحد الذي ينتهي إليه الولي المبالغ
هذا كان شرحه لكن كيف فأنا لم أفهم الأبيات التي قبلها وأشكل علي فهم هاذين البيتين ومالمعنى من
وفوقَ ما ينتهي غالٍ ومنبِسط
و
لا يغتدي فرحاً بالمالِ يجمعهُ و لا يبيتُ بدنيا وهو مغتبط
المغتبط أي أنه في نعيم وسرور (حسن الحال) كما فهمت من المعاجم
ـ[أحلام محطمة]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 07:48 ص]ـ
هل ساعدتموني في شرحها كي أستطيع استخراج الأساليب البلاغية فيها!!!
ـ[أنوار]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 09:29 ص]ـ
ما شاء الله أخت أحلام .. أنت تمتلكين مفاتيح القصيدة بل ومعانيها ..
كأنّما هي أنفاسُ المعزِّ سرتْ لا شُبْهَة ٌ للنّدى فِيهَا ولا غَلَط
هو شبه أنفاس المعز بالروضة كما أن أنفاس الروضة تأتي بطيب العبيروالورد كذلك أنفاس المعز تأتي بطيب رائحة الجود لاشبه في كونها فائحة بالندى ماقصده عندما قال
قد يلمح بالمعنى الأخير للخصال المحمودة في الممدوح حتى لم تَشُبْها شائبة أو تخالطها.
وكما قال أستاذنا السراج في هذا البيت:
تخلّص من مقدمة الوصف (كما في بداية القصيدة) إلى المدح، بأسلوب بديع إذ مازج بين وصف الطبيعة وصفات الممدوح.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحلام محطمة]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 07:15 م]ـ
أريد مساعدتكم فأنا أريد استخراج التشبيهات والاستعارت والطباق والمقابلة وإلى الأن لم أفهم بعض الأبيات بالإضافه لا أعرف كيف أستخرج الطباق وهل يوجد طباق في الأبيات أم لا
يوجد ثشبيهات لكن لا أعرف إذا وجد أغراض أخرى!!!
أتمنى منكم المساعدة ...
ـ[أحلام محطمة]ــــــــ[05 - 12 - 2010, 09:52 ص]ـ
صباح الخير ....
هل القصيدة تحتوي على صور بلاغية غير التشبيه أم لا وما هي إن وجدت؟؟؟!!
ـ[أحلام محطمة]ــــــــ[05 - 12 - 2010, 12:20 م]ـ
أرجو مساعدتي .....
ـ[السراج]ــــــــ[05 - 12 - 2010, 12:46 م]ـ
صباح الخير ....
هل القصيدة تحتوي على صور بلاغية غير التشبيه أم لا وما هي إن وجدت؟؟؟!!
أحلام: تحتاج ببعض الوقت لقراءة الصور وتذوقها.
وهي تحمل صوراً غير التشبيه.
أما بخصوص هذا البيت الملون: فأقرأه هكذا:
والرّيحُ تَبعَثُ أنفاساً مُعَطَّرَة ً ** مثلَ العبيرِ بماءِ الوَرد يختلِط
كأنّما هي أنفاسُ المعزِّ سرتْ ** لا شُبْهَة ٌ للنّدى فِيهَا ولا غَلَط
يبالغ الشاعر في مدح الخليفة حتى ليقول أن الريح تبعث في الأرجاء أنفاساً معطرة من جمال البلد (بعد ذكره لمحاسن وجمال المدينة) وهذه الأنفاس (المعطرة) كأنها أنفاس الخليفة سارتْ تجود على الناس صافية خالصة لا شبهة (أي لا تخالطها رائحة) فيها ولا غلط أي من نقائها.(/)
مساعدة عاجلة جزاكم الله خيراً!
ـ[العفالق]ــــــــ[28 - 11 - 2010, 10:05 م]ـ
أريد أن أعرف مواضع الطباق والمقابلة في الآيات الآتية:
بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ
فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ
وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ
فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللَّه شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ(/)
عزة العلماء
ـ[أحمد محمد العمور]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 12:04 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
دعا أحد ولاة دمشق مفتيها محمود حمزة إلى مائدة كان عليها خمور فأنكرها المفتي مما اضطر الباشا إلى إزالتها مستاء، و في أثناء الطعام التفت الوالي إلى المفتي و قال له: هل تخمس فضيلتك هذا البيت؟
إن الأفاعي و إن لانت ملامسها
عند التقلب في أنيابها العطب
فعرف المفتي ماذا يريد الباشا من تهديد خفي، فرد عليه بجرأة:
لا تغترر بليال أنت فارسها
و لا بدولة فسق أنت حارسها
و احذر أسود الشرى يوما تدانسها
إن الأفاعي و إن لانت ملامسها
عند التقلب في أنيابها العطب
ـ[أنوار]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 05:44 ص]ـ
قصّة طريفة ..
بوركتم أستاذنا الكريم
ـ[السراج]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 07:54 ص]ـ
لله درّ هذا العالم:
قلب عليه ظهر المِجَنّ ..
شكراً يا أحمد.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 07:18 م]ـ
أحسن الله جزاءه
شكرا، أخي أحمد
ـ[سامي أحمد المسلم]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 03:12 م]ـ
نتمنىعودة هذه العزة مرة أخرى(/)
أريد شرح التشبيه الضمني
ـ[محمد33]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 12:06 ص]ـ
كنت أريد شرح التشبيه الضمني
أريد جملا كأمثلة وليست أبيات شعرية في البداية حتى يستقر الأمر لدي
وجزاكم الله خيرا
ـ[أنوار]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 05:37 ص]ـ
أخي الكريم ..
التشبيه الضمنى هو ما لا يُُصرح فيه بأركان التشبيه ولكنه يلمح من سياق الكلام.
الغريب أن جلّ ما ورد للتشبيه الضمني في الكتب البلاغية من أمثلة - إلا ما سهوتُ عنه - من أشعار العرب.
ولكنها مع ذلك واضحة لا تلبس المعنى على القارئ ..
كقول أبي تمام:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى ..... فالسيل حرب للمكان العالي
فالمكان العالي غالبا ما يكون جَرِدا من نبات الأرض بل حتى ملامحه المكانية تتغير بين حين وآخر ولا تسلم أن تبقى على صورتها.
وكذلك الغنيّ الكريم فلا يبقى ماله على حاله
ملحوظة:
هو تشبيه يعتمد على التركيب، تركيب يشبَّه بتركيب آخر ..
أرجو أن يكون قد اتضح
ـ[عصماء]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 05:55 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله في علمكِ، وزادك من فضله ...
واضح أختنا الكريمة، جزاكم الله خيرا ...
ـ[أنوار]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 06:05 ص]ـ
صباحكِ مغدقٌ بالخير والنبل والصفاء أختي الفضلى عصماء ..
تقديري لهذا المرور الصباحيّ الوارف.
ودمتِ للعلمِ والفضل أهل ..
أما أنا فعلمي شحيح كصحراء قاحلة جدباء، مازلت عالة على أهل العلم.
ـ[السراج]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 07:41 ص]ـ
شكراً أنوار ..
أحببتُ بالمشاركة ببيت شعري رائع يتزيّن بهذا النوع من التشبيه:
ويلاهُ إن نظرتْ، وإن هي أعْرضَتْ ....... وقعُ السّهام ونزعُهُنّ إليمُ
أما إن أردتَ - أخي محمد - جملةً نثرية فيمكن أن نقول:
لا عجب أن يظهر الحق بعد خفاء فالشمس من خلف الغيوم تبرزُ.(/)
أمثلة لبلاغة القرآن الكريم
ـ[ساري عاشق الشعر]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 01:30 ص]ـ
بعيداً عن الشعارات التي والكلمات الرنّانة .. التي يوصف بها القرآن الكريم وبعيدا عن كلمات البلغاء وشهادات الأعداء والأصحاب
أحببت أن أتكلم عن كتاب الله جل وعلا وعن بلاغته الشريفة
وكماأسلفت لن ألقي بالشعارات والعناوين العريضة ... ولكن أحب ان أعرض آيات الكتاب العزيز على الذوق العربي السليم ...
ليكون الإنسان على بيّنة .. وعلى أرضية ثابتة يقينية من رقيّ بلاغة القرآن الكريم ...
لن أطيل وقد فعلت .. فسأذكر آيات من الكتاب العزيز أثارت في نفسي الشجون والإعجاب على نحو خاص راجياً منكم الإضافات أيضاً ..
قال الله تعالى:
((والذين كفروا بربهم أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب .. أو كظلمات في بحرلجيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب
ظلمات بعضها فوق بعض .. إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور))
يقول الله تعالى (والذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد))
((ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيببة أصلهت ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله للناس الأمثال لعلهم يتذكرون))
((و إن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض او سلّماً في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين))
((وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين))
((ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون .. ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم .... ))
ومن الأمثال السائرة
((وشهد شاهد من أهله إن كان قميصه ....... ))
((ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب .. ))
((وكتبنا عليهم فيها أن العين بالعين والأنف بالأنف و الأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص .. ))
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين .. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله .. ))
((و كل شيء عنده بمقدار))
((والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا .. ))
والقرآن الكريم يصف نفسه .. ((كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير .. ))
((لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. )) ((ولو أن قرآناً قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى .. ))
وبلغة الأدباء المعاصرين يستخدمون. ((آتت أكلها)) على نحو .. أتمنى أن يؤتي هذا الموضوع أكله وتعمّ الفائدة ..
نرجو إضافاتكم.
ـ[أنوار]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 05:07 ص]ـ
الأخ المفضال ساري ..
جزيت خيرا على ما تقدِّم، وجعل في موازين حسناتكم.
ـ[ساري عاشق الشعر]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 09:10 م]ـ
الأخ المفضال ساري ..
جزيت خيرا على ما تقدِّم، وجعل في موازين حسناتكم.
و إيّاكم أختنا و مشرفتنا الكريمة أنوار ...
أشكر لك مرورك ...
وصيغة مفضال .. مبالغة اسم فاعل. أسلوب جديد عليّ ويدلّ على مدى تمكنّك من اللغة.,
لك خالص الودّ والتقدير ..(/)
من قوله تعالى: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 04:10 ص]ـ
من قوله تعالى: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ):
فصدر السياق بالزجر فذلك من خصائص القرآن المكي، فآياته زاجرة، وسوره قاصفة لقلاع الشرك المتهاوية، فـ: "كلا": فليس الأمر كما يظن أبو جهل الذي نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة، فذلك السبب الخاص، وليس الأمر كما يظن أعداء النبوات في كل عصر ومصر فذلك المعنى العام، فورود الآية على سبب لا ينفى عموم لفظها ومعناها، فالأمر بالسجود أمر عام وإن توجه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا السياق لقرينة سبب النزول الخاصة، وقرينة خطاب المواجهة فهي قرينة عامة في كل خطاب توجه إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيدخل فيه عموم المكلفين بداهة لعموم خطاب الشريعة إلا ما ثبت اختصاصه به صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خبر أو إنشاء بأمر أو نهي، ثم جاء النهي عقيب الزجر فذلك مما يلائمه، فالزجر يكون عن المناهي بداهة وإن صح استرعاء الانتباه به في معرض الأمر فذلك من قبيل نداء البعيد في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، فلا ينفك النداء بـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) عن أمر لازم أو نهي زاجر، كما أثر عن ابن مسعود، رضي الله عنه، فذيل النهي بالأمر، فالنهي كف سلبي فـ: (لا تطعه): في ترك الصلاة كما ذكر ذلك البغوي، رحمه الله، فذلك جار، أيضا، على تأويل النهي استنادا إلى سبب النزول الخاص ولا يمنع ذلك من إجراء عمومه بتسلط النهي على المصدر الكامن في الفعل، فلا تطع الكفار في ترك أي مأمور أو ارتكاب أي محظور، فـ: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا)، فاصبر للحكم الشرعي والحكم الكوني، فالصبر واجب لكليهما، فيصبر على الطاعة فعلا، ويصبر عن المعصية كفا، ويصبر على المصيبة الكونية بحبس النفس عن التسخط والجزع، فاصبر للحكم الشرعي فذلك مما ينصرف إليه الذهن ابتداء لقرينة التذييل بالنهي الجازم عن طاعة الآثم والكفور، فلا تطع من فسد علمه بالإصغاء إلى الشبهات، ولا تطع من فسد عمله بالانجذاب والميل إلى الشهوات، ولا ينفك الاثنان عن بعضهما غالبا، بل ربما دائما، وحال أرباب الضلالة من أصحاب المقالات الباطلة شركية كانت أو بدعية، حالهم الردية في باب العمل خير شاهد على ذلك فلا ينفكون غالبا عن مقارفة الشهوات المحرمة فالمحل قد خبث بورود مادة الكفر أو البدعة فانقطع مدد الشرع النافع بأجناس القول والفعل الظاهر، فتلبست الجوارح بضده لزوما فما خلقت لتهمل وإنما خلقت لتعمل فإن لم تعمل على منهاج الوحي الرحماني عملت على منهاج الوحي الشيطاني الذي يفسد القلوب بمواد الكفر والبدعة والشبهة، ويفسد الجوارح بمواد المعصية والشهوة، فليس بعد الكفر ذنب يخشاه صاحبه فإذا فسد المحل الأول فسدت بقية المحال علمية كانت أو عملية، أو صارت مظنة الفساد فيسارع إليها التلف ما لا يسارع إلى المحال المحفوظة ببركة اتباع الشريعة التي تعصم الباطن والظاهر معا، بل ذلك أمر يسري أثره صحة أو فسادا إلى قوى الآلات المحسوسة، فتجد من بركة الطاعة على أجساد أصحابها ولو تقدمت أعمارهم ما يثير العجب فـ: "هذه أعضاء حفظناها في الشبيبة تنفعنا في الكبر"، كما أثر عن أبي الطيب الطبري، رحمه الله، فقيه الشافعية في زمانه، وقد جاوز المائة فلم يتغير عقله أو يضعف بدنه، بل كان كما يقول ابن كثير، رحمه الله، في "البداية والنهاية": "صحيح العقل، والفهم، والأعضاء، يفتي ويشتغل"، وتجد من شؤم المعصية على أجساد أصحابها، ولو شبابا، ما يثير، أيضا، العجب!، فإن لها سوادا في الوجه وضعفا في القلب والبدن وبغضا في قلوب الخلق كما أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، فـ: (لا تطع)، فذلك، أيضا، من العموم القياسي فتسلط النهي على النكرات: "آثما" و "كفورا" فأفاد عموم النهي عن طاعة الآثم ففساده في العمل أظهر، والكافر ففساده في العلم أظهر، فالفساد، كما تقدم، تسري مادته إلى العلم الباطن والعمل الظاهر، وفساد الظاهر باد للعين فهو أول ما يظهر من حال العبد، وفساد العلم
(يُتْبَعُ)
(/)
مكنون في الصدر فهو أخفى ولكنه أعظم خطرا، فبه يضعف المحل الباطن معدن التصورات والإرادات فلا خير فيما يتفرع عليه من أعمال الظاهر، ولو كانت على رسم الصلاح، فـ: (قَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، فأكد المعنى بدخول "من" البيانية الجنسية فجنس عملهم قد صار بفساد علومهم هباء منثورا في دار الجزاء وإن وجدوا أثره في دار الابتلاء، فذلك مقتضى العدل الرباني، فـ: (لَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، فكيف إن كان ما يتفرع على هذا المحل عملا فاسدا من مقارفة معصية أو شهوة محرمة؟!، فذلك تأويل يطابق الظاهر فيه الباطن فتكون الصورة العملية ترجمة حقيقية للصورة العلمية على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الصورتين، فالحكم في الخارج لا ينفك عن تصور سابق في الذهن، فيسبقه التصور، فهو علته الفاعلة، والعلة الفاعلة تسبق في الوجود العلة الغائية، فيحصل العلم أولا ثم يتلوه العمل ثانيا، فذلك من التسلسل العقلي الصريح، فلا يعمل أحد بلا إرادة، ولا تكون ثم إرادة إلا بتصور سابق لما يراد، فصورة العمل في الخارج آخر حلقات سلسلة من الأحاسيس والحركات الوجدانية، فالعلة الفاعلة كما تقدم هي العلم الباطن الذي يولد في الخارج العمل الظاهر فهو العلة الغائية، ويقال من وجه آخر بأن تصور الغاية يسبق إلى الذهن فيحصل قبل الشروع في الفعل، فلا يعمل عاقل إلا وقد تصور عاقبة عمله صحة أو فسادا، فيقدم على ما يظهر له صلاحه وإن لم يكن كذلك، فمرد ذلك إلى ما استقر في وجدانه من تصور لأسباب النجاة شرعية كانت أو كونية فلا يتحرك إلا غيرة لمنفعة يريد حصولها وإن كانت عين المفسدة!، سواء أكانت شبهة ينتصر لها برسم الديانة فذلك أعظم معنى ينافح عنه الإنسان ولو باطلا كما نرى في زماننا من انتفاضة أهل الباطل حمية لجاهلية علمية هي الكفر الصريح الذي تنطلق الحشود صيانة لجنابه!، فتلك حمية من جنس حمية الجاهلية الأولى، وذلك جلد من جلد الملأ، فـ: (انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)، فاصبروا على الانتصار لها ولو بعلم باطل قد قامت أدلة النقل والعقل والفطرة والحس على بطلانه قياما لا يماري فيه إلا جاحد أو مسفسط، وعمل فاسد برسم اللزوم في النفس فأعمال الكافر التي تقع برسم العبودية لا أصل لها من شرعة سماوية فذلك مما لم يأذن به الرب، جل وعلا، بداهة، من الشرائع المبدلة أو الحادثة، والتعدي إلى الغير بصنوف الأذى، فذلك من التعصب الذي لا ينفك عنه صاحب كل ملة مبدلة أو نحلة حادثة، وواقع كفار زماننا، لا سيما أهل الكتاب، خير شاهد على ذلك، مع ما يزعمونه من سماحة هي أقرب ما تكون في برودها إلى السماجة!، فلسان حال عملهم الفاسد يشهد بكذب لسان مقالهم البارد.
وعلى الجانب الآخر: لا يتحرك الإنسان إلا دفعا لمفسدة، فذلك رد فعل تشترك فيه كل الكائنات الحية الحساسة المتحركة، فحركة الكائن تتراوح بين: جلب المصلحة ودرء المفسدة، فذلك قانون عام يضبط حركات الكائنات اختيارية كانت أو اضطرارية، فاليد تدفع الصائل اختيارا، والجفن يغمض حال ورود القذى اضطرارا، فتلك حركة الآلات المحسوسة، وكذلك الشأن في حركة النفوس، فهي لا تتحرك بالدفع إلا لما تجزم ببطلانه، ولو كان عين الصواب، فمرد الأمر، أيضا، إلى التصور العلمي الأول، فبه تحصل صورة الغاية في النفس قبل الشروع في الفعل، ولا غاية أعظم من حصول النجاة ولو بنيل صك غفران أو جلوس على كرسي اعتراف أو طاعة عمياء لطاغوت ديني يمارس طغيانه برسم النيابة الأرضية عن الإرادة الإلهية أو النيابة عن معصوم لا يخطئ وإن كان عدما لم يخلق أو الخلافة لشيخ له من تدبير أمر الكون ما يجوز له نقض ناموس الشرع!، فلما كانت تلك الغاية أشرف الغايات، كان محلها أشرف المحلين: الباطن، فليست غاية يشترك فيها الإنسان مع الحيوان مما يحفظ به البدن من مطعوم أو مشروب أو منكوح يستبقى به النوع فتلك أدنى أنواع اللذة لمن تأمل حقائقها ونظر في عواقبها، كما أشار إلى ذلك بعض أهل العلم، فلا تعدل هذه اللذة الجسدية العارضة، اللذة الروحية الباقية، وذلك، كما تقدم، سبب بقاء الروح بعد الموت، فلا تفنى
(يُتْبَعُ)
(/)
كما يفنى الجسد، وإنما تقع الموتة الأولى بمفارقة مادة الحياة اللطيفة آلة البدن الكثيفة فيسارع الفساد إليها، لخسة معدنها فمن الطين قد خلقت في مقابل نفاسة معدن الروح فهي من أمر الرب، جل وعلا، فبه خلقت، على حقيقة لطيفة لا تدركها آلات الحس الغليظة، فيقع الفساد للبدن، وتبقى الروح بإبقاء الرب، جل وعلا، لها، فالموت لا يهدم محل الأنس والمعرفة، كما يقول بعض أهل العلم، فبسبب ما تعلق بالروح من المعارف الإلهية، صارت أهلا للبقاء، فعليها يقع القدر الأعظم من نعيم دار البرزخ أو عذابه والبدن لها في ذلك تابع، فتلك، أيضا، من الحقائق التي غيبت عن مدارك الحس الظاهر ليحصل الابتلاء بتصديق الخبر وإن حار العقل في كنهه فلا يحيله فهو من الممكن الجائز الذي ثبت بخبر الوحي النازل، فصار واجب التصديق لمكان عصمة خبر النبوة الخاتمة من التبديل، أو النقص أو الزيادة.
أو يقال بأن الروح محل التصورات العلمية عموما، ولو باطلة، فأصحاب المقالات الفاسدة، كما تقدم، ينافحون عما علم بطلانه ضرورة، ومع ذلك كان نزاع أتباع الأنبياء معهم في محل الدين: مناط النجاة الأبدية في دار الجزاء الأخروية، كان أشرف من نزاع أهل الدنيا في محل خسيس فلا يتنافس أهل الدنيا إلا على عرض فان من مطعوم أو منكوح ..... إلخ، وتصور حقائقها، كما تقدم، يثير في النفس أنفة أن تنحط إلى دركة التنافس عليها، فلا تحصل النجاة من ذلك إلا بالزهد فيها برسم الاستغناء لا العجز، كما أشار إلى ذلك ابن رجب، رحمه الله، بقوله:
"وأما من زهد فيما في أيدي الناس وعف عنهم فإنهم يحبونه ويكرمونه لذلك ويسود به عليهم كما قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية؟!، قالوا: الحسن، قال: بم سادهم، قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم وما أحسن قول بعض السلف في وصف الدنيا وأهلها:
وما هي إلا جيفة مستحيلة ******* عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ******* وإن تجتذبها نازعتك كلابها". اهـ
ولا أخس من محل نزاع كهذا، فحري بالعاقل أن يأنف منه فلا يأخذ منه إلا قدر الحاجة، فلا يسلم من هذه الدنيا إلا من أجراها مجرى الضرورة التي تقدر بقدرها فما زاد فهو فضل يثقل كاهل صاحبه فيبطئ سيره إلى الرب، جل وعلا، في رحلة الهجرتين في هذه الدار، ويثقل حسابه في دار الجزاء، فـ: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ".
فشتان محل نزاع الدين فلأجله بعث الأنبياء عليهم السلام ونزل الوحي وسلت سيوف الحجج والبراهين لمن جادل، وسيوف الحديد الناصر لمن قاتل، فحصلت المدافعة بين أتباع الكتاب الهادي وأتباع الكتاب المبدل، فلا صلاح للدنيا إلا بذلك، فإنه سبب رئيس لذكر الرب الحميد المجيد، جل وعلا، بالدعاء ثناء ومسألة، فكلٌ يسأله، بل الكافر يسأله حال الاضطرار: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)، بل قد سأله أبو جهل لما حانت ساعة المدافعة بين الجمعين يومَ الفرقان،: "اللَّهُمَّ أَقْطَعَنَا الرَّحِمَ وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُهُ فَأَحْنِهِ الْغَدَاةَ"، فاستجاب الرب، جل وعلا، له!، وكانت الدائرة لأتباع النبوة، فالدولة لهم ما كانوا على منهاجها، والدولة عليهم ما حادوا عن جادتها فتلك سنة كونية نافذة تطرد وأصول القياس الصحيح، فالحكم بالظهور على أعداء الوحي، برسم التأييد الرباني، يدور مع علة الاستمساك بالوحي تصديقا لأخباره وتأويلا لأحكامه، يدور معها وجودا وعدما، فلا نصيب لأتباع الأنبياء من وجود حكم: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) إلا بوجود علة: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
(يُتْبَعُ)
(/)
فلا ينقضي العجب ممن يروم في هذه الأزمان إبطالَ سنة التدافع برسم التسامح والتعايش الذي يفضي إلى انحلال عرى الولاء والبراء في القلب: معدن العلوم والإرادات، فيفسد التصور فتلك حلقة أولى تتلوها حلقة فساد الإرادة ففساد العمل الظاهر بإعطاء الدنية في الدين، على ما تقدم من تسلسل حلقات العلم والإرادة والعمل في الوجود، ولا يزيد ذلك الكافر إلا صلفا وغرورا فبقدر ما يبذل له من الديانة برسم المداهنة يكون علوه واستكباره في الأرض بغير الحق، فما عز باطل وظهر إلا بذل أهل الحق، بقعودهم عن نصرته بحجج العقل وسنان القتل والحرب، ولا ظهور لأي مقالة في الدنيا، ولو كانت عين الباطل نقلا والمحال عقلا، لا ظهور لها إلا بمن ينتحلها فيذب عنها بلسانه، ولو افترى لها من الحجج وافترى على مخالفها من الكذب ما افترى، كما نرى في زماننا من افتراء أهل الباطل من كفار أهل الكتاب على النبوة الخاتمة، ويذب عنها بالسيف، ولو سيف قهر وظلم كما يقع من أصحاب المقالات الباطلة فسنتهم الجارية في الماضي والحاضر: التعصب الذي يحمل صاحبه على القتل والهتك برسم الديانة فيصير قتل الشيوخ والنساء والأطفال بل والبهائم العجماوات دينا فحد السيف شفاء لما يعتمل في الصدور من حقد وغل متراكم من لدن حصلت المفارقة ببعث النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنصب له من نصب من كفار أهل الكتاب راية العداوة فـ: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وصدق به منهم من قد شرح الرب، جل وعلا، صدره للإيمان بالنبوة الخاتمة، فـ: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)، فأراد بهم الرب، جل وعلا، الخير فضلا، فـ: (مِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)، فاجتمعت لتلك الأمة أسباب النجاة من هداية علمية نافعة، وطريقة عملية صالحة فبالحق يعملون تصديقا وامتثالا، وأراد، جل وعلا، بكثير منهم الضلال عدلا، فـ: (كَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ).
والشاهد أن ذلك لازم المباينة في العلم فلا بد أن ينتج في الخارج مباينة في العمل فيقع ما تقدم من المدافعة التي يكون الظهور فيها لمن كان أصلب ديانة، ولو كان مقاله باطلا، فقد تحرق غيرة له فتحرك نصرة له ولو كانت حركته فاسدة لفساد مادتها الباعثة.
ولا ينقضي العجب ممن يضع آيات الجمال من قبيل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) في مواضع الجلال كالآية التالية مباشرة!: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، فيذل لمن أذله الله، عز وجل، فوسمه بالكفر، ويظن ذلك من كرم الشمائل، وذلك من السفه بمكان فلا يحسن يضع الأمور في نصابها، فالحكمة تقتضي وضع الشيء في موضعه الملائم فتبذل أخلاق الجمال لمن هو لها أهل من: مؤمن برسم الموالاة الكاملة فوصف المؤمنين: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، و: معاهد برسم العزة فلا يذل لمن ضرب عليه الذل والصغار، أو هكذا يكون الحال لو كانت أعلام النبوة في الأرض ظاهرة!، فذلك تأويل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، ووصف النبي الضحوك القتال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "بعثت بين يدي الساعة
(يُتْبَعُ)
(/)
بالسيف وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالفني ومن تشبه بقوم فهو منهم"، فرزقه تحت رمح الطلب لأعداء النبوات، فبه تحرر الشعوب من طغيان الكهنة والملوك الذين أفسدوا الدين والدنيا معا:
وهل أفسد الدين إلا الملوك ******* وأحبار سوء ورهبانه
فأفسده الملوك ليأمنوا جانبه فلا يعكر صفوهم!، وأفسده رهبان السوء وأحباره ومن سار على طريقتهم الردية من حملة العلوم الشرعية برسم: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، فالمعنى يعم سائر الأمم فتلك سنة حصل تأويلها في سائر الملل وإن كان حظ الإسلام في السلامة منها أعظم وأثرها فيه أهون، فقد سلمت مقالته مما جرى على المقالات السابقة من الكتمان والتبديل، فأفسده أولئك لما داهنوا الملوك فأقروهم على باطلهم بل والتمسوا له أدلة من الشرع ما يسوغه!، فباعوا دينهم بدنيا غيرهم، فلم ينلهم منها إلا الفتات مع ما ضرب عليهم من الذلة والصغار في أعين من استعملهم، فذلك تأويل حديث عائشة رضي الله عنها: "من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وجعل حامده من الناس له ذاما ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وجعل ذامه من الناس له حامدا"، ولذلك كانت السلامة، كل السلامة، في الأعصار المتأخرة الفرار من الدخول على الملوك أو الولاة، كما ذكر ذلك ابن الجوزي رحمه الله، فليس ثم في عصره وفي عصرنا من باب أولى، ليس ثم فيه عمر بن عبد العزيز واليا والحسن البصري ناصحا!.
وتبذل في المقابل أخلاق الجلال لمن هو لها أهل برسم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، فوصف المؤمنين: (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)، فـ: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)، فالبر في أمر الدنيا لمن لم يشهر سيف العداوة للإسلام بالقدح في رسالته والهتك لمحارمه شيء، والسيف لمن نقض ذمته بالقدح في نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووحيه شيء آخر، فلا تعارض بينهما لاتفكاك الجهة، فجهة الجمال تباين جهة الجلال فلا يحسن استعمال أحدهما في محل الآخر
فـ:
وضع الندى في موضعِ السيفِ بالعلا مُضِرٌ ******* كوضع السيف في موضع الندى
ولا يحسن تسكين المشاعر في زمان غلبت فيه الذلة باستعمال نصوص الجمال، وغض الطرف عن نصوص الجلال، وهو ما يقع فيه بعض الفضلاء خشية الاتهام الجائر بالإرهاب والتطرف، فتصير موالاة الكافرين وإسلام المؤمنين لهم جماعات ووحدانا، كما هي الحال في الآونة الأخيرة، يصير ذلك أمرا لا تحسن إثارته لئلا تقع الفتنة!، وأي فتنة أعظم من الفتنة في الدين؟!، وتصير المبادرة إلى شجب واستنكار كل ما يمس الكفار أمرا محمودا يضفي على صاحبه رسم الاعتدال الذي تتسع دائرته باطراد حتى يكاد أصحابه يقعون في فخ المداهنة في أصول راسخة فليس ذلك من المداراة الجائزة في شيء، بل فيه من توهين عرى الولاء والبراء ما فيه، بغض النظر عن الحكم الشرعي لبعض ردود الأفعال فقد تكون مرجوحة فيتعين بيان حكمها لئلا تقع فتنة حقيقية، ولكن مع ذلك تتعين الإشارة إلى أسبابها فلم تقع فجأة بلا أسباب!، فلا يحسن النظر في ركن من أركان الصورة دون بقية الأركان فذلك من نقصان استقراء الأحداث قبل الحكم عليها، والاستقراء الناقص لا يورث علما جازما أو حتى ظنا راجحا يحصل به تمام التصور للواقعة ليصدر الحكم عليها صحيحا ملائما.
(يُتْبَعُ)
(/)
والشاهد أن العلة الغائية تسبق العلة الفاعلة في التصور الذهني، وإن كانت تتلوها في الوجود الفعلي، فلا تقع الغاية في الخارج ابتداء، وإنما تقع ببذل السبب الجالب لها، فذلك من قبل الترتيب في قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، فإياك نعبد غاية تقدم ذكرها، وإياك نستعين وسيلة تأخر ذكرها، وإن كانت الوسيلة تقع في الخارج أولا فبها يتوسل إلى الغاية التي تقع ثانيا، ومع ذلك يحصل تصور الغاية في الذهن أولا، فتلك علة تقديمها في الذكر، فهي الأصل وإن تأخر ظهوره في الخارج لتقدم نشوئه في الذهن، وهي الأشرف قدرا فالوسيلة تتبعها صحة أو فسادا، فليست إلا ذريعة إلى حصولها فهي المراد لذاته والوسيلة قد أريدت لغيرها وما أريد لذاته أشرف بداهة مما أريد لغيره، ولذلك كانت علوم الغايات أشرف من علوم الآلات فهي وسائل يتوسل بها إلى ضبط الغايات.
فلن يقدم أي إنسان ذو تصور وإرادة اختيارية يباين بها الحيوان لن يقدم على أي عمل، ولو كان فسادا في نفسه وإفسادا لغيره من الأعيان الآدمية بالقتل والجرح والضرب بلا وجه حق أو الأعيان المملوكة من منازل ومراكب ونحوه لن يقدم على ذلك إلا بعد رسوخ تصور علمي في ذهنه يكون من وجه: كاشفا عن غاية شريفة، بزعمه!، ومن آخر: باعثا على ابتغاء الوسيلة التي يحصل بها في الخارج لينال مراده الديني أو الدنيوي، والسنة الكونية قاضية بأن أشرف الغايات كما تقدم: الغايات الدينية ولو كانت على خلاف الملة التوحيدية الجامعة، دين المرسلين جميعا، فلا أشرف من غاية كهذه لشرف متعلقها فهو الروح، كما تقدم، فتكون الخصومة والمنازعة فيها أعظم من الخصومة والمنازعة في غاية دنيوية دنية، تتجاذبها الهمم الخسيسة تجاذب الكلاب للفريسة، وذلك أمر لم يعلمه إلى الآن أو علمه وتجاهله من يردد أطروحات فكرية تقصي الدين عن ساحة النزال فتجعل معقد الولاء والبراء لطرائق حادثة من قبيل العصبية اللغوية باسم القومية، والعصبية الوطنية باسم المدنية التي تسوي بين المواطنين جميعا من كل وجه مع اختلافهم في أوصاف كثيرة فإجراء حكم واحد عليهم مع تباينهم في الوصف مما يدل، أيضا، على سفه في العقل وفساد في القياس بالتسوية بين المتباينات، مع ادعاء صاحبه الحكمة البالغة والعقل السليم السديد في أحكامه!، وكل يدعي ما يروق له وقوله يشهد له أو عليه.
وطاعة الكافر من وجه آخر: ذريعة إلى الخسران، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)، فلم ينلهم إلا سخط الرب، جل وعلا، فحبط عملهم لمجرد طاعة أولئك في بعض الأمر، وذلك مما يحسن الانتباه إليه في أمور قد يظن كثير من المسلمين أنها هينة وهي عظيمة لأثرها المتراكم في النفوس، كمسألة المشاكلة في الصورة الظاهرة فإن ذلك لا يكون ابتداء إلا لمشاكلة في الصورة الباطنة، فلا يشبه الزي الزي حتى يشبه القلب القلب ولا تنفك الصورة الباطنة أيضا عن تأثر بالصورة الظاهرة، فالتأثير والتأثر بينهما متبادل فذلك من جنس ما سبقت الإشارة إليه مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن بعلومه والظاهر بأعماله ورسومه، فلما أطاعوهم في بعض الأمر بل في كثير منه كما هي الحال في زماننا حتى بلغ الأمر حد موالاتهم من دون المؤمنين بل ومظاهرتهم عليهم!، لما بلغ الأمر هذا الحد المهين: نالهم إمعانا في النكاية بهم ضد مرادهم، فأسخط الرب، جل وعلا، عليهم من راموا بالمداهنة إرضاءه فلم يزدد إلا كبرا وظلما، ولم يزدادوا إلا ذلة ومهانة، وتلك سنة كونية جارية في العقوبة الشرعية والكونية فيعاقب من عصى لنيل شيء بضد ما أراد فيحرم منه، فأحكام الشرع والكون متلائمة يدل اطرادها على وحدانية وأحدية من صدرت عنه.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أنوار]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 05:09 ص]ـ
بوركتم أستاذنا المفضال ..
وكُتب جهدكم في موازين أعمالكم(/)
ما الغرض البلاغي من الاستفهام هنا؟؟
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 01:56 م]ـ
أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ,, هنا أقول ربما تهكم
أتأمرون الناس بالبروتنسون أنفسكم ,, وهنا أعتقد أن الغرض تعجب
فما رأيكم؟؟
ـ[أنوار]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 02:17 م]ـ
أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ,, هنا أقول ربما تهكم
الاستفهام هنا تقريري ..
لأنهم يعلمون في قرارة نفوسهم أن من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام ولكن يريدون منه الإقرار ..
أتأمرون الناس بالبروتنسون أنفسكم ,, وهنا أعتقد أن الغرض تعجب
صحيح، تعجب واستنكار من أمرهم ..
والله أعلم
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 02:37 م]ـ
أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ,, هنا أقول ربما تهكم
أتأمرون الناس بالبروتنسون أنفسكم ,, وهنا أعتقد أن الغرض تعجب
فما رأيكم؟؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الشقيقة العزيزة: زهرة قطر
أهلا وسهلا بكِ من جديد، حياك الله وبياك.
محاولة للإجابة بعد التأكد والله أعلم بالصواب:
في قوله تعالى: "أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم "
الغرض البلاغي من الاستفهام هنا هو التقرير، وغرضهم من إقراره بهذا إدانته، والانتقام منه.
فائدة
الاستفهام التقريري هو أن تطلب من المخاطب أن يقر بِما يُسأَلُ عنه نفياً أو إثباتاً، لأي غرض من الأغراض التي يراد لها التقرير. كالإدانة واللوم ونحو ذلك. " موقع أهل التفسير "
أما قوله تعالى: " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم "
الغرض البلاغي من الاستفهام: الإنكار.
والله أعلم بالصواب.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 02:47 م]ـ
الاستفهام هنا تقريري ..
لأنهم يعلمون في قرارة نفوسهم أن من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام ولكن يريدون منه الإقرار ..
صحيح، تعجب واستنكار من أمرهم ..
والله أعلم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أنوار أيتها البلاغية المتألقة:
معذرة لم أرَ مشاركتك القيمة والمتميزة.
لقد استفدتُ أنا في الحقيقة منها، زادك الله من فضله العظيم: اللهم آمين
والله الموفق
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 03:41 م]ـ
شكرا لكن جميعا
وفقكم الله على الإجابة
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 03:50 م]ـ
سؤاااااااااااااااااااااااال أخير؟؟
أليس الله بكاف عبده
هل الاستفهام هنا تقريري؟؟
ـ[عصماء]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 04:23 م]ـ
سؤاااااااااااااااااااااااال أخير؟؟
أليس الله بكاف عبده
هل الاستفهام هنا تقريري؟؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تطبيقا على الإجابة التي قدمتها أستاذتنا أنوار الفاضلة،،، والقاعدة التي ساقتها زهـ الفصيح ــــــــــرة المتفائلة ...
نعم هو تقريريٌّ ...
ـ[أنوار]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 07:48 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أنوار أيتها البلاغية المتألقة:
معذرة لم أرَ مشاركتك القيمة والمتميزة.
لقد استفدتُ أنا في الحقيقة منها، زادك الله من فضله العظيم: اللهم آمين
والله الموفق
العزيزة الوقورة زهرة متفائلة ..
لكِ من الله سلاما ما تعاقب جديدان ..
زهرة .. لا تقدمي عذرا فمشاركتكِ لها قيمتها .. وأنا استفدتُ منها، وقد أكملت نقصا.
ثم لا:) 2 تستسمنى ذا ورم
تقبلي وافر تقديري وامتناني لحضورك.
وتقديري للأستاذة:) 2 عصماء
ـ[زين الدين10]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 05:12 م]ـ
السلام عليكم أود فقط توضيح مسألة هناك فرق بين التقرير والاقرار التقرير هوالمرادف للتثبيت أما الاقرار دفع المخاطب على الاجابة بالايجاب، وفعل تقرير قرر وفعل اقرار أقر والله اعلم
أما الآية أتأمرون الناس ... الغرض من الاستفهام التوبيخ(/)
وجدتها
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 02:53 م]ـ
كنت قد وضعت موضوعا في هذا المنتدى حول تعريف المباشرة، وللأمانة لم أجد تعريفا لها في كل معاجم المصطلحات النقدية، أو عند أحد من الباحثين والنقاد، ومحاكاة لأرخميدس فإنني أعلن أنني وجدت تعريفا لها وأريد رأي المتخصصين فيه:
* المباشرة: هي الكلام الذي يخلو من أي فن بلاغي.
ما رأيكم؟ مع مراعاة حقوق الملكية الفكرية:)
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 06:58 م]ـ
أخي الكريم
هندُ جميلة الوجه تظهر كالبدر في ليلتهِ الظلماء
وهنا كان الأسلوب مباشرا في عرض ِالفكرة وفهمنا أنّ هند جميلة الوجه ولكنهُ لجأ إلى فن التشبيه لتوضيح أن وجهها وضّاء ذو نور ٍوبهاء.
فهل نقول أن الأديب أو الكاتب لم يلجأ إلى الأسلوب المباشر في عرض الفكرة لأنه لجأ إلى فن بلاغي (التشبيه)!
الكتابة تقوم على البلاغة
عند العرب البلاغة هي الإيجاز ـ فهل إن ْ أوجز الكاتب ـ مع عرض الفكرة بأسلوب مباشر ـ لم يتميز بالمباشرة!!
لا أتفق معك أخي الكريم
وأنتظر ردود الأخوة الجهابذة أيضا
تحيتي
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[02 - 12 - 2010, 10:11 ص]ـ
أخي الكريم
هندُ جميلة الوجه تظهر كالبدر في ليلتهِ الظلماء
وهنا كان الأسلوب مباشرا في عرض ِالفكرة وفهمنا أنّ هند جميلة الوجه ولكنهُ لجأ إلى فن التشبيه لتوضيح أن وجهها وضّاء ذو نور ٍوبهاء.
فهل نقول أن الأديب أو الكاتب لم يلجأ إلى الأسلوب المباشر في عرض الفكرة لأنه لجأ إلى فن بلاغي (التشبيه)!
الكتابة تقوم على البلاغة
عند العرب البلاغة هي الإيجاز ـ فهل إن ْ أوجز الكاتب ـ مع عرض الفكرة بأسلوب مباشر ـ لم يتميز بالمباشرة!!
لا أتفق معك أخي الكريم
وأنتظر ردود الأخوة الجهابذة أيضا
تحيتي
أشكرك أختي الكريمة على الرد، ولكن هناك فرق بين الكلام المباشر والمعنى المباشر، أنت حديثك كان عن المعنى، والمعنى إذا لم يفهمه المتلقى فهو عيب من عيوب الفصاحة، ويسمى الإبهام الذي لا يفيد المتلقي شيئا، وهو ليس مدار البحث.
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[02 - 12 - 2010, 11:15 م]ـ
كنت قد وضعت موضوعا في هذا المنتدى حول تعريف المباشرة، وللأمانة لم أجد تعريفا لها في كل معاجم المصطلحات النقدية، أو عند أحد من الباحثين والنقاد، ومحاكاة لأرخميدس فإنني أعلن أنني وجدت تعريفا لها وأريد رأي المتخصصين فيه:
* المباشرة: هي الكلام الذي يخلو من أي فن بلاغي.
ما رأيكم؟ مع مراعاة حقوق الملكية الفكرية:)
أخي الكريم
وهل الفنون البلاغية فنون لفظية لا تَمُتُ لِلمعنى بصلة؟
الفنون البلاغية تأثيرها على المعنى أكثر وقعا من تأثيرها على التركيب واللفظ ولها إيحاء جمالي تُضفيهِ على السياق والشاهد أيا كان.
الفنون البلاغية ليست تراكيبا جامدة.
فائق تقديري
ـ[أنوار]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 02:12 م]ـ
* المباشرة: هي الكلام الذي يخلو من أي فن بلاغي.
هل لك أستاذنا الكريم بالتمثيل عليها مشكورا ..
لقد استعصى عليّ وجود جملة تتوافق مع ما سبق .. !!
ولو قلت هذه العبارة (مباشرة) على أقل تقدير وليس بها من فنون البيان والبديع شيئا لبقيَ الإسناد،
مثل: (جاء زيد) أو (الفصيحُ جامعٌ لدروس العربيّة).
أيضا جملة (جاء زيد) يمكنني استخلاص أكثر من وجه بلاغي منها ..
- الإسناد
- تقديم الفعل
- تأخير الفاعل
علما بأن الجملة هي ذاتها لو قلت: (زيد جاء)
إلا إنها تختلف بلاغيا.
ولكم جزيل الشكر
ـ[عصام محمود]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 02:39 م]ـ
بالطبع لا
فالمباشرة في الشعر معناها واضح تماما، وهي وضوح المعنى أو الرسالة المراد توصيلها، وتحول الفن من غاية إلى وسيلة، فالفنان عنده هدف يريد توصيله باستخدام فنه، فيعتمد الفنان على المباشرة متناسيا وظيفته الفنية، فإذا استخدم الشاعر اللغة بصورة مباشرة وضح من خلالها المعنى فهي المباشرة.
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 02:59 م]ـ
صع فيطكشلا ثتعس سمخ
السابق يخلو من أي فن بلاغي فهل هو مباشر؟
ـ[الحطيئة]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 03:08 م]ـ
أخي الشاعر عماد:
أما و قد حاكيت أرخميدس , فإن أرخميدس قد قام بحجته , فما حجتك؟!!:)
و أما الكلام الذي كتبه أخي الجبلي , فهو كلام مباشر و لا شك , و لكن عند المشعوذين: p
ـ[أنوار]ــــــــ[04 - 12 - 2010, 07:04 ص]ـ
عفوا ..
فُصِّل في إحدى الكتب البلاغيّة أسلوب المباشرة وغير المباشرة، ضمن عدد من الأساليب الكتابيّة عددها المؤلف.
إن لم تخني الذاكرة كتاب حبنكة الميداني .. لعلي أعود إليه فآتي بالمضمون الدقيق لما تحدث عنه.
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[04 - 12 - 2010, 12:44 م]ـ
حسنا ... ما معنى المباشرة؟ السؤال موجه للجميع، أما عن التمثيل والحجة اللذين طلبهما الأخ الحطيئة والأخت أنوار فسأضرب عليهما مثلا من شعري:
أرسلت شعري محمولا على الهدب= لقوم رابطة الكتاب والأدب
المباشرة في العجز، لأنه خلا من أي فن بلاغي.
هل أصبت؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[04 - 12 - 2010, 05:13 م]ـ
أخي الشاعر عماد:
أما و قد حاكيت أرخميدس , فإن أرخميدس قد قام بحجته , فما حجتك؟!!:)
و أما الكلام الذي كتبه أخي الجبلي , فهو كلام مباشر و لا شك , و لكن عند المشعوذين: p
لا تحتاج الجن بلاغة:)
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[10 - 12 - 2010, 11:52 ص]ـ
للرفع(/)
هل هذه استعارة تصريحية؟
ـ[قاسم أحمد]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 07:18 م]ـ
في ورقة اختبار ابني ورد السؤال التالي:
في هذه العبارة (انقشع غيمك) صورة بيانية. بيِّن نوعها.
أنا رأيت أنها استعارة تصريحية حيث شبه الكاتب الشدة بالغيم وحذف المشبه (الشدة) وذكر المشبه به (الغيم) لكن أستاذ ابني قال: إنها كناية عن زوال الهم.
إليك الفقرة التي وردت فيها العبارة وأرجو توضيح الصورة مع الشكر الجزيل.
" أما الحياة فهي تقول العكس وترينا الصديق المرموق أنه ذلك الذي يختفي عنك وأنت في شدتك او ينشغل عنك باكتساب المغانم في صحبة غيرك حتى إذا ما ابسمت لك الدنيا وانقشع غيمك ظهر يجري نحوك مهلِّلا مكبرا ومكث بجوارك الليل ملازما مؤازرا.
ـ[أنوار]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 07:40 م]ـ
كلاهما صحيح ..
لأن كل استعارة يصحُّ أن تكون كناية.
ـ[قاسم أحمد]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 07:49 م]ـ
أختي أنوار:
شكرا على المداخلة.
ليس صحيحا أن كل استعارة هي كناية.
في الاستعارة يحذف أحد طرفي التشبيه وإذا كان المحذوف هو المشبه به يكنى عنه بقرينة دالة عليه.
أنا أعرف حسب دراستي أن الكناية لها معنيان ظاهر وخفي وكلاهما صحيح لكن المقصود هو الخفي وهي تعطيك حقيقة مع دليلها فهل هذا ينطبق على هذه العبارة؟ وأين هي هذه الحقيقة ودليلها في العبارة؟ وهل المعنى الظاهر في الجملة صحيح؟
أنا غير مقتنع بأنها كناية.
ـ[السراج]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 09:27 م]ـ
أخي قاسم:
كما قالت أنوار، هي استعارة وهي كناية كذلك.
استعارة حيثُ شبه الشخص بسماء مترامية الأطراف سكنتها الغيوم ثم انقشعتْ.
وهي كناية عن زوال الهمّ.
ألا ترى أن (انقشاع الغيوم) معنى ظاهر غير مقصود وإنما قُصد المعنى الخفي (زوال الهم)؟
ـ[فتون]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 10:03 م]ـ
وأنا أراها استعارة وليست كناية
لأن الكناية كما قلت أخي قاسم يصح صدق معناها الظاهر على الجملة
ولايمكن أن يكون لذلك الشخص غيم خاص به ولا يصح أن أقول له على سبيل الحقيقة انقشع غيمك
وإنما على سبيل التشبيه الذي حذف أحد طرفيه؛ وعلى هذا فهي استعارة تصريحية ولو كانت الجملة "انقشع الغيم"
أو "انقشع غيمكم" لصحت أن تكون كناية.
والله أعلم
ـ[فتون]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 10:07 م]ـ
كلاهما صحيح ..
لأن كل استعارة يصحُّ أن تكون كناية.
كيف يصح أن تكون كل استعارة كناية؟؟
ـ[السراج]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 09:01 ص]ـ
ولايمكن أن يكون للذلك الشخص غيم خاص به ولا يصح أنه أقول له على سبيل الحقيقة انقشع غيمك
من هُنا إذن .. ؟!
شكراً لكما ..
ـ[أنوار]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 04:57 م]ـ
الأستاذ قاسم .. والأستاذة فتون ..
لكما جزيل الشكر ..
بالفعل كما تفضلتما في هذا الموطن وهذا السياق لا يصح أن تكون كناية؛ لأنها لا تكون على وجه الحقيقة. فهو لا يقول: انقشعت الغيوم.
سأعود فتون لنقاشكِ لاحقا.
ـ[خميس الغامدي]ــــــــ[02 - 12 - 2010, 02:54 ص]ـ
اعتذر على المداخلة
أرى إنها كناية فأصل الجملة أنقشعت الشدة عنك كما أنقشع الغيم في االسماء، إذا اعتبرنا انقشع في الشدة بمعنى زالت و ذهبت
لكن مع الحذف الذي اجراه و قال انقشع غيمك و الشدة في الجملة السابقه لها و العطف وارد وقد تكون من باب كناية عن زوال الهم و هو الأقرب لبعد القرينة عن الشاهد، أما الثانية استعارة كما قال الزملاء و لهم الحق في ذلك.
ـ[أسير الغربتين]ــــــــ[02 - 12 - 2010, 04:26 ص]ـ
وأنا أراها استعارة وليست كناية
لأن الكناية كما قلت أخي قاسم يصح صدق معناها الظاهر على الجملة
ولايمكن أن يكون لذلك الشخص غيم خاص به ولا يصح أن أقول له على سبيل الحقيقة انقشع غيمك
وإنما على سبيل التشبيه الذي حذف أحد طرفيه؛ وعلى هذا فهي استعارة تصريحية ولو كانت الجملة "انقشع الغيم"
أو "انقشع غيمكم" لصحت أن تكون كناية.
والله أعلم
لا فض فوك
ولا عدمنا الأساتذة الباقين(/)
سببية أم تعليلية
ـ[أمير الفصحاء]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 10:06 م]ـ
أخي قم إلى قبلة المشرقين لنحمي الكنيسة والمسجدا
لنحمي الكنيسة والمسجدا ما علاقة الجملة السابقة بما قبلها:
1/ تعليلية2/ سببية
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 09:56 م]ـ
أرى أنها تعليلية(/)
من قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 04:06 ص]ـ
من قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)
فتسلط الإهلاك في معرض الشرط على القرية المجموعة من البشر، فذلك ما ينصرف إليه الذهن ابتداء لقرينة تسلط فعل الإهلاك المتعدي عليها، وهو من وصف جلال الرب جل وعلا، فالإهلاك من فعله المتعلق بمشيئته النافذة إيقاع الجزاء العدل بمن أفسد في الأرض من المترفين، فالإهلاك عقوبة متعدية فالمعنى قد تعدى بالهمزة، والعقوبة تنال ابتداء من عصى، وإن نال شؤمها من لم يعص بل ما لا يعقل من الشجر والحجر، فهو مادة بناء القرية المجموعة من الدور والقصور، فيصح على هذا الوجه تسلط فعل الإهلاك على العصاة وعلى غيرهم من الشجر والحجر، لانفكاك الجهة فهي نائلة العصاة عقوبة كونية نافذة، ونائلة غيرهم من الطائعين بشؤم المعصية المتعدي، سواء أقصروا في الإنكار أم أدوا ما يجب عليهم من الوعظ والإرشاد بل والإنكار على تفاوت مراتبه بتفاوت القدرة والولاية، فشؤم المعصية عظيم يهلك العاصي والطائع وإن اختلفوا في الصدور فورودهم مورد الهلاك بشؤم معصية المترفين حتم لازم فهو من السنن الكوني النافذ، ولذلك صح بل وجب حمل الإرادة التي صدرت بها الآية على الإرادة الكونية النافذة، فإن الله، عز وجل، لا يريد الفسق شرعا، بل قد نهى عنه وذم فاعله، بل ونائلة الشجر والحجر كما تقدم فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وفي زماننا ظهر، أيضا، في الجو!، فإفساد النوع الإنساني بشؤم معاصيه وسفه عقله الذي صور له أنه سيد الكون بلا منازع، وتلك نظرية الفيلسوف اليهودي "نيتشه" الذي زعم موت الإله وانفراد الإنسان أو "السوبر مان" بحكم العالم وقد نهج طريقته بعض الأدباء العرب ممن رمزوا للإله بالشيخ الفاني الذي سرعان ما مات ليترك إرثه لأولاده، وبعض المناهج الأدبية العلمانية تنهج طريقة موت المؤلف في نقد الأعمال الأدبية فتنزع عن التنزيل قداسته فهو نص كأي نص يخضع لأصول النقد الحديثة فيلزم قطع النسبة بينه وبين مؤلفه!، بزعم من أنكر الوحي صراحة أو تلميحا، فمؤلفه قد مات فلينظر الناقد في نصوصه بمقتضى أصول النقد الحديث فقد مضى زمان تأليفه وظهرت مدارس نقدية جديدة!، وكل ذلك مئنة من جفاء النبوات بإهدار عصمتها ونزع رسم القداسة عن كلماتها، وكذلك الشأن فيمن قصر معنى الربوبية على الخلق دون التدبير فقد خلق الرب، جل وعلا، الكون ثم نسيه كما زعم بعض الفلاسفة، فوكل أمر هذا الكون إلى السوبرمان!، فلا تثريب عليه إن عبث بالسنن الكوني فأفسد في الأرض برسم الإصلاح، فـ: (إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، فجاء التوكيد على ضد تصورهم الفاسد مصدرا بجملة من المؤكدات تثبت الجناية في حقهم على جهة اليقين الجازم: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)، والشاهد أن انفكاك الجهة بين تلك المعاني بتباين الموارد فلا يستوي مورد الهلاك عقوبة، ومورد الهلاك ابتلاء يثاب عليه الإنسان فهو في حقه منحة باعتبار المآل وإن عظمت به المحنة باعتبار الحال فيلقى من صنوف الابتلاء بالمرض والألم ما قد يفوق ما يلقاه المترف الذي تجري عليه سنة الإملاء والاستدراج قبل الأخذ والإهلاك، فـ: (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)، فيظن التأخير وهو مقيم على المعصية نعمة!، وهي عين النقمة فما ناله إلا انقطاع العذر وزيادة الوزر، فيتمنى أن لو هلك قبل ذلك بكثير، بل يتمنى أن لو كان ترابا، فذلك التمني في معرض الذم في نحو قوله تعالى: (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)، لا يعارض التمني في معرض المدح في نحو قول الصديق رضي الله عنه: "والله!
(يُتْبَعُ)
(/)
لوددت أني كنت شجرة في جانب الطريق مر علي جمل فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم ازدردني ثم أخرجني بعرا ولم أكن بشرا"، وقول أبي ذر رضي الله عنه: "يا ليتني كنت شجرة تعضد"، وقول أبي الدرداء رضي الله عنه: "يا ليتني كنت شجرة تعضد وتؤكل ثمرتي و لم أكن بشرا"، وما تنسبه بعض كتب الفرق المخالفة لأهل السنة إلى علي رضي الله عنه إن صح النقل فليس لهم به كبير عناية!: "يا ليتني لم تلدني أمي، ويا ليت السباع مزقت لحمي، ولم أسمع بذكر النار. قم وضع يده على رأسه وجعل يبكي"، فلا تعارض لانفكاك الجهة، فالأول: يقولها في دار الجزاء وقد علم مصيره، والثاني يقولها في دار الابتلاء وقد بشر بالجنة على جهة اليقين الجازم، فما زاده ذلك إلا حذرا من مكر الرب، جل وعلا، فهو خير الماكرين باستخراجه مواد الفساد الخفية في ثنايا النفوس البشرية بجملة من الابتلاءات الكونية والشرعية، فلا يأمن مكر مقلب القلوب إلا جاهل وذلك ما حمل الصديق وأولئك الأفاضل، رضي الله عنهم جميعا، على تمني ما تمنى في مقابل حال الكافر الذي عاش حياته في أمن من المحن جهلا وغرورا، فلم يقدر مكر الرب، جل وعلا، حق قدره، فبسط له في رداء الشبهة والشهوة، فلا ينفكان غالبا، فلحقه من موات القلب وفساد الجوارح ما قد غفل عنه لعظم جهله فلا التفات له إلى علوم النبوة التي أبانت عن تلك الدقائق ليحذر اليقظ من أن تدور عليه الدوائر الكونية لمخالفته الطرائق الشرعية، فأين ذلك الجاهل الذي يؤخذ على حين غرة فتعظم مصيبته بسوء خاتمته، ممن عاش حياته برسم المراقبة للرب، جل وعلا، فامتثل شرعه، فليس يناله من قدره إلا خير في الحال بنصر وتمكين، وخير في المآل، وإن وقع الألم والقرح في دار الابتلاء، فـ: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
والشاهد أن انفكاك الجهة بين إهلاك العاصي عقوبة، وإهلاك الطائع ابتلاء، وإهلاك الشجر والحجر بعموم القارعة الكونية، ذلك الانفكاك مما يسوغ حمل القرية في الآية على الحقيقة والمجاز معا، فمن قال بأن الحقيقة هي البناء، والمجاز من يسكنه، فإنه يجعل ذلك من مجاز المحلية فقد أطلق المحل وأراد الحال فيه، أو يجعله من مجاز الحذف على تقدير محذوف يلائم السياق كـ: أهل قرية، ومن أنكر وقوع المجاز في التنزيل فإنه يقدر المحذوف تقدير الأول لا على جهة المجاز بل ذلك مما اقتضاه السياق، فقرينة الإهلاك تنصرف، كما تقدم، إلى العقلاء ممن حقت عليهم كلمة العذاب النافذة، ومن جاورهم فترك الإنكار فالعقوبة تعمه، فـ: "إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ , أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ"، ومن جاورهم فعجز عن الإنكار كما هي الحال الغالبة في زماننا فالعقوبة تناله، أيضا، فذلك، كما تقدم، مقتضى سنة العذاب العامة فلا يصيب المرض والفقر بعضا دون بعض، بل يضرب الرب، جل وعلا، الذلة والمسكنة على الأمم العاصية، إجمالا، وإن كان فيها آحاد من الصالحين فيوفيهم أجورهم في دار الجزاء، فلا اختصاص لهم بنجاة في هذه الدار، فالسنن العامة لا تحابي أحدا، ولو كان ذلك لنجا خير طباق الأرض من سيف قريش الجائر يوم أحد فلم يشفع لهم صلاحهم ولا تأولهم أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعدم مغادرة جبل الرماة بأن ذلك إنما يكون حال النزال وقد انقضى بفرار قريش، بل لم يشفع لمن ثبت منهم فأجرى الأمر على ظاهره ولم يتأوله، فقتل عبد الله بين جبير، رضي الله عنه، ومن معه من الرماة، فنالهم من شؤم المعصية في دار الابتلاء ما نالهم، وإن لم يقترفوها، ونالهم من كرامة الشهادة والنجاة في دار الجزاء ما نالهم، فتلك في حقهم مصلحة أعظم لم يكن لهم التوصل إليها إلا على جسر حر السيف الذي أعملته خيل قريش فيهم، ونال الجيش بأكمله من شؤم معصية فصيل منه لا يصل إلى خمسين ما ناله، فـ: (مَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ
(يُتْبَعُ)
(/)
لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)، فذلك جار على ما تقدم من مكر خير الماكرين، جل وعلا، باستخراج ما بطن في قلوب المنافقين من الكفر برسم الذم فكتب توليهم عن القتال ابتداء بتحريض ابن سلول زعيم المنافقين، فعلمه الرب، جل وعلا، علما ثانيا هو تأويل ما قد كتب في اللوح من العلم التقديري الأول، فتعلق العلم الأول به تعلق تقدير وكتابة في اللوح، وتعلق العلم الثاني به تعلق إحصاء وكتابة في صحف الحفظة، عليهم السلام، واستخراج ما بطن في قلوب بعض المؤمنين من نوع حب خفي للدنيا فـ: (مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ)، فذلك مما لم يخطر ببال كثير، كما أثر عن ابن مسعود، رضي الله عنه، فاستخرجه الرب، جل وعلا، برسم التمحيص والتطهير بكير المصاب العظيم يوم أحد، فناره قد أذهبت ذلك الخبث الطارئ على أطهر القلوب بعد قلوب الأنبياء والمرسلين، عليهم السلام، وليس في القوم راج عصمة، فحصل منهم التولي كما حصل من المنافقين، وشتان!، فالأولون قد تولوا قبل اللقاء فانهزموا وكادوا يفتنون غيرهم، فـ: (هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، فهمت لا على رسم الجزم فذلك من وسواس شياطين الإنس فهاتفهم قد نادى بأعلى صوته: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ، ولولا هاتف الملك، فهو هاتف رحماني في مقابل هاتف الوسواس الشيطاني، وهو مئنة من كمال الولاية الربانية برسم العناية بالتثبيت حال ورود الفتنة بشبهة أو شهوة، فهو من جنس التثبيت في قوله تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)، لولاه لأصغوا فوقعوا في المحظور، فنجوا من تلك الفتنة العظيمة، فـ: (وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، فذلك أبلغ في تقرير الولاية، فتعريف الجزأين مئنة من الحصر والتوكيد، فالله، عز وجل، وليهما لا غيره من أولياء الإنس أو الجان، وعليه وحده لا غيره، فذلك حصر آخر بتقديم ما حقه التأخير، عليه وحده فليتوكل المؤمنون.
فتلك حال الأولين الذين تولوا قبل وقوع النزال، وأما الآخرون فقد تولوا بعد وقوع النزال لنوع مكر رباني لطيف أذهب كما تقدم برسم العفو والمغفرة ما قد علق في القلوب من حب الدنيا، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ).
فشفع لهم عظيم سابقتهم في الإسلام، فلا يستوي الفريقان في الحكم، فهو فرع على الوصف، وليس وصف المنافق الأصيل الذي اعتاد المعصية والتولي كحال من زل مرة من أهل الفضل والسبق فأقال الله، عز وجل، عثرته، فذلك مما مدح به المؤمنون فـ: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود"، فاتصاف الرب، جل وعلا، به ثابت من باب أولى فهو أولى بكل كمال في الذات أو الوصف.
فذلك وجه من أنكر المجاز فقدر المضاف: أهل قرية، وجعل ذلك من معهود لسان العرب فهو حقيقة فيه لجريانه على سننه المطرد فلا خروج فيه عن قواعد اللسان العربي الذي نزل به الوحي، أو جعل السياق حاكما فالقرينة تصرف المعنى ابتداء إلى العقلاء فإهلاكهم فرع على عصيانهم، والدور والقصور لا تعصي بداهة وإنما ينالها كما تقدم شؤم المعصية العام فلا ينجو منه أحد ولو بناء جامدا أو نباتا حيا أو كائنا حساسا متحركا فكل صور الحياة تتأثر بأفعال بني آدم سواء أكانت مخالفة للتشريع فضررها أعظم وإن كان أخفى لا سيما على ذوي البصائر المحجوبة عن نور الوحي، فلا يزيدهم هذا القول إلا سخرية واستخفافا حتى يقع العذاب الخاص أو العام فلسان مقالهم آنذاك: (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ)، ولا ينفع إيمان حال معاينة العذاب، إلا ما كان من قوم يونس فذلك استثناء لا يقاس عليه
(يُتْبَعُ)
(/)
، فـ: (لَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) كما لا تنفع توبة حال الغرغرة، فـ: (لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، فتتأثر كل صور الحياة بمخالفة بني آدم لسنن الشرع، كما تقدم، أو لسنن الكون، كما قد وقع من أرباب المدنية الحديثة في زماننا، فذلك أظهر من شؤم مخالفة السنن الشرعية لتعلقه بالبصر قبل البصيرة، فيستوي فيه كل من له حس ظاهر سليم، ولو كان ذا حس باطن فاسد بالإعراض عن التدبر والنظر في تلك العقوبات الكونية التي تجري على وفق سنن رباني محكم، فلا يعنى إلا برصد النتائج وتحليلها بل يرد الأمر إلى الطبيعة العاجزة الجاهلة، ولعل موجة الجفاف وارتفاع درجة الحرارة التي يتعرض لها شرق المتوسط الآن، خير شاهد على شؤم مخالفة السنة الشرعية فتلك حال عموم المسلمين في كل البلاد متوسطية كانت أو غير ذلك!، ومخالفة السنة الكونية بالعبث في موارد الكون وذلك ما أدى بمقتضى سنن الحياة التي يمكن رصد آثارها بالعلم التجريبي المحسوس إلى وقوع الاحتباس الحراري الذي يزيد معدلات الجفاف ويزيد معدلات أمراض لم تكن في معهودة في الزمن الماضي فهي وليدة عبث الإنسان في السنن الكوني المحكم، وذلك، أيضا، من صور الفسق الذي ورد في الآية وإن كان ذلك مما ينصرف ابتداء إلى فسق الاعتقاد بالكفر أو فسق العمل بالمعصية، ولكنه، لا ينفك بمقتضى التلازم بين الفساد الكوني والفساد الشرعي، لا ينفك عن نوع فسق وخروج ظاهر عن سنن الكون النافذ عبثا وإفسادا في الأرض ينال شؤمه الأبدان كما ينال شؤم الفسق المعهود الأديان بالتحريف لنصوصها والمخالفة لأحكامها، وذلك من وجه آخر: عقوبة عادلة لعدم الاقتصاد في تناول النعمة الربانية التي امتن بها الرب، جل وعلا، على تلك البلاد، فمواردها المائية كبيرة، ومع ذلك وقع الجفاف الذي عم دول الشرق المسلم فلا أمطار تقريبا مع دخول فصل الخريف وقرب انقضائه في بلاد كان معهود السنة الكونية فيها غزارة الأمطار واعتدال المناخ بل وبرودته في بعض الأمصار، فإذا المطر قد حبس، فذلك تأويل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فما: "منع قوم الزكاة إلا مُنِعُوا القطر من السماء؛ ولولا البهائم لم يمطروا"، وإذا الحر قد استمر فلم ينقطع تقريبا من الصيف إلى الآن!، إلا أياما معدودات، وإذا معدلات الأنهار في بلاد كالعراق ولبنان قد انحسرت إلى النصف، وإذا بلاد كلبنان تفقد جزءا كبيرا من غطائها الثلجي، وهو مخزون مائي استراتيجي كبير بدأ في النضوب، وإذا بلاد كسوريا تحدث فيها الهجرة الداخلية لنحو 350 ألف إنسان لوقوع الجفاف في مدنهم وبواديهم، وإذا بلاد كمصر لم تر المطر حتى الآن تقريبا!، مع ما قد علم من أزمتها المائية المتصاعدة مع دول الحوض التي تآمر بعضها صراحة مع كيان يهود لتقليل حصص دول المصب من ماء النيل مع تزايد الطلب عليه في السنين القادمة، إن قدر الرب جل وعلا، وكل تلك الظواهر ما هي إلا مظاهر غضب الرب، جل وعلا، لا غضب الطبيعة المزعوم، فهو أخذ بالسنين من قبيل الأخذ في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)، فآل فرعون الآن قد ساروا على سنن آل فرعون الأول فنالهم ما نالهم من عقوبات معجلة، فالسنة الكونية في إنزال العقوبة الربانية، كما تقدم، سنة جارية فلا نظر فيها إلى عين الفراعين!، وإنما النظر فيها إلى إفسادهم في الأرض مع زعمهم الإصلاح وبناء المستقبل الزاهر للجيل الناشئ!.
(يُتْبَعُ)
(/)
فمن ينكر المجاز يقدر المحذوف على النحو السابق، أو يرد الأمر إلى المعاني المجردة في الذهن، فالقرية مئنة من الاجتماع، فـ: "قريت الماء" إذا جمعته، ومنه قيل للكتاب العزيز: قرآن، فحروفه وكلماته قد جمعت في الخط والنطق، فالمعنى: مطلق الجمع، ومنه: المحسوس كجمع البشر والدور، والمعقول كجمع الحروف والألفاظ، ومنه، وهو محل الشاهد: جمع الجوامد السواكن كالدور، وجمع الأحياء المتحركين فمادة الشعور والإحساس فيهم ظاهرة، فحصل الاشتراك المعنوي بين كل تلك الحقائق مع تباين أعيانها في الخارج فذلك القدر المشترك حقيقة في كلها، فينصرف الذهن إلى المعنى المراد بما يحتف باللفظ من قرائن السياق والحال، فهو حقيقة في كل سياق بالنظر في قرائنه، والقرينة هنا، كما تقدم، ترجح إرادة البشر فمنهم يقع العصيان الذي يستوجب الوعيد بالعقاب بالإهلاك العام أو الخاص كما تقدم.
ومن يقول بجواز الجمع بين الحقيقة والمجاز، أو جواز إرادة كلا معنيي المشترك اللفظي أو كل معانيه إن تعددت، من يقول بجواز ذلك في نفس السياق، فإنه، والله أعلم، قد يجد في هذا السياق شاهدا يستأنس به، فالإهلاك وإن وقع ابتداء للعصاة إلا أن من جاورهم من الأحياء والجوامد لا يسلم من شؤمه، فينال الإهلاك القرية بالبشر، والقرية بالشجر والحجر.
فحقيقة الدار غير حقيقة من يسكنها، وإن صح إطلاق معنى القرية في حق كليهما على جهة الاشتراك اللفظي بالنظر إلى الحقائق المتباينة في الخارج، وعلى جهة الاشتراك المعنوي بالنظر إلى المعنى المجرد في الذهن، فمعنى الاجتماع في كلٍ حاصل، فينظر في كلا الوجهين، كما ينظر في وجه الحقيقة في لفظ القرية، ووجه المجاز فيها، على الخلاف في تعيين قدر الحقيقة فيه، وهل ينصرف إلى البناء أو البشر كما تقدمت الإشارة إليه.
فيريد، الله، عز وجل ذلك بمقتضى التكوين النافذ لا التشريع الحاكم، فإنه لا يأمر بالفحشاء، وإن شاء وقوعها لمصلحة عظيمة، فجهة الأمر الكوني، كما تقدم، تباين جهة الأمر الشرعي، ولما كان الفعل مئنة من القدرة النافذة، حسن إيراده مورد التعظيم، وحسن الإطناب بالمصدر المؤول: "أَنْ نُهْلِكَ"، فالزيادة في المبنى مئنة من الزيادة في المعنى، فضلا عن مجيء الفعل على حد المضارعة ففيه إشارة إلى ديمومة وصف الجلال الرباني لتعلقه بالمشيئة النافذة، وذلك آكد في الثناء على الرب، جل وعلا، بوصف جلاله النافذ، فلم يكن معطلا عنه، فله الإرادة أزلا وأبدا، وإن لم يكن ثم ما يريد وقوعه من المرادات الكونية التي تجري وفق السنن الربانية، ولا يعطل عنه، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)، فإذا أراد جل وعلا بمقتضى التكوين النافذ أن يهلك قرية:
أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا: على ما تقدم من حسن الإضافة إلى ضمير الجمع في مواضع الجلال، فتقدير الفسق والمعصية عليهم عدلا مئنة من نفاذ القدرة ولا يخلو مع ذلك من حكمة بالغة فبها، كما تقدم، تستخرج المصالح العظيمة التي تفوق مفسدة وقوعها الآنية، فذلك وجه أمرهم بها، فهو أمر تكوين لا تمكن مخالفته، فليس أمر تشريع فذلك مما امتنع في حقه، جل وعلا، لخبر النقل الصحيح، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)، وقياس العقل الصريح فذلك من النقص الذي تنزه عنه الرب، جل وعلا، بل قد أمر، جل وعلا، بما ينهى عن الفحشاء، فذلك أمر التشريع، فـ: (أَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، ونهى عن الفحشاء صراحة: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فالمضارعة مما يزيد المعنى تقريرا في الذهن، فجهة الأمر بالفسق تكوينا تباين جهة النهي عن الفحشاء وهي من الفسق تشريعا، فأمر التكوين نافذ يقع الابتلاء بمدافعته أو الصبر والرضا به إن لم يمكن رفعه، فالكفر كما يقول بعض أهل العلم مما لا يرضى عنه بداهة، فلا يرضى به شرعا وإن وقع كونا فهو كالجوع يأثم إن لم يرفعه بالأكل الذي يحفظ مهجته بل أمر
(يُتْبَعُ)
(/)
الكفر أعظم فرفعه سلامة للأديان بينما غاية رفع الجوع استبقاء الأبدان وهي فانية ولو بعد حين، وأمر التشريع حاكم يقع الابتلاء بامتثاله، فذلك حد التكليف الشرعي.
والأمر من جهة أخرى قد ينصرف إلى التكثير فيكثر الخبث وهو مئنة من الهلاك العام كما في حديث: "يا رسول الله: أنَهْلِكُ وفِينا الصَّالِحون؟ قال: نَعَمْ إذا كَثُرَ الخَبَثُ".
فتصير الحال الغالبة: حال الفسق والمعصية، فأكثر الناس مترفون فهم فاسقون بالقوة وإن لم يفسقوا بالفعل!، إن صح التعبير، فالترف، كما تقدم، مظنة انتهاك الحرمات الشرعية فلا يفسق الإنسان إلا بعد الامتلاء من الشهوات فإذا استوفت أخلاقه البهيمية حظها من الترف تطلعت أخلاقه السبعية بالعدوان على الأديان والأبدان إلى استيفاء حظها، أيضا، فهو صائل على كليهما، فيكون الفقر في حق أمثاله نعمة!، فإنه يحجزه عن فسوق ومعاص تكون ذريعة إلى هلاكه في الأولى والآخرة.
واختص المترفون بهذا الأمر ففيه مزيد ذم لطريقتهم المعوجة التي تفسد الأديان بمخالفة سنن الشرع، وتفسد الأبدان والأكوان بمخالفة سنن الكون، وأمرهم لا يعني عدم وقوع المعصية من غيرهم بل قد خرج الخطاب مخرج الغالب، فجل المصائب تأتي من قبلهم!.
ولا مانع من الجمع بين المعنيين فالسياق يحتمل كليهما فذلك جار على ما تقدم من جواز الجمع بين معاني المشترك اللفظي، فدلالة الأمر على طلب الفعل من وجه، وعلى تكثير العدد من وجه آخر، قد تنزل على ذلك.
فَفَسَقُوا فِيهَا: إما فسقا بالخروج على سنن الشرع بفسق أكبر بالكفر الناقض لأصل الإيمان في القلب وذلك مما يشهد تذييل الآية له، فالتدمير الذي أكد بمصدره ينصرف ابتداء إلى عذاب الاستئصال العام أو الخاص الذي ينزل بأعداء الرسل، عليهم السلام، من الكافرين المكذبين، أو فسق أصغر بالمعصية التي تقدح في كمال الإيمان الواجب دون أصله، وبالخروج أيضا على سنن الكون، كما تقدم، فالعبث في موارد الكون نوع فسق وخروج عن أمر الرب، جل وعلا، فالأول خروج عن أمر التشريع والثاني خروج عن أمر التكوين ولا ينفكان غالبا، كما تقدم، وكلاهما ذريعة إلى وقوع الهلاك.
فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ: بمقتضى السنن الكوني النافذ في إجراء العقوبات الربانية، فذلك قول العذاب، فـ: (حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)، فحقت في الأولى بعذاب الاستئصال المعجل وحقت في الثانية بعذاب النار المؤبد.
فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا: فذلك من التوكيد بالمصدر كما تقدم إمعانا في النكاية فيهم من وجه، وإمعانا في تقرير السنة الكونية النافذة، والخبر كسائر أخبار الوعيد لا يخلو من دلالة إنشائية تحذيرية من سلوك طريقتهم لئلا ينال السالك نظير ما قد نالهم في الدنيا والآخرة فذلك من قياس الطرد الذي تواتر في آي الوعد والوعيد.
والله أعلى وأعلم.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[06 - 12 - 2010, 12:44 ص]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: مهاجر
جزاك الله خيرا، مقال بلاغي قيم، جعله الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة، ونفع بعلمكم الأمة الإسلامية: اللهم آمين
والله الموفق
ـ[سامي أحمد المسلم]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 04:01 ص]ـ
جزاك الله خيرا
والرجاء مراجعة المقال
وتصحيح بعض الآيات القرآنية في المقال
وبعض اللأخطاء الاملائية
ـ[سامي أحمد المسلم]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 04:04 ص]ـ
ما بطن في قلوب بعض المؤمنين من نوع حب خفي للدنيا فـ: (مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ)
وهذا مثال
ـ[سامي أحمد المسلم]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 04:08 ص]ـ
وهذا لا يقلل من قيمة الموضوع فهو مفيد جدا
وسوف أعاود قراءته لأستفيد منه(/)
قال تعالى:"تلك عشرة كاملة "
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 04:05 م]ـ
تلك عشرة كاملة
قال تعالى:
"وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} (البقرة:196).
يقول تعالى:"تلك عشرة" لدفع توهم التخيير بين الثلاثة والسبعة، ثم أكد ذلك بقوله:"كاملة" لتأكيد المعنى مرة ثانية، ونحن نستعمل مثل هذا التركيب في حديثنا اليومي، حيث نقول: أعطيت له مئة دينار كاملة مكمًّلة، من أجل التأكيد.
وهذا يدل على أنّ الكلام اختيار وتأليف بحسب الأهمية المعنوية.
ـ[أنوار]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 04:59 م]ـ
بوركتم أستاذنا الكريم .. لفتة قيّمة.(/)
من أنت يا إسلام (1) (قصة قصيرة واقعية حدثت لى) متجدد
ـ[أبو يوسف الأندلسى]ــــــــ[02 - 12 - 2010, 11:46 م]ـ
من أنت يا إسلام؟!
بعدما فرغتُ من عملي في ليلةٍ باردة وجدتُ شخصاً أعرفه أمام محل بيتزا قد أُفتتح جديداً وبجواره شخصٌ غريب الأطوار .. بدتْ روحه غامرةً للمكان بحضوره القوىّ، وملابسه الكلاسيكية العجيبة .. إذا بصاحبي يعطيه بعضاً من الفطير والبيتزا لكنه رفض بقوة .. فأخرج من جيبه مالاً وأراد أن يعطيه فغضب وقال: الصدقة لا تجوز علىّ .. فلما ألحّ صاحبي قال هو إذن دين وأرده إليك بعد حين؛ فوافق صاحبي ليرضيه .. وهنا بدا هذا الشخص الغريب كأنه يفيق من دوامة أو من حُلم كان غارقا فيه .. وأخبرني صاحبي بصوتٍ خافت أن ذلك الشخص كان يتضورُ جوعاً ويمسك ببطنه وكاد يسقط أرضاً ويأبى أن يطلب من أحد شيئا ...
فإذا بالشخص الغريب الأطوار يهتز ويرتج ويقول في أي عامٍ نحن .. ؟! ويطلب منّا أذكاراً كانت معه وضاعت للشيخ حسن البنا؛ فأعطاه صاحبي أذكار الصباح والمساء لشيخٍ معاصر فظنها هي .. كان يبدو عليه أنه سقط من عصر آخر .. وكنت ملتفتا إليه فإذا به يحدثنا بالفصحى بلهجة مستقيمة ويقول قرأتُ في البداية والنهاية كذا ولا أدرى صحة الحديث .. ويستدرك ويتكلم عن الشيخ " حسن البنا " مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وعن الشيخ كشك .. هو يتكلم وأنا أغوص بخيالي أن ذاك الشخص سقط من بداية القرن بفعل آلة الزمن أو اختراع آخر .. هو يظننا من الإخوان لهيئتنا السنية التي كانت تُرى على الإخوان قديما ..
كنت قبلها أتناقش مع صديق لي عن الإخوان ووجود جماعة أنصار السنة قبلها وكان يحاول أن يقنعني أنهم لم يكن لهم انتشار ولا يعرفهم أحد ويبرر بعضَ أخطاء الإخوان بأن هذا كان هو السائد في عصرهم ولم ينصحهم أحد .. فكنت قد وقعت على مقال لأبى فهر محمود شاكر يرد على سيد قطب فى سبه بعض الصحابة .. وقعت على هذا المقال كأني وقعت على كنز لأقيم به الحجة على صديقي أن سيدا -عفا الله عنه- خالف السنة عمدا وأُنكر عليه فلم يرجع .. لكن حينما كلمني ذاك الشخص الغريب قلت هو لا يعرف غير الإخوان لعل أنصار السنة لم يكن لها وجود قوى في ذلك العصر البعيد الذي جاء منه .. تمنيت ساعتها أن أسافر معه في بدايات القرن العشرين لأعرّفه على العلامة المحدث "أحمد شاكر"،والشيخ "حامد الفقى" مؤسس أنصار السنة، وعلى الأستاذ "محمود شاكر "الأديب الكبير ليعرف منهج السلف .. ومازلت أغوص في خيالي .. وأقول سيحكى لي عن زمنه وأكتشف مالا يعلمه أحد عن "الملك فؤاد" و"فاروق "وحكاية الثورة ..
نبهني صديقي فجأة لأفيقَ من هذا السُبات العميق وأنظر إليه فسألناه عن اسمه قال اسمي "إسلام" .. قلنا له فيك أمرٌ غريب قال سحرتني عمتي "عظيمة "وأختها "نظيمة" الأولى قد تجاوزتْ التسعينَ عاماً من الظلم والطغيان والأخرى تجاوزت الخامسة والثمانين وأخذ يحكى عنهما وعن تدبيرهما كأنها حكاية من ألف ليلة وليلة .. كل هذا من أجل أن يغتصبا ميراث والده الذي تركه له .. تخيلتُ نفسي مكانه وقلت ما أقسى الظلم وتذكرت بيت الشعر الذي يقول:
وظلمُ ذوي القربى أشدُ مضاضةً ... على النفس من وقع الحسام المهنّد
المهم أننا تعرفنا وأستأذن صاحبي لأنه تأخر عن بيته وينتظرونه وينتظرون طعام العشاء الشهي الذي معه .. فهنا وأنا أنظر إليه بكل حب وإشفاق عرّفته بنفسي فطلب منى رقم هاتفي الجوال وأخبرته بعملي لكنى لم أخبره بالمكان .. فأنا مازلت لا أعرفه وأخشى أن يسبب لي مشاكلاً كبيرة فيما بعد ..
كان هذا هو الجزء الأول وتأتى البقية إن شاء الله(/)
ما الغرض من الخبر في قوله تعالى "ألم يجدك يتيما .. "
ـ[طلال 111]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 02:58 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي سؤال وأرجو منكم مساعدتي
س/ ما الغرض من الخبر في قوله تعالى (ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى ... ) الآية
ـ[عصام محمود]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 02:49 م]ـ
التقرير
ـ[طلال 111]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 11:20 م]ـ
شكرا اخوي عصام على الإفادة
وفقك الله(/)
طريقة استخراج الفصل والوصل
ـ[زخات مطر]ــــــــ[03 - 12 - 2010, 05:06 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
بالنسبة لاستخراج شواهد الفصل هل هي مقصورة فقط على الجمل التي لامحل لها من الاعراب كالجملة الابتدائية والتفسيرية والتعليلية وجواب القسم ... . أي أني حين أريد أن استخرج شواهد للفصل فقط أبحث في تلك الجمل واترك غيرها.
وبالنسبة للوصل هل كل وصل بالواو هو وصل يدرج تحت هذا الباب قرأت عن ذلك لكني احتاج لايضاح وهل حالة الوصل مقصورة على ارادة التشريك في الحكم وعلى حالة التوسط بين الكمالين؟؟
افيدوني مأجورين
ـ[أنوار]ــــــــ[04 - 12 - 2010, 04:53 ص]ـ
وعليكِ السلام ورحمة الله ..
النسبة لاستخراج شواهد الفصل هل هي مقصورة فقط على الجمل التي لامحل لها من الاعراب كالجملة الابتدائية والتفسيرية والتعليلية وجواب القسم ... . أي أني حين أريد أن استخرج شواهد للفصل فقط أبحث في تلك الجمل واترك غيرها.
لا .. ليست مقصورة على الجمل التي لا محل لها من الإعراب فقط.
ولكن لما رأى البلاغيون أن الجمل التي لها محل من الإعراب أمرها هيِّن يسير تجاوزوها .. إذ لا يقصد منها إلا التشريك في الحكم الإعرابي.
وأولو جهودهم للجمل التي لا محل لها من الإعراب؛ لأن دقة الفصل والوصل إنما تظهر في الجمل التي لا محل لها من الإعراب؛ ولأن معرفة هذه المواطن تحتاج لبصر نافذ فطن قادر على إدراك مدى التقارب والتباعد بين المضامين الفكرية للجمل التي تتلو بعضها بعضا في الكلام، وهذا مما يصعب على الكثيرين إدراكه فلا يستطيعون في كل حال تحديد:
- ما يجب أو يحسن فصله، وما يجب أو يحسن وصله، وما يستوي فيه الأمران.
ـ[أنوار]ــــــــ[04 - 12 - 2010, 05:13 ص]ـ
وبالنسبة للوصل هل كل وصل بالواو هو وصل يدرج تحت هذا الباب قرأت عن ذلك لكني احتاج لايضاح وهل حالة الوصل مقصورة على إرادة التشريك في الحكم وعلى حالة التوسط بين الكمالين؟؟ نعم .. بل الواو أم الباب، وقد اهتم البلاغيون بالعطف بالواو؛ لأن لها وجه واحد هو الإشراك في الحكم ومطلق الجمع فالعطف بها دقيق مشكل.
والله أعلم ..(/)
كيفية التحويل من التشبيه الضمني إلى التصريحي؟
ـ[نور]ــــــــ[04 - 12 - 2010, 04:53 م]ـ
السلام عليكم و الرحمة ..
على أي أساس أحوّل بيت ما من التشبيه الضمني إلى التصريحي؟
و مثال على ذلك ما يلي:
1) فإن تفق الأنام و أنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال
2) ليْس الْحِجابُ بمقْصٍ عنك لى أَملاً إِنَّ الَّسماءَ تُرجَّى حين تحتَجِب
3) قد يشيب الفتى وليس عجيبا أن يرى النور في القضيب الرطيب
..
ـ[السراج]ــــــــ[05 - 12 - 2010, 12:57 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
لابد من تغيير في بنية الجملة.
إنك تفوق الأنام وأنت منهم كأنك مسكٌ وهم دم الغزال.
مرحباً بكِ في الفصيح: ننتظر منكِ المبادرة.(/)
من نصوص التفكر
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 12 - 2010, 03:56 ص]ـ
من نصوص التفكر:
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "تفكّروا في آلاء الله، ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا":
فذلك من الأمر الذي يفيد بمادته المعجمية الإيجاب الملزم، وذلك متحقق في هذا السياق، فالتفكر من العبادات التي فرضت برسم الوجوب وإن لم يكن لها هيئات وماهيات كسائر الشعائر التعبدية، فالنظر والتدبر من أعمال الباطن، وأعمال الباطن مما لا يمكن حده حد الشعائر الظاهرة، فعمل الباطن بالتفكر والتدبر أمر يتفاوت في قدره ووصفه بتفاوت أعيان المكلفين فذلك مما يعجز البشر عن حده، فلا يعلم ما في القلوب من العلوم والإرادات إلا الرب، جل وعلا، ولا يعلم البواعث الدقيقة على العمل الظاهر إلا بارئ القلوب ومدبر أمرها بمدد العلم والإرادة، فتظهر آثار ذلك على عمل الجوارح فذلك من التلازم العقلي الوثيق، فالعمل قد يمكن تعيين ماهيته المطلقة: تفكر، صلاة، زكاة ....... إلخ، وأما تعيينه في الخارج بتعيين قدره وأوصافه التي يتفاوت فيها المكلفون بتفاوت أعيانهم، فصلاة زيد تباين صلاة عمرو، وإن كان كلاهما مصل، ذلك التعيين في الخارج لا سيما في أمر القبول أو الرد تبعا لما يقوم بالقلب من إخلاص أو نفاق أو رياء ينقض أصل العمل، أو رياء ينقض كماله فيقل الثواب ولا يحبط العمل ....... إلخ، ذلك التعيين مما لا يقدر عليه بشر مهما أوتي من ذكاء وآلات قياس، فآلات القياس تصلح لتعيين أقدار وأوصاف المحسوسات في الخارج لا المعقولات في الباطن فتلك مما لا يعلمها إلا الرب، جل وعلا، وذلك من وجه: قدر فارق بين مقام الربوبية لا سيما ربوبية العلم برسم الإحاطة، فـ: (إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)، ومقام العبودية فلا يدرك العباد من بعضهم إلا ما يظهر على جوارحهم فلا يجوز الحكم بالظن ما لم تقم قرينة تصيره علما جازما، ومن آخر: رحمة من الرب، جل وعلا، أن أخفى ما في الصدور من الحركات والإرادات الدقيقة وإن افتضح كثير منها على فلتات اللسان والجوارح ولكن ما خفي كان أعظم!، فالحمد لله الذي حجب كثيرا من خبايا النفوس وإلا ما صفا لأحد خليل أو صديق، ولذلك كان من الحكمة، كما يقول بعض أهل العلم، ترك التفتيش في أحوال ودقائق الأصحاب فذلك مما يفسد الود فلا بد أن يعثر من فتش على خبايا منفرة ووجوه نقص تؤلب النفوس وتغير القلوب، فخذ ما ظهر ودع ما خفي إلا أن تقوم قرينة تستوجب الحذر فـ:
كن على حذر للناس تستره ******* ولا يغرك منهم ثغر مبتسم.
فتفكروا برسم: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)، فذلك من جملة الآلاء الكونية، فينزل منزلة بيان مجمل الآلاء المذكورة في الحديث، فيكون من بيان مجمل السنة بالكتاب، واختصاص السماوات والأرض بوصف الآيات، لا يقصره عليها، فذلك من قبيل ذكر بعض أفراد العام في معرض بيانه، فبالتمثيل يحصل في الذهن صورة علمية للمعرف، وإن لم يحط الذهن بكل أفراده، فالعقل لا يقدر على الإحاطة بكل آيات الكون، فمن ذا الذي يحصي آثار قدرة وحكمة ورحمة الرب، جل وعلا، في الكون، فتفكروا في الآلاء الكونية برسم: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)، فانظروا إلى أجرام السماء والأرض، بالبصر المحسوس، فتعدي النظر بـ: "إلى" ينصرف بداهة إلى رؤية البصر المحسوس، وانظروا فيما في السماوات والأرض فتعدي النظر بـ "في" ينصرف إلى رؤية البصيرة المعقولة، فانظروا في الآية قد أطلقت، فصارت مجملة من هذا الوجه، فتحتمل التعدي بـ: "إلى"، أو: "في"، فذلك من الاشتراك اللفظي الذي وقع فيه الإجمال بإطلاق العامل فيحتمل التعدي، كما تقدم، بأكثر من واسطة، فهو من قبيل إطلاق عامل الرغبة في قوله تعالى: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) فتحتمل التعدي بـ: "في" إقبالا، أو: "عن" إدبارا، ولا يمتنع، عند التدبر والنظر، الجمع بين النظرين فكلاهما يستقيم به السياق بحمله على معنى صحيح بل ذلك مقتضى الترتيب العقلي، فالعين هي أول مدارك الحس الظاهر في باب التفكر
(يُتْبَعُ)
(/)
، فتحصل الصورة البصرية أو التخييلية في العين التي تتصل بمدارك الحس الباطن الذي ينظر في الصورة: نظر التدبر، فيجتمع في حق الناظر برسم الهداية التوفيقية، النظران فهو ناظر إلى جرم الآيات المحسوسة، ناظر في سننها الكوني النافذ، فهو بذلك أكمل الناس قوى ومدارك، فيحصل له السمع والبصر برسم العقل، بخلاف من تعطلت آلته الإدراكية الباطنة فلم يدرك من الآلاء إلا الصور الظاهرة التي يباشرها برسم البصر والتخييل، ويجد أثرها برسم الشهوة المحضة إن كانت أعيانها مما يلتذ به من مطعوم أو مشروب أو منكوح، فجاء الأمر بالنظر في المباني والمعاني، فانظروا في آلاء الرب، جل وعلا، في السماوات والأرض، فذلك نوع بيان آجر لمجمل "الآلاء" في الحديث، فقد أبانت الآية عن الظرف المكاني الذي يحوي الآلاء، فهي في السماوات والأرض، فـ: "أل": جنسية بيانية لحقيقة الظرف فالآلاء في السماء العالية والأرض السافلة، جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فآيات التكوين، فهو مئنة من القدرة الإيجادية، والتدبير، فهو مئنة من الحكمة والعناية الربانية، في كل سماء بادية، فالنجوم فيها مبثوثة برسم: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ)، فجاء الفعل على حد الجمع تعظيما فذلك مما يحسن في معرض بيان آلاء القدرة، وجاء على حد الجمع فهو، أيضا، مما يحسن في معرض بيان آلاء الحكمة والعناية فنص على حكمة تكوين النجوم فهي الرجوم التي نكرت مئنة من النوعية فضلا عن دلالتها على معنى التعظيم فهي رجوم عظيمة للشياطين الرجيمة، فوصفها بـ: "الرجيم": مئنة من فعل الرب، جل وعلا، بها بصفات جلاله القاهر، فزينا السماء بمصابيح عظيمة الجرم محكمة الخلق بديعة الجوهر والعرض، فالبصيرة تدرك من جوهر خلقتها ما أبانت عنه العلوم التجريبية الحديثة، والبصر يدرك من مظهرها ما تسر به العين وينشرح به الصدر من صور تدل بجمالها على صفات الجمال الربانية، ففيها من الدقة والإحكام ما يدل على حكمة من برأها ونثرها في السماء على هذا الوجه البديع المحكم، وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ: فذلك من الجعل الكوني النافذ برسم الجلال القاهر، فاجتمع في هذه الآية من آلاء الربوبية ما حصلت به صورة علمية باهرة تدل على كمال ربوبيته، جل وعلا، فله ربوبية الجلال بهذا الخلق الذي لا يقدر عليه إلا من له طلاقة القدرة وذلك وصف انفرد به الرب، جل وعلا، فالشراكة فيه ممنوعة بل تجويز وقوعها تجويز لفساد مادة الكون فـ: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، وله ربوبية الجمال بهذا الإحكام وتلك الحكمة العظيمة التي خلقت لأجلها الرجوم فهي مما يحفظ به البشر من شر الشياطين، فيحفظون من وحي المردة إلى الكهنة، ويحفظون من تلبيس الشياطين فمادة الوحي قد نزلت برسم العصمة فلم تجرؤ الشياطين على استراق السمع، بل لسان مقالهم: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا)، فكل تلك الآلاء الكونية مما يحمل الناظر فيها، إن كان ممن سبقت له الحسنى فسدد ووفق إلى طريقة الوحي فهي معدن العصمة العلمية والعملية، مما يحمله على التفكر في الآلاء الشرعية برسم التصديق بالخبر والتأويل للحكم بالأمر والنهي، فيحصل التلاؤم بين معاني التوحيد المنجي: علما نافعا يحصل في القلب بمطالعة آيات التكوين، وعملا صالحا يحصل في الجوارح بتأويل آيات التشريع، فالتلازم بين آي الربوبية العلمية وآي الألوهية العملية تلازم، كما تقدم، وثيق، بل هو عند التدبر والنظر، من الضرورات العقلية، فترتب العمل على العلم فيرد العلم على المحل الباطن ابتداء، ثم يظهر أثره في المحل الظاهر انتهاء، فيوافق الظاهر بأعماله الباطن بأقواله، ولذلك كان الإيمان المنجي: إيمانا مركبا من العلم فهو الأصل الأول وبه يصح التصور فيصح لزوما عقليا آخر: الحكم العملي الباطن بأجناس من أعمال القلب، لا يتصور إيمان بدونها فتخلفها مئنة من انتقاض أصل الإيمان بانتفاء الخضوع والانقياد الباطن
(يُتْبَعُ)
(/)
وما يتفرع عليه من خشية ورجاء وتوكل ......... إلخ، والحكم العملي الظاهر فلا يتصور إيمان صحيح في الباطن لا تظهر آثاره في الخارج، مع استيفاء شروطه وانتفاء موانعه، بل لا بد أن يولد الباطن أثرا ظاهرا ولو بمباشرة أجناس الطاعة فيتصور تخلف بعضها ولا يتصور تخلف كلها فذلك نقض لسنة كونية نافذة تقضي بالتلازم بين المؤثِّر الباطن والأثر الظاهر، فهي مما دل عليه الشرع وأيده العقل والحس فليس ثم حركة باطنة إلا ولها من تأويل حركة الظاهر ما يؤيدها.
والشاهد أن التلازم وثيق بين: أحكام الربوبية العلمية وأحكام الألوهية العملية، أو التصور العلمي المنشئ والحكم العملي الناشئ، أو العلة الباطنة والنتيجة المؤثرة ...... إلخ، فذلك من تمام النظر العلمي والانتفاع العملي بالآلاء الكونية تفكرا في الكون وامتثالا للشرع، فتكتمل أجزاء القسمة العقلية لمادة النجاة: علما صحيحا لا يتلقى إلا من مشكاة النبوات فالإلهيات والسمعيات وسائر الغيبيات لا تتلقى إلا من مصدر صحيح النسبة والإسناد وليس ذلك إلا للتنزيل المحفوظ برسم: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فلا تتلقى من أهواء عقلية أو أذواق وجدانية فلا تتلقى من كتب منقطعة الإسناد بل معدومة فليست إلا آثارا دارسة لكتب ورسائل اختلط فيها كلام الرب، جل وعلا، بكلام البشر على وجه يعسر معه الفصل وإثبات النسبة بل يتعذر لفقد شرط التواتر وعدم وجود أصل صحيح يرجع إليه عند وقوع النزاع بين النسخ الحادثة التي وقع بينها من التباين ما يدل ضرورة على وقوع التبديل لألفاظها والتحريف لمعانيها فقد اجتمع فيها كل أسباب الطعن فالإسناد مقطوع واللفظ مبدل والمعنى محرف! فلا يمكن الفصل إلا بتواتر نص واحد يقطع التواتر بصحته فذلك من العلم الضروري الذي لا يفتقر إلى استدلال نظري فيسلم به الموافق والمخالف معا فإنكاره سفسطة تقدح في عقل صاحبها فإنكار البدائه والضرورات العقلية من جنس إنكار المحسوسات الظاهرة التي يجمع أصحاب الحس السليم على وجودها فليس ذلك مما يتصور وقوع الخلاف فيه وليس ذلك مما يفتقر إلى استدلال، فالاشتغال بتحصيل أدلته اشتغال بتحصيل أدلة علم ضروري يستدل به ولا يستدل له، فذلك من جنس الاستدلال على وجود الله، عز وجل، عند أصحاب القرائح الصريحة والفطر الصحيحة، فـ: كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء؟!، كما أثر عن بعض المحققين، فذلك من جنس طلب الدليل على النهار والشمس في رابعته!، فـ:
ليس يصح في الأذهان شيء ******* إذا احتاج النهار إلى دليل
ومع ذلك اشتغل المحققون من أهل العلم بتحصيل أدلة الربوبية لما طرأ على الفطر من تبديل برسم التهويد أو التنصير أو التمجيس ..... إلخ من المقالات المحدثة، فصار ذلك في حق أصحاب الفطر المعوجة جدالا، وصار في حق أصحاب الفطر السوية سفسطة.
والشاهد أن الحجة الصحيحة السالمة من المعارضة لا تقوم إلا بنقل صحيح يسلم به الموافق والمخالف، فلا يجرؤ المخالف على الطعن في إسناده وإن طعن في أصله، ولذلك سلم عقلاء اليهود والنصارى بصحة إسناد الكتاب العزيز، فانصبت جهودهم الحثيثة على الطعن والتشكيك في الأصل، فـ: (لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)، فطعنوا في مصدره فليس وحيا ربانيا وإنما هو وحي راهب لم يجتمع به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا مرتين!، فحمل عنه ما حمل من الأدلة السمعية والعقلية المحكمة التي شهدت بصحتها النبوة الأولى ووقع تأويل أخبارها في عالم الشهادة كما قد جاء نص التنزيل بها، فلم يتخلف منها شيء بل قد صدق المرسل بها في كل قول نقله برسم الكتاب المحفوظ بنقل التواتر لكل ألفاظه والبيان لكل معانيه فمهما وقعت شبهة فحجة الرب جل وعلا ظاهرة في أقوال أهل العلم من السلف فكلامهم مبثوث في دواوين الإسلام وهم أولى الناس بالتصديق والاتباع وإن لم تثبت العصمة لأعيانهم، فإجماعهم معصوم فلا يجمعون على خلاف الحق، وقولهم أولى بالاتباع من قول من جاء بعدهم فهم أعلم الناس بلسان الوحي ومقاصده فمنهم رجال الصدر الأول، رضي الله عنهم، الذين توافر لهم من دلائل المشاهدة للتنزيل
(يُتْبَعُ)
(/)
ما لم يتوافر لمن جاء بعدهم، فعلموا من أسبابه ما لم يعلم من جاء بعدهم، فتحقق للكتاب الحفظ العام للألفاظ والمعاني، فقد جاء بأصدق الألفاظ وأعدل المعاني، فأخباره عن المغيب برسم الإطلاق من الإلهيات والسمعيات التي تأويلها وقوعها يوم التناد، وأخباره عن المغيب برسم التقييد بماض من أنباء الرسل عليهم السلام، وأخباره عن المغيب برسم التقييد بالحاضر، كما قد وقع في أخبار من الوحي المنزل كقوله تعالى: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) فذلك مما كان غيبا مكنونا في صدره صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأبطن كراهة للزواج من امرأة ربيبه فذلك مما كانت تستنكره العرب، فنسخ الإسلام كراهته باللفظ والعمل فتأول صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخبر بالتصديق والامتثال فتزوج زينب رضي الله عنها فكان ذلك آكد في تقرير الحكم بتوارد النسخ للفظه والتأول لحكمه بإيقاعه في الخارج فحصل البيان بالقول والعمل وذلك مما يرسخ المعنى في الذهن فالعمل يصدق القول ويشهد له ولم يكن ذلك إلا غيبا أخفاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأظهره الرب، جل وعلا، ولو كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كاتما شيئا لكتم ذلك العتاب من ربه، جل وعلا، فذلك من الغيب المقيد بالحاضر، ومثله قوله تعالى: (قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)، فذلك، أيضا، من الغيب المقيد بالحاضر فأطلعه الرب، جل وعلا، على ما كان منها فهو العليم برسم الإحاطة، الخبير بدقائق المعلومات، فإحاطته لها إحاطة عامة بالكليات والجزئيات، ومن ذلك أخبار أخرى من الوحي، أيضا، وإن لم تكن من التنزيل كخبر عمير بن وهب، رضي الله عنه، وخبر الشاة المسمومة التي قدمتها اليهودية: زينب بنت الحارث للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فطعم منها ثم لفظها، وأخباره عن المغيب برسم التقييد بالمستقبل قد وقع منها، أيضا، ما يشهد لخبره بالصدق الجازم المتواتر فلم يتخلف الصدق عن خبر واحد من أخباره، فأين ذلك من أخبار غيره من الكذبة من أدعياء النبوة أو النيابة عن الإله برسم الحل والعقد!، أو النيابة عن الإمام برسم العصمة، أو الخلافة للشيخ صاحب الخرقة ......... إلخ من أجناس الغلاة الذين يدعون صدق المقال وكمال الحال، فيسلم لهم في كل ما يوحون به إلى أتباعهم!، والكذب قد وقع في نقلهم وكلامهم على وجه يقطع يقينا بكذبهم، وإن أظهروا النسبة إلى معظم فاضل كنبي معصوم أو إمام مقدم في الديانة أو شيخ ذي ولاية، فكيف تكون كل هذه الأخبار الصادقة، وكل هذه الأحكام العادلة التي لم يعرف البشر نظيرا لها ولو برسم نبوة سابقة فقد جمعت خلاصة كمال الشرائع النازلة فجمعت جلال الموسوية وجمال العيسوية، فقد أعيى الورى أن يأتوا بمثلها وتخبطهم في ظلمات الدساتير المحدثة خير شاهد على كمال شريعة كان لأصحابها القدح المعلى حال إنفاذها ثم هم قد صاروا الآن في ذيل الأمم حال تعطيلها فالحكم برفعة درجتهم يدور مع امتثال أحكام شريعتهم وجودا وعدما، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فلم يكن ثم عز وتمكين إلا بامتثال أحكام الكتاب العزيز، ولم يكن ثم ذل ومهانة إلا بهجره تأويلا ثم الآن تلاوة!، فـ: (قَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا)، فمعنى الهجر يعم هجر مبانيه تلاوة وهجر معانيه تأويلا لها في عالم الشهادة بإنفاذ ما دلت عليه من أحكام العدل الإلهي التي ظهر بكمالها ونقصان أحكام البشر ما يدل ضرورة على كمال ربوبيته، جل وعلا، فتعم التقدير والتشريع، فذلك يقتضي كمال ألوهيته فلا يصلى لغيره ولا يتوجه الداعي بدعائه لسواه، ولا يتحاكم إلا إلى شرعه، فـ: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فكيف يكون كل ذلك مما تلقاه عن بحيرى، أو غلام في مكة لا يحسن العربية فيأتي بكلام يعجز أرباب الفصاحة والبلاغة عن الإتيان بمثله؟!، وإلى ذلك أشار في "تمهيد الأوائل" بقوله:
"فإن قال قائل فما وجه دلالة ظهور القرآن على يده مما يدل على صدقه قيل له وجه ذلك من طريقين:
(يُتْبَعُ)
(/)
أحدهما: نظمه وبراعته.
والثاني: ما انطوى عليه من أخبار الغيوب وعلمها.
فأما وجه الدلالة من جهة نظمه فهو: أنا نعلم أنه تحدى العرب بأن تأتي بمثله في براعته وفصاحته وحسن تأليفه ونظمه وجزالته ورصانته وإيجازه واختصاره واشتمال اللفظ اليسير منه على المعاني الكثيرة ودعاهم إلى ذلك وطالبهم به في أيام المواسم وغيرها مجتمعين ومتفرقين فقال لهم في نص التلاوة: (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)، يقول مواليا معينا وقال: (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) وقال: (فأتوا بسورة من مثله) مبالغة في تقريعهم بالعجز عنه مع أن اللسان الذي نزل به لسانهم ومع العلم بما هم عليه من عزة الأنفس وعظم الأنفة وشدة الحمية والحرص على تكذيبه وتشتيت جمعه وتفريق الناس من حوله والتوفر على إكذابه وما عره وغض منه وخروجهم إلى ما خرجوا إليه معه من الحرب والمسايفة وحمل الأنفس على إراقة الدماء والخروج عن الديار ومفارقة الأوطان.
فلو كانوا مع ذلك قادرين على معارضته أو معارضة سورة منه لسارعوا إلى ذلك ولكان أهون عليهم وأخف من نصب الحرب معه والجلاء عن الأوطان وتحمل الأهوال والصبر على القتل وألم الجراح واحتمال الذل والعار لأنه قد كان من تكذيبه من وجهين:
أحدهما قوله: لن تأتوا بمثله.
والآخر قوله: إن أتيتم فلجتم وكنت مبطلا وكنتم المحقين هذا مع تلاوته عليهم في نص التنزيل قوله: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون).
ولو عرفوه بذلك أو بصحبة أهل الكتب ونقلة السير ومداخلة أهل الأخبار ومجالسة أهل هذا الشأن لم يلبثوا أن يقولوا له هذا كذب لأنك ما زلت معروفا بصحبة أهل الكتب ومجالستهم وقصدهم إلى مواضعهم ومواطنهم ومجاراتهم والأخذ عنهم والاستفادة منهم وفي صدفهم عن هذا أجمع وعن تكلف معارضة سورة منه أو إيراد ما قل وكثر من ذلك مع علمهم بخروج نظم القرآن عن سائر أوزان كلامهم ونظومهم أعظم دليل على صدقه ظهور القرآن منه وهو نشأ معهم وبين أظهرهم ولم يعرفوه بقصد أهل الكتاب ومجالسة غير من لقوه وعرفوه والاقتباس منه ولا انفرد بمداخلة فصيح منهم ومتقدم في البراعة واللسن عليهم آية عظيمة وأمر خارق للعادة لأن مثل ذلك لا يكتسب بتعلم وتدقيق ذكاء وفطنة ولطيف حس وحيلة". اهـ
والشاهد أن أجزاء القسمة العقلية المنجية قد اكتملت بالعلم الصحيح الذي صحت ألفاظه ومعانيه، فالوحي، كما تقدم، قد حفظت ألفاظه بالتواتر العام للكتاب بأكمله والسنة بمجملها، فأصل ثبوتها متواتر وبعض نصوصها قد حصل له التواتر العام الذي يورث العلم الضروري المغني عن النظر، وبعض آخر قد حصل له التواتر الخاص بما احتف به من قرائن، وبعض ثالث تحققت فيه شروط الصحة الاصطلاحية فصار حجة في العمل بلا خلاف، وفي العلم على الراجح من أقوال المحققين فثبوت صحة الحديث كاف في قبوله والعمل به برسم التصديق إن كان خبرا والامتثال إن كان حكما، فالتفريق بين العلم والعمل كما تقدم مرارا أمر غير متصور فمن قبل العمل بمقتضى خبر فقد سلم ضرورة بصحة العلم المستفاد منه فتستوي في ذلك نصوص الأخبار ونصوص الأحكام، ولذلك كانت أجزاء القسمة العقلية المنجية مركبة، كما تقدم، من: علم نافع وعمل صالح.
فجاء الأمر في آية يونس للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المبلغ عن ربه، جل وعلا، فـ: "قل" على جهة الإيجاب فذلك مقتضى منصب الرسالة، فـ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، فلم يقع الخلاف في توجه هذا الخطاب إلى الأمة موجودة كانت أو معدومة، فخطاب التكليف يعم بالمواجهة للحاضر والإعلام للغائب في زمن الرسالة أو بعدها، وإنما وقع الخلاف في توجه الخطاب المصدر بـ: "قل" للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو القائل والقائل غير السامع بداهة، ومع ذلك ترجح دخوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه، لقرينة عموم التشريع، وقرينة نصوص من قبيل: "قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ، قَالُوا يَا
(يُتْبَعُ)
(/)
رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْتَ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ" فدخل في حد الخبر الذي خاطب به غيره.
فقل: "انظروا" على ما تقدم من دلالة النظر المركبة من نظر إلى المحسوس ونظر في المعقول، فانظروا في آلاء الكون التي أمرنا بالتفكر فيها، كما قد جاء في صدر الحديث، ولا يكون ثم انتفاع بهذا النظر إلا برسم السداد والتوفيق الإلهي، فـ: (مَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)، ثم جاء التقرير لسنة كونية أخرى هي مقتضى القياس الصحيح، فـ: (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)، فذلك من القصر المؤكد لجريان سنة العذاب بحصول سببها من التكذيب والتولي فذلك مما جرى حكمه على الأمم السابقة ويجري وسيجري على من وافقهم في العلة، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فجاء القصر بأقوى أساليبه تقريرا لتلك السنة، وقد خص عذاب الاستئصال العام من تلك السنة فلا عذاب يعم النوع الإنساني بعد طوفان نوح عليه السلام، وخص عذاب الاستئصال الخاص منها فلا عذاب يستأصل به جنس من البشر بعد إغراق فرعون وجنده، وخصت الأمة الخاتمة برسم: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فذلك من بركة اتصال إسناد النبوة، فبقاؤها ببقاء صاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بقاء آثارها من توبة واستغفار كل أولئك مما تحفظ به الأمة الخاتمة، وإن وقعت فيها صور من الاستئصال والخسف الجزئي، فـ: "يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ، قيل يا رسول الله متى قال: إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر".
فذلك أيضا من الإخبار عن الغيب الآتي وقد وقعت صور منه تشهد أيضا بصحة خبر الرسالة عن المغيب الآتي.
وجاءت مادة النظر في: (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) بمعنى الانتظار فتعدت بنفسها، فاجتمع في السياق الواحد ثلاثة أوجه لمادة معجمية واحدة، منها المتعدي بواسطة، ومنها المتعدي بنفسه، وكل يدل على معنى بعينه بقرينة السياق، وذلك مئنة من بلاغة التنزيل وسعة لسان العرب الذي نزل به، فاللفظ قد يقع الاشتراك في معناه أو لفظه وذلك نوع إجمال لا يرفعه إلا بيان القرائن المحتفة بالسياق.
ثم جاء الأمر على جهة الوعيد ففيه نوع تهديد فـ:
قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ: فحصل بالجناس بين فعلهم وفعله مزيد تقرير لمعنى التحدي.
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ:
فتلك سنة أخرى فذلك شاهد عدل آخر على صحة دعوى النبوة، فالأنبياء عليهم السلام ناجون بأنفسهم، وأتباعهم ناجون برسم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فإخلاص الإرادة القلبية والاستقامة على الطريقة الشرعية ذريعة إلى تحقق سنة التمكين الكونية فتدور، أيضا، مع علتها من تعظيم النبوة بتصديق خبرها وامتثال أمرها، تدور معها وجودا وعدما.
فـ: كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ: فذلك مما أوجبه الرب، جل وعلا، على نفسه، فلا يوجب عليه أحد شيئا، فله كمال القدرة والحكمة، فينجي المؤمنين فتلك من أظهر دلائل العناية بأتباع الرسالات، ومن أظهر أدلة صدق دعوى النبوة، فأتباعها ممكنون ما استمسكوا بعراها فإذا انحلت عرى الإيمان بها في قلوبهم وانتفت أمارات التصديق لها في ألسنتهم وجوارحهم فهم مخذولون برسم: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى
(يُتْبَعُ)
(/)
تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ".
وعودة إلى الحديث، فـ: تفكّروا في آلاء الله: الكونية والشرعية، فعموم الإضافة القياسي يستغرقها فقد اجتمع لها من صور العموم: دلالة الجمع فهو مظنة الكثرة، ودلالة التنكير فهي مظنة الشيوع، ودلالة الإضافة إلى المعرف فذلك من أسباب التعريف القياسية، فتفكروا فيها برسم التدبر والنظر في آيات الكون برسم الاستدلال على الصانع بالنظر في إتقان صنعته، وتفكروا في الآيات الشرعية استنباطا للعلل والأحكام فذلك من أنفع ما تصرف فيه قوى العقل، فـ: "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين"، فتلك قوة الفهم والاستدلال، و: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"، فتلك قوة الحفظ والنقل.
ثم جاء الشطر الثاني على جهة الطباق بالسلب:
ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا:
فمتعلق الأمر غير متعلق النهي فيحسن الفعل على وجه ويقبخ على آخر.
فالتفكر في ذات الله، جل وعلا، على جهة الخوض في الحقيقة والكنه ذريعة إلى الهلاك فلا ينجو صاحبه من شؤم التعطيل أو التشبيه، فيقع لزوما في قياس التمثيل أو الشمول المذموم، فإما أن يثبت نتيجته الباطلة وإما أن يفر منها فيقع في غلو في الطرف الآخر فيعطل الرب، جل وعلا، عن كماله الثابت له، تنزيها له عما اعتقد أنه يلزم من إثبات أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وليس ذلك بلازم، فالإثبات إنما يكون للمعاني الذهنية المطلقة دون خوض في الحقائق الخارجية، فذلك من الغيب الذي استأثر الرب، جل وعلا، بعلمه، فهو من المتشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الرب العلي تقدست ذاته وصفاته، فالتفكر إنما يحسن في معاني الصفات الإلهية بإثباتها بلا تمثيل لها بقياسها على صفات المحدثات، فليست حقيقة وصف من له الأولية المطلقة كحقيقة وصف الحادث بعد عدم، وإن اشتركا في المعنى الكلي الجامع، فذلك من الاشتراك المعنوي في الأذهان فلا يمنع تصور المعنى الكلي من وقوع الشركة فيه ولا يلزم من ذلك تشبيه أو تمثيل فهو معنى مجرد في الذهن لا يوجد في الخارج إلا قائما بذات تتصف به فيكون حكمه من حكمها، فتقع المباينة ضرورة بين وصف الرب، جل وعلا، ووصف العبد، فرعا على وقوع المباينة الضرورية بين ذات الرب، جل وعلا، وذوات عباده، فالكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات.
والفاء في "فتهلكوا": مئنة من السببية، فهي نص فيها، لورودها بعد نهي، فما سبق ذريعة إلى ما بعدها من الهلاك فضلا عن دلالتها على الفورية والتعقيب، فذلك سبب سريع لهلاك العبد بإقحام العقل فيما ليس من دائرة اختصاصه، فإعماله في باب الغيب أو باب التشريع منازعة للرب جل وعلا حكمه: ذريعة سريعة إلى هلاك صاحبه فيضل في أودية القياس الفاسد في الدنيا ويهوي في أودية العذاب في الآخرة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[05 - 12 - 2010, 04:48 ص]ـ
.
بارك الله فيك أخي الأستاذ مهاجرا على هذا الموضوع الثري ..
لي عودة إن شاء الله ... فالموضوع واسع ويحتاج إلى تمحيص.
دمت في رعاية الله وحفظه.(/)
مجاز مرسل أم عقلي؟
ـ[عبق الياسمين]ــــــــ[06 - 12 - 2010, 12:00 ص]ـ
السلام عليكم
هل يمكن أن نعتبر (الحدائق الغناء) مجازا مرسلا علاقته محلية؟
بورك فيكم
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[06 - 12 - 2010, 12:26 ص]ـ
السلام عليكم
هل يمكن أن نعتبر (الحدائق الغناء) مجازا مرسلا علاقته محلية؟
بورك فيكم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة: عبق الياسمين
أهلا وسهلا بكِ في أي مكان، حياك الله وبياكِ.
مقتطف من الشبكة لعله يفيدك وإذا لم يفدك فسوف يساعدنك ِ أهل البلاغة أكثر:
إذا كانت الجملة هكذا
المكانيّة: وفيها يُسند الفعل، أو ما في معناه إلى مكانِ المسندِ إليه، أيْ يسند الفعل إلى المكان الذي وقع فيه، ومثالها قولنا: في بلادنا حدائقُ غنّاء، فمن الواضح أنّ الحدائق لا تغنّي، وإنما أَسندنا الغناءَ إلى غير فاعله الحقيقي، وبما أنّ الفاعل الحقيقي الذي يغنّي هو العصافير التي مكانهُا الحدائق، لذلك أسندنا الغناءَ إلى الحدائق على سبيل المجاز العقلي الذي علاقته مكانية.
باقي المقتطف للفائدة:
المجاز العقلي وبلاغته
تعريفه: هو إسناد الفعل، أو ما في معناه إلى غيرِ ما هو له لعلاقةٍ، مع وجود قرينةٍ تمنع من إدارة الإسناد الحقيقي، والمقصود بـ (ما في معناه): المشتقات التي تعمل عمل الفعل: كالمصدر، واسم الفاعل واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفصيل.
الفرق بين المجاز المرسل والمجاز العقلي:
لا يكون المجاز العقلي إلاّ في إسناد، أيْ في ما كان فيه المعنى قائما على مسند ومسندٍ إليه.
ولتوضيح هذا التعريف نذكر المثالين الآتيين:
1) أنبت اللهُ الزرع.
2) أنبت الربيعُ الزرع.
في المثال الأول أسندنا الفعل (أَنْبَتَ) إلى الله، وهو إسناد حقيقي لأنه الفاعل الأصلي أو الحقيقي.
أمّا في المثال الثاني فالإسناد مجازي، لأنّ الذّي ينبت الزرع هو الله، وليس الربيع، والربيعُ هو زمنٌ يكون فيه الإِنْبَاتُ ليس إلاّ.
علاقات المجاز العقلي:
السببيّة: وفيها يسند الفعل، أو ما معناه إلى السبب الذي أدّى إليه.
ومثاله: أهلك الناسَ الدّينارُ، لاحظ أنّنا أسندنا الفعل "أهلك" إلى الدينار، وهو لم يُهلك الناسَ حقيقة، بل هو سببُ الفتنة التي تؤدي إلى الهلاك، فالمجاز عقلي، والعلاقة سببيّة.
ومنه أيضا قوله تعالى: ? وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ? غافر36.
فالآية قد أسندت فعلَ (ابْنِ) إلى هامان، ولكنّ هامانَ ليس الفاعل الحقيقي، إنما هم العمّال والبنّاؤون الذين كلفهم هامان ببناء الصرح، ولكنْ لمّا كان هامان سبباً في البناء أُسند الفعل إليه.
الزمانيّة: وفيها يُسند الفعل إلى الزّمان الذي وقع فيه، ومثالها قوله تعالى: ? يَوْماً يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيبَا? المزمل17. أَسندت الآيةُ الفعلَ إلى اليوم (يوماً)، وهو مسند إليه غير حقيقي، والمسند إليه الحقيقي هو الأهوال التي تحصل في هذا اليوم، وبما أن اليوم هو الظرف الزّماني للأهوال أُسند الفعل إليه، فالعلاقة زمانيّة والقرينة حالية.
المكانيّة: وفيها يُسند الفعل، أو ما في معناه إلى مكانِ المسندِ إليه، أيْ يسند الفعل إلى المكان الذي وقع فيه، ومثالها قولنا: في بلادنا حدائقُ غنّاء، فمن الواضح أنّ الحدائق لا تغنّي، وإنما أَسندنا الغناءَ إلى غير فاعله الحقيقي، وبما أنّ الفاعل الحقيقي الذي يغنّي هو العصافير التي مكانهُا الحدائق، لذلك أسندنا الغناءَ إلى الحدائق على سبيل المجاز العقلي الذي علاقته مكانية، ومثالها أيضا قولنا: ارتوينا من مَشْرَبٍ عذب، فكلمة مشرب اسم مكان، وهو مكان الشرب، وهذا المكان لا يكون عذباً، إنما الماء الذي مكانه في المشربِ هو العذبُ، فالمجاز عقلي، والعلاقة مكانية.
المصدريّة: وفيها يُسند الفعل إلى مصدره، بدلاً من الفاعل الحقيقي، ومثالها قولنا: الله جلَّ جلاله، والمعنى: جلَّ اللهُ. حيث أسندنا الفعل إلى مصدره بدل إسناده إلى الفاعل الحقيقي، إذن فالعلاقة مصدرية، ومثالها كذلك: جَدَّ جِدُّهُمْ، فنحن جعلنا المصدر (جِدّهم) فاعلاً، وأسندنا الفعل إليه بدلاً من الفاعل الحقيقي، ومنه كذلك: جنّ جنونهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
الفاعليّة: وفيها يسند الفعل إلى صيغة اسم المفعول، والمرادُ اسم الفاعل، ومثالها قوله تعالى:? وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً ? الإسراء45، فالحجاب في أصله ساترٌ لا مستور، نقول لقد حَلَّ اسم الفاعل محل اسم المفعول، فالعبارة مجازٌ عقليّ، والعلاقة فاعلية، والقرينة حاليّة.
ومنها كذلك قوله تعالى:? إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً ? مريم61، أيْ كان وعدُه آتيا، لاحظ أنّنا أسندنا اسم المفعول، وأردنا اسم الفاعل. فالعلاقة فاعليّة والقرينة حاليّة.
المفعوليّة: وفيها يُسند الفعل إلى صيغة اسم الفاعل، والمرادُ اسم المفعول، نحو قولنا: هذا مكانٌ آمنٌ، فنحن استخدمنا صيغة اسم الفاعل (آمن) ونريدُ معنى المفعولية (مَأْمُونٌ)، فالعبارة مجاز عقلي، والعلاقة مفعوليّة، والقرينة حالية، ومثالها كذلك قولنا: السّوق عامرٌ، ففي الحقيقة السّوق لا يكون عامراً، بل معمورا، إذن ففي إطلاق اسم الفاعل وإدارة اسم المفعول مجاز عقلي علاقته المفعوليّة، وقرينتُهُ حاليّة.
قرينة المجاز العقلي: للمجاز العقلي أربع قرائن هي:
القرينة اللفظيّة: قد تُذكرُ في الكلام قرينة المجاز العقلي ذكراً لفظياً، مثل: بَنَى أغنياءُ القرية مسجداً بديعاً بفضل أَمْهَرِ البنّائين، فالقرينة كما نلاحظ لفظيّة، وهي (بفضل أمهر البنّائين).
القرينة العقليّة: مثل شَوْقُكَ ساقني إلى زيارتك، فالشّوق ليس في الحقيقة فاعلاً، لكنّه الدافعُ النفسي للزيارة، وهذا أمرٌ يدرك بالعقل.
القرينة المدركة بالعادة: مثل بَنَى رئيسُنا العديد من المنشآت، فالرّئيس ليس في الحقيقة فاعلاً، وإنما مَنْ كلّف البنائين بذلك، وإدراكُ ذلك يكون بالعادة.
القرينة الحالية: مثل: كتب الوالد رسالة إلى ابنه، فإنْ كانت حال الوالد معروفةً بأنّه مكفوف مثلاً، عرفْنا بأنه أَمَرَ مَنْ يكتبها لَهُ، فالقرينة حالية.
بلاغة المجاز العقلي:
المجاز العقلي أسلوب راقٍ، يعبّر عن سعة اللغة العربية، وقدرتها على تجاوز حدود الحقيقة إلى الخيال، ويسمّيه بعضُ البلاغيين بالمجاز الحُكمي، أو الإسناد المجازي، لذلك ترى كثيراً من الباحثين يُدْرِجونه في علم المعاني لا في علم البيان.
ويُعتبَر المجاز العقلي من الأساليب البلاغية التي وسّعت مجالاتِ التعبير، وأضفت على اللغة طابع الجمال، فَبِوَساطته أثبتت اللغة العربية قدرتها على القفز فوق حدود الحقيقة، بُغية استيعاب الصور الخيالية الساحرة، وقد أطلق أئمة البلاغة العنان في الحديث عن بلاغة المجاز العقلي، فقال ابن رشيق القيرواني في كتابه العُمدة: "إنّ العرب كثيرا ما تستعمل المجاز، وَتعُدُّهُ من مفاخر كلامها، وهو دليلُ الفصاحةِ ورأسُ البلاغة، وبِهِ بانتْ لغتها عن سائر اللغات، والمجاز في كثيرٍ من الكلام أبلغ من الحقيقة، وأحسن موقعاً في القلوب والأسماع".
والله الموفق، والله أعلم بالصواب.
ـ[فتون]ــــــــ[06 - 12 - 2010, 02:32 ص]ـ
أظنه مجازا مرسلا لعلاقة الحالية ...
ولكما تحيتي ...
ـ[عبق الياسمين]ــــــــ[07 - 12 - 2010, 12:07 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بلسم الرّوح: زهرة متفائلة
رفع الله منزلتك و زادك علما و نورا ..
في الواقع هذا المجاز من بيت للشاعر إيليا أبي ماضي في قصيدته (الحجر الصغير):
لست أرضا فأرشف الماء **و لا ماء فأروي الحدائق الغناء
رائعة .. كما عهدتك دوما
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[07 - 12 - 2010, 12:14 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بلسم الرّوح: زهرة متفائلة
رفع الله منزلتك و زادك علما و نورا ..
في الواقع هذا المجاز من بيت للشاعر إيليا أبي ماضي في قصيدته (الحجر الصغير):
لست أرضا فأرشف الماء **و لا ماء فأروي الحدائق الغناء
رائعة .. كما عهدتك دوما
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
أختي الحبيبة: عبق الياسمين
لقد سألت ُ لكِ ــــ متخصص في قسم البلاغة فطرحتُ سؤالك هذا
هل يمكن أن نعتبر (الحدائق الغناء) مجازا مرسلا علاقته محلية؟
فكان الرد؟
حبذا لو أكملنا الإسناد وقلنا مثلا: الحدائق الغناء (زاهية) أو أي خبر مناسب
أقول: يمكن القول العلاقة حالية.
والله أعلم بالصواب وهو الموفق
ـ[عبق الياسمين]ــــــــ[07 - 12 - 2010, 10:09 ص]ـ
بورك فيك أختي .. زهرة متفائلة
ما ذكرته لي سابقا فهمته أي أن المجاز عقلي، علاقته المكانية .. و الشرح كان وافيا
أما ما ذكره الأستاذ المتخصص في البلاغة -جزاه الله خيرا - فقد جعل (الحدائق الغناء) مجازا مرسلا في علاقته الحالية
أستغرب الأمر لأن العلاقة الحالية حسبما أعرف تقوم على ذكر الحال و قصد المحل مثل (إن الأبرار لفي نعيم) فالنعيم يحل في الجنة لذا فالعلاقة حالية ...
أما في قول (إيليا أبي ماضي) فإنه ذكر المحل (الحدائق) و قصد الحال (العصافير) لذا استنتجت أن المجاز مرسل ..
و حين نبهتني إلى قضية إسناد الوصف إلى الحدائق فإنه صار مجازا عقليا، أما العلاقة فظلت نفسها (المكانية).
آسفة أختي الحبيبة زهرة أُتعبك معي دوما ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[07 - 12 - 2010, 12:43 م]ـ
بورك فيك أختي .. زهرة متفائلة
وفيك بارك ِ.
ما ذكرته لي سابقا فهمته أي أن المجاز عقلي، علاقته المكانية .. و الشرح كان وافيا
بكل تأكيد.
أما ما ذكره الأستاذ المتخصص في البلاغة -جزاه الله خيرا - فقد جعل (الحدائق الغناء) مجازا مرسلا في علاقته الحالية
قال إذا كانت الجملة هكذا: الحدائق الغناء زاهية.
أستغرب الأمر لأن العلاقة الحالية حسبما أعرف تقوم على ذكر الحال و قصد المحل مثل (إن الأبرار لفي نعيم) فالنعيم يحل في الجنة لذا فالعلاقة حالية ...
أما في قول (إيليا أبي ماضي) فإنه ذكر المحل (الحدائق) و قصد الحال (العصافير) لذا استنتجت أن المجاز مرسل ..
و حين نبهتني إلى قضية إسناد الوصف إلى الحدائق فإنه صار مجازا عقليا، أما العلاقة فظلت نفسها (المكانية).
آسفة أختي الحبيبة زهرة أُتعبك معي دوما ..
كلا ولا تعب ولا أي شيء بل تسعدنا خدمتك دوما وكما يقولون الناس عند بعضها البعض
تعرفين كان الأمر واضحا منذ البداية بأنه المجاز عقلي والمعلومات واضحة من خلال الشرح القيم هذا لبعض الأساتذة الأفاضل عبر الشبكة " جزاه الله خيرا ".ولكني كنتُ مستعجلة، لأن كان هناك سؤالا آخرا قد طُلب مني البحث عن الإجابة عنه، لذلك أعتمدتُ بأن أهل الفصيح سوف يدلون بدلوهم ....
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة: عبق الياسمين
أهلا وسهلا بكِ من جديد، حيّاك الله وبيّاكِ.
وما قلتِه الآن من إجابة هي صائبة مئة بالمئة ولا تحتاج إلى نقاش.
ربما سؤالك هذا هو الذي أوقع في لبس، المهم هذه هي إجابته، بعدما طرحتُ سؤالك بطريقة أخرى .. فلقد جاء موافقا لما أدليتِ أنتِ به.
الإجابة:
هذا التركيب ليس من (المجاز المرسل) وإنَّما هو من المجاز العقلي
الغناء مشتق من الغن، والحديقة لا تغني وإنما الذي يغن عصافيرها أو ذبابها، ففي الكلام مجاز عقلي علاقته المكانية
ـــــــــــــ
(1) المجاز العقلي هو إسناد الفعل أو ما في معناه إلي غير ما هو له لعلاقة مع قرينة مانعة من الإسناد الحقيقي.
(2) الإسناد المجازى يكون إلي سبب الفعل أو زمانه أو مكانه أو مصدره، أو بإسناد المبني للفاعل إلي المفعول أو المبني للمفعول إلي الفاعل.
انتهى كلامه " جزاه الله خيرا وأعلى الله منزلته " اللهم آمين
* " قيل لجحا أين أ ُذنك فأشار إلى الأذن الثانية البعيدة ولم يُشر إلى الأذن الأولى القريبة " أصف حالي ":) 2 أما أنت ِ فكلا وحاشا " الإجابة أمام عيني " فقط الإنسان يحتاج إلى القراءة المتأنية في الحقيقة لم أقرأ المعلومات التي جلبتها لكِ لأني كنتُ مستجلة جدا " معذرة "
أسأل الله لكِ التوفيق والسداد.
ـ[عبق الياسمين]ــــــــ[07 - 12 - 2010, 05:23 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أختي الحبيبة: زهرة
لك مني خالص عبارات الشكر و التقدير .. أعلى الله درجتك و جزاك الحسنى و زيادة ..
* " قيل لجحا أين أ ُذنك فأشار إلى الأذن الثانية البعيدة ولم يُشر إلى الأذن الأولى القريبة " أصف حالي "
*لا تصفي نفسك بذلك أرجوك.، يكفيك رفعة أنك تسعين لتنيري دروب العلم لطلبته ..
سدد الله خطاك*
أما أنت ِ فكلا وحاشا " الإجابة أمام عيني " فقط الإنسان يحتاج إلى القراءة المتأنية
*معك حق*
في الحقيقة لم أقرأ المعلومات التي جلبتها لكِ لأني كنتُ مستعجلة جدا " معذرة "
*بل أنا التي تقدم اعتذارها و امتنانها.*
شكرا .. زهرتي المتفائلة(/)
وقفة أمام بلاغة آية من كتاب الله.
ـ[خميس الغامدي]ــــــــ[06 - 12 - 2010, 01:08 ص]ـ
قال تعالى في سورة التوبة: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} التوبة108
ما يحتوي القرآن من ايجاز و حذف و استرسال في القصص القرآنية و الأحداث التي ذكرت توقف البعض للتفكير قال تعالي: لا تقم ... فنرى المصحف في معضم الآيات التي تتحدث عن الصلاة تكادُ تكون محصورة في ألفاظ منها [اقم ـ فاليقيموا ـ فاقم ـ اقام ....... ] نادراً ما تجد لفظ [صلى]
فلماذا قال الله لا تقم ولم يقل لا تصلِّ؟
الإجابة التي آراها أن القيام في مكان العمل سواءً آتى العمل أو لم يأتي يدل على الرضى و إن حال هذه الآية كقوله لا تقربوا الفواحش ثم أرى أن فيها تحرزاً من الدخول في المعنى اللغوي بالنسبة للفظ [صلاة ـ صلى ـ يصلى] و أتمنى من الجميع إفادتي في الأمر.(/)
طباق أم مقابلة؟
ـ[عرباوى]ــــــــ[06 - 12 - 2010, 05:09 م]ـ
الإخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا بعد.
يقول الحق فى كتابه العزيزفى سورة النور:"والله يعلم ما تبدون وما تكتمون"
"تبدون"-"تكتمون" بينهما طباق أم مقابلة.
الرجاء توضيح الإجابة.
أرجو الإفادة وجزى الجميع خير الجزاء وأجزل لهم المثوبة ..
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[06 - 12 - 2010, 05:35 م]ـ
أرى والله أعلم
أنهما طباق فهما جملتان
والتقدير
الذي تبدون (جملة صلة)
الذي تكتمون (جملة صلة)
ولكن وُجِدَ الطباق بين كلمتين فقط هما (تبد ـ تكتم) أما واو الجماعة ـ ضمير مستتر في محل رفع فاعل ـ وبقية أجزاء جملة الصلة لم يمسها الطباق
وأنتظر رأي الجهابذة
ـ[أنوار]ــــــــ[06 - 12 - 2010, 10:14 م]ـ
بارك الله فيكِ أختي هدى ..
ولكن ألا ترين - والله أعلم - أنها مقابلة فهي بين جملتين: (ما تبدون) (وما تكتمون).
بينما لو كانت كلمتين في السياق نحو: تبدي، تكتم .. لكان طباقا.
ـ[فتون]ــــــــ[07 - 12 - 2010, 07:34 ص]ـ
كلام جميل أختي هدى ...
ولكن ألا ترين - والله أعلم - أنها مقابلة فهي بين جملتين: (ما تبدون) (وما تكتمون).
أنا مع هدى فيما قالت؛ أي أن التضاد كان بين الفعلين وليس بين الفاعلين أيضا؛
أي لم يكن بين جملتين وإنما بين فعلين فقط ...
والله أعلم
ـ[فتاة المحبة]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 09:26 م]ـ
ولكن أليست المقابلة هي الطباق؟! ففي كتاب ابن الأثير المثل السائر الطباق أو المقابلة , وغير ه من الكتب أفيدوني جوزيتم(/)
هل تنصحوني بذلك؟
ـ[محمد الغزالي]ــــــــ[06 - 12 - 2010, 11:13 م]ـ
السلام عليكم:
أريد أن أسأل عن أفضل كتاب في البلاغة, هل تنصحوني بالبلاغة الواضحة لعلي الجارم, وما أفضل تحقيق له؟
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[10 - 12 - 2010, 10:57 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
البلاغة الواضحة لعلي الجارم كتاب متميز لا يختلف عليه اثنان، لكنه لا يصلج للمتخصصين وإنما يناسب-حسب رأيي- المبتدئين في دراسة علم البلاغة.
ـ[الحطيئة]ــــــــ[10 - 12 - 2010, 11:14 ص]ـ
بل أنصحك بإضافة نون ثالثة قبل النون الثانية أو بعدها - على خلاف:؟ 2 - في "تنصحوني"!!:p(/)
من سورة الطور
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 12 - 2010, 04:17 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ):
فنكر تعظيما في معرض الدعاء عليهم ولذلك جاز الابتداء به مع كونه نكرة، فويل عظيم يوم تمور السماء وتسير الجبال، للمكذبين، فلام الاختصاص تزيد معنى النكاية في حقهم، ووصف التكذيب هو علة الحكم باستحقاقهم الويل واختصاصه بهم، فـ: "أل" في المكذبين موصولة باسم وصف يعمل عمل مضارعه، فيؤول الكلام إلى: فويل يومئذ للذين يكذبون، أو للذين كذبوا فـ: "أل" الموصولة تعمل مطلقا، كما قرر النحاة، فتقول: جاء الضارب زيدا أمس، على تقدير: جاء الذي ضرب زيدا أمس، وتقول: جاء الضارب زيدا، على تقدير: جاء الذي يضرب زيدا الآن أو غدا، وإليه أشار ابن هشام، رحمه الله، بقوله: "فإن كان، (أي: اسم الفاعل)، بأل عمل مطلقا ماضيا كان أو حالا أو مستقبلا تقول: جاء الضارب زيدا أمس أو الآن أو غدا، وذلك لأن "أل" هذه موصولة وضارب حال محل ضرب إن أردت المضي أو يضرب إن أردت غيره والفعل يعمل في جميع الحالات فكذا ما حل محله". اهـ
"شرح قطر الندى"، ص267.
وأطلق العامل مئنة من العموم، وهو مخصوص بدلالة العقل بما يقبح التكذيب به من خبر النبوات، فقد كذبوا بالدين، على تأويله بالملة، أو الجزاء، فكذبوا بما قام الدليل النقلي والعقلي والحسي الضروري على صحته، فكذبوا بالرسالة الخاتمة وآيات صدقها ظاهرة بل ومتواترة، لمن نظر فيها بعين الإنصاف والافتقار إلى الرب، جل وعلا، طلبا للتوفيق والسداد، فمن الناظرين من نظر بعين الجحود والاستكبار، فعلم الحق وأعرض عنه فجحوده من جنس جحود إبليس الذي أبى السجود وهو من أعلم الخلق بوحدانية الرب، جل وعلا، وأحدية صفاته العلية، فصدق الخبر ولم يمتثله، بل أبى وأعرض عن امتثاله فقد عارضه بقياسه الفاسد، فلم يغن عنه التصديق شيئا إذ لم يكن متبوعا بالانقياد الباطن وما يتفرع عليه ضرورة من الانقياد الظاهر فسجود الظاهر صورة عملية لما قام بالباطن من العلم الإلهي والانقياد الاختياري تصديقا بالخبر برسم الجزم والإقرار، وامتثالا للحكم بإقامة شعائر العبودية الباطنة من خشوع وخضوع ........ إلخ، ومنهم من نظر بعين التكذيب برسم التقليد الأعمى، ومنهم من نظر بعين القدح فغرضه تتبع المتشابه دون رده لمحكمه بل الترويج له في معرض زعم تناقض الشريعة!، فأنى يهدي الرب، جل وعلا، أولئك، وقد علموا فلم يعملوا، أو أعرضوا اشتغالا بتحصيل شهوات خسيسة تشي بدناءة نفوسهم فأصحاب النفوس الشريفة لا يقنعون في أمر الديانة بمحض التقليد لرءوس ضلالة لا تملك على صحة مقالتها دليلا سالما من المعارضة من نقل النبوات الصحيح أو قياس العقول الصريح، فليس ثم إلا الإرهاب الفكري والبدني لحمل الناس حملا على دخول الملكوت الرباني!.
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ: ثم جاء الإطناب في بيان وصفهم فذلك من قبيل الجواب عن سؤال دل عليه السياق اقتضاء، وما وصف أولئك؟!، فجاء الجواب على جهة التعريف بالموصول مئنة من العموم، أيضا، فالحكم معلق بوصف لا بعين، فعادة الشارع، جل وعلا، تعليق الأحكام على أوصاف عامة تصدق في أعيان كثيرة، فذلك مئنة من عموم الشريعة الخاتمة فأحكامها تشمل سائر الأحوال والأزمان لمكان العالمية والختام، فلا رسالة بعدها يحال الأمر إليها، ولا أخرى تشاركها البيان، فهي الرسالة العامة التي جمعت خلاصة ما تقدمها وزادت عليه في الخبر والحكم، فصدقت خبر ما تقدمها، فأخبار النبوات لا تتناقض، فلا يجري عليها ما يجري على الأحكام من النسخ، فرسم رسالة المسيح عليه السلام: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)، ورسم النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، ورسم الكتاب الخاتم:
(يُتْبَعُ)
(/)
(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)، فاللاحق يصدق خبر السابق، وكلهم قد استقام على طريقة الصدق في البلاغ والدقة في الأداء فلا يتصور في حقهم كذب أو خطأ في البلاغ، فـ: (لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)، فذلك من الوعيد في معرض تقرير جزاء التبديل فلا يلزم منه وقوع التبديل من النبي، بل ولا جوازه، بل هو، بداهة، من الممتنع عقلا وشرعا، فتجويزه في حق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في معرض بيان الجزاء المشروط بوقوع شرطه، فذلك آكد في تقرير المعنى، تجويزه على هذا الوجه، محض فرض عقلي، فلو سلم جدلا للمخالف بوقوع ذلك منه لناله من الجزاء ما ناله!، فكيف بمن دونه، فيكون ذلك من قبيل قياس الأولى في معرض الزجر عن التقول على الوحي، فإذا كان ذلك جزاء النبي، وهو من هو!، إذا كان ذلك جزاءه فكيف بمن دونه من آحاد المكلفين وليس لهم من الكرامة ما له؟!، فثبوت الوعيد في حقهم حاصل من باب أولى، فخطاب المواجهة يتعلق به صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المبلغ عن ربه، جل وعلا، ولو كان كاتما شيئا من الوحي لكتم آية كهذه، ففيها ما قد يوحي به الشيطان إلى أوليائه من شبهة القدح في صدق الرسول وصحة الرسالة لزوما، فإذا جاز الكذب والتقول على صاحب الرسالة سقط الاحتجاج بها بداهة، ولذلك كان الصدق في كلام الناس قبل البعثة فلا ينطق النبي إلا صدقا، والأمانة فلا يخون الأنبياء أمانات الدنيا، فرسمهم الصدق والأمانة، كان ذلك دليلا عقليا صريحا لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ: على صدق الرسول بعد البعثة، فلا يتنزه عن الكذب في كلام البشر ليتقول على رب البشر!، فذلك من المحال نقلا وعقلا، وسنة الرب، جل وعلا، في هذه الدعوى العظيمة أن يدعيها أصدق البشر فـ:
لو لم تكن فيه آيات مبينة ******* كانت بديهته تأتيك بالخير
أو أكذبهم، ولا يسوي الرب، جل وعلا، بينهما، فذلك طعن في الحكمة الربانية بالتسوية بين أعظم متباينين، فكيف يصح في الأذهان، ولو في أمور الدنيا، التسوية بين الصادق والكاذب، بل قد جرت العادة بافتضاح أمر الكاذب فلا بد أن يتناقض فيقع في كلامه من الاختلاف ما يشي بكذبه فـ: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، فيفتضح أمره، ولو بعد حين، ولو في أمر في أمور المعاش المؤقت، فكيف بأمر الرسالة الذي يتوقف عليه أمر المعاد الأبدي، وقد وقع ذلك لجملة من المكذبين من لدن مسيلمة إلى يوم الناس هذا، فقد يروج الأمر وينتشر، لا سيما في الأعصار والأمصار التي تندرس فيها آثار النبوات، ثم يأتي البيان الجلي لكذب المتقول على الرب العلي، وإلى هذا المعنى أشار ابن تيمية، رحمه الله، في "شرح العقيدة الأصفهانية" بقوله:
"ومعلوم أن مدعي الرسالة إما أن يكون من أفضل الخلق وأكملهم وإما أن يكون من أنقص الخلق وأرذلهم ولهذا قال أحد أكابر ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغهم الرسالة ودعاهم إلى الإسلام: والله لا أقول لك كلمة واحدة إن كنت صادقا فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أرد عليك، فكيف يشتبه أفضل الخلق وأكملهم بأنقص الخلق وأرذلهم وما أحسن قول حسان:
لو لم تكن فيه آيات مبينة ******* كانت بديهته تأتيك بالخير
(يُتْبَعُ)
(/)
وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز وما من أحد ادعى النبوة من الصادقين إلا وقد ظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ظهر لمن له أدنى تمييز فإن الرسول لا بد أن يخبر الناس بأمور ويأمرهم بأمور ولا بد أن يفعل أمورا والكذاب يظهر في نفس ما يأمر به ويخبر عنه وما يفعله ما يبين به كذبه من وجوه كثيرة والصادق يظهر في نفس ما يأمر به وما يخبر عنه ويفعله ما يظهر به صدقه من وجوه كثيرة بل كل شخصين ادعيا أمرا من الأمور أحدهما صادق في دعواه والآخر كاذب فلا بد أن يبين صدق هذا وكذب هذا من وجوه كثيرة إذ الصدق مستلزم للبر والكذب مستلزم للفجور". اهـ
فذلك من رحمة الرب، جل وعلا، بالنوع الإنساني لئلا يلبس عليهم كاذب أمر دينهم، فقد حفظت الحجة الرسالية من الإبطال أو المعارضة، برسم الحفظ الكوني العام، فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فلم يحفظ البشر رسالات استحفظوا عليها قبل نزول الرسالة الخاتمة، فـ: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)، فذلك التكليف الذي هجروه، فـ: (وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)، ولم يحفظ الإنجيل بما أقحم فيه من مقالات علمية باطلة، وما رفع منه من أحكام شرعية، فصير رءوس التثليث دينهم بلا شريعة، فجوزوا بل أوقعوا النسخ لأصول أخبار وأحكام اتفقت على إحكامها النبوات فلا يجوز شرعا أو عقلا، نسخها، فذلك طعن في خبر الوحي بالتكذيب والتناقض، وحكمه بنسخ قبح ما أجمعت الشرائع والعقول على قبحه كالخمر!، بل قد صار احتساؤه قربة شرعية يتحول فيها في معي الشارب إلى دم الإله المصلوب برسم الفداء فيصير الجسد مقدسا بذلك التحول الكيميائي والتمثيل الغذائي الذي لم يسبق له مثيل وليس له في علم وظائف الأعضاء نظير!، فلم يعهد في دنيا البشر تمثيل الخمر وما تحويه من كحول إيثيلي تمثيلا غذائيا إعجازيا في بطن النصراني فقط!، يصيره دما مقدسا!، فشريعتهم شريعة مرفوعة برسم التحريف والتبديل والنسخ تبعا لهوى الناسخ فقد تعمد كهان الديانة كتمانها أو محوها أو تبديلها ..... إلخ، ليصير التابع مقلدا أعمى، لا يتلقى دينه إلا عن الكاهن الذي يمارس عليه هيمنة روحية برسم الطغيان، فذلك أثر من آثار طغيان الكنيسة التي نازعت العرش سياسة الشعوب برسم الإذلال والقهر، فيقهر الإمبراطور الأبدان بسيفه، ويقهر الكاهن النفوس وأخيرا الأبدان أيضا!، يقهرها بأسراره التي لا تحصل النجاة إلا بتصديقها ولو كانت محالات ذاتية لا تأتي بها رسالة سماوية، فلم تأت الرسالات لتنقض ناموس العقل الصريح فضلا عن ناموس الوحي، فالأنبياء يصدق بعضهم بعضا، وتجويز صحة مثل هذه الأساطير الدينية المتلقاة من الديانات الوثنية القديمة، تجويز ذلك تكذيب صريح لأخبار النبوات التي جاءت برسم الصدق، وأحكامها التي جاءت برسم العدل.
وتلك سمة ظاهرة في كل ملة أو نحلة باطلة فلا بد من تقييد الأتباع بمعظم من البشر غير النبي الذي يدعي أولئك الانتساب إليه، فلا بد من مرجعية تباين مرجعية الوحي الذي يكشف زيف مقالاتهم، فلا يحسن في حق التابع أن يسير في طريق النجاة بمفرده لئلا تصيبه الوحشة!، فلا يسير إلا برفقة من يأمر وينهى بلا مستند إلا هواه وذوقه، فما استحسنه فإنه يصير دينا واجب الاتباع فلا نجاة إلا بانتحاله، ولو نقض ما نقض من عرى الوحي، وانتقص ما انتقص من قوى العقل بتجويز صيرورة جملة من التخاريف: دينا معظما، فلا بد أن يقدح أولئك في نقل الوحي وقياس العقل فلا تسلم مقالتهم من نقض لضرورات دينية وعقلية، فذلك، أيضا، من رحمة الرب، جل وعلا، فقد أبان عوارهم بمنطوق لسانهم الكاذب وحالهم الفاسد فلا ينفكون عن فساد في المقالة
(يُتْبَعُ)
(/)
العلمية وفساد في الطريقة العملية، فقل أن يفسد باطن عبد بطروء فساد في مادة القلب العلمية ولا يقترن بطروء فساد في مادة الجوارح العملية، فالاقتران بين العلم والعمل: صحة أو فسادا أمر ضروري لا يفتقر إلى دليل نظري، ولذلك حسن وصفهم بأنهم في خوض يلعبون، فحصل التكذيب وهو مئنة من فساد قوى العلم، وحصل اللعب وهو مئنة من فساد قوى العمل، فصارت تلك المحال قابلة لآثار الوعيد لما قام بها من رسم الفساد الباطن والظاهر، فذلك الاقتران من قبيل اقتران فساد العلم والعمل في قوله تعالى: (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)، فالاستمتاع بالخلاق مئنة من فساد العمل الظاهر إن لم يكن على رسم الوحي الذي أبان عن طرائق اللعب المباح الذي يؤجر صاحبه إذا استحضر نية صالحة، فـ: "كل لهو يلهو به الرجل لهو باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امرأته فإنه من الحق"، فجاء العموم في معرض تقرير الأصل وذلك ما سوغ الابتداء به فـ: "كل": نص في العموم، فضلا عن إضافته إلى نكرة، فأفادته تخصيصا، والتخصيص مما يرفع الإبهام فيصير اللفظ صالحا للابتداء، فالعموم يراد به الحكم على الجنس بأكمله لا فرد بعينه، والتخصيص يزيل إجمال اللفظ في نفسه بقصر دلالته على نوع بعينه هو نوع اللهو الذي يراد بيان حكمه، فكل لهو باطل، فذلك عموم صدر به السياق فهو الأصل في هذا الباب، فلم يخلق الإنسان ليلهو ويعبث، بل ليعمل وينصب، فاللعب مظنة الغفلة إلا ما كان بقدر الترويح والاستجمام، فـ: "روَّحوا عن القلوب ساعة، فإنها إذا أكرهت عميت" كما أثر عن علي، رضي الله عنه، وقال بكر بن عبد الله المُزني: "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال"، فذلك رسم الوسطية العجيب الذي نجح صدر الأمة، رضي الله عنهم، في تحقيقه بدقة متناهية فعلموا متى يحسن الجد ومتى يقبح، ومتى يحسن المزاح ومتى يقبح، وما القدر الذي تحسن مباشرته منه لئلا تسقط الهيبة ولتحصل المؤانسة للأهل والولد والأصحاب في نفس الوقت فمن يقدر على ضبط الأمر على هذا الوجه المتقن؟!، فباللهو المباح لا يقع الإنسان في السآمة والملل بمداومة العبادة واتصال زمانها، فذلك غلو يفضي إلى الانقطاع كما قد وقع من رهبان الأمم الماضية ومن سار على طريقتهم من متعبدة الأمة الخاتمة، فيخرج به الإنسان عن حد الاعتدال، وينازع الملائكة طريقتهم مع اختلاف جبلته عن جبلتهم، فلكل جبلة أحكام وتكاليف تلائمها، فالخروج عن حكم نوع إلى حكم آخر خروج عن مقتضى العقل الصريح بالتسوية في الحكم بين متباينين في الوصف فيروم صاحبه أن يصير البشر ملائكة!، وليس ذلك بمقدور، فإن فيه معارضة صريحة للسنة الربانية النافذة، فاختلاف الأصل يؤدي بداهة إلى اختلاف الفرع، فأصل الملائكة النور، فهو خلق لطيف قد خلصت مادته مما يثقله فلا يفتقر إلى شهوات يستبقي به وجوده أو نوعه فلا يجوع ولا يعطش ولا ينكح ولا يمل ولا يسأم من طول العبادة، بل: (لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)، فحصل بطباق السلب المعنوي لا اللفظي بين نفي الاستكبار والاستحسار من جهة، وإثبات التسبيح من جهة أخرى فهو فرد من أفراد العبادة التي يباشرها جنس الملائكة برسم الخضوع فلا كبر، والنشاط فلا فترة، فلا ينقطع العبد عن العبادة إلا لكبر في نفسه أو ضعف وفتور في جسده، والملائكة قد نزهت عن كلا العارضين: العارض الإبليسي الذي يولد الكبر والعارض النفساني الذي يولد في الفتور والسآمة، ويقال أيضا بأن: المضارعة مئنة من التجدد والاستمرار فذلك وصفهم اللازم فلا ينفكون عن عبادة، فـ: "ما في السّماوات السبع موضع قدمٍ ولا شِبر ولا كفّ إِلّا وفيه ملكٌ قائم أو ملك ساجد أو ملك راكِع، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! إِلّا أنّا لم نشرك بِك شيئا"، فهيأ الرب، جل وعلا، تلك الأجسام النورانية اللطيفة للتسبيح بلا انقطاع أو فتور أو سآمة، فالخلقة النورانية
(يُتْبَعُ)
(/)
مظنة الخفة فلا تثقلها أعباء الشهوات التي تنجذب بها الأرواح البشرية إلى الأرض، والخفة مئنة من النشاط في العمل بلا فتور أو كلل، وذلك رسم الملائكة، فـ: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)، فلا يفترون عن التسبيح والذكر فلأجله خلقوا، ولا يرد على ذلك أن بني آدم قد خلقوا لذلك، أيضا، لقرينة القصر في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، فذلك من القصر الإضافي بالنظر إلى ما يستغرق زمان المكلف من الأعمال والأقوال، فليست كلها عبادة محضة، بل جل زمان المكلف عند التدبر والنظر ينقضي في المباحات، وهو من القصر الحقيقي بالنظر إلى الغاية من خلق النوع الإنساني، فالعبد المسدد هو الذي يقضي عمره كله في طاعة سواء أكان فعله عبادة محضة، أم عادة جبلية ينوي بها القربة الشرعية ولو بالترويح عن النفس لتنهض إلى التكليف الشرعي بالتدبر والنظر الباطن، والقول والعمل الظاهر، فلا يرد على خلق الملائكة للعبادة المحضة برسم الطاعة الجبلية الاضطرارية فـ: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، لا يرد عليها أن البشر قد خلقوا للعبادة أيضا، فعبادة البشر تباين عبادة الملائكة فرعا على التباين بين خصائص البشر التي يمتزج فيها الخلق النوراني اللطيف بالخلق الطيني الكثيف وخصائص الملائكة التي يخلص فيها الخلق النوراني من غلظ الخلق الطيني فهو نور ناصح من كدر العلائق البشرية الكثيفة التي تلائم خلق الإنسان المكلف برسم الاختيار لا الملك المسبح برسم الاضطرار، فذلك أصل الملائكة، وأما أصل البشر فهو الطين الكثيف الممزوج بالروح اللطيف فتصطرع فيه قوى الروح والجسد فلكل غذاؤه، ولا يحسن الميل إلى شق دون آخر، فذلك ذريعة إلى وقوع الخلل والاضطراب، فلا يحسن الميل إلى شق البدن بإشباع الشهوات وإرواء الغرائز من كل صنوف اللذة، ولو باطلة محرمة، بل ولو مباحة فالإفراط في تناول المباحات مظنة فساد البدن بما يعتريه من أدواء قاتلة فـ:
فإن الداء أكثر ما تراه ******* يكون من الطعام أو الشراب
فضلا عن الإفراط في تناول شهوة النكاح فهي ذريعة إلى تحلل قوى البدن والروح، فقليل منها يلطف، وكثير منها يثقل ويمرض، وذلك أمر معلوم لمن ذاق تلك اللذة، فأشد الناس شوقا إليها وأكثرهم استمتاعا بها أقلهم مباشرة لها برسم الاعتدال لا الهجر المفضي إلى فساد المزاج واضطرابه وفتنة الصاحب في دينه فـ: "إن لربك عليك حقاً وإن لنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حقٍّ حقه"، ولا يحسن في الجانب الآخر: الميل إلى شق الروح بالمداومة على العبادة المحضة، فذلك، كما تقدم، مظنة السآمة والملل، ولا يحسن الميل إليه بهجر جنس الشهوات المركوزة في الجبلة الطينية فبها قوام البدن الذي لا تقوم الروح إلا به، فهو آلة التكليف، كما لا يقوم هو إلا بها، فهي مادة الحياة، فلا صلاح لأحدهما إلا بصلاح الآخر، فالتلازم بينهما تلازم وثيق، يشهد له الحس شهادة عدل ضابط فخبره الخبر الصادق بل الضروري الذي لا يفتقر إلى دليل نظري فمن ذا الذي ينكر التأثير المتبادل بين الروح اللطيف والبدن الكثيف فكلاهما يؤثر في الآخر صحة أو فسادا، فإذا فسد البدن بمرض أو ثقل لإفراط في شهوة، ولو مباحة، ظهرت أعراض ذلك على الروح فقسا القلب وغلظت النفس فلا تدرك مراد الشارع، جل وعلا، لحجب مداركها بحجاب الشهوة الغليظ عن موارد العلم الإلهي اللطيف الذي لا تقبله إلا محال لطيفة يقتصد أصحابها في تناول المباح، فلا إفراط ولا تفريط، فـ: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، فهي مباحة برسم الاعتدال، ولا تنهض إلى تأويله بالامتثال فآلة التكليف ثقيلة أو معتلة بما ورد عليها من الأخلاط الفاسدة فهي نتاج الإفراط في تناول الشهوات المحسوسة، وإذا فسدت الروح بما يرد عليها من كفر أو شرك أو بدعة أو معصية أو حتى ترك لمندوب أو اقتراف لمكروه، إذا فسدت أنتج ذلك شؤما يضعف البدن فتلك من العقوبات الكونية
(يُتْبَعُ)
(/)
النافذة، بل لو ثقلت بهم أو حزن لأثر ذلك في البدن بالمرض، وإن كان صاحبه مأجورا إن كان مؤمنا، فـ: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".
فلا يتصور الانفكاك بينهما إلا بالموت الذي يفني الأبدان ويطلق الأرواح من صورة اللحم والدم إلى فضاء اللذة أو الألم، فتنعم إن كانت مؤمنة، وتعذب إن كانت كافرة.
فلذات الدنيا المحسوسة أو المعقولة إن لم تستعمل في الترويح عن النفس لتنهض إلى تأويل ما كلفت به من الأعمال، فهي باطل محض، فالباطل منه المحض، ومنه ما هو باطل في نفسه وإن حسن تناوله لبعض أجناس المكلفين فهو مما يروح به عن النفوس، ويصد به ضعاف العقول عن مقارفة الباطل المحض الذي يستوجب الذم والوعيد، فللذات المذكورة في الحديث: "رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امرأته"، والتي جاءت على حد الاستثناء المتصل فهي من صور التخصيص المتصل للعموم القياسي الذي صدر به الحديث، فأفادت خروج أفراد بعينهم عن حكم البطلان العام، وبقي العام محفوظا فيما عداها، فالعام المخصوص، كما قرر أهل الأصول، حجة فيما عدا صورة التخصيص، فلا يستثنى غيرها طردا للأصل، فجنس اللهو مذموم إلا ما ورد النص باستثنائه مما يحسن في حق المكلف فبه تحصل العفة وبه يكون الإحسان إلى الصاحب بالإعفاف، فتتخلص النفوس من ضغط وإلحاح الحاجة الفطرية، كما أشار إلى ذلك المعنى صاحب "شبهات حول الإسلام" حفظه الله وسدده، بقوله:
"إن التخلص من ثقلة الجنس على الأعصاب هدف صحيح، والإسلام يوليه أكبر عنايته، لأنه يعلم - قبل أن يكتشف الأمريكان ذلك - أن اشتغال المحرومين بمسائل الجنس يعطلهم عن قدر من الإنتاج، ويحبسهم في ميدان الضرورة فلا يرتفعون إلا ريثما يعودون فيهبطون. ولكن الهدف الصحيح ينبغي أن تتخذ له الوسائل الصحيحة. وتلويث المجتمع كله، وإطلاق فتيانه وفتياته كالبهائم ينزو بعضهم على بعض ليس هو الطريق الصحيح. فإذا كان الإنتاج الأمريكي الضخم ناتجاً - كما يفهم المغفلون - من هذه الفوضى الجنسية، فليعلموا أولاً أنه إنتاج مادي بحت، يمكن أن يغني فيه الإنسان الآلي عما قريب عن الإنسان الحي. أما في عالم الأفكار والمبادئ فأمريكا هي التي تسترق الزنوج أبشع استرقاق عرفته البشرية في تاريخها الحديث، وهي التي تؤيد كل قضية استعمار على ظهر الأرض. ولا يمكن الفصل بين الهبوط النفسي المتمثل في حيوانية الغريزة، والهبوط النفسي المتمثل في الاسترقاق والاستعمار، فكلاهما انحدار لا يمكن أن يلجأ إليه (المتحضرون) ". اهـ
"شبهات حول الإسلام"، ص166، 167.
وبه يحصل المران على فنون القتال، فذلك مما لا يتم واجب الجهاد إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيكون حقا محمودا من هذا الوجه، والجهاد، باللسان أو السنان، دفعا أو طلبا، تبعا لما يجد من الأحوال، فباختلافها تختلف الأحكام فيحسن من صور الجهاد في موضع ما لا يحسن في غيره، الجهاد على ما تقدم من آكد الفروض الدينية فهو تأويل سنة التدافع الكونية، فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، فذلك من التلاؤم الوثيق بين السنن الربانية: كونية كانت أو شرعية، فينزل الجهاد منزلة المكمل للضرورة الأولى من ضرورات الشريعة الخمس، ضرورة: حفظ الدين، فهو مما يحفظ به الدين، ومكمل الضروري، كما قرر أهل المقاصد، ضروري مثله، فما لا يتم الشيء إلا به فله حكمه.
تلك اللذات المذكورة في الحديث من الحق المحض، ويقابلها لذات الشهوات المحرمة فهي من الباطل المحض، وبينهما لذات لا توصف بحق أو باطل محض، فهي باطل بالنظر إلى ضآلة أو عدم نفعها، وهي حق من جهة إباحتها ولو لبعض المكلفين لا سيما ضعاف العقول، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وليس كل مباح يحسن تناوله، فمنه ما قد يخرم مروءة أصحاب النفوس الكاملة، وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حق عمر رضي الله عنه: "هَذَا رَجُلٌ لَا يُحِبُّ الْبَاطِلَ"، فلا يحب الباطل الذي تنشغل به النفوس عن عظائم الأمور ولو كان مباحا في نفسه فلا يحسن في حقه ما يحسن في حق الصبية والجواري من
(يُتْبَعُ)
(/)
لهو!.
وإلى هذه الأقسام الثلاثة أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله في تقسيم بديع لأجناس اللذة في "الاستقامة":
"وكل لذة أعقبت ألما في الدار الآخرة أو منعت لذة الآخرة فهي محرمة مثل لذات الكفار والفساق بعلوهم في الأرض وفسادهم مثل اللذة التي تحصل بالكفر والنفاق كلذة الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ولذة عقائدهم الفاسدة وعباداتهم المحرمة ولذة غلبهم للمؤمنين الصالحين وقتل النفوس بغير حقها والزنا والسرقة وشرب الخمر ولهذا أخبر الله أن لذاتهم إملاء ليزدادوا إثما وأنها مكر واستدراج مثل أكل الطعام الطيب الذي فيه سم .......
وأما اللذة التي لا تعقب لذة في دار القرار ولا ألما ولا تمنع لذة دار القرار فهذه لذة باطلة إذ لا منفعة فيها ولا مضرة وزمانها يسير ليس لتمتع النفس بها قدر وهي لا بد أن تشغل عما هو خير منها في الآخرة وإن لم تشغل عن أصل اللذة في الآخرة.
وهذا هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق" رواه مسلم وكقوله لعمر لما دخل عليه وعنده جواري يضربن بالدف فأسكتهن لدخوله وقال: "إن هذا رجل لا يحب الباطل" فإن هذا اللهو فيه لذة ولولا ذلك لما طلبته النفوس ولكن ما أعان على اللذة المقصودة من الجهاد والنكاح فهو حق وأما ما لم يعن على ذلك فهو باطل لا فائدة فيه ولكن إذا لم يكن فيه مضرة راجحة لم يحرم ولم ينه عنه ولكن قد يكون فعله مكروها لأنه يصد عن اللذة المطلوبة إذ لو اشتغل اللاهي حين لهوه بما ينفعه ويطلب له اللذة المقصودة لكان خيرا له والنفوس الضعيفة كنفوس الصبيان والنساء قد لا تشتغل إذا تركته بما هو خير منها لها بل قد تشتغل بما هو شر منه أو بما يكون التقرب إلى الله بتركه فيكون تمكينها من ذلك من باب الإحسان إليها والصدقة عليها كإطعامها وإسقائها فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن بعض أنواع اللهو من الحق. وكان الجواري الصغيرات يضربن بالدف عنده وكان صلى الله عليه وسلم يمكنهن من عمل هذا الباطل بحضرته إحسانا إليهن ورحمة بهن وكان هذا الأمر في حقه من الحق المستحب المأمور به وإن كان هو في حقهن من الباطل الذي لا يؤمر أحد سواهن به ........... كما كان مزاحه مع من يمزح معه من الأعراب والنساء والصبيان تطييبا لقلوبهم وتفريحا لهم مستحبا في حقه يثاب عليه وإن لم يكن أولئك مأمورين بالمزح معه ولا منهيين عن ذلك.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يبذل للنفوس من الأموال والمنافع ما يتألفها به على الحق المأمور ويكون المبذول مما يلتذ فيه الآخذ ويحبه لأن ذلك وسيلة إلى غيره ولا يفعل صلى الله عليه وسلم ذلك مع من لا يحتاج إلى ذلك كالمهاجرين والأنصار بل بذل لهم أنواعا أخر من الإحسان والمنافع في دينهم ودنياهم.
وعمر رضي الله عنه لا يحب هذا الباطل ولا يحب سماعه وليس هو مأمورا إذ ذاك من التأليف بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم حتى تصبر نفسه على سماعه فكان إعراض عمر عن الباطل كمالا في حقه وحال النبي صلى الله عليه و سلم أكمل". اهـ بتصرف
وهذا أصل جليل في هذا الباب الذي قد يتوهم فيه أن حال غير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكمل من حاله، فذلك ما لا يتصور أبدا في علم أو عمل، في زهد أو عبادة ..... إلخ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكمل الخلق علما وعملا فعلمه أنفع علم يتصور إدراكه وعمله أصح عمل يمكن إيقاعه.
فمن اللذة: لذة علمية هي أشرف اللذات، ومنها لذة وهمية فالنفوس تركن إلى من يعظمها ولو زورا ونفاقا!، ولذة محسوسة هي أخس أجناس اللذة لتعلقها الوثيق بالبدن الطيني الكثيف.
وأما بالنظر إلى حكمها فمنها كما تقدم: الباطل المحض ومنها الحق الذي يستعان به على تبعات التكليف، ومنها الباطل الذي تتوق إليه النفوس الضعيفة فلا تصبر عنه فلا يحسن في حق أصحاب النفوس الشريفة.
والشاهد أن الاستمتاع بالخلاق مظنة الخوض في الباطل فاقترنا في آية التوبة: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
وإلى هذا المعنى اللطيف أشار ابن القيم، رحمه الله، بقوله:
"والمقصود أنه سبحانه جمع بين الاستمتاع بالخلاق وبين الخوض بالباطل لأن فساد الدين إما أن يقع بالاعتقاد الباطل والتكلم به وهو الخوض أو يقع في العمل بخلاف الحق والصواب وهو الاستمتاع بالخلاق فالأول البدع والثاني اتباع الهوى وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء وبهما كذبت الرسل وعصي الرب ودخلت النار وحلت العقوبات فالأول من جهة الشبهات والثاني من جهة الشهوات ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى فتنه هواه وصاحب دنيا أعجبته دنياه وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون. فهذا يشبه المغضوب عليهم، (وهم: اليهود)، الذين يعلمون الحق ويعملون بخلافه وهذا يشبه الضالين، (وهم: النصارى)، الذين يعملون بغير علم.
وفي صفة الإمام أحمد رحمه الله: عن الدنيا ما كان أصبره وبالماضين ما كان أشبهه أتته البدع فنفاها والدنيا فأباها.
وهذه حال أئمة المتقين الذين وصفهم الله في كتابه بقوله: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)، فبالصبر تترك الشهوات وباليقين تدفع الشبهات قال تعالى: (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، وقوله تعالى: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) ". اهـ
بتصرف يسير من "إعلام الموقعين"، (1/ 136، 137).
وذلك ما وقع فيه المكذبون لفساد قواهم العلمية اللاعبون لفساد قواهم العملية.
والله أعلى وأعلم.(/)
أنواع القصر ..
ـ[المخملية]ــــــــ[10 - 12 - 2010, 11:42 ص]ـ
_
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة.
عندي استفسار بسيط جداً
القصر ينقسم لعده انواع:
1/ القصر تبعاً لغرض المتكلم = وهو بدوره ينقسم حقيقي واضافي
2/ تبعاً لحال المقصور = وينقسم لـ قصر الموصوف على الصفه , وقصر الصفه على الموصوف
3/ تبعاً لحال المخاطب =وينقسم لقصر القلب , وقصر الافراد , وقصر التعيين
هذه التقسيمات قمت بكتابتها اثناء محاضرتي بالجامعه ولكن عند مقارنتها بكتاب الايضاح في علوم البلاغه للامام القزويني لم اجد تطابق بها
اتمنى مساعدتي بشرح مبسط ومفهوم لهذه الاقسام
وإن كان بها شيئا من الخطأ ارجو تنبيهي عليه وشكراً ..
~
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 04:00 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذه محاولة قد تنفع في رفع الإشكال الحاصل:
في القصر الحقيقي في نحو: لا رازق إلا الله، مراد المتكلم تقرير هذا المعنى في ذهن المخاطب على جهة الحقيقة فلا رازق فعلا إلا الله عز وجل.
وكذلك الشأن في الإضافي في نحو: (يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ): فمراد المتكلم تقرير المعنى على جهة المبالغة، فكأنه ما أوحي إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا أمر التوحيد، وقد أوحي إليه غير ذلك من الأخبار والأحكام وإنما حسنت المبالغة في تقرير معنى التوحيد نظرا لحال المخاطب، فحال المخاطب هنا، أيضا، معتبر، فهو مشرك فيحسن تقرير المعنى الذي ينقض معتقده على جهة المبالغة فيكون قصر قلب بالنظر إلى حال المخاطب.
وأما عند النظر إلى حال المقصور:
ففي نحو: ما شاعر إلا أبو الطيب: المراد هو تقرير المعنى المقصور فهو مراد المتكلم فغرضه الإشادة بشاعرية أبي الطيب فقصر وصف الشاعرية عليه.
وكذلك الشأن في نحو: ما فلان إلا شاعر، فالمراد قصر فلان على وصف الشاعرية وهو يوحي بنوع ذم بخلاف الصورة السابقة.
وأما في قصر القلب والتعيين والإفراد:
فالنظر إنما يكون لحال المخاطب، كما في المثال الشهير في آيتين:
في قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ): القصر هنا قصر قلب لاعتقاد النصارى الذين غلوا في المسيح عليه السلام.
وفي قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ): القصر هنا قصر إفراد، لأن المخاطب كان يؤمن بنبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكنه مع ذلك كان يعتقد أنه باق فجزع لما أشيع خبر مقتله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم أحد فجاء القصر ليفرده صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصف النبوة فقط دون الخلد، فـ: (مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ).
ولو نظر إلى القصر في الآيتين فإنهما باعتبار حال المتكلم من القصر الإضافي مبالغة في تقرير المعنى في ذهن المخاطب.
وهكذا يمكن أن يكون للقصر أكثر من وجه، فيكون إضافيا من وجه، كما في آية: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، وقلبا من وجه آخر، وهو قصر للموصوف وهو المسيح عليه السلام على صفة الرسالة من وجه ثالث، فالسياق الواحد قد يحتمل أكثر من نوع بحسب قرائنه المحتفة.
وفي قصر التعيين يكون المخاطب مترددا في الحكم، كأن يشك: محمد كاتب أو شاعر، فهو لم يعتقد فيه كلا الوصفين ليكون القصر بنحو: ما محمد إلا كاتب، قصر إفراد، وإنما شك، فجاء القصر ليعين صفة محمد فهو كاتب لا شاعر.
والله أعلى وأعلم.
ـ[الأحمر]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 07:48 م]ـ
السلام عليكم
بارك الله في الجميع
موضوع له صلة
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?589- القصر- (-2 - )
ـ[على خطاهم]ــــــــ[17 - 12 - 2010, 07:26 م]ـ
تبعاً لحال المخاطب ما نوع القصر في آية:
إياك نعبد واياك نستعين؟!
ـ[فتاة المحبة]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 06:11 م]ـ
بارك الله فيك على التوضيح والتبسيط فأنا أحب البلاغة موت ولله الحمد فقد بدأت أفهمها أكثر من قبل ولاأنسى أن أدعو لدكتوري وابي الحنووووون سالم الهروس حفظه الله وزاده علما وجعله الله معينا لاينضب وزادا لا ينفد
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 12 - 2010, 03:58 ص]ـ
في: إياك نعبد واياك نستعين:
هل يقال بأنه قصر إفراد للمخاطب وهو الرب، جل وعلا، بالعبادة عموما، والاستعانة خصوصا، أو بالعبادة غاية، والاستعانة وسيلة فلا عبادة إلا باستعانة.
والله أعلى وأعلم.(/)
استفسار
ـ[*محب الضاد*]ــــــــ[10 - 12 - 2010, 05:47 م]ـ
قال الشاعر
رُشُّوا الطريقَ ندى وزهرا لفتى يَغُذُّ السَّير فجرا
1 - ما الغرض من الأمر في البيت؟؟؟؟
2 - لماذا اختار الندى والزهر لرش الطريق؟؟؟
ولكم جزيل الشكر
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[10 - 12 - 2010, 09:21 م]ـ
1 ـ الغرض المدح و الترحيب.
2 ـ لأن الندى والزهر يبعثان في النفس السرور ويدلان على المناسبات السارة كما هذا الرجل الذي يسير لصلاة الفجر فكأنه يذهب ليحضر حفلا ولقاء جميلا وهو كذلك أخي الكريم حينما يلتقي مع الله في الصلاة. وهل هناك أجمل من هذا اللقاء ليستعد له بالعطور ونرشه نحن بأعذب المديح أو نرشه ـ إن كان يقصد الشاعر المعنى الحقيقي الحسي ـ بالزهور والندى.
والمعنى كما يقولون في بطن الشاعر
مجرد محاولة
هذا والله أعلم
ـ[خميس الغامدي]ــــــــ[11 - 12 - 2010, 11:21 م]ـ
صاحب القصيدة هو: صالح بن عبد الله الجيتاوي فلسطين ـ من ديوان صدى الصحراء.
البيت الذي يليه: عقد الرَّشاد ليومه ** مع رَبِّه آياً و ذكرا
الندى والزهر من أجمل ما يراه الشاعر، وهو يريد الصباح فالندى مع الزهر صباحاً مع ابنٌ يريد العلم و يقرأ آيات من الذكر وهي من أقرب الأشياء تذكره بالجنة من حيث القراءة و الذكر و لأجل ذلك اختار الرش بالندى لكونه لطيفاً غير مؤذي و أختار الزهر لحلاوة اسمه فكأنه وصل الغاية و بذلك الشاعر في التصوير احسن و أبدع.
و الله ٍأعلم.(/)
من نصوص الكبر
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 12 - 2010, 04:09 ص]ـ
من حديث: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ":
فذلك من العموم الذي دل عليه دخول أداة النفي على المصدر الكامن في الفعل، فامتنع دخول الجنة لمن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فإن تسلط النفي يؤول إلى: لا دخول للجنة ..... إلخ، وذلك عموم مخصوص بما قرره أهل العلم من مكفرات الذنوب خصوصا أو موانع نفاذ الوعيد عموما، فلا يدخل الجنة من سبقت عليه كلمة العذاب فكان تحت المشيئة، فلم تكتب له النجاة، فذلك عدل الرب، جل وعلا، ولو شاء لكتبها له فنجا بلا سابقة عذاب فذلك فضله يؤتيه من يشاء وهو الواسع، فله سعة الصفات جلالا، فأخذه شديد، وجمالا فرحمته وسعت كل شيء، العليم فهو أعلم حيث يجعل رحماته، فيعلم المحال التي هي أهل لمغفرته، وإن دخلت في حد وعيده، فقد قام بها من موانعه ما صارت به أهلا لنيل كرامته، جل وعلا، فهو الكريم الذي يفي لمن وعد فلا يخلف وعده، فذلك نقص تنزه عنه آحاد الصادقين وآحاد الكرام من البشر، فتنزيه الرب، جل وعلا، عنه ثابت بل واجب من باب أولى، فضلا عن ورود النص الشرعي بإثبات وصف السلب المنفي، فـ: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ): فأضيف الوعد إلى اسم الله، عز وجل، فهو من جملة كلماته الخبرية الصادقة فضلا عن دلالة الإضافة إلى اسمه، جل وعلا، على تعظيم المضاف فلا أعظم ولا أصدق من وعده، جل وعلا، لعباده المؤمنين فذلك من الوعد في معرض الترغيب، فله دلالة إنشائية بالحث على الفعل الذي يتذرع به إلى نيل الوعد الرباني الصادق، وأما الوعد في معرض الترهيب فمنه قوله تعالى: (لَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)، فالوعد معنى يقبل الانقسام إلى الضدين: الوعد بالخير ترغيبا والوعد بالشر ترهيبا، والسياق هو الذي يعين مراد المتكلم على ما اطرد مرارا من دلالة القرينة السياقية اللفظية أو الحالية على المعنى المراد فهي من جملة ما يحتف باللفظ من القرائن التي ترفع إجماله وتزيل إشكاله.
وحسن في مقام الاحتراز من وصف الرب، جل وعلا، بوصف نقص لا يليق بذاته القدسية، حسن التوكيد بتصدير السياق بـ: "إن" في معرض التعليل لما سبقه من جريان السنة الكونية بإنزال القوارع بالكفار فذلك لا يعارض ما تقدم من سعة رحمته وعدم نفاذ وعيده في بعض العصاة، فإن ذلك إنما يكون لأهل الكبائر أو المخلطين من أهل التوحيد، فقد: (خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، والرجاء في التنزيل محمول على حصول المرجو فذلك الأليق بكرم الرب جل وعلا فلا يخيب رجاء عباده إن أحسنوا الظن فأحسنوا العمل وجددوا التوبة والاستغفار، فمعهم أصل التوحيد الذي تحصل به النجاة ولو تقدمتها سابقة العذاب المؤقت في نار التطهير لعصاة الموحدين، فحسن التوكيد في معرض بيان نفاذ السنة الكونية، فهي من أمارات الجلال الإلهي بإيقاع العذاب الكوني بالذين كفروا، فالتعريف بالموصول قد أبان عن العلة، فالكفر سبب رئيس لنزول القوارع والأخذ بالسنين، فبها التذكرة، فـ: (لَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)، وبها التهلكة، فـ: "أنَهْلِكُ وفِينا الصَّالِحون؟ قال: 'نَعَمْ إذا كَثُرَ الخَبَثُ'"، فتنزل بمن قامت به علة الكفر: القوارع الكونية، فالتنكير يفيد التهويل من وجه والنوعية من آخر، فدلالته على الشيوع ظاهرة فهو بمنزلة اسم الجنس الذي يدل على قليل المعنى وكثيره، فهي قارعة أطلقت فلم تقيد بوصف أو عدد، فذلك أبلغ في الزجر، فالإطلاق هنا يزيد المعنى بيانا، كما أن التقييد في نحو قوله تعالى: (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً) يزيل الإجمال برفع الاحتمال فهي دكة واحدة لا غير، ولو أطلقت
(يُتْبَعُ)
(/)
لأفادت بظاهرها أنها دكة واحدة ولكن ذلك من دلالة الظن التي تحتمل، فقد يكون اللفظ دليلا على الجنس المطلق فلا يدل على عدد بعينه، بل دلالته على التكثير أظهر، وذلك ضد المراد، فهي، كما تقدم، دكة واحدة لا غير، فحسن مع قيام هذا الاحتمال، ولو قياما مرجوحا، حسن التقييد بوصف: "واحدة"، فهو رافع لاحتمال الإجمال الظني، قاض ببيان القيد القطعي الذي أزال الإشكال من كل وجه، فدل على عدد بعينه هو نص قاطع في الدلالة على معناه فلا يحتمل غيره ولو احتمالا مرجوحا، فالواحد: واحد بداهة فلا يحتمل اثنين أو ثلاثة ..... إلخ.
وتلك من بلاغة التنزيل، فإن التقييد قد يحسن حيث يرد الإشكال بورود الاحتمال إذا أطلق اللفظ، فلا تعلم دلالته يقينا حتى يرد القيد الرافع لإجماله، وهو إما أن يكون:
متصلا به في سياقه كـ:
الوصف المعنوي: كما في قوله تعالى: (فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ)، فأفاد التقييد بوصف الإيمان الذي اشتقت منه الصفة المشبهة: صلة "أل"، فهي، كما تقدم، مظنة التعليل، فبها يناط الحكم، أفاد ذلك التقييد بمنطوقه: إباحة نكاح الإماء المؤمنات إذا لم يجد الناكح مؤنة المؤمنة الحرة، وأفاد بمفهومه: تحريم نكاح الإماء الكافرات أيا كان دينهن، ولو كتابيات يجوز نكاحهن إن كن حرائر، فالأمة الكافرة لا يطأها المؤمن، إن وجدت!، إلا برسم ملك اليمين.
أو العددي .... إلخ، كما في آية الدك السابقة: (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً).
وإما أن يكون منفصلا:
فيأتي في سياق آخر من السنة فهي تقيد مطلق الكتاب، كما في تقييد قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)، بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا"، فذلك قيد أول من جهة النصاب الذي يستوجب الحد، وفعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقطع اليد من مفصل الكف، فذلك قيد ثان أبان عن القدر المقطوع من اليد فإطلاقها مجمل يفتقر إلى بيان القدر في أحكام كالوضوء أو التيمم أو الحد قطعا .... إلخ، فحصل القيد بالقول من وجه، وبالفعل من آخر.
أو من التنزيل كما في حمل مطلق الرقبة في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)، على قيد الإيمان في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)، خلافا للأحناف رحمهم الله، فالأصل في نصوص التنزيل التسوية بين المتماثلين، فالحكم واحد وإن اختلف السبب، فذلك مظنة التماثل في القدر والوصف، فيكون التفريق بين عتق رقبة في كفارة القتل، وعتق أخرى في كفارة الظهار يكون: تفريقا بين متماثلين، وذلك مما لم يعهد في خطاب الشارع، عز وجل، فهو خطاب محكم جار على أصول القياس الصريح، فلم يأت التنزيل بما تمجه العقول: خبرا أو حكما، فأخباره، كما تقدم مرارا، أصدق الأخبار، وهي إما أن تكون واجبات ثبت وجوبها بالعقل الصريح، ولو إجمالا، كإثبات كمال الرب، جل وعلا، ذاتا وأوصافا، فيأتي الوحي ببيان هذا الواجب المجمل الثابت ببدائه العقول والفطر التي أخذ عليها الميثاق الأول فما تجده من ميل إلى التوحيد ومسارعة إلى تصديق خبره وامتثال حكمه دون كلفة عقلية يتجشم العقل فيها عناء التصديق بالمحال الذي تنكره بدائه العقول وتنفر منه بدائه الفطر، أو يعطل برسم التسليم المطلق الذي يدل على رسوخ إيمان صاحبه!، ولو بمحال لا يتصوره العقل ابتداء ليحد له حقيقة ولو ذهنية يمكن التصديق بها، فغايته أن يكون فرضا عقليا محضا يبتكره عقل ضال بما ألقي إليه من هاتف شيطاني بوسواس صادف في نفسه نازع شر وفتنة، فأحدث في الديانة مقالة لا سلف له فيها إلا أعداء النبوات ممن عارضوا أصولها التوحيدية بأخرى شركية أو وثنية، ويزداد الأمر سوءا، بافتراء الكذب على الرب، جل وعلا، بنسبة هذه المقالات الردية إلى الرسالات السماوية: معدن التوحيد والتنزيه، فتصير معدن التشريك والتنقيص للرب، جل وعلا،
(يُتْبَعُ)
(/)
الواحد في ذاته الأحد في صفات كماله فلا خلق يدانيه أو يماثله في حقيقة كماله، وإن حصل الاشتراك في المعاني في الذهن في معاني صفاته القدسية فذلك لا يوجب، كما تقدم مرارا، حصول الاشتراك في الحقائق في الخارج فلا حقيقة كحقيقة ذات ووصف الرب، جل وعلا، فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فلا يتصور في حقه ما تصوره أصحاب المقالات الباطلة من حلول أو اتحاد بذاته أو وصفه في كائن أرضي حادث، ولو شريف القدر عظيم الشأن، فلا محل في هذا الكون يحتمل آثار جلاله، فقد تجلى للجبل فتدكدك، فكيف بذاته القدسية وصفاته العلية لو امتزجت بخلق من خلقه مع ما يلزم من ذلك من معان تنفر منها الطبائع السليمة فورود عوارض النقص الجبلي على الرب العلي، عز وجل، محال آخر من جملة المحالات في تلك المقالات الباطلات، بل في دار النعيم، وهي أكمل الدور حالا ومآلا، يرى المؤمنون ربهم بلا حلول أو اتحاد بداهة!، بل بلا إحاطة بوصف كماله فـ: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، وإن كانت تراه رؤية تنعم، فالجهة منفكة، فرؤية الإحاطة منفية فلا يحيط بكماله، جل وعلا، إلا هو، والعقول تحار في كنه ذاته ووصفه في هذه الدار، فإذا رأته العيون في الآخرة حصل للعقول تأويل ما آمنت به من الغيب في الأولى، وهي مع ذلك ما زالت في حيرة!، فلن تحيط بكماله فذلك من المحال في الأولى والآخرة، فلا يطيق البصر مهما عظمت قوته، ولا يطيق العقل مهما اتسعت مداركه، لا يطيقان الإحاطة بوصف الرب، جل وعلا، فلا بد من قدر يعجزان عن بلوغه فبه يحصل كمال التعظيم للرب الجليل، تبارك وتعالى، وبه يكون الفرقان بين وصف البشر الذي يحيط العقل به، جملة وتفصيلا، ووصف رب البشر، جل وعلا، الذي يجد الخلق آثاره في عالم الشهادة، جلالا فـ: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، وجمالا فـ: (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فيدركون معانيه في الذهن، ويعجزون عن درك حقائقه في الخارج، ثم هم في دار المقامة: يدركون بحاستهم البصرية الظاهرة وحاستهم العقلية الباطنة طرفا منه، فلا طاقة لهم في الدارين بدرك حقيقة كماله الذاتي والوصفي على جهة الإحاطة، فلا يحيط بكماله، جل وعلا، إلا هو، فأعظم البشر، بل والخلق، صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يحصي ثناء عليه في الأولى، فيفتح الله، عز وجل، عليه في الآخرة بـ: "محامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي"، وهو، مع درجته الرفيعة ورتبة المنيفة، فهو أعلم الخلق بالرب، جل وعلا، مع كل ذلك، لا يحيط بكمالات الرب، جل وعلا، فلا علم له إلا بما أوحي إليه، فـ: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)، فذلك من تعظيم قدر الوحي فبه ثبت رسم العصمة لصاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو معدن السلامة في أخباره الصادقة وأحكامه العادلة، ومع تلك العصمة الكاملة، فإنه لا يعلم الغيب إلا ما شاء الرب، جل وعلا، إطلاعه عليه من الغيوب الماضية أو الحالية في زمانه أو الآتية بعده برسم: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)، فبه حصل الإعجاز الخبري في التنزيل الإلهي، وذلك من أظهر دلائل النبوة لا سيما في زماننا، فإذا كان مع كل ذلك العلم وتلك العصمة لا يعلم من الغيب إلا ما قد علمه الرب، جل وعلا، فلا يعلم الغيب المطلق الذي استأثر به الرب، جل وعلا، وأعظمه: العلم بحقائق الإلهيات ذاتا ووصفا، فلم ير أحد الرب، جل وعلا، على خلاف في هذه المسألة فقد ثبت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مطلق رؤية في ليلة المعراج فقيدها الجمهور برؤية القلب جمعا بين النصوص النافية لرؤية البصر والمثبتة فحملت على رؤية البصيرة لتتسق أدلة الباب فإعمالها
(يُتْبَعُ)
(/)
جميعا أولى من إهمال بعضها بنسخ أو ترجيح كما قرر أهل الأصول، لم ير أحد الرب جل وعلا في دار التكليف، ولو مطلق رؤية، ولا يراه أحد في دار الجزاء: رؤية إحاطة، ولو كان أعظم خلقه قدرا وأكملهم وصفا وأحبهم إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فغيره محجوب عن تلك الدرجة من باب أولى، فلا تطمع العقول في درك وصفه في الأولى إلا معان تثبت في الذهن بها يحصل التصور لما يجب الإيمان به من كمالات الرب جل وعلا، ولا تطمع في الإحاطة به في دار الجزاء، فذلك، كما تقدم، مما استأثر به الرب، جل وعلا، فبه يحصل الفرقان المبين بين الرب الحميد المجيد، والمخلوق الذي تقصر مداركه عن الإحاطة بكمال خالقه جل وعلا. فلا مطمع في ذلك، فكيف بمن أجاز بل أوجب حلول ذاته ووصفه أو اتحادهما بخلقه ليحصل له كمال التصور لمعبوده في دار الابتلاء، فبطل معنى الإيمان بالغيب، بل وانقلب إلى إيمان بالمحال بتجويز طروء عوارض النقص الجبلي في الكائنات على خالقها جل وعلا!، ومع ذلك يدعي أصحاب تلك المقالات الوثنية أنهم أهل نظر وروية!.
وأحكام الوحي من وجه ثان فهو قسيم الوجه الخبري: أعدل الأحكام فالنبوات قد أتت بأصول الشرائع الكاملة والأخلاق الفاضلة فذلك مما لا يتصور بداهة وقوع النسخ فيه، فهو نسخ لبدائه العقول، وذلك، كما تقدم مرارا، فرقان بين طريقة الأنبياء عليهم السلام، وطريقة أعدائهم، فالأنبياء، عليهم السلام، لا يأتون إلا بخبر يوجب العقل تصديقه، أو يجوز، على أقل تقدير، وقوعه، كصفات الفعل التي لا يوجبها العقل ولا ينفيها، من قبيل نزول الرب، جل وعلا، في الثلث الأخير، فينزل نزولا يليق بجلاله، فقد صار الخبر الجائز الذي يحار العقل في تعيين كنهه وإن لم يحل وقوعه، فمعناه من الجائز العقلي، ففي النزول نوع قرب، وذلك مما يجوز في حق الرب، جل وعلا، رحمة بعباده، على الوجه اللائق بجلاله، فينزل ليغفر الذنب ويجيب السؤل، برسم: "مَنْ ذَا الذِى يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الذِى يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الذِى يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ"، فذلك من الجائز الذي جاء خبر الوحي، الفرقان المبين في باب الإلهيات، بإثباته فصار واجبا من هذا الوجه، فهو من الصفات الخبرية التي لا يدل العقل عليها ابتداء، بإثبات أو نفي، حتى يرد خبر التنزيل بإثباتها، فتثبت للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، بلا قياس شمول أو تمثيل على خلقه، فذلك من الفساد بمكان! فلا يقاس الكامل على الناقص ولا الغائب على الشاهد، فذلك ذريعة إلى الوقوع في التشبيه والتعطيل معا، فيشبه بخلقه ويعطل عن كماله الذي انفرد به فلا شريك له فيه، كما تقدم، والتلازم بين التشبيه من وجه، والتعطيل من آخر: تلازم وثيق، فلا ينفك من شبه الرب، جل وعلا، بخلقه عن تعطيل لوصف كماله الذي انفرد به، فقد أبطل القدر الفارق بين مقام الربوبية ومقام العبودية بتجويز التشابه بينهما فكيف بالحلول والاتحاد وما يلزم منهما من مخالطة وامتزاج؟!، فإذا ثبت كمال انفراده، جل وعلا، بكل كمال ذاتي ووصفي وفعلي مطلق، ورد به التنزيل، فهو العمدة في هذا الباب كما تقدم، إذا ثبت ذلك فإنه يكون ذريعة ضرورية إلى إفراده بمنصب الألوهية: عبودية وتشريعا، فذلك، أيضا، من التلازم العقلي الوثيق.
فلا يتصور أن تحل نبوة خمرا أو خنزيرا كما يزعم أصحاب الشرائع التي تستند إلى الأهواء والأذواق بل والمنامات فمستند الإباحة العامة في دين المثلثة ومن على شاكلتهم ممن فسدت مصادر تلقيهم: رؤيا منامية لراهب أو معظم في الديانة، نسخ برؤياه ما أحكمت النبوات!، وأبى من جاء بعده من أرباب الكهنوت إلا السير على رؤياه!، وذلك، عند التدبر والنظر، من صور الكبر الذي لا يدخل صاحبه الجنة، بل ذلك من الكبر الذي يمنع صاحبه من دخولها، فلن يدخلها أبدا من كذب بالوحي وافترى على الرب، جل وعلا، فذلك، أيضا، من التلازم الوثيق، فقد استكبر الأحبار والرهبان عن تصديق أخبار النبوة الخاتمة وامتثال أحكامها العادلة، مع علمهم يقينا بما عندهم من خبر الكتاب الأول بصحتها وصدق صاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخبره ووصفه بل واسمه في كتبهم مسطور فهو: (الرَّسُولَ النَّبِيَّ
(يُتْبَعُ)
(/)
الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، وقد شهد بذلك: (شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ)، فالكبر من أعظم أسباب رد الحق وهو مما ينازع صاحبه الرب جل وعلا وصف كبريائه، فشهد الشاهد من بني إسرائيل وهو الكليم عليه السلام أو الحبر الجليل ابن سلام رضي الله عنه فمن: (قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)، خصوصا وهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من يهود زمانه، على القول الراجح على خلاف معروف في كتب التفسير، والحكم يعم كل من آمن منهم به صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد وفاته وإن فاته خطاب المواجهة، وممن خلق الرب جل وعلا: (أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) عموما، فيهدون بالحق بتصديق أخباره وبه يعدلون في امتثال أحكامه على ما تقرر مرارا من التلازم الوثيق بين صلاح الباطن بخبر الوحي وصلاح الظاهر بشرعه وحكمه.
فاستكبر المجموع، وإن آمن بعضهم ولا زال ممن كان على طريقة الحبر الجليل: عبد الله بن سلام، رضي الله عنه، فلا يدخل أولئك المستكبرون الجنة بفحوى خطاب حديث: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"، ففي قلوبهم مثاقيل بل قناطير من الكبر على خبر الوحي وحكمه، فلا يدخلون الجنة من باب أولى، وقد استكبروا عن الوحي، ففسدت قواهم العلمية بما طرأ عليها من شبهات ردية، لا مستند لها من كلام النبوات المحفوظ، وفسدت قواهم العملية بما طرأ عليها من شهوات محرمة، فهم أعظم الناس ولوغا في الشهوات فلا ينفك من فسد باطنه، عن فساد في الظاهر فذلك من تأويل فساد الباطن، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين قوى التصور من جهة، وقوى الإرادة والفعل من أخرى، وفضائحهم المسطورة والمشهودة! خير شاهد على ذلك.
فأعظم الكبر: الكبر على الوحي: خبرا وحكما، فهو الأصل لما يليه لزوما من صور الكبر على الخلق، فيستكبر على أتباعه فضلا عن أعدائه، فلا يصغي إلى نصح، ولو من مقرب، فقد رام منازعة الرب، جل وعلا، وصف جلاله، فـ: "الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ"، فاستعيرت المعاني المحسوسة التي تدل على اختصاص صاحبها بها، فالرداء والإزار مما يختص باللابس فلا يشركه غيره فيهما بداهة، استعيرت تلك المعاني المحسوسة وهي مظنة الاختصاص، كما تقدم، للمعاني المعقولة من الكبرياء والعظمة، فتلك من أخص صفات الرب، جل وعلا، فلا يشركه فيها غيره من باب أولى، فقياس الصورة المعقولة على الصورة المحسوسة في هذا السياق يندرج في قياس الأولى، فمعنى الاختصاص في الفرع آكد في الثبوت منه في الأصل، فاختصاص الرب، جل وعلا، بمعاني الكبرياء والعظمة آكد في الثبوت من اختصاص اللابس بردائه وإزاره، وهي من وجه آخر من الصفات التي تتفاوت حسنا أو قبحا، صحة أو فسادا، بتفاوت حال من تقوم به، فتحسن وتصح بل وتجب في حق الرب، جل وعلا، فذاته القدسية محل يلائم صفات الجلال والعلو من كبرياء وعظمة وقهر، فله علو الذات وعلو الشأن وعلو القهر، كما قرر أهل العلم، وتقبح بل وتمتنع في حق العبد فمحله الضعيف لا يقوى على تحمل آثارها فالكبر في حقه مفسدة، فهو مما يصده عن اتباع الحق، فـ: (جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)، وتلك معصية إبليسية لا يرجى لصاحبها نجاة فمعدنها شبهة علمية فاسدة بقياس باطل عارض به إبليس الأمر الشرعي الواجب، فالمعصية البشرية التي أخرج بها آدم عليه السلام من الجنة في المقابل: مما يرجى لصاحبها النجاة ولو لم يدخل الجنة ابتداء، ولو كان في قلبه من الكبر شيء، ولو يسير، فلا ينفك العاصي عن كبر على الأمر الشرعي، فكل من عصى الله، عز وجل، ففيه من إبليس شبه ولكن الشبه قد يعظم فينقض أصل التوحيد في القلب، فلا يدخل
(يُتْبَعُ)
(/)
صاحبه الجنة أبدا، فيكون العموم في حقه محفوظا، فالكبر على هذا الوجه مقيد بوصف يدل على انتقاض أصل الدين، فتأويل السياق على هذا الوجه يكون من قبيل: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ناقض لأصل الملة ككبر إبليس، فهو كبر قد نشأ، كما تقدم، من شبهة علمية فمحله المحل الباطن وتأثيره التأثير الناقض لأصل الملة كما تقدم، وعليه، أيضا، تكون "أل" في "الجنة": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فلا يدخل الكافر الجنة مطلقا فكل الجنان عليه محرمة فذنبه مما لا تطهره نار العصاة المؤقتة فلا يليق بخبثه إلا نار السموم المؤبدة، فالعموم محفوظ على كلا الوجهين: فانتفى فعل الدخول مطلقا للجنة المدخولة مطلقا.
وأما على الوجه الأول الذي يحمل فيه الكبر على كبر العصاة فمعهم أصل التوحيد، دون كماله الواجب فالوعيد بالحرمان من دخول الجنة يدل بداهة على انتفاء القدر الواجب من الإيمان، إن لم يتعد ذلك إلى انتفاء أصل الإيمان كما تقدم من حال رءوس الضلالة في الديانة من أحبار ورهبان علموا فأنكروا وأمروا فلم يمتثلوا لكبر في نفوسهم ما هم ببالغيه، فيجادلون: فجدالهم جدال المشبه الذي علم الحق يقينا ثم أصر على تكذيبه فلا ينفع معه الجدال بالتي هي أحسن، فهو من أهل الاستثناء في قوله تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)، وإنما ينفع الجدال مع المسترشد الطالب للهداية، أو الصادق الذي يعتقد ما يقول حقا وإن كان عين الباطل فينافح عنه صدقا لا كذبا كحال من ينافح عن مقالته مع ظهور بطلانها، فلا تسلم له دنياه إلا بفساد دينه بل وإفساد دين غيره فظهور الحق يزهق رياساته ومآكله برسم: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).
فعلى الوجه الأول يخص الكبر بما لا ينقض أصل الملة، ويخص الدخول بالدخول ابتداء، وتكون "أل" في "الجنة": إما
جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فتأويل السياق: لا يدخل الجنان المعدة لمن سلموا من دنس الذنوب، لا يدخلها ابتداء من كان في قلبه كبر لا ينقض أصل التوحيد. فلا يدخلها ابتداء حتى يحصل له التطهير بكير نار العصاة المؤقت فإذا طهر صار محله قابلا لآثار النعيم المؤبد فيدخل الجنة انتهاء بعد نفاذ الوعيد في حقه وقد يدخل ابتداء إن قام به مانع من موانع نفاذ الوعيد فإطلاق الوعيد لا يمنع تخلفه في بعض الأفراد فضلا من الرب، جل وعلا، ونفاذه في آخرين عدلا منه تبارك وتعالى، فالجهة منفكة، فجهة الفضل مظنة ظهور آثار جمال الرب، جل وعلا، وجهة العدل مظنة ظهور آثار جلال الرب جل وعلا.
أو عهدية: فهي تشير إلى معهود بعينه هو جنان مخصوصة لمن سلم من دنس هذه المعصية فلا يدخلها غيرهم، فالمتكبر لا يدخلها وإن دخل جنانا أخرى.
وهذا التفسير يطرد في كل نصوص الوعيد بالحرمان من دخول الجنة من قبيل:
"لا يدخل الجنة قاطع"، و: "لا يدخل الجنة نمام".
ثم يكون الجزاء من جنس العمل: "يحشر المتكبرون الجبارون يوم القيامة في صور الذر يطؤهم الناس لهوانهم على الله عز وجل"، فذلك جار مجرى قول أهل العلم: من تعجل شيئا عوقب بالحرمان منه، فقد تعجلوا ما توهموا فيه الكمال وهو عين النقصان فعوقبوا بالحرمان منه في دار الجزاء فأرادوا العز فهانوا على الرب، جل وعلا، فهم أذل الناس حالا وأحقرهم صورة.
أو يجري مجرى: الجزاء بضد المراد، فأرادوا العزة بغير الحق فعوقبوا بالذلة والمهانة.
وخص القلب بالذكر ففيه ينشأ الكبر، فالكبر محله الباطن، وأثره في الظاهر، فلا تنفك الحركة القلبية الباطنة عن أثر ظاهر في القول والفعل، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، وإليه أشار في "إحياء علوم الدين" بقوله:
"اعلم أن الكبر خلق باطن وأما ما يظهر من الأخلاق والأفعال فهي ثمرة ونتيجة وينبغي أن تسمى تكبرا ويخص اسم الكبر بالمعنى الباطن الذي هو استعظام النفس ورؤية قدرها فوق قدر الغير وهذا الباطن له موجب واحد وهو العجب الذي يتعلق بالمتكبر ........ فإنه إذا أعجب بنفسه وبعلمه وبعمله أو بشيء من أسبابه استعظم وتكبر". اهـ
(يُتْبَعُ)
(/)
فله آثار في النفس لازمة من قبيل الترفع في المجالس، والتقدم على الأقران، وتصعير الخد ....... إلخ.
وإليه أشار في "مختصر منهاج القاصدين" بقوله:
"واعلم: أن التكبر يظهر في شمائل الإنسان، كصفر وجهه، ونظره شزرا، وإطراق رأسه، وجلوسه متربعا ومتكئا، وفي أقواله، حتى في صوته ونغمته، وصيغة إيراده الكلام، ويظهر ذلك أيضا في مشيه وتبختره، وقيامه وقعوده، وحركاته وسكناته، وسائر تقلباته". اهـ
وله آثار لغيره متعدية: فيؤذي الناس بكبره عليهم، فالكبر معدن جملة من الصفات الذميمة كالحسد والحقد على من يسبقه، والشح والبخل خشية أن يتقدم عليه غيره بعلم أو جاه أو مال.
وإليه أشار في "إحياء علوم الدين" بقوله:
"وإنما صار حجابا دون الجنة لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلها وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة والكبر وعزة النفس يغلق تلك الأبواب كلها لأنه لا يقدر على أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه وفيه شيء من العز ولا يقدر على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين وفيه العز ولا يقدر على ترك الحقد وفيه العز ولا يقدر أن يدوم على الصدق وفيه العز ولا يقدر على ترك الغضب وفيه العز ولا يقدر على كظم الغيظ وفيه العز ولا يقدر على ترك الحسد وفيه العز ولا يقدر على النصح اللطيف وفيه العز ولا يقدر على قبول النصح وفيه العز ولا يسلم من الازدراء بالناس ومن اغتيابهم وفيه العز ولا معنى للتطويل فما من خلق ذميم إلا وصاحب العز والكبر مضطر". اهـ
وقد وصل الكبر ببعض رءوس الضلالة إلى أن يؤذي أتباعه فيأمرهم بالسجود له، فقد ذلت النفوس لغير خالقها، فذلت الأبدان تبعا، فصرفت أخص صور العبادة لغير الله جل وعلا: فلا معبود بحق يسجد له إلا هو.
ووصل الكبر بملوك الجور إلى الشموخ بالأنوف التي تستحق الكسر، فلا يقبلون نصحا، وإن كانوا من حماة "الديمقراطية"!، ولا تطيق نفوسهم الخبيثة التي لم تنصح، لا تطيق أي أحد إلى جوارهم، فغمد الرياسة لا يتسع لسيفين، وقد أصيبوا بوسواس الملك، فكل من تقدم عليهم، ولو لم يكن في ملكهم طامعا، فهو محل عنايتهم، وعناية شرطهم وأجنادهم!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عبق الياسمين]ــــــــ[14 - 12 - 2010, 12:05 ص]ـ
جزاكم الله عنا كل خير .. و نفع بعلمكم
اللهم آمين
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[14 - 12 - 2010, 12:18 ص]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: مهاجر
جزاك الله خيرا، مقال بلاغي قيم، ولكنه بالفعل يحمل معاني عظيمة ونصائح مكنونة، جعله الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة، ونفع بعلمكم الأمة الإسلامية: اللهم آمين
قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، و العزة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما ألقيه في النار
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 541
خلاصة الدرجة: إسناده رجاله ثقات رجال الصحيح.
اللهم إنا نعوذ بك من الكبر والعجب والغرور والرياء: اللهم آمين(/)
هل هذه استعارة أم تعبير مجازي؟
ـ[1954مريم]ــــــــ[13 - 12 - 2010, 09:24 م]ـ
السلام عليكم اخوتي الكرام جزاكم الله خيرا تناقشت مع زميلة لي في اللغة حول العبارة: عضني الجوع فقالت تعبير مجازي.
لكني ارى انها استعارة مكنية لاننا صصرحنا بالمشبه وحذفنا المشبه به وتركنا شئ من لوازمه
لكنها قالت تعبير مجازي تدل على شدة الجوع
ارجو التوضيح بارك الله فيكم
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[13 - 12 - 2010, 09:45 م]ـ
السلام عليكم اخوتي الكرام جزاكم الله خيرا تناقشت مع زميلة لي في اللغة حول العبارة: عضني الجوع فقالت تعبير مجازي.
لكني ارى انها استعارة مكنية لاننا صصرحنا بالمشبه وحذفنا المشبه به وتركنا شئ من لوازمه
لكنها قالت تعبير مجازي تدل على شدة الجوع
ارجو التوضيح بارك الله فيكم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة: *مريم *
أهلا وسهلا بكِ، حيّاكِ الله وبيّاكِ، لقد أفتقدنا ـ في الحقيقة ـ مشاركاتك المثمرة.
محاولة للإجابة:
أعتقد أنكِ وزميلتكِ على صواب.
1 ـ فعضني الجوع ــــ ممكن أن تكون استعارة مكنية:
حيث شبه الجوع بالحيوان الذي يعض فحذف المشبه به وأبقى بشيء من لوازمه " استعارة مكنيّة توحي بالجوع الشديد.
2 ـ وتأتي تعبير مجازي لأن تعريف التعبير المجازي المتداول هو:
هو الذي نستخدم فيه الألفاظ في غير معانيها الحقيقية لعلاقة المشابهه والتلازم وغيرها.
مثلا: يعضني الجوع ـــــ والجوع لا يعض وهنا استخدمنا الألفاظ في غير معانيها الحقيقية لعلاقة التشابه بينهما ـــــــ ويوحي بشدة الجوع وتمكنه من صاحبه.
* فائدة *
يستخدم الأدباء والكتاب والشعراء التعبير المجازي في كتاباتهم من أجل إبراز عاطفتهم، وتوضيح أفكارهم، وللتأثير بالإمتاع والإقناع في نفوس السامعين أو القارئين / الفائدة من الشبكة
والله أعلم بالصواب / سوف يفيدك أكثر أهل البلاغة، مجرد محاولة
أسأل الله لكِ التوفيق والسداد والنجاح الدائم: اللهم آمين
ـ[1954مريم]ــــــــ[13 - 12 - 2010, 10:03 م]ـ
السلام عليكم اختي زهرة بارك الله فيك وجزاك الله خيرا ودائما كالعادة زهرة ونجمة مضيئة اختي بارك الله فيك وزادك علما ونفعك به دنيا واخرة اممممممممممممممممممممممممممين وتقبلي تحياتي الخالصة وانا المشتاقة لحديثك الطيب والسسسسسسسسسسلام عليكم
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[13 - 12 - 2010, 10:40 م]ـ
السلام عليكم اختي زهرة بارك الله فيك وجزاك الله خيرا ودائما كالعادة زهرة ونجمة مضيئة اختي بارك الله فيك وزادك علما ونفعك به دنيا واخرة اممممممممممممممممممممممممممين وتقبلي تحياتي الخالصة وانا المشتاقة لحديثك الطيب والسسسسسسسسسسلام عليكم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة: * مريم *
على الرحب والسعة، فأهل الفصيح جميعهم في خدمتك:) 2
جزيتِ الجنة على كلماتكِ الطيبة ودعائك الأطيب، أسأل الله أن ينير دربك وأن يوفقك وأن يسدد على طريق الحق والخير والنجاح خطاك / اللهم آمين.
أرجو أن تنتظري قليلا لعل أحدهم لديه رأيا آخر.
ودمت ِ موفقة دائما
ـ[فتون]ــــــــ[13 - 12 - 2010, 11:18 م]ـ
محاولة ...
هي كما قالت أختي مريم وكما قالت زهرة استعارة مكنية.
أما التعبير المجازي فموضعه مختلف.
المجاز: هو استعمال الفظ في غير ما وضع له لعلاقة غير المشابهة ويكون الاستعمال لقرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
ولو كان الاستعمال لعلاقة المشابهة لكان استعارة ...
والله أعلم
ـ[عبق الياسمين]ــــــــ[13 - 12 - 2010, 11:56 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
أوافق ما جاءت به أخي زهرة
فالمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بين المعنى الحقيقي و المعنى المجازي قد تكون المشابهة و قد تكون غيرها مع وجود قرينة مانعة من إرادة المعني الحقيقي
فإذا كانت العلاقة هي المشابهة فنحن مع الاستعارة بنوعيها
و إذا كانت العلاقة غير المشابهة فنحن في إطار المجاز المرسل أو العقلي
و هذا ما قصدته أختي فتون بتعريفها للمجاز المرسل.
و الله أعلم
ـ[فتون]ــــــــ[14 - 12 - 2010, 12:27 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
أوافق ما جاءت به أخي زهرة
فالمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بين المعنى الحقيقي و المعنى المجازي قد تكون المشابهة و قد تكون غيرها مع وجود قرينة مانعة من إرادة المعني الحقيقي
فإذا كانت العلاقة هي المشابهة فنحن مع الاستعارة بنوعيها
و إذا كانت العلاقة غير المشابهة فنحن في إطار المجاز المرسل أو العقلي
و هذا ما قصدته أختي فتون بتعريفها للمجاز المرسل.
و الله أعلم
صحيح بارك الله فيك
ـ[عبق الياسمين]ــــــــ[14 - 12 - 2010, 08:46 ص]ـ
و فيك بارك الله أختي فتون
يمكن أن نقول إن التعبير المجازي في (عضنا الجوع) استعارة مكنية
تحياتي
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[1954مريم]ــــــــ[14 - 12 - 2010, 07:01 م]ـ
السلام عليكم بارك الله فيكم لكن ما فهت اختلط الامر هل هذه استعارة ام مجاز بارك الله فيكم
ـ[فتون]ــــــــ[14 - 12 - 2010, 09:49 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هي استعارة مكنية
وكنا نقصد أن المجاز لفظ عام ينقسم إلى استعارة ومجاز مرسل
فإن كان استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة كما في المثال التي تفضلت به
فيكون استعارة، وإن كانت لعلاقة غير المشابهة لعلاقات المجاز المرسل الأخرى " سببية، مسببية، حالية، محلية ... " فإنه مجازا
مرسلا، هذا هو الفرق بين المجاز المرسل والاستعارة.
وحينما قالت صديقتك "تعبير مجازي" فهمت منه المجاز المرسل، وبينت أختي عبق الياسمين الفرق بين عموم لفظ المجاز
الذي يندرج تحته الاستعارة والمجاز المرسل.
تحيتي لك
ـ[1954مريم]ــــــــ[14 - 12 - 2010, 10:00 م]ـ
شكرا لكم وجزاكم الله خيرا(/)
ما هي الاستعارة في هذه الآيات؟
ـ[راجيه الغفران]ــــــــ[14 - 12 - 2010, 01:09 ص]ـ
:::
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اود منكم المساعده اذا أمكن
الاستعاره في هذه الآيات مع بيان نوعها
من احد هذه التفاسير
تفسير ابي السعود
او تفسير التحرير والتنوير
1: قال تعالى: (أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)
2:قال تعالى: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه)
3:قال تعالى: (ولماسكت عن موسى الغضب)
انا بحثت في عده تفاسير لكني وجدها مختصره
وشكرآ لكم مقدمآ(/)
الخيل تتفوق على البغال والحمير
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 12:46 م]ـ
الخيل تتفوق على البغال والحمير
قال تعالى"والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة"صدق الله العظيم
هذه الآية مبنية على موضوع الركوب والزينة، والخيول تتفوق على البغال والحمير
في هذا الموضوع، ولهذا تقدمت، فالعربي يتباهى بفرسه ويعتز بها، ويهتم بها،
ويتخذها وسيلة للركوب والزينة، ولا يوجد أو ندر من يتباهى بحماره من العرب،
كما تقدم ذكر الركوب على الزينة لأنه أهم من التزين بهذه الحيوانات.(/)
أحد وأحد
ـ[الأحمر]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 07:51 م]ـ
السلام عليكم
هل في سورة الإخلاص جناس تام (كامل) بين كلمتي (أحد)؟
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 09:36 م]ـ
السلام عليكم
هل في سورة الإخلاص جناس تام (كامل) بين كلمتي (أحد)؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
محاولة للإجابة بعد البحث الطويل:
في كتاب التحرير والتنوير لمحمد طاهر ابن عاشور في معرض حديثه عن تفسير سورة الإخلاص يقول:
(ولم يكن له كفؤا أحد ( http://www.alfaseeh.com/vb/#docu))
في معنى التذليل للجمل التي قبلها لأنها أعم من مضمونها ; لأن تلك الصفات المتقدمة صريحها وكنايتها وضمنيها لا يشبهه فيها غيره، مع إفادة هذه انتفاء [ص: 620] شبيه له فيما عداها مثل صفات الأفعال كما قال تعالى: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ( http://www.alfaseeh.com/vb/#docu).
والواو في قوله: ولم يكن له كفؤا أحد ( http://www.alfaseeh.com/vb/#docu) اعتراضية، وهي واو الحال، كالواو في قوله تعالى: (وهل يجازى إلا الكفور ( http://www.alfaseeh.com/vb/#docu)) فإنها تذليل لجملة ذلك جزيناهم بما كفروا ( http://www.alfaseeh.com/vb/#docu) ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة، فيكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث وتكون استفادة معنى التذليل تبعا للمعنى والنكت ولا تتزاحم.
والكفؤ: بضم الكاف وضم الفاء وهمزة في آخره. وبه قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر، إلا أن الثلاثة الأولين حققوا الهمزة وأبو جعفر سهلها، ويقال (كفء) بضم الكاف وسكون الفاء وبالهمز، وبه قرأ حمزة ويعقوب، ويقال (كفؤا) بالواو عوض الهمز، وبه قرأ حفص عن عاصم وهي لغات ثلاث فصيحة.
ومعناه: المساوي والمماثل في الصفات.
و (أحد) هنا بمعنى إنسان أو موجود، وهو من الأسماء النكرات الملازمة للوقوع في حيز النفي.
وحصل بهذا جناس تام مع قوله: قل هو الله أحد ( http://www.alfaseeh.com/vb/#docu).
مصدر الكتاب من المكتبة الإسلامية من هنا ( http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=61&ID=4787&idfrom=4676&idto=4681&bookid=61&startno=5)
والله أعلم بالصواب وهو الموفق
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[15 - 12 - 2010, 09:51 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
وربما تفيد هذه الدراسة أيضا * ملامح بلاغية من سورة الإخلاص *
* سبب التسمية *:
- لأن قراءتها خلاص من عذاب الله.
- أو لأن فيها إخلاصًا لله -تعالى- من شريك، وولد، وند.
- أو لأنها خالصة لله -تعالى- ليس فيها أمر ولا نهي.
* (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) *:
(قُلْ): افتتحت السورة بفعل الأمر؛ لإظهار العناية بما بعد هذا الأمر من توجيهات حكمية، وسبب آخر: أن هذه السورة نزلت ردًّا على المشركين الذين قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "انسب لنا ربك". فكانت جوابًا عن سؤالهم فلذلك قيل له: (قُلْ).
(هُوَ): ضمير الشأن، والسر في تصدير الجملة به للتنبيه من أول الأمر على فخامة مضمونها مع ما فيه من زيادة تحقيق وتقرير؛ فإن الضمير لا يُفهم منه من أول الأمر إلا شأن مهم له خطر جليل؛ فيبقى الذهن مترقبًا لما أمامه مما يفسره ويزيل إبهامه.
(اللَّهُ أَحَدٌ): الأحد الذي لا يدخل في العدد، والواحد يدخل في العدد، فلا يقال: أحد واثنان كما يقال: واحد واثنان، ولا يقال: رجل أحد كما يقال: رجل واحد، ولذلك اختص به -تعالى-.
و"أحد" صفة مشبهة مثل: "حسن"، يقال: وَحُد مثل: كَرُم، ووَحِد مثل: فَرِح.
وصيغة الصفة المشبهة تفيد تمكن الوصف في موصوفها بأنه ذاتي له؛ فلذلك أوثر هنا "أحد" على "واحد"؛ لأن لفظ "واحد" اسم فاعل لا يفيد التمكن.
فـ"واحد" و"أحد" وصفان مصوغان بالتصريف لمادة متحدة وهي: مادة الوَحْدة، يعني: التفرد، ولا يوصف بالأحدية غير الله -تعالى-.
والمعنى: الذي سألتموني عنه هو الله الواحد في الألوهية والربوبية، الموصوف بصفات الكمال والعظمة، المنفرد عن الشبيه والمثيل والنظير. وابتدي لهم بأنه واحد؛ ليعلموا أن الأصنام ليست من الإلهية في شيء.
* (اللَّهُ الصَّمَدُ) *:
(يُتْبَعُ)
(/)
الصمد هو: الذي يُصمد إليه في الحاجات ولا يقدر على قضائها إلا هو، والصمد: الكامل الذي لا عيب فيه.
وقال أبي بن كعب -رضي الله عنه-: "تفسيره من قوله -تعالى-: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) ".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الصمد: الذي لا جوف له"، ووجه ذلك من حيث اللغة أن الصمد: الشيء المصمد الصَّلب الذي ليس فيه رطوبة ولا رخاوة، ومعناه: الذي لا يأكل ولا يشرب، وهو الغني عن كل شيء فهو صفة كمال، والقصد التنبيه على أن الله -تعالى- بخلاف من أثبتوا لهم الإلهية بالباطل.
(اللَّهُ الصَّمَدُ): جملة محكية بالقول المحكية به جملة (اللَّهُ أَحَدٌ)، وفصلت عن التي قبلها؛ لأن هذه الجملة مسوقة لتلقين السامعين، فكانت جديرة بأن تكون كل جملة مستقلة بذاتها غير ملحقة بالتي قبلها بالعطف على طريقة إلقاء المسائل على المتعلم نحو أن يقول: عنترة من فحول الشعراء، عنترة من أبطال الفرسان.
ولهذا الاعتبار وقع إظهار اسم الجلالة في قوله: (اللَّهُ الصَّمَدُ)، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: "هو الصمد".
وصيغة (اللَّهُ الصَّمَدُ) صيغة قصر بسبب تعريف المسند والمسند إليه "المبتدأ والخبر"؛ فتفيد قصر صفة الصمدية على الله -تعالى-، وهو قصر قلب، فالأصل: الصمد الله، وذلك لإبطال ما تعوده أهل الشرك في الجاهلية من دعائهم أصنامَهم في حوائجهم، والفزع إليها في نوائبهم.
* (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) *:
من يُصمد إليه لا يكون من حاله أن يلد؛ لأن طلب الولد لقصد الاستعانة به في إقامة شؤون الوالد وتدارك عجزه؛ فبعد أن أبطلت الآية الأولى تعدد الآلهة بالأصالة والاستقلال، أبطلت هذه الآية تعدد الإله بطريق تولد إله عن إله؛ لأن المتولد مساوٍ لما تولد عنه.
وجملة (لَمْ يُولَدْ) عطف على جملة (لَمْ يَلِدْ) أي: ولم يلده غيره، وهي بمنزلة الاحتراس سدًّا لتجويز أن يكون له والد؛ فأردف نفي الولد بنفي الوالد، وإنما قدم نفي الولد؛ لأنه أهم إذ قد نَسبَ أهل الضلالة الولد إلى الله -تعالى-، ولم ينسبوا إليه والدًا.
* (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) *:
في معنى التذييل للجمل التي قبلها؛ لأنها أعم من مضمونها؛ لأن تلك الصفات المتقدمة صريحها وكنايتها لا يشبهه فيها غيره مع إفادة هذه انتفاء شبيه له فيما عداها مثل صفات الأفعال: كالخلق، وغيرها.
(كُفُوًا): معناه المساوي والمماثل في الصفات.
(أَحَدٌ): وهي هنا بمعنى إنسان أو موجود، وحصل بهذا جناس تام مع قوله: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وتقديم خبر كان على اسمها للرعاية على الفاصلة، والاهتمام بذكر الكفء عقب الفعل المنفي؛ ليكون أسبق إلى السمع. والله ولي التوفيق.
المصدر من شبكة منهج السلف الصالح هنا ( http://www.salafona.com/forum/showthread.php?p=2308)
ـ[الأحمر]ــــــــ[16 - 12 - 2010, 11:14 ص]ـ
أختي الفاضلة زهرة متفائلة
أشكرك لتوضيحك فبارك الله فيك وجزاك كل خير(/)
من وصف الحياة الدنيا في التنزيل
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 12 - 2010, 04:13 ص]ـ
من قوله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ):
فذلك من استيفاء شطري القسمة العقلية في معرض بيان حال الدور، فدار الدنيا ما هي إلا لعب ولهو، وذلك، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، من قبيل القصر الإضافي إمعانا في تقرير المعنى، فما هي إلا لعب ولهو، فالأول من قبيل المزاح ومغازلة النساء فليس فيه إلا الترويح عن النفس، والثاني من قبيل الصيد ففيه نوع فتوة، وإن لم يخرج عن حد الترويح الذي يقبح الاشتغال به على الدوام، فلا يحسن إلا إن كان مباشرة لمباح على جهة ما أثر عن علي رضي الله عنه: "روَّحوا عن القلوب ساعة، فإنها إذا أكرهت عميت"، فلا يكون عادة مطردة تنفق فيها الأعمار والأموال، بل يكفي العاقل منه ما يكون من توسع لا على جهة الإسراف والتبذير الذي يورث النفس ترفا والقلب قسوة وغلظا، بل على جهة الاستجمام والترويح عن الأهل، فذلك مما يؤجر عليه العبد فيحسن أن يداعب أهله وولده لا على سبيل الإفراط الذي يسقط الهيبة، فلا يحسن الانقباض فذلك مما يورث بين الرجل وأهله وحشة وجفوة تصير الحياة ضنكا، بل الصحيح امتثال وصف الرجال في مأثور كلام ابن عمر رضي الله عنه: إنه ليعجبني أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي، ثم إذا بُغي منه وُجِدَ رجلاً. ومأثور حال زيد بن ثابت، رضي الله عنه وهو من هو في الجد والحزم وحسبك أنه قد كلف بجمع التنزيل، فـ: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في بيته، فإذا خرج كان رجلاً من الرجال.
فدين الإسلام، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، دين جاد فيه شيء من الترفيه والترويح الذي لا يراد لذاته وإنما يراد لتنشيط العقل فيرتاح ليعاود الفكر كما يرتاح الجسد ليعاود العمل، فليس دين ترفيه فيه شيء من الجد، كما يغلب على أهل الهزل ممن تميع الهمم بصحبتهم.
فأين تلك الحال من حال أغلب البيوتات التي افتقدت المحبة، بل والرحمة في كثير من الأحيان، فعلام تقوم؟!، فإن لم تكن عشرة بمحبة فلا أقل من عشرة بمعروف، برسم: "فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها"، وليس في زماننا محبة، وإن ادعاها من ادعاها من المحبين!، فالمحبة قد صارت في زماننا أثرة فكل يروم حظه من الآخر، فإن استنفده فلا حاجة له فيه!، بل وليس في زماننا رحمة، فالرحمة لا تكون إلا دينا، والأديان قد رقت في زماننا، فليس ثم وازع شرعي يولد في القلب رحمة، بل وليس ثم دافع طبعي من حب حقيقي، فليس ثم إلا صور زائفة من حب ورحمة ينتحلها أصحاب الدعاوى الإنسانية الكاذبة، فالحب قد صار في عرف كثير من البشر حظ جسد يباشره مبتغيه برسم الحيوانية فليس ثم غرض إلا استيفاء حظ النفس وإرواء غليل الشهوة فكل يبغي تحصيل بل استيفاء بل افتكاك حظه من الآخر، فهو أشبه ما يكون بصراع تنتزع فيه اللذات انتزاعا وليس ذلك من طبائع بني آدم في شيء، فضلا عن طبائع أهل الديانة، فـ: "إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها ثم إذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها" فتلك معان رفيعة تضفي على الشهوات المحسوسة أوصافا محمودة، فغنيمة باستيفاء حظ النفس وإيناس الأهل واستيلادهم الذرية فهي من أعظم الزينة، وأجر مع ذلك لمن صحح النية فصارت العادة بل الشهوة في حقه قربة!، فـ: "في بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"، وليس ذلك في زماننا معهودا بل لعله لا يكون معروفا!، لا سيما مع غلظ الطبع الذي اعتاد مباشرة شهواته برسم الحيوانية فافتكاك الحظوظ العاجلة هو العرف المعهود في زماننا فالخارج عنه خارج عن الجماعة فهو من جملة الخوارج!، وما ذاك إلا لتعلق النفوس بزينة الدنيا فهي معقد الولاء والبراء الأول وربما الوحيد!، وما سوى ذلك فهو رسم الغرباء في زمان الغربة، فليس للغريب حاجة في شيء يَرتحل أو يُرتحل عنه عما قريب، بل السلامة أخذ الكفاف الذي يبلغ السالك مأمنه، فتلك نصيحة أصدق وأخلص وأفصح البشر صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ
(يُتْبَعُ)
(/)
: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ".
فجاء القصر الإضافي إمعانا في بيان وصف الدنيا، فليست الدنيا لعبا ولهوا فقط، وإنما فيها من الملائمات والمؤلمات شيء كثير، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ففيها من المؤلمات الكونية الأمراض والأسقام التي تنزل بالعبد برسم العقوبة أو المثوبة، فلكلٍ حظه من الألم، وشتان مآل من كان الألم في حقه كرامة فبه يترقى في مراتب الديانة بتكفير الذنوب، فالمصائب الكونية من جملة ما تكفر به الخطايا، فذلك تنقلب المحنة في حقه منحة، فشتان حاله وحال من نزلت به المصيبة عقوبة زاجرة برسم الاستئصال إن كان ممن حقت عليه كلمة العذاب في الأولى استئصالا وفي الآخرة تخليدا في دار الآلام الأبدية فتلك أعظم مصيبة يرزأ بها العبد فهلاك في الدنيا وألم لا ينقطع في الآخرة سواء أكان من المحسوس، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)، أم من المعقول فـ: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا)، فنداؤهم اللعن فذلك مما تعظم به المصيبة، فليس ثم من يهون ألم الحبس والعذاب كما في سجن الدنيا العام الذي حبس فيه المؤمنون، فـ: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"، وفي رواية عند أحمد رحمه الله: "الدنيا سجن المؤمن وسنته، فإذا فارق الدار فارق السجن والسنة"، فاستعير معنى الحبس في السجن المعهود لمعنى الحبس لنفس المؤمن في هذه الدار فهو فيها في سجن كبير، فالنفس قد حجزت عن كثير من الشهوات برسم الابتلاء فذلك نوع تقييد، فالمؤمن أبدا مسترق في قيد التكليف فليس كغيره ممن خلع ربقة العبودية والنفس قد نالها جملة من الآلام الكونية ابتلاء وتمحيصا، وليس ذلك إلا للمؤمن، فـ: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلهُ خَيْرٌ وَليْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ"، فاستوفى السياق شطري القسمة العقلية على جهة المقابلة التي تزيد المعنى تقريرا، فإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، فذلك واجب وقته الذي امتثله، وهو شطر الإيمان الأول، وإن أصابته ضراء صبر، فذلك، أيضا، واجب وقته، وهو شطر الإيمان الثاني، فالإيمان شطران: شطر شكر وآخر صبر، فشكر يلائم المسرات، وصبر يلائم المضرات، فـ:
فجائع الدهر أنواع منوعة ******* وللزمان مسرات وأحزان
ونسبت الإصابة إلى السراء والضراء بما فيها من قوى اللذة أو الألم، فالمسرة تقتضي اللذة المعنوية أو الجسدية التي توجب الشكر، والمضرة تقتضي الألم المعنوي، وهو أقسى على النفوس الشريفة، أو الجسدي، وهو مما يهون إن كانت النفس قد سلمت من مرارة الألم المعنوي برسم: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فذلك مما يوجب الصبر برسم الاحتساب لا الاضطرار، فالمضطر من البشر أو الحيوان يصبر على الأذى برسم الذلة والمهانة لا برسم العزة والكرامة فذلك صبر أهل الديانة، لا سيما في النوازل العامة التي تنزل بالمؤمنين فتزلزل النفوس زلزالا شديدا فلا يصبر إلا أصحاب النفوس الشريفة، فإن ترقت النفس في معارج الكمال، انقلب الصبر وهو مظنة الألم: رضا فهو مظنة اللذة، فلا يزال العبد يلتذ بما يرد عليه من قضاء الرب النافذ، وتلك معان ليس لكثير بل لأكثر من نطق بها بلسانه أو خطها ببنانه، ليس له منها إلا التصور، فإذا جاءت النازلة كذب الشاهد في الخارج ما استقر في الذهن ولو كان قائله مصدقا، فالتصديق العلمي شيء، والتصديق العملي شيء آخر فهو آية الإخلاص وذلك معنى عزيز ليس للنفس فيه حظ إلا من رحم الرب جل وعلا، والشاهد أن للصبر مرارة فبه تحبس النفس عن التسخط والجزع الذي تنفث فيه زفرات الهم والحزن فتطفئ، ولو مؤقتا!، ما قد توقد في النفس من نيران المصاب، فتسكن حرارتها ولكنها سرعان ما تعود أعظم مما كانت فلا يزداد الساخط إلا ألما كما لا يزداد الشارب من الماء المالح إلا عطشا.
(يُتْبَعُ)
(/)
والشاهد أن نسبة الإصابة إلى السراء أو الضراء إنما يصح من جهة القوى المؤثرة التي طبعت عليها الأشياء فذلك خلق الله، جل وعلا، فقد طبعت النفوس على الفرح حال المسرة، والحزن حال المضرة، فتصح النسبة على قول من يثبت المجاز في لسان العرب، فذلك من قبيل المجاز العقلي الذي ينسب فيه الفعل إلى سببه، وإن لم يكن مستقلا بالتأثير ففيه قوة تؤثر وليس له الإرادة المطلقة، فليست الإرادة إلا لما له عقل، وليست الإرادة المطلقة إلا للرب، جل وعلا، الذي قدر الأشياء في الأزل فأعطاها خلقها الذي يلائمها وهداها إلى سلوك سبل السنن الكوني بما اقتضته الطبائع، فطبيعة المسرة كما تقدم، استثارة قوى الفرح فذلك تأويل حكمة الرب، جل وعلا، في دوران الأحكام كونية، أو شرعية، أو طبعية، مع عللها وجودا وعدما فمتى كانت مسرة كان الفرح الذي يلازمها، وهو مما يحسن إلجامه بلجام الشرع المحكم لئلا يخرج عن حد الاعتدال إلى حد الأشر والبطر، فيكون صاحبه من أهل: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)، فإذا ذاقوا رحمة، وهو من ذوق المعاني المعقولة فذلك مما يدل عليه معنى الذوق الكلي العام الثابت في الأذهان برسم الإطلاق، ولا يمنع ذلك من إرادة الذوق المحسوس فمن الرحمات ما هو محسوس كسائر اللذات فهي رحمات كونية امتن بها الرحمن، جل وعلا، على عباده برسم العموم فتشمل المؤمن والكافر برسم: (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا)، فدلالتها اشتراكية لفظية على المعنى المعقول في الذهن، والمعنى المحسوس في الخارج، ومع ذلك صح الجمع بينهما، وذلك مما قد يشهد لمن جوز دلالة المشترك على معنييه، فيدل على أحدهما حقيقة والآخر مجازا، عند من يثبت المجاز، ولا يمتنع الجمع بينهما إن احتمل السياق كليهما بل ذلك، كما تقدم في مواضع سابقة، مما يثري السياق بتوارد المعاني الصحيحة على ألفاظه، أو يقال بأن دلالتها اشتراكية معنوية فالمعنى الجامع وهو إدراك الطعم ووجدانه يصدق على المعقول في الذهن فتدركه قوى الحس الباطن فرحا أو حزنا، ويصدق، أيضا، على المحسوس في الخارج فتدركه قوى الحس الظاهر بما ركز فيها من قوى اللذة والألم، فيصدق على كليهما فلا يمتنع الجمع بينهما، أيضا، من هذا الوجه، فاللفظ يحتمل نوعي الإدراك، المعقول وهو الأعلى، والمحسوس وهو الأدنى، فإذا أذاق الرب، جل وعلا، فذلك من وصفه الفعلي المتجدد باعتبار آحاده فصح وروده في حيز الشرط المتجدد من هذا الوجه فيتجدد وقوع المشروط بتجدد وقوع الشرط، وجاء الفعل مضافا إلى ضمير الفاعلين مئنة من التعظيم، فذلك، سواء أكان ذوق رحمة فهو من وصف الجمال فضلا، أو ذوق عذاب فهو من وصف الجلال عدلا، فذلك مما لا تصح نسبته على جهة الاستقلال بالتكوين والتسيير إلا للرب الحميد المجيد جل وعلا، فهو الذي يسير الكون بسننه المحكم وذلك من معاني الربوبية التي يحسن في بيانها إيراد الفعل منسوبا إلى ضمير الجمع مئنة من تعظيم قدر ووصف الرب، جل وعلا، وجاء الرحمة منكرة مئنة من العموم لورودها في سياق شرط، فإذا أذاق الرب، جل وعلا، الناس أي رحمة: فرحوا بها، وذلك مما ينصرف إلى المعنى المذموم الذي سبقت الإشارة إليه، وهو محل الشاهد من هذه الآية، فينصرف إلى فرح البطر والأشر لقرينة التذييل بالقنوط حال وقوع المصيبة، فذلك من المقابلة التي تستوفي شطري القسمة العقلية في هذا الباب، وجاء الشرط في صدر الآية بـ: "إذا" فهي مئنة من كثرة الوقوع فذلك الأصل، فلا يزال الناس في رحمات متتابعة من الرب، جل وعلا، كونية كانت أو شرعية، وأعظمها رحمة النبوة التي تواترت في الأمم السابقة واتصل خبرها وإسنادها في الأمة الخاتمة ففشا ذكرها بين البشر فذلك من عموم الحجة الرسالية فرسمها الرحمة العالمية، فـ: (مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، ثم جاء الشرط في الشطر الثاني بـ: "إن" فهي مئنة من ندرة الوقوع فذلك الاستثناء، فالأصل هو العافية، والاستثناء هو الابتلاء العارض الذي سرعان ما يزول ويبقى لصاحبه الأجر إن صبر والإثم إن سخط، فـ: (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)، وذلك، أيضا، مئنة
(يُتْبَعُ)
(/)
من عناية الرب، جل وعلا، بالنوع الإنساني فلم يوقع به ما يستحقه كونا، فـ: (لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ) ولم يكلفه ما لا يطيق شرعا فـ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، ونسبت الإصابة إلى السيئة تأدبا مع الرب، جل وعلا، فلم تنسب إليه مباشرة، وإن صحت نسبتها إليه خلقا وتكوينا فهو الذي قدرها وكتبها وشاء وقوعها ثم أصاب بها من شاء من عباده، فهو القدير الحكيم فيصيب من يشاء برسم العدل ويعافي من يشاء برسم الفضل، كما أشار إلى ذلك الطحاوي، رحمه الله، في عقيدته المشهورة بقوله: "يهدي من يشاء، ويعصم ويُعافي فضلا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا، وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله". فنسبتها إلى السيئة تجري مجرى ما تقدم من المجاز العقلي، فينسب الفعل إلى سببه المؤثر، وإن لم يستقل بالتأثير، فالسبب لا ينتج أثره في الخارج إلا بإرادة مسبِّبه، جل وعلا، فهو خالق الأسباب ومجريها على سننه الكوني المحكم، ومن ينكر المجاز في آي التنزيل فإنه يجعل النسبة حقيقية، لانفكاك جهة تأثير الأسباب بالقوى المودعة فيها عن جهة التأثير بالتكوين ثم التسيير بالإرادة الكونية النافذة، فليس ذلك إلا للرب، جل وعلا، فصحت النسبة هنا من جهة التأثير، وبطلت من جهة الاستقلال بالتأثير فالسبب لا يستقل بالتأثير وإنما يلزم لوقوع الأثر: تعاضد أسباب وانتفاء موانع، وكل سبب يصدر عن سبب، فسلسلة الأسباب متصلة إلى السبب الذي ليس قبله سبب، وهو كلمة الرب، جل وعلا، الكونية، أثر صفاته الفعلية فهي التي تستقل بالتأثير، فالرب الخالق، جل وعلا، يستقل بالتأثير في خلق الكائنات بكلماته الكونية التي تتعلق بمشيئته لخلق الكائنات فهي تأويل صفة الخلق الفعلية.
وجاء التذييل بـ: "إذا" الفجائية تنويها بتلك الحال، فضلا عن التوكيد بإسناد الفعل إلى الضمير: (إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)، ثم تكرار المسند إليه في حيز المسند الذي جاء على حد المضارعة استحضارا للصورة فهو مما يرسخها في الذهن، فيحصل بذلك مزيد تنفير منها فقد وردت مورد الذم، فيفرحون حال الحسنة ويجحدون فضل المنعم بها، جل وعلا، ويقنطون على جهة الاستمرار، لدلالة المضارعة كما تقدم، حال السيئة وينسون الرحمات التي تنعموا بديمومتها أزمانا طويلة وأعمارا مديدة فكأنهم ما نعموا قط، وذلك من جحود الفضل ونكران الجميل بمكان!.
فصاحب البطر من أهل: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)، كما تقدم، فيصدق عليه تأويل سنة: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)، فذلك من سنة الاستدراج بالمكر الرباني، فقد عوقبوا بالغفلة فظنوا النعمة حال الإقامة على المعصية منحة، فتمادوا في العصيان، وفرحوا فرح البطر الأشر الذي عميت بصيرته فأمن مكر الرب، جل وعلا، ففتحت عليهم الأبواب، والعموم في الآية مخصوص بأبواب النعم الكونية وفيه زيادة في معنى المبالغة إمعانا في تقرير سنة المكر الربانية، فجاءت العقوبة بالأخذ في مقام الجلال، فهو من الأخذ الكوني النافذ برسم العقوبة العامة، فحسنت من هذا الوجه إضافته إلى ضمير الفاعلين مئنة من التعظيم، وزيد في معنى العقوبة بوقوعها: "بغتة" فذلك من المصدر الذي وقع حالا على تأويله بـ: "مباغتين"، ووقوع الحال مصدرا يؤول بها مما يزيد المعنى تقريرا على وزان قولك: جاء زيد ركضا، ففيه إمعان في بيان هيئة الركض الذي جاء عليها زيد، فيصدق عليه تأويل سنة الأخذ الرباني عقيب الفرح المذموم، وكذلك الشأن في نحو قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ): ففرحوا بما عندم من العلم الديني الباطل والقياس العقلي الفاسد، فقدموه على بينات النبوات المؤيدة بالقياس العقلي الصريح، وفرحوا بما عندهم من العلم الكوني، كما هي حال من فتن بالعلوم التجريبية
(يُتْبَعُ)
(/)
في زماننا وما هي إلا رصد لآثار سنن كونية محكمة، فليست إبداعا وإنما هي اكتشاف محض لما قد ركز أزلا من القوى الكونية في طبائع الأشياء، فاستعملها الإنسان في توليد الطاقة التي بها تسير الأسباب على ما قد قدر لها أزلا، لو فقه البشر، الذين عجزت عقولهم عن الجمع بين التكوين والتسيير للأسباب بالقدر الكوني النافذ فذلك محط الابتلاء بالتصديق بالخبر المغيب، والتأثير الذي توقعه بما ركز فيها من القوى الفاعلة المؤثرة التي لا تستقل بالتأثير بل تخضع كما تقدم لمشيئة المهيمن جل وعلا فذلك محط الابتلاء بمباشرة هذه الأسباب على ما قد شرع الرب جل وعلا من الأحكام، فالابتلاء: تصديق بخبر الغيب، وامتثال لحكم الشرع الذي يتعلق عادة بالأسباب المشهودة التي يباشرها الإنسان فعلا للمشروع وكفا عن المحظور.
فلما فرحوا أحاط بهم العذاب بما كانوا به يستهزءون، وذلك أبلغ في بيان جرمهم من قولك في غير التنزيل: باستهزائهم، فهو مئنة من صيروته طبعا لازما لهم لا حالا عارضة، فضلا عن دلالة المضارعة على التجدد والحدوث. وإحاطة العذاب بعد وقوع الاستدراج آكد في تقرير معنى المكر الرباني.
والشاهد أن الاستعارة في حديث: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" استعارة لمعنى الحبس العام، ولا يمنع ذلك من استعماله لمعنى السجن الخاص الذي استعير منه، فهو مما ابتلي به كثير من أصحاب الظلامات، فاجتمع عليهم سجن التكليف العام بالنظر إلى معنى المشقة فيه فلا ينفك تكليف عن مشقة، وإن لم تكن مرادة لذاتها فهي عارضة في كل تكليف فتلك طبائع الأشياء، فإن المؤلمات، كما تقدم في صدر الكلام، بل والملائمات لا تنفك عن نوع مشقة فالشهوة مع كونها مظنة اللذة التي ينتفي معها ألم المشقة، لا تنفك مع ذلك، من مشقة في تحصيل سببها بل وفي مباشرتها!. فصح من هذا الوجه استعمال اللفظ في معناه الحقيقي إن وقع المؤمن في الأسر الخاص لا سيما في الأعصار الأخيرة التي عم فيها الجور وكثرت فيها الظلامات بعد تنحية النبوة عن القيادة، ومعناه الكنائي فذلك معنى يعم كل المؤمنين، فهم في سجن وسنة كونية، فهي مئنة من القحط، وذلك، أيضا، مما يصح حمله على معناه الحقيقي كما سيقع للمؤمنين الذين يكفرون بالدجال، أو معناه الكنائي فالقحط مظنة الضيق الذي لا ينفك عنه المؤمن في هذه الدار، وهو مع كل ذلك من أعظم الناس طمأنينة وانشراحا، فيرد العارض الكوني بامتثال التكليف الشرعي شكرا في السراء وصبرا في الضراء، فذلك من جملة أوصاف البررة كما في آية البقرة: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ).
وفي المقابل وعلى جهة المقابلة استيفاء لشطري القسمة العقلية في هذا الباب أيضا جاء التذييل بحال الكافر الردية فتأخر ذكره بعد المؤمن، فحري به التأخير في الأولى والآخرة، فالدنيا: "جنة الكافر"، فذلك بالنظر إلى ما يلقاه من أهوال العذاب المؤبد في دار الجزاء، فمهما كانت حاله في الدنيا: بؤسا وشقاء، فهي جنة بالنظر إلى سوء مآله، فكل عذاب دون عذاب الرب، جل وعلا، يهون، كما أن كل نعيم سوى نعيمه يزول.
والشاهد أن القصر في الآية: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ): قصر إضافي فليست الدنيا لهوا ولعبا، بل فيها كما تقدم جملة من الملائمات، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ففيها ملائمات تلتذ بها النفوس بمقتضى الجبلة، وفيها ملائمات تعرض فيها المشقة فليست مما يلتذ به، وإن كان ذريعة إلى وقوع اللذة، فتحصيل الأرزاق، على سبيل المثال، فيه مشقة تعظم في أزمنة الفقر والفاقة، وهي مع ذلك مما يلائم النفوس فلولاها لهلكت، فهي سبب استجلاب الرزق الذي تحفظ به المهج في دار الدنيا، وامتثال حكم الشارع، جل وعلا، فيه أيضا مشقة فلا يخلو تكليف منها، كما تقدم، وهي، أيضا، مما يلائم النفوس فلولاها لفسد حالها فهي سبب حصول الإيمان الذي تكون به نجاة المهج في دار الجزاء، فتلك ملائمات في العاجل والآجل، وهي مع ذلك لا تنفك عن ألم، فالمصلحة الخالصة من المفسدة، واللذة الناصحة من الألم: أمر عزيز في هذه الدار، كما يقول بعض المحققين، فرسمها
(يُتْبَعُ)
(/)
النقصان، وإنما تكون النجاة فيها باحتمال المفسدة العارضة رجاء نيل المصلحة العظمى، واحتمال الألم العارض رجاء حصول اللذة الدائمة كما يحتمل الطفل وخز اللقاح فهو مؤلم، ولكنه مآله: حفظ الصحة التي يلتذ بها الصحيح فلا يعرف قدرها إلا السقيم.
وفي الدنيا أيضا في معرض استقراء صاحب التحرير والتنوير رحمه الله: مؤلمات هي أصل في بابها كسائر أجناس المصائب الكونية من آلام وأسقام ..... إلخ، فذلك، أيضا مما لا يدل عليه القصر الإضافي في الآية، فما ورد إلا لبيان ما تلتذ به النفوس تزهيدا فيه بتحقير شأنه، فلا يحسن بداهة ذكر المؤلمات فالنفوس قد زهدت فيها ابتداء.
وزيد في معنى التزهيد بتنكير: اللهو واللعب، فالتنكير فيهما للتحقير.
ثم جاء الشطر الثاني من القسمة العقلية في معرض المفاضلة بـ: "خَيْرٌ": فهي منزوعة التفضيل، كما تقدم، واختص المتقون بذلك لدلالة اللام فذلك من وجوه العناية بهم والامتنان عليهم بحسن المآل، وجاء الاختصاص على جهة التعريف بالموصولية إشارة إلى معنى التقوى الذي اشتقت منه الصلة فهو محط الفائدة وهو العلة التي أنيط بها الحكم، وجيء به على حد المضارعة استحضارا للصورة فضلا عن دلالة المضارعة على الديمومة فذلك وصف يلازم أصحابه فرسمهم التقوى، وإن وقع لهم نوع غفلة، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).
وفي هذا الاختصاص تعريض بالكفار فليسوا من المتقين بداهة، فلا حظ لهم في هذه الخيرية.
ثم جاء التذييل بالاستفهام الإنكاري ويحتمل معنى التوبيخ إن تعلق الخطاب بالكفار، أو معنى التحذير إن تعلق الخطاب بالمؤمنين، وجوز صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله حمله على كلا المعنيين فالسياق يحتملهما معا وجعل ذلك شاهدا لما تقدم من جواز حمل المشترك على كلا معنييه لانفكاك الجهة بينهما.
والله أعلى وأعلم.
ـ[يحيى عيسى الشبيلي]ــــــــ[16 - 12 - 2010, 09:03 م]ـ
موضوع جيد ومفيد شكرا لك
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 04:00 ص]ـ
جزاك الله خيرا على المرور والتعليق أستاذ يحيى.
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ):
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ: فذلك من العموم المؤكد والشيئية في هذا الموضع مئنة من التحقير وهو مما يلائم حال الدنيا، ولذلك حسن حذف الفاعل تنزيها لذكره، جل وعلا، فذلك من قبيل حذف الفاعل في قولك: خُلق الخنزير، فمؤتي الدنيا وخالق الخنزير بكلماته الكونية النافذة هو الرب، جل وعلا، ولكن المخلوق حقير في نفسه، فشره فيه لا في فعل خالقه، جل وعلا، فحسن حذف الفاعل تنزيها له وسهل ذلك العلم الضروري له، فذلك من المعلوم الديني فـ: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)، فذلك من العموم المحفوظ بالنظر إلى دلالة الاقتضاء، فالسياق يقتضي بداهة محذوفا يقيد إطلاق الشيء، فالله خالق كل شيء يصح تعلق فعل الخلق به من العرش إلى أسفل سافلين، فالشيئية معنى عام يطلق على كل موجود في الخارج، فمنه الموجود برسم الأزل فليس بحادث أو مخلوق، بل هو الخالق لكل ما سواه، فجميع الكائنات قد صدرت عن كلماته الكونية النافذة، فكلماته الكونية هي العلة الأولى التي صدرت عنها جميع المخلوقات، فليس وراءها علة فهي، كما تقدم مرارا، أثر صفات فعله، جل وعلا، تقديرا وكتابة وإيجادا وتدبيرا ...... إلخ، فضلا عن كونها وصفا من صفاته، جل وعلا، فهي من وصف الذات باعتبار النوع، ومن وصف الفعل باعتبار الآحاد، فهي وصف في نفسها وهي أثر أوصاف أخرى فبها يظهر كمال وصفه جل وعلا: تقديرا وإيجادا وتدبيرا وتأثيرا في الكون بتسيير الخلق على سنن محكم، فتلك آثار قدرته النافذة وحكمته البالغة، وبهما يكتمل وصف الرب، جل وعلا، كمالا مطلقا لا مزيد عليه، فمن ذا الذي ينازع الرب، جل وعلا، وصف كماله التكويني والتشريعي، وإن كان بزعمه! زعيما دينيا ينوب عن السماء في تسيير شئون الأرض، فهو رجل غير عادي يصلح لحكم العالم وربما الكون، فعنده من عمق الرؤية الفكرية ما لا يدركه سفهاء البشر الذين يردون
(يُتْبَعُ)
(/)
الأمر إلى الرب الواحد في ذاته الأحد في صفاته، فليس كمثله شيء، فتلك شيئية أخرى، وردت في سياق نفي فأفادت عموما آخر محفوظا من كل وجه، فليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء، وليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته، فتعددت وجوه النفي بتعدد القيود، فليس كمثله شيء من أي وجه في أي مكان، فذلك أبلغ ما يكون في الثناء عليه برسم الانفراد بكمال الذات والوصف فتلك مرتبة تمتنع فيها الشركة وتقبح فيها المنازعة، لا سيما إن كان المنازع طاغوتا قد جاوز الحد في الطغيان برسم الديانة أو السياسة، فقد ابتليت البشرية لا سيما في الأعصار المتأخرة، بحفنة من نواب السماء، ونواب الإمام، وشيوخ الضلال الذين تولوا الخلافة مع أنها قد سقطت من قرن أو أقل!، فهؤلاء قد طغوا برسم الديانة، والطغيان الديني طغيان قديم من لدن غلا من غلا في الصالحين، فـ: (قَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)، فقال الملأ في معرض النصيحة!، وبئست النصيحة، قالوا برسم الأمر إرشادا إلى بغية الشيطان في هدم الأديان، بغلو في مخلوق يقدح في أصل توحيد الخالق، جل وعلا، قالوا: (لا تذرن) على حد التوكيد بالنون المثقلة في معرض التواصي بالباطل! وهو مثال يذكره من صنف في وجوه الحذف في لسان العرب استقلالا أو بابا في مصنف كابن هشام رحمه الله في "مغني اللبيب" فهو من وجوه حذف الحرف فحذفت النون كراهة توالي الأمثال وحذفت الواو لامتناع التقاء الساكنين في لسان العرب، فاستمسكوا بما أوحى لكم الشيطان من غلو في أولئك الأفاضل فما اتخذتوهم إلا أسوة، وما عبدتموهم بعد ذلك إلا ليقربوكم إلى الله زلفى، فـ: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، فذلك من القصر الإضافي بالنظر إلى بساط الحال في احتجاج الأنبياء عليهم السلام بحجة التوحيد الدامغة، واحتجاجهم بأنهم موحدون بالفعل، فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)، وذلك عند التدبر والنظر، حجة عليهم، فإن توحيد الرب في فعله يستوجب بداهة توحيده بقول وفعل عباده، فلا إله معبود بحق إلا هو، فذلك لازم الإقرار بأنه لا رب خالق مدبر إلا هو، فأقروا بالملزوم، فالإقرار به لا يضرهم في شيء!، فليس ذلك إلا تصورا علميا محضا، لا أثر له في حياتهم، فقد خلقهم الرب، جل وعلا، وانتهى الأمر، على طريقة من زعم بأن الله عز وجل خلق الكون ثم نسيه فهو كالساعة التي أتقن صانعا صنعها ومن ثم تركها فهي تسير وفق سنة ميكانيكية رتيبة وواقع الكون يكذب ذلك فتفاوت الأحوال على نحو تنكسر فيه السنة المطردة وإن كان الأصل اطرادها ذلك التفاوت كما شهدنا في الآونة الأخيرة من تقلب أحوال الجو فساد الحر حينا بعد انقضاء زمانه المحدود بمقتضى سنة الكون ثم جاء البرد قارصا أشد مما جرت السنة به في هذه الآونة ذلك التفاوت يدل على قوة عليا قاهرة مؤثرة إن شاءت أجرت السنة على معهود البشر وإن شاءت عطلتها كما عطلت سنة العادة في آيات الأنبياء عليهم السلام وكرامات الأولياء وهي ثابتة برسم التواتر حتى عند غير أهل الإسلام بل لم يزل وقوعها في زماننا حاصلا برسم الكرامة للمؤمن أو الخارقة للكافر وكما تعطل السنة العادية في كثير من أحوال البشر فيشفى المريض مرضا مزمنا قد شارف به على الهلاك ويموت السليم من غير علة ..... إلخ فكل ذلك مما يدل ضرورة على فعل الرب جل وعلا في كونه برسم القدرة والحكمة فله الأمر كونا وهو ما سلم به أولئك وله الأمر شرعا، وهو ما أنكروه، فصار الأمر والنهي لهم، أو لرءوسهم إن شئت الدقة فهم المنازع، كما تقدم، للرب، جل وعلا، برسم الديانة، فرءوس الملل المبدلة يسطون بأتباعهم برسم الطغيان الديني، وملوك الجور يسطون برعيتهم برسم الطغيان السياسي، وغالبا ما يقع التحالف الآثم بين القبيلين كما قد وقع في دين النصرانية، وهو التحالف الذي أظلم سماء أوروبا زمن الإقطاع، فتنافس القبيلان، فالتحالف بينهما تكتيكي بحت!، تنافسا في السطو والقهر، فهذا يسطو برسم الديانة فلن يكون خلاص في الآخرة إلا بالذل والخضوع له والعمل في مزارعه سخرة، وذاك يسطو برسم السياسة فلن يسلم الإنسان من
(يُتْبَعُ)
(/)
سيفه الجائر إلا بإظهار الولاء الكامل وتقديم آيات الثناء، ولو نفاقا، فالأباطرة والفراعنة أصحاب حق إلهي في الملك، فليست الدماء التي تجري في عروقهم من جنس الدماء التي تجري في عروق بقية البشر!، فلهم أن يحكموا بما شاءوا ولو نقضوا بحكمهم الجائر حكم النبوة العادل، ولهم أن يخرقوا ما شاءوا من القوانين والدساتير التي أحدثوها بأيديهم، فما شاءوا أحكموا وما شاءوا نسخوا فهم، كما تقدم، إنما يحكمون برسم التفويض الإلهي الذي سلطهم على البشر، وذلك معنى صحيح من وجه، فقد سلطهم الرب، جل وعلا، على البشر عقوبة كونية عادلة على تعطيل أحكام النبوة، وتلك نظرية معروفة في عالم السياسة لا سيما في الممالك التي ظهر فيها الغلو في الأسر الحاكمة التي تتوارث الدول توارث الدمى!، فأكاسرة فارس آلهة بلسان الحال، ورسوم الدخول عليهم تشهد بذلك!، فأين التكلف والغلو في الدخول عليهم مع فساد حالهم، أين هذا من الدخول على الأنبياء عليهم السلام فليس لمجالسهم حجاب، وليس لذواتهم عروش، بل لا يعرفهم الغريب إن دخل عليهم في جمع من أتباعهم، وفراعين مصر قد جاوزا الحد فصرحوا على لسان أحدهم، وكثير منهم وإن تأخر زمانه تكاد حاله الردية تنطق بها فهو الزعيم الملهم والبطل المخلد ....... إلخ من الألقاب التي يصدق فيها قول الشاعر:
ألقاب مملكة في غير موضعها ******* كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد.
وليتها كانت كذلك بل قد جاوزت ذلك فأصبحت ألقاب غلو فاحش في مخلوق ناقص بل فاسد، فاستحق من غلا فيه عقوبة إضلاله وتسليطه عليه إفسادا لدينه وإفناء لبدنه، فشؤم ملوك الجور يعم الدين والدنيا معا فما وضعت الخلافة عن النبوة إلا لحفظ الدين وسياسة الدنيا به، فإذا أقصيت النبوة عن الحكم فماذا بقي من الخلافة؟!، وماذا بقي من دين يسوس أو دنيا تساس، وما الذي يرتجى من دنيا لا تساس برسم النبوة، وقد نزعت منها مادة صلاحها فإن الدنيا لا تصلح ولو صلاحا محسوسا بتوافر الأقوات واستقرار الأحوال، لا تصلح إلا إذا أشرقت عليها شمس النبوة، فالنبوة، كما تقدم مرارا، مادة صلاح الكون، فبها يصلح الحال، ويصلح المآل، فلا تستقيم حال الفرد في نفسه، ولا تستقيم أحوال الجماعات، بل ولا تطيب طعوم الزروع والثمار إلا ببركة ظهور آثار النبوة، فشؤم اندراسها يعم الكون والشرع معا، فيفسد الدين بما أحدثه ملوك الجور ورهبان السوء، وتفسد الدنيا بشؤم فساد الدين، فالتلازم بينهما، كما تقدم، تلازم وثيق، فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)، فظهر الفساد الكوني بما اكتسب الناس من الآثام، فذلك من إفساد الطريقة الدينية بمخالفة السنة الشرعية، ولا تكون إلا برسم اتباع النبوة، فلازم إفسادها: تبديل السنة الكونية، فـ: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فجاء النفي برسم الجحود إمعانا في تقرير المعنى فذلك مئنة من رسوخ واطراد السنة الربانية التي كتبها الرب، جل وعلا، على نفسه، وهي عند التدبر والنظر، مئنة من حكمته البالغة بدوران الأحكام مع عللها وجودا وعدما، فلا يكون تغيير في حكم الرب، جل وعلا، إلا بتغيير في فعل العبد صلاحا يجلب الخير الآجل فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)، وهو أعظم صلاح وإن غفل عنه من غفل من أرباب الدنيا الذين لا يؤمنون إلا بما يدركونه بحسهم الظاهر فنفوسهم الكثيفة محجوبة عن معالي الأمور الدينية الشريفة فلا تلائم بعلوها سفل نفوسهم ودنو هممهم، وهو مع ذلك يجلب الخير العاجل فتلك عاجل البشرى، فـ: (لَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)، فالنبوة، كما تقدم، مادة صلاح في الحال والمآل، فباينت من هذا الوجه مناهج الدين المحدث برسم الرياضة والتصوف، فتلك ردة فعل لا أكثر لاشتغال البشر بتحصيل شهوات الجسد، فباينهم أرباب الرياضة برهبانية ابتدعوها،
(يُتْبَعُ)
(/)
أفسدت عليهم الدنيا ولم تحفظ لهم الدين، فمآلهم إلى انقطاع ولو بعد حين أو أجيال، فلم تصبر الأجيال التالية على ما صبرت عليه الأجيال السابقة، وتلك سنة الرب، جل وعلا، في كل مسلك غال يبدأ الانحراف فيه يسيرا فيجبره إخلاص من أحدثه، وإن كان العمل في نفسه فاسدا فتخف آثار فساده وإن لم تزل، فالفساد واقع لا محالة بالخروج عن سنن الأنبياء عليهم السلام، ولو خروجا محدودا في فرع عملي أو مسلك زهدي، ويكفي لبيان خطر ذلك التنويه بما يقوم بقلب فاعله من قدح خفي في الشريعة السماوية فقد جاء بما يظن أنه خير منها، ثم لا يلبث الانحراف أن يزيد والإخلاص أن يقل، فيعظم الفساد فلم تطق نفوس الآخرين لفسادها ووقوع السآمة لها، ما أطاقه الأولون من رسوم الزهد الغالي فهو مظنة الضعف والانقطاع بل وحدوث ردة كاملة عن معاني الزهد بالانكباب على ضدها، فلا تجد أولئك المترسمين برسوم الرهبنة إلا أحرص الناس على حياة، وفي سبيل تحصيل شهواتها يبذلون ما يبذلون!، فتتلاشى معاني الهيبة الزائفة عند معاقرة أي شهوة خسيسة زائلة، بل ربما كانت محرمة في نفسها يندى الجبين لها، وفضائح الكنائس والأديرة في الماضي والحاضر على ذلك خير شاهد، وكلما قامت حركة إصلاحية كحركة مارتن لوثر البروتستانتية استقام الأمر نوعا ما، فتخف آثار الفساد وإن كانت جذورها راسخة بنقض أصل التوحيد الجامع، ثم لا تلبث، أيضا، بمضي الأزمان وتعاقب الأجيال أن تفسد بل ربما فاقت في فسادها فساد الأصل الذي ثارت عليه برسم الإصلاح والتجديد، وقد أوقع البروتستانت مذابح لخصومهم تفوق مذابح الكاثوليك من قبلهم، وهو ما أثار دهشة المؤرخين في الغرب، كما يذكر بعض الفضلاء المعاصرين في معرض رصد لحركة التيارات الدينية المتصارعة في أوروبا النصرانية في القرون الوسطى ومدى تأثيرها على طائفة الموحدين النصرانية التي تقترب كثيرا لا سيما في أدوارها الأولى من دين التوحيد وإن عرض لها انحراف كبير في أدوارها المتأخرة، فالحركة الإصلاحية يفترض أن تأتي بالفرج والسعة لا بالكرب والضيق الذي يصيب الأمم بالإحباط، فالمستجير بهم كالمستجير من الرمضاء بالنار!، وذلك أمر رأينا طرفا منه في عالمنا الإسلامي في العقود الأخيرة التي سيطر فيها العسكر على الحكم برسم الانقلابات المتوالية التي لا يكابد آثارها إلا الشعوب المقهورة، فتستبشر الشعوب خيرا مع كل حركة تصحيح!، وليست إلا تصفية للخصوم والمعارضين، ومن ثم تظهر لها حقيقة الأمر فهو إلى مزيد سوء ونكد!.
وباينت النبوة من وجه آخر ما يطرح قديما وحديثا من سياسة الجور التي يزعم الملوك أنها الذريعة إلى صلاح الممالك، وما هي إلا وسيلة لترسيخ عروشهم ولو برسم الجور، فيزعم أولئك أن صلاح الكون في نبذ الدين، كما ينعق بذلك أفراخ العلمانية في زماننا، فذلك رد فعل أيضا، لغلو الأولين الذين نبذوا الدنيا بالكلية لما رأوا البشر قد انحطت رتبهم بتجاذب شهواتها تجاذب الكلاب للفريسة، فتلك صورة خسيسة تصدق في حق كل المتنافسين في تحصيل عرض الدنيا، ولكنها لا تصلح علة لهجر الدنيا، فذلك مظنة فسادها بتملك المفسدين زمامها، فقد أخلى لهم المصلحون الميدان ورفعوا لواء الاستسلام فلا أمل إلا بالانعزال السلبي دون مشاركة فاعلة في تهذيب النفس وإصلاح الغير على منهاج النبوة، فإن كان لا بد من الاعتزال في أزمنة الفتن والنوازل العامة فليكن ذلك برسم الإيجابية لا السلبية فلا يعتزل المؤمن الفاعل ما فيه صلاح دين أو دنيا، وإنما يعتزل ما فيه فساد الشرع والكون من معاقرة المحرمات أو فضول مباحات من مخالطة للبشر في غير حاجة، وإنما للتسلية المحضة! التي لا تليق بأرباب العقول الذين يدركون قيمة الوقت ويخشون انقضاء العمر بلا رصيد من علم نافع أو عمل صالح يشفع لهم عند الرب، جل وعلا.
(يُتْبَعُ)
(/)
والشاهد أن النبوة قد باينت كلا المسلكين فلا انكباب على الدنيا برسم الشهوة، ولا انعزال عنها برسم الخلوة، وإنما يأخذ العاقل منها نصيبه برسم: (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)، ويجعله مع ذلك زادا في سفر الهجرة، فـ: (ابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ)، فجاء الأمر إرشادا ثم ذيل بنهي احترازي لئلا يقع الغلو في ابتغاء الدار الآخرة، فلكل مكلف بما ركز فيه من قوى الشهوة الجبلية نصيب من الدنيا فإن نسيه فقد عرض بدنه للهلكة وعرض دينه للنقص وإن ظن الكمال في ذلك، فإن الدين لا يقام بأبدان ضعيفة وعقول فاسدة لم تنل حظها من الراحة والاستجمام، فـ: "روَّحوا عن القلوب ساعة، فإنها إذا أكرهت عميت" كما تقدم من مأثور كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وهذا ما نجح فيه الإسلام نجاحا باهرا وفشلت فيه النصرانية المبدلة فشلا ذريعا حال أتباعها الآن وما هم فيه من تعاسة مع تعدد وسائل الترف، حالهم خير شاهد على ذلك التطرف الفكري غلوا في هجر الملذات كما كانت سيرة الرهبان الأوائل، ثم ولوغا في الشهوات انحط بكثير منهم عن دركة الحيوانية فضلا عن الآدمية، وتلك، كما تقدم، سنة كونية نافذة، فبعد الشرة فترة، وبعد الحماس فتور فمن لم تكن فترته إلى السنة، فإنه سيهلك بما يرد على نفسه من السآمة والملل، فـ: "إن لكل عمل شرة، والشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل"، فتدعوه نفسه إلى غلو في الجانب الآخر تعويضا لها عما فاتها من حظوظها الدنية، فإن لم يكن الإنسان على منهاج النبوة توسطا واقتصادا، فإنه سينحرف لزوما إلى إحدى الطريقين، فإما رهبنة غالية تحتقر المحسوس بل تجعل مباشرته مظنة الخسة فلا يسلم صاحبه ولو باشره برسم الاعتدال المشروع فخلا عن كل محظور بل قد يصير قربة!، لا يسلم ولو كان ذلك وصفه، من تلطخ بأقذار الدنيا! فيحجب من تلك حاله عن دخول الملكوت الذي لا يدخله إلا الغلاة من الرهبان وكأن الرب، جل وعلا، قد امتحن العباد في باب العلم بتصديق المحال فجعله أصلا في حصول النجاة بل لن يحصل الخلاص إلا به ولو كان عين القدح في ذات ووصف الرب، جل وعلا، ثم امتحنهم بمحال آخر في باب العمل ففرض عليهم من صنوف التعذيب لأبدانهم ما لا يحتمله إلا آحاد البشر فهم استثناء لا يقاس عليه حال عموم المكلفين فكيف تأتي شريعة الرحمن الذي وصفه الرفق بما يحصل به العذاب الفكري الأليم بتصديق المحال الذي يوقع صاحبه في الاضطراب النفسي الذي نشهد الآن صورا كثيرة منه في العالم الغربي النصراني الذي آمن بخرافة بولس التثليثية وسلم لواضعها بأنه لا فداء ولا تطهير من دنس الخطيئة إلا باعتقاد صلب رب الخليقة، جل وعلا! وذلك، كما تقدم مرارا، عين القدح في ذات ووصف الرب، جل وعلا، فلا تطمئن النفوس بعبادة رب عجز عن غفران ذنب عبد من عباده فاضطر إلى تحمل آلام الفداء نيابة عنه!، فأخذت الذرية بجريرته وذلك من الجور الذي تنزه عنه الرب الحكيم العادل فـ: (لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وأين ذلك من معاني الرحمة الربانية بإلهام المذنب كلمات التوبة وقبولها على جهة الفور، فضلا عما يجده العقل من فساد ضروري في فرض جريان عوارض النقص البشري على الرب العلي، فذلك من الفساد العقلي بمكان، فبه يضمحل الفرقان بين مقام الربوبية الأعلى، ومقام العبودية الأدنى، فأي خطل أعظم من ذلك وأي فساد في العقل واضطراب في القلب يجده من يصدق تلك الأوهام، فكيف تأتي شريعة بما يحصل به ذلك في باب العلم، ويحصل به في المقابل فساد في الدنيا عريض بزهد غال يضعف البدن والعقل لاحقا فيحلق صاحبه في سماء الوساوس الشيطانية فقد تنزلت عليه الشياطين لفساد عقله وقلة علمه، فحصل له من فساد التصور الديني ما يقترن لزوما بفساد العمل، فهو في فساد عريض في أمر الدين والدنيا.
يقول صاحب كتاب "كنت نصرانيا":
"عكس النّصرانية، الإسلام يدعوك - قبل أن تؤمن - للنّقد وللتفكير، لكن على أساس من البراهين والحجج. وهذا فقط من أجل أن يثبّت قلبك ويشتد عزمه، حتى يؤمن عقلك بهذه العقيدة التي هي في غاية البساطة والوضوح.
(يُتْبَعُ)
(/)
(قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [سورة: البقرة - الآية: 111].
في حين أنّ العقيدة النّصرانية (عقيدة التثليث) معقدة لدرجة أنّ النّصراني بنفسه يجد مضضا لتكوين فكرة واضحة المعالم في ذهنه.
إنّ القرآن يمدّ المسلم بتربية شاملة، كاملة منسجمة، والتي تبني شخصية سوية، فهو يعتني ويأخذ بعين الاعتبار كل خصائص الإنسان: الروحية، الثقافية، النفسية، الجسدية، الاجتماعية ... إلخ.
إنّ المسلم لا يقيّد نفسه ولا يحصرها في مجال واحد، إنّه يجد في القرآن ما يحثه على التفكير والتأمل، وعلى البحث لمعرفة العلم وفهم شتّى الظواهر.
الله لا يطلب من الإنسان أن يستأصل غريزته، وأن يُعذب جسده، فهي معركة بلا جدوى، إذ هي ضد الفطرة، بل إنّه يأمر بمجاهدة النّفس لتملك زمامها، دون أن ننسى الاعتناء بالجسد، فلا ينبغي حرمانه من حقوقه.
إنّ الإسلام يحثّ المسلم أن يكون فعالا، وأن يشارك في الحياة الاجتماعية، وذلك بفعل الخير، وزرع الحب والسلّم، وأن يشعر بأنّه نافع وخادم لغيره من الناس، ومطلوب من المسلم كذلك مكافحة الأمراض والآفات الاجتماعية وذلك بالحكمة.
أما التربية التي تريدها النّصرانية، فهي أُحادية الجانب! لا تعتمد إلاّ على الجانب الروحي، فالنّصراني المقطوع عن الواقع تبدو عليه غيبوبة جد ظاهرة، والتي يمكن لها أن تتفاقم مع مرور الوقت لتصبح في الأخير عبارة عن فصام". اهـ
فالإسلام يدعوك إلى مباشرة الطرائق العقلية العلمية والبدنية العملية التي يحصل بها الصلاح العاجل والآجل، فتصلح الدنيا بسياسة الدين بها، ويصلح الدين الذي بصلاحه تكون النجاة في دار الجزاء، فلا يجد المسلم ما يجده النصراني من فصام بين روحه التي تشبعت بأوهام الخلاص فهي تغلو في احتقار الدنيا، وبدنه الذي يطلب حظه بما ركز فيه من قوى الرغبة والشهوة، فيميل كما تقدم إلى إحدى الطريقين: طريق الزهد، فإن حصل وواقع شهوة ولو مباحة فإنه يندم على ذلك ندم المذنب بل المفرط المقترف للكبائر!، فيعد النظر إلى امرأة ولو كانت أمه، ومصافحتها ولو كانت أخته ذنبا يستوجب التوبة وقبلها العقاب بصنوف من الآلام الشاقة التي يوقعها على بدنه فذلك فرع على ما استقر في الوجدان بتعذر حصول التوبة والخلاص إلا بآلام من جنس آلام الصلب!، وتلك نفوس معذبة تعاني من الكبت الحقيقي لا الكبت المزعوم الذي ينبز به الدين الخاتم دين الحنيفية السمحة، فذلك أيضا مما رمتني به وانسلت، فادعاء النصرانية أن الإسلام دين الكبت من جنس ادعائها أن الإسلام قد انتشر بحد السيف، فالتاريخ شاهد بثبوت كلتا الجنايتين عليها ثبوتا جازما لا مزيد عليه، فلا ترى أعداءها إلا بعينها العوراء بل العمياء، فالكبت، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين هو ما يتولد في النفوس الغالية من شعور بالذنب عند مباشرة شهوة مباحة برسم التوسط والاعتدال، فلا بد من ذلك وإلا فني النوع الإنساني!، فإذا تعذبت النفوس بوخز الضمائر لمجرد ذلك فإنها ستكره الحلال حتما فمباشرته كل مرة تجدد آلامها، فيؤدي ذلك إلى هجرانها، وهل تستقيم حياة أو يهنأ عيش بمثل ذلك؟!، نعم قد يحسن هذا الألم بوخز الضمير إن كانت الشهوة محرمة، أو إن أفرط الإنسان في مباشرة مباح فأورثه ذلك الفضول غلظة وكثافة في نفسه، وثقلا في بدنه، فيستعين بربه، جل وعلا، ويجمع أمره ألا يقارف ذلك مرة أخرى فيحسن عندئذ تأديب النفس بعقوبات شرعية كحال من كان من السلف يؤدب نفسه بالصدقة ليمنع لسانه من الغيبة، ومن أدب نفسه بصيام سنة لنظره إلى ما لا يعنيه أمره من بناء حدث في طريقه، فعد ذلك من النظر المنهي عنه في قوله تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى).
(يُتْبَعُ)
(/)
فإما هذه الصورة المثالية الجوفاء التي لا يصلح بها دين أو دنيا، فهي محض تحليق في سماء الخيال، والنبوات تتسم بالواقعية فهي وإن كانت قد جاءت لتغير طرائق البشر في الفكر والإرادة والقول والعمل إلا أنها لا تطلب منهم الانخلاع من طبائعهم البشرية ليصيروا ملائكة، فذلك من التكليف بما لا يطاق، فملكات البشر لا تقوى على ذلك، وإن قوي آحاد منهم على الصبر أياما بل شهورا على ألم الجوع والعطش، فلا يقدر عليه عامتهم، وإن قدر آحادهم على ترك لذة النكاح، والسياحة في الأرض فلا يقدر عليه عامتهم، وذلك من رحمة الرب، جل وعلا، بهم، فبدون تلك الشهوات التي ركزت في نفوسهم لن تعمر الأرض بل سيفنى النوع، كما تقدم، فمن يقيم خلافة الابتلاء الرباني، بإقامة الحكم الشرعي الذي جاءت به النبوات إن لم يعد في الأض خليفة فقد فني نوعه؟!.
وإما في المقابل: مادية فجة لا تؤمن إلا بالمحسوس بل تقدسه فهو الرب المعبود الذي تنفعل له مدارك البشر، فإرادتهم له تبع كما الحيوان الذي لا بغية له إلا قضاء وطره وإن حصل له الهلاك عقيبه فلا عقل له لينظر في المآل فمنتهى سؤله تحصيل لذاته في الحال!.
والشاهد أنه في آية الأنفال علق الحكم بالتغيير في السنة الربانية بالتبديل في السنة الشرعية، فحصل التبديل الشرعي من البشر ولازمه التبديل الكوني من رب البشر، جل وعلا، فلا يخرج الثمر أو يخرج قبل أوانه فيفسد بما يرد عليه من الآفات، كما هي حال الزروع في بعض بلاد المسلمين الآن فقد تفتحت الزهور قبل أوانها لارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، فلم يحدث ذلك من لدن بدأ رصد درجات الحرارة سنة 1850 م، فتبدلت السنة الكونية وتفتحت الأزهار قبل أوانها، ثم لا يلبث البرد أن يقضي عليها، فغير الرب، جل وعلا، لما غير البشر، ولو عادوا إلى منهاجه لعادت السنة الكونية، فعبثهم الشرعي بمخالفة الأحكام، وعبثهم الكوني بالخروج عن سنن الكون الجارية بما أوقعوه من صور إفساد في الأرض، فضلا عن إفسادهم في الشرع، كل ذلك مما اقتضى لزوما شرعيا وعقليا تبدل السنن وفساد الأحوال وقلة الثمار والأقوات وانتشار الأمراض والأوبئة التي لم تكن في الأسلاف ...... إلخ من العقوبات الكونية النافذة.
والشاهد أن كل ما أوتيتموه، والخطاب خاص باعتبار لفظه بالكفار لقرينة نزول الآيات في مكة والغالب على أهلها آنذاك الكفر، فضلا عن قرينة السياق فقبلها مباشرة قوله تعالى: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) وهو يختص بالكفار بداهة ثم حصل الالتفات، فبه نوع تنبيه يستثير انتباه المخاطب لا سيما إن كان غافلا ولا غفلة أعظم من غفلة الكفر، والخطاب من وجه آخر: عام على ما اطرد في التنزيل، فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: فصدر الخبر بالفاء لتضمن الموصول معنى الشرطية، فالعموم في كل حاصل، وذلك وجه شبه سوغ إجراء الموصول مجرى الشرط، والعموم من جهة أخرى يعم كل ما يؤتاه الإنسان فدلالة: "ما" هنا: تعم الأعيان والأحوال، فما أوتيتم من النساء أو الذراري أو الأموال أو الزروع ...... إلخ فتلك أعيان منها ما يعقل ومنها ما لا يعقل، فدلالة: "ما" هنا تعم النوعين، وما أوتيتم من أوصاف الذكاء والصحة فتلك أحوال تقوم بالعبد، فتدخل في عموم "ما" أيضا، فذلك من قبيل دلالتها على الوصف في قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، فالمراد الوصف الذي يستطيبه الإنسان لا أعيان المنكوحات من النساء، وهذا العموم يزيد المعنى تقريرا في الذهن فيستوفي سائر أجناس النعيم الدنيوي معقولا كان أو محسوسا، فهو متاع الحياة الدنيا، وذلك مما يستوي فيه المؤمن والكافر، كما ذكر البغوي، رحمه الله، ثم مآل المؤمن إلى: (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ)، فذلك من التعظيم للجزاء الخالد فإبهام "ما" هنا مئنة من التعظيم لشأنه فعظمه من عظم من هو عنده، فهو: (خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ): فتلك من صور التفضيل المنزوع الدلالة، فلا خير في متاع الدنيا إذا قورن به أو هو تنزل مع المخالف الذي يظن الخيرية في قطف ثمار الدنيا العاجلة ولو بإهدار نعيم الآخرة الباقية، واختصاص ذلك بالمؤمنين الذين أطنب في وصفهم فذلك مما يحسن في معرض الثناء على أصحاب الطريقة المثلى: تعريض بغيرهم، بدليل الخطاب أو مفهومه، فلا حظ فيه لمن قام به ضد وصفهم من الكفر وعدم التوكل على الرب جل وعلا.
والإخبار عنه بأنه من متاع الحياة الموصوفة بأنها: "الدنيا": إمعان في تقرير معنى الخيرية المطلقة لنعيم دار المقامة الأبدية.
والله أعلى وأعلم.(/)
الإجابة على السؤال بسؤال
ـ[قتال القلوب]ــــــــ[17 - 12 - 2010, 09:13 م]ـ
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
لدي سؤال أتمنى الاجابة عليه
وهو: هل ورد في القرآن أو في الأحاديث, إجابة على السؤال بسؤال؟
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[17 - 12 - 2010, 10:22 م]ـ
سورة القلم
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
( http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=2b69b62c2a2b055e)
سؤال ومن بعده سؤال يُجيب عليه
أتمنى أن أكون قد قدمت لك يد العون
تحيتي
ـ[يحيى عيسى الشبيلي]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 08:37 م]ـ
قال الله تعالى"أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَِ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَِ
وهذا سؤال ومن بعده سؤال يجيب عليه.
ـ[أنوار]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 09:12 م]ـ
سؤالٌ قيّم .. بارك الله بكم أخي الكريم وبمن أجاب.
ـ[المجيبل]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 10:46 م]ـ
في الحديث الآتي أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال بسؤال:
أتى رجل سأل النبي صلى الله عليه وآله سلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (وماذا أعددت لها). قال الرجل: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وآله سلم، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت مع من أحببت).(/)
أرجو المساعدة
ـ[طالبة لغة2]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 01:12 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف الحال للجميع؟ أتمنى تكونوا بخير
لدي شرح بلاغة أول ثانوي درس التشبيهات المعيبة
والأمثلة قليلة، أريد زيادة مثالين عليها.
وتمهيد للدرس من أجل أن تستنتج الطالبات العنوان
علما بأن الدرس لدي غدا.
ولكم مني جزيل الشكر
ـ[السراج]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 08:18 م]ـ
طالبة: مرحباً بكِ في الفصيح.
لو تذكرين الأمثلة الموجودة لديك حتى لا نذكرها. فما أعرفه ثلاثة من هذه التشبيهات.
وهي:
1 - أنت كالكلب في حفاظك للود ... وكالتيس في قراع الخطوب
2 - غيري جنى وأنا المعذب فيكم ... فكأنني سبابة المتندم
3 - لو رأتني أخت جيراننا ... إذ أنا في الدار كأني حمار
ـ[طالبة لغة2]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 09:25 م]ـ
جميع ماذكرته أنت
مع هذا المثال .. كانت بنو غالب لأمتها ... كالغيث في كل ساعه يكِفُ
وأريد اعراب ((بنو غالب))
ولك جزيل الشكر
ـ[أنوار]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 09:28 م]ـ
ومنه قول الفرزدق:
يمشون في حَلََقِ الحديد عليهمُ ...... جُرْبُ الجِمالِ بها الكحيل المُشْعَلُ.
شبه الرجال في دروع الزرد بالجمال الجرب، وهو تشبيه معيب؛ لأنه إن أراد السواد فلا مقاربة بينهما في اللون؛ وذلك أن لون حديد الدروع أبيض، وإن أراد غير ذلك فهو غير واضح، مع ما فيه من سخف.
بغية الإيضاح للصعيدي
ـ[السراج]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 09:34 م]ـ
جميع ماذكرته أنت
مع هذا المثال .. كانت بنو غالب لأمتها ... كالغيث في كل ساعه يكِفُ
وأريد اعراب ((بنو غالب))
ولك جزيل الشكر
اسم كان ..
لأن مثل هذه التشبيهات نادرة.
سأبحث لكِ ..
ـ[أنوار]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 09:48 م]ـ
وقد عاب خصوم المتنبي عليه قوله:
بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها .... وقوف شحيح ضاع في التراب خاتمه
ـ[أنوار]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 09:51 م]ـ
أورد الدكتور بسيوني فيود الكثير من الأمثلة من هذا النوع في كتابه " علم البيان دراسة تحليلية لمسائل البيان ".
ـ[طالبة لغة2]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 10:10 م]ـ
شاااكره لكم جميعا
واثابكم الله(/)
اختلاف النهاروالليل ينسي اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
ـ[أحمد العاشر]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 03:04 م]ـ
السلام عليكم
اختلاف النهاروالليل ينسي اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
ما علاقة "اذكرا لي الصبا بما قبلها"؟
في الكتب وفي من شرحها على الشبكة يكتبون أنها تعليل لما قبلها
ولا أدري لماذا ..
ـ[أحمد العاشر]ــــــــ[24 - 12 - 2010, 09:31 م]ـ
للرفع
ـ[تراتيل روح]ــــــــ[24 - 12 - 2010, 10:05 م]ـ
وعليكم السلام
أعتقد -والله أعلم -أنه بما أن حوادث الليل والنهار تنسي
فهو نسي أيام اللهو والأنس لما ناله من حوادث الزمان
ويطلب من خليليه أن يذكراه أيام صباه وأنسه.
ـ[أحمد العاشر]ــــــــ[25 - 12 - 2010, 10:03 ص]ـ
هذا هو المعنى، ولكن مع ذلك أجد الكتب تكتب أن الشطر الثاني تعليل للأول رغم أن هذا المعنى يقتضي أن يكون الثاني نتيجة للأول ,أليس كذلك؟
ـ[عبق الياسمين]ــــــــ[26 - 12 - 2010, 06:15 م]ـ
فعلا .. عجز البيت هو نتيجة لصدره و ليس تعليلا لما ورد فيه
أرى أنها جملة استئنافية ..
هذا اجتهادي، أرجو أن تحظى بإجابة كافية شافية من أهل النحو أنفسهم(/)
ما معنى العام لايأتي إلا صيفا أو شتاء؟
ـ[الرجل الآخر]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 09:40 م]ـ
عام وسنة كلمتان متشابهتان لكن معانيها تختلف
وأنا لا اريد معنها في القرآن الكريم
فهو واضح العام النعيم والرخاء
والسنة الشدة والغلظة
السنة في اللغة | من اليوم الذي عددته الى مثله اي نقول من 7 شوال الى 7 شوال من السنة القادمة
اي انه يتحدد بالايام وهي 360 يوما
العام هو من ياتي صيفا وشتاء يقولون عام الفيل ولايقولون سنةالفيل
مامعنى هذه العبارة صيفا أو شتاءمن لديه علم لايبخل علينا(/)
تحية إجلال وتقدير ...
ـ[غادة العبير]ــــــــ[19 - 12 - 2010, 08:24 م]ـ
أسعد الله أوقات الجميع ...
كم أنا سعيدة بالانضمام إلى هذا الركب!!! وأدعو دائماً بكل الخير لمن أرشدني إليه.
فما زلت متنقلة بين ينابيعه أنهل من معينها العذب الزلال حتى أناخت مطاياي بباب (حفدة الجرجاني) وآمل منهم إثرائي بكل جديد ومفيد من مقدمات وعروض وأوراق عمل تذلل صعوبة بلاغة الصف الثالث ثانوي,,,,
تقبلوا شكري وصادق دعائي.
ـ[السراج]ــــــــ[21 - 12 - 2010, 11:36 ص]ـ
مرحباً بكِ غادة بين إخوانكِ وأخواتكِ في هذا المنتدى النادر.
نسألُ الله لكِ العمل المثمر في الرقي بلغتنا التي تعتبر البلاغة من أرقى مداركها.
وكلُّ أمر يسهلُ بحضور حُكماء اللغة مضافين إلى رقّة الأساليب وأرقاها في التأملِ والتذوّق الناتجِ عن قراءة متأنية ودقيقة.
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[21 - 12 - 2010, 12:27 م]ـ
حياك الله أختي الكريمة بين إخوتك وأخواتك.
ـ[غادة العبير]ــــــــ[21 - 12 - 2010, 10:40 م]ـ
حياك الله أختي الكريمة بين إخوتك وأخواتك.
شكراً أخي الفاضل ...
ـ[غادة العبير]ــــــــ[21 - 12 - 2010, 10:42 م]ـ
مرحباً بكِ غادة بين إخوانكِ وأخواتكِ في هذا المنتدى النادر.
نسألُ الله لكِ العمل المثمر في الرقي بلغتنا التي تعتبر البلاغة من أرقى مداركها.
وكلُّ أمر يسهلُ بحضور حُكماء اللغة مضافين إلى رقّة الأساليب وأرقاها في التأملِ والتذوّق الناتجِ عن قراءة متأنية ودقيقة.
جزاك الله خيراً واستجاب دعاءك ..(/)
من حديث: "المسلم من سلم المسلمون .......... "
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 12 - 2010, 04:20 ص]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه":
فالمسلم الذي سلم له دينه برسم الكمال الواجب: من سلم المسلمون، فالجناس الاشتقاقي يزيد المعنى تقريرا في الذهن، فهو دائر حول معنى السلامة، فيسلم المسلمون من أذاه بالقول والفعل، والسياق جار مجرى الحد الشارح لحقيقة الإسلام، فـ: "أل" في "المسلم": جنسية لبيان الماهية، فماهية المسلم هي: من سلم المسلمون ...... إلخ، والمعرَّف المطلق مما يرد عليه القيد لقرينة العقل، فهي قرينة خارجية، إذ ليس حد الإسلام بالنظر إلى أصله: سلامة المسلمين من أذى اللسان واليد، فتلك شعبة من شعب الإيمان الذي يرادف الإسلام حال الافتراق، فهو من أعمال الإسلام الذي لا يكمل إلا بها، وإن صح بدونها، بالنظر إلى أصله الأول الذي يحصل بحصول مطلق الإيمان، فيصح عقد القلب العلمي ويقوم به من عمل الباطن ما لا يتصور حصول النجاة إلا به، ويقوم باللسان عقد الإيمان اللفظي، ويقوم بالجوارح جنس العمل التكليفي، وإن وقع فيه النقص، فلا ينفك الإسلام، وإن كان صاحبه متوعدا، لا ينفك عن تصديق الجوارح بأعمالها للقلوب بأحوالها، فـ: "الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" فذلك تعريف ثان جاء أيضا على وزان الحد الشارح، فسأل جبريل عن ماهية الإسلام، فجاء الجواب: "أن تشهد أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، وبقدر تصديق الجارحة يكون كمال الإسلام، فيزيد وينقص من هذا الوجه، وإن لم يتصور ذلك بالنظر إلى أصله الذي يثبت به عقد الإسلام فمبنى الشهادة التي يصير الإنسان بنطقها مسلما معصوم الدم والمال، لا تفاوت في نطقه، وإن وقع التفاوت في أصله الباطن وأثره الظاهر على اللسان والجوارح، فيتفاوت الناس في أعمال الإسلام، كمالا ونقصانا، تفاوتا لا يحصيه إلا الله، جل وعلا، ومنها أعمال الفعل، كما في حديث أركان الإسلام، وأعمال الكف كما في هذا الحديث، فللإسلام أصل بينه حديث جبريل عليه السلام، فعرف الإسلام بأركانه، فذلك من قبيل حد الشيء بأجزائه الرئيسة التي لا قوام له إلا بها، فهي مبانيه الرئيسة، وللإسلام فروع بينتها نصوص أخرى، فجاء لحديث جبريل ألفاظ زيد فيها بعض الفروع، فـ: "تغتسلَ مِنَ الجَنابةِ، وأنْ تُتمَّ الوُضوء"، كما في زيادة عند ابن حبان رحمه الله أشار إليها ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم"، فالغسل من الجنابة من فروع الديانة، وإن كان واجبا لا تستباح الصلاة إلا به، فتتفاوت منزلته بتفاوت الأنظار، فمن نظر إلى أصل الدين أخرجه، ومن نظر إلى كمال الديانة الواجب الذي لا يخرج المكلف عن حد الوعيد إلا به، فهو داخل فيها، بل هو، كما تقدم، شرط رئيس في استباحة أعظم الأركان العملية، فالنصوص إذا جمعت أبانت عن ثلاث مراتب كما أشار إلى ذلك ابن رجب رحمه الله:
فأولها: الإسلام حكما وذلك يتحقق بالنطق بالشهادة فيحكم لقائلها بالإسلام.
وثانيها: الإسلام حقا وذلك يتحقق باستيفاء الأركان العملية التي وردت في حديث جبريل عليه السلام، فيكون صاحبها مسلما معه مطلق الإيمان العلمي، وظاهر الإسلام التكليفي، فقد خرج عن حد الوعيد بالعذاب المؤبد، ما لم يأت بناقض قلبي أو قولي أو عملي من نواقض الإسلام، فثبت له عقد إسلام صحيح يخرج به عن حد الكفر والنفاق، ولم يثبت له مع ذلك عقد إسلام منج من مطلق الوعيد فقد يلحقه الوعيد بالعذاب المؤقت إن أخل بعمل من أعمال الإسلام الواجبة: فعلا أو تركا، كما في هذا الحديث، فإنه يدل على فعل من أفعال التروك، فالمسلم الذي كمل إسلامه فخرج بذلك عن حد الوعيد هو من ترك أذى الناس بلسانه أو يده فسلموا من شره، فذلك من جنس نفي الإيمان في نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه"، فذلك، أيضا، من نفي الكمال الواجب لا الأصل الثابت، فمن لم يترك أذى جاره فإيمانه ناقص، وإن لم ينتف ما لم يأت بناقض من نواقضه، على غرار ما تقدم من انتفاء
(يُتْبَعُ)
(/)
الإسلام بالإتيان بناقض من نواقضه، فالباب واحد، إذ قد افترق الوصفان، فدل كل منهما على نفسه: مطابقة، وعلى الآخر: تضمنا، فيتضمن الإيمان: أعمال الإسلام الظاهرة إذا أفرد بالذكر، فيصير ترك إيذاء الجار مئنة من كماله الواجب، وإن كان ذلك من عمل الظاهر، والإيمان ينصرف ابتداء إلى عقد الإيمان وعمل القلب الباطن، ويتضمن الإسلام: أعمال الإيمان الباطنة إذا أفرد بالذكر، فيصير التوكل مئنة من صحته، فلا يتصور إيمان أو إسلام بلا توكل على الرب، جل وعلا، وإن تفاوتت مراتبه، فلا بد من قدر يقر في القلب، يحصل بقراره معنى الإيمان أو الإسلام وإن لم يحصل كماله، فيصير التوكل من الإسلام، وإن كان ذلك من عمل الباطن الذي لم يحد به الإسلام في حديث جبريل عليه السلام، والإسلام ينصرف بداهة إلى عمل الظاهر المسبوق بأصل الإيمان تصورا وتصديقا، فحصل التداخل بين معاني: مطلق الإيمان الذي لا تصح ديانة إلا به، فهو أصل الإسلام الذي يحصل بانضمام جنس العمل إليه، وإن لم يستوفه صاحبه، فيصير مسلما متوعدا بالعذاب المؤقت لتفريطه في عمل واجب، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وهو أصل الإيمان الذي ينضم إليه جنس القول والعمل فيصير صاحبه مسلما، كما تقدم، فإن قصر في واجب، صار مسلما متوعدا، أو مؤمنا ناقص الإيمان، أو مسلما ناقص الإسلام فيتصور طروء وصف النقصان على الإسلام من هذا الوجه، فهو يرادف الإيمان حال الافتراق، كما تقدم، ومعناه يقبل الانقسام في الذهن فمنه:
أصل لا يصح بل لا يوجد إلا بوجوده، فلا يتصور إيمان بلا تصديق باطن هو أصل الإيمان وأصل الإسلام الذي يلتحق به حال الترادف، بل لا يتصور الإسلام وإن اقترن بالإيمان في الذكر، فاختصاص الإسلام بعمل الظاهر حال اقترانه بالإيمان لا يجوز حصول إسلام مرضي بلا تصديق باطن، فالتصديق الباطن أصل لكليهما، وبذلك حصل التمايز بين المسلم والمنافق، فكلاهما يأت بالظاهر شهادة وعملا، ولكن المسلم يمتاز بمواطئة الظاهر للباطن فيصدق ظاهره العملي باطنه العلمي، وأما المنافق فيكذب باطنه العلمي فهو مكذب جاحد، يكذب باطنه ظاهره العملي الذي يستر به حاله الردية فتجري عليه أحكام الشريعة عصمة للدم والمال وحسابه على ربه، جل وعلا، إلا إن أظهر من أمارات النفاق الباطن ما تثبت به زندقته فيحل دمه وماله لمن له استيفاء الحدود من أصحاب الولايات العامة، إن كان ثم في القلوب غيرة على الدين وأهله!.
فمنه الأصل، ومنه الحقيقة التي تتفاوت كمالا ونقصانا بتفاوت شعبها ومبانيها، فيتفاوت الإسلام بتفاوت مبانيه بل قد وقع الخلاف، كما تقدم مرارا، في كفر تارك مبنى الصلاة، ولو كان مصدقا متكاسلا، فلم يتركها تكذيبا وجحودا، ويتفاوت الإيمان بتفاوت شعبه، فـ: "الإيمانُ بِضعٌ وسَبعونَ، أو بضعٌ وستُّون شُعبة، فأفضلُها: قولُ لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمان"، فحد الإيمان بعد أجزائه، فذلك نوع من الحدود الشارحة، ثم ذكر أعلاه وأدناه، فأبان عن حقيقته بذكر بعض أفراده في معرض التمثيل لا الحصر، فبها حصل البيان لحديه: الأعلى والأدنى، فذلك جار مجرى التعريف بالمثال، فحصل التصور لعموم معنى الإيمان بذكر خصوص حديه: الأعلى والأدنى. وأما في حديث جبريل عليه السلام فقد حصل الحد بالأركان الرئيسة، فذلك نوع ثالث من الحدود الشارحة ولكل وجه، وللإسلام منها حظ فتتنوع حدوده، أيضا، كما يأتي بيانه إن شاء الله.
ومنه الكمال الواجب، فـ: "المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم" فحصل أيضا بالجناس الاشتقاقي مزيد بيان لمعنى الإيمان الجامع، فذلك من جنس تعريف المسلم في هذا الحديث: "المسلم: من سلم المسلمون ........ "، فنظر إلى معنى الأمن الذي يطمئن به القلب، فذلك أمن المؤمن في نفسه، ومن ثم يُؤْمن شره فذلك أمنه في غيره، وخصت الدماء والأموال بالذكر لعظم تعلق النفس بها وإن لم يخص المعنى العام بها فيأمنه الناس على الدماء والأموال والأعراض ....... إلخ.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومنه الكمال المستحب: فـ: "أي الإسلام خير، قال: أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"، فذلك من جنس تعريف الإسلام ببعض شعبه، فإطعام الطعام وإفشاء السلام في جملته: مستحب يزيد الإيمان والإسلام فيترقى صاحبه في معاريج الكمال، وإن لم يتوعد بتركه، وهو مع ذلك، مذموم في أحكام الدنيا بهجره، فمن خوارم المروءة ما يكون مباحا لا يلام صاحبه شرعا وإن توجه إليه اللوم عرفا، فيقبح إمساك المال فلا يبذل في الإطعام برسم الإحسان إلى المسلمين وصلة إخوة الدين، ويقبح إمساك السلام فلا يبذل برسم تأليف القلوب.
فيقبل الانقسام في الذهن، كما تقدم، ويقبل التعدد في الخارج فمنه إيمان زيد وإيمان عمرو، أو ما يرادفه من إسلام زيد وإسلام عمرو ...... إلخ، فتتفاوت حقيقته في الخارج بتعدد الأعيان، فلكل إيمان يخصه، فبقدر سيره على منهاج النبوات يكتمل المعنى العلمي في قلبه بتصديق خبر الوحي، ويكتمل المعنى العملي في لسانه وجوارحه بامتثال حكم الشرع، فلا يكتمل الإسلام والإيمان إلا بتلقي مادة العلم والعمل من مشكاة النبوات، فهي، كما تقدم مرارا، معدن صلاح الأديان والأبدان، ومعدن كمال العلوم والأعمال، فعلومها أنفع العلوم، وأعمالها أصح الأعمال، وكتابها الخاتم: أصح كتاب، فـ: (إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، فذلك خبر أول بالصفة المشبهة: "عزيز"، فهو عزيز بحججه الباهرة التي تدحض شبهات المخالفين، ففيه: (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، ففيه الهدى العلمي الخبري، والبينة العقلية الصريحة، فأدلته: خبرية صحيحة وعقلية صريحة، وحصل التوكيد للمعنى بجملة من المؤكدات اللفظية، المؤكد الناسخ واسمية الجملة واللام المزحلقة، ثم جاء الخبر الثاني برسم النفي، ففيه نوع بيان لوجه من وجوه العزة المتكاثرة، فاستعيرت صورة الإتيان المحسوس من الأمام ومن الخلف لصورة ورود الشبهات الداحضة، فهي بمنزلة العدو الذي يحتال لينال من عدوه، فيأتيه من الأمام ومن الخلف فلا يقدر على إتيانه لمنعة حصونه ويقظة جنوده، فحصون الرسالة منيعة وجندها من العلماء الربانيين لم تلن عزائمهم في كف أعداء النبوات عن القدح والتشكيك في الآيات البينات، والمضارعة مئنة من التجدد والاستمرار، إذ الله تعالى لم يخل زمانا من قائم لله بنصر دينه ودفاع من يكيده عنه كما ذكر ذلك الهروي، رحمه الله، في "ذم الكلام وأهله"، فضلا عن تكرار أداة النفي فذلك من التوكيد بالإطناب تكرارا للمبنى فبه يتوسل إلى تقرير المعنى، فلا يأتيه جنس الباطل وأنواعه، فـ: "أل" جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فلا يأتي الباطل أخباره فإسناده متصل إلى السماء، وبرسم العصمة قد نزل، وبحفظه الرب جل وعلا قد وعد، فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، ولا يأتي الباطل أحكامه فهي أعدل الأحكام بشهادة من تجرد فنظر بعين الإنصاف فلا شريعة من السماء نزلت أو في الأرض حدثت تدانيه، وعلى خيرة الخلق صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد نزل، فبه ختم الوحي، فـ: "الكتاب الذي أرسل به أشرف من الكتاب الذي بعث به غيره، والشريعة التي جاء بها أكمل من شريعة موسى وعيسى - عليهما السلام - وأمته أكمل في جميع الفضائل من أمة هذا وهذا. ولا يوجد في التوراة والإنجيل علم نافع وعمل صالح إلا وهو في القرآن مثله وأكمل منه , وفي القرآن من العلم النافع والعمل الصالح ما لا يوجد مثله في التوراة والإنجيل". اهـ من كلام ابن تيمية رحمه الله.
ومن رام التشكيك في آيه فقد جاء بصور متهافتة تدل على عجمة في اللسان وفساد في العقل، فلا يدرك معانيه إلا من تضلع من لسان العرب فاستقام لسانه وصح قياسه، فاللسان بمبانيه الملفوظة يفصح عما في النفس من معان معقولة، فلا يحصل بيان إلا بتصور المعنى وإدراك اللفظ الدال عليه، فالكلام المفيد: معنى يقوم بالنفس ولفظ يدل عليه مطابقة، وليس ذلك، كما تقدم، إلا لمن تضلع من لسان العرب.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم جاء الخبر الثالث: (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، ففيه التحلية بوصف الحق بعد التخلية من وصف الباطل، فحصل التعظيم بالتنكير، وحصل التعظيم بابتداء غايته من: حكيم فآي كتابه قد بلغت ذروة الإحكام لفظا ومعنى، حميد، فذلك وصف جماله الجامع، فيحمد على نعمة الوحي والنبوة، فقد جاءت بالآيات الدالة على معادن الخير علما وعملا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
والشاهد أن التعريف في الحديث قد جاء على جهة المبالغة، ففيه قصر إضافي بتعريف الجزأين إمعانا في تقرير المعنى، فـ: "المسلم" حقا، فذلك مئنة من كمال الإسلام الواجب، وجاء الاسم مجملا، فـ: "أل"، كما تقدم، جنسية لبيان الماهية، والجنس مظنة الشيوع ففيه نوع إجمال أبان عنه الخبر: "من سلم المسلمون ........... ": فحصل التشويق بإيراد المجمل ثم حصل البيان بإيراد الخبر: "من سلم المسلمون ............ " فجاء عاما، فالموصول من صور العموم القياسي، وحسن التعريف بالموصول تعليقا للحكم على المعنى الذي اشتقت منه الصلة، فالإسلام مئنة من السلامة، وقد يقال بأن في السياق نوع استعارة لو حملت السلامة كالصحة على المعنى المحسوس، فتستعار صحة الأجساد لصحة الأوصاف والأحوال، فالسلامة هنا تنصرف إلى السلامة المعنوية، وإن لم يخل السياق من دلالة على السلامة المادية فيسلم المسلمون من أذى لسانه قولا فذلك من الأذى المعقول، ومن أذى يده فعلا فذلك من الأذى المحسوس، وذلك أمر عزيز في الأزمان المتأخرة لا سيما في ممالك الجور التي يتوصل فيها الشرط والجند إلى الرعية بصور من الإيذاء في الدين والبدن بالقول والفعل، نرى منها صورا تدل على حاجة الناس في زماننا إلى تجديد علوم وأعمال النبوة الخاتمة ليرتفع هذا الشؤم العام، وقد خرج الكلام في السياق مخرج الغالب، فـ: المسلم: من سلم المسلمون، فلا يدل ذلك بمفهومه على جواز إيصال الأذى إلى الكفار بلا وجه حق، فلا يجوز إيذاء الكافر المعاهد أو المستأمن بخلاف من نقض عهده بالطعن في الدين، أو كان حربيا لا عهد له، وخرج مخرج الغالب، أيضا، في التذييل باللسان واليد، فلا يدل، ذلك، بداهة، على جواز إيصال الأذى إليهم بالعين غمزا أو الرجل ركلا ..... إلخ.
والعموم كسائر العمومات المخصوصة، فيخص بإيصال الأذى إليهم بوجه حق باستيفاء حد أو تعزير فلا تمدح عندئذ سلامتهم مما تعلق بهم من عقوبات، فالتسامح لا يكون في حقوق الله، جل وعلا، أو حقوق البشر التي لم يعف أصحابها، والتسامح، لا يكون، كما هي الحال في زماننا، بالتساهل في صيانة جناب الدين، بزجر المارقين من الكفار الأصليين والزنادقة والمرتدين والعلمانيين وسائر أعداء النبوات. فلا تسامح في زجرهم فتلك ذريعة إلى حفظ الضروري الأول من ضرورات الشريعة الخمس: ضرورة الدين فهو أعظم ما يصان ولو بذلت الدماء والأموال.
والشاهد أن حدود الإسلام قد تنوعت فمنها:
الحد بالأركان كما تقدم في حديث جبريل عليه السلام.
والحد بالأعمال كما في حديث: "أي الإسلام خير، قال: أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"، فذلك من تعريف العام بذكر بعض أفراده تنويها بها، فهي مئنة من رسوخ المعنى، فلن يبلغ المسلم درجة الكمال المستحب إلا بعد بلوغ درجة الكمال الواجب من باب أولى، فتكون قدمه قد رسخت في الديانة بالمواظبة على أداء الواجبات فيتطلع إلى الزيادة من النوافل، فلا تشبع نفسه، فـ: "منهومان لا يشبعان: منهوم في العلم لا يشبع منه، ومنهوم في الدنيا لا يشبع منها"، فطالب العلم إن كان مسددا فما طلبه إلا ليعمل فلا يشبع من العلم تحصيلا ولا يشبع من العمل تأويلا لما علم.
والحد بالقصر على جهة المبالغة تقريرا لوصف بعينه كما في حديث: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
والحد بالأثر: "فقل: آمنت بالله، ثم استقم" فأثره القولي: "آمنت بالله"، وأثره الفعلي: "استقم" وحسن إطلاقه فيعم كل صور الاستقامة الباطنة والظاهرة، القولية والعملية. وذلك من جوامع كله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أبان عن المسلك الرشيد في دين التوحيد بشطري القول والعمل، فالإيمان، كما تقدم، قول وعمل، فتصريح بالإيمان وتصديق بالاستقامة على صراط الشريعة.
والحد بالأثر المتعدي إلى غيره: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم لا يظلمه ولا يسلمه".
فأثبت الأخوة ثم ذكر لازمها من انتفاء ظلمه إو إسلامه إلى غيره، فذلك وجه بيان لمجمل الأخوة فحسن الفصل فلا عاطف للاتصال الوثيق بين الملزوم ولازمه المبين له.
ويقال أيضا في الشطر الثاني من الحديث:
"والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه":
فالحد قد جاء على وزان ما تقدم من القصر الإضافي إمعانا في تقرير المعنى، فضلا عن الجناس الاشتقاقي، والتعريف بالموصول مئنة من العموم، ودلالة الماضي على حصول المعنى ورسوخه، وعموم: "ما"، فهجر كل ما نهي عنه بالقوة، وإن لم يحصل له ذلك بالفعل، فلا ينفك بشر عن خطأ علمي أو عملي إلا من عصم الرب، جل وعلا، من صفوة الخلق فـ: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
وصيغة المفاعلة وإن لم يكن ثم شريك في الفعل مئنة من رسوخ المعنى، فصاحبه قد تكلف أسباب هجران المناهي.
فتلك هجرة متصلة بخلاف الهجرة الاصطلاحية الأولى التي انقطعت بالفتح، فـ: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية".
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[يحيى عيسى الشبيلي]ــــــــ[20 - 12 - 2010, 08:47 ص]ـ
موضوع متميز
ـ[الخلوفي]ــــــــ[20 - 12 - 2010, 10:04 م]ـ
موضوع مميز فبارك الله فيك(/)
(إن وإذا ولو) .. ساعدوني
ـ[سكر.]ــــــــ[20 - 12 - 2010, 11:13 م]ـ
السلام عليكم
لو سمحتم أريد حل هذا السؤال ..
إن وإذا ولو
ماهي استعمالاتها مع مثال من المديح النبوي
والفروق البلاغية والقاعدة البلاغية فيها ... ؟؟؟
وجزاكم الله خير
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 12 - 2010, 10:33 م]ـ
وعليكِ السلام والرحمة ..
من استعمالات (إن):
- شرطية، (إن ينتهوا يُغفر لهم).
- نافية، (إن الكافرون إلا في غرور).
- زائدة، ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه ..
ومن استعمالات (إذا):
- غالبا ما تكون ظرفا للمستقبل متضمنة معنى الشرط وتختص بالدخول على الجملة الفعلية، وقد تخرج عن الاستقبال وتأتي:
- للماضي، في مثل: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا)
- أو للحال، (والليل إذا يغشى).
ومن استعمالات (لو):
- شرطية، لو جاءني لأكرمته.
- الامتناع، (ولو سمعوا ما استجابوا لكم)، (ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها).
- حرفا مصدريا بمنزلة (أن) إلا أنها لا تنصب، وأكثر وقوعها بعد ودّ، يودُّ (ودّوا لو تدهن)، (يودّ أحدهم لو يعمر).
- للتمني، (فلو أن لنا كرة).
- للعرض، لو تقرأ الكتاب فتستفيد.
- مغني اللبيب، بتصرف واختصار.
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 12 - 2010, 10:59 م]ـ
الغرض البلاغي من التمني بـ (لو):
العدول عن (ليت)، والإشعار بعزّة المتمني حيث يبرز في صورة الممتنع؛ لأن لو حرف يدل على امتناع جواب الشرط لامتناع الشرط.
أما الغرض البلاغي من (إذا وأن):
- تشتركان في الدلالة على تعليق حصول الجزاء على حصول الشرط في المستقبل.
- ويمتاز كل منهما بما يلي:
* تمتاز (أن) بالدلالة على عدم حزم المتكلم بوقوع الشرط في الزمن المستقبل، ومنه قوله تعالى: (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم).
ولم تقع في كلام الله إلا على سبيل الحكاية، كقوله حكاية عن يوسف: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن).
أو التأويل، نحو (وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه).
وقد جاءت في التنزيل على نمط أساليبهم وعلى الطريقة التي يعبر بها المتكلم منهم حينما يكون غير جازم بوقوع الشرط.
* وتمتاز (إذا) باستعمالها لغة في كل ما يجزم المتكلم بوقوعه في الزمن المقبل، نحو قوله تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها).
قال صاحب الكشاف:
وللجهل بمواقع (إن وإذا) يزيغ كثير من الخاصة عن الصواب فيغلطون، ألا ترى إلى عبد الرحمن بن حسان كيف أخطأ بهما الموقع في قوله يخاطب بعض الولاة، وقد سأله حاجة فلم يقضها ثم شفع له فيها فقضاها:
ذممتَ ولم تحمد وأدركت حاجتي ....... تولى سواكم أجرها واصطناعها
أبى لك كسب الحمد رأي مقصر ....... ونفس أضاق الله بالخير باعها
إذا هي حثّته على الخير مرة ....... عصاها، وإن همّت بشرٍّ أطاعها
ولو عكس في استعمال الأداتين لأصاب الغرض.
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 12 - 2010, 11:26 م]ـ
تنويه:
قد تستعمل كل من الأداتين (إذا، وإن) موضع الأخرى، فتستعمل (إن) في الشرط المجزوم بثبوته لأغراض منها:
- التجاهل إذا اقتضاه المقام، كما يقول المعتذر: إن كنت فعلت هذا فعن غير قصد.
- تنزيل المخاطب منزلة الجاهل؛ لأنه لم يجر على مقتضى علمه.
- التوبيخ على الفعل، (أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين).
- تغليب غير من اتصف بالشرط على من اتصف به، (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله).
كما تستعمل أيضا في المستحيل المجزوم بنفيه على سبيل المساهلة وإرخاء العنان لإلزام الخصم وتبكيته، نحو: (قل إن كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين).
وتستعمل (إذا) في مواضع الشك لأغراض أهمها:
- الإشارة إلى أن مثل ذلك الشرط لا ينبغي أن يكون مشكوكا فيه.
- عدم شك المخاطب.
- تغليب الجازم على غير الجازم.
- تنزيل المخاطب منزلة الجازم الذي لاشك عنده.
.....................
- المفصل في علوم البلاغة.
- علوم البلاغة للمراغي.
ـ[سكر.]ــــــــ[25 - 12 - 2010, 08:54 م]ـ
اختي انوار
جزاك الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتك.
دمتي ودام نبض قلبك(/)
أسئلة بلاغة
ـ[تينا]ــــــــ[21 - 12 - 2010, 08:12 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله بركاته
اسعد الله مساءكم بكل خير
الله يعافيكم ابغى أسالكم عن بعض الاسئله بالبلاغة ثالث ثانوي
العمل الادبي لاينتهي بمجرد كتابه وانما ........ (في درس غاية النقد الادبي)
ما هي غاية الادب؟
العلاقه بين عمليه التفسير والتقويم؟
ماذا يكون كمال الشكل الادبي؟ (تقويم العمل الادبي)
التفسير الفني للادب ص64؟ ابغى اسئله عليه
التفسير الاجتماعي ص62؟ ابغى اسئله عليه
هل الحكم على الشاعر او الكاتب بالكذب حكم نقدي؟ ولماذا؟
كيف تردين على العقاد رأيه حول التفسير النفسي للادب؟
ماهو رأي الناقد الفرنسي تين حول التفسير النفسي للادب؟
ماهي نسبيه عمل الناقد؟ (في درس غايه النقد الادبي)
الله يعافيكم ابي الاجابات بكر علي اختبار
ـ[غادة العبير]ــــــــ[27 - 12 - 2010, 02:38 م]ـ
للأسف ما اطلعت على الموضوع إلا الآن عندي الإجابات!!
لكن يبدو أن الوقت قد فات.
إن شاء الله نفيدك في أمر آخز.
ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 12 - 2010, 04:00 م]ـ
أتذكر الأسئلة جيدا .. ولكن - للأسف - المناهج ليست بحوزتي.
وغالبا الإجابات لا تخرج عن نطاق الكتاب المدرسي.
ـ[عبق الياسمين]ــــــــ[27 - 12 - 2010, 04:21 م]ـ
للأسف ما اطلعت على الموضوع إلا الآن عندي الإجابات!!
لكن يبدو أن الوقت قد فات.
إن شاء الله نفيدك في أمر آخز.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أختي الطيبة غادة
هل من الممكن إدراج الأجوبة التي في حوزتك .. الأسئلة أراها هامة جدا و أود معرفة الإجابة عنها إن كان ممكنا طبعا
جزاك الله كل خير أختي(/)
والله لأدعي للي يجاوب ولا أتوقع تردوني
ـ[الثاقبة]ــــــــ[22 - 12 - 2010, 03:05 ص]ـ
لماذا تعددت الأراء حول جهود عبد القاهر ومامدى فائدتها؟.
هل التقى عبد القاهر بأرسطوأو غيره من الباحثين في الشكل والمضمون؟
وجزي خيرا كل من يدلي بدلوه مع ذكر المراجع شاكرة ومقدرة أول مشاركة لاتحطموني.: ((: (((/)
ما الصورة البلاغية في الحديث؟
ـ[زخات مطر]ــــــــ[22 - 12 - 2010, 10:46 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
ما الصورة البلاغية في هذا الحديث؟
قلت يا رسول الله، أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجرا لم يؤكل منه، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: (في التي لم يرتع منها). تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها.
هل هي للتمثيل أم ماذا؟؟
أفيدوني
أنا أرى فيها تمثيلا لكن عجزت في استخراج وجه الشبه؟
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 12 - 2010, 11:47 م]ـ
كما تفضلت أختي الكريمة التشبيه تمثيلي.
ووجه الشبه قد يكون للتفرّد والتملك والاستئثار.(/)
حوارٌ بلاغيّ ..
ـ[أنوار]ــــــــ[23 - 12 - 2010, 10:14 ص]ـ
ما مدى صحة العبارة التالية:
إن الزمخشري هو أول من ميّز بين مصطلحيّ " علم المعاني، وعلم البيان ".
وأول من قسّم البلاغة العربيّة إلى علمي معانٍ و بيان.
وذلك في معرض حديثه عن العلماء الذين يستطيعون تفسير القرآن إذ يقول:
" لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما " علم المعاني، وعلم البيان ".
؟؟
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 12 - 2010, 11:31 ص]ـ
أنوار .. أحرى بكِ أن تسمي الزاوية: مسائل بلاغيّة.
هذا أولا ..
وثانيا: العبارة السابقة غير صائبة وذلك أن قول الزمخشري السابق لم يكن واضحا ..
فقد كان يطلق على مباحث البلاغة جميعها " علم البيان ".
مثلا:
- الاستئناف المعروف في باب " الفصل والوصل " من أبواب "علم المعاني "، يجري عند الزمخشري تحت اسم " علم البيان "؛ وذلك عند تفسيره لقوله تعالى: " قِيل: ادخل الجنة " (يس 36)، يقول الزمخشري: ما مخرج هذا القول من علم البيان؟ ويجيب قائلا: مخرجه مخرج الاستئناف.
- وكذلك فعل في " الاختصاص " وهو من أبواب " علم المعاني " في معرض تفسيره لقوله تعالى: " قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق. (الإسراء 100)، وبعد أن يشرح الآية من الوجه الذي يقتضيه علم الإعراب، يقول: فأما ما يقتضيه "علم البيان " فهو أن " أنتم تملكون " فيه دلالة على الاختصاص، وأن الناس هم المختصون بالشح المتبالغ ".
- واللف والنشر يعد من "علم البديع " ويتحدث عنه الزمخشري باسم " علم البيان "في معرض تفسيره لآية الصيام:" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " (البقرة 185)، فيقول: " وإن هذا النوع من اللف لطيف المسلك، لا يكاد يهتدي لتبيُّنه إلا النقَّاب المحدِّث من علم البيان ".
ويقول البهاء السبكي عن الزمخشري: إنه كثيرا ما يقع كلامه في الكشاف تسمية علميّ " البيان والبديع " بعلم البيان، وقد يسمي علوم البلاغة الثلاثة بعلم البديع والشاهد على ذلك قوله في قوله تعالى: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " (البقرة 16)، إنه من الصنعة البديعية ".
والزمخشري وإن ذكر مصطلح "البديع " عند ذكر بعض ألوانه، كالجناس عند قوله تعالى: " وجئتك من سبأ بنبأ يقين " (النمل 22). فيقول: إن هذا من جنس البديع الذي سماه المحدثون " البديع "، وهو من محاسن الكلام التي تتعلق باللفظ.
كما ذكر مصطلح "علم البيان " عند ذكر بعض ألوانه عند تفسيره لقوله تعالى: " والأرض جميعا قبضته يوم القيامة " (الزمر 67).
وعلى الرغم من ذلك فقد خلط بينهما جميعا، فبحوث علم المعاني أطلق عليها علم البيان، كما في الاختصاص، والاستئناف المعروف في " الفصل والوصل ".
و"اللف والنشر " الذي يعد من " علم البديع " تحدث عنه باسم " البيان ".
والصورة البيانية الخالصة وصفها بالصنعة البديعية.
الخلاصة:
إن ذكر " علم البيان " و" علم المعاني " في كشاف الزمخشري، لا يعدو أن يكون مجرد تسمية أطلقها دون أن يفرق من الناحية العلمية والتطبيقية بين مباحث علم البيان وعلم المعاني.(/)
عاجل
ـ[باحثة فقط]ــــــــ[23 - 12 - 2010, 01:15 م]ـ
السلا م عليكم ورحمة الله وبركاته
اريد مساعدة عاجلة
في حديث صلاة الاستسقاء
حدثني أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعه قام أعرابي فقال يارسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا. قال فرفع رسول الله صلى الله عيه وسلم يديه وما في السماء قزعة قال فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته. قال فمطرنا يومنا ذلك وفي الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى. فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال يارسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال (اللهم حوالينا ولا علينا). قال فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة حتى سال الوادي وادي قناة شهرا. قال فلم يجيئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود
ما سبب تعبير الرسول بالفعل الماضي في قوله: هلك و جاع؟ وماسبب الوصل بين جملة هلك المال وجاع العيال؟ ثم لماذا فصل بين قوله وجاع العيال وبين قوله فادع؟
(قال فما جعل يشير إلا تفرجت) ماسبب التعبير بالفعل المضارع؟ ومانوع القصر في تلك الجمل؟ ومانوع القصر هل هو من قبيل قصر الصفه على موصوف أم العكس؟
عيني المقصور في الجمله والمقصور عليه؟
أحتاج إجابه عاجله
حتى لو عن أي سؤال فيهم
وجزاكم الله خيرا
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[24 - 12 - 2010, 02:46 ص]ـ
إدلي بدلوك أولاً ...(/)
شرح منظومة ابن الشحنة في البلاغة
ـ[هشام العثامني]ــــــــ[23 - 12 - 2010, 06:55 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله
هذا شرح لطيف على منظومة العلامة القاضي محب الدين ابن الشحنة الحنفي الحلبي رحمه الله تعالى في علوم البلاغة، يحل ألفاظها، ويذلل صعابها، ويكشف عن مخدرات حسنها.
للمتابعة:
من هنا ( http://alfakiho.blogspot.com/2010/12/blog-post_8449.html)(/)
طلب تمهيد لدرس الاستعارة التمثيلية
ـ[أرق فتاة]ــــــــ[23 - 12 - 2010, 11:23 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجوكم ساااااعوني
أريد تمهيد لدرس الإستعاره التمثيليه
للصف الثاني ثانوي
ضرووووري الله يجزاكم خير
ولكم دعوات صاااادقه في ظهر الغيب
ـ[السراج]ــــــــ[24 - 12 - 2010, 12:45 م]ـ
أقترح سوق حكايتين عن مثلين من أمثال العرب بشكل تفصيلي بحيث تجذبين بها أذهان الطلاب إلى أهمية المثل ودوره في حفظ الخبر.
ثم البداية ...
ـ[أرق فتاة]ــــــــ[24 - 12 - 2010, 01:30 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي السراج
ولكن أرجو التوضيح أكثر
ـ[السراج]ــــــــ[25 - 12 - 2010, 03:13 م]ـ
الاستعارة التمثيلية مرتبطة بشكل كبير بالمثل العربي.
لذا من الأفضل - في نظري - الربط بينهما من خلال التعلم القبلي (التمهيد) ويكون ذلك بذكر مثل وقصته مثل المثل: جنت على نفسها براقش ومتى نقوله ...
المهم بحيث يكون الغرض منه التشويق ودائما ما تكون القصص مشوقه للمستمع.
ـ[الياسين]ــــــــ[25 - 12 - 2010, 05:50 م]ـ
(رب رمية من غير رام) يقال لمن أصاب في رأي وهو غير أهل له.
ومن رعى غنما في أرض مسبعة*ونام عنها تولى رعيها الأسد.
لمن يهمل حقه حتى ينهبه الأشرار.
ـ[الياسين]ــــــــ[25 - 12 - 2010, 05:55 م]ـ
الاستعارة التمثيلية: هي استعارة مثل قيل بحادثة لحادثة مشابهة لظروف الحادثة الأولى، فيستعار لها ما ضرب مثلا حينها.
المستعار منه: رب رمية من غيررام المستعار له: ظروف تشبه سبب قول المثل المستعار لتشابه الظروف.
ـ[أرق فتاة]ــــــــ[26 - 12 - 2010, 03:13 م]ـ
السراج , الياسين
جزاكم الله خير الجزاء على توضيحكم الأكثر من رائع(/)
العلاقة البلاغية بين ذلة وانكسار في نص الصغيران
ـ[أحمد العاشر]ــــــــ[24 - 12 - 2010, 09:29 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الرافعي متحدثا عن الصغيرين
"يمشيان على حيد الطريق في ذلة وانكسار"
هل العلاقة بين الذلة والانكسار علاقة ترادف أم تكامل؟
وهل يشترط في الإطناب بالترادف أن تكون الكلمتان لهما نفس المعنى تماما؟؟
ـ[أحمد العاشر]ــــــــ[25 - 12 - 2010, 10:06 ص]ـ
...............(/)
من آيات المحبة
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 12 - 2010, 03:01 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ):
فقدم الخبر: "من الناس" على القول بأن الظرف هو الخبر، فيكون ذلك من قبيل تقديم المسند مئنة من التشويق، فالمذكور بعده عجيب، حتى صح الإخبار عن فاعله بأنه من الناس احترازا من أن يظن بأنه بتلك الأفعال العجيبة قد حرج عن حد الآدمية فلا يتصور صدور هذه الأفعال من إنسان، ولكنها قد صدرت بالفعل فهو من جملة الناس مع عظم الجرم وغرابة الفعل وذلك وجه أشار إليه صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، على تفصيل.
فـ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ:
والاتخاذ مئنة من التكلف ففعلهم هذا مناف للفطرة التوحيدية الأولى، فـ: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، وذلك يقتضي بداهة ألا يتخذ الإنسان ندا لله، جل وعلا، في العبودية عموما، وفي المحبة خصوصا، فذكرها تنويه بصفات جمال الرب، جل وعلا، فالنعم الشرعية والكونية من آثارها، وأعظمها، كما تقدم مرارا، نعمة النبوة، فإنها معدن السعادة في الأولى ومعدن النجاة في الآخرة، فبها صلاح الدين والدنيا، وهي، أي النبوة، من وجه آخر، الطريق الوحيد الموصلة إلى معرفة صفات الرب، جل وعلا، لا سيما صفات الجمال فآثارها ذريعة إلى إفراده، جل وعلا، بالمحبة، فـ: من عرف ربه أحبه ومن أبصر الدنيا زهد فيها والمؤمن لا يلهو حتى يغفل وإذا تفكر حزن، كما أثر عن الحسن، رحمه الله، فذلك من الشرط الذي يفيد العموم، فلا اختصاص لإنسان دون آخر به، وإن كان بعضهم قد فتح له ما لم يفتح لغيره فعرف من كمال ربه، جل وعلا، ما زادت به معرفته، فهو معنى تتفاوت رتب البشر فيه تفاوتا لا يحصيه إلا الرب، جل وعلا، فالأنبياء عليهم السلام وأتباعهم أعظم الناس منه حظا، وأعداؤهم من عباد الأوثان والصلبان والتماثيل بل وجنس الحيوان! أشد الناس منه فقرا، فبقدر الاقتراب من علوم النبوات تعظم المعرفة فيتولد الحب لزوما، فإن النفس تجنح ضرورة إلى محبة من كملت ذاته وصفاته، ولا أكمل من ذات الرب، جل وعلا، فله الأولية أزلا برسم الكمال، فهو الصمد الذي لا يفتقر إلى أحد، بل كل ما سواه إليه مفتقر، فهو صمد في ذاته لا يأكل ولا يشرب، فتفسير الصمدية بذلك من باب تفسير عموم الغنى بفرد من أفراده وهو الغنى عن السبب الخارج من مطعوم أو مشروب، فذلك إنما يفتقر إليه المخلوق الحادث فقد كان عدما فافتقر إلى الموجد، وذلك، أيضا، مما يولد في نفسه محبة موجده، جل وعلا، فهو الذي قدر وجوده في الغيب بعلمه، وبرأ نسمته في الشهادة بقدرته، وصوره على أكمل صورة وهيئة بحكمته، فـ: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ): فتوجه النداء بـ: "يا" فهي مئنة من عظم شأن المنادي، جل وعلا، وغفلة المنادى لقرينة السياق، فالاستفهام توبيخي لمن خدع بإمهال الرب جل وعلا فتجرأ على عصيانه والسياق المقالي والحالي يرجح حمل "أل" في "الإنسان" على العهد الذهني فتشير إلى معهود بعينه هو الكافر أو العاصي فالمقال: توبيخ، والحال: خطاب أهل مكة فالسورة مما نزل بها وقد كانت آنذاك دار كفر فحال أهلها الغالبة قبل الفتح: الشرك فما غرك بربك الكريم؟!، فالتذييل بوصف الكرم مئنة من لؤم المغرور بحلمه، جل وعلا، فـ:
إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيْمَ مَلَكْتَه ******* وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمرَّدَاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
فذلك توبيخ على التقصير في واجب الألوهية، فحسن التذييل بعلته من وصف الربوبية إمعانا في بيان قبح الجناية، فقد قصر الفاعل في حق من له الكمال المطلق ذاتا ووصفا وفعلا، فقد أحسن إليه بالخلق والتسوية والعدل، فخلقته متكاملة برسم التسوية وأعضاؤه متناسبة برسم العدل، فأطنب بذكر تلك الأوصاف على حد التعريف بالموصولية، فمعاني الصلة وما عطف عليها هي الوصف المؤثر في حكم وجوب إفراده، جل وعلا، بالألوهية، فخلق تقديرا وإيجادا، فذلك دليل الإيجاد والاختراع، وسوى فذلك دليل الحكمة والعناية بالنوع الإنساني، ثم جاء التنويه بالصورة الكاملة التي ركب فيها النوع الإنساني فذلك، أيضا، من دلائل العناية الربانية، فله، جل وعلا، كمال الربوبية، فكيف يشرك به في العقائد وكيف يعصى في الشرائع؟!، وكيف تتخذ له الأنداد في العبودية، غلوا في معبود أرضي أو سماوي، أو التشريع برد الأمر إلى غيره وتقديم حكم البشر على حكمه، فتلك من أعظم صور الندية وإن لم تكن ظاهرة كندية من اتخذ معبودا محسوسا برسم الغلو الظاهر في نبي أو إمام أو ولي صالح.
والشاهد أن تلك صفاتٌ باين الرب، جل وعلا، البشر، في حقائقها، وإن حصل الاشتراك في معانيها، فليس العلم كالعلم بداهة، وليست القدرة كالقدرة ..... إلخ، وجماع ذلك: النفي برسم التنزيه: فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فليس كمثله شيء في حقيقة ذاته القدسية وحقائق أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وإن حصل الاشتراك في معاني الذات والأسماء والصفات، وذلك مما يقطع أطماع المشبهة ويبطل حجة المعطلة، فتعالى ربنا أن يشبه أحدا من خلقه فضلا عن أن يحل فيه أو يتحد، فذلك من المحال العقلي الذي تنكره بدائه العقول وتمجه بدائه الفطر، فالكامل برسم الإطلاق قد تنزه عن لحوق وصف النقص بذاته أو وصفه، وذلك لازم حلوله أو اتحاده بغيره، فكل ما سواه مخلوق حادث، فلا ينفك ذلك عن امتزاج يلحق النقص بالكامل برسم الجفاء ويلحق الكمال بالناقص برسم الغلو، وذلك لازم كل مقالة نسبت إلى المخلوق، وصفا أو فعلا يختص بالرب، جل وعلا، فما وقع الغلو في العزير والمسيح عليهما السلام إلا من هذا الوجه فـ: (قَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ)، فالبنوة تقتضي المشابهة في حقيقة الذات، فالولد من جنس أبيه بداهة، فظنوا فيهم شيئا من حقيقة الإلهية، فغلوا فيهم برسم العبودية، فكفروا من هذا الوجه فذلك من الشرك بالتثليث، والكفر بتجويز وصف النقص البشري في حق الرب العلي، جل وعلا، بل قد جوزوا في حقه، تبارك وتعالى، جملة من المحالات يتنزه عنها آحاد القادرين من البشر من تسلط أخس الخلق عليه وإهانتهم له بالصفع والبصق واقتياده إلى خشبة الصلب ....... إلخ، فالقادر من البشر يأنف من ذلك بل عدوه يعجز عن إلحاق الأذى به عادة إلا بالمكر والتحيل فلا يناله كما نالت يهود المسيح عليه السلام، بزعم أصحاب هذه الفرية!، فإذا انتفى ذلك النقص الفاحش في حق آحاد القادرين من البشر فكيف بالمليك المقتدر جل وعلا، فانتفاؤه في حقه واجب من باب أولى بل هو من آكد الواجبات الشرعية والعقلية، وما وقع الغلو في غيرهم من رءوس الضلالة سواء أكان ذلك في الديانة أو السياسة، ما وقع إلا بالغلو في أولئك:
فنسب إلى الباباوات والقسس منصب النيابة عن المسيح عليه السلام، فهم ظل الله الشرعي في الأرض، إن صح التعبير!، فإليهم الحل والعقد برسم النسخ بل وربما الإبطال لجملة أحكام الناموس، فكل ينسخ ما لا يروق لعقله وذوقه، ويحكم ما يروق له، حتى صارت الشريعة منسوخة تفتقر إلى جملة عظيمة من الأحكام، وتفرقت بأصحابها الأهواء، فلا تكاد تحكي لهم شريعة مطردة ولو في شعيرة متواترة، فقد طال النسخ الأصل الأول لكل نبوة: أصل التوحيد الذي أجمعت عليه النبوات، فكيف بما بعده من الأصول والفروع؟!، فلحوق النسخ بها أهون من باب أولى، فـ:
من يهن يسهل الهوان عليه ******* ما لجرح بميت إيلام
(يُتْبَعُ)
(/)
فمن هان عليه التوحيد فزهد فيه، هان عليه ما بعده من الشرائع والأحكام فلم يجد لذلك ألما، فقد مات الضمير بخروج روح الإيمان من القلب، فهي الروح المحيي للأديان إحياء الروح اللطيف للأبدان.
ومع ذلك الاختلاف: لا أصل صحيح السند والمتن يرجع إليه عند وقوع النزاع، فالنبوات الصحيحة هي الحكم الفصل فيما يقع بين العقول من نزاع في الإلهيات أو الشرعيات، فـ: (مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)، فذلك عموم محفوظ، فما اختلفتم فيه من أي حكم من أحكام الديانة علميا كان أو عمليا فحكمه إلى الرب، جل وعلا، فيرد الأمر إلى وحيه الشارع: كتابا وسنة، فحكم رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حكمه، فـ: "ألا وإن ما حرم رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم مثل ما حرم اللَّه".
ونسب من نسب من رءوس الضلالة الدينية إلى نيابة عن معصوم وإن كان غير موجود فصار لنائبه من السلطان على الأرواح والأبدان ما شابه به أحبار ورهبان أهل الكتاب الذين طغوا في القول وبغوا في العمل، فاتخذوا أربابا من دون الله، عز وجل، بطاعتهم برسم الإطلاق، وذلك لا يكون إلا لصاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لمكان العصمة والتبليغ عن رب العالمين تبارك وتعالى، فـ: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ).
فالطاعة المطلقة، عند التدبر والنظر، لا تكون إلا لله، عز وجل، أصلا، ولرسله، عليهم السلام، تبعا، فإنهم ما عظموا وقدموا إلا برسم النبوة، فنظر العقلاء في دلائل نبواتهم فعلموا يقينا جازما صدق دعواهم فسلموا لهم زمام الأديان كما يسلم المرضى للأطباء زمام الأبدان، بل تسليم الأولين أعظم، فإن علم النبي علم يقيني جازم، وعلم الطبيب ظن راجح فقد يخطئ في تعيين العلة ووصف الدواء فيضر المريض حيث أراد نفعه، وأما النبي فعلمه بالداء: علم يقين، وداوءه شفاء العليل.
ونسب من نسب من شيوخ الضلالة إلى طرق حادثة برسم الخلافة!، فيرث كل شيخ تركة من سبقه من الأتباع والأموال!، وتلك حال رءوس الضلالة فإنهم لا بقاء لهم إلا بجاه السلطان الجائر على قلوب وأبدان أتباعهم، فيتسلطون على عقولهم برسم التسليم، ويتسلطون على أموالهم برسم القرابين والنذور.
ونسب من نسب من ساسة الجور إلى درجات من الإلهام تكاد تصيرهم أنبياء، فهم الساسة الملهمون الذين لا يخطئون ولا ينخدعون ولا يجهلون شيئا من أمر الكون!، وهم، كما ذاع في بعض النظريات السياسة، ظل الله السياسي في الأرض، إن صح التعبير!، فذلك مقابل ظله الديني الذي تقدم ذكره، فلهم الحق الإلهي في الملك فليسوا من جنس البشر، وإن كانوا مثلهم يأكلون ويشربون ويحدثون!، فجنس الغلو في الديانة أو السياسة واحد، وإن كان ظهوره أقوى وسلطانه أتم في أمور الديانة، لشرف متعلقها فبها تحصل النجاة الأبدية في دار الجزاء السرمدية، ولو في ظن صاحبها فقد تكون مقالة باطلة يهلك بها من هلك من أتباع الملل الباطلة والنحل الحادثة.
ونسب من نسب من طواغيت الدساتير والشرائع الأرضية إلى درجات من العلم والحكمة صيرتهم آلهة يضعون للبشر الشرائع الحادثة ولو كانت على ضد شرائع النبوات الكاملة، وليس لبشر من العلم ما يدرك به المآلات ولو قريبة، وليس لهم من الحكمة ما يدركون به وجه المصلحة تحقيقا بل غاية علومهم الظن، فالعدول عن اليقين الجازم إلى الظن الراجح لا يستقيم على أصول العقل الصريح والاستدلال الصريح، فكيف بالعدول عن اليقين إلى الظن الخارص؟!.
فـ: من عرف ربه أحبه، كما تقدم من كلام الحسن، رحمه الله، فعرفه بكمال ذاته ووصفه وفعله، فصفات غيره مضمحلة بالنسبة إلى صفاته، جل وعلا، كما ذكر ذلك صاحب "مختصر منهاج القاصدين" رحمه الله، ومثل له بالعلم والقدرة، فالاشتراك في الاسم وأصل المعنى في الذهن: ثابت فيوصف الإنسان بالعلم والقدرة، ولكنها لا تضاهي في حقيقتها حقيقة علم وقدرة الرب، جل وعلا، وذلك، كما تقدم مرارا، أصل في الإثبات في باب الإلهيات.
يقول صاحب "مختصر منهاج القاصدين":
(يُتْبَعُ)
(/)
"أما العلم، فإن علم الأولين والآخرين من علم الله تعالى الذي يحيط بالكل، حتى لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض. وقد خاطب الخلق كلهم فقال: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85].
ولو اجتمع أهل السماوات والأرض، على أن يحيطوا بعلمه وحكمته فى تفصيل خلق نملة، لم يطلعوا على عشر عشر ذلك، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، والقدر اليسير الذي علمه الخلق كلهم، بتعليمه، علموه. ففضل علم الله سبحانه على علم الخلائق كلهم خارج عن النهاية، إذ معلوماته لا نهاية لها.
وأما صفة القدرة، فهي أيضاً صفة كمال، فإذا نسبت قدرة الخلق كلهم إلى قدرة الله تعالى، وجدت أعظم الأشخاص قوة، وأوسعهم ملكاً، وأقواهم بطشاً، وأجمعهم للقدرة على سياسة نفسه وسياسة غيره، غاية قدرته أن يقدر على بعض صفات نفسه، وعلى بعض امتحان الإنس في بعض الأمور، وهو مع ذلك لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا يملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً، بل لا يقدر على حفظ عينه من العمى، ولا على حفظ لسانه من الخرس، ولا آذانه من الصمم، ولا بدنه من المرض، ولا يقدر على ذرة من ذرات المخلوقات. وما هو قادر عليه من نفسه وغيره، فليست قدرته من نفسه، بل الله خالقه وخالق قدرته وخالق أسبابه والممكن له من ذلك. ولو سلط بعوضة على أعظم ملك وأقوى شخص لأهلكته، فليس للعبد قدرة إلا بتمكين مولاه". اهـ
"مختصر منهاج القاصدين"، ص285.
وعرفه بإحسانه فقد أحسن إليه بالإيجاد وأحسن إليه بالإمداد بالنعم الشرعية والكونية فـ: (إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا): فالإضافة مئنة من العموم فيشمل أفرادا لا حصر لها في الخارج وإضافته إلى اسم الله عز وجل آكد في تقرير المعنى، فهي نعم كثيرة لا يحصيها عاد، عظيمة يعجز البشر مهما اجتهدوا عن شكرانها، فـ: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".
بل من عرف كمال وصفه وإحسانه أحبه وإن لم يصل له شيء من آثاره فكيف وهو ينعم بآثار إحسانه ليل نهار؟!.
يقول صاحب "مختصر منهاج القاصدين" رحمه الله:
"إن المحسن في نفسه وإن لم يصل إليك إحسانه محبوب فى الطباع، فإنه إذا بلغك عن ملك من الملوك أنه عالم عادل عابد رفيق بالناس، متلطف بهم وهو في قطر بعيد، فإنك تحبه، وتجد فى نفسك ميلاً كثيراً إليه. فهذا حب المحسن من حيث إنه محسن، فضلا عن أن يكون محسناً إليك. وهذا ما يقتضي حب الله تعالى، بل يقتضي أن لا يحب غيره، إلا بحيث أن يتعلق منه بسبب، فإنه سبحانه هو المحسن إلى الكل كافة، بإيجادهم وتكميلهم بالأعضاء والأسباب التي هي من ضروراتهم وترفيههم، إلى غير ذلك من النعم التي لا تحصى، كما قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [إبراهيم: 34 والنحل: 18]. فكيف يكون غيره محسناً؟ وذلك المحسن حسنة من حسنات قدرته، فمن عرف هذا لم يحب إلا الله تعالى". اهـ
"مختصر منهاج القاصدين"، ص284.
فيحبونهم كحب الله: فـ: "كحب الله": وصف لموصوف محذوف هو مصدر العامل على تقدير: يحبونهم حبا كحب الله، فيكون ذلك من بيان النوع بالمصدر، على وزان قولك: سار زيد سيرا حسنا، فـ: "سيرا": مصدر موطئ لما بعده فلا يراد لذاته، وإنما يراد لوصفه، فكذلك الشأن في الآية، فالمصدر المقدر: موطئ لوصفه: "كحب الله" فحسن من هذا الوجه، والله أعلم، حذفه، فليس مرادا، وإنما المراد وصفه المبين لنوع محبتهم، وقد يقال بأن ذلك من قبيل التشبيه المرسل المجمل فوجه الشبه مجمل فيحتمل:
أنهم يحبونهم كالحب الواجب لله عز وجل، وقد أظهر الاسم الكريم في: "كَحُبِّ اللَّهِ"، فتقدير الكلام: يحبونهم كحبه، مئنة من عظم الواجب من حبه، جل وعلا، فعظم الفعل من عظم متعلقاته، ومئنة من عظم جرمهم فليست التسوية الجائرة: بين حب مخلوق وآخر، بل هي بين أعظم متباينين: حب الله جل وعلا، وحب أندادهم، فالإنكار هنا جار على أصول القياس الصحيح فتوجه إلى من سوى بين متباينين، فذلك في البطلان قسيم من فرق بين المتماثلين، ولو سوى بين متباينين في هذه الحياة فأحب فلانا من الفجار كحبه فلانا من الأبرار لتوجه الإنكار إليه، فكيف
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد سوى بين محبة الخالق جل وعلا الأول الكامل، ومحبة المخلوق الحادث الناقص.
أو: أنهم يحبون أندادهم كما يحبون الله فالذين آمنوا أشد حبا لله من حبهم له تبارك وتعالى، فالشركة مظنة النقص بتوارد الشركاء على محل واحد، فـ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
أو: أنهم يحبونهم كحب المؤمنين لله، والذين آمنوا أشد حبا لله، عز وجل، من حبهم لأندادهم، فلا يحبون الله، عز وجل، ابتداء، بل قد أشربت قلوبهم محبة غيره فلم يعد فيها محل لمحبته، فقد اغتذت نفوسهم بمحبة باطلة فزهدت في المحبة الواجبة، فلا يجتمع النقيضان في محل واحد، وإنما يرتفع أحدهما بثبوت الآخر.
وكلها، والله أعلم، معان صحيحة يصح حمل السياق عليها بل تواردها على السياق الواحد مما يثريه، وذلك جار على ما تقرر مرارا من بلاغة التنزيل الخاتم فكلماته وجيزة المبنى عظيمة المعنى تجمع معان كثيرة بدلالاتها: تصريحا بالمنطوق، ودلالاتها: تلميحا بالمفهوم: موافقة لحنا، أو فحوى، أو مخالفة، أو اقتضاء، أو إشارة ...... إلخ.
والندية كما في "اللسان" مئنة من الضدية، فـ: "الأَنْدَادُ جمع نِدَ بالكسر وهو مثل الشيء الذي يُضادُّه في أُموره و يُنادُّه أَي يخالفه ....... وقال أَبو الهيثم: يقال للرجل إِذا خالفك فأَردت وجهاً تذهب به ونازعك في ضِدِّه: فلان نِدِّي و نَدِيدي للذي يريد خلافَ الوجه الذي تريد وهو مستقِلٌّ من ذلك بمثل ما تستَقِلُّ به قال حسان: أَتَهْجُوهُ ولَسْتَ له بِنِدٌّ فَشَرُّكُما لِخَيْرِكُما الفِدَاءُ أَي لست له بمثل في شيء من معانيه". اهـ، فكل ند يضاد نده، فكذلك شأن تلك الأنداد فإنها تضاد الرب، جل وعلا، وتنازعه منصب الألوهية، برسم الطاغوتية إن رضوا، وبرسم: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)، إن أبوا، فيهلك من غلا في المسيح عليه السلام ولا يهلك المسيح عليه السلام بداهة!.
والندية من وجه آخر تدل على التماثل والتشابه معا، كما حكى في "اللسان" عن الأخفش رحمه الله: "قال الأَخفش: النِّدُّ الضِّدُّ والشِّبْهُ. وقوله: يجعلون أَنْداداً أَي أَضداداً وأَشباهاً. ويقال: نِدُّ فلان و نَدِيدُه و نَدِيدَتُه أَي مِثْلُه وشَبَهُه". اهـ، فليس لله، جل وعلا، شبيه في الحقيقة، وإن حصل التشابه في أصول معاني الذات والصفات، فذلك من الاشتراك المعنوي في الذهن فلا يلزم منه، كما تقدم مرارا، التشابه في الحقائق في الخارج، فليس لله، جل وعلا، شبيه في حقيقته الكاملة وليس له من باب أولى ضد أو مثل، فاستوفى لفظ "الندية" كلا المعنيين، وذلك مئنة من دقة ألفاظ التنزيل في الدلالة على المعاني، فذلك من قبيل دلالة لفظ "الريب" على: الشك وقدر زائد عليه هو الحركة والاضطراب، فدلالته، أيضا، مزدوجة.
والشاهد أن كل تلك الصور من صور الندية التي يشملها عموم "أندادا"، فهي من صور العموم القياسي لورودها منكرة في سياق شرط خبري، أريد به إنشاء الذم لهم فحسن إبهام أعيانهم لعظم جرمهم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من جنس قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ما بال أقوام".
فتأويل الخبر في معرض الوعيد فـ: (لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ): تأويله: احذروا اتخاذ الأنداد للرب، جل وعلا، فذلك ذريعة إلى استحقاق العذاب الشديد.
والمضارعة في: "يرى" مئنة من استحضار الصورة، وتعلقها في: "يرون" بالظرف "إذ" الذي يدل على الماضوية: مئنة من تحقق الوقوع، فذلك أمر واقع لا محالة وهو من وجه آخر أمر يثير العجب ويسترعي الانتباه فحسن إيراده مورد المضارعة فهي مئنة من الحالية، فكأنه أمر مشاهد تعظم العبرة بالنظر إليه عيانا، فاجتمع فيه النظر بالبصيرة تفكرا، والنظر بالباصرة تمعنا.
(يُتْبَعُ)
(/)
فـ: لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ: فحذف جواب "لو": مئنة من التهويل، كما حكى ذلك أبو السعود رحمه الله في وجه، فلو يروا لرأوا أمرا عظيما تعجز العقول عن حده.
فيرون أمرا عظيما يظهر به أن القوة لله جميعا: فـ: "أل" في القوة جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فتشمل كل معاني القوة الثابتة لله، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فليست من جنس قوى البشر بداهة، وإن حصل الاشتراك في المبنى وأصل المعنى، فذلك، كما تقدم مرارا، من الاشتراك المعنوي في الذهن فلا يمنع تصوره وقوع الشركة فيه، ولا يمنع إثباته تباين أفراده في الخارج فمعنى القوة في كلها ثابت، وحقيقتها تبع لحقائقها فليست قوة الرب، جل وعلا، كقوة الإنسان، فالوصف تبع لموصوفه في الكمال أو النقصان.
ثم جاء العطف: وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ: فحصل بالإظهار لاسم الرب، جل وعلا، في موضع الإضمار تربية للمهابة في النفوس، كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله، فالسياق سياق جلال، فتهاب النفوس من ذكر اسمه، جل وعلا، في معرض الوعيد بالعذاب الشديد لمن سوى به غيره فاتخذ له ندا ظاهرا أو باطنا، فعموم اللفظ، كما تقدم، يعم كل صور الندية.
والعطف من وجه آخر يفيد الاحتراس، كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله، فهو آكد في إثبات الوعيد، فقد تثبت القوة ويكون العفو، وذلك ممتنع في حق المشرك، فـ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)، فلا يغفر لمن ارتكب أبشع صور الظلم فمقتضى الحكمة عدم التجاوز عنه بخلاف من ظلم نفسه بمعصية أو كبيرة فيجوز في حق الرب، جل وعلا، التجاوز عنه فذلك مقتضى كرمه بإنفاذ الوعد جزما وامتناع الوعيد في غير الشرك عمن شاء المغفرة له من أصحاب الذنوب الكبائر، فهم تحت المشيئة الربانية، فإن شاء، جل وعلا، تجاوز فضلا، وإن شاء أخذ عدلا، ولا يظلم ربك أحدا.
والإضافة في: "شديد العذاب": إضافة حقيقية تفيد التعريف، لا لفظية تفيد التخفيف، فذلك من الوصف الثابت لرب، جل وعلا، بالنظر إلى نوعه، وإن حدثت أفراده في دار الابتلاء بعذاب الاستئصال العام أو الخاص، أو الأخذ بالسنين، أو بالآيات المخوفات من قبيل: الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ..... إلخ من صور العذاب العاجل، وحدثت، أيضا، في دار الجزاء برسم التجدد فـ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا).
والله أعلى وأعلم.(/)
الفرق بين أم و أو؟!!
ـ[الياسين]ــــــــ[27 - 12 - 2010, 05:48 م]ـ
ما الفرق بين القول:
أجاء محمد أم غاب؟
أجاء محمد أو غاب؟
بمعنى هل كلاهما في الاستعمال صحيح؟ إن كان ذلك، فما الفرق؟
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 12 - 2010, 03:29 ص]ـ
هذه محاولة تفتقر إلى المراجعة:
الأولى: قياسية لا تحتاج إلى أي تأويل فهي الصورة القياسية لهمزة الاستفهام وأم المتصلة، فيجاب عليها بتعيين أحد الفعلين.
&&&&&
وذكر ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب" في الثانية مثالا هو: أزيد عندك أو عمرو، فيجاب بنعم أو لا، على تأويل الكلام بـ: أأحدهما عندك أم لا، فيجاب بتعيين أحد الأمرين: الإثبات أو النفي: نعم أو لا، فإذا أجبت بذكر زيد أو عمرو فقد أجبت وزدت في الإجابة بتعيين من عندك مع أن ذلك لم يكن مراد السائل، فقد كان مراده فقط الاستفسار عن وجود أحدهما بغض النظر عن عينه، فزدته في الإجابة بذكر عين الموجود.
فيمكن أن يقال مثله في:
أجاء محمد أو غاب؟، فيؤول بـ: أثبت أحد الأمرين لمحمد أم لا، فيجاب بنعم أو لا، فإذا ذكرت عين الفعل: المجيء أو الغياب فقد زدت السامع فائدة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[28 - 12 - 2010, 10:33 ص]ـ
استعمال أم بعد الهمزة
نستعمل "أم" بعد الهمزة، ولا نستعمل "أو"، لأن الهمزة تأتي للتصور وهو المرحلة التالية للتصديق بعد ثبوت الحكم، ويطلب فيها اختيار أحد الاحتمالين، وتعيين واحد من أمرين، فيلزمها معادل بعد أم، لذلك يصح قولنا: أجاء محمد أم غاب؟ ولا يصح قولنا: أجاء محمد أو غاب؟
بعكس "هَلْ" التي يأتي بعدها "أو"، ولا يأتي بعدها "أَمْ"، لأنها تأتي للتصديق والاثبات والاستفهام والسؤال المحدد فقط، ولا تأتي للتصور، وتفيد تساوي الاحتمالين قي نظر من يسأل سؤالا محددا.
والله أعلم،
منذر أبو هواش(/)
أين مواضع التشبيه المركب الحسي والعقلي؟
ـ[ميس روقان]ــــــــ[28 - 12 - 2010, 06:13 م]ـ
بلييييز اللي يعرف لا يبخل علييا بالاجابة
ابي مواضع التشبيه المركب الحسي والعقلي في قصيدة المتنبي هذي
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا ... وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا
تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى ... صَديقًا فَأَعيا أَو عَدُوًّا مُداجِيا
إِذا كُنتَ تَرضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ ... فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا
وَلا تَستَطيلَنَّ الرِماحَ لِغارَةٍ ... وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا
فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى ... وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا
حَبَبتُكَ قَلبي قَبلَ حُبِّكَ مَن نَأى ... وَقَد كانَ غَدّارًا فَكُن أَنتَ وافِيا
وَأَعلَمُ أَنَّ البَينَ يُشكيكَ بَعدَهُ ... فَلَستَ فُؤادي إِن رَأَيتُكَ شاكِيا
فَإِنَّ دُموعَ العَينِ غُدرٌ بِرَبِّها ... إِذا كُنَّ إِثرَ الغادِرينَ جَوارِيا
إِذا الجودُ لَم يُرزَق خَلاصًا مِنَ الأَذى ... فَلا الحَمدُ مَكسوبًا وَلا المالُ باقِيا
وَلِلنَفسِ أَخلاقٌ تَدُلُّ عَلى الفَتى ... أَكانَ سَخاءً ما أَتى أَم تَساخِيا
أَقِلَّ اِشتِياقًا أَيُّها القَلبُ رُبَّما ... رَأَيتُكَ تُصفي الوُدَّ مَن لَيسَ جازِيا
خُلِقتُ أَلوفًا لَو رَحَلتُ إِلى الصِبا ... لَفارَقتُ شَيبي موجَعَ القَلبِ باكِيا
وَلَكِنَّ بِالفُسطاطِ بَحراً أَزَرتُهُ ... حَياتي وَنُصحي وَالهَوى وَالقَوافِيا
وَجُردًا مَدَدنا بَينَ آذانِها القَنا ... فَبِتنَ خِفافًا يَتَّبِعنَ العَوالِيا
تَماشى بِأَيدٍ كُلَّما وافَتِ الصَفا ... نَقَشنَ بِهِ صَدرَ البُزاةِ حَوافِيا
وَينظُرْنَ مِن سودٍ صَوادِقَ في الدُجى ... يَرَينَ بَعيداتِ الشُخوصِ كَما هِيَا
وَتَنصِبُ لِلجَرسِ الخَفيِّ سَوامِعًا ... يَخَلنَ مُناجاةَ الضَميرِ تَنادِيا
تُجاذِبُ فُرسانَ الصَباحِ أَعِنَّةً ... كَأَنَّ عَلى الأَعناقِ مِنها أَفاعِيا
بِعَزمٍ يَسيرُ الجِسمُ في السَرجِ راكِبًا ... بِهِ وَيَسيرُ القَلبُ في الجِسمِ ماشِيا
قَواصِدَ كافورٍ تَوارِكَ غَيرِهِ ... وَمَن قَصَدَ البَحرَ اِستَقَلُّ السَواقِيا
فَجاءَت بِنا إِنسانَ عَينِ زَمانِهِ ... وَخَلَّت بَياضًا خَلفَها وَمَآقِيا
نَجوزَ عَلَيها المُحسِنينَ إِلى الَّذي ... نَرى عِندَهُمْ إِحسانَهُ وَالأَيادِيا
فَتىً ما سَرَينا في ظُهورِ جُدودِنا ... إِلى عَصرِهِ إِلاَّ نُرَجّي التَلاقِيا
تَرَفَّعَ عَن عَونِ المَكارِمِ قَدرُهُ ... فَما يَفعَلُ الفَعْلاتِ إِلا عَذارِيا
يُبيدُ عَداواتِ البُغاةِ بِلُطفِهِ ... فَإِن لَم تَبِدْ مِنهُمْ أَبادَ الأَعادِيا
أَبا المِسكِ ذا الوَجهُ الَّذي كُنتُ تائِقًا ... إِلَيهِ وَذا الوَقتُ الَّذي كُنتُ راجِيا
لَقيتُ المَرَورى وَالشَناخيبَ دونَهُ ... وَجُبتُ هَجيرًا يَترُكُ الماءَ صادِيا
أَبا كُلِّ طيبٍ لا أَبا المِسكِ وَحدَهُ ... وَكُلَّ سَحابٍ لا أَخَصُّ الغَوادِيا
يَدِلُّ بِمَعنًى واحِدٍ كُلَّ فاخِرٍ ... وَقَد جَمَعَ الرَحمَنُ فيكَ المَعانِيا
إِذا كَسَبَ الناسُ المَعالِيَ بِالنَدى ... فَإِنَّكَ تُعطي في نَداكَ المَعالِيا
وَغَيرُ كَثيرٍ أَن يَزورَكَ راجِلٌ ... فَيَرجِعَ مَلْكًا لِلعِراقَينِ والِيا
فَقَد تَهَبَ الجَيشَ الَّذي جاءَ غازِيًا ... لِسائِلِكَ الفَردِ الَّذي جاءَ عافِيا
وَتَحتَقِرُ الدُنيا اِحتِقارَ مُجَرِّبٍ ... يَرى كُلَّ ما فيها وَحاشاكَ فانِيا
وَما كُنتَ مِمَّن أَدرَكَ المُلكَ بِالمُنى ... وَلَكِن بِأَيّامٍ أَشَبنَ النَواصِيا
عِداكَ تَراها في البِلادِ مَساعِيًا ... وَأَنتَ تَراها في السَماءِ مَراقِيا
لَبِستَ لَها كُدْرَ العَجاجِ كَأَنَّما ... تَرى غَيرَ صافٍ أَن تَرى الجَوَّ صافِيا
وَقُدتَ إِلَيها كُلَّ أَجرَدَ سابِحٍ ... يُؤَدِّيكَ غَضبانًا وَيَثنِكَ راضِيا
وَمُختَرَطٍ ماضٍ يُطيعُكَ آمِرًا ... وَيَعصي إِذا اِستَثنَيتَ لَو كُنتَ ناهِيا
وَأَسمَرَ ذي عِشرينَ تَرضاهُ وارِدًا ... وَيَرضاكَ في إيرادِهِ الخَيلَ ساقِيا
كَتائِبَ ما انفَكَّت تَجوسُ عَمائِرًا ... مِنَ الأَرضِ قَد جاسَت إِلَيها فَيافِيا
غَزَوتَ بِها دورَ المُلوكِ فَباشَرَتْ ... سَنابِكُها هاماتِهِمْ وَالمَغانِيا
وَأَنتَ الَّذي تَغشى الأَسِنَّةَ أَوَّلاً ... وَتَأنَفُ أَن تَغشى الأَسِنَّةَ ثانِيا
إِذا الهِندُ سَوَّت بَينَ سَيفَي كَريهَةٍ ... فَسَيفُكَ في كَفٍّ تُزيلُ التَساوِيا
وَمِن قَولِ سامٍ لَو رَآكَ لِنَسلِهِ ... فِدَى اِبنِ أَخي نَسلِي وَنَفسي وَمالِيا
مَدًى بَلَّغَ الأُستاذَ أَقصاهُ رَبُّهُ ... وَنَفسٌ لَهُ لَم تَرضَ إِلاَّ التَناهِيا
دَعَتهُ فَلَبّاها إِلى المَجدِ وَالعُلا ... وَقَد خالَفَ الناسُ النُفوسَ الدَواعِيا
فَأَصبَحَ فَوقَ العالَمينَ يَرَونَهُ ... وَإِن كانَ يُدنيهِ التَكَرُّمُ نائِيا(/)
ماذا نسمي هذا الأسلوب (شبهة حول القرآن)
ـ[حسين العدوان]ــــــــ[28 - 12 - 2010, 07:20 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحقيقة تعرضت لشبهة حول بلاغة القرآن .. ولم أجد سوى منتدانا العزيز .. لعل أهل الفضل يساعدوننا في معرفة كيف نرد على من يطرحوها ..
يقول الله تعالى:
بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
الشبهة هي أن التحدث كان عن مفرد فلماذا تم الجمع في النهاية؟
هل هو التفات؟؟(/)