من تشبيهات القرآن الكريم
ـ[سنهور]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 01:01 ص]ـ
من أكثر الأساليب شيوعا فى القرآن أسلوب التشبيه
ومن أمثلة التشبيهات الواردة فى القرآن
1ـ قوله تعالى (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يس 29
فقد شبه القمر فى نهاية رحلته بالعرجون القديم، وهو تشبيه غنى جدا، لأن العرجون القديم لا يشارك القمر فى الشكل فحسب، وإنما هناك معان أخرى، منها أن العرجون القديم كأنه شىء تائه لا يلتفت إليه،
فكذا القمر فى هذه المرحلة تراه ضالا فى السماء لا تتعلق به الأبصار
ونجد أن كلا من القمر والعرجون كان موضع العناية ومتعلق الأنظار، فالعرجون كان حامل الثمر والنفع، والقمر كان مرسل النور والهداية
ـ[سنهور]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 01:06 ص]ـ
2ـ ومنه قوله تعالى {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}
شبه القلوب فى صلابتها وقسوتها، وأنها لا ينفذ إليها شىء من الخير والحق، بالحجارة
والحجارة أوضح ما يصف الغفلة والجمود، فالتشبيه يفيد أن هذه القلوب لا تثمر الخير أبدا، لأنها ليست موضعا صالحا للإنبات
ـ[سنهور]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 01:14 ص]ـ
3ـ ومن التشبيهات التى تصف حالا من أحوال يوم القيامة {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} القمر
الأيات تصف واحدا من أهوال القيامة حين يدعو الداعى، وينفخ فيه، فينبعث الموتى من قبورهم، ويخرجون منتشرين فى هذا المشهد الحافل والذى صورته الأيات أدق تصوير
حيث شبه الناس حين خروجهم من جوف الأرض وانتشارهم على ظهرها بالجراد فى الكثرة والتدافع وجولان بعضهم فى بعض الكل يتحرك ويموج من غير تحديد ومن غير تعقل
ـ[سنهور]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 01:21 ص]ـ
4ـ ومن التشبيهات التى يصف القرآن فيها نهاية ثمود قوله تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} (31) القمر
فالهشيم هو الشجر اليابس، والمحتظر: الذى يعمل الحظيرة
فشبههم القرآن بعد هلاكهم بأنهم أصبحوا مثل الهشيم المحتظر، ولو ذكرت الأية أنهم أصبحوا كالهشيم لدلت على فنائهم وهلاكهم، ولكنه أراد أن يؤدى معنى آخر بقوله (المحتظر) وهو الإزدراء، وإنهم لا كرامة ولا آدمية لهم وإنما هم كهذا الهشيم الموطوء بالدواب تبول وتروث عليه
ـ[سنهور]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 01:24 ص]ـ
ولنا معكم عوده لننهل من كتاب الله لطائف ومعارف فى هذا الموضوع
ـ[أنوار]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 02:42 ص]ـ
شكر الله لكم أستاذ سنهور ..
أمرجعكم التصوير البياني؟؟
ـ[سنهور]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 10:26 م]ـ
بالطبع نعم فإنى بفضل من الله وحده قد تتلمذت على يد شيخى وأستاذى الأستاذ العلامة الدكتور / محمد محمد أبوموسى وحفظت كتبه ومؤلفاته وتأثرت بها كثيرا مما جعلنى دائما أعمل بكل جهد على نشر ما ورد فيها من درر ثمينة عسى الله أن ينفع بها من يقرأها0
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 05 - 2010, 08:23 ص]ـ
جزاكم الله خيرًا أستاذنا الكريم
كانت هناك زاوية للقراءة في كتاب الشيخ التصوير البياني ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?52014-%E6%DE%DD%C7%CA-%E3%E4-%DF%CA%C7%C8-%C7%E1%CA%D5%E6%ED%D1-%C7%E1%C8%ED%C7%E4%ED-..) ولعلي أتمها لاحقًا ..
أو إن أتممناها دراسة ونقاشًا فذلك جيد
ـ[منتظر]ــــــــ[27 - 05 - 2010, 04:36 م]ـ
السلام عليكم
ارجو منكم ان تفيدونا
ما اسم كتاب الشيخ
واين اجده؟
تقبلوا مروري
ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 05 - 2010, 05:18 م]ـ
اسم كتاب الشيخ: التصوير البياني
هذا الكتاب حقّ لي إن قلت مكتبة بلاغية
وكتب الشيخ من إصدار مكتبة وهبة في القاهرة
كتبه متوفرة في مصر وفي المملكة
ـ[سنهور]ــــــــ[28 - 05 - 2010, 06:13 م]ـ
على الرحب والسعة
وسأبذل قصارى جهدى من أجل ذلك
ـ[راجية جنة الرحمن]ــــــــ[08 - 07 - 2010, 10:06 ص]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[عبود]ــــــــ[11 - 07 - 2010, 11:46 م]ـ
جزاك الله خير(/)
ومن قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ ....... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 07:36 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ):
فالمجاهدة مئنة من المفاعلة، كما اطرد في كلام الصرفيين، في مبحث معاني حروف الزيادة، فلا تكون مجاهدة إلا بين اثنين: مجاهِد، و: مجاهَد، فالأول: فاعل، والثاني: مفعول، ففي ذلك الأمر، والأصل فيه الإيجاب، الذي يخوض فيه المرء جهادا خاصا، طرفه الآخر: نفسه بنوازعها، وشيطانه بهواتفه، وجهاد عاما دفعا أو طلبا للصائل على الديانة، إما بشن الغارة عليها: بشبهة ترد بسيف الحجة، أو شهوة ترد بسيف العفة، أو جند يرد بسيف القتال فذلك الحديد الناصر الذي علاه الصدى في زماننا!، وإما بمنع نفاذها إلى قلوب العباد لتباشر مكامن الفطرة التوحيدية فيها، فتسيل أودية القلوب بغيث النبوات، فيذهب زبد المقالات الباطلة والاعتقادات الفاسدة جفاء، ويمكث ما ينفع الناس في الأرض، فمنه بذر نافع، يخرج منه شجر أصله ثابت وفرعه في السماء، فذلك شجر التوحيد فـ: لا إله إلا الله تؤتي أكلها كل حين إرادات باطنة في القلب وأقوالا تجري على اللسان، وأعمالا تعمر الجوارح، فبركتها قد عمت الباطن والظاهر، وإنما تسل سيوف الحق لئلا تحرم الأمم من تلك الثمار النافعة التي يحول بينهم وبينها أصحاب الرياسات الباطلة والوجاهات الزائفة التي تذهبها النبوات، فهي الماحية لكل جور، برد الملك الكوني والأمر الشرعي إلى الرب العلي، جل وعلا، وحده، فلا خالق ولا رازق ولا مدبر فتلك مقدمة أولى ينتج منها: لا إله معبود بحق بالعقائد والشرائع، بالسياسات والأخلاق، إلا هو، فلا يحتكم إلا إلى وحيه، ولا تطمئن النفس إلا بذكره، جل وعلا، أفلا يستحق ذلك أن يجاهد المرء نفسه وغيره فيه حق الجهاد؟!.
فـ: "فِي اللَّهِ" مئنة من السببية، فلا أشرف من جهاد يكون مبعثه، إعلاء كلمة الله، عز وجل، فـ: "الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، فيؤول المعنى إلى: وجاهدوا في سبيل الله، بتقدير المحذوف الذي دلت عليه مواضع أخر، أو: وجاهدوا لأجل إعلاء كلمة الله، عز وجل، ثم جاء التقييد لبيان نوع الجهاد المأمور فذلك من البيان لعموم الفعل المعنوي، فمعنى الجهاد عام باعتبار أنواعه، فمنه: جهاد القرآن: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)، ومنه جهاد السيف المنسوءة أحكامه، فلكل زمن فقهه، فيحسن الكف تارة، ويحسن الإذن أخرى، ويحسن الدفع ثالثة، ويحسن الطلب رابعة، ومعرفة واجب الوقت في أمور الديانة مئنة من السداد الذي لا يكون إلا بإخلاص النية وطلب العلم المصحح للتصورات والأعمال. وهو يتفاوت أيضا باعتبار أقداره، فجاء القيد بأكملها: حَقَّ جِهَادِهِ، فذلك من المصدر المبين لنوع عامله، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وتقديره: جهاده الحق، فقوله: حق جهاده: من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، فأضيف الجهاد إلى الله، عز وجل، لجواز الإضافة لأدنى ملابسة، فكونه لأجله، سبحانه وتعالى، مما يسوغ إضافته إليه، ثم جاء الاستئناف على جهة الفصل، فهو بمنزلة العلة لما تقدمه فحسن الفصل لشبه كمال الاتصال بين العلة ومعلولها، فذكر الرب، جل وعلا، جملة من نعمه عليهم على سبيل التمثيل لا الحصر، فذلك مما لا يطيقه البشر، فـ: (إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، فأضيفت النعمة إلى الرب، جل وعلا، إضافة مخلوق إلى خالقه، فذلك من التشريف فشرف النعمة من شرف واهبها، جل وعلا، وأضيفت إلى المعرفة مئنة من العموم فهي
(يُتْبَعُ)
(/)
نعم كثيرة لا يحصيها العادون.
فمن جملة هذه النعم أنه اجتباكم، فاصطفى الأمة الخاتمة بالرسالة الخاتمة، برسم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، فلفظ الأمة يعم أمة الإجابة أيا كان جنسها أو لونها، فليست الرسالة العالمية بحكر على محال بعينها، بل: (إن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، والخطاب إما أن يكون للصدر الأول، رضي الله عنهم، فهم أول قرن خوطب بالتنزيل، فيعمهم باعتبار اللفظ والمعنى لتوجه الخطاب إليهم، ويعم غيرهم ممن جاء بعدهم ممن سار على طريقتهم، باعتبار المعنى، ويقال من وجه آخر:
الاجتباء إما أن ينظر فيه إلى هذه الأمة باعتبار طبقاتها، فالصدر الأول مجتبى على بقية قرون الأمة، فتفضيلهم عليهم باعتبار الجميع، فأقل الناس صحبة له صلى الله عليه وعلى آله سلم خير من كل من جاء بعده ممن لم يلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإما أن ينظر فيه إلى هذه الأمة في مقابل بقية الأمم، فيكون تفضيلها باعتبار المجموع لا الجميع، فمجموع هذه الأمة خير من مجموع بقية الأمم، وإن لم يلزم من ذلك أن كل فرد من هذه الأمة خير من كل فرد من أمة اليهود والنصارى، بل من اليهود والنصارى قبل التبديل، وقبل النسخ بالرسالة الخاتمة من كان على الحق مقيما، وإن كان قليلا، فهو خير من كثير من المخلطين من هذه الأمة، بل هو خير من المنافقين من باب أولى، فلهم النسبة إلى الأمة الخاتمة باعتبار الظاهر، وهم في الباطن لا يصمدون لمن آمن من قوم موسى: (مِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)، أو آمن من النصارى فـ: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ).
مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ: فذلك من الجعل الشرعي، فما شرع ما فيه حرج، وجاء تنكير "حرج" في سياق نفي مؤكد بـ: "من" مئنة من العموم، فالحرج قليله وكثيره، منفي شرعا، وإن شاء الرب، جل وعلا، وقوعه كونا، لبعض المكلفين ممن أبى إلا التنطع فأوقع نفسه في الحرج، ثم جاءت الحال المقيدة، كما رجح ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فـ: "مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ": قيد زاد الدين بيانا فحصلت الكرامة من هذا الوجه، فنسبة الملة إلى إمام الموحدين عليه السلام، شرف أي شرف!، فضلا عن الشرف الأعظم بالانتساب إلى الرسالة الخاتمة، ورجح أبو السعود، رحمه الله، النصب على الإغراء فيؤول الكلام إلى: الزموا ملة أبيكم إبراهيم عليه السلام، فدينه هو دين النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكلاهما قد بعث بالحنيفية السمحة، وإن اختلفا في جملة من الشرائع، فالأنبياء إخوة لعلات، فالدين واحد وإن تباينت الأحكام العملية زيادة أو نقصانا، تشديدا أو تخفيفا، ومعنى الأبوة، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، إما أن تكون باعتبار خصوص السبب فينظر إلى من توجه إليهم الخطاب، وهم أهل مكة، فأبوة إبراهيم عليه السلام لهم أبوة حقيقية، فهو الأب الأعلى لهم، وإما أن تكون باعتبار العموم، فيتوجه الخطاب إلى كل أتباع الملة الخاتمة من العرب والعجم، فتكون الأبوة: أبوة تشريف، فنسب التوحيد بينهم جامع، فهي من جنس أبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته فـ: "إنما أنا لكم كالوالد لولده أعلمكم"، وكلا المعنيين صحيح فلا إشكال في الجمع بينهما، فهي في حق بعض: حقيقة، وفي آخر: تشريف بالانتساب إلى إمام الموحدين، عليه السلام، لجامع التوحيد بين الأصل والفرع، فيرد الفرع إلى أصله، وأكرم به من أصل.
(يُتْبَعُ)
(/)
هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ: فالضمير إما أن يرجع على أقرب مذكور، وهو الخليل عليه السلام فهو الذي سماكم بالمسلمين لما دعا: "رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ"، أو هو راجع على الرب، جل وعلا، وهو ما رجحه صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، فيكون ذلك من قبيل الالتفات فانتقل من ذكر الخليل عليه السلام، إلى ذكر تسمية الرب، جل وعلا، للمسلمين باسمهم، ويرجح الأول أنه جار على الأصل المطرد في لسان العرب من عود الضمير على أقرب مذكور، ويرجح الثاني أن الأسماء والأحكام: الأصل في إطلاقها أن يكون من الرب، جل وعلا، فهي من جملة الوحي: الفرقان المبين بين المؤمنين والكافرين، فسمى كلا باسمه، فالمؤمن والكافر والفاسق والظالم ..... إلخ أسماء شرعية علقها الرب، جل وعلا، على أوصاف، فمتى تحقق الوصف تحقق الاسم، ومتى انتفى انتفى، فيدور معه وجودا وعدما.
وَفِي هَذَا: فاسم الإشارة راجع على غير مذكور في السياق، وهو القرآن، فذلك مئنة من نباهة ذكره فيكفي في الدلالة عليه: الإشارة إليه وإن لم يتقدم له ذكر.
لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ: فذلك مما بين في مواضع أخر من التنزيل، من قبيل: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)، فتلك شهادة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، و: (كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، فتلك شهادة أمته فهم العدول فلا إفراط ولا تفريط.
فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ: فذلك لازم العدالة التي صيرتهم شهودا على غيرهم، أو هو من جنس الشكر على اجتباء الرب، جل وعلا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فاشكروا له أن اصطفاكم على العالمين بالمدوامة على الطاعة التي ذكر من أفرادها: الصلاة والزكاة على جهة التمثيل للعام بذكر بعض أفراده.
وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ: فذلك من قبيل العام، فالاعتصام به، جل وعلا، يكون في العلم والعمل، في السر والعلن .......... إلخ، فعطف العام على الخاص تنويها بشأن الخاص، فالصلاة والزكاة أعظم ركنين بعد الشهادة، ثم جاء التذييل بعلة الأمر بالاعتصام فـ: هُوَ مَوْلَاكُمْ: على جهة القصر الحقيقي بتعريف الجزأين، فهو مولاكم: فلا مولى لكم إلا هو، فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ: فذلك من التذييل بما يلائم السياق، فبين: "مَوْلَاكُمْ" و: "الْمَوْلَى": مجانسة تزيد المعنى بيانا، فولايته، عز وجل، أكمل ولاية، ونصرته، أعظم نصرة، فـ: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ).
والله أعلى وأعلم.(/)
الإعراض والتكذيب دراسة بلاغية
ـ[تلميذه]ــــــــ[22 - 05 - 2010, 02:01 ص]ـ
السلام عليكم
أخواتي أخواني
أبحث عن الإعراض والتكذيب
تكذيب الرسل وإعراض الأقوام في القرآن الكريم
دراسة بلاغية
هل من مراجع؟
أو مصادر؟
أو دراسات؟!
( ops
ـ[تلميذه]ــــــــ[28 - 05 - 2010, 11:19 م]ـ
: (
.
.
.
ـ[سنهور]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 12:00 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الممكن أن تطلعى على الأيات التى تناولت هذه المواقف الإعراضية والتكذيبية من خلال كتب التفسير التى أهتمت بالبلاغة كالكشاف للزمخشرى وغيرها وستجدى فيها ما يثلج الصدر إن شاء الله
ـ[تلميذه]ــــــــ[01 - 06 - 2010, 02:10 م]ـ
وعليكم السلام والرحمة والغفران
جزاك الله خير
شكرا جزيلا
أتطلع للمزيد(/)
ما الفرق بين أنواع الاقتباس؟
ـ[استفهام عجيب]ــــــــ[23 - 05 - 2010, 07:48 م]ـ
س/1
مالفرق بين الاقتباس والتضمين والتلميح؟
س/2
هل دروس (من المكتبة النقدية والبلاغية)
تدخل في الاختبار
وكيف؟
ـ[أنوار]ــــــــ[23 - 05 - 2010, 10:10 م]ـ
مالفرق بين الاقتباس والتضمين والتلميح؟ الاقتباس:
هو أن يضمن الشاعر أو الناثر كتاباته شيئًا من القرآن الكريم أو الحديث الشريف.
ومنه قول الحريري: " فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب حتى أنشد فأغرب " ..
وقال ابن عباد:
قال لي إن رَقيبي * * * سيء الخُلق فداره
قُلتُ دَعني وجهُكَ الجنَّـ * * * ـة حُفّت بالمكاره
وقد يُغير المقتبس لاستقامة الوزن كقول أحدهم:
قد كان ما خِفْتُ أن يكونا * * * إنا إلى الله راجعونا
والتضمين:
هو أن يضمن الشعرُ شيئًا من شعر الآخرين ..
كقول الحريري:
على أني سأنشِدُ عند بيعي * * * أضاعوني وأيُّ فتًى أضاعوا
فنصف البيت الأول للحريري، والنصف الثاني للشاعر الأموي عبد الله بن عثمان الملقب بالعرجي قائلا:
أضاعوني وأيُّ فتًى أضاعوا * * * ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثغرِ
أما التلميح:
فهو أن يُشار إلى قصة أو شعر من غير ذكره كقول أبي تمام:
فو الله ما أدري أأحلامُ نائمٍ * * * ألمَّت بنا أم كان في الركب يوشعُ
ويوشع .. بضم أوله وفتح الشين هو صاحب موسى عليه السلام، ووصيُّه، وفتاه الذي ردَّت له الشمس.
والأمثلة تكثر في مثل هذه الأنواع ..
السؤال الثاني .. ما فهمت المقصود منه؟؟
ـ[استفهام عجيب]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 07:54 م]ـ
أختي أنوار
مشكورة ماقصرتي ربي يسعدك ويجزيك
السؤال الثاني ..
عندنا في المنهج دروس (من المكتبة النقدية والبلاغية)
مثلاً ..
من كتاب البيان والتبيين
هو جزء من الكتاب وفي آخر الدرس اسئلة ..
فهل هذا الجزء من الكتاب علي أن أحفظه أم أحفظ الاسئلة واجاباتها فقط؟(/)
المجاز المرسل
ـ[فصيح البادية]ــــــــ[24 - 05 - 2010, 09:10 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني في الفصيح، لي سؤال عن المجاز المرسل:
يقول إيليا أبو ماض:
نسي الطين ساعة أنه طين ... حقير فصار تيها وعربد
المجاز:
1 - الطين: علاقته: اعتبار ما كان
2 - ساعة: علاقته: الجزئية.
هل هذه الإجابة صحيحة؟
ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 12:46 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله
أرى أنها صحيحة، والله أعلم
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 09:59 ص]ـ
لا يلزم أن يكون في (الساعة) مجاز؛ لأنها عند العرب قد تطلق على مدة غير محددة، ولذلك تصغر وتوصف بالطول والقصر.(/)
هل تكون الاستعارة المكنية تبعية؟
ـ[أبو العزائم]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 01:12 ص]ـ
هل تكون الاستعارة المكنية تبعية؟ أسأل هذا السؤال لأن كتاب "البلاغة الواضحة " جاء فيه إمكان ذلك، ولكنه اتى بمثال مصنوع " أعجبني إراقةالضارب دم الباغي " ولكن على كثرة مارأيت من الأمثلة التي أوردها لم أر شاهدا من القرآن أو الحديث أوالأدب بعامة للاستعارة المكنية التبعية -حسب علمي واطلاعي -. هل لكم أحبتي رأي آخر؟ أفيدوني مأجورين.(/)
مالفرق بين التشبيه والتمثيل والاستعارة؟
ـ[استفهام عجيب]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 08:27 م]ـ
مالفرق بين التشبيه والتمثيل والاستعارة؟(/)
ما هي المعاني البلاغية في هذين البيتين
ـ[منتظر]ــــــــ[27 - 05 - 2010, 04:30 م]ـ
أسدٌ علي وفي الحروب نعامةٌ ربداء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناحي طائر
صدعت غزالة قلبه بفوارسٍ تركت مدابره كأمس الدابر
ـ[سنهور]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 09:07 م]ـ
الرواية الصحيحة للأبيات هى: ـ
أسد علَّي وفي الحُرُوْب نعامةُ ... فتْخَاءُ تفْرقُ من صفير الصافرِ
هلاّ بَرَزْتَ إلى غَزَالَةَ في الوَغى ... بل كان قلْبُك في جنَاحَي طائر
غَشِيَتْ غَزَاَلَة خَيْلةُ بفَوارٍس ... تركتْ فوَارِسهُ كأمْس الدّابِرِ
ـ[سنهور]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 09:09 م]ـ
وفى قوله (أسد على) تشبيه بليغ حذف منه المشبه وأداة التشبيه
فالكلام أصله (هو كالأسد على)
ـ[سنهور]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 09:09 م]ـ
وكذا فى الحروب نعامة أى فى الحروب يكون كالنعامة
ـ[سنهور]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 09:20 م]ـ
وفى قوله (تركتْ فوَارِسهُ كأمْس الدّابِرِ)
تشبيه مكتمل الأداة
ـ[سنهور]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 09:25 م]ـ
هذه مساهمة بسيطة قصدت بها
فتح طريق لك ولك أن تنظر لترى المزيد
ـ[منتظر]ــــــــ[30 - 05 - 2010, 12:47 ص]ـ
شكرا لك على مرورك الكريم
لكنك اوجزت
كان قلبك في جناحي طائر
هنا استعارة؟
ام ماذا؟
ـ[سعيد يوسف]ــــــــ[30 - 05 - 2010, 04:36 ص]ـ
الأخ الفاضل سنهور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قلت رعاك الله
وفى قوله (أسد على) تشبيه بليغ حذف منه المشبه وأداة التشبيه
فالكلام أصله (هو كالأسد على)
أرجو منك حفظك الله أن تراجع ما كتبت، فالمعروف أن التشبيه البليغ هو ما حذفت منه الأداة ووجه الشبه، كقول الشاعر:
له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ ... وإرخاء سَرْحانٍ وتقريبُ تتفُل
فإن كنت مخطئا فصحح لي أكن لك من الشاكرين
ـ[سنهور]ــــــــ[30 - 05 - 2010, 11:25 ص]ـ
بداية شكرا لجميع من شارك فى هذا الحوار
وأود أن ألفت النظر إلى أننا هنا فى هذا المنتدى لسنا بصدد حل واجبات أو ماشابه ذلك
والكل متفق على ذلك فهذا من المبادىء الأساسية المتفق عليها
عند الجميع
لذا فإنى عندما تعرضت للأبيات تعمدت أن أتحدث عن جانب واحد
تاركا المجال لغيرى ليكمل حتى يتم التواصل
أما عن كون التشبيه المذكور من البليغ أم لا
فإن الأخ الفاضل أوضح شروطه وله الشكر والثناء
ولا أحد يعترض على ذلك
ولكن السؤال الآن هل ماجاء فى البيت من تشبيه لم يستوفى شروط
التشبيه البليغ فهو مطابق لما ذكرت من شروط
فالأداة محذوفة ووجه الشبه غير مذكور لفظا
فلماذا اذا لا يكون بليغا
ـ[منتظر]ــــــــ[30 - 05 - 2010, 12:45 م]ـ
السلام عليكم
شكرا لكم
أود أن أشير أنه أنا أتمنى أن أكون تلميذا لكن هيهات
فقد انتهت رحلتي في التلمذة "في المدرسة"
الآن أود أن أتتلمذ على يد شبكة فصيح
ـ[سنهور]ــــــــ[30 - 05 - 2010, 08:48 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
فهمت قصدى خطأ لم أقصد ما فهمت ولكنى قصدت أننا
لسنا هنا فى الفصيح لنطرح تساؤلات لنقم بحلها على وتر حل
الواجبات المدرسية ولكننا نحن هنا لنتحاور ونتناقش ليتعلم كل من الآخر
وإن كانت عبارتى التى كتبتها سابقا لم تفى بهذا المعنى
وفهمها الأخ الفاضل بمعنى غير الذى أردته
فأتقدم له بالأسف على مالم أقصده
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[راعي العليا]ــــــــ[03 - 06 - 2010, 11:01 ص]ـ
هذه محاولة بسيطة مني لشرح بلاغة الأبيات ..
أولا: الأبيات قالها عمران بن حطان في الحجاج بن يوسف الثقفي ..
ثانيا: أسد علي .. شبه الحجاج بالأسد وحذف المشبه وصرح بالمشبه به .. فالاستعارة تصريحية ..
وفي الحروب نعامة أيضا استعارة تصريحية .. وربداء تجفل من صفير الصافر .. هي صفات للمشبه به .. فهي مرشحة أيضاً ..
أما (بل كان قلبك في جناحي طائر) .. فهي كناية عن الخوف ..
هذا والله أعلم
ـ[سنهور]ــــــــ[05 - 06 - 2010, 10:33 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[انا المعلم]ــــــــ[23 - 06 - 2010, 01:58 ص]ـ
راعي العليا كتبت فأصبت وأوجزت ففهمت(/)
الجناس وما أدراك ما الجناس
ـ[أبوريعان]ــــــــ[28 - 05 - 2010, 12:54 م]ـ
السلام عليكم
أرجو منكم تزويدي بأبيات فيها هذا الفن وهو الجناس ولكم الشكر
ـ[سنهور]ــــــــ[28 - 05 - 2010, 11:40 م]ـ
الجناس قسمه علماء البلاغة إلى عدة أقسام
1ـ جناس تام وهو ما اتففقت فيه اللفظتان فى أنواع الحروف، وأعدادها، وهيأتها وترتيبها
وإليك بعض من أمثلته
1ـ قول الشاعر أبى سعد عيسى بن خالد المخزومى
حدق الآجال آجال ** والهوى للمرء قتال
الجناس بين الآجال و آجال
2ـ قول أبو تمام
إذا الخيل جابت قسطل الحرب صدعوا ** صدور العوالى فى صدور الكتائب
الجناس بين (صدور، وصدور)
3ـ قول محمد بن عبد الله بن كناسة الأسدى يرثى ابنه يحيى
سميته يحيى ليحيا فلم يكن ** إلى رد الله فيه سبيل
الجناس بين يحيى ويحيا
4ـ قول الحريرى
ولا تله عن تذكار ذنبك وابكه ** بدمع يحاكى البل حال مصابه
ومثل لعينيك الحمام ووقعه ** وروعة ملقاة ومطعم صابه
الجناس بين (مصابه) ومن حرف الميم فى مطعم وكلمة صابه
5ـ قول أبو الفتح البستى
إذا ملك لم يكن ذا هبه ** فدعه فدولته ذاهبة
فالجناس بين (ذاهبة) وهو مركب من كلمة ذا، هبه وبين كلمة (ذاهبة)
هذه بعض الأمثلة ذكرتها لك بشكل مجمل سريع فإن روت الظمأ فبها وإلا فتواصل معنا للمزيد من الأمثلة أو توضيح ما أوردناه
ـ[عبود]ــــــــ[11 - 07 - 2010, 08:45 ص]ـ
بارك الله فيك
ـ[أديب طيء]ــــــــ[13 - 07 - 2010, 01:49 ص]ـ
هناك بيتان أظنهما لمجنون ليلى جمعا نوعيّ الجناس (التام- غير التام أو ما يسمى بالناقص) وهو قوله:
لَيْلِي ولَيْلَى نَفَى نَوْمِي اخْتَلافَهُمَا****فِي الطُولِ والطَّوْلِ طُوبَى لي لَو اعْتَدَلا
يَجُودُ بِالطُولِ لَيْلِي كُلَّمَا بَخِلَتْ****بِالطَّوْلِ لَيْلَى وإنْ جَادَتْ بِهِ بَخِلاَ
أما ما لُوِّن بالأحمر (ليلي) يعني الليل الذي يشتكي فيه, و (ليلى) وهي حبيبته. فهنا جناس ناقص لأن الحرف الأخير في ليلي هو الياء أما ليلى فهو الألف.
أما ما لُوِّن بالأخضر (الطُول) وهو امتداد الليل وطول وقته. أما الثانية (الطَّوْل) فهو بمعنى المنّ أو الفضل أي فضل ليلى عليه عندما تجعله يراها وتأتي إليه. فهنا جناس تام لتطابق الأحرف جميعها, ولكن طبعًا المعنى يختلف.
وهناك كتابًا لصلاح الدين الصفدي اسمه (جنان الجِناس) وهو مطبوع ومتداول.
أعتذر عن الإطالة.
ـ[السراج]ــــــــ[13 - 07 - 2010, 03:34 م]ـ
بورك في الأخوة ..
وهذه الصفحة بها الكثير من الأمثلة ..
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?295-%D1%E6%C7%C6%DC%DA-%E3%E4-%DD%E4-%C7%E1%CC%E4%C7%D3
ـ[أحمد الأبهر]ــــــــ[15 - 07 - 2010, 06:41 م]ـ
ألا بوركَ هذا الجمع
ـ[وليد]ــــــــ[08 - 08 - 2010, 01:46 ص]ـ
إلهي مضت للعمر سبعون حجة ... جنيت بها لما جنيت الدواهيا
وعبدك قد أمسى عليل ذنوبه ... فجد لي برحمى منك نعم الدواهيا
ـ[الباز]ــــــــ[08 - 08 - 2010, 04:53 ص]ـ
وهذه النافذة أيضا فيها كثير من الأبيات:
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?43367-%CC%E3%DA-%E3%C7-%CA%ED%D3%D1-%E3%E4-%C7%E1%DE%E6%C7%DD%ED-%C7%E1%E3%CA%CC%C7%E4%D3%C9
ـ[وليد]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 11:36 م]ـ
يا من يرينا كل وقت وجهه ... بشراً ويبدي كفه معروفا
أصبحت في الدنيا سرياً بعد ما ... أمسيت فيها بالتقى معروفا(/)
تعرف على أهم كتاب في البلاغة العربية
ـ[30131]ــــــــ[28 - 05 - 2010, 01:58 م]ـ
::::=
كتاب البديع لعبد الله بن المعتز:
يعد كتاب "البديع" لـ: عبد الله بن المعتز أول مؤَّلف في البديع و صَنْعَة الشعر، كما أجمع على ذلك جميع الباحثين، فهو على رأس قائمة كتب "ابن المعتز" بالنظر إلى اختصاصه لهذا الفن، و يعد فاتحاً جديد و يعترف بذلك "ابن المعتز" نفسه من خلال قوله:
"و ما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد" كما يعد سببا من أسباب تأليف "ابن المعتز" لكتابه "البديع".
أما عن موضوع كتاب "البديع"؛ فهو ذكر لألوان البديع، وشواهدِها فنجد المؤلف يذكر ما أُثِرَ للون البديعي من شاهد في كتاب الله، ثم في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم في كلام الصحابة و سواهم ثم يليهم كلام الأعراب و بلغاء الكُتاب، ثم يذكر كثيرا مما أُثِرَ من شواهد في الشعر العربي:" الجاهلي، الإسلامي، شعر المحدثين" و ينتهي في الأخير يذكر ما عِيب من شواهد الكلام على هذا اللون المتكلفة و الخارجة عن حدود البلاغة و سحر البيان.
يرى الدكتور "إبراهيم سلامة " أن رقة "ابن المعتز" في شعره و حياة النعمة و الرفاهية اللتين كان يتقلب في عطفيهما أحد أسباب تأليفه لهذا الكتاب.
إضافة إلى ما تقدم نجد من أسباب تأليف "ابن المعتز" لهذا الكتاب، هو محاولة تحديده أصول هذا الفن، الرد على "أبي تمام" و من لفَّ لفَّه في دعواهم اختراع هذه الأنواع البيانية و البديعية () و نجد "ابن المعتز " ذكر هذا في كتابه فيقول:" ليعلم أن بشارًا و مسلماً و أبا نواس، و من تقيلهم (?) و سلك سبيلهم، لم يسبقوا إلى هذا الفن، و لكنه كثر في أشعارهم، فعُرِفَ في زمانهم، حتى سمي بهذا الاسم، فأعرب عنه ودلَّ عليهم.
- و قد قدم هذا الكتاب "البديع" للدرس البلاغي فائدتين هامتين:
- أولهما: تقديم هذا المنهج النقدي الماثل في الموازنة بين الأمثلة الجيدة و الغير جيدة، و هو المنهج الذي سار عليه البلاغيين بعده.
- ثانيهما: الدلالة على أن البديع فن عربي خالص أصيل له جذوره الموروثة في التراث العربي القديم من القرآن و الحديث، أشعار القدماء.
و قد قَسم الكتاب إلى قسمين:
1 - أبواب البديع: و يشمل هذا القسم على خمسة أبواب تحدّث فيه "ابن المعتز" عن أصول البديع الكبرى من جهة نظره و هي: الاستعارة، التجنس، المطابقة، رد العجز على الصدر، و المذهب الكلامي.
2 - محاسن الكلام و الشعر: و هي كثيرة ذكر منها ثلاثة عشر نوعاً و هي:
الالتفات، الاعتراض، الرجوع، حسن الخروج، تأكيد المدح بما يشبه الذم، تجاهل العارف، الهزل الذي يراد به الجد، حسن التضمين للشعر، التعريض و الكناية، الإفراط في الصفة، حسن التشبيه، إعنات الشاعر نفسه في القوافي، حسن الابتداء و قد ذكر هذه الأبواب رغبة منه في أن تكثر فوائد كتابه للمتأدبين ().
يمتاز كتاب البديع بأنه ينحوا في دراسة ألوان البديع و فنون دراسة تطبيقية واسعة لها أثرها في تكوين الملكة و الذوق و دعم الفكرة في نفس القارئ بالحجّة كما يمتاز بسعة الاطلاع و حسن الاختيار في جميع شواهد الكتاب.
ـ[سنهور]ــــــــ[28 - 05 - 2010, 11:20 م]ـ
بالله عليك كيف حكمت هذا الحكم القاطع
ومن منا يستطيع أن يحدد من بين ملايين الكتب التى ألفها علماء أجلاء فى علم البلاغة بأنه أهم كتاب فى البلاغة العربية
وليس معنى كلامى أننى أضع من شأن هذا الكتاب الذى يكفيه من المكانة أن صاحبه يعد أول من صنف فى البديع، ورسم فنونه، وكشف عن أجناسه مع أنه عندما سماه البديع لم يكن يقصد علم البديع المتعارف عليه لدى العلماء المتأخرين، وإنما قصد به علوم المعانى، والبيان والبديع
ومع كل ما امتاز به هذا الكتاب من ميزات فلايمكن بحال أن يكون هو الأفضل على الإطلاق لأسباب أهمها: ـ
أن تأليف عبد الله بن المعتز (الخليفة العباسى) ت 296هـ
لكتابه كان بداية مرحلة سماها علماء
البلاغة مرحلة الدراسات المنهجية هذه المرحلة أخذت البلاغة فيها فى الإستقلال عن العلوم الأخرى التى كانت مختلطة معها ومعلوم أن البداية فى دراسة أى علم تتسم بالضعف والتخبط وعدم الدقة ثم تتوالى الدراسات والإجتهادات حتى يقوى هذا العلم وتتأصل قواعده فيدرس كل عالم ما أتى به من سبقه من علوم ثم يحاول أن يصحح مافيه ويعالج مافيها من ضعف ويزيد عليها من علمه حتى تتكامل العلوم وتقوى
وحسبك أن تعلم أنه قد أتى بعد ابن المعتز علماء فاضت قرائحهم بدرر من المؤلفات التى مازالت منهلا عزبا ينهل منه كل طالب علم
ولك أن تعلم أنه قد جاء بعد عصر ابن المعتز عصرا هيأ الله فيه للبلاغة العربية علما من أعلام هذه الأمة هو الإمام أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانى النحوى، الأديب، الناقد، الفقيه الشافعى، المتكلم الأشعرى المتوفى 471هـ
التى عاشت البلاغة على يديه قمة التطور حتى سمى عصره عصر ازدهار الدراسات البلاغية
وعليك لزاما لكى تكون على يقين مما أقول أن ترجع فتقرأ كتابيه (دلائل الإعجاز) و (أسرار البلاغة) ثم قل لنفسك أحقا هذا أفضل أم ذاك(/)
بلاغة أم حكيم
ـ[مختارة الصحاح]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 05:46 ص]ـ
فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني قال لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها. قال: وقال الوليد في حديثه أو غيره فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت فقالت: تعس مذمم، فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب إني لحصان فما أكلم وثقاف فما أعلم وكلتانا من بني العم وقريش بعد أعلم.
1 - لماذا بدأت أم حكيم كلامها بمدح نفسها؟ هل من باب التدليل على أن رأيها راجح ويؤخذ به، فهي ثقاف؟
2 - إذا كان الأمر كذلك، فما علاقة كونها حَصَان بالأمر؟ وهل الحصان لا يجوز لأحد أن يتكلم معها؟ (إني حصان فلا أُكلّم)
3 - والسؤال الأهم، ما علاقة قولها بقول أم جميل؟ هل هو رد عليه؟
ما فهمت من الأمر، هو أن أم جميل ادعت "قد علمت قريش أني ابنة سيدها"، فردت عليها أم حكيم "وكلتانا من بني العم وقريش بعد أعلم"، أي أننا قريبتان ونعلم أمر قريش، وقريش تعلم من هو سيدها. أي كأنها ترد على أم جميل وتقول لها أن محمد (صلى الله عليه وسلم) هو سيد قريش لا أنتِ.
وكي تفحمها قالت أنها ثقاف، لا تحتاج من يعلمها.
فهل رؤيتي صحيحة؟
مع خالص التقدير.:)(/)
ساعدوني
ـ[فراولة]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 03:37 م]ـ
الله يخليكم ويحققلكم امانيكم لاتردوني الله لايرد عنكم الجنة والله متوهقة الدكتورة طلبت نحل تمرين من كتاب البلاغة فنونها وفنانها صفحة 346 + 347 بالله عليكم الي عنده الكتاب لايبخل علي
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 04:41 م]ـ
إليك الروابط التالية للكتاب يا أخت فراولة:
رقم واحد ( http://www.4shared.com/file/70299854/12e66678/___00.html?dirPwdVerified=a9fef9b7)
رقم اثنان ( http://www.4shared.com/file/70300285/669c532b/___01.html?dirPwdVerified=a9fef9b7)
والثالث ( http://www.4shared.com/file/70300909/aba67ae9/___02.html?dirPwdVerified=a9fef9b7)
أتمنى لك التوفيق.
ـ[فراولة]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 08:49 م]ـ
الله يجزاك خير(/)
كيف نستخرج المشبهات من تشبيه التمثيل؟ مثال تطبيقي
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[31 - 05 - 2010, 01:34 م]ـ
قال الله تعالى: ((مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً)) [الجمعة:5]
التطبيق:
الأجزاء الموجودة في المشبه: (1 - حامل (اليهود) + 2 - محمول (التوراة) + 3 - عدم انتفاع الحامل بالمحمول + ويؤدي بالضرورة إلى التعب الشديد لأنهم كانوا يسثقلون الأحكام , وأمروا بحفظ التوراة فتساهلوا في ذلك وبدلوا وغيروا فثقل عليهم) وذلك لعدم تيسير ذلك عليهم , فليس عندهم (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) [القمر: 17]
أما الأجزاء الموجودة في المشبه به: (1 - حامل (الحمار) + 2 - محمول (كتب العلم) والكتب من أثقل الأشياء + 3 - عدم الانتفاع بها + 4 - التعب الشديد وهذا العنصر واضح في المشبه به وغير واضح في المشبه).
التفصيل: شبه حال أو صورة اليهود في حملهم التوراة وعدم الانتفاع بشيء منها مع تعبهم وتكبد المشقة في حملها بصورة الحمار الذي يحمل الأسفار (كتب العلم) ثم لا ينتفع بشيء منها أبداً مع التعب الشديد في حملها.
وجه الشبه يصوغه عبد القاهر بكلام رائع فيقول: " حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه " , فعدم انتفاعهم بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم وصفاته موجودة في كتبهم وهم سُكَّان المدينة وذلك حسداً من عند أنفسهم.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[31 - 05 - 2010, 09:52 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
الأستاذ والدكتور الفاضل: سامي
جزاك الله خيرا، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة، وجعله الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وأسأل الله أن يبارك في علمكم وأن يجعل ما تقدمونه وتنثرونه من علم هنا تجدون ثمراته يوم القيامة / اللهم آمين.
لقد استفدنا.
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[02 - 06 - 2010, 02:21 م]ـ
شكراً جزيلاً لك أيتها المتفائلة ..... وجزاك الله خيراً على تلك الدعوات ولك مثلها(/)
استغاثة أم ندبة؟
ـ[ضياء الحياه]ــــــــ[02 - 06 - 2010, 02:05 م]ـ
ياويلتاه أيبقى فى جوانحه فؤاده وهو بالاطلال مرتهن
يا ويلتاه هنا (اسلوب استغاثه ام اسلوب ندبه)
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[03 - 06 - 2010, 12:16 ص]ـ
ياويلتاه أيبقى فى جوانحه فؤاده وهو بالاطلال مرتهن
يا ويلتاه هنا (اسلوب استغاثه ام اسلوب ندبه)
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة والغالية: ضياء الحياة
أهلا وسهلا بك ِ في منتداك.
محاولة للإجابة:
يا ويلتاه: أسلوب استغاثة يوحي بحالة الشاعر السيئة التي كان عليها / والله أعلم بالصواب.
الفرق بين أسلوب الاستغاثة وبين الندبة:
أسلوب الاستغاثة هو نداء من يدفع عن المنادي مكروها سيئا.
وتتكون جملة الاستغاثة من حرف استغاثة "يا" ومستغاث به ومشغات له أو منه.
نحو: يا ويلتاه أيبقى في جوانحه فؤاده كما في الشعر الذي أوردته ِ أو في هذا المثال: يا الله لفلسطين.
أما أسلوب الندبة: فهو نداء المتفجع عليه أو المتوجع منه، وتتكون من حرف الندبة "وا" واسم مندوب.
مثال: واحر قلباه ممن قلبه شبم
والله أعلم بالصواب.
ـ[عبود]ــــــــ[14 - 07 - 2010, 07:49 م]ـ
شكرا(/)
كيف تحلل نصا؟
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[02 - 06 - 2010, 02:38 م]ـ
أولاً أعرف أن في هذا المنتدى الرائع أناس فقدتهم لانقطاعي الذي دام شهرين , وقبل كل شيء أود إخبارهم بأن سبب ذلك هو الانهماك في بعض البحوث التي لا تدع الأخضر واليابس.
وثانياً التمست أن هناك بعض المشاركين يوردون أسئلة ويتمنون من أحد أن يجيبهم عليها , والمتأمل في هذه الطلبات يجد أكثرها يدخل في جانب التحليل , مما يجعلني أركز في بعض الفقرات على ...
1 - ما هي السبل الممكنة التي تجعلنا أكثر فاعلية في التحليل
2 - ما هي النصوص التي ننفذ من خلالها إلأى التفتيش عن الخبايا والنكت.
3 - ما هي إمكانيات كل شخص إزاء التحليل لأي نص وما هي مرجعيته التي من خلالها سيوجه النص.
4 - كيف نتوغل داخل النص , أو كيف نجعل بيننا وبين أي نص نوع من الألفة والمحبة لكي نتعامل معه.
5 - تجنب الإسقاطات الخارجية عن النص , وإذا أردت أن تحلل شيء وتوضحه وتبرزه فلابدمن البرهنة على صدق دعواك وأنه من مستلزمات ذلك التحليل.
وغيرها من التقنيات الفنية التي تجعلك تقرأ النصوص قراءة جمالية وفنية تكشف من خلالها عن أبعاد ورؤى ذلك النص.
وأنا مقدر هذا الأسئلة الموجهه لهذا المنتدى ولكن لماذا لا نستغني عما في أيدي الناس ونستقل بتلك الشخصية التي تمنحنا الثقة في النفس والاعتداد بها , نعم أنا لا ألغي كل تلك الجهود المبذولة وهي في خدمة الناس ولكن هلاَّ نطور من أنفسنا قليلاً
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[02 - 06 - 2010, 08:35 م]ـ
حقا أنا لك مشتاق ولا تعرف كيف دخلت على عجل هنا لأرد قبل أن أقرأ هذه المشاركة:)
حفظك الله أستاذي الفاضل
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[03 - 06 - 2010, 06:11 ص]ـ
[ right] شكراً لك يالكريم على إحسانك الظن بأخيك , وكما تبادلني المحبة والإحسان أزف إلى أعماق قلبك الود والإخلاص , ومهما بثَّت إليك أشجان قلبي حرقة المودة فتظل عيني ساهرة تدعو لك , أستاذنا محمد أنت رُبَّان هذه السفينة ولم نعرفك ولكن قلمك يعرفه الناس هنا , لم تك إلا صاحب خير وسبَّاق معروف ...
هذ عجلة القلم ... تزف إليك ... أعطر الكلمات , وأبلغ العبارات , ولا أعلم بأي شيء أفرح بتثبيت هذا الموضوع أم بردكم وحسن كلامكم ... Right]
ـ[أنوار]ــــــــ[03 - 06 - 2010, 06:49 ص]ـ
جهد موفق أستاذنا الكريم
جعله الله في موازين حسناتكم
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[03 - 06 - 2010, 07:55 م]ـ
آمين ... آمين
من المهم في هذه العجالة أن نتبنى مشروع سميته قراءات متعددة للنصوص:
المستوى الأول: المستوى المعجز وهو القرآن الكريم وهو فوق كل المستويات.
المستوى الثاني: وهو الذي يأتي عفواً بدون تكلف , ومنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مقدمة هذا المستوى وهو المطبوع , الذي يشتد ارتباط ثانيه بأوله ورابعه بثالثه , ويدخل فيه كلام الفصحاء كالصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وغيرهم من الشعراء الجاهليين والإسلاميين ... .
المستوى الثالث: وهو المصنوع ولكن صنعته جاءت بحبكة في الكلام , وتصرف في النظم , يسلب القلوب وترتاح له الآذان وهو يلحق بالمستوى الثاني في الحسن والجمال.
المستوى الرابع: وهو الذي فيه تكلف وتصلف ويخرج عن المحبوب إلى المرذول , وهوالذي تمجُه الآذان ولا تستطيبه العقول.
هذه المستويات من الكلام على غرارها يا أيها الباحث عن التحليل ستجد بغيتك , وتقف بنظرك على التصور الأولي لكل المستويات التي لن يخرج عنها الكلام.
وسنبدأ انشاء الله في الحلقات القادمة لنجرِّب , وننتقل من التنظير إلى التطبيق .... علماً أن هذا الموضوع ليس حكراً على أحد , فالمدارسة بين المحللين أمتع بها من مدارسة , " ولن تجد أيمن طائراً منها " " ... ونحن ننتظر المزيد من أصحاب الأذواق الرفيعة الذين يمتعوننا بإبداء الرأي , وأود أن ألفت النظر إلى أن النقول ... نعم النقول ... لا نريدها بل نريد أن نتدرب على تحليل النصوص دون الرجوع إلى المصادر والمراجع إلا من أراد التوثيق , هل تعلمون لماذا؟؟؟ لأن العنوان اسمه كيف تحلل نصاً ... ؟ لا كيف يحلل عبد القاهر وابن جني والرماني نصاً , فالميدان مفتوح لذوو المقدرة العالية وأصحاب المقدرة النافذة , وأكابر المتذوقين لهم قصب السبق فهيا بنا لنبحر ... هيا بنا ...
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[03 - 06 - 2010, 09:47 م]ـ
فالميدان مفتوح لذوو المقدرة العالية وأصحاب المقدرة النافذة , وأكابر المتذوقين لهم قصب السبق فهيا بنا لنبحر ... هيا بنا ...
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ والدكتور الفاضل: سامي
جزاك الله خيرا، موضوع قيم جدا؛ لا سيما أنه سوف يصقل الملكة الأدبية ويغذيها، كتب الله لكم الأجر والمثوبة، اللهم آمين.
سوف نكتفي بالمتابعة؛ حتى نستفيد؛ لأننا لسنا من ذوي المقدرة العالية وأكابر المتذوقين.
نسأل الله العلي القدير أن يبارك في هذه النافذة المباركة / اللهم آمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 12:31 ص]ـ
لقد أشغلتنا نسائم اختبارات الطلاب في الجامعات عن المشروع الذي أود الخوض فيه , بيد أني أرى أن الكثير قد عزفوا عن الخوض في مثل هذا المضمار , فهل هناك عارض؟؟؟
نعم هذا الموضوع يحفل بعدة مستويات , ولعل من المناسب ان يبدأ الباحث في التدرب على النصوص الشعرية أو النثرية , حتى يصعد على سلم الفصيح (ليس المنتدى) ولكي يترقى في الكلام حتى يصل إلى الكلام المعجز وهو القرآن الكريم وإذا هو على أهبة من التماسك , وفي قبله اليقين الذي لا يزول بالشك , ولكي يصل إلى درجة تلذذ الأسماع وتطرب الآذان , وتجد الحلاوة التي تجعلك في أحسن الأحوال ... .
العصور التي تجعل الباحث في تصور أولي لها ...
هنا حيث الشعر القديم والإسلامي مع الأموي الذي يعد امتداد لجذور القديم الجاهلي , ثم العباسي الأول وإذا بك يا أيها القارئ تجد ألوان البديع تضفي على الكلام حلاوة , وتجد نفسك تعد تلك البديعيات وتحسبها , وتضع يدك عليها وتعدها عداً , (حيث تجد عمالقة أهل الصنعة " بشار والطائيين وصريع الغواني .. ") وبعد هذا العصر لا تلتفت إلإ إلى مالء الدنيا وشاغل الناس الذي امتلئت كتب البلاغيين بشعره , ثم انتقل معي وتجاوز الحدود والسدود والزمان إلى عصر البارودي وشوقي وحافظ وغيرهم من شعراء الرومانتيكية العرب أمثال محمود إسماعيل والشابي وغيرهم ...
وقبل أن تأخذ أي شعر حدد بعض الأسئلة .... ؟؟؟؟
من هو الشاعر وما حياته؟ وما الأسباب التي تجعل الدراسة تكثر حوله؟؟ وما موقف النقاد من الشاعر هل هم ضده أم معه؟؟؟
وبعد هذا التصور تجد أن مغاليق التحليل الشعري قد تفتحت أمامك ....
وساضرب لك بعص الأمثلة في الأيام القادمة , وكتبت هذا الكلام على عجلة من الأمر ...
ـ[أبو ضحى]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 12:01 م]ـ
جزاكم الله خيراوأحسن اليكم فضيلة الدكتور.
ـ[امازيغية لله]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 11:09 ص]ـ
السلام عليكم استاذنا الفاضل ... بارك الله فيكم وجازاكم كل خير على الاجتهاد والسعي ...
نحن في انتظار المزيد ..... متابعون للموضوع القيم ..
ـ[الفاروقي]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 04:32 م]ـ
متابع بشغف
جزاكم ربنا خيرا أجمعين
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 11:36 م]ـ
من المتابعين
شكرا لك
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 11:41 م]ـ
ألا ترى معي أخي وأستاذنا أن تحديد المنهج في التحليل مهم ,خاصة مع وجود مناهج كثيرة حديثة لتحليل وتفسير النصوص كالمذهب النفسي , والتلقي , والثقافي وغيرها, بل سيجعلك تسير بخطى ثابتة وواضحة ومحددة ,لا تبعُد ُ بك عن الطريق الذي يوصلك لنتائج جلية وجديدة.
مجرد إضافة تنتظر القبول
ودي
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 02:35 م]ـ
أبو ضحى ( http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?14136- أبو-ضحى) جزاك الله عنا كل خير وبر
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 02:42 م]ـ
السلام عليكم استاذنا الفاضل ... بارك الله فيكم وجازاكم كل خير على الاجتهاد والسعي ...
نحن في انتظار المزيد ..... متابعون للموضوع القيم ..
امازيغية لله ( http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?33196- امازيغية-لله)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبارك الله في جهودكم
اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 02:43 م]ـ
متابع بشغف
جزاكم ربنا خيرا أجمعين
الفاروقي ( http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?23390- الفاروقي) جزاك الله خيراً ولك مني الدعاء بالتوفيق
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 02:49 م]ـ
ألا ترى معي أخي وأستاذنا أن تحديد المنهج في التحليل مهم ,خاصة مع وجود مناهج كثيرة حديثة لتحليل وتفسير النصوص كالمذهب النفسي , والتلقي , والثقافي وغيرها, بل سيجعلك تسير بخطى ثابتة وواضحة ومحددة ,لا تبعُد ُ بك عن الطريق الذي يوصلك لنتائج جلية وجديدة.
مجرد إضافة تنتظر القبول
ودي
قبل كل شيء أقول لكم يا هداية ونور بارك الله فيكم وفي عقلكم الذي يفتق العلم ويفجره تفجيراً , وثانياً: إن تحديد المنهج أمر ضروري لامناص منه , لأنه يضبط الحركة التي يسير عليها المحلل في تعليله للأشياء , كيف لا وهو في خضم توجيهات النص , وما يتحمله النص من تفسيرات كل ذلك يعين عليه المنهج المناسب , فكل منهج وله أسلوبه الخاص ولعلي أفرد له حلقات وحلقات , فالمنهج طريقة الوصول إلى المعرفة , وتعبيد طرق اللافتة , ومؤل العمق لسبر الغاية ...
أكرر شكري لكم .. اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 03:37 م]ـ
حياك الله يا دكتور وبارك في علمك، هذا الموضوع كان يشغلني كثيرا، لذلك قدمت عدة دروس في غرفة هتاف تناولت النقد، وما يحتاج إليه الناقد من أدوات حتى يستطيع أن يعلل استحسانه واستقباحه، وأزعم أن فيها اجوبة عن معظم التساؤلات التي طرحتها، وكنت بصدد تفريغها، ووضعها في منتدى الإبداع، ولأن ما طرحته أنت أعجبني كثيرا فإنني أعرض عليك التعاون بالطريقة التي تراها مناسبة.
وفقك الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[نور القلم]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 08:33 م]ـ
اختيار موفق للموضوع وأعجبني الطرح السلس له
بارك الله فيك دكتور سامي وزادك الله من علمه وفضله وجزاك الله خيرا
بانتظار البقية ..
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 01:53 م]ـ
حياك الله يا دكتور وبارك في علمك، هذا الموضوع كان يشغلني كثيرا، لذلك قدمت عدة دروس في غرفة هتاف تناولت النقد، وما يحتاج إليه الناقد من أدوات حتى يستطيع أن يعلل استحسانه واستقباحه، وأزعم أن فيها اجوبة عن معظم التساؤلات التي طرحتها، وكنت بصدد تفريغها، ووضعها في منتدى الإبداع، ولأن ما طرحته أنت أعجبني كثيرا فإنني أعرض عليك التعاون بالطريقة التي تراها مناسبة.
وفقك الله.
أهلاً وسهلاً بأخي عماد كتوت ....
شكراً لك على هذا الإطراء الذي لا أحبه وأحسب أنه تشجيع ليس إلا , والتعاون من أنفع الأمور للنجاح في الحياة , وليتك تكفينا في تحليل بعض أشعار عصر النهضة (البارودي , شوقي , حافظ ,والعقاد , محمود إسماعيل , الشابي , شادي , مطران , أبوريشة ... وغيرهم .. ) ويكون العبء علينا في القديم إن شئت ذلك , ولقد سررت بالتلاحم لهذا الموضوع لأنني ذكرت أنه ليس حكراًَ على أحد بل هو للجميع.
فليتك تبدأ بحلقات تبدأ بالأقدم فالأقدم حتى يتدرج المخاطب معك على هيئة سلسلة , لأنك سترصد التحولات الفكرية والنقدية وبهذاتحصل الفائدة. وشكراً لك.
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 01:56 م]ـ
اختيار موفق للموضوع وأعجبني الطرح السلس له
بارك الله فيك دكتور سامي وزادك الله من علمه وفضله وجزاك الله خيرا
بانتظار البقية ..
الحمد لله على كل حال. وأشكركم يا نور القلم ( http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?9526- نور-القلم) على هذه التحية العطرة , وعسى أن تجدو في الأيام القادمة كل خير وبركة إن شاء الله
ـ[مغنى الجود]ــــــــ[06 - 07 - 2010, 05:15 م]ـ
جزاك الله خيرا دكتور سامي على الموضوع وأثابك الله حسن الثواب، واٍسأل الله التوفيق والثبات لكل فصحاء الفصيح ..
ـ[همبريالي]ــــــــ[06 - 07 - 2010, 07:50 م]ـ
متابع والله بكل اهتمام
موضوع راائع وطرح أروع (ليس مدحا:))
خالص مودة همبريالي وتقديره
ـ[مغنى الجود]ــــــــ[10 - 07 - 2010, 02:54 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فصحاء الفصيح هل التحليل البلاغي للنصوص الشعرية يختلف عن التحليل الأدبي؟؟ وما هي أوجه الأختلاف بينهما؟؟
هذا الأمر وقف عقبة في تسجيل موضوع رسالتي؛ لأن الموضوع الذي بحثت فيه وأخترته موضوع للرسالة لم يُدرس من الجانب البلاغي أبداً، وأشبع دراسه من الجانب الأدبي والنقدي، وفي نظري أن دقة النظم و بلاغة المعاني في الأبيات تستحق الدراسة وكذلك بعض الأساتذه الكرام أيدوا ذلك ... أفيدوني ...
أثابكم الله حسن الثوب و جعلناوأياكم من أصحاب الجنة الكرام.
ـ[فتون]ــــــــ[02 - 09 - 2010, 10:41 م]ـ
متابعة ...
ـ[حسين العدوان]ــــــــ[06 - 09 - 2010, 12:53 ص]ـ
السلام عليكم ..
أسجل المتابعة .. لعلنا نستفيد من الكفاءات الضخمة هنا ..
وشكراً جزيلاً ..
ـ[ابو زياد22]ــــــــ[19 - 09 - 2010, 06:30 ص]ـ
وفقك الله يادكتور سامي (ما الفرق بين التجربة الشعرية والشعورية)
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 02:19 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
ما زلنا نتابع ولكن ... لم يوضع شيء جديد!؟
ـ[الحُميراء]ــــــــ[03 - 10 - 2010, 01:17 ص]ـ
جزاكم الله الجنان ونور الله حياتكم بالخير والسعادة كما تنورنا بالعلم
لكن لدي استفسار هل التحليل يشمل كل أنواع النصوص الادبية والفكرية والعلمية وغيرها أم شامل تحليل كل هذه الانواع
ونحليلها هل نحلل المعلومات التي فيها أم نحللها بلاغيا أتمنى أن أفهم
لكن فعلا نريد تحليل النصوص والمقالات التي نقرأها ...
ـ[سلآش]ــــــــ[24 - 10 - 2010, 05:14 م]ـ
جزاك الله خيرًا
ـ[أقدآر]ــــــــ[26 - 10 - 2010, 09:36 م]ـ
-
السلام عليكم
جزآك الله خيراً ولاحرمك الأجر يارب (:
كل الشكر ....(/)
علاقة البلاغة بالنحو
ـ[سنهور]ــــــــ[06 - 06 - 2010, 01:14 ص]ـ
من المؤكد أن هناك علاقة وثيقة قوية بين النحو والبلاغة
هذه العلاقة لا يمكن فصلها بسبب تلازمهما فكل منهما يكمل الآخر
فإذا كان النحو يتناول الأسلوب من ناحية التكوين، وضبط أواخر الكلمات
فإن البلاغة تتناوله من جهة ما يتحقق فى الأسلوب من قيم جمالية وفنية تجعله
موائما لما دل عليه
وهو ما يعرف عند البلاغيين (بمطابقة الكلام لمقتضى الحال) 0
لذا نجد أن علماء البلاغة وجهوا عنايتهم بدراسة النحو ودرسه جنبا بجنب مع دراستهم للبلاغة
موضحين مكانة النحو فى قوة الأسلوب وأثر البلاغة فى فنيته وسلاسته وجماله 0
(وسنتحدث بشىء من التفصيل عن هذه العلاقة عند علماءاللغة
وخاصة علماء البلاغة وعلماء النحو)
راجيا من الله سبحانه وتعالى ممن لديه معرفة عن هذه القضية أن يشاركنا حتى نتواصل
نحن أهل البلاغة فيما بيننا وكذا نتواصل مع أهل النحو داخل منتدى الفصيح(/)
من قوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 06 - 2010, 02:01 م]ـ
من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ:
فجاء التوكيد بتصدير السياق بالناسخ المؤكد فذلك أبلغ في تقرير المعنى، وجاء التعريف بالموصولية تعليقا للحكم على الوصف الذي اشتقت من الصلة التي جاءت على حد المضارعة استحضارا للصورة في معرض التنفير منها، فذلك من باب تسجيل الجناية على جهة الاستمرار الذي تدل عليه المضارعة، فلا زال الكتمان والتحريف جاريا إلى يوم الناس هذا، كما لا يخفى ذلك على أي متابع للشأن الكتابي عموما، والنصراني خصوصا، ولعل أبرز صورة معاصرة من صور التحريف: تبرئة يهود من دم المسيح عليه السلام، على ما يزعم النصارى من فرية القتل والصلب، للمرفوع بقيد التطهير، وهو ما اعتبر تحالفا جديدا لمواجهة المد الإسلامي بين اليهودية والنصرانية في دورها البروتستانتي ثم الإنجيلي المتطرف الذي دشنه مارتن لوثر الذي اعتبر اليهود سادة لا يملك النصارى إلا الاقتيات على فتات موائدهم فهم أصحاب العهد القديم، صلب الديانة والشريعة، فما العهد الجديد إلا مكمل له، وهذا صحيح، فالنصرانية لا قيام لها إلا بالعهد القديم، فقد أحالت على شريعة يهود، فإن نبذتها صارت ديانة بلا شريعة، وواقع حالها شاهد بذلك، فتكاد تكون ديانة نظرية، لا شريعة محكمة لها، لما عرف عن النصارى من توسع في نسخ الأحكام، فذلك من صور الطغيان الديني لآباء الكنيسة الذين جعلوا لأنفسهم سلطانا أرضيا يعارض السلطان السماوي، فما أجروه من الأحكام، وإن كان على خلاف الشريعة، لا مبطل له، فالأب في السماء لا يملك حق النقض لما أبرمه الآباء في الأرض، ولكل أب عقله وذوقه وأتباعه الذين: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ).
و: "أل" في "الكتاب": جنسية تستغرق ما نزل عليهم من الكتب: التوراة والإنجيل، فالوصف في علماء اليهود والنصارى متحقق، بل لو قيل بعموم المعنى لاستغرق عموم: "أل" القرآن، من جهة كتمان أحكامه دون تحريف، فذلك قدر فارق امتاز به التنزيل الخاتم عن بقية الكتب فإن أهل الضلال في العقائد أو الشرائع لم يقدروا على تبديل لفظه أو الطعن في نقله، فلجئوا إلى التحريف برسم التأويل بحمل ألفاظه على معان باطلة أو بعيدة لا مستند لها من سياق لفظي أو قياس عقلي صريح، وهم مع ذلك أراذل أصاغر، لا تروج بضاعتهم الكاسدة إلا في أوساط الجاهلين، فقد تصدى لها المحققون من علماء الملة فأبانوا عوارها وأثبتوا بطلانها، وذلك من حفظ الرب، جل وعلا، للدين الخاتم: مبان ومعان، حروفا وحدودا، والشاهد أن المعنى يعم كل كاتم للعلم، وإن كان صحيحا محفوظا، فكيف إن كان باطلا، قد تسلط عليه أربابه بالكتمان والتبديل استبقاء لما لا بقاء له من المآكل الخسيسة والمآرب الوضيعة، وحال آباء الكنيسة، وانحرافاتهم الأخلاقية والمالية ..... إلخ، وطغيانهم الكنسي الذي يفرض على أتباع الكنيسة تعطيل العقل، وتاريخهم الأسود في قمع أي نهضة فكرية، أو حركة إصلاحية، ولو من داخل الصف النصراني خير شاهد على ذلك.
وكتمانهم يعم الأخبار، فقد كتموا البشارة بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والأحكام، كما في سبب نزول الآية، فقد كتموا حكم الرجم، فـ: "ما" نص في العموم، فيشمل الخبر والحكم معا، وإن كان سبب النزول في كتمان حكم الرجم، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإمعانا في بيان فحش جنايتهم جاء العطف: "ويشترون": فاستعير الثمن للرشوة التي يأخذها الحاكم ليحكم بغير الحق، فتلك هي الصورة التي قال فيها ابن عباس رضي الله عنهما: ليس الكفر الذي تذهبون إليه، وإليه أشار صاحب "الأضواء"، رحمه الله، بقوله: "اختلف العلماء في هذه الآية الكريمة، أي في آية: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)،: هل هي في المسلمين، أو في الكفّار، فروي عن الشعبي أنها في المسلمين، وروي عنه أنها في اليهود، وروي عن طاوس أيضاً أنها في المسلمين، وأن المراد بالكفر فيها كفر دون كفر، وأنه ليس الكفر المخرج من الملة، وروِي عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: ليس الكفر الذي تذهبون إليه، رواه عنه ابن أبي حاتم، والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، قاله ابن كثير". اهـ بتصرف
فتلك الصورة الوحيدة التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أصغر، بخلاف التبديل العام للشرائع، أو جحد الشريعة ابتداء، أو الإقرار بها مع الزعم بأنها غير صالحة لهذا الزمان كما هي حال كثير من العلمانيين الذين جعلوا دين الإسلام دينا متحفيا إن صح التعبير فأحالوه إلى التقاعد فهو قصص يتسلى به الأطفال والعجائز!، أو أنها صالحة وغيرها أفضل منها، أو أن غيرها مما يجوز التحاكم إليه وإن كانت أفضل منه ..... إلخ، فكل تلك الصور كما قرر المحققون من أهل العلم: كفر أكبر يخرج صاحبه من الملة، وذلك هو الحكم المطلق فالحكم على فرد بعينه أمر آخر، لا يستقل بإجرائه إلا المحققون من أهل الحل والعقد من العلماء الراسخين، وليس في شغل النفس به لمن ليس له بأهل من عموم المكلفين، ليس فيه كبير نفع، بل يكفي آحاد المسلمين معرفة الحكم العام حذرا من ارتكاب ما يدخل المكلف فيه.
ونكر الثمن تحقيرا، وزيد في إقرار هذا المعنى بوصف الثمن بالقلة، فتنكيره يدل على القلة دلالة قصد، وذكره، من وجه آخر، موطئ للوصف بالقلة بعده، فاجتمعت الدلالتان في معرض بيان الثمن الحقير الذي يدل على دنو همة وخسة نفس آخذه، وقد يقال بأن الوصف بالقلة مئنة من العدم، فلا ثمن ابتداء، إذ كل عرض مهما بلغت قيمته بحساب أهل الدنيا: عدم بحساب دار الجزاء، فلا يليق بعاقل فضلا عن مؤمن موقن أن يبيع دينه به، فتلك الفتنة العامة والطامة الكبرى، فلا مصيبة بعد مصيبة الدين فـ: "يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا".
أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: فجاءت الإشارة إلى البعيد مئنة من التحقير فهم في أدنى المراتب فالمتكلم يشير إليهم إشارة العلي إلى الدني، والمتكلم هو الله، عز وجل، فله العلو المطلق ذاتا وشأنا وقهرا في مقابل دنو منزلتهم حسا ومعنى، فصارت الإشارة بـ: "أولئك": مزدوجة الدلالة فهي تدل على علو المتكلم من وجه، ودنو المشار إليهم من آخر، وهما عند التدبر والنظر: متلازمان، فالعلو يقابله الدنو بداهة، وجاء الحصر بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء مئنة مما تقدم من دنو الهمم التي تعلقت بعرض زائل.
ما يأكلون في بطونهم: فاستعارة فعل الأكل لمعنى الأخذ، وتقييده بالبطن، مع أن الأكل لا يستقر إلا فيها بداهة، مما يزيد المعنى بيانا، فهو إطناب في بيان حالهم الخسيسة، فملء البطون مما أجمع عقلاء الأمم على قبحه، فضلا عن اشتراك الإنسان والحيوان فيه، فليس فيه معنى شريف يختص بالإنسان العاقل المكلف ليصح إيراده مورد المدح، بل لا تمدح بملء البطون إلا البهائم، فتوصف البهيمة بالجودة إن كانت تأكل أكثر من غيرها!، فقدم الجار والمجرور: (في بطونهم)، وهو ظرف المأكول: إمعانا في تقرير معنى الذم لهم على هذه الهمة الدنية التي اشترت الفاني بالباقي، والخزف الخسيس بالذهب النفيس، ثم جاء ذكر المأكول على جهة المجاز المرسل، عند من يقول بوقوع المجاز في الكتاب العزيز، فهو من مجاز المسببية، فالنار مسبَّب أكل الرشوة، فأطلق المسبَّب وأراد سببه، وإنما خص الأكل من صور
(يُتْبَعُ)
(/)
الانتفاع بالرشوة لما تقدم من خسة همة من تعلقت نفسه به، فهو صائر بعد هضمه إلى ما قد علم!، فضلا عن كون الأكل من أعظم صور الانتفاع بالمال حلالا كان أو حراما، فمن حلاله: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ): فكلوا من الطيبيات فهي من آثار ربوبية العناية واعملوا صالحا فذلك واجب الألوهية اللازم لوصف الربوبية المتقدم على ما تقرر مرارا في التنزيل من التلازم الوثيق بين الربوبية والألوهية، وفي عطف الأمر بالعمل الصالح على جهة الوجوب أو الندب على الإباحة على جهة الامتنان دليل لمن قال بضعف دلالة الاقتران فلا يلزم التعاطف: التماثل في الحكم، وإن كان ذلك هو الأصل.
ومن حرامه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)، و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، فأطلق الأكل في صدر الآية، ثم أبان عن مراده منه في آخرها: "يكنزون"، فالأكل قد استعير للكنز، فمعنى الجمع في كليهما حاصل، فتجمع اللقم في البطن، وتجمع الأموال في الأكياس والخزائن، وكلا الجمعين، مما أطبق أصحاب العقول على قبحه، فمآله إلى استحالة وزوال، فلا يبقى من المطعوم ما يمدح إلا ما كان من قوة تستعمل في طاعة، فيكون الفعل مع كونه مباحا في نفسه، مندوبا أو واجبا لغيره، فبه يتقوى الآكل، إن كان من أهل التوفيق والسداد، على أداء نافلة أو فريضة، كما أثر عن الثوري، رحمه الله، فكان يأكل كثيرا ليتقوى بالمطعوم على الطاعة، فأكله طاعة بالنظر إلى مآله، فهو سبب في وقوع طاعات مرادة لذاتها فمعنى التعبد فيها ظاهر، بخلاف الأكل فإن معنى التعبد فيه خفي، فليس في الأكل معنى شرعي يمدح لأجله الآكل، فهو من جملة المباحات، وإنما يدخله المدح أو الذم من خارج، فإن استعان به على طاعة صار ممدوحا، وإن استعان به على معصية صار مذموما، فيحتمل كلا الوجهين، بخلاف الطاعة المحضة فلا يتصور معنى المعصية فيها بداهة، فهما من الأضداد التي لا تجتمع في محل واحد من وجه واحد، فلا يكون الفعل طاعة ومعصية في نفس الوقت من نفس الوجه، ولذلك افتقرت المباحات لتصير محلا قابلا للثواب، افتقرت إلى نية أخفى وأعسر استحضارا من نية مباشرة العبادة المحضة، فإنها تفتقر أيضا إلى النية، ولكن معنى التعبد فيها ظاهر فيسهل على مباشرها استحضار نية الطاعة، وهذا أمر قد ظهر أثره في بعض أحكام الفقه عند بعض أهل العلم، فالحنفية، رحمهم الله، على سبيل المثال، لا يوجبون النية في العزائم كالوضوء، فهو مما شرع عزيمة، فمعنى التعبد فيه بغسل أعضاء مخصوصة: معنى ظاهر لا يفتقر إلى نية، بخلاف الرخص كالتيمم، فمعنى التعبد فيه خفي، فطهارته حكمية تستباح بها العبادات ولا ترتفع به حقيقة الحدث المانع من أدائها، فيبطل فور وجدان الماء، فلما كان أمره خفيا، فهو خلاف الأصل، صار استحضار النية فيه واجبا.
ومن ينكر المجاز فإنه يرد ذلك إلى لسان العرب، فإطلاق المسبب وإرادة السبب مما عرفته العرب في كلامها، وفي التنزيل: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ)، فأطلق الرزق وهو المسبب وأراد سببه وهو المطر، فصار حقيقة من هذا الوجه، وإن استعمل اللفظ في غير دلالته المعجمية، فالنار لا تؤكل بداهة، والرزق لا ينزل من السماء وإنما ينبت من الأرض بمباشرة الماء لقوى الإنبات في البذر.
وقد يقال بأن أكل النار في الآخرة على حقيقته، فيصور لهم من النار طعام، كما يصور لهم الشراب واللباس والمهاد ... إلخ، فحياتهم فيها حياة نارية، عافاكم الله، فلا يكون في الكلام شبهة مجاز ابتداء.
ثم جاء الإطناب ببيان العذاب المعنوي بعد العذاب الحسي:
(يُتْبَعُ)
(/)
وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ: فلا يكلمهم على جهة التكريم، وإن ثبت تكليمه، عز وجل، لهم على جهة التقرير والتوبيخ، وجاء تكرار: "لا" توكيدا بالإطناب في معرض الذم فذلك آكد في تقريره، وبعد بيان صور بعينها من العذاب الحسي والمعنوي، جاء التذييل بالإجمال على ما تقدم ذكره من التوكيد بالإطناب، فينزل ذلك منزلة العموم بعد الخصوص، فلهم، على جهة الاختصاص، بتقديم ما حقه التأخير، دون غيرهم: عَذَابٌ أَلِيمٌ: نكر تعظيما ووصف بالأليم تبكيتا، فوصفه بـ: "فعيل" جار مجرى المبالغة، فهو أليم بمعنى مؤلم شديد الإيلام، وأطلق نوعه فعم ما تقدم من صور العذاب المحسوس والعذاب المعقول.
ثم جاء الإطناب في بيان حالهم الردية فـ:
أولئك: على ما تقدم من الدلالة المعنوية للإشارة إلى البعيد في معرض الذم، والتعريف بالموصول تعليقا للفائدة بالوصف الذي اشتقت منه الصلة، فأولئك الذين اشتروا: فاستعير معنى الشراء للاستبدال، على جهة الاستعارة التصريحية، أو هي من قبيل الاستعارة المكنية بتشبيه فعلهم بصفقة بذل فيها الهدى ثمنا للضلالة، وما ترتب عليه لزوما من بذل المغفرة ثمنا للعذاب، وفي ذلك من فساد الطريقة ما فيه، وهو دليل على فساد عقل صاحب هذه الصفقة الخاسرة، فشبه فعلهم باختيار الضلالة وما يترتب عليها من العذاب، بالصفقة التي يقع فيها الاستبدال، وحذف المشبه به وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو الشراء الذي يقع لزوما في أي صفقة.
ثم جاء التذييل على جهة التعجيب كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله:
فنزل غير الواقع فلما يقع بعد منزلة الواقع الذي يصح التعجب من وقوعه، فذلك آكد في تقرير معنى الزجر، ولا يخلو من نوع تهكم بهم، فليس لأحد من الخلق صبر على العذاب، وإنما صح ذلك تنزيلا للسبب منزلة المسبَّب فإنهم لما باشروا أسباب العذاب على نحو فيه من الجرأة ما فيه، نزل ذلك منزلة جرأتهم على العذاب، فذلك من جنس الأثر المعروف: "أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار"، وقد حمل أبو عبيدة معمر بن المثنى، رحمه الله،: "ما" في هذا السياق على الموصولية، فصار المعنى استفهاما تقديره: فما الذي أصبرهم على النار؟!، ولا يخلو من معنى تعجيب وتوبيخ، أيضا، فالجواب: أصبرهم عليها تقديم العاجل الفاني من عرض الدنيا على الآجل الباقي من نعيم الآخرة، وذلك، كما تقدم، مئنة من فساد قياس وتصور فاعله.
والله أعلى وأعلم.(/)
الغرض البلاغي من الأمر في الآية
ـ[فخر المحبة]ــــــــ[08 - 06 - 2010, 08:31 ص]ـ
قوله تعالى: " فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ "
الا يكون الغرض البلاغي هو التوبيخ
ارجو التأكد
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[08 - 06 - 2010, 11:02 ص]ـ
بلى أخي الكريم
أرى ما ترى
التوبيخ هو الغرض المناسب لهذه الآية
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[09 - 06 - 2010, 02:19 ص]ـ
بل الاقرب والله اعلم الوعيد والتهديد(/)
نموذج تطبيقي على الصورة الفنية .. إعداد. أسامة منصور
ـ[ابو يزن]ــــــــ[10 - 06 - 2010, 03:00 ص]ـ
لوحة وصف في بائيةٍ لأبي تمام
كنموذج تطبيقي على الصورة الفنية في الشعر
إعداد: أسامة منصور
يقول الشاعر ابو تمام في بائية له في الوصف:
لم أر عيرا جمة الدؤوب تواصل التتهجير بالتاويب
أبعد من أين ومن لغوب منها غداة الشارق المهضوب
نجائبا وليس من نجيب شبابة الاعناق بالعجوب
كالليل أو كاللوب أو كالنوب منقادة لعارض غربيب
كالشيعة التفت على النقيب آخذة بطاعة الجنوب
نا قضة لمرر الخطوب تكف غرب الزمن العصيب
محاءة للأزمة اللزوب محو استلام الركن للجنوب
لما بدت للارض من قريب تشوفت لويلها السكوب
تشوف المريض للطبيب وطرب المحب للحبيب
وفرحة الاديب بالأديب وخيمت صادقة الشؤبوب
فقام فيها الرعد كالخطيب وحنت الريح حنين النيب
والشمس ذات حاجب محجوب قد غربت من غير ما غروب
والارض في ردائها القشيب في زاهر من نبتها رطيب
بعد اشتهاب الثلج والضريب كالكهل بعد السن والتحنيب
تبدل الشباب بالمشيب كم آنست من جانب غريب
وفتقت من مذنب يعبوب وغلبت من الثرى المغلوب
ونفست عن بارص مكروب وسكنت من نافر الجنوب
واقنعت من بلد رغيب يحفظ عهد الغيث بالمغيث
لذيذة الريق مع الصبيب كأنما تهمي على القلوب
(1 - 2) يبدأ أبو تمام قصيدته بالنفي والاستغراب من تلك العير كثيرة السير التي تواصل المشي في أقصى درجات الحرارة العالية، تسير هذه الإبل حتى طلوع الشمس وتتجه نحو هضبة ينزل الغيث عليها.
(3 - 5) هذه الإبل مطايا وليس من راكب لها طويلة الأعناق، هي سوداء كالليل أو كالأرض السوداء تسير منقادة إلى جبل كبير ذي لون اسود، والسواد في هذه الأبيات جاء متناسبا مع الحال التي يذكرها الشاعر من القحط والحر الشديد
5 يتحول الشاعر إلى تشبيه آخر لهذه العير وأنها تلتف التفاف الشيعة حول نقيبهم.
(6 - 10) ثم يأتي الشاعر بصفات متعددة يستغرب القارئ وصفها للإبل للوهلة الأولى حيث يذكرها في خضم وصفه لها فيقول بأنها ماحية للقحط الشديد، تزيل القحط كما يزيل الحجر الأسود الذنوب، يتشوّف المطر عندما تبدو للأرض من بعيد وثم يذكر العديد من الصفات لهذا الانتظار: كالمريض المتألم المنتظر طبيبه، وكطرب المحب للحبيب وكفرحة الأديب للأديب، ثم تخيم، صادقة الشؤبوب أن مطرها واقع لامحالة.
(11 - 12) ثم يسترسل الشاعر بوصف الغيث وأول ما يبدأ بوصفه الرعد، حيث يقوم بين الغيوم كقيام الخطيب بين المصلين ومن المعروف أن السيادة تكون للخطيب في الصلاة وفي حالة المطر يسود الرعد على الغيوم بصوته وضوئه، ويجعل الشاعر صورة فنية رائعة من ذلك يشاكلها مع صوت الرياح الخفيف الممتد مع صوت الناقة الطاعنة في السن، وهنا يكمل الأثر الفني الذي يرسخه الشاعر فينا نفس القارئ ليضعه في صورة مجسده أمامه وكأنه واقع تحت انهمار أمطار تلك الغيوم ويظهر هذا التجسيد واضحا في الصور القادمة.
13 - ثم يأتي الشاعر إلى وصف الأرض ذات الرداء القشيب بعد التغير وبعد العواصف وكان الماء على الأرض عند المطر ثلج خلط معه عسل داكن اللون، وعند توقف الحركة في المطر ومع تمازج الألوان السابقة يسوقنا الشاعر إلى صورة فنية أخرى متمثلة بأن الأرض بعد قحطها الشديد عند نزول المطر مباشرة تبدو كالكهل الطاعن في السن، معوج القدمين، لان تلك الفترة الزمنية عند نزول المطر تسكن الأرض وتهدا الحركة.
ثم يحلق الشاعر بخياله بنا إلى روح الحركة والروح حيث بعد نزول المطر تتبدل الحياة وتتغير ويتحول الشباب إلى مشيب، تسيل السيول، وتغمر الأرض المياه، ويتنفس كل مكروب من قلة المياه، ويظهر العشب، و تأوي كل من نفر من القحط إلى تلك المنطقة الممطرة، وأقنعت هذه الأمطار الأرض التي عرفت موعد المطر ولم تخلفه، ثم يصل بنا أخيرا إلى حقيقة أن نزول المياه تفرح القلوب بها كما كأنما تنزل على القلوب مباشرة لا على الأرض.
(يُتْبَعُ)
(/)
مما سبق تتضح مقدرة الشاعر على الانتقال بالقارئ أو المتلقي من نفسية إلى أخرى، من سكون تام إلى حركة لا مثيل لها، يضعنا في القصيدة ونحن عطشى فنخرج منها ونحن غرقى من ذلك الغيث الموصوف ورويا من انهمار الصور والتشبيهات والاستعارات بشتى أنواعها لتجسد صورة حقيقية كأننا نعيشها وقد نجح الشاعر بذلك وانتقى الألفاظ المناسبة والتي تضافرت مع ما سبق لتشكل تلك اللوحة الفنية الرائعة في وصف الغيث.
القصيدة لوحة واحدة وليست لوحتين!
لقد توهمت للوهلة الأولى وكما قد يتوهم غيري أن القصيدة هنا تتكلم عن لوحتين، لوحة الإبل ولوحة الغيم،
ولكن من خلال التعمق في هذه القصيدة في مفرداتها ومدلولاتها وأبعادها، تبين لي أن اللوحة بكاملها تتحدث عن الغيم من أولها إلى نهايتها وجاء ذكر العير بطريقة فنية بحيث يتصور المتلقي أن القصيدة عبارة عن وصفين الأول للإبل والثاني يأتي لوصف الغيم وما قادني إلى هذا الاستنتاج ما يأتي:
1 - لفظة العير بمعنى الإبل، وحسب ظني انه قصد بها الغيوم نفسها خاصة أن العير تعني المطية والمطر هو الراكب عليها، وهذه الغيم تواصل تهجير الإبل من مكان لآخر بحثا عن الماء، تنتقل إلى حيث المطر موجود.
2 - وصفها الشاعر في البيت الثاني بالنجائب والنجائب هي المطايا في اللغة وقصد بقوله:"وليس من نجيب" انه لا يستطيع احد ما أن يركبها ووصفها بصفة من صفات الإبل وهي أنها متشكلة كالإبل طويلة الأعناق.
3 - وصفها بالسواد ونحن نعرف أن الغيوم السوداء هي الغيوم المحملة بالأمطار تنقاد هذه الغيوم إلى جبل اسود لتسقط عليه
4 - وأما في البيت الخامس – وهو ما دفعني إلى استنتاج انه يقصد باللوحة الأولى الغيوم وليس الإبل انه قال أنها آخذة بطاعة الجنوب وهي عند العرب الريح الجالبة للمطر حيث إنها استجابت لريح الجنوب.
5 - من البيت الخامس يتجلى ما وضوح الصورة الفنية التي رسمها الشاعر حيث إنه يذكر صفات عديدة لا تكون إلا للغيوم، فهي ماحية القحط، وعندما بدت للأرض تشوفت الأرض للمطر كتشوف المريض للطبيب، والمحب للحبيب، و ........
إذن من خلال ما سبق استطيع القول أن الشاعر نجح من خلال هذه القصيدة ومن خلال نسجه لمعانيه ورسمه للصور والمحسنات الفنية والتشبيهات الصائبة أن يضعنا في جو من السحر التشاكلي بين الغيوم والإبل، مما يجعل المتلقي يجزم مرة أنها لوحة في قصيدة واحدة لو لوحتين في قصيدة!
ـ[بسمة منصور]ــــــــ[15 - 07 - 2010, 12:17 ص]ـ
بارك الله فيك على انتقائك الموضوع، نحن نحتاج إلى مثل هذه الأبحاث المختصرة لنأخذ فكرة عامة عن طريقة الدراسة بالصورة الفنية
جهد مشششككوووور(/)
ما اسم هذه الفاء هنا؟
ـ[أحمد العاشر]ــــــــ[10 - 06 - 2010, 05:38 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله.
في نص من نصوص ابن خلدون يشرح أخطار الضرب على التلاميذ ثم بعد ذلك يقول:
فينبغي للوالد في ولده أن لا يستبد في التأديب
ما نوع الفاء في "ينبغي:
هل هي فصيحة؟؟
هل هناك شيء اسمه فاء سببية غير عاملة؟
ـ[أبومحمدع]ــــــــ[10 - 06 - 2010, 03:26 م]ـ
من معاني الفاء /الاستئناف. هذا ما أراه.
أنقل لك النص الذي تضمن ماقلته كي يدلو الإخوة بما يرون.
في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم:
وذلك أن إرهاف الحد في التعليم مضمر بالمتعلم، سيما في أصاغر الولد، لأنه من سوء الملكة. ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلميبن أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقاً، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله.
وصار عيالاً على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى انسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين. وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف، واعتبره في كل من يملك أمرة عليه. ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به. وتجد ذلك فيهم استقراء. وانظره في اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السوء حتى إنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالخرج، ومعناه في الاصطلاح المشهور التخابث والكيد، وسببه ما قلناه. فينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده أن لا يستبدوا عليهم في التأديب.
ـ[أحمد العاشر]ــــــــ[11 - 06 - 2010, 03:27 ص]ـ
شكرا جزيلا أخي محمد، هل من آراء مخالفة إخوتي الكرام؟
رجاء الاهتمام فأنا أحتاجها فعلا.(/)
أرجو المساعدة
ـ[ماجدة العربية]ــــــــ[12 - 06 - 2010, 06:18 م]ـ
هل هده الجملة طباق ادن مانوعه
'الاعتراف بالاخر وليس رفضه'
;) ;) ;) ;) ;)
ـ[انا المعلم]ــــــــ[23 - 06 - 2010, 01:51 ص]ـ
على حد علمي أختي الفاضلة أن الطباق الكلمة وضدها مثل أول آخر ليل ونهار يضحك يبكي والله أعلم
ـ[فتون]ــــــــ[23 - 06 - 2010, 02:26 ص]ـ
وأزيد على ما قال الفاضل
أنك أردت لفظتي الاعتراف والرفض ولا تضاد بينهما
فضد الاعتراف الإنكار، وضد الرفض القبول.
والله أعلم.(/)
هل المتشابه اللفظي في القرآن الكريم للتفنن فقط .. ؟!
ـ[سديم2001]ــــــــ[12 - 06 - 2010, 10:14 م]ـ
كنت أبحث في المتشابه اللفظي في قول الله عزوجل سورة البقرة: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين)
وقوله في سورة الأعراف: (وإذا قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم وسنزيد المحسنين) ..
وتحديدا في الغرض من مجئ (خطيئاتكم) بهذه الصيغة في سورة الأعراف .. و (خطاياكم) في سورة البقرة
فوجدت الألوسي وابن عاشور يذكران أن الغرض هو التفنن في الكلام ..
فتوقفت عند هذه المسألة خاصةً أنني وجدت المفسرين والباحثين في المتشابه اللفظي يذكرون أوجهًا وجيهة لذلك
في حين أن العالمين الفاضلين يفردون التفنن بالذكر وكأن ذلك نفيًا لوجود أي غرض آخر سواه
فهل يمكن أن يكون التفنن غرضا بلاغيا .. وهل يصح أن يكون هو الغرض الوحيد من المتشابه اللفظي .. ؟!(/)
من قوله تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ ....... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 06 - 2010, 11:55 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ):
فتوجه النداء إلى العباد المؤمنين فإضافتهم إلى ياء المتكلم الراجعة على الرب، جل وعلا، من إضافة التشريف، فالعبودية هنا: العبودية الخاصة، بقرينة البيان بالموصول، فالتعريف به، كما تقدم مرارا، مئنة من تعلق الحكم بالمعنى الذي اشتقت من جملة الصلة، وفيه نوع تنبيه وإرشاد لهم بإشارة لطيفة إلى الهجرة من دار الكفر إلى دار يمكنهم إظهار شعار الدين فيها بإقامة أحكام الملة، فقد ضيق عليهم في مكة، فتعذرت الإقامة في البلد الأمين لتعذر إقامة أحكام الدين فيها، ولو أفرادا، ولما تجب الهجرة بعد، فكانت هذه الآية بمنزلة التوطئة والتهيئة النفسية للمؤمنين لقبول هذا التكليف الذي يشق على كثير من الناس، لصعوبة مفارقة الأهل والمال على كثير من النفوس، فقد قعد من قعد عن الهجرة وهو مستطيع، فنزل فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)، فجاء الاستفهام بيانا لعلة التوبيخ بترك الهجرة، فسعة الأرض، التي أضيفت إلى خالقها، عز وجل، إضافة المخلوق إلى خالقه، فذلك آكد في تهدئة الخواطر وبث الطمأنينة في النفوس، فالأرض: أرض الله، جل وعلا، ملكا وتدبيرا، فذلك من كمال ربوبيته، جل وعلا، إيجادا وإعدادا، فأوجد الأرض وهيأ فيها أسباب الحياة، فذلك من عنايته، عز وجل، بخلقه، مؤمنهم وكافرهم، ووعد أهل الإيمان بالتمكين في الأرض إن هم وفوا بالشرط، فـ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فالحكم مطرد منعكس، كسائر الأحكام الشرعية التي علقت على معان تقبل الوجود والعدم، بخلاف الذوات التي توجد على الدوام، فلا تحتمل العدم حينا والوجدان آخر، ولذلك صح الإخبار بظرف الزمان عن المعنى، فتقول: الصوم غدا، ولم يصح عن الذات، فلا تقول: محمد غدا، فذلك معنى قد علم بداهة فلا فائدة في النص عليه، على تفصيل ذكره النحاة في هذه المسألة، والشاهد منه: تعلق الحكم بالوصف الذي يوجد في زمان، كزمان الصدر الأول، فيوجد الحكم بالتمكين الذي حير العالمين، لا سيما أصحاب الفلسفة المادية البحتة في تفسير أحداث التاريخ، فلم يمكنهم في لا موضوعية عجيبة، إلا أن يردوا ذلك إلى الظروف البيئية التي ألجأت العرب إلى ترك الجزيرة والتوسع في الأمصار المجاورة رضا بالزرع واتباعا لأذناب البقر، ولو كانوا كذلك، لنكلوا بأهل البلاد المفتوحة، كما يصنع كل محتل غاز، وكيان يهود اللقيط خير شاهد على ذلك في واقعنا المعاصر، فقد أقام كيانه المسخ على جثث الموحدين من أبناء الأرض المقدسة، فأين ذلك الغزو الهمجي، وله نظائر كثيرة في تاريخ البشرية، من فتح المسلمين الذي كان رحمة بالمخالف والموافق معا، فرحب أبناء الأرض المفتوحة كالعراق والشام ومصر، بالفاتحين الجدد، ورضوا بأن يحكموهم ففضلوهم على أبناء دينهم، فمجوس العراق فضلوا المسلمين على الفرس، ونصارى الشام ومصر فضلوا المسلمين على الروم، لما وجدوا في ظل حكمهم من نعمة الأمن، الذي يفتقده كثير من المسلمين في زماننا في بلادهم!، فكثير لا يجد نوع حرية في إظهار شعار الدين وإبداء الرأي دون خوف إلا إذا لجأ إلى بلاد الغرب، لا سيما قبل أحداث سبتمبر 2001، التي ضاقت الدائرة بعدها رويدا رويدا، ومع ذلك لا زال هامش الحريات، وإن كان محدودا في الغرب النصراني أكبر بكثير منه في كثير من بلاد المسلمين، وتلك من حسنات العلمانية الضئيلة، التي
(يُتْبَعُ)
(/)
ساوت في الظلم بين كافة الأديان، وإن اختصت الإسلام بمزيد عداوة، إلا أنها في الجملة تقصي الدين، أيا كان، من واقع الحياة، لا سيما من واقع الأفراد، فالغربي ملحد بلسان حاله، إن لم يكن بلسان مقاله، والساسة بذلك راضون بل وعليه حريصون حفاظا على قيم العلمانية التي بذلت في سبيلها دماء وفيرة، في صراع شرس بين الشعب المقهور، والسلطة السياسة والدينية الطاغية المتمثلة في حكم الإقطاع الذي يتزعمه الإمبراطور أو الملك، وحكم الكنيسة الذي يتزعمه البابا المعصوم، فكان لزاما على الجماهير، أن تسير على منهاج السنة الكونية المطردة، فتبذل مقابل ما آمنت به، ولو كان باطلا، فالعلمانية في جملتها باطل، وإن لم تخل من نقاط مضيئة، كحرية التعبير عن الرأي، وإن كان ذلك في أحايين كثيرة، خداعا للجماهير لتقنع، كما يقول بعض المفكرين المعاصرين، بفتات مائدة الرأسمالية، فتهبها قدرا من الحريات العامة التي تصل على المستوى الفردي إلى درجة الإلحاد الديني والانحلال الخلقي، وهو قدر يبدو كبيرا، لا سيما إذا قورن بهامش الحريات الضئيل في بلاد المسلمين بعد عزل الإسلام وتولية العلمانية المتطرفة التي لا تحارب في بلادنا إلا الإسلام دون سائر الأديان في انتقائية عجيبة فليتها كانت علمانية أوروبية لا دينية تسوي بين الأديان في الظلم!، وإنما اختصت الملة الخاتمة بمزيد عداء، بل بالعداء كله تقريبا، فهي، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين: لا إسلامية، وإن رضيت بالنصرانية واليهودية، بل وسعت في كسب ود أتباعهما، فبذلت من سيادتها المنقوصة ما بذلت إرضاء لمن لا يرضى، فـ: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)، ولعل النموذج المصري المعاصر الذي خضعت فيه الدولة المدنية المزعومة لسلطان الأقلية النصرانية التي تتفنن في استفزاز الغالبية العظمى من أبناء مصر من المسلمين وتتعمد توجيه التهديدات المبطنة والصريحة في الآونة الأخيرة إلى مؤسسات الحكم المتداعية، كما وقع في أزمة الزواج الثاني للمطلقين من النصارى الذين تصر الكنيسة على انتزاع حق الحياة السوية منهم بمنعهم من الزواج بزعم أن الإنجيل قد نص على ذلك!، لعل ذلك النموذج خير شاهد على تلك العلمانية المتطرفة التي لا تجيد استعمال القوة إلا مع المسلمين، بينما يحظى غيرهم بدعم خارجي يجعل الدولة تفكر ألف مرة قبل التعامل معهم، ولو وفق عقد المواطنة المزعوم الذي يزعم واضعوه أنه يسوي بين الأفراد، وقد صار أقصى طموح المسلم في بلد تبلغ نسبة الإسلام فيه نحو 94 %، أن يعامل معاملة النصراني!، فحقوقه كمواطن فضلا عن مسلم في بلد إسلامية: منتهكة، ولا بواكي له، كما للنصارى الذين تبكي أمريكا عليهم أنهارا من الدموع!، وهي كما عهدناها: حامية حقوق الأقليات في جميع أنحاء العالم إلا الأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية، وأخيرا الأقليات الإسلامية من جهة الحقوق لا العدد في الدول الإسلامية!، فليس أولئك في دائرة اهتماماتها، ويقال أيضا: بأن هذا الفتح الإسلامي الراشد لو كان غزوا من جنس الغزو العسكري المعهود لاضمحل كما اضمحلت فتوحات القادة العسكريين الذي حفظ التاريخ سيرهم العسكرية فقد انهارت دولهم عقيب وفاتهم أو حتى قبل ذلك فثار أهل البلاد المفتوحة عليهم بمجرد أن دب الضعف إلى سلطانهم وعادت البلاد كما كانت بعد تحررها من قبضة الاحتلال، وهذا ما لم يحدث في التجربة الإسلامية فقد تمكن الإسلام من القلوب فلم تزل الشعوب تستمسك به أكثر مع تراخي قبضته العسكرية والسياسية، لا سيما في الأعصار الأخيرة، فلو كان حكمه قهرا كحكم سائر حكومات الاحتلال لكان زماننا أفضل زمان للثورة عليه واستعادة الحرية من سلطانه بالردة العامة عنه فليس ثم ما يصد عن ذلك بل القوى العظمى تساند المرتدين وتقدم لهم الدعم، ولو آحادا، فكيف إذا ارتدت شعوب بأكملها؟!، والشاهد أن العلمانية، مع تطرفها وفساد مقالتها، لم تطبق بحذافيرها في بلادنا، وإن طبقت بشكل انتقائي ضد الإسلام وحده، وهذا ما جعل
(يُتْبَعُ)
(/)
أوروبا: معقل العلمانية الرئيس خيرا لكثير من المضطهدين المسلمين من بلادهم الأصلية، ففروا إلى دار كفر فيها نوع عدل، وإن كان محدودا، ليس في دور المسلمين نظيره!، وتلك مفارقة عجيبة فتنت فئاما من أبناء زماننا بالتجربة العلمانية الأوروبية فظنوا أن النجاة في نقل هذه التجربة بحذافيرها، مع البون الشاسع بين الظرف الأوروبي والظرف الإسلامي، فأوروبا لم تعرف يوما دينا صحيحا يكفل الحريات الآدمية، فكانت ثورتها على دين الكنيسة ثورة تصحيح من هذا الوجه، وإن صاحبها صور من التخريب للأديان والأخلاق، بينما عرف المسلمون في عصورهم الزاهية معنى الحرية الحقيقية، فكانت حريتهم شرعية تستند إلى الوحي فليست منة من حاكم أو عطية تتسولها الجماهير أو تنتزعها انتزاعا من السلطة الحاكمة، بل هي حرية: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، فلما غيب الإسلام، ظن أبناؤه المتأخرون، أن الوضع المزري الذي نعيشه في الأعصار المتأخرة هو الإسلام، فهو دين الاستبداد والمعتقلات وقمع الحريات لمجرد أن تلك الأفعال الشائنة تقع في بلاد المسلمين فقط!، وهل زعم أحد أن هذا هو الإسلام، وإن كان ذلك مسلك المتملكة برسم الجبر والقهر في بلاد المسلمين في الأعصار المتأخرة، فلما قيس الدين الخاتم لسوء مسلك أولئك الظاهر، لما قيس على دين الكنيسة، لعلة الاستبداد، أنتج هذا القياس الفاسد نتيجة فاسدة هي: أنه لا بد من ثورة علمانية على الدين كتلك التي ثارتها أوروبا على الكنيسة، لينتزع المسلمون حرياتهم المفقودة كما انتزعها الأوروبيون، وكأن تلك الحقوق لم تكن مكفولة، بل واجبة، في الدين الخاتم، فلم يكن كدين الكنيسة الذي كان يكرس الاستعباد والإذلال للبشر بحجة أن ذلك عقاب إلهي على الخطيئة الأولى التي يولد الإنسان بها، فدنسها قد طال كل الأجيال حتى بعد نزول المخلص وصلبه فداء للنوع الإنساني!.
فجاء التنبيه بالعلة قبل الإشارة إلى المعلول إشارة لطيفة، فصدرت العلة بالناسخ المؤكد: (إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ)، فذلك من كمال ربوبية الباري، عز وجل، كما تقدم، فإذا ثبت كمال وصف الربوبية له، ثبت لزوما واجب كمال الألوهية، فـ: (ِإيَّايَ فَاعْبُدُونِ)، فالفاء تفريعية قد أشربت معنى السببية، فما قبلها، من التمانع في الربوبية فالأرض أرضه، جل وعلا، إيجادا وملكا وإعدادا، فلا منازع له في ذلك، فهو المالك لعينها الملك المدبر لأحوالها، وإن زعم من زعم من أهل الشرك في الملك أو التدبير وجود من يشركه فيهما فشاهد الشرع والعقل والفطرة والحس دال على بطلان زعمه، فانتظام أمر الكون على هذا النسق المحكم يولد في النفس علما ضروريا جازما بوحدانية الرب، جل وعلا، ذاتا، وأحديته، صفات، فلا ند يساميه في كمال ذاته، ولا شريك ينازعه تدبير الكون، فله الملك والتدبير ولوازمهما من: إيجاد وإجراء للأرزاق ... إلخ، والشاهد أن ما قبل الفاء مما تقدم من التمانع في الربوبية يدل لزوما: دلالة السبب على مسبَّبه، على التمانع في الألوهية، فلا معبود بحق سواه، ولذلك توجه الأمر بإفراده، جل وعلا، بالعبادة، على جهة الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير فتقدم المعمول على عامله، فتأويل هذا الأمر: حصر آخر في أم الكتاب في قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، فذلك تأويل الأمر في آية العنكبوت بامتثاله، فذلك جار على ما تقرر مرارا من التلازم الوثيق بين الربوبية مقدمة، والألوهية نتيجة، وذلك جار على أصول الاستدلال العقلي الصريح، على ما تقدم مرارا أيضا، من موافقة صحيح المنقول من الوحي لصريح المعقول من القياس، فالقياس القرآني بشتى صوره: أولويا كان، أو طرديا، أو عكسيا .... إلخ أحكم قياس فمجريه جل وعلا، هو: أحكم الحاكمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي السياق، كما يقول صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، مجاز مرسل مركب، إذ استعير الخبر في قوله تعالى: (إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)، للإنشاء، فهو خبري المبنى إنشائي المعنى، ففيه نوع حض على الهجرة من الأرض التي تتعذر فيها إقامة أحكام الديانة، وإن لم يصل إلى حد الوجوب الملزم آنذاك، فلم تجب الهجرة إلا بعد ذلك، فدعا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه: (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا)، فهو خبر أريد به إنشاء الحض، ولو إشارة غير صريحة، توطئة للأمر الصريح الذي جاء بعد ذلك، فيجري ذلك مجرى الخبر في نحو قول الشاعر:
هواي مع الركب اليمانين مصعد ******* جنيب وجثماني بمكة موثق
فهو خبر أريد به إنشاء التحسر، فصار خبرا باعتبار اللفظ، إنشاء باعتبار المعنى.
وقول الآخر:
إن الشباب الذي مجد عواقبه ******* فيه نلذ ولا لذات للشيب
فهو خبر عن أحوال الشباب أريد به إنشاء التحسر على انقضاء تلك الأحوال، فليس منها شيء حال الشيب.
ومن ينكر المجاز فإنه يرد ذلك، كما تقدم مرارا، إلى لسان العرب، فهو الحجة في فصل النزاع بين مثبتي المجاز ومنكريه، فالمثبت يحتج بأن ذلك مما ألفته العرب في كلامها فصار حقيقة وإن لم تستعمل الألفاظ في دلالاتها المعجمية المطلقة، فقرينة السياق، وهي قرينة لفظية معتبرة، قد دلت على مراد المتكلم ابتداء، فصار التركيب بمنزلة الحقيقة العرفية المعهودة في كلام العرب، فتقدم على الحقيقة اللغوية المطلقة التي تدل على معاني الألفاظ التي يتركب منها السياق دون نظر إلى قرينة السياق الذي ينتظمها.
والآية جارية على ما اطرد في التنزيل من التمهيد الذي يسبق تقرير الأحكام صراحة، فذلك من التوطئة التي تيسر على المكلف الامتثال لاحقا إذا ورد الحكم الصريح، فالنفس قد تهيأت بما حصل لها من التنبيه بتلك الإشارات اللطيفة، فإذا ورد الحكم وجد محلا ملائما، فذلك من جنس التمهيد إلى تحريم الخمر بقوله تعالى: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا)، فنفى الحسن عن السكر وأثبته للرزق فدل ذلك على نقص في السكر يجعله مظنة التحريم لاحقا، والتمهيد إلى تحريم الربا بقوله تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)، فلم تتعرض الآية لتحريم ملزم، وإنما ذكرت ما يلزم منه ذم الربا، فتلك أولى درجات التحريم.
وذلك ملمح من ملامح الإعجاز التشريعي في الكتاب العزيز، فقد نظر إلى نفوس وعوائد المكلفين، فمهد قبل تقرير الحكم صراحة لئلا تنفر النفوس بما جبلت عليه من إلف العوائد ولو باطلة.
والله أعلى وأعلم.(/)
الفاصلة القرآنية .. المرجو مساعدتي
ـ[أم طباطبا]ــــــــ[13 - 06 - 2010, 03:05 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله .. : d
عرضت علي معلمتي سؤالا .. قائله
مثلي (لموضع فاصله مختلفه في سياق واحد)
فأجبتها .. قال تعالى (والتفت الساق بالساق .. الى ربك يومئذ المساق)
الفاصله (الساق .. والمساق)
والسياق واحد وهو الاخبار عن يوم اهوال يوم القيامه
;) هل يعتبر جوابي صحيحا ;) ولكم جزيل الشكر
أختكم .. أم طباطبا:)(/)
من سورة الكوثر
ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 06 - 2010, 12:21 م]ـ
ومن قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر:
ففيه امتنان بعطاء الربوبية، وهو الخير الكثير، أو نهر في الجنة، ولا إشكال في الجمع بينهما إذ لا تعارض بينهما، فالكوثر في الجنة فرد من أفراد عموم الخير الذي أعطاه الله، عز وجل، نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه.
وإليه أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: "أيِ الخيرُ المفرطُ الكثيرُ من شرفِ النبوةِ الجامعةِ لخيريِّ الدارينِ والرياسةِ العامةِ المستتبعةِ لسعادةِ الدُّنيا والدين، فوعلٌ منَ الكثرةِ وقيلَ: هُوَ نهرٌ في الجنةِ وعنِ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنه قرأهَا فقالَ: «أتدرونَ ما الكوثَرُ؟ إنَّه نهرٌ في الجنةِ وَعَدنيهِ ربِّي فيهِ خيرٌ كثيرٌ» ". اهـ
ونسب العطاء إليه، جل وعلا، وهو مظنة التكريم، بصيغة التعظيم "نا" تفخيما لشأن المعطى فمكانته من مكانة المعطي عز وجل، وكذلك الشأن في التوكيد بالناسخ، الذي اتصل به ضمير الفاعلين، فذلك، أيضا، مئنة من التعظيم، وتصدير الكلام بهذه العطية ينزل منزلة التقدمة بالعلة تمهيدا إلى المعلول، فعطاء الربوبية مظنة أداء واجب الألوهية، فعطاء الرب، جل وعلا، ذريعة إلى الصلاة التي صدرت بالفاء، فهي تفريع عن العطاء، فذلك من التلازم الوثيق بين المتلازمين: الربوبية والألوهية، فجاء الأمر الإلهي عقيب العطاء الرباني، فـ: صل لربك وانحر: فهو، كما تقدم، لازم عطاء الربوبية من حق الألوهية، وذكر الصلاة والنحر، أيضا، من باب: ذكر بعض أفراد العام تمثيلا لا حصرا، فإن النص على هاتين العبادتين بعينهما لا يعني عدم وجوب ما سواهما، فلا مفهوم للأمر هنا، فالمسكوت عنه يؤخذ دليل وجوبه أو ندبه أو ............. إلخ من غير هذا النص، لأنه لا مفهوم له.
وخصا بالذكر تمثيلا، لأن الصلاة: أعظم العبادات البدنية، والنحر من أعظم العبادات المالية، كما ذكر ذلك بعض أهل العلم.
والأصل في الأمر الوجوب، فهو حقيقة فيه مجاز في غيره، عند من يقول بالمجاز، فينصرف بالقرينة إلى الندب أو الإباحة ..... إلخ، كما قرر أهل البلاغة والأصول، فالصلاة والنحر عبادتان، فهما مظنة الوجوب، ولا يمنع ذلك وقوع أنواع منهما على جهة الندب، فمن الصلاة: واجب من صلوات مفروضة فهي واجبة لذاتها، وصلوات منذورة فهي واجبة لغيرها، وكسوف ووتر وعيد، على خلاف في وجوبها، ومنها ما تأكدت سنيته، كالكسوف والعيدين، على قول بعض أهل العلم، ومنها ما هو سنة راتبة، ومنها ما هو نفل مطلق .... إلخ، فانقسم الجنس الأعلى وهو الصلاة إلى أنواع متعددة، فذلك يصلح شاهدا لمن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، فالأمر هنا يعم الواجب والمندوب فذلك من تمام شكر الرب، جل وعلا، على الخير الذي أوتيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو خير قد اختص به باعتبار المواجهة، وعم نفعه أمته، فذلك من عظم بركته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد أوتي عطاء النبوة، وهو أعظم عطاء يؤتاه بشر، بل أعطي أعظم نبوة: النبوة الخاتمة، فنبوته أعظم النبوات بركة ونفعا، وليس ذلك انتقاصا من قدر بقية النبوات، فإن التنويه بشأن الفاضل لا يلزم منه انتقاص المفضول، فقد اشترك الأنبياء عليهم السلام في درجة النبوة، وتفاضلوا في قدر فارق فأعطي بعضهم من الدرجات ما لم يعط بعض، فأولوا العزم أشرفهم، ومحمد والخليل صلى الله عليهما وعلى آلهما وسلم أفضلهم، ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخرهم وخيرهم، فهو خير الأنبياء وخير البرية، من باب أولى، فكل خير أعطيته هذه الأمة فهو من بركة النبوة، فهي أعظم منة ربانية على النوع الإنساني، فكوثر الوحي كوثر عام لم يستثن منه حتى منكروه، فـ: (َمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فطالما بقي أثر للنبوة في أرض، ولو دارسا، فهي محفوظة، فلا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله، وكذلك الشأن في النحر فمنه الواجب كهدي المتمتع والقارن، وهدي الجبران، والهدي المنذور، والأضحية على قول الحنفية، رحمهم الله، ومنه
(يُتْبَعُ)
(/)
المندوب كهدي المعتمر والأضحية على الراجح من قول جمهور أهل العلم، ففيه أيضا، شاهد لمن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، والعبادتان: توقيفيتان، فلهما من الأوقات والهيئات ما لا يعلم إلا بتوقيف من الوحي، فذلك، أيضا، من بركة النبوة، فبها علم العباد كيف يشكرون ربهم، جل وعلا، بأجناس الإرادات والأقوال والأفعال، فأعظم منة على الشاكر أن ألهمه الشكور، جل وعلا، شكره، وبين له كيف يكون، فلا تكون عبادة صحيحة إلا بنية خالصة وهيئة مشروعة، وكلاهما مما قد بينته النبوة بيانا وافيا، فلا يفتقر السالك إلى الرب، جل وعلا، بعد بيان النبوة لمعالم طريق الهجرتين، إلى بيان غيرها، فلا قياس ولا ذوق ..... إلخ، وإنما وحي منزل من رب العالمين على قلب النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبرسم العصمة قد نزل، فلا يحتمل ما يحتمله غيره من الكذب أو الخطأ، فالعصمة في اتباع المعصوم، والسداد في إعمال العقل في تقرير أدلة النبوة، فمتى ثبتت صحة الدعوى بالنظر فيها وفي حال مدعيها، فلا يلتبس النبي الصادق بالمتنبئ الكذاب، وإن ظهر أمر المتنبئ ابتداء فذلك من تمحيص الرب، جل وعلا، لما في صدور العالمين، متى ثبتت فمتبعها في أمان من التخليط، فلا يفتقر، كما تقدم إلى ما سواها من الآراء والأذواق، كما قد ضلت فئام من أصحاب القوى العلمية والعملية لسلوكها طرق النبوات المحرفة، أو البدع الحادثة في الملة الخاتمة، فإذا اطمأن السالك إلى عدالة وصدق الدليل المرشد، فلا عليه أن يقلده، فتقليده، بعد ثبوت الدليل على صحة دعواه، هو عين الاتباع، فالمتبع لا يسلم لمتبوعه إلا بعد الاستيثاق من صحة قوله، فهو عدل في مسلكه ضابط في نقله، والأنبياء، عليهم السلام، أحق البشر، بداهة، بالتوثيق فلا يفتقرون إلى توثيق بعد توثيق الوحي فـ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)، فإذا كان الصحابة، رضي الله عنهم، وهم دونهم في المنزلة، لا يفتقرون إلى التوثيق، فجهالتهم لا تضر، فكيف بالأنبياء عليهم السلام، وهم المؤيدون بالوحي المعصوم، ولذلك كان تقرير النبوات والسير على منهاجها أشرف المسالك العلمية والعملية، فهو أشرف ما أنفقت فيه الأعمار، وبذلت فيه قوى الفكر والبدن.
وقد حذف متعلق الفعلين للعلم به بداهة، فصل: الصلوات، وانحر الذبائح، فذلك من المعلوم البدهي، وحذف ما يعلم جائز، كما قرر ابن مالك، رحمه الله، في ألفيته، بل ذلك مما يحسن في مقام الإيجاز، كهذه السورة فهي من القرآن المكي الذي امتاز بالإيجاز فمقام البلاغ لمن هو منكر جاحد فهو معرض أبدا لا يكاد يقف مستمعا أو متأملا، ذلك المقام يلائمه الإيجاز، فتعلق الألفاظ بالأسماع لتعمل فيها الأذهان الفكر فـ: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)، فإعمال الفكر لا يؤتي ثمرته إلا إن قل العدد، ولذلك كانت الخلوة أنفع شيء في هذا الباب، فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخلو بنفسه متحنثا متأملا، فلا تؤتي الخلوة ثمرتها إلا إذا كانت على منهاج النبوة، فالفقه قبلها حتم لازم، وإلا ضل المختلي، فهو صيد سهل للشيطان، يناله بحيل وصور يظنها خوارق وكرامات، وهي محض وساوس، فالعلم فرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم كابن تيمية رحمه الله، فلا نجاة، كما تقدم، إلا باقتفاء آثار الأنبياء عليهم السلام علما وعملا، فعلومهم أنفع العلوم، وأعمالهم أصلح الأعمال.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد جعل بعض أهل العلم هذه الآية دليلا لأعمال يوم النحر، فتقدم الصلاة على الذبح، ولذلك شرع التبكير بصلاة العيد ليتفرغ الناس لذبح أضحياتهم فتصلى بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، فهذا الاستدلال في مقابل الاستدلال بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)، على أعمال يوم الفطر، فهي على الضد، فتقدم الزكاة على الصلاة، ولذلك شرع تأخير صلاة العيد فتصلى بعد ارتفاع الشمس قيد رمحين ليتمكن الناس من أداء زكواتهم قبل الصلاة فذلك وقتها، على خلاف بين أهل العلم في جواز تقديمها بيوم أو يومين كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وأجاب بعض أهل العلم عن ذلك بأن هاتين الآيتين مكيتان، ولم يكن ثم صيام وحج، فهما مما فرض في العهد المدني، فحمل المتأخر على المتقدم، على قول من جوز تقدم نزول الآيات على أسبابها، خلاف الأصل، فلا يعدل إليه، بل الأولى حمل الآية على عمومها، فهي تعم هذه الصلوات والزكوات والذبائح، ولكنها لم تنزل فيها تعيينا، فتشملها بعموم معناها لا بخصوص سببها، فذلك جار، على ما تقدم مرارا، من تفسير العام بذكر فرد من أفراده فلا يخصصه بل يشمله ويشمل غيره، فالآيات تشمل كل أجناس الصلاة والزكاة والذبح، وحمل الآيات على العموم هو الأصل، لقرينة عموم التشريع، فلا يعدل عنه إلى التخصيص، فهو خلاف الأصل، إلا بدليل، ففيه تضييق لدائرة الاستدلال، والأولى في حق الدليل الشرعي: إثراء معناه بتوسيع دائرة الاستدلال به فتعم سائر أفراده دون قصر له على بعضها دون بعض إلا إذا ورد الدليل المخصص كما تقدم.
ثم جاء تعليل آخر بمنة ربانية أخرى على النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإهانة أعدائه، فذلك تكريم له ولأمته من بعده، أي تكريم، فمهما ظهر أمر شانئه، كما هي الحال في زماننا، وآخر صور ذلك الشنآن، المنافسة الخبيثة التي جرت على صفحات موقع الفيس بوك المشبوه، وقد صار، كما ذكرت إحدى الباحثات، وكرا للتجسس على العالم الإسلامي عن طريق استدراج أعضائه من العرب والمسلمين بإقامة علاقات وثيقة مع أفراد مدربين من أجهزة استخبارات متخصصة، فأجرى منافسة لاختيار أفضل رسم كاريكاتوري يسخر من النبي الخاتم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد فازت به صحيفة جنوب إفريقية، وتداعيات القصة معروف منشورة على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية، فالشاهد أنه مهما ظهر أمر هذا الشانئ، وتقاعس أتباع النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقعدوا اختيارا أو أقعدوا إكراها عن الانتصار لعرضه الشريف، فإن الرب، جل وعلا، يغار لعرض نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن بردت دماء أتباعه، فلم يعد يعنيهم أن يسب ويطعن في شخصه وعرضه، فتلك من جملة الحريات العامة المكفولة لكثير من المرتدين في بلادنا، بل بعضهم قد نال تكريما من حكومات لا تقيم للدين وزنا ولا تعرف الغضب إلا لسلطانها الجائر، فإذا كانت هذه هي الحال فعلام الإنكار على الكفار الأصليين من اليهود والنصارى إن هم سبوا النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشيدوا القنوات والمواقع المتخصصة في ذلك، وتلك، على سبيل المثال لما نحياه واقعا في أرض مصر، حال كثير من النصارى في بلادنا، فأكثر تلك المواقع قد أسسها، كما ذكر بعض الفضلاء المتخصصين في هذا الشأن عندنا، نصارى مصريون، فهم بعد تصاعد حدة هجوم الكنيسة الحالية على الثوابت الإسلامية، لرءوسها أذناب، فلا يملكون إلا السير على مناهجهم الردية، دون إعمال فكر أو روية، فتلك حال المقلد الأعمى، الذي سلم عقله لغيره ليسوسه كيفما شاء تحقيقا لمآربه الشخصية، باسم الديانة التي صار سب الأنبياء والقدح فيهم جزءا رئيسا منها، فكلما أوغلت في السب رسخت قدمك في الديانة وصرت من أهل الإيمان الذين وجب لهم الغفران في الأرض والخلاص بدخول ملكوت السماء!، وعلى احترام الآخر وتعظيم الثوابت .... إلخ السلام!، فذلك لا يكون فرضا إلا على أهل الإسلام فهم المعنيون دوما بثقافة التسامح والسلام فلا تطرف إلا في دينهم!، ولو تأمل من قدح في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو كافرا أصليا، ما ناله من بركة نبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا سيما إن كان ممن تمتع بنعمة
(يُتْبَعُ)
(/)
الحرية الإنسانية والدينية في ظل سلطان الإسلام، كنصارى مصر الذين ما علموا وصف الآدمية فضلا عن الحرية إلا بعد الفتح الإسلامي، الذي حررهم من نير الرومان، لو علموا ذلك، وهو أمر قد شهد به التاريخ، وهو كما تقدم مرارا، شاهد عدل محايد، لو علموا ذلك لعظموه، وإن لم يؤمنوا به، فتلك حال قلة من عقلائهم، فضلا عمن أضيف إلى عقله السداد فنظر في أدلة النبوة الخاتمة، فعلم يقينا أنها طريق النجاة الوحيد، فهي المصدقة لما قبلها المفصلة لما أجمل فيه من الأخبار والأحكام، فخبرها أصدق خبر وحكمها أعدل حكم، والشاهد أن الأمر الإلهي: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر)، قد حف بعلة تقدمته، وعلة ذيل بها، فجاءت على حد الفصل بلا عاطف لشبه كمال الاتصال بين المعلول المتقدم وعلته المتأخرة، فضلا عن تصديره، أيضا، بالمؤكد الناسخ، فذلك مظنة التعليل وإن لم يكن نصا صريحا فيه، كما قرر ذلك الأصوليون، فعلة ذلك:
إن شانئك هو الأبتر:
فجاء التوكيد بـ: "إن"، كما تقدم، واسمية الجملة، وتعريف جزأيها، وضمير الفصل، وذلك أبلغ في الانتصار للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذم مبغضه وعقوبته بجنس ما افتراه في حق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن أبغضه وكره ذكره والصلاة عليه، وفرح للقدح في عرضه الشريف وتمنى بتر ذكره وذكر رسالته، فهو أبدا، ساع في إزالة معالم الرسالة الخاتمة، مريد لإطفاء نورها الذي سطع على الأرض، فدفع عنها اللعنات، فهي، كما يقول بعض المحققين، ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أشرقت عليه شمس النبوات، وأسطعها، بداهة، شمس النبوة الخاتمة، فرسالتها عالمية، وأمرها إلى ظهور، فـ: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ"، وذلك من دلائل النبوة الخاتمة التي نشاهد تأويلها في زماننا، فكلما ازداد التشويه والافتراء زاد إقبال الناس على التعرف على هذا الأمر الذي شغل الناس به وبسب صاحبه!، فعلموا أنه الحق الذي لولا إثارة الشبهات حوله ما ظهرت نفاسة معدنه، في مقابل خسة معادن مخالفيه الذين لا يملكون حجة واحدة من نقل أو عقل تسلم لهم من المعارضة، فالشدائد تظهر المعادن، ولولا تسلط أهل الباطل على الحق ما ظهر أمره وفشا ذكره، فعاد مرادهم عليهم بالضد، وذلك من نكاية الرب، جل وعلا، بهم وكبته لهم، بمكان، ففيه من آيات الحكمة الربانية ما فيه، و:
إذا أراد الله نشر فضيلة ******* طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ******* ما كان يعرف طيب عرف العود
وإلى طرف من ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:
"فلما كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولم يكن بعده رسول ولا من يجدد الدين لم يزل الله سبحانه وتعالى يقيم لتجديد الدين من الأسباب ما يكون مقتضيا لظهوره كما وعد به في الكتاب فيظهر به محاسن الإيمان ومحامده ويعرف به مساوئ الكفر ومفاسده.
ومن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين وبيان حقيقة أنباء المرسلين ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}، وذلك أن الحق إذا جحد وعورض بالشبهات أقام الله تعالى له مما يحق به الحق ويبطل به الباطل من الآيات البينات بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة.
فالقرآن لما كذب به المشركون واجتهدوا على إبطاله بكل طريق مع أنه تحداهم بالإتيان بمثله ثم بالإتيان بعشر سور ثم بالإتيان بسورة واحدة كان ذلك مما دل ذوي الألباب على عجزهم عن المعارضة مع شدة الاجتهاد وقوة الأسباب ولو اتبعوه من غير معارضة وإصرار على التبطيل لم يظهر عجزهم عن معارضته التي بها يتم الدليل.
وكذلك السحرة لما عارضوا موسى عليه السلام وأبطل الله ما جاءوا به كان ذلك مما بين الله تبارك وتعالى به صدق ما جاء به موسى عليه السلام وهذا من الفروق بين آيات الأنبياء وبراهينهم التي تسمى بالمعجزات وبين ما قد يشتبه بها من خوارق السحرة وما للشيطان من التصرفات فإن بين هذين فروقا متعددة منها ما ذكره الله تعالى في قوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}.
ومنها ما بينه في آيات التحدي من أن آيات الأنبياء عليهم السلام لا يمكن أن تعارض بالمثل فضلا عن الأقوى ولا يمكن أحدا إبطالها بخلاف خوارق السحرة والشياطين فإنه يمكن معارضتها بمثلها وأقوى منها ويمكن إبطالها.
وكذلك سائر أعداء الأنبياء من المجرمين شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا إذا أظهروا من حججهم ما يحتجون به على دينهم المخالف لدين الرسول ويموهون في ذلك بما يلفقونه من منقول ومعقول كان ذلك من أسباب ظهور الإيمان الذي وعد الله تعالى بظهوره على الدين كله بالبيان والحجة والبرهان ثم بالسيف واليد والسنان.
قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وذلك بما يقيمه الله تبارك وتعالى من الآيات والدلائل التي يطهر بها الحق من الباطل والخالي من العاطل والهدى من الضلال والصدق من المحال والغي من الرشاد والصلاح من الفساد والخطأ من السداد وهذا كالمحنة للرجال التي تميز بين الخبيث والطيب قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، وقال تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.
والفتنة هي الامتحان والاختبار كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} أي امتحانك واختبارك تضل بها من خالف الرسل وتهدي بها من اتبعهم والفتنة للإنسان كفتنة الذهب إذا أدخل كير الامتحان فإنها تميز جيده من رديئه فالحق كالذهب الخالص كلما امتحن ازداد جودة والباطل كالمغشوش المضيء إذا امتحن ظهر فساده.
فالدين الحق كلما نظر فيه الناظر وناظر عنه المناظر ظهرت له البراهين وقوي به اليقين وازداد به إيمان المؤمنين وأشرق نوره في صدور العالمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل ورام أن يقيم عوده المائل أقام الله تبارك وتعالى من يقدف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق وتبين أن صاحبه الأحمق كاذب مائق". اهـ
"الجواب الصحيح"، (1/ 60_63).
و "أل" في "الأبتر": جنسية استغراقية، واستغراقها مجازي معنوي فكل أوصاف البتر: بتر الذكر ...... إلخ لمبغض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فالجزاء من جنس العمل، كما تقدم، وهي استغراقية لأعيان القادحين فيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد ورد في أسباب النزول أنها نزلت في أبي لهب أو أبي جهل أو العاص بن وائل، ونزولها على سبب لا يمنع عموم لفظها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فالعام الوارد على سبب لا يخص بسببه إلا إذا دلت قرينة على ذلك، فهو، كما تقدم، خلاف الأصل، فالأولى حمل اللفظ على عمومه بالنظر إلى معاني البتر وإلى أعيان المبتورين، فيشمل كل بتر ينال من نال من عرض النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويشمل كل قادح فهو متوعد بذلك، وإن اشتهر أمره حينا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "الصارم المسلول":
"والقصة في إهلاك الله واحدا واحدا من هؤلاء المستهزئين، (المذكورين في قوله تعالى: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ")، معروفة قد ذكرها أهل السير والتفسير وهم على ما قيل نفر من رؤوس قريش منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسودان ابن المطلب وابن عبد يغوث والحارث بن قيس.
وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكلاهما لم يسلم لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأكرم رسوله فثبت ملكه فيقال: إن الملك باق في ذريته إلى اليوم وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق ولم يبق للأكاسرة ملك.
وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} فكل من شنأه أو أبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره وقد قيل: إنها نزلت في العاص بن وائل أو في عقبة بن أبي معيط أو في كعب بن الأشرف وقد رأيت صنيع الله بهم.
ومن الكلام السائر "لحوم العلماء مسمومة" فكيف بلحوم الأنبياء عليهم السلام؟ ". اهـ بتصرف
وقد جعله صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، من قصر القلب، فذلك آكد في النكاية بالقادح، فتقدير الكلام: لا مبتور إلا أنت، لا من زعمت بتر ذكره بانقطاع نسله فقد أبقى الله، عز وجل ذكره، وحفظ رسالته، فهي حديث الساعة، كما يقال، إلى يوم الناس هذا، وإلى أن يرفع ذكر الرب، جل وعلا، من الأرض، فتقوم الساعة على شرار الخلق ممن انقطع ذكر النبوة فيهم.
وقد استدل بعض أهل العلم بهذه الآية على وجوب قتل من سب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو مرتد، تعمد ذلك أو لم يتعمد، جادا كان أو هازلا، مستحلا كان أو غير مستحل، فلا عذر في ذلك إلا بالإكراه الملجئ، كما في واقعة عمار، رضي الله عنه، لعموم قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ)، وذلك إجماع لا يعارضه إلا من لا علم له بمواضع الإجماع في الشريعة الخاتمة، فلا تقبل توبة الساب، بل يقتل ردة إن لم يظهر التوبة، فإن أظهرها قتل حدا، وأمره إلى الله، عز وجل، صيانة لعرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذلك من البتر لذكر من سبه، فهو مظنة الزندقة، فلو ترك بلا قصاص لتجرأ الزنادقة على سبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا أخذوا ليقتلوا، أظهروا التوبة رياء، فبقي ذكرهم، وإلى طرف من ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، في "الصارم المسلول" بقوله:
"إنه سبحانه وتعالى قال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} فأخبر سبحانه أن شانئه هو الأبتر والبتر: القطع يقال: بتر يبتر بترا وسيف بتار إذا كان قاطعا ماضيا ومنه في الاشتقاق الأكبر تبره تتبيرا إذا أهلكه والتبار: الهلاك والخسران وبين سبحانه أنه هو الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد لأنهم قالوا: إن محمدا ينقطع ذكره لأنه لا ولد له فبين الله أن الذي يشنأه هو الأبتر لا هو والشنآن منه ما هو باطن في القلب لم يظهر ومنه ما يظهر على اللسان وهو أعظم الشنآن وأشده وكل جرم استحق فاعله عقوبة من الله إذا أظهر ذلك الجرم عندنا وجب أن نعاقبه ونقيم عليه حد الله فيجب أن نبتر من أظهر شنآنه وأبدى عداوته وإذا كان ذلك واجبا وجب قتله وإن أظهر التوبة بعد القدرة وإلا لما انبتر له شانئ بأيدينا في غالب الأمر لأنه لا يشاء شانئ أن يظهر شنآنه ثم يظهر المتاب بعد رؤية السيف إلا فعل فإن ذلك سهل على من يخاف السيف". اهـ
وذلك حكم الشرع المعطل، إلا ما شاء الله، فلا إمام في معظم بلاد المسلمين يقيم للديانة وزنا إلا رسوما زائفة، فالقدح في ذاته، وإن كان سيئ السيرة، أشد على نفسه من القدح في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فعدم، تقريبا، من يقيم هذا الحد من معظم أمصار المسلمين فلا يستقل بإقامته آحاد المكلفين لئلا تقع الفتن وتعم الفوضى في ديار المسلمين، فإن عطل حكم الشرع في هذا الأمر، فحكم القدر نافذ، فسنة الرب، جل وعلا، في مبغض نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بتر الذكر كما تقدم، فإن لم يبتر بأمره الشرعي الحاكم بقعود من له الولاية العامة عن إنفاذه، فهو مبتور بالأمر الكوني النافذ.
والله أعلى وأعلم.(/)
العلم المظلوم .. علم البلاغة
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[15 - 06 - 2010, 11:36 ص]ـ
ينظر هنا ( http://www.alukah.net/Sharia/0/22589/)
هذا العلم (علم البلاغة) مظلوم بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.
فقد ظُلِم هذا العلم في معرفة قدره .. وظلم في دراسته .. وظلم في تطبيقه ..
ظلم من حملته، وظلم من أعدائه ..
ظلم من القدماء، وظلم من المعاصرين ..
ظلم من العلماء، وظلم من طلبة العلم ..
مع أن هذا العلم يكاد يكون أهمَّ العلوم؛ لأنه هو الآلة التي تمكننا من فهم النصوص الشرعية فهما صحيحًا، وكذلك هو الآلة التي تمكننا من تقرير إعجاز القرآن الذي هو أساس الشرع.
أما الظلم في معرفة قدره:
فسببه أن أكثر الناس يظنونه شيئًا كماليًّا، لا يلزم طالبَ العلم أن يدرسه، وإنما غايته تحسين الكلام، ومعرفة البيان، وأن تقول إذا سمعت شعرًا (يا سلام)!
وأما الظلم في دراسته:
فبأن سُلك به غير سبيله الصحيحة، فصار أصحاب يونان هم أئمته وأعلامه، وصارت مادتُه مستقاة من كلام أرسطو وأتباعه، بدلا من أن يُبتنى على كلام العرب وأصوله، وعوضًا من أن يستقى من كلام الأدباء والبلغاء العرب الخلص الذين أفنوا أعمارهم في الفحص عن كلام العرب وتأمله حتى صار لهم كالسليقة لا يستطيعون عنه تحولا.
وأما الظلم في تطبيقه:
فلو طبق هذا العلم على مسائل الفقه لتغير حالُه، ولقل الخلافُ فيه، ولظهر وجهُ الحق جليًّا واضحًا، ولبطلت أقوالٌ كان لها من الشهرة ما كان، ولظهر فسادُ بعض الاستنباطات التي سارت بها الركبان.
وأما ظلمه من حملته:
فلأن أكثرهم ليسوا من الفقه في شيء، فلم يطبقوا كلامهم على نصوص الشرع ومسائله، وإنما جعلوا جل همهم الموازنة بين فلان وفلان من الشعراء، والحكم بتقديم فلان على فلان من الأدباء، وهذا لا بأس به في نفسه، ولكن لا شك أن الأهم تطبيق ذلك على مسائل الشرع.
وأما ظلمه من أعدائه:
فما أكثرَهم! وما أكثرَ دعاواهم وأباطيلهم!
فتارة يتعاطون منه ما لا يحسنون، فيفسدون أكثرَ مما يصلحون، وتارة يعترضون عليه بما يجهلون؛ إذ كل امرئ عدو ما يجهل، فصاروا حربًا عليه وعلى حملته، تارة بالتصريح وتارة بالتلويح.
وأقلهم ضررًا من يعلن العداوة ويقول: هذا علم غث لا فائدة فيه ترتجى، ولا نائل من ورائه يبتغى!
وأكثرهم ضررًا من يقول: هذا العلم أضر على الشرع من أعدائه، إذ جاء بالأقوال الباطلة والمذاهب الفاسدة، فيظن أن دخول الفساد في هذا العلم بسبب ذاته، وراجع إلى أصله!!
وما درى أن الفساد إنما دخله –كأي علم- من دخول غير أهله فيه، ومن استمداده من غير مصادره الصحيحة، ومن تشقيق القول بالتجويز العقلي دون الاستقراء النقلي لكلام العرب.
وأما ظلمه من القدماء:
وهو أقل ما ظلم، فبأن أكثرهم اكتفى في قواعده بالتلويح دون التصريح، فلم يضعوا فيه كتابًا واضح المعاني سالم المباني، يقتفي فيه المتأخرُ أثر المتقدم فيشكر سعيه ويسير على خطاه، بل جعلوا كلامهم رمزًا، فلا يستطيع الوصول إلى مغزاه إلا من أفنى عمره في تحصيله.
ولعل عذر القدماء في هذا أنهم بذلك قد سدوا على غير أهل هذا الفن أن يدخلوا فيه، ولذلك لم يظهر أهلُ الادعاء في هذا العلم إلا بعد أن صار قوانين محفوظة!
وأما ظلمه من المعاصرين:
فلأنك نادرًا ما تجد فيه متخصصًا إلا وهو عن علوم الشرع بمعزل، فلا يخطر بباله أن يطبقه على علوم الشرع، ولا يرد على خاطره أنه يؤسس كثيرًا من كلامه مخالفًا لأصول الشرع وفروعه.
وأما ظلمه من العلماء:
فلأنهم لا ينصحون الطلبة بدراسته، ولا يحثونهم على التعمق فيه، وربما كان هذا بسبب أن بضاعتهم فيه مزجاة، أو أنهم ينتمون إلى فئة المشنعين على أهله وطالبيه.
وأما ظلمه من طلبة العلم:
فلأنهم لا يسمعون نصيحًا في دراسته إن وجدوه، ولا يلقون له بالا إن سمعوه، ولا يعرفون أهميته وخطره حتى إن فرض عليهم فرضا!
وليت شعري ماذا يفهم اللبيب الذكي والنجيب الألمعي إذا قرأ في كلام أهل العلم أن القرآن يحتوي على أبلغ البلاغة وأفصح الفصاحة، وماذا يفهم إذا سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، وقد أوتي جوامع الكلم؟
أيفهم من هذا أن نصوص الشرع قد تأتي مخالفة لقوانين البلاغة، أو قد تأتي على وجوه ضعيفة من البيان والفصاحة؟!!
(يُتْبَعُ)
(/)
أيفهم من هذا أن النصوص الشرعية يمكن أن تفسر تفسيرًا يجعلها أشبهَ بكلام السفهاء من كلام العقلاء؟
أيفهم من هذا أن النصوص الشرعية يمكن أن تفهم فهمًا يجعلها أقرب إلى سفساف القول ومستهجن الكلام منها إلى كلام عقلاء العرب فضلا عن أفصح العرب، فضلا عن الخالق العظيم؟!
إن من يفهم هذا الفهم لا يحتاج إلى أن يُكلّم ولا أن يُناظَر؛ لأنه قد خرج عن الإنسانية، فصار أقرب إلى الحيوانية.
ولولا أن لازم المذهب ليس بمذهب، لصار هذا الوصفُ واقعًا على كثير من المنسوبين للعلم، إلا أن كلام غير أهل الفن لا يحسب على أهله، ولا يطعن به على غير أهله.
والأمر مسلّم لكل أهل فن في فنهم لا يَشْرَكهم فيه غيرهم؛ لأن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، وكم رأينا ونرى وسنرى من هذا ما لا يحصى ولا يعد!!
بل رأينا ما هو أعجب!! رأينا من يزعم أن كلام أهل الفن في فنهم ليس بلازم!! ويمكن أن يخالفهم من ليس من أهل هذا الفن!
فلا يمتنع -عند هؤلاء- أن يخالف الطبيبُ أهلَ النحو فيأتي بقول في النحو لم يقل به أحد من أهل النحو، ويكون هو الحق الذي لا محيد عنه!
ولا يمتنع أن يخالف النحوي أهل الطب فيأتي بقول في الطب لم يقل به أحد من أهل الطب، ويكون هو القول الصحيح الذي لا يصح غيره!
ولا أعلم خطلا أبعدَ من هذا القول، ولا ضلالا أعظمَ منه؛ لأنه يؤدي إلى ترك الثقة بكل شيء في الوجود، فلا يوجد عند هؤلاء شيءٌ معلوم موثوق في العلم به، ولا يوجد شيء عند هؤلاء يرجع إليه عند الاختلاف، وحاصلُ قولهم يئول إلى تساقط الأدلة والتساوي بين المذاهب.
ولا أريد أن يفهم من كلامي السابق أنني أزعم أن جميع من على ظهر الأرض قديمًا وحديثا قد ظلموا هذا العلم، فإن هذا الفهم بعيد تمامًا عن الصواب، ولا يحتمله كلامي أصلا.
وإنما المراد قلة السالكين لهذه المسالك، وندرة الباحثين عن هذه الدقائق، وقديمًا قيل: إن (علم البيان لا نضج ولا احترق)، والمراد بذلك أن الكلام فيه قليل جدًّا إذا قسناه إلى الكلام في غيره من العلوم، فإنك إذا بحثتَ عن كتب البلاغة لا تكاد تصل بها إلى مائة كتاب إلا بعد شق الأنفس، وأكثرها للمتأخرين، في حين إن كتب كل من الحديث والتفسير والفقه بالألوف، بل قد تجد في المسألة الواحدة عشرات الكتب المفردة فيها.
أخي الكريم!
إذا علمت أن هذا العلم مظلوم، فهلاّ كنت ناصرًا للمظلوم؟!
أخوكم/ أبو مالك العوضي ( http://www.alukah.net/Sharia/0/22589/)
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[15 - 06 - 2010, 01:48 م]ـ
حقاً هذه كلمات تُكتب بالذهب , بل بالياقوت والزبرجد , والحق أنني أضم صوتي إلى صوتك , فالبلاغة العربية اليوم ثكلى بنت ثكلى , بل أصبحت تُضم من بعض قليلي البضاعة إلى العلم الجامد و ولعمر الله هذا هو الزيف والتمحل والافتراء.
شكر الله لك هذه الكلمات وبارك الله فيك وننتظر منك المزيد وأن تتشرف إلى حلقة (كيف تحلل نصاً) لنستفيد من علمكم.
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 03:23 ص]ـ
وأنا معكما
وما أفسد علينا دراستها إلا ما أوردته أبا مالك
ـ[السراج]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 08:15 ص]ـ
أبا مالك ..
مقال قيّم كصاحبه.
وهو مهم كما قلتَ لأن من يجيد الكلام والتحدث والتلاعب بالكلمات والأخيلة نقول عنه (بليغ)، وهي صفة التواصل في أعلى مراتب اللغة.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 11:26 ص]ـ
جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم.
ولعلنا نتعاون على رفع هذا الظلم (ابتسامة)
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[18 - 06 - 2010, 03:07 ص]ـ
يدي في يدك لإعادة قراءة هذا العلم من جديد
لقد كنت أقول في نفسي أيام الجامعة البلاغة لاتدرس هكذا
أما أنت فقد صغت ما في نفسي بقول خير من كثير مما قرأت أو سمعت في دراسة البلاغة
ـ[فتون]ــــــــ[18 - 06 - 2010, 05:13 ص]ـ
كلام جميل
وأعجبني جدا قولك:
والأمر مسلّم لكل أهل فن في فنهم لا يَشْرَكهم فيه غيرهم؛ لأن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، وكم رأينا ونرى وسنرى من هذا ما لا يحصى ولا يعد!!
بل رأينا ما هو أعجب!! رأينا من يزعم أن كلام أهل الفن في فنهم ليس بلازم!! ويمكن أن يخالفهم من ليس من أهل هذا الفن!
فلا يمتنع -عند هؤلاء- أن يخالف الطبيبُ أهلَ النحو فيأتي بقول في النحو لم يقل به أحد من أهل النحو، ويكون هو الحق الذي لا محيد عنه!
ولا يمتنع أن يخالف النحوي أهل الطب فيأتي بقول في الطب لم يقل به أحد من أهل الطب، ويكون هو القول الصحيح الذي لا يصح غيره!
أخي الكريم!
إذا علمت أن هذا العلم مظلوم، فهلاّ كنت ناصرًا للمظلوم؟!
أخوكم/ أبو مالك العوضي ( http://www.alukah.net/Sharia/0/22589/)
من خلال علمي القاصر البلاغة تعتمد على القرآن بشكل كبير جدا ولانعود في البحوث والتكليفات إلا لكتب التفسير.
وأغلب الشواهد البلاغية هي شواهد قرآنية، ولكن هناك الكثير من الأخطاء العقدية التي يقع فيها العلماء في هذا الفن في تفسير آيات الصفات وهذه الأخطاء كثيرة وكانوا ينبهوننا عليها لكنها قد عمت وطغت وهنا يظهر التقصير والحاجة لمن يعتني بهذا العلم وينقحه مما شابه.
نعم لم يأخذ هذا العلم حقه
لكن
هل علم البلاغة مظلوم بكل أنواع الظلم التي ذكرت؟؟
ظلم إلى حد ما في معرفة قدره
أما في دراسته فبصراحة لم أسمع طوال دراسته في المرحلة الجامعية اسم عالم غير عربي
من علماء اليونان أو الفلاسفة أو حتى المستشرقين، لايستشهد إلا بعبد القاهر و غيره من علماء العرب.
أما الظلم في تطبيقه فأنا معك وإن كان أهله قد اعتنوا بالقرآن الكريم لكن المطلوب أكثر من ذلك بكثير كما أسلفت-أخي الكريم- فالأحاديث الشريفة وكثير من العلوم في حاجته.
أنا معك في أغلب قولك
وحكمي منبني على بيئتي الصغيرة التي أعيشها
فاحتماله للخطأ أكبر من احتماله للصواب.
أحب هذا العلم كثيرا
وأحب نصرة المظلوم
لكن
لا أعرف كيف أنصر هذا المظلوم
بارك الله فيك
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[راجية جنة الرحمن]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 03:56 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[معالي]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 05:25 م]ـ
جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم.
ولعلنا نتعاون على رفع هذا الظلم (ابتسامة)
كلنا يريد النصرة، فكيف السبيل إلى ذلك؟
جزيتم خيرًا، شيخنا.
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[31 - 07 - 2010, 05:44 ص]ـ
نعم
ظلم البلاغة من ضيَّق أفقها
ورمى أئمتها بالتهم الباطلة في معتقدها ولسانها: mad:(/)
عقود الجمان للسيوطي .. ضبط وتصحيح
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 11:29 ص]ـ
سوف أضع في هذا الموضوع -إن شاء الله- النتيجة لما يُذكر هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=211787
والله المستعان.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 11:30 ص]ـ
عُقُودُ الْجُمَانِ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي وَاْلبَيَانِ
قال الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي
1 - قَالَ الْفَقِيرُ عَابِدُ الرَّحْمَنِ ..... اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْبَيَانِ
2 - وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ ..... عَلَى النَّبِيِّ أَفْصَحِ الْأَنَامِ
3 - وَهَذِهِ أُرْجُوزَةٌ مِثْلُ الجُمَانْ ..... ضَمَّنْتُها عِلْمَ الْمَعَانِي وَالْبَيَانْ
4 - لَخَّصْتُ فِيهَا مَا حَوَى التَّلْخِيصُ مَعْ ..... ضَمِّ زِيَادَاتٍ كَأَمْثَالِ اللُّمَعْ
5 - مَا بَيْنَ إِصْلاَحٍ لِمَا يُنْتَقَدُ ..... وَذِكْرِ أَشْيَاءَ لَهَا يُعْتَمَدُ
6 - [وفيه أبحاثٌ مهماتٌ تَجي ..... عن شيخِنا العلامةِ الكافِيَجي]
7 - وَضَمِّ مَا فَرَّقَهُ لِلْمُشْبِهِ ..... وَاللَّهَ رَبِّيْ أَسْأَلُ النَّفْعَ بِهِ
8 - وَأَنْ يُزَكِّيْ عَمَلِيْ وَيُعْرِضَا ..... عَنْ سُوئِهِ وَأَنْ يُنِيلَنَا الرِّضَا
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 11:30 ص]ـ
مُقَدِّمَة
9 - يُوصَفُ بِالْفَصَاحَةِ الْمُرَكَّبُ ..... وَمُفْرَدٌ وَمُنْشِئٌ مُرَتِّبُ
10 - وَغَيْرُ ثَانٍ صِفْهُ بِالْبَلاَغَهْ ..... وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الْبَرَاعَهْ
11 - فَصَاحَةُ الْمُفْرَدِ أَنْ لاَ تَنْفِرَا ..... حُرُوفُهُ كَـ"هُعْخُعٍ" وَ"اسْتَشْزَرَا"
12 - وَعَدَمُ الْخُلْفِ لِقَانُونٍ جَلِي ..... كَـ"الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَجْلَلِ"
13 - وَفَقْدُهُ غَرَابَةً قََدْ أُرْتِجَا ..... كَ"فَاحِمًا وَمَرْسِنًا مُسَرَّجَا"
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 11:30 ص]ـ
14 - قِيْلَ وَفَقْدُ كُرْهِهِ فِي السَّمْعِ ..... نَحْوَ جِرِشَّاهُ وَذَا ذُو مَنْعِ
15 - وَفِي الْكَلَامِ فَقْدُهُ فِي الظَّاهِرِ ..... لِضَعْفِ تَأْلِيفٍ وَ لِلتَّنَافُرِ
16 - فِي الْكَلِمَاتِ وَكَذَا التَّعْقِيدِ مَعْ ..... فَصَاحَةٍ فِي الْكَلِمَاتِ تُتَّبَعْ
17 - فَالضَّعفُ نَحْوُ قَدْ جَفَوْنِيْ وَلَمِ ..... أَجْفُ الْأَخِلاَّءَ وَمَا كُنْتُ عَمِي
18 - وَذُو تَنَافُرٍ -أَتَاكَ النَّصْرُ- ..... كَـ"لَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ"
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 11:37 ص]ـ
19 - كَذَاكَ "أَمْدَحْهُ" الَّذِي تَكَرَّرَا ..... وَالثَّالِثُ الْخَفَاءُ فِي قَصْدٍ عَرَا
20 - لِخَلَلٍ فِي النَّظْمِ أَوْ فِي الاِنْتِقَالْ ..... إِلَى الَّذِي يَقْصِدُهُ ذَوُو الْمَقَالْ
21 - قِيلَ: وَأَنْ لاَ يَكْثُرَ التَّكَرُّرُ ..... وَلاَ الْإِضَافَاتُ وَفِيهِ نَظَرُ
[مُكرِّرا إلى الثلاث أكِّدِ .............. كذا أَضِفْ وفوقَها لمقصِدِ]
22 - وَحَدُّهَا فِي مُتَكَلِّمٍ شُهِرْ ..... مَلَكَةٌ عَلَى الْفَصِيحِ يَقْتَدِرْ
23 - بَلاَغَةُ الْكَلاَمِ أَنْ يُطَابِقَا ..... لِمُقْتَضَى الْحَالِ وَقَدْ تَوَافَقَا
24 - فَصَاحَةً وَالْمُقْتَضَى مُخْتَلِفُ ..... حَسْبَ مَقَامَاتِ الْكَلاَمِ يُؤْلَفُ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 11:37 ص]ـ
25 - فَمُقْتَضَى تَنْكِيرِهِ وَذِكْرِهِ ..... وَالْفَصْلِ الاِيجَازِ خِلاَفُ غَيْرِهِ
26 - كَذَا خِطَابٌ لِلذَّكِيِّ وَالْغَبِي ..... وَكِلْمَةٌ لَهَا مَقَامٌ أَجْنَبِي
27 - مَعْ كِلْْمَةٍ تَصْحَبُهَا فَالْفِعْلُ ذَا ..... (إِنْ) لَيْسَ كَالْفِعْلِ الَّذِي تَلاَ (إِذَا)
28 - وَالاِرْتِفَاعُ فِي الْكَلاَمِ وَجَبَا ..... بِأَنْ يُطَابِقَ اعْتِبَارًا نَاسَبَا
29 - وَفَقْدُهَا انْحِطَاطُهُ فَالْمُقْتَضَى ..... مُنَاسِبٌ مِنِ اعْتِبَارٍ مُرْتَضَى
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 11:37 ص]ـ
30 - وَيُوصَفُ اللَّفْظُ بِتِلْكَ بِاعْتِبَارْ ..... إِفَادَةِ الْمَعْنَى بِتَرْكِيبٍ يُصَارْ
31 - وَقَدْ يُسَمَّى ذَاكَ بِالْفَصَاحَهْ ..... وَلِبَلاَغَةِ الْكَلاَمِ سَاحَهْ
32 - بِطَرَفَيْنِ حَدُّ الاِعْجَازِ عَلُ ..... وَمَا لَهُ مُقَارِبٌ وَالأَسْفَلُ
33 - هُوَ الَّذِي إِذَا لِدُونِهِ نَزَلْ ..... فَهْوَ كَصَوْتِ الْحَيَوَانِ مُسْتَفِلْ
34 - بَيْنَهُمَا مَرَاتِبٌ وَتَتْبَعُ ..... بَلاَغَةً مُحَسِّنَاتٌ تُبْدِعُ
35 - وَحَدُّهَا فِي مُتَكَلِّمٍ كَمَا ..... مَضَى فَمَنْ إِلَى الْبَلاَغَةِ انْتَمَى
36 - فَهْوَ فَصِيحٌ مِنْ كَلِيمٍ أَوْ كَلاَمْ ..... وَعَكْسُ ذَا لَيْسَ يَنَالُهُ الْتِزَامْ
37 - قُلْتُ وَوَصْفٌ مِنْ بَدِيعٍ حَرَّرَهْ ..... شَيْخِيْ وَشَيْخُهُ الْإِمَامُ حَيْدَرَهْ
38 - وَمَرْجِعُ الْبَلاَغَةِ التَّحَرُّزُ ..... عَنِ الْخَطَا فِي ذِكْرِ مَعْنًى يَبْرُزُ
39 - وَالْمَيْزُ لِلْفَصِيحِ مِنْ سِوَاهُ ذَا ..... يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ وَالصَّرْفِ كَذَا
40 - فِي النَّحْوِ وَالَّذِي سِوَى التَّعَقُّدِ ..... اَلْمَعْنَوِيْ يُدْرَكُ بِالْحِسِّ قَدِ
41 - وَمَا بِهِ عَنِ الْخَطَا فِي التَّأْدِيَهْ ..... مُحْتَرَزٌ عِلْمَ الْمَعَانِي سَمِّيَهْ
42 - وَمَا عَنِ التَّعْقِيدِ فَالْبَيَان ..... ثُمَّ الْبَدِيعُ مَا بِهِ اسْتِحْسَانُ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو ضحى]ــــــــ[16 - 06 - 2010, 11:43 ص]ـ
أعزكم الله وبارك فيكم
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 10:31 ص]ـ
آمين وإياكم يا أخي الكريم
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 10:31 ص]ـ
الفَنُّ الأَوَّلُ: عِلْمُ الْمَعَانِي
43 - وَحَدُّهُ عِلْمٌ بِهِ قَدْ يُعْرَفُ ..... أَحْوَالُ لَفْظٍ عَرَبِيٍّ يُؤْلَفُ
44 - مِمَّا بِهَا تَطَابُقٌ لِمُقْتَضَى ..... حَالٍ وَحَدِّي سَالِمٌ وَمُرْتَضَى
45 - يُحْصَرُ فِي أَحْوَالِ الاِسْنَادِ وَفِي ..... أَحْوَالِ مُسْنَدٍ إِلَيْهِ فَاعْرِفِ
46 - وَمُسْنَدٍ تَعَلُّقَاتِ الْفِعْلِ ..... وَالْقَصْرِ وَالْإِنْشَاءِ ثُمَّ الْوَصْلِ
47 - وَالْفَصْلِ وَالْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ ..... وَنَحْوِهِ تَأْتِيكَ فِي أَبْوَابِ
مَسْأَلَة
48 - مُحْتَِملٌ لِلصِّدْقِ وَالْكِذْبِ الْخَبَرْ ..... وَغَيْرُهُ الإِنْشَا وَلاَ ثَالِثَ قَرْ
49 - تَطَابُقُ الوَاقِعِ صِدْقُ الْخَبَرِ ..... وَكِذْبُهُ عَدَمُهُ فِِي الأَشْهَرِ
50 - وَقِيلَ بَلْ تَطَابُقُ اعْتِقَادِهِْ ..... وَلَوْ خَطًا وَالْكِذْبُ فِي افْتِقَادِهِْ
51 - فَفَاقِدُ اعْتِقَادِهِ لَدَيْهِ ... وَاسِطَةٌ وَقِيلَ لاَ عَلَيْهِ
52 - اَلْجَاحِظُ: الصِّدْقُ الَّذِي يُطَاِبقُ ..... مُعْتَقَدًا وَوَاقِعًا يُوَافِقُ
53 - وَفَاقِدٌ مَعَ اعْتِقَادِهِ الْكَذِبْ ..... وَغَيْرُ ذَا لَيْسَ بِصِدْقٍ أِوْ كَذِبْ
54 - وَوَافَقَ الرَّاغِبُ فِي القِسْمَيْنِ ..... وَوَصَفَ الثَّالِثَ بِالْوَصْفَيْنِ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 10:31 ص]ـ
أَحْوَالُ الْإِسْنَادِ الْخَبَرِيّ
55 - اَلْقَصْدُ بِالْإِخْبَارِ أَنْ يُفَادَا ..... مُخَاطَبٌ حُكْمًا لَهُ أَفَادَا
56 - أَوْ كَوْنَهُ عَلِمَهُ وَالأَوَّلاَ ..... فَائِدَةَ الإِخْبَارِ سَمِّ وَاجْعَلاَ
57 - لاَزِمَهَا الثَّانِي وَقَدْ يُنَزَّلُ ..... عَالِمُ هَذَيْنِ كَمَنْ قَدْ يَجْهَلُ
58 - لِعَدَمِ الْجَرْيِ عَلَى مُوْجَبِهِ ..... وَمَا أَتَى لِغَيْرِ ذَا أَوِّلْ بِهِ
59 - فَلْيُقْتَصَرْ عَلَى الَّذِي يُحْتَاجُ لَهْ ..... مِنَ الْكَلاَمِ وَلْيُعَامَلْ عَمَلَهْ
60 - فَإِنْ تُخَاطِبْ خَالِيَ الذِّهْنِ مِنِ ..... حُكْمٍ وَمِنْ تَرَدُّدٍ فَلْتَغْتَنِ
61 - عَنِ الْمُؤَكِّدَاتِ أَوْ مُرَدِّدَا ..... وَطَالِبًا فَمُسْتَجِيْدًا أَكِّدَا
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 10:31 ص]ـ
62 - أَوْ مُنْكِرًا فَأَكِّدَنْ وُجُوبَا ..... بِحَسَبِ الإِنْكَارِ فَالضُّرُوبَا
63 - أَوَّلَهَا سَمِّ ابْتِدَائِيًّا وَمَا ..... تَلاَهُ فَهْوَ الطَّلَبِيُّ وَانْتَمَى
64 - تَالِيهِ لِلْإِنْكَارِ ثُمَّ مُقْتَضَى ..... ظَاهِرِهِ إِيرَادُهَا كَمَا مَضَى
65 - وَرُبَّمَا خُولِفَ ذَا فَلْيُورَدِ ..... كَلاَمُ ذِي الْخُلُوِّ كَالْمُرَدِّدِ
66 - إِذَا لَهُ قُدِّمَ مَا يُلَوِّحُ ..... بِخَبَرٍ فَهْوَ لِفَهْمٍ يَجْنَحُ
67 - كَمِثْلِ مَا يَجْنَحُ مَنْ تَرَدَّدَا ..... لِطَلَبٍ فَالْحُسْنُ أَنْ يُؤَكَّدَا
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 10:31 ص]ـ
68 - وَيُجْعَلُ الْمُقِرُّ مِثْلَ الْمُنْكِرِ ..... إِنْ سِمَةُ النُّكْرِ عَلَيْهِ تَظْهَرِ
69 - كَقَوْلِنَا لِمُسْلِمٍ وَقَدْ فَسَقْ: ..... "يَا أَيُّهَا المِسْكِينُ إِنَّ الْمَوْتَ حَقْ"
70 - وَيُجْعَلُ الْمُنْكِرُ إِنْ كَانَ مَعَهْ ..... شَوَاهِدٌ لَوْ يَتَأَمَّلْ مُرْدِعَهْ
71 - كَغَيْرِهِ كَقَوْلِنَا: "الإِسْلاَمُ حَقْ" ..... لِمُنْكِرٍ وَالنَّفْيُ فِيهِ مَا سَبَقْ
72 - ثُمَّ مِنَ الْإِسْنَادِ مَا يُسَمَّى ..... حَقِيقَةً عَقْلِيَّةً كَأَنْ مَا
73 - يُسْنَدُ فِعْلٌ لِلَّذِي لَهُ لَدَى ..... مُخَاطِبٍ وَشِبْهُهُ فِيمَا بَدَا
74 - كَقَوْلِنَا: "أَنْبَتَ رَبُّنَا الْبَقَلْ" ..... وَ"أَنْبَتَ الرَّبِيْعُ" قَوْلُ مَنْ جَهِلْ
75 - وَ"جَاءَ زَيْدٌ" مَعَ فَقْدِ الْفِعْلِ ..... عِلْمًا وَمَا يُدْعَى الْمَجَازَ الْعَقْلِي
76 - إِسْنَادُهُ إِلَى الَّذِي لَيْسَ لَهُ ..... بَلْ لِمُلاَبَِسٍ وَقَدْ أَوَّلَهُ
77 - وَأَنَّهُ يُلاَبِسُ الفَاعِلَ مَعْ ..... مَفْعُولِهِ وَمَصْدَرٍ وَمَا اجْتَمَعْ
78 - مِنَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالسَّبَبْ ..... فَهْوَ إِلَى المَفْعُولِ غَيْرَِ مَا انْتَصَبْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 10:32 ص]ـ
79 - وَفَاعِلٍ أَصْلٌ وَغَيْرُ ذَا مَجَازْ ..... كَـ"عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ" إِذَا تُجَازْ
80 - وَ"السَّيْلُ مُفْعَمٌ" وَ"لَيْلٌ سَارِي" ..... وَ"جَدَّ جِدُّهُمْ" وَ"نَهْرٌ جَارِي"
81 - وَقَدْ بَنَيْتُ مَسْجِدًا وَقَائِلْ ..... أَوَّلَهُ يَخْرُجُ قَوْلُ الْجَاهِلْ
82 - مِنْ ثَمَّ لَمْ يَحْمِلْ عَلَى ذَا الْحُكْمِ ..... "أَشَابَ كَرُّ الدَّهْرِ" دُونَ عِلْمِ
83 - وَقُلْ مَجَازٌ قَوْلُ فَضْلِ الْأَلْمَعِي: ..... "مَيَّزَ عَنْهُ قُنْزُعًا عَن قُنْزُعِ
84 - جَذْبُ اللَّيَالِي أَبْطِئِي أَوْ أَسْرِعِي" ..... لِقَوْلِهِ عَقِيبَ هَذَا الْمَطَْلعِ:
85 - "أَفْنَاهُ قِيلُ اللهِ لِلشَّمْسِ اطْلُعِي ..... حَتَّى إِذَا وَارَاكِ أُفْقٌ فَارْجِعِي"
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 10:32 ص]ـ
86 - أَقْسَامُهُ حَقِيقَتَانِ الطَّرَفَانْ ..... أَوْ فَمَجَازَانِ كَذَا مُخْتَلِفَانْ
87 - كَـ"أَنْبَتَ الْبَقْلَ شَبَابُ الْعَصْرِ" ..... وَ"الْأَرْضَ أَحْيَاهَا رَبِيعُ الدَّهْرِ"
88 - وَشَاعَ فِي الإِنْشَاءِ وَالْقُرْآنِ ..... بِقَوْلِ: يَا هَامَانُ" مَثِّلْ ذَانِ
89 - وَشَرْطُهُ قَرِينَةٌ تُقَالُ ..... أَوْ مَعْنَوِيَّةٌ، كَمَا يُحَالُ
90 - قِيَامُهُ فِي عَادَةٍ بِالْمُسْنَدِ ..... أَوْ عَقْلٍ اوْ يَصْدُرُ مِنْ مُوَحِّدِ
91 - كَـ"هَزَمَ الْأَمِيرُ جُنْدَهُ الْغَوِي" ..... وَ"جَاءَ بِيْ إِلَيْكَ حُبُّكَ القَوِي"
92 - وَفَهْمُ أَصْلِهِ يَكُونُ وَاضِحَا ..... كَـ"رَبِحَتْ تِجَارَةٌ" أَيْ رَبِحَا
93 - وَذَا خَفًا كَـ"سَرَّنِيْ مَنْظَرُكَا" ..... أَيْ سَرَّنِيْ اللهُ لَدَى رُؤْيَتِكَا
94 - وَيُوسُفٌ أَنْكَرَ هَذَا جَاعِلَهْ ..... كِنَايَةً بِأَنْ أَرَادَ فَاعِلَهْ
95 - حَقِيقَةً وَنِسْبَةُ الْإِنْبَاتِ لَهْ ..... قَرِينَةٌ وَقَدْ أَبَاهُ النَّقَلَهْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:53 ص]ـ
البَابُ الثَّانِي: أَحْوَالُ الْمُسْنَدِ إِلَيْه
96 - فَلِاجْتِنَابِ عَبَثٍ قُلْ حَذْفُهُ ..... أَوْ لاِخْتِبَارِ سَامِعٍ هَلْ يَنْبُهُ
97 - أَوْ قَدْرِ فَهْمِهِ وَجَنْحٍ لِدَلِيلْ ..... أَقْوَى هُوَ الْعَقْلُ لَهُ "قُلْتُ عَلِيلْ"
98 - أَوْ صَوْنِهِ عَنْ ذِكْرِهِ أَوْ صَوْنِكَا ..... أَوْ لِتَأَتِّي الْجَحْدِ إِنْ يُجْنَحْ لَكَا
99 - أَوْ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا أَوِ ادِّعَا ..... أَوِ الْمَقَامِ ضَيِّقًا أَوْ سُمِعَا
100 - وَذِكْرُهُ لِلْأَصْلِ أَوْ يُحْتَاطُ إِذْ ..... تَعْوِيلُهُ عَلَى الْقَرِينَةِ انْتُبِذْ
101 - أَوْ سَامِعٍ لَيْسَ بِذِي تَذْكِيرِ ..... أَوْ كَثْرَةِ الْإِيضَاحِ وَالتَّقْرِيرِ
102 - أَوْ قَصْدِهِ تَحْقِيرَهُ أَوْ رِفْعَتَهْ ..... أَوْ بَرَكَاتِ شَأْنِهِ أَوْ لَذَّتَهْ
103 - أَوْ بَسْطَهُ الْكَلاَمَ حَيْثُ يُطْلَبُ ..... طُولُ الْمَقَامِ كَالَّذِي يُسْتَعْذَبُ
104 - وَكَوْنُهُ مَعْرِفَةً فَمُضْمَرُ ..... إِذِ الْمَقَامُ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرُ
105 - وَالْأَصْلُ فِي الْخِطَابِ أَنْ يُعَيَّنَا ..... مُخَاطَبٌ وَفَقْدُ ذَاكَ يُعْتَنَى
106 - كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: "وَلَوْ تَرَى" ..... لِكَيْ يَعُمَّ كُلَّ شَخْصٍ قَدْ يَرَى
107 - وَعَلَمٌ لِأَجْلِ أَنْ يَحْضُرَ فِي ..... ذِهْنٍ بِعَيْنِهِ وَبِاسْمِهِ الْوَفِي
108 - فِي الاِبْتِدَا كَـ"قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدْ" ..... أَوْ لِكِنَايَةٍ وَرِفْعَةٍ وَضِدْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:54 ص]ـ
109 - أَوْ لِتَبَرُّكٍ وَلَذَّةٍ، وَمَا ..... يُوصَلُ لِلتَّقْرِيرِ أَوْ أَنْ فُخِّمَا
110 - أَوْ فَقْدِ عِلْمٍ سَامِعٍ غَيْرَ الصِّلَهْ ..... كَـ"إنَّ مَا أَهْدَى إِلَيْكَ يَعْمَلَهْ"
111 - أَوْ هُجْنَةِ التَّصْرِيحِ بِالْإِسْمِ كَذَا ..... تَنْبِيهُهُ عَلَى الْخَطَا وَنَحْوِ ذَا
112 - أَوْ لِإِشَارَةٍ إِلَى وَجْهِ الْبِنَا ..... لِخَبَرٍ وَقَدْ يَكُونُ ذَا هُنَا
113 - ذَرِيعَةً لِرَفْعِ شَأْنِ الْمُسْنَدِ ..... َأَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِسِوَاهُ وَزِدِ
114 - ذَرِيعَةً لِأَجْلِ تَحْقِيقِ الْخَبَرْ ..... وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ فِي هَذَا نَظَرْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:54 ص]ـ
115 - وَاسْمُ إِشَارَةٍ لِكَيْ يُمَيَّزَا ..... أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ كَـ"هَذَا مَنْ غَزَا"
116 - كَذَا لِتَعْرِيضٍ بِأَنَّ السَّامِعْ ..... مُسْتَبْلِدٌ كَالْبَيْتِ ذِي الْمَجَامِعْ
117 - أَوْ لِبَيَانِ حَالِهِ مِنْ قُرْبِ ..... أَوْ بُعْدٍ اوْ تَحْقِيرِهِ بِالْقُرْبِ
118 - أَوْ رَفْعِهِ بِالْبُعْدِ أَوْ تَحَقُّرِ ..... أَوْ كَوْنِهِ بِالْوَصْفِ بَعْدَهُ حَرِيْ
119 - أَوْ لَمْ يَكُنْ بِغَيْرِ ذَاكَ يُعْرَفُ ..... قَدْ زَادَهُ عَلَى الْمَوَاضِي يُوسُفُ
120 - ثُمَّ بِـ (أَلْ) إِشَارَةً لِمَا عُهِدْ ..... أَوْ لِحَقِيقَةٍ وَرُبَّمَا تَرِدْ
121 - لِوَاحِدٍ لِعَهْدِهِ فِي الذِّهِنِ ..... نَحْوُ "ادْخُلِ السُّوقَ" وَلاَ عَهْدَ عُنِي
122 - كَالنُّكْرِ مَعْنًى وَلِأَفْرَادٍ تَعُمْ ..... حَقِيقَةً كَعَالِمِ الْغَيْبِ قَدُمْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:54 ص]ـ
123 - وَمِنْهُ عُرْفِيْ وَعُمُومُ الْمُفْرَدِ ..... أَشْمَلُ إِذْ صَحَّ وُجُودُ مُفْرَدِ
124 - وَرَجُلَيْنِ مَعَ قَوْلٍ "لاَ رِجَالْ ..... فِي الدَّارِ" دُونَ مَا إِذَا فَرْدٌ يُقَالْ
125 - وَلاَ تَنَافِيْ بَيْنَ الاِسْتِغْرَاقِ ..... وَبَيْنَ الاِفْرَادِ بِالاِتِّفَاقِ
126 - لِأَنَّهُ يَدْخُلُ مَعْ قَطْعِ النَّظَرْ ..... عَنْ وَحْدَةٍ، وَبِالْإِضَافَةِ اسْتَقَرْ
127 - لِلاِخْتِصَارِ أَوْ لِتَعْظِيمِ الْمُضَافْ ..... إِلَيْهِ أَوْ مُضَافِ هَذَا أَوْ خِلاَفْ
128 - هَذَيْنِ أَوْ إِهَانَةٍ كَـ"عَبْدِي ..... عَبْدِ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدِي"
129 - قُلْتُ: وَالاِسْتِغْرَاقِ لَكِنْ سَكَتُوا ..... عَنْهُ، وَمِنْ (أَلْ) ذَا بِهَذَا أَثْبَتُ
130 - وَيُوسُفٌ: وَلِإِشَارَةٍ إِلَى ..... نَوْعِ مَجَازٍ وَلِتَرْقِيقٍ جَلاَ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:54 ص]ـ
131 - وَكَوْنُهُ نَكِرَةً لِوَحْدَتِهْ ..... كَـ"رَجُلٌ" نَوْعِيَّةٍ أَوْ رِفْعَتِهْ
132 - أَوْ ضِدِّهَا أَوْ كَثْرَةٍ أَوْ قِلَّتِهْ ..... وَقَدْ أَتَى لِرِفْعَةٍ وَكَثْرَتِهْ
133 - "قَدْ كُذِّبَتْ رُسْلٌ" مِثَالٌ فَافْهَمِ ..... وَغَيْرُهُ نُكِّرَ قَصْدَ الْعِظَمِ
134 - نحَْوُ "بِحَرْبٍ" وَلِضِدٍّ ظَنَّا ..... وَالنَّوْعُ وَالْإِفْرَادُ حَقًّا عَنَّا
135 - فِي "دَابَةٍ مِنْ مَاءٍ" الَّذِي تُلِي ..... أَوْ قُصِدَ الْعُمُومُ إِنْ نَفْيًا وَلِي
136 - أَوْ لِتَجَاهُلٍ أَوَ انْ لاَ يُدْرِكَا ..... ذُو الْقَوْلِ وَالسَّامِعُ غَيْرَ ذَلِكَا
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:54 ص]ـ
137 - ثُمَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُشْتَهِرَهْ ..... إِذَا أَتَتْ نَكِرَةٌ مُكَرَّرَهْ
138 - تَغَايَرَا وَإِنْ يُعَرَّفْ ثَانِي ..... تَوَافَقَا كَذَا الْمُعَرَّفَانِ
139 - شَاهِدُهَا الَّذِي رَوَيْنَا مُسْنَدَا ..... "لَنْ يَغْلِبَ الْيُسْرَيْنِ عُسْرٌ أَبَدَا"
140 - وَنَقَضَ السُّبْكِيُّ ذَا بِأَمْثِلَهْ ..... وَقَالَ: ذِي قَاعِدَةٌ مُسْتَشْكَلَهْ
[قال الشيخ علي الأجهوري:
وإن يُعَدْ منكَّرٌ منكَّرا ..... فالثانِ غيرُ أول بلا مرا
وفي سوى ذا الثانِ عينُ الأول ..... إلى ثلاثة فذو الأصل جلي
قلت: وفي مغني اللبيب حكما ..... بأن هذا كله ما سُلما
إذ قوله "فوق العذاب" أبطله ..... و"الصلح خير" قد أبان خلله
وذا لأن الصلح عَمَّ الأولا ..... والشيء فوق نفسه لن يعقلا
وقوله "عليهم كتابا" ..... يرده فاستمع الخطابا
وقوله "والنفس بالنفس" وما ..... شاكلها يخالف اللذ رسما
وقوله أيضا "وفي الأرض إله" ..... لأن ربي واحد بلا اشتباه
إلا إذا قيل بأن ذلك ..... إن لم تكن قرينة هنالك
فإن تكن ثَم فلا يُعوَّل ..... إلا عليها فالمراد يسهل]
141 - وَوَصْفُهُ لِلْكَشْفِ وَالتَّخْصِيصِ أَوْ ..... تَأَكُّدٍ وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ رَأَوْا
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:54 ص]ـ
[الأخضري: وأكدوا تقريرا او قصد الخلوص ......... من ظن سهو أو مجاز أو خصوص]
142 - وَكَوْنُهُ أَكَّدَ لِلتَّقْرِيرِ مَعْ ..... تَوَهُّمِ الْمَجَازِ وَالسَّهْوِ انْدَفَعْ
143 - أَوْ عَدَمِ الشُّمُولِ، وَالْبَيَانُ قَرْ ..... لِكَشْفِهِ نَحْوُ "أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ"
144 - وَالْعَطْفُ لِلتَّفْصِيلِ بِالْإِيجَازِ فِي ..... ذَا الْبَابِ وَالْمُسْنَدِ أَوْ رَدٍّ نُفِيْ
145 - بِهِ الْخَطَا فِي "جَا أَبُوكَ لاَ الْأَجَلْ" ..... أَوْ صَرْفِ حُكْمٍ لِلسِّوَى فِي عَطْفِ (بَلْ)
146 - وَالشَّكِّ وَالتَّشْكِيكِ، قُلْتُ: أَوْ سِوَى ..... ذَلِكَ مِمَّا حَرْفَ عَطْفٍ قَدْ حَوَى
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:54 ص]ـ
147 - وَبَدَلُ الشَّيْءِ وَبَعْضٍ وَاشْتِمَالْ ..... لِزَيْدِ تَقْرِيرٍ وَإِيضَاحٍ يُقَالْ
148 - وَالْفَصْلُ تَخْصِيصًا لَهُ بِالْمُسْنَدِ ..... وَالْمَيْزَ مِنْ نَعْتٍ وَلِلتَّأَكُّدِ
149 - وَكَوْنُهُ مُؤَخَّرًا فَلاِقْتِضَا ..... تَقَدُّمِ الْمُسْنَدِ أَمْرٌ مُرْتَضَى
[الأخضري:
وقدموا للأصل أو تشويف ........... لخبر تلذذ تشريف
وحط اهتمام او تنظيم .......... تفاؤل تخصيص او تعميم]
150 - وَكَوْنُهُ مُقَدَّمًا إِذْ هُوْ الْمُهِمْ ..... لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ وَمُخْرِجٌ عُدِمْ
151 - أَوْ لِتَمَكُّنْ خَبَرٍ فِي الذِّهْنِ إِذْ ..... فِي الْمُبْتَدَا تَشَوُّقٌ لَهُ أُخِذْ
152 - أَوْ سُرْعَةِ السُّرُورِ لِلتَّفَاؤُلِ ..... أَوْ لِمَسَاءَةِ الْعُدُوِّ الْعَاذِلِ
153 - أَوْ كَوْنِهِ يُوهِمُ الاِسْتِلْذَاذَ بِهْ ..... أَوْ لاَزِمَ الْخَاطِرِ وَالَّذِي شُبِهْ
154 - قِيلَ: وَلِلتَّخْصِيصِ بِالْفِعْلِ الْخَبَرْ ..... تَالِيَ نَفْيٍ نَحْوُ "مَا أَنَا أُضَرْ"
155 - أَيْ بَلْ سِوَايَ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحْ ..... "وَلاَ سِوَايَ" وَالْقِيَاسُ مُتَّضِحْ
156 - وَلاَ كَـ"مَا أَنَا رَأَيْتُ أَحَدَا" ..... وَ"مَا أَنَا ضَرَبْتُ إِلاَّ مَنْ عَدَا"
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:54 ص]ـ
157 - وَمَا سِوَى التَّالِيْ لِتَخْصِيصٍ وَرَدْ ..... عَلَى الَّذِي يَزْعُمُ غَيْرَهُ انْفَرَدْ
158 - أَوْ شَارَكُوا نَحْوُ "أَنَا الَّذِي عَلاَ" ..... بِنَحْوِ "لاَ غَيْرِيَ" أَكِّدْ أَوَّلاَ
159 - وَنَحْوِ "وَحْدِيْ" ثَانِيًا وَوَرَدَا ..... تَقْوِيَةَ الْحُكْمِ كَـ"ذَا يُولِي النَّدَا"
160 - وَلَوْ نُفِيْ الْفِعْلُ كَـ"أَنْتَ لاَ تَذُمْ" ..... فَذَا عَلاَ عَنْ "لاَ تَذُمْ" وَلَوْ تَضُمْ
161 - "أَنْتَ" إِذِ التَّأْكِيدُ لِلْمَحْكُومِ لاَ ..... لِلْحُكْمِ وَالْفِعْلُ إِنِ النُّكْرَ تَلاَ
162 - فَهْوَ لِجِنْسٍ أَوْ لِفَرْدٍ حَصَرَهْ ..... كَـ"رَجُلٌ جَا لاَ رِجَالٌ" أَوْ " .. مَرَةْ"
163 - وَقَالَ يُوسُفُ: كَذَا إِنْ قُدِّرَا ..... فاَعِلُهُ مَعْنًى فَقَطْ مُؤَخَّرَا
164 - وَإِنْ يَجُزْ وَلَمْ يُقَدَّرْ أَوْ مُنِعْ ..... لَمْ يُسْتَفَدْ غَيْرُ التَّقَوِّيْ فَاسْتَمِعْ
165 - إِلاَّ مُنَكَّرًا وَلَوْ أَنْ أُخِّرَا ..... فَفَاعِلاً فِي اللَّفْظِ أَيْضًا قُدِّرَا
166 - بِجَعْلِهِ مِنَ الضَّمِيرِ مُبْدَلاَ ..... خَشْيَةَ فَقْدٍ لِلْخُصُوصِ إِذْ خَلاَ
167 - مِنْ سَبَبٍ سِوَاهُ فَالْمَنْعُ لَزِمْ ..... مِنِ ابْتِدَاهُ لاَ مُعَرَّفٌ وُسِمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:55 ص]ـ
168 - بِشَرْطِ فَقْدِ مَانِعِ التَّخْصِيصِ لاَ ..... "شرٌّ أَهَرَّ ذَا أَذًى" أَمَّا عَلَى
169 - جِنْسٍ فَلاِمْتِنَاعِ أَنْ يُرَادَ "مَا ..... أَهَرَّ شَرٌّ غَيْرُ خَيْرٍ" وَأَمَا
170 - عَلَى انْفِرَادٍ فَهْوَ لَيْسَ يَجْنَحُ ..... لِقَصْدِهِمْ وَإِذْ هُمُو قَدْ صَرَّحُوا
171 - تَخْصِيصَهُ إِذْ أَوَّلُوا بِـ"مَا أَهَرْ ..... إِلاَّ" فَبِالتَّنْكِيرِ فَظِّعْ شَأْنَ شَرْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:55 ص]ـ
172 - وَفِي جَمِيعِ قَوْلِهِ هَذَا نَظَرْ ..... قَالَ: وَ"زَيْدٌ قَائِمٌ" إِذِ اسْتَتَرْ
173 - فِيهِ ضَمِيرٌ فِي التَّقَوِّي يَقْرُبُ ..... مِنْ "قَامَ" لاَ كَمِثْلِهِ إِذْ يُنْسَبُ
174 - لِشِبْهِ خَالٍ صِيغَةً وَمِنْ هُنَا ..... لَمْ يَكُ جُمْلَةً وَلاَ كَهِيْ بِنَا
175 - مِمَّا يُرَى تَقْدِيمُهُ كَاللاَّزِمِ ..... "مِثْلُكَ لاَ يَبْخَلُ يَا ابْنَ الْعَالِمِ"
176 - وَمِثْلُهُ "غَيْرُكَ لاَ يَجُودُ" أَيْ ..... أَنْتَ إِذَا لَمْ يَكُ تَعْرِيضٌ بِشَيْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:55 ص]ـ
177 - وَرُبَّمَا قُدِّمَ إِذْ عَمَّ كَـ"كُلْ ..... لَمْ يَأْتِ" إِذْ تَأْخِيرُهُ هُنَا يَدُلْ
178 - عَلَى انْتِفَا الْحُكْمِ عَنِ الْمَجْمُوعِ لاَ ..... عَنْ كُلِّ فَرْدٍ وَهْوَ حُكْمٌ قُبِلاَ
179 - اَلشَّيْخُ: إِنْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ أَتَتْ ..... "كُلٌّ" بِأَنْ أَدَاتُهُ تَقَدَّمَتْ
180 - كَقَوْلِهِ: "مَا كُلُّ مَا تَمَنَّى" ..... أَوْ عَمَلُ الْمَنْفِيِّ فِيهِ عَنَّا
181 - كَـ"مَا أَتَى الرِّجَالُ كُلُّهُمْ"، وَ"لَنْ ..... آخُذَ كُلَّ الْمَالِ" أَوْ ذَا قَدِّمَنْ
182 - تَوَجَّهَ النَّفْيُ إِلَى الشُّمُولِ ثُمْ ..... أُثْبِتَ لِلْبَعْضِ وَإِلاَّ فَلْيَعُمْ
183 - كَـ"أَصْبَحَتْ أُمُّ الْخِيَارِ تَدَّعِي ..... عَلَيَّ ذَنْباً كُلُّهُ لَمْ أَصْنَعِ"
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:55 ص]ـ
مَسْأَلَة [الخروج عن مقتضى الظاهر]
184 - قَدْ يَخْرُجُ الْكَلاَمُ عَمَّا ذُكِرَا ..... مِنْ ذَلِكَ الْمُضْمَرُ عَمَّا أُظْهِرَا
185 - كَـ"نِعْمَ عَبْدًا" وَضَمِيرِ الشَّانِ ..... لِيَثْبُتَ التَّالِيهِ فِي الْأَذْهَانِ
186 - وَعَكْسُهُ إِشَارَةً لِلاِعْتِنَا ..... بِكَوْنِهِ مُمَيَّزًا إِذْ ضُمِّنَا
187 - حُكْْمًا بَدِيعًا وَادِّعَاءَ الشُّهْرَةِ ..... أَوِ النِّدَا عَلَى كَمَالِ الْفِطْنَةِ
188 - لِسَامِعٍ وَالضِّدِّ وَالتَّهَكُّمِ ..... بِهِ كَمِثْلِ مَا إِذَا كَانَ عَمِيْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:55 ص]ـ
189 - وَغَيْرَهَا زِيَادَةَ التَّمْكِينِ قَدْ ..... مَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: "اللهُ الصَّمَدْ"
190 - أَوْ لِيُقَوِّيْ دَاعِيَ الْمَأْمُورِ ..... أَوْ يُدْخِلَ الرَّوْعَ عَلَى الضَمِيرِ
191 - أَوِ الْمَهَابَةِ وَالاِسْتِعْطَافِ ..... قُلْتُ كَذَا الْوُصْلَةُ لِلْأَوْصَافِ
192 - وَعِظَمِ الْأَمْرِ وَتَنْبِيهٍ عَلَى ..... عِلِّيَّةٍ، وَعَوْدُ مَعْنَاهُ عَلاَ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:55 ص]ـ
193 - وَقَالَ فِي الْمِفْتَاحِ: كُلُّ مَا ذُكِرْ ..... لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِذَا الَّذِي قُدِرْ
194 - بَلْ غَيْبَةٌ وَأَخَوَاهَا قَدْ نُقِلْ ..... كُلٌّ لِآخَرَ الْتِفَاتٌ مُسْتَقِلْ
195 - وَرُدَّ فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ أَخَصْ ..... لِأَنَّهُ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنًى بِنَصْ
196 - مِنَ الثَّلاَثِ بَعْدَ ذِكْرٍ بِسِوَاهْ ..... مِنْهَا لِيَرْفُلَ الْكَلاَمُ فِي حُلاَهْ
197 - لِأَنَّ نَقْلَ الْقَوْلِ فِي الْمَهَايِعِ ..... أَنْشَطُ لِلْإِصْغَاءِ فِي الْمَسَامِعِ
[الأخضري: والالتفات وهو الانتقال من .......... بعض الأساليب إلى بعض قمن]
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:58 م]ـ
198 - وَقَدْ يَخُصُّ كُلَّ مَوْضِعٍ نُكَتْ ..... كَمِثْلِ مَا أُمُّ الْكِتَابِ قَدْ حَوَتْ
199 - فَالْعَبْدُ إِذْ يَحْمَدُ مَنْ يَحِقُّ لَهْ ..... ثُمَّ يَجِيءُ بِالسُّمَى الْمُبَجَّلَةْ
200 - فَكُلُّهَا مُحَرِّكُ الْإقْبَالِ ..... وَمَالِكُ الْأُمُورِ فِي الْمَآلِ
201 - فَيُوجِبُ الْإِقْبَالَ وَالْخِطَابَا ..... بِغَايَةِ الْخُضُوعِ وَالتَّطْلاَبَا
202 - لِلْعَوْنِ فِي كُلِّ مُهِمٍّ يَقْصِدُ ..... وَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ مَا قَدْ يَرِدُ
203 - وَلَمْ يَكُنْ فِي جُمْلَةٍ كَمَا فِي ..... عَرُوسِ الاَفْرَاحِ وَفِي الْكَشَّافِ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:58 م]ـ
204 - وَمِنْ خِلاَفِ الْمُقْتَضَى أَنْ جَاوَبَا ..... مُخَاطَِبًا بِغَيْرِ مَا تَرَقَّبَا
205 - بِحَمْلِهِ عَلَى خِلاَفِ قَصْدِهِ ..... لِأَنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ ضِدِّهِ
206 - أَوْ سَائِلاً بِغَيْرِ مَا قَدْ سَأَلَهْ ..... لِأَنَّهُ الْأَوْلَى أَوِ الْمُهِمُّ لَهْ
[الأخضري في الجوهر المكنون:
ومن خلاف المقتضى صرف مرادْ ......... ذي نطق او سؤل لغير ما أراد
لكونه أولى به وأجدرا ........... كقصة الحجاج والقبعثرى] ْ
207 - وَمِنْهُ مَاضٍ عَنْ مُضَارِعٍ وُضِعْ ..... لِكَوْنِهِ مُحَقَّقًا نَحْوُ "فَزِعْ"
208 - قُلْتُ وَلِلْإِشْرَافِ أَوْ إِبْرَازِكَا ..... فِي مَعْرِضِ الْحَاصِلِ غَيْرَ ذَلِكَا
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:58 م]ـ
209 - وَمِنْهُ قَلْبٌ كَـ"عَرَضْتُ الْإِبِلاَ ..... عَلَى الْحِيَاضِ" ثُمَّ هَلْ ذَا قُبِلاَ
210 - ثَالِثُهَا الْأَصَحُّ إِنْ لَمْ يَقْتَضِ ..... مَعْنًى لَطِيفًا لاَ وَإِلاَّ فَارْتُضِيْ
211 - كـ"مَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ ..... كَأَنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ"
212 - وَمِنْهُ ذِكْرُ جَمْعٍ اوْ مُثَنَّى ..... أَوْ مُفْرَدٍ عَنْ آخَرٍ قَدْ عَنَّا
213 - وَالاِنْتِقَالُ مِنْ خِطَابِ بَعْضِ ذِي ..... إِلَى خِطَابِ آخَرٍ نَوْعٌ شَذِيْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:58 م]ـ
الباب الثالث: أَحْوَالُ الْمُسْنَدِ
214 - فَتَرْكُهُ لِمَا مَضَى وَيَحْتَمِلْ ..... كِلَيْهِمَا "صَبْرٌ جَمِيلٌ" قَدْ نُقِلْ
215 - وَشَرْطُهُ قَرِينَةٌ كَذِكْرِ ..... سُؤَالٍ اوْ تَقْدِيرِهِ لِخُبْرِ
216 - وَقَدْ يَجِي مِنْ أَوَّلٍ أَوْ آخِرِ ..... وَصَالِحًا لِذَيْنِ عِنْدَ السَّابِرِ
217 - وَخَبَرًا لِمُبْتَدًا أَوْ (إِنَّ) أَوْ ..... (كَانَ) عَلَى قُبْحٍ وَفِعْلاً بَعْدَ (لَوْ)
218 - وَذِكْرُهُ لمِاَ مَضَى أَوْ حَتْمِ ..... مَجِيئِهِ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالاِسْمِ
219 - قُلْتُ: وَلِلتَّعْجِيبِ فِي الْمِفْتَاحِ قَدْ ..... زَادَ، وَفِي الْإِيضَاحِ رَدَّ، وَانْفَرَدْ
220 - لِكَوْنِهِ لاَ سَبَبِيًّا مَعْ عَدَمْ ..... إِفَادَةِ الْقُوَّةِ لِلْحُكْمِ الْمُتَمْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:58 م]ـ
221 - وَالسَّبَبِيُّ: مَا جَرَى لِغَيْرِ مَا ..... يَسْبِقُهُ كَـ"هِنْدَ عَبْدُهَا انْتَمَى"
222 - وَكَوْنُهُ فِعْلاً لِأَنْ يُقَيَّدَا ..... بِوَقْتِهِ وَيُفْهِمَ التَّجَدُّدَا
[الأخضري: وكونه فعلا فلتقييد ...... بالوقت مع إفادة التجديد]
[ابن الشحنة: وكونه فعلا فللتقيد ......... بالوقت مع إفادة التجدد]
223 - وَاسْمًٍا لِفَقْدِ فَيْدِهِ مَا ذُكِرَا ..... قُلْتُ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَا:
224 - (إِفَادَةُ الثُّبُوتِ لِلْإِسْمِ فُقِد ..... إِنْ كَانَ مَا يَتْلُوهُ فِعْلاً) وَانْتُقِدْ
225 - وَكَوْنُهُ مُقَيَّدًا بِقَيْد ..... كَنَحْوِ مَفْْعُولٍ لِزَيْدِ الْفَيْدِ
226 - وَنَحْوُ "كُنْتُ قَائِمًا" (كَانَ) الَّذِي ..... قَيَّدَتِ الْمَنْصُوبَ لاَ الْعَكْسُ احْتُذِي
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:58 م]ـ
227 - وَالتَّرْكُ لِلْمَانِعِ كَانْتِهَازِ ..... لِفُرْصَةٍ تُغْنَمُ وَالْإِيجَازِ
228 - وَكَوْنُهُ قُيِّدَ بِالشَّرْطِ لِأَنْ ..... يُفِيدَ مَعْنَى الْأَدَوَاتِ كَيْفَ عَنْ
229 - وَكُلُّهَا مَبْسُوطَةٌ فِي النَّحْوِ ..... وَابْحَثْ هُنَا فِي (إِنْ) (إِذَا) وَ (لَوِّ)
230 - فَغَيْرُ (لَوْ) لِلشَّرْطِ فِي اسْتِقْبَالِ ..... لَكِنَّ (إِنْ) تَخْتَصُّ بِالْمُحَالِ
231 - لِكَوْنِهَا فِي الْأَصْلِ لِلَّذِي عَدِمْ ..... جَزْمًا وَعَكْسُهَا (إِذَا)، مِنْ ثَمَّ عَمْ
232 - الَْمَاضِ فِيهَا، وَلِجَزْمٍ إِنْ تَرِدْ ..... تَجَاهُلاً أَوْ لِمُخَاطَبٍ فَقَدْ
233 - جَزْمًا وَلِلتَّوْبِيخِ وَالَّذِي يُرَى ..... كَجَاهِلٍ إِذْ مَا عَلَى الْعِلْمِ جَرَى
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:58 م]ـ
234 - كَذَا لِتَغْلِيبِ الَّذِي لَمْ يَتَّصِفْ ..... بِهِ عَلَى الْمَوْصُوفِ ثُمَّ ذَا عُرِفْ
235 - فِي غَيْرِ مَا فَنٍّ كَمِثْلِ (الْعُمَرَيْنْ) ..... (اَلْقَانِتَيْنِ) (الْخَافِقَيْنِ) (الْقَمَرَيْنْ)
236 - قُلْتُ: وَمَنْ يَشْرُطُ أَنْ يُغَلَّبَا ..... أَدْنَى أَوِ الْأَعْلَى فَلَا تُصَوِّبَا
237 - وَاخْتَصَّتَا بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ ..... مُسْتَقْبَلاً وَتَرْكُهُ لِنُكْتَةِ
238 - كَمِثْلِ إِبْرَازِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلِ ..... فِي صُورَةِ الْحَاصِلِ وَالتَّفَاؤُلِ
239 - وَالْقَصْدِ لِلرَّغْبَةِ فِي وُقُوعِهِ ..... وَقِيلَ: وَالتَّعْرِيضُ مِنْ فُرُوعِهِ
240 - نَحْوُ "لَئِنْ أَشْرَكْتَ" وَالتَّعْرِيضَ سَمْ ..... بِـ (مُنْصِفِ الْكَلاَمِ) مِمَّنْ قَدْ حَكَمْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:58 م]ـ
241 - وَمِنْهُ "مَا لِيْ" تِلْوُهُ "لاَ أَعْبُدُ" ..... وَحُسْنُهُ إِسْمَاعُ مَنْ قَدْ يَقْصِدُ
242 - خِطَابَهُ الْحَقَّ عَلَى وَجْهٍ مَنَعْ ..... غَضَبَهُ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا صَنَعْ
243 - نِسْبَتُهُ لِلَّوْمِ، وَالْإِعَانَةْ ..... عَلَى قَبُولِهِ لِمَا أَبَانَهْ
244 - مِنْ نُصْحِهِ؛ إِذْ لَمْ يُرِدْ لَهُ سِوَى ..... مُرَادِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا نَوَى
245 - وَ (لَوْ) لِشَرْطِ الْمَاضِ وَانْتِفَائِهِ ..... لاَ لاِنْتِفَا الْمَشْرُوطِ أَوْ بَقَائِهِ
246 - فَذَاكَ بِاللاَّزِمِ؛ هَكَذَا ذَكَرْ ..... جَمَاعَةٌ وَشَيْخُنَا لَهُ نَصَرْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:59 م]ـ
247 - مِنْ ثَمَّ غَالِبًا تَلِي الْفِعْلِيَّةْ ..... وَفِعْلَ جُزْأَيْهَا الْزَمَنْ مُضِيَّهْ
248 - وَلاِنْحِتَامِ كَوْنِ ذَاكَ وَاقِعَا ..... وَقَصْدِ الاِسْتِمْرَارِ جَا مُضَارِعَا
249 - وَقَصْدِ الاِسْتِحْضَارِ مِثْلُ مَا أَتَى ..... فِي غَيْرِ ذَا، وَقَدْ تَقَضَّى ضِدُّ تَا
250 - قُلْتُ: وَأَمَّا نَفْيُهُ فَالْأَحْرُفُ ..... سِتٌّ، لِمَعْنًى كُلُّ حَرْفٍ يُؤْلَفُ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:59 م]ـ
251 - فَـ (مَا) وَ (إِنْ) كَـ (لَيْسَ) نَفْيُ الْحَالِ ..... وَ (لاَ) وَ (لَنْ) لِنَفْيِ الاِسْتِقْبَالِ
252 - فَـ (إِنْ) أَدَقُّ ثُمَّ لِلتَّأْكِيدِ (لَنْ) ..... وَنَفْيِ مَا كَانَ حُصُولُهُ يُظَنْ
253 - قِيلَ: وَلِلتَّأْبِيدِ، لَكِنْ تُرِكَا ..... وَخَصَّهُ (لاَ) ابْنُ خَطِيبِ زَمْلَكَا
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:59 م]ـ
254 - قَالَ: وَلَنْ لِنَفْيِ مَا قَدْ قَرُبَا، ..... وَالاِرْتِشَافُ فِيهِ هَذَا قَدْ أَبَى
255 - وَ (لَمْ) وَ (لَمَّا) نَفْيُ مَاضٍ وَانْفَرَدْ ..... (لَمَّا) بِالاِسْتِغْرَاقِ مَعْ مَدْخُولِ (قَدْ)
256 - وَكَوْنُ مَا أُسْنِدَ ذَا تَنَكُّرِ ..... لِقَصْدِ أَنْ لاَ عَهْدَ أَوْ لَمْ يُحْصَرِ
257 - كَذَاكَ لِلتَّفْخِيمِ أَوْ لِلضَّعْفِ، ..... وَكَوْنُهُ مُخَصَّصًا بِالْوَصْفِ
258 - أَوْ بِإِضَافَةٍ لِكَوْنِهِ أَتَمْ ..... فَائِدَةً، وَتَرْكُهُ لِلْفَقْدِ عَمْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:59 م]ـ
259 - وَكَوْنُهُ مُعَرَّفًا لِيَفْهَمَا ..... مُخَاطَبٌ حُكْمًا عَلَى مَا عَلِمَا
260 - بِبَعْضِ مَا عَرَّفَ بِالَّذِي جَهِلْ ..... أَوْ لاَزِمًا، كَذَا "أَخِيْ" أَوِ "الْأَجَلْ"
261 - عَهْدًا أَوِ الْجِنْسَ أَرِدْ كَعَكْسِ ..... ذَيْنِ، وَقَدْ يُفِيدُ قَصْرَ الْجِنْسِ
262 - ذُو اللاَّمِ تَحْقِيقًا عَلَى شَيْءٍ كَذَا ..... مُبَالَغًا كَـ"هْوَ الْأَمِيرُ" وَ" .. الْأَذَى"
263 - وَمَنْ يَقُلْ: (مُعَيَّنٌ لِلاِبْتِدَا ..... إِسْمٌ وَلِلْإِخْبَارِ وَصْفٌ) فَارْدُدَا
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:59 م]ـ
264 - وَجُمْلَةً يَجِيءُ لِلتَّقْوِيَةِ ..... أَوْ سَبَبِيًّا كَانَ كَالْإِسْمِيَّةِ
265 - فِعْلِيَّةً شَرْطِيَّةً لِمَا مَضَى ..... ظَرْفِيَّةً تَقْدِيرُهَا الْفِعْلُ رِضَا
266 - فَلاِخْتِصَارِهَا وَفِي تَأْخِيرِهِ ..... اَلنُّكْتَةُ اهْتِمَامُ شَأْنِ غَيْرِهِ
267 - وَعَكْسُهُ لِكَوْنِهِ بِالْمُسْنَدِ ..... إِلَيْهِ مَخْصُوصًا كَـ"مَا فِيهَا عَدِيْ"
268 - مِنْ ثَمَّ فِي "لاَ رَيْبَ فِيهِ" أُخِّرَا ..... كَيْ لاَ يُفِيدَ الرَّيْبَ فِيمَا غَبَرَا
269 - أَوْ فَهْمِ الْاِخْبَارِ بِهِ مِنْ أَوَّلِ ..... أَوْ لِتَشَوُّقٍ أَوِ التَّفَاؤُلِ
270 - قُلْتُ: وَلِلْمَفْعُولِ إِنَّمَا بُنِي ..... لِكَوْنِهِ فِي الذُّكْرِ نُصْبَ الْأَعْيُنِ
271 - أَوِ السِّيَاقِ دَلَّ أَوْ لاَ يَصْدُرُ ..... عَنْ غَيْرِهِ أَوْ كَوْنِهِ يُحَقَّرُ
272 - كَذَاكَ لِلْجَهْلِ وَالاِخْتِصَارِ ..... وَالسَّجْعِ وَالرَّوِيِّ وَالْإِيثَارِ
تَنْبِيه
273 - غَالِبُ هَذَا الْبَابِ وَالَّذِي خَلاَ ..... يَجِيءُ فِي سِوَاهُمَا تَأَمَّلاَ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:59 م]ـ
الباب الرابع: أَحْوَالُ مُتَعَلَّقَاتِ الْفِعْلِ وَمَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ
274 - اَلْفِعْلُ أَوْ بَقِيَّةُ الْعَوَامِلِ ..... مَعَ اسْمِهَا الْمَنْصُوبِ مِثْلُ الْفَاعِلِ
275 - فِي ذِكْرِهِ لِيُفْهِمَ التَّعَلُّقَا ..... دُونَ إِفَادَةِ الْوُقُوعِ مُطْلَقَا
276 - فَحَذْفُهُ إِنْ أُطْلِقَ الْإِثْبَاتُ لَهْ ..... أَوْ نَفْيُهُ لِلاِسْمِ أَعْنِي فَاعِلَهْ
277 - لِكَوْنِهِ نُزِّلَ كَاللاَّزِمِ لاَ ..... مُقَدَّرٌ فِيهِ فَإِمَّا جُعِلاَ
278 - اَلْفِعْلُ كَانِيًا عَنِ الْفِعْلِ يُخَصْ ..... مَعْمُولُهُ دَلَّ عَلَيْهِ نَوْعُ نَصْ
279 - كَـ"شَجْوُ حُسَّادِكَ أَنْ يَرَى بَصَرْ" ..... أَيْ أََنْ يَكُونَ مُبْصِرٌ لِمَا ظَهَرْ
280 - أَوْ لاَ يَكُونُ مِثْلَ مَا تَلَوْنَا ..... "هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَا"
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:59 م]ـ
281 - أَمَّا الَّذِي يُحْذَفُ وَهْوَ مَا رُفِضْ ..... فَلاَئِقًا قَدِّرْ، وَفِي هَذَا الْغَرَضْ
282 - مِنْ بَعْدِ الاِبْهَامِ الْبَيَانُ مِثْلُ "شَا" ..... مَا لَمْ يَكُ الْتِبَاسُهُ مُسْتَوْحَشَا
283 - أَوْ دَفْعُ أَنْ يَبْتَدِرَ الذِّهْنُ إِلَى ..... غَيْرِ الْمُرَادِ وَاعْتِنَاءٌ كَمَلاَ
284 - بِذِكْرِ الاِيقَاعِ لَهُ بَعْدُ عَلَى ..... صَرِيحِهِ أَوْ أَدَبٌ مَعَ الْعُلاَ
285 - أَوِ اخْتِصَارٌ مَعْ دَلِيلٍ قَامَ لَهْ ..... أَوْ هَجْنَةٌ أَوْ أَنْ تُرَاعَى الْفَاصِلَهْ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 04:59 م]ـ
286 - كَذَا إِفَادَةُ الْعُمُومِ بِالْكَلاَمْ ..... كَقَوْلِهِ "يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمْ"
287 - أَوْ نَحْوُ ذَا، وَكَوْنُهُ مُقَدَّمَا ..... لِرَدِّ تَعْيِينِ الْخَطَا مِنْ ثَمَّ مَا
288 - يُقَالُ "مَا أَبُو الْبَقَاءِ لُمْتُهْ ..... وَلاَ سِوَاهُ"، لاَ " .. وَلَكِنْ عِنْتُهْ"
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 05:00 م]ـ
289 - أَمَّا فِي الاِشْتِغَالِ فَالتَّأْكِيدُ إِنْ ..... قُدِّرَ مَا فُسِّرَ قَبْلَهُ يَعِنْ
290 - وَبَعْدُ تَخْصِيصٌ وَهَذَا يَغْلِبُ ..... فِيهِ كَـ"يَا رَبِّ إِلَيْكَ أَرْغَبُ"
291 - وَقَدْ يُفِيدُ فِي الْجَمِيعِ الاِهْتِمَامْ ..... بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوابُ فِي الْمَقَامْ
292 - تَقْدِيرُ مَا عُلِّقَ "بِاسْمِ اللهِ" بِهْ ..... مُؤَخَّرًا فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ
293 - تَقْدِيمُهُ فِي سُورَةِ (اقْرَأْ) فَهُنَا ..... كَانَ الْقِرَاءَةُ الْأَهَمَّ الْمُعْتَنَى
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 05:00 م]ـ
294 - قُلْتُ: وَشَرْطُ الاِخْتِصَاصِ مَنْعُ أَنْ ..... يَسْتَوْجِبَ التَّقْدِيمَ أَوْ بِالْوَضْعِ عَنْ
295 - أَوْ كَانَ مُصْلِحًا لِأَنْ يُرَكَّبَا ..... وَبَعْضُهُمْ لِلاِخْتِصَاصِ قَدْ أَبَى
296 - وَيَرْفَعُ الْخِلاَفَ قَوْلُ السُّبْكِي: ..... لَيْسَ رَدِيفَ الْحَصْرِ غَيْرَ شَكِّ
[السبكي هنا هو الأب: تقي الدين]
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 05:00 م]ـ
297 - وَبَعْضُ مَعْمُولاَتِهِ يُقَدَّمُ ..... عَلَى السِّوَى إِذْ أَصْلُهُ التَّقَدُّمُ
298 - وَلاَ اقْتِضَا لِمَعْدِلٍ كَأَوَّلِ ..... (أَعْطَى) وَكَالْفَاعِلِ أَوْ لِخَلَلِ
299 - يَحْصُلُ فِي مَعْنَاهُ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ ..... تَنَاسُبٍ، وَالاِخْتِصَاصَ قَدْ حَكَوْا
300 - وَقَدْ يَجِي عَنْ مَصْدَرٍ سِوَاهُ ..... لِنُكْتَةٍ يُدْرِكُ مَنْ حَوَاهُ
301 - وَنُكْتَةُ التَّمْيِيزِ حِينَ حُوِّلاَ ..... فَخَامَةٌ تُدْرَكُ حِينَ يُجْتَلَى(/)
من قوله تعالى: ( .. لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ ......... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 06 - 2010, 12:55 م]ـ
ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ):
فصدرت الآية، كما اطرد في سياق هذه الآية خصوصا، وفي سياق القرآن المدني عموما، بنداء المؤمنين، باعتبار التغليب، فجمهور المخاطبين من المؤمنين فيتوجه إليهم الخطاب أصلا، وغيرهم لهم تبع، على قول من يقول بتكليف الكفار بفروع الشريعة أمرا ونهيا، أو من يقول بخطابهم بالمنهيات دون المأمورات فهذا النهي من جملتها، فالخطاب عام، وإن اختص لفظه بالمعنى الذي اشتقت منه جملة الصلة، فالتعريف بالموصول هنا مئنة من تعلق الحكم بوصف الإيمان الذي اشتقت منه الصلة، ولكنه، لقرينة خارجية، وهي عموم الرسالة الخاتمة، فتصديق أخبارها وامتثال أحكامها، حتم لازم لكل مكلف من أمة الدعوة العامة، وإن توجه الخطاب إلى أمة الإجابة الخاصة، لهذه القرينة الخارجية قد عم من لم يتحقق فيه معنى الإيمان، فخطابه، كما تقدم، بالتبع، فيكون ذلك من الخاص الذي أريد به عام، فالخطاب قد توجه إلى المؤمنين خصوصا، وأريد به المكلفون عموما، فذلك عند من يقول بالمجاز في الكتاب العزيز: مجاز مرسل علاقته الجزئية أو الخصوص فأطلق الجزء وأريد الكل، أو الخصوص وأريد العموم، لما تقدم من قرينة عموم التكليف، ومن ينكر المجاز فإنه يستدل بنصوص عموم الرسالة من قبيل قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، وحديث الخصائص، وفيه: "وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً"، فكلها قرائن لفظية، وإن كانت منفصلة عن السياق محل الشاهد، والقرينة اللفظية رافعة للمجاز ذي القرينة العقلية، فيتبادر إلى الذهن من جمع أدلة الباب: عموم المعنى وإن خص المؤمنون بلفظه، فضلا عما تلا ذلك من العموم المستفاد من تسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل: "يسخر"، وورود النكرتين: "قوم"، و: "نساء" في سياق النهي، فذلك من دلائل العموم، كما قرر أهل الأصول، فكل ذلك مئنة من عموم الخطاب كما تقدم.
وبعد النداء بـ: "يا"، وهي نص في نداء البعيد، والبعد هنا في حق الله، عز وجل، مئنة من علو الذات فعلى العرش استوى على الوجه اللائق بجلاله، وبعد المكانة، فله المثل الأعلى، وفي حق المؤمنين: استرعاء للانتباه وشحذ للأذهان، وفي حق الكافرين على ما تقدم من عموم الخطاب لهم بالتبع: تنبيه للغافلين، فالكافر مظنة ذلك فلزم قرع سمعه بما يوقظه.
بعد هذا النداء جاء النهي على جهة التحريم، فذلك الأصل فيه، ولا قرينة هنا تصرفه عنه إلى دلالة أخرى، فهو حقيقة في التحريم مجاز في غيره، وإن لم يخل غيره من قرائن ترد في سياقه ترجح المراد، فلا يلزم حينئذ القول بوقوع المجاز على ما اطرد مرارا من حجة مانعي المجاز في الكتاب العزيز.
وتسلط النهي كما تقدم على المصدر الكامن في الفعل: "يسخر"، فأفاد عموم النهي عن جنس المنهي عنه، فلا يسخر أي سخرية، ثم جاء التفصيل باستيفاء شطري القسمة العقلية:
لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُم:
فقدم الرجال لتفضيلهم إجمالا على النساء، فجنس الرجال إجمالا خير من جنس النساء، فقدموا لذلك، وتوجه إليهم الخطاب في كثير من آي التنزيل، على جهة التغليب، لتوجه الخطاب إليهم ابتداء، فلا يمنع ذلك من دخول النساء معهم فيه لقرينة عموم التشريع، فهن داخلات دخول الرجال، فالأصل تساوي الجنسين في التكليف الشرعي، إلا ما ورد الدليل على اختصاص أحدهما به دون الآخر.
(يُتْبَعُ)
(/)
فلفظ "قوم" يشير إلى الرجال تغليبا، كما تقدم، وإنما جيء بلفظ القوم دون لفظ الرجال الصريح في الدلالة على معناه، لأن الغالب من حال العرب: سخرية الأقوام مجتمعين من بعضهم، فتسخر قبيلة فلان من قبيلة فلان، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من تنبيه المخاطب بما قد اطرد من حاله، فذلك آكد في تقرير المعنى وتثبيت الحكم، وشاهد مجيء لفظ لقوم بمعنى الرجال قول زهير في البيت المعروف:
وما أدري وسوف أخال أدري ******* أقوم آلُ حصن أم نساء.
فقرينة التسوية بين طرفي "أم" في معرض الذم تدل على إرادة الرجال بلفظ: "قوم"، فمما يشان به الرجل أن يشتبه أمره على غيره فيتلبس بوصف المرأة في خُلقه الباطن أو خَلقه الظاهر، ولذلك جاء النص على لعن من تشبه من الرجال بالنساء والعكس، وذلك في الأحوال التي لا تذم، إذ هي من جملة العوائد الجبلية كالملبس ونحوه، فكيف بالمحرم من الغيبة والنميمة ..... إلخ، وهي أخلاق، باستقراء أحوال البشر، تكثر في النساء، وليس ذلك بمسوغ لها، وإنما قد غلب على حالهن لكثرة كلامهن، الوقوع في المحظور، فمن تشبه بهن من الرجال فقد استحق الذم من وجهين: من وجه ارتكابه المعصية، ومن وجه تشبهه بالنساء في خلق غير مرضي، قياسا على توجه الذم إليه بالتشبه بهن في خلق مرضي يختص بهن ولو على جهة الإباحة، فيحل لهن من اللباس ما لا يحل له، ويحل لهن من الزينة ما لا يحل له، لنقص فيهن لا يلمن عليه فهو من قبيل نقصان العقل والدين، فلا يلام جنس النساء على قلة العقل، وإن كان منهن من فاق أمما من الرجال في رجاحة العقل وسداد الرأي، فلا يلمن على قلة عقلهن فذلك أمر قد جبلن عليه، وقد أيده العلم الحديث فمخ المرأة وهو مستودع المعلومات التي تنشأ منها التصورات العلمية في العقول التي هي في القلوب، كما في قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)، وهو أمر قد أيده العلم الحديث، أيضا، على تفصيل في ذلك تقدم ذكره في موضع سابق، فاللوم يتوجه إلى المرأة إن أوقعها نقص العقل في المعصية على جهة الاختيار، فهو في حد ذاته، عارض كوني، يستدفع بالأمر الشرعي، كمن غضب، فذلك مما قد جبل البشر عليه فلا يمكن منعه، فلا لوم في مجرد وقوعه وإنما يتوجه اللوم إلى صاحبه إن أوقعه ذلك الغضب في الظلم والجور، فالعارض الكوني ليس محل ثواب أو عقاب لخروجه عن قدرة المكلف، وإنما يكون التكليف بالمقدور من مدافعته قدر الاستطاعة، ولا تلام النساء على نقص الدين، فالمانع الشرعي من حيض ونفاس أمر جبلي، ولا يلام الإنسان على العارض الجبلي فذلك مما قد كتبه الرب، جل وعلا، على بنات حواء، فليس لهن فيه خيار ليصح التكليف به دفعا أو رفعا، ..... إلخ، فإذا امتنع التشبه بهن في خلق جبلي لا يلمن عليه من لباس أو زينة، فامتناع التشبه بهن بخلق غير مرضي قد فشا فيهن بحكم العادة من سخرية أو غيبة أو نميمة، واجب من باب أولى، فذلك من صور قياس الأولى، وهو قياس صحيح في الأخبار والأحكام.
و: "من" في: "من قوم": تحتمل معان على القول بتوارد المعاني على مبنى واحد فذلك مما يثري السياق بجملة من المعاني، فتحتمل ابتداء الغاية، فابتداء غاية السخرية يكون ممن يسخر منه بداهة، وتحتمل السببية، فلا يسخر قوم بسبب حال قوم تدعو إلى السخرية من هيئة أو نحوه مما قد شاع بين الناس أنه منقصة، فلا يعير الإنسان بها سواء أكانت كونية، كقصر أو عرج أو نحوه، أم شرعية، فقد ورد النهي عن تعيير العاصي بمعصيته، وإن كانت سببا في بغضه حتى يقلع عنها، فالاحتساب بالإنكار شيء والتعيير بالمعصية شيء آخر، فالأول مشروع بل واجب أو مندوب، والثاني محظور بل محرم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم جاء العلة لها النهي: فـ: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ): فعسى في التنزيل تحمل على تحقق الأمر بعدها، فليست دلالتها في التنزيل كدلالتها في غيره من الاختيار أو الضرورة من الترجي، ولا يعني ذلك التقييد بالمفهوم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فلا يقال: لا يسخر قوم من قوم لأنهم خير منهم، فيفيد ذلك بمفهومه: جواز السخرية منهم إن لم يكونوا خيرا منهم، فالسخرية ممنوعة في كل الأحوال، سواء أكان من سخر منه أعلى أم أدنى، بل لو قيل بتأكد ذلك في حق الأدنى لكان أولى لكونه مظنة الانتقاص.
ثم جاء النص على النساء فذلك استيفاء للشطر الثاني من شطري القسمة العقلية، فيكون الكلام على هذا الوجه محمولا على التأسيس، فقد ذكر صنف الرجال ثم ثنى بصنف النساء، ومن قال بأن "قوم" في الشطر الأول يعم النساء بدلالة اللفظ، فهو اسم جمع، فيعم الذكور والإناث معا، أو بدلالة التغليب، فهن داخلات فيه تبعا، من يقول ذلك، فإنه يجعل ذلك من قبيل الإطناب بذكر الخاص بعد العام تنويها بحكمه، لما تقدم من كثرة هذا الأمر في النساء، فحسن التنبيه بإفرادهن بالذكر كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
وأعيدت العلة: (عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ): توكيدا أيضا.
ولكل وجه، فمن قال بأن الكلام على التأسيس فهو جار على الأصل، فإن الكلام إذا دار بين التأسيس والتوكيد فحمله على التأسيس لمعنى جديد أولى ليستفيد المخاطب معنى زائدا لم يكن قد تقرر عنده من قبل، ومن قال بأن ذلك من الخاص بعد العام، فيكون توكيدا بالتكرار، فله وجه بلاغي تقدم ذكره، فذلك مما يسوغ الخروج عن الأصل فيحمل الكلام على التوكيد للنكتة البلاغية آنفة الذكر.
وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ: فذلك جار على ما تقدم من عموم النهي الذي كررت أداته توكيدا ولطول الفصل، وتعلق النهي بـ: "أنفسكم"، إما على معنى: غيركم، كما في قوله تعالى: (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ)، فيقتلون غيرهم بداهة، وإن كانوا من جماعتهم، وإما تأليفا وتعطيفا للقلوب بإنزال الغير منزلة النفس لمكان الأخوة الإيمانية التي تجعل الأخ كالنفس، فـ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، و: "أنفسكم" من صيغ العموم أيضا، فالجمع المضاف إلى الضمير من صيغ العموم القياسية كما قرر ذلك أهل الأصول.
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ: فجيء بالفعل على صورة المفاعلة، لأن التنابز مظنة ذلك، بخلاف اللمز، فلا يصدر غالبا إلا من واحد، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، واللقب، كما اطرد في لسان العرب مظنة الذم، بخلاف التكنية فهي مظنة التعظيم والمدح، وشاهده من كلام العرب قول الشاعر في البيت المعروف:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ******* ولا ألقبه والسَّؤْأةُ اللقب.
فنص على أن اللقب سوأة على جهة القصر بتعريف الجزأين فذلك من القصر الإضافي مبالغة في تقرير المعنى.
بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ: فذلك من التعليل لما قبله تنفيرا منه، فحسن الفصل بينهما لما تقرر مرارا، من التلازم الوثيق بين العلة والمعلول فبينهما شبه كمال اتصال في المعنى، فالعلة: ملزوم، والمعلول الصادر عنها لازمها، وذلك من الترابط العقلي الوثيق بمكان.
فبئس الوصف، على حمل الاسم على الوصف، كما اطرد في لسان العرب في نحو قولك:، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فبئس الاسم الشرعي الذي يدل على تعلق الذم بصاحبه فالفسق: خروج عن أحكام الديانة، فمنه الأكبر، ومنه الأصغر الذي يخرج صاحبه عن الإيمان الواجب فيقدح فيه دون أصله، فصاحبه من أهل الوعيد وإن لم يكن كافرا بمعصيته التي استوجبت تفسيقه ما لم يستحلها، وهو مما يحسن حمل المعنى في الآية عليه، فتلك المحرمات لا تخرج صاحبها من دائرة الإيمان بالكلية، فيخرج بها من دائرة الإيمان المطلق الأخص إلى دائرة مطلق الإيمان أو الإسلام الأعم كما أثر ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله.
فتعلق الذم القياسي بـ: "بئس" بمن خرج من الإيمان إلى الفسق العملي فزال عنه اسم المؤمن، وتعلق به اسم: الفاسق، وقد قيده بعض أهل العلم في حال الكبائر والمعاصي بـ: "الملي" نسبة إلى الملة ليميز بينه وبين الفاسق فسقا أكبر يخرج صاحبه من الملة.
ثم جاء التذييل بالشرط في معرض التهديد:
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ: فأكد على تعلق وصف الظلم، ومنه، أيضا الأكبر والأصغر على التفصيل السابق في الفسق، والأليق حمله هنا، أيضا، على الظلم الأصغر، فمن لم يتب فأولئك على جهة التوكيد بتعريف الجزأين وضمير الفصل: "هم"، فأولئك هم الظالمون.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبود]ــــــــ[22 - 08 - 2010, 06:05 ص]ـ
بارك الله فيك(/)
أرجو منكم المساعدة
ـ[خولة90]ــــــــ[17 - 06 - 2010, 07:17 م]ـ
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم
انا الان بصدد التحضير لرسالة تخرج و اريد موضوعا في البلاغة و ارجوا منكم مساعدتي و ارشادي انا لحد الان لم اجد موضوعا
شكرااااا(/)
(شمس الدجى) هل تصح من الناحية البلاغية؟
ـ[المجرب]ــــــــ[18 - 06 - 2010, 11:21 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
قرأت قصيدة على الشبكة فيها:
صلى عليك الله يا شمس الدجى ... يا من تردد في صدى نبضاتي
وسؤالي:
هل الكناية "شمس الدجى" صحيحة من الناحية البلاغية؟
لأنني تسائلت في نفسي: الشمس تكون في النهار والدجى في الليل فكيف يكون لليل شمس!
فهل يصح استعمالها؟
وهل ورد عليكم من استعمل هذه الكناية من أدباء أو شعراء العرب المعروفين الذين لهم وزنهم؟
وشكرا
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[18 - 06 - 2010, 03:55 م]ـ
حسب النص إن المقصود أن الرسول شمس لظلام الجهل والفساد وانتشار الرذيلة والظلم والمعاملات الغير عادلة بتاتا, فكان كالشمس الساطعة التي بددت الظلام والجهل والطغيان.
فهي استعارة تصريحية (المشبه عدل الرسول والرحمة التي حملها للبشرية جمعاء, المشبه به الشمس التي سطعت في الأكوان ونشرت الضياء في أحلك الأجواء القاتمة (الدجى).
هذا رأي شخصي ,وأتمنى أن أكون وُفقت فيه
تقديري
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[07 - 07 - 2010, 06:36 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
قرأت قصيدة على الشبكة فيها:
صلى عليك الله يا شمس الدجى ... يا من تردد في صدى نبضاتي
وسؤالي:
هل الكناية "شمس الدجى" صحيحة من الناحية البلاغية؟
لأنني تسائلت في نفسي: الشمس تكون في النهار والدجى في الليل فكيف يكون لليل شمس!
فهل يصح استعمالها؟
وهل ورد عليكم من استعمل هذه الكناية من أدباء أو شعراء العرب المعروفين الذين لهم وزنهم؟
وشكرا
إنّ موضوعك أخية أثار في ذهني منذ طرحه أسئلة كثيرة:
هل لا يحق للأديب أن يأتيَ بصور ٍمُبتكرة جديدة قد تخالف في وجه من وجوهها المأثور عن أدبائنا القدامى؟
وإن كان الجواب نعم. سيكون لدينا استفسار آخر:
إذاً كيف يظهر الإبداع إنْ نحنُ ألزمنا كل أديب منهج شعرائنا القدماء!؟؟ بل كيف يتجدد الأدب ويتصالح مع تطورات الزمن ويستوعب متغيراته؟
وهل خيال الشاعر محصور بعلم المنطق أو الواقع , أو لا بد أن لا يُعارضهما كثيرا؟
هل يحق للأديب بسعة أفق تصوره , وعمق خياله, أن يُقارن بين المتباعدات ليربط َبينها برابط ربما لا نلمحه ولكن يفرضه علينا بجمال لغته وسعة خياله وهذا يحدث كثيرا بشرط أن لا يُجانب كثيرا مانعتقده.
فإن الاستعارة التصريحية في شمس الدجى أراها مقبولة وجميلة جدا في جرسها وفي سياقها وفي خيالها الذي لا يُمكن أن يكون واقعا في حقيقة وجوده , ولكن خيال الشاعر ليس منطقا وليس له حدود ولا يُمكن تقنينه أو قسره على علم المنطق هو خيال خصب وإبداع متجدد ورؤى تمتزج بألوان روحية ونفسية تتحدى الحدود لترسمَ لنا أظلالا جديدة نقبلها لأنه أجاد تلوينها بسياقها, وبمشاعره التي رأت الصورة هكذا بوجه شبه قوي نلمحه ونشعر به فتكون الصورة بهية وجديدة بل ومُقنعة.
وحضور الجواب لهذه الأسئلة ليس صعبا ,بل هو شمس دجى الأسئلة:)
تقديري
ـ[محمد نجيب]ــــــــ[07 - 07 - 2010, 07:16 ص]ـ
الأخت الفاضلة الكريمة / هداية ونور
لقد تعلمت منك الجديد اليوم
زادك الله علما
كل الود والاحترام
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[07 - 07 - 2010, 04:34 م]ـ
الأخت الفاضلة الكريمة / هداية ونور
لقد تعلمت منك الجديد اليوم
زادك الله علما
كل الود والاحترام
أخي أبو أمجد أشكرك على تواضعك وطيب ردك
بارك الله فيك
تحيتي(/)
مختصر المعاني
ـ[المهذب.]ــــــــ[19 - 06 - 2010, 01:28 م]ـ
السلام عليكم
إخواني كتاب مختصر المعاني- سعد الدين التفتازاني
شرح لأي كتاب؟
وأين أجد الكتاب
ـ[المهذب.]ــــــــ[20 - 06 - 2010, 08:26 م]ـ
هل من مجيب
ـ[سامي أبو رامي]ــــــــ[11 - 07 - 2010, 05:01 م]ـ
هل من مجيب
أخي الكريم
لم يرد عليك أحد لأن كتاب المختصر للسعد ليس شرحا، بل هو اختصار (كما هو واضح من اسمه) لكتاب التلخيص للخطيب القزويني
وتجد الكتاب ضمن شروح التلخيص
ـ[المهذب.]ــــــــ[26 - 07 - 2010, 02:38 ص]ـ
بارك الله فيك(/)
بعض إضافات صفي الدين الحلي لبديع ابن المعتز:
ـ[30131]ــــــــ[19 - 06 - 2010, 08:15 م]ـ
:::
بعض إضافات صفي الدين الحلي لبديع ابن المعتز:
1 - تجنيس التلفيق:
فقد ضمنت وجود الدمع من عدم
لهم ولم استطع مع ذاك منع دمي.
والملفق ما تماثل ركناه، وكان كل منهما مركبا من كلمتين فصاعدا، وهو من أحسن التجنيس موقعا، وأصعبه مسلكا، وهو في القصيدة: (من عدم) و (منع دمي) [1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn1).
2- المذيل واللاحق:
أبيت والدمع هام هامل سرب* ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn2)
والجسم في إضم* لحم على وضم*
المذيل ما زاد احد ركنيه على الآخر حرفا في آخره، فكان له كالذيل كقولهم: "العار ذل العارف"، ومثاله في صدر البيت (هام) و (هامل).
وأما اللاحق فهو ما أبدل من أحد ركنيه حرف بغيره من غير مخرجه ومثاله في البيت (إضم-وضم).
3/ التام والمطرف* ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn3):
من شأنه حمل أعباء الهوى كمداً
إذا همى شأنه بالدمع لم يلم
التام* ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn4): وهو أكمل أضاف التجنيس وأعلاها رتبة وهو أولها في الترتيب الأصلي وهو ما تماثل ركناه لفظاً وخطاً، ومثاله في البيت: (شأنه) و (شأنه).
أما المطرف* ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn5): فهو ما زاد احد ركنيه على الآخر حرفا في الطرف الأول، ويسمى المرّدف والناقص في تسميته اختلاف كثير ومثاله في عجز البيت (لم) و (يلم).
4/ المصحف والمحرف:
من لي بكل غرير من ظبائهم
عزيز حسن يداوي الكلم بالكلم
المصحف: ما خالف احد ركنيه الآخر، بإبدال حرف على صورة المبدل منه في الخط فيكون النقط فارقا بينهما في تطايره.
مثاله في البيت (غرير) و (عزيز).
أما المحرف: فهو تماثل ركناه في الحرف وتخالف في الحركات، فيكون الشكل فارقا بينهما وفي البيت يظهر في قوله: (الكَلْمَ) و (الكَلَمِ).
7 - اللفظي والمقلوب*:
بكل قد نضيرٍ لا نظير له
ما ينقضي أملي ولا ألمي
اللفظي: هم ما تماثل لفظاه واختلف أحد ركنيه على الآخر خطا بإبدال حرف منه بآخر يناسبه لفظا ومثاله في صدر البيت (نضير) و (نظير).
أما المقلوب: فله أيضا صورة والمقصود منها ما تساوت حروفه في العدد والوزن وتخالف ركناه في الترتيب ومثاله في البيت: (أملي) و (ألمي).
7/ المعنوي:
وكل لحظٍ أتى باسم ابن ذي يزن
في فتكه بالمعنى أو أبي هرم [2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn6)
المعنوي: صنفان: تجنيس إشارة تجنيس إضمار.
أما تجنيس الإضمار هو أن يظهر المتكلم ركني التجنيس ويذكر لفظا مرادفا لأحدهما، فيدل المُظهر على المُضمر وقوله في صدره وعجزه: جنسان الأول قوله (ذي يزن) واسمه "سيف" والآخر (أبو الهرم واسمه "سنان".
تجنيس الإشارة: وهو ما أضمر أحد ركنيه ويضيق هذا المكان عن شرحه ومن بسط القول في استفاء أقسام الجناس عليه بكتابي المسمى بـ"الدر النفيس في أجناس التجنيس" [3] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn7).
9/ التوشيح:
هم أرضعوني ثدي الوصل حافلة
فكيف يحسن منها حال منفطم.
والتوشيح: أن يكون معنى أول الكلام دالاً على لفظ آخره، فينزل منزلة الوشاح من العاتق والكشح ومثاله في بيت القصيدة ذكر: (الثدي-الرضاعة) في أوله فيعلم من عرف أن القافية ميمية: أن قافية تكون منفطم [4] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn8).
10/ المقابلة* ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn9):
كان الرضا بدنوي من خواطرهم
فصار سخطي لبعدي عن جوارهم
والمقابلة هي أن يأتي الناظم بأشياء متعددة في صدر البيت، ثم يقابل كل شيء منها بضده في العجز على الترتيب، أو بغير الضد، لأن ذلك أحد الفرقين بين المقابلة والمطابقة والآخر التعدد في المقابلة والترتيب وكلما كثر عددها كانت أحسن.
وفي البيت القصيدة مقابلة بين كان/صار)، (الرضا/السخط)، (الدنو/البعد)، (من/عن)، (خواطرهم/جورهم) فهذه عشرة متقابلة بغير حشو [5] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn10).
11/ اللف والنثر:
وجدي حنيني أنيني فكرتي ولهي
منهم إليهم عليهم فيهم بهم.
واللف والنثر: أن يذكر في الأول أسماء أشياء متعددة غير تامة المعنى ثم يقابلها بأشياء بعدتها على ترتيبها من غير الأضداد يتمم معناها إما بالجمل وإما بالألفاظ المفردة.
والمثال في بيت القصيدة ظاهر.
12/ التذييل:
لله لذة عيش بالحبيب مضت
(يُتْبَعُ)
(/)
فلم تدم لي، وغير الله لم يدم.
والتذييل: هو أن يؤتي بعد إتمام الكلام بجملة تشمل على معناه تجرى مجرى المثل لتوكيد الكلام المتقدم وتحقيقه ومثاله في بيت القصيدة (غير الله لم يدم) [6] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn11).
13/ التفويف:
اقصر أطل إعذر اعذل سل خل اعن
حزّ هنّ عزّ ترفق لجّ كفّ لمِ
والتفويف: عبارة عن إتيان المتكلم بمعانٍ شتى من أغراض الشعر، من غزل أو مدح أو غيره في جمل من الكلام كل جملة منها منفصلة عن أختها، طويلة كانت أم قصيرة لكن أحسنها القصر [7] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn12).
[1] (http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref1) - صفى الدين الحلي، نتائج الألمعية في شرح الكافية البديعية، ص 93 - 94.
* ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref2) - السرب: السائل / الاضم: الحقد، الحسد، الغضب./ الوضم: خشبة الجزار التي يقطع عليها اللحم.
* ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref3) -
* (http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref4) - التام: وهو المعروف بالناقص عند الجرجاني أو المضارعة عند ابن رشيق.
* ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref5) - المطرف: أصله مأخوذ من طرف الشيء أو رده العلوي مع المذيل.
[/ URL]*- اللفظي والمقلوب: يسمي هذا النوع عند ابن رشيق بتجنيس (المضارعة بالتصحيف).
[2]- صفى الدين الحلي، نتائج الألمعية في شرح الكافية البديعية، ص 98
[ URL="http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref7"][3] (http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref6) - المصدر نفسه، ص 99 - 100.
[4] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref8) - - المصدر نفسه، ص 102.
* ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref9) - المقابلة: تدعى في الخزانة للحموي، والمفتاح للسكاكي بمصطلح صحة المقابلات، والعمد لابن رشيق والبديع لابن المعتز تدعى الطباق، وقدمة يدرجها في باب التكافؤ وابن الاثير يدخلها في باب المثل السائر.
[5] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref10) - صفى الدين الحلي، نتائج الألمعية في شرح الكافية البديعية، ص 103.
[6] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref11) - المصدر نفسه، ص 104 - 105.
[7] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref12) - - المصدر نفسه، ص 106(/)
ندوة الدراسات البلاغية
ـ[يوسف العليوي]ــــــــ[20 - 06 - 2010, 09:19 ص]ـ
بإذن الله تعالى تنظم كلية اللغة العربية ممثلة بقسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بالرياض، ندوة علمية بعنوان:
"الدراسات البلاغية .. الواقع والمأمول"
الاثنين والثلاثاء 29 - 30/ 4/1432هـ
ويسر اللجنة العلمية للندوة دعوتكم للمشاركة بالبحوث وأوراق العمل والحضور، علمًا أن البحوث المقدمة للندوة تخضع للتحكيم العلمي.
للاطلاع على محاور الندوة وما يتعلق بها يرجى زيارة الرابط:
http://www.imamu.edu.sa/colleg_instt/colleg/al_arabi/study_nadwa
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[20 - 06 - 2010, 11:49 م]ـ
الرابط لا يعمل أخي الكريم
هل المشكلة من جهازي؟
أم أن الرابط لم يتم التحقق من صحته؟
ودي
ـ[يوسف العليوي]ــــــــ[21 - 06 - 2010, 01:51 م]ـ
جربته فعمل
http://www.imamu.edu.sa/colleg_instt/colleg/al_arabi/study_nadwa(/)
ما هي البلاغة العربية؟ خاص للمبتدئين فقط
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[22 - 06 - 2010, 11:18 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..... أهلاً بك يا أخي في منتدى الفصيح
هذه العبارات والنصائح للمبتدئين في علم البلاغة وخاصة لمن لم يلج هذا المضمار فعليه:
أولاً وقبل كل شيء أن يتقدم قليلاً في النحو , لأن شيخ البلاغيين عبد القاهر يقول عن النظم: واعلم أن النظم هو أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه , وعرفه مرة أخرى فقال: اعلم أن النظم هو توخي معاني النحو ....
خطوات أولية لكي تستلذ في هذا الفن:
أولاً / خبرة مسبقة في علم النحوتصل أقل شيء إلى 75% , والهدف هو أن تتلذذ في هذا العلم , واعلم يا أخي أن علم النحو هو الجدير بالكشف عن مواطن اللفتات في النصوص البليغة والجماليات في الكلام الفصيح والنُكت التي لا تُتخرج إلا باسترفاد المكون النحوي.
والمقصود من النحو أنك تحسن الإعراب وتعرف مواقع الجمل , وأين الفاعل أهو متقدم أم متأخر , والحذف للخبر وللمبتدأ , لأن يا أخي الكريم هناك باب عظيم القدر في البلاغة وهو (باب المعاني) قائم بذاته على (معاني النحو) أي على الصنعة النحوية وما تؤول إليه الجمل ...
فعلى سبيل المثال لو أنك قرأت النحو التطبيقي لعبده الراجحي وهو كتاب ميسر تجد فيه تطبيقات كثيرة (وبفضل الله لقد قرأته في ثلاثة أيام) وهو سهل جداً. بعد ذلك ربما تكون قطعت شوطاً في النحو , ولست أعني أنك تعكف على مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين وتحرر مناط الخلاف وغيرها , لا بل المقصود أنك تعرف الإعراب فقط وهذه هي غاية النحو ... ثم تلج إلى البلاغة , لأن البلاغة هي محصلة علم النحو.
ثانياً / حاول أن تقرأ أهداف البلاغة العربية , ولماذا نقرأ البلاغة العربية؟؟
ستجده هنا:
1ـ يتيح للمتعلم معايشة نصوص العلماء الأفذاذ السابقين والتمرس على فهمها حتى تزول الجفوة القائمة بين طلاب العصر والتراث.
2ـ تنمية الملكة الأدبية القادرة على حسن التعبير.
فالبلاغة ترشدنا إلى ترك العيوب وأخذ الأسلوب الصحيح وذلك بوسيلتين: ـ
أ ـ القواعد التي ترشدنا إلي الأساليب الصحيحة والعيوب التي ينبغي تجنبها.
ب ـ تذوق القواعد في تلك الشواهد وأن نحذو حذوها.
جـ ـ تنمية الملكة النقدية القادرة على التمييز بين الجيد و الرديء والصحيح والفاسد وذلك بوسيلتين: ـ
1 - الوقوف على أفكار العلماء البلاغيين والنقاد التي نوازن بينها ونرجح، رأي على رأي وهذا من النقد العلمي.
2 - طريق الشواهد التي نستحسن منها ما نستحسن ونرد منها ما نرد ونستهجن منها ما يستهجن وهذه النقد الأدبي.
3 - التمكن من معايشة القرآن الكريم وفهم معانية وتدبر مضامينه واستنباط غاياته والوقوف علي شيء من إعجازه.
هنا سؤال: ــ هل البلاغة كفيلة بالوقوف علي تدبر القرآن ........ ؟
الجواب:
قال أبو هلال العسكري في الصناعتين: (اعلم علمك الله الخير ودلك عليه، وقيضه لك، وجعلك من أهله أن أحق العلوم بالتعلم , وأولاها بالتحفظ ـ بعد معرفة الله جل ثنائه ـ علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة، الذي" به " يعرف {أي يعرف به لا بغيره} إعجاز كتاب الله تعالى ....... وقد علمنا أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة وأخل بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن، الكريم من جهة ما خصه الله به عن حسن التأليف وبراعة التركيب .......... ) أ. هـ
لكن الزمخشري كان أوضح منه فقال في مقدمة تفسيره: (إن النحوي ولو كان أنحى من سيبويه واللغوي ولو علك اللغات بلحييه، والواعظ ولو كان من الحسن البصري أوعظ , والقصصي ولو كان من ابن القرية أحفظ، لم يستطع أن يفسر كتاب الله عز وجل إلا إذا درس علميين وعكف على دراستهما أزمنة وفتش عنهما أمكنة هما " علم البيان وعلم المعاني ".
سؤال آخر: ــ
لماذا كانت البلاغة خصوصاً هي الجديرة بمعرفة الإعجاز؟
الجواب:
لأن إعجاز القرآن يكمن في نظمه وفي لغته.
ثالثا / هناك مذهبان سار عليهما البلاغيون وهما:
المذهب الأدبي: وهذا أقرب إلى القلوب منه للأسماع لأن صوت الأدب فيه عالياً , والنظم فيها متفوقاً وهنا تجد المتعة كلها وعليه سار الأقدمون.
المذهب المعياري: هو السبيل الذي نهجه أصحاب المدرسة السكاكية (السكاكي) في تقعيد علم البلاغة , حتى عاد علماً جافاً منطقياً , لا تدخله الصنعة الأدبية إلا نادراً , وتحس أنك لا تستطيع إلا أن ترمي الكتاب جانباً (وهذا الفن أنصحك أن لا تطرقه مبدئياً , لأنه مذهب صعب وصوت المنطقية فيه واضحة وجلية) ولذلك ستكره البلاغة , ولكن عليك بالأول فهو الأصل.
أما الكتب المبدئية فأنصحك أن تشتري كتاب البلاغة فنونها وأفنانها للدكتور فضل حسن عباس (البيان والبديع) و (المعاني) واعكف عليه أزمنة فهو يعلمك كيف تقيم جسوراً بينك وبين البلاغة وإذا رأيت أنك تقدمت قليلاً فاشتر (أي كتاب لشيخنا د. محمد محمد أبو موسى)
أسأل الله لك التوفيق والرعاية ... ودمت في صحة وعناية ....
وإذا احتجت شيئاً فلا تتردد ...
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[22 - 06 - 2010, 05:32 م]ـ
فتح الله لك
كلام جميل, بلغة مُيسرة وموجزة.
بارك الله فيك
سأكون من المتابعين ـ لو سمحت لي ـ وسأحضر جميع الدروس إن شاء الله لي
تحيتي
ـ[الحطيئة]ــــــــ[22 - 06 - 2010, 05:45 م]ـ
بارك الله فيك , فالموضوع في غاية الأهمية لمن هم على شاكلتي , أعني قليلي البضاعة في علوم البلاغة (كأنه اسم كتاب:)) , فأتمنى عليك تفضلا أن تستمر في توضيح علومها هنا كي تعظم الغنيمة
قلتَ ساهيا عن النحو: لأن صوت الأدب فيه عالياً , والنظم فيها متفوقاً
فأعظمني أن يقع هذا اللحن من مثلك و إن كان سهوا , و في زلةِ عالِمٍ زلةُ عالَمٍ
ـ[فتون]ــــــــ[23 - 06 - 2010, 02:24 ص]ـ
شكرا لكم أستاذنا الكريم
وننتظر المزيد.
ـ[امازيغية لله]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 11:24 ص]ـ
السلام عليكم دكتورنا الفاضل .. أولا جازاكم الله خيرا كثيرا وبارك لكم في سعيكم على الموضات القيمة التي تطرحونها ..
ثانيا أحتاج لبعض التوضيح في بعض المقامات لو تفضلتم علينا به سنكون من الشاكرين والداعين:
1 - الوقوف على أفكار العلماء البلاغيين والنقاد، التي نوازن بينها ونرجح رأيا على رأي وهذا من النقد العلمي.
-المزيد من التفصيل عن المذهبين الأدبي والمعياري.
وجازاكم الله خيرا .. نحن في انتظار ما ستقدمونه.
ـ[الشّابّة المقدسيّة]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 04:27 م]ـ
مفهوم >> أعتبر نفسي من المبتدئين
جزاكـ الله عنّا خيرا حضرة الدّكتور
وجزى الله الدّكتور فضل عبّاس كلّ خير، كتبه معينة لنا على الفهم دائما خاصّة في طريقة الطّرح والتّناول
وجزى الله كلّ من مهّد لنا وللطّلاب طرق دراسة الأدب والبلاغة
في ميزان حسناتكم إن شاء الله
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 02:14 م]ـ
ولك جزيل الشكر والعرفان ياهداية ونور ( http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?20367- هداية-ونور)
اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 02:21 م]ـ
الحطيئة ( http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?26465- الحطيئة) جزاك الله خير والحق لا يرفضه إلا متكبر , ومن الطريف أنني لم أدقق النظر في الكتابة فجاءت على غير ما أردت , وخاصة اللحن الذي ابتلينا به في زماننا اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله , أكرر شكري لك
اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 02:24 م]ـ
فتون ( http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?25719- فتون) جزاك الله خيراً , والحق أننا لم نقدم شيء
اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 02:27 م]ـ
السلام عليكم دكتورنا الفاضل .. اولا جازاكم الله خيرا كثيرا وبارك لكم في سعيكم على الموضاعت القيمة التي تطرحونها ..
ثانيا احتاج لبعض التوضيح في بعض المقامات لو تفضلتم علينا به سنكون من الشاكرين والداعين:
1 - الوقوف على أفكار العلماء البلاغيين والنقاد، التي نوازن بينهاونرجح رأي على رأي وهذا من النقد العلمي.
-المزيد من التفصيل عن المذهبين الادبي والمعياري.
وجازاكم الله خيرا .. نحن في انتظار ما ستقدمونه.
ان شاء المولى القدير سأقدم لكم ما تطلبونه في الأيام القادمة على خير وسرور
اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[27 - 06 - 2010, 02:30 م]ـ
مفهوم >> أعتبر نفسي من المبتدئين
جزاكـ الله عنّا خيرا حضرة الدّكتور
وجزى الله الدّكتور فضل عبّاس كلّ خير، كتبه معينة لنا على الفهم دائما خاصّة في طريقة الطّرح والتّناول
وجزى الله كلّ من مهّد لنا وللطّلاب طرق دراسة الأدب والبلاغة
في ميزان حسناتكم إن شاء الله
الشّابّة المقدسيّة ( http://www.alfaseeh.com/vb/member.php?32680- الشّابّة-المقدسيّة) جزاك الله خير , ومن المسلم بها أن الأستاذ الدكتور فضل من أهل الفضل وهو من أفضل من ألف في البلاغة , وزادكم الله فضلاً على فضل
اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
ـ[حُسينْ]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 10:27 ص]ـ
سلامُ الله عليكم ورحمته وبركاته
الدكتور سامي
جزاك ربّي الخير كلّه على ما تقدّمه في خدمة لغة القرآن
وكم أنا توّاقٌ للإبحارِ في علم البلاغةِ والنقد
وأنا لستُ إلَّا مبتدِءً
بارك الله فيكم وسدّد خُطاكم
وسأمضي اليوم إلى المكتبةِ لأشتري
النّحو التّطبيقي و كتابُ البلاغةِ
تحيّتي لكم.
ـ[حُسينْ]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 10:39 ص]ـ
أستاذي الكريم
سامي
ذكرت البلاغة العربيّة
وعرّفتها لنا واتضحت كما ينبغي بإذن الله
ولكنْ ما الرّابط بينها وبين النّقد العربي؟
ليتك تتفضّل عليّ بالتوضيح
وجزاك الله خيراً.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 02:52 م]ـ
أستاذي الكريم
سامي
ذكرت البلاغة العربيّة
وعرّفتها لنا واتضحت كما ينبغي بإذن الله
ولكنْ ما الرّابط بينها وبين النّقد العربي؟
ليتك تتفضّل عليّ بالتوضيح
وجزاك الله خيراً.
أخي حُسين: حياك الله بيننا كأخً كريم وأسأل الله أن يدلك على كل خير وصلاح وبر , ثم اعلم أن البلاغة والنقد بينهما صلة وثيقة لا تنفصم عُراها , فالبلاغيون والنقاد القدامى لم يفرقوا بين البلاغة والنقد ألبتة إلى أن جاء أبو هلال العسكري صاحب الصناعتين الذي حمل على عاتقه بذرة فصل البلاغة والنقد فكان لهذا الفصل أثره على اللاحقين الذين نسجوا على هذا المنوال , حتى أصبحت البلاغة علماً جافاً لا روح فيه ولا متعة على يد السكاكي وغيره من المتأخرين.
والحق أن البلاغة لا تنفك عن النقد , فالبلاغي ناقد والناقد بلاغي.
ومن يرجع إلى كتاب نقد الشعر لقدامة يجد أنه قسم كتابه إلىثلاثة أقسام:
الفصل الأول عرف قدامة الشعر بأنه قول موزون مقفى دال على معنى.
الفصل الثاني تناول فيه نعوت الجودة التي تعم جميع المعاني فقد ذكر بعض المباحث البلاغية.
الفصل الثالث تحدث عن عيوب الشعر ورداءته , وهذا الفصل يرتبط بصورة كبيرة بالنقد أكثر من البلاغة.
ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلت العلمين علماً واحداً , لأنهما يشتركان في الغاية والوسيلة , ولو أن هذا الكلام لا يرضي بعض المعاصرين , ولكن الحق يقال ولا غبار عليه , فالقدامى كانوا بلاغيين ونقاد في نفس الوقت , ولم يفصلوا بينهما , وعبد القاهر على جلالة قدره نجده تارة بلاغي وتارة ناقد في آن واحد , مما يجعلني أطمئن على هذا الرأي.
آمل أن تكون الصورة قد اتضحت .... والله أعلم
ـ[أحمد39]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 03:31 م]ـ
استبيح هداية ونور علي اقتباسي نفس الرد اعجابا به
فتح الله لك
كلام جميل, بلغة مُيسرة وموجزة.
بارك الله فيك
سأكون من المتابعين ـ لو سمحت لي ـ وسأحضر جميع الدروس إن شاء الله لي
تحيتي
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 10:53 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
نافذة قيمة / معكم ـ بإذن الله ـ على الرغم من مجيئي متأخرة.
من وجهة نظري أن نجاح أي نافذة تكون بالتفاعل بين الملقي والمتلقي وعسى أن تكون هذه النافذة كذلك.
الأستاذ والدكتور الفاضل: سامي
أسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على ما تقدم، نفع الله بعلمكم الأمة الإسلامية.
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 01:36 م]ـ
استبيح هداية ونور علي اقتباسي نفس الرد اعجابا به
فتح الله لك
كلام جميل, بلغة مُيسرة وموجزة.
بارك الله فيك
سأكون من المتابعين ـ لو سمحت لي ـ وسأحضر جميع الدروس إن شاء الله لي
تحيتي
آمين ... آمين
شكراً لك يا أخ أحمد على هذا التواصل الحي ولك مني التحية العطرة
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 01:39 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
نافذة قيمة / معكم ـ بإذن الله ـ على الرغم من مجيئي متأخرة.
من وجهة نظري أن نجاح أي نافذة تكون بالتفاعل بين الملقي والمتلقي وعسى أن تكون هذه النافذة كذلك.
الأستاذ والدكتور الفاضل: سامي
أسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على ما تقدم، نفع الله بعلمكم الأمة الإسلامية.
آمين ... آمين , وان شاء الله لم يذهب شيء ولن يفوتكم ... مادمتم على الطريق
شكراً لكم يا زهرة التفائل على كلامكم الرائع ودعائكم ودمتم في حفظ الله
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 09:04 م]ـ
أخي حُسين: حياك الله بيننا كأخً كريم وأسأل الله أن يدلك على كل خير وصلاح وبر , ثم اعلم أن البلاغة والنقد بينهما صلة وثيقة لا تنفصم عُراها , فالبلاغيون والنقاد القدامى لم يفرقوا بين البلاغة والنقد ألبتة إلى أن جاء أبو هلال العسكري صاحب الصناعتين الذي حمل على عاتقه بذرة فصل البلاغة والنقد فكان لهذا الفصل أثره على اللاحقين الذين نسجوا على هذا المنوال , حتى أصبحت البلاغة علماً جافاً لا روح فيه ولا متعة على يد السكاكي وغيره من المتأخرين.
والحق أن البلاغة لا تنفك عن النقد , فالبلاغي ناقد والناقد بلاغي.
ومن يرجع إلى كتاب نقد الشعر لقدامة يجد أنه قسم كتابه إلىثلاثة أقسام:
الفصل الأول عرف قدامة الشعر بأنه قول موزون مقفى دال على معنى.
الفصل الثاني تناول فيه نعوت الجودة التي تعم جميع المعاني فقد ذكر بعض المباحث البلاغية.
الفصل الثالث تحدث عن عيوب الشعر ورداءته , وهذا الفصل يرتبط بصورة كبيرة بالنقد أكثر من البلاغة.
ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلت العلمين علماً واحداً , لأنهما يشتركان في الغاية والوسيلة , ولو أن هذا الكلام لا يرضي بعض المعاصرين , ولكن الحق يقال ولا غبار عليه , فالقدامى كانوا بلاغيين ونقاد في نفس الوقت , ولم يفصلوا بينهما , وعبد القاهر على جلالة قدره نجده تارة بلاغي وتارة ناقد في آن واحد , مما يجعلني أطمئن على هذا الرأي.
آمل أن تكون الصورة قد اتضحت .... والله أعلم
الدرس الثاني كان شائقا , ماتعا , نافعا , موجزا.
يا حبذا لو اقتبست لنا من الكتب المذكورة ـ كتاب ابن قدامه وكتاب السكاكي ما يُدلل على تلك الآراء التي توصلت لها أو عرضتها هنا. لأن الاقتباس سيجعل الصورة في أذهاننا مكتملة كالبدر في ليلة تمامه.
بورك فيك
من المنتظرين للدرس الثالث
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[10 - 07 - 2010, 02:13 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ والدكتور الفاضل: سامي
جزاكم الله خيرا، لقد عملنا بنصائحكم في مقدمة هذه النافذة المباركة، فلعل فضيلتكم تكملون دروسكم القيمة.
جعلها الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة / اللهم آمين.
ما زلنا ننتظر!!
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[11 - 07 - 2010, 10:19 ص]ـ
الدرس الثالث
وقبل أن تقرأ وتبحر في جو البلاغة اذهب إلى أقرب مكتبة في مدينتك واطلب كتابي عبد القاهر (أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز) حتى تتمكن من فهم هذين الكتابين أوجزت لك العبارة فلا تتعجل في القراءة وعليك بالتأني ...
عبد القاهر في مرحلة التأليف البلاغي
هذا العالم ونحن نفهم نصه وأسلوبه ونعرف كيف نقف على أفكاره في الإعجاز، عاش في القرن الخامس الهجري وتوفي في 471هـ وعاصر علماء أفذاذ أمثال ابن رشيق وابن سنان وأحمد علي الجرجاني (المنتخب في كنايات ... ) وهذا من شيوخ عبد القاهر الذين ذكرهم عبد القاهر , ولقد كان نجم عبد القاهر قد أنور وسطع وسط هؤلاء , وذلك يعود لثلاثة أشياء:
1 - طبيعته الأدبية فقد كان شاعراً وأديباً عرفناه من خلال أشعاره في كتابه.
2 - نزعته النقدية فلقد كان ناقداً وله قدره على تذوق الأشعار ومعرفة طبقات الشعراء والموازنة بين شعر وشعر والمفاضلة.
3 - ثقافته اللغوية فهو من علماء النحو المعروفين، ثم انتقل بعد ذلك إلى الدراسة البلاغية، وهذا ساعد على الربط بين اللغة والنحو وبين البلاغة وأثمر ذلك في قضية (النظم).
...........................................................
مفردات تساعدك على فهم أسرار البلاغة والدلائل لعبد القاهر:
1 – الغرض من أسرار البلاغة كما نبه الشيخ في مقدمته ثم منهجه في التأليف والموازنة بينه وبين الدلائل.
لماذا سكت عبد القاهر في أسرار البلاغة عن الإعجاز؟
2 – مرجع المزية في الجناس والسجع.
3 – بيان مراد الشيخ من المعنى في الشعر والأدب من خلال دراسة أبيات ابن الطثرية:
ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان منه ماسح
4 – تقسيم التشبيه إلى تمثيل وغير تمثيل ومدى امتداد فكرته في التمثيل عند المتأخرين.
5 – انتزاع الشبه في عدة أمور والمعطوف ووجه آخر له.
6 – تأثير التشمثيل وأسباب ذلك التمثيل.
7 – التشبيه المتعدد وعبد القاهر أول من فرق بينهم.
8 – المعاني العقلية والتخيلية.
· غرض عبد القاهر من الأسرار:
ألف أسرار البلاغة لوضع أسس والأصول التي تمكن بها قارئ الشعر من معرفة درجاته وطبقاته ومستوياته , ويتمكن من المعرفة بدرجات الكلام وتفاضل الأقوال وأسرار هذا التفاضل.
هل هذه غاية أم وسيلة لغاية أخرى؟ بل وسيلة لغاية أخرى وهي الإعجاز.
لأن الموازنة بين شعر وشعر هذه , وعبد القاهر كان منطقي فهو يهدم رأي ويعلل عليه قال: (وأردته لأعرف نظمه ونظم القرآن فأرى موضع الإعجاز).
فالتمكن من حكم الشعر من طريق الموازنة هذه خطوة أولى ووسيلته إلى الموازنة بين الشعر والقرآن وهنا موضع الإعجاز.
والوسيلة والغاية التي تربط الأسرار والدلائل , ولكن صوت الإعجاز في الدلائل أظهر وأقوى , لأن بعض الدارسين نفوا أن يكون هناك حديث عن الإعجاز في الأسرار , ووهناك مواضع من الإعجاز قد نظمت الحديث عن الإعجاز في الأسرار مضمناً وليس صريحاً.
مثال ذلك في الأسرار: في سياق حديثه عن المزية وعندما ردها للمعنى , وذكر أن حسن اللفظ نابع من حسن المعنى , وحسن المعنى هو الذي يقود إلى حسن اللفظ , فالمعنى هو الذي يقود إلى تخير اللفظ وحسن التشكيل كما في الجناس والسجع والتشبيه والتمثيل , ولكن المعنى هو المحرك الأول لما في الصور من الجمال , وهل ورد في سياق الحديث عن الإعجاز , ولكن إذا تأملنا وجدنا أن عبد القاهر عندما نص على هذا الرأي كانت عينه على الإعجاز حتى لا يرده أحد إلى اللفظ , ويقول أن القرآن معجز بلفظه.
مثال آخر: عندما أهمل عبد القاهر دور الكلمة المفردة واعتد بالتركيب , كانت عينه على على إعجاز القرآن الكريم الذي رده للنظم. قال صفحة 4: " والألفاظ لا تفيد حتى تميز ". ويعمد إليها وجه دون وجه التركيب وكانت عينه على الإعجاز , حتى لا يقول أن القرآن معجز بمفرداته.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعبد القاهر عندما اعتمد على التمثيل كثيراً يعتمد فيه على التحليل والتفسير والتعليل , ويتعمق في الشواهد ويستنبط أسرارها , وكان يهدف فيما يبدوا إلى تقديم نموذج لما ينبغي أن يكون عليه البحث في الإعجاز من التحليل والتفسير والتعليل , وهذه إشارات ضمنية تجدها في الدلائل , وكتاب الأسرار كان كالتمهيد للدلائل , فالكتابان يقدمان معان ووسائل البحث وأدوات الباحث في الإعجاز , أما الأسرار فيمهد , والدلائل يشير ويصرح كما يذكر الشيخ شاكر.
منهج عبد القاهر في تأليف الأسرار:
مزج عبد القاهر بين الطريقة العلمية التي تتوخى أقصى درجات الدقة عند تفنيد الأفكار الخاطئة , وعند ترسيخ الصواب والدفاع عنه بالحجة والبرهان , وبين الطريقة الأدبية التي تتألف فيها العبارة عن معانيها , وهذه صفة نادرة , وهي موجودة عند الرافعي.
وقد يعرض عبد القاهر للأسلوب الأدبي كما في حديثه في أسرار التمثيل , وقد يهبط منسوب الأدبية عند الحديث عن تحديد المصطلحات وضبطها كما في التفريق بين التشبيه والتمثيل.
نقطة أخرى موضع فكره وأسلوبه لتحقيق أهدافه في سائر فصول كتابه , وكان يهدف أساساً إلى بيان كيف تتفاضل الأقوال , لأن المزية ليست للفظ , من جهة كونه صوتاً منطوقاً , ولا الكلمات المفردة وهي منعزلة عن نظمها وتأليفها (خص الألفاظ بحديث) واستدل أن بكونها أن لزقزقة العصافير لها دلالة ومزية , نفي حروف منطوقة , ونفى أن يكون للفاظ المفردة لها مزية , لأن الكلمات وهي منعزلة عن ألفاظها لا تفيد شيءاً , ولأن مزية للمعاني المركبة , وتترتب ألفاظها ترتيباً منطقياً من مؤلف كلاكاً مفهوماً صحيحاً , على حسب الأغراض المقصودة , وهكذا جائت آراءه على كيفية تحقق أهدافه إذ يبدأ بأكثر الألوان إيهاماً بأن الحسن فيها للفظ وحده , كالجناس والسجع ليصحح من الإيهام ويثبت أن حسن المعنى هو الأساس , وهذه ثورة من عبد القاهر وهو لا يعلم بالأفكار السائدة ويعاود النظر فيها النظرة بعد النظرة , وقلب هذه الفكرة رأساً على عقب , والمعنى هو الذي يقود إلى حسن اللفظ , وذكرها قال الشاعر:
لا أمتع العود بالفصال ولا ابتاع إلى قريبة الأجل (يشتري الذي يذبحها بسرعة)
العود: الناقة. , والفصال: ولدها , وهذه كناية عن الكرم , فالأم تتمتع بإرضاع ابنها.
لو وقفنا عند ظاهر اللفظ لكان وصفاً للقصاب , فلا من العودة إلى المعنى , وفي أثناء حديثه أن الحسن في الكناية إلى ليس اللفظ وإنما للمعنى.
......................
· بين دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة فروق هي:
يلتقيان في جوهر الإعجاز وهو النظم , وكل ما في الأسرار والدلائل تشكل النظم , والدارسين جعلوا النظم يتناول كل علوم البلاغة وكيفيات التشكيل , وخصوا مطابقة الكلام لمقتضى الحال بعلم المعاني , وهو في كل علوم البلاغة , وجاء هذا التقسيم على الأغلب , وعلم البيان هو الإبانة والتصوير , وعلم البديع هو التحسين , وهذا على الأغلب.
قال تعالى: " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة " هنا جناس ولكن بالنظر لموطن الجناس.
وقال تعالى: على لسان زكريا " واشتعل الرأس شيباً " قال عبد القاهر: ولكن حسنها بمراعاة ما تُوخي فيها من نظم.
وهناك موضوعات ينفرد بها كل كتاب:
- اللفظ والمعنى , والتشبيه والتمثيل , والاستعارة والكناية , وكل كتاب له صبغته.
- الأسرار انفرد بالسجع وتحديد المصطلحات والفروق بين الألوان , كالفرق بين التشبيه والتمثيل , والفرق بين التشبيه المتعدد والمركب , وهو أول من فرق بينهما , وعبد القاهر ألفه لتأسيس العلم , وأفاض في الاستعارة التمثيلية وأولاها عناية شديدة في الأسرار بشكل لا يوجد في الدلائل وهي موجودة ولكنها ليست بكثرة.
- أما الدلائل فانفرد بالحديث عن موضوعات تشكل النظم مثل التقديم والتأخير , الحذف والذكر , القصر بكل أنواعه , الفصل والوصل.
أعتذر عن البطء في الردود وعسى الله أن ينفع بهذا الدرس أقواما ولكم خالص التقدير والاحترام لكل من قرأ وكل من علق وشكراً لكم ... محب الفصاحة: سامي
ـ[نسمات نور]ــــــــ[01 - 08 - 2010, 07:52 م]ـ
فتح الله لكم تم تحميل الكتب المذكورة أخي الدكتور سامي زادكم الله من فضلة والأستفادة كذلك من دروسكم شكراً لكم(/)
ما هو الغرض البلاغي؟
ـ[فخر المحبة]ــــــــ[22 - 06 - 2010, 07:02 م]ـ
ما هو الغرض البلاغي في الامثلة التالية:
1 - يا ناق لا تسامي أو تبلغي ملكا
تقبيل راحته والركن سيان
2 - قوله تعالى: " ذق إنك أنت العزيز الكريم "
ارجوا الرد بأسرع وقت ممكن
مع خالص الشكر
ـ[فخر المحبة]ــــــــ[22 - 06 - 2010, 08:25 م]ـ
3 - كيف انام عن سادات قوم
انا في فضل نعمتهم ربيت
الا يصح الغرض البلاغي في هذا البيت التعظيم
4 - أين ايام لذتي وشبابي؟
وفي هذا البيت التحسر
ـ[الاستاذ للغة العربية]ــــــــ[22 - 06 - 2010, 08:29 م]ـ
الغرض البلاغي يساخرج من السياق و انا احتاج انه في البيت الأول للالتماس و في الآية الكريمة للتهديد
ـ[فخر المحبة]ــــــــ[22 - 06 - 2010, 08:37 م]ـ
الا يصح غرض التحقير في الاية الكريمة؟
ارجوا النظر إلى المشاركة الثانية ايضا
ـ[دعاء ابوزهرى]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 03:18 م]ـ
الايه الكريمه فيها تحقير
ـ[دعاء ابوزهرى]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 03:19 م]ـ
اما بيت الشعر الاول فيه تعظيم
ـ[عبود]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 08:21 م]ـ
مشكور
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 09:13 م]ـ
3 - كيف انام عن سادات قوم
انا في فضل نعمتهم ربيت
الا يصح الغرض البلاغي في هذا البيت التعظيم
4 - أين ايام لذتي وشبابي؟
وفي هذا البيت التحسر
من وجهة نظري أن الغرض البلاغي في البيت الأول هو التوقير وليس التعظيم لأنه يُقِر بنعمة القوم عليه ويعترف بفضلهم ولذا فإن المعنى الدقيق لإحساس الشاعر في هذا البيت هو التوقير والإقرار بفضلهم عليه. ولا أرى أن الشاعر هنا يقف موقف تعظيم لهم بقدر ماهو موقف احترام وإقرار بفضلهم عليه لأنه لم يذكر صفة عظيمة فيهم!
مجرد رأي
أما شطر البيت الثاني فأتفقُ معكم بأن الغرض هو التحسر.
مع تقديري لأرائكم
ـ[همبريالي]ــــــــ[01 - 07 - 2010, 12:31 ص]ـ
من وجهة نظري أن الغرض البلاغي في البيت الأول هو التوقير وليس التعظيم لأنه يُقِر بنعمة القوم عليه ويعترف بفضلهم ولذا فإن المعنى الدقيق لإحساس الشاعر في هذا البيت هو التوقير والإقرار بفضلهم عليه. ولا أرى أن الشاعر هنا يقف موقف تعظيم لهم بقدر ماهو موقف احترام وإقرار بفضلهم عليه لأنه لم يذكر صفة عظيمة فيهم!
مجرد رأي
أما شطر البيت الثاني فأتفقُ معكم بأن الغرض هو التحسر.
مع تقديري لأرائكم
أوافقك الرأي
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[07 - 07 - 2010, 06:08 ص]ـ
أوافقك الرأي
وهذا من دواعي سروري ومباعث بهجتي
شكري الخاص(/)
بلاغة الإقناع
ـ[السفيرة]ــــــــ[23 - 06 - 2010, 12:02 ص]ـ
إخواني الكرام .. أرجو مساعدتكم أنا مقبلة على موضوع في بلاغة الإقناع أو الحجاج عند شخصية تراثية ولكن أشعر بفوضى التفكير وأحتاج من يساعدني في ترتيب أفكاري. أرجو الرد عاااجلا
ـ[الحطيئة]ــــــــ[23 - 06 - 2010, 12:33 ص]ـ
هناك كتاب مؤلفه من المتقدمين تكلم عن الإمام أبي حنيفة عارضا ردودَه المفحمةَ خصومَه و لكني نسيتُ اسمَ الكتاب و لعلي غدا أذهبُ إلى المكتبة حتى آتيك باسمه إن كان موجودا أو لعل أحد الإخوة هنا يذكره مشكورا
و الله أعلم(/)
ومن قوله تعالى: ( .. لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 06:43 ص]ـ
ومن قوله تعالى: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ:
فذلك من استنطاق الخصم بالحجة، فـ: قل على سبيل إثبات توحيد الربوبية الذي لم يخالف فيه أحد، فهو من جملة العلوم الضرورية المركوزة في النفس البشرية، فكل يدرك بفطرته قبل ورود التبديل بفعل المؤثر الخارجي، كل يدرك أن الباري، عز وجل، هو الملك، الذي انفرد بخلق السماوات والأرض، فلا ربد مدبر سواه، ولا راد لقضائه النافذ بكلماته الكونيات التي لا مبدل لها، على جهة الإخبار، بخلاف الكلمات الشرعيات التي لا مبدل لها على جهة الإنشاء فقد أمر البشر بحفظها، فوقع فيها التحريف، بالقضاء الكوني النافذ، ولو بخلاف القضاء الشرعي الحاكم، فلم يسلم من ذلك إلا الكتاب العزيز، فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، والشاهد أن السياق قد جرى على ما اطرد في التنزيل من التلازم الوثيق بين الربوبية التي دلت عليها اللام في: "لمن"، فهي تفيد الملكية، والملكية معنى رئيس في الربوبية، فهو يدل على الخلق والتدبير، لزوما، فالله، عز وجل، مالك خالق للأعيان، ملك مدبر للأحوال، فضلا عن تقديم ما حقه التأخير فهو مئنة من الحصر والتوكيد، فلمن ما في السماوات والأرض على جهة القصر، فلا شريك له في الخلق، ولا شريك له في الأمر، فالكون خاضع لكلماته الكونية، والجند الملكي بأمره يعمل، فقوله: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، على جهة المضارعة مئنة من توالي كلماته الكونية الآمرة، فـ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، فلا زالت أوامره الكونية تترى، فتقضى بها أمور قد شاء تقديرها أزلا، فيقع المقضي على ما قد قدره الرب، جل وعلا، بعلمه التقديري الأول، ويقال، أيضا بأن دلالة: "ما" على العموم، آكد في تقرير عموم ربوبيته، جل وعلا، لخلقه ملكا دلت عليه اللام، وتدبيرا هو من لوازم الملك، كما تقدم، بل هو قسيمه عند من جعل أخص صفات الرب جل وعلا: ملك الأعيان وما يلزم منه من تقدير وإيجاد، وتدبير أمرها وما يلزم منه من عناية بأحوالها وحكمة في تسيير أمرها، فـ: "ما" في هذا السياق: تعم العاقل وغير العاقل، لدلالة السياق على العموم، فإثبات ملكية الرب، جل وعلا، لكل الأعيان والأحوال، على جهة القصر كما تقدم، فذلك منصب لا يقبل الشركة، فذلك من قبيل: "ما" في قوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فالتسبيح عام يشمل العاقل فهو مأمور بالتسبيح على جهة التكليف، فـ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، ويشمل، أيضا، غير العاقل، فهو مأمور بالتسبيح على جهة التسخير، فـ: "إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ"، وهم يعم، أيضا، الأحوال، فتكون لـ: "ما" دلالة عموم تشمل كل الأحوال، كما أن لها دلالة عموم تشمل كل الأعيان، فهي قد تدل على الذوات، وقد تدل على المعاني أو الأوصاف التي تقوم بتلك الذوات، كما في قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، فالمراد الصفة لا عين المنكوحة، فربوبية الباري، عز وجل، تشمل كليهما، فهو، كما تقدم مرارا، خالق الأعيان ومدبر أحوالها فما يقوم بها من صفات: صحة أو فسادا، سلامة أو عطبا، قوة أو ضعفا، فتلك من الصفات المحسوسة التي تتعلق بقوى الجسد الكثيف من نماء واغتذاء ...... إلخ، أو: إيمانا وكفرا، استقامة أو اعوجاجا، فتلك من الصفات المعقولة التي تتعلق بقوى الروح اللطيف، فما يقوم بها من هذه الصفات إنما يجري على ما قدر الرب، جل وعلا، أزلا، ثم قضى في عالم الشهادة، فأصح أرواحا وأبدانا، فتقبل الاغتذاء بنافع الوحي النازل والرزق النابت، فآلات وقوى صحيحة، وغذاء نافع به تنمو وتزكو، فذلك فضله، تبارك وتعالى، أن أمد بأسباب الصلاح في الدارين،
(يُتْبَعُ)
(/)
فأنزل من السماء رزقا، وأنبت من الأرض آخر، ثم أنزل الشرائع وبعث ملائكته بكلماته الشرعيات إلى صفوة خلقه ليبلغوا رسالات ربهم، جل وعلا، فرزقه قد تعددت صوره وتنوعت أصنافه، فمنه المعقول من وحي قد جمعت كلماته أصول العلوم النافعة والأعمال الصالحة، ففيه الخبر عن الغيب، فهو مما تتشوف إليه النفوس لعجزها عن إدراكه، فوصف الرب، جل وعلا، وهو أشرف غيب، فمسائل الإلهيات آكد العلوم ضرورة، فالنفس لا تقر حتى تدرك من وصف المعبود، جل وعلا، ما تركن إليه، فهو خير زاد للروح في سفر الهجرة إلى الرب، جل وعلا، فيدرك العابد من كمال معبوده، ما يجعله يقر بكمال استحقاقه لتوحيد العبودية، فلا يتوجه إلا لمن كمل وصف ربوبيته ذاتا وفعلا، فهو المستحق، لزوما عقليا لا انفكاك فيه كما تقدم مرارا، لكمال وصف الألوهية إيمانا باطنا وانقيادا ظاهرا، فالتلازم بينهما من جنس التلازم بين الربوبية والألوهية، فالربوبية: ملزوم، والألوهية: لازمه، وكذلك التصور العلمي الباطن: ملزوم، والظاهر: لازمه، فلا انفكاك بينهما إلا إن كان ثم دعوى بصلاح الباطن مع فساد الظاهر، فتلك دعوى يكذبها الشاهد، فلا يكفي التصديق الباطن، لنيل مرتبة الإيمان الواجب الذي ينجي صاحبه من الوعيد، وإن ثبت به عقد الإيمان الأول ما لم يقع صاحبه في ناقض من نواقض الإيمان المعروفة، خلافا لما ذهب إليه المتكلمون الذين حصروا الإيمان في معنى التصديق الباطن وإن لم يكن ثم شاهد من الظاهر، فذلك من الانفكاك الذي لا يتصور وقوعه في الخارج، فتجريد الباطن من الظاهر الذي يصدر عنه لزوما، تجريد ذهني لا وجود له في عالم الشهادة، فليس إلا تصورا عقليا محضا، يجرد فيه الذهن: قوى علمية مكتملة في الباطن، وقوى عملية صحيحة في الظاهر، ثم يفترض وجود أحدهما دون الآخر، فقد يوجد الظاهر الصالح مع فساد الباطن في حال النفاق، ولكنها حال طارئة، فهي خلاف الأصل، فلا بد أن يظهر من صاحبها ما يشي بمكنون فؤاده وإن اجتهد ما اجتهد في إخفائه، وأما أن يوجد باطن صحيح مكتمل، وآلة ظاهرة صحيحة، وتنتفي موانع وقوع الفعل المصدق لما وقر في القلب من الإيمان، فذلك من الفرض العقلي الذي لا وجود له في عالم الشهادة، فليس كل ما يقترحه الذهن من الفروض العقلية بواقع في عالم الشهادة، فقد يقترح ممكنا فلا يقع لعدم المرجح، وقد يقترح محالا، كهذه الصورة، فيمتع لذاته، فإنه مما لا يقع أبدا لمخالفته السنن الكونية التي يدبر بها الرب، جل وعلا، القلوب والأبدان، فتجريد التصور العلمي الأول عن الحكم العملي الثاني الذي يصدقه تصديق الشاهد للمدعي، ذلك التجريد من جنس تجريد الذات عن أوصافها، فذلك، أيضا، مما لا يكون إلا في الذهن، الذي يجرد ذاتا بلا وصف، ومعان مطلقة لا توجد إلا في الذهن، فإن الكلي المطلق لا يوجد إلا في الذهن الذي يتصور المشتركات المعنوية فلا يمنع ذلك وقوع الشركة فيها، بخلاف الشركة في خارج الذهن فهي ممتنعة، فلا يشترك اثنان في عين الوصف وإن اشتركا في نوعه، فيشترك زيد وعمرو في وصف العلم فذلك من المشترك المعنوي المطلق الذي لا يمنع تصوره تعدد الشركاء فيه، ولا يشتركان في علم عمرو بعينه، فهو فرد من أفراد النوع يمنع تصوره وقوع الشركة فيه، فلا يشرك عمرا فيه أحد، لورود القيد بالإضافة إليه، فهو قيد مانع يحصر الوصف في فرد بعينه، فالمطلق قبل ورود القيد عليه: كلي عام، وبعد ورود القيد عليه: جزئي خاص، فليس في عالم الشهادة إلا ذات موصوفة بصفات قائمة بها فذلك التقييد من جنس تقييد الباطن بلازمه من الظاهر، فليس، أيضا، في عالم الشهادة إلا باطن علمي وظاهر عملي يصدقه لزوما إذا صحت الآلة وانتفى المانع. وهذا أصل جليل، كما تقدم في أكثر من موضع، في باب الإلهيات فأوصاف الرب، جل وعلا تشترك مع ما يقابلها من صفات العبد، في المعاني الكلية المطلقة كالعلم والسمع والبصر ..... إلخ من الأوصاف الربانية الثابتة، دون الحقائق الجزئية المقيدة خارج الذهن، فلكل ما يليق بذاته كمالا أو نقصانا.
(يُتْبَعُ)
(/)
والشاهد أن في العذاء المعقول: ذلك الوحي الجامع لمسائل الغيب من إلهيات وسمعيات، فما يأتي بعد من الأحداث الأرضية، من فتن وملاحم، والأحداث الأخروية من أهوال ومشاهد تظهر فيها معاني الحكمة والعدل، فيقتص للمظلوم من ظالمه، فذلك العدل المفقود في عالمنا بعد تنحية النبوات عن قيادة النوع الإنساني الذي يتخبط في دياجير الظلام فشبه علمية وشهوات عملية وتعد على الحرمات المعصومة من الدماء والأموال والأعراض المحفوظة فضلا عن انتهاك أعظم الحرمات: حرمة الديانة، بالقدح في الرب المعبود، تبارك وتعالى، قدحا صريحا، كما قد وقع من اليهود والنصارى ومن سار على طريقتهم في نفي صفات الكمال الذاتي والوصفي والفعلي عن الرب، جل وعلا، أو إثبات النقص له، فذلك من فساد العقل بمكان، فصاحبه قد نفى الواجب وأثبت المحال، أو بالقدح فيه، تبارك وتعالى، قدحا مبطنا، بالاعتراض على حكمته، ولو بالإشارة والإيماء، وعدم التسليم لحكمه الشرعي، فيقدم حكم غيره على حكمه، كما هي حال من: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)، ولكل من ضاهى الشرع المنزل بشرع مبدل من ذلك الذم نصيب، فالتشريع من آكد معاني الربوبية، كما تقرر مرارا، فهو داخل في حد: "ما" في صدر الآية: (لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فلمن ما في السماوات والأرض: تدبيرا كونيا بكلمات الخلق والرزق، وتدبيرا شرعيا بكلمات الوحي، فمنه، كما تقدم، الخبر، ومنه الحكم اللازم، فـ: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فالغذاء المعقول من كلمات الوحي المتلو المقروء أو الوحي المتعبد بمعناه دون لفظه من كلام المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كل أولئك، من آكد مظاهر الربوبية، التي تدل عليها لام الملكية في: "لمن"، فملكه، كما تقدم، ملك التكوين بالخلق، وملك التشريع بالأمر والنهي، فالأول يقابله: التصديق، والثاني يقابله: الامتثال، فتلك حقيقة العبودية الجامعة: تصديق بالخبر وامتثال للحكم فعلا للمأمور واجتنابا للمحظور، فذلك واجب العبودية في مقابل عطاء الربوبية بشتى أجناس الرزق المعقول والمحسوس، كما تقدم، فذلك من أدلة عناية الرب، جل وعلا، بعباده، فقد: كتب على نفسه الرحمة، فالرحمة معنى عام، يشمل الرحمات الكونية التي يظهر أثرها في الكون في إنزال وإنبات الأرزاق المحسوسة التي تنمو بها الأبدان، فتلك رحمة عامة تشمل المؤمن والكافر فـ: (مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، فهي رحمة: الرحمن، التي يرحم بها عباده، مؤمنهم وكافرهم في دار الابتلاء، فيجري عليهم الأرزاق، فهي في حق المؤمن موضع امتحان، يلقى جزاءه في دار الجزاء، وهي للكافر توفية حساب فـ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)، فذلك من كمال عدله، تبارك وتعالى، فلا يظلم ربك أحدا، بل لم يحرم إبليس، مادة الشر في هذا العالم من هذه الرحمة فأنظر إلى يوم الوقت المعلوم، فذلك، أيضا، من عدل الرب، جل وعلا، فقد سبقت له أعمال حال إيمانه قبل أن يبلو الرب، جل وعلا، دخيلته بخلق آدم عليه السلام وأمر الملائكة وقد دخل في زمرتهم تغليبا، بالسجود له، فظهر كبره وحسده، فحبط به عمله، ومع ذلك وفاه الرب، جل وعلا، نصيبه في دار الابتلاء، فوسعته رحمة الرحمن، ولم تسعه وحزبه من شياطين الإنس والجان، رحمة الرحيم، فهي رحمة خاصة بالمؤمنين فالرب جل وعلا: (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)، فيختص برحمته من شاء أزلا، أن يصطفيه، فأصلح باطنه فصار محلا قابلا لكلمات الوحي، فاقتضت حكمته أن يضع مادة الإيمان في المحل الملائم لها، كما اقتضت حكمته أن يضع مادة الكفران في المحل الملائم لها، فلكل محل ما يلائمة من مادة الوحي الرحماني النافع، أو الوسواس الشيطاني الضار، فللرحمن، جل وعلا، أولياؤه، وللشيطان أوليائه
(يُتْبَعُ)
(/)
فلا يلتبس أمرهما على من رزق سدادا ودقة في النظر، فلا يصدر حكمه إلا عن تدبر في آي التنزيل، فالصادق لا يشتبه أمره بالكاذب، وإن التبس بادي الرأي، فذلك مما يبتلى به العباد لينظر أيزنون الأمر بميزان الوحي أم بميزان الهوى الذي يخدع صاحبه بأمارات الصلاح الظاهر، أو خوارق العادات، فيغفل عن مطالعة أحوال مدعي الولاية، فمن رحمة الرب، جل وعلا، أن فضح مكنون الصدور بالفلتات واللفتات مهما اجتهد صاحبها في إظهار ما يخالفها.
والرحمة، مادة استعملت في لسان العرب، للدلالة على الفعل، وعلى أثره، فالفعل هو الرحمة التي قد علم معناها، وإن اختلفت حقيقتها في الخارج كسائر المطلقات الذهنية التي يرد عليها القيد، فالصفة فرع عن الموصوف بها، فتتبعه كمالا أو نقصانا، فليست رحمة الله، عز وجل، التي هي وصف فعله المتعلق بمشيئته فيحدث من آحاده ما شاء كيف شاء متى شاء على وجه لا مثيل له ولا شبيه، ليست تلك الرحمة من جنس رحمة الخلق، بل: "إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وهي، أيضا، مادة تستعمل في الدلالة على آثار رحمة الرب، جل وعلا، في كونه، فالرياح: رحمة، كما ذكر ابن منده، رحمه الله، في "كتاب التوحيد" في فصل: "بيان أسماء الرياح والريح من الكتاب والأثر وهي: الرحمة، والمخيلة ......... "، والنبوة رحمة، فـ: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)، والكتاب العزيز رحمة فـ: (لَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، كما حكى صاحب "اللسان" رحمه الله، وقد حمله على تقدير مضاف محذوف، فالكتاب العزيز ذو رحمة، فبتصديق أخباره وامتثال أحكامه يرحم البشر، وبتلاوته تتنزل الرحمات، وتستدر الحسنات، وهي سبب نيل الرحمات في دار الجزاء، فيكون ذلك من باب الإخبار بالمسبَّب وهو الرحمة عن سببه وهو الكتاب العزيز، فالرحمات، كما تقدم: عامة وخاصة، شرعية وهي الأشرف قدرا والأعظم شأنا فتقابل الرحمة الخاصة، وكونية فتعم المؤمن والكافر فالرياح من الرحمات الكونية التي تنتفع بها جميع الخلائق، وإن صيرها الرب، جل وعلا، في حق أقوام عذابا، فـ: (لَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)،، فجاء الإضراب الإبطالي: "بل": إمعانا في النكاية فجاء الوارد على الضد من مقصودهم، وعلى غير مرغوبهم، على نحو مفاجئ غير متوقع، وأجمل ما نزل بهم، تشويقا وتهويلا بالإبهام في: "ما"، ثم بين: "رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ"، فذلك جار على ما قرر أهل اللسان من كون إفراد الريح مئنة من العذاب بخلاف الرياح المجموعة فهي مئنة من البركات التي يلائمها الجمع، فالرب، جل وعلا، قد كتب على نفسه أجناس الرحمات على الوجه اللائق بجلاله، وقد سوى بعض أهل العلم بينهما كما بوب لذلك ابن منده، رحمه الله، بقوله: "ذكر الفرق بين الريح والرياح ومن قال: إن الله يرسل الريح للنقمة، والرياح للرحمة، ومن قال: معنى الرياح والريح واحد"، فمن ذلك حديث عمر، رضي الله عنه، مرفوعا: "الريح من روح الله عز وجل تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فلا تسبوها واسألوا الله عز وجل خيرها واستعيذوا بالله من شرها"، فذلك من روح الله الكوني، فمنزلتها منزلة الروح من البدن فبها تساق المزن التي تحمل الماء: مادة حياة الزرع والبدن، كما أن من روحه، عز وجل، روح شرعي، فـ: (كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فهو مادة حياة الأرواح كما أن الماء مادة حياة
(يُتْبَعُ)
(/)
الأبدان، فالروح من أمر الرب، جل وعلا، فمنه الروح الكوني فهو من الأمر الكوني فيسوق الملك الموكل بالسحاب: السحابَ إلى البلد الميت، ومنه الروح الشرعي فهو من الأمر الشرعي الذي ينزل به أمين الوحي على قلب الرسول البشري فيسوقه إلى القلوب الميتة، فروح الرب، جل وعلا، التي أضيفت إليه إما على جهة التشريف إن أريد بها ما ليس من صفاته من سائر المخلوقات كالمسيح عليه السلام فهو روح الله، والريح فهي من روح الله، فهي من جملة الرحمات التي يحيي بها الرب، جل وعلا، الكائنات، وإما على جهة الوصف إن أريد بها رحمة الوحي فهو من كلماته الشرعية النازلة، كل أولئك من أظهر أدلة عناية الرب، جل وعلا، بالنوع الإنساني، فقد أنزل الروح الكوني من أسباب حياة الأجساد، والروح الشرعي من أسباب حياة الأرواح.
ومن الرحمة اشتق الرحم، فهي مئنة من الود والصلة، فيلائمها معنى الرحمة، ولذلك كان حقها عظيما، فـ: (إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَقَالَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ)، ولذلك حل الشؤم على كثير منا في هذا الزمان الذي قطعت فيه الأرحام تقطيعا، فهي معصية عالمية، إن صح التعبير لم ينج منها صالح أو طالح إلا من رحم الرب جل وعلا.
والشاهد أن الكتابة هنا، كتابة كونية على جهة الجزم، فلا يكتب على الرب، جل وعلا، أحد من خلقه، خلافا لمن قاس أفعال الرب، جل وعلا، على أفعال خلقه، فاقترح شريعة بها يحسن ويقبح، ويوجب ويجيز ويمنع، في حق الرب، جل وعلا، ما يحسن ويقبح في حق البشر، فيوجب على الرب، جل وعلا، جنس ما يجب على العباد، فوقع في تشبيه الأفعال، فأفعال الرب، جل وعلا، عنده من جنس أفعال العبد، فيجب عليه أن ينفذ وعيده، ويجب عليه أن يبعث الرسل ..... إلخ من قائمة طويلة من الواجبات والممتنعات على الرب، جل وعلا، فيها من سوء الأدب والتعدي على مقام الربوبية الحاكمة الآمرة القاهرة ما فيه، فلا يكتب على الرب، جل وعلا، إلا هو، فكتب على نفسه الرحمة فضلا، و: "أل" في "الرحمة": جنسية استغراقية فتعم، كما تقدم، الرحمات العامة والخاصة، فهي من أظهر أدلة العناية العامة بالبشر، والعناية الخاصة بالمؤمنين، وذلك عموم محفوظ، فقد يقال بحفظ عموم: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ"، قياسا على هذا العموم، فتكون رحمته، جل وعلا، قد عمت كل شيء، فمنها، كما تقدم، العام: أثر اسمه الرحمن، فقد عم سائر الخلائق حتى إبليس معدن الشر في هذا العالم، ومن يقول بالتخصيص فإنه يقصرها على المؤمنين لقرينة التذييل بـ: "فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ"، فتكون من جنس الرحمة الخاصة، وذلك، أيضا، لا يمنع عموم رحمته الأولى، فالجهة منفكة، لاختلاف المتعلق في كليهما، فمتعلق الرحمة العامة اسم: الرحمن، ومتعلق الرحمة الخاصة اسم: الرحيم، فلا إشكال في حمل لفظ: "الرحمة" في الآية على كليهما فذلك جار على ما تقدم مرارا من إثراء السياق بتوارد أكثر من معنى على اللفظ الواحد على وجه لا يقع فيه التعارض.
فمقابل هذا العموم في "أل" في "الرحمة": العموم الذي أفادته "أل" في "السماوات والأرض" في صدر الآية، فله عموم ما في السماوات والأرض خلقا وتدبيرا، كما تقدم، فذلك من أدلة ربوبية الإيجاد، وله عموم الرحمة: خاصة وعامة، فذلك من أدلة ربوبية العناية، فذلك جار على ما اطرد مرارا من الاستدلال بالربوبية: إيجادا وعناية على الألوهية تصديقا وامتثالا، ولذلك جاء الجواب: "قل لله"، فما في السماوات والأرض لله، جل وعلا، وهو، على القول باشتقاقه من جهة أحكام اللسان لا من جهة القول بحدوثه بعد أن لم يكن فذلك منتف في حق الرب، جل وعلا، الأول بذاته وأسمائه وصفاته، هو على ذلك القول مشتق من مادة: "أله" فيدل على معاني العبودية فهي لازم ما صدرت به الآية من معاني الربوبية.
ثم جاء التذييل بـ: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ، بعد التمهيد بـ: "قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وفيه من معاني الوعد والوعيد بحسب حال المخاطب، فمن كان مؤمنا فالجمع يوم القيامة في حقه وعد بالنعيم السرمدي، ومن كان كافرا فالجمع في حقه وعيد بالعذاب السرمدي، فذلك جار، على ما تقدم مرارا، من تعلق الأحكام كونية كانت أو شرعية بالأسماء، والأسماء تدل على أوصاف ومعان يصح التعليل بها للأحكام، فاسم المؤمن قد اشتق من معنى الإيمان وهو مما يصح تعليل حكم النجاة به، واسم الكافر قد اشتق من معنى الكفران، وهو، أيضا، مما يصح تعليق حكم الهلاك به. وفي الكلام: توكيد بالقسم المحذوف الذي دلت عليه لام الجواب ونون التوكيد المثقلة في جوابه: "ليجمعنكم"، فتقدير الكلام: والله ليجمعنكم، فاستغني عن ذكر المحذوف بما قد دل عليه من لفظ المذكور، فذلك من إيجاز الحذف، وهو من صور الإيجاز البليغ في آي التنزيل، فذكر ما قد علم من السياق بداهة مما يعاب به قائله، فهو حشو لا فائدة منه، والرب، جل وعلا، أولى من نزه عن ذلك.
ثم جاء التذييل بـ: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فذلك جار مجرى القاعدة العامة، فناسب أن يرد التعريف بالموصولية، فهي من صيغ العموم القياسية، وناسب، أيضا، أن يقترن الخبر بالفاء فقد أشرب الموصول معنى الشرط لدلالة كليهما على العموم، فإسناد الخبر إلى من تحقق فيه المعنى الذي اشتق منه المبتدأ، أو اشتقت منه صلته إن كان موصولا، من جنس تعليق المشروط على شرطه، فالذين خسروا أنفسهم هم الذين لا يؤمنون، تكافئ في معناها: من لم يؤمن فقد خسر نفسه، وقد استعار معنى الخسارة في التجارات، فهي خسارة مادية، لمعنى الخسارة المعنوية التي وقع فيها من لم يؤمن، فهي خسارة معنوية، فاستعارة المعاني المحسوسة تقريبا للمعاني المعقولة من صور البيان الوافي في آي الكتاب العزيز.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبود]ــــــــ[21 - 08 - 2010, 12:32 ص]ـ
بارك الله فيك(/)
أسلوب الأمر للأستاذ معاذ أبو الهيجاء
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[26 - 06 - 2010, 06:43 ص]ـ
أنواع الأوامر والنواهي
الأوامر والنواهي ضربان: صريح وغير صريح. والصريح ضربان: أحدهما أن يكون بلفظ الأمر ولفظ النهي مثل قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تُؤدّوا الأمانات إلى أهلها)، ومثل قوله تعالى: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم). والثاني، أن تكون الصيغة الموضوعة للأمر والنهي لغة هي التي تدل على الأمر أو النهي مثل (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، ومثل (ولْيَشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)، ومثل (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)، ومثل (لا تخونوا الله والرسول). ففي هذه النصوص دلت الصيغة الموضوعة للأمر لغة على الأمر، ودلت الصيغة الموضوعة للنهي لغة على النهي.
وغير الصريح: لا تكون صيغة الأمر أو صيغة النهي هي الدالة على الأمر أو النهي، بل تكون الجملة الواردة في النص قد تضمنت معنى الأمر أو النهي. أي تكون للدلالة على الأمر أو النهي آتية مما تضمنته الجملة الواردة في النص من معنى الأمر أو النهي لا من صيغة الأمر أو صيغة النهي مثل (كُتب عليكم الصيام)، (إنه لا يحب المسرفين)، وهكذا. وغير الصريح يأتي في أحوال متعددة منها ما جاء مجيء الإخبار عن تقرير حكم كقوله تعالى: (كُتب عليكم الصيام)، (والوالدات يُرضِعن أولادهن)، (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)، (فكفارته إطعام عشرة مساكين)، وأشباه ذلك مما فيه معنى الأمر أو النهي.
ومن هذا الباب ما ورد من ألفاظ الفرض والواجب والحلال صراحة في الأمر مثل قوله تعالى في آية الصدقات: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) إلى قوله: (فريضة من الله)، ومثل ما رُوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم خَطَب فقال: (إن الله تعالى فرض عليكم الحج) الحديث، ومثل ما رُوي عن ابن عمر (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطرة) الحديث، ومثل قوله عليه السلام: (الجهاد واجب عليكم مع كل أمير)، ومثل قوله تعالى: (أُحِلّ لكم ليلة الصيام الرَفَث إلى نسائكم)، ومثل قوله تعالى: (أحلّ الله البيع)، وكذلك ما ورد من ألفاظ التحريم مثل قوله تعالى: (إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بَطَن)، ومثل قوله تعالى: (وحّرم الربا)، وقوله تعالى: (حُرّمت عليكم المَيْتة). فهذه كلها من غير الصريح، وهي وإن كانت صريحة في الدلالة على الحكم الشرعي ولكنها غير صريحة في الأمر أو النهي، فـ (فرض) صريحة بالحكم الشرعي ولكنها غير صريحة في الأمر، و (حرّم) صريحة في الحكم الشرعي ولكنها غير صريحة في النهي، فاعتُبرت من غير الصريح.
ومن أحوال غير الصريح ما جاء مجيء مدحه أو مدح فاعله في الأمر أو ذمه أو ذم فاعله في النهي، مثل قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون)، وقوله تعالى: (بل أنتم قوم مسرفون)، وما أشبه ذلك.
ومنها ما جاء مجيء ترتيب الثواب على الفعل في الأوامر وترتيب العقاب على المنهي عنه في النواهي مثل قوله تعالى: (ومن يُطِع الله ورسوله يُدخله جنات)، ومثل قوله تعالى: (ومن يَعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يُدخله ناراً)، وما شاكل ذلك.
ومنها ما جاء مجيء الإخبار بمحبة الله في الأوامر والبغض والكراهية في النواهي، مثل قوله تعالى: (والله يحب المحسنين)، ومثل قوله تعالى: (إن الله لا يحب المسرفين)، وقوله تعالى: (ولا يرضى لعباده الكفر)، (وإن تشكروا يَرضَهُ لكم)، وما شابه ذلك.
ومنها الإخبار الدال على الحكم، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الخَراج بالضمان)، وقوله: (من باع نخلاً قد أبّرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع)، وكقوله تعالى: (ومن قَتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة ودِيَةٌ مسلَّمةٌ إلى أهله)، (ولله على الناس حَجُّ البيت)، وما أشبه ذلك. فهذه الأمور دالة على طلب الفعل أو دالة على طلب الترك إلا أن الدلالة على الأمر والنهي فيها ليس آتياً من صيغة الأمر والنهي وإنما الجملة التي وردت في النص تضمنت معنى الأمر والنهي.
http://www.almolltaqa.com/vb/images/statusicon/user_offline.gif http://www.almolltaqa.com/vb/images/buttons/quote.gif (http://www.almolltaqa.com/vb/newreply.php?do=newreply&p=131312)
(يُتْبَعُ)
(/)
معاذ أبو الهيجاءمشاهدة ملفه الشخصي ( http://www.almolltaqa.com/vb/member.php?u=3500) البحث عن المزيد من المشاركات المكتوبة بواسطة معاذ أبو الهيجاء ( http://www.almolltaqa.com/vb/search.php?do=finduser&u=3500)
http://www.almolltaqa.com/vb/images/statusicon/post_old.gif 11-12-2008, 10:26 #10 (http://www.almolltaqa.com/vb/showpost.php?p=131334&postcount=10) معاذ أبو الهيجاء</ B> (http://www.almolltaqa.com/vb/member.php?u=3500)
عضو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
تاريخ التسجيل: 31 - 10 - 2008
المشاركات: 212
http://www.almolltaqa.com/vb/images/statusicon/post_new.gif
صيغة الأمر
الصيغة التي وُضعت للأمر لغة هي صيغة (افعل) أو ما يقوم مقامها، وهو اسم الفعل، مثل: هات، وتعال، والمضارع المقرون بلام الأمر مثل (لِيُنفِق ذو سَعة من سَعَتِه)، (ولْيَشهَد عذابهما طائفة من المؤمنين). فهذه هي الصيغة التي وُضعت في اللغة للأمر، ولا توجد هناك صيغة غيرها، ولم يضع الشارع اصطلاحاً شرعياً لصيغة الأمر بل ما وُضع لغة هو المعتبَر شرعاً.
وصيغة الأمر تَرِد لستة عشر معنى:
الأول: الإيجاب، مثل (أقيموا الصلاة).
الثاني: الندب، مثل قوله تعالى: (فكاتبوهم إن علمتُم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)، فإن كلاً من الكتابة وإيتاء المال مندوب لكونه مقتضياً للثواب مع عدم العقاب، ومن الندب التأديب كقوله عليه السلام لابن عباس: (كُل مما يليك).
الثالث: الإرشاد، نحو قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين)، فإنه تعالى أرشد العباد عند المداينة إلى الاستشهاد.
الرابع: الإباحة، كقوله تعالى: (كلوا واشربوا)، فإن الأكل والشرب مباحان، بدليل أن الإذن بهما شُرع لنا، فلو وجبا لكان مشروعاً علينا.
الخامس: التهديد، أي التخويف كقوله تعالى: (اعملوا ما شئتم)، لظهور أنْ ليس المراد الإذن بالعمل بما شاءوا وبمعونة القرائن على إرادة التخويف. ويقرب من التهديد الإنذار وهو إبلاغ مع تخويف كقوله تعالى: (قل تمتّعوا فإن مصيركم إلى النار)، فإنّ قوله: (قُل) أمر بالإبلاغ.
السادس، الامتنان على العباد، كقوله تعالى: (كلوا مما رزقكم الله)، فإن قوله http://www.almolltaqa.com/vb/images/smilies/frown.gif مما رزقكم الله) قرينة على الامتنان.
السابع: الإكرام بالمأمور، كقوله تعالى: (ادخلوها بسلام آمنين)، فإن قوله http://www.almolltaqa.com/vb/images/smilies/frown.gif بسلام آمنين) قرينة على إرادة الإكرام.
الثامن: التسخير، كقوله تعالى: (كونوا قردة خاسئين)، أي صيروا، لأنه تعالى إنما خاطبهم في معرض تذليلهم، أي صيروا قردة، فصاروا كما أراد.
التاسع: التعجيز، نحو قوله تعالى: (فأتوا بسورة من مثله)، فأعجَزَهم في طلب المعارضة عن الإتيان بالسورة من مثله.
العاشر: الإهانة، نحو قوله تعالى: (ذُق إنك أنت العزيز الكريم)، فإنه للإهانة بقرينة المقام، والوصف بالعزيز الكريم استهزاء، ومن الإهانة قوله تعالى: (قل كونوا حجارة أو حديداً)، فقد قصد به قلة المبالاة بهم سواء أكانوا أعزّاء أم أذلاّء، ولا يقصد صيرورتهم حجارة أو حديداً.
الحادي عشر: التسوية، كقوله تعالى: (اصبروا أو لا تصبروا)، أي الصبر وعدمه سيان في عدم الجدوى.
الثاني عشر: الدعاء، كقوله تعالى: (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رُسُلِك).
الثالث عشر: التمني، كقول الشاعر: (ألا أيها الليل الطويل ألاَ انجَلِ) فإنه إشعار بتمني انجلاء الليل وانكشاف الصبح.
الرابع عشر: الاحتقار، كقوله تعالى حكاية عما قال موسى للسحرة: (بل أَلقوا ما أنتم مُلقون) احتقاراً لسحرهم بمقابلة المعجزة.
الخامس عشر: التكوين، كقوله تعالى: (كُن فيكون)، فليس المراد حقيقة الخطاب والإيجاد بل هو كناية عن سرعة تكوينه تعالى أو نفس التكوين، والفرق بين ما للتكوين وما للتسخير أنّ في التكوين يقصد تكون الشيء المعلوم، وفي التسخير صيرورته منتقلاً من صورة أو صفة إلى أخرى.
السادس عشر: الخبر، أي ورود الصيغة بمعناه، كقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)، أي صنعتَ. فجاءت الصيغة صيغة أمر ولكن المراد منها الخبر. وعكسه هو ورود الخبر بمعنى الطلب، كقوله تعالى: (والوالدات يُرضِعن أولادهن حولين كاملين)، وقد تقدم ذلك في الأمر غير الصريح.
(يُتْبَعُ)
(/)
فهذه المعاني أفادتها صيغة الأمر في هذه النصوص مما يدل على أنها تُستعمل في عدة معان. والسؤال الذي يَرِد الآن هو: هل صيغة الأمر دلت على هذه المعاني كلها لغة بالاشتراك بينها فهي لفظ مشترك يدل على عدة معان ويُفهم المعنى المقصود بقرينة، أم أنها دلت على واحد منها حقيقة وعلى الباقي مجازاً؟
والجواب على ذلك هو: أن صيغة الأمر موضوعة لغة للدلالة على الطلب وليست موضوعة للوجوب ولا للندب ولا للإباحة ولا للتعجيز ولا لغيرها من المعاني المذكورة، بل موضوعة لمجرد الطلب ليس غير. وأما دلالتها على كل معنى من المعاني المذكورة فإنما كان بدلالتها على الطلب مع قرينة تبين المراد بالطلب، أي أن أصل الدلالة في الصيغة في هذه الجمل كلها حسب الوضع اللغوي إنما هي للطلب ليس غير. غير أن لفظ الطلب عام يشمل كل طلب، فجاء القرينة وبينت نوع الطلب المراد بصيغة الأمر. ففي هذه الجمل كلها دلت صيغة الأمر على الطلب المراد أي على معناها الذي وُضعت له في اللغة وجاءت إلى جانب الطلب قرينة دلت على المارد بالطلب في الجملة أي على عن الطلب هل هو جازم أم طلب غير جازم أم طلب تخيير أم طلب للتعجيز أم طلب للإهانة وغير ذلك.
وعلى هذا تكون المعاني المذكورة هي المعاني المرادة بالطلب أي نوع الطلب، وليست هي معاني صيغة الأمر. فصيغة الأمر جاءت بالطلب كما هو وضع اللغة واقترنت بقرينة دلت على المراد بالطلب، فكان مجموع صيغة الأمر مع القرينة هو الذي دل على الوجوب أو الندب أو الإباحة أو التعجيز أو الإهانة .. الخ. وأما الصيغة وحدها دون قرينة فإنما دلت على الطلب ليس غير ولا تدل دون قرينة على شيء غير مجرد الطلب مطلقاً.
ولا يقال إن صيغة الأمر حقيقة في الوجوب مجاز في الباقي، لأن الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وُضع له في اصطلاح التخاطب، والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وُضع له لقرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي. واصطلاح التخاطب هنا هو اللغة العربية، وصيغة الأمر لم توضع في اللغة الوجوب وإنما وُضعت للطلب ليس غير، فهي إذن ليست حقيقة في الوجوب لغة، وكذلك ليست حقيقة في الندب أو في الإباحة ولا في التعجيز ولا في الإهانة، ولا في أي معنى من المعاني المذكورة في الجُمل السابقة لأنها لم توضع لأي معنى من هذه المعاني لغة، فلا تكون حقيقة فيه. وكذلك ليست هي مجازاً في المباح على غرار "رأيتُ أسداً في الحمام"، لأن صيغة الأمر لم تُستعمل في غير ما وُضعت له لقرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي، بل استُعملت فيما وُضعت له لغة في جميع الجمل السابقة وهو الطلب. فالندب والإباحة طلب كالوجوب، والتعجيز والإهانة طلب كالوجوب.
واستعمال صيغة الأمر فيها كلها كاستعمالها في الوجوب سواء بسواء من غير أي فرق بينها. وهي لم تستعمل في المعاني الأخرى وإنما جاءت قرينة إلى جانب الطلب دلت على المعاني الأخرى. فالمعاني الأخرى ليست لصيغة الأمر وحدها بل لمجموع صيغة الأمر مع القرينة، فقوله تعالى: (كلوا مما رزقكم) يفيد معنى الامتنان، وهذا المعنى لم يؤخذ من صيغة (كلوا) ولم يؤخذ من جملة (مما رزقكم) بل أُخذت من اقتران كلمة (كلوا) مع كلمة (مما رزقكم)، فقوله تعالى: (مما رزقكم) قرينة دلت على أن المراد ليس أمراً لهم بالأكل بل امتنان عليهم بما رزقهم، وقوله تعالى: (ادخلوها بسلام آمنين) يفيد معنى الإكرام، وهو إنما أفاد ذلك بقرينة (بسلام آمنين) إلى جانب قوله: (ادخلوها) أي الجنة.
وهكذا سائر المعاني، فإنها ليست لصيغة الأمر بل للصيغة والقرينة معاً. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن القرينة هنا ليست مانعة من إرادة المعنى الأصلي وهو الطلب مثل قوله: "في الحمام" من جملة "رأيتُ أسداً في الحمام"، وإنما هي مبيِّنة لنوع الطلب أي المراد منه، ولهذا لم تكن مجازاً لأن المجاز فيه القرينة تمنع إرادة المعنى الأصلي، مثل: رأيتُ بحراً في المسجد. وعليه لا تكون صيغة الأمر مجازاً في تلك المعاني.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكذلك ليست هي لفظاً مشترَكاً بينها جميعها لأن المشترَك هو اللفظ الموضوع لكل واحد من معنيين فأكثر، مثل كلمة العين للجارية والباصرة والنقد. وصيغة الأمر لم توضع لكل واحد من هذه المعاني لغة بل لم توضع ولا لواحد منها، وإنما وُضعت للطلب، وهذه المعاني هي مبينة لنوع الطلب أي مبينة أن أمره تعالى في قوله: (فأْتوا بسورة من مثله) أنه طلب للتعجيز، وأن قوله: (ذُق إنك أنت العزيز الكريم) أنه طلب للإهانة، وهكذا. ولهذا ليست صيغة الأمر لفظاً مشتركاً.
ولا يقال إن صيغة الأمر حقيقة في الوجوب ومجاز في غيره شرعاً أي حسب الوضع الشرعي. لأن الشارع لم يضع معنى معيناً لصيغة الأمر، لا للفظ افعل ولا لما يقوم مقامها من اسم الفعل كهات، ومن المضارع المقرون باللام مثل: (لِيُنفِق) بل استعملها الشارع على الوضع اللغوي، والمراد منها في جميع النصوص الشرعية هو المعنى اللغوي وليس لها أي معنى شرعي.
أمّا ألفاظ الفرض والواجب والمندوب والمباح فهي اصطلاحات شرعية لنوع أوامر الله وليس لصيغة الأمر، أي أن أمر الله يكون واجباً ويكون مندوباً ويكون مباحاً فأمره المؤكد القيام به، وأمره غير المؤكد القيام به، وأمره المخيَّر فيه، وكلها أوامر لله. وأمر الله هو طلبه القيام بالفعل سواء أكان مؤكَّداً القيام به أم غير مؤكد أم كان مخيَّراً.
وقد فَهِمنا هذا الأمر من النصوص، وقد يكون بصيغة الأمر وقد يكون لصيغة الأمر. أمّا صيغة الأمر هي الصيغة التي وضعتها اللغة العربية للطلب وهي: افعل وما يقوم مقامها مثل اسم الفعل والمضارع المقرون باللام. فهذه الصيغة لم يضع الشارع معنى شرعياً لها بل تركها على معناها اللغوي. والمراد هو فهم هذه الصيغة وما تدل عليه في كلام الله وكلام رسول الله، وحين يراد فهم هذه الصيغة يجب أن تُفهم فهماً لغوياً حسب دلالة اللغة، ويكون المعنى اللغوي هو المراد منها، ومنه يُفهم المراد من أمر الله في هذا النص. وعلى هذا تكون صيغة الأمر أينما وردت في أي نص من النصوص معناها الطلب لأنها موضوعة له لغة، وحتى يُفهم المراد من الطلب لا بد من قرينة من القرائن تبينه أي تبين المراد من هذا الطلب.
وأما الشبهة التي جعلت بعض الناس يقولون إن الأمر للوجوب، فهي أنهم لم يفرّقوا بين الأمر من حيث هو أمر وبين صيغة الأمر، ولم يفرقوا بين طلب التقيد بالشريعة وبين صيغة الأمر، ولذلك وقعوا في الخطأ.
أمّا بالنسبة لعدم التفريق بين أمر الله وبين صيغة الأمر، فقد استدلوا على أن صيغة الأمر حقيقة في الوجوب بعشرة أوجه:
الأول: أن الله سبحانه وتعالى ذمّ إبليس على مخالفته قوله: (اسجدوا)، فقال: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتُك)، فالاستفهام هنا للتوبيخ والذم، فذمّه على ترك المأمور، فيكون الأمر للوجوب.
الثاني: قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون)، فذمّهم على المخالفة أي على ترك الأمر، وهو دليل الوجوب.
الثالث: قوله تعالى: (فليَحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)، فذمّ على مخالفة الأمر، وهذا يؤكد أن الأمر للوجوب.
الرابع: قوله تعالى: (أفعصيتَ أمري) وقوله: (لا يعصون الله ما أمرهم) وقوله: (ولا أعصي لك أمراً)، فوَصَف مخالف الأمر بالعصيان وهم اسم ذم، وذلك لا يكون في غير الواجب. ففي هذه الآيات سمى من ترك الأمر عاصياً والعاصي يستحق النار لقوله تعالى: (ومن يعصِ الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً)، فدل على أن الأمر للوجوب.
الخامس: قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرة من أمرهم) والمراد من قوله: (قضى) ألزَمَ، ومن قوله: (أمراً) أي مأموراً، وما لا خِيَرة فيه من المأمورات يكون واجباً. فدل على أن الأمر للوجوب، إذ بين الله أنه لا توجد هناك خيرة فيما أمر الله فيه، والندب تخيير وكذلك المباح، فدل على أن الأمر يدل على الوجوب لأن الله أبطل الاختيار في كل أمر يَرِد من عند نبيه.
السادس: قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)، ثم هدد بقوله: (فإن تولّوا فإنما عليه ما حُمِّل وعليكم ما حُمِّلتُم)، والتهديد على المخالفة دليل الوجوب.
(يُتْبَعُ)
(/)
السابع: حديث بريرة وقد عُتِقَت تحت عبد كرهته، فقد سألت بريرة النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لها: لو راجعتِه، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، زوجها "مغيثاً"، فقالت: أتأمرني يا رسول الله. قال: لا إنما أنا أشفع)، ففرّق صلى الله عليه وسلم كما نرى بين أمره وشفاعته، فثبت أن الشفاعة لا توجِب على أحد فعل ما شفع فيه عليه السلام، وأن أمره بخلاف ذلك وليس فيه إلا الإيجاب فقط. وبريرة قد عقلت أنه لو كان أمراً لكان واجباً والنبي قررها عليه.
الثامن: قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشُقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وهو دليل الوجوب، وإلا فلو كان الأمر للندب فالسواك مندوب.
التاسع: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى قد فرض عليكم الحج. فقام رجل فقال: أفي كل عام؟ فسكت عنه حتى أعاده ثلاثاً، فقال: لو قلت نعم لوَجَبَت، ولو وجبت لما قمتم بها، ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قَبْلَكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بالشيء فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، فقد بيّن عليه السلام في هذا الحديث بياناً لا إشكال فيه أن كل ما أمر به فهو واجب حتى لو لم يقدر عليه. وهذا معنى قوله تعالى: (ولو شاء الله لأعنَتَكُم)، ولكنه تعالى رفع عنا الحرج ورحمنا فأمر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كما تسمع، أن ما أمر به عليه السلام فواجب أن يُعمل به حيث انتهت الاستطاعة، وأن ما نهى عنه عليه السلام فواجب اجتنابه.
العاشر: أن الوعيد قد حصل مقروناً بالأوامر كلها، إلا ما جاء نص أو إجماع متيقَّن فنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا وعيد عليه لأنه غير واجب ولا يسقط شيء من كلام الله تعالى إلا ما أسقطه وحيٌ له تعالى آخر فقط، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل أمّتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)، والمعصية ترك المأمور أن يفعل ما أمَرَ به الآمر، فمن استجاز ترك ما أمره به الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم فقد عصا الله ورسوله، ومن عصاه فقد ضل ضلالاً بعيداً، ولا عصيان أعظم من أن يقول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم: افعل –آمراً- كذا فيقول المأمور لا أفعل إلا إن شئت أفعل ومباح لي أن أترك ما أمرتماني به، وما يعرف أحد من العصيان غير هذا، فدل على أن الأمر للوجوب.
فهذه الأدلة كلها صريحة أن الأمر للوجوب فيكون حقيقة فيه مجازاً في غيره.
والجواب على ذلك هو: أن هذه الأدلة متعلقة بطاعة الأمر وعصيانه وليست متعلقة بصيغة الأمر، وأمر الله واجب الطاعة ومعصيته حرام. وطاعة الأمر تكون بعدم التمرد عليه، فإذا أمر الله بأمر حرم التمرد عليه ووجبت طاعته، ولكن طاعته تكون حسب ما أمر، فإذا أمر أمراً جازماً وَجَبَت طاعته حسب ما أمر ووجب القيام بالفعل، ويكون عاصياً إن لم يقم بالفعل، وهذا هو الفرض والواجب، وإذا أمر أمراً غير جازم وجبت طاعته كما أمر على شكل غير جازم. فإنْ قام بالفعل كان له ثواب وإن سلّم بالأمر ولكنه لم يقم بالفعل المأمور به فإنه لا شيء عليه ولا يأثم فلا يكون عاصياً، وهذا هو المندوب.
فعدم القيام به ليس عصياناً لله ولا مخالَفة عن أمره، لأن أمره ليس بجازم فتكون طاعته واجبة بالتسليم بالأمر وعدم التمرد عليه لا بالقيام بالفعل، إذ يكون التسليم به على هذا الوجه أن يكون القيام بالفعل الذي أُمر به غير جازم، إن قام به أثيب، وإن لم يقم به لا شي عليه ولا يأثم، ولا يكون بعدم القيام به مخالفاً لأمره تعالى. فالله تعالى قد قال: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) فأمَرَ بالعدل وأمَرَ بالإحسان، غير أن الأمر بالعدل للوجوب، والأمر بالإحسان للندب، وهما قد وردا بأمر واحد، فطاعتهما واجبة وهي الامتثال لما أمَرَ والتسليم به وعدم التمرد عليه، أمّا القيام بالفعل فإنه في العدل واجب وعدم القيام به معصية، أمّا في الإحسان فمندوب وعدم القيام به لا يعتبر معصية ولا شيء على من لا يقوم به ولا يعتبر في هذه الحالة عدم القيام به مخالَفة للأمر ولا تركاً له.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكذلك إذا أمر الله أو رسوله أمراً مخيِّراً بين القيام به وعدم القيام به فقد وجبت طاعة هذا الأمر كما أمر أي على وجه التخيير بين القيام بالفعل وعدمه لا على وجه التخيير في طاعة الأمر وعدم طاعته. فإن قام بالفعل له ذلك، وإن لم يقم به فله ذلك، وفي كلتا الحالتين هو مطيع للأمر، فتكون طاعة الأمر هنا بالتسليم به سواء أقام بالفعل أو لم يقم به، فإن قام به لا شيء عليه وإن لم يقم به فكذلك لا شيء عليه ولا يعتبر مخالفاً للأمر لأن الأمر جاء هكذا. وعليه فإن طاعة الأمر ومعصيته لا تدل على القيام بالفعل الذي أمر به أو عدم القيام به، وإنما تدل على التسليم بالأمر وطاعته على الوجه الذي أمر به من حيث لزوم القيام بالفعل أو عدم لزومه أو التخيير فيه، وهذا ليس محل بحث في صيغة الأمر وهو لا يعطي دلالة معينة لصيغة الأمر وإنما بحثه في الطاعة والمعصية. أمّا صيغة الأمر فيرجع بحثها لمدلول اللغة العربية.
وعليه فإن الأدلة العشرة غير واردة من حيث أن نصها بلفظ الأمر لا بصيغة الأمر، وتُرَد لأن موضوعها الطاعة والمعصية وليس صيغة الأمر. وأما ما ورد منها وفيه علاوة على أن نصّه بلفظ الأمر ما يدل على أن الأمر فيه للوجوب فهو ثلاثة أحاديث: أحدها حديث بريرة، والثاني: حديث السواك، والثالث: حديث الحج.
أمّا حديث بريرة فإنه لا حجة فيه، فهي إنما سألت عن الأمر طلباً للثواب لطاعته، والثواب يكون بالواجب والمندوب، فقولها: (أتأمرني) لا يدل على أنها فهمت الأمر للوجوب وكون الرسول فرّق فيها بين الأمر والشفاعة ليُفهِمها أن هذا ليس مما تجب طاعته وليس ليُفهِمها أن هذا ليس مما يجب القيام به. على أن فهم بريرة لقول الرسول: (لو راجعتيه) بأنه طلب يفيد الأمر لا يصلح حجة على أن الأمر للوجوب، لأنه مجرد فهم لإنسان، وقد يكون خطأ وقد يكون صواباً، فلا يكون دليلاً على أن الطلب يفيد الوجوب. وفوق ذلك فإن الرسول قد بيّن لها خطأ هذا الفهم بأنه لم يُرِد الأمر وإنما أراد الشفاعة.
وأما حديث السواك ففيه ما يدل على أنه أراد بالأمر أمر الوجوب، بدليل أنه قرن به المشقة، والمشقة لا تكون إلا بفعل الواجب لكونه محتماً بخلاف المندوب لكونه في محل الخيرة بين الفعل والترك. ومن ذلك كله تسقط تلك الشبهة بظهور الفرق بين الأمر وبين صيغة الأمر.
وأما حديث الحج في أن قوله: (نعم) دليل على أن أوامره للوجوب، فإنه ليس أمراً ليكون للوجوب بل لأنه يكون بياناً لقوله تعالى: (ولله على الناس حِجّ البيت) فإنه مقتضٍ للوجوب، والبيان يتبع المبين.
وأما بالنسبة لعدم التفريق بين أمر الله وبين صيغة الأمر، فقد استدلوا بقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ) أي أمرتَ، ولولا أن الأمر للوجوب لَما كان كذلك.
والجواب على ذلك هو أن معنى قوله: (قضيتَ) هو حكمتَ وليس أمرتَ، أي مما حكمتَ به من الوجوب والندب والإباحة والتحريم والكراهية والبطلان ونحوه، وليس فيه ما يدل على أن كل ما يقضي به يكون واجباً.
هذا وهناك بعض نصوص اشتُبه فيها أنها تدل على أن الأمر للوجوب. فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا سعيد بن المعلى وهو في الصلاة فلم يُجِبه، فقال: ما منعك أن تجيب وقد سمعتَ الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، فوبّخه الرسول وذمّه على عدم إجابة أمره، فدل على أن الأمر للوجوب. ومن ذلك أيضاً ما رواه مسلم عن أبي الزبير المكي أن أبا الطفيل عامر بن واثلة أخبره أن معاذ بن جبل أخبره قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءنا منكم فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي. قال: فجئناها وقد سَبَقَنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك "أي سير النعل" تبضّ بشيء من ماء "أي تسيل قليلاً" قال: فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مسستُما من مائها شيئاً؟ قالا: نعم. فسبّهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهما ما شاء الله أن يقول) الحديث. فهذان الرجلان استحقا السب من النبي صلى الله عليه وسلم لخلافهما نهيه في مس الماء ولم يكن هناك وعيد متقدم، فثبت أن أمره على الوجوب كله
(يُتْبَعُ)
(/)
إلا ما خصه نص، ولولا أنهما تركا واجباً ما استحقا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والجواب أن هذين الحديثين لا يدلان على أن الأمر للوجوب. أمّا الحديث الأول وهو حديث ابن المعلى فإن هناك قرينة تدل على وجوب القيام به وهو كون أبي سعيد كان في الصلاة حين دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليه الصلاة والسلام كان يعرف حين دعاه أنه يصلي ومع ذلك دعاه لإجابته وترْك الصلاة، مما يدل على أنه الأمر للوجوب. وأيضاً فإن قوله تعالى: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) إنما كان محمولاً على وجوب إجابة النداء تعظيماً لله تعالى ولرسوله في إجابة دعائه ونفياً للإهانة عنه والتحقير له بالإعراض عن إجابة دعائه لِما فيه من هضمه في النفوس وإفضاء ذلك إلى الإخلال بمقصود البعثة. ولا يمتنع صرف الأمر إلى الوجوب بقرينة. فالحديث أفاد الوجوب بقرينة وليس لمجرد الأمر. فليس توبيخ الرسول له لأنه لم يقم بالفعل بل توبيخه له لأنه لم يقم بالفعل الذي أمره به أمراً جازماً. ويدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أوامر وبيّن أن القيام بالفعل الذي أمر به غير واجب. ففي أبي داود أن ابن مسعود جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فسمعه يقول: (اجلسوا)، فجلس بباب المسجد فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (تعال يا عبدالله)، مما يدل على أن قيامه بالفعل الذي أُمر به ليس واجباً وهو يدل على أن الأمر ليس للوجوب. وسمع عبدالله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالطريق يقول: (اجلسوا)، فجلس بالطريق، فمرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق فقال: (ما شأنك)؟ فقال: سمعتك تقول: (اجلسوا). فقال: (زادك الله طاعة). فالرسول صلى الله عليه وسلم استغرب جلوسه مما يدل على أن أمر الرسول ذلك لم يكن جازماً.
وأما الحديث الثاني وهو حديث الرجلين، فإن هناك قرينة تدل على إثم المخالف وهي كون الماء في عين تبوك قليلاً ودل على ذلك لفظ الحديث من قوله: (والعين مثل الشراك) أي رفيعة جداً، وقوله: (تبضّ بشيء من الماء) أي تسيل قليلاً قليلاً، وهو ما يقال عنه بأنها "تنز الماء"، فهذا يدل على أن أمر الرسول كان جازماً، فاستحقا السب لمخالفته. وأيضاً فإن شرب الماء مباح، فكون الرسول يَنهى عن شرب الماء من تلك العين في ذلك الوقت معناه منعٌ لمباح، وهو قرينة على أن الطلب جازم لأنه نهي عن مباح. على أن هذا الحديث ليس أمراً وإنما هو نهي، فهو لا يدل على الوجوب وإنما يدل على التحريم لقرينة مع طلب الترك.
ومن هذا كله يتبين أن الشبهة التي جاءت من وجوب طاعة أمر الرسول وفُهم منها أن وجوب طاعته معناه أن صيغة الأمر للوجوب شبهة ساقطة لأن طاعة الأمر غير صيغة الأمر. فأمْر الله واجب الطاعة ولكن هذا الأمر عُبّر عنه بألفاظ لها دلالة لغوية فيُفهم نوع الأمر من دلالة هذه الألفاظ فيقام به كما أمر، ودلالة الألفاظ تؤخذ من اللغة. فالمسألة فهم صيغة الأمر وليست المسألة طاعة الأمر ومعصيته، وأيضاً شبهة أن الشارع أمَرَنا بأن نحكّم الشرع وحرّم مخالفته ساقطة، لأن التقيد بالشريعة غير فهم صيغة الأمر من النصوص الشرعية، وكذلك الشبهة التي جاءت من أن الحديثين حديث المعلى وحديث عين تبوك يدلان على أن الأمر للوجوب ساقطة، لأن الأمر فيهما دل على الوجوب لا من الصيغة وإنما بقرينة دلت عليه. ومتى سقطت هذه الشبهات لا تبقى حجة لمن يقول إن الأمر حقيقة في الوجوب
ـ[عبود]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 05:52 م]ـ
مشكور(/)
الفرق بين تعدية الفعل (أتى) بنفسه وبـ (على) في القرآن
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 10:46 م]ـ
الإتيان:"هو مجيء بسهولة. ومنه قيل للسّيل المارّ على وجهه: أَتِىُّ، وأَتاوىٌّ." - بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز - (1/ 407)
تعدى الفعل (أتى) في القران على وجهين:
1 - تعدى بنفسه كقوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا [الكهف: 77] وقوله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16]
2 - وتعدى بـ (على) وذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الفرقان: 40] وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ [النمل: 18]
فأما تعديته إلى مفعوله بنفسه فهو أكثر ورودا في القرآن وهي الأصل في هذا الفعل وهذه التعدية تفيد معنى المجيء فحسب.
وإذا كان الفعل أتى يدل على معنى المجيء في الأصل، فإن تعديته بحرف الجر (على) , يدلنا على قدر زائد في معنى الإتيان.
والقرية قرية قوم لوط, المعروفة بسدوم, والفاعل في (أتوا) عائد على كفار قريش.
وللعلماء في معنى هذه التعدية بـ (على) في الآيات السابقة, ثلاثة أقوال:
القول الأول: إما أن إتيانهم كان من مكان عالٍ؛ إذ إن الحرف (على) يفيد الاستعلاء. وتعدية الفعل به دون غيره يدل على ذلك؛ إذ لو كان المراد مجرد الإتيان لعدي الفعل (أتى) بنفسه, أو بحرف الجر إلى.
القول الثاني: أن يكون المرادُ قطعَهم لذلك الوادي، أو القرية، فإن العرب تقول أتى على الشئ، إذا قطعه وبلغ آخره.
القول الثالث: تضمين الفعل (أتى) معنى (مروا) فعُدّيَ تعديته. و (مر) يتعدّى بحرف الجر (على) في الغالب. [- انظر تفسير البيضاوي - (1/ 262) و مفاتيح الغيب - (24/ 161) و الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل - (3/ 360)]
قال الطاهر بن عاشور عند قوله تعالى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ [الأعراف: 138]:" و {أتوا على قوم} معناه أتَوْا قوماً، ولما ضمن (أتَوْا) معنى مروا عدي بـ (على)؛ لأنهم لم يقصدوا الإقامة في القوم، ولكنهم ألْفَوهم في طريقهم" -[التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (9/ 80)]
وذكر نحوا من هذا, عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الفرقان: 40] [انظر التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (19/ 30)]
والذي يظهر, أن الأقرب من هذه الأقوال هو القول الأول
فإن الحرف (على) يفيد الاستعلاء في الأصل فالتعدية به دون غيره يدل على أن هذا المعنى مقصود وملاحظ.
فقرية قوم لوط في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الفرقان: 40] قد ثبت أنها أخفض بقعة بالنسبة لطريق العرب في رحلتهم إلى الشام. فمن الطبيعي أن يكون إتيانهم لها من علو, فلذلك أتى التعبير القرآني لذلك المعنى, وهو أبلغ في الموعظة, والاعتبار؛ لأنهم إذا أتوها من مكان عال, فأنهم لا يزالون ينظرون إليها حتى يجتازوها.
وأما في قوله تعالى {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ [النمل: 18]
فإن سليمان عليه السلام قد سخر الله له الريح تحمله وجيشَه حيث أراد. فإذا أراد أرضاً نزل عليها, فكان إتيانهم لها من علو.
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 01:23 ص]ـ
السلام عليك,
أثابك الله عز وجل على تلك الدرر المنثورة تلك المقالة الماتعة المليئة بالمعلومات القيمة والدسمة. زدنا زادك الله من فضله.
ـ[الحطيئة]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 01:32 م]ـ
بارك الله فيك أخي بندر الشراري , و لكن ما القول في "على" في قوله (هل أتى على الإنسان حين من الدهر ... ) , هل يفيد الاستعلاء؟
و أتمنى عليك أخي - محبة لك - أن تنسقَ الكتابةَ في الموضوع كي تعظمَ الفائدةُ , فما يعيبُ مواضيعَك - إن زعمَ زاعمٌ وجودَ عيبٍ فيها - سوى أنْ ليس فيها تنسيقٌ , إذ هو يعمي من هو مثلي ممن بلغ من العمر عتيا:)
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 02:57 م]ـ
وفيك بارك أخي أبا مليكة
الذي يظهر من تفسير الآية أن أتى هنا ضمن معنى (مرَّ) ومرّ تتعدى بـ (على) كما في قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} [الصافات: 137] ومعنى الآية لقد مرّ على الإنسان فترة من الزمن لم يكن يكن شيئا مذكورا إما لأنه عدم أو لأنه نطفة على اختلاف في تفسيرها وكلاهما صحيح.
أما بانسبة للتنسيق فإن بضاعتي في الطباعة والحاسب مزجاة لكن أعدك بإذن الله بالاجتهاد في المستقبل. بارك الله في عمرك وأمده على طاعته.(/)
أرجوكم ساعدوني طلب بسيط
ـ[شهد المطيري]ــــــــ[01 - 07 - 2010, 01:26 ص]ـ
ريمٌ على القاع بين البانِ والعلمِ أحلَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ سفكَ دمي في الأشهر الحُرمِ
رمى القضاءُ بعيني جُؤذَرٍ أسدًا يا ساكنَ القاعِ أدرك ساكنَ الأجم
لما رَنا حدثتني النفسُ قائلةً ياويحَ جنبِكَ بالسهمِ المصيب رُمي
جحدتُها وكتمتُ السهمَ في كبدي جرحُ الأحبةِ عندي غيرُ ذي ألم
المطلوب:
صورة بيانية , مبينا أركانها ونوعها.
جملة إنشائية , محددا نوعها وغرضها.
ـ[شهد المطيري]ــــــــ[01 - 07 - 2010, 06:39 م]ـ
حسنا ..
أين أجد الصور البيانية والانشائية .. ؟؟
وسأدرسها وأمري لله
ـ[السراج]ــــــــ[01 - 07 - 2010, 09:39 م]ـ
يا شهد ..
في الأبيات ذكر كلمة (السهم)، هل تعتقدين أنها هنا تعني السهم الحقيقي أم شيء آخر؟
ـ[شهد المطيري]ــــــــ[02 - 07 - 2010, 02:04 م]ـ
انا قريت باقولك يا سراج شنو فهمت
يشمل اسلوب الانشاء التعجب المدح الذم .... لا يوصف بصدق وكذب
يا ساكن ...... اسلوب اشاء ارشاد ام النداء
فهمت ان السهم تشبيه بس كيف اصيغه(/)
أعاني من مشكلة نأمل المساعدة
ـ[تولعت بكـ]ــــــــ[03 - 07 - 2010, 10:50 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوتي الكرام أسعد الله أوقاتكم بكل خير
في الحقيقة لدي مشكلة كبيرة في التعبير وانتقاء المفردات وتحديداً في الكتابة وليس في التحدث , و أواجه الكثير من الصعوبات في حالة كتابتي لموضوع او مقال او خطاب في جهة العمل أو مذكرة تحتاج إلى مقدمة فالأسف لا أستطيع التعبير المتواصل والمترابط في نفس الموضوع واختيار الكلمات التي لها دلاله موضوعية , ولكن في كتاباتي لموضوع علمي في مجال التخصص فأبدع فيه لأنه لايحتاج إلى تعبير وإنما شرح وتفصيل ,
وسجلت في هذا الصرح العلمي لأجد لحل لمشكلتي ,, وتقبلوا وافر التقدير والاحترام
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[03 - 07 - 2010, 03:07 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
منتدى الفصيح يرحب بجميع المشتركين الجدد في منتداه، ويتمنى لهم طيب المقام والافادة.
الإجابة:
عن طريق كثرة القراءة في كل المجالات يتحسن التعبير /
ولكم هذا الرابط مكتبة ضخمة في كتب الأدب وضعها الأستاذ الفاضل: الأديب اللبيب ـ جزاه الله خيرا.
مكتبة الأدب، شبكة الفصيح لعلوم اللغة العربية ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?54270-%E3%DF%CA%C8%C9-%C7%E1%C3%CF%C8-%C7%E1%DA%D1%C8%ED-%E3%DF%CA%C8%C9-%D6%CE%E3%C9)
والباقي أتركه للفصحاء / والله الموفق
ـ[تولعت بكـ]ــــــــ[18 - 07 - 2010, 02:04 م]ـ
تسلمين أختي الكريمة على حسن تعاونك
ـ[فتى الحوراء]ــــــــ[18 - 07 - 2010, 10:08 م]ـ
ايضا هذا الكتاب جيد
لعله يفيدك
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?50028- كتاب-كيف-تكون-فصيحا- (جميل-جدا) & highlight=%DF%ED%DD+%CA%DF%E6%E4+%DD%D5%ED%CD%C7(/)
يا أهل البلاغة لطفا أجيبوني
ـ[ساجدة لله تعالى]ــــــــ[11 - 07 - 2010, 08:21 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوتى الافاضل من منكم يستطيع الكشف عن السر البلاغي الكامن وراء اختلاف أداة التشبه بين قوله تعالى: (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون) وقوله: (ويطوف عليهم غلمان كأنهم لؤلؤ مكنون)
فما هي الدلالات التي يمكن تستشف من وراء دلك رغم ان المشبه به واحد في كلتا الآيتين الكريمتين.
ـ[السراج]ــــــــ[13 - 07 - 2010, 10:05 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوتى الافاضل من منكم يستطيع الكشف عن السر البلاغي الكامن وراء اختلاف أداة التشبه بين قوله تعالى: (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون) وقوله: (ويطوف عليهم غلمان كأنهم لؤلؤ مكنون)
فما هي الدلالات التي يمكن تستشف من وراء دلك رغم ان المشبه به واحد في كلتا الآيتين الكريمتين.
وقوله: (ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون)(/)
الرجاء الدخول والإجابة على سؤالي
ـ[فلسطينية للابد]ــــــــ[13 - 07 - 2010, 01:56 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما الفرق بين قولنا لاحول الا بالله ولاحول ولا قوة الا بالله
وايهما اصح؟؟؟؟؟؟؟
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا
ـ[السراج]ــــــــ[13 - 07 - 2010, 03:24 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما الفرق بين قولنا لاحول الا بالله وبين لاحول ولا قوة الا بالله
وأيهما أصح؟؟؟؟؟؟؟
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا
فلسطينية: تناسقَ العمر مع عدد المشاركات)
طبعاً الثانية أكمل، وكلاهما صحيح ..
بورك فيك ..
انتبهي للهمزات.(/)
ومن قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي ...... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 07 - 2010, 02:49 م]ـ
ومن قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ):
فهذا المقطع من سورة الحجر مقطع جامع لمعاني الترغيب والترهيب التي ما أرسلت الرسل عليهم السلام وما نزلت الكتب وما شرعت الأحكام إيجابا يلائمه الترغيب بذكر الثواب، وتحريما يلائمه الترهيب بذكر العقاب، ما كان كل ذلك إلا لتقرير معاني الترغيب والترهيب وما يلزم منها من تجريد التوحيد والمتابعة تصديقا وامتثالا على طريقة النبوة فلا ينفع سالكا سلوكه إلا إن كان على منهاج الرسل عليهم السلام، فطريقهم يهتدى بمناره بخلاف طرائق وسبل غيرهم من أصحاب الملل والنحل والمذاهب العقلية والاتجاهات الفكرية التي خاضت في علل الكون الغائية بمعزل عن الوحي، أو صرفت النظر ابتداء عن النظر في غايات الكون فقصرت بحثها على العلل الصورية كما هي طريقة أصحاب المذاهب المادية الإلحادية التي قصرت المعارف على المعارف المدركة بالحس دون المعارف الغيبية التي لا تتلقى إلا من مشكاة الوحي الذي صيروه محض خرافة فردوا أمر هذا الكون المحكم إلى طبيعة صماء بكماء جعلوها أولا في مقابل أول المرسلين عليهم السلام فهو: (الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فأوليته، جل وعلا، أولية مطلقة، فلم يكن ثم إلا الله، عز وجل، بذاته القدسية وصفاته العلية فله الكمال المطلق الأزلي القديم بخلاف كمال غيره، فإن وجد فهو مقيد يرد عليه من عوارض النقص ما به يمتاز كمال المعبود بحق، جل وعلا، من غيره، حادث بعد أن لم يكن، فغيره حادث بذاته فكيف بكماله فهو طارئ عليه فيستفيد علم ما لم يكن يعلم ويظهر له من سنن الكون ما كان عنه خافيا، فاكتشافه لأصول العلوم والصناعات ليس بدعا كبدع الرب، جل وعلا، لهذا الكون بأعيانه وأحواله، بل هو رصد لتلك السنن الربانية لينتفع بها في تيسير معاشه والاستعانة بها على أمر معاده إن كان مسددا بسلوك منهاج النبوة، والشاهد أن الترغيب والترهيب من جهة وتجريد التوحيد وامتثال الشريعة من أخرى يتلازمان تلازما عقليا لا انفكاك فيه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع عدة، فصحة التصور تنتج صحة في الحكم، والعلم رائد العمل فهو البادئ له فمنه تكون الإرادة، وهو المصوب له إن كان على طرائق المرسلين عليهم السلام، المخطئ له إن كان على غيرها، فلا بد من التوحيد في القصد والمتابعة، فلا يكفي أحدهما، بل لا بد من اجتماعها ليقبل العمل، فـ: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
والشاهد أن الآيتين: بيان مجمل لوصف الرب، جل وعلا، على حد المقابلة، فالجمع بين الأضداد، على جهة الكمال، من معاني الربوبية الظاهرة، فالرب هو الذي يغفر ويعاقب، ويعز ويذل، ويستر ويفضح ........ إلخ.
وفيهما، أيضا، إجمال لما سيأتي بيانه من أخبار الرسل عليهم السلام مع أقوامهم، وما كان فيها من مغفرة وعقاب، وإنجاء وإهلاك، فظهر أثر وصف جماله، جل وعلا، في أوليائه، وظهر وصف جلاله في أعدائه.
وصدرت الآية بالأمر بالإنباء، فهو مظنة التشويق إلى معرفة النبأ، فيكون ذلك أكثر استرعاء لذهن المخاطب، فهو من قبيل التشويق في نحو قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، والأمر قد توجه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمكان الرسالة وما يلزم منه من البلاغ العام، وهو يعم غيره من أصحابه وأتباع رسالته، ولو آحادا، فعلى كلٍ واجب البلاغ بقدر علمه وطاقته، فليس بيان العالم من جنس بيان آحاد الناس، وليس بيان القادر الآمن من جنس بيان العاجز الخائف، فلكلٍ حظه من التكليف بقدر حظه من العلم والبيان والقدرة، فالوجوب، وهو مقتضى الأمر، كفائي بالنظر العام إلى مجموع الأفراد، فليس طلب العلم المفصل واجبا عينيا على كل مكلف، وإنما الواجب هو ما لا يسع
(يُتْبَعُ)
(/)
المكلف جهله من أصول العقائد والشرائع، كما أشار إلى ذلك المحققون من أهل العلم كشارح الطحاوية، رحمه الله، ومع كونه كفائيا من هذا الوجه إلا أنه عيني بالنظر إلى القدر المشترك من الإيمان والعلم الضروري بين العلماء وآحاد المكلفين، فعلى كل البلاغ بقدر ما أوتي، فالأمر في: "بلغوا عني ولو آية": عام لا مخصص له، فمن مبلغ بآية، ومن مبلغ بآيات، ومن عالم بحكم إلى عالم بكليات الشريعة، فتتفاوت أقدار المكلفين بتفاوت سعة وديان القلوب التي تسيل علما وعملا بقدرها، فالأمر له صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاصة، ولكل أتباع رسالته عامة، لقرينة عالمية الرسالة فذلك يعم صاحبها، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن جاء بعده من أمة الإجابة إلى قيام الساعة.
وجاء المفعول منسوبا إلى الرب، جل وعلا، فـ: (نَبِّئْ عِبَادِي)، فذلك من إضافة المخلوق إلى خالقه في سياق الترغيب، فظهرت عنايته به مع غناه عنه، فبشره على لسان خاتم رسله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمغفرة، فذلك شطر الكمال فهو وصف الجمال بستر العيوب ورحمة العابدين رحمة خاصة لا تكون إلا لخاصة البشر من المؤمنين، وإنما قدم وصف الجمال على وصف الجلال، لأن رحمته، جل وعلا، سبقت غضبه، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالنسبة هنا: نسبة خاصة للعابدين، فليس ثم مغفرة ورحمة إلا لهم، وقد يقال بأن العبودية هنا عامة من جهة عموم خطاب الوحي، وإن أريد به المؤمنون ابتداء، فلا يمنع ذلك من دخول غيرهم معهم فيه، فهو المعنيون أصالة، وغيرهم لهم تبع، فيكون العموم على بابه، محفوظا، لما تقدم من قرينة عالمية الرسالة، فالمغفرة والرحمة مما يرغب به الكافر ليؤمن، فيعمه الخطاب من هذا الوجه، وإن لم يكن أهلا لهما حال كفره، لقيام المانع في حقه، وجاء النبأ مؤكدا بجملة من المؤكدات اللفظية التي تلائم سياق الترغيب ففيه نوع حث على سلوك الجادة، فأكد بالناسخ واسمية الجملة فهي مئنة من ثبوت الوصف، فالله، عز وجل، هو الغفور الرحيم أزلا وأبدا، فذلك جار على ما تقدم من أوليته وآخريته المطلقة بوصف كماله جمالا وجلالا، فضلا عن تعريف الجزأين فتقدير الكلام قبل دخول الناسخ والفصل بضمير المتكلم: "أنا"، تقديره: أنا الغفور الرحيم، فهو مئنة من الاختصاص، فهو الغافر فلا يغفر الذنب غيره، وهو الرحيم لا يرحم المؤمنين غيره، فدلالة القصر: ثبوتية مذكورة، سلبية محذوفة لدلالة الإثبات على النفي مفهوما لازما، فذلك من أوجه البلاغة في القصر كما أشار إلى ذلك المحققون من أهل البلاغة، ومع كل ما تقدم، جاء ضمير الفصل ليزيد المعنى توكيدا.
وفي المقابل وعلى جهة المقابلة بين وصف الجمال ووصف الجلال كما تقدم جاء الاحتراس بذكر الشطر الثاني من شطري الكمال:
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ: فلم ينسب الوصف إليه مباشرة كما نسبه إليه، جل وعلا، في مقام المغفرة والرحمة، فذلك من عظيم منته وكمال وصفه، جل وعلا، فمعنى التعذيب ليس كمالا مطلقا من كل وجه كالمغفرة والرحمة، فلا ينسب إلى الرب، جل وعلا، إلا على جهة الفعل مقيدا بوجه الكمال منه فهو المعذب لمن استحق العذاب من أهل الكفر والعصيان، أو ينسب العذاب إليه نسبة المخلوق إلى خالقه بالنظر إلى عين العذاب الذي يلحق صاحبَه آثرُه، فذلك من قبيل نسبة الرحمة إلى الرب، جل وعلا، فهي تحتمل الفعل، كما في هذه الآية، وتحتمل المفعول المخلوق كما في حديث محاجة الجنة والنار: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي"، فمقابله: "وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابٌ أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي"، فالجهة في كليهما واحدة وهي جهة الخلق لا الفعل.
فنسب العذاب إليه، جل وعلا، لا على الجهة التصريح لما تقدم من الاحتراس من نسبة ما قد يحتمل نقصا، ولو من وجه لله، عز وجل، فذلك من قبيل قول الخليل عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)، فلم ينسب المرض إليه، جل وعلا، تأدبا، وإن كان المرض من خلقه فهو المُمْرٍض لمن شاء ابتلاء أو عقابا، ونسب فعل الخير المحض إليه، جل وعلا، فهو الشافي لا شفاء إلا شفاؤه.
وجاء التوكيد هنا أيضا بجملة من المؤكدات تضارع المؤكدات في الآية الأولى، فأكد بالناسخ المؤكد: "أن"، وتعريف الجزأين، واسمية الجملة وضمير الفصل: "هو"، فلا عذاب يؤلم على جهة الحقيقة إلا عذابه، فكل عذاب دونه، وإن عظمت آلامه، لا يعدل شيئا بالنظر إلى عذابه، فالقصر من هذا الوجه حقيقي لتفرد عذابه بالدرجة العظمى من وصف الإيلام، وذلك أبلغ ما يكون من الوعيد، وهو إضافي بالنظر إلى مشاركة سائر أجناس العذاب له في وصف الإيلام مع تفاوتها في القدر، فالمعنى في كلها حاصل، وإن تفرد عذابه، جل وعلا، كما تقدم، بالدرجة العظمى، فكأنه لا عذاب مؤلم إلا عذابه.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبود]ــــــــ[19 - 08 - 2010, 06:08 ص]ـ
نفع الله بعلمك(/)
سفينة نوح
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[21 - 07 - 2010, 06:03 م]ـ
السلام عليكم:
هل يشترط في المشبه به أن يكون مألوفا للسامع؟
مثال: خشب هذه السفينة يشبه خشب سفينة نوح عليه السلام
إذ من المعلوم أن لا أحد يعرف كيف كان خشب تلك السفينة.
فهل يصح هذا التشبيه؟
ـ[الحطيئة]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 12:18 ص]ـ
مثال: خشب هذه السفينة يشبه خشب سفينة نوح عليه السلام
إذ من المعلوم أن لا أحد يعرف كيف كان خشب تلك السفينة.
في هذا المثال , الخشب ليس مما يعرفه المتكلم , دع السامع!!:)
أما إذا كنت تكلم جمعا فقد يدركه - أي المشبه به - بعضهم و لا يدركه الباقي , و هو منبنٍ على ما تريد , أتريد إفهام الجميع أم بعضهم
فإن كان نصا أدبيا فالذي يبدو: أن الذي يفهمه الجميع مذموم و الذي لا يفهمه الجميع أشد ذما و التوسط محمود
أما الواعظ و ما شاكله , فلا بد أن يحدث الناس بما يعقلون , لأن غرضه هدايتهم , و لا تتم الهداية بالإبهام
أما إذا كنت تتحدث إلى شخص معين , فلا شك أنك تريد إفهامه عينه لا غيره , و لا يُفَهّم المخاطَبُ إلا بما يَعرِف (هذا رأيي و الله أعلم)
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 12:36 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم عماد، اسمح لي بهذه المشاركة
إن ما أشرتم إليه جائز في اللغة، و هو من سنن العرب في حدييها إن كان مما له صورة في الذهن، يقول امرؤ القيس:
أيقتلني و المشرفي مضاجعي **و مسنونه زرق كأنياب أغوال
و قد يكون الطرفان متخيلان للمخاطب، و من ذلك قوله تعالى: (طلعها كأنه رؤوس الشياطين) شبه طلع شجرة الزقوم برؤوس الشياطين، وكلا الطرفين مما يجهله السامع.
وتشبيه خشب السفينة بخشب سفينة نوح عليه السلام لا شك أنه يؤدي الغرض منه دون لبس على المخاطب، فالمعنى المتبادر إلى الذهن أن خشب سفينة نوح عليه السلام من أجود أنواع الخشب.
إن التشبيه بغير المألوف أقوى - في رأيي - من التشبيه بالمألوف إن لم يكن غرضه الإيضاح و تقريب الصورة، وذلك أن المتلقي حين يألف المشبه به لا يتجازوه في تخيل صورة المشبه، أما إن كان يجهله فإنه يبلغ الغاية في تخيل صورة المشبه به.
ألست معي في أن طلع شجرة الزقوم بلغ الغاية في القبح.
وأن أسهم امرؤ القيس بلغت الغاية في و القوة.
و خشب السفينة بلغ الغاية في الجودة.
- و من هذا الباب التشبيه التمثيلي الذي تكون فيه الصورة متخيلة الهيأة محسوسة الأجزاء.
وكأن الهلال نون لجين ** غرقت في صحيفة زرقاء
دمتم في رعاية الله
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 12:43 م]ـ
أبو عبيدة رحمه الله صنف كتابه (مجاز القران) الذي نريد أن نتحدث عنه تقريبا سنة 188 من الهجرة، وقد ذكر أهل التراجم في سبب تأليفه لهذا الكتاب الذي معنا في هذه الحلقة وهو مجاز القران، ذكروا قصة طريفة وهي أنه قدم إلى بغداد وهو من أهل البصرة قدم إلى بغداد على الفضل ابن ربيع، فدار حديث في مجلس الفضل عن قول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ((طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات)) وهي شجرة الزقوم قال ((طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)))) فقال سائل لأبي عبيدة ياأبا عبيدة إن العرب تشبِّه الشيء المجهول بالشيء المعلوم حتى يتضح الشيء المجهول، فكيف يشبّه الله هنا شيئا مجهولاً بشيء مجهول؟ يقول عن شجرة الزقوم التي طعام أهل النار والعياذ بالله ((طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65))) ونحن لم نرى الشيطان ولم نعرف كيف هو رأسه
فقال أبو عبيدة في جوابه على هذا السؤال أن العرب قد استقر في كلامها أن الشيطان قبيح المنظر وكذلك الغول، فأصبحت تشبه به كل شيء قبيح فتقول هذا وجهه قبيح كوجه الشيطان وهذا رأسه قبيح كرأس الشيطان، ثم استشهد له ببيت من قصيدة امرئ القيس اللامية المشهورة التي تكاد تتفوق على المعلقة في جودتها وفي جمالها وهي التي يقول في مطلعها:
ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي
وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ قليل الهموم ما يَبيتُ بأوجالِ
ثم ذكر الشاهد الذي يستشهد به فقال:
أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ
فامرؤ القيس هنا قد شبه الرمح بناب الغول قال:
وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ
قد تكون مقصود به الرمح وقد يكون مقصود به الأسهم التي معه.
إلا أن الشاهد انه شبه هذه الأسهم أو هذا الرمح في حدته بناب الغول مع أن العرب لاتعرف ناب الغول إلا أنه قد استقر في أذهانها أنه حاد أو انه وجهه قبيح ومثله وجه الشيطان أو ورأس الشيطان ولذلك جاء كلام الله سبحانه وتعالى في القرآن موافقا لكلام العرب وسننها في كلامها فقال: ((طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات)) قال فاستحسن هذا الجواب من أبي عبيدة في ذلك المجلس قال أبو عبيدة فأضمرت في نفسي أن أصنف كتاب على هذا المنوال أتتبع فيه غريب القران أو نحو ذلك فصنف كتابه مجاز القران.
إلا انه طعن على هذه الحادثة بأنها لم تثبت، وأن أبو عبيدة عند تفسيره لهذه الآية لم يذكر هذه القصة، لكن هذه تذكر من باب المُلح في أسباب تصنيف كتاب المجاز في القرآن لأبي عبيدة.
من ورقات على جهازي مصدره بـ
أبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في برنامجكم الأسبوعي أهل التفسير.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الحطيئة]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 01:13 م]ـ
بارك الله فيك أخي طاوي
لي وقفات مع ما ذكرت:
أيقتلني و المشرفي مضاجعي **و مسنونه زرق كأنياب أغوال
ألم يصف العرب أنياب الغول؟؟ , إن كان كذلك فليس هذا من التشبيه بما لا يألفه السامع
و قد يكون الطرفان متخيلان للمخاطب
تريد: غير متخيلين لدى المخاطب
، و من ذلك قوله تعالى: (طلعها كأنه رؤوس الشياطين) شبه طلع شجرة الزقوم برؤوس الشياطين، وكلا الطرفين مما يجهله السامع.
ليتك ذكرت أقوال المفسرين فيها (للفائدة لا أن فيها ما يرد قولك و قد يكون)
وتشبيه خشب السفينة بخشب سفينة نوح عليه السلام لا شك أنه يؤدي الغرض منه دون لبس على المخاطب، فالمعنى المتبادر إلى الذهن أن خشب سفينة نوح عليه السلام من أجود أنواع الخشب
و هل كان تشبيه المتكلم لأجل إظهار جودة الخشب , الجملة المذكورة لا تظهر هذا المعنى
إن التشبيه بغير المألوف أقوى
كيف ذلك؟؟
و قد علمت أن التشبيه بالمألوف في القرآن أكثر؟؟
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 03:06 م]ـ
أخي الكريم الحطيئة، حياك الله و بارك فيك
إليك رأيي فيما اعترضتَ عليه
ألم يصف العرب أنياب الغول؟؟ , إن كان كذلك فليس هذا من التشبيه بما لا يألفه السامع
- كأنك تقرر، فأين، لأنني لم أقف على وصفهم؟: rolleyes:
- ليس راء كمن سمع، و لا فرق في هذا بين الغول و سفينة نوح.
- وصف لوازم الشيء فرع من تصوره، فلا فرق بين ناب الغول و حشب سفينة نوح.
تريد: غير متخيلين لدى المخاطب
متخيلين، نعم، لأنه خبر كان.
المتخيل: تنطبع له صورة في الذهن و ليس له صورة في الحس.
أما غير المتخيل فلا أدري كيف يكون.
ليتك ذكرت أقوال المفسرين فيها (للفائدة لا أن فيها ما يرد قولك و قد يكون)
أليس بعضنا يكمل بعض؟!
إن وجدتَ فيها ما يرد قولي فاضرب بقولي عرض الحائط.
و هل كان تشبيه المتكلم لأجل إظهار جودة الخشب , الجملة المذكورة لا تظهر هذا المعنى
التشبيه ساقه الأستاذ لبيان معنى المألوف، و ليس لإظهار براعة التصوير، فلا نحمله فوق ما يحتمل.
- ما المعنى الذي تظهره الجملة المذكورة؟!
إن التشبيه بغير المألوف أقوى
كيف ذلك؟؟
و قد علمت أن التشبيه بالمألوف في القرآن أكثر؟؟
إن التشبيه بغير المألوف أقوى - في رأيي - من التشبيه بالمألوف إن لم يكن غرضه الإيضاح و تقريب الصورة، وذلك أن المتلقي حين يألف المشبه به لا يتجازوه في تخيل صورة المشبه، أما إن كان يجهله فإنه يبلغ الغاية في تخيل صورة المشبه به.
- هذا ماقلتُ، فأين وجه الاعتراض يرحمك الله.
- أخي الكريم الحطيئة - ترددت في الكتابة خشية أن يفهم كلامي على غير وجهه - صاحب الموضوع هو مدير الحوار في نافذته، فلا يحق لنا أن نناقش مشاركة ما قبل أن نقرأ رده، عندها نؤيد أو نعارض صاحب الموضوع في تعليقه على المشاركة وليس صاحب المشاركة، لأن الموضوع لم يفتح إلا لهدف ما، و الأستاذ هنا سأل سؤال العارف، و دورنا إثراء الموضوع بالمشاركات إن كان يهمنا، لنقف مع أستاذنا على رأي جامع للموضوع.
- استغليت هذه الفرصة لأنني أعرف الحطيئة و لكن لوكان الكلام لغيره لا أدري ما سيحصل كما أنه لا يزال في الموضوع و لم يخرج عنه، فكثيرا ما ندخل نوافذ صارت ساحات للقتال بينما صاحب الموضوع المسكين أصبح كالأطرش في الزفة.
- لن أناقش هنا إلا الأستاذ عماد، من خلال إضافاته على الموضوع أوتعقيبه المباشر على مشاركتي أو مشاركة غيري.
تقبلوا مروري و أعتذاري، فالخير أردت
ـ[الحطيئة]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 04:33 م]ـ
بارك الله فيك و في نصحك , و قد يكتب الإنسان عن حسن نية و هو لا يعلم ما يُظن به , و ما ذنبه إن أساء إليه غيرُه فأحسن هو إليه؟!
و لولا ما قلتَ؛ لعقبتُ , و ليكونن عدم التعقيب بعد ذا مذهبي
وفقك الله للخير فما الشر أردنا!
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 05:20 م]ـ
بارك الله فيكما أخوي الحطيئة وطاوي ثلاث على ما قدمتماه، وسبب سؤالي أنني أقرأ كثيرا من الصور الشعرية المبهمة كقول أحدهم:
رقصك كرقص زحل
كيف يرقص زحل؟
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 07:06 م]ـ
بارك الله فيك و في نصحك ,
و فيك أخي الكريم
و قد يكتب الإنسان عن حسن نية و هو لا يعلم ما يُظن به ,
صدقت
و ما ذنبه إن أساء إليه غيرُه فأحسن هو إليه؟!
هذه منزلة رفيعة
و لولا ما قلتَ؛ لعقبتُ ,
عقب الآن فقد انتهى النقاش في الموضوع
و ليكونن عدم التعقيب بعد ذا مذهبي
من كتم علما ألجمه الله لجاما من نار
لم يسكت صاحبك إلا بثلاثة آلاف درهم، فلا تحمل اسمه إن كنت ستكست بلا مقابل، فقد يظهر لك في المنام ويجوك بقصيدة تسير بها الكوابيس:)
وفقك الله للخير فما الشر أردنا!
الآن أعترف لك أنني لا أجيد إيصال فكرتي للمتلقي.
أخي الكريم الحطيئة
- هل أخطأت فراستي فيك، أم أنت أنت؟
-
- أخي الكريم الحطيئة - ترددت في الكتابة خشية أن يفهم كلامي على غير وجهه -
- إليكم هذه الحكمة: إن ترددت في شيء فانصرف عنه إلى غيره.
وفق الله الجميع لما يحبه و يرضاه
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 09:11 م]ـ
- إليكم هذه الحكمة: إن ترددت في شيء فانصرف عنه إلى غيره.
أحسنت
ـ[الحطيئة]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 09:52 م]ـ
أخي طاوي ثلاث , لولا أن أثير مكنونا لتكلمت بكلام ...
و لكنك أثنيت في ردك الأول استرضاء و امتصاصا لغضبي و جبرا لخاطري , و إلا فأي ثناء و أي إحسان ظن و قد قلتَ ما قلتَ.
على أني أعتب عليك أن كان ردي الذي قبل ذا مهذبا و خاليا مما يجرك إلى ردك الذي قبل ذا , و كأن مخالفتي أمر مندوب هنا
لن يضيق صدري بذلك , و لست أنا ممن إذا شد إخونه الشعرة شدها , و لست ممن يرخي , بل أطلقها لهم , نعم , أطلقها!!!
....... هذا حيز كلام كتبته استدراكا على آخر سطرين ثم محيته خشية ما في السطر الأول!! ......
و عجبت كيف تقول قولك و ما فهمتُ إلا ما تريد؟
أما قولك "إذا ترددت في شيء فانصرف عنه إلى غيره "
فأقول: لا ينبغي على المرء أن ينصرف عما أراد من الخير و لكنه واجب عليه البحث عن المطية التي توصله إلى هدفه سالما و قد سُلم منه , فكم من مريد للخير لم يصبه
و لم أزل على فهمي السابق , و الأخوة و لله الحمد باقية (و لعلي لا أرد بعد ردي هذا , و لعل هنا جازمة!)
(أخي عماد , أعتذر إليك أن خرجت عن الموضوع , و حسبي في استعتابك , ألا حُجّاب ببابك)
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[23 - 07 - 2010, 01:44 ص]ـ
أبا مليكة
إني آتيك غدا في منزلك و معي (جاهة)، وعشانا رضاك، و بعض المفطحات
و الدعوة عامة لأعضاء الفصيح لمن أحب المشاركة في الصلح.
تتقبل مروري أو لا تتقبله جايينك جايينك
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[24 - 07 - 2010, 10:02 ص]ـ
أبا مليكة
إني آتيك غدا في منزلك و معي (جاهة)، وعشانا رضاك، و بعض المفطحات
و الدعوة عامة لأعضاء الفصيح لمن أحب المشاركة في الصلح.
تتقبل مروري أو لا تتقبله جايينك جايينك
ابو مليكة لا يحتاج إلى جاهات، أرسل طعام الجاهة لي وانا كفيل بإرضائه:)(/)
برجاء المساعدة في حل هذه التدريبات البلاغية
ـ[مجدي]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 02:37 ص]ـ
بداية أنا لست طالبا حتي لايظن البعض انني أخرق قوانين المنتدي ولكن الهدف من حل هذه التدريبات انني اريد ان اقف علي خطأي بعد أن قمت بقراءة درس التشبيه وحل بعض تدريباته فمن يريد أن يقدم المساعده فأسأل الله أن يجزيه كل خيرٍ في الدنيا والآخرة واليكم التدريبات:
س3: وضح نوع التشبيه مع بيان اركانه وسر جماله فيما يأتي:
(أ) وكأن الهلال نون لجين غرقت في صحيفة زرقاء.
(ب) قال ابن المعتز يصف الهلال وسط الظلام: أنظر إليه كزورق من فضة****قد أثقلته حمولة من عنبر.
(ج) وقال عنترة العبسي: يدعون عنتر والرماح كأنها*****أشطان بئر في لبان الأدهم.
(د) العلم نور للحياة بفضله يغزو الفضاء الشاسع العلماء
(هـ) قال الفزدق يفخر: أحلامنا تزن الجبال رزانة*****وتخالنا جنا إذا ما نجهل.
(و) الدنيا إنسان مخادع فاحفظ نفسك من خداعها.
(ز) قال البارودي يصف تعاقب الأيام:
نهار وليل يدأبان وأنجم تغيب إلي ميقاتها ثم تشرق
ترف كزهر طوحته عواصف بلجة ماء فهو يطفو ويغرق
(ح) قال الشاعر
خلقت طليقا كطيف النسيم وحراً كنور الضحا في سماه
تغرد كالطير أني اندفعت وتشدو بما شاء وحي الإله
وتمرح بين ورود الصباح وتنعم بالنور أني تراه
حبذا لو قام من يقدم المساعده بشرح ما يعرف من أبيات حتي تعم الفائدة
وفي النهاية أسأل الله سبحانه وتعالي ان يجزي كل القائمين علي هذا المنتدي خيراً إن شاء الله(/)
من قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا .... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 07 - 2010, 02:36 م]ـ
ومن قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ):
فذلك الشطر الأول من قسمة الجزاء الثنائية في الدار الآخرة، وإنما ابتدئ بها لمقام الترهيب بذكر الوعيد، فذلك آكد في الزجر، فالسورة مكية، وأغلب المخاطبين منكرون جاحدون للنبوة، فسيق الذين كقروا إلى مثواهم، والسوق مئنة من الإهانة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فمادة: "ق س و" تدل على القوة والجمع، ومن فروعها: "السَّوْق"، وهو مئنة من الاستحثاث، كما أشار إلى ذلك ابن جني، رحمه الله، في "الخصائص"، فذلك آكد في الإهانة بإزعاجهم في سيرهم فليس سير التأني وإنما هو سير التعجيل إلى العذاب، وحذف الفاعل للعلم به حتى إذا جاءوها: فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا: وفي قراءة بالتشديد، وذلك آكد في تقرير المعنى فالزيادة في المبنى مئنة من الزيادة في المعنى، وذلك، أيضا، مما يحصل به الزجر في الأولى والنكاية في الآخرة، وإمعانا في الإهانة: قال لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا: فذلك استفهام تقريري إذ دخل الاستفهام على النفي، فذلك ينزل منزلة النفي، ونفي النفي إثبات، فجاءتهم الرسل تتلوا الآيات في مقام الإنذار فحصلت لهم هداية الدلالة وحقت عليهم كلمة العذاب الكونية فحرموا هداية التوفيق فذلك من عدل الرب، جل وعلا، فيهم، ولو شاء لهداهم بفضله، فقيل لهم، وحذف القائل إهمالا لشأنهم، ادخلوا أبواب جهنم، وجاءت الحال: خالدين فيها: زيادة في الإيلام، فبئس مثوى المتكبرين هو مثواهم، فذلك من الذم القياسي.
ومن قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ):
فذلك استيفاء لشطري القسمة العقلية، فهو جار على جهة المقابلة بين طرفي القسمة الثنائية: أهل النار الذين تقدم ذكرهم ترهيبا، وأهل الجنة الذين ثنى بذكرهم ترغيبا، فسيق الأولون إلى جهنم عدلا وسيق الآخرون إلى الجنة فضلا، ومجيء السوق هنا من باب المشاكلة اللفظية دون إرادة المعنى الذي أريد في الشطر الأول، فليست حال المؤمنين تكريما كحال الكافرين إهانة، فالسوق هنا غير السوق هناك وإن تشاكلا لفظا لقرينة السياق، فسياق التكريم يباين بداهة سياق الإهانة، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وقد يقال بأن مادة السوق تدل، كما تقدم، على الجمع والحث، وهو معنى كلي جامع يشمل كلا الوجهين، وإنما يتعين المراد من الإهانة أو التكريم بقرينة السياق التي تقيد هذا المعنى الكلي فيكون في حق الكافرين إهانة فذلك معنى جزئي من أجزاء المعنى الكلي الجامع، ويكون في حق المؤمنين تكريما فذلك جزئي آخر يندرج تحت نفس الكلي السابق، فقرينة السياق، كما تقدم مرارا، أصل في معرفة مراد المتكلم، حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها: فذلك من صور التكريم بفتح الأبواب قبل بلوغها، فجزاؤهم الخلود في: (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ)، فالفتح هنا أيضا غير الفتح هناك، لما تقدم من قرينة السياق، فيحمل على المشاكلة اللفظية، أيضا، دون إرادة نفس المعنى في كلتا الحالين، فالتبايبن بينهما ظاهر، بداهة، وزيادة الواو هنا مما استأنس به من قال بأن أبواب الجنة سبعة، فهي عنده الواو التي اصطلج بعض أهل العلم على تسميتها بـ: "واو الثمانية"، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فنكر السلام
(يُتْبَعُ)
(/)
تعظيما، وساغ الابتداء به لكونه دعاء، فسلام من الآفات وسلام من الذنوب والآثام، وسلام من العذاب فذلك من تمام المنة الربانية على المؤمنين فالتنكير مئنة من العموم، أيضا، فلهم جميع أنواع السلام، من السلام، جل وعلا، فهو السالم من النقص فلا يعتريه من الآفات ما يعتري الخلق، فله، جل وعلا، كمال الذات وكمال الوصف، فهو السالم من النقص، فذلك من الاحتراز المراد لغيره، فله كمال ضده من الوصف اللائق بجلاله، فبراءته من النقص مئنة من اتصافه بالكمال المطلق اللائق بجلاله، وهذا أصل في هذا الباب الجليل، فإن النفي فيه غير مراد لذاته، بل هو من المراد لغيره، فحسن فيه الإجمال، إلا في مواضع يحسن فيها الرد على شبهة، أو إبطال مقالة سوء بعينها قيلت في حقه، جل وعلا، كمقالة التولد التي افتراها من افتراها من المثلثة عباد الصلبان، فجاء الرد مفصلا: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، و: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فهذا الإجمال في مقابل التفصيل في بيان ضده من وصف الكمال اللائق بجلال الرب، جل وعلا، فهو المراد لذاته في هذا الباب، فهذا معنى السلام اللازم، وهو المسلم لغيره، تبارك وتعالى، من شؤم الذنوب وآفات الأبدان وسوء المنقلب ومصارع السوء وعذاب الخلد ......... إلخ من المهالك التي لا ينجي منها إلا الرب، جل وعلا، فمن شاء أنجاه فضلا، ومن شاء أهلكه عدلا، ثم جاء التذييل بالدعاء، فـ: "طِبْتُمْ"، فذلك من الخبر الذي أريد به الإنشاء، فتأويله: أطابكم الرب، جل وعلا، بتنقية القلوب من درن المعاصي وانتزاع الغل منها فـ: (نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ)، فتلك من أوصاف فعله، جل وعلا، فيطيب القلوب في الدنيا بذكره، فهو مادة الطمأنينة، ويطيب القلوب في الآخرة بانتزاع مادة الفساد والغل منها، فتصير على وصف يليق بسكنى الجنان وجوار الرحمن، جل وعلا، ويطيب الأبدان في الدنيا فتسلم من الآفات ابتداء، وتحري الحلال الطيب أصل في سلامة القلوب والأبدان في دار ما أكثر آفاتها، وما أعظم أدواءها إلا أن يشاء الرب، جل وعلا، السلامة منها، فهو السلام المسلم منها، أو يسلمها بشفائها من الأدواء، إن قدر وقوعها، فذلك من عدله، جل وعلا، بل من رحمته لمن فقه حكمة الابتلاء بالأسقام والأوجاع فصيرها ذريعة إلى التوبة والاستغفار، وتلك معان تقال في أزمنة القوة والسلامة، فكل صاحب دعوى عريضة، فإذا وقع الابتلاء، وسؤال الرب جل وعلا السلامة منه وعدم التعرض لأسبابه أو التبجح بطلبه إظهارا للقوة! كل أولئك من كمال فقه العبد فلا يتمنى الابتلاء إلا مغرور ولا يسأل اللله عز وجل النجاة منه فضلا والثبات إذا ما وقع عدلا إلا من أوتي علما وحكمة فإنه لا يصمد لابتلاء الرب جل وعلا أحد إلا من شاء تبارك وتعالى تثبيته ولا يكون ذلك إلا لأصحاب الديانة الذين عرفوه في زمان السلامة فنظر إليهم في زمان الآفة فإذا ما وقع الابتلاء تبين من بكى ممن تباكى وظهر أصل كل دعوى أذهبا كانت أم خزفا، فإطابته، جل وعلا، لعباده تكون في الدارين: فيطيب القلوب بالذكر والأبدان بأكل الحلال الطيب، ويطيب القلوب في الآخرة بالأمن والأبدان بالسلامة من كل آفة، فيا: "أهل الجنة! خلود فلا موت"، في أكمل حياة وأعظم نعيم فهو على رسم التأبيد فلا يخشى صاحبه زواله أو الزوال عنه، كما يخشى ملك النعيم المستعار في دار الابتلاء، ومع دلالة الخبر الإنشائية فإنه يحتمل الدلالة الإخبارية الأصلية، فذلك إخبار من الملائكة بما أعد لأصحاب الجنة من صور التكريم فطبتم باطنا وظاهرا فأنتم أهل لتلك المنة الربانية التي لا ينالها إلا من طهر قلبه من أسباب الفساد وطهر بدنه من أسباب الفناء، ويحتمل الدعاء بالإطابة وجها آخر يتعلق بالحال، فطبتم نفسا، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فالتقدير الأول يتعلق بأعيان أهل الجنة، فطبتم قلوبا وأبدانا، والتقدير الثاني يتعلق بأحوالهم، فإن إطابة النفوس حال معنوية، بخلاف إطابة الأبدان فهي حال مادية،
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا مانع من الجمع بين المعنيين إثراء للسياق، بل ذلك أليق بسياق المنة، فعمومها للحال الباطن والحال الظاهر آكد في تقريرها، بل إنهما، عند التدبر والنظر، متلازمان لا ينفكان، فإن التلازم بين الباطن والظاهر، حتى في هذه الدار، تلازم وثيق، ففي دار الدنيا: يشفى بعض المرضى بإذن الرب، جل وعلا، من الأسقام البدنية الظاهرة بقوة قلبية باطنة، فعندهم من الصبر والجلد وقوة القلب ما يكون سببا في سرعة الشفاء، فالحال النفسية الباطنة قد أثرت إيجابا في الحال البدنية الظاهرة، وغالبا ما تكون هذه القوة الباطنة قوة إيمانية وقد تكون قوة طبعية، فيكون صاحبها رابط الجأش طبعا لا دينا، كما هي حال بعض أهل الجلد من الفساق، وأما في الدار الآخرة فالتلازم بين سلامة الباطن والظاهر أوثق، فهو لا يحتمل الانفكاك، كما قد يقع في هذه الدار، فيصح الرب، جل وعلا، قلوبا ويسقم أبدانا، فيكون أصحابها محمودين وإن كانوا مبتلين، ويسقم، جل وعلا، قلوبا ويصح أبدانا، فيكون أصحابها مذمومين وإن كانوا معافين، وأما في الدار الآخرة فالنعمة سابغة قد عمت الباطن سلامة من الغل والظاهر سلامة من السقم، ثم ذيلت الآية بالأمر بالدخول على جهة التكريم مذيلا بالحال المقيدة: "خالدين"، فذلك من تمام المنة، فهي حال مقيدة، لوصف الدخول، رافعة لاحتمال الموت فذلك من قبيل الاحتراس بنفي كل وجوه التنغيص التي تخطر على البال قياسا على نعيم الدنيا الفاني، فليست الحال كالحال، وليس النعيم كالنعيم وإن اشتركها في الاسم والمعنى حال إطلاقه في الذهن، فهي حال مقيدة، كما تقدم، قد يصح إطلاق وصف الفضلة عليها بالنظر إلى المبنى، ولكنها عمدة بالنظر إلى المعنى، فبها حصل الفرقان بين نعيم الآخرة الباقي ونعيم الدنيا الفاني.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عبود]ــــــــ[19 - 08 - 2010, 12:44 ص]ـ
بارك الله فيك
ـ[أبو ضحى]ــــــــ[18 - 09 - 2010, 12:15 م]ـ
جزاكم الله خيرا0
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 09 - 2010, 04:13 م]ـ
وجزاكم خيرا وبارك فيكم أيها الكرام الأفاضل.
ـ[أبواسحاق]ــــــــ[07 - 10 - 2010, 01:21 م]ـ
بارك الله فيك وزادك علما ونفع بك المسلمين(/)
موضوعات أ/ المهاجر
ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 07 - 2010, 02:51 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاما على خير عباده الذين اصطفى
لما اتسمت به موضوعات أستاذنا المهاجر من تطبيقات قيِّمة لعلم المعاني
اعتزمتُ جمعها في زاوية واحدة؛
ليسهل على القارئ متابعتها والاستفادة منها
والله نسأل أن يجعلها في موازين أعماله
- من قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا .... ) ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?60544-%E3%E4-%DE%E6%E1%E5-%CA%DA%C7%E1%EC-%28%E6%F3%D3%F6%ED%DE%F3-%C7%E1%F8%F3%D0%F6%ED%E4%F3-%DF%F3%DD%F3%D1%F5%E6%C7-....%29&highlight=)
- ومن قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي ...... ) ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?60486-%E6%E3%E4-%DE%E6%E1%E5-%CA%DA%C7%E1%EC-%28%E4%F3%C8%F8%F6%C6%FA-%DA%F6%C8%F3%C7%CF%F6%ED-......%29&highlight=)
- من سورة القيامة ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?58663-%E3%E4-%D3%E6%D1%C9-%C7%E1%DE%ED%C7%E3%C9&highlight=)
- ومن قوله تعالى: ( .. لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ) ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?59905-%E6%E3%E4-%DE%E6%E1%E5-%CA%DA%C7%E1%EC-%28..-%E1%F6%E3%F3%E4%FA-%E3%F3%C7-%DD%F6%ED-%C7%E1%D3%F8%F3%E3%F3%C7%E6%F3%C7%CA%F6%29&highlight=)
- من قوله تعالى: ( .. لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ ......... ) ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?59751-%E3%E4-%DE%E6%E1%E5-%CA%DA%C7%E1%EC-%28..-%E1%F3%C7-%ED%F3%D3%FA%CE%F3%D1%FA-%DE%F3%E6%FA%E3%F1-.........%29&highlight=)
من حديث: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ ...... " ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?58716-%E3%E4-%CD%CF%ED%CB-quot-%C5%F6%E4%F8%F3%E5%F3%C7-%D3%F3%CA%F3%DF%F5%E6%E4%F5-%DD%F6%CA%F3%E4%F1-......-quot&highlight=)
من سورة الكوثر ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?59662-%E3%E4-%D3%E6%D1%C9-%C7%E1%DF%E6%CB%D1&highlight=)
من قوله تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ ....... ) ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?59640-%E3%E4-%DE%E6%E1%E5-%CA%DA%C7%E1%EC-%28%ED%F3%C7-%DA%F6%C8%F3%C7%CF%F6%ED%F3-%C7%E1%F8%F3%D0%F6%ED%E4%F3-.......%29&highlight=)
من قوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ..... ) ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?59453-%E3%E4-%DE%E6%E1%E5-%CA%DA%C7%E1%EC-%28%C5%E4%F8%F3-%C7%E1%F8%F3%D0%F6%ED%E4%F3-%ED%F3%DF%FA%CA%F5%E3%F5%E6%E4%F3-.....%29&highlight=)
من حديث: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?58392-%E3%E4-%CD%CF%ED%CB-quot-%E5%E6-%C7%E1%D8%E5%E6%D1-%E3%C7%C4%E5-%C7%E1%CD%E1-%E3%ED%CA%CA%E5-quot&highlight=)
ومن قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ ....... ) ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?59016-%E6%E3%E4-%DE%E6%E1%E5-%CA%DA%C7%E1%EC-%28%E6%F3%CC%F3%C7%E5%F6%CF%F5%E6%C7-%DD%F6%ED-%C7%E1%E1%F8%F3%E5%F6-.......%29&highlight=)
ومن قوله تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا ... ) ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?58610-%E6%E3%E4-%DE%E6%E1%E5-%CA%DA%C7%E1%EC-%28%E6%F3%E3%F3%C7-%C2%F3%CA%F3%ED%FA%CA%F5%E3%FA-%E3%F6%E4%FA-%D1%F6%C8%F0%C7-...%29&highlight=)
من قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ..... ) ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?58489-%E3%E4-%DE%E6%E1%E5-%CA%DA%C7%E1%EC-%28%CE%F5%D0%FA-%E3%F6%E4%FA-%C3%F3%E3%FA%E6%F3%C7%E1%F6%E5%F6%E3%FA-.....%29&highlight=)
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[25 - 07 - 2010, 10:53 ص]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة والغالية: أنوار
حسنا فعلت ِ، هكذا يسهل الرجوع إلى الموضوعات القيمة، جهد مبارك وتميز واضح، جزيت ِ الجنة، وكتب الله لكِ الأجر والمثوبة / اللهم آمين.
وجزى الله الجنة الأستاذ الفاضل: مهاجر لكل الموضوعات التي تثري الفصيح سواء في منتدى الأعضاء أو في منتدى البلاغة.
ثقل الله موازين أعماله، وتقبل الله عمله، ورفع الله منزلته بين خلقه / اللهم آمين.
أختي الغالية: أنوار
بوركت ِ على ترتيبك وتنسيقك وهكذا الرائعون أمثالكم دائما يفعلون.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[25 - 07 - 2010, 07:31 م]ـ
بارك الله فيك أختي أنوار
عملك هذا عمل جليل كتب الله لك أجرك، وجزى شيخنا مهاجرا خير الجزاء.
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[25 - 07 - 2010, 11:06 م]ـ
أحسنت
أود الإشارة إلى أن موضوعات الأستاذ المهاجر في المنتدى العام أجمعها في مدونتي في قسم أحاديث المهاجر
على هذا الرابط ( http://http://www.alfaseeh.com/vb/blog.php?1&blogcategoryid=4)
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أنوار]ــــــــ[26 - 07 - 2010, 04:55 ص]ـ
الأخت الوفية زهرة
تعجز كلماتي عن الوفاء وتقديم الشكر اللائق بك
ممتنة لهذا المرور العذب والدعوات الجميلة
لا أرى العمل يستحق كل هذا الثناء
أسأل الله أن ينير قلبك ودربك بنور الإيمان
وأن يجزل لكِ العطاء في الدارين حتى يرضيك
سلمتِ أخية على هذا المرور العبق
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 07 - 2010, 06:07 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أيها الكرام وكفى!، جزاكم الله خيرا على هذا الجهد وبارك فيكم وفيه وجعله في موازين حسناتكم، ونفعكم ونفع بكم، وشكر لكم حسن الظن.
ـ[أنوار]ــــــــ[26 - 07 - 2010, 02:46 م]ـ
بارك الله فيك أختي أنوار
عملك هذا عمل جليل كتب الله لك أجرك، وجزى شيخنا مهاجرا خير الجزاء.
بوركت أستاذ عامر
ولكم الشكر
ـ[أنوار]ــــــــ[26 - 07 - 2010, 02:57 م]ـ
أحسنت
أود الإشارة إلى أن موضوعات الأستاذ المهاجر في المنتدى العام أجمعها في مدونتي في قسم أحاديث المهاجر
على هذا الرابط ( http://http://www.alfaseeh.com/vb/blog.php?1&blogcategoryid=4)
جزاكم الله خيرا أستاذنا الكريم
جدير بموضوعاته أن تُدْرَس
قبل فترة كنت اعتزم جمع مادة علمية عن علم الكلام للاطلاع فقط ,,
فكان له - جزاه الله خيرا - موضوعا في الأعضاء أغناني عن البحث والجمع ..
ـ[أنوار]ــــــــ[26 - 07 - 2010, 02:59 م]ـ
جزاكم الله خيرا أيها الكرام وكفى!، جزاكم الله خيرا على هذا الجهد وبارك فيكم وفيه وجعله في موازين حسناتكم، ونفعكم ونفع بكم، وشكر لكم حسن الظن.
وجزاكم الله خيرا أستاذنا الكريم
ونفع بعلمكم، وجعله في موازين حسناتكم
ـ[عبود]ــــــــ[17 - 08 - 2010, 08:45 م]ـ
بارك الله فيك(/)
تعدية الفعل أنذر في القرآن
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[25 - 07 - 2010, 05:38 م]ـ
أنذر
قال الراغب "الإنذار: إخبار فيه تخويف، كما أن التبشير إخبار فيه سرور"
تعدّى الفعل (أنذر) في الْقُرْآن الكريم على وجهين:
1 - تعدّى إلى مفعوله الثاني بنفسه، كقوله تعالى {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} [القمر: 36] وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ: 40] وقال تعالى: {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13]
2 - وتعدّى إلى مفعوله الثاني بحرف الباء، وذلك في قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ} [الأعراف: 2] وقوله تعالى: {فإنمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97، 98] وقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] وقوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} [إبراهيم: 52]
الفعل (أنذر) يتعدّى إلى المفعول الأول بنفسه، وهو الملقى إليه الخبر ويتعدّى إلى المفعول الثاني وهو المنذر به تارة بنفسه وتارة بحرف الباء.
وقد تتبعت الآيات التي تعدّى الفعل (أنذر) إلى مفعوله الثاني بالباء فوجدت أن المُنذَر به هو الْقُرْآن. بينما الآيات التي تعدّى بها الفعل (أنذر) بنفسه، نجد أن المُنذر به هو العذاب، وسبب التفريق فيما بين التعديتين فيما يظهر، يعود إلى معنى الإنذار فقد تقدم أن معنى الإنذار هو الإخبار بما فيه تخويف, فالإنذار تضمَّن معنيين هما الإخبار والتخويف، فإذا غُلِّب جانب التخويف فيه تعدّى الفعل (أنذر) إلى مفعوله الثاني بنفسه؛ لأن الفعل خَوَّفَ يتعدّى إلى مفعوليه بنفسه، فتقول خوفتُ زيدا العذابَ كقوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ} [آل عمران: 175] أي يُخَوِّفُكم أولياءه، ولذلك قال: {فَلَا تَخَافُوهُمْ}. ولذلك نقول في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ] [القمر: 36] أي خوفهم بطشتنا.
أما إذا تعدّى بحرف الباء، فإنه قد غُلّب فيه جانب الإخبار، وأخبر يتعدّى إلى المُخْبَرِ به بالباء فتقول أخبرت زيدا بكذا.
فقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ} أي أخبركم به مُخَوِّفاً لكم.
وسبب تغليب جانب الإخبار في التعدية إلى الْقُرْآن، هو أن التخويف به لا يكون إلا بعد الإخبار به، والحجة لا تقوم إلا بعد بلوغها للمُنذَر. فإن المراد أن يُبلّغ الناس بما في الْقُرْآن، لا أن يُخوّفوا به كأنه عذابٌ.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 04:12 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذه اللفتة البلاغية الجميلة
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 07:03 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذه اللفتة البلاغية الجميلة
بارك الله فيك أخي أبا سهيل
شرفني مروركم
ـ[الحطيئة]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 07:56 م]ـ
بارك الله فيك أخي بندر
كم نحن بحاجة إلى تتبعِ أساليب القرآن و متتبعِها أمثالِك!
و قد فعلتُ ذلك في رمضان الماضي , فجعلتُ ختمةً خاصةً بتتبع الأساليب القرآنية؛ فخرجت بفوائدَ لم أكن أظن خروجي بها , و قد ملأتُ بها قرابة مئتي صفحة , و لكنها ما زالت حبيسةَ كونِها مسودةً غيرَ ممحصةٍ مراجعةٍ
أسأل الله أن ييسر لي عرض بعضها لكم
واظب على ما تتحفنا به من استخراج الجواهر القرآنية , فإنني ممن يتابعك فيها , و احرص على جمعها , فلعل الله أن ييسر لك خروجها في كتاب
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 08:14 م]ـ
أنا لم أجامل يا أستاذي
لكننا فعلا بحاجة إلى مثل هذه النظرة البلاغية المبنية على الاستقراء التام والقواعد اللغوية المنضبطة
أعلم أن في جعبتك الكثير فلا تبخل علينا
دمت موفقا
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 09:17 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاك الله خيرا أخي بندرا، وجعلني الله وإياك من المتدبرين لكتابه العاملين بما فيه.
(يُتْبَعُ)
(/)
الذي أراه أخي الكريم أن الفعل أنذر يتعدى بنفسه لمفعولين دائما، ولكن قد يصرح بالمفعولين وقد يحذف أحدهما أو كلاهما اختصارا أو اقتصارا.
وأما الباء في نحو (لأنذركم به) فليست للتعدية بل للاستعانة، والمفعول يه الثاني محذوف، والتقدير العذاب أو العقوبة، ويجوز في غير القرآن أن تقول لينذركم به العذاب، فتصرح بالمفعولين في وجود الباء.
والباء تكون للتعدية في نحو (ذهب الله بنورهم) بمعنى أذهب حيث يصح إيقاع الفعل على المجرور بالباء، ونحو (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) أي جعل بعضهم يدفع بعضا، كأنه قيل (أدفع) بعضهم بعضا.
أما أنذركم به فلا يقع الفعل على ما بعد الباء لو عديته، وإنما دل على الاستعانة بما دخلت عليه الباء في إيقاع الفعل، ككتبت بالقلم تعني استعنت بالقلم في الكتابة لا جعلت القلم يكتب. بمعنى أن أنذرتكم بالقرآن لا تعني جعلت القرآن ينذر بل أستعين به لأنذركم. والله أعلم.
ومما جاء في القرآن من أنذر محذوفا مفعوله الثاني بغير مصحوب بالباء، تمثيلا لا حصرا:
" .... سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون."
" ... ولتنذر أم القرى ومن حولها .... "
" .... على رجل منكم لينذركم .... "
" .... ولينذروا قومهم ..... "
". وأنذر عشيرتك الأقربين."
وجاء محذوف المفعولين في قوله تعالى: " قم فأنذر " أي أنذر الناس عاقبة الكفر والله أعلم.
خلاصة القول أن الفعل أنذر يتعدى لمفعولين بنفسه، قد يصرح بهما أو بأحدهما أو يحذفان على ما تقتضيه بلاغة المتكلم، فإن كان المنذر به معلوما، حذف المفعول الثاني اختصارا، ولإن أريد إبهامه للترهيب مثلا حذف المفعول الثاني كذلك اقتصارا، وإن علم المنذَر حذف المفعول الأول اختصارا ... وهكذا.
وأما الباء التي تليه فقد تكون للاستعانة كما في (لينذركم به)، وقد تكون للظرفية كما في " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ... " وغير ذلك.
أما القول بأنه تضمن معنى أخبر فعومل مثله، فالفعل أنذر لا ينفك عن معنى الإخبار، فكل منذر مخبر بكيفية ما. وإذا كان معنى الإخبار ملازما عليه لا طارئا فذلك لا يعد مبررا لخروجه عن حكمه وهو التعدي لمفعولين بنفسه.
أما ما شاع من نحو (أنذرته المحكمة بالطرد) و (أنذرته المؤسسة بالفصل) ونحو ذلك فهذا إن صح لغة فيكون من باب التضمين؛ ضمن معنى هدد أو أوعد، والتهديد والوعيد فيهما معنى زائد عن الإخبار والإنذار، فيصح التضمين استعمالا إن صح لغة. ولا يسوغ حمل ينذر على يهدد في قوله (لينذركم به).
هذا والله أعلم، وإن أصبت فالحمد لله وإن أخطأت فأستغفر الله.
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[30 - 07 - 2010, 01:29 ص]ـ
أشكركما أخوي أبا مليكة وأبا سهيل, وبحمد الله قد جمعت في باب (تعدية الافعال على أكثر من وجه في القران الكريم) أكثر من ستين فعلا ودرستها في أكثر من مائة صفحة, أسأل الله أن ييسر إخراجها, وسوف أعرضها في منتدى البلاغة في الأيام المقبلة بعون الله على حسب الطاقة
وأشكر الأخ عطوان ولا حرمنا الله ملاحظاتكم
وما ذكرته أخي عطوان هو عين الحقيقة في المسألة
لكن بقي أن يقال ما العلة في أنه إذا جاء الإنذار بالقرآن لم يذكر معه شيء من العذاب
وكذلك إذا ذكر العذاب لم يذكر معه الإنذار بالقرآن
فأنا أخذته من هذا الوجه
وأما الباء فهي لا شك أنها للاستعانة, ولكن رأيت جمعا من المفسرين يطلقون على كل شيء من التعلق إذا كان حرف جر تعدية, ولا شك أن الجار والمجرور في قولنا أنذرتك به متعلق بالفعل أنذر
فيقولون في نحو قوله تعالى {اقرأ باسم ربك} عدي الفعل اقرأ بالباء, مع أنها في الدرس النحوي يقال هي للاستعانة وليست للتعدية
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[30 - 07 - 2010, 01:42 ص]ـ
أستاذنا الفاضل بندر
جزاكم الله خير الجزاء على هذه الفائدة الجميلة
سررت بما قرأته هنا.
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[30 - 07 - 2010, 02:37 ص]ـ
أستاذنا الفاضل بندر
جزاكم الله خير الجزاء على هذه الفائدة الجميلة
سررت بما قرأته هنا.
بارك الله فيك أختي, كذلك سررت باستفادتكم منها
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[30 - 07 - 2010, 03:49 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاك الله خيرا أخي بندر ونفع بك وأعانك على خدمة كتابه.
لكن بقي أن يقال ما العلة في أنه إذا جاء الإنذار بالقرآن لم يذكر معه شيء من العذاب
ربما - والله أعلم بمراده - يكون ذكر وسيلة الإنذار (القرآن) وإبهام العقوبة المنذر بها أدعى للاستماع للقرآن وقراءته وتدبره لمعرفة ما أبهم عليهم، لأن النفس أشغف بمعرفة ما تجهل، فيكون ذلك سببا في هدايتهم، كما أن التوعد بمبهم أشغل للفكر وأرهب للنفس من التصريح به. وربما لم يذكر للعلم به إجمالا وهو عذاب الآخرة.
ولكن رأيت جمعا من المفسرين يطلقون على كل شيء من التعلق إذا كان حرف جر تعدية, ولا شك أن الجار والمجرور في قولنا أنذرتك به متعلق بالفعل أنذر
فيقولون في نحو قوله تعالى {اقرأ باسم ربك} عدي الفعل اقرأ بالباء, مع أنها في الدرس النحوي يقال هي للاستعانة وليست للتعدية
التعدية نوعان: تعدية خاصة، ويقصد بها جعل الفاعل مفعولا به أو بمعنى المفعول به بزيادة شيء على الفعل كالهمزة والتضعيف والباء.
وتعدية عامة، والمراد بها إيصال معنى الفعل إلى الاسم، وتكون بكل حروف الجر.
ويتحدد معنى التعدية المراد من السياق.
أما في قوله تعالى (اقرأ باسم ربك) فيجوز أن يكون المراد بالتعدية التعدية العامة، أي مستعينا باسم ربك، وقد يكون المراد أن الفعل في معنى المتعدي أي اقرأ اسم ربك، فتكون الباء زائدة أو جيء بها لبيان مصاحبتها الاسم الكريم تنبيها على أن نقول في التسمية (باسم الله) لا (اسم الله).
والله تعالى أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[هشام محب العربية]ــــــــ[30 - 07 - 2010, 11:18 م]ـ
التعدية نوعان: تعدية خاصة، ويقصد بها جعل الفاعل مفعولا به أو بمعنى المفعول به بزيادة شيء على الفعل كالهمزة والتضعيف والباء.
وتعدية عامة، والمراد بها إيصال معنى الفعل إلى الاسم، وتكون بكل حروف الجر.
ويتحدد معنى التعدية المراد من السياق.
أما في قوله تعالى (اقرأ باسم ربك) فيجوز أن يكون المراد بالتعدية التعدية العامة، أي مستعينا باسم ربك، وقد يكون المراد أن الفعل في معنى المتعدي أي اقرأ اسم ربك، فتكون الباء زائدة أو جيء بها لبيان مصاحبتها الاسم الكريم تنبيها على أن نقول في التسمية (باسم الله) لا (اسم الله).
والله تعالى أعلم
أخي وأستاذي الفاضل أبا عبد القيوم، هلا شرحت ما تقدم للمبتدئين أمثالي خاصة نوعا التعدي؟ أود أن أفهم!
ولكم الشكر والسلام عليكم.
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[31 - 07 - 2010, 03:54 ص]ـ
أخي الحبيب هشاما.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وأدعو الله أن تكون بخير.
الفعل المتعدي هو ما يطلب مفعولا به، كالفعل كتب مثلا؛ تقول كتب زيد الرسالة. وهذا المفهوم للتعدي هو الغالب في المصلح.
وعكسه اللزوم أي اكتفاء الفعل بفاعله وعدم طلبه مفعولا، كالفعل جلس مثلا. والفعل ذهب. تقول جلس محمد على الكرسي، وذهب الشك من قلبي.
والتعدية جعل اللازم متعديا لمفعول، أو جعل المتعدي لمفعول متعديا لمفعولين (أو جعل المتعدي لمفعولين متعديا لثلاثة مفاعيل).
لو أدخلت على الفعل جلس همزة التعدية، فقلت: أجلست محمدا على الكرسي، تجد أن محمدا الذي كان فاعلا أصبح مفعولا، وأصبح الفعل اللازم متعديا لمفعول به.
ولو قلت: كتَّبت زيدا الرسالة، بتضعيف تاء كتب، جعلت زيدا الذي كان فاعلا مفعولا به، وتعدى الفعل لمفعولين بدلا من مفعول واحد.
ولو قلت: ذهب اليقين بالشك من قلبي، كان المعنى أذهب اليقين الشك من قلبي، فدخول الباء على ما كان فاعلا في (ذهب الشك من قلبي) جعله في معنى المفعول به، لذا قالوا إن الباء هنا للتعدية، بل معنى الفعل نفسه تغير، فأنت حين تقول: ذهب اليقين بشكي، لا تقصد أن اليقين ذهب، بل جعل الشك يذهب. ومثل ذلك جاء بكذا عديت جاء اللازم بالباء فصار معناها أحضر، وتحولت جاء بكذا في دارج الكلام إلى فعل متعد (جاب يجيب) فإذا ألحقته بضمير رفع وصلت الضمير بالباء كأنها من أصل الفعل تقول (جبت، وجبنا، وجابوا ... وكان الأحرى أن نقول جت بـ، وجينا بـ ..... وهكذا) فأنت تحس من هذا معنى التعدية في الباء. وهذه التعدية الخاصة.
ولكنا نجد في بعض التفاسير، وبعض كتب النحو من ينعت كل فعل تعلق به حرف جر بأنه تعدى بهذا الحرف، لعلاقة الفعل بالاسم المجرور،
فلو قلت نحو: (نمت من التعب على الأريكة في الردهة بحذائي إلى الصباح كالميت) فقد تعدى الفعل نام هنا بمن وعلى وفي والباء وإلى والكاف.
ولأن هذه التعدية تعم كل حروف الجر سميت بالعامة، ويقصد بها التعلق المعنوي غالبا.
جاء في حاشية الصبان: (قوله: (التعدية) أي الخاصة كما يفيده ما بعده. قوله: (وهي المعاقبة للهمزة) التعدية بهذا المعنى مختصة بالباء وأما التعدية بمعنى إيصال معنى الفعل إلى الاسم فمشتركة بين حروف الجر التي ليست بزائدة ولا في حكم الزائدة.) وقال: (وصريح كلام الدماميني أن المراد بالتعدية التعدية الخاصة التي تعاقب فيها الباء الهمزة ومقتضى قول المغني فالباء معدية مثلها في امرر بزيد أن المراد بالتعدية التعدية العامة وأن الباء للإلصاق.)
ـ[هشام محب العربية]ــــــــ[31 - 07 - 2010, 08:16 م]ـ
بارك الله فيك وجزاك خيرا، فالتعدية التي اعتدناها في النحو هي التعدية الخاصة، أما العامة فهي تعلق الجار والمجرور بالفعل.
هذه تزيد الاختلاط عند أمثالي ولكن الحمد لله أن أهل الفصيح الفصحاء يوضحون لنا مثل هذه الأمور.
جزاكم الله خيرا أهل العربية على ما تقدمونه:)(/)
من حديث التشبيك
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 07 - 2010, 06:12 ص]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَلاَ يُشَبِّكَنَّ، فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ"
فذلك من الشرط الذي يفيد العموم فهو أليق بالقواعد العامة سواء أكانت دينية أم أخلاقية ..... إلخ والإتيان بـ "إذا" التي تدل على كثرة وقوع الشرط، فدخول المسجد مما يتكرر في حياة المسلم، أو هكذا يفترض! وإن كان الواقع خلاف ذلك فهجران المساجد سمت ظاهر في كثير من بلاد المسلمين، ويقوي هذا المعنى الإتيان بفعل الكينونة فهو مئنة من دوام اتصاف الاسم بالخبر في الزمن الماضي، ودخول الشرط الذي يفيد الاستقبال عليه نقل الدلالة من الماضي إلى الحال والاستقبال، ويلائم هذا العموم الذي يتكرر وقوعه: الإتيان بلفظ: "أحدكم"، فهو، أيضا، من صيغ العموم، فضلا عن دلالة لفظ: "أحد": على عموم الخطاب، فليس الخطاب لواحد بعينه، بل هو لكل أحد، والعموم في هذا السياق له عدة أوجه:
فالأول: باعتبار خطاب المواجهة فيعم كل من حضره ممن شهد التنزيل، فهو عصري النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صحابته الكرام، رضي الله عنهم، فهم أول من توجه إليه خطاب الوحي باعتبار المعاصرة والمواجهة كما تقدم، فلهم فهم ليس لغيرهم، فليس من عاين كمن سمع، ولو ثقب عقله ودق استنباطه، فلا يبلغ مبلغ الرائي الذي شهد من القرائن ما لم يشاهد غيره، فيدرك، على جهة التعيين، مراد التنزيل، فضلا عن نقاء لسانه من أكدار العجمة التي شابت الألسنة في الأعصار التالية، وذانك الوصفان، كما تقدم مرارا، سر تقضيل القرن الأول على بقية قرون الأمة، فهم خير طباقها وصفوة رجالها وخيرة علمائها وعبادها .... إلخ من سائر أجناس الوظائف الشرعية التي تحفظ بها الديانة، فمن أراد صيانة الشريعة فعليه بلزوم الطريقة الأولى: طريقة الوحي بفهم شهوده.
والثاني: باعتبار خطاب التشريع العام فالأصل شموله لجميع المكلفين من أمة الإجابة، وإن لم يكن موجودا زمن التشريع، فأحكام الشريعة بداهة تلزم كل أتباعها في كل عصر ومصر، فعموم التشريع زماني ومكاني لكل مكلف بها إلا ما ورد الدليل على اختصاصه بفرد بعينه، أو بوصف يعم بعض أفراد الجماعة دون بعض، وهو ما اصطلح على تسميته بتخصيص الحكم بصورة السبب، فمن التخصيص ما يكون بصورة فرد بعينه، ومنه ما يكون بصورة وصف بعينه فدائرته أوسع، ومنها ما يتعلق بوصف التكليف الأعم، فتلك هي الأصل، وهي أوسع دائرة لخطاب التشريع.
والثالث: باعتبار عموم النوع الإنساني، فيشمل المؤمن والكافر، فذلك قول من رجح عموم خطاب التكليف للكفار، فيخاطبون به وبما لا تصح الأعمال إلا به، وهو الإيمان، عقد القلب الأول فهو الأصل لما يليه من أعمال الباطن والظاهر.
ثم جاء الجواب مؤكدا بالنون المثقلة: "فَلاَ يُشَبِّكَنَّ"، فذلك مئنة من التحريم في مقام النهي، على خلاف بين أهل العلم هل الأمر عموما يفيد التحريم إذا تجرد من القرائن أو يفيد الكراهة، وهل يفيد خصوصا في هذا السياق التحريم أو الكراهة، فتصدير الجواب بالفعل المؤكد في مقام النهي مئنة من التحريم وإن لم يكن مبطلا للصلاة، فالحرمة فيه من خارج فلا تتعلق بالإخلال بشرط أو ركن في الصلاة.
ثم جاء التذييل بالعلة: "فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ": فذلك آكد في تقرير المعنى، فالتذييل بالعلة يزيد الحكم رسوخا في الذهن، فعلة النهي أن التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ: فبين المصدر والفعل جناسا اشتقاقيا يزيد المعنى بيانا، وهو جار مجرى الإظهار في موضع الإضمار، فيجوز في غير هذا السياق أن يضمر على إرادة الرجوع إلى المصدر المتصيد من الفعل السابق له، فيقال: فلا يشبكن فإنه من الشيطان فإن مصدر الفعل: "شبك" المضعف هو التشبيك، من: فعل تفعيل، وهو مئنة من المبالغة بزيادة المبنى، وفي التنزيل: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، فرجع الضمير على المصدر المتصيد من الفعل، فاعدلوا العدل أقرب للتقوى، فرجع الضمير على المصدر المتصيد من الفعل الذي صدر به السياق.
و: "من": إما أن تحمل على السببية، فالتشبيك بسبب الشيطان، أو على إرادة التبعيض، على تقدير محذوف، فإن التشبيك من أفعال الشيطان فهو بعض فعله، ولا يخلو بداهة من معنى الجنسية، فهو من جنس فعل الشيطان، فضلا عن دلالة "من" القياسية، وهي ابتداء الغاية، فابتداء غاية التشبيك من الشيطان فهو المنشئ لسببه وسوسة أو فعلا، ولا مانع من الجمع بين كل هذه المعاني لعدم التعارض، فذلك أثرى للمعنى، وآكد في بيان العلة.
وقد عكس الأمر في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ""إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع؛ فإن الشيطان يدخل"، فقدمت العلة فذلك من باب التشويق وبه يحصل التنوع في بيان الأحكام الشرعية.
وفيه الاحتراس تخفيفا في قوله: "ما استطاع"، وشاهد ذلك من التنزيل: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"، و: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"، وحذف معمول الفعل للعلم به بداهة، فليكظم ما استطاع الكظم.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابنة القوم]ــــــــ[27 - 07 - 2010, 06:42 ص]ـ
بارك الله فيك و بعلمك
جزاك الله كل خير
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 06:07 ص]ـ
وبارك فيكم وجزاكم خيرا على المرور والتعليق.
ـ[عبود]ــــــــ[19 - 08 - 2010, 12:53 ص]ـ
نفع الله بعلمك(/)
أيهما أبلغ (طريقك مشيتها) أم (طريقك مشيت عليه)؟
ـ[إبراهيم نواب]ــــــــ[27 - 07 - 2010, 08:18 ص]ـ
وقفت كثيرا أتأمل هاتين العبارتين وما شابههما من عبارات
وما ذلك إلا لقلة علم برجاء أن أجد غايتي لديكم
فأيهما أبلغ أو صحيح؟
أن أقول طريقك مشيتها أو طريقك مشيت عليها
وهل يصح أن تقول قائلة: معزوفتك رقصتها أم رقصت عليها
وكذا في قول: آلامك شعرتها أو شعرت بها؟
هل تعتبر عثرة لغوية أم بلاغية أم أن كلاهما صحيح؟
ـ[السراج]ــــــــ[27 - 07 - 2010, 10:19 م]ـ
مرحباً إبراهيم
إنْ قلنا (خطوات) مشيتُها كانت أصحّ. لكن بما أننا نمشي على الطريق والدرب فالصواب مشيتُ عليها ..
فالحكم بيد اللفظة والسياق فهما اللذان يحددان ذلك.
ـ[إبراهيم نواب]ــــــــ[29 - 07 - 2010, 12:31 ص]ـ
أهلا بالكريم سراج
وماذا عن معزوفة رقصتها / رقصت عليها
رمتُ من سؤالي ما يقترن بالفعل من أدوات الجر
فهناك أفعال تستلزم اقترانها بحرف جر يلغيها بعض الكتّاب بدعوى البلاغة وأفعال لا تستلزم الإتيان بحرف جر يقرنها بهاوهناك منها ما يجوز فيه هذا وذاك
كمقولة:
آلامك أحسستها / أحسست بها
كمقولة
الاسلام يعلو ولا يعلى
ما أكثر من يقرنها بحرف جر قائلا: و يعلى عليه << ولا يجوز هذا الاقتران
أرجو لمن لديه علم بهذا أن يفيدنا
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[29 - 07 - 2010, 03:24 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرى والله أعلم أن نظم الجملة يختلف باختلاف المعنى المراد في كلام الفصحاء، فكل نظم يحكم على بلاغته بمدى تأديته ما يريده المتكلم، فقد يضمن فعل معنى فعل آخر فيأخذ حكمه في التعدي بحرف ما ... وغير ذلك.
أما طريقك مشيتها ومشيت عليها، فأظن أنك لو أردت بيان أنك قطعتها كلها، قلت مشيتها تجعلها مفعولا على التوسع، كأنك قلت قطعتها من أولها إلى آخرها، أما لو قلت مشيت عليها فلا تؤدي ذلك المعنى فلو قطعت جزءا يسيرا عليها صح قولك ولو لم تستوعبها كاملة.
وقولك آلامك أحسستها تعني أنك عانيت آلاما عضوية أو حسية مثلها، وقولها أحسست بها ربما تعني الإحساس المعنوي فقط أو التعاطف دون الإحساس العضوي، فنحن مثلا نحس بما يحسه إخواننا في غزة والعراق وأفغانستان، نحن نتعاطف وهم يعانون.
وأما الإسلام يعلو ولا يعلى (عليه)
فإن أردت أن الإسلام يعلو من نفسه ولا يعليه أحد، قلت يعلو ولا يعلى، وإن أردت أنه يعلو ولا يعلو غيره علوا فوق علوه، أي أن الإسلام أعلى شيء، قلت الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
فاختلاف النظم ينشأ عن اختلاف المعنى إن صدر عن فصيح.
والله أعلم
ـ[إبراهيم نواب]ــــــــ[29 - 07 - 2010, 05:13 م]ـ
مرحبا بك أستاذي عطوان عويضة
انتظرت وأثمر انتظاري ثريا بك أخي
فيما يخص (يعلى)
ويقال: عَلا فلانٌ الجَبَلَ إذا رَقِيَه يَعْلُوه عُلُوّاً، وعَلا فلان فلاناً إذا قَهَرَه. (لسان العرب)
والحديث المأثور جاء بهذا اللفظ (الإسلامُ يعلو ولا يُعلى) بضم ياء يعلى
ومن خلال استقرائي لنصوص ما قبل الإسلام مررت بهذا الفعل دون اقترانه بحرف الجر (على)
وكأنه لا يصح أن يقال يُعلى عليه بل: يعلوه أو يعلى
ولم أجد هذا الفعل مقترنا بـ (على) في أي من المعاجم اللغوية أو الحاديث النبوية.
اللهم إلا في الكتب الحديثة!
مما اوهمني أنّ هناك أفعال مخصوصة لا تقبل الاقتران أو التعدي بحرف جر!
ولا زلت في حيرة من أمري!
ـ[إبراهيم نواب]ــــــــ[29 - 07 - 2010, 05:34 م]ـ
وجدتّ هذا في لسان العرب في تفسير لفظ (نخ)
"واستعمل بعضهم النخ في الإنسان فقال إذا ما نخخت العامري وجدته إلى حسب يعلو على كل فاخر"انتهى
وبهذا يجوز في الفعل (يعلو) التعدي بحرف على
واتضح لي كلام أستاذي عطوان في تفسير (يُعلى) و (يُعلى عليه)
فزاده الله علما ونفع به وجزاه عنا خيرا
ـ[راكان العنزي]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 09:14 ص]ـ
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ , قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ , تَكُونُ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ أَوِ الْيَهُودِيِّ , فَتُسْلِمُ هِيَ , قَالَ " يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا , الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْه"
ـ[شرح معاني الآثار]ـ
المؤلف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (المتوفى: 321هـ)
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ
فِي القران كَلِمَتَهُ الْمَشْهُورَةَ فِي وَصْفِهِ وَمِنْهَا " أَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُحَطِّمُ مَا تَحْتَهُ "(/)
من حديث: (لا تمنعوا إماء الله ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 06:05 ص]ـ
ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات":
فتسلط النهي على المصدر الكامن في الفعل مئنة من العموم وهو محمول على حال الأمن وعدم الفتنة، بقرينة التقييد بعدم التطيب كما قد ذيل النهي في هذا الحديث، فتلك قرينة لفظية من نفس السياق، فضلا عما أثر عن بعض السلف من ذم حال النساء في أزمانهم وقد توسعن في الخروج وأحدثن في المساجد ما أحدثن، وقد أمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أصابت بخورا ألا تشهد معه العشاء الآخرة حتى تغتسل، ورد أبو هريرة، رضي الله عنه، من قصدت المسجد متطيبة.
وفي الإضافة في: "إماء الله" و: "مساجد الله": إشعار بالعلة، فالإضافة في كليهما من إضافة المخلوق إلى الخالق، عينا، أو مكانا، والمكان مكان عبادة، فلا تمنعوا إماء الله عبادة الله بالسعي إلى المساجد والصلاة فيها، وإن كانت بيوتهن خيرا لهن لما فيها من التستر، فهو الأليق بالحرائر، فوصفهن بـ: "إماء الله" مما يحمل الرجال على عدم منعهن، فالمانع لهن مع أمن الفتنة، متعد على حكم الشرع، لا سيما إن سعين لطلب العلم الواجب على كل مكلف وكان الزوج غير قادر على تعليم امرأته لجهل أو اشتغال بمعاش .... إلخ، فإن السعي حينئذ يأخذ حكم الوجوب تبعا لوجوب طلب العلم المفروض عينا على كل مكلف مما لا تصح ديانته إلا به أصولا أو فروعا، علوما أو أعمالا، فوجوبه حينئذ وجوب وسيلة إلى مقصد واجب فللذريعة حكم ما يتذرع إليه بها، فإن كان واجبا فالذريعة إلى تحصيله واجبة كوجوب السعي إلى الجمعة فهو الذريعة إلى أدائها، فوجوبه من وجوبها، وإن جاء النص على وجوبه صراحة فـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، وإن أشعر التقييد بـ: "ذكر الله" بأن المراد هو الصلاة أو الخطبة فهي من الذكر عند من أوجب حضور الخطبة.
ويقال أيضا بإن الإضافة إما أن تحمل على الإضافة العامة، فالنساء كلهن إماء الله، عز وجل، فيكون ذلك من قبيل العبودية العامة، وإما أن يحمل على العبودية الخاصة فمن تحرص على حضور الجماعة في المسجد لا تكون غالبا إلا من صوالح النساء، ولكل وجه، فيؤيد الأول: عموم خطاب التشريع، ويؤيد الثاني الحال الغالبة كما تقدم، وعلى كلتا الحالين تكون الإضافة المتتالية في: "إماء الله"، و: "مساجد الله" من الباعث، كما تقدم، على الإذن لهن في حضور الجماعة، فضلا عن الإظهار في موضع الإضمار، فيصح في غير هذا السياق أن يقال: لا تمنعوا إماء الله مساجده، فأظهر الاسم الجليل إمعانا في تعظيم الأمر فضلا عن تعظيم مكان إقامة الشعيرة، بنسبته إلى من تؤدى إليه، فذلك من قبيل الإضافة في: "بيت الله"، فهو بيته الذي تؤدى فيه أعظم فرائضه على عباده.
ثم جاء القيد الاحترازي: وليخرجن تفلات، فالتفل هو الريح الكريهة كما في "النهاية في غريب الأثر"، وهو كناية عن ترك التطيب سدا لذريعة الافتتان بريحهن، فليس المراد عدم التنظف الذي يؤدي إلى تولد الريح الكريهة، فذلك غير مراد شرعا، بل مما قد ذمه الشارع، عز وجل، فشرع لإزالته جملة من الأغسال الواجبة والمستحبة، فقد يقال هنا بأن هذه الكناية على خلاف المطرد في حدها عند البلاغيين، فالمطرد من كلامهم أن الجمع بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في الكناية جائز وبذلك فارقت المجاز الاصطلاحي، وليس ذلك بحاصل في هذا السياق، فليس المراد الجمع بين ترك التطيب والريح الكريهة بل المراد الأول دون الثاني، وقد يقال بأن الجمع يصح لو نظرنا إلى التاركة للتطيب في مقابل من تطيبت، فهي تفلة من هذا الوجه إذ ريحها أدنى من ريح المتطيبة بداهة، وإن لم تكن تفلة كريهة الريح حقيقة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[السراج]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 12:45 م]ـ
بارك الله فيك أخي مهاجر
ونفع بك، ورزقك الخير أنّى حللتَ ..
أفدتنا بعلمك .. نحمدُ الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 08 - 2010, 02:47 م]ـ
وجزاك خيرا أيها الكريم ونفع بك وبعلمك وشكر لك مرورك وحسن ظنك.
ـ[عبود]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 06:26 ص]ـ
جزاك الله خير(/)
سؤال في البلاغة أرجو من المختصين الدخول
ـ[محمد الدوسري]ــــــــ[01 - 08 - 2010, 11:02 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح ومساء الخير على الجميع
أدخل في الموضوع مباشره
في مجلس من المجالس دار بيني وبين شخص آخر نقاش،،
هو يقول يصلح أن تقول،، اشتقت لك شوق المطر للصحاري ..
وأنا أقول له لا ..
ولكن ليس لدي حجة قوية،، لكن أحس أن الصحاري هي اللي تشتاق للمطر وليس العكس .. فيقال اشتقت لك شوق الصحاري للأمطار
ويقال لا يفتى وقاض في المدينة ..
لدا أتيت لأسألكم عن هذه الجملة،، مع رجاء تدعيم إجابتكم بحجة واضحة ..
وشكرا ..
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[01 - 08 - 2010, 11:19 م]ـ
... المعروف أن الصحاري تحتاج إلى المطر، أما المطر فما حاجتُه إليها؟
ثم إن الجملة (اشتقت لك شوق الصحاري للأمطار) شطر بيت، فابحث عن البيت، وقدمه شاهدًا على صحة مذهبك ;).
* ملحوظة:
من قوانين الفصيح الالتزام بالفصحى.
ـ[محمد الدوسري]ــــــــ[01 - 08 - 2010, 11:33 م]ـ
الله يجزاك خير أخوي العقد الفريد على سرعة الأجابة
وإن شاء الله أحاول أتكلم بالفصحى
ليس صعب التكلم بالفصحى ولكنه يحتاج إلى بعض التعود ..
ولكن دعني أسوق لك حجته هو يقول أن أحد القصائد المغناة المشهورة
أحد أبياتها،، اشتقت لك شوق المطر للصحاري ومهما قسى وقتك عليّ ما جفيته ..
رديت عليه بالقول أن بعض القصائد ركيكة من ناحية البلاغة،،وأجبرته القافية والوزن أن يقول شوق المطر للصحاري،، فهل كلامي سليم أو لا ..
والأمر الآخر، ان الأشتياق ليس دافعة الوحيد الحاجة،،
أضرب هالشيء على نفسك،، مثلا فيه ناس كثير تشتاق لهم ولكنك لا تريد من وراهم مصلحة .. لكنك صار لك فترة طويله لم ترهم ولم تسمع صوتهم .. لأجل ذلك تشتاق لهم،، كذلك المطر يشتاق للصحاري ربما لأنه يبطي ما جاها .. بأمر الله ..
ـ[فتون]ــــــــ[02 - 08 - 2010, 01:13 ص]ـ
الله يجزاك خير أخوي العقد الفريد على سرعة الأجابة
وإن شاء الله أحاول أتكلم بالفصحى
ليس صعب التكلم بالفصحى ولكنه يحتاج إلى بعض التعود ..
ولكن دعني أسوق لك حجته هو يقول أن أحد القصائد المغناة المشهورة
أحد أبياتها،، اشتقت لك شوق المطر للصحاري ومهما قسى وقتك عليّ ما جفيته .. << هذا ليس شاهدا يعتد به ...
رديت عليه بالقول أن بعض القصائد ركيكة من ناحية البلاغة،،وأجبرته القافية والوزن أن يقول شوق المطر للصحاري،، فهل كلامي سليم أو لا ..
والأمر الآخر، ان الأشتياق ليس دافعة الوحيد الحاجة،،
أضرب هالشيء على نفسك،، مثلا فيه ناس كثير تشتاق لهم ولكنك لا تريد من وراهم مصلحة .. لكنك صار لك فترة طويله لم ترهم ولم تسمع صوتهم .. لأجل ذلك تشتاق لهم،، كذلك المطر يشتاق للصحاري ربما لأنه يبطي ما جاها .. بأمر الله ..
صحيح فالحب والمودة والألفة تشكل دافعا للاشتياق
ولنتأمل الصورتين ...
الصحاري مقفرة وفي حاجة للأمطار وأيضا تحب المطر لما يتركه عليها من آثار كالخضرة الماء و ... ؛
لذا فإذا تأخر عليها المطر زمنا طويلا اشتاقت إليه أيما شوق ...
أما المطر فهو بين السحاب يتنقل ويجوب الأرض ينزل تارة على الجبال المخضرة لتزداد خضرة ... ،
ويهطل أخرى على السهول، وإذا ابتعد عن الصحاري زمنا طويلا كعادته فإنه يشتاق إليها ...
ولنا بعد تأمل الصورتين أن نختار ما نشبه به شوقنا.
كانت محاولة تأملية أكثر منها علمية
تحيتي
ـ[محمد الدوسري]ــــــــ[02 - 08 - 2010, 02:04 ص]ـ
شاكر لك أخت فتون تواجدك وردك اللي أثرى الموضوع أكيد ..
وتفاعلكم السريع مع الموضوع أثلج صدري،،
لا هنتوا جميعا ..
ـ[منتظر]ــــــــ[03 - 08 - 2010, 06:34 م]ـ
هل يمكن ان نقول هنا مجاز
قد يشتاق الاستاذ للطالب رغم شوق الطالب اليه
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[04 - 08 - 2010, 06:02 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
رغم تحفظي على اللغة، أقول:
إن قولك أخي محمد الدوسري هو الصحيح، و إن الصورة في القول الذي أوردته معكوسة، أما سمعت الدكتور غازي القصيبي حين يقول:
ولحت يا أزرق العينين فانطلقت ... أشواقه بجنون البيد في المطر
لقد ساقتنا مناهج النقد الحديثة إلى دروب ملتوية، تصب كلها في تزيين القبيح، فحكم عقلك، فإن هذا كله كلام بشر.
و الحجة الواضحة هي الحجة العقلية فإن الصحراء هي التي تشتاق للمطر و ليس العكس، و كما قال المتنبي:
و ليس يصح في الإذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
دمت مباركا، و لعلي أراك فصيحا
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[12 - 08 - 2010, 05:42 ص]ـ
يجوز اخى الكريم على التشبيه المقلوب وهاك امثلة
كأنها حين لَجّتْ في تدفّقها يد الخليفة لمّا سالَ واديها
ظهر الصبح كأنه حجتك الساطعة.
ركبنا قطارا كأنه الجواد السباق
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[12 - 08 - 2010, 11:50 م]ـ
يجوز اخى الكريم على التشبيه المقلوب وهاك امثلة
كأنها حين لَجّتْ في تدفّقها يد الخليفة لمّا سالَ واديها
ظهر الصبح كأنه حجتك الساطعة.
هنا نحتاج إلى المختصين من أهل البلاغة:
هل يصح قلب التشبيه في كل صورة / قلب المعنى؛ ليعد من قبيل التشبيه المقلوب؟
وبصيغة أخرى: هل هناك ضوابط معينة لهذا القلب؛ ليتحقق، مع بقاء المعنى بليغًا <كبلاغته في هذه الأمثلة؟
أم أن الأمر على الإطلاق <فيكفي ـ إذا أردنا المبالغة في الوصف ـ أن نقلب الصورة، وينتهي الأمر؟
!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبود]ــــــــ[14 - 08 - 2010, 04:03 ص]ـ
تشبيه مقلوب
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[16 - 08 - 2010, 08:48 م]ـ
أيها المباركون
لا يوجد في كلا الجملتين خطأ.
وقد يكون عذر الأول (إنه يريد التشبيه المقلوب) وعذره صحيح
والله الموفق
ـ[عصام محمود]ــــــــ[19 - 08 - 2010, 12:12 ص]ـ
اولا التلقي يختلف من شخص لآخر وبحسب ثقافة كل إنسان وبعد نظره ورؤيته، والإجابة الفاصلة في العلوم الإنسانية غير موجودة، ومن ثم فيمكنك ان تقول رؤية وأنا أقول رؤية وكلانا مصيب في رأيه، نحن لسنا في علوم طبيعية وقوانين رياضية حتى تكون هناك إجابة قاطعة، وبامثل قد يعجب ناقد بتشبيه ويخالفه ناقد آخر وهي نظرة جمالية لا اكثر، ومن ثم فهذه الصورة أعجبتني لأنها تكسر المألوف والمعتاد وتخالف المتعارف عليه فقد جرت العادة كما قلتم جميعا على أن الصحاري هي التي تشتاق إلى الماء، وقلب التشبيه هنا من الممكن ان يحقق لفتة بلاغية بشوق المطر إلى إلى الصحاري، فالمطر غاب طويلا عن الصحارى والعطاء ومن ثم فهو في شوق لرؤيتها وسقيها، وهنا يتحقق عنصر المفارقة لأن المطر هنا معطاء خير يمنح بل يبحث عن الأماكن التي تحتاج إلى الماء وهل هناك مكان أشد احتياجًا له من الصحاري؟! لكن الماء فيها عزيز لطبيعة الصحراء فيصبح البعد هنا بعد يبعد المحب المعطاء عن الحبيب المحتاج لأن الحب عطاء.
هذه نظرةتي وقد تكون خاطئة لكنها مجرد رؤية.
ـ[سنهور]ــــــــ[21 - 08 - 2010, 07:16 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أخى الفاضل يجوز أن نقول أشتقت لك شوق المطر للصحاري
وذلك كأن الصحارى من شدة شوقها للمطر فانتقل شوقها للمطر فأصبح هو أيضا يشتاق للصحارى
الم تقرأ قول الله سبحانه {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}
فقد جعلَ الحجابَ مستوراً، مع أنه هو الساترُ وذلك للمبالغة الشديدة فى قوة ستره والتى من شدتها سترت الحجاب
ـ[حامد عبد الله]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 05:43 م]ـ
اشتقت لك شوق الصحارى للمطر وهو كلام قائم على التشبيه والتشبيه له قيمته في البلاغة العربية وهو إما لتقرير الحقائق وتقريبها على الذهن والتعريف بالمجهول وهذا مجاله لتقريب الحقائق للدارسين والمتعلمين مثل: صلاة الظهر كصلاة العصر في عدد الركعات وقيمته فهو لا يتسنى إلا لمبدع ذي خيال واسع قوي لأن مجاله يتجاوز تقريب الحقائق للمتعلمين إلى إثارة الخيال والوجدان فعليك أن تضع هذا المثال (اشتقت لك كشوق الصحاري للمطر) فإذا تحركت مشاعرك وأحاسيك لدرجة التلذذ فيكون تعبيره صحيحا وفصيحًا من الناحية البلاغية ولا ننسى قول زهير بن أبي سًُُِلمى: تراه إذا جئته متهللا*كأنك تعطيه الذي أنت سائله
فقد شبه فرحة من ينتظر العطاء بفرحة المعطي ....
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 10:39 م]ـ
اولا التلقي يختلف من شخص لآخر وبحسب ثقافة كل إنسان وبعد نظره ورؤيته، والإجابة الفاصلة في العلوم الإنسانية غير موجودة، ومن ثم فيمكنك ان تقول رؤية وأنا أقول رؤية وكلانا مصيب في رأيه، نحن لسنا في علوم طبيعية وقوانين رياضية حتى تكون هناك إجابة قاطعة، وبامثل قد يعجب ناقد بتشبيه ويخالفه ناقد آخر وهي نظرة جمالية لا اكثر، ومن ثم فهذه الصورة أعجبتني لأنها تكسر المألوف والمعتاد وتخالف المتعارف عليه فقد جرت العادة كما قلتم جميعا على أن الصحاري هي التي تشتاق إلى الماء، وقلب التشبيه هنا من الممكن ان يحقق لفتة بلاغية بشوق المطر إلى إلى الصحاري، فالمطر غاب طويلا عن الصحارى والعطاء ومن ثم فهو في شوق لرؤيتها وسقيها، وهنا يتحقق عنصر المفارقة لأن المطر هنا معطاء خير يمنح بل يبحث عن الأماكن التي تحتاج إلى الماء وهل هناك مكان أشد احتياجًا له من الصحاري؟! لكن الماء فيها عزيز لطبيعة الصحراء فيصبح البعد هنا بعد يبعد المحب المعطاء عن الحبيب المحتاج لأن الحب عطاء.
هذه نظرةتي وقد تكون خاطئة لكنها مجرد رؤية.
أعجبني جوابك جدا أخي الكريم.
ياليتنا نرى كل مثقفينا وباحثينا يتسع نظرهم لفهم هذه الحقيقة في العلم والأدب.
وفِهم أن الأدب لغة تذوق.
لنصل إلى احترام وجهات نظر الآخرين بكل حب.
تقديري(/)
من حديث: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم"
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 08 - 2010, 02:42 م]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل عنده فضل ماء منعه من ابن السبيل، ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذباً فصدقه كاذباً واشتراها ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا، فإن أعطاه وفى، وإن لم يعطه لم يف له.
فذلك من التوشيح بإجمال يعقبه البيان، فذلك من التشويق فنكر الثلاثة ثم جاء التقييد بوصف الذم إمعانا في التنفير، وتشويقا إلى معرفتهم حذرا من سلوك سبيلهم، فالخبر بالوعيد يفيد إنشاء التحذير كما أن الخبر بالوعد يفيد إنشاء الحض على الفعل، فالنفس ما بين فعل وكف، فلا تتحرك إلا إلى مطلوب تلتذ به أو هكذا تتصور، فليس كل ما اعتقده المكلف ملائما بملائم، بل قد يكون عين هلاكه فيما ظن فيه عين صلاحه، ولا يفصل النزاع في تعيين ذلك إلا النبوات، فهي الميزان الرباني الحاكم الذي توزن به مقادير الأعمال، فميزان النبوات مطرد في أحكامه، بخلاف ميزان العقل، فيعرض له من الآفات ما يعرض لأي مخلوق، مهما بلغت دقة أحكامه، فالعقل مضطرب في أحكامه فتتفاوت بتفاوت أعيانه، فعقل فلان يباين عقل فلان، ولا يفصل النزاع، كما تقدم مرارا، إلا وحي منزل، فهو معدن العصمة، فجاء التقييد بوصف الذم وعيدا يحمل المخاطب على الكف، فلا ينظر الرب، جل وعلا، إليهم، نظر الرضا، فذلك لازم النظر، فتفسيره هنا من باب التفسير باللازم لقرينة السياق، فالسخط مظنة الإعراض، كما أن الرضا مظنة الإقبال، ولا يمنع ذلك من إرادة المعنى الحقيقي، بل قد ثبت على حد التواتر بنصوص صريحة من الكتاب والسنة، فيثبت المعنى الرئيس ويثبت لازمه الذي يتفاوت تبعا لقرينة السياق، فتارة يكون رضا فينظر الرب، جل وعلا، بعين الرضا، إلى عباده المؤمنين، ولا ينظر، بمفهوم ما تقدم، إلى الكافرين، كما في هذا الحديث، وإن نظر إليهم حال الحساب فنظر السخط، وإمعانا في النكاية جاء الإطناب فلا يكلمهم: فكرر أداة النفي توكيدا، فلا يكلمهم كلاما تطيب به نفوسهم، فكلامه، جل وعلا، لهم توبيخ ثابت في نصوص صحيحة صريحة، فيحمل النفي هنا، كما حمل في النظر، على ما تسر به النفوس فليس لهم من نظر أو كلام الرضا الذي تطيب به النفوس نصيب، وبذلك يجمع بين النصوص المثبتتة والنافية في هذا الباب، فلا تعارض بينها، إذ ليس المثبت عين المنفي، فالمثبت للكفار: كلام التوبيخ فـ: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) فذلك كلام قد توجه إليهم، ولكنه كلام توبيخ يزداد به العذاب فلهم من عذاب الحس والمعنى ما لهم، وذلك من جملة العذاب المعنوي الأليم الذي ذيل به الوصف، كما سيأتي إن شاء الله، فهو كلام كلا كلام فصح النفي في الحديث من هذا الوجه، فيكلمهم توبيخا ولا يكلمهم تكريما، فلا تعارض بين الأمرين، كما تقدم، والمنفي: كلام التكريم بالسلام فليس لهم من: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ): نصيب، وقد يحمل ذلك، أيضا، على تعدد الأحوال، فيكلمهم، عز وجل، في معرض تقريرهم بجنايتهم، ولا يكلمهم إذا أدخلوا دار العذاب السرمدي، فينقطع الكلام، كما تقدم في قوله تعالى: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)، فالنهي يفيد الإهانة لقرينة السياق، فيكون تعدد الأحوال في هذا المقام من قبيل تعدد الأحوال في نحو قوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)، وقوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ)، فيحمل على تعدد الأحوال، أو تعدد أعيان السؤال، فالمثبت، أيضا، غير المنفي، فالمثبت: سؤال التقرير، والمنفي سؤال الاستعلام، فالرب، جل وعلا، أعلم بما اقترفوه، وإنما سألهم ليقروا، فإن أنكروا،
(يُتْبَعُ)
(/)
شهدت الكتب، فإن أمعنوا في الإنكار شهدت الجلود والأعضاء، فذلك من كمال عدله، عز وجل، فلم يسأل ليستعلم، وإنما سأل ليقيم الحجة ويقطع المعذرة.
ثم جاء الإطناب ثالثا: ولا يزكيهم: فذلك من قبيل التذييل بالعموم عقيب الخصوص، فالتزكية معنى عام يدخل فيه نظر وكلام الرضا وسائر صور التزكية المعنوية والحسية، ثم جاء التذييل بالإثبات عقيب جملة من المنفيات، فنفى عنهم ما يسر، فذلك من النكاية بالسلب، وأثبت لهم ما يسوء، فذلك من النكاية بالإيجاب، فاجتمع في حقهم الإثبات والنفي، فذلك من تنوع العقوبات التي تدل على كمال قدرته وعزته، جل وعلا، ويقابله تنوع صور الثواب فذلك، أيضا، مئنة من كمال قدرته ورحمته، جل وعلا، فثبت بكليهما: الجلال في حق الكافرين والعاصين، والجمال في حق المؤمنين والطائعين، فله، جل وعلا، الكمال جلالا وجمالا. وقدم ما حقه التأخير في: "ولهم عذاب أليم": مئنة من الحصر والتوكيد فضلا عن دلالة اللام على الاستحقاق، وتنكير العذاب تعظيما، وتقديمه توطئة لوصف الإيلام، فكل ذلك جار على ما تقدم من زيادة النكاية في أولئك الثلاثة:
ثم جاء البيان بعد حصول التشويق بجملة الأوصاف السابقة:
رجل عنده فضل ماء منعه من ابن السبيل: فالتنكير مئنة من النوعية فوروده في سياق الإثبات مئنة من الإطلاق، فليس المراد به رجلا بعينه، وإنما المراد نوعه، وتصدير الكلام به جار على ما تقدم من التوطئة لوصفه فهو محط الفائدة، فحصل بذلك، أيضا، نوع تشويق بإجمال في الموصوف بينته الصفة فمنع ابن السبيل أو غيره ممن يحتاج إلى الفضل من ماء أو زاد، فالمعنى أعم من الصورة المذكورة، وإنما ذكرت في معرض الإشارة إليه فالتمثيل للعموم بفرد من أفراده يزيده بيانا ولا يخصصه، كما قرر أهل الأصول، والمنع من الفضل الذي لا يتأذى المعطي من بذله مئنة من خسة النفس وشحها، فلا تجود بالفضل فكيف إذا سئلت ما فوقه، فـ:
ليس العطاء من الفضول سماحة ******* حتى تجود وما لديك قليل
وليست مرتبة السماحة بسلعة مبذولة لكل مدع بل لا يقدر على دفع ثمنها إلا أصحاب النفوس الكبيرة، ولذلك كان الشح مانعا رئيسا من موانع الرياسة، فـ: "أَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ بَلْ سَيِّدُكُمُ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ"، وبذلك الوصف المرذول يظهر الفارق بين العبد الذي جبل على الشح: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ)، والرب المعبود، جل وعلا، فـ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، فأباح كل الطيبات تملكا وانتفاعا فلا يتأذى، جل وعلا، كما يتأذى البشر، من كثرة السائلين وكثرة الأعطيات، بل يغضب على من ترك سؤله ولم يطمع في فضله من دين أو دنيا، في الأولى أو في الآخرة، وبهذه الآية استدل من استدل من أهل الأصول على أن الأصل في الأشياء: الإباحة، فذلك لازم غنى الرب، جل وعلا، فهو الغني الذي لا يخشى ما يخشاه البشر من الفاقة، بل لم يخش أنبياؤه، عليهم السلام، الفقر فأعطوا عطاء من لا يخشى الفاقة، فكيف بخالقهم ومرسلهم، جل وعلا، فوصف الغنى والكرم ثابت له من باب أولى.
ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذباً فصدقه كاذباً واشتراها: فذلك الصنف الثاني الذي يقسم الأيمان المغلظة كاليمين بعد العصر، فذلك وقت تغلظ فيه اليمين ويعظم جرم صاحبها إن كان كاذبا، ولذلك قيد اليمين في آية الشهادة حال حضور الموت بها، فـ: (تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ)، فـ: "أل" في الصلاة عهدية ذهنية تشير إلى معهود بعينه هو صلاة العصر، فاليمين بعدها، كما تقدم، غليظة، وذلك مما يزيد معنى الزجر عن الكذب في اليمين بإيقاعها في أوقات تعظم فيها الجناية إن كان الحالف كاذبا، واليمين الغموس التي تنفق بها السلع من الكبائر التي تغمس صاحبها في النار غمسا، فوصفها من قبيل وصف السبب بمسبَّبه الذي ينشأ منه، فذلك عند من يقول بالمجاز من قبيل مجاز الإسناد، فأسند فعل الغمس إليها إذ هي سببه، والفاعل حقيقة هو الرب الجليل، جل وعلا، وأجاب من أنكر المجاز بأن نسبة المسبّب إلى سببه مما عرفته العرب في كلامها، فنسبة التسبب غير نسبة الخلق، فالماء،
(يُتْبَعُ)
(/)
على سبيل المثال، سبب الإنبات بما أودع الرب، جل وعلا، فيه من القوى المؤثرة، فتلك نسبة، ولا يكون إنبات إلا بإذن الرب الخالق، جل وعلا، فتلك نسبة ثانية، فيخلق الرب، جل وعلا، بالسبب ما شاء كيف شاء متى شاء، وليس للسبب فعل مستقل، وإن كان له فعل مؤثر، فلا ينفذ تأثيره إلا بإذن الرب القدير الحكيم جل وعلا.
ويقال هنا، أيضا، والله أعلم، بأن ذكر صورة من صور اليمين الكاذبة وهي اليمين المغلظة بعد صلاة العصر لا يعني قصر الوعيد عليها بل هي آكد صور اليمين دخولا في الحكم لغلظها، ولا يمنع ذلك من دخول بقية صور اليمين الغموس التي تستقطع بها الحقوق وتنفق بها السلع في حكم الوعيد.
ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا، فإن أعطاه وفى، وإن لم يعطه لم يف له: فأجمل صورة البيعة المذمومة فلا يبايعه إلا للدنيا، فذلك من القصر الحقيقي بأقوى أساليب القصر، فبيعته قد تمحضت للدنيا فهي معقد ولائه وبرائه، فعليها يوالي وعليها يعادي، ولها يرضى ويسخط، فلا تتحرك نفسه إلا طلبا لها وإن ضاع أمر الديانة، فلا يعنيه أن يلي أمره من يصلح أمر قلبه بتعظيم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، فيحكم فيه بحكم الوحي الشارع، فلا صلاح للقلوب والأبدان إلا بذلك، فحكم الشريعة أمان للقلوب من الفساد والأبدان من الإتلاف إلا بحق لا إله إلا الله، فـ: "لا يحل دم امرئ مسلم إلاَّ بإحدى ثلاث: الثّيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"، فلا يعنيه كل ذلك، وإنما يعنيه أن يلي أمره من يصلح أمر بطنه وفرجه!، ولو بمحرم فاللذة العاجلة وإن تبعها من فساد القلب وتلف البدن ما تبعها هي معدن بيعته، ففساد تصوره في إدراك ما تلتذ به النفس مؤد لا محالة إلى فساد حكمه في تناول ما يحرم منها وبيعة من يأسر إرادته بدنيا، ولو مباحة، فكيف إذا كانت محرمة؟!، فبيان ما أجمل من تلك البيعة الخاسرة: فإن أعطاه وفي، وإن لم يعطه لم يف له: فصدر بالمنطوق في معرض الإثبات، ثم أتى بالمفهوم، وإن علم من الإثبات المتقدم، ولكنه إمعانا في البيان في معرض الذم للمبايع لأجل الدنيا والتحذير لغيره، أتى بما يدركه العقل بالنظر في دلالة الإثبات المتقدم، فإنه إن رضي بعطاء الدنيا فلا بد أن يسخط حال منعه، وتلك حال كثير منا لا سيما في السنوات الأخيرة التي اشتدت فيها الأزمة الاقتصادية الراهنة فلم يظهر التململ والتضجر بمثل هذه الصورة إلا بعد أن عزت الأقوات وشحت الأموال، وتلك مصيبة لا ينكرها أحد، ولكن المصيبة العظمى أن يكون ذلك هو دافع التغيير الوحيد، فلم تغضب النفوس كل هذا الغضب أو بعضه، والدين قد انتهكت أحكامه وغيبت جملة عظيمة من شرائعه، فقد كانت الحال في السنين الماضية: شديدة، ولكنها كانت محتملة فسكنت النفوس إلى دنيا رديئة، فليتها سكنت إلى دنيا ذات شأن، إن كان للدنيا شأن ابتداء، فلم تنل حظها من طيب طعام أو شراب أو لباس أو مسكن، ومع ذلك رضيت باللعاعة وتلهت بها، فلما عوقبت بالحرمان منها، مع كونها ردية تأنف منها نفوس كثير من أهل الترف والنعمة في بلاد الشرق والغرب!، لما عوقبت بالحرمان منها لهوان الشريعة عليها، ثارت وتململت وضجت تطالب بالتغيير، وكأن الحال قبل ذلك كانت مرضية دينا أو دنيا!، فكيف يكون تغيير هذا معدنه؟!، وهل يرجى منه خير في دين أو دنيا إن صدر عن رغبة جامحة في دنيا أفضل وإن ضاع الدين الذي لا يلتفت إليه غالبا حال الجوع والخوف، وذلك أمر بدهي، ولكن الأعظم منه، كما تقدم، الغفلة عن موطن الداء الرئيس فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فقصر الأمر على أعراض المرض من عقوبات كونية بتضييق الأرزاق ومحق البركات، وشغل النفس بإزالتها أو تخفيف حدتها، وذلك أمر مراد شرعا فلا يحسن الجائع أن يقضي بين متخاصمين قياسا على الغضبان فالذهن قد انشغل بتحصيل ما تحفظ به النفس من التلف وتلك حال مضطربة لا يظن بصاحبها سداد في الحكم على الأشياء حكما صحيحا يصدر عن نظر صريح في نصوص النبوات، ومع ذلك فإن شغل النفس بإزالتها أو تخفيف حدتها مسكن عارض سرعان ما يزول أثره فمعدن الداء لا زال مستقرا في الجسد، فكيف يرجى الشفاء التام من داء عضال بمسكن موضعي مؤقت فمفعوله محدود الأثر والزمن؟!، والعلاج لا بد أن يعم الظاهر تخفيفا للألم والباطن استئصالا لسببه الرئيس، فلا يغني أحدهما عن الآخر.
وليس في الحديث دلالة حصر فليس ذكر الثلاثة فيه بناف دخول غيرهم في الوعيد المنصوص عليه، فذلك من قبيل إثبات تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا: لله، عز وجل، فلا يعني ذلك انتفاء غيرها عنه، بل: "أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ"، فالحصر باعتبار القيد فمن أحصاها دخل الجنة، ولا يمنع ذلك القيد، كما تقدم، من وجود أسماء غيرها، فذلك من جنس قول القائل: عندي مائة درهم للصدقة، فلا يمنع ذلك أن عنده دراهم غيرها بل أضعافها.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 08 - 2010, 03:42 م]ـ
ومن نص آخر: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر".
فهو وعيد لثلاثة غير أولئك، يؤيد عدم اقتضاء الإطلاق في ذكر ثلاثة حصر الحكم فيهم، فذكرهم ليس قصرا، بل لا يمنع ذكر ثلاثة دخول ثلاثة غيرهم في الوعيد الذي جاء مطابقا للوعيد في الحديث السابق، فجاء السياق أيضا على حد الإجمال تشويقا فالبيان توضيحا:
شيخ زان: فقدم وصف الشيخوخة فهو محط الفائدة في ذم هذا الصنف، وإن قبح الزنى من كل أحد، ولكن قبحه يزيد في حق الشيخ فقد ضعف بدنه وانكسرت سورة شهوته وزهدت نفسه في أجناس الشهوات الحسية، فلم يبق له إلا اللذة الوهمية في شهوات معنوية من قبيل التعظيم، ولو نفاقا، كما نرى في تعظيم الزعامات الوهمية التي ابتلينا بها، فقد بلغت من العمر أرذله، وأصابها ما أصابها من العجز والخرف!، فضلا عما تحقق في عهودها الزاهرة من هزائم وانكسارات وترد للأوضاع الداخلية والخارجية، فصور الإخفاق شتى، ومع ذلك يظل أولئك أبطال المعارك الوهمية سياسية كانت أو عسكرية، فلا تدري الأمم ما كانت تصنع لولا أن من الله، عز وجل، عليها بهذه العبقريات التي أودت بها؟!، والشاهد أن تلك الشهوات قد تتصور في حق الشيخ الذي يدب دبيبا، فليس في بدنه قوة ليعالج شهوة محسوسة، ولو كانت مباحة، فالشيوخ، غالبا، أزهد الناس في شهوات المطعم والمشرب والمنكح والملبس .... إلخ، فقد ذاقوا لذاتها العارضة مرارا حتى أصابت أنفسهم السآمة والملل، فلسان حالهم لسان مقال لبيد:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ******* ثمانين حولا لا أبا لك يسأم.
فإن وقع من تلك حاله في الزنى، فذلك مئنة من رسوخ هذه الفاحشة في طبائعه، فيقع فيها طبعا لا شهوة، فالتكرار قد صيرها ملكة راسخة في نفسه، وبئس الملكة، فلم تعد حالا أو صفة، بل لا يكون فاعلها في تلك السن المتقدمة إلا مدمنا فلا تزيده الأيام إلا تعلقا بتلك الفعلة كمدمن المخدرات، فالشهوات، وإن كان العارض النفسي فيها أظهر، لا تختلف كثيرا عن المخدرات، وإن كان العارض الجسدي فيها أظهر، فمعنى الإدمان في كليهما ظاهر، والشاهد أن ذلك وجه اختصاص هذا الصنف من الشيوخ بهذا الصنف من الوعيد، وإن كان جنس الزناة متوعدا، ولكن الوعيد في حق بعض أفرده آكد، فالوعيد يتفاوت، بل قد يمتنع في حق بعض الأفراد دون بعض، فموانع نفاذ الوعيد قد تقوم بعاص فيمتنع في حقه، وإن نفذ في حق آخر، فالجهل والتأويل .... إلخ مما يرتفع به الوعيد، وتلك من صور العذر التي تدل على عظم رحمة الرب، جل وعلا، وتنكير لفظ شيخ مئنة من الإطلاق والنوعية، فنوع الفعل مذموم، بغض النظر عن عين الفاعل، والنوعية، كما تقدم، لا تستلزم نفاذ الوعيد في كل فرد، بل قد يمتنع في بعض دون بعض على التفصيل المتقدم.
ثم جاء ذكر الصنف الثاني: ملك كذاب:
فيجمعه مع الصنف الأول: انتفاء الداعي إلى ارتكاب المعصية التي تقبح من كل أحد عموما ولكنها تقبح ممن ليس له فيها حاجة خصوصا، فليس للملك، لا سيما إن كان جبارا في الأرض له من القوة الجائرة ما يقهر به رعيته ليحفظ ملكه العارض!، ليس له ما يضطره إلى الكذب الذي جاء على حد المبالغة، فهو أيضا: ملكة راسخة في نفسه، فوعود الرخاء المزعوم، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، هي رأس ماله، وكلها وعود تتألف بها النفوس الوضيعة والهمم الخسيسة، فلا يعنيها أن يضيع أمر الديانة، طالما التذت بالمطاعم والمناكح التي يشترك فيها الإنسان مع سائر أجناس الحيوان فذلك معقد الولاء والبراء الذي تلتف حوله الجماهير لتبايع ملوك الجور، وليتهم وفوا بشيء من ذلك مع خسته!، وإن كان حفظ المعايش غرضا رئيسا من أغراض الشريعة، فلا تعنى بأمر الآخرة وتهمل أمر الدنيا، كسائر الديانات الوجدانية التي تحقر من شأن الدنيا مطلقا، فتلك رهبانية لا تستقيم معها حياة، ولكن صيانة المعايش لا يعني تقديمها على أمور الديانة، فيبذل الدين طلبا لعرض زائل من أعراض الدنيا، فـ: "يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا"، فنكر العرض تحقيرا، فأول ما يبذله: دينه!، ومن شاء فلينظر إلى
(يُتْبَعُ)
(/)
المهازل الانتخابية في البلاد العربية الديمقراطية! التي تشترى بها الأصوات بأبخس الأثمان فقد يشترى الصوت، أحيانا، بوجبة دسمة! وتلك قيمة الإنسان في غياب حكم النبوة.
فمنصب الرياسة السياسية ما وضع في هذه الشريعة الربانية على حد الوجوب إلا لحفظ الدين بل إقامته لتساس به الدنيا، فالوحي مهيمن بأحكامه على أمور المعاش، فلا تكون سياسة مرضية إلا إذا كانت شرعية، وذلك ما يقض مضجع العلمانية التي تهيمن في زماننا على مقاليد الأمور في أغلب أمصار المسلمين، فشعارها المعلن بلا خجل: لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين، وذلك إقصاء صريح للوحي عن منصب الرياسة لتتولاه عقول البشر التي تشرع تبعا لأهوائها وأذواقها، مع تجمل أصحابها بعبارات الاحترام للدين، فهو مكون رئيس من مكونات النفس البشرية، فلا تستقيم أحوالها إلا به، ولكنه مكون وجداني لازم لا يتعدى أثره إلى واقع الحياة، فليس إلا تصورات، ومشاعر باطنة، وشعائر ظاهرة، على أحسن الأحوال!، فتمارس في دور للعبادة، من جنس كنائس ما بعد الثورة الفرنسية!، فمفهوم العبادة قد تقلص فلا يتعدى حدود دور العبادة، فتصير الدنيا، مع غياب سلطان الشرع، ميدانا للتصارع بين المتنافسين على مناصب الملك والإمارة، فكلٌ يكذب قدر استطاعته ليتألف قلوب الجماهير بوعود معسولة فالمستقبل معه وحده، والتنمية لن تتحقق إلا على يديه، والكذب بضاعة رائجة في طرائق السياسة النفعية وإن كانت كاسدة في طرائق السياسة الشرعية.
ثم جاء ذكر الصنف الثالث وهو أيضا قد اتصف بنقيض حاله، فـ: عائل مستكبر:
فليس له من أسباب الكبر نصيب، فكان اتصافه به بل حرصه عليه، فقد قصده قصدا، كما تدل على ذلك حروف الزيادة: الألف والسين والتاء فهي مئنة من الطلب، كان ذلك آكد في الذم ولحوق الوعيد بفاعله إلا أن يشاء الرب، جل وعلا، عدم نفاذه.
&&&&&
ومن ذلك أيضا:
ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَنَّانُ الَّذِي لاَ يُعْطِي شَيْئًا إِلاَّ مَنَّهُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ:
فأولئك ثلاثة أخر، فالمنان: كثير المن فليس له من الإخلاص حظ، فجاء الاسم على جهة المبالغة مئنة من عظم الفعل وكثرة وقوعه، فهو عظيم المن كثيره، فجاء الاسم مجملا ثم جاء البيان بالموصول عقيبه، فذلك مئنة من العموم، فضلا عن تعليق البيان على الصلة، فذلك آكد في البيان، فالمعنى الذي اشتقت منه جملة الصلة وهو امتناع الإعطاء إلا مقرونا بالمن، هو محط الفائدة، وقد جاء الفعل المضارع في سياق نفي، فدل ذلك، على عموم آخر، فتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل، وذلك نص في العموم، فلا تفلت عطية من أعطياته من منة، ولذلك جاء لفظ: "شيئا" منكرا فذلك عموم ثالث، فضلا عن دلالته على التحقير، بالنظر إلى رسوخ هذا الخلق الذميم في نفسه فلا يعطي شيئا، ولو حقر، إلا منه، والفعل المضارع مئنة من التجدد والاستمرار، فذلك، أيضا، مما يزيد المعنى توكيدا، فكلما جدد عطية قرن بها منة!، والقصر بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء: "لاَ يُعْطِي شَيْئًا إِلاَّ مَنَّهُ"، مما يزيد المعنى، أيضا، رسوخا وتوكيدا، فاجتمع في هذه الجملة مع وجازتها: أنواع شتى من البيان: إجمالا جاء البيان عقيبه، وتعريفا بالموصول مئنة من العموم، فضلا عن صور العموم والتوكيد في جملة الصلة، وذلك من البلاغة بمكان.
وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ: فاسم الفاعل قائم مقام المضارع، وهو، كما تقدم، مئنة من التجدد والاستمرار، فحلفه الكاذب خلق راسخ في نفسه، فضلا عن عموم: "أل" الموصولة التي تدل على العموم المستغرق لأفراده، فتقدير الكلام: والذي ينفق سلعته، فلا يختص الحكم بحالف دون آخر، بل يستغرق اللفظ بدلالة الموصول كل حالف، فذلك من جنس العموم في قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فـ: "أل" فيه موصولة لا تختص بسارق دون آخر، فليس فيها معنى العهد الذي روج له من روج ليتوصل بذلك إلى إبطال حد السرقة بقصره على معهود بعينه، وقرينة عموم
(يُتْبَعُ)
(/)
التشريع فضلا عن قرينة اللفظ، فـ: "أل" الداخلة على اسم الفاعل الذي يعمل عمل مضارعه، وإن كان أضعف منه، مظنة الوصل، فلفظ: "السارق" يكافئ قولك في غير التنزيل: والذي يسرق، فتقوم "أل" مقام الموصول الاسمي، ويقوم اسم الفاعل مقام مضارعه، وعادة الله، عز وجل، في العصاة، ألا يفضحهم، بأول فعلة، كما قد أثر عن عمر، رضي الله عنه، فـ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَفْضَحُ عَبْدَهُ بِأَوَّلِ مَعْصِيَةٍ، فالمضارعة دليل على تجدد الفعل واستمراره، وإن لم يظهر منه إلا آخر مراته، فيبعد أن يقع سارق من أول سرقة، أو زان من أول فعلة، وتلك من صور ستر الرب، جل وعلا، للعصاة ورحمته بهم.
وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ: فيجري عليه، أيضا، ما يجري على المنفق، فـ: "أل" فيه موصولة، وصلتها تنزل منزلة المضارع فتلك ملكة راسخة فيه، فتقدير الكلام: والذي يسبل إزاره، وهو مطلق في هذا السياق، فذلك وعيد المسبل مطلقا، ولا يلزم من ذلك، كما قرر من تكلم من المحققين من أهل العلم في مسائل الأسماء والأحكام، لا يلزم منه نفاذ الوعيد في حق كل مسبل بل قد يمتنع نفاذه في حق أفراد لقيام المانع من جهل أو تأويل أو حسنات ماحيات ....... إلخ، وقد جاء الفعل مقيدا بوعيد آخر في سياق آخر: "لا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ"، فمن أهل العلم من حمل الإطلاق في السياق الأول على القيد في السياق الثاني، فلا يكون الوعيد إلا في حق من جر إزاره خيلاء، فيكون ذلك من صور حمل المطلق على المقيد، كما قرر أهل الأصول، ومنهم من أعمل النصين، فنص في وعيد من جر مطلقا، ونص في وعيد من جر خيلاء. وهذا الوجه أولى ففيه إعمال لنصوص الباب والإعمال أولى من الإهمال كما قد قرر ذلك من تكلم في مبحث الجمع بين الأدلة المتعارضة وهو مبحث أصولي نافع.
والله أعلى وأعلم.(/)
التشبيهات في سورة المؤمنون
ـ[تناهيد]ــــــــ[03 - 08 - 2010, 04:39 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخواني و أخواتي أعضاء منتدى فصيح لجأت لكم بعد ما ضاقت بي السبل
على أمل أن أجد لديكم ضالتي التي عانيت الكثير في البحث عنها
فكلِ أملٌ بالله ثمٍ بكم أن تساعدوني في إيجاد ما أبحث عنه
كلفت ببحث من أقسامه " التشبيه في سورة المؤمنون"
من يساعدني في إيجاد التشبيهات كامله أو بعضها مع ذكر مصادرها
واسأل الله العلي العظيم أن يفرج لهُ ما يضيقُ بهِ صدره.
ـ[أنوار]ــــــــ[12 - 08 - 2010, 09:05 م]ـ
وعليكِ السلام ورحمة الله ..
لكِ أختي الكريمة أن تعودي لكتب التفاسير وبالذات التي عنت بالجانب البلاغي ..
ككشاف الزمخشري، أو تفسير الطاهر بن عاشور ,,
وانظري ظلال القرآن لسيد قطب فهو جدير بالقراءة إذ يعطي أبعادا نفسية للمعاني ..
بالتوفيق ,,(/)
هل كانت العرب تستخدم المثنى في المجاز؟؟
ـ[أحمد العاشر]ــــــــ[03 - 08 - 2010, 06:12 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
هل كانت العرب تستخدم المثنى في التعبيرات المجازية؟؟
لأني قرأت لشيخ الإسلام ابن تيمية أن ذلك لا يحدث عند العرب ..
كان يتكلم عن مسألة" نفي التأويل في الأسماء والصفات عند السلف " ..
فكان يقول في قول الله " يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ..... "
"يدي":بتشديد الياء ..
أنها لا تحتمل الكناية أصلا لأن العرب لا تكني عن القدرة مثلا وهي مفردة بمثنى، ولا عن النعمة وهي نعم لا تحصى بالمثنى ..
طبعا أصدق كلام الشيخ، لكن أريد دليلا على ذلك من كتب البلاغة إن تيسر ..
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[07 - 08 - 2010, 04:08 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي أحمد العاشر
القاعدة العامة في طلب الدليل: أن النافي لقضية ما لا يطالب بالدليل, وإنما يُطلب الدليل من المُثبت للقضية
فمن قال إن المجاز يأتي بلفظ التثنية عند العرب’ صح أن نقول له ما الدليل؟ لا إن نفى ذلك, فإن نفى قضية ما, والحق خلافها, أتينا نحن بالدليل الذي يبطل دعواه, ولا نطالبه بالدليل.
والقاعدة: أن المُثبِت مُقَدَّم على النافي؛ لأن مع المثبت زيادة علم أوجبت تقديمه.
هذه قاعدة عامة في مسائل الخلاف.
وللفائدة فشيخ الاسلام وتلميذه ابن القيم وغيرهم من أئمة اللغة لا يرون في كلام العرب ما يسمى بالمجاز. والخلاف في هذه المسألة مشهور في كتب العقائد واللغة.
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[07 - 08 - 2010, 10:03 م]ـ
بوركت أستاذنا الفاضل
للتذكير: شبكة الفصيح تتبع مذهب أهل السنة والجماعة وتنفي المجاز في باب الأسماء والصفات
وهذا الأمر لا يمكن مناقشته في الفصيح لأن الشبكة لغوية ولا تبحث في مسائل الخلاف بين الفرق
ـ[الخلوفي]ــــــــ[07 - 08 - 2010, 10:12 م]ـ
بوركتم جميعا
ـ[أحمد العاشر]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 03:41 ص]ـ
حياكم الله جميعا
أنا أتكلم في مسألة لغوية لا عقائدية، أنا أعلم أن مذهب أهل السنة هو نفي المجاز في الصفات، لكن أتكلم عن استدلال بعينه من شيخ الإسلام بهذه النقطة اللغوية ..
ا
لقاعدة العامة في طلب الدليل: أن النافي لقضية ما لا يطالب بالدليل, وإنما يُطلب الدليل من المُثبت للقضية
فمن قال إن المجاز يأتي بلفظ التثنية عند العرب’ صح أن نقول له ما الدليل؟ لا إن نفى ذلك, فإن نفى قضية ما, والحق خلافها, أتينا نحن بالدليل الذي يبطل دعواه, ولا نطالبه بالدليل.
والقاعدة: أن المُثبِت مُقَدَّم على النافي؛ لأن مع المثبت زيادة علم أوجبت تقديمه.
هذا في المناظرات مثلا، لكن المقصود هو أثناء الحوار في هذه المسألة من أجل الإقناع يا أستاذنا.
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 07:10 ص]ـ
بوركت أستاذ أحمد ..
لعلي أبحث في هذه المسألة ..
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 08:13 ص]ـ
هذا نص كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وهو غاية في الوضوح والتفصيل لمن تأمله
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: أَنَّ لَفْظَ " الْيَدَيْنِ " بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي النِّعْمَةِ وَلَا فِي الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ لُغَةِ الْقَوْمِ اسْتِعْمَالَ الْوَاحِدِ فِي الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ: {إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} وَلَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ} وَلَفْظُ الْجَمْعِ فِي الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أَمَّا اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْوَاحِدِ فِي الِاثْنَيْنِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فِي الْوَاحِدِ فَلَا أَصْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَدَدٌ وَهِيَ نُصُوصٌ فِي مَعْنَاهَا لَا يُتَجَوَّزُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: عِنْدِي رَجُلٌ وَيَعْنِي رَجُلَيْنِ وَلَا عِنْدِي رَجُلَانِ وَيَعْنِي بِهِ الْجِنْسَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَاحِدِ يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ وَالْجِنْسُ فِيهِ شِيَاعٌ وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَمْعِ فِيهِ مَعْنَى الْجِنْسِ وَالْجِنْسُ يَحْصُلُ بِحُصُولِ الْوَاحِدِ. فَقَوْلُهُ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقُدْرَةُ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ بِالِاثْنَيْنِ
(يُتْبَعُ)
(/)
عَنْ الْوَاحِدِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ النِّعْمَةُ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ لَا تُحْصَى؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ النِّعَمِ الَّتِي لَا تُحْصَى بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " لِمَا خَلَقْت أَنَا " لِأَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا ذَلِكَ أَضَافُوا الْفِعْلَ إلَى الْيَدِ فَتَكُونُ إضَافَتُهُ إلَى الْيَدِ إضَافَةً لَهُ إلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}. أَمَّا إذَا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى الْفَاعِلِ وَعَدَّى الْفِعْلَ إلَى الْيَدِ بِحَرْفِ الْبَاءِ كَقَوْلِهِ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي أَنَّهُ فَعَلَ الْفِعْلَ بِيَدَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِمَنْ تَكَلَّمَ أَوْ مَشَى: أَنْ يُقَالَ فَعَلْت هَذَا بِيَدَيْك وَيُقَالُ: هَذَا فَعَلَتْهُ يَدَاك لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ: فَعَلْت كَافٍ فِي الْإِضَافَةِ إلَى الْفَاعِلِ فَلَوْ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِالْيَدِ حَقِيقَةً كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً مَحْضَةً مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَلَسْت تَجِدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَا الْعَجَمِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ فَصِيحًا يَقُولُ: فَعَلْت هَذَا بِيَدَيَّ أَوْ فُلَانٌ فَعَلَ هَذَا بِيَدَيْهِ إلَّا وَيَكُونُ فَعَلَهُ بِيَدَيْهِ حَقِيقَةً. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا يَدَ لَهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَدٌ وَالْفِعْلُ وَقَعَ بِغَيْرِهَا. وَبِهَذَا الْفَرْقِ الْمُحَقَّقِ تَتَبَيَّنُ مَوَاضِعُ الْمَجَازِ وَمَوَاضِعُ الْحَقِيقَةِ؛ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْآيَاتِ لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ أَلْبَتَّةَ مِنْ جِهَةِ نَفْسِ اللُّغَةِ. قَالَ لِي: فَقَدْ أَوْقَعُوا الِاثْنَيْنِ مَوْقِعَ الْوَاحِدِ فِي قَوْلِهِ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} وَإِنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِلْوَاحِدِ. قُلْت لَهُ: هَذَا مَمْنُوعٌ؛ بَلْ قَوْلُهُ: {أَلْقِيَا} قَدْ قِيلَ تَثْنِيَةُ الْفَاعِلِ لِتَثْنِيَةِ الْفِعْلِ وَالْمَعْنَى أَلْقِ أَلْقِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ خِطَابٌ لِلسَّائِقِ وَالشَّهِيدِ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ خِطَابٌ لِلْوَاحِدِ قَالَ: إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مَعَهُ اثْنَانِ: أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ فَيَقُولُ: خَلِيلَيَّ خَلِيلَيَّ ثُمَّ إنَّهُ يُوقِعُ هَذَا الْخِطَابَ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ كَأَنَّهُ يُخَاطِبُ مَوْجُودَيْنِ؛ فَقَوْلُهُ: {أَلْقِيَا} عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ إنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِاثْنَيْنِ يُقَدَّرُ وُجُودُهُمَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ ... اهـ مجموع الفتاوى
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 08:40 ص]ـ
بوركت أستاذ أبا سهيل، على هذا الشرح الوافي ..
جعله الله في موازين حسناتكم، وللخير وفقكم ..(/)
من حديث: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ .. "
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 08 - 2010, 03:15 م]ـ
ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ:
فذلك من التوطئة بالقسم استحضارا للأذهان، وشحذا للعقول، فالقسم مئنة من عظم شأن المقسم به، فلا يقسم إلا بعظيم، ولا عظيم يقسم به البشر إلا ربهم، جل وعلا، فلم يشرع لهم قسم بغيره، فليس للمخلوق أن يقسم إلا بخالقه، جل وعلا، فلا يقسم بمخلوق، وإن عظم شأنه، وإن كان خير الخلق: محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالقسم به محظور، فليس في كلام أهل العلم إباحة لذلك، إلا وجها ضعيفا خرجه من خرجه من أهل العلم على جواز التوسل بذاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالأصل: مختلف فيه والراجح حظره فلا يتوسل بالذوات وإن شرفت، والفرع: آكد في باب الحظر، فالخلاف فيه أضعف بكثير، فلا يقسم بغير الله، عز وحل، وإن شرف، وأما الرب، جل وعلا، فيقسم بما شاء من مخلوقاته، ولا يقسم، عز وجل، إلا بعظيم، فأقسم بالشمس والقمر، فذلك قسمه بأجرام سماوية تدل بإتقان صنعتها وإحكام سننها الذي تجري عليه على عظم قدرته، جل وعلا، فآياته الكونية مئنة من نفاذ مشيئته جلالا وإتقان صنعته جمالا، وأقسم بنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يقسم ببشر غيره، فـ: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) على أصح قولي أهل العلم في المقسم به في هذه الآية فالمقسم هو الرب، جل وعلا، والمقسم به هو حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو المقسم هم الملائكة والمقسم به هو حياة لوط عليه السلام لورود الآية في بيان أمره مع قومه لما أرادوا إيذاء ضيفه، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، والقول الأول هو الراجح المشهور، فذلك، أيضا، مئنة من عظم شأن رسوله الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبعثه بخاتم رسالاته، فهي زبدة ما تقدمها من الرسالات، فجمعت من أخبارها ما جمعت، وزادت عليها ما زادت، فخبر النبوات عموما: أصدق خبر، وخبر النبوة الخاتمة خصوصا بما تكفل به الرب، جل وعلا، من حفظه: معدن الصدق، فلم يدخله ما دخل الكتب الأولى من التبديل، وحكم النبوات عموما: أعدل حكم، وحكم النبوة الخاتمة خصوصا: معدن الحكمة، فقد جمعت من أحكام ما تقدم من الكتب: محكمها، وزادت عليها ما زادت، فأحكامها أعدل الأحكام، فالنبوة: خبر يصدق، وحكم يمتثل، فتأويل الإيمان بالخبر: تصديقه على حد الجزم، وذلك تصديق يلزم منه تأويل الحكم بامتثاله، فلازم الإقرار الجازم علما: الامتثال الكامل عملا، فليس تصديقا مجردا عن دليله، كتصديق الجاحد الذي استيقن بقلبه وأبى الانقياد بظاهره، فقوله: قول مجرد في القلب دون عمل باطن من محبة وخوف يحمل صاحبه على الفعل رغبة والكف رهبة، فذلك تأويل عقد الإيمان في القلب، ولا ينفك عن تأويله في الظاهر قولا باللسان وعملا بالأركان، فيكتمل عقد الإيمان بالنبوات، التي أقسم الرب، جل وعلا، بآخر حامليها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقسمه به مئنة من عظم الرسالة الخاتمة فهي الرسالة العالمية بقرينة ما يأتي من قيام الحجة العامة ببلوغ خبر الرسالة، فذلك من البيان العام، فحده حد آيات من قبيل: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)، فالموصول مئنة من العموم، فيشمل سائر من بلغته الرسالة الخاتمة على وجه تقوم به الحجة الرسالية البالغة، و: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)، فهي مركز الأرض، فمن حولها: موصول آخر يعم كل الأمم حولها، شرقيها وغربيها، عربيها وأعجميها، أبيضها وأسودها ..... إلخ، و: (اصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ): فإطلاق الفعل مئنة من العموم، فاصدع بما تؤمر فذلك من الصدع العام، فلم يقيد بخبر دون آخر، أو حكم دون آخر، بل اصدع بكل ما أمرت ببلاغه من الأخبار والأحكام
(يُتْبَعُ)
(/)
التي تصح بها العقود الباطنة والأعمال الظاهرة، واصدع في كل مجتمع وناد، فليست الرسالة لأمة بعينها، فذلك الإطلاق مئنة من عموم الرسالة الخاتمة، وكل ذلك مما نسخ به البيان الخاص في قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، فتلك، بداهة، أولى مراتب الدعوة، فلا يدعى البعيد قبل القريب، ولا تمنع دعوة القريب من دعوة البعيد، بل الجمع بينهما ممكن مقدور، فالتكليف به جائز، عقلا، فلا يكون، على هذا الوجه، نسخ لآية البيان الخاص، بل ذلك من الزيادة على النص، فلا يلزم من الزيادة إبطال المزيد عليه، فزيادة الأمر بالصلاة على الأمر بالزكاة، على سبيل المثال، لا يلزم منها إبطال حكم المزيد عليه، بل يعم الأمر كليهما، وزيادة وجوب الظهر على وجوب العصر، لا يلزم منها إبطال وجوب العصر، بل كلاهما فرض، فكذلك وجوب البيان العام فإنه لا يبطل وجوب البيان الخاص، بل كلاهما واجب بالنظر في أدلة الباب: جمعا واستقصاء لأركان صورة الاستدلال فلا ينظر إلى ركن دون آخر، بل ينظر إلى الأدلة جميعا: رواية لألفاظها ودراية بصحيحها من ضعيفها، لتكتمل صورة الاستدلال: استنباطا لأحكامها، فلا يكون استدلال صحيح إلا بدليل صحيح ينظر فيه بآلة عقلية صريحة.
والشاهد أن التبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أقسم بربه، جل وعلا، على جهة التعريف بالموصول، فعلق القسم على الموصوف بالمعنى الذي اشتقت منه جملة الصلة، وهو ملك نفس محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: خلقا وتدبيرا، فنفسه بيد خالقه، جل وعلا، الذي قدرها في الغيب، وبرأها في الشهادة، وصورها على أكمل هيئة باطنة وظاهرة، فنفسه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكمل نفس مخلوقة، ونفسه بيد خالقه، جل وعلا، تدبيرا عاما بإجراء أسباب الحياة التي تشترك فيها عامة النفوس، وتدبيرا خاصا بالحفظ والرعاية فذلك مما اختص به الرب، جل وعلا، المؤمنين: أنبياء وصالحين، وللأنبياء منه أعظم قدر، وللنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم منه حظ ليس لغيره من الأنبياء عليهم السلام، فـ: (اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)، فالتزم الأمر الشرعي بالصبر لحكم الرب، جل وعلا، فإنك محفوظ بأمره الكوني، فـ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، فبلغ الأمر الشرعي فإنك معصوم بالأمر الكوني حال البلاغ، وإن جرى عليك ما يجري على سائر البشر من أعراض المرض والموت ...... إلخ.
واليد، على هذا الوجه، قد فسرت بلازمها، لقرينة السياق، فملك الأنفس مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، خلقا وتدبيرا، فهي: صفة ذات خبرية، فذلك الأصل، ولها من اللوازم المعنوية ما لا يمتنع مع إثباته: إثبات الأصل، فلا تنفى الصفة بإرادة لازمها، وإنما يثبت اللازم تبعا للسياق الذي وردت فيه، ويثبت الأصل على الوجه اللائق بجلال الرب، جل وعلا، فيجمع في الإثبات بين الأصل والفرع، أو الملزوم واللازم، فذلك فرقان بين طريقة أهل السنة في هذا الباب الجليل، فلا يقدحون في الأصل بفرعه، فالتفسير باللازم لقرينة سياقية صحيحة لا يلزم منه إبطال الملزوم، وطريقة المتكلمين الذين يثبتون اللازم ويتذرعون به إلى نفي الملزوم فرارا من التشبيه الناشئ من قياس عقلي فاسد قيست فيه أوصاف الرب، جل وعلا، على أوصاف خلقه، وليس ذلك بلازم ليلتزم، بل هو ممتنع شرعا وعقلا، فوقوع الاشتراك في المعاني الذهنية بين صفات الرب، جل وعلا، وصفات المخلوق، لا يلزم منها وقوع الاشتراك في الحقائق الخارجية.
والشاهد أن: القسم، على هذا الوجه، مئنة من عموم قدرة الرب، جل وعلا، وذلك آكد في تقرير معنى تكليفي إلزامي كوجوب الإيمان بالرسالة الخاتمة تصديقا وامتثالا، ولعل إظهار اسمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الإمعان في التمهيد إلى ما سيأتي من وجوب الإيمان به، فذلك أقوى في الدلالة على ذلك من قوله: والذي نفسي بيده.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم جاء ذكر المقسم عليه بعد تلك التوطئة فـ: لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ: فلا يسمع به صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحد، فالعموم قد ثبت في موضعين:
بتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل، (لا يسمع)، وهو مخصوص بدلالة العقل بـ: السمع الذي تقوم به الحجة الرسالية، فهي في حق اليهود والنصارى آكد، لما عندهم من علم الكتاب الأول وفيه من أخبار النبوات، والبشارة بالنبوة الخاتمة، وعلاماتها ودلائلها وأوصاف حاملها صلى الله عليه وعلى آله وسلم الباطنة والظاهرة، فيه من كل ذلك ما يجعل الأمر بالإيمان بها في حقهم آكد، وإن لم يختص بهم، فالرسالة عامة في حق غيرهم، فذكرهم في هذا السياق ليس بمخرج لغيرهم، بل هو جار مجرى التمثيل للعموم بذكر بعض أفراده تنويها بشأنهم، لما لهم من الخصائص العلمية التي ليست لغيرهم فليس من علم جنس النبوات فهو لها مثبت، وبيده بقايا منها وإن وقع فيها من التبديل ما وقع، فكثير منها، مع ذلك، لم يبدل بما في ذلك: البشارة بالنبوة الخاتمة رسالة ورسولا، بأوصاف ظاهرة لا إجمال فيها يقع به غموض أو إلباس، فليس من ذلك حاله كحال من لم يعلم بالنبوات ابتداء، أو ليس له من العلم بها حظ يضارع حظ أهل الكتاب، فهم قبل البعثة أعظم البشر حظا في هذا الباب، فكان توجه الخطاب إليهم آكد، وإن لم يلزم منه، كما تقدم، انتفاء توجهه إلى غيرهم، بل يعمهم ويعم كل مكلف صحيح الآلة التكليفية فالاستطاعة الشرعية التي يتعلق بها التكليف في حقه حاصلة، فهذا عموم أول.
وأما العموم الثاني فهو أظهر بتسلط النفي على النكرة: "أحد": فذلك من صور العموم القياسية في لسان العرب، وخصت النكرة بوصف: "من هذه الأمة": فـ: "أل" في الأمة: عهدية ذهنية تشير إلى معهود بعينه هو: أمة الدعوة، فليس اليهود والنصارى من أمة الإجابة بداهة، إذ ليسوا بمؤمنين بالرسالة فذلك وصف أمة الإجابة، ثم جاء التقييد بالبدل: "يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ": لما تقدم من قرينة التمثيل للعموم بآكد أفراده، فتعلق الحكم بهم آكد من تعلقه بغيرهم فليس من علم كمن جهل، فلا يسمع به صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحد من أمة الإجابة يهوديا أو نصرانيا أو صاحب ديانة أرضية ...... إلخ، ثم يموت ولم يؤمن برسالته، إيمانا تحصل به النجاة، فلا ينفع الإيمان بعد المعاينة، ولا ينفع الإيمان بعد طلوع الشمس من مغربها فـ: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)، فلا يسمع بالرسالة الخاتمة أحد ثم يكفر بها تكذيبا، أو إعراضا، أو عنادا واستكبارا: إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، فذلك من القصر بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء، إمعانا في تقرير المعنى، وهو قصر حقيقي، فمن بلغته الحجة الرسالية على وجه تقوم به بحصول البيان الذي يزول به كل إجمال وتندفع به كل شبهة، مع انتفاء الإعراض عن طلب الحق، فليست تلك بشبهة معتبرة يعذر صاحبها، فالتولي والاستكبار عن طلب الحق، أو التلهي عنه بشهوة أو عرض من أعراض الدنيا، مع كونه أعظم القضايا المصيرية، فقضية النجاة بعد الموت بحصول السعادة الآبدية مطلوب كل العقلاء من سائر الأمم ولو لم يكن لها من النبوة حظ، كل ذلك مما لا يعذر صاحبه فقد جبل على طلب الحق، فنفسه حساسة متحركة إليه، لا تطمئن إلا بالركون إليه، والرجوع إلى الفطرة الأولى التي لا يزيل كدرها ويفصل أخبارها وأحكامها، إلا الوحي المنزل فهو الفيصل فيما يقع بين البشر من نزاع في هذا الشأن الجليل، فكلٌ، كما تقدم، يروم النجاة، ولكن لكل عقله الذي يتصور أسباب النجاة تصورا يباين تصور غيره، فلا يفصل النزاع بين عقول البشر في تعيين أسباب النجاة إلا وحي من علم أحوال الخلق، وما يصلحهم فأمرهم به، وما يفسدهم فنهاهم عنه، على لسان أنبيائه: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فالنبوة هي معدن النجاة، ولذلك علق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الهلاك على انتفاء الإيمان بها، فذلك منطوق يفيد بمفهومه: النجاة بثبوت الإيمان بها.
(يُتْبَعُ)
(/)
والخبر كسائر أخبار الوعيد: يراد به إنشاء الترهيب من الكفر، والترغيب في ضده من الإيمان لزوما، فالنهي عن الشيء يستلزم الأمر بضده، كما أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.
وقوله: "أَصْحَابِ النَّارِ": مشعر بالاختصاص فصاحب الشيء أشد لصوقا به، وذلك آكد في الترهيب، وهو مشعر بديمومة العذاب، فضلا عن دلالة: "كان" على تحقق وقوع الأمر ودوامه، فتكون "أل" في "النار": عهدية تشير إلى معهود بعينه هو النار الأبدية السرمدية التي يخلد فيها المنافقون والكفار.
ووصف: "أصحاب النار" قد ورد في التنزيل في معرض بيان العذاب السرمدي فهو أمر قد اطرد في آي الكتاب العزيز من قبيل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، و: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، و: (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ)، و: (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، فهي في حق المنافقين لدلالة السياق في سورة المجادلة، وقد استثني من ذلك موضعان:
قوله تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ): على القول بأن قابيل لم يكفر بقتل أخيه، فالقتل كبيرة لا يكفر فاعلها إلا إذا استحلها.
وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً): فأصحاب النار هنا هم خزنتها وليسوا بمعذبين بداهة.
والشاهد أن وصف الصحبة في أغلب المواضع دال على دوام الملازمة وذلك كما تقدم مئنة من الخلود في العذاب جزاء وفاقا للكفر الأكبر بالرسالة الخاتمة إعراضا أو استكبارا.
ومثله وصف "أصحاب الجحيم": فالصحبة فيه، أيضا، مئنة من دوام اللبث، فهو عذاب الخلد، كما في نحو قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)، و: (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)، و: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)، و: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ).
والله أعلى وأعلم.(/)
عن خلافة الصديق والفاروق
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 08 - 2010, 02:55 م]ـ
عَنْ عَلِىٍّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا عَهْداً نَأْخُذُ بِهِ فِى إِمَارَةٍ وَلَكِنَّهُ شَىْءٌ رَأَيْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِنَا ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِى بَكْرٍ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى عُمَرَ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ:
فقد أكد علي، رضي الله عنه، كلامة بالمؤكد الناسخ، فلم يعهد إلينا: إما إشارة إلى نفسه في مقام المتكلم بصيغة الجمع على ما اطرد في كلام العرب من إطلاق الجمع وإرادة الواحد، أو الجمع مراد على حقيقته، فالكلام على بني هاشم، أو آل البيت، رضي الله عنهم، إبطالا لمن زعم الوصية التي أجمع الصحابة بما فيهم علي، رضي الله عنه، على نقضها، فبايعوا من لم يعهد إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكتم أهل التواتر الحق وأجمعوا على خلافة باطلة!، وذلك مما ينقض ضرورة العقل نقضا، فضلا عن مناقضته لما نقل من أحداث البيعة للثلاثة، رضي الله عنهم، ولم يحتج علي، رضي الله عنه، في إحداها بالوصية التي تحسم النزاع فهي نص لا يقبل المراجعة أو التأويل لو كان له وجود في دنيا الناس!، وما نقل بالتواتر كتابا وسنة من عدالة الجيل الأول، فلا ينظر في حالهم كمن أتى بعدهم، فتعديلهم مطلق، ومثل أولئك بداهة لا يتصور منهم ما لا يتصور من آحاد المؤمنين الصادقين من كتمان وصية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذلك من كتمان العلم الذي توعد صاحبه، فضلا عما أحدثه، بزعم من أثبت تلك الوصية، من تبديل لأحكام الديانة، وتحريف لنصوص الشريعة بما فيها التنزيل المحفوظ غمطا للحق الواجب لآل البيت عليهم السلام، وكل تلك اللوازم مما يناقض جملة من المعلوم من الدين بالضرورة من حفظ الشريعة والديانة، وعدالة الصحابة والقرابة، رضي الله عنهم جميعا، فإثباتها طعن فيهم جميعا، فبعض قد بدل، وآخر قد سكت جهلا أو خوفا أو نفاقا، في نازلة هي عند أصحابها ركن ركين من أركان الدين!، ولا يتصور، أيضا، من آحاد المؤمنين، السكوت عن إنكار ركن من أركان الملة، فكيف بمن بذلوا المهج والنفائس نصرة للدين الخاتم؟!.
وجاءت النكرة في سياق النفي مئنة من العموم فلم يعهد إلينا بأي عهد وَلَكِنَّهُ شَىْءٌ رَأَيْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِنَا: فذلك وجه ثالث لمرجع ضمير الجماعة فيحمل على جماعة المسلمين الذي أجمعوا على خلافة الصديق، رضي الله عنه، يوم السقيفة، وإن وقع الخلاف ابتداء، فقد انعقد الإجماع عقيبه فرفعه، على الراجح من أقوال أهل الأصول، وبايع من تخلف بعد ذلك كما قد جاءت بذلك الروايات الصحيحة، فبايع علي، رضي الله عنه، بلسانه، كما في حديث بيعة أبي بكر، رضي الله عنه، وفيه: "ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا، فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء. فقال: قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين؟ قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه. هذا أو معناه"، قال الحافظ بن كثير، رحمه الله، في "السيرة النبوية": "قال أبو علي الحافظ: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث، فكتبته له في رقعة وقرأته عليه. وهذا حديث يسوى بدنة.
فقلت: يسوى بدنه بل يسوى بدرة! ثم قد رواه البيهقي عن الحاكم وأبي محمد بن حامد المقبري، كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم، عن جعفر بن محمد بن شاكر، عن عفان بن مسلم، عن وهيب به"، وسنانه لما خرج مع الصديق، رضي الله عنه، إلى ذي القصة لحرب المرتدين، وصلاته فلم يتخلف عن الصلاة خلفه، بل قد قاس أمر الدنيا على أمر الدين قياس أريب مسدد، فـ: "قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر فصلى بالناس، وإني لشاهد غير غائب، وإني لصحيح غير مريض، ولو شاء أن يقدمني لقدمني فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا"، فذلك من قياس الأولى الذي يثبت فيه الحكم للفرع ثبوتا أقوى من ثبوته للأصل، فأمر الدين أعظم، فمن قدم
(يُتْبَعُ)
(/)
فيه قدم في أمر الدنيا بداهة.
ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ: فحذف الفاعل للعلم به، فقد كانت خلافة شورى يوم السقيفة، كما تقدم، فاستخلفه المسلمون، وإن لم ينص على ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأشار إليه بتقديمه في الصلاة، فذلك ترشيح غير ملزم، ولم يعين صلى الله عليه وعلى آله وسلم خليفته، على الراجح من أقوال أهل العلم، لا بنص جلي ولا خفي، لئلا يحرج على أمته، فيظن الناس أن هذا الخليفة معصوم عصمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو الذي استخلفه وأمر المسلمين ببيعته، أو يظنوا حصر اختيار الخلفاء في طريقة بعينها قد لا تلائم كل حال، فالأحوال تتبدل في المسائل المصلحية التي أرسلها الشارع، جل وعلا، فلم يشهد لها باعتبار أو إلغاء، فاختيار الخليفة واجب على الأمة لئلا تنكسر الشوكة، كما هي الحال في زماننا، وقد شغر الزمان عن إمام جامع لكلمة المسلمين، فذلك القدر الذي اعتبره الشارع، عز وجل، فأوجبه، على سبيل الكفاية في حق الأمة، وعلى سبيل التعيين في حق أهل الحل والعقد فيلزمهم ما لا يلزم آحاد المسلمين من وجوب اختيار إمام للمسلمين، وأما طريقة الاختيار فلا تتعين، بل كل طريقة حصل بها الرضا المعتبر شرعا، فهو مناط الحكم ووصفه المؤثر، ولم تخالف نصا من نصوص الدين أو قاعدة من قواعده الكلية، فلا حرج فيها، وذلك من يسر الشريعة ومرونتها لتلائم سائر الأعصار والأمصار، فلها ثوابت لا تتبدل، ولها متغيرات تخضع لما يستجد من الأعراف، فالثابت في هذه المسألة، وهي من مسائل السياسة الشرعية: وجوب نصب الأئمة والولاة صيانة للدين وسياسة للدنيا به، فهي مما يراد إرادة الوسائل إلى مقصد جليل هو إقامة أمر الدين مهيمنا على أمر الدنيا لا مرذولا معزولا عن النظر في الشأن الخاص والعام كما هي حال دين الكنيسة قبل العلمانية لما تقاسمت السلطة مع الدولة فجعلت لنفسها السلطة الدينية برسم الطغيان، وجعلت للدولة السلطة الزمنية برسم الظلم والعدوان، فأعط ما لله لله وأعط ما لقيصر لقيصر، فذلك فصام نكد يقع به التناقض الصريح بين الدين والدنيا، فالعداء بينهما قد بذر، ثم نما وأثمر علمانية معاصرة، ضج فيها العقلاء من طغيان الكنيسة الروحي وظلم الأباطرة الذي سكتت عنه الكنيسة بل أيدته في تآمر مكشوف، فسكنت الناس بأحلام الخلاص ودخول الملكوت، فصارت ديانة الكنيسة تحديدا أفيون الشعوب، فقد صدقت مقالة الشيوعيين على تلك الديانة المبدلة التي كرست الظلم وجعلت السكوت عنه والرضا به مقاما شريفا!، فتمادى المفسدون في الفساد تحت غطاء شرعي، حظي أصحابه بنصيب عظيم من كعكة الإقطاع والسخرة، فكانت الكنيسة مؤسسة تضارع مؤسسة الحكم في نفوذها ومصادر دخلها، بل قد زادت عليها في أحيان كثيرة، فانتصرت الكنيسة على الدولة في صراعات عديدة، كما هي حال الكنيسة في بعض أمصار المسلمين في مقابل دولة علمانية تتدعي في تجمل مكشوف أنها مدنية تحفظ لمواطنيها حرياتهم العامة بما فيها حرية المعتقد التي تعني حرية الردة عن دين الإسلام، لا الدخول فيه فذلك مما يغضب رءوس الضلالة، وأجبرتها على الرضوخ لمطالبها الجائرة، وإلا وقع الحرمان على ملوك بل شعوب بأسرها، فسوط الحرمان الكنسي قد جلد ظهور العامة والخاصة، فمن نطق بكلمة احتجاج ولو كانت حقا، فمآله إلى الحرمان، فلا دخول إلى الملكوت إلا عن طريق رجال الكهنوت، وتلك صورة من أبشع صور الطغيان الروحي الذي تمتاز به كل ملة أو نحلة باطلة، فلا بد أن يمارس رءوس الضلالة صنوفا من الإرهاب الفكري والجسدي، إن استدعى الأمر!، لقهر قلوب وعقول الأتباع التي تلح عليها جملة من المطالب العقلية الصحيحة عن سر هذه الهيمنة المطلقة على الأرواح والأبدان باسم الديانة، وليس لأولئك من خصائص تزيد عن خصائص عامة البشر فعلام هذا الطغيان؟!، ومن أعطى أولئك تلك الامتيازات التي لم تعط للأنبياء صفوة الخلق، فـ: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)، و: "لا تُطْرُوني كما أَطْرَت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله"، ولا زال شعب الكنيسة في الدول التي
(يُتْبَعُ)
(/)
لم يزل رءوس الكهنوت فيها أربابا تعبد!، لا زال يخضع لنواب المسيح عليه السلام، فلهم من حقوق التحلة والتبديل في الشريعة إباحة وحظرا، ما لا تقدر السماء على وقف تنفيذه!، فما عقد في الأرض لا يحل في السماء، وما حل في الأرض ولو كان إبطالا لأحكام الديانة أصولا أو فروعا فلا يعقد في السماء مرة أخرى، فقد استتر أولئك الطواغيت بتلك النيابة الجائرة الباطلة نقلا وعقلا، ليمارسوا ما شاءوا من شهوة التسلط على أتباعهم الذين رضخوا لهم تحت تأثير مخدر الخلاص، فذلك أفيون ديانة الكنيسة الذي تذرع به الشيوعيون في حربهم الشعواء على الدين، فلم يفرقوا بين دين محرف وآخر محفوظ يكفل للإنسان آدميته، ولم يكن عندهم من الإخلاص والتجرد ما يوقفهم على حقائق الدين الخاتم في مقابل حقائق الدين الكنسي المحرف، بل لو علموها لأنكروها واشتدوا في حربها فهم أعداء الدين جملة وتفصيلا، وأصولهم الفكرية ذات صبغة يهودية، ويهود أعداء النوع الإنساني عموما، وأصحاب الكتب السماوية ولو محرفة خصوصا، فأفسدوا دين النصارى ابتداء زمن شاءول ثم قضوا على آثاره الباهتة بثورات علمانية وشيوعية أحالته إلى التقاعد!، ثم صدرت تلك المذاهب الهدامة إلى العالم الإسلامي فلاقت رواجا في أزمنة الغيبوبة لا سيما بعد سقوط دولة الخلافة وذيوع النعرات القومية والطائفية، ولكنها لم تنجح فيما نجحت فيه في أوروبا، فبقي الدين محفوظا، وإن ضيق على أتباعه تضييقا لا زال المسلمون يعانون منه إلى يومنا هذا، على تفاوت، فلكل مصر من أمصار المسلمين منه نصيب قل أو كثر، فبقدر ظهور آثار النبوات تتراجع صور التضييق، وبقدر دروسها تتقدم صور التضييق فتعلو أسهم العلمانية وسائر المقالات الردية، بل وتكاد الشعائر الرئيسة للديانة تعطل، في تقليد مذموم لبدعة الأتاتوركية التي صارت نموذجا يحتذى لكثير من العلمانيات البائدة والباقية، والماضي والحاضر خير شاهد على هذا الصراع المحتدم بين النبوات وأضدادها من المقالات، فهما نقيضان يتدافعان، فلا يجتمعان ولا يرتفعان من محل واحد، بل متى ظهر أحدهما خفي الآخر لزوما، وتلك سنة ربانية نافذة، حتى يكون الظهور الأخير للنبوات كما قد بشر بذلك النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِى بَكْرٍ: فذلك من التعظيم لشأن الصديق، رضي الله عنه، بالخبر الذي أريد به إنشاء الدعاء بنزول الرحمات الربانية عليه، فضلا عن إظهار اسمه، وحقه الإضمار، فقد تقدم ذكره قريبا فأغنت الإشارة إليه بالإضمار عن إعادة ذكره، ولكن الإظهار في هذا الموضع أبلغ في تعظيم من هو أهل للتعظيم فذلك من إنزال الناس منازلهم، وهو أدب رفيع يليق بأمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ: فأقام غيره فذلك من التعدية إلى الغير بالهمزة، واستقام، فذلك من اللزوم في نفسه مزيدا بالألف والسين والتاء فهي مئنة من الطلب والحرص على سلوك سبيل الرشاد، فخيره في نفسه لازم، وإلى غيره متعد فهو الخليفة المطاع، فيجب له من السمع والطاعة في المعروف ما لا يجب لغيره.
ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ: فحذف الفاعل، أيضا، للعلم به، فقد استخلفه الصديق، رضي الله عنه، فتلك صورة اخرى من صور الاستخلاف، ولكنه لم يصدر في ذلك عن رأيه بل استشار كبار الصحابة من أهل الشورى، رضي الله عنهم، ثم حصل الإجماع على بيعته، فالوصف المؤثر، وهو الرضا العام، لا سيما من أهل الحل والعقد، قد تحقق في هذه الصورة أيضا، مع اختلافها عن صورة يوم السقيفة، فثبت أن الوصف المؤثر في حالة الاختيار هو: وقوع الرضا العام عن الخليفة المنتخب، ولا يلزم من ذلك الاستيعاب، بل يكفي في البيعة الخاصة التي يثبت بها عقد الولاية، يكفي فيها إجماع أهل الحل والعقد أو أكثرهم، فهم الأغلبية، في مسألة يسوغ فيها الاجتهاد ويتصور فيها وقوع الخلاف، فليست آلية الاختيار من الثوابت، كما تقدم، وإنما هي من قبيل المصلحة المرسلة التي ينظر فيها إلى وجه تحقق المصلحة أيا كان ما لم يخالف نصا أو أصلا مجمعا عليه، ولذلك صحت بيعة عثمان، رضي الله عنه، فقد تحقق لها الإجماع العام، فالوصف المؤثر فيها، أيضا، قد تحقق، وإن اختلفت الآلية، أيضا، فقد جمعت بين الاستخلاف
(يُتْبَعُ)
(/)
والاختيار معا فاستخلف رجال بأعيانهم، وترك اختيار أحدهم لأهل الحل والعقد ثم رضيت الأمة بالخليفة المنتخب فبايعته بيعة عامة كما قد أثر عن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، وصحت أيضا، خلافة علي، رضي الله عنه، فقد أجمع أكثر أهل الحل والعقد عليها إلا ما كان من خلاف أهل الشام واعتراض بعض الأصحاب، رضي الله عنهم، لا طمعا في الأمر، وإنما طلبا لدم الخليفة الشهيد رضي الله عنه، فلم تكن الفتنة على أمر ديني، وإنما كانت لأمر اجتهادي في الإسراع أو الإبطاء في الاقتصاص من قتلة الخليفة الشهيد، رضي الله عنه، فحصل ما حصل من إفساد السبئية في يوم الجمل، واجتهاد الطائفتين في يوم صفين، فإجماع الأكثرية صاحبة الشوكة هو المعتبر في ذلك إن فات الإجماع العام، وقد كان ذلك لعلي، رضي الله عنه، وهو مما احتج به على معاوية، رضي الله عنه، فقد بايعه من بايع من الثلاثة، رضي الله عنهم، من المهاجرين والأنصار، ثم جاء التذييل بالدعاء، أيضا: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى عُمَرَ: وفيه ما في سابقه من الإخبار وإرادة الإنشاء به، والإظهار في موضع الإضمار تعظيما لصاحب الشأن، فحصل الإطناب بالتكرار إعطاء لكل ذي حق حقه، فللصديق نصيب من دعاء علي، وللفاروق نصيب يضارعه، فالشيخان، رضي الله عنهما، في منزلة لا مطمع لمن أتى بعدهما في إدراكها، ولذلك وقع الإجماع على تقديمهما في الفضل والخلافة، بينما ساغ الخلاف في تقديم علي على عثمان، رضي الله عنهما، في الفضل لا في الخلافة، وهو مذهب شيعة علي، رضي الله عنه، في الكوفة، فحكي عنهم الإقرار بخلافة وفضل عثمان، رضي الله عنه، ولكنهم قدموا عليا، رضي الله عنه، في الفضل، وهو خلاف قول جمهور الأمة في بقية الأمصار، فالراجح ترتيب الأربعة، رضي الله عنهم، كما تولوا: فضلا وخلافة.
فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ: فذلك أيضا من الإطناب بيانا لطريقة عمر، رضي الله عنه، في نفسه وفي غيره فلم يحد عما كان عليه صاحباه، فاستقام على الطريقة وأقام غيره عليها.
حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ: فتلك من الاستعارة لصورة البعير إذا برك ومد عنقه مئنة من الرسوخ والاستقرار، فتلك صورة محسوسة استعيرت لبيان صورة معقولة هي ما كان من رسوخ واستقرار أمر الديانة في عهد عمر، رضي الله عنه، فكان بابا موصدا دون الفتن، وكانت خلافته رحمة، وأطفأت دولته نيران المجوس وكسرت صلبان الروم، فتحررت سائر الأمصار من نير فارس والروم، وانثالت الغنائم عليه، فلم يحد عن طريقته في أخذ نفسه بالشدة، بل قد خشي أن تكون فتنة إن لم يعدل في قسمتها وأنى لمثله أن يجور في قسمة دنيا، وهي أهون ما يبذل نصرة للديانة؟!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[06 - 08 - 2010, 05:45 م]ـ
نفع الله بك الإسلام والمسلمين، وجزاك خير الجزاء.
ولم يعين صلى الله عليه وعلى آله وسلم خليفته، على الراجح من أقوال أهل العلم، لا بنص جلي ولا خفي، لئلا يحرج على أمته، فيظن الناس أن هذا الخليفة معصوم عصمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو الذي استخلفه وأمر المسلمين ببيعته، أو يظنوا حصر اختيار الخلفاء في طريقة بعينها قد لا تلائم كل حال، فالأحوال تتبدل في المسائل المصلحية التي أرسلها الشارع، جل وعلا، فلم يشهد لها باعتبار أو إلغاء، فاختيار الخليفة واجب على الأمة لئلا تنكسر الشوكة، كما هي الحال في زماننا، وقد شغر الزمان عن إمام جامع لكلمة المسلمين، فذلك القدر الذي اعتبره الشارع، عز وجل، فأوجبه، على سبيل الكفاية في حق الأمة، وعلى سبيل التعيين في حق أهل الحل والعقد فيلزمهم ما لا يلزم آحاد المسلمين من وجوب اختيار إمام للمسلمين، وأما طريقة الاختيار فلا تتعين، بل كل طريقة حصل بها الرضا المعتبر شرعا، فهو مناط الحكم ووصفه المؤثر، ولم تخالف نصا من نصوص الدين أو قاعدة من قواعده الكلية، فلا حرج فيها، وذلك من يسر الشريعة ومرونتها لتلائم سائر الأعصار والأمصار
ـ[عبود]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 06:15 ص]ـ
بارك الله فيك(/)
أرجو المساعدة
ـ[بريق الماس]ــــــــ[12 - 08 - 2010, 01:49 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ارجوا مساعدتي في الاجابه على بعض الاسئلة
موضوع السرقات الشعرية
قضية اللفظ والمعنى عند الجاحظ_ابن قتيبة_ابو هلال العسكري
قضية النظم عند عبد القاهر الجرجاني
اللي يعرف الجواب الصحيح يجاوبني لاني احتاجها في اختبار الماجستير
ولكم جزيل الشكر(/)
من حديث: "إن قلوب بني آدم .... "
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 08 - 2010, 04:02 م]ـ
من حديث: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمان كقلب واحد يصرفها كيف يشاء ثم قال عليه السلام: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك:
فذلك من التوكيد بالناسخ، واسمية الجملة فضلا عن التوكيد اللفظي بـ: "كلها"، وعرفت القلوب بالإضافة إلى بني آدم، فهم محط التكليف بحمل الأمانة، فليس المراد بالقلوب المضغ المحسوسة التي تنبض في الصدور، فتلك توجد في صدور الطير والوحش، وأفعال الطير والحيوان، وإن كانت كلها مخلوقة بمشيئة الرب، جل وعلا، سواء أكانت اختيارية أم اضطرارية، إلا أنها ليست محل تكليف، وإن وقعت منها أفعال تأله وعبودية، فـ: (إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)، بخلاف أفعال المكلفين من الآدميين، فهي محل تكليف، إن كانت اختيارية لا اضطرار فيها بخطأ أو نسيان أو إكراه، فـ: "إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به"، فرفع الحكم لا الفعل فما وقع من الأفعال لا يرفع بداهة، فدل السياق بدلالة الاقتضاء على محذوف يستقيم به الكلام، فرفع الله، عز وجل، حكم الفعل لا عينه، وذلك إجمال آخر، يلزمه مزيد بيان، فإن الحكم المرفوع جنس تندرج تحته أنواع، أو نوع تندرج تحته أفراد، ولا مشاحة في الاصطلاح، فتحته: التكليفي الذي يتعلق به الثواب والعقاب، فذلك هو المرفوع، والوضعي الذي يتعلق بقيم المتلفات، فذلك الموضوع فلا يرفع، فيلزم المخطئ والناسي قيم متلفاته وديات جناياته وأروش جراحاته، وإن كان غير آثم، والشاهد أن أفعال العباد من جهة الأمر الكوني كأفعال الحيوان فكلها خاضعة للمشيئة الربانية النافذة، فما شاء الرب، جل وعلا، منها كان، وما لم يشأ لم يكن، فهو خالق الذوات والأحداث التي تقوم بها اضطرارا واختيارا، فحركات القلب منها الاضطراري كحركة المضغة خفقانا، وحركة الدم جريانا، ومنها الاختياري كحركة النفس في المعقولات فكرا، وحركتها في المحسوسات تخييلا، فقوى التخييل والتفكير مما يستدعيه المكلف اختيارا، فيستحضر ما شاء من الصور المختزنة في ذاكرته، ليعالجها قلبه بقوى الفكر فيولد منها تصورات وإرادات يظهر أثرها على اللسان والأركان ضرورة، فاعتقاد الباطن لا بد أن يؤثر في الظاهر قولا وفعلا، فذلك من التلازم بمكان، وإنكاره: سفسطة وجحد للضرورات العقلية التي أجمع عليها عامة العقلاء من كل الأمم، فلا يتصور ظاهر مقطوع الصلة والنسبة إلى الباطن، فمهما تجمل أصحاب البواطن الخربة، فلا بد أن يظهر فساد باطنهم على ظواهرهم ولو فلتات قولية أو فعلية، فتجريد ظاهر لا علاقة له بالباطن بيانا لمجمل النفوس، وباطن لا علاقة بالظاهر فهو منشأ حركاته وسكناته، وتجويز وقوع باطن سليم التصورات والإرادات لا يؤثر في الظاهر مع صحة آلاته وانتفاء عوارض الأهلية، فيكون الباطن في غاية الصلاح، والظاهر في غاية الفساد، في تناقض محض تقطع فيه الصلة الضرورية بينهما، كل أولئك من المحالات العقلية التي وقع فيها من وقع من المتكلمين الذين أخرجوا القول والفعل من مسمى الإيمان فلا يدل عليهما تضمنا، بل لزوما، بل قد قال بعضهم: لا يدل عليه على وجه تحصل به نسبة بينهما، بل هو خارج عن ماهيته تضمنا أو لزوما، وإنما هو ثمرته، وماهية الثمرة تباين ماهية الشجرة، والقول والعمل ثمرة الإيمان فعلا، فيصح هذا القول من وجه، ولكنها ليست ثمرة مقطوعة لا نسبة بينها وبين أصلها، بل هي جزء رئيس وركن ركين منه، فدلالة الإيمان على أجزائه: الاعتقاد والقول والعمل: دلالة مطابقة فهو اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان، ودلالته على بعضها: دلالة تضمن، فيدل على الاعتقاد بمفرده، أو الاعتقاد والقول معا، أو الاعتقاد والعمل معا ..... إلخ من الصور الجزئية يدل عليها: دلالة كل على جزئه، وحركات القلب منها الاختياري، كحركة القلب في المعقولات والمحسوسات، كما تقدم، وتلك هي محل التكليف، فتقع بإرادة المكلف، فبها يناط الثواب والعقاب، إلا ما كان خاطرة ترد اضطرارا فيدافعها صاحبها باستعاذة تذهب هاتف الشر الشيطاني فهو مؤثر خارجي، واستغفار يقمع
(يُتْبَعُ)
(/)
نازع الشر النفساني فهو مؤثر داخلي، فلا مؤاخذة على حديث النفس إلا إن انتقل من دائرة الخواطر العابرة إلى دائرة الإرادات الجازمة، فيتعلق به الثواب والعقاب وإن لم يقع الفعل في الخارج فمن هم بحسنة كتبت له حسنة، فقد هم بها جزما، لولا ورود المانع الكوني، ومن هم بسيئة فإن تركها لله، كتبت حسنة، وإن تركها لعارض كوني لم تكتب شيئا، وإن عقد النية الجازمة على اقترافها فعجز عن ذلك لمانع خارجي كتبت له سيئة، فالجازم في حكم الفاعل في أحكام الثواب والعقاب الأخروي، وإن لم يكن في حكمه في أحكام الثواب والعقاب الدنيوي.
بين إصبعين من أصابع الرحمان كقلب واحد: فتلك كناية عن كمال تصرفه، جل وعلا، في القلوب إقامة أو إزاغة، فمن شاء أقامه فضلا، ومن شاء أزاغه عدلا، ولا يلزم من التكنية بالأصابع، نفي حقيقتها الثابتة لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، بلا قياس تمثيل أو شمول، فهي من صفاته الذاتية الخبرية، فلا يستقل العقل بإثباتها، بل ذلك من الجائز، فلا يوجبه العقل ولا يمنعه إلا إن وقع في قياس التمثيل أو الشمول فقاس وصف الرب، جل وعلا، على وصف عباده، فنفرت نفسه من هذا الإلزام العقلي الباطل الذي ألزم به نفسه، وليس بلازم!، فلا يمنع العقل شيئا ثابتا في هذا الباب بنص صريح إلا أن خاض فيه بقياس عقلي باطل، فلا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح الذي يثبت الوصف لكل موجود على وجه يليق بذاته، فيثبت أوصاف الرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بذاته القدسية، ويثبت أوصاف المخلوق على الوجه اللائق بذاته الأرضية، فالوصف فرع، والذات أصل، وللفرع حكم أصله بداهة، فكما انتفت الشراكة في الحقيقة بين ذات الرب، جل وعلا، وذوات العباد، وإن جمعها كلها اسم ومعنى الذات الكلي المطلق، فذلك معنى ذهني لا يلزم من إثباته تشبيه إذ لا يمنع تصوره في الذهن وقوع الشركة فيه على وجه لا يلزم منه وقوع الشركة في الخارج، فكما انتفت الشراكة في الذوات، انتفت، أيضا، في الأوصاف، لزوما، فهي الفرع الذي يأخذ حكم أصله، كما تقدم، فلا يلزم، أيضا، من اشتراكها في الأسماء والمعاني الكلية المطلقة اشتراكها في الحقائق الخارجية، بل لكل موصوف: وصف يليق بذاته، والشاهد أن وصف الأصابع من: الجائز العقلي، فلا يوجبه العقل ولا يمنعه، فإذا أثبته النص الصحيح: سلم العقل له فهو التابع المقلد في باب الغيب، والرب، جل وعلا، ذاتا وصفات، أعظم الغيوب، فلا يدرك العقل كنه ذاته القدسية أو صفاته العلية، وإن أدرك معانيها الكلية فبالإيمان بها تعلق التكليف الشرعي دون خوض في كنه أو كيف.
وإذا كان المراد في هذا الحديث: المعنى الكنائي أصالة، دون نفي للمعنى الحقيقي، كما اطرد في كلام البلاغيين في حد الكناية، إذا كان ذلك هو المراد في هذا الحديث، فإن المعنى الحقيقي قد أريد في نصوص أخر من قبيل حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا يَهُودِيُّ حَدِّثْنَا فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ عَلَى ذِهْ وَالْأَرْضَ عَلَى ذِهْ وَالْمَاءَ عَلَى ذِهْ وَالْجِبَالَ عَلَى ذِهْ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى ذِهْ وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ بِخِنْصَرِهِ أَوَّلًا ثُمَّ تَابَعَ حَتَّى بَلَغَ الْإِبْهَامَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ"، وفي رواية عند ابن أبي عاصم، رحمه الله، في "السنة": "قال أبو بكر: قلت لأبي الربيع: فضحك تصديقا؟ قال: نعم ثنا محمد بن المثنى، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا سفيان بن سعيد، حدثني منصور، وسليمان الأعمش، عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. قال يحيى: وكان فضيل بن عياض يزيد فيه عن منصور: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقا لقول الحبر؟ قال: نعم"، وفي رواية عند ابن منده، رحمه الله، في "كتاب التوحيد" حديث: 510، ص361: "قال يحيى بن سعيد: وزاد فضيل ابن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم
(يُتْبَعُ)
(/)
تعجبا وتصديقا له"، فليس في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو فعله أو تقريره: قياس تشبيه، بل ذلك من جنس ما روى سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا، وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ قُلْتُ، (أي الحافظ البيهقي، رحمه الله، في "الأسماء والصفات"): وَالْمُرَادُ بِالإِشَارَةِ الْمَرْوِيَّةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْقِيقُ الْوَصْفِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالسَّمْعِ.
فالمراد: توكيد إثبات الوصف على جهة الحقيقة رفعا لاحتمال المجاز الذي تعلق به مؤولة الصفات، فهي صفات حقيقية ثابتة للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فمعانيها الكلية من جنس معاني الصفات التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يلزم من ذلك، كما تقدم، الاشتراك في الحقائق الخارجية التي تتبع الذات كمالا أو نقصانا، فللرب، جل وعلا، منها أكمل وصف، فهو اللائق بذاته القدسية، وللعبد منها ما يليق بذاته الأرضية.
فهي بين إصبعين من أصابع الرحمان كقلب واحد: فذلك تشبيه مرسل ذكر فيه المشبه به والمشبه وأداة التشبيه، فهي كقلب واحد، وذلك، أيضا، مئنة من كمال تصرفه، عز وجل، فيها، فهي عنده كقلب واحد، فكما يسمع العباد جميعا، ويرزقهم جميعا، ويحاسبهم جميعا، ويبعثهم جميعا: فـ: (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، يقلب قلوبهم جميعا بأمره الكوني النافذ، فلا تصدر حركة إرادية باطنة أو فعلية ظاهرة إلا بمشيئته، جل وعلا، فيقلب القلوب أصلا والجوارح تبعا في أجناس الإرادات والأقوال والأفعال، صلاحا بفضله، أو فسادا بعدله، فهو خالق الخير والشر معا، فالأول مراد لذاته يوافق الإرادة الشرعية الحاكمة والإرادة الكونية النافذة، والثاني مراد لغيره يخالف الشرع وإن وافق القدر، فلا شيء، كما تقدم، من السكنات أو الحركات، دقت أو جلت، إلا وقد علمه الرب، جل وعلا، أزلا، وكتبه جزما في كتاب عنده فـ: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)، فما فرطنا في الأرزاق أو الهيئات أو الأخلاق أو الأفعال أو الأقوال من شيء، فتسلط النفي على النكرة في سياق مؤكد بزيادة: "من" التي تفيد التنصيص على العموم، تسلط النفي على النكرة على هذا الوجه: مئنة من العموم فلا يخرج شيء في الكون عن مشيئته، جل وعلا، ثم أخرجه جل وعلا إلى عالم الشهادة خلقا بإرادته النافذة، فالمخلوق: ذاتا أو معنى، لا يخرج عن علم وقدرة خالقه، جل وعلا، ولا يكون خلقه إلا لحكمة ظاهرة، كما في خلق الخير، أو آجلة كما في خلق الشر، فبه يستخرج، جل وعلا، بحكمته البالغة، من الخير العظيم ما يفوق مفسدته العاجلة، وتلك عين الحكمة التي اتصف الرب، جل وعلا، بها وجوبا نقليا وعقليا، فالخالق المدبر لا يكون إلا عليما بخلقه، قديرا على إيجاده حكيما في تدبيره.
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يصرفها كيف يشاء: قيد رافع لإجمال التشبيه، فحسن الفصل لشبه كمال الاتصال بين المجمل ومبينه، فوجه الشبه قد لا يظهر لكل مخاطب، فيتولد في ذهنه التساؤل عنه، فيأتي الجواب على جهة التذييل المبين، أو وجه الشبه، إن صح جعل هذا القيد وجه الشبه، فيكون التشبيه مرسلا مفصلا، وتلك أظهر صور التشبيه، فلا إجمال فيها لاكتمال أركانه والتعقيب بذكر وجه الشبه، وقد يقال بأن هذه الجملة خبر ثان، ورد عقيب الخبر الأول إمعانا في البيان، كما تقدم، وحسن الفصل، أيضا، للتلازم الوثيق بين المبتدأ والخبر، وإن تعدد، فلعل ذلك مئنة من كونه: أبلغ في توكيد المعنى من الوصل بالعاطف، فقولك: محمد شاعر كاتب، أبلغ في إثبات المعاني التي دلت عليها الأخبار: "شاعر"، و: "كاتب"، من قولك: محمد كاتب وشاعر،
(يُتْبَعُ)
(/)
فالفصل، ولو بالواو التي تفيد مطلق التشريك، نوع تراخ في إثبات المعنى، فلا يستوي والسياق الذي تذكر فيه المعاني متعاقبة بلا وصل، فتتابع المعاني بلا فواصل من عواطف رابطة للألفاظ: آكد في تقرير المعاني وإثباتها، وقد قال بعض أهل العلم باستواء الوجهين فجعل العطف من قبيل تعدد الأخبار، أيضا، فهو عنده على ضربين: ضرب ترد فيه الأخبار متعاقبة بلا عاطف، وآخر ترد فيه متعاقبة موصولة بالعاطف الذي يفيد الاشتراك في حكم الإسناد إلى المبتدأ.
وقد يقال بأن ذلك من قبيل: التقييد بالحال، فيكون قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يصرفها كيف يشاء": حالا مقيدة، فتقدير الكلام: إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن حال كونه يقلبها كيف يشاء، ولا تنفك القلوب عن التقليب، بل قد اشتق اسمها من مادته فهي سريعة التقلب لا تثبت على حال إلا أن يثبتها الرب، جل وعلا، فتغلي غلي المراجل وتتقلب تقلب القدور، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن دوما، فالمضارعة في: "يصرفها": مئنة من التجدد والاستمرار، فيحدث الرب، جل وعلا، من تصاريفه الكونية للقلوب ما يشاء، فذلك من وصفه الفعلي المتجدد، فـ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، فيهدي ضالا بفضله، ويضل مهديا بعدله، ويغني فقيرا، ويفقر غنيا ..... إلخ من التصاريف الكونية التي تتقلب فيها البرية، فالكون، خاضع لأمر خالقه، جل وعلا، فلا يخرج شيء منه عن تصريفه الكوني النافذ.
ثم ذيل صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدعاء: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، فضمن فعل الدعاء "صرف" معنى الفعل: "اصرف" أو "وجه"، وفي رواية أخرى جاء الفعل على وجهه متعديا بـ: "على" فـ: "يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ" فلا تضمين: فالرب، جل وعلا، مصرف القلوب، فذلك من أسمائه المقيدة الدالة على وصف فعل كوني ثابت له على جهة التجدد، فيتعلق بمشيئته الكونية النافذة، وذلك وجه الإتيان باسم الفاعل، فدلالته الزمانية من دلالة مضارعه، وإن كان أضعف في العمل، فليس اسمه: "مصرف القلوب": اسما مطلقا ليصح التسمي به على جهة التعبيد، بل هو، كما تقدم، من أسمائه المقيدة الدالة على كمال مشيئته، ففعل التصريف مئنة من كمال القدرة والعلم والحكمة، كما تقدم، فصدر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدعاء بإثبات وصف التصريف المطلق للرب، جل وعلا، فذلك من دعاء الثناء بين يدي دعاء المسألة الذي جاء مقيدا بتصريف قلبه على الطاعة، فيا مصرف القلوب بأمرك الكوني النافذ: صرف قلبي على أمرك الشرعي الحاكم فلا يكون إلا طاعة، فذلك من التوطئة بوصف الربوبية تذرعا إلى حكم الألوهية على ما اطرد من التلازم الوثيق بينهما، وبين الوصف: "مصرف"، وفعل الدعاء: "صرف": جناس اشتقاقي فمادتهما واحدة، وذلك آكد في بيان المعنى بظهور العلاقة الوثيقة بين وصف الرب، جل وعلا، وما يطلبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو أثر من آثار ذلك الوصف الجليل.
وفي هذه الأيام الفاضلة خصوصا، وفي هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن عموما، لا يجد الإنسان خيرا من هذا الدعاء زادا يتقوى به على مدافعة الشبهات والشهوات، فكم تقلبت قلوب كان ظاهرها الصلاح، علم الرب، جل وعلا، فيها بعلمه المحيط: مادة فساد خفية، فاستخرجها بمكره، فهو خير الماكرين، فظهر عوار صاحبها، فبالفتنة تستخرج مكنونات النفوس، وليس زمان السلامة والقوة الذي يدعي كلٌ فيه الإيمان، كزمان الابتلاء والضعف الذي تزل فيه أقدام فـ: "يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا"، وما أكثر من باع دينه في زماننا استرضاء لكافر أو مارق من الديانة، أو طمعا فيما عنده من لعاعة هذه الدار، وما أكثر من خذل المؤمنين في زماننا وأسلمهم إلى الكافرين طمعا في رضاهم، ولن يرضوا!، فذلك خبر الوحي الصحيح، فـ: (لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، فالقلوب عموما: متقلبة، وفي أزمنة الفتن تصير: أشد تقلبا، ولا يأمن الفتنة على نفسه إلا جاهل، والجهل سبب رئيس في السقوط في الشبهات التي قد تأتي على أصل الديانة دون أن يشعر صاحبها لعظم جهله، كمن فقد الإحساس بالألم فقد يبتر عضو من أعضائه، وهو لا يشعر!، وما لجرح بميت إيلام.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عبود]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 05:39 ص]ـ
بارك الله فيك
ـ[معاني]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 06:05 ص]ـ
جزاك الله خيرا(/)
من قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ .... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 08 - 2010, 03:34 م]ـ
من قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ):
فمن آياته الكونية التي تدل على كمال ربوبيته إيجادا وعناية بالخلق بتدبير أمر الليل والنهار، فبتعاقبهما يصلح أمر الكون، فتلك من السنن الكونية المطردة، وتلك من صور تأثير الأسباب الكونية في تسيير المسبَّبات، فبتعاقب الليل والنهار تصلح الأبدان، وتصلح الزروع والثمار، بل وتصلح الأديان، فقد علقت جملة من الشعائر الظاهرة على أسباب وضعية، لا يملك البشر تسييرها، كزوال الشمس لوجوب الظهر، وطلوع الهلال لوجوب الصوم ..... إلخ من شروط الوجوب، أو أحكام الوضع التي لا يملك العبد إيقاعها، فلا يتعلق بها التكليف، فكل أولئك مما علق بأسباب الكون المحكمة التي يسيرها الرب، جل وعلا، بمشيئته النافذة، وقدم ما حقه التأخير تشويقا وتوطئة للمبتدأ الذي أسندت إليه النسبة الشريفة إلى رب الخليقة، جل وعلا، فهي من آياته جل وعلا، فأي نسبة أعظم من النسبة إليه، جل وعلا، ونسبة الآيات الكونية إلى الرب، جل وعلا، تباين نسبة الآيات الشرعية إليه، فنسبة الآيات الكونية إليه: نسبة مخلوق إلى خالقه، يدل على كمال ربوبيته إتقانا للصنعة وإحكاما للسنة التي يسير عليها، كما في تعاقب الملوين أو الجديدين: الليل والنهار. ونسبة الآيات الشرعية إليه: نسبة صفة إلى موصوف، فآياته الشرعية من جملة وحيه الرحماني إلى رسله عليهم السلام، ووحيه من كلامه، وكلامه، جل وعلا، من وصفه، فالوحي من أمره الشرعي، والخلق من أمره الكوني، فبه يكون المخلوق، فالأمر غير مخلوق، فهو، أيضا، من جملة كلمات الرب، جل وعلا، فيصح إطلاق الوحي، عليه من هذا الوجه فيوحي إلى الملائكة: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، ويوحي إلى النحل: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)، وذلك يباين بداهة وحيه الشرعي إلى رسله عليهم السلام وإن اشترك كلاهما في وصف الوحي المطلق.
فمن آياته الكونية الباهرة: الليل والنهار، فالليل، أصل، قدم لتقديم التنزيل له: (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ)، فالمسلوخ فرع المسلوخ منه، بداهة، ثم عقب بذكر الأجرام التي تظهر في كليهما، على طريقة اللف والنشر غير المرتب أو المعكوس كما سماه صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله في موضع آخر، فالشمس تكون في النهار، والقمر يكون في الليل، والتعقيب بذكرهما من باب التتميم للمعنى، فهما، أيضا، من جملة الآيات الكونية الباهرة، والتعقيب بذكرهما، أيضا، من باب التذييل بالسبب عقيب المسبَّب، فالليل والنهار من آثار حركة هذه الأجرام، فبطلوع الشمس يكون الضياء، وبغروبها تكون الظلمة التي ينيرها ضوء القمر.
وبعد التوطئة بذكر آيات الربوبية، جاء التذييل بالتكليف الإلهي، فأمر كوني يدل على وجوب صفات الكمال إيجادا وتدبيرا لرب البرية، جل وعلا، فذلك موطئ لكمال انفراده بمنصب الربوبية، فهذان قسما التوحيد العلمي الخبري، وأمر شرعي يدل على حكمته البالغة فهو مئنة من وجوب إفراده، جل وعلا، بمنصب الألوهية، فذلك القسم الثالث من أقسام التوحيد وهو: التوحيد الطلبي الإرادي، فحصل بهذه الجملة اليسيرة من الكلمات خبرا عن الربوبية، وإنشاء للألوهية، حصل بها: تقرير لمعاني التوحيد الثلاثة، وهي أعز ما يطلب، وأعظم ما يقر ويثبت، فبها صلاح الدين بالسنة الشرعية وصلاح الدنيا بالسنة الكونية.
(يُتْبَعُ)
(/)
والشاهد أنه بعد التوطئة بآيات الكون، جاء الإنشاء بالنهي والأمر: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ: على جهة الفصل فلا عاطف لشبه كمال الاتصال بينهما، فالأول بمنزلة العلة أو السبب، والثاني بمنزلة المعلول أو النتيجة، فالتلازم بينهما وثيق فالانتقال من الملزوم الكوني إلى اللازم الشرعي لا يستدعي وصلا بعاطف، فـ:
فذلك من طباق السلب فـ: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ: نفيا عاما تسلطت فيه الأداة على المصدر الكامن في الفعل فأفاد ذلك العموم الذي أكد بتكرار أداة النفي وتكرار اللام في: "للقمر"، وَاسْجُدُوا لِلَّهِ: إثباتا، فذلك وجه السلب في الطباق بتضاد النفي والإثبات، فنفي المعنى ثم أثبت، لاختلاف جهة التقييد، فالمنهي عنه، غير المأمور به، وإن كان الفعل واحدا، فذلك من وحدة النوع التي لا يلزم منها وحدة الأفراد، بل قد يرد القيد الحاظر في فرد كالسجود لغير الله، جل وعلا، ويرد القيد المبيح بل الموجب في فرد آخر كالسجود لله جل وعلا.
وقد نبه بالشمس والقمر على بقية الأجرام العلوية، ونبه بالأجرام العلوية على الأجرام السفلية من باب أولى، فالأعلى أشرف قدرا، فإذا امتنع السجود له، امتنع للأدنى بداهة.
قال في "نواقض الإيمان القولية والفعلية" نقلا عن "الدين الخالص":
"قال بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية: إن من أراد أن يكون عبداً لله خالصاً، فلا يسجد إلا له سبحانه، ولا يسجد للشمس والقمر، نبه بهما على غيرهما من المخلوق العلوي، فالسفلي من الأحجار والأشجار والضرائح ونحوها بالأولى. وقد دلت هذه الآية على أن ديننا، هو أن السجود حق الخالق، فلا يسجد لمخلوق أصلاً كائناً ما كان، فإن المخلوقية يتساوى فيها الشمس والقمر، والولي والنبي، والحجر والمدر، والشجر ونحوها". اهـ
وتعلق الأمر بالسجود بوصف الألوهية الذي اشتق منه اسم: "الله" على القول باشتقاقه، والخلاف في هذه المسألة معروف، فوجه الاشتقاق في هذا الباب: الاشتقاق اللغوي الاصطلاحي الذي ترد فيه المشتقات إلى أصولها اللفظية كرد اسم الفاعل المشتق: ساجد، إلى مادة: سجد التي اشتق أو أخذ منها، فلا يلزم منه الحدوث الذي احترز منه من نفى الاشتقاق في هذا الباب. وتعلق السجود، وهو أحد صور التأله الظاهر بالنظر إلى معناه الاصطلاحي الذي يدل على الخضوع بوضع الجبهة على الأرض، أو الانحناء على جهة التعظيم، فذلك، أيضا، من السجود، وإن لم تكن هيئته هيئة السجود المعهود في الصلاة، وعليه حمل ابن القيم، رحمه الله، السجود في قوله تعالى: (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ)، فلا يتصور دخول حال وضع الجبهة على الأرض، وإنما يتصور حال الانحناء تعظيما للرب، جل وعلا، وخضوعا وشكرانا له أن نصرهم وكتب لهم الظفر على عدوهم، وهو، أيضا، أحد صور التأله الباطن بالنظر إلى معناه الكلي المطلق في الذهن، فمادة سجد مئنة من الخضوع والتذلل، وتلك معان تقوم أول ما تقوم بالباطن، ثم تظهر آثارها لزوما على الظاهر، على ما اطرد بيانه من التلازم الوثيق بين الباطن بعلومه وإراداته، والظاهر بأقواله وحركاته، فالباطن معدن العلوم ومنشأ الإرادات التي تقع بها الأقوال والأفعال مصدقة، كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "النفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"، فصدق الظاهر ما قام بالنفس من الأماني الباطنة إن صارت جزما، وكذبها إن كانت هما، فالخاطرة ترد على كل قلب، ولا يلزم من ورودها: أثر ظاهر على الجوارح، بل لا حساب عليها حتي تصير هما جازما، فيظهر أثرها لزوما على الظاهر إن لم يقم به مانع. فتعلق السجود وهو أحد صور التأله، كما تقدم، تعلقه باسم: "الله": ملاءمة بين فعل العبد تألها، ووصف الرب، جل وعلا، ألوهية واجبة الامتثال بتصديق الخبر وامتثال الأمر والنهي.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم جاء الإطناب في وصف الله، عز وجل، بالموصول الذي دلت مادة صلته على علة الأمر بالسجود له، جل وعلا، والنهي عن السجود لهن: وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ: فمادة الخلق: مئنة من الربوبية، وهي، كما تقدم، علة استحقاقه، جل وعلا، منصب الألوهية فهو الرب إيجادا وتدبيرا، وهو الإله: عبودية وتشريعا، وفيه من القياس الصريح ما ينبه كل عقل صحيح، فهلا سجدتم يا من تعبدون الذوات الأرضية فتتوجهون إليها بصور السجود الحسي: كالسجود للأصنام والمشاهد، والمعنوي كالخوف والخشية من غير الله، عز وجل، على وجه يعتقد صاحبه ملك غيره، جل وعلا، الضر والنفع، على جهة الاستقلال، كما يقع من الغلاة في المعظمين من أهل الأرض سواء أكانوا عظماء حقا كالأنبياء وأولياء الرحمن وحال النصارى في غلوهم في المسيح عليه السلام وغلو طوائف من هذه الأمة في الأئمة من آل البيت عليهم السلام والأولياء خير شاهد على ذلك، أم كانوا غير ذلك كالسحرة والكهان والمشعوذين وأولياء الشيطان والطواغيت الذين شرعوا من الدين ما لم ياذن به الله ومن جملته ما أحدثه أرباب الشرائع الوضعية من أحكام تضاد بل تناقض أحكام الوحي، فهلا سجدتم للذي خلق أولئك، فكلهم من جملة خلقه الخاضع لأمره، فـ: (مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)، فالسجود له واجب من باب أولى، إن صح على سبيل التنزل مع الخصم فرض مشروعية سجودهم لغير الله، عز وجل، فالخالق أولى بالسجود من المخلوق بداهة، فتلك مسلمة عقلية بدهية لا يماري فيها إلا جاهل أو مسفسط.
ويشير ابن القيم، رحمه الله، في إلى طرف من مسلك أولئك الضلال في "زاد المعاد" بقوله:
"جاء شيوخُ الضلال والمزاحِمون للربوبية الذين أساسُ مشيختهم على الشِّرك والبدعة، فأرادوا مِن مريديهم أن يتعبَّدوا لهم، فزيَّنوا لهم حَلْقَ رؤوسهم لهم، كما زيَّنوا لهم السجودَ لهم، وسمَّوه بغير اسمه، وقالوا: هو وضعُ الرأس بين يدى الشيخ، ولعَمرُ الله إنَّ السجود لله هو وضعُ الرأس بين يديه سبحانه، وزيَّنوا لهم أن ينذُروا لهم، ويتوبُوا لهم، ويَحلِفُوا بأسمائهم، وهذا هو اتخاذُهم أرباباً وآلهةً مِن دُونِ الله، قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوْا عِبَاداً لِّى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً، أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 79 - 80].
وأشرفُ العبودية عبوديةُ الصلاة، وقد تقاسمها الشيوخُ والمتشبهون بالعلماء والجبابرة، فأخذ الشيوخُ منها أشرفَ ما فيها، وهو السجود، وأخذ المتشبهون بالعلماء منها الركوعَ، فإذا لقي بعضُهم بعضاً ركع له كما يركع المُصَلِّى لربه سواء، وأخذ الجبابرةُ منهم القيامَ، فيقوم الأحرار والعبيد على رؤوسهم عبوديةً لهم، وهم جلوس، وقد نهى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه الأُمور الثلاثة على التفصيل، فتعاطِيها مخالفةٌ صريحة له، فنَهى عن السجود لغير الله وقال: "لا يَنْبغِى لأَحَدٍ أنْ يَسْجُدَ لأحَدٍ". وأنكر على مُعَاذٍ لَمَّا سَجد له وقال: "مَهْ". وتحريمُ هذا معلوم من دينه بالضرورة، وتجويزُ مَن جَوَّزه لغير الله مُراغمَةٌ للهِ ورسوله، وهو من أبلَغِ أنواع العبودية، فإذا جَوَّز هذا المُشرِكُ هذا النوعَ للبَشَر، فقد جوَّز العبودية لغير اللهِ". اهـ
ويقول في موضع آخر في "الجواب الكافي":
(يُتْبَعُ)
(/)
"ومن خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما غاية الحب مع غاية الذل هذا تمام العبودية وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه به في خالص حقه وهذا من المحال أن تأتي به شريعة من الشرائع وقبحه مستقر في كل فطرة وعقل ولكن غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق وعقولهم وأفسدتها عليهم واجتالتهم عنها ومضى على الفطرة الأولى من سبقت له من الله الحسنى فأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بما يوافق فطرهم وعقولهم فازدادوا بذلك نورا على نور يهدي الله لنوره من يشاء إذا عرف هذا فمن خصائص الإلهية السجود فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به ومنها التوكل فمن توكل على غيره فقد شبهه به ومنها التوبة فمن تاب لغيره فقد شبهه به ومنها الحلف باسمه تعظيما وإجلالا فمن حلف بغيره فقد شبهه به". اهـ
وذلك أمر قد ظهر جليا في دين النصارى المبدل، ففي زماننا يسجد لرءوسهم، كما نشاهد في صور تنقل هيئات مشينة من الخضوع المهين لكرامة أي آدمي، فضلا عن أن يكون ذا ديانة، بزعمه، فيرتكب باسم الديانة، عين ما ينقض به الديانة!، فقد ترأس ذلك الضال باسم النيابة عن المسيح، أو الإله، فهو نائبه في الأرض!، والوكيل ينزل منزلة الأصيل، فله من حقوق التشريع والغفران والتوبة ..... إلخ ما للرب، جل وعلا، وتلك صورة فاحشة من صور الشرك في الربوبية: فلا يغفر الذنوب إلا الله جل وعلا، وإن أبى أصحاب كراسي وصكوك الغفران، والشرك في الألوهية فلا سجود إلا لله، جل وعلا، ولا ينفكان عن شرك في التصور العلمي لأسماء الرب، جل وعلا، وصفاته، جفاء في حق المعبود بحق، وغلوا في حق معبود أرضي، يترأس طائفة من الجهال برسم الطغيان الروحي والإرهاب الفكري والجسدي لكل من يخرج عن أمره، فتصيبه الفتنة أو العذاب الأليم!، فلو علم أولئك حقيقة وصف الرب، جل وعلا، وحقيقة وصف من اتخذوه نائبا بلسان المقال، وبديلا بلسان الحال فماذا بقي لله، عز وجل، بعد التشريع والمغفرة بل والسجود الظاهر بين يديه، وإنما يؤتى المرء من قبل جهله، فهو منشأ التعصب الأعمى وقرينه، فلا يكون تعصب لمعبود باطل إلا فرعا عن جهل مركب، فيجهل صاحبه وصف الرب، بل يتصوره على خلاف ما أخبرت به الرسل، ويجهل من وجه آخر حقيقة معبوده الباطل فينسب له ما ليس له من أوصاف الربوبية تأثيرا فذلك من صور الشرك في الأمر الكوني كما يقع ممن يعتقد الضر والنفع في الأموات من الطواغيت وتشريعا فذلك من صور الشرك في الأمر الشرعي كما يقع ممن يغلو في حق الأحياء من الطواغيت، كما تقدم، وذلك ذريعة إلى اتخاذه إلها، فجهله مركب في المعبود الحق والمعبود الباطل!، فأي جهل أعظم من ذلك؟ ّ!، وما ذلك إلا لتنكب طريق النبوات.
وقد انتقل ذلك الغلو المقيت إلى من سار على طريقة أولئك ممن ينتسب إلى الملة الخاتمة، وأمرهم ظاهر في كثير من الأمصار التي تظهر فيها أعلام البدعة وتندرس فيها آثار السنة، كما أثر عن مالك رحمه الله.
ثم جاء التذييل بالشرط على جهة الإلهاب على حد: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ: إن كنت رجلا فافعل، فإن كنتم، كما تزعمون، تعبدون الله، عز وجل، بالتوسل والاستشفاع بتلك الكائنات المخلوقة، كما هي شبهتكم الردية في كل عصر ومصر يظهر فيه الشرك بالغلو في المخلوقات حية كانت أو جامدة، إن كنتم كذلك فاسجدوا له، وحده، فهو الذي أمركم بذلك، ونهاكم عن السجود لغيره، ولو تعظيما، فذلك من الشرع المنسوخ، كما أشار إلى ذلك جملة من المفسرين كابن عطية وابن كثير، رحمهما الله، في تفسير قوله تعالى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا)، فكانت تلك، كما يقول ابن عطية رحمه الله، صورة تحية الملوك والعظماء في زمانهم، فهو، كما يقول ابن كثير رحمه الله، مما كان سائغا في شرائعهم فلم يزل جائزا من لدن شريعة آدم إلى شريعة عيسى، عليهما السلام، ثم حرم في هذه الملة، فنسخ الحكم بجوازه سدا لذريعة الغلو في المخلوق فهو، بدوره ذريعة إلى الشرك بصرف ما لا يصرف إلا لله، عز وجل، من صور التأله الظاهر أو الباطن إليه.
والله أعلى وأعلم.(/)
من سورة التوبة
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 08 - 2010, 03:55 م]ـ
ومن قوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
فذلك من الشرط في معرض بيان مقادير الأعمال وأحكام الجنايات، فنكث اليمين: جناية عظيمة، والمراد بالأيمان هنا: أيمان العهد التي عقدتها قريش مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما ذكر ذلك البغوي، رحمه الله، فتكون "أل" في "الأيمان" على هذا الوجه: عهدية ذهنية تشير إلى معهود بعينه هو يمين العهد، لقرينة السياق فالآيات قد جاءت بيانا لأحكام المشركين والمعاهدين في جزيرة العرب بعد ظهور الإسلام، وقوله: "من بعد عهدهم": دليل آخر من السياق يدل على إرادة العهود بالأيمان، فيكون ذكر الأيمان من باب التنويع اللفظي، فذلك ألطف وقعا في سمع المخاطب، فإن نكثوا عهودهم فذلك عموم مجمل عطف عليه صورة من صوره، وهي: الطعن في الدين، فذلك من الخصوص المبين للعموم، وللطعن صور عديدة أظهرها في زماننا: الطعن في الدين استهزاء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسبا له، سواء أكان الساب كافرا أصليا في ديار الغرب أو حتى في ديار الإسلام التي استطال فيها الكفار، لا سيما أهل الكتاب، على أركان الملة وثوابت الديانة، حتى بلغت الوقاحة حد التعرض لمقام النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالطعن والتنقص، والحال أبلغ شاهد على تلك الفضيحة التي أبانت رقة، بل ربما عدم، ديانة كثير من المنتسبين إلى الملة الخاتمة، فالمصالح والتحالفات المشبوهة أولى بالرعاية من عرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتلك أظهر صورة من صور هذا الطعن الذي تعددت ضرباته وظهرت آثاره في السنوات الأخيرة، ومنه، أيضا، الطعن في الديانة بالاستهزاء بأحكام الديانة وشعائرها، أو الاستهزاء بالكتاب العزيز .... إلخ من الثوابت التي هانت على أهل الإسلام قبل أن تهون على أهل الكفران، فما تجرأ الأراذل على سب الديانة إلا بعد أن سببناها، فلا تكاد تجد أمة يسب أبناؤها دينهم كما يسب فئام من هذه الأمة دينها لأتفه الأسباب، بل ربما كان السب من قبيل الدعابة!، فيجري السب مجرى التنكيت!، فصاحبه من أهل: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)، وما تجرأ أولئك على الطعن في أحكام الشريعة استهزاء وانتقاصا إلا بعد استعلن أفراخ العلمانية بالطعن في الدين، فصارت طريقتهم حجة للكفار الأصليين، فإذا احتج العلمانيون بمكافحة الإرهاب والتطرف فتلك حجة الآخرين، فهم أحرص على السلم الاجتماعي في بلاد المسلمين من المسلمين!، فأبوا إلا المشاركة في تلك المعركة المحتدمة بين قوى النور والتسامح وقوى الظلام والتطرف!، والشاهد أن صور هذا الطعن هي الأخرى تتعدد، فمنها السب، ومنها الاستهزاء ..... إلخ، فيكون العطف، كما تقدم، عطف مبين على مجمل، مع كونه في نفسه تتعدد صوره، فما نص عليه المفسرون من صور الطعن يجري، أيضا، مجرى التمثيل لمعنى عام بذكر بعض أفراده، فلا يخصصه، فمن ذلك قول القرطبي رحمه الله:
"استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدين، إذ هو كافر. والطعن أن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين، لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه". اهـ
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد يقال، أيضا، بأنه من عطف اللازم على ملزومه، فلا ينفك نكث الأيمان عن طعن في الدين قدحا بسب أو سخرية، بل مجرد نصب العداوة للدين وأهله نكث ليمين المعاهد أيا كان شخصه أو دينه، فالعموم ثابت من وجه آخر، فإن الآية، وإن نزلت في حق مشركي قريش إلا أنها تعم كل طاعن في الديانة، سواء أكان من أهل الكتاب المعاهدين فينتقض عهدهم بتلك الفعلة، كما أشار إلى ذلك البغوي، رحمه الله، بقوله: "فهذا دليل على أن الذمي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرا لا يبقى له عهد"، وقيد: "ظاهرا": قيد رئيس في هذا الشأن، فإن الذمي يطعن لا محالة في دين الإسلام باطنا، ولو بمجرد إنكاره والكفر به، فذلك طعن فيه، وغالبا ما يتعدى الأمر، لغلبة الجهل عليه، إلى الطعن في نبي الإسلام صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي لا يكاد يعرف اسمه كاملا!، فضلا عن أن يطالع سيرته فهي آية من آيات نبوته، لمن عقل وتدبر وقائعها، ولكن كل ذلك لا يوجب نقض العهد إلا إن تعدى الجهل إلى الاستعلان بذلك الفحش من القول، وهو أمر، يقع لا محالة، في عصور الضعف والانحطاط التي يعطي فيها المسلمون الدنية في دينهم، فيغري ذلك سفهاء الأمم، فتتوالى الطعون من الخارج والداخل، وينكسر قيد الذل والصغار الشرعي المضروب على أهل الذمة، برسم العدل في المعاملات، فلا جور في هذا الدين، ينكسر هذا القيد لتبدو البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، فالآيات قد بينت لقوم يعقلون، وليس ثم أهل ديانة أو حتى عقل مجرد في زمان السياسات الدنيوية التي ترتكز على قاعدة هشة من المصالح الآنية والتحالفات النفعية، فسرعان ما تنقض بتغير جهة الانتفاع، فيصير عدو الأمس حليفا، وإن كان عدوا للدين وأهله، ويظن التابع الذليل لسفه وقلة عقله أنه شريك في صنع القرار لمن اصطنعه ليقضي به وطرا، فإذا انقضى وطره ألقاه واستبدل به حليفا جديدا، فتلك قواعد السياسة الدنيوية، فلا مكان للسياسة الشرعية التي تستمد أحكامها من أحكام النبوة، لا مكان لها في تلك التحالفات المشبوهة، فليس ثم للنبوة مكان في عالم تقدم فيه أحكام البشر على أحكام رب البشر، جل وعلا، بل ويستخف بها ويطعن في حكمها البالغة، فهي من حكمة من شرعها، فله، تبارك وتعالى، ما ليس لغيره من العلم المحيط والحكمة البالغة فيعلم ما لا يعلم البشر من صلاح الحال والمآل، وإن ظن البشر بعقولهم القاصرة الصلاح فيما لم يشرع، فأحلوا ما حرم، أو حرموا ما أحل، بزعم الإصلاح، فلسان حالهم لسان حال أهل النفاق في زمان النبوة: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)، فيحكم، جل وعلا، الشرائع، بما يلائم حال كل أمة، بل حال الأمة الواحدة بتفاوت أدوارها، وتلك من أعظم حكم النسخ سواء أكان بين الشرائع، فتنسخ شريعة أخرى، جزئيا كشريعة عيسى عليه السلام الناسخة لبعض أحكام الشريعة الموسوية، أو كليا كالشريعة الخاتمة التي نسخت ما تقدمها من الشرائع، فقد حوت زبدة أخبارها وأحكامها، بل وزادت عليها، صدقا وعدلا، فهي محفوظة لا يدخل أخبارها التكذيب، ولا أحكامها التحريف، وإن اجتهد من اجتهد من أعداء الشريعة في تغيير أحكامها باسم الشريعة كما يقع من أدعياء التجديد المزعوم الذي هو في حقيقته عين التخريب الذي وقى الرب، جل وعلا، الشريعة الخاتمة منه، فلم يقع فيها ما وقع في الشرائع السابقة، فلا يعلم الغيب ولا يحكم الشرائع لتلائم أحوال البشر إلا الرب، جل وعلا، فإن ردوا إلى عقولهم، فلكلٍ عقل يهوى ما لا يهواه الآخر، فلأي مشرع يلجأ البشر إن عدلوا عن حكم الشارع جل وعلا، وحكم نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟! فهو صاحب الشريعة تبليغا وتبيينا، فقد أدى الرسالة بمبانيها ومعانيها، فجاءت سنته، وهي، عند التحقيق، وقائع سيرته، التي ضل البشر مسلمهم وكافرهم، لما زهدوا في مطالعتها، ولو للاقتباس!، جاءت هذه السنة المفصلة المحفوظة في دواوين السنة جامعة: بيانا عمليا للوحي، فهي الشارحة لمجمله المبينة لمشكله مما يخفى من ألفاظ أو معان، فمن سنته عليه السلام: سنة الفعل فبها يعرف مراد الشارع، عز وجل، من معنى
(يُتْبَعُ)
(/)
مجمل تزدحم فيه الاحتمالات فيتعين المراد باختياره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو المؤيد بالوحي المعصوم الذي لا يقره إن اختار خلاف الأولى، كما في سبب نزول صدر سورة عبس، وكما في واقعة أسرى بدر، ومنها سنة التقرير بالقول أو السكوت أو حتى بلوغ الأمر له وإن لم يقع بحضرته أو حتى وقوعه في زمانه وإن لم يطلع عليه، فالوحي، كما تقدم، لا يقره، ولا يقر الأمة في زمن الرسالة، فهو زمن التشريع، لا يقره ولا يقرها على خلاف الأولى في حقه، أو الخطأ في حقها، بل قد عصم الرب، جل وعلا، إجماع هذه الأمة من الضلال، فذلك، أيضا، من صور الحفظ الرباني للملة والشريعة الخاتمة.
ومادة النكث التي صدرت بها الآية: مادة كلية تعم المعقول كنكث الأيمان، والمحسوس كنكث الغزل ونقضه، كما في قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)، والسياق هو الذي يعين المراد منهما، ففي سياق المعقولات يكون النكث، بداهة، معنويا.
فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ: فذلك جواب الشرط، وفيه من فنون البلاغة: التجريد فلم يقل: فقاتلوهم، وإنما جرد منهم في ذهن المخاطب أئمة للكفر يتعين قتالهم، فالإتيان باللفظ الصريح وحقه الإضمار، فتقدير الكلام: فقاتلوهم، ذلك الإظهار: يدل على علة وجوب قتالهم، فالأمر الذي صدر به الجواب، على بابه، للوجوب، بل فيه من معاني الحث ما فيه بتعليقه على شرط تستنفر به همم الأحرار لا الأرقاء في قيد الذل، كذلك المضروب على رقابنا في هذه الزمان، فعلة وجوب قتالهم: صيرورتهم بهذا الطعن الصريح أئمة في الكفر، فليسوا كفارا فحسب، فليس كل كافر يباح قتاله، فقد كانوا كفارا قبل الاستعلان بطعنهم، ومع ذلك، كان قتالهم محرما لعهد أو ذمة، فلما أتوا بالناقض صار قتالهم جائزا بل واجبا، فانقلب الحكم إلى ضده بانقلاب علته، فالحكم دائر معها وجودا وعدما، طردا وعكسا، ومنه يؤخذ وجوب قتل المرتد الذي يطعن في الديانة، فعلة القتل في حقه حاصلة، وإن كان ذلك غير واقع في زماننا في أغلب أمصار المسلمين لغيبة الإمام الجامع الذي يستوفي الحدود برسم العزة والانتصار للديانة، فهو طاعن، كبقية الطاعنين في الملة جحودا أو استهزاء، وغالبا ما يتلازمان فلا ينفك الطاعن في الديانة، كما يقول بعض أهل العلم المعاصرين، لا ينفك عن جحد لجملة من أحكامها، وإن أظهر التصديق المجرد بلسانه، فكيف إن كان جاحدا منكرا بلسانه بل طاعنا بنعوت التخلف والرجعية والوحشية لمن يقيم أحكام الجنايات، فهي من أبرز ما يطعن به من يطعن في هذه الملة، وإن كانت الشريعة أعم من ذلك، خلافا لمن قصرها على هذا الجانب لكونه أظهر جوانبها، فليست الشريعة استيفاء للحدود فقط، بل ذلك جزء رئيس منها، ولكنها تشمله وتشمل أحكاما أخرى، بعضها غير ظاهر ظهور الحدود فيخفى على كثير من المسلمين، كالولاء والبراء القلبي، وما يستلزمه، لزوما عقليا لا انفكاك فيه، من وجوب بغض الكافرين والامتناع عن مظاهرتهم على المسلمين بأية صورة من صور الدعم المادي أو المعنوي، ولو نصت على ذلك اتفاقية جور أو معاهدة ظلم أو تحالف إثم على عدوان على بلد مسلم ولو بحجة رد ظلمه وبغيه على جيرانه، فظلم المسلم لا يرد بالاستعانة بالكافر على إبادته!، فتلك وثائق باطلة شرعا، لو كان للشرع وزن، فلا ينفك عن هذا الطعن ومعه غالبا الاستهزاء بالملة وأحكامها ومن ينتصر لها ويذب عنها التحريف والتأويل لإقرار الباطل وتكييفه، إن صح التعبير، ليتلاءم مع الشرع، ولو ألصق به إلصاقا!.
وبهذه الآية أيضا: استدل من استدل من المحققين على وجوب قتل ساب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيقتله الإمام أو السلطان الموكول باستيفاء الحدود، ردة بلا استتابة إن لم يظهر التوبة، أو حدا بلا استتابة، أيضا، إن أظهرها، وأمره موكول إلى ربه، جل وعلا، فذلك من تعظيم حرمات الله، فمن أعظمها حرمة نبيه الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي انتهكها من انتهكها من الزنادقة والمرتدين والكفار الأصليين في زمان: حرية الفكر!، بل صار المنكر عليهم مظنة التطرف والتزمت، بل لعله من رءوس الخوارج المعاصرين!.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم جاء النص على علة وجوب قتالهم: إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ: على حد الفصل لشبه كمال الاتصال، فصدر السياق بالمؤكد الناسخ، فهو، كما تقدم مرارا، مئنة من تعليل ما سبقه، فإنهم لا أيمان لهم، فانتفى العهد العاصم للدم والمال، فانقلب الحكم من الموادعة إلى المقاتلة لينتهوا فـ: "لعل" في هذا السياق تعليلية، كما أشار إلى ذلك المعنى بعض المحققين من أهل العربية كالأخفش رحمه الله.
ثم جاء الاستفهام الإنكاري في معرض الحث والاستنفار لهمم الرجال حقيقة لا صورة!:
أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ: فذيل بذكر طرف من أفعالهم استنهاضا للمقاتلة، فنكثوا أيمانهم، فذلك من الإطناب بتكرار المعنى الذي تقدم في الآية السابقة، ثم جاء البيان له بصور أخرى من صور الطعن في الديانة، فهموا بإخراج الرسول: وبه استدل، أيضا، من استدل من أهل العلم على وجوب قتال من سب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن كان الساب جماعة لهم شوكة، أو قتله إن كان فردا، فقياس الأولى قاض بذلك، فإذا كان مجرد التعرض له صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهم في إخراجه وذلك نوع أذى له، فكيف بسبه أو سب زوجاته، رضي الله عنهن، أو سب أصحابه، على تفصيل في مسألة سب الصحابة رضي الله عنهم: في حكم من سبهم عامة أو سب كبارهم ممن تواترت الأدلة على فضله وسابقته هل يكفر بذلك فيصير حلال الدم وهل يقتل تبعا لذلك ومن يقتله .... إلخ، فليس هذا موضع ذكره، فقتال سابه واجب من باب أولى قياسا على قتال من هم بإخراجه فذلك من قياس الأولى الصحيح، وبدءوا المسلمين بالقتال فهم الذي نصبوا راية العدوان بالقول أو الفعل أو التحريض، كما صنعت ابن أخطب لما حزب الأحزاب لحرب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأغرى سفهاء بني قريظة بنقض العهد فاستحق القتل، فقتله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع من قتل من بني قريظة بعد جلاء الأحزاب عن المدينة.
ثم جاء التذييل باستفهام إنكاري آخر يزيد النفوس تحفزا والهمم إلهابا: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ: فالجناس في مادة الخشية على جهة المقابلة بين خشية العبد المذمومة وخشية الرب، جل وعلا، المحمودة مما يزيد المعنى تقريرا، فضلا عن التذييل بشرط أريد به أيضا الإلهاب والتهييج: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: على طريقة إن كنت رجلا فافعل، فإن كنتم مؤمنين فاخشوا الله، عز وجل، ولا تخشوهم وأعدوا العدة لقتالهم ليشفي الرب، جل وعلا، بكم صدور قوم مؤمنين، عظم غيظها واشتد كربها.
والله أعلى وأعلم.(/)
من حديث: "إن الله يبسط يده"
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 08 - 2010, 03:26 م]ـ
ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من مغربها:
فذلك من التوكيد في معرض الترغيب في التوبة، فبابها مفتوح ما لم يغرغر العبد، فهذا الإغلاق الخاص، أو تطلع الشمس من مغربها، فهذا الإغلاق العام، وحال العاصي يأسا وقنوطا يحسن معها التوكيد على تحقق المغفرة والعفو إن بذل سببها، فمن تاب: تاب الله عليه، ومن عاد قبله الرب، جل وعلا، فهو الكريم الذي لا يرد سائلا، فجاء التوكيد بالمؤكد الناسخ، فلا يستعمل، كما يقول بعض المحققين إلا إن كان المخاطب منكرا، أو في حكم المنكر، بلسان حاله، فينزل منزلة المنكر، كما قد قرر البلاغيون في أغراض التوكيد، فالشيطان يتسلط بوساوس الجزع والقنوط على العاصي ما لا يتسلط على غيره، فحسن التوكيد رفعا لهذه الوساوس، فلسان حال صاحبها إنكار مغفرة الرب، جل وعلا، فذلك من عظم جهله وسوء ظنه بربه، جل وعلا، فقد جهل قدره قبل المعصية، فلو علم جلاله ما عصاه، وبعد المعصية، فلو علم جماله ما قنط من رحمته وأعرض عن توبته، فالرب، جل وعلا، الجليل بشديد عقابه وأليم عذابه، الجميل بسعة مغفرته وعظم رحمته، فله الكمال المطلق جلالا وجمالا، ومن علم ذلك أحسن السير إليه، فإن أحدث طاعة فمن فضل الرب، جل وعلا، فهي ذريعة إلى الشكر فما سدد إليها ويسرت أسبابها له إلا نعمة ربانية، وإن أحدث معصية فمن عدل الرب، جل وعلا، فهي ذريعة إلى الحمد، فلا يحمد على مكروه سواه، فقد اطلع بعلمه الأزلي المحيط على مادة فساد في القلب فيسر لصاحبها ما يلائمها من أسباب المعصية نقمة منه، جل وعلا، فالعبد ما بين نعمة الطاعة وما تستلزمه من الشكر والمداومة، ونقمة المعصية وما تستلزمه من الحمد والتوبة ندما وإقلاعا وعزما على الكف. فهو لا ينفك عن ابتلاء بالطاعة تارة، وبالمعصية أخرى، ولكل فقهه، ولكلٍ تعلق بصفات الرب، جل وعلا، فالطاعة من رضا الرب، جل وعلا، فذلك مما يتذرع به إلى معافاته، والمعصية من سخط الرب، عز وجل، فذلك مما يتذرع به إلى عقوبته، فـ: (أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ).
والشاهد أن التوكيد قد تعددت صوره في هذا السياق رفعا لاحتمال القنوط واليأس الذي يعتري عامة العصاة، فجاء التوكيد بالناسخ، كما تقدم، وباسمية الجملة التي صدرت بالاسم الكريم: الله، فتلك إشارة إلى انفراده، جل وعلا، بالتأله بعبودية التوبة فلا يتوب على العصاة إلا هو، ولا يغفر الذنوب إلا هو، فـ: (مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)، فذلك من الاستفهام الإنكاري الإبطالي، فتأويله النفي، فلا يغفر الذنوب إلا الله، وذلك من القصر بأقوى أساليبه، نفيا واستثناء، إمعانا في بيان اختصاصه، جل وعلا، بذلك المنصب الرباني الذي لا ينازعه فيه أحد من بشر أو ملك ..... إلخ، فليس في دين التوحيد وسائط بشرية أو روحانية يتذرع بها العصاة إلى الرب، جل وعلا، فتلك شفاعة تجوز في حق ملوك الأرض الذين يخفى عليهم من أحوال رعيتهم ما يخفى، فترفع إليهم الحاجات بواسطة الشفعاء والحجاب، فمن أراد قضاء حاجته فليتشفع بوسيط يرفعها، وبليغ يعرضها، يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان القدر الفارق بين الملك، جل وعلا، وملوك الدنيا:
"وَالْعَجَبُ مِنْ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ يَسْتَوْصِي مَنْ هُوَ مَيِّتٌ يَسْتَغِيثُ بِهِ وَلَا يَسْتَغِيثُ بِالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَيَقْوَى الْوَهْمُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْلَا اسْتِغَاثَتُهُ بِالشَّيْخِ الْمَيِّتِ لَمَا قُضِيَتْ حَاجَتُهُ. فَهَذَا حَرَامٌ فِعْلُهُ.
(يُتْبَعُ)
(/)
وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ إذَا كَانَتْ لَك حَاجَةٌ إلَى مَلِكٍ تَوَسَّلْت إلَيْهِ بِأَعْوَانِهِ فَهَكَذَا يُتَوَسَّلُ إلَيْهِ بِالشُّيُوخِ. وَهَذَا كَلَامُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالضَّلَالِ فَإِنَّ الْمَلِكَ لَا يَعْلَمُ حَوَائِجَ رَعِيَّتِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا وَحْدَهُ وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ إلَّا لِغَرَضِ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِكُلِّ شَيْءٍ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فَالْأَسْبَابُ مِنْهُ وَإِلَيْهِ وَمَا مِنْ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ إلَّا دَائِرٌ مَوْقُوفٌ عَلَى أَسْبَابٍ أُخْرَى وَلَهُ مُعَارَضَاتٌ. فَالنَّارُ لَا تُحْرِقُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا فَلَا تُحْرِقُ السمندل وَإِذَا شَاءَ اللَّهُ مَنَعَ أَثَرَهَا كَمَا فُعِلَ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمَّا مَشِيئَةُ الرَّبِّ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ وَلَا مَانِعَ لَهَا بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَرْحَمُ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا: يُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيَرْحَمُهُمْ وَيَكْشِفُ ضُرَّهُمْ مَعَ غِنَاهُ عَنْهُمْ وَافْتِقَارِهِمْ إلَيْهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. فَنَفَى الرَّبُّ هَذَا كُلَّهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الشَّفَاعَةُ. فَقَالَ: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} وَقَالَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ} فَهُوَ الَّذِي يَأْذَنُ فِي الشَّفَاعَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُهَا فَالْجَمِيعُ مِنْهُ وَحْدَهُ وَكُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَعْظَمَ إخْلَاصًا: كَانَتْ شَفَاعَةُ الرَّسُولِ أَقْرَبَ إلَيْهِ". اهـ
فذلك مما باين فيه الملك، جل وعلا، ملوك الدنيا، فيعلم ما لا يعلمون، ويدرك من حاجات عباده ما لا يدركون، فليس له حاجة في شفيع يرفعها أو بليغ يشرحها، فهو الخالق للألسن، العليم بلغاتها ولهجاتها، السميع لألفاظها وكلماتها، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا يعجزه علم ما يتردد على ألسنة عباده من الأقوال وما يعتمل في صدوهم من التصورات والإرادات فهي منشأ ما يجري على ظاهرهم قولا باللسان وعملا بالأركان، فالظاهر، كما تقدم مرارا، تأويل ما يقوم بالباطن، وإن اجتهد صاحبه في كتمانه، فـ:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ******* وإن خالها تخفى على الناس تعلم.
فقياس حال الملك، جل وعلا، على حال ملوك الدنيا: قياس تشبيه باطل، فالتسوية بين الموصوف بالكمال المطلق أولا وآخرا، والموصوف بالنقص المطلق جبلة فلا ينفك بشر، وإن عظم قدره وعلا شأنه، عما يعتري عامة البشر من عوارض النقص الجبلي، التسوية بينهما، في هذا الباب، بتجويز اتخاذ الوسائط والشفعاء إليه قياسا على الوسائط والشفعاء إلى ملوك الدنيا، تسوية بين متباينين، وذلك من الفساد العقلي بمكان، فهو من الأحكام الضرورية التي أجمع على صحتها عامة العقلاء من كل الأمم.
فالرب، جل وعلا: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ)، وذلك مما باينت فيه الملة الخاتمة سائر الملل، فليس فيها ما في بقية الملل، من رءوس ضلالة دعوا الناس إلى اتخاذهم وسائط إلى الرب، جل وعلا، فلا يغفر الذنب إلا بوساطاتهم المزعومة، فليس ثم طريق إلى النجاة إلا هم!، فصاروا طرقا لا أدلاء، وذلك من صور الطغيان التي تصير البشر آلهة تعبد، فبيدها المغفرة والحرمان!، فمن طردته فلن يدخل، ومن قبلته فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون!. فالقصر في الآية بتعريف الجزأين على تقدير مضمر يبتدأ به الكلام، فـ: هو غافر الذنب، فالإضافة حقيقية لا لفظية، لثبوت الوصف للرب، جل وعلا، على جهة الديمومة، وإن حدثت أفراده بتجدد مغفرته وتوبته على العصاة، فتلك دلالة اسم الفاعل الذي يدل على الحدوث والتجدد، فالوصف ثابت له، جل وعلا، على جهة الديمومة بالنظر إلى نوعه، وعلى جهة الحدوث والتجدد بالنظر إلى آحاده.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن صور التوكيد في الحديث أيضا: الإخبار بالفعل الذي أضمر فيه فاعله: يبسط، فحصل التوكيد بتكرار الفاعل مظهرا معنويا، فالمبتدأ، أو اسم الناسخ: فاعل في المعنى، ومضمرا لفظيا، فالفاعل المضمر: فاعل حقيقة في لفظه ومعناه، وجاء الفعل على حد المضارعة، مئنة من التجدد والاستمرار، فذلك آكد في تقرير المعنى، وهو أدعى إلى المبادرة بالتوبة والاستغفار، ووصف البسط من أوصافه الفعلية، جل وعلا، فهو مما يتعلق بمشيئته العامة النافذة، فيبسط إذا شاء فضلا، ويقبض إذا شاء عدلا، فـ: (اللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فأطلق الفعل في هذه الآية، وجاء الطباق بين الفعل وضده، استيفاء لوجهي للقسمة الثنائية العقلية رفعا لتوهم النقص في حقه، جل وعلا، بتوهم عجزه عن أحد الفعلين، بل له كمال الوصف جمالا بالبسط وجلالا بالقبض، فالرب، هو الذي يفعل الشيء وضده على وجه الكمال، فلا تعارض بين أفعاله ولا تضاد بين أوصافه، بل تتعاضد في معرض إثبات كماله، جل وعلا، وقيد الوصف بيده الكريمة، جل وعلا، في هذا السياق، فذلك من جملة الرد على مقالة أخبث يهود: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)، كما قرر ذلك ابن منده، رحمه الله، في "كتاب التوحيد"، فعنون للباب بقوله: "بيان آخر على أن الله تعالى باسط يداه ردا على أعداء الله اليهود". اهـ
فجاء الرد في التنزيل عقيب تلك المقالة المستشنعة: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ): فذلك من الإضراب إبطالا بإثبات الضد، فيداه، جل وعلا، مبسوطتان بالإنفاق، ويده، جل وعلا، في هذا الحديث مبسوطة بالمغفرة والتوبة، ولا تعارض بين التثنية في الآية والإفراد في الحديث، فإن إضافة اليد إلى الضمير في: "يده": مئنة من العموم، فيحمل الإفراد على التثنية في الآية فهي نص لا يحتمل التأويل، فدلالة المثنى على معناه قطعية، ولا يعارض ذلك، أيضا، صيغة الجمع في نحو قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)، فذلك من التعظيم الذي عرفته العرب في كلامها، فحده حد الجمع في نحو قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فلا يلزم من الإتيان بضمير الجمع تعدد الذوات، بل ذلك لقرينة السياق: سياق إنزال الذكر وحفظه، مئنة من تعظيم شأن المتكلم، جل وعلا، فقد تكفل بإنزال الكتاب وحفظه، ولا يقدر على ذلك، بداهة، إلا عظيم، فلا يلزم، أيضا، من إضافة اليد إلى ضمير الجمع في آية: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا)، تعارض بينها وبين التثنية في آية المائدة، فالإضافة فيها، أيضا، من قبيل التعظيم لقرينة السياق، فخلق الأنعام مئنة من عظم قدرة الرب، جل وعلا، أن خلقها، ومنته على عباده أن سخرها لهم فـ: (ذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ).
ثم جاءت الظرفية فالباء مئنة منها في: "بالليل": ولعل تقديم الليل لكونه الأصل فمنه ينسلخ النهار، فذلك من قبيل ما ذكره بعض الفضلاء المعاصرين ممن له مشاركة فاعلة في بيان أوجه الإعجاز العلمي في التنزيل: كتابا وسنة، في تفسير قوله تعالى: (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ)، فقدم الليل فهو الأول، وثنى بذكر النهار فهو الثاني، فيبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، فالإضافة في: "مسيء" من إضافة المظروف إلى ظرفه، فهي من قبيل الإضافة في نحو قوله تعالى: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)، فتأويلها: الإساءة في الليل، كما هو تأويل المكر في الآية بالمكر في الليل، ثم جاء الطباق استيفاء لوجهي القسمة الثنائية العقلية إمعانا، أيضا، في إثبات عظم مغفرة الرب، جل وعلا، ورحمته، فباب التوبة مفتوح: ليل نهار، فذلك عموم ذيل بالتخصيص بـ: "حتى تطلع الشمس من مغربها" فذلك من التخصيص بالغاية، كما قد قرر ذلك أهل الأصول، فذلك الإغلاق العام لباب التوبة، في مقابل الإغلاق الخاص بالمعاينة حال النزع كما تقدم في صدر الكلام.
فالرب، جل وعلا، يبسط يده بالكرم المعنوي مغفرة، وبالكرم المادي عطايا ومنحا ربانية.
ولا أعظم من هذه الأيام الفاضلة التي يبسط فيها الرحمن، جل وعلا، يده بالعطايا والمنح الإلهية مغفرة للعصاة وثوابا مضاعفا للطائعين.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عبود]ــــــــ[17 - 08 - 2010, 08:43 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 03:05 م]ـ
شهر مبارك أخي مهاجرا
افتقدنا قلمك منذ زمن
تحياتي لك
وشكرا على هذه المعلومات القيمة
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد رامي]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 05:40 م]ـ
جزيت خيرا كثيرا
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 08 - 2010, 03:49 م]ـ
جزاكم الله خيرا على المرور والتعليق أيها الكرام، وشهر مبارك عليكم جميعا.(/)
أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا
ـ[سنهور]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 01:12 م]ـ
للاستفهام أنواع كثيرة من هذه الأنواع الإستفهام التقريرى
والإستفهام التقريرى يأتى على ضربين:
1ـ التحقيق والتثبيت ومنه قوله تعالى
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} أى شرحناه لك بلا ريب
2ـ طلب الإقرار مثل قوله {ألست بربكم قالوا بلى}
والفرق بين الضربين سنوضحه مع شرح واف لقوله تعالى
{أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}
ان شاء الله
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 03:03 م]ـ
مرحبا أخي وشهر مبارك
شكرا للفائدة
نحن في انتظار البقية
ـ[عبود]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 05:17 م]ـ
شكرا علي هذه المعلومات القيمة ونحن في انتظارك
ـ[أحمد رامي]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 05:33 م]ـ
أحجز لي مكانا في الصف الأول
بانتظار المفيد
ـ[سنهور]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 07:29 م]ـ
الفرق بين الضربين
1ـ أن الضرب الأول لا يستدعى جوابا ,أما الثانى يستدعيه
ولعل هذا ظاهر فيما أوردناه من آيات
2ـ إذا استعمل الإستفهام فى معنى التقرير بالشىء كان مجازا مرسلا علاقته الإطلاق والتقييد
أما إذا استعمل فى التحقيق فهو مجازا أيضا علاقته اللزوم
ويرى السبكى فى كتابه عروس الأفراح أن الإستفهام إذا أريد به التحقيق فهو من قبيل استعمال الإنشاء فى الخبر ويكون مجازا مرسلا علاقته السببية لأن الإستفهام يكون سببا فى الخبر
أما إذا أريد به الإقرار فإنه يميل لجعل الإستفهام على سبيل الحقيقة , ودليله على ذلك أن المتكلم وإن كان عالما فإنه يريد أن يعلم غيره ممن لا يعلمون
ـ[سنهور]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 07:32 م]ـ
شكرا لكل من عبر عن رأيه تجاه ما كتبت
ولنا إن شاء الله وقفه مع قوله تعالى
{أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}
لنتعرف على بعض ما ورد فيها من معانى
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 08:30 م]ـ
جزاكم الله خير الجزاء
متابعة لكم، وفي انتظار الباقي
ـ[عصام محمود]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 11:56 م]ـ
{أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}
اسمحوا لي بالتوقف حول جماليات هذه البلاغية ولنتعرف على بعض ما ورد فيها من معانى
لوقلت لك أفعلت هذا؟ فكانت البداية بالفعل فيكون السؤال والشك في الفعل (الحدث) لا الشخص، فقد يكون الفعل صعبا ومن ثم يستبعد حدوثه على الإطلاق دون تقييد منك أو من غيرك، والفعل هنا قد لا يكون قد حدث ومن ثم هنا شك في حدوث الفعل، أما البدء بالضمير فالشك هنا ينتقل إلى حدوث الفعل من شخص معين فالسؤال عن الشخص لا الفعل والفعل لا يتوقع حدوثه لأنه حدث بالفعل لكن غير المتوقع حدوثه من هذا الشخص خاصة.(/)
ومن قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِر)
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 08 - 2010, 03:55 م]ـ
ومن قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا):
فذلك من أخص أوصاف الربوبية، فليس علم الغيب إلا إلى الرب، جل وعلا، وإضافة العامل إلى المعمول، من باب الإضافة الحقيقية لا اللفظية، لقرينة ثبوت الوصف للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فذلك من قبيل الإضافة في نحو قوله تعالى: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ)، فتلك من الأسماء المقيدة التى لا تثبت للرب، جل وعلا، على جهة الإطلاق بل يلتزم القيد فيها كما قد ورد في النص، فالباب توقيفي محض، فالرب، جل وعلا، عالم الغيب أزلا، فعلمه باعتبار النوع: أول بأولية ذاته القدسية، فلم يكن، جل وعلا، معطلا عن وصف كمال: ذاتا أو فعلا، بل له، تبارك وتعالى، الكمال أزلا وحالا وأبدا، فلا يعتري ذاته القدسية أو أوصافه العلية ما يعتري ذوات وأوصاف البشر من النقص ثم الفناء، فالرب، جل وعلا، الأول، الآخر، الأزلي الأبدي، القديم قبل خلقه فتقدم عليهم، فلم يكن ثم إلا هو في الأزل، فـ: "كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ"، فالعالم حادث، وخالقه: أول قديم لا مبتدى له، فليس قبله شيء، وليس علة مقترنة بالمعلول المخلوق من العالم الحادث كما ادعى الفلاسفة، بل خلق العالم بـ: "كن"، فكان هذا العالم، عقيبها، فهو أثر كلماته الكونيات النافذة، فهي العلة الأولى لخلق هذا العالم، وهي أثر صفات فعله في كونه بالخلق والإيجاد، وهي، أيضا، من وصفه الذاتي باعتبار نوعه، ومن وصف فعله باعتبار آحاده، فيحدث من أمره الكوني تدبيرا، وأمره الشرعي إيجابا أو تحريما، يحدث من ذلك ما يشاء، كما في حديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة"، فكان الخالق بصفات كماله غير معطل عن وصف أو فعل، ثم شاء إحداث ما شاء من المخلوقات فأولها علما لنا: العرش، فالقلم، فـ: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء"، و: "أوّلَ ما خلق اللَّه القلم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة"، فانتصبت: "أول" على الظرفية فليس القلم أول المخلوقات مطلقا فالعرش سابق له، وهو، جل وعلا، الباقي بعد فناء خلقه، فهو الآخر الأزلي، فليس بعده شيء، فـ: "لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ"، وإنما تبقى الكائنات في دور النعيم أو العذاب بمشيئته، جل وعلا، لها البقاء، فبقاؤها ليس ذاتيا، كما أن غنى أهل دار النعيم ليس ذاتيا، فلا ينفك كائن في أي دار من الدور عن افتقار ذاتي متأصل إلى الرب الغني، جل وعلا، فوصف غناه، أيضا، ذاتي، فليس لغناه، جل وعلا، علة، كما أنه ليس لفقر المخلوق علة، فالذاتي لا يعلل، كما يقول أهل العلم، فبلغ الرب، جل وعلا، غاية الوصف غنى وكمالا، وبلغ العبد غاية الوصف حاجة وافتقارا، فهذا وصف الرب جل وعلا، وذاك وصف العبد، وكذلك الشأن في علمه، جل وعلا، فهو، كما تقدم، أزلي محيط، تقديري مؤثر في إيجاد المخلوقات على الوجه الذي شاءه الرب، جل وعلا، فيظهر به آثار حكمته البالغة، فيخلق ما شاء بقدرته، ويعد المحال ويمدها بما يلائمها من أسباب الصلاح أو الفساد بحكمته، فهو القدير خلقا، الحكيم تدبيرا، وهو، أبدي، فلا يزول بنسيان أو موت .... إلخ من العوارض التي تعتري المخلوق، فعلمه حادث بعد أن لم يكن، فـ: (اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فخلق جاهلا لا يعلم، فلم يزل يتعلم بما يرد عليه من مصادر التلقي الدينية والدنيوية، فيتشكل وجدانه، وتتنوع معارفه دينا ودنيا، فإما إلى
(يُتْبَعُ)
(/)
صلاح يلائم الفطرة الأولى، وإما إلى فساد بما يعتري الفطرة الأولى من الأكدار، فـ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ"، فيكتسب الكمال العلمي بتوارد المعلومات على مداركه المحسوسة والمعقولة، فتلك حاله من نقصان مطلق إلى كمال مقيد، فلا ينفك عن النقصان، فأفعاله باكتساب العلوم هي معدن كماله الطارئ، وأما حال الرب، جل وعلا، فكمال علمي أول أزلي، كما تقدم، فكماله هو معدن أفعاله التي لا تكون إلا على وجه الكمال المطلق اللائق بجلاله، فلا يعتريها النقص أو العيب، فالوصف الكامل لا يصدر عنه إلا فعل كامل، ووصف المخلوق، في المقابل، لا ينفك عن النقص، وإن عظم، فلا يصدر عنه إلا فعل ناقص، فباين الخالق، جل وعلا، المخلوق، في الصفات والأفعال، فكمال في حق المخلوق، جل وعلا، ونقصان في حق المخلوق، ولذلك كان علمه، جل وعلا، مستغرقا للغيوب الماضية والحالية والتالية، فاستغرق علمه، جل وعلا، عموم الغيب، فـ: "أل" في: "الغيب": جنسية استغراقية، في مقابل علم المخلوق فإنه لا يعلم الغيب، فـ: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، فذلك أقوى أساليب القصر، و: "أل" في: "الغيب" فيه، أيضا، للعموم الجنسي الاستغراقي، ومثله القصر في قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)، فذلك، كما تقدم، من أخص أوصاف الربوبية، فمنازعة الرب، جل وعلا، فيها، منازعة له في منصب ربوبيته إيجادا وتدبيرا بالعلم الكوني، فالكلمات الكونية النافذة من جملته، ووحيا بالعلم الشرعي، فالكلمات الشرعية الحاكمة من جملته، ولذلك كان كل طريق يسلكه المخلوق لمعرفة ما خفي من الغيوب: طريق ضلالة، يقول صاحب "الأضواء" رحمه الله: "لما جاء القرآن العظيم بأن الغيب لا يعلمه إلا الله كان جميع الطرق التي يراد بها التوصل إلى شيء من علم الغيب غير الوحي من الضلال المبين، وبعض منها يكون كفراً.
ولذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً"، ولا خلاف بين العلماء في منع العيافة والكهانة والعرافة، والطرق والزجر، والنجوم وكل ذلك يدخل في الكهانة، لأنها تشمل جميع أنواع ادعاء الإطلاع على علم الغيب"، بل قد يصل ذلك إلى حد الكفر، كما ذكر، رحمه الله، فادعاء علم الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، جل وعلا، ناقض من نواقض الإيمان لما يلزم منه من إثبات شريك للرب، جل وعلا، في صفة من صفاته الذاتية المعنوية وهي: صفة العلم. فمنه، كما تقدم، العلم الأزلي، ومنه العلم الذي تتجدد آحاده بتجدد تأويل قدره الكوني الأول في عالم الشهادة، فيتعلق به علم الرب، جل وعلا، إحصاء له حال وقوعه، كما تعلق به تقديرا في الأزل، ثم كتابة كونية نافذة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فيعلم الشيء قبل وقوعه فهو مقدره، ويعلم الشيء حال وقوعه فهو موجده، ويعلم الشيء بعد وقوعه، فهو محصيه: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، فالعلم الرباني يتعلق بالمربوب الحادث من أكثر من وجه، فيتعلق به من وجوه: التقدير، ثم الإيجاد إذا شاء، فيحدث من أمره التكويني النافذ ما شاء، ثم الإحصاء فبه تظهر آثار حكمته فيجازى العباد على أفعالهم، ثوابا على الإحسان، وعقابا على الإساءة، فلكل فعل ما يلائمه من الجزاء، وذلك من دلائل الحكمة بوضع الشيء في موضعه الملائم، فوضع، جل وعلا، مادة الصلاح في المحال الملائمة لها في دار الابتلاء، ثم وضع الثواب لأصحابها في دار الجزاء، وفي المقابل: وضع، تبارك وتعالى، مادة الفساد في المحال الملائمة لها، ثم وضع العقاب لأصحابها، فالجزاء تأويل الفعل ثوابا أو عقابا، كما تقدم، فحصل بتلك الملاءمة بين حال المكلف في الدارين: إحسانا في الأولى وثوابا في الآخرة، أو إساءة فعقابا، حصل بها البيان الجلي لوصف الحكمة الرباني، ولذلك صح من
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا الوجه تأويل الوصف بمضارعه فهو فرع عنه في العمل والمعنى، وإن كان دونه في القوة، فالفرع أضعف من الأصل بداهة، فهو عالم الغيب التقديري أزلا، وهو يعلم الغيب، فذلك وصف تتجدد آحاده، فكم من الغيوب الحادثة التي لا يعلمها إلا هو، فمن ذا الذي يدعي من البشر الإحاطة بجملة الغيب، بل بجملة منه، بل بمعلومة واحدة منه، على جهة الجزم، فليس ثم إلا التخرص، عرافة أو تنجيما بادعاء قوى التأثير للنجوم فيختص بعلمها جملة من الكهان والمنجمين فذلك دين الصائبة الذين بعث إمام الموحدين: الخليل عليه السلام إليهم، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، بقوله: "وَأَيُّ مُنْكَرٍ أُنْكِرَ مِنْ عَمَلِ هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثِ؛ (أي: الكهان والمنجمون)، سُوسِ الْمُلْكِ؛ وَأَعْدَاءِ الرُّسُلِ؛ وَأَفْرَاخِ الصَّابِئَةِ عُبَّادِ الْكَوَاكِبِ فَهَلْ كَانَتْ بَعْثَةُ الْخَلِيلِ صَلَاةَ اللَّهِ وَسَلَامَهُ عَلَيْهِ إمَامِ الْحُنَفَاءِ إلَّا إلَى سَلَفِ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ نمرود بْنَ كَنْعَانَ كَانَ مَلِكَ هَؤُلَاءِ؛ وَعُلَمَاءُ الصَّابِئَةِ هُمْ الْمُنَجِّمُونَ وَنَحْوُهُمْ وَهَلْ عُبِدَتْ الْأَوْثَانُ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ إلَّا عَنْ رَأْيِ هَذَا الصِّنْفِ الْخَبِيثِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"، أو: الظن الراجح، إن كان من الغيب المقيد الذي وضع الرب، جل وعلا، لمعرفته أسبابا، وإن لم تكن جازمة، كالأحوال الجوية اليومية، فتلك من الغيب المقيد الذي يتلمس أهل الأرصاد معرفته بجملة من الأسباب العلمية المعتبرة، فليس ذلك من الشرك في شيء، إلا إن ظن الراصد استقلال غير الرب، جل وعلا، من الأسباب المغيبة أو المشهودة، بالتأثير في حر أو برد أو نزول مطر أو ثلج، فوجب تعليق ذلك بالمشيئة الكونية النافذة التي تسير الأسباب المغيبة من ملائكة ونحوه فـ: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)، والأسباب المشهودة من رياح ومنخفضات جوية ........... إلخ.
فـ: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا: فالفاء مئنة من التفريع فلازم انفراده بعلم الغيب أنه لا يظهر عليه أحدا، فالنكرة في سياق النفي مئنة من العموم، وقد أظهر لفظ "الغيب" في: "غيبه" وحقه الإضمار، عناية بشأنه فالعلم به هو الفرقان بين الخالق، عز وجل، والمخلوق، وهو مخصوص بما ورد في الآية التالية: (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)، فيعلم الرسل عليهم السلام، جملة من الغيوب تحديا وإعجازا، كما وقع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وقائع عدة، فأطلعه، جل وعلا، على جملة من الغيوب الماضية فـ: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا)، وجملة من الغيوب الحاضرة كالذي أضمره عمير بن وهب، رضي الله عنه، من نية قتله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يسلم بين يديه، وجملة من الغيوب التالية كالفتن وأشراط الساعة، فأطلعهم الرب، جل وعلا، على جملة من الغيوب، وتلك من جملة دلائل النبوة، فـ: "من": جنسية بيانية، فأطلع جنس الرسل عليهم السلام على جملة من الغيوب وانفرد بعلم غيوب لا يعلمها إلا هو، فالعموم فيها محفوظ، فـ: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فحصل بذلك التمايز بين مقام الربوبية، ومقام النبوة، أشرف مقامات البشر، فالتباين بين مقام الربوبية، ومقام ما دون النبوة، ثابت في هذا الشأن من باب أولى، فإذا كان النبي الذي يوحى إليه ما لا يوحى إلى غيره من آحاد البشر، إذا كان النبي الذي هذا وصفه لا يعلم إلا ما علمه الرب، جل وعلا، إياه، من وحي خبري أو شرعي، فكيف جاز لفئام من البشر أن يدعوا لأنفسهم أو لغيرهم من الرهبان أو الأئمة أو الشيوخ ..... إلخ من علوم الغيب المطلقة التي لا يعلمها ملك مقرب أو نبي مرسل، وهل
(يُتْبَعُ)
(/)
ذلك إلا من جنس الغلو في البشر، وهو مما قد ورد النهي عنه ولو في حق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم وإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله"، فكيف بمن دونه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا: فذلك من التوكيد بالمؤكد الناسخ، وضمير الشأن فضلا عن مجيء الفعل على حد المضارعة تقريرا للصورة في الأذهان، فيسلك من بين يديه ومن خلفه، فذلك مئنة من عموم الحفظ الكوني بالرصد الملائكي الذي يحرس النبي من تعرض الشياطين التي تسترق السمع، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
ثم جاء التعقيب بالتعليل لما تقدم، فيسلك الرصد: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا:
فذلك من جملة ما تقدم من علم الإحصاء، فهو حادث باعتبار آحاده، قديم أزلي باعتبار نوعه، فليس علما من جنس علوم البشر الذين يبدو لهم ما كان عنهم خافيا، فعلمهم مسبوق بالجهل، وذلك وصف قد تنزه عنه الرب، جل وعلا، فعلمه، جل وعلا، بالشيء بعد وقوعه: علم ظهور وانكشاف، فيأتي العلم الثاني في عالم الشهادة تأويلا للعلم الأول في عالم الغيب، وذلك وجه المضارعة في الفعل الذي صدرت به الآية، فهو حادث متجدد من هذا الوجه، لتعدد حدوث وتجدد الأعيان والأحداث الكونية، فلكل منها تقدير بالعلم الأول: غيبا، وإحصاء بالعلم الثاني: شهادة، فذلك الرصد ليعلم أن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ، فحصل التوكيد بالناسخ المخفف وما اتصل به تقديرا من ضمير الشأن المحذوف، و: "قد" التي تفيد التحقيق، وجاء الجمع في "رسالات" بالنظر إلى أفراد الغيب دون جنسه، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فهو غيب عام كلي تندرج تحته جملة من الغيوب الجزئية الخاصة، والضمير في "أبلغوا" مما يقبل الاشتراك على وجه يصح فيه الجمع بين المشتركات، فلا تعارض بينها، فيكون ذلك شاهدا لمن جوز عموم المشترك اللفظي بدلالته على جميع أفراده على وجه لا يقع فيه التعارض بينها، فيحتمل الرجوع على على الملائكة: فيعلم، جل وعلا، لا عن جهل سابق، كما تقدم، يعلم أن قد أبلغوا الرسالات إلى الرسل عليهم السلام محفوظة من الشياطين التي تسترق السمع، ويحتمل الرجوع على الرسل عليهم السلام فيعلم، وهو العليم أزلا جل وعلا، أن قد أبلغوا الرسالات إلى أممهم، ثم جاء الاحتراز بالتذييل بعموم إحاطته بما لديهم علما، وعموم إحصاءه للأشياء عددا، لئلا يتوهم متوهم أن علمه، جل وعلا، بملائكته أو رسله من جنس علم ملوك البشر بجندهم أو رسلهم فيخفى عليهم يقينا من حالهم شيء بل أشياء، وذلك، أيضا، فرقان بين علم الخالق، جل وعلا، الكامل، وعلم المخلوق الناقص.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عبود]ــــــــ[23 - 08 - 2010, 12:04 ص]ـ
نفع الله بعلمك ياأستاذ مهاجر و جميل أنك تربط الايات والاحاديث وتظهر ما فيها من معاني وأحكام بلاغية ونحوية(/)
من حديث: إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِىٌّ كَرِيمٌ ........
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 08 - 2010, 05:43 م]ـ
ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا":
فقدم التوكيد بالناسخ استرعاء لانتباه المخاطب، وقدم المسند إليه: "ربكم"، على ما اطرد مرارا من التشويق إلى المسند: محط الفائدة، فهو الوصف الذي تحصل بنسبته إلى الموصوف الفائدة، وجاء المسند إليه مضافا إلى ضمير المخاطبين: "ربكم"، فذلك آكد في بيان عظم الوصف الرباني في مقام الثناء عليه، تبارك وتعالى، بوصف الجمال، ولذلك حسن الإتيان باسم الرب، فهو مظنة عطاء الرب الذي يربي عباده بعطاياه الشرعية والكونية التي لا تنقطع، فيربي أرواحهم بالوحي، فهو من جملة كلماته الشرعيات: خبرية كانت أو حكمية، فيحصل بتصديق خبرها وامتثال حكمها: صلاح الدين، وإذا صلح الدين صلحت الدنيا لزوما، فالوحي مادة صلاح العالم فبتصديق خبره تحصل البركة، فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فنكرت البركات تعظيما، واستوفى السياق: شطري القسمة العقلية: (مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، فذلك من قبيل استيفائهما في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)، فجهات الخير من فوقهم فتهبط البركات من السماء، ومن تحتهم فتنبت الأرض بالزرع والثمر، وبامتثال أمره تنصلح حال المكلفين، في أنفسهم ففي الوحي جملة من العبوديات الباطنة والظاهرة تطمئن بها النفوس، فإذا صلح الباطن بعبوديات من قبيل التوكل والمحبة ....... إلخ، صلح الظاهر لزوما بعبوديات الأركان من صلاة وزكاة وحج ..... إلخ، وفي غيرهم، فـ: "إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"، فنفع الشرع لازم ومتعد، فذلك من آثار رحمة ربك الشرعية فبها تستصلح القلوب، وهو، أيضا، الرب الذي يربي أبدانهم بالرزق الكوني، فذلك من آثار كلماته الكونية النافذة، التي خلق بها الأبدان، وأودع فيها قوى الانتفاع بالأرزاق، وأمدها بغذاء صالح، لم يفسد إلا بعبث البشر به، فما ظهرت الأمراض الخبيثة في زماننا إلا بتخريب الأقوات بالعبث في تركيبها الجيني باسم المعالجة الوراثية، فعبثت الأيدي بدقائق ركبها، جل وعلا، على وجه يحصل به تمام النمو وتمام الانتفاع بالزرع والثمر، فتركيبها على هذا الوجه من الدقة والإتقان مئنة من ربوبية الإيحاد: قدرة على التنويع في الخلق على هذا الوجه البديع، فلكل كائن نباتي أو حيواني محتوى وراثي يميزه عن بقية الكائنات، وحكمة بإعطاء كل كائن ما يلائمه من التركيب الوراثي، فـ: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، وربوبية العناية فتنوع المآكل نباتية كانت أو حيوانية، مع ما لكل منها من أثر نافع في نمو الأبدان وتقويتها وحفظها من الآفات من أظهر آثار رحمات ربك الكونية، فانظر إلى آثار رحمته الشرعية أن أرسل الرسل عليهم السلام، فتلك أعظم نعمه، جل وعلا، على خلقه، فبها ينصلح حال الآخرة، محط الرحال الأبدي، فإذا فسدت الأرواح بمادة كفر أو بدعة، عظم الخطر وفحش، بخلاف ما إذا فسدت الأبدان بمرض أو وجع فغاية ذلك فوات الدار الراحلة مهما استبقاها أهلها بجمع ومنع، وإن كان ذلك، أيضا، مطلوب الدفع أو الرفع إذا وقع، فليس ثم عقل حاضر وذهن صاف يباشر معاني الديانة تصديقا لأخبارها وتأويلا لأحكامها في أرض الواقع، ليس ثم ذلك إلا في بدن سليم من الأوجاع والأدواء، برئ من الجوع والعطش، آمن على قوته، فـ: "من أصبح معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فقد اجتمعت عنده الدنيا بحذافيرها"، فكل تلك الأعراض، مظنة الذهول عن معاني الديانة فلا يحسن يصلي
(يُتْبَعُ)
(/)
من هو جائع أو بحضرته طعام، أو تاقت نفسه إلى جماع، أو كان حاقنا أو حاقبا ...... إلخ من الأعراض الكونية التي لا ينفك عنها بدن، فهي مركبة في جبلته الجسدية تركيب الفطرة الإيمانية في جبلته الروحية، وبها حصل التمايز بين الرب، جل وعلا، والعبد المربوب، فالأول غني بذاته وصفاته، فلا يتصف بالنقص أزلا أو أبدا، فلم يزل متصفا بالكمال المطلق أزلا، وسيزال متصفا به أبدا، والثاني فقير بذاته، فلا يحصل له الغنى المؤقت إلا بسبب خارج عنه، سواء أكان شرعيا تستقيم به أمور معاده، أو كونيا تستقيم به أمور معاشه، فليس غناه ذاتيا كغنى ربه، جل وعلا، بل هو فرع عن غناه، فالرب، جل وعلا، الغني بذاته عن الأسباب فذلك من وصفه اللازم، المغني لغيره بما يجري من أسباب الشرع والكون، فـ: "اللهم منزل الكتاب"، فذلك من الإجراء الشرعي لمادة غنى الأرواح، "مجري السحاب": فذلك من الإجراء الكوني لمادة غنى الأبدان، فالماء الذي يحمله السحاب معدن الحياة النبانية النامية فهي حياة الزرع والثمر، والحياة الحيوانية الحساسة المتحركة فهي حياة الدواب وبني البشر، فهو، جل وعلا، المغني لغيره فذلك من وصفه الفعلي المتعدي إلى غيره بالإحسان شرعا بالوحي وكونا بالرزق، كما تقدم، فانظر إلى آثار رحمته الكونية أن خلق فسوى، فهو: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)، فهدى كل كائن إلى مباشرة ما يصلح به بدنه، فذلك من فضله على عموم البرية مؤمنها وكافرها، ناطقها وأعجميها، وهدى المكلفين منهم إلى أسباب النجاة من الإيمان بوحي السماء والاستمساك به فهو طوق النجاة في دار الفتن والابتلاءات التي ترد على القلوب والأبدان، فتبتلى القلوب بجملة من الشبهات، وتبتلى الأبدان بجملة من الشهوات، وجملة من الآلام، ولا يصمد لها إلا من عظم زاده من الوحي، فبقدره يكون الصبر والاحتساب، لا سيما إن كانت تلك الآلام في سبيل الله، دفعا عن الديانة، أو فتنة فيها يصمد صاحبها لترغيب وترهيب أعدائه، فيمده، جل وعلا، بمدد من الشرع والكون، تسمو به نفسه فوق الآلام، فهي رفعة في درجته، فما كان ليبلغ تلك المنزلة الشريفة عند باري الخليقة، جل وعلا، إلا بورود هذا الابتلاء تمحيصا لنفسه العظيمة ونفيا للخبث من معدن قلبه الرفيع، فلا يطهر إلا بكير الابتلاء، ولا يصلح لمجاورة الرب، جل وعلا، إلا بعد أن يخلص له، فالرب، جل وعلا، "طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا"، فله، جل وعلا، الكمال المطلق، فلا يجاوره إلا الكامل، ولا يكون كمال إلا بتنوع صور الابتلاء، بالسعة تارة، فواجبها الشكر، وبالضيق أخرى، فواجبها الصبر، فتلك هداية البيان لطريق النجاة وأسبابها المبذولة على لسان الرسل عليهم السلام، فـ: (لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، وهدى من اصطفاهم فقربهم: هداية التوفيق والإلهام، فـ: (هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)، فذلك فضله يؤتيه من يشاء، وهدى من كره انبعاثهم فثبطهم وأبعدهم من الكفار الأصليين وأتباعهم من الزنادقة والمنافقين، وما أكثرهم في زماننا!، هداهم إلى سبيل الجحيم، فذلك من عدله، جل وعلا، وحكمته أن هداهم في دار الابتلاء إلى ما يلائم محالهم الخبيثة فلا تقبل طيب القول والفعل، فليس لها إلا مثل السوء، ثم هداهم في دار الجزاء إلى ما يلائم تلك النفوس الدنسة التي لا تطهرها نيران الجحيم، فخلودهم فيها أبدي سرمدي، فـ: (أَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)، بخلاف من تدنست نفسه بأوضار معصية أو كبيرة، فلم يشأ الرب، جل وعلا، أن يغفر له، ولم يشأ أن يلهمه في الدنيا حسنات تمحوها، أو مصائب تكفرها، فمكوثه فيها مؤقت، فيخرج منها بشفاعة الشافعين، ثم بشفاعة رب العالمين جل وعلا.
(يُتْبَعُ)
(/)
والشاهد أن كل ما تقدم من صور ربوبية التكوين والتشريع في مقام الامتنان على العباد بآثار صفات ربوبية الجمال خلقا وتدبيرا، كل ذلك مما حسن معه الإتيان بلفظ: "الرب"، فهو مظنة الإعطاء، كما تقدم، فلم يأت بلفظ: "الإله" فهو، وإن دل على عطايا الربوبية، إلا أن دلالته عليها ليست دلالة مطابقة كدلالة الرب عليها، بل هي من قبيل دلالة اللزوم، فالإله هو المعبود، فدلالته على توحيد المعبود بحق، جل وعلا، بأفعال العباد على جهة الاستسلام والانقياد بالطاعة باطنا وظاهرا، فلا يكفي محض التصديق الباطن فذلك مما تحقق في قلوب كثير من الكافرين، بل لا بد من شفعه بعمل القلب فهو حجر الزاوية في مسألة الإيمان، فلا يتصور إيمان منج سواء أكان كاملا يخرج صاحبه من دائرة الوعيد ابتداء، أو ناقصا يدخل صاحبه في دائرة الوعيد دون أن يخلد فيه، لا يتصور إيمان بدون عمل القلب من: توكل ومحبة ...... إلخ من العبوديات التي تتعلق بالرب، جل وعلا، أو: ولاء وبراء ونصرة لأهل الحق وغيرة على دمائهم وأعراضهم أن تستباح أو تنتهك كما هي الحال في زماننا سواء في ديار الكافرين وأخيرا في ديار المسلمين!، وامتناعا عن ضد ذلك من خذلانهم، والمكر والتربص بهم، وإفشاء سرهم إلى عدوهم ومد يد العون إليه ليقتل منهم ويأسر .... إلخ من صور الردة الصريحة وإن زعم صاحبها أنه مسلم بل مؤمن!، فلازم الأمر بنصرتهم إيجابا، النهي عن خذلانهم تحريما فالأمر بالشيء نهي عن ضده وذلك من اللزوم العقلي الضروري بمكان فعمل القلب الذي أهمل في زماننا مع أنه هو الباعث على كل خير ظاهر، عمل القلب هو أصل كل عمل فهو في نفسه عمل، وهو معدن كل عمل فعنه تتفرع أعمال الجوارح، فإن كان صلاحا فبرسم الصلاح، وإن كان فاسدا فبرسم الفساد فـ: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب"، وإلى هذا المعنى الجليل أشار ابن القيم، رحمه الله، بقوله: "كل مسألة علمية فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه، وذلك عمل بل هو أصل العمل، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال، وهذا من أقبح الغلط وأعظمه، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، غير شاكين فيه، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب من حب ما جاء به والرضا وإرادته، والموالاة والمعاداة عليه، فلا تهمل هذا الموضوع فإنه مهم جداً، به تعرف حقيقة الإيمان". اهـ
فلا ينفع تصديق مجرد عن لازمه القلبي من الانقياد الباطن رضا وقبولا ومحبة، والانقياد الظاهر قولا وفعلا.
فالتلازم، كما تقدم مرارا بين المسائل العلمية الباطنة والمسائل العملية الظاهرة: تلازم وثيق، فلا بد أن ينضح الوعاء الباطن بما فيه من التصورات والإرادات إن خيرا فخير وإن شرا فشر، والشاهد أن دلالة لفظ "الإله" على توحيد المعبود بحق جل وعلا: دلالة مطابقة، ولن يكون المعبود كذلك إلا إذا كان هو الخالق الرازق المدبر لأمر العالم بكلمات الكون، الباعث للرسل بكلمات الشرع ...... إلخ من وظائف الربوبية التي لا تقبل الشركة أو المنازعة، فيدل وصف الألوهية على وظائف الربوبية: لزوما، فحسن من هذا الوجه الإتيان بلفظ الرب، لدلالته مطابقة على أفعال الربوبية فهي من جملة التوحيد العلمي للرب جل وعلا بإفراده بأفعاله من خلق وتدبير، دون لفظ: "الإله" لدلالته على ذلك لزوما، ودلالة المطابقة أقوى من دلالة اللزوم كما قرر ذلك أهل النظر.
وأضيف الاسم إلى ضمير الجمع، فذلك من صيغ العموم القياسية، كما قرر ذلك أهل الأصول، وهو آكد في تقرير عموم المنة الربانية على سائر البرية، فنعمه الكونية قد عمت كل كائن، ونعمه الشرعية قد ذاق حلاوتها كل مؤمن بالنبوات بتصديق خبرها وامتثال أمرها، فهو، كما تقدم، تأويل التصديق، فتأويل الخبر: تصديقه، وتأويل الأمر: امتثاله، والامتثال من وجه آخر: تأويل للخبر، فلا ينفك خبر، وعدا كان أو وعيدا، نصا في بيان صفات الجمال الربانية أو صفات الجلال الإلهية، كهذا النص، فهو خبر يبين جملة من صفات الجمال الربانية، لا ينفك، وإن كان خبرا محضا، عن دلالة إنشائية، فمعاني الوعد فيه ظاهرة، والوعد
(يُتْبَعُ)
(/)
يحمل المكلف على إنشاء الطلب بسؤاله الرب، جل وعلا، بلوغه، فإذا علم العبد أن ربه: حيي كريم، فإنه سيدعوه لزوما، فيكون تأويل تصديقه بالخبر: إنشاء الطلب، فيؤول السياق الخبري: إن ربكم حيي كريم، إلى سياق إنشائي طلبي: ادعوا ربكم فهو حيي كريم، فينزل الخبر منزلة العلة للإنشاء، فادعوا ربكم إنشاء وعلة ذلك أنه: أخبر عن نفسه بأنه حيي كريم، وكذلك الشأن في أي نص وعيد، أو بيان لجملة من صفات الجلال الإلهية، فلا ينفك، أيضا، عن دلالة إنشائية، فمعنى الوعيد على الضد من معنى الوعد يحمل المكلف على إنشاء الطلب بسؤال الرب، جل وعلا، فواته لا بلوغه كالوعد، فيطلب العبد الفرار من الوعيد إلى الوعد، ويستعيذ بصفات الجمال من صفات الجلال، فـ: "اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".
وهكذا كل خبر جاء به الوحي، أو أمر شرعه إيجابا أو تحريما، فلا بد له من جهات تأويل يظهر بها الصادق من الكاذب، فتأويل الإيمان بالتصديق المجرد عن الفعل هو الذي هون أمر الإيمان عند كثير من الناس، فصار كلمة تبذل باللسان، وإن وقع قائلها في جملة من نواقضها، وذلك الادعاء يسير على كل أحد، فقد ادعاه أبو جهل: "لله أبوك لنعطيكها وعشرًا أمثالها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله، فنفروا من ذلك وقاموا، وقالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ "، فكان أفقه من كثير من أهل زماننا، فتوقف وأبى التلفظ بها لما يعلمه من شروطها ولوازمها، وذلك مما يعارض مشتهياته وينقض رياساته، برد الأمر التشريعي إلى الرب العلي، جل وعلا، كما رد إليه الأمر الكوني خلقا وإيجادا، فلم يكن أبو جهل يخشى الإقرار بالربوبية، فذلك أمر لا يهدد سلطانه الجائر، ولكنه كان يخشى الإقرار بلازمها من الألوهية خضوعا وانقيادا للوحي، فذلك تأويل الإقرار الباطن، إن كان صاحبه صادقا، فلا يكفي محض النطق حتى يواطئ الفعل القول، فيواطئ فعل القلب محبة وانقيادا قول القلب تصديقا، ويواطئ فعل البدن صلاة وزكاة وصياما وحجا وجهادا وتول للمؤمنين بنصرتهم وتبر من الكافرين بعداوتهم ....... إلخ، يواطئ فعل البدن، أيضا، قول القلب، ويواطئ فعل اللسان ذكرا وتلاوة وذبا عن الديانة بجهاد أعدائها بالحجة والبرهان، يواطئ قول اللسان، فتجتمع أجزاء الإيمان لتكتمل صورته العلمية والعملية فتلك هي الصورة الصادقة في دار الابتلاء، والصورة المنجية في دار الجزاء، وبكمالها يكون الأمن في الدارين، وإن خوف البدن وقهر، فـ: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ)، وبنقصانها يصير صاحبها من أهل الوعيد الجزئي بالعذاب المؤقت إن ترك واجبا أو فعل محرما، أو أهل الوعيد الكلي بالعذاب المؤبد إن ترك ما يكفر بتركه، أو ارتكب ما ينقض أصل الإيمان في قلبه من قول أو فعل ظاهر أو باطن، فلن ينفعه التصديق المجرد، فذلك تصديق أبو جهل كما تقدم.
ثم جاء الثناء على الرب، جل وعلا، بما هو أهله، من البركة والعلو: "تَبَارَكَ وَتَعَالَى"، على جهة الاعتراض بخبر أريد به أيضا إنشاء دعاء الثناء.
ثم جاء المسند عقيب التشويق بتقديم التوكيد والمسند إليه، جاء بوصف الجمال الرباني: حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ:
فتلك من الصفات المشبهة التي تدل على ثبوت الوصف للرب، جل وعلا، على جهة اللزوم، فتلك دلالة الصفة المشبهة في لسان العرب، فتشتق لغة من الفعل اللازم، ولزومها الوصفي من لزومه العملي فلا يتعدى إلى مفعوله بنفسه، وصفات الجمال ثابتة للرب، جل وعلا، على جهة اللزوم، فلا تنفك عن ذاته القدسية، ولا يتصور عدم قيامها به، جل وعلا، بحال، بل لم يزل، جل وعلا، متصفا بها أزلا، وسيبقى متصفا بها أبدا، كما قد سبق في معرض تقرير وصف الغنى الذاتي الثابت له، جل وعلا، أيضا، على جهة اللزوم، فالوصف الذاتي: ثابت على جهة اللزوم للذات القدسية، فلا يتصور، كما تقدم، انفكاكه عنها، بحال، فمثله في ذلك مثل وصف الحياة، فهو وصف ذاتي، بل هو أصل كل صفة ذاتية كانت أو فعلية، فلا يتصور انفكاكه عن
(يُتْبَعُ)
(/)
الذات القدسية، بتعليقه على المشيئة، فيقال: حي إذا شاء، ميت إذا شاء، كما يروج أهل التثليث في معرض تقريرهم لفرية صلب الرب، تعالى عما يقول الظالمون والمجانين علوا كبيرا، بل لا يتصور إلا ذاتيا لا ينفك عن الذات القدسية، وكذلك الشأن في كل وصف ذاتي، وهي، كما تقدم، مئنة من جماله، تبارك وتعالى، فحسن إيرادها في معرض الترغيب بالوعد، كما حسن إيراد أوصاف الجلال في معرض الترهيب بالوعيد، فلكل متعلق يلائمه، كما قد قرر ذلك المحققون ممن تكلموا في هذا الشأن كابن القيم، رحمه الله، وفي مقابل وصف الجمال: يقال في شأن وصف الجلال بأن الأصل فيه: أنه وصف فعل لا ذات، فيصح تعليقه بالمشيئة، مع اتصاف الرب، جل وعلا، بنوعه أزلا، فذلك من أوليته، جل وعلا، المطلقة بالذات القدسية والصفات العلية فلم يكن معطلا عن وصف الكمال أزلا، بل له الكمال الذاتي والفعلي أزلا وأبدا، كما تقدم في مواضع أخر، فيحدث الرب، جل وعلا، من آحاده ما شاء، مع قدم نوعه وأزليته بقدم وأزلية الذات القدسية، فحده حد أوصاف كـ: الكلام والغضب ..... إلخ، وقد يلتحق بها من هذا الوجه بعض الصفات المشبهة كـ: "الحيي": فقد ورد في آخر الحديث مقيدا بحال حادثة فـ: "يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا"، وذلك مئنة من حدوث الفعل وتجدده بحدوث وتجدد سببه من رفع اليدين إليه، جل وعلا، استنزالا لرحماته واستدفاعا لنقماته.
والحياء من المشتركات المعنوية، فيصح اشتراك الخالق، عز وجل، والمخلوق، في أصله دون فرعه، فلكل ذات وصف يلائمها كمالا أو نقصانا، وإن اشتركت الذوات في أصل المعنى، فتصوره لا يمنع وقوع الشركة فيه، بخلاف حقيقته في خارج الذهن فيمتنع الاشتراك فيها فليست حقيقة وصف الرب، جل وعلا، كحقيقة وصف العبد، وإن اشتركا في المعنى الذهني المطلق، ولذلك وصف موسى بالحياء في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِنَّ موسى كَانَ رَجُلا حَيِيًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَي مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ"، فاشترك مع الرب، جل وعلا، في وصفي: الحياء والستر: اشتراكا معنويا ذهنيا، فلم يلزم من ذلك، بل امتنع بداهة، اشتراكهما في الحقيقة الخارجية فلموسى عليه السلام حياء وستر يليق بذاته البشرية الأرضية، ولرب موسى عليه السلام: حياء وستر يليق بذاته القدسية العلوية، وهذا أصل جليل في باب توحيد الأسماء والصفات العلمي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع سابقة.
والحياء من صفات الكمال المطلق فلا يأتي في حق البشر، إلا بخير، ولله المثل الأعلى، بخلاف الخجل فإنه قد يثبت للبشر دون رب البشر، جل وعلا، لما فيه من النقص بفوات استيفاء الحقوق، وذلك مئنة من الضعف والعجز، وذلك مما قد تنزه عنه الرب جل وعلا بداهة، فهو القوي القدير الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو الحكم العدل الذي يستوفي الحقوق، فشرع من الأحكام ما تستوفى به في دار الابتلاء، فإن لم تمتثل، فاستيفاؤها حتم لازم في دار الجزاء، فذلك من لوازم عدله وحكمته: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ). وكم من مظالم لم تستوف في هذه الدار ستستوفى لزوما في دار القرار، وكم من صرخات أطلقها المستضعفون والمستضعفات لم تلامس ديانة أو حتى مروءة ونخوة، فلكل ذلك موعد أمام الرب جل وعل: (مال ولا بنون): فـ:
إلى ديان يوم الدين نمضي ******* وعند الله تجتمع الخصوم.
فيجتمع المظلوم المقهور، ومن ظلمه وقهره، ومن خذله فأسلمه مع قدرته على نجدنه، فباع دينه بل ومروءته وآدميته بثمن بخس من عرض زائل، فسقط في الفتنة التي يستخرج الرب، جل وعلا، بها مكنون الصدور، فـ: "يُصْبِحُ الرَّجُل مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا".
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم عقب بلازم من لوازم الحياء وهو وصف: الكرم، فدلالة كل منهما على الآخر من: دلالة اللزوم، فكلاهما يدل على معناه مطابقة، وعلى معنى الآخر لزوما، فالحيي كريم يعطي إذا سئل، فـ: "يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا"، فجاء الفعل على حد المضارعة مئنة من التجدد والحدوث، بالنظر إلى ما تقدم من تجدد آحاد الوصف بتجدد سببه، وذلك آكد في الثناء على الرب، جل وعلا، بديمومة فعل ما يستوجب الثناء والمدح، فضلا عما فيه من استحضار الصورة، وذلك، أيضا، آكد في تقرير وصف الكمال للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله.
وكرمه، جل وعلا، ليس ككرم البشر، فكرم البشر مهما عظم فله منتهى، فلا ينفك مسئول عن سئم وتبرم من كثرة السؤال مهما بلغ كرمه وحلمه، وذلك، أيضا، من النقص الذي تنزه عنه الرب، جل وعلا، بداهة، فـ: "لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُل إِنْسَانٍ مَسْأَلتَهُ مَا نَقَصَ ذَلكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِل البَحْرَ"، وإنما ينزل الرزق من السماء بقدر لئلا يقع البغي والعدوان من بني الإنسان، فقد جبلوا على المشاحة والمخاصمة، فيقع بينهم التنازع على أمر الدنيا، فتلك جبلة راسخة فيهم لا يذهب أثرها إلا كلمات الوحي التي جاءت بها النبوات، فـ: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ........ ): فلم يُذْهِب ذلك الأثر إلا تأويل أوصاف المؤمنين من صلاة وزكاة وعفة وأمانة ...... إلخ، فامتثال أحكام الشرع، كما تقدم، مظنة، بل مئنة من صلاح النفس.
فاجتمع في هذا الحديث الجليل مع وجازته أنواع التوحيد: علما: بالربوبية فورد ذكر اسم الرب مضافا إلى ضمير الخلق مئنة من عموم الوصف، كما تقدم، وبالأسماء والصفات: فهو الحيي الكريم، وعملا، فلازم وقوع التصور العلمي لكماله، جل وعلا، بأسمائه وصفاته، ولعموم ربوبيته بأفعال الإيجاد والتدبير لازم ذلك إفراده بالعبادة، فذلك توحيد التأله العملي بأفعال العباد، ومن آكد صوره: الدعاء الذي ذيل به الحديث.
والله أعلى وأعلم.(/)
من حديث: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ"
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 08 - 2010, 04:30 م]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ":
فصدر السياق بقصرٍ بتعريف الجزأين، فهو أخو المسلم لا غيره، فأفاد ذلك انتفاء كل أخوة سواها من أخوة نسب أو وطن .... إلخ من معاقد الولاء والبراء التي وصفها الصادق المصدوق صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنها منتنة، والكلام يفيد بمفهومه انتفاء أخوة المسلم لغيره، أو يقال بأن في الكلام إيجازا دل عليه السياق، فالقصر ينوب عن الإثبات: فالمسلم أخو المسلم، والنفي: فليس أخا لغيره، كما قرر ذلك البلاغيون في معرض بيان وجوه البلاغة في القصر، فلا أخوة بين مسلم وكافر، فلسان مقال مصعب بن عمير لمحرز بن فضلة، الذي أسر أبا عزيز بن عمير، أخاه من النسب: "اُشْدُدْ يَدَيْك بِهِ، فَإِنَّ لَهُ أُمًّا بِمَكَّةَ كَثِيرَةَ الْمَالِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ: هَذِهِ وَصَاتُك بِي يَا أَخِي؟ فَقَالَ: إنَّ مُحْرِزًا أَخِي دُونَك"، فأثبت أخوة الدين لمؤمن بعيد، ونفي الأخوة عن أخ شقيق لقيام مانع الكفر به، ولسان حال الصديق، رضي الله عنه، الحرص على قتل ابنه عبد الرحمن، يوم بدر، ولسان حال ابن الخطاب، وهو الفاروق بين الحق والباطل فلا تحتمل طبيعته التردد، فهو الحاسم دوما بكلماته الجزلة، وسيفه الذي قتل به خاله يوم بدر، ولسان حال أبي عبيدة، رضي الله عنه، معروف مشهور، فهو قاتل أبيه، في ذات الله، عز وجل، فـ: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)، فالنفي قد تسلط على المصدر الكامن في الفعل، فلا يتصور وجدان إيمان، مع وجدان مودة للكفار، فذلك مئنة من النفاق الذي يصل إلى حد النفاق الأكبر المخرج من الملة، في صور قلبية وقولية وعملية، فالكفر يقع بها جميعا، خلافا لمن حصره في انتفاء قول القلب بالتكذيب، فينتفي أصل الإيمان من القلب بالتكذيب، أو بانتفاء عمل القلب، كما يقع ممن يتمنى ظهور الكفار وعلو شأنهم على المؤمنين، بل ويتمنى ولايتهم، فيسعى في ذلك، فهو من صور النفاق الأكبر الظاهرة، فلا ينفك فساد الباطن بتولي الكفار، عن فساد في الظاهر هو تأويل ما قام بالباطن، فالظاهر، كما تقدم مرارا، قولا أو فعلا، هو تأويل الباطن، والشاهد أنه يسعى في ذلك بلسانه فهو دوما مثن عليهم ذام للمؤمنين كاره لهم مفتر عليهم محرض عليهم في الداخل والخارج ساخر من هديهم الباطن والظاهر، ويسعى في ذلك بفعله باستيراد قوانينهم وشرائعهم، والدخول في حزبهم حال وقوع الحرب بينهم وبين المؤمنين، ومد يد العون المادي إليهم سواء أكان عسكريا أم لوجستيا أم استخباريا ...... إلخ من صور المظاهرة والتأييد، أو الهرب إلى بلادهم طوعا بلا إكراه، كما وقع ويقع من جملة من المرتدين الذين ينتسبون زورا إلى عالم الفكر والأدب، فيحزمون حقائبهم إلى بلاد الغرب، ويدخلون في ولايتهم طواعية، بل ويتخذون بلادهم وجامعاتهم منابر للقدح في الإسلام وثوابته، بخلاف من فر إلى بلادهم ودخل في حكمهم، بجنسية أو هوية، مكرها مضطرا، فلا يأمن على دمه وعرضه في بلاد المسلمين، ويأمن عليها في بلاد الكافرين، وتلك من النوازل الحادثة في زماننا، فكثير قد ضاقت به بلاد المسلمين ذرعا، فلم يجد من يأوي إليه من المسلمين فاضطر إلى الانحياز إلى بلاد الكفار لينعم، ولو جزئيا بحرية دينية، ولو اعتقادا وشعائر، فتلك من الأمور التي صارت عزيزة المنال في بلادنا في الأعصار الأخيرة، لا سيما بعد تكرار مهزلة تسليم المؤمنات إلى الكافرين، فلم يعد مؤمن قديم ولا مؤمن جديد يأمن على نفسه من بطش السلطات الرسمية الباسلة التي تجتهد في حرب التطرف والإرهاب، وتتعاطى كؤوس المحبة
(يُتْبَعُ)
(/)
والإخاء مع رءوس الكفر على موائد الشيطان التي يدعى إليها اللئام من أصحاب الرياسات بلا تقوى، والعلوم بلا أعمال تصدقها، والدماء الباردة فلا تغلي إلا حربا على أهل الديانة من الرجال والنساء، فليس ثم ما يحفز الهمم الدنية التي ماتت قلوب أصحابها، وإن تحركت أبدانهم بما فيها من حياة حيوانية تشترك فيها مع البهائم، فقوى الإحساس الظاهر تعمل، وقوى الإحساس الباطن غيرة وحمية على هذا الدين معطلة، ولا ريب أن تسليم المؤمنات إلى الكفار، هو، أيضا، من صور النفاق الأكبر، بغض النظر، كما تقدم في موضع سابق، عن عين الفاعل الذي يحتج بالإكراه، وليس ثم إكراه معتبر في معظم الأحيان، بل قد تجد من الهمة في البحث والتحري وإعداد الكمائن تحت سمع وبصر المشايخ!، قد تجد من ذلك عنده ما لا تجده عند الكافر صاحب القضية الآثمة، وعن أولئك يقول ابن القيم، رحمه الله، في "الفوائد": "علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم الى النار بأفعالهم فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له فهم فى الصوره أدلاء وفي الحقيقة قطاع الطرق". اهـ
فأي أخوة بقيت بعد ذلك، وقد قام الدليل العملي الظاهر على انتفاء أصلها في الباطن، فلا يتصور بقاء أصل الإيمان، وقد وقع صاحبه في شعبة من شعب الكفر تأتي عليه بالإبطال، فلا يجتمع الشيء ونقيضه في محل واحد، فمفهوم الكلام، كما تقدم، انتفاء الأخوة بين المسلم وغيره، فالكلام يفيد بمنطوقه حكما مثبتا، وبمفهومه حكما منفيا، فينتفي مطلق الأخوة بين المسلم وغيره من كافر أو مرتد، بقيام وصف ناقض لأصل الإيمان، كتولي الآخر المزعوم ونصرته على المؤمن المقهور!، فليس ثم إلا البراء، مع جواز البر بالكافر الأصلي، دون المرتد، في أمور المعاش من معاملات ونحوه، ما لم ينكث يمينه وينقض عهده بطعن في الدين، بمقالة أو فعل سوء، كحال كثير من كفار أهل الكتاب في زماننا، كالقس المشلوح ومن يحركه من وراء الستار، ولم يعد شخصه القبيح خافيا على أحد.
وتنتفي الأخوة المطلقة من وجه آخر، لو حمل وصف الإسلام في الحديث على الإسلام الكامل، فيكون ذلك من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، فذلك المسلم الكامل الإسلام، وبه استدل على أن الإسلام كالإيمان يزيد وينقص، بالنظر إلى معناه العام حال الافتراق عن الإيمان فيعم الظاهر الإسلامي والباطن الإيماني، فيتصور أن يكون المسلم ناقص الإسلام من هذا الوجه، فلا تثبت له الأخوة الإسلامية كاملة، بل يوالى بقدر ما فيه من إسلام، ويبغض بقدر ما فيه من شعب كفر أو نفاق أو معاص ظاهرة أو باطنة ما لم تكن ناقضة لأصل الإيمان في القلب فتلك تلحقه بالكفار فتنتفي الأخوة بها مطلقا، فقد يقال بأن المسلم الكامل الإسلام هو أخو المسلم، فتعليق معنى الأخوة على الإسلام مئنة من كمال إسلامه، فيفيد الكلام بمفهومه بعد تقدير وصف الكمال، أن: المسلم الناقص الإيمان ليس أخا للمسلم من كل وجه إذ قد قام به يقينا وصف مانع من تحقق وصف الأخوة الكاملة من شعب كفر أو نفاق أو معاص ..... إلخ، غير ناقضة لأصل الإيمان، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وذلك مذهب أهل السنة في مسألة تبعض الإيمان أو الإسلام بتعدد شعبه القلبية والقولية والفعلية، فيزيد بزيادتها وينقص بنقصانها، فكلما زادت زاد قدر الولاء الواجب لصاحبها، وكلما قلت قل، فالتناسب طردي بين وصف الإسلام وحكم الولاء، وقد يقوم بصاحبها ناقض يأتي على الأصل بالإبطال فتصير الشعب وإن تعددت عديمة الجدوى، وذلك مما يجعل دراسة نواقض الإيمان، وقد تعددت وخفيت في زماننا، يجعل دراستها مطلبا ملحا، ليعلم المسلم ما يجب عليه في نفسه، وما يجب لأخيه عليه من وجوب الولاية والنصرة والتأييد والحماية، لا سيما إن كان قادرا ممكنا، فليس القادر والعاجز في ذلك سواء، فكيف إن كانت قدرته وبالا على المسلمين بإسلامهم إلى الكافرين، وذلك ما ذيل به الخبر الذي قدم مجملا فأفاد تشويقا إلى بيانه، فجاء البيان لذلك الخبر الذي صدر به الكلام على جهة تقديم المسند إليه فالمسند تشويقا، ثم التعقيب بالبيان: لاَ
(يُتْبَعُ)
(/)
يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ: فتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعلين مئنة من العموم، كما تقدم، وهو خبر في مبناه، إنشاء في معناه، فيفيد النهي عن ظلم المسلم وإسلامه إلى عدوه، وقد يقال بأن ذلك، أيضا، من باب الإطناب، بذكر الخاص عقيب العام، فالظلم معنى عام، وإسلام المسلم إلى الكافر معنى خاص يندرج تحت عمومه، فهو من صور الظلم الفاحشة، فحسن إفرادها بالذكر، تنويها بخطرها، فليست كالظلم في النفس بالضرب أو القطع أو حتى القتل أو الظلم في العرض بزنا أو نحوه أو الظلم في المال بسرقة أو غصب أو نحوه، فتلك لا توقع صاحبها تحت طائلة الردة ما لم يستحلها، بخلاف صورة خذلان المسلم بتسليمه إلى الكافر، فتلك توقعه تحت طائلتها، فهي، كفر أكبر في نفسها، بغض النظر، كما تقدم، عن حكم فاعلها المعين فتحرير ذلك أمر لا يجدي كثيرا في معرض التقرير العام للمعنى، وهو أجدر باهتمام المسلم لا سيما في أعصار الفتن التي تعز فيها الأوقات فلا يحسن بذلها في أمل قليل الجدوى، فليس كلنا قضاة شرعيين لنحكم على فلان أو فلان بأعيانهم بالردة.
وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ: فذلك من قبيل الجزاء الذي هو من جنس العمل، ويزيده تقريرا الجناس بين الحاجتين أو المشاكلة اللفظية بينهما، والحاجة تعم حاجة الدين بتأمينه على معتقده وشعائره، وحاجة الدنيا بتأمينه على دمه وعرضه وماله وعقله فتلك الضرورات التي نزلت الشريعة الخاتمة لحفظها، وقد أهدر أغلبها، إن لم يكن كلها في زماننا، وكان آخرها إهدارا في الآونة الأخيرة: أولها، وأعظمها شأنا: الدين.
وتعليق الأمر بصورة الشرط الذي يدل على التكرار فهو ملكة راسخة في نفس صاحبه، فيكون في حاجة أخيه، دائما، فيكون الرب، جل وعلا، في المقابل، في حاجته دائما، ذلك التعليق: آكد في تقرير المعنى في معرض الترغيب، وشتان الكينونتان: فكينونة العبد في حاجة أخيه تنقطع لا محالة بما يرد عليه من العوارض والصوارف الكونية، من غفلة ولغوب وسنة ونوم ونوازل كونية تذهل صاحبها عن مطالعة شأن غيره وموت يقطعه عن هذه الدار واشتغال بتحصيل أمور المعاش ...... إلخ، وأما كينونة الرب في حاجة العبد فهي كينونة من لا يغيب عن خلقه، فذلك من الأفول الذي تنزه عنه، فلا يخفى على الرب، جل وعلا، شيء من كونه، علما وتدبيرا، فعلمه محيط، فـ: (عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، وتدبيره محكم متقن، فهو أحكم الحاكمين الذي أتقن كل شيء، فيكون ذلك وجه المشاكلة بين الكينونتين، فبينهما قدر مشترك فذلك من قبيل الاشتراك المعنوي في أصل كلي جامع، وقدر فارق، يقع به التباين، فليست كينونة الرب، جل وعلا، ككينونة العبد، فلكل وصف يليق بحاله كمالا أو نقصانا، فليست كينونة من لا يغيب فيعلم السر وأخفى، وهو مع ذلك: (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)، ككينونة من يغيب فيخفى عليه من الحوادث ما يخفى، بل الجهل أصل فيه لقصور مداركه الحسية والمعنوية، فإن غفل الرقيب البشري، فالرقيب الرباني لا يغف ولا ينام، فـ: (لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)، وإن قعد العباد عن نصرة المستضعفين والمستضعفات، اختيارا أو اضطرارا، فالرب، جل وعلا، هو الذي: (يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)، فجاء الفعل على حد المضارعة مئنة من الحدوث والتجدد، أيضا، فيحدث، جل وعلا، ما شاء من أفراد وصفه الذاني، فهو سميع الدعاء، ولو من كافر، فكيف إذا كان من مستضعف أو عاجز عن نصرته قد بذل وسعه واستفرغ جهده في نصرة أخيه، فصح توكله على الرب، جل وعلا، فلا يستجيب الرب، جل وعلا، لمن قعد ابتداء، برسم الكسل أو قلة الاكتراث، وإنما يستجيب لمن حرر ولاءه لأخيه فكان في حاجته، ولو بكلمة، ولو بغضبة حر في نفسه يحترق فيها قلبه كمدا على ما ينال أبناء دينه من
(يُتْبَعُ)
(/)
ظلم وقهر، فما نقم منهم أعداؤهم: (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، وهل ذلك مما يوجب النقمة إلا إن كان الناقم من جند إبليس فلا يرضيه أن يسلم الناس لرب العالمين لئلا تفوته رياسته ومآكله الدنية فتعلق همته بها مئنة من دنو نفسه وضعة أصله، وتلك حال كل من تكالب على رياسة زائلة فباع من أجلها من دينه وكرامته ورجولته ما باع، وما فتنوهم إلا لأنهم آمنوا، وما قعد عن نصرتهم إلا من نافقوا، فظهرت بتلك النوازل الفواجع: معادن قلوب طوائف ثلاث: طائفة إيمان وإن كانت عاجزة فهي بإيمانها مستعلية وببذل الأسباب المشروعة لنجدة المستضعفين متوسلة، وبدعائها إلى رب الأرض والسماوات متوجهة، وطائفة كفر تفتن المؤمنين والمؤمنات فهي أمام إيمانهم عاجزة، ومقابل عزهم ذليلة خاشعة، وإن بدا أنها ظاهرة غالبة، فليست تلك إلا صحوة الاحتضار، وظلمة آخر ليل آذن بالارتحال، فهي حالكة، وعما قريب مفارقة، وطائفة نفاق ترضى بما ينزله الكفار بالمؤمنين، بل تظاهرهم بالقول والفعل، وتدعي الإيمان وهي بضده قد تلبست، فلا أقل في تلك الفواجع التي تنزل بإخواننا وأخواتنا من دعاء صادق بقلب حاضر، قد تمحض ولاءً للمؤمنين وبراءً من الكفار والمنافقين، وتلك فجائع من جنس فجائع الرندي رحمه الله:
فـ:
فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعة ******* وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ.
وللحوادث سُلوان يسهلها ******* وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ.
ووصف من نزلت به الحاجة من المؤمنين بالأخ ترقيقا لقلب المؤمن عليه، فالأخ، إن كان في قلبه بقية مروءة وشهامة يفزع إلى نجدة إخوانه وأخواته ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويفزع إلى ربه بالدعاء الحار استنزالا لرحماته عليهم، واستنزالا لنقماته على من ظلمهم وخذلهم من أهل الكفر والنفاق.
وكذلك الشأن في: وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: فحصلت المقابلة والمشاكلة في سياق الشرط تقريرا للمعنى، وحصل الاشتراك، أيضا، في المعنى الكلي لـ: "التفريج"، فذلك من وصف الرب، جل وعلا، الفعلي، فيشترك مع تفريج العبد لكرب أخيه، في المعنى الكلي دون الحقيقة، فليس تفريج من هو على كل شيء قدير كتفريج من لا يقدر على شيء إلا إن أقدره الرب، جل وعلا، عليه، فليس إلا سببا يوصل الرب، جل وعلا، به النفع إلى عباده، إن اصطفاه بفضله، أو الضر إن أبعده بعدله، فجعله حربا على المؤمنين والمؤمنات لفساد محله فلا يقبل آثار الخير من مودة للمؤمنين وبر بالناس أجمعين.
فالقول بالمشاكلة هنا صحيح إن لم يرد قائله التوصل بذلك إلى نفي الوصف بإلغاء كل اشتراك بين وصف الرب، جل وعلا، ووصف العبد، فكلاهما يفرج، كما تقدم، فذلك اشتراك في الأصل، وشتان تفريج كليهما فذلك افتراق في الفرع، فالمشاكلة اللفظية في مثل هذا الموضع مشفوعة بمشاكلة معنوية في أصل المعنى دون فرعه.
وقد نكرت "الكربة": إما لبيان النوع، فتعم القليل والكثير، فهي جارية مجرى اسم الجنس، وذلك مما يحمل العباد على المسارعة في قضاء حوائج إخوانهم، ولو صغرت، فـ: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)، فنكر العمل، أيضا، مئنة من النوعية فلا يضيع أجر من أحسن أي عمل، صغيرا كان أو كبيرا، لقرينة وروده في سياق نفي فتلك من صور العموم الذي يشمل القليل والكثير والصغير والكبير، فلا يضيع أجر من أحسن أي عمل طالما أحس صاحبه في إرادة وجه الله، جل وعلا، به، وأحسن بفعله على الوجه المشروع، وإما تعظيما، فمن الكرب: كرب عظام:
وأي كربة أعظم من كربة الفتنة في الدين، فهي أعظم نازلة تنزل بالمؤمن، وأعظم كرامة تقع له، إن صبر وثبت، فلا يليق بمن يدعي الإيمان أن يبخل عليه ولو بالدعاء أن يثبته الله، جل وعلا، ويصبره حتى ينال الثواب والرفعة في الدنيا والآخرة: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
فذلك تقرير ثالث جار على ما تقدم من المشاكلة في اللفظ وأصل المعنى في سياق شرط يزيد المعنى تقريرا بتعليق الجزاء على الشرط، فضلا عن العموم الذي صدر به، وهو اسم الشرط: "من"، فلا نظر فيه إلى عين العامل بل النظر إلى قلبه وما قام به من إيمان هو أصل لصحة أي عمل، ثم إرادة خير فباعثه الإخلاص، ثم إلى عمله فلا يقبل الرب، جل وعلا، إلا ما كان على منهاج أنبيائه عليهم السلام.
فمن سَتَر سُتِر، وصور الستر كثيرة، فمنها ستره إذا أذنب، ما لم يصر في ذلك مفسدة عظيمة ترجح رفع أمره إلى السلطان ليكف أذاه عن المؤمنين، ومنها ستره إن كان مستضعفا مطاردا بلا ذنب اقترفه، كحال كثير من المؤمنين والمؤمنات في زماننا، لا سيما من فتن منهم في دينه، فستره لئلا يفتن في دينه، إن عجز المسلمون عن نصرته صراحة كما هي الحال في زماننا!، ستره من آكد لوازم الولاء والبراء، وذلك أمر يعم كل صور الستر المعنوية بتعليمه أمور الديانة والتهوين عليه فالفرج قريب وإن اشتد الكرب ..... إلخ، والمادية بإيواء ونفقة ..... إلخ، فمن فضحه ووشى به، وطارده وسعى في إسلامه إلى من يفتنه في دينه فقد ارتكب ناقضا من نواقض الإيمان، وإن كان مصدقا بقلبه.
ومقابل هذا الستر المحدود: ستر الرب، جل وعلا، في يوم تفتضح فيه النفوس فيظهر مكنون الصدور وتبلى سرائر القلوب، وينكشف ما قد كان مستورا من ذنوب الخلوات وفساد النوايا والإرادات.
والله أعلى وأعلم.(/)
وقفات .. في معاني الأبنية العربية
ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 01:47 ص]ـ
1 - الاسم والفعل ..
يقول اللغويون:
إن الاسم يفيد الثبوت، والفعل يفيد التجدد.
وسرُّ ذلك أن الفعل مقيَّد بالزمن. فالفعل الماضي مقيَّد بالزمن الماضي،
والمضارع مقيَّد بزمن الحال أو الاستقبال في الغالب، في حين أن الاسم غير مقيّد بزمن من الأزمنة فهو أشمل وأعم وأثبت.
جاء في " نهاية الإيجاز " للفخر الرازي .. بتصرف:
(الاسم له دلالة على الحقيقة دون زمانها، وأما الفعل فله دلالة على الحقيقة وزمانها، وكل ما كان زمانيا فهو متغيِّر، والتغيُّر مشعر بالتجدد).
قال تعالى: " سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ " [الأعراف: 193].
ففرق بين طرفي التسوية فقال: " أَدَعَوتُمُهُم " بالفعل.
ثم قال: " أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ " بالاسم ..
ولم يُسوِّ بينهما، فلم يقل: أَدَعَوتُمُهمْ أم صَمَتُّم بالفعلية، أو أأنتم داعوهم أم أنتم صامتون.
وذلك أن الحال الثابتة للإنسان هي الصمت، وإنما يتكلَّم لسبب يعرض له .. ولو رأيت إنسانا يكلم نفسه لاتَّهمته في عقله. فالكلام طارئ يحدثه الإنسان لسبب يعرض له. ولذا لم يسوِّ بينهما بل جاء للدلالة على الحال الثابتة بالاسم (صامتون) وجاء للدلالة على الحال الطارئة بالفعل (دعوتموهم):
أي أأحدثتم لهم دعاء أم بقيتم على حالكم من الصمت.
جاء في الكشاف: " فإذا قلت: هلا قيل: أم صمتُّم؟ ولِمَ وضعت الجملة الاسمية موضع الفعليَّة؟ قلت: لأنهم كانوا إذا حزبهم أمرٌ دعوا الله دون أصنامهم.
فكانوا حالتهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعوتهم. فقيل: إن دعوتموهم لم تفترق الحال بين إحداثكم دعاءهم وبين ما أنتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم " (1/ 592).
من كتاب / معاني الأبنية في العربية .. فاضل السامرائي
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 02:23 ص]ـ
جزاكِ الله خيرا أختي أنوار
مثل ذلك قوله تعالى (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)
باسط جائت اسما ولم يقل يبسط للدلالة على أن هذه الصفة كانت ثابتة فيه.
انظر إلى قوله تعالى:" وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد " فإن أحدا لا يشك في امتناع الفعل ههنا وإن قولنا:" كلبهم يبسط ذراعيه. لا يؤدي الغرض وليس ذلك إلا لأن الفعل يقتضي مزاولة وتجدد الصفة في الوقت ويقتضي الاسم ثبوت الصفة وحصولها من غير أن يكون هناك مزاولة و تزجية فعل ومعنى يحدث شيئا فشيئا" دلائل الإعجاز 133_134
ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 02:33 ص]ـ
أشكرك أختي العزيزة .. ينابيع الخير على المرور والإضافة ..
ـ[عبود]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 04:43 ص]ـ
بارك الله فيك
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 04:54 ص]ـ
بارك الله فيك أختي الكريمة أنوار فائدة جد جليلة
ومنه قوله تعالى: (وجعل كلمةَ الذين كفروا السفلى، وكلمةُ الله هي العليا) فقال: (وكلمةُ) فاستأنف ولم يعطف للدلالة على أن الأصل الثابت لهذه الكلمة أنها عليا دائما.
والله أعلم
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 06:04 ص]ـ
بارك الله فيك أختي الكريمة أنوار فائدة جميلة
ومنه قوله تعالى في قصة ضيف إبراهيم - عليه السلام -: " قالوا سلامًا قال سلامٌ "
سلامًا: جملة فعلية يسلم سلامًا
سلامٌ: مبتدأ = اسم
والاسم كما قرر أشمل وأثبت من الفعل
فسلموا عليه بالجملة الفعلية فسلم عليهم بالجملة الاسمية
ونحن مأمورون " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ( http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=46&ID=684#docu)"
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 07:16 ص]ـ
بارك الله فيك
وبارك الله فيكم
الأستاذ ابن القاضي .. أشكرك، وجزاك الله خيرا لما أضفته.
الأستاذ الأديب .. شكرا لمروركم وإضافتكم، جزيتم خيرا.
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 07:35 ص]ـ
يقول الجرجاني في دلائله:
" إن موضوع الاسم على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدده شيئًا بعد شيء.
وأما الفعل فموضوعه على أن يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئًا بعد شيء .. ".
و لا تخلو أساليب الخطاب العادية منها ..
كأن تقول لصاحبك: أتنجح هذا العام؟؟
فيجيب: أنا ناجح ..
فهو لشدة وثوقه بنفسه يجيب وكأن الأمر قد تمَّ واتَّصفَ صاحبه به، وإن لم يكن قد حصل.
ومنه قوله تعالى: " رَبَنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ " (آل عمران: 9)
والأصل تجمعُ الناس .. لأنه في الاستقبال ..
ولكن لأن الأمر متحقق ثابت أخبر عنه باسم الفاعل الدال على الثبوت ..
والله أعلم(/)
من لها؟؟؟؟
ـ[الوزير الصارم]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 05:52 ص]ـ
كل عام وأنتم بألف خير
سؤال لأهل اللغة
ما استخدامات الكلمات التالية:
استحياء - أجر - الأمين - عدوان
مع تحديد لو أمكن الموضع الذي استخدمت فيه
جعلنا الله وإياكم من صوام وقوام هذا الشهر الفضيل
ـ[عصام محمود]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 03:45 م]ـ
استخدمت هذه الكلمات مجتمعة في سورة القصص من الآية 25 - 28
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 09:10 م]ـ
جزاكم الله خيرا دكتور عصام ..
ـ[الوزير الصارم]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 09:44 م]ـ
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزيكم كل خير أستاذ عصام وأن يجعل ذلك في موازين حسناتك(/)
من قوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ.)
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 04:30 م]ـ
من قوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ):
فالخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باعتبار المواجهة، كسائر خطابات التنزيل، فقد توجهت ابتداء إلى صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المبلغ عن ربه، جل وعلا، فمقام التبليغ يقتضي بداهة أن يكون المبلغ أول من يعلم، وأما باعتبار التكليف، فالخطاب يتوجه إلى كل من مكلف يصح تكليفه بمقتضى الخطاب، فيتوجه ذلك إلى كل مؤمن، فالعموم المعنوي قاض بإناطة التكليف بمقتضى الخبر بكل من تحققت فيه شروط التكليف، كما تقدم، فلا ينفك أي خبر، ولو محضا، عن دلالة إنشائية تستفاد من قرائن المدح أو الذم فيه، فالمدح مظنة الأمر بالفعل، والذم، مظنة الأمر بضده من الترك، ويتفرع عن ذلك خلاف أهل العلم فيمن يصح تكليفه، فالجمهور على تكليف من يصح توجه الخطاب إليه، ولو كافرا، فهو مخاطب بفروع الشريعة العلمية والعملية، ومخاطب بما لا تصح إلا به من أصل الإيمان المنجي، فيكون الخطاب هنا بتصديق الخبر وامتثال الأمر بالنظر إلى دلالته الإنشائية، فالنفي مظنة النهي، كما يأتي بيانه إن شاء الله، يكون متوجها إلى كل من قرأ هذه الآية وفهمها، والمسألة العملية التي تتناولها الآية، وهي الولاء والبراء، ليست عند التأمل، من مسائل الفروع العملية، بل هي من أعظم أجناس عمل القلب، فلا يتصور إيمان حقيقي يتجاوز حد التصديق العلمي المجرد إلا بتحقق هذا الأصل الجليل الذي غفل عنه فئام من الناس في زماننا، حتى صارت عداوة المؤمنين والسعي في إيصال الأذى القولي والبدني إليهم وإسلامهم إلى أعداء الديانة من الكفار الأصليين، حتى صار كل ذلك وظيفة رسمية! يتقاضى صاحبها راتبه عليها، ويحتج بصدور الأمر من جهات عليا لا تبديل لكلماتها، فلا تقبل المراجعة أو النسخ، فقد صارت في نفوسهم أشد إحكاما من آي التنزيل، وحال أولئك وأولئك: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)، و: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)، فلم يستثن الجنود، مع أنهم كانوا موظفين رسميين في دولة فرعون الديمقراطية التي تكافح إرهاب وإفساد الأنبياء وأتباعهم، فـ: (قَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)، فالخطاب هنا: خطاب بأمر هو أصل في نفسه، ولا يصح مع ذلك إلا بتحقق الأصل الأول وهو التصديق والإقرار الجازم الذي يلزم منه بداهة الانقياد لأحكام الرسالة العلمية والعملية بالطاعة المطلقة، فـ: (مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، فيزيد الخطاب بأصل الولاء والبراء على خطاب المكلفين، ولو كفارا، بالفروع، فليس مجرد خطاب بفرع يلزم تحقق أصل الإيمان لوقوعه صحيحا، فلا ينتقض الأصل بتخلفه، وإن قدح في كماله الواجب، فمن ترك شعبة من الإيمان كالصدق، على سبيل المثال، فإن ذلك يقدح في كمال إيمانه الواجب فهو متوعد بوعيد الكاذب، ولا يقدح في أصل الإيمان في قلبه إلا إن استحله، فهو مؤمن ناقص الإيمان،
(يُتْبَعُ)
(/)
أو مؤمن باعتبار تحقق الأصل فاسق باعتبار تخلف الفرع الواجب، وليس ذلك وصف من ترك أصلا بنفسه كالولاء والبراء، كما تقدم، فينتقض أصل الإيمان في القلب بزواله، فهو من عمل القلب الذي لا يتصور زواله إلا بزوال الإيمان فهو خطاب بأصل يلزم لصحته تحقق الأصل الأول كما تقدم.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "شرح الأصفهانية"، في معرض تقرير تبعض الإيمان إلى شعب:
"وأما أئمة السنة والجماعة فعلى إثبات التبعيض في الاسم والحكم فيكون مع الرجل بعض الإيمان لا كله ويثبت له من حكم أهل الإيمان وثوابهم بحسب ما معه كما يثبت له من العقاب بحسب ما عليه وولاية الله تعالى بحسب إيمان العبد وتقواه فيكون مع العبد من ولاية الله تعالى بحسب ما معه من الإيمان والتقوى فإن أولياء الله هم المؤمنون المتقون كما قال تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون) ". اهـ
وعلى قول الحنفية، رحمهم الله، لا يتوجه الخطاب إلا إلى المؤمنين، فأول من يتوجه الخطاب إليه بعد صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم هم الصدر الأول، رضي الله عنهم، وقد ورد أنها نزلت في أحاد منهم، كما يأتي إن شاء الله، ومن بعدهم إلى يوم الناس هذا داخل في عموم الآية بداهة.
والشاهد أن إدراج خطاب كهذا في مسألة الخطاب بفروع الشريعة نوع تجوز، فهو أصل جليل بنفسه غفل عنه من غفل من أهل هذا الزمان.
وأشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، إلى وجه آخر يكون الخطاب فيه متوجها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمراد غيره، فلا يتصور توجه الأمر إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعدم موالاة الكافرين، إلا على سبيل تقرير مقادير الأعمال صحة أو فسادا، ثوابا أو عقابا، فيكون ذلك من قبيل قوله تعالى: (ولَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، ووقوع الشرك من الأنبياء عليهم السلام محال ذاتي، فتعليق الجزاء عليه بيان لعاقبة الشرك الذي يتصور وقوعه في أتباع الأنبياء، عليهم السلام، فيكون الخطاب لهم، والمراد أتباعهم في معرض تقرير مقادير الأعمال تحذيرا لهم بشرط خبري المبني، إنشائي المعنى، فذلك، أيضا، من قبيل آية المحادة: خبرا عن انتفاء المودة للكافرين، إنشاء لوجوب نفيها من القلب أصلا ومن اللسان قولا ومن الجوارح فعلا فهي أمارات الظاهر على ما يقوم بالباطن من تصور وإرادة، فمن واد الكفار بظاهره، وأبغض المؤمنين، وحرض عليهم، وسعى في إيذائهم بل واستئصالهم ..... إلخ من صور العداء الظاهر في مقابل الولاء الظاهر لعدوهم، فإن ذلك يدل لزوما على صورة مماثلة في الباطن، فينتفي عمل القلب ولاء وبراء باطنا بانتفائه من قول اللسان وفعل الجوارح ظاهرا، فالتلازم بين الظاهر والباطن: تلازم وثيق، فلا تنشأ صورة ظاهرة إلا فرعا عن أصل راسخ في القلب، فمن تولى الكفار بظاهره، وإن ادعى علمه بتحريم ذلك، فلا ينفعه ذلك العلم، فقد وقع فيما ينقضه من العمل، فمن الكفر شعب عملية بعضها يقدح في كمال الإيمان الواجب، كالكذب، على سبيل المثال، وبعضها ينقض أصل الإيمان كمظاهرة الكفار على المؤمنين، فهي أمارة ظاهرة على النفاق الأكبر، فـ:
لَا تَجِدُ قَوْمًا: فتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل فذلك مئنة من العموم، كما تقدم في مواضع سابقة، فلا يتصور وجدان قوم يدعون الإيمان، وهم يوادون الكفار فلا ينفك ذلك، بداهة، عن لازمه من بغض المؤمنين، فهما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، لا سيما إن كان ذلك بالفعل المصدق للقول، فذلك آكد في تقرير الجناية، وهي تأتي على أصل الملة بالإبطال، إن كان وده لهم لأجل دينهم، وبغضه للمؤمنين من أجل دينهم، ومع ذلك تكون الموالاة الظاهرة على المؤمنين بقول أو فعل أمارة من أمارات النفاق الأكبر، كما تقدم، ولو لم يستحلها بقلبه، فاستحلالها ينقض الإيمان ولو لم يظهر ذلك، فهو ناقض قلبي، بخلاف إظهار ذلك، فهو ناقض عملي، فمن نواقض الإيمان: نواقض علمية سواء أكانت اعتقادا بالقلب أو قولا باللسان، وأخرى: عملية بالجوارح، وإن لم يستحلها العامل بقلبه أو يظهر ذلك بلسانه فيشهد على نفسه بأنه
(يُتْبَعُ)
(/)
كافر!، فذلك لا يقع إلا نادرا، وإن كثر في أعصار الضعف التي يستعلن فيها كثير من الزنادقة بزندقتهم.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"إنَّ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ الْحَقِّ لَيْسَ إيمَانُ الْقَلْبِ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِقَلْبِهِ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ وَكَانَ مُبْغِضًا لَهُ وَلِلرَّسُولِ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَلِمَنْ أَرْسَلَهُ مُعَادِيًا لِذَلِكَ مُسْتَكْبِرًا عَلَيْهِمْ مُمْتَنِعًا عَنْ الِانْقِيَادِ لِذَلِكَ الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُؤْمِنًا مُثَابًا فِي الْآخِرَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ تَنَازُعِهِمْ الْكَثِيرِ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَلِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي كُفْرِ إبْلِيسَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا عَارِفًا بَلْ لَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ مِنْ عِلْمٍ فِي الْقَلْبِ وَعَمَلٍ فِي الْقَلْبِ أَيْضًا". اهـ
فلا يلزم للحكم بالكفر المطلق، بغض النظر عن حكم المعين، لا يلزم للحكم به اعتقاد القلب، فذلك أمر باطن لا يعلمه إلا الله، عز وجل، فلا يكون هناك كفر في الدنيا على هذا القول فأمور القلوب محجوبة عن البشر!، إلا إن شهد المكلف على نفسه بالكفر، كما تقدم، وتلك شهادة لا يشهدها الكافر الأصلي على نفسه فضلا عن المرتد!، فكل يعتقد أو يظهر الاعتقاد الجازم بصواب ما هو عليه فهو المؤمن وغيره الكافر، وهو المصيب وغيره المخطئ!.
وبغض أهل الحق مئنة من بغض الحق نفسه، فذلك من التلازم العقلي الضروري، فمن سعى في إيذائهم لأجل دينهم فهو مبغض لدينهم وإن ادعى غير ذلك، فشاهد حاله مكذب لشاهد مقاله.
يقول ابن الوزير اليماني، رحمه الله، في "إيثار الحق على الخلق":
" .... وعلى هذا لا يكون شيء من الأفعال والأقوال كفرا إلا مع الاعتقاد حتى قتل الأنبياء والاعتقاد من السرائر المحجوبة فلا يتحقق كفر كافر قط إلا بالنص الخاص في شخص شخص". اهـ
والشاهد أن الكفر كالإيمان يتبعض، فمنه ما لا يجامع أصل الإيمان، كنواقض الإيمان من شعب الكفر الأكبر باطنة كانت أو ظاهرة، ومنه ما يجامع الإيمان من شعب الكفر الأصغر.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"الكفر ذو أصل وشعب فكما أن شعب الإيمان: إيمان، فشعب الكفر: كفر والحياء شعبة من الإيمان وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر والصدق شعبة من شعب الإيمان والكذب شعبة من شعب الكفر والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان وتركها من شعب الكفر والحكم بما أنزل الله من شعب الإيمان والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر والمعاصي كلها من شعب الكفر كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان". اهـ
وقد تسلط النفي، أيضا، على النكرة: "قوما"، فأفاد عموما آخر، فلا يتصور أي وجدان في الخارج لأي قوم جاء وصفهم المبين: "يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ"، بعد ذكرهم المجمل، فالنكرة مظنة الإجمال، والتنكير في هذا الموضع يفيد التشويق ففيه نوع إبهام يستثير العقول لمعرفة حال أولئك القوم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
فلا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر: فنفى وجدانهم بقيد الإيمان، على جهة المضارعة، فذلك آكد في تقرير المعنى بحدوث الانتفاء وتجدده، فهو مستمر باستمرار وجدان ناقض من نواقضه، جاء هو الآخر على جهة المضارعة: "يوادون"، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فوجد نفي حكم الإيمان بوجود وصف موادة من حاد الله ورسوله من الكفار الأصليين، فذلك أول ما يتوجه إليه المعنى، وقد يصح حمله من وجه آخر، على ما دون الكفر من الكبائر والمعاصي فينتفي وجدان المودة لصاحبها بقدرها، فالولاء والبراء أمر يتفاوت قدره بتفاوت سببه، فمنه الكلي من الكفار، ومنه الجزئي من العصاة، بل يتفاوت قدره بتفاوت كفر الكافر فليس الكافر المجاهر كالكافر المبطن، وتفاوت معصية العاصي، فليست الكبيرة كالصغيرة، بل ليست الكبائر كلها على حد سواء، وإن جمعها وصف الكبيرة الكلي، بل تتفاوت عظما وإثما، فمعنى الموادة كسائر المعاني الذهنية يقبل الانقسام، فيقع الاشتراك المعنوي فيه باعتبار أصله، ثم تتفرع عنه صور متباينة، فيكون منها ما هو كفر، ومنها ما هو دون ذلك، فلكل صورة حكم يلائمها، كما أشار إلى ذلك
(يُتْبَعُ)
(/)
صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
وقد استأنس بعض أهل العلم بمثل هذا القول على جواز الاستدلال الجزئي، فليس من شروط الاستدلال التطابق في الصورة، بل يجوز الاستدلال من وجه دون بقية الوجوه، فالآية تدل على انتفاء المودة الكلية بين المؤمن والكافر، وهي من وجه آخر تدل على انتفاء المودة الجزئية بين المؤمن والعاصي، فتلك صورة جزئية تفرعت عن الصورة الكلية، فيشبه ذلك من وجه جواز الاستدلال بآيات نزلت في حق الكفار في شأن يخص المؤمنين، ولا يلزم من ذلك بداهة، أن يصير المؤمن بذلك كافرا، فالاستدلال يتعلق بوصف أو حال خاص طارئ، فلا يتعلق بالوصف أو الحال العام الدائم، كما في استدلاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله تعالى: (اوَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)، على احتجاج علي، رضي الله عنه، بأن نفوس النائمين بيد باريها، جل وعلا، فإن شاء أرسلها في الليل فتصلي، وإن شاء أمسكها عنده فتنام عن صلاة الليل، والآية قد نزلت في بيان حال الكافر، وليس علي، رضي الله عنه، بذلك بداهة!، بل هو من سادات المؤمنين.
والشاهد أن المضارعة في: "تجد"، مئنة من التجدد والحدوث، وذلك آكد في تقرير المعنى على جهة الديمومة، فلا وجود في أي عصر أو مصر لقوم يتصفون بالإيمان، وهو وصف لازم لا يتصور انفكاكه عن صاحبه إلا بارتكاب ما ينقضه من اعتقاد أو قول أو فعل، وهم مع ذلك يوادون من حاد الله ورسوله فبارزه بالعداء الصريح في الدين ومن أظهر صوره في زماننا مظاهرة الكافرين على المؤمنين بالقول والفعل، فتلك محادة كلية تأتي على أصل الإيمان بالإبطال، أو بارزه بارتكاب المعاصي، فتلك محادة جزئية تنقض كمال الإيمان الواجب دون أصله.
والموادة من المفاعلة، وهي لا تكون إلا بين اثنين، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وليس ذلك شرطا في انتفاء الإيمان أصلا أو كمالا، على ما تقدم بيانه، فقد يود من يدعي الإيمان: الكافرَ طلبا لرضاه وطمعا في عطاياه واستظهارا بقواه، كما هي حال كثير من أهل زماننا، ومع ذلك الود الصادق الذي يتفانى صاحبه في إقامة الأدلة القولية والفعلية على صحته فيبغض لأجله أهل الإيمان ويسعى في مضرتهم ومساءتهم إرضاء لأهل الكفران، مع كل ذلك قد لا يجد من الكافر ودا يعادله، بل لن يجده يقينا، فـ: (لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، فليس إلا أداة قمع يستعملها الكافر لكسر شوكة أهل الإيمان وإلحاق الأذى بشتى صوره بهم، فالمفاعلة هنا ليست على بابها، أو يقال بأنها تقع باعتبار ما قد يؤول إليه الأمر من وقوع ود متبادل بين الطرفين، ولو ظاهرا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالطيور على أشكالها تقع!.
فعلى القول الأول تكون المفاعلة على غير بابها، فتجري مجرى المعالجة، فيقال لمن باشر أمرا ما: عالجه، وليس ثم إلا فاعل واحد، وعلى القول الثاني تكون المفالعة على بابها باعتبار ما تؤول إليه، فمن تشبه بقوم، وذلك من صور الموافقة الظاهرة التي تدل ضرورة على نوع موافقة في الباطن، قل أو كثر، فهو منهم بقدر تشبهه بهم، وبقدر موالاته لهم، وبقدر مظاهرتهم وإعانتهم على عدوهم الذي صار عدوا له، فالناس على دين ملوكهم، ولو كانوا ملوكا في الظاهر!.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض التعليق على قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم":
"هذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم).
وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة".
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه فإن كان كفرا أو معصية أو شعارا للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك". اهـ
فقد يكون ناقلا عن الملة، فهو أمارة ظاهرة على انتقاض أصل الإيمان في القلب بناقض قلبي أو قولي أو عملي، وقد يكون معصية تنفي كمال الإيمان الواجب دون أصله كما تقدم.
(يُتْبَعُ)
(/)
والمحاداة صورة محسوسة استعيرت لإبراز الصورة المعقولة، فالمتحادان يقف كل منهما في حد يضاد الآخر، فتلك المحادة المحسوسة، فكذلك المحادة المعقولة فكل طرف يقف في جبهة فكرية تضاد الآخر، وإذا اختلفت القلوب اختلفت الأبدان ضرورة، مهما ادعى من ادعى من المغرضين والجهلة دعاوى المحبة والسلام والمصير المشترك ...... إلخ، فتلك دعاوي يكذبها الشرع، فـ: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ)، و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، والعقل، فلا يجتمع المتناقضان في محل واحد، فكل يظن في نفسه الإيمان وفي غيره الكفر، وإلا كان متناقضا بتجويز أن يكون هو ومخالفه: مؤمنين!، فيتعدد الحق في أمر لا يكون الحق فيه لا واحدا، أو قائلا بوحدة الوجود وما تفرع عنها من وحدة الأديان، فكلها طرق يسلكها البشر ابتغاء مرضاة ربهم، فمنهم من يسلكها بالإيمان والتوحيد، ومنهم من يسلكها بالكفر والتثليث، ومنهم من يسلكها بتجويز حلول المعبود الأعلى في كائن سفلي، ولو بقرة أو شجرة أو ما دون ذلك مما يتعفف لسان العاقل فضلا عن المسلم عن ذكره، فلا بد من اختلاف الأبدان فرعا عن اختلاف القلوب، فالعمل باعث الإرادة والعمل، فإذا اختلف الأصل: اختلفت الفروع والثمار لزوما، وتاريخ الحروب البشرية خير شاهد على ذلك، فأشرسها الحروب الدينية، ولو في الظاهر، فلا أيسر من تجييش القلوب والأبدان باسم الدين، ولو أدى ذلك إلى التعصب والانغلاق، فكل خطأ تبرره الحمية الدينية المزعومة، فالشريعة تحتمل التأويل، ورءوس الضلالة أئمة في هذا الفن، بل لبعضهم حق التحليل والتحريم بما ناله من نيابة السماء لتصريف شئون الأرض، فلا يدخل الملكوت إلا من رضي عنه، ولا يخرج منه إلا من سخط عليه لكلمة حق قالها.
والشاهد أنه ليس في أمور العقائد صحيحة أو باطلة مداهنة، وإنما يكون البر في نحو قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) في المعاملات بقيد العزة التي صرنا نسمع الآن عنها ولا نجد في نفوسنا أثرها فضلا عن عينها، لا سيما بعد الوقائع الأخيرة التي صار فيها سلاطين الجور عونا للكافرين على فتنة الستضعفين والمستضعفات من المؤمنين والمؤمنات في دينهم، فلا يكون البر إلا لمعاهد مسالم، لا مشاتم منابذ، يقدح في الديانة تلميحا أو تصريحا، فيبدي بعض ما في جوفه من قيح التعصب الأعمى، فـ: (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، فلا تكون إحدى الآيتين ناسخة للأخرى، بل كلاهما محكم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالجهة منفكة، فالمودة القلبية لا تكون إلا للمؤمن، والبر في المعاملات يكون للمؤمن والكافر ما لم تنتهك حدود الديانة، وإعمال الأدلة أولى من إهمال بعضها بنسخ أو تخصيص فيعمل كل نص في حال تخصه، وقد عقد القرافي، رحمه الله، في "الفروق" بابا لبيان الفرق بين المودة والبر، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
والنفي، كما تقدم، مئنة من إنشاء الأمر نهيا جازما، فذلك أبلغ في تقرير الحكم، فهو من قبيل قولك: لا أرينك ها هنا، أي لا تحضر هنا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فلا يتصور وجود مودة ولو ظاهرة بين مؤمن وكافر، ولا ينبغي أن يقع ذلك فهو أمر محال مع قيام وصف الإيمان بالأول ووصف الكفر بالثاني.
(يُتْبَعُ)
(/)
وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ: فتلك "لو: " الوصلية فهي مئنة من المبالغة في تقرير المعنى على حد "لو" في قوله تعالى: (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ)، وقد ورد في سبب نزولها، كما قد روى البغوي، رحمه الله، في تفسيره، أنها نزلت في: أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد "أو أبناءهم" يعني أبا بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز وقال: يا رسول الله دعني أكن في الرحلة الأولى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: متعنا بنفسك يا أبا بكر "أو إخوانهم" يعني: مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد "أو عشيرتهم" يعني عمر قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وعليا وحمزة وعبيدة قتلوا يوم بدرعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة.
فيكون ذلك من صور عدم تخصيص العموم بسببه الذي ورد عليه فالعبرة: بعموم اللفظ المحفوظ في كل عصر ومصر، فانتفاء المودة القلبية بين المؤمنين والكافرين معنى متصل في كل زمان فلا يتصور انفكاكه عن معنى الإيمان، لا بخصوص السبب الذي ورد عليه العموم.
وجاء النهي متدرجا من الأعلى إلى الأدنى، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فقدم من هم مظنة النصح الخالص فمن دونهم، وإن كان الجميع ناصحا بمقتضى الطبع، ولكن المحادة حاصلة بمقتضى الشرع، فاختلاف الدين ينفي أخوة المؤمن للكافر، فلا يقدم عقد ولاء من أخوة وطن أو نسب ....... إلخ على عقد أخوة الدين، فـ: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"، و: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم". لا يد مع غيرهم على بعضهم أفرادا وجماعات كما هي الحال الغالبة في زماننا.
أولئك: فذلك من الإشارة إليهم: إشارة البعيد فهو مئنة من علو قدرهم، لدلالة السياق على ذلك، فالإشارة بـ: "أولئك" معنى كلي يقبل الانقسام على جهة الاشتراك اللفظي بل التضاد، وهو من أدق صور الاشتراك، فيرد للتعظيم ويرد لضده من التحقير، والسياق، كما تقدم مرارا، أصل في معرفة مراد المتكلم.
أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ: فتلك من الكتابة الكونية النافذة، وذلك آكد في تقرير المعنى، فأثنى عليهم بوصف الإيمان الذي قدره أزلا، فوضعه في تلك المحال الزكية فهي تقبل مادته فتظهر آثارها لزوما على أقواله وأفعاله، فلا ينطق اللسان إلا بالذكر والتلاوة، ولا تعمل الجوارح إلا في الطاعة والعبادة لازمة كانت أو متعدية، والثانية أعظم عند الله، عز وجل، بعد استيفاء الفروض العينية، بل كثيرا ما يصير واجب الوقت هو الطاعة المتعدية بإيصال النفع إلى بقية المؤمنين، لا سيما المستضعفين الذين فتنهم أهل الكفر وخذلهم أهل النفاق، فإبطان الولاء لهم والبراء من عدوهم، وإظهار آثار ذلك على اللسان والجوارح، أوثق عرى الإيمان، فمن لم يجد في نفسه نشاطا لذلك، فليراجع أصل دينه، وليحرر معقد حبه وبغضه، لئلا يصير من حزب أعداء الله وهو لا يشعر، فالراضي كالفاعل، والساكت اختيارا، فاعل بلسان حاله.
وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ: فأيدهم بروح الأمر الكوني، فذلك من قبيل الوحي في قوله تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، وأيدهم بروح الوحي الشرعي، فذلك من قبيل الوحي في قوله تعالى: (وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فأيدهم على عدوهم، وإن ظهر عليهم بسيفه، وإن صفدت الأبدان في قيده، فالمؤمن عال مستعلن بإيمانه، وإن أصابه القرح، وإنما يتألم إخوانه إن عجزوا عن نصرته، ويتلهى من خذله وظاهر عليه بما يناله من رضا سادته، فلسان مقاله يوم الجزاء:
(يُتْبَعُ)
(/)
(رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا).
وقد أشار أبو السعود، رحمه الله، إلى وجه آخر، يعود فيه الضمير في: "منه" على الإيمان فيكون ذلك من باب التجريد، فقد جرد من الإيمان روحا تؤيد المؤمنين: تأييد الروح للبدن بحفظه من التلف، فلا بقاء له إلا ببقاء مادة صلاحه من الروح اللطيف التي تسري في أطرافه الظاهرة وأحشائه الباطنة، فالإيمان روح القلب التي تحييه: حياة البدن بالروح المعهود.
وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا: فعدل عن الماضي إلى المضارع باعتبار ما سيؤول إليه أمرهم، فدخولهم الجنة أمر مستقبل، وهو في نفس الوقت فرع عما تقدم لهم من كتابة الإيمان والتأييد بروح عظيم من الرحمن حصلت به لهم العناية الخاصة التي لا تكون إلا لمن اصطفاه الرب، جل وعلا، من أهل الإيمان.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ: فحصلت المشاكلة في اللفظ وأصل المعنى بين وصف الرب، جل وعلا، الفعلي، ووصفهم، فلا يلزم من ذلك الاشتراك في حقيقة الصفة خارج الذهن، بل لكل وصف يليق بذاته كمالا أو نقصانا، كما تقدم في مواضع أخر، وقدم وصفه، جل وعلا، فهو الشأن العظيم الذي تطمح إليه الهمم الشريفة، وهو مئنة من أوليته، فرضاهم فرع عن رضاه، كما أن بقاؤهم في دار النعيم فرع عن بقائه، فهم باقون بإبقائه لهم لا ببقاء ذاتي فيهم، فليس ذلك وصفا للمخلوق، بل ذاتية الصفات من رضا وبقاء ..... إلخ، والتي يظهر بها كمال استغناء الموصوف عمن سواه، فلا يفتقر إلى سبب خارج عنه، بل الأسباب هي التي تفتقر إليه إيجادا وتسييرا، تلك الذاتية الوصفية لا تكون إلا لرب البرية، جل وعلا، ورضاه، عز وجل، عنهم، رضا مؤبد، فلا يحتمل التبديل، فحده حد الكتابة الكونية، فلا يخبر جل وعلا عن رضاه عنهم وهو يعلم أزلا ردتهم أو نكوصهم على أعقابهم، فالنص، وإن كان عاما، في مبناه ومعناه، إلا أنه يتوجه أول ما يتوجه إلى الصدر الأول، رضي الله عنهم، فهم أوفر الناس نصيبا منهم، باعتبار توجه الخطاب إليهم ابتداء، فنسخه في حقهم محال بل قد تواترت الأدلة على رضاه، جل وعلا، عنهم، على وجه حصل به العلم الضروري بفضلهم وتقدم قرنهم، فهم خير قرن، وأعدل طبقة من طباق الأمة فتعديلهم مطلق، فلا يجرح من عدله الوحي إلا مكذب به، بلسان مقاله أو حاله.
فـ: أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: فنسبهم الرب، جل وعلا، إليه، على جهة التشريف، ثم فرع عن ذلك الإخبار عنهم بالفلاح فذلك لازم نسبتهم إليه، جل وعلا، فحسن الفصل من هذا الوجه، وحسن التنبيه بـ: "ألا" الاستفتاحية فضلا عن إظهار ما حقه الإضمار: "حزب الله" لتقدم ذكره، وورود جملة من المؤكدات كاسمية الجملة وتعريف الجزأين وضمير الفصل "هم".
فكل تلك المؤكدات تقطع يقينا بفضل أولئك السادة أصلا، وفضل من سار على طريقتهم، فلسان مقاله: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
ومعاني الولاء والبراء من أبرز ما يجب تحريره في هذا العصر، لا سيما، وقد اختلطت الأوراق، وبلغ الأمر حد الفتنة والنازلة التي تمحص فيها القلوب، فتلك شعيرة مغيبة في أزمنة الاستضعاف، التي ذل فيها المؤمنون على الكافرين، اضطرارا، أو اختيارا، كما هي الحال في أمصار المسلمين التي وليها سلاطين جور لا يعنيهم إلا مصالحهم الذاتية، ولو أدى ذلك إهدار المصلحة بل والكرامة العامة، فيؤدي ذلك لزوما إلى رد فعل معاكس، قد يقع فيه ظلم أو جور على كتابي مسالم، لا دخل له فيما يجري، أو على العكس قد يذل فيه المؤمن لكتابي صارت الدولة له فيتفنن في استفزاز المسلمين فلسان حاله: من ينكر علي؟!، كما هي الحال الغالبة الآن، وقد انتفش الباطل بسذاجة منقطعة النظير، فالحكمة تقتضي إبقاء خط رجعة، فلعل الأيام تدور، فتنقلب الحال، وتزول ممالك وتحل أخرى، فالأيام دول، وتلك سنة كونية جارية يغفل عنها أهل الباطل في نشوة الظهور المؤقت على أهل الحق، وبين الإفراط والتفريط في هذا الباب يقع من الصدامات والتجاوزات ما يقع، ومع غياب حكم الشريعة العام، وحكمها الخاص في هذا الباب، ومع سعي أهل الباطل الحثيث في إيقاد نيران الفتنة يبدو الانحدار وشيكا والصدام العام قريبا إلا أن يشاء الرب، جل وعلا، غير ذلك.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 09:19 م]ـ
بارك الله جهودكم أستاذنا الكريم ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 09 - 2010, 01:11 ص]ـ
وبارك جهودك أستاذة أنوار وجزاك خيرا على المرور والتعليق الكريم وعذرا على التأخر في الرد.(/)
من سورة الأعراف
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 05:50 م]ـ
السلام عليكم
تقبل الله طاعاتكم
في سورة الأعراف، وفي سرد قصص الأنبياء، وعند الحديث عن نوح عليه السلام وردت الآية على لسانه:"أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ... "62
ووردت على لسان هود عليه السلام:"أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين"68
وعلى لسان صالح:" ... لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ... "79
وعلى لسان شعيب:"لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ... "93
فلنتدارس أحبتي ما يلي:
لماذا وردت "أبلغكم" بالمضارع عند نوح وهود-عليهما السلام- و"أبلغتكم" بالماضي عند صالح وشعيب عليهما السلام.
لماذا وردت "رسالة" بالمفرد عند صالح عليه السلام، وبالجمع "رسالات" عند باقي الرسل الكرام
وورد الفعل"أنصح" مضارعا عند نوح، وماضيا عند صالح وشعيب، واسما عند هود عليهم -وعلى نبينا - السلام.
ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 09:14 م]ـ
بوركت أستاذنا الكريم على هذه الوقفة ..
الداعية للتأمل والتدبر ..
بإذن الله لي عودة لا حقًا ,,
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 07:55 ص]ـ
السلام عليكم
تقبل الله طاعاتكم
في سورة الأعراف، وفي سرد قصص الأنبياء، وعند الحديث عن نوح عليه السلام وردت الآية على لسانه:"أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ... "62
ووردت على لسان هود عليه السلام:"أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين"68
وعلى لسان صالح:" ... لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ... "79
وعلى لسان شعيب:"لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ... "93
فلنتدارس أحبتي ما يلي:
لماذا وردت "أبلغكم" بالمضارع عند نوح وهود-عليهما السلام- و"أبلغتكم" بالماضي عند صالح وشعيب عليهما السلام.
لماذا وردت "رسالة" بالمفرد عند صالح عليه السلام، وبالجمع "رسالات" عند باقي الرسل الكرام
وورد الفعل"أنصح" مضارعا عند نوح، وماضيا عند صالح وشعيب، واسما عند هود عليهم -وعلى نبينا - السلام.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أسئلة جميلة جدا وسأجيب على الجزئية الأولى علّي أوفق:
لماذا وردت "أبلغكم" بالمضارع عند نوح وهود-عليهما السلام- و"أبلغتكم" بالماضي عند صالح وشعيب عليهما السلام.
أما عند نوح وهود - عليهما السلام - فوردت بالمضارع لأنهم في معرض دعوة قومهم والمضارع يفيد التجدد والاستمرار وبالتالي فالدعوة لا زالت مستمرة
أما عند صالح وشعيب - عليهما السلام - فوردت بالماضي لأن العذاب قد وقع على قومهما فهم قد أبلغوهم ولكنهم لم يهتدوا فوقع عليهم العذاب
بارك الله فيك أخي طارق
ـ[عبود]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 08:56 ص]ـ
بارك الله فيك يا أستاذ طارق يسن الطاهر على هذه الأسئلة المفيدة
لماذا وردت "رسالة" بالمفرد عند صالح عليه السلام، وبالجمع "رسالات" عند باقي الرسل الكرام
والله أعلم المقصود بالرسالة عند صالح الناقة ووردت بالجمع عند باقي الرسل بالجمع المقصود بها الشريعة
والله أعلم
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 09:07 ص]ـ
ولعله وحد قوله: {رسالة ربي} لكون آيته واحدة. اهـ تفسير البقاعي
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 09:10 ص]ـ
وجمع الرسالات مع أن رسالة كل نبي واحدة وهو مصدر والأصل فيه أن لا يجمع رعاية لاختلاف أوقاتها أو تنوع معاني ما أرسل عليه السلام به أو أنه أراد رسالته ورسالة غيره ممن قبله من الأنبياء كإدريس عليه السلام وقد أنزل عليه ثلاثون صحيفة، وشيث عليه السلام وقد أنزل عليه خمسون صحيفة. اهـ تفسير الألوسي
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 09:20 ص]ـ
وتفسير الآية تقدّم في نظيرها آنفاً في قصّة نوح، إلاّ أنّه قال في قصّة نوح {وأنْصح لكم} [الأعراف: 62] وقال في هذه {وأنا لكم ناصح أمين} فنوحٌ قال ما يدلّ على أنّه غير مُقلع عن النّصح للوجه الذي تقدّم، وهود قال ما يدلّ على أنّ نصحه لهم وصف ثابت فيه متمكّن منه، وأن ما زعموه سفاهةً هو نصح.
وأُتبع {ناصح} ب {آمين} وهو الموصوف بالأمانة لردّ قولهم له: {لنظنّك من الكاذبين} [الأعراف: 66] لأنّ الأمين هو الموصوف بالأمانة، والأمانة حالة في الإنسان تبعثه على حفظ ما يجب عليه من حقّ لغيره، وتمنعه من إضاعته، أو جعله لنفع نفسه، وضدّها الخيانة.
والأمانةُ من أعزّ أوصاف البشر، وهي من أخلاق المسلمين، وفي الحديث: «لاَ إيمَانَ لِمَنْ لاَ أمان له» وفي الحديث: «إنّ الأمانة نزلت في جذر قلوب الرّجال ثم عَلِمُوا من القرآن ثمّ عَلِمُوا من السُّنَّة ثمّ قال يَنام الرجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه إلى أن قال فيقال: إنّ في بني فلان رَجُلاً أميناً ويقال للرّجل ما أعْقَله وما أظرفه وما أجْلَده وما في قلبه مثقالُ حبّة من خَرْدَللٍ من إيمان» فذَكَر الإيمان في موضع الأمانة. والكذبُ من الخيانة، والصّدق من الأمانة، لأنّ الكذب الخبر بأمر غير واقع في صورة توهم السّامع واقع، فذلك خيانة للسّامع، والصّدق إبلاغ الأمر الواقع كما هو فهو أداء لأمانةِ ما علِمَه المخبرُ، فقوله في الآية {أمين} وصف يجمع الصّفات التي تجعله بمحلّ الثّقة من قومه، ومن ذلك إبطال كونه من الكاذبين.
وتقديم {لكم} على عامله للإيذان باهتمامه بما ينفعهم. اهـ ابن عاشور
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 01:18 م]ـ
بارك الله لكم جميعا؛ لمروركم، ولمداخلاتكم المفيدة
ولكن أرى أن الموضوع بحاجة لمزيد من البحث
ونحن في شهر القرآن الذي أمرنا بتدبره"أفلا يتدبرون القرآن ... "
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 11:10 م]ـ
1 - بالنسبة لكلمتي (أنصح) و (ناصح) في قول نوح وهود عليهما السلام فقد تعددت أقوال العلماء في تخريج الآيتين:
فالخطيب الإسكافي .. نظر إلى ما رمي به نوح عليه السلام من قومه فرآهم اتهموه بأنه في ضلال،
ثم نظر إلى ما اتهم به هود عليه السلام من قومه فرآهم يقولون له: (إنا لنراك في سفاهة) ..
والتهمتان مختلفتان؛ لأن الضلال فعل يفعله الضَّال، والسَّفاهة صفة من صفات النفس ..
والأفعال متعددة ومتجددة، وأوصاف النفس ثابتة.
فجاء جواب نوح بصيغ الأفعال وقال: (أبلغكم، وأنصح لكم). لتحدث الملاءمة الدقيقة بين قوله وقولهم.
فهو ينفي عنه الضلال بأفعال مضادة، أي أنصح وأجدد النصح وأكرره. فكان جوابه بعدما عِيب بفعلٍ مذموم نفيه بفعل محمود.
وأما جواب هود عليه السلام فكان بلفظ (ناصح) أي: ثابت على النصح مستمرٌ فيه،
وهذا ينقض قولهم: (إنا لنراكَ في سفاهة) لأن النصح ضدّ السفاهة.
والسفاهة من صفات النفس، وهي ضدّ الحلم .. وهو معنى ثابت فلما رمي بها،
وهي من الخصال المذمومة البطيئة، وليست من الأفعال التي ينتقل الإنسان عنها إلى أضدادها في الزمن القصير،
فكان نفيها بصفات ثابتة تبطلها أولى. كما كان في الفعل المذموم بالفعل المحمود أولى.
والله أعلم
يتبع - بإذن الله - فيما بعد ..
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 08 - 2010, 11:35 م]ـ
2 - أما في تخريج الكرماني للفظتيّ (أبلغكم) و (أبلغتكم) ..
يقول: " ورد لفظ المستقبل في قصتيّ نوح وهود عليهما السلام ..
لأن التبليغ وقع في أول الرسالة .. لذلك جاء بصيغة المستقبل .. فلا زال هناك فسحة في البلاغ والدعوة والنصح.
....................
وفي قصّة صالح وشعيب بلفظ الماضي (لقد أبلغتكم) ..
لأن التبليغ وقع في آخر الرسالة، ودنُوِّ العذاب .. ألا تسمع قوله: (فتولَّ عنهم) ..
وهذا يعني أنهما قد بلغا رسالة ربهما، وبلغ بهما الجهد في دعوة قومهما .. وقد بلَّغا رسالة ربهما التي أمرا بتأديتها على أكمل وجه حتى فرغا من البلاغ ..
والكرماني في هذا التعليل الموجز يشير إلى سرِّ دقيق اعتمد فيه على فهم سياق الآيات ..
يتبع بإذن الله
ـ[أنوار]ــــــــ[29 - 08 - 2010, 12:16 ص]ـ
3 - يقول الإسكافي .. بإيجاز حول إفراد الرسالة في قصة صالح وجمعها في قصة شعيب ..
إن الذي نطق به القرآن من تحذير صالح عليه السلام قومه بعد أن أمرهم باتقاء الله تعالى وطاعته
هو أمر الناقة والمنعُ من التعرُّض لها ..
فجعل الرسالة جملة لما لم يفصِّل تفصيل ما أتى به شعيب عليه السلام حين نهاهم عن عبادة الأوثان
بدلالة قوله تعالى:
" قالوا يا شعيبُ أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبدُ آباؤنا، أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء).
" أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ "
" وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ "
" وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ "
" وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ .. "
فهذه التي أمر بها شعيب عليه السلام قومه أشياء كثيرة،
وليس ما أمر بها صالح قومه مثلها كثرة ..
فلهذا جمع الرسالة في قصة شعيب .. وأفردها في قصة صالح عليهما من الله السلام.
والله أعلم ..
المراجع /
- رسالة دكتوراة للباحث: صالح بن عبد الله الشثري.
بعنوان / المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وأسراره البلاغيّة.
- درّة التنزيل وغرّة التأويل .. للإسكافي.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[29 - 08 - 2010, 01:42 ص]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
تسجيل متابعة للاستفادة / بارك الله فيكم جميعا.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[29 - 08 - 2010, 02:42 م]ـ
شكرا أستاذة أنوار على الإضافات الرائعة
وشكرا أستاذة زهرة على المرور(/)
قوله تعالى "تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها"
ـ[جوري]ــــــــ[29 - 08 - 2010, 02:41 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لدي سؤال احترت به، وأتمنى أن أجد لديكم الجواب الشافي ..
(تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوزالعظيم ( http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=49&ID=302#docudocu)( 13 )
ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ( http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=49&ID=302#docudocu)( 14 ) )
جاءت صفة الخلود جمع في البشارة. وجاءت مفردة في الوعيد لماذا؟
أختكم في الله
ولكم مني خالص الشكر والتقدير
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[30 - 08 - 2010, 11:38 ص]ـ
{تِلْكَ حُدُودُ ?للَّهِ وَمَن يُطِعِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ?لأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذ?لِكَ ?لْفَوْزُ ?لْعَظِيمُ} * {وَمَن يَعْصِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} النساء:13 - 14
الضمائر العائدة على من المستعملة في جمع تفرد في حال وتجمع في أخرى. فإذا أريد بمن المفرد كان الضمير الراجع إليها مفردا، وإذا أريد بمن الجمع كان الضمير الراجع إليها مفردا تارة وجمعا تارة أخرى.
ويقول المفسرون إن الجمع يستلزم الأنس زيادة في النعيم لأهل الجنة، وإن الإفراد يشعر بالوحدة زيادة في التعذيب لأهل النار.
ـ[جوري]ــــــــ[30 - 08 - 2010, 07:36 م]ـ
.
.
أخوي منذر ابو هواش
الله يعطيك العافية على المعلومة ..
وربي ماقصرت ..
باركـ الله فيك .. وربي يوفقك ويرزقك من حيث لا تحتسب ..
ولك مني خالص الشكر والتقدير لشخصكـ الكريم ..
أختك .. جوري
ـ[الباهي]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 03:06 م]ـ
السلام عليكم .... شكرا على هذا الجهد
طلب خاص الى اخي المنذر .... أنا مهتم باللغة التركية .... ممكن مساعدة منك؟
سلامي
ـ[الباهي]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 03:07 م]ـ
و لك الشكر ..... اخوك الباهي
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 07:28 م]ـ
أستاذ منذر أبو هواش
جزاك الله خيرا على هذه الفائدة الجليلة
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 09:30 م]ـ
السلا عليكم
تأكيدا لما ذكره الأخ منذر، فهذا يسميه النحاة: الحمل على اللفظ والحمل على المعنى، فمن مفردة في اللفظ، ولكن قد نقصد بها معنى الجمع.
ـ[الباز]ــــــــ[10 - 09 - 2010, 01:27 ص]ـ
ويؤيد ما ذكره أستاذنا منذر أبو هواش قولُه تعالى:
وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ(/)
من سورة المؤمنون
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 08 - 2010, 04:40 م]ـ
ومن قوله تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
فذلك من الاستفهام الإنكاري الإبطالي، فلا يسأل الأنبياء عليهم السلام أقوامهم أجرا، فلسان مقالهم: (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا)، و: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ): فلا يسألهم إلا نفعهم بتقوى الله، عز وجل، ولازمها من طاعة الرسول فطاعته من تقوى من أرسله، و: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)، فنفى الأجر نفيا مؤكدا بـ: "من" التي تفيد التنصيص على العموم، فما أسألكم عليه أجرا قليلا أو كثيرا، فليس إلا ذكرا للعالمين بأخباره الصادقة وأحكامه العادلة، ففيه شفاء لما في صدور العالمين من وساوس الشياطين من الشبهات المحيرة، وفيه شفاء للجوارح من الشهوات المفسدة، فالكتاب العزيز مادة صلاح الباطن علوما وإرادات، والظاهر أقوالا وأعمالا، فكذلك الشأن في هذه الآية، فإن تنكير "خرجا" مئنة من العموم، لوروده في سياق استفهام، فلم يسألهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مالا ليظن فيه طلب جاه أو ثراء، بل كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينفق إنفاق من لا يخشى الفاقة تأليفا لقلوب العباد، فكيف يظن به طمع في دنيا، فذلك فرقان بين الأتبياء عليهم السلام وأتباعهم، وبين رءوس الضلالة لا سيما من يتصدر باسم الديانة، فيحصد الأموال برسم التبرع ليودعها في المصارف في حسابات سرية، فيذهب بعضها إلى جيبه، ويذهب آخر إلى إفساد البلاد والعباد، فلا بقاء لسلطانه إلا ببذر مادة الفتنة بين الناس، فهي مظنة التعصب والتحزب الذي يحمل الأتباع على الطاعة المطلقة، ولو تخريبا، فهي لعبة سياسية خبيثة يصير فيها الدين قنطرة إلى تحقيق مصالح طبقة بعينها تمارس طغيانا دينيا مقيتا، فبرسم الإرهاب الفكري بالحرمان من الغفران، وبرسم الإرهاب البدني بالضرب والخطف والأسر والقتل، يحاول أولئك عبثا حفظ رياساتهم بصد الناس عن الدين الحق بعد أن صدوا عنه ابتداء لفساد محالهم، فضرب الرب القدير الحكيم، جل وعلا، عليهم الضلالة، وطبع على قلوبهم بمشيئته النافذة فلا تعرف الحق جهلا أو إعراضا، ولو عرفته لكرهته وتولت عنه استكبارا، فلا يرضون إلا بالصدارة، ولو في الضلالة!، وتلك مئنة ظاهرة من خسة النفس التي تتعلق بزينة الدنيا وتزهد في قيمة الآخرة، فلا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير إلا فاسد التصور والإرادة، فذلك فساد باطن يطفح غالبا على الظاهر فسادا في القول فـ: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، والفعل، فـ: (إِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، فيبذل بلسانه شعارات زائفة عن الأخوة والمودة يردها الشرع والعقل، فلا يتسع غمد العقل تصورا والقلب تيقنا، لا يتسع لسيفي الحق والباطل، فهما متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإما حق تغتذي به النفس فتظهر آثار صلاحه على الظاهر، وإما ضده من باطل تغتذي به النفس، أيضا، فتظهر آثار فساده على الظاهر، فالحكم العملي يدور مع التصور العلمي صحة أو فسادا، فالحق والباطل قد يتهادنا حينا، ولكنهما يتقاتلان أحيانا كثيرة، فتلك سنة التدافع الكونية التي تقتتل فيها البواطن العلمية فيظهر ذلك لزوما في قتال الألسن بالحجة والبرهان، ثم قتال الأبدان بالسيف والسنان، فيقع لا محالة، ولو بعد حين من تدافع الحجج العقلية، فذلك، مقتضى السنة الكونية، فطرد سنة التدافع مؤد لا محالة إلى وقوع قتال الأبدان، فلو هادن الحق ما انكف الباطل، فلا يكفه إلا سيف الشريعة العادل، وفي زماننا سكت أهل الحق، فنطق أهل الباطل، فتقدم الأراذل وتأخر الأفاضل، أو حجبوا عن الصدارة بإثارة الشبهات، فـ: (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، فالغوا
(يُتْبَعُ)
(/)
فيه بتتبع متشابهه، لتلفيق شبه مضحكة لا تنطلي إلا على جاهل ضعيف العقل، وتلك ملكة راسخة في أتباع رءوس الضلالة من عموم المقلدين برسم: (وإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)، فلا حجة من نقل أو عقل، وإنما تقليد محض يسلم فيه المقلد عقله لمتبوعه إسلام البهيمة قلادتها إلى سائقها، فكلاهما مقلد لا يملك من أمره شيئا، أو بالتضييق بالأسر أو النفي أو القتل: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)، و: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا): بالحجارة فذلك من الرجم الحسي، أو بالسب فذلك من الرجم المعنوي كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، ولسان مقال قوم لوط: (مَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)، ولسان حال قريش: (وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، فتلك حيل أهل الباطل في كل عصر ومصر، فلا جديد في الصد عن سبيل الله!، والباطل متربص دوما بالحق، فإن آنس منه قوة: خنس وكمن، فسلاحه سلاح المنافق الذي يعبث في السر بإثارة الشبهات والفتن، وإن آنس ضعفا كما هي الحال في زماننا: ظهر فخرج من جحره، فصار عبثه في العلن، بالخطف والقتل ....... إلخ من صور الإفساد الظاهر، فلا سلطان يزعه، ولو سلطان جور!، بل غالبا ما يقع التحالف الآثم بين سلاطين الجور وأئمة الضلالة لحرب الحق وأهله، فلكل في تلك الحرب الظالمة أرب، فأرب أهل الجور من الملوك والأمراء القضاء على الحق الذي يظهر فساد طريقتهم السياسية، وأرب أهل الجور من رءوس الضلالة القضاء على الحق الذي يظهر فساد طريقتهم الدينية، فالحق بأخباره يفضح زيف أصحاب المقالات الدينية الحادثة، والحق بأحكامه وشرائعه يفضح جور أصحاب السياسات الحادثة، ولذلك وقع التحالف بين العلمانية المعاصرة، وهي نسخة حديثة من السياسة الأرضية الجائرة التي تروم نزع السلطان من الرسالة السماوية العادلة، وبين أهل الضلال من سائر الملل والنحل، للتضييق على أتباع الرسالة الخاتمة، مع اختلاف العلمانية التي تبغض الأديان عموما، وأهل الضلال من رءوس الملل الباطلة والنحل الحادثة، مع اختلافهما في العلة والغاية، فعلة العلمانية: بغض الدين عموما، وغايتها: القضاء عليه قضاء مبرما، وعلة المقالات الدينية الباطلة: بغض الدين الخاتم خصوصا، وغايتها: القضاء عليه وحده دون سائر الأديان، فالأديان الباطلة تحسن جوار بعضها، فتجتمع اليهودية والنصرانية والبوذية والهندوسية ..... إلخ، فلا تسيء إلا جوار أهل الإسلام في كل عصر ومصر، وحال عصرنا، وأحوال أمصاره، حتى أمصار المسلمين التي استطال فيها أهل الكتاب على أهل الإسلام بالتواطؤ مع أهل الجور والطغيان من الساسة أصحاب المصالح الخاصة التي تهدر لأجلها المصالح العامة، بل وأصول الديانة، تلك الحال خير شاهد على إجماع أهل الباطل على حرب الحق، فهو إجماع متواتر من لدن بعث الرسل عليهم السلام إلى قيام الساعة، فذلك الخراج المشترك الذي يقتسمه ساسة الجور ورءوس الضلالة، وبئس الخراج، وأما الرسل عليهم السلام، فَيُسْأَلون ولا يَسْأَلون، ويعطون ولا يأخذون، ولو قل مالهم، وتأمل حال أهل الحق في زماننا ممن تركوا الباطل رغبة عنه، فلم يحسن ورثة الحق جوارهم، فتركوهم بلا عون، بل وتآمروا عليهم بالخطف والضرب!، في مقابل احتفاء أهل الباطل بجراثيم ضارة يلفظها الدين الصحيح، فـ: (ما كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، تأمل حال كليهما لتعلم الخراج الذي لا يسأله أهل الحق، فيكفيهم خراج ربك في الدنيا، ولو كفافا، وفي الآخرة نعيما وملكا كبيرا، ويسأله في المقابل أهل الباطل،
(يُتْبَعُ)
(/)
فهو خسيس يلائم خسة نفوسهم، فـ:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ******* وتأتي على قدر المكارم.
فعزائم أهل الحق لا تقنع إلا برضا ربها، جل وعلا، فـ: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)، وعزائم أهل الباطل تقنع بلعاعة من زينة الحياة الدنيا، فـ: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا)، فالتنكير باعتبار حقيقة الخراج الدنيوي، مما يصح حمل الكلام عليه في حق المؤمن فالخراج الدنيوي الذي يزهد فيه حقير، وفي حق الكافر فالخراج الدنيوي الذي يطمع فيه حقير، أيضا، فوصفه واحد، ولكن الجهة منفكة، فشتان نفس شريفة تشتري الآخرة بالدنيا، فنعمت الصفقة، فـ: (مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)، وأخرى وضيعة تشتري الدنيا بالآخرة فبئست الصفقة، فـ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).
وقد يصح حمل التنكير في الآية على التعظيم، فذلك آكد في تقرير معنى التوبيخ، فلا تسألهم خراجا عظيما لينفروا من دعوتك، بل لسان مقاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "قُولُوا: لَا إلَهَ إلَا اللّهُ تُفْلِحُوا وَتَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَبَ وَتَذِلّ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ فَإِذَا آمَنْتُمْ كُنْتُمْ مُلُوكًا فِي الْجَنّةِ"، فوعدهم بالتمكين العاجل وإن ابتلي المؤمنون حينا، فـ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فذلك الابتلاء هو الذي صد رءوس الضلالة وأهل الترف في كل عصر ومصر عن اتباع الحق، فـ: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، فهو ثقيل في أوله، مريء في عاقبته، فلا تطيقه إلا النفوس الشريفة، فلسان مقال غيرها: (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا)، فنفس الأول حول العرش دائرة، ونفس الآخر في الحش قابعة، فلا يستويان مثلا، بل إن وجودهما في هذا العالم أضدادا متباينة، لهو خير شاهد على ربوبية من أوجدهما، فتنوع الخلق مئنة من قدرة الخالق، جل وعلا، وهو من وجه آخر مئنة ظاهرة من حكمته البالغة فلا يستويان مثلا في التكوين، ولا يستويان مثلا في التشريع، فليس حكم المهتدي نصرة وتأييدا، وهو ما قد صار في هذا العصر عزيزا لقعود أهل الحق عن نصرة إخوانهم الذين لم يسألوهم من خراج الدنيا شيئا فلم يسألوا إلا حماية دمائهم وأعراضهم، ليس حكمهم كحكم المرند استتابة فقتلا، لمن سأل أهل الضلالة خراج الدنيا، فليس عندهم من أمر الآخرة شيء سوى وعد مكذوب بملكوت موهوم يمنون به أتباعهم ولا ينطلي على من له مسكة عقل سواء أكان من المهتدين الراغبين في أجر الآخرة الآجل، أم من الضالين الطامعين في أجر الدنيا العاجل، فلو كانت الدنيا عند أهل الحق لاتبعهم نفاقا، ولو كانت عند أهل الباطل لاتبعهم ردة وضلالا، فأي زيادة تطرأ على ملة هذه حال من يهتدي إليها!، فيحصل له الخلاص المزعوم، وهو خلاص بالفعل من فقر عارض أو حكم جنائي نافذ!، كحال كثير من المرتدين في هذا العصر.
(يُتْبَعُ)
(/)
فجاء الاستفهام، كما تقدم، إنكاريا إبطاليا، فلم يسألهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خراجا، والخطاب له باعتبار المواجهة، كما تقدم في مواضع سابقة، وهو لكل داع إلى الحق أو راغب فيه بالنظر إلى عموم خطاب التنزيل، فلم يسأل داع إلى حق، أو راغب فيه: أهله خراجا، فزهد الأول وعفة الثاني تأبيان ذلك، وأهل الحق غافلون عن إخوانهم، فليت لهم معشار يقظة أهل الباطل، فلا يبخلون بأموالهم نصرة لدينهم مع ظهور بطلانه لكل ناظر، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)، فثقة عاجز، بل ليس ثقة فقد ضعف من قبل غفلته وقلة غيرته على ديانته، وفاجر جلد، لا يكل ولا يمل، فيعمل وينصب فهو من وجوه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً)، ويجمع وينفق، لحرب الحق وأهله، في حمية تقابل برود الأول، فلا تنصر به رسالة، ولا تقام به ديانة، ولا أنساب بين الرب، جل وعلا، وعباده إلا أعمالهم، فمن جد وجد، ولو كان من أهل الباطل، ومن قعد حرم، ولو كان من أهل الحق، وأصحاب الهمم العالية، ولو كانت ضالة كافرة، لا ترضى بالسيادة بديلا أو عديلا.
وجاء الفعل: "تسألهم" على جهة المضارعة استحضارا للصورة، فذلك، أيضا، آكد في تقرير التوبيخ، فالمضارعة مئنة من الحدوث والتجدد، فعلام يتبرمون: أسألتهم مرة ثم ألححت عليهم في السؤال مرات فملوا سؤالك وكرهوا لقاءك؟!، فكيف إذا لم تسألهم ابتداء، بل هم الذين سألوك حفظ أموالهم مع سعيهم في قتلك، فلم يجدوا صادقا أمينا غيرك، ثم سألوك من غنائم الفتح، فأعطيتهم الأجور الجزيلة تأليفا للقلوب الجديدة، التي لما يدخل الإيمان في قلبها، وإن صح إسلامها، فـ: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فـ: "لما": مؤذنة بدخول الإيمان، ولو بعد حين، ومن أقوى أسباب دخوله ورسوخه: الإنفاق: تأليفا لقلب من أسلم ولما يحسن إسلامه، وحفظا لماء وجه من أسلم فحسن إسلامه بل وامتحن في ذات الله عز وجل فثبت ونبت وصار أحسن إسلاما من كثير من ورثة الملة، وقد أريق ماء وجوه كثير من إخواننا في هذه الأعصار، لما غفل أهل الحق عن إخوانهم بل بعضهم قد تنصل من واجب نصرتهم قدر الاستطاعة ولو بالتذكير بحالهم والدعاء لهم بظهر الغيب.
ثم جاء التذييل بعلة الإبطال في الاستفهام الذي صدرت به الآية، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، فلا تسألهم خراجا، فالاستفهام قد ضمن أيضا معنى النفي، فيكون من الإنشاء الذي أريد به الخبر عن حاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحال من سار على طريقته، فعف حال الفقر، وبذل حال الغنى، فلكل حال تحصل بالقضاء الكوني: غنى أو فقرا، صحة أو مرضا، تمكينا أو استضعافا، لكل حال منها: قضاء شرعي، فشكر حال النعمة وصبر حال النقمة، فعجبا: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلهُ خَيْرٌ وَليْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ"، فهو في زيادة أجر ورفعة درجة ما سار على جادة شريعة السماء الكاملة، وهو في نقصان في دينه ودنياه ما حاد عنها إلى شرائع الأرض الناقصة، فلا تسألهم خراجا، لأن خراج ربك، ونسبته إلى الرب، جل وعلا، تحتمل:
(يُتْبَعُ)
(/)
نسبة الصفة إلى الموصوف لو حمل الخراج على معنى الرضا فهو وصف يقوم بذات الرب جل وعلا، فيكون ذاتيا باعتبار نوعه، فعليا باعتبار آحاده المتجددة فيرضى، جل وعلا، إذا صدر من عبده ما يرضيه، وهو به عليم بعلم أول تقديري، وثان إحصائي، فليس كرضى البشر الذين يرضون إذا وقع ما يحبونه مما لم يكونوا يعلمونه، وأثر، رضاه، تبارك وتعالى، هو الثواب العاجل في الدنيا، ولو بعد حين من الابتلاء تمحص به النفوس فينفى خبثها فلا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس، والثواب الآجل في دار الجزاء، فـ: (جَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)، فـ: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
أو:
نسبة المخلوق إلى خالقه لو نظر إلى عين الثواب من النعيم المخلوق في دار الكرامة.
والخيرية هنا منزوعة التفضيل بالنظر إلى حقيقة خراجهم الفاني، في مقابل حقيقة خراج الرب، جل وعلا، الباقي.
فهو خير الرازقين، وذلك من أسمائه، جل وعلا، المقيدة، فلا رازق سواه، وذلك وجه نزع الخيرية من افعل التفضيل فما سواه سبب في إيصال الرزق: فلا تتعلق نفوس أهل الحق به، وليس مع أهل الباطل إلا خراج لا يملكونه، فـ: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
وأضيف الخراج إلى اسم الرب، جل وعلا، فهو مظنة الربوبية، فالعطاء لا يكون إلا من رب جواد معط ينفق على عباده فلا يعجزه رزقهم، ولا يئوده حفظهم بالقدر الكوني الذي تستصلح به الأبدان، والقدر الشرعي الذي تستصلح به الأرواح.
فخراج ربك خير من كل ما يجمعون، فـ: (مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ): فنكرت المعفرة ولازمها من الرحمة سواء أكانت من وصفه جل وعلا أم من جملة رحماته المخلوقة في الدارين، نكرتا تقليلا فأقل قدر منهما خير مما يجمعون، فالتقليل في هذا الموضع يؤول في حقيقته إلى التعظيم فهي مغفرة ورحمات عظيمة أقل قدر منها تحصل به الهداية والتثبيت في الدنيا، والنجاة في الآخرة، فخراجه، جل وعلا، خير من كل ما يجمعون، بل أقل قدر منه خير مما يكنزون، فكيف بخراجهم الذي يبذلونه من فضول أموالهم، فخراجه، جل وعلا، خير منه من باب أولى، وهو مع عظمه لا يعدل شيئا من ملكه، فـ: "يا عِبَادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُل إِنْسَانٍ مَسْأَلتَهُ مَا نَقَصَ ذَلكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِل البَحْرَ"، فشتان!، وعجبا لمن استبدل خراج العبد بخراج الرب فتلك مئنة من فساد تصوره، ولا يكون ذلك إلا بإعراضه عن النبوة: مصدر التلقي المعصوم لصحيح المنقول والمعقول، فلا يخالف قول خرج من مشكاة نبوة قولا خرج من مشكاة نبوة سبقتها، فـ: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، ولا يخالف قول خرج منها قياس عقل صريح خلقه الرب، جل وعلا، بكلمته الكونية، وأنزل إليه كلمته الشرعية خبرا وحكما، فالمصدر واحد، فمنه الخلق تكوينا، ومنه الوحي تشريعا، فكيف يقع التعارض بينهما، وكلٌ منه قد بدا وصدر؟!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[30 - 08 - 2010, 01:52 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي مهاجرا على هذا الجهد المقدر الذي تقوم به
ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 08 - 2010, 07:21 م]ـ
جزاك الله خيرا على المرور والتعليق أيها الكريم الفاضل أبا ياسين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم جاء البيان لوظيفة الرسول البشري فـ: (إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ): فذلك مما يحسن التوكيد عليه دفعا لأي تهمة ودرءا لأي شبهة، فليس له صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا هداية البيان، فجاء التوكيد بالناسخ المؤكد واللام الداخلة على خبره المضارع لشبهه اللفظي بالاسم، وهو مئنة من من التجدد والحدوث باعتبار زمن التكلم فما فتئ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعوهم إلى الحق، وتلك دعوة الرسل عليهم السلام جميعا فـ: (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، ولسان مقال الرسول البشري: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، وما فتئ ينفق ويبذل من وقته وماله، حتى حطمه الناس فصلى قاعدا كما قالت عائشة، رضي الله عنها، فدعا بلسانه وقاتل بسنانه فبعث بكتاب هاد وحديد ناصر وناله من ألم الجراحات ما ناله فأدمى سفهاء الطائف قدميه الشريفتين، وشج رأسه وكسرت رباعيته يوم أحد، فالرسالة أشرف منصب بشري فيتكبد أصحابها ما لا يتكبده من دونهم من البشر ولو كانوا على رسم الصديقية والإمامة والصلاح، وفي المضارعة، أيضا، ما تقدم مرارا، من استحضار الصورة، فتلك حقيقة في كل داع إلى الديانة برسم الرسالة أو الإمامة ...... إلخ، فجميعهم قد اشترك في معنى جامع هو الهداية الإرشادية التي لا تتصور إلا بعلم صحيح وإرادة ناصحة وبيان فصيح، وتلك، كما تقدم، سمات رئيسة، بل واجبة الوجود، في كل رسول لمكان العصمة والتأييد، فلا موجب لها على الرب، جل وعلا، وإنما أوجدها بمأ أوجبه على نفسه من رحمة العباد، وأعظم صورها بعث الرسل عليهم السلام، فبعثتهم في أصلها جائزة عليه، جل وعلا، فلا موجِب يوجب عليه شيئا، كما تقدم، ولكنها باعتبار تعلقها برحمته، صارت، والله أعلم، واجبة بما كتبه على نفسه من رحمة العالمين، فرحمهم بالقدر الكوني إيجادا وإعدادا وإمدادا، ورحمهم بالقدر الشرعي بعثا للرسل وإنزالا للكتب.
وهي سمات يجب، على جهة التكليف لا على جهة التكوين اصطفاء كما هي حال المرسلين فليست رتبتهم مما ينال بتكليف شرعي بل هي اختيار كوني محض بعلم تقديري أول، فيجب على جهة التكليف على من جاء بعد المرسلين من الدعاة إلى الحق أن يتحلوا بها، فلا تكون دعوة بلا علم، ولا تكون دعوة بلا إرادة صادقة لهداية البشر، فهي منشأ كل قول أو فعل ظاهر، ولا تكون دعوة بلا معاني صحيحة تصاغ في مبان صريحة فصيحة، يحصل بها البيان الذي تقوم به الحجة الرسالية، فلا تقوم إلا بدليل صحيح المبنى قطعي الدلالة فهو نص في معناه لا يحتمل تأويلا. فصح تعلق الخطاب به صلى الله عليه وعلى آله وسلم مواجهة، فهو أول داع إلى التوحيد في هذه الأمة، فدعا إلى الأصل الجامع وبين فروعه العلمية والعملية، وأصوله التي تعضد الأصل العلمي التصديقي الانقيادي الأول فلا يتصور له قيام في القلب إلا بها، كأصل الولاء والبراء الذي انتهكت حرماته في زماننا فظاهر أهل الإسلام أهل الكفران من عباد الصلبان وبني يهود على أهل الإيمان واختفت أخلاق الطبع فضلا عن أخلاق الشرع فلا مروءة ولا غيرة على الحرمات التي تأنف النفوس الحرة من انتهاكها ولو كافرة مارقة، وبين نواقضه القلبية والقولية والفعلية، وصح تعلق الخطاب بمن أتى بعده بالنظر إلى عموم خطاب الشريعة، فتكليف البيان تكليف عام، ولو كفاية، فيجب على مجموع الأمة، فذلك من خصائصها، فـ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، و: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فلا يجب على جميعها، بالنظر إلى معنى التبعيض في "من" إلا إن تعين الوجوب في حق فرد بعينه بيانا لمعنى أو درءا لشبهة أو مفسدة علمية أو عملية يقدر على ردها، فالقدرة شرط رئيس في التكليف، فيأثم إن نكل عن البيان مع قدرته وتعينه في حقه، وإن كان غير متعين قي حقه ابتداء، وعلى القول بجنسية "من" يكون الأمر عاما في حق كل مكلف، فالأمر بالمعروف
(يُتْبَعُ)
(/)
والنهي عن المنكر سمة رئيسة من سمات الأمة الخاتمة وهي مئنة من خلق المروءة الذي اختفى في زماننا، ولو صيانة للحرمات، فاختفت تلك الشعيرة العظيمة، لزوما، فاللازم يدور مع الملزوم وجودا وعدما، فإذا انعدم الباعث من المروءة الطبعية التي تزكيها الأحكام الشريعة فما بعث صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا ليتمم مكارم الأخلاق، إذا انعدم ذلك الباعث الطبعي الذي يرسخه الوازع الشرعي، فالشرع متمم للفطرة تقريرا وتفصيلا وتعديلا، إذا انعدم ذلك الباعث اختفت تلك الشعيرة العظيمة أو كادت من حياة الناس فسرت الدياثة الدينية والدنيوية إن صح التعبير فقلت الغيرة على الحرمات الدينية والمحارم الطبعية.
فيهدي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى صراط نكر تعظيما، وحصل بذلك توطئة لوصفه فهو محط الفائدة، فهو صراط مستقيم في العلوم الباطنة، والأقوال والأفعال الظاهرة، في الإرادات وما ينشأ عنها من أعمال، فالرسالة قد صححت تصور المكلف، فحررته من رق الكفر الذي لا ينفك عن الخرافة والكذب، فهو مضروب على كل جاهل فاسد الإرادة والقصد، فلا تجده إلا متعصبا لموروث قد قامت دلائل النقل الخبري والعقل القياسي على بطلانه، فإن الشرك أعظم صور ظلم الإنسان لنفسه ولغيره، فالمشرك يظلم نفسه بتحقير شأنها وتسفيه رأيها، فيرضى بما لا يرضى به العقلاء فضلا عن الأحرار الذين يبذلون المال والجاه، والعمر، بل والحياة أحيانا، والعقول أخيرا التي ترفض الانصياع لوساوس الكهنوت وطلاسمه الشيطانية، والمشرك يظلم غيره، بتعصبه الأعمى، فلا ينفك الكفر عن: جهل بحقائق التوحيد وصفات رب العبيد التي لا تتصور فيها شركة، ولا يقع فيها التشبيه المذموم في الحقائق الخارجية، وإنما تدركها العقول بالاشتراك المعنوي في المعاني الذهنية، فتعالى رب العباد أن يدانيه خلق من خلقه في وصف كماله، فضلا عن أن يماثله، فنفي التشبيه الجزئي نفي للتمثيل الكلي من باب أولى، فضلا عن أن يحل فيه، فيطرأ النقص اللازم على أقدس ذات وأكمل صفات، فذلك من المحال العقلي، الذي لا يرد به تكليف شرعي، فقد ركبت العقول في البشر ليستدلوا بطرائقها الصريحة على كمال رب الخليقة، جل وعلا، فلا يتصور في حقه نقص ذات أو صفة، فلا يجري عليه ما يجري على البشر من سنن الفقر الذاتي الوصفي اللازم، فصورهم الطينية، وإن كانت في أحسن تقويم، وأبدع تكوين إلا أنها لا تنفك عن نقص يلازمها به يقع الفرقان المبين بين صفات العباد وصفات رب العالمين، تبارك وتعالى، فنقصهم مئنة من كماله، فالناقص يلجأ إلى الكامل ضرورة، وبضدها تتميز الأشياء فالحاجة الضرورية الملحة في نفس كل إنسان دينية كانت أو دنيوية تدله لزوما على دعاء غني أعلى يتوجه إليه على حد التضرع ليلبي حاجته فإن لم يتوجه إلى المعبود بحق توجه إلى غيره فإن لم يتعرف على كمال الرب، جل وعلا، ظن فيه النقص، وظن في غيره من معبودات الكون الكمال فهو مقيم وجهه لا محالة إما للدين الصحيح برسم الحنيفية فـ: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)، وإما للدين الباطل برسم الشركية، فـ: (يعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ)، فإذا فسد معلومه في ربه، جل وعلا، صفة وفعلا، فذلك فساد التوحيد الخبري العلمي: أسماء وصفات وربوبية، إذا فسد: فسد لزوما التوحيد الإرادي العملي: ألوهية فدعا صاحبه غير الله جل وعلا.
والحادث لا يكون إلا بإرادة الأول جل وعلا حدوثه، فيباينه في وصف القدم الذاتي، فقدم الرب، جل وعلا، وأزليته بالذات والوصف القائم بها الذي لا ينفك عنها ضرورة عقلية اخرى، فلا يحل في أقنوم حادث فيكتسب من حدوثه ما ينفي وصف الأولية المطلقة عن رب البرية، جل وعلا، فضلا عما ينفيه ذلك عنه من وصف الآخرية المطلقة فحلوله، جل وعلا، بذاته أو وصف كماله في ناسوت أو أقنوم أو أي كائن شريف أو غيره، ينفي عنه صفة الآخرية المطلقة، فهو، كما وصفه رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء"، فقصر الوصف عليه بتعريف الجزأين، وهو
(يُتْبَعُ)
(/)
قصر حقيقي، بالنظر إلى قيد الإطلاق الذي ذيل به كل وصف، فهو الأول مطلقا فلا أول مطلق قبله، وهو الآخر مطلقا لا آخر بعده، وحصل بالطباق إيجابا بين الوصفين إثبات كمال الإحاطة الزمانية له، جل وعلا، فتقدم على كل حادث فكان ولم يكن شيء قبله، فكان بذاته الكاملة وصفاته اللازمة والفاعلة، فهو العليم الحكيم أزلا، وهو الخالق الرازق، وإن لم يكن ثم مخلوق مرزوق، فلم يكن معطلا عن وصفه بعدم ظهور أثره في العالم الحادث المخلوق، بل شاء ألا يخلق فلم يكن إلا هو، ثم شاء أن يخلق، فتعلق وصف الفعل بمشيئته العامة وظهر أثره في الكون بكلمة كونية نافذة، وهو الباقي على تلك الأوصاف الشريفة والنعوت الجليلة بعد فناء خلقه، فذلك من معاني الصمدية الثابتة له، أيضا، على جهة القصر الحقيقي بتعريف الجزأين في قوله تعالى: (اللَّهُ الصَّمَدُ)، بل بعد قيامهم له للعرض والحساب، وخلودهم في جنة أو نار، يبقون بإبقائه لهم، فيفتقرون في الأولى والآخرة إلى آثار صفات كماله، فذاتية الوصف الرباني تمنع بداهة طروء النقص بحلول أو اتحاد بذات أرضية تتصف بضد ما تتصف به ذات الرب، جل وعلا، فذاته تبارك وتعالى: ذات الأول فلم يحدث له كمال في ذاته أو وصفه كان مجردا عنه، وذات المخلوق: ذات الحادث الذي كان عدما بلا وصف، فقدره الرب، جل وعلا، في الأزل، وكتب خلقه بقلمه التكويني، وفرض عليه طاعته وطاعة رسله بقلمه التشريعي، ثم أوجده بمشيئة نافذة، فـ: (اللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)، فيحكم بما شاء، والحكم مئنة من النفاذ، فالقضاء الكوني مبرم، والحكم مئنة من الحكمة، فالقضاء الشرعي محكم، فلا يعتريه ما يعتري أحكام البشر من تفاوت بين أحكام العقول بل تناقض في حكم العقل الواحد، وذاته عز وجل: ذات الغني، وذات المخلوق: ذات الفقير الذي يستمد أسباب بقائه كونا وصلاحه شرعا من الغني بذاته ووصفه، فإذا جاز، فرضا جدليا لا حقيقة له لامتناعه شرعا وعقلا، إذا جاز أن يمتزج الكامل ذاتا أو صفات بالناقص فيكتسب من نقصه الجبلي ما ينزل به عن رتبة الخالقية إلى رتبة المخلوقية، فلا ينفك أي تمازج عن ذلك اللازم، وهو ما احتج به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاحتج بأعراض الجبلة البشرية في ذات المسيح عليه السلام لينفي ألوهيته ويثبت بشريته برسم الرسالة، فهو من أولي العزم عليهم السلام.
فلا يكون شرك إلا بتشبيه الخالق، عز وجل، بالمخلوق، فذلك جفاء في حقه تبارك وتعالى، يقابله الغلو في المخلوق برفعه فوق درجته وتشبيهه بالخالق، عز وجل، إما في الديانة العلمية فيعقد فيه، كما تقدم، كمالا ذاتيا أو وصفيا أو فعليا لا يكون إلا لله، عز وجل، فتفسد قواه العملية لزوما بفساد قواه العلمية، فيصرف من صنوف التأله لغيره، جل وعلا، من آلهة مزعومة ونواب عنها في الأرض تحل وتعقد ما شاءت من أمور الديانة عقيدة أو شريعة!، يصرف من ذلك ما لا يصرف بداهة إلا إلى الرب جل وعلا، وإما في الديانة الحكمية فيعتقد في مخلوق مثله كمالا في العلم والحكمة يؤهله لسن الشرائع فينازع الرب، جل وعلا، منصب الربوبية سنا للشرائع، فيقع في الشرك من هذا الوجه، فجهة العمل فيه أظهر وإن لم ينفك عن فساد علمي فما رضي لنفسه تقليد حكم غيره إلا لتيقنه، ولو باطلا، من أنه أعلم وأحكم فيعلم ما لا نعلم ويدرك من غايات الأمور ودقائقها ما لا ندرك! مع كونه بشرا عاديا، فليس رسولا، بل لو كان رسولا فإنه لا يعلم إلا ما علمه ربه، جل وعلا، ولا يصدر إلا عن أمره، فليس له من أمر التشريع استقلالا شيء، وإن كان هو صاحب الشريعة من جهة التبليغ والبيان، فاستقلاله بإنشاء الأحكام: سنة لا يعني أنه يشرع ما شاء بل لا يصدر في السنة إلا صدوره في الكتاب، فلا يصدر إلا عن أمر ربه، جل وعلا، الشرعي الحاكم.
واليوم تقف الديانات الكهنوتية لتنازع الرب، جل وعلا، في الصراط العلمي، وتقف المناهج الأرضية لا سيما العلمانية لتنازعه، جل وعلا، في الصراط العملي، وليس ثم إلا صراط واحد هو صراط الرب الخالق المدبر الشارع، جل وعلا، فهو الصراط المستقيم الذي بذل المؤمنون والمؤمنات من المستضعفين والمستضعفات، لا سيما في زماننا، بذلوا ما بذلوا ليسلكوه، وأهله عنه وعنهم في غفلة فهم أعظم الزاهدين فيه فلم يدفعوا ثمنه ليدركوا قيمته كما دفعه الأولون، فـ: (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
والله أعلى وأعلم.(/)
من سورة البينة
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 08 - 2010, 08:37 م]ـ
ومن قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ):
فذلك من التوكيد بالقصر الإضافي في معرض قلب اعتقاد المتكلم، فهو بمنزلة القصر في نحو قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ)، كما حرر ذلك الشافعي، رحمه الله، فلا أجد فيما أوحي إلي محرما إلا ما استحللتموه!، إمعانا في قلب اعتقادهم استباحة جملة من المحرمات نص الوحي على تحريمها فمقابل إمعانهم في استباحتها جاء الإمعان في تحريمها، فكأنه لا محرم في الشريعة إلا هي، ولا أجد فيما أوحي إلي لا ينفي مجيء وحي تال بمحرمات زائدة، كتلك التي وردت في آية المائدة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)، فقد أمروا بالتوحيد وأمروا بغيره، فأمروا بالصلاة والزكاة، كما قد جاء في آخر الآية، فتلك أمور تخرج عن حد التوحيد بالنظر إلى معناه القلبي الباطن، فهو عقد يقوم بالقلب بإفراد الرب، جل وعلا، بسائر أجناس العبادة الباطنة والظاهرة، وأول ما يظهر من آثاره: علوم القلب تصورا للرب الواحد، جل وعلا، الموصوف بالكمال، فهو الأول بذاته القدسية وأسمائه الحسنى وصفاته العلية، فذلك عقد إيماني تصديقي بخبر النبوات التي صدق بعضها بعضا، فما من نبي إلا وقد أفاض القول في بيان وتقرير صفات المعبود، جل وعلا، فذلك أول ما تطمح إليه كل نفس شريفة بمقتضى الفطرة التوحيدية الأولى التي جبلت عليها، فالتوحيد المجمل مركوز في قلب كل مولود وإنما ترد عليه أكدار الشرك والكفر بتقليد الآباء المقلدين، والسادة الذين يترأسون ويتأكلون باسم الديانة فهم المتبوعون برسم الإمامة في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ)، فذلك من الجعل الكوني النافذ بأن طبع الرب، جل وعلا، على تلك القلوب فلا تقبل الحق، وإن علمت صدقه، فتكفر به إعراضا واستكبارا فحدها حد إبليس أول كافر بالرحمن وطاعن في التوحيد بعصيانه الأمر مع تصديقه الخبر فهو من أعلم الناس بربه، جل وعلا، وهو مع ذلك أكفر الناس به وأكثر الساعين في الصد عن سبيله، وتلك حال كل إبليس في كل عصر ومصر فلا يكتفي بكفره حسدا لأهل الحق ومقتا لهم، فـ: (مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، وإنما يدعو غيره، ويفتن من آمن من المستضعفين والمستضعفات، إن علا وظهر عليه بقعود أهل الحق عن نصرته فعندهم ما يشغلهم من المطاعم والمناكح والملاعب!، كما هي حال زماننا، فما أمر إلا ليكون عبدا، فأبى إلا أن يكون طاغوتا يترأس باسم الديانة وأبى المقلدة المقصرون في طلب الحق المعرضون عنه الحاقدون على أهله وراثة سوء لجينات خرافة دينية تعقد ألوية الولاء والبراء لها دون نظر في أصلها فيسلم المقلد وينقاد فليس له من أمر نفسه شيء بعد أن سفهها بتقليد أعمى، أبوا إلا أن يكونوا عبيدا له بسجود القلوب خضعانا لأمره، ولو كان عين الباطل، وسجود الأبدان، أحيانا، في صورة من صور الغلو المقيت، التي تدل على كمال استيلاء الشرك على القلب بأن سوى بين العبد المربوب والرب المعبود، جل وعلا، فصرف للأول مع فقره ونقصانه ما لا يصرف إلا للثاني لغناه الذاتي المطلق، وكماله الوصفي الأزلي، فكيف يسوي عاقل فضلا عن عابد زاهد بين الناقص والكامل، بل ينصرف بقلبه عن الخالق ليتعلق بمخلوق فيصرف له من صور الخضوع والذل ما لا يصرف إلا لله، عز وجل، بزعم أنه النائب الذي وكل إليه التصريف فلا يدخل الجنة إلا من رضيه، ولا يحظى بالغفران إلا من قبله، وهو عند بعض أهل الملل والنحل: معصوم سواء أكان حاضرا أم منتظرا، وهو عند بعضهم يتصرف في ذرات الكون
(يُتْبَعُ)
(/)
تدبيرا وتصريفا!، فجنس الغلو واحد، وإن تعددت الملل والنحل، فمادة الزيادة في قدر المخلوق حتى يصيره القلب إلها معبودا، تلك المادة هي سبب الشرك الرئيس، فكل من غلا في متبوعه فصيره طاغوتا، إن رضي بذلك، كحال كثير من طواغيت زماننا سواء طغوا باسم الديانة أو السياسة، فقد مهد له الطريق بنفسه فما كان ليطغى لولا أن آنس من أتباعه خضوعا وذلا، وقد جاءت النبوات لتهدم بمعاول التوحيد العلمي ابتداء: قلاع الشرك في تلك القلوب الخائفة الأسيرة في قيد الوهم والخرافة، فأظهر الأنبياء عليهم السلام من صفات ربهم، جل وعلا، ما استبان به لكل عاقل القدر الفارق بين المعبود بحق وسائر المعبودات.
يقول ابن القيم، رحمه الله، في "مدارج السالكين":
"والرسل من أولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
أرسلوا بالدعوة إلى الله وبيان الطريق الموصل إليه وبيان حال المدعوين بعد وصولهم إليه فهذه القواعد الثلاث ضرورية في كل ملة على لسان كل رسول فعرفوا الرب المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله تعريفا مفصلا حتى كأن العباد يشاهدونه سبحانه وينظرون إليه فوق سماواته على عرشه يكلم ملائكته ويدبر أمر مملكته ويسمع أصوات خلقه ويرى أفعالهم وحركاتهم ويشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم يأمر وينهى ويرضى ويغضب ويحب ويسخط ويضحك من قنوطهم وقرب غيره ويجيب دعوة مضطرهم ويغيث ملهوفهم ويعين محتاجهم ويجبر كسيرهم ويغني فقيرهم ويميت ويحيي ويمنع ويعطي يؤتى الحكمة من يشاء مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويفك عانيا وينصر مظلوما ويقصم ظالما ويرحم مسكينا ويغيث ملهوفا ويسوق الأقدار إلى مواقيتها ويجريها على نظامها ويقدم ما يشاء تقديمه ويؤخر ما يشاء تأخيره فأزمة الأمور كلها بيده ومدار تدبير الممالك كلها عليه وهذا مقصود الدعوة وزبدة الرسالة". اهـ
فذكر ابن القيم، رحمه الله، جملة من أوصاف الرب، جل وعلا، الذاتية والفعلية، اللازمة لذاته، والفاعلة في كونه إيجادا وتدبيرا، ذكر منها جملة أفاض الأنبياء عليهم السلام في بيانها ليزول قيد الخرافة من القلوب التي عظمت غيره، لجهلها بوصف كماله، وغلوها في غيره فغضت الطرف عن وجوه النقص الذاتي الجبلي فيه، وإن شرفت ذاته، فمن غلا في نبي أو إمام أو شيخ أو سلطان ..... إلخ، فالغلو يكون في الصالح والطالح، باسم الدين تارة وهو أفحشه، وباسم الدنيا تارة فهي متعلق الهمم الخسيسة التي تتزلف إلى البشر لنيل رياسات ومآكل زائلة فلا تزداد إلا قبحا وبغضا في قلوب الصالحين الذين امتن الرب، جل وعلا، عليهم، بالسلامة من تلك الحال المرذولة، فمن غلا في نبي أو إمام ....... إلخ، فقد خلع عليه من وصف الرب، جل وعلا، ما ليس له فذلك غلو لا ينفك عن جفاء بنزع تلك الأوصاف من الرب المستحق لها الموصوف بها على لسان أنبيائه عليهم السلام، فالغلو تكذيب لخبر النبوات وكفر بها، فقد جاءت لتثني على المعبود بحق، جل وعلا، وتكشف عوار ونقص ما سواه من المعبودات، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، فأبى رءوس الباطل وسدنة الباطل إلا أن يكون وصف الكمال لمن يترأسون ويتأكلون باسمه، ولو كان شريفا يتبرأ من طريقتهم الردية ولو زعموا أنها دينية مرضية، فلا يرضى نبي أو إمام أو صالح بالكفر!، فذلك مما يغضب الرب، جل وعلا، ويحبط العمل: (لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)، فكيف يرضى به أولياء الله ممن اصطفاهم برسم النبوة أو الإمامة في الدين، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا
(يُتْبَعُ)
(/)
الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
ولا ينفك هذا المعول العلمي الهادم لقلاع الشرك في القلب عن معول عملي تأويله: عبوديات القلب من نية وإرادة وتوكل ....... إلخ، فبها يمتاز العابدون، فإن الظاهر قد تتساوى صوره وتتفاوت حقائقه تبعا لتفاوت الباطن صحة وفسادا فهو مرآته الكاشفة لكنهه كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، ولكن قد تعكس المرآة صورة زائفة، كصورة النفاق، فيكون الظاهر سليما والباطن فاسدا، ومع ذلك لا يخلو من تلك حاله من زلة بل زلات في الأقوال والأفعال يظهر بها معدن فساده الباطن، فالأصل أن الصورة العلمية الإرادية الباطنة تعكس صورة قولية عملية ظاهرة تلائمها صحة أو فسادا، فمعول العبودية منه: باطن وهو الأصل، وظاهر هو من حقيقة الإيمان، أيضا، وإن كان تابعا للباطن صحة أو فسادا، فالإيمان كما قد تقدم في مواضع سابقة: قول باطن في القلب وآخر ظاهر على اللسان، وعمل باطن في القلب محبة وتوكلا وولاء للمؤمنين لا سيما المستضعفين وبراء من أعدائهم ممن يظلمهم بفتنتهم في دينهم ويخذلهم بإسلامهم إلى عدوهم فتلك من أصول أعمال القلوب التي لا يصح الإيمان ابتداء إلا بتحقيقها تصورا وعملا بحب وبغض باطن وسعي بالظاهر في نصرة أهل الحق ما استطاع المكلف إلى ذلك سبيلا فيظاهرهم بيده إن استطاع فكان ذا سلطان، أو بلسانه، أو بماله ..... إلخ من صور المظاهرة بالعمل فهي تأويل ما يقول بالقلب من المظاهرة بالإرادة القلبية الجازمة محبة لهم وبغضا لعدوهم وهي، أيضا، تأويل العلم النافع الذي يقوم بالقلب، فلا يتصوره إلا من تلقى علومه من مشكاة الوحي، فآل الأمر هنا، أيضا إلى السلسلة المعهودة: علم صحيح مصدره الوحي يولد في القلب عملا صحيحا بإرادة خير، فيظهر ذلك لزوما على اللسان والجوارح ما لم يقم مانع كوني يسقط به التكليف فلا يؤاخذ صاحبه عن تخلف القول والفعل الظاهر ...... إلخ، فكل تلك الشعب من أعمال القلوب، وعمل اللسان ذكرا وتلاوة ..... إلخ، ثم عمل الجوارح صلاة وصياما وجهادا ...... إلخ، فتكتمل المنظومة العلمية العملية في قلب المؤمن، فذلك حد الإيمان الذي بعث به الرسل عليهم السلام.
والشاهد أن ذلك وجه عد هذا القصر إضافيا، فإن نظر إلى حقيقة العبودية بمعناها الأعم الذي يشمل فعل العبد الباطن والظاهر، ويشمل مفعوله القلبي واللساني والبدني، فإن القصر في هذه الحال يكون حقيقيا، فلا تخرج الأمانة التي حملها الإنسان عن هذا المعنى العام الذي يشمل سائر أجناس الحركة الباطنة والظاهرة، فيتحرك القلب بتصور علمي سابق، فتتولد فيه إرادات تظهر آثارها لزوما على اللسان والجوارح، فذلك من صور التلازم الوثيق بين الملزوم المنشئ للفعل، وهو العلم والإرادة، واللازم الناشئ وهو القول والفعل الظاهر، وعد هذا القصر حقيقيا، يلائم من كل وجه قول المحققين من أهل العلم بشمول معنى الإيمان لاعتقاد القلب وقول اللسان وفعل الأركان، وكذلك قول من عده قصرا إضافيا، فإنه لم يرد الحصر في معنى الإخلاص الباطن، وإنما اقتضى مقام قلب اعتقاد المخاطب الذي وقع في ضد الإيمان من الشرك، اقتضى التنبيه على ما زل فيه بأقوى أساليب القصر على جهة الادعاء لا الحقيقة فذلك آكد في البيان وإقامة الحجة، فضلا عن معنى الإنكار والزجر فليس المخاطب جاهلا لا علم له بالنبوة، بل هو ممن أوتي الكتاب، فتواترت عنده أخبار النبوات، فعلم منها ما لم يعلم غيره من المشركين عباد الأوثان، فكان من اللائق بحاله، وهي مظنة الكمال بما عنده من العلم فإنه أعظم أسباب الكمال النفساني، كان من اللائق بمن هذه حاله، أن يفي بغرض النبوة الأول: إفراد رب العبيد، جل وعلا، بالعبادة على رسم الإخلاص، فالتقييد بالحال: (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ): وصف مؤثر، فمخلصين له وحده حنفاء مائلين لعبادته مائلين عن عبادة غيره، فليست الحال في هذا المقام فضلة في المعنى، وإن كانت فضلة في اللفظ، فالبناء التركيبي للجملة قد يتم بدونها، ولكن البناء المعنوي لا يتم إلا بها فهي محط الفائدة، فكثير من المشركين يعبد الله، عز وجل، ولكنه يعبد معه غيره، لهوى في نفسه، أو شبهة من قبيل: (مَا
(يُتْبَعُ)
(/)
نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، فيتوسلون بهم، زعموا، إلى الرب، جل وعلا، ويحملون آيات التوسل على دعائهم غير الله، عز وجل، وليس ذلك من التوسل المشروع في شيء، فصار قيد الإخلاص قيدا فارقا بين الموحدين المخلصين، وبين عباد الأوثان والصلبان والأحبار والرهبان ...... إلخ من المعبودات المحسوسة والمعقولة، فليس ذلك بحكر على الصورة النمطية للعبادة التي يتوجه فيها العابد إلى معبوده بأجناس العبوديات من دعاء ونذر وذبح .... إلخ، كما يقع من الغلاة أمام المشاهد والأضرحة، ورائدهم في ذلك غلو أهل الكتاب في رهبانهم، فتكاد الصورة تكون واحدة: صورة العابد المنكسر أمام قبر القديس، وصورة العابد المنكسر أمام قبر الشيخ، فليس ثم فارق إلا ما ثبت للثاني من توحيد أتى بما ينقضه جهلا في الغالب، فليس له حكم الكافر الأصلي، فالعذر في حقه قائم، وإن توجه إليه الذم بتقصيره في طلب الحق وتقليده أهل الباطل، فيلزم في حقه البيان وإقامة الحجة الرسالية المفهمة التي تزيل الشبهة، والشاهد أن ذلك ليس بحكر على أصحاب تلك الصورة النمطية من الشرك، بل يعم هذا المعنى كل صور الشرك المعنوي، لا سيما شرك الغلو في المتبوعين باتخاذهم آلهة تحل وتحرم، وتقديم حكمهم على حكم الرب، جل وعلا، فتلك من صور الشرك التي وقع فيها أهل الكتاب فـ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، ووقع فيها من بعدهم فئام من هذه الأمة قدموا حكم المخلوق على حكم الخالق، عز وجل، فتوجه الذم إليهم في نحو قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، وانتفى عنهم الإيمان في نحو قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، والشاهد أن أهل الكتاب بما عندهم من ميراث النبوة كانوا أولى الناس بالتوحيد فإذا بهم جحودا وحسدا، كما هي حال يهود الغالبة، أو جهلا وإعراضا عن طلب الحق وركونا إلى اتباع رءوس الضلال وتقليدا لدين الاباء، كما هي حال النصارى الغالبة إذا بهم يكفرون بالنبوة الخاتمة، معدن التوحيد العلمي والعملي المصدق لما بين يديه، الشارح لمجمله المبين لمشكله، فذلك وجه المبالغة في النكير عليهم بالقصر الادعائي، فمن جعله من هذا الباب، فعطف الصلاة والزكاة عليه من قبيل عطف الاستئناف، فإنه أراد تجريد معنى العبودية الأخص، بتوحيد الرب، جل وعلا، توحيدا قلبيا باطنا، ثم عطف عليه ما يباينه في الحقيقة، وإن كان لازما له لزوما لا انفكاك فيه، كما تقدم من بيان التلازم الوثيق بين الملزوم المنشئ واللازم الناشئ عنه، فالصلاة والزكاة تباين عقد القلب، وإن كانت لازمة له، فهي ترجمانه، بل هي مثله من جهة الدخول في حقيقة مسمى الإيمان الذي يعم القول والعمل كما تقدم، وبها يظهر من صدق الدعوى الإيمانية ما يحصل به معنى الإيمان إلا في حال النفاق، فتلك حال استثنائية، ولا تخلو مع ذلك من كاشف مظهر لحقيقة ما يقوم بالقلب، وإن اجتهد صاحبه في إخفاءه ما اجتهد كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
ومن حمل الآية على القصر الحقيقي فنظر إلى مفهوم العبادة الأعم الذي يشمل سائر أجناس التأله الباطن والظاهر، العلمي والعملي، كما تقدم، فإن معنى العبودية الذي صدرت به الآية يشمل الصلاة والزكاة فهي من الإيمان الذي يعم حركات الباطن والظاهر، فالعبادات البدنية والمالية من الظاهر الذي يدخل في حد الإيمان تضمنا، فتلك مقالة أهل السنة الذين يعدون العمل شرط كمال واجب فلا يحصل الإيمان المنجي من الوعيد إلا بالعمل، بل بعض الأعمال على خلاف بين أهل العلم شرط صحة، فلا يصح الإيمان ابتداء إلا بها، وعليه كان الخلاف الشهير بين الحنابلة، رحمهم الله، من جهة، والجمهور من جهة أخرى في مسألة تارك الصلاة كسلا فقد ترك أحد مباني الإسلام العملية، وإن لم ينقض عقد إيمانه الباطن صراحة،
(يُتْبَعُ)
(/)
ومع ذلك حكم عليه الحنابلة، رحمهم الله، بالكفر الأكبر، والخلاف في هذه المسألة معروف مبسوط في كتب الأصول والفروع، فمن حمله على هذا الوجه فالعطف عنده من عطف الخاص على العام، فعم بذكر العبودية التي تشمل الصلاة والزكاة، ثم أفردهما بالذكر تنويها بشأنهما، وقد استدل به بعض أهل العلم كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، على خطاب الكفار الأصليين من الكتابيين والوثنيين بفروع الشريعة، فتوجه إليهم الخطاب بالتوحيد الذي لا تصح عبادة إلا به، ثم توجه إليهم الخطاب بالصلاة والزكاة فهم مخاطبون بالفروع وبما لا تصح إلا به من التوحيد فهو أول واجب على العبيد كما تقدم.
ثم جاءت الإشارة إلى ما تقدم على جهة التعظيم بالإشارة إلى البعيد:
وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ: فذلك من إيجاز الحذف، فتقديره: وذلك دين الملة القيمة، وقرئ: الدين القيمة، على تأويل الدين بالملة، وذلك مما يستأنس به من جوز القياس في اللغة، فقيس الدين على الملة في حكم الوصف باللفظ المؤنث، كما قد حكى بعضهم: جاءته كتابي فتأول الكتاب بالصحيفة، وكما قال قائلهم:
يا أيها الراكب المزجي مطيته ******* سائل بني أسد ما هذه الصوت
أي: ما هذه النصيحة كما ذكر ذلك ابن القيم، رحمه الله، في "بدائع الفوائد".
وكما قد حكى أبو عبيدة معمر بن المثنى، رحمه الله، في "مجاز القرآن" في تأويل قوله تعالى: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ)، فقال: "فجعلت السماء بدلا من السقف بمنزلة تذكير سماء البيت"، فقاس السماء على السقف فأرجع الضمير عليها مذكرا، وكما قد حمل عليه قوله تعالى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، في وجه من وجوه تجويز وصف المؤنث باللفظ المذكر: "قريب"، فقيست الرحمة على الإحسان، وذلك من تفسير الصفة بلازمها فلا يلزم منه تأويل مردود، كحال من تأول الرحمة بإرادة الإحسان، فرد صفات الأفعال الربانية إلى صفة الإرادة، فليس التفسير باللازم من هذا القبيل، فإن من يفسر باللازم لا ينكر الملزوم الأول، بخلاف من يتأول الصفة بلازمها، فإنه ينكر الملزوم، ويجعل اللازم هو المراد من كل وجه.
ثم جاءت المقابلة بين حال الفريقين إمعانا في الإنكار على كفار أهل الكتاب ببيان سوء عاقبتهم في مقابل حسن عاقبة المؤمنين سواء أكانوا من أهل الدين وراثة، أم من أهل الحق دراية ممن خبروا سبيل المجرمين فعاشوا عمرا في الضلالة ثم شاء الرب، جل وعلا، أن يصطفيهم، لزكاء محالهم، وإن كانوا مستضعفين لا حول لهم إلا بباريهم، جل وعلا، بعد أن قعد أهل القدرة عن نجدتهم، قلة مروءة وغيرة على حرمات الدين وأهله فبدأ بالأدنى رتبة فـ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)، ثم ثنى بالأعلى وصفا ورتبة: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)، فالمقابلة حاصلة حتى في المبنى بتصدير كل بالتوكيد، والتذييل بالإشارة بالبعيد: مئنة من سفل الذين كفروا، وعلو الذين آمنوا، فيجري، كما تقدم في مواضع سابقة، مجرى المشترك اللفظي، بل هو من الأضداد اللغوية، من هذا الوجه، فدل على المعنى وضده لقرينة السياق، فتعلق المعنى بالكفار غير تعلقه بالمؤمنين بداهة وإن اتحد المبنى اللفظي، فالمؤمنون في أعلى عليين فأولئك أهل دار النعيم، والكفار في أسفل سافلين فأولئك أهل دار الجحيم، وإن سخر أهل الباطل من أهل الحق، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)، فحصلت المقابلة أيضا بين ضحكهم سخرية من أهل الإيمان في دار الابتلاء، وضحك أهل الإيمان منهم في دار الجزاء: جزاء وفاقا.
والله أعلى وأعلم.(/)
عاجل!!!!!!
ـ[سيبويهية]ــــــــ[01 - 09 - 2010, 02:58 ص]ـ
ما معنى القول:" هو رجل ليس له صديق في السر، ولا عدوّ في العلانية"
حبذا لو كانت الردود من المتخصصين في البلاغة نظرا لأهمية دقة الإجابة، ولو كانت إشارات إلى شروح لهذا القول أو إحالات ...
ولكم جميعا مني الشكر الجزيل
ـ[سامي الفقيه الزهراني]ــــــــ[01 - 09 - 2010, 08:29 ص]ـ
يريد أنّ الناس يُدارونه لشرّه وقلوبُ الناس تُبْغِضه.
العقد الفريد 1/ 287
ـ[سيبويهية]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 01:59 ص]ـ
أشكر لك حسن الاهتمام وأثني على ما بدا منك من إلمام
ـ[سامي الفقيه الزهراني]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 04:44 ص]ـ
لا عليك يا سيبويهية الأنام .. فهذا فيض من غيض سامي الهمام .. :)
وإن أردت مزيدا فعندنا على الزيادة التمام ..
وهذه سجعات شكر مقابل سجعاتك العظام .. وفي الختام عليك ورحمة الله السلام ..
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 07:09 ص]ـ
لا عليك يا سيبويهية الأنام .. فهذا فيض من غيض سامي الهمام .. :)
وإن أردت مزيدا فعندنا على الزيادة التمام ..
وهذه سجعات شكر مقابل سجعاتك العظام .. وفي الختام عليك ورحمة الله السلام ..
عهدي بها غيضٌ من فيض؟: rolleyes:
ـ[سامي الفقيه الزهراني]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 07:38 ص]ـ
عهدي بها غيضٌ من فيض؟: rolleyes:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن عهدك صحيح هذه المرة يا عقد الزمان .. : rolleyes: ( السجعة هي من غيرت معرفك .. لا دخل لي):)
وسبحان من تنزه عن السهو والنسيان ..
ـ[عربي صريح]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 07:06 ص]ـ
هذا المنتدى منتدى الفضل والفيض(/)
من قوله تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُون)
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 09 - 2010, 08:19 م]ـ
ومن قوله تعالى: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ):
فذلك من المقابلة في معرض بيان القدر الفارق بين:
الرب، جل وعلا، فدلالة العكس في إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل على جهة المضارعة مئنة من التجدد والحدوث فضلا عن استحضار تلك الصورة الكونية الباهرة التي تغفل عنها عامة النفوس لتكرار وقوعها، فتلك الدلالة مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، على خلق الأضداد، فليلٌ يعقبه نهار، وكمال حكمته باطراد سنته النافذة في كونه، وكمال رحمته، فالليل سكن، والنهار دأب، فصيانة الأجساد تكون في نوم الليل، وكسب المعايش التي لا تقوم إلا بها يكون في سعي النهار.
وكذلك الشأن في تسخير الشمس والقمر بالأمر الكوني النافذ، فكل يجري لأجل مسمى، فلكلٍ فلك يدور فيه بانتظام، فـ:
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ: فإشارة البعيد مئنة من عظم شأن الرب، جل وعلا، بصفاته وأفعاله، فهو العزيز الكبير، في مقابل حقر شأن آلهتهم فهي ذليلة صغيرة، فذلكم الله: إشارة إلى حقه على عباده من كمال التوحيد العملي تألها ورقا للرب المالك، جل وعلا، فهو ربكم: فذلك من التعقيب بالعلة عقيب المعلول، فهو الله المعبود لأنه الرب الذي أوجد من العدم، وأعد المحال لتقلي آثار الحياة، وأمدها بأسبابها الشرعية والكونية، والإضافة هنا: إضافة عامة فإضافة الاسم إلى الضمير من صيغ العموم القياسية، كما قرر ذلك أهل الأصول، فتلك هي الربوبية العامة التي شملت بآثارها الشرعية: هداية بيان وإرشاد بإرسال الرسل عليهم السلام، والكونية: خلقا للأجساد وإعدادا للمحال وإنزالا للأرزاق، التي شملت بآثارها الشرعية والكونية: عموم البرية، والخطاب قد توجه إلى قوم مشركين فانتفى احتمال الربوبية الخاصة التي لا تكون إلا لأولياء الرحمن، جل وعلا، فيكلؤهم بهداية التوفيق إلى اتباع الحق الذي جاءت به النبوة، ويكلؤهم بحفظه الكوني، وإن نال منهم عدوهم، فلن يضرهم إلا أذى، فـ: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا)، و: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ)، فله، جل وعلا، الملك: للأعيان والأحوال، على جهة القصر بتقديم ما حقه التأخير فذلك مئنة من القصر، وهو قصر حقيقي، بالنظر إلى معنى الملك المطلق الذي يتصرف فيه صاحبه تصرف المليك فهو: المالك للعين الملك المدبر لها، فله، جل وعلا، كمال التدبير الكوني بالكلمات النافذات التي تلقى إلى الملائكة على جهة الأمر الجازم، فـ: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، فبأمره الكوني، وحده، على جهة القصر الحقيقي، أيضا، بتقديم ما حقه التأخير، بأمره الكوني وحده يعملون، فبهم تصل آثار هذه الكلمات إلى عموم الكائنات فليسوا سوى أسباب كونية مغيبة خلقها الرب، جل وعلا، وخلق لها قوى مؤثرة، وسننا جارية، فلا تؤثر إلا بإذن ربها، جل وعلا، ولا تجري إلا بمشيئته النافذة، وله، تبارك وتعالى، كمال التدبير الشرعي بالكلمات الحاكمات أمرا ونهيا، فتتوجه إلى الرسل عليهم السلام فهم واسطة البلاغ بين الحق والخلق، فبهم تصل آثار الكلمات الشرعيات النافعة إلى عموم المكلفين، فذلك من معاني ربوبيته، جل وعلا، فالتدبير الشرعي بالأحكام يتعلق بالربوبية فلا يشرع إلا الرب، جل وعلا، فذلك من أخص أوصافه، ويتعلق بالألوهية فلا يتعبد له، جل وعلا، إلا بما شرع، ولا يحكم غيره في أي نزاع، خاص أو عام، محلي أو دولي، سياسي أو عسكري، فالشريعة الخاتمة قد عمت بأحكامها كل شئون الحياة الخاصة والعامة، فـ: (فَلَا وَرَبِّكَ
(يُتْبَعُ)
(/)
لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
وفي مقابل ذلك وعلى جهة طباق السلب بإثبات الملك، له جل وعلا، ونفيه عن آلهتهم: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ: فالذين تدعون من دون الله، رغبة ورهبة، ولا يكون ذلك إلا من تشبيه غير المخلوق بالخالق، عز وجل، فيعتقد الداعي فيه كمالا سواء أكان جمالا بالقدرة على إيصال النفع أو جلالا بالقدرة على إيصال الضر على جهة الاستقلال، فيستقل المدعو بالتأثير، وذلك لا يكون إلا لرب العبيد، جل وعلا، فما النفع والضر من غيره إلا تأثير بقوى مخلوقة فيه، فهو سبب، إن شاء الرب، جل وعلا، إمضاءه: أمضاه، وإن شاء منعه: منعه، فلا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، فإذا غلا العبد في مخلوق مثله فرفعه إلى درجة الاستقلال بالتأثير، توجه إليه لزوما بأجناس التأله الظاهر والباطن، القولي والفعلي، فقد اعتقد فيه وصفا من أخص أوصاف الربوبية، وهو ربوبية التدبير بالنفع والضر، فنزله منزلة مجري الأسباب بالزيادة والنقصان، فما الشرك الظاهر الذي يقع المقلدة فيه غلوا في رهبانهم أو أئمتهم أو شيوخهم، ما ذلك الشرك العملي إلا مظهر لشرك علمي باطن، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن العلمي والظاهر العملي، فـ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، مع أن: (كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، فقد أساءوا السيرة فصيروا الديانة مأكلة، وصارت الرياسة معقد الولاء والبراء، ورضوا بتحالف أثيم مع طواغيت السياسة فاجتمع على الناس: طغيان باسم الديانة، وآخر باسم السياسة فكل قد استقل بملكه وكل قد أفسد فيه، فرضوا بذلك التحالف نظير مكاسب عاجلة، ولو ضاعت علوم الرسالة بالطمس والتحريف، فكتموا ما ينقض باطلهم من الحق، وكتموا خبر الرسالة الخاتمة التي تنسخ ما بقي من حق في كتبهم، وتفضح ما جنته أيدي رءوسهم من تبديل بلغ حد النسخ بالرؤى والأحلام، فـ: (لَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ)، فلو أقاموها بعلومها وأعمالها الدينية لفتحت عليهم البركات الدنيوية، فإقامة الدين: صلاح للمعاش العاجل، والمعاد الآجل، والتاريخ على ذلك خير شاهد، فما ظهرت أعلام الرسالة في أرض إلا ظهر فيها من أجناس الصلاح والأمن ما يطمئن به القلب فـ: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وينعم به البدن، فـ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، والشاهد أن الغلو بتشبيه المخلوق الناقص بالخالق الكامل، ذريعة علمية إلى الوقوع في الشرك باطنا بتعظيم المخلوق تعظيما يفوق قدره، فالتعظيم لأهل الفضل من الأنبياء والصالحين أمر مشروع بل واجب، ولكن الغلو في تعظيمهم بالإطراء أمر محظور بل محرم، بل هو الذريعة، كما تقدم، إلى الوقوع في الشرك الباطن فتتعلق القلوب بغير الله، عز وجل، تعظيما ومحبة وخوفا وخشية وتوكلا ...... إلخ من أجناس التأله التي لا ينفك عنها قلب، فهي مادة حياته، فالقلب لا حياة له إلا بحركة دائبة: تصورا وإرادة، فتنشأ إراداته من تصوراته، فإذا فسد الأصل فسد الفرع تبعا، فتلك ضرورة عقلية يشهد لها الشرع فـ: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"، والحس، فتحرك القلب بإرادات الشر:
(يُتْبَعُ)
(/)
علمية كانت فهي شبهات، أو عملية فهي شهوات، ولا تنفك الشبهة الباطنة عن شهوة ظاهرة، فغالبا ما يتلبس أصحاب الشبهات العلمية، لا سيما إن كانوا كفارا أصليين كتابيين أو وثنيين، بشهوات عملية تنحط بهم أحيانا عن دركة البهائم، وما فضائح الكنائس غربية كانت أو شرقية عنا ببعيد، وإن كانت في الأولى أكثر وأظهر، فالكنائس الشرقية لمكان الإسلام الذي يحفظ الديانة ويمقت الدياثة فيصون الحرمات: أقل انحرافا من نظائرها في الغرب النصراني، فتأثرت الكنيسة الشرقية بالإسلام رغما عنها، وإن وقع فيها من الانحرافات الأخلاقية ما وقع، فالمسألة نسبية، فليس من نشأ في دار الكفر كمن نشأ في دار الإسلام ولو كان كافرا، فلا تستوي أرض قد غربت فيها شمس النبوة وأرض أشرقت فيها شمس جميع الرسالات، وإن حجبتها سحب العلمانية والتغريب السوداء، فذلك عارض طارئ، سرعان ما يزول، لتشرق أرض الإسلام من جديد بنور ربها الحميد المجيد، فذلك موعود الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والانحراف يزيد كلما زاد البعد عن منهاج النبوة، فأرض لا تعرف النبوات ابتداء: فيها من الشبهات والشهوات ما ليس في أرض تعرف جنس النبوات ولو مبدلة، وأرض تعرف النبوة المحفوظة فيها من الخير ما ليس في أرض لا تعرف إلا النبوة المبدلة التي صيرها سادتها شركا صريحا فظهرت فيهم آثار ذلك من دعاء غير الله، عز وجل، لما أنزلت الرءوس التي ينتسب إليها أولئك: منزلة الرب، جل وعلا، فخلعت عليها أوصاف التدبير المطلق للكون بالتأثير المستقل في: أعيانه بالإيجاد أو الإعدام، وأحداثه بالرزق والمنع والنفع والضر ....... إلخ، وتلك لسان حال بل مقال كثير من أهل الشرك الظاهر في الدعاء، فأصله شرك باطن في المحبة رغبة والخوف رهبة، وأرض تحكمها النبوة المحفوظة فيها من الخير ما ليس في أرض لا تحكمها النبوة، وإن كانت أعلام الكتاب الهادي فيها منشورة، ولكنه يفتقر إلى حديد ناصر يؤيده، فقد أنزل الحديد إنزال الكتاب، فـ: (قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، فإما أن يحمل على إنزال الحديد المحسوس، وإما أن يحمل على إنزال حكم الجهاد المعقول فالحديد آلته فكنى بالآلة عن الصنعة، فالجهاد من جملة الكلمات الشرعيات التي نزل بها الوحي، فـ: (لَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)، فذلك جهاد الحجة والبرهان بالكتاب المنزل، و: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، و: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، فذلك جهاد السيف والسنان بالحديدالمنزل أيضا، فمنزل الكتاب هو منزل السيف ليذب عنه، فلا حق باق إلا بحجة تؤيده وحديد ينصره.
فـ: الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ: فتسلط النفي على النكرة في سياق مؤكد بـ: "من"، فذلك من أبلغ ما يكون في التحدي، فلا يملكون القطمير، وهو من الدقة بمكان، لا يملكونه خلقا لعينه أو تدبيرا لشأنه بنمو أو ذبول، فكيف بما هو أعظم خطرا منه: من أمر هذا العالم بأفلاكه وأجرامه، وأرضه وسماواته، وأحيائه وأمواته، فأمر الحي الحساس والجماد الساكن، إلى الرب الخالق المتصرف في شئون الكون بكلماته النافذة، فلا راد لمشيئته، فقياس الأولى في هذا الموضع قاض ببطلان ربوبيتهم بداهة، فلا يملكون من أمر القطمير شيئا، فذلك أصل، قيس عليه بطلان تصرفهم فيما هو أعظم منه بداهة، فذلك فرع ثابت من باب أولى، وبه ظهر الفرقان المبين بين رب العالمين ومن دونه من الخلق وإن جل شأنهم وعظم خطرهم، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ
(يُتْبَعُ)
(/)
دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، فالرسل عليهم السلام مع عظم قدرهم لا يأمرون الناس إلا بتوحيد مرسلهم، جل وعلا، بل لو: (أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فـ: (لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فلو أمروا بضد ما أرسلوا به لنالهم من آثار أوصاف جلال الرب قطعا وأخذا ما نالهم، فـ: (لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ). والملائكة عليهم السلام مع عظم خلقهم ودوام ذكرهم: (لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، فمن كان بالله أعلم كان له أخشى وأتقى، فالعلم الباطن، كما تقدم مرارا، لا بد أن يولد في قلب صاحبه: حركة إرادية يحصل بها من أجناس الخشية والتقوى ما يحول بينه وبين أسباب فساده من شبهات دينية ردية أو شهوات دنيوية دنية فذلك حال البشر وأما الملائكة فقد نزهوا عن ذلك، ومع ذلك لم تفارقهم الخشية لكمال علمهم وعظيم قربهم من الرب، جل وعلا، فلسان حالهم: (سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)، وذلك وجه تفضيلهم باعتبار المبتدى، وإن كان صالحو البشر أفضل باعتبار المنتهى.
والمضارعة في: "تَدْعُونَ": مئنة من تجدد الوصف فلا ينفك أولئك عن دعاء، فـ: (مَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ)، ولا ينفك أولئك عن عجز فلا يملكون شيئا من الكون إيجادا أو تدبيرا، ولو دق جرمه، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)، فلن يخلقوه وإن علموا من تركيبه التشريحي وأدائه الفسيولوجي ما علموا، فليس ذلك إلا علم ظهور وانكشاف لسنن الرب، جل وعلا، في كائن واحد من خلقه الذي يعجز العقل عن إحصاء عدده، فـ: (الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، فالعموم الذي ذيلت به الآية مظنة الكثرة أعيانا وأوصافا فمن ذا الذي يحيط بالكائنات إحصاء لأنواعها وأعدادها وإدراكا لخصائصها ووظائفها إلا الذي فطرها فإنه يهديها إلى ما يصلحها، فخلق ثم هدى، فـ (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)، فهدى بالتكوين كل كائن فكونه ثم حفظه بجملة من السنن الربانية النافذة، وهدى بالتشريع من اصطفاه لحمل الأمانة، فمنهم من اهتدى بيانا ثم كفر بالإعراض والاستكبار، ومنهم من اهتدى توفيقا فآمن فـ: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).
والشاهد أنهم لن يخلقوه ولو علموا من تشريحه ووظائفه ما علموا فذلك علم ظهور وانكشاف، كما تقدم، والخلق لا يكون إلا بعلم تقدير مؤثر، كما ذكر ذلك بعض المحققين من أهل العلم، فبه يقع التقدير في الأزل، فذلك من الأولية المطلقة التي لا تثبت إلا للأول بذاته القدسية وصفاته العلية، جل وعلا، فله الكمال الأزلي، ومنه كمال التقدير للكائنات ثم كمال الحكمة في إثبات العلم الأزلي في اللوح بقلم التكوين النافذ، ثم إذا شاء إظهار معلومه في الكون أظهره بقدرته النافذة، فذلك تأويل المقدور الغيبي في عالم الشهادة الوجودي، فيصير موجودا بعد أن كان معدوما، ويكون على ما قد قدر له أزلا، فلا زيادة ولا نقصان!، فذلك تأويل حكمته البالغة، فلا يكون خلق إلا بعلم تقديري أول، ثم مشيئة نافذة، فيقع الخلق بقدرة كاملة وحكمة بالغة، فلا يوضع شيء في الكون إلا في محله الملائم له، وذلك أمر يعم الأعيان
(يُتْبَعُ)
(/)
والأديان.
ثم جاء الإطناب في بيان عجزهم فـ: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)، على جهة الفصل لشبه كمال الاتصال بين البيان والمبين، فلا يستجيبوا لكم، لنقص في سمعهم، ولازمه النقص في علمهم، فلا يعلمون من حالكم شيئا لا قبل خلقكم تقديرا، ولا بعده تأويلا لما قد قدر أزلا من أصوات الخلق معروفة كانت أو منكرة، فذلك نقص في العلم، ولو سمعوا: فذلك من قبيل الفرض العقلي المحض فلا حقيقة له في الخارج، فـ: (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ): فـ: "لو": وصلية إمعانا في بيان عجزهم، فلو قدر أن لهم من السمع والعلم ما يدركون به أصوات من يدعوهم، فلن يستجيبوا لعجزهم التام، فذلك نقص في القدرة، فلا علم لهم ليُقَدِّرُوا ولا حكمة لهم ليدبروا ولا قدرة لهم لينفذوا، فـ: (الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، فثبت لهم نقص الوصف الذي يلزم منه بداهة: نقص الفعل، فلا يستجيبون لمن دعاهم، فصار دعاؤهم من دون الله، عز وجل، عين النقص في فعل العبد وتوحيده العملي الإرادي، فلا ينفك عن فساد أول في توحيده العلمي الخبري، فاعتقد فيهم: كمال وصف لا يكون إلا للرب، جل وعلا، فذلك فساد في توحيد الرب، جل وعلا، بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، واعتقد فيهم كمال فعل بالاستجابة التي لا تكون إلا للرب، جل وعلا، فهو المجيب الذي: (يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ)، فذلك فساد في توحيد الربوبية، توحيد الرب، جل وعلا، بأفعاله، فلزم من ذلك الجهل العلمي المركب: فساد عملي هو أثره الضروري، على ما تقدم مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن تأثيرا والظاهر تأثرا، فالآية تدل بمسلك التنبيه والإشارة على وجوب إفراد الرب، جل وعلا، بأنواع التوحيد الثلاثة، فالشرع والعقل والحس لها شاهد، فـ: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، فالعقل الصريح قاض بإفراد من له كمال الوصف الذاتي اللازم والوصف الفعلي المتعدي، قاض بإفراده، جل وعلا، بالتوحيد العملي باطنا فلا يخاف ولا يرجى إلا هو، وظاهرا فلا يعبد إلا هو، ولا يعبد إلا بما شرع على ألسنة رسله عليهم السلام، ولا تحكم الأرض إلا بشريعته المنزلة، فـ: (مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا).
وذلك ما يأباه رءوس الضلالة الدينية من أصحاب الديانات الكهنوتية، ورءوس الضلالة الدنيوية من أصحاب الشرائع الأرضية، وفي زماننا بل في كل زمان يبرز مثال الكنيسة والعلمانية، فالتحالف بينهما لحرب أهل الحق تحالف وثيق، وإن كان استراتيجيا مؤقتا، فالرؤى متباينة والأهداف متعارضة، فكلٌ يروم حرب الحق والقضاء عليه، وكلٌ يروم الطغيان، ولكن الأولى تريده دينيا كهنوتيا برسم الأسرار المقدسة التي يردها الشرع والعقل والحس، والثانية تريده دنيويا حكميا برسم الشرائع المبدلة والسياسات الجائرة التي يشهد فساد حال العالم الآن ببطلانها فهي متباينة بتباين عقول من أحدثها، متعارضة فلكلٍ عقل، مضطربة فلا ينفك العقل البشري عن غفلة أو آفة، قاصرة لقصور علوم البشر عن إدراك المغيبات فلا يعلمون إلا الحال والمستقبل القريب تخرصا، فلا يعلمون المستقبل البعيد في هذه الدار، ولا المستقبل الأبدي في دار الجزاء فذلك مما لا يتلقى إلا من مشكاة الوحي الذي فصل القول في الأخبار والأحكام، فلا أصدق من خبره ولا أعدل من حكمه.
ثم جاء التذييل بحال الالهة في دار الجزاء بعد بيان حالها في دار الابتلاء:
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ: فقابل بين دعائهم في أول السياق، والشرك في آخره، فالشرك في الدعاء شرك في العبادة، فـ: "الدُّعَاءَ هُوَ العِبَادَةُ" على جهة القصر بتعريف الجزأين، والتوكيدد بضمير الفصل فهو من أظهر صور العبادة بل هو باعتبار ما يقوم بقلب الداعي من الخشية والرجاء، لب كل عبادة، فلا تكون عبادة إلا بذل وخضوع ورجاء، فالعابد مظنة التذلل لمعبوده، وإلا كان ندا مساويا له.
وإضافة الشرك إلى الضمير مئنة من العموم، فيشمل، كما تقدم، كل صور الشرك الناقض لتوحيد الباطن العلمي والظاهر العملي.
وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ: فهو العليم بدقائق ما يقوم في القلوب من خفي التصورات والنوايا والإرادات، في مقابل حجب غيره عن الاطلاع على تلك الأسرار التي لا يطلع عليها إلا من خلق الصدور الحاوية لها.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[02 - 09 - 2010, 02:19 م]ـ
تقبل الله صيامك وقيامك أخي مهاجرا
جزاك الله خيرا على ما تتحفنا به
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 09 - 2010, 01:32 ص]ـ
وتقبل منك ومن الإخوة الكرام أخي أبا ياسين.(/)
من سورة الأحزاب
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 09 - 2010, 08:42 م]ـ
ومن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا):
فذلك جار على ما تقدم مرارا من تصدير السياق بالتوكيد ففيه مئنة من عظم خطر الحكم الذي صدر به، وجاء المسند إليه على حد الموصولية تعليقا للحكم على المعنى الذي اشتقت منه الصلة وهو أذى الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وجاء المعنى على حد المضارعة مئنة من عموم الحكم للحال والاستقبال، فهو عام في كل من فعل ذلك، أيا كان عصره أو مصره، وعام في كل صور الأذى المادي والمعنوي، فمن آذى الرب، جل وعلا، أو آذى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تصريحا أو تلميحا، وقيس عليه بقية الأنبياء عليهم السلام وإنما اختص عليه الصلاة والسلام بالذكر لأنه خاتمهم فرسالته: الجامعة لعلوم وأعمال رسالاتهم فسبه: سب لهم بداهة، وسبهم: سب له بداهة، فالمنهاج واحد فمن آذى سائرا عليه لأجل سيره فقد آذى بقية السائرين بداهة، ولمسيس الحاجة إلى تقرير الحكم في حقه، فمن فعل ذلك عالما عامدا ولو مستهزئا غير مريد أو معتقد لما يقول فقد كفر كفرا ناقلا عن الملة، كما قرر ذلك جملة من المحققين كابن راهويه من المتقدمين وابن تيمية من المتأخرين.
وأذى الرب، جل وعلا، يكون بسبه وشتمه، فـ: "شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ , وَكَذَبَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ , فَأَمَّا شَتْمُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: إنِّي اتَّخَذْت وَلَدًا وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ , وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي أَوَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إعَادَتِهِ"، فيؤذيه بالطعن في وصفه الذاتي بادعاء الولد له، فالتولد مظنة النقص: حاجة وافتقارا، فيعم هذا المعنى كل من قال بالتولد، فالفلاسفة رواد هذه المقالة الردية فقالوا بتولد هذا العالم من الرب، جل وعلا، تولد المعلول من علته، فجعلوا ذاته، جل وعلا، علة صدور هذا الكون، على حد الاقتران الزماني فالتقدم عندهم: تقدم رتبة لا زمان، والصحيح أن الرب، جل وعلا، متقدم على هذا الكون رتبة فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وزمانا فهو: (الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فله، جل وعلا، أولية الوصف والزمان، فوصفه الأول كمالا فلا يدانيه وصف الخلق، وإن بلغوا من الكمال ما بلغوا، فكمال الرب، جل وعلا، كمال مطلق من كل وجه، فلا يعتريه النقص من أي وجه، فذلك من التلازم العقلي الضروري، فالمتصف بكل كمال مطلق منزه بداهة عن كل نقص، فتلك طريقة الرسل الأبرار في هذا الباب الجليل، فيثبتون ما أثبته الوحي، وينفون ما نفاه، فهم حملة الرسالة التي بينت بأخبارها كمال الرب، جل وعلا، ذاتا وأسماء وصفات وأفعالا، فليس كمثله شيء فيها جميعا، فذلك الحد الشارح للتوحيد العلمي الخبري، فأسماؤه وصفاته نوع، وأفعاله نوع.
فالأول: توحيده في ذاته بأوصاف كماله، فهو الواحد في الذات، الأحد في الصفات، فليس كصفاته صفات، وإن اشتركت في مبانيها ومعانيها الكلية مع صفات البشر من علم وحكمة ..... إلخ، فلا يلزم من ذلك، كما تقدم مرارا، الاشتراك في حقيقة الوصف خارج الذهن، فحقيقة وصف الخالق، جل وعلا، تباين بداهة حقيقة وصف المخلوق، ولذلك امتنع عقلا أن يتولد منه شيء، فكل ما سواه يباينه في الحقيقة، فحقيقة ذات وصفات الخالق، جل وعلا، لا يماثلها أو يشابهها غيرها من حقائق ذوات وصفات المخلوقات، فلا يستوي الأول والحادث، ولو في أصل الوجود، فوجود الرب جل وعلا: واجب، ووجود الحادث: ممكن، ووجود الرب جل وعلا: أزلي، ووجود الحادث من اسمه: حادث، ووجود الرب جل وعلا: باق أبدي فهو الآخر، ووجود الحادث: فان في دار الابتلاء، باق بإبقاء الرب، جل وعلا، له في دار الجزاء فلا ينفك عن افتقار إلى الباقي بذاته، جل وعلا، ليبقيه فيمده بأسباب البقاء ويقطع عنه أسباب الفناء.
(يُتْبَعُ)
(/)
فوحدانية ذاته تمنع بداهة وقوع الشركة في وصف الأولية فهو من أخص أوصاف الربوبية، فلا ذات تقارن ذاته، سواء أكانت العالم بأسره، أو وصفا من أوصافه الذاتية فارق ذاته القدسية، فتجسد في أقنوم حادث: حياة كالروح القدس عليه السلام، أو كلمة كالمسيح عليه السلام، فذلك مما يباين بدائه العقول، فمباينة الوصف الذاتي اللازم للذات الموصوفة به، أو تعليق الوصف الذاتي اللازم على المشيئة، فتجوز مباينته للذات الموصوفة به، فيجوز أن يكون الرب جل وعلا حيا إذا شاء! فيجوز في حقه الموت!، كل أولئك من المحال العقلي الذي لا يرد في كتاب منزل، ولا ينطق به نبي مرسل، فالرسل ما جاءوا إلا لتقرير الخبر الصحيح فلا يعارض بداهة العقل الصريح لاتحاد المصدر، فكلٌ من الرب، جل وعلا، قد بدا، فالكتاب قد بدا منه وصفا فهو كلامه، والعقل قد بدا منه خلقا، واتحاد المصدر مئنة من التوافق فلا تعارض بين نقل سمعي وقياس عقلي كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع سابقة.
فانتفى التولد من ذاته القدسية سواء أكان المولود المزعوم: عينا كالعالم الحادث فتلك مقالة الفلاسفة، أو وصفا تجسد في أقنوم فباين الذات القدسية، وظل مع ذلك وصفا ثابتا لها!، لا للناسوت أو الذات التي حل فيها فهي الأولى بذلك بداهة، لو صح هذا الفرض ابتداء، فالتولد في كلا القولين: مئنة النقص والحاجة، فلا يفتقر إلى الولادة إلا الحادث المولود، فمآله إلى الفناء من الوجود، فيلد ليحفظ نوعه ويبقى نسله من بعده، فما حاجة الأول الآخر إلى ذلك، وهو الأزلي ابتداء الأبدي انتهاء، بل كل حياة ولو حادثة منه صادرة، فله الحياة الكاملة وصف ذات لازم فهو الحي، وله الإحياء وصف فعل متعد إلى خلقه الحساس المتحرك بالحياة التي خلقها فيه فهو المحيي، فحياته معدن كل الحيوات، فمن آثار وصفها المتعدي كانت هذه الكائنات المبثوثة في الأرض وفي السماوات، فـ: (مَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، فعليه، على جهة القصر الحقيقي فما سواه سبب في إيصال الرزق فلا يستقل بتقديره وخلقه، عليه رزقها الكوني بغذاء الأجساد النابت من الأرض، وعليه غذائها الشرعي، إن كانت من أهل التكليف، من الإنس والجان، بغذاء الوحي النازل من السماء.
وإذا انتفى تولد وصف منه، فيباينه ليحل أو يتحد بأقنوم حادث، انتفى من باب أولى حلوله بذاته في ذلك الأقنوم الحادث، فذلك في العقل الصريح أقبح، فيطرأ النقص على ذاته وصفاته جميعا بمخالطة الحادث وامتزاجه بذاته، فيحل الواجب في الممكن، والكامل في الناقص، فيطرأ عليه من نقصه ما ينقض بداهة الأصل الأول من أصول التوحيد العلمي الذي أخبرت به الرسل عليهم السلام، وهو: توحيد الذات والصفات، فلم يعد ثم توحيد بل حصل التشريك بالمخالطة والامتزاج، فاكتسب الخالق من وصف المخلوق نقصا، فذلك جفاء في حق الخالق جل وعلا بتشبيهه بخلقه وتعطيله عن وصف كماله الذي انفرد به فلا يخلو التشبيه بالناقص من إبطال وتعطيل لأوصاف الكامل وذلك من المحال الذاتي الذي لا يتصور العقل حقيقته وإن اقترحه فرضا جدليا محضا، واكتسب المخلوق من وصف الخالق، عز وجل، كمالا ليس له بأهل، فوصف الرب الكامل لا يحتمله المربوب الناقص، ولذلك قَبُحَ وصف المخلوق بصفات الجلال من كبرياء وعظمة فلا تلائم محله الضعيف فإن وردت عليه أفسدته كما هي المتكبرين والمتجبرين في كل عصر ومصر سواء برسم الديانة فهو طواغيت الملل، أو برسم السياسة فهم طواغيت الدول، فذلك غلو في حق المخلوق لا ينفك، أيضا، عن تشبيه لصفاته الحادثة بصفات الرب جل وعلا الذي ليس كمثله شيء، وتعطيل للمخلوق عن حقيقة وصفه الذي فطره الرب، تبارك وتعالى، عليه، فيعطل عن وصفه الملائم لذاته الأرضية الحادثة ويدعى له من أوصاف الرب، جل وعلا، الواجبة، ما يقطع ببطلان مقالات الحلول والاتحاد بأنواعها: العامة والخاصة، ففي مقالة الفلاسفة نوع اتحاد لحصول المقارنة بين ذات الرب، جل وعلا، والعالم الحادث، وفي مقالة الاتحادية العامة: اتحاد صريح بكل ذوات العالم وإن سفلت!، وفي مقالة الاتحادية الخاصة كالنصارى ومن سار على طريقتهم في الغلو
(يُتْبَعُ)
(/)
المقيت في معظم بشري حتى صار محلا ملائما للذات والوصف الرباني!: اتحاد صريح أيضا، ولكنه بمعظم بعينه، وكل ذلك باطل بداهة لمناقضته ضرورات الشرع والعقل والحس القاضية بتفرد الرب، جل وعلا، بوصف الكمال، وامتناع طروء النقص عليه من أي وجه.
وتشبيه المخلوق بالخالق في الوصف الذاتي أو الفعلي: تصريفا أو تشريعا هو سبب الشرك الرئيس كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في "الاستقامة" بقوله: "وأصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده فإنه لم يعدل أحد بالله شيئا من المخلوقات في جميع الأمور فمن عبد غيره أو توكل عليه فهو مشرك به كمن عمد إلى كلام الله الذي أنزله وأمر باستماعه فعدل به سماع بعض الأشعار". اهـ
فعدل وصف كلام الخالق، عز وجل، بوصف كلام المخلوق شعرا أو نثرا.
فلا بد أن يعلم ضرورة انفراد الرب، جل وعلا، بمقام الكمال الذاتي والوصفي، وكمال التدبير الكوني، فذلك حد التوحيد العلمي الخبري، ولا بد أن يتأول المكلف هذه الضرورة العقلية القاضية بانفراد الرب، جل وعلا، بمقام الربوبية، لا بد أن يتأولها في أفعاله، فيتوجه إلى الرب، جل وعلا، وحده بأجناس التأله الباطن والظاهر، فـ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فذيل بالعلة وهي انفراده، جل وعلا، بالربوبية عقيب المعلول وهو وجوب إفراده، تبارك وتعالى، بالألوهية.
والتاني: في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي أَوَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إعَادَتِهِ": توحيده في أفعاله التكوينية، فذلك، كما تقدم، مئنة من ربوبيته العامة، والبعث من آثارها فهو محيي العظام وهي رميم، فـ: (ضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)، ففي الحديث وفي الآية استعمال صحيح لقياس الأولى الصريح فمن خلق ابتداء قادر على الإعادة انتهاء فذلك من البداهة بمكان، فيبعث العباد بكلمة كونية نافذة، ومشيئة ربانية عامة، فـ: (مِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ).
ولازم ذلك، كما تقدم، توحيده بأفعال المكلفين، فهو رب العالمين الموصوف بكمال الذات والصفات، فتلك مقدمة، وهو إله العالمين بشرعه الحاكم فتلك نتيجة.
والإيذاء، لا يضر الرب، جل وعلا، فلا تلحقه معرة السب، بخلاف إيذاء نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد عطف عليه عناية بشأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإيذاؤه إيذاء لمن بعثه، فتعظيم الرسول من تعظيم مرسِله، فمن تعرض له بسب أو انتقاص، فقد سب الرب، جل وعلا، وانتقص من قدره، بداهة، ومع ذلك لا يستويان حكما، فساب الرب، جل وعلا، تقبل توبته، ما لم تتكرر فعلته، فتكرارها مئنة من زندقته، وساب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقتل ردة أو حدا، فلا تنفعه التوبة في أحكام الدنيا، وتنفعه في أحكام الآخرة إن كان صادقا لئلا يقع التلاعب في هذا الباب الذي انتهكت حرماته في زماننا، فمعرة السب تلحقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليس حيا ليعفو عمن سبه، كما عفا عن بعضهم تأليفا للقلوب، وعفا عن آخرين درءا للمفسدة العظمى بالمفسدة الصغرى لئلا يتحدث الناس أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقتل أصحابه وإن لم يكونوا أصحابه اصطلاحا فليس للناس إلا الظاهر، والمنافق من جملة المؤمنين ظاهرا وإن خالفهم باطنا.
ومن إيذائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما ورد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)
(يُتْبَعُ)
(/)
فعفي عنهم لعدم القصد، فذلك عذر يمنع نفاذ الحكم، فلا يتصور بداهة أن الصحابة، رضي الله عنهم، تعمدوا إيذاء النبي في تلك الواقعة، فذلك وصف الكفار لا آحاد المؤمنين فيكف بخير طباقهم في العلم والعمل.
ومن إيذائه ما يكفر فاعله، وقد ذكر التنزيل صورا له تمثيلا للمعنى العام لا حصرا لأفراده، فـ: (مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا)، فعم وصف الإيذاء ثم خص صورة نكاح أزواجه أمهات المؤمنين من بعده لعظم ذلك في حقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخلاف غيره.
فحصل البيان في مواضع أخر من التنزيل، فذلك جار مجرى تأويل آي الكتاب العزيز بآيه، فما أجمل في موضع ورد بيانه في آخر تمثيلا لعام أو تخصيصا له، أو تقييدا لمطلق، أو نسخا لحكم متقدم بآخر متراخ عنه ...... إلخ من صور البيان التي ذكرها أهل الأصول.
والنوعان كما تقدم متلازمان: فلا ينفك تكذيب الرسل عليهم السلام عن قدح في أوصاف الرب السلام، جل وعلا، الذي سلم بداهة من نقص الذات والصفات فلم يرسل الرسل عبثا، وإنما أرسلهم ليعبد وحده، فينتظم أمر العالم بسريان مادة التوحيد في أرجائه، فهي مادة صلاح الدين والدنيا كما تقدم مرارا.
يقول ابن القيم، رحمه الله، في معرض بيان هذا التلازم الوثيق:
""
ومن صور إيذائه خذلان أتباعه بإسلامهم إلى أعدائه ليفتنوهم في الدين الذي بعثه الرب، جل وعلا، به، ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وتلك هي النازلة المفجعة في زماننا، فكيف يدعي محبته واتباعه من يتربص بأوليائه فيكمن لهم ويتآمر مع الكفار الأصليين ضدهم لإيصال أجناس الأذى القولي والبدني لهم، فهل يكفي التصديق المجرد بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: رسول دون أن يشفع بلازمه من عمل القلب ولاء لأتباعه وبراء من أعدائه وعمل اللسان دفاعا عن دينه وعرضه وانتصارا لأوليائه لا سيما إن كانوا مستضعفين يسألون إخوانهم النجدة في زمن لا أنجاد فيه!، وعمل الجوارح دفاعا عن دينه بالسيف والسنان وانتصارا لمن وقع عليه الضيم من الموحدين سواء أكانوا أفرادا أم جماعات، فأهل زماننا منهم من تسلط على جماعات الموحدين بالحصار، وأفرادهم بالخذلان والإسلام إلى الكفار الأصليين، وهو مع ذلك مؤمن كامل الإيمان بل لعله يصير بعد موته وليا أو قطبا!، فلا يدري الجاهل الظالم لنفسه أنه قد وقع في ناقض صريح من نواقض الدين فمظاهرة الكفار على المؤمنين مئنة من انتفاء عمل القلب وإن لم ينتف التصديق المحض، فلا ينفع صاحبه إن لم يشفع بالانقياد والتسليم.
ومن صور الإيذاء:
ما ورد في قوله تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ):
فاجتمع له العذاب المهين في آية الأحزاب فهو مئنة من الألم النفسي، ولا يكون العذاب المهين إلا في حق الكافرين المخلدين في العذاب كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في "الصارم المسلول"، والعذاب الأليم فهو مئنة من الألم الجسدي.
ثم جاء التذييل بالوعيد وهو المسند إلى الاسم الذي تقدم على حد الموصولية مئنة من العموم، كما تقدم، فبعد أن حصل التشويق بذكر العلة التي اشتقت منها جملة الصلة وهي إيذاؤه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بعد أن حصل ذلك جاء التذييل بالمسند، فهو محط الفائدة: (لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا): فذكر الجزاء على جهة الماضوية مئنة من تحقق وقوعه فلعنهم الله فذلك الجزاء المعقول، فاللعن مظنة الطرد والإبعاد ولا يخفى ما فيهما من معاني الزجر، وأعد لهم عذابا مهينا فذلك الجزاء المحسوس.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم جاء التذييل بإيذاء المؤمنين: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) فنص عليه صراحة بعد أن نص عليه تضمنا، فإيذاء أتباع النبي إيذاء له، فلا ينفك بغض الأتباع عن بغض المتبوع، فذلك من التلازم العقلي الوثيق، فمن أبغض متدينا بدين، لأجل دينه الذي ينتحله، فقد أبغض النبي الذي بعث به، إن كان سماويا محفوظا، أو من حرفه إن كان ذا أصل سماوي ثم طرأ عليه التبديل الأرضي، أو من أنشأه إن كان أرضيا حادثا، ففي الديانات تعقد ألوية الولاء والبراء انتصارا للدين وصاحبه، أو انتصارا منه إن كان العاقد مبغضا له كافرا به، ولا يكون ذلك بداهة في دين الأنبياء عليهم السلام: دين التوحيد الذي ما بعث نبي إلا لتقريره، فهو الدين الجامع من لدن آدم عليه السلام إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فأتباع موسى هم أتباع عيسى هم أتباع محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الآن فهم الذين ورثوا زبدة تلك الرسالات من بين فرث ودم ضلال اليهود العملي مع كونهم أصحاب علوم نظرية، وضلال النصارى العملي مع كونهم أصحاب إرادات وقوى وجدانية، فجمع أهل الملة الخاتمة بين الحسنيين فهم أهل العلم والعمل، فلا يقوم الدين إلا بهما، وإلا دخله إحداث أهل الكلام في المقالات العلمية فقد ساروا على الطريقة اليهودية، أو إحداث أهل الطريق في المسالك العملية فقد ساروا على الطريقة النصرانية، فإذا كان الأمر كذلك، فدعوى وحدة الأديان في دين عالمي جامع، برسم الإبراهيمية نسبة إلى الخليل عليه السلام: إمام الموحدين، دعوى باطلة يردها بداهة: انتساب الخليل عليه السلام إلى دين التوحيد الذي ينقض مقالات التثليث والتشريك الحادثة، فالأصل في البشر التوحيد الذي فطر عليه آدم عليه السلام ونزل به إلى دار الابتلاء فهو الخليفة في إقامة الشرع في الأرض توحيدا علميا وتحكيما عمليا، فبعث الأنبياء بالأخبار التوحيدية والأحكام التكليفية، وينقض مقالات الطعن في صفات الرب، جل وعلا، بنسبته إلى البخل، أو السنة، أو النوم، أو اتخاذ الصاحبة والولد، فذلك نقص ذاتي يتنزه عنه الرب العلي، تبارك وتعالى، فكل دين يخالف دين التوحيد الجامع فهو دين محدث باطل، وإن انتسب أصحابه إلى نبي مرسل، فدعوى الانتساب بلسان المقال ينقضها لسان الحال، فكيف يدعي الانتساب إلى ملة سماوية من قد وقع في الشرك الصريح وما بعث الأنبياء عليهم السلام بوحي السماء إلا لنقض بنيانه وهدم أركانه من القلب فلا يرجو ولا يخشى إلا الرب المدبر، جل وعلا، فبيده وحده أسباب النفع والضر، فلا يملكها المسيح عليه السلام ولا الإمام ولا الشيخ ولا الصالح ذو المقام المشيد، ولا الولي ذو الضريح المزين ولا المشرع ذو القياس الفاسد الذي يعارض به حكم الشارع، جل وعلا، فيدعي لعقله كمالا ويدعي للشريعة المنزلة قصورا ونقصانا، ومن اللسان فلا يدعو غير الله، جل وعلا، فـ: (إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، ومن الجوارح فلا تخضع إلا لباريها، جل وعلا، فهو المستحق وحده لأجناس التأله الباطن والظاهر، فلا اجتماع للنبوة مع الشرك، فمن أشرك، ثم ادعى الانتساب إلى نبي مرسل أو كتاب منزل، فدعواه متناقضة في نفسها، فأولها ينقض آخرها فالشرك ينقض التوحيد، وآخرها ينقض أولها فالتوحيد ينقض الشرك، ولذلك كان من عجائب فتاوى زماننا، ما أفتى به أحد المتسولين على موائد الشيطان التي تقام على شرف الوحدة الوطنية!، فزعم أنه لا يحوز للجنب مس الإنجيل والتوراة قياسا على القرآن بجامع التنزيل، فكلها كتب منزلة، وليست تلك العلة الصحيحة في قياس كهذا، فهي كلها منزلة بالنظر إلى أصلها الأول، لا بالنظر إلى وصفها بعد طروء التحريف عليها إلا ما استثني منها بحفظ الرب، جل وعلا، له من الكتاب العزيز فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وكثير من
(يُتْبَعُ)
(/)
نصوص التوراة والإنجيل التي تشهد بالتوحيد الذي نقضوه والنبي الذي أنكروه، فـ: (لَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)، ولا سبيل الآن إلى تمييز المحفوظ منها من المبدل، لتصح الفتوى بتحريم مس الجنب له، فالعلة الصحيحة في هذا الباب، والله أعلم بالصواب، أنه كتاب منزل محفوظ فهو كلام الله، عز وجل، يقينا قطعيا، وليس ذلك وصف التوراة والإنجيل في زماننا، بشهادات علماء أهل الكتاب فضلا عن شهادة التنزيل المحفوظ: (وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)، فأصولها مفقودة وأسانيدها مقطوعة بل معدومة!، فكيف يقاس حكم مسها على حكم مس التنزيل الخاتم الذي حفظت أصوله فنقلت بالتواتر اللفظي والرسمي، فأسانيده قد بلغت حد التواتر الذي يفيد قطعية ثبوتها وصدورها من صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم: صدور البلاغ من المبلِّغ، فـ: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)، فصدرت من الرب، جل وعلا، صدور الوصف، وصدرت من الرسول الملكي صدور الوحي، وصدرت من الرسول البشري صدور البلاغ لكلام الرب، جل وعلا، بألفاظه ومعانيه، فهو كلامه، جل وعلا، مبنى ومعنى.
والشاهد أن الإيذاء للأتباع، كما تقدم، إيذاء للمتبوع، فـ: (الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا): فيؤذونهم في أديانهم بالشبهات والشهوات، ويؤذونهم بالفتنة في الدين ترغيبا وترهيبا، ثم أسرا وقتلا وتنكيلا بضعيف لا يملك دفع الظلم أو رفعه لا سيما بعد تخاذل أهل الإسلام وراثة! عن نجدته بل قد صار كثير منهم حربا عليه! فليتهم كفوا أذاهم عنه، وتشريدا لهارب مستخف بدينه في بعض ديار المسلمين!، وجاء التكرار للموصول في صدر الآية، لطول العهد، وجاءت الصلة، أيضا، مضارعة، مئنة من الحدوث والتجدد فضلا عن حصول العموم المعنوي، فالموصول نص فيه، والحكم قد علق على المعنى الذي اشتقت منه، وهو معنى عام، وإن ورد في سبب نزول الآية أنها نزلت في صور خاصة من الإيذاء لأعيان من المؤمنين فورد أنها نزلت في حادثة الإفك أو إيذاءِ وقع لعلي رضي الله عنه، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، فذلك من قبيل ورود العام على سبب فلا يخصصه، فيعم الحكم كل من توصل إلى إيذائهم بإضمار الشر، أو بالتعدي بالقول أو العمل، وجاء النص على المؤمنات، مع أن الأصل في خطاب التنزيل: العموم فورود صيغ التذكير فيه يجري مجرى التغليب فيعم الرجال والنساء معا إلا لقرينة تخصيص أحد الجنسين بالحكم، جاء النص عليهن لكونهن مظنة الضعف، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فإيذاؤهن أقبح عند أصحاب المروءات، ولو كفارا، من إيذاء الرجال، فالشريف لا يرضى لنفسه بهذه الوصمة فيأبى أن يرتكب هذه الجناية، فكيف إذا كان ذلك مشفوعا بإيذاء صاحبات الديانة بالسب والاستهزاء، وأخيرا بالضرب والإسلام إلى الكافرين!.
وجاء القيد: "بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا": احترازا، فقد يكون إيذاؤهم مشروعا بل واجبا كإيذاء أصحاب الجنايات بالحد والتعزير، فذلك نوع أذى خاص لحفظ المصلحة العامة للجماعة المسلمة بنفي خبيثها وردع فاسقها، وهذا اختيار أبي السعود، رحمه الله، وهو جار على الصورة القياسية للتقييد بالحال فله منطوق يتعلق فيه التحريم بإيذاء المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، ومفهوم يتعلق فيه الجواز وربما الوجوب إذا كان ذلك بجناية اكتسبوها توجب حدا أو تعزيرا، وأما صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، فلم يجعل للكلام مفهوما، فذلك من قبيل الوصف الكاشف كما في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا)، فليس من الإثم والبغي ما هو بحق، وليس من الشركاء ما أنزل الله، جل وعلا، بشركه سلطانا، فذلك منتف بداهة!، فيكون المراد في آية الأحزاب التنفير من إيذاء المؤمنين بإيراد صورته على أقبح صورة يمجها أصحاب الديانات والمروءات، فالإيذاء بغير حق مما ينفر منه كل ذي عقل وجبلة سوية، فضلا عن ديانة صحيحة، فكيف إذا توصل إلى المؤمنين بالأذى، بل إلى المؤمنات المستضعفات، بل كان ذلك لأجل دينهن وإيمانهن!.
فقد احتملوا: فذلك مئنة من الافتعال، ففيه مبالغة في المعنى فرعا عن الزيادة، فاستعير التكلف في الحمل الحسي، استعير لصورة معقولة إمعانا في بيانها في معرض التنفير منها، وزيد من التنفير بالتذييل بـ: (بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)، فنكر البهتان تعظيما وعطف عليه الإثم منكرا بقيد "مبينا" فهو ظاهر القبح لكل ذي لب ومروءة إلا من طمس الله، جل وعلا، على عقله وقلبه ففسد عقله بأن طبع الله، جل وعلا، عليه، فزين له إيذاء أهل الحق بل جوز له ذلك بحجج واهية فجعله من المهام الشريفة فهو يحارب التطرف ويحفظ الأمن ويكافح الاضطهاد الديني!.
والله أعلى وأعلم.(/)
ما الغرض البلاغي من؟؟
ـ[بيلار]ــــــــ[03 - 09 - 2010, 11:16 ص]ـ
ما الدهر الا غمزة وانجلاؤها وشيكا والا ضيقه وانفراجها
ما غرض الاستفهام هنا؟؟
ـ[السراج]ــــــــ[03 - 09 - 2010, 12:10 م]ـ
مرحباً بكِ في الفصيح ..
أظنّ البيتَ للبحتري
لا يحتوي البيت السابق على أسلوب استفهام ..
إنما أسلوب قصْر ..
ـ[بيلار]ــــــــ[03 - 09 - 2010, 09:39 م]ـ
بلا اجى بالامتحان التوظيف
ـ[ناصر الدين الخطيب]ــــــــ[06 - 09 - 2010, 12:35 م]ـ
البيت هكذا:
هل الدهر إلا غمرةٌ وانجلاؤها ... وشيكاً، وإلا ضيقةٌ وانفراجها
والاستفهام هنا يفيد النفي , وهو مع "إلاّ " الملغاة , تفيد القصر كما ذكر أخونا السراج
ومثله قوله تعالى: "هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " أي ما ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله ...
وقوله سبحانه:
"فهل على الرسل إلاّ البلاغ " أي ما على الرسل إلاّ البلاغ
ـ[منتظر]ــــــــ[13 - 09 - 2010, 10:21 ص]ـ
ما الدهر إلا غمزة وانجلاؤها وشيكا وإلا ضيقه وانفراجها ..... هذا البيت فيه قصر كقوله تعالى " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " لكن القصر هنا بالاستفهام والاستثناء؟
هل الدهر إلا غمرةٌ وانجلاؤها ... وشيكاً، وإلا ضيقةٌ وانفراجها ... استفهام لكن هل خرج عن معناه الأصلي إلى معانٍ أخرى؟(/)
الاستفهام في علم البلاغة
ـ[ام عبدالله 77]ــــــــ[03 - 09 - 2010, 04:10 م]ـ
أستاتذتي الكرام ممكن أعرف قولكم في هذا السؤال لكي أتاكد من أجابتي
في البلاغة
للاستفهام في علم البلاغة أنواع، فما نوع الاستفهام في؟
ـ قوله تعالى: ((ألم يعلم بأنَ الله يرى.
ـ قوله تعالى: ((ما الحاقَة)).
ـ قوله تعالى: ((ألم نشرح لك صدرك)).
بانتظار ردودكم
ـ[طالب نجيب]ــــــــ[03 - 09 - 2010, 04:41 م]ـ
ـ قوله تعالى: (ألم يعلم بأنَ الله يرى)، خرج الاستفهام هنا إلى الوعيد.
ـ قوله تعالى: (ما الحاقَة)، خرج إلى التعظيم.
ـ قوله تعالى: (ألم نشرح لك صدرك)، أفاد التقرير والإيجاب.
ـ[عبود]ــــــــ[04 - 09 - 2010, 01:26 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[ام عبدالله 77]ــــــــ[04 - 09 - 2010, 01:34 ص]ـ
بارك الله فيكم
ـ[مبتدئ في النحو]ــــــــ[04 - 09 - 2010, 08:28 م]ـ
بوركت جهودكم استاذنا النجيب(/)
ومن قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 09 - 2010, 01:38 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ):
فأقم وجهك، على حد الإيجاب الملزم، فذلك أول واجب على العبيد، كما تقدم في أكثر من موضع، والإقامة مظنة التوجه ابتداء ثم الثبوت دواما، فذلك من جنس الفرقان بين أداء الصلاة وإقامتها، فأداؤها تسقط به الفريضة، وإقامتها تحصل بها الفضيلة، والخطاب، كما تقدم مرارا، يتوجه ابتداء إلى صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فـ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)، فبذلك أمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك أمرت أمته من بعده، فالخطاب يتوجه إليها بعده لعموم التكليف بأصول الدين وفروعه، فأمة الدعوة مؤمنها وكافرها له تبع، إلا في أحكام تخصه، فالتأسي يكون في الشرع العام لا في الشرع الخاص به صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: "لَا تُوَاصِلُوا قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ إِنَّ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي"، أو في الجبلة التكوينية فلا تتعلق بها أحكام شرعية فليست مناطا لثواب أو عقاب، وإنما يثاب المرء إذا استن به صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أموره الجبلية وعاداته الدنيوية من مأكل ومشرب ..... إلخ، يثاب من جهة التأسي العام فذلك مئنة من وقور محبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القلب، فمن أحب أحدا قلده في هيئته ومشيته وكلامه، بل صارت حركاته عين حركات مقلَّدِه، وذلك أمر ظاهر في زماننا، فكثير من المقلدين يقلدون شموسا بل نجوما في الضلال، فيصير التابع نسخة من المتبوع، فقد رضي لنفسه خطة خسف، فمحا ذاته التي اتحدت بذات مقلَّده، وإن لم يحصل اتحاد بالأبدان، فاتحاد العقول سيادة لعقل وتنح وذوبان لآخر يضمحل فيه عقل المقلد فيصير تابعا خاضعا لسيده الذي استرق عقله وإن لم يسترق بدنه، فلا يرى إلا ما يراه مقلَّده، فلسان حال الآخر: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، وقد رضي المقلدون بذلك السبيل: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ)، فوقع العذاب عليهم أجمعين فالراضي المبايع، ولو بلسان الحال، كالفاعل فهم في وزر العقوبة الشرعية سواء، بل العقوبة الكونية تعم الصالح والطالح فـ: "فِيهِمْ الْمُسْتَنْصِرُ وَالْمَجْنُونُ وَابْنُ السَّبِيلِ فَيَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى، يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نِيَّاتِهِمْ"، فالزعيم أو الرئيس برسم الديانة أو السياسة، وتقليده أشد فتكا من تقليد الفساق، فغالبا ما يزول بعد نضج العقل، وإن ترك آثارا غائرة في عقل وسلوك المقلد، بخلاف تقليد المتصدر برسم: الإمامة الدينية لملة كهنوتية أو مقالة ردية، أو الإمامة السياسية لدولة الظلم والجور التي درست فيها آثار النبوة إلا قليلا، فذلك تقليد لا تزيده الأيام إلا رسوخا فالتابع برسم الدين يظن الخضوع لسلطان الكهنوت طريقا إلى الخلاص!، فيبذل من آدميته ما يبذل لينال تلك الرتبة التي لا تنال إلا برضا كهنة الشر فالأسرار الدينية لا تنال إلا من مشكاتهم، وليس للتابع أن يعترض، فتلك أسرار لا تخضع للمناقشة، بل الإيمان كل الإيمان أن ينحط الإنسان إلى دركة البهائم فيصدق جملة من المحالات العقلية! التي تنقض نواميس الشرع والكون فذلك مئنة من رسوخ إيمانه!، وهل قامت ملة باطلة إلا إن كانت باطنة، وهل تصح مقالة دينية إن كانت سرية لا يعلم حقيقتها، إن كان لها حقيقة فهي محض أوهام، لا يعلم حقيقتها إلا كهنتها!، وذلك فرقان بين دين الأنبياء عليهم السلام، فذلك الدين القيم،
(يُتْبَعُ)
(/)
كما في سياق تال في نفس السورة، فلا أسرار فيه إذ ليس فيه ما يستحى من ذكره علانية، فلسان مقال نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، وليس فيه ما يلجئ صاحبه إلى تكلف تأويل يصير الشريعة واللغة: لعبا!، فلا يشهد لها نقل أو عقل أو لسان أو فطرة سوية تدرك إجمالا كمال ذات وصفات رب البرية، جل وعلا، فتأتي النبوة لتبين هذا المجمل فبها عرف المكلف التوحيد خبرا وإنشاء، فعلم من أخبار الصفات والأفعال ما شهد بعقله وحسه آثاره في الكون مبثوثة، فـ: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، فثبت عنده يقينا وحدانية الرب الخالق المدبر، جل وعلا، في ذاته القدسية، وأحديته في صفاته العلية، فلا يُجري هذا الكون على هذا السنن المتقن إلا رب عليم لطيف خبير، يعلم دقائق الصنعة، فالرب، لا يكون إلا عليما بخلقه علم إحاطة فـ: (عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، فليست علومه كلية مجملة لا يدرك بها الأمور الجزئية المفصلة، كما زعم الفلاسفة، بل شمل علمه المجمل والمفصل، فمن التقدير الكوني: تقدير عام، فهو العام الذي لا أعم منه فـ: "كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلى المَاءِ"، فالمركب الإضافي: "مَقَادِيرَ الخَلائِقِ": من صيغ العموم لأن المضاف إليه معرف كما قرر أهل الأصول، وذلك عموم محفوظ لا مخصص له، ومنه تقدير أخص هو التقدير الميثاقي، ومنه تقدير أخص هو التقدير العمري، فالسنوي، فاليومي، فعلم الكلي المجمل، والجزئي المفصل، فإذ ثبت ذلك عنده: فيلزمه ضرورة شرعية وعقلية أن يقيم وجهه للدين على رسم الحنيفية فيميل عن الشرك إلى ضده من التوحيد، فينبذ أديان الخرافة والحقد التي أسست بنيانها على إبطال النبوات بتكذيب أخبارها ونقض أحكامها التي كثيرا ما تنتسب إليها زورا وبهتانا، فالنبوة لم تدع البشر إلى عبادة البشر برسم الغلو المقيت، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)، وإنما رءوس الضلالة سواء أكانوا رءوسا في الدين الباطل أم في الحكم الجائر، كما تقدم من عموم هذا الأمر للدين والسياسة معا بل كثيرا ما يقع التحالف الآثم بينهما لقهر العباد وإذلالهم فكلٌ يظلم بسلطانه الغاشم، فإنما أولئك هم الذين يدعون أتباعهم إلى عبادتهم بلسان الحال بل بلسان القول والفعل، فيقع بذلك الفرقان ضرورة بين: النبوة التي يقام فيها الوجه للدين الحنيف فترتفع الرءوس الشريفة التي تأبى الخضوع لغير الرب المعبود بحق جل وعلا، والكهنوت الديني والحكم الدنيوي فلا يجتمعان مع نبوة، فإذا جاءت النبوة زهقا ضرورة فـ: (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، فحيث كانت نبوة فثم حرية دينية حقيقية لا وهمية كحريات زماننا التي تبيح الكفر ولا تبيح الإيمان، وحيث كانت نبوة فثم عدل في أحكام الدنيا، فلا تستقيم أمورها إلا في ظلال التنزيل، فذلك، أيضا، من إقامة الوجه للدين الحنيف، فالحنيفية عامة لكل حركة باطنة وظاهرة، لازمة أو متعدية، فردية أو جماعية، محلية أو دولية، فإذا كان أصلها في القلب ثابتا، فـ: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)، ففروعها لا بد أن تؤتي أكلها كل حين، فتؤتي أكلها في أعمال القلب فتصح إراداته، وتؤتي أكلها في أقوال اللسان فلا يشهد إلا بالحق، ولا ينطق إلا بالخير، وتؤتي أكلها
(يُتْبَعُ)
(/)
في أعمال الأركان فلا تتحرك إلا في طاعة الرحمن، وتؤتي أكلها في أحكام الدنيا فيأمن المخالف قبل الموافق، فالعدل معنى عظمته النبوة، بل لا قيام لهذا العالم بغير العدل، سواء أكان ذلك شرعيا أم كونيا، فالعدل في الأجسام مظنة الاعتدال، والميل بزيادة أو نقصان في إفراز أو هرمون مظنة الاعتلال، والعدل في المعاني وسط بين الخلائق المذمومة، وتؤتي أكلها في السلم والحرب، فـ: "اغزُ باسم الله، وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدًا"، فتلك ثمرة عزيزة في الحروب المعاصرة، فلا تجد إلا التشدق بمعاهدات لا يلتزم بها القوي فهي سيف مسلط لاستئصال الضعيف، وتؤتي أكلها في العلائق الدولية، فـ: (إِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)، فلا يجوز الغدر، ولو سنحت فرصته وبردت غنيمته، والشاهد أن إقامة الوجه، وذلك من المجاز عند من يثبته في التنزيل، فيجري مجرى المجاز المرسل الذي علاقته الجزئية، وهو من الحقيقة عند من ينكر المجاز في التنزيل، فالوجه أول ما يتوجه به إلى الشيء فيقام تجاهه، فتلك إقامة الوجه الجسدي الظاهر التي تدل على إقامة الوجه القلبي الباطن فيصير المعنى حقيقيا، وإن كان كنائيا، فكنى عن الخضوع والاستسلام بإقامه الوجه على سبيل الطاعة والامتثال، ولا تمنع تلك الكناية من إرادة الحقيقة فالوجه، كما تقدم، أول الأعضاء توجها للأمر وانفعالا له بقبول أو رد، فيظهر ذلك لزوما على قسمات الوجه، وهو من جهة أخرى أشرف الأعضاء فخص بالذكر مئنة من كمال الخضوع والانقياد لخبر الشارع تصديقا وحكمه تأويلا بامتثال المأمور واجتناب المحظور، فإذا أقيم الوجه فهو مرآة القلب، فعليه تظهر حركات الباطن، كما تقدم، مهما اجتهد صاحبها في إخفائها، فـ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).
و:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ******* وإن خالها تخفى على الناس تعلم
فإذا أقيم أقيمت سائر الجوارح تبعا، فقيامها ثابت من باب أولى، فإذا خضع الأعلى خضع الأدنى تبعا، فتعمر الجوارح بصنوف الأعمال التي تشهد لما قام بالقلب من الإرادات وعلى الوجه من آثارها، فتخلفها محال مع كمال الإرادة الباطنة والقدرة الظاهرة.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا: فالحنيفية قيد فارق، فهي حال مقيدة، فلا تجزئ عبادة الله، عز وجل، إن أشرك العبد معه غيره فيها ولو كان العمل في أصله مشروعا ونية فاعله صادقة، فلا بد من تجريده للرب، جل وعلا، وقد يقال بأنها كاشفة فإقامة الدين لله، عز وجل، يلزم منها بداهة صرفه عن بقية الأديان، فـ: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فالكافر بالطاغوت قد عدل عن عبادته إلى عبادة الله، عز وجل، فهما نقيضان لا يجتمعان في قلب ولا يرتفعان، فلا بد أن يتحرك القلب بإرادة التأله لمعبود، فإما أن يسلك سبيل الأنبياء عليهم السلام فيصير من الحنفاء الذين مالوا إلى طريق الهدى وشرعة الحق، وإما أن يسلك سبيل أعدائهم ممن مالوا عن سبيل الحق إلى سبل وأودية الباطل فما أكثرها وما أبطلها بوقوع التناقض الظاهر في مقرراتها فـ: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، والإحداث في الديانة ولو بترك بعض أحكامها مظنة الفتنة: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، والفرقة فـ: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
(يُتْبَعُ)
(/)
فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ: فذلك مما يجري مجرى التذييل بوصف كاشف عن كنه الحنيفية التي تقدم ذكرها، فيكون من باب الحذف لما دل عليه السياق اقتضاء، فقد انقدح في ذهن السامع السؤال عن حقيقة الحنيفية، فما تلك الحنيفية التي جاء الأمر بلزومها؟!، أو هو جار مجرى النصب على الإغراء، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، فيكون تقدير الكلام: الزموا فطرة الله، أو عليكم فطرة الله، فهي سبيل النجاة، فالتوحيد أصل في كل قول أو عمل، إرادة أو حركة، فلا يقبل الرب، جل وعلا، من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه موافقا لسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإضافة الفطرة إلى الله، عز وجل، من إضافة التنويه بها والتعظيم لشأنها، فإما أن تجري مجرى:
إضافة الصفة إلى الموصوف: فعظمتها من عظمته، جل وعلا، فهي من أوصافه الفعلية التي تتعلق بمشيئته الربانية، فوصفه في التنزيل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فذلك من قبيل التسمية المقيدة، فلا يجري اسم الفاطر مجرى الأسماء الحسنى المطلقة لوروده مقيدا في باب توقيفي في إطلاقه وتقييده، فما أطلق منه بقي على إطلاقه، وما قيد فلا يطلق عليه، جل وعلا، إلا مقيدا.
والفطر مئنة من إيجاد الشيء لا على مثال سابق، فهو يرادف اسم البديع من هذا الوجه، فالبديع هو الذي بدع الشيء فلا نظير سابق له، وهو ما ورد أيضا في التنزيل مقيدا بالإضافة إلى المبدَع، فوصفه، جل وعلا، في التنزيل: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فيجري، أيضا، مجرى الأسماء المقيدة، ففي الفطر والإبداع معنى زائد على الخلق المجرد، فالخلق تقديرا وإيجادا يصح في الأذهان أن يكون على مثال سابق، كما هي الحال في العالم المشهود، فيخلق الرب، جل وعلا، بقدرته وحكمته، نسلا من الكائنات يشبه الآباء، فخلقه على مثال سابق، فالشبه بين الوالد وولده ظاهر، وإن اقتضت السنة الربانية أن يستقل كل كائن بقدر يباين به غيره، فلا بد من سمة تميزه، فحصل الاشتراك من وجه عام وهو أصل الخلقة، وحصل الافتراق من وجه خاص وهو الهيئة المخصوصة لكل مخلوق، والشاهد أن الفطر آكد في الدلالة على القدرة والحكمة والإتقان، فإذا ثبت أنه، جل وعلا، هو فاطر هذا الكون لا على مثال سابق، فهو الخالق لأعيانه، من باب أولى، فمن قدر على الإيجاد لا على مثال سابق قادر بقياس الأولى الصريح على الإيجاد على مثال سابق. فالرب، جل وعلا هو الذي فطر الأجرام والأعيان على السنة الكونية النافذة، وفطر القلوب على الفطرة الشرعية الحاكمة، فـ: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ويمجسانه وينصرانه" فلم يقل: أو يسلمانه فهو مسلم بفطرته، ففطرته: كونية قدرية للأبدان، وشرعية إيمانية للقلوب، وفطرته باطنة بالتوحيد، فهو سنة الفطرة القلبية، وظاهرة بسنن الفطرة الظاهرة كالاختتان، وهو فرقان بين عباد الرحمن وعبيد الصلبان والأوثان، والاستحداد ....... إلخ من سنن الفطرة، فمعنى الفطرة جامع للكون والشرع، والباطن والظاهر، فمنه فطر معقول للقلوب، ومنه فطر محسوس للأبدان، والمراد في هذه الآية: الفطرة الدينية المعقولة لقرينة السياق: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)، فالتوحيد هو الفطرة الأولى التي فطرت عليها القلوب، وهي أثر الميثاق الباقي فـ: (إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)، فقد ركزت في قلب كل مولود حتى يرد عليها ما يكدرها من أوضار التشريك والتثليث ..... إلخ، ولها بعث الرسل عليهم السلام، فأثرها الباقي من الميثاق: أثر مجمل يفتقر إلى بيان النبوة، وكثيرا ما يرد عليها ما يكدرها، فلا يذهب عينه وأثره إلا التطهير بالوحي فهو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، فلا يرد على محل تنجس بشرك أو بدعة إلا طهره وأذهب ما علق به من قذر المقالات الحادثة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإما أن تجري مجرى إضافة المخلوق إلى خالقه: بالنظر إلى أثر فعل الرب، جل وعلا، في باطن العبد وظاهره، فهو الذي خلق العلم والإيمان في قلبه، فعلم العبد وإيمانه مخلوق، وإن كان في ذلك نوع إجمال يحسن معه الاحتراز فمن جملة العلم والإيمان: شهادة التوحيد، وهي بالنظر إلى ذاتها: غير مخلوقة بداهة، فهي مما ورد في التنزيل وهو من كلام الرب الخالق، جل وعلا، وكلامه من وصفه، ووصف الخالق غير مخلوق بداهة، وبالنظر إلى نطقها: مخلوقة، فهو حركة لسان واندفاع هواء، وهو الذي خلق التناسب والاعتدال في بدنه، ففطر الرب، جل وعلا، للعبد: فطر عام يشمل كل معقولاته القلبية ومحسوساته البدنية، فهو الذي قدر وأوجد حركاته الباطنة والظاهرة، ففطره على أكمل هيئة، وخلقه في أحسن تقويم، وركبه في أجمل صورة، وكل ذلك مئنة من العناية العامة، ففطرة التوحيد قد ركزت في قلب كل مولود وإن كان أبواه كافرين، وفطرة الأبدان على أكمل الهيئات مما يستوي فيه البشر جميعا مؤمنهم وكافرهم، بل ربما زاد الكافر في جمال الخلقة الظاهرة على المؤمن، كما هي الحال في عالم الشهادة، وذلك من كمال عدله، جل وعلا، فقد عجل له بحظه من الرحمات، فكلها رحمات عارضة زائلة، فمآل الجمال الظاهر في الدنيا إلى الزوال بهرم وموت وبلى، فيوفى أجره في الدنيا، ثم هو في الاخرة من أهل: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا).
والفطرة من جهة المبنى اللفظي: اسم هيئة يدل على كمال رسوخ الملكة في الشيء، فالفطرة مركوزة في النفوس، فالتوحيد ضرورة فطرية عظمى، قبل أن يكون ضرورة شرعية ببعث الرسل، عليهم السلام، وضرورة عقلية فالعقل الصريح يدل بداهة على وحدانية الرب، جل وعلا، في وصفه وفعله، فيتوجه إليه الإنسان بالتأله ولو مجملا حتى يرد بيان الرسالات، فـ: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)، فكانوا أمة واحدة على التوحيد، ثم طرأ عليه التبديل، فبعث الله، عز وجل، الرسل، عليهم السلام، مبشرين ومنذرين.
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا: ففطر المؤمن والكافر عليها، كما تقدم، فالاستغراق الجنسي لـ: "أل" في "الناس" على بابه.
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ: فلا تبديل لخلقه الكوني، فما ثم قلب قد فطر على الشرك، بل كل القلوب على التوحيد قد فطرت فذلك من العام المحفوظ فلا مخصص له، أو يكون ذلك من الخبر الذي أريد به الإنشاء فيؤول المعنى إلى: لا تبدلوا خلق الله الكوني بانحراف ظاهر، ولا تبدلوا خلقه الشرعي بانحراف باطن.
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ: فهو مستو لا اعوجاج فيه، وصيغة "القيم": مئنة من المبالغة في وصف الاستقامة كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ: لفساد تصورهم العلمي، فقد أفسدت مادة الشرك العارضة فطرة التوحيد الأولى.
وإقامة الدين برسم الحنيفية لازمه البراءة من الشرك وأهله، فذلك من بيان الشيء أمرا بالنهي عن ضده فـ: (أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وإن كان الشرك في حقه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، محالا ذاتيا، فذلك، كما تقدم في مواضع سابقة، من خطاب الشرع العام ببيان مقادير الأعمال إما أمرا ونهيا، أو جزاء بثواب أو عقاب، فالخطاب له مواجهة ولأمته حقيقة فمنهم من يقع في الشرك فيصير النهي في حقه على بابه.
فقوله تعالى: (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ): من الإنشاء، ومن الخبر: خبر الخليل عليه السلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
فلم يك من المشركين فحذف آخر فعل الكينونة الماضي إمعانا في التعجيل بنفي ضد الحنيفية التوحيدية عن إمام الموحدين صلى الله عليه وسلم فمن غيره أحق بذلك، وقوله: "ولم يك من المشركين": أبلغ من النفي من قولك في غير التنزيل: ولم يكن مشركا.
وفي سياق تال من سورة الروم:
(يُتْبَعُ)
(/)
قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ): فذلك، أيضا، من الإطناب بتكرار الأمر، فأقم وجهك للدين القيم في دار الابتلاء من قبل أن يأتي يوم الجزاء فهو يوم أطنب في وصفه بالجملة: "لا مرد له" فهو من القضاء الكوني النافذ، فلا مرد له فذلك من العموم بتسلط النفي على النكرة فلا راد لقضاء الله، جل وعلا، الكوني النافذ، أيا كان، فـ: (اللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، وبشبه الجملة: "من الله"، فذلك وجه امتناع الراد له، فهو، كما تقدم، من عند الله، عز وجل، قدرا كونيا نافذا، فـ: "من" لابتداء الغاية، وهي هنا: غاية كونية، فذلك يوم ابتداء غايته من الله، عز وجل، كونا، فإذا شاء أن تزول الدنيا وتقوم الساعة قطع ذكره من الأرض، فلا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله! الله!، ثم جاء الوصف الثالث على جهة الفصل: فـ: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ: فذلك: (يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، وهو ما تقدم بيانه في نفس السورة في قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فيكون مجمل التصدع الذي ذيلت به الآية قد ورد بيانه في أكثر من موضع في التنزيل، على ما اطرد في التنزيل من بيان بعضه لبعض، فما أجمل في موضع بُيِّن في آخر، فالخلق في دار الجزاء ينقسمون فأصحاب جنة فازوا وإن كابدوا الآلام في دار الابتلاء، فذلك ثمن السلعة الغالية، وأصحاب نار خسروا وإن عالجوا أجناس النعيم في دار الزوال، فليس لهم إلا ذلك العرض الخسيس الذي يلائم خسة نفوسهم ودنو هممهم وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
والله أعلى وأعلم.(/)
ما نوع الاستعارة
ـ[عبود]ــــــــ[06 - 09 - 2010, 09:22 م]ـ
كاتب حاسب أديب خطيب------ناصح راجح على النصاح
أليس المشبه هنا محذوف والمشبه به كاتب حاسب أديب خطيب ناصح
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[06 - 09 - 2010, 10:39 م]ـ
أخي الكريم: عبود
كل عام وأنت بخير أولا
أما بالنسبة للكلمات التي عرضتها فهي كلمات على وزن فعيل أو فاعل (خطيب , كاتب .... ) وهذه ليست مجاز مرسل أو مجاز استعارة.!!
هي مجرد مفردات بجوار بعضها البعض , في حين المجاز أسلوب أدبي يظهر في الكلام البليغ والنصوص الأدبية أو الجمل البيانية. أما ماأراه هنا فهو مجرد كلمات وليست جمل متكاملة!
تقديري
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[07 - 09 - 2010, 12:35 ص]ـ
كاتب حاسب أديب خطيب------ناصح راجح على النصاح
أليس المشبه هنا محذوف والمشبه به كاتب حاسب أديب خطيب ناصح
ليست من باب التشبيه، وإنما هي صفات لموصوفٍ محذوف، يمكن تقديره بـ (هو)،
ويدخل في البلاغة (علم المعاني) تحت باب الإسناد (حذف المسند إليه).
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[07 - 09 - 2010, 12:58 ص]ـ
بارك الله فيكِ أختي العقد الفريد
إجابة شافية وافية
وهذه الصفات ضمن بيت شعري كما أخبرني أخي محمد الجبلي لأبان اللاحقي
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[07 - 09 - 2010, 05:44 ص]ـ
بارك الله فيكِ أختي العقد الفريد
وفيكِ.
وهذه الصفات ضمن بيت شعري كما أخبرني أخي محمد الجبلي لأبان اللاحقي
لأبان؟
كنت أظنها محاولة من نظم السائل!:)
:
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[07 - 09 - 2010, 06:10 ص]ـ
بارك الله فيكم أستاذ / مُحمَّد الجبلي.
البيت من بحر: (الخفيف) < (عندما تخبن تفعيلته الثانية).:)
(من ملفكم).
ـ[عبود]ــــــــ[07 - 09 - 2010, 07:14 ص]ـ
جزاكم الله خيرا نعم هذه الأبيات لأبان أنا رأيت أن المبتدأ محذوف تقديره هو أي هو كاتب فهو مسند اليه كاتب مسند(/)
من قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 12:36 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا):
فذلك من القصر الحقيقي بالنظر إلى حال المرسلين عليهم السلام فما منهم من أحد إلا وكان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، على حد المضارعة استحضارا للصورة إمعانا في تقرير بشريتهم، فالرسول بشر كالبشر، وإن أوتي من الخصائص الجسدية الجبلية ما زاد به عن عامة البشر لمكان التكليف بالرسالة فلا يقوى على ذلك إلا من اصطفاه الرب، جل وعلا، فخصه بملكات عقلية وجسدية، والبسطة في العقل والجسد مظنة الرياسة فذلك جواب نبي بني إسرائيل في معرض بعث طالوت برسم الملك، فـ: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)، فأجمل الاصطفاء ثم بين مفرداته من الزيادة في القوة العقلية والقوة الجسدية، ولكن تلك الملكات وإن كانت جبلة في عقول وأبدان المرسلين عليهم السلام إلا أنها ليست سبب الاصطفاء لمقام النبوة، بل هي من تهيئة الرب، جل وعلا، للمحال التي اصطفاها فلم تصل إلى تلك المرتبة برياضة أو خلوة، كما يزعم من يزعم من المخرفين الذين جوزوا اكتساب النبوة، فجعلوها ملكة ترسخ في النفوس بالدربة، فالاصطفاء فضل محض من الرب، جل وعلا، فلا ينال بكسب أو تهذيب أو فتوة، كما ذكر ذلك السفاريني، رحمه الله، في عقيدته المعروفة، بخلاف بقية المناصب التي تنال بالدربة، فالعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ولا يخلو ذلك، أيضا، من نوع اصطفاء، فإن المحل إن لم يكن زكيا ابتداء لم يقبل ما يرد عليه من آثار التهذيب الشرعي، فالوحي معدن كل تزكية حقيقية للنفوس بنفي خبثها تخلية، وصقل جوهرها بأعمال الشريعة وأخلاق الفضيلة تحلية. ولكن ذلك اصطفاء جزئي بخلق أو ملكة يتصور وقوع الشركة فيها بين عموم البشر بخلاف الاصطفاء لمقام النبوة، فهو اصطفاء كلي بمنصب لا يتصور فيه وقوع الشركة العامة فلا يصطفي الرب، جل وعلا، له إلا آحادا من خلقه.
وهو من قصر القلب في معرض نقض مقالات من غلا في الأنبياء عليهم السلام، والغلو خلق أصيل في النفس، وعامة الخلاف في أمور الديانة إنما يقع من الغلو في الأفاضل سواء أكان ذلك خلافا في أصول الديانة، فذلك أعظم خلاف، وبه يقع التدافع بين أصحاب الملل، كما هي الحال في زماننا وكل زمان، فلا بد أن تظهر آثار حكمة الرب، جل وعلا، في تدافع أصحاب المقالات، فبعض يوحده ويحسن الثناء عليه، وبعض يشرك به بشرا أو حجرا غلوا فيه، وغلو عباد الصليب في المسيح عليه السلام خير شاهد على ذلك، وتعصبهم المقيت الذي نرى كثيرا من صوره في هذه الأعصار في ظل انحسار دولة النبوة جزاء وفاقا لمن قعد عن إظهار الحق، فعلا الباطل ضرورة، فذلك مقتضى سنة التدافع، ذلك الغلو المقيت في بشر قال عن نفسه: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)، وقال عنه ربه جل وعلا: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)، ذلك الغلو هو سبب ذلك الشرك الذي نقض أصحابه النقل والعقل بل والحس والفطرة جميعا، فلا مستند لمقالة الصلب والتثليث إلا أديان الكهان والرهبان السرية التي لا يحق لأحد الاطلاع على أسرارها فهي حكر على طائفة بعينها تسوم أتباعها خطة الخسف بتسفيه العقول حتى تطمئن بالخرافة التي تنقض قياس العقل نقضا، وليس ذلك بدين المرسلين عليهم السلام الذي جاء بنقل صريح يوافق ما ركب الرب، جل وعلا، في المكلف من عقل صريح، فلا يرضى بهذه المقالة إلا من سفه نفسه، وأما الحر فلا يطيق قيد الخرافة التي تحجر على عقله برسم الخلاص ودخول الملكوت، فلا يرضى الشريف بمرتبة المقلد التابع، فما خلق إلا لينظر ويختار فـ: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، فلا يختار له غيره برسم الجبر، فليس من أهل: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ)،
(يُتْبَعُ)
(/)
وقل مثل ذلك في غلو من يغلو في الأئمة والصالحين، فذلك من الغلو في النِّحل، وقد يصير في أحيان كثيرة أشد مقتا من الغلو في الملل، فأهل البدع المغلظة يستحلون دم المخالف برسم الديانة، ولعل ما وقع في أرض الرافدين من خيانة بتمكين اليهود والنصارى منها، ثم التعاون معهم لاستئصال أهل الحق قتلا وتهجيرا، لعل ذلك خير شاهد على ذلك الغلو المقيت، وإن انتسب كلاهما إلى قبلة واحدة، وقل مثله، أيضا، في الغلو في أصحاب المذاهب الفقهية، فالتقليد في الفروع وإن كان أخف وطأة إلا أن قصص الغلو فيه مما يتندر به أصحاب المذاهب، وما ذلك أيضا إلا فرع عن الغلو في صاحب المذهب حتى صار قوله حجة بنفسه وليس ذلك إلا إلى صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيستدل بقوله فهو أصل بنفسه كما قرر ذلك أهل الأصول، وتلك حجة الشافعي، رحمه الله، في تقديم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قول الصحابي، فالأول أصل، والثاني: فرع، ولا يعارض الأصل بفرع، وأما غيره فيستدل لقوله، وما نشأ الخلاف والتعصب في الديانة وهو أشد أنواع الخلاف ما نشأ، كما تقدم، إلا عن ذلك الغلو المقيت، ولذلك حسن إيراد القصر في معرض نقضه بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء، وجاء التقييد بالحال مؤكدا بالناسخ واللام في خبره، وذلك من جنس القصر في قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، في معرض تقرير بشرية المسيح عليه السلام، فما هو إلا رسول كغيره من رسل الله، عز وجل، وإن كان من خيرتهم فهو من أولي العزم، عليهم السلام، إلا أن ذلك لا يخرجه عن طوره البشري إلى طور لاهوتي مزعوم تتحد فيه الذات الإلهية أو وصف من أوصافها العلية بكائن حادث بعد أن لم يكن، فذلك من جنس من قال بحلول كلام الباري، عز وجل، في أعيان مخلوقة، كالشجرة التي كلمت موسى عليه السلام، وهل تقول شجرة: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)؟!، ولازم ذلك ما سبقت الإشارة إليه مرارا من طروء النقص على الرب ذي الجلال والإكرام، تبارك وتعالى، أو طروء النقص على وصفه، فالحلول في الحادث أو الاتحاد به مظنة الامتزاج بذاته الحادثة فيكتسب الممتزج بها من أعراض النقص المركوزة فيها ما لا يليق وصف الرب، جل وعلا، به بداهة، لو كان ثم عقل فضلا عن ديانة!، فالفناء مآل كل حادث، والرب، جل وعلا، هو الأول والآخر بذاته القدسية وصفاته العلية، فاختلاط الأزلي الأبدي بحادث فان نقص لا يليق به، فذلك فرقان بين وصف الرب ووصف العبد، فلا يختلطان لتناقضهما فالأول ضده الحادث، فليس ثم إلا خالق أول ومخلوق حادث، فيباين الخالق، جل وعلا، المخلوق في الذات والصفات، فهو، جل وعلا، العلي البائن من خلقه بالذات والصفات، المستوي على عرشه فله علو الذات وعلو الصفات شأنا وقهرا، جمالا وجلالا، فهو الكريم فلا أكرم منه، ولا كريم يدانيه في كرمه، وهو الجبار فلا جبار يقاومه، فانفرد بكمال الجبروت، فليس ذلك لأحد من خلقه وإن عتا وتجبر فهو داخل في حد الوعيد في قول الجبار المتكبر جل وعلا: "الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ".
والشاهد أن الرسل بشر كالبشر يعرض لهم ما يعرض لعامة البشر من عوارض النقص الجبلية فيأكلون ويشربون ويحدثون وينامون ويتزوجون، وذلك وإن كان كمالا في حق المخلوق إلا أنه مما تنزه عنه الخالق عز وجل فهو كمال مقيد لا ينفك عن الحاجة والافتقار، ويمرضون مرض البدن لا مرض العقل لمكان العصمة، فقد سحر جسد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يسحر عقله، ودست له زينب بنت الحارث السم في كتف الشاة فوجد ألمه في بدنه لا في عقله، فعصمتهم: عصمة بلاغ فلا يسلمون كعامة البشر من العوارض الكونية الطارئة، وإن كان لهم من مظاهر الحفظ الرباني ما ليس لغيرهم فلهم المعية الخاصة وليست لغيرهم فـ: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) في معرض الرد
(يُتْبَعُ)
(/)
على قولهما: (رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى)، فنهى إيجابا وإرشادا فذلك من مزيد العناية بهم، فـ: (لَا تَخَافَا)، فذلك من جنس الأمر في قوله تعالى: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، ففيه، أيضا، من الإرشاد والعناية برفيق الغار، رضي الله عنه، ما فيه، ثم ذيل عقيب النهي بعلته ليكون أرسخ في النفس وأسرع إلى الامتثال والقبول: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، و: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، فتلك المعية الخاصة لآحاد الرسل والصالحين فبها يزول الخوف من القلب، فالطمأنينة لا تنال إلا بذكر الرب، جل وعلا، فإذا ذكر العبد ربه، جل وعلا، ذكره، تبارك وتعالى، فحصلت له المعية الخاصة بدوام الذكر والاستغفار، وهي تتفاوت بتفاوت الأعيان، فليست المعية الخاصة الحاصلة للرسل عليهم السلام كالمعية الخاصة الحاصلة لغيرهم، بل ليست المعية الخاصة الحاصلة لرسول كالمعية الخاصة الحاصلة لرسول آخر، وإن كانا جميعا من المصطفين الأخيار، بل تتفاوت بتفاوت الأحوال فبدوام الذكر يقوى أثر هذه المعية في قلب العبد، وبفتوره تضعف آثارها في القلب، وهم مع طروء عوارض المرض والألم عليهم إلا أنهم منزهون عن الأمراض المنفرة لمكان التبليغ فهم قبل الرسالة: أحسن الناس خَلقا وخُلُقا، فالمحال الباطنة والظاهرة زكية ابتداء، فاصطفاها الرب، جل وعلا، بكلماته الشرعيات فزادها زكاء على زكائها، فكانت مصطفاة بموجب الطبع، فإذا هي بعد الرسالة مصطفاة بموجب الشرع، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل عظيم قبل الرسالة قد شهد بعظمته البشرية القاصي والداني، العدو والصديق، فإذا به بعد اصطفاء الرب، جل وعلا، بالرسالة الخاتمة قد صار خير البرية فهو سيد ولد آدم ولا فخر، وذلك أمر يقع، أيضا، لغيرهم، ولكنهم ليسوا كالأنبياء بداهة، فرتبة النبوة لا مطمع في دركها بعلم أو عمل، فالجاهل قد يتعلم فيكمل بعد نقصان، ولكن كماله لا يبلغ درجة كمال النبوة، فرسمها العصمة، وليست تلك السمة مما ينال، كما تقدم، بكسب أو تهذيب، بل هي فضل محض من رب العبيد، جل وعلا، يظهر بوضعه في المحال الملائمة له التي أوجدها الرب، جل وعلا، ابتداء، وأعدها لتلقي الوحي على غير عهد أو رجاء سابق فـ: (مَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ)، فتلك رحمة النبوة، وأمدها به، فـ: (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ)، فيلقي الروح الملكي بالروح الشرعي، فروح القدس ينزل بروح الخبر والأمر الشرعي، فـ: (كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فيظهر بكل ذلك كمال حكمة الرب، جل وعلا، الذي اختار تلك المحال الزكية دون سائر المحال البشرية لينزل عليها كلماته الشرعية من أخبار غيبية وأحكام تكليفية، فيحصل بتصديق الأولى وامتثال الثانية انتظام أمر العبد في نفسه، وانتظام أمر العالم، فالنبوة صلاح خاص وعام، للدين إقامة: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، وللدنيا عمارة فـ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، والشاهد أن لأولئك السادة ما ليس لغيرهم من الفضائل الكونية بكمال الباطن والظاهر، والفضائل الشرعية فهم أعلم الناس بالرب، جل وعلا، وأنصحهم لخلقه، وأبينهم لحجته الرسالية، فبعثوا برسم البشارة والنذارة: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).
(يُتْبَعُ)
(/)
فالتنزيل قد توسط في أمر أولئك السادة فلم يغل فيهم غلو النصارى في المسيح عليه السلام، ولم يجف في حقهم جفاء يهود قتلة الأنبياء عليهم السلام، فأثبت لهم ما يليق بهم من صفات الكمال البشري، ونفى عنهم ما لا يليق بهم من صفات الرب، جل وعلا، فذلك إفراط برسم الغلو المذموم، ونفى عنهم، أيضا، ما لا يليق بآحاد المؤمنين من كبائر وفواحش مغلظة افتراها يهود على الأنبياء عليهم السلام كما في العهد القديم فهو طافح بجرائم يستحى من ذكرها فضلا عن نسبتها إلى خير البرية!.
والإرسال في هذه الآية من الإرسال الشرعي، فهو من جنس البعث الشرعي في نحو قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، فالمادتان تقبلان الانقسام، فمنهما الشرعي، كما تقدم، ومنهما الكوني كما في قوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ)، و: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) فذلك البعث الرباني ليوم الحشر فهو من الأمر الكوني النافذ، وكلٌ قد صدر من الرب العلي، تبارك وتعالى، والنبوة من أعظم أدلة العناية الربانية الخاصة في حق النبي، والعامة في حق من أرسل إليهم، فحسن لذلك نسبتها إلى ضمير الفاعلين فهو مئنة من عظمة المنعم بها، جل وعلا، ونسبتها إليه مئنة من عظمتها، فالنسبة إلى العظيم: تعظيم، ولا أعظم من نعمة النبوة: مادة صلاح الدين والدنيا، فآثارها تعم كل عصر ومصر، وآثارها تعم الفرد تزكية لباطنه بأجناس العلوم النافعة، وظاهره بأجناس الأعمال الصالحة، وتعم الجماعة فصلاح الأفراد صلاح للجماعة بداهة فهم لبناتها، فإذا صحت اللبنات: صح البناء، فصلاح الأجزاء صلاح للكل، وإذا صلحت الجماعة صلحت الدنيا فلن تجد من آثارهم إلا ما ينفع البشر في السلم أو الحرب، فسلمهم ليس كسلم غيرهم، فسلمهم عمارة للأرض بلا تعلق بزينة فانية، فقيمة الآخرة في أذهانهم ماثلة، وسلم غيرهم: ترف، فـ: (إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، وحربهم ليست كحرب غيرهم، فحربهم حرب: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من حمر النعم"، فبعث صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسيف النبوة العادل ليعبد الله، عز وجل، وحده، فتكون الدولة: دولة النبوة الكاملة والخلافة الراشدة، فلا خلافة مرضية إلا باقتفاء آثار النبوة، وحرب غيرهم: تخريب وإفناء للنوع الإنساني، وإن تمسح أصحابها بشعارات الدين أو العرق أو القبيلة أو الوطن ..... إلخ من الرايات العمية التي أبطلها الدين الخاتم، فـ: "من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية"، و: "دعوها فإنها منتنة".
وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا:
فذلك من الجعل الكوني النافذ، فحصلت الفتنة بالقضاء التكويني الذي يتعلق بالمشيئة الربانية العامة، ونفاذ القضاء يلائمه التعظيم بنسبة فعل الجعل إلى ضمير الفاعلين وهو مظنة الخلق والتقدير، إن تعدى إلى مفعول واحد، في نحو قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)، والتصيير إن تعدى إلى مفعولين، كما في هذه الآية، فصير الرب، تبارك وتعالى، بعض البشر فتنة لبعض، فجعل المؤمن المستضعف، كما هي حال زماننا، فتنة للكافر والمنافق، فتلك نازلة عظيمة أصابت أهل الإسلام بل أهل المروءات في مقتل لا سيما إن كان المستضعف امرأة قد اجتمع لها ضعف الجبلة فهو ضعف خاص في نفسها، وضعف أهل الإيمان فهو ضعف عام في الأعصار التي تنحسر فيها النبوة تضييقا وتغييبا ومع ذلك: قد اجتمع لكثير منهن من قوة الإيمان ومتانة الديانة ما فقن به كثيرا من الرجال بل قد أخجلن الفحول بثباتهن، وجعل الكافر فتنة للمؤمن ليجالده، فتلك سنة التدافع الكونية، فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، فإذا كانت الدولة للكافرين حينا، فلأهل الحق من وسائل الدفع المشروعة ما يرفعون به
(يُتْبَعُ)
(/)
الظلم، ولو دفاعا عن النفس، وإذا كانت الدولة للمؤمنين فلن تجد إلا العدل المفقود في زماننا، فلهم من وسائل الطلب لأهل الباطل ما يرفعون به الظلم عن الأمم التي تساس بغير النبوة، والضعف المؤقت لا يدوم، فالشدة بتراء لا دوام لها، وتلك سنة كونية فليس ثم بقاء إلا للآخر الواحد القهار، جل وعلا، فـ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)، فبعد الضعف قوة ترفع الظلم وتحكم الأرض برسم النبوة، فذلك موعود الرب جل وعلا: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فإذا صار التوحيد للرب المليك، جل وعلا، باطنا وظاهرا، ولاء وبراء فيه، محبة لأوليائه ونصرة لهم على أعدائهم، وبغضا لأعدائه من الكفار الأصليين وأذنابهم من المرتدين والمنافقين وانتصارا لأهل الحق منهم، إذا صار التوحيد كذلك، فالتمكين حاصل، فتلك سنة ربانية نافذة، فحيث كانت النبوة ظاهرة، فالأرض ببركاتها طيبة طاهرة، فهي روح العالم الذي تصلح به أركانه، صلاح أركان البدن بالروح اللطيف المخلوق، فالروح من أمر ربي يبثها في أركان الأمم بكلمات الوحي الهادية: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)، كما يبثها في أركان البدن بكلمات الكون الخالقة فـ: (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، وحيث درست آثارها فخراب الدنيا وشيك، والظلم أظهر أماراته، كما هي الحال في زماننا، الذي لا يأمن فيه كثير من المستضعفين والمستضعفات من أهل الإيمان الصادق، على أديانهم وأبدانهم، ولو كانت الدولة للنبوة ما قهر متدين على ترك دينه، ولو باطلا، وتاريخ العالم خير شاهد على ذلك، فدين التوحيد: دين: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، فصدرت الآية بالنفي العام لا على سبيل الرضا بدين الكافر، وإنما على سبيل إقراره على معتقده برسم: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، مع إنكاره فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)، فـ: (لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، وصور الجعل الكوني في هذا الباب كثيرة، فجعل الغني فتنة للفقير أيصبر على فقره ويرضى بما قسم له الرب الحكيم، عز وجل، برسم: "اسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجِزْ"، فبذل السبب برسم الاستعانة مطردة للذم بالقعود والكسل، وجعل الفقير فتنة للغني: أيصبر على أداء حقه فلا يغفل عنه، لا سيما إن كان مستضعفا يطلب النصرة والحماية برسم الديانة، كحال كثير من أحرار وحرائر المؤمنين والمؤمنات في زماننا، فقد ضربوا مثلا لدين متين ظن بعض من جهل أنه مات وقبر، فهم شهود بلسان الحال الكاملة على صحة الرسالة الخاتمة التي تصنع البشر على عين الوحي، فيصنعهم الرب، جل وعلا، صناعة مصعب، رضي الله عنه، فإذا الشاب العافي قد صار جلدا خشنا يكابد الآلام في سبيل رب الأنام، جل وعلا، فلا منحة بتمكين إلا بعد محنة بآلام كآلام المخاض فيولد الفجر من رحم الليل، وتشرق الأرض بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، و: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ)، ولا نصيب في هذا الفرح إلا لمن اصطفاه الرب، جل وعلا، فاستعمله في الصد والمدافعة، ثم الطلب والمبادرة، فلكل حال كونية: أحكام شرعية، فالجعل الكوني يعين نظيره
(يُتْبَعُ)
(/)
الشرعي، والمسدد من سدده الرب، جل وعلا، فعرف واجب وقته في زمن الضعف مدافعة، وفي زمن القوة مطالبة، والحكمة وسط بين جبن يقعد صاحبه برسم التعقل الذي يطفئ جذوة الولاء والبراء في قلوب أهل الحق، وتهور يحمله على المبادرة ولما يأت زمانها، وهو آت، وإن طال ليل الباطل، فذلك النزع الأخير الذي لا يساوي شيئا في عمر الأمم، وإن ساوى في عمر البشر جيلا أو أكثر من أجيال التيه سرعان ما تستبدل برسم: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)، و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ).
وجعل الضعيف فتنة للقوي: أينتصر له، لا سيما إن كان من أهل الديانة، أم يخذله، كما هي حال كثير من أقوياء زماننا، و: "ما من أحد يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته"، فالجزاء من جنس العمل وفاقا فلا يظلم ربك أحدا، وجعل القوي فتنة للضعيف، أيجالده إن كان ظالما بما شرع له من أسباب ذلك، فلكل زمان فقهه، كما تقدم، فتارة تكون المجالدة بالحجة والبرهان، وأخرى تكون بالسيف والسنان، وصور الفتنة لا تكاد تنتهي فالمعنى عام تندرج تحته أفراد كثيرة وصور عديدة، فحسن إيراد الصورة العامة التي تدل بعمومها على قدر مشترك من الفتنة بين تلك الصور، فهو محط الفائدة، فبين الحقائق التي يقع الاشتراك المعنوي بينها في المعنى الكلي الجامع بينها قدر مشترك هو ذلك المعنى الجامع، وقدر فارق وهو الحقيقة الحاصلة في الخارج فلا تتصور فيها المشاركة ففتنة الغني بالفقير تباين فتنة القوي بالضعيف وتباين فتنة الرجل بالمرأة ..... إلخ، وإن صدق على كلها وصف الفتنة الجامع.
ثم جاء الاستفهام:
أَتَصْبِرُونَ:
فضمن معنى الأمر وجوبا وإرشادا، فاصبروا على تلك الفتنة الكونية ببذل الأسباب الشرعية، من أداء حقوق وصبر على أذى ..... إلخ من صور الابتلاء.
وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا: فذلك من الاحتراز بإيراد وصف من أوصاف جلال الرب، جل وعلا، فهو البصير يرى دقائق الأمور، وهو البصير يدرك حقائقها، فله البصر بالعين التي تليق بجلاله، وله البصر بعلم الإحاطة تقديرا وإحصاء، فذلك مما يحمل المكلف على دوام المراقبة تحقيقا لمقام الإحسان في المعاملة.
و: "كان" منزوعة الدلالة على الزمن الماضي فلا يستفاد منها إلا دوام اتصاف اسمها بالمعنى الذي اشتق منه الخبر، فهو من وصف الرب، جل وعلا، الذاتي، فلا تتصور مفارقته للذات القدسية، ولا يتصور تعلقه بالمشيئة الربانية كصفات الأفعال التي يحدث الرب، جل وعلا، من آحادها ما شاء كيف شاء متى شاء، مع اتصافه، جل وعلا، بنوعها أزلا، فهو، تبارك وتعالى، كما تقدم في أكثر من موضع، أول بذاته القدسية وصفاته العلية ذاتية كانت أو فعلية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[11 - 09 - 2010, 04:05 ص]ـ
بارك الله فيك
شرح بلاغي يقود للتأثير في النفوس
هل هذه الطريقة هي ماتُسمى تفسير القرآن بالقرآن لأنني أراك تشرح الآية ثم تدعم القول بآية أخرى.؟
وكنت أتمنى أن أعرف ماهو مرجعك في التفسير؟ (من باب العلم)
تقديري(/)
التشبيه بين الحسن والقبح
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 09:25 م]ـ
التشبيه بين الحسن والقبح
جمال اللغة أو قبحها أو تناقضها يعود إلى منزلة المعنى ورتبة الكلمات بعضها من بعض، ومما يدل على ذلك قول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
يعلق الجرجاني على هذا البيت بقوله:"واعلم أن ما كان من التركيب في صورة بيت امرئ القيس فإنما يستحق الفضل من حيث اختصار اللفظ وحسن الترتيب فيه".
في هذا البيت لف ونشر، واللف هو: قلوب الطير في حالتي الرطوبة واليبس، والنشر هو: العناب والحشف البالي، والنشر في بيت امرئ القيس يترتب من الأهم إلى الأقل أهمية، حيث أعطى الأول من الأشياء المنشورة للأول من الأشياء الملفوفة، كما أعطى الثاني للثاني، من أجل أن تترتب المعاني بالرتبة أو الأهمية المعنوية، وبهذا يحصل الانسجام المعنوي بين مواقع الكلمات داخل التركيب، وهذا هو الذي أدى إلى حسن التشبيه، و عكس النشر يؤدى إلى قبح التشبيه لأن المعاني لا تترتب الترتيب الصحيح، او لا ينسجم بعضها مع بعض، وذلك كقوله:
وأركب في الروع خيفانة كسا وجهها سعف منتشر
حيث شبه شعر الناصية بسعف النخلة، والشعر إذا غطى العينين لم يكن الفرس كريما
فسبب قبح هذا التشبيه هو عدم الانسجام المعنوي بين شعر الناصية وسعف النخل، حيث جمع بين الأشياء المتباعدة.
والله تعالى أعلم(/)
أيهما أفصح
ـ[حسام الدين22]ــــــــ[10 - 09 - 2010, 07:09 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقوم بعمل موضوع عن خصائص أمة الإسلام وعند اختيار العنوان تحيرت بين
عنوانين للموضوع وهما
خصائص أمة الإسلام أم خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم
أفيدوني في هذا الأمر بارك الله فيكم(/)
محاولات بلاغية
ـ[عبود]ــــــــ[11 - 09 - 2010, 06:32 ص]ـ
وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ -----في رَأسِ شاهِقَةٍ أَعَزُّ مُمَنَّعُ
هذا بيت من قصيدة قالها الشاعر أبو ذؤيب الهذلي في رثاء أولاده الخمسة
الذين توفوا بسبب مرض الطاعون فيقول الشاعر بأن الدهر لايبقي على حدثانه أي في تقلباته الليل والنهار
في رأس شاهقة أعز ممنع أي أن الموت يأتيك ولوكنت في أعلي رأس جبل مطابقا لقوله تعالى (ولو كنتم في
في بروج مشيدة)
أعتقد أنه تشبيه ضمني
وان أخطأت أرجو من يصحح لي
ـ[أنوار]ــــــــ[13 - 09 - 2010, 10:59 ص]ـ
بارك الله بكم أستاذ عبود ..
أعتقد أنه تشبيه ضمنى كما تفضلت .. فالتشبيه الضمنى لا يسير على طريقة التشبيه العادية،
وإنما يلمح التشبيه من خلال سياق الحديث، كما يخلو من أداة التشبيه.
ـ[عبود]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 12:42 م]ـ
شكرا لك(/)
تأملات
ـ[منتظر]ــــــــ[13 - 09 - 2010, 09:35 ص]ـ
أساتذتنا الأجلاء
السلام عليكم
وأنا اقرأ في كتاب الله لفتت انتباهي آيات من الذكر الحكيم فلم أعرف ما الداعي لذلك الاستعال فقلت في نفسي أهل الفصيح أدرى إن شاء الله
قوله تعالى "ومن يقنتْ منكن لله ورسوله وتعملْ صالحا " 31 الاحزاب
الفعل يقنت يخاطب نساء النبي (ص) وهو جاء على صيغة المذكر يقنت , فلمَ لم يكون تقنتْ؟ والمخاطب مؤنث كما علمنا حقيقي (نساء النبي)
كذا قوله تعالى "فأنشرنا به بلدةً ميتاً كذلكَ تخرجون " الزخرف 11 و ق 11
بلدة مؤنث اللفظ وميتاً مذكر فما الوجه هنا؟
ـ[أنوار]ــــــــ[13 - 09 - 2010, 11:21 ص]ـ
قوله تعالى "ومن يقنتْ منكن لله ورسوله وتعملْ صالحا " 31 الاحزاب
الفعل يقنت يخاطب نساء النبي (ص) وهو جاء على صيغة المذكر يقنت , فلمَ لم يكون تقنتْ؟ والمخاطب مؤنث كما علمنا حقيقي (نساء النبي)
استعمل الفعل (يقنت) بالتذكير على سبيل التغليب.
وقد جرت أمثلة كثيرة لذلك ..
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[13 - 09 - 2010, 11:31 ص]ـ
أستاذة أنوار كفت ووفت في السؤال الأول
وأنا أجيب عن الثاني:
"بلدة ميتا " وردت هكذا في:
ق11 الزخرف11 الفرقان 49
وصف "بلدة" بـ"ميت" لأنها بمعنى البلد
وأحيانا تاتي بلدا ميتا "سقناه لبلد ميت" الأعراف57
والله أعلم
ـ[منتظر]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 01:02 ص]ـ
استعمل الفعل (يقنت) بالتذكير على سبيل التغليب. وقد جرت أمثلة كثيرة لذلك ..
ايتها الاستاذة هلا وضحت اكثر؟ التغليب هل يعني الكثرة؟
ـ[منتظر]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 01:04 ص]ـ
اعتذر لم اتقدم بالشكر والان اقول شكرا لكما على مروركما دمتما في الخير تعمان
ـ[منتظر]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 01:10 ص]ـ
قوله تعالى " فلما ذاقا الشجرة "
نعلم انهما لم يذوقا الشجرة بل ثمارها ... فما هو الغرض البلاغي؟
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 10:46 ص]ـ
قوله تعالى " فلما ذاقا الشجرة "
نعلم انهما لم يذوقا الشجرة بل ثمارها ... فما هو الغرض البلاغي؟
هذا من المجاز المرسل
وعلاقته الكلية؛ لأنه ذكر الكل"الشجرة" وأراد الجزء"الثمار"
ومن ذلك قوله تعالى {يجعلون أصابعهم في آذانهم} فالإصبع لا يُجعل كله في الأذن، وإنما جزء منه.
والله أعلم(/)
البنية الدلالية في الحديث النبوي الشريف محفوظ فرج
ـ[محفوظ فرج]ــــــــ[13 - 09 - 2010, 06:03 م]ـ
قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) صحيح مسلم ج 16 ص 152
يبدو للمطلع على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه في كل أحاديثه يأخذ بالحسبان تسهيل حفظ الحديث وتثبيته في نفس المتلقي حفاظا عليه لعلمه أن تدوينه سيتأخر، وتناقله شفاها يتطلب سهولة في تركيبه.
وذلك كله نابع من تمكنه الرفيع في التصرف بالمفردات وتطويعها بفصاحة للغرض، أو القصد من الحديث.
ولو لم تكن بهذه المزية لاعتراها الزوال، والنسيان من ذلك ما نراه في بداية الجملة الاسمية (الناس معادن) فكان وصفا لعينتين من هذه المعادن بواسطة التصوير التشبيه ليبين تمايزها حسيا بواسطة اللون لون الذهب، ولون الفضة؛ ومن خلالهما تتضح ألوان المعادن الأخرى، وطبيعتها التي لم تذكر.
وهذه الحسية البصرية الماثلة المتقاطعة بين اللونين، والطبيعتين تدع المتلقي يقارن بينها، وبين المشبه أنواع الناس؛ وإذا كان الإنسان مادة، والمعدن مادة؛ فان الروح السامية تتخلل جسد الإنسان ليكون متسام وخالص كالذهب، وإذا كان كمعدن النحاس مثلا تارة فان ذلك يعني أن الروح التي تملكت ذلك الجسد قد هبطت به حتى علاها الصدأ، والدال في الذهب، والفضة يتضح من المدلول في الجملة الاسمية القائمة على الثبات فيبين المفاضلة لأن خيارهم مبتدأ وخبر هما اسما تفضيل موصوفان في زمنين متقاطعين.
وإن التكرار (6) الحاصل في معدن مرتين منكرا، ومعرفا، وخيارهم مرتين، وجنود مجندة؛ إنما هي في سياق تثبيت النص في نفس المتلقي فضلا عما يحدثه من موسيقى، وتناغم في التوازي، الذي يعلق في الذاكرة من خلال البناءات الصرفية المتتابعة (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام) (تعارف) (تناكر) فعلي الشرط الدالين على المشاركة (ائتلف) (اختلف) جوابي الشرط، ولكن التوالي في التوازي لا يقتصر ذلك في وقعه من حيث الجرس، والتنغيم على المستوى الصوتي الخارجي فقد ساهم التنافر في الأضداد (7) في ثنايا المضمون إلى إضاءة البنية التركيبية للجمل في مثل المقابلة (8) (ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)
وفي كل ذلك حين يكون المراد من المضمون أن الأرواح أول ما خلقت ..... خلقت على قسمين متقابلين فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت، واختلفت بحسب ما خلقت فالبناء التركيبي في الدلالة من خلال تقابلها
تعارف ائتلف
تناكر اختلف
إذ إن تفاعل وافتعل في توازيهما يشير إلى ذلك الانقسام الذي هو بمثابة اكر مقسومة (9) متقابلة كالتقابل الحاصل في الجملة، ثم إن الفعلين تعارف، وتناكر فيهما ما يوحي إلى المعنى، ومدلوله فتعارف في حرف العين الذي يليه ألف المد المترامية في الالتقاء مخرجه العميق يشير إلى الائتلاف البعيد الغور الذي تتوق له النفس، ويرف له القلب ليكون هذا الاندماج في همزتي الائتلاف العميقتين، واللتين من خلالهما تماهيا في عناق لفهما إلى الأبد.
والعين في (تعارف) هي عين العطف بمعرفة معقولة معلومة تنتهي إلى تجاذب قسمي الروح مع بعضهما البعض، وأما تناكر في دلالة النون في هيأتها تفضي إلى مدلول النفرة، والنزاع الممتد بألف المد المترامية في الاختلاف.
ولابد من ملاحظة اجتماع الهمزتين في (ائتلف) حين كان مخرجهما واحدا يدلل على التقاء متشابهين في كل شيء مضمونا، وصوتا، وكيف عبرت (اختلف) عن معنى التناكر حيث التقت الهمزة مع الخاء، واجتماعهما غير مستساغ يتناسب مع مدلول التناكر. (6)
6 ينظر جرس الألفاظ ودلالتها د. ماهر مهدي هلال ص239
(7) التنافر في الأضداد: هو أن يؤتى بوصفين متضادين، ويجمع بين متناقضين / ينظر الفن ومذهبه في الشعر العربي الدكتور شوقي ضيف دار المعارف مصر 1965م ص 250
(8) المقابلة: وهو أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو معان متوافقة، ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب والمراد بالتوافق خلاف التقابل / الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني مطبعة السنة المحمدية / القاهرة ج2 ص341
(9) ينظر النصف الأول من كتاب الزهرة / تأليف محمد بن أبي سليمان الأصفهاني اعتنى بنشره الدكتور لويس نيكل /طبع في مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت 1932م ص15
من كتابي ملامح الصورة الفنية في الاحاديث النبوية/ محفوظ فرج ابراهيم/ الجزء الثاني/مطبعة دار الارقم بغداد 2010م(/)
من صدر سورة الأعراف
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 09 - 2010, 11:15 م]ـ
ومن صدر سورة الأعراف:
ومن قوله تعالى: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ):
فهذا كتاب أنزل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: "إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، فنزل من رب العالمين، فتعلق النزول بالرب، جل وعلا، والربوبية مئنة من العناية الخاصة بمن نزل عليه، فهو الروح الذي أحياه، وأحيى به الدنيا، فالعناية في حقه: خاصة، والعناية في حق العالمين الذين أضيف اسم الرب، جل وعلا، إلى اسمهم: عامة، فهو البشير ترغيبا والنذير ترهيبا برسم العموم، فتوجه خطابه إلى أمة الدعوة من أجاب ومن لم يجب، فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، فالكتاب العزيز أثر نعمة النبوة، أعظم نعمة ربانية على النوع الإنساني، فليس ثم وحي بخبر أو شرع إلا بنبوة صحيحة، فأنزل إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم برسم: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، فأضيف الفعل إلى ضمير الفاعلين مئنة من عظم المنة الربانية بالتنزيل الخاتم، فأنزل إليه فذلك مما اختص به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا ينال بكد أو تحصيل، فالنبوة منصب يصطفي الرب، جل وعلا، له من شاء من خلقه، فـ: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، فذلك من آثار حكمته البالغة فيضع مادة الوحي في صدور صفوة خلقه، وأمر بالبيان العام، فتلك من المنة الربانية العامة على عموم النوع الإنساني، فالمنة: خاصة من وجه، عامة من آخر، وهي، كما تقدم مرارا، أعظم منة ربانية على الخليقة، فـ: أُنْزِلَ إِلَيْكَ: فحذف مبدأ الغاية، فهو من الله، بداهة، فالتنزيل لا يكون إلا من الرب الخالق، والإله الشارع، فهو الذي خلق ورزق، فله التدبير الكوني، وهو الذي أنزل الكتاب، فله التدبير الشرعي، فـ: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)، فذلك بيان لمبدأ الغاية الذي حذف من آية الأعراف، فالتنزيل من جملة الحق الذي بعث به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيحمل مجمل آية الأعراف على البيان في آية: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ)، على ما اطرد في التنزيل من حمل المجمل على المبين، وقد جاء البيان في الآية التالية من الأعراف: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ).
فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ: فذلك من الخطاب إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مواجهة، ولأمته تبعا، كما أشار إلى ذلك البغوي رحمه الله، فإليها توجه التكليف أصالة، وإن كانت تبعا في الخطاب، فلا يتصور وقوع الحرج في صدره صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التنزيل، فالخطاب جار مجرى خطاب: بيان مقادير الأعمال، على وزان الخطاب في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، ووقوع الشرك المحبط للأعمال محال ذاتي في حق الأنبياء عليهم السلام.
والنكرة في سياق النهي مئنة من العموم، فلا يكن في صدر أحد من المكلفين حرج، أي حرج من التنزيل، فـ: (مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، فانتفاء الخيرة على سبيل الجحد الذي دل عليه الكون المنفي في صدر الآية مئنة من الجزم الذي يدل لزوما على انتفاء الحرج الذي يجده من لم يسلم لحكم الرب، جل وعلا، فيجد العاصي حرج الفسق العملي، ويجد المكذب أو الجاحد أو المستكبر أو المعرض الممتنع عن القبول وإن كان مصدقا، يجد حرج الكفر، كما أشار إلى ذلك النسفي رحمه الله، و: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ
(يُتْبَعُ)
(/)
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فالنكرة هنا، قد وردت في سياق نفي، فهي، أيضا، مئنة من العموم، وصور الحرج من التنزيل كثيرة، فمن الناس من يصرح بالحرج برسم الكفر والنفاق الذي يستعلن في أعصار الضعف كعصرنا الذي ضاقت فيه صدور كثير من العالمين بالتنزيل أخبارا وأحكاما، فمن ساخر بالغيب الخبري وقادح في الحكم الشرعي، فلم ينل كفار أهل الكتاب من التنزيل كما تواتر في زماننا إلا بعد أن نال منه من ينتسب إلى الإسلام برسم الظاهر، وهو كافر برسم الباطن، فهل تجرأ من تجرأ على حرق الكتاب العزيز وامتهانه بطرائق يستحى من ذكرها إلا بعد أن نزعت هيبته من قلوب أصحابه، فقد لطخه أهل البدعة المغلظة بالعذرة في بلاد الرافدين، وداسته الأقدام في سجون بلاد مسلمة!، فهذا قدره عند من يدعي الانتساب إليه، فعلام العجب من حرق كفار أهل الكتاب له؟!، فما حرق حسا بأيدي الكفرة إلا بعد أن حرق معنى في صدور الفجرة.
وكثير من الدول تتحرج من الانتساب إليه، فتنفي نسبتها الإسلامية، فهي دول علمانية لا دينية، أو مدنية عقدها المواطنة التي تسوي بين المؤمن والكافر من كل وجه: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)، فالكافر، وإن كان ذميا معصوم الدم والمال، لا ينفك عن إفساد في الأرض، ولو بشؤم كفره بالرحمن، فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فكفر الكافر مانع كوني من نزول البركات الربانية، وذلك نوع إفساد، فكيف يسوي العاقل فضلا عن المؤمن بين: المصلح الذي وحد الرب، جل وعلا، فحمل في قلبه مادة صلاح الكون من إيمان بالتنزيل وتأويل لأخباره تصديقا وأحكامه امتثالا، كيف يسوى بينه وبين: المفسد الذي نال شؤم كفره الشجر والحجر، فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
وكثير من البشر يتحرجون من الانتساب إلى التنزيل، فهو ورق أصفر قد أحالته المدنية المعاصرة إلى التقاعد فمحله المتحف، كما قال زنديق معاصر، وهو منتج ثقافي لا صلة له بالوحي، فيخضع لمعايير النقد البشري تصحيحا وتضعيفا، كما قال زنديق آخر، وصور الحرج كثيرة، ولذلك حسن إيرادها منكرة في سياق نهي استيفاء لصور الحرج القديمة والحديثة، فلا يخلو زمان من حرج من التنزيل يقل في أعصار العزة، ويزيد في أعصار الذلة.
فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ: فـ: "من": لابتداء الغاية، فابتداء غاية الحرج في صدور الكفار والمنافقين الذين ورد النهي عن سلوك طريقهم، ابتداء غايته من التنزيل، فهو مادة طمأنينة في قلوب المؤمنين، فـ: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وهو مادة حرج واضطراب في قلوب الكفار والمنافقين فـ: (إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ).
يقول الألوسي رحمه الله:
"لا شك في كفر من يستحسن القانون ويفضله على الشرع ويقول هو أوفق بالحكمة وأصلح للأمة، ويتميز غيظاً ويتقصف غضباً إذا قيل له في أمر: أمر الشرع فيه كذا، كما شاهدنا ذلك في بعض من خذلهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ... فلا ينبغي التوقف في تكفير من يستحسن ما هو بيّن المخالفة للشرع منها، (أي القوانين الوضعية كاستحسان عقوبة جريمة في القانون الجنائي الوضعي على عقوبتها في القانون الجنائي الشرعي)، ويقدمه على الأحكام الشرعية منتقصاً لها". اهـ
والغرض: تحرير الحكم لا تحقيقه في شخص بعينه فذلك أمر يتوقف على بلوغ الحجة على وجه تقوم به وليس ذلك لآحاد المكلفين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد تحمل: "من": على السببية، فحرجهم بسبب أخباره التي تنكرها نفوس غليظة لا تؤمن إلا بالمحسوس، وأحكامه التي تنقضها عقول فاسدة ليس لها حظ من المعقول، فمداركهم المحسوسة معطلة: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، ومداركهم المعقولة معطلة: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)، فاجتمع لهم عمى البصر الظاهر، فهو مئنة من فساد المحسوس، وعمى البصيرة الباطن، فهو مئنة من فساد المعقول.
لِتُنْذِرَ بِهِ: فنزل بآيات الترهيب نذارة، فـ: (قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ)، ونزل بآيات الترغيب بشارة، فـ: (الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ).
وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ: فنكرت الذكرى مئنة من التعظيم، فذكرى التنزيل أعظم تذكرة، فـ: (إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ)، وقصر الذكرى على المؤمنين لدلالة اللام على الاختصاص ليس بمانع من دخول غيرهم فيها، لقرينة عموم التشريع، فهو لهم ابتداء، فذلك من بيان الواقع فيجري مجرى الوصف الكاشف، ولغيرهم تبعا، فهو ذكرى عامة لكل مؤمن فيحمله على الثبات فـ: (لَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)، فالثبات منحة ربانية فلا يثبت إلا من ثبته الله، عز وجل، في ميادين العراك العقلي بالحجج والبراهين، والبدني بالسيوف والأسنة، وهو ذكرى عامة لكل كافر فيحمله على الانتقال من دائرة الكفر إلى دائرة الإيمان فـ: "يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ".
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ:
فذلك تأويل الخبر في الآية السابقة، فتأويل التنزيل تصديقا: العمل بأحكامه امتثالا لأمره ونهيه، فـ: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ: فابتداء الغاية من الرب، جل وعلا، تنزيلا، لكلماته الشرعيات الحاكمات، مئنة من العناية التي حسن معها إيراد اسم الرب، جل وعلا، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فالرب هو الذي يرب عباده بنعمه الكونية فذلك غذاء البدن، ونعمه الشرعية، وأعظمها، كما تقدم مرارا، الوحي، فذلك غذاء الروح، فاتبعوا: أمرا، وفي مقابل الأمر: نهي على جهة طباق السلب تقريرا للمعنى المأمور به بإيراد ضده المنهي عنه:
وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ: فالضمير في "دونه": يحتمل الرجوع على الرب، جل وعلا، فمقابل الرب الواحد، جل وعلا، الأولياء فما أكثرهم، فمن البشر من اتخذ الولي المحسوس فدعا غيره رغبة ورهبة، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، فمقابلهم: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ): على جهة القصر إمعانا في مخالفة سبيل المجرمين.
ومن البشر من اتخذ الولي المعقول فـ: (على علم)، فيقدم هواه على حكم الوحي، ومنهم من اتخذ هوى غيره من طواغيت الأرض وليا، فيقدم حكمه على حكم الوحي، وتلك مئنة من كمال الولاية، فالولاية تقتضي تقديم الولي محبة واتباعا على غيره.
ويحتمل الرجوع على الموصول: "ما"، فيلزم له تقدير محذوف من قبيل: اتبعوا ما أنزل إليكم من دين ربكم ولا تتبعوا من دونه دين أولياء لا يملكون ضرا ولا نفعا، ولا حياة ولا نشورا، فليس لهم من وصف الربوبية شيء ليصح في الأذهان صرف شيء من أجناس التأله لهم: تعبدا بشعار باطن من خوف أو رجاء أو شعار ظاهر من ركوع أو سجود، أو تشريعا بتقديم حكمهم على حكم الرب الحكيم، جل وعلا، فهو الإله الشارع لكمال علمه وحكمته.
ثم جاء التذييل بالإنكار فـ: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ: فلا يتذكرون ابتداء، فذلك من قبيل قوله تعالى: (فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ)، كما حكى ذلك أبو السعود، رحمه الله، وجها في تأويل هذه الآية.
والله أعلى وأعلم.(/)
أنتظر توجيهكم!!
ـ[محمد الغزالي]ــــــــ[13 - 09 - 2010, 11:57 م]ـ
السلام عليكم:
مبتدئ جدا في فن البلاغة فبماذا تنصحوني, لأني قرأت أن أفضل كتاب للمبتدئ هو الجوهر المكنون ولكن لم أجد الطبعة الجيدة .. فأنتظر توجيهكم؟
ـ[أنوار]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 12:37 ص]ـ
وعليكم السلام والرحمة ..
أستاذنا الغزالي ..
كثيرة المراجع البلاغيّة .. ولكن العجيب على كثرتها تكاد تكون صورة واحدة مكررة عن بعضها وبنفس الأمثلة.
ولذا لو تناولتم الكتب التي تنمي الحس البلاغي مثل كتاب الدكتور محمد أبو موسى " التصوير البياني " ..
بجانب كتاب تلخيص المفتاح للقزويني .. فهو مختصر وملخص لفنون البلاغة.(/)
شارك في استخراج الأوجه البلاغية
ـ[عبود]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 07:29 ص]ـ
وجمل المنطق بالنحو ----- فمن يحرم الاعراب بالنطق اختبل
الاستعارة بكلمة (اختبل) شبه الشخص الذي لايتكلم بالفصحى بالجنون صرح بالمشبه به وحذف المشبه
الاستعارة تصريحية
وأرجو التصحيح الأخطاء ان وجدت
ـ[فتون]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 08:03 ص]ـ
جمِّل المنطقَ بالنحوِ فمن = يُحرم الإعرابَ بالنطقِ اختبل
محاولة ...
شبه من يحرم الإعراب ويلحن في كلامه بمن جنّ واختبل بحديثه وذلك لقبح وفداحتة
خطأه ...
ذكر المشبه والمشبه به وحذف الآداة ووجه الشبه؛ إذن هو تشبه بليغ.
شكرا لك أخي عبود ...
ـ[عبود]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 01:01 م]ـ
زادك الله علما
أتمني أن يصبح الموضوع تفاعلي
ـ[أنوار]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 08:18 م]ـ
بارك الله بكم أستاذ عبود ..
موضوع جيد ..
ـ[فتون]ــــــــ[14 - 09 - 2010, 11:17 م]ـ
أتمني أن يصبح الموضوع تفاعلي
مؤيدة كي نراجع معلوماتنا، ونطبق ما درسناه التطبيق الصحيح ...
ـ[عبود]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 12:04 م]ـ
شكرا لكما ولتفاعلكما
وهذه الأبيات
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَّفسِ ضَيمَها
فَلَيسَ إِلَى حُسنِ الثَّناءِ سَبيلُ
تُعَيِّرُنا أَنَّا قَليلٌ عَديدُنا
فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما قَلَّ مَن كَانَت بَقاياهُ مِثلَنا
شَبابٌ تَسامَى لِلعُلى وَكُهولُ
ـ[عبود]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 12:10 م]ـ
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
شبه الشخص الوفي بانه محبوب عند الناس وذكر المشبه والمشبه به وحذفت الاداة ووجه الشبه
تشبيه بليغ على ماأعتقد
ـ[منتظر]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 07:44 م]ـ
وَما قَلَّ مَن كَانَت بَقاياهُ مِثلَنا
شَبابٌ تَسامَى لِلعُلى وَكُهولُ
طباق بين شباب وكهول ...
ـ[عبود]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 08:42 م]ـ
وَما قَلَّ مَن كَانَت بَقاياهُ مِثلَنا
شَبابٌ تَسامَى لِلعُلى وَكُهولُ
طباق بين شباب وكهول ...
بارك الله فيك وأنرت النافذة
ـ[فتون]ــــــــ[20 - 09 - 2010, 11:35 م]ـ
محاولة ...
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
شبه إساءة المرء لنفسه وسمعته بلؤمه بالتدنيس لعرضه، حذف المشبه وصرح بذكر
المشبه به؛ فهي استعارة تصريحية.
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
كناية عن صفة؛ فهو في كل أحواله بعد ذلك جميل ... ؛ إذا سلم عرضه فهو محبوب وكل ما يفعله
مقبول لدى الناس ...
تحيتي
ـ[عبود]ــــــــ[22 - 09 - 2010, 03:16 م]ـ
هذه محاولة
وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَّفسِ ضَيمَها
فَلَيسَ إِلَى حُسنِ الثَّناءِ سَبيلُ
وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَّفسِ ضَيمَها
شبه النفس اذالم تصبر على تحمل المكاره والمصائب ذكر المشبه به وحذف المشبه الاستعارة تصريحية
فَلَيسَ إِلَى حُسنِ الثَّناءِ سَبيلُ
كناية عن صفة أي لاسبيل الى اكتساب حسن الثناء(/)
قال تعالى" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم "
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 06:03 م]ـ
قال تعالى" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ....... (النساء 147)
الأصل أن يكون الإيمان قبل الشكر، لأن الخاص قبل العام، ولكن قوله تعالى"إن شكرتم وآمنتم"يترتب من العام إلى الخاص، عدولا عن الأصل بسبب الأهمية المعنوية، أو الاحتياج، لأن قبله استفهام تعجبي، والمعاني متناسبة بعضها مع بعض، والمعنى: كيف يعذبكم الله خاصة إذا شكرتم بعد إيمانكم، فالعذاب مستبعد لأنكم زدتم الشكر على الإيمان، ولو أنكم آمنتم ولم تشكروا فقد يقع العذاب عليكم، أما مع الشكر فلا.
والله تعالى أعلم
ـ[عبود]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 06:16 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[16 - 09 - 2010, 05:23 م]ـ
السلام عليكم
وفيك بارك الله.
ـ[السراج]ــــــــ[16 - 09 - 2010, 09:44 م]ـ
ذائقة بلاغية أخي عزّام ..
بارك الله فيك ونفع بك ..
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[19 - 09 - 2010, 06:00 م]ـ
بارك الله فيكم أستاذي الكريم(/)
ما هي الأسلوبية؟
ـ[سالي]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 06:06 م]ـ
ما هي الأسلوبية؟ وما هي أدواتها؟ وكيف يمكن تطبيقها على النص القرآني من خلال ظاهرة من الظواهر اللغوية كالالتفات أو الحذف أو التقديم والتأخير؟!
وشكرا
ـ[سالي]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 10:03 م]ـ
أنتظر الإجابة شاكرة لكم
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 11:31 م]ـ
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?9159 (http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?9159)
- الأسلوبية- .. -دراسة-موجزة-نظرية-تطبيقية& highlight=%DA%E1%E3+%C7%E1%C3%D3%E1%E6%C8
هذا الرابط سفيدك أختي الكريمة: سالي
تحيتي
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 11:51 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة: سالي
قرأت مرة للأخت الفاضلة الأستاذة وضحاء: تشير إلى هذا الكتاب لعله يفيدك واسمه
" دراسات أسلوبية في النص القرآني لقايز القرعان ".
وأسأل الله لكِ النتوفيق والسداد.
ـ[سالي]ــــــــ[16 - 09 - 2010, 10:07 م]ـ
شكراً جزيلاً للفاضلتين العزيزتين هداية ونور، وزهرة متفائلة، أثابكما المولى وبارك الله فيكما(/)
ما الفنون البلاغية في قول السهرودي
ـ[منتظر]ــــــــ[18 - 09 - 2010, 03:58 م]ـ
فإلى لقاكم نفسه مشتاقة وإلى رضاكم طرفه طماح
عودوا بنور الوصل في غسق الجفا فالهجر ليل والوصال صباح
صافاهم فصفوا له فقلوبهم في نورها المشكاة والمصباح
فتمتعوا والوقت طاب بقربهم راق الشراب ورقت الأقداح(/)
ومن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ ... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 09 - 2010, 04:10 م]ـ
ومن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا):
فذلك من أوصاف عباد الرحمن، وهو جار على ما تقدمه من التعريف بالموصولية إثباتا في نحو قوله تعالى: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، ونفيا في نحو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)، وسياق الآيات قد قدم فيه الإثبات في نحو قوله تعالى: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) فهو مراد لذاته فالتحلي بالمحامد مطلب رئيس للوحي، على النفي في نحو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)، وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، فهو مراد لغيره فليس المراد انتفاء الوصف المذموم تخلية للمحل، فلن يبقى المحل شاغرا بل لا بد من عمارته بالمحامد الشرعية وإلا رجعت إليه المذمومات فالقلب وعاء يغلي بما يصب فيه من أشربة الخير أو الشر، وليس من طبيعته أن يظل فارغا فذلك خلاف ما جبل عليه فهو أبدا متحرك حساس حتى يسكن البدن بمفارقته الروح فينقطع التكليف بالإرادات الباطنة وما يصدر عنها ضرورة من الأقوال والأفعال الظاهرة.
وتسلط النفي على المضارع مئنة من العموم المتصل في الحال والمستقبل فتلك ملكة راسخة فيهم فليس أمرا عابرا، أو حالا طارئة، فيجري مجرى الوصف في نحو قول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ******* فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
فحملها على الوصفية أبلغ في المدح من حملها على الحالية فتكون: "أل" في "اللئيم": جنسية لبيان الماهية وهي إلى التنكير أقرب، فليس المراد منها تعريف لئيم بعينه، وإنما المراد بيان ماهية صاحب هذا الوصف، أيا كانت عينه، فكذلك الشأن في المضارعة التي تدل على دوام الاتصاف إثباتا أو نفيا.
فـ: لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ:
ففعل الشهادة يأتي في لغة العرب بمعنى الحضور فلا يحضرون الزور،
فـ: "أل" في "الزور": جنسية لا تخلو من معنى الماهية والاستغراق، فجنس الزور هو الباطل، وهو معنى عام يشمل صورا كثيرة من الأقوال والأفعال، فمنه الزور القولي، كشهادة الباطل، وهي أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الشأن، وقد ورد التصريح بنسبته إلى القول صراحة في نصوص أخر من قبيل قوله تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث الكبائر: "أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ"، فنبه على خطره بالاستفتاح التنبيهي والتكرار اللفظي، فيكون ذلك من تفسير مجمل الزور بفرد من أفراده هو القول، وقول الزور، أيضا، عام تندرج تحته صور كثيرة، فتكون هذه الصورة من صور التدرج في العموم، فمن عام إلى خاص قولي، هو في نفسه عام يشمل ما لا يحصى من صور القول الباطل، فالزور كما قال صاحب "اللسان" رحمه الله: "الكذب والباطل وقيل شهادة الباطل"، فعطف الباطل على الكذب في كلام صاحب "اللسان"، رحمه الله، قد يجري مجرى التذييل بالعموم عقيب الخصوص، فالكذب خاص والباطل عام يشمل بعمومه الكذب وغيره، فمن الزور القولي: الكذب، كما تقدم، وشهادة الزور التي ينصرف إليها الذهن ابتداء عند سماع لفظ "الزور"، فيضمن معنى الفعل "يشهدون" معنى الإخبار، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فيكون ذلك من قبيل النصب على نزع الخافض ففعل الإخبار يتعدى بالباء
(يُتْبَعُ)
(/)
، وعليها يحمل قول ثالث ذكره صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، يقدر فيه مفعول مطلق من جنس الفعل، فيكون مصدرا مبينا لنوع عامله فتقدير الكلام: والذين لا يشهدون شهادة الزور، ومنه ما هو كفر كألفاظ الشرك والردة، فذلك منكر من القول وزور، ومنه ألفاظ الظهار كما تقدم في قوله تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)، ومنه تكذيب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا)، فقصروا قولهم على جهة الادعاء مبالغة، فقد قالوا عنه غير ذلك، فوسموه بالكذب والسحر والكهانة .... إلخ، فذلك من الظلم والزور الذي نكر تعظيما، فأي زور أعظم من وصف آي التنزيل بالإفك المبين، وهي التي جاءت بضده من البيان الصادق لسبيل المؤمنين: علوما وأعمالا، فبالتنزيل استقامت الفطرة على سنن التوحيد: مادة صلاح الكون، فـ: (اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا)، فجاء الأمر على جهة الوجوب والإرشاد إلى ملازمة سنن الاستقامة العلمية والعملية، فهي أمان من الزيادة بالغلو والطغيان في القول أو الفعل، فاكتملت القوى العلمية والإرادية الباطنة، والقوى العملية الظاهرة، فاستقم كما أمرت في التنزيل، فهو معدن الأمر والنهي الشرعي، الذي يوافق القياس العقلي والخَلق والخُلق الطبعي، فالنبوات، كما تقدم، لم تأت إلا بتقويم الفطرة الظاهرة والباطنة، فالفطرة الباطنة قد استقامت برسم: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، والفطرة الظاهرة قد استقامت على سنن الفطرة من ختان واستحداد، فالرسالة الخاتمة: رسالة عامة لأحكام المعاني القلبية الباطنة والمباني الجسدية الظاهرة، فجمعت من شريعة يهود ما يتعلق بأحكام الأبدان وزادت عليه، وجمعت من شريعة النصارى ما يتعلق بأحكام الروح وزادت عليه، فحصل لها من الكمال والاتزان والوسطية الحقيقية ما لم تأت به رسالة أخرى، وذلك أليق بعالميتها، فأحكامها العامة تلائم كل عصر ومصر، وتلقى قبولا تلقائيا لا تكلف فيه عند كل نفس، فما جاءت إلا بالفطرة الأولى، ولا تتجشم النفوس عناء في مباشرة ما جبلت عليه من التصورات العلمية والأحكام العملية برسم: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، فالرسالات السابقة كانت محلية تعالج أمراضا في أمم بعينها، فجاءت التوراة برسم الجلال شفاء لذلة يهود، فـ: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)، فذيل بسبب الذلة تقريرا للمعنى وتحذيرا منه فالكفر بالآيات الشرعية والإعراض عن تدبر الآيات الكونية وقتل النبيين بغير حق فذلك قيد كاشف فليس من قتلهم ما هو حق بداهة ويلتحق بهم أتباعهم من المؤمنين لا سيما المستضعفين، ويلتحق بالقتل: التسلط بأي نوع من أنواع الأذى كالتعذيب والتشريد والخذلان بالإسلام إلى الكفار ليفتنوا المؤمن في دينه فإسلامه إليهم ولو لغير ذلك: فساد عظيم فكيف بإسلامه لرده عن دينه فتلك أعظم فتنة، وكل ذلك مما فشا في زماننا ولعله أبرز أسباب ضرب الذلة على أعناقنا فالمعنى لا يختص ببني إسرائيل بل يعم كل من سار على طريقتهم، فالعبرة بعموم المعنى لا بخصوص السبب كما قرر أهل العلم، وكبرها عن قبول الحق، فهما عرضان متلازمان، فمن استكبر عن قبول الحق الإلهي أذله الرب، جل وعلا، بأيدي البشر، والواقع خير شاهد على ذلك، فأمة الرسالة الخاتمة لم يغن عنها الانتساب إلى الوحي المحفوظ شيئا لما عدلت عنه، فما ازدادت بالكبر عن تصديق خبر الوحي وامتثال أمره، ما ازدادت به إلا ذلة على أيدي أذل الخلق من يهود، وغيرهم من كفار أهل الكتاب الذين
(يُتْبَعُ)
(/)
استطالوا على أهل الإسلام في بلادهم! بالتآمر مع المنافقين الذين ساموا الموحدين خطة الخسف والقهر والإرهاب الفكري والبدني، وما تسلط كل أولئك إلا بذنوب أهل التوحيد، وجاءت النصرانية برسم الجمال شفاء لقسوة قلوب يهود فهي: (كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)، فهي كالحجارة بل أشد، وأما الرسالة الخاتمة فقد جاءت برسم الكمال لمكان العالمية والختام، فـ: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ).
والشاهد أن الزور يعم هذه الصورة القادحة في التنزيل بوسمه بالإفك، وليس إفك أعظم من ذلك، ويعم أيضا اللهو والغناء فهو من زور القول، كما فسره به محمد بن الحنفية، رحمه الله، ومنه الغيبة والنميمة، فالقاعد عن الإنكار مع انتفاء المانع من إكراه ونحوه، شاهد لزور: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)، ومنه الخوض في آيات الرحمن، فـ: (إِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، فذلك زور يوجب الإنكار أو الانتقال لئلا يصيب القاعد شؤم مقالة الزور بالخوض في الشبهات تأويلا للأخبار وتعطيلا للأحكام، فضلا عن الاستهزاء الصريح، فـ: (قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)، فمن زور القول ما يقدح في كمال الإيمان الواجب كالغيبة والنميمة، ومنه ما يقدح في أصل الدين كالاستهزاء بآيات رب العالمين، ومنه نوع خفي هو من الزور القلبي تنحل فيه عرى الحب والبغض الإيماني، فتشرب القلوب مقالة أهل الباطل من كفر أو بدعة، ولو برسم الرضا والإقرار، بل والمداهنة وإعطاء الدنية برسم الصغار، فينطق اللسان الآثم بالثناء الكاذب على أهل الباطل، فيضرب الرب، جل وعلا، رق الذلة على القلب المنكوس، ويظهر ذلك لزوما على القول المنطوق، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فلا ينفك زور الباطن عن أثر ظاهر.
ومن الزور: زور عملي فهو أيضا ترجمة فورية دقيقة لزور الباطن، ومن أظهر صوره في زماننا كما فسره مجاهد رحمه الله: شهود أعياد الكفار تهنئة أو مشاركة فهي من النوازل العامة التي ابتلي بها أهل الإسلام ومنهم من ينتسب إلى العلم وليس له من سمته شيء، فليس ثم إلا جملة من المسائل قد آذنت بالرحيل لما دعا داعي العمل فتخلفت النفس لفساد النية والإرادة، فمثلهم كمثل: (الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، ولا نسمع أصواتهم المنكرة إلا في محافل الرياء برسم إعطاء الدنية في الدين، فيبذل أولئك من معتقدهم ما يبذلون إرضاء لمن لا يرضى، فـ: (لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، فالأعياد من جملة العقائد، كما في حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه، مرفوعا: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام"، فالقصر بتعريف الجزأين مئنة من الاختصاص، فتلك الأيام عيدنا أهل الإسلام، ففي التنويه بالنصب على الاختصاص زيادة تقرير لخصوصية تلك الأيام بأهل الإسلام فهي علامة فارقة بين أمة الإسلام وسائر الأمم، والعلامات الفارقة بين الملل والنحل مما يحرص أهل كل دين أو مذهب على إظهاره فهو شعار يحصل به التمايز بين الحق والباطل عند صاحبه ولو لم يكن كذلك في نفس الأمر فكل يظن نفسه على الحق وأدلة النقل والعقل هي الفيصل عند أولي الألباب ممن خلعوا ربقة التقليد وتحروا لأنفسهم في أصول وفروع الدين، ولذلك حسن في هذا الزمان الذي اختلطت فيه الأوراق، وبردت فيه حرارة الإيمان في قلوب كثير من المداهنين والمرائين تحصيلا لمكاسب عاجلة
(يُتْبَعُ)
(/)
واستبقاء لرياسات زائلة، بعضها برسم السياسة فيهدر لأجلها كل معنى شرعي، وبعضها برسم الديانة، وهي أخطر شأنا، فعلى صاحبها من أوزار من قلده ما عليه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، فيهدر علماء السوء أحكام الشرع مداهنة لملوك الجور، فحسن في هذا الزمان، إدراج مثل هذه المسألة النازلة في متون العقائد الفاصلة، فقد ورد التنصيص على أمور دونها من الفروع العملية لما صارت شعارا ظاهرا للمخالف في النحلة، فكيف بمن خالف في أصل الملة، بل جهر بالسوء وبسط إلى أهل الإسلام يده بالعدوان فقد طفح ما في قلبه من حقد وغل على الدين الخاتم، طفح على لسانه طعنا بالشبهات بل بالسب القادح والاستهزاء الصارخ بالدين والنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وطفح على جوارحه فنال من المؤمنين بخيانة صريحة لا تحتمل تأويلا فهي نص صريح وحقيقة شرعية في النفاق فمظاهرة أعداء الملة على أهلها: نقض لأصل الدين، كما ذكر ذلك من ذكر من المحققين، فينتقض أصل الديانة بالمظاهرة القلبية بتمني ظهور العدو فكيف بالمظاهرة القولية والفعلية على آحاد المؤمنين، لا سيما المستضعفين كما نرى في هذه الأيام في بعض دور المسلمين التي صارت الكلمة فيها لعباد الصلبان، فتسلط المتآمرون من الفريقين المرذولين على المهاجرين والمهاجرات إلى الله ورسوله برسم: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، فكيف صح في الأذهان مع كل ذلك: تهنئة أهل الزور بل مشاركتهم برسم التسامح، وما هو إلا تخاذل وضعة لأهل الكفر لا تزيدهم إلا غطرسة واستكبارا، فأي زور أعظم من ذلك تهدر فيه الديانة والحرمة والكرامة، وقد جاء النص على جهة التخصيص، أيضا، في هذا الباب الذي غفل كثير منا عن أحكامه، فورد مؤكدا بالناسخ، ومقصورا بتقديم ما حقه التأخير في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن لكل قوم عيداً، وإن هذا عيدنا"، فحصل التمايز أيضا بإضافة العيد إلى ضمير الجماعة المسلمة في سياق مؤكد بالناسخ وتعريف الجزأين، فهو عيدنا لا عيد غيرنا، فذلك منطوق ثبوتي، مفهومه: وعيد غيرنا ليس بعيدنا فلا تشرع فيه التهنئة أو الاحتفال فهو شعار ديني، فيصلي فيه المسلمون صلاتهم، فهي شعيرة محضة تؤكد البعد الديني الخالص لهذا المنسك، ويردد فيه غيرهم صلواتهم، فلكل أمة شعارها الديني في ذلك اليوم، فالمشاركة فيه أعظم من المشاركة في سمت ظاهر، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:
"إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)، وقال: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه)، كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به بين الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة وشروطه.
وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه و سلم بقوله: (إن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا)، وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه". اهـ
(يُتْبَعُ)
(/)
فالمشاركة في العلامة الشرعية أعظم في الموافقة بداهة من المشاركة في العلامة الوضعية التي هي في أصلها مشروعة، ولكنها لما صارت علامة يمتاز بها أهل ملة أو نحلة حرم على أهل الإسلام والسنة مشاركتهم فيها لئلا تؤدي المشاركة الظاهرة إلى نوع مودة في الباطن، فلا يشبه الزي الزي حتى يشبه القلب القلب، وتشابه الأزياء الظاهرة ذريعة إلى تشابه الأهواء الباطنة، فالتأثير متبادل، وذلك أمر يعرفه من اعتنى بدراسة سلوك وطرائق البشر، ويحسه ضرورة كل إنسان يوافق غيره في زي أو منطق أو صناعة ..... إلخ، فتجد من التقارب بين أهل الصناعة الواحدة ما لا تجده بين أهل الصناعات المتباينة.
والشاهد أن الزور العملي، أيضا، على حد الزور القولي، فمنه ما يقدح في كمال الإيمان الواجب كالتشبه الذي لا يصل إلى حد التشبه المطلق، ومنه ما يقدح في أصل الإيمان كالتشبه المطلق فهو يوجب الرضا بدينهم، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:
"وهذا الحديث، (أي حديث: "من تشبه بقوم فهو منهم")، أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله: - {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة، آية 51].
فقد يحمل هذا على التشبيه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم، في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً، أو معصية أو شعاراً لهم، كان حكمه كذلك. وبكل حال يقتضي تحريم التشبه". اهـ
وعلى كل الأحوال، فكل ما أثر عن السلف في بيان الزور يجري مجرى ما اطرد في التنزيل، كما ذكر ذلك بعض من صنف في أصول التفسير كابن تيمية رحمه الله، يجري مجرى التمثيل للعام بذكر بعض أفراده، فلا يخصص ذكرها عمومه، وإنما هي من قبيل البيان بضرب المثال تقريبا إلى الأذهان.
ثم جاء التذييل بحالهم إذا مروا باللغو وهو الكلام المعيب الذي يدل على سفه قائله وضعف عقله ولا ينفك حال أهل الزور عن ذلك.
فلا يشهدون ابتداء، وإذا مروا: مروا كراما، فذلك من تكرار العامل لبناء الحال عليه، وذلك من محاسن الاستعمال، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ومثل له بتخريج ابن جني، رحمه الله، لتكرار العامل في قوله تعالى: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا}.
فلهم في كل أحوالهم من الصيانة ما يحفظ أقدارهم، فلا يخوضون في باطل، وإن مروا به، والمرور مئنة من سرعة التجاوز، فليس لهم عليه وقوف، فذلك ذريعة إلى المشاركة الفعلية أو الموافقة الوجدانية، ولذلك حسن الإعراض ابتداء عن كل ما يقدح في الديانة من قبيل الشبهات، فلا يتصدى لدحضها إلا آحاد الراسخين ممن تؤمن عليهم الفتنة، ولا ينظر فيها غيرهم لئلا يعلق شيء منها بقلوبهم، فشغل النفس بالحق صارف لها عن الباطل، ومباشرتها للمشروع من القول والعمل سد لذريعة خوضها في المحظور، فمن امتلأ بالغذاء الطيب لم تبق له شهوة في غيره.
والله أعلى وأعلم.(/)
قال تعالى: " الرحمن*علم القرآن* "
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[19 - 09 - 2010, 06:25 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: الرحمن*علم القرآن* خلق الإنسان*علمه البيان (الرحمن1 - 4)
لما كانت هذه السورة لتعداد نعم الله التي أنعم بها على عباده، قدم النعمة التي هي أجلها قدرا، وأكثرها نفعا، وأتمها فائدة، وأعظمها عائدة، وهي نعمة تعليم القرآن، فإنها مدار سعادة الدارين. ثم امتن بنعمة الخلق، ثم امتن ثالثا بتعليمه البيان الذي يكون به التفاهم، ويدور عليه التخاطب والمراد بالبيان: أسماء كل شيء وقيل: المراد به اللغات، فاللغات منحة أو هبة من الله سبحانه وتعالى.
والله تعالى أعلم.
ـ[عبود]ــــــــ[19 - 09 - 2010, 07:02 م]ـ
بارك الله فيك
كم جميل أن تتحفنا بهذه الفنون البلاغية
ـ[أمير الفصحاء]ــــــــ[19 - 09 - 2010, 10:32 م]ـ
جزاك الله عنا خير جزاء ....
ـ[أمير الفصحاء]ــــــــ[19 - 09 - 2010, 10:42 م]ـ
جعل الله ذلك في ميزان حسناتك ...
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[20 - 09 - 2010, 06:55 ص]ـ
بارك الله فيك
هي عروس القرآن
شكرا على الفائدة الجميلة
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[20 - 09 - 2010, 05:16 م]ـ
السلام عليكم
شكرا لكم جميعا أيها الأفاضل.
ـ[سنهور]ــــــــ[20 - 09 - 2010, 06:04 م]ـ
كم هو جميل أن يتفكر الإنسان فى آيات القرآن
ويرى ما فيه من امتنان على الإنس والجان
نعم أليس هو البيان الذى آنزله
الرحيم الرحمن
ـ[أختي الكريمة]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 10:57 ص]ـ
(خلق الانسان علمه البيان)
وهذا يدل دلالة واضحة على أن اللغة موهبة من الله علمها لأبينا آدم (وعلم آدم الأسماء كلها) ويدحض شبهات (نظرية تطور اللغة) المعروفة بنظرية دارون في اللغة وهي تهدف الى القول بأن اللغة كانت أصواتا غير مفهومة على لسان الانسان الاول ثم تطورت الى أن أصبحت هذه اللغات اللتي يتحدث بها العالم
وأظن أن لو كان الأمر كذلك لما استطعنا أن نعبر عن ما بداخلنا الابمزيد من الاشارت والاصوات الغير مفهومة كالصم والبكم ولكن الحمد لله على نعمه وما بأي من آلائك يا ربنا نكذب ولتذهب نظرية داروون إلى الجحيم
وها تعلمون أن النظرية (عن أن الانسان أصله قرد) ثبت خطؤها فلم تعد تدرس في الجامعات الاوربية ومن المؤسف أن يكون منا نحن المسلمين من يعتقد أن الانسان كان أصله قرد ثم تطور
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 12:41 م]ـ
بارك الله فيك
هي عروس القرآن
شكرا على الفائدة الجميلة
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: طارق يسن الطاهر
جزاك الله خيرا، بالفعل توجد عندنا وعند الكثير من الناس هذه المعلومة، لا وبل قد درسناها في الكتب المدرسية ولكن للأسف الشديد كانوا يضعون لنا الأحاديث الضعيفة وربما الموضوعة حتى دون نظر أو إشارة!
ولقد سمعنا أحد المشايخ في إحدى البرامج الدينية يقول بأنه حديث ضعيف واستغربنا من ذلك / وقد بيّن ذلك!
إضاءة حول الحديث / للفائدة:
ما صحة هذا الحديث: " لكل شىء عروس، وعروس القرآن الرحمن "
وما حكم الإستشهاد به لو لم يكن صحيح؟
الجواب:
الحديث ضعيف
والحديث الضعيف لا يعمل إلا في فضائل الأعمال وبشروط:
1 – أن لا يكون شديد الضعف
2 – أن لا يُخالف أصلا من أصول الإسلام
3 – أن لا يعتقد نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم
4 – أن لا يُشهره بين الناس، ففي الصحيح غُنية وكفاية
5 – أن لا يكون في الأحكام، فلا يُقبل الحديث الضعيف في الحلال والحرام ولا في العقائد.
والله تعالى أعلى وأعلم.
المصدر / الشيخ عبد الرحمن السحيم(/)
ما العلاقة؟؟؟
ـ[أمير الفصحاء]ــــــــ[19 - 09 - 2010, 10:27 م]ـ
ويحين أوان القطاف وتمتد عليها الأيادي وتتناولها برفق، وتلفها بورق ناعم شفاف ملون وتضعها في صندوقها: واحدة بجانب الأخرى، وصفا بعد صف، تنظمها يد صناع حاذقة.
ما عاقة علاقة الجمل الثلاثة المحددة ببعضها البعض؟
ـ[المعلم الفاضل]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 11:37 م]ـ
* تعتبر الآية الثانية: {ولا يضارَّ كاتبٌ} ناسخةً لقوله تعالى: {ولا يأب كاتبٌ أن يكتب} إذ تحتوي الآية الأولى على تحذير من رفض الكاتب لكتابة الدين إذا تعيّن ذلك عليه لما يقع من ضرر على الدائن، وإن وجد كاتب آخر فلا ضرر من رفض الأول للكتابة. (في هذه الحالة تصبح كتابة الدين فرض كفاية)
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 09 - 2010, 08:51 ص]ـ
وما علاقة المشاركة الثانية بالأولى!!(/)
ما علاقة الدلالة اللغوية للبيان بفنون البلاغة؟
ـ[دعاء ابوزهرى]ــــــــ[20 - 09 - 2010, 01:05 م]ـ
الرجاء الإجابة على السؤال فى أسرع وقت
ـ[فتون]ــــــــ[21 - 09 - 2010, 08:39 ص]ـ
لعلك أختي الكريمة تعيدين صياغة السؤال
أو توضحين لنا السؤال ...
"الدلالة اللغوية للبيان" أول مرة يمر عليّ هذا التركيب!!
هل تريدين دلالة الألفاظ أو معنى السياق ... ؟؟
تحيتي
ـ[دعاء ابوزهرى]ــــــــ[21 - 09 - 2010, 07:51 م]ـ
السؤال هكذا (ما علاقه الدلالة اللغوية (كشف ظهور البيان) بفنون البلاغه الثلاثه؟
ـ[أنوار]ــــــــ[21 - 09 - 2010, 08:13 م]ـ
(كشف ظهور بيان)
أين واجهكِ هذا المصطلح أخيّة، أفي كتاب أم محاضرة .. ؟
ظننتُ في البدء أنكِ تقصدين دلالة السياق .. !!
ـ[دعاء ابوزهرى]ــــــــ[24 - 09 - 2010, 10:01 ص]ـ
هذا السؤال واجهنى فى محاضرة(/)
الفصل والوصل فى دعاء النبي
ـ[سنهور]ــــــــ[20 - 09 - 2010, 06:53 م]ـ
كان النبى محمد صلى الله عليه وسلم كثير الدعاء لله تعالى
ولما كان هو الذى لا ينطق عن الهوى فقد بلغ من الفصاحة
والبيان مالا يبلغه أحد من قبله ولن يصل إليه احد بعده
وجاءت المفردات فى الدعاء النبوى مطابقة لدلالة الحال والمقام
فتارة نجد بينها فصل وأحيانا نلاحظ أن بينها وصل ولكل بلاغته
فهيا بنا لنعيش فى رحاب السنة العطرة للننهل من نهرها العذب
بعض المواقف التى تدلل لنا على صحة ما قلناه
ـ[سنهور]ــــــــ[20 - 09 - 2010, 07:07 م]ـ
يدعو النبى عشية عرفة فيقول (اللهم إنك ترى مكانى، وتسمع كلامى، وتعلم سرى وإعلانى، لا يخفى عليك شىء من أمرى، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المقر المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين)
ف (البائس _ الفقير ـ المستغيث ـ المستجير _ الوجل _ المشفق _ المقر _ المعترف بذنبه) ثمانية أخبار لمبتدأ واحد هو ضمير المتكلم (أنا) ولم تعطف هذه الأخبار على بعضها وذلك ليناسب المقام وهو أن الداعى يريد أن يشير إلى أنه الجامع لهذه الخصال وأنها مجتمعة فيه وكأنها صفة واحدة
ولا شك أن ترك العطف أليق وأنسب لحال الداعى واجتهاده فى التذلل والمسكنة
ونجد أن ترك العطف بين هذه الصفات ناسب تعريفها ب (ال) من دلالة على القصر وكأن لا بائس ولا فقير ولا مشفق ولا مقر ولا معترف بذنبه سوى الداعى
وكأنما أجناس هذه المعانى مجسدة فيه
ولنا بقيه مع هذا الموضوع إن شاء الله
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[22 - 09 - 2010, 04:52 م]ـ
بارك الله فيكم أستاذ أبا فهر على هذه النافذة الجميلة
متابعة باهتمام معكم .. وفي انتظار البقية.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[22 - 09 - 2010, 05:31 م]ـ
ذكرتني-أخي الكريم- بكتاب جميل بعنوان القاعدة والنص، دراسة في الفصل والوصل للدكتور عبد الواحد علام، أستاذ البلاغة في دار العلوم جامعة القاهرة.
لا أدري إن كان الدكتور مازال موجودا في الكلية أم لا، ربما تفيدنا ينابيع الهدى الدرعمية.
أما كتابه فمازال موجودا معي منذ ثمانينات القرن الماضي.
جزاه الله خيرا لما علمنا.
ـ[سنهور]ــــــــ[22 - 09 - 2010, 05:51 م]ـ
شكرا لكم على هذه المتابعة
وسنكمل إن شاء الله تعالى
ما بدأناه قريبا جدا
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[22 - 09 - 2010, 05:59 م]ـ
لا أدري إن كان الدكتور مازال موجودا في الكلية أم لا، ربما تفيدنا ينابيع الهدى الدرعمية.
.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور عبد الواحد علام لم أسمع به في الجامعة من قبل بحثت عنه في الإنترنت فوجدته في قائمة الراحلين في هذا الرابط هنا ( http://www.marefa.org/index.php/%D8%AF%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85)
رحمه الله رحمة واسعة.
ـ[عبود]ــــــــ[22 - 09 - 2010, 06:17 م]ـ
بارك الله فيك موضوع جدا جميل
ـ[سنهور]ــــــــ[22 - 09 - 2010, 06:28 م]ـ
ذكرنا فيما سبق مثال أوضحنا فيه صورة للفصل بين ألفاظ دعاء النبى صلى الله عليه وسلم
وسنذكر الآن مثالا نوضح فيه صورة الوصل بين الألفاظ وما تستدعيه من بلاغة
يقول النبى صلى الله عليه وسلم (اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال)
ففى هذا الدعاء وصلت الواو العاطفة بين الألفاظ الثمانية (الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال)
لأن الواو تدل على المغايرة والإستقلال فجاء بها النبى لتناسب المقام وهو أن كل صفة من هذه الصفات يحتاج الإنسان أن يتعوذ منها كل على حده وهذا يتحقق بدخول الواو بين هذه الألفاظ
كما أن الواو دلت على أن هذه الألفاظ متغايرة وإن كانت متقاربة المعانى: فالهم والحزن قريبان ولكن الواو أوهمت أنهما متغايران وكذا باقى
الألفاظ الأخرى ولهذه الواو مغزى بالغ اللطف والإثارة لأن الأصل فيها أنها تقتضى المغايرة والمناسبة ومقتضى المغايرة ألا تدخل بين الشىء
ونفسه وإذا فعلت ذلك أوهمت أنهما متغايران
وإذا نظرنا ودققنا النظر فى ألفاظ الحديث نجد أنه:
جمع بين ألفاظ متناسبة ومتقاربة إلا أن بينهما تغاير فـ (الهم والحزن) مع تقارب معناهما إلا أنه بينهما فرق واختلاف فالحزن يكون على أمر قد وقع، والهم إنما هو فيما يتوقع ولم يكن بعد ولما كان المصطفى أبلغ البلغاء فهو قد جاء بواو التغاير بينهما ليدلل على أنه لا يتعوذ من أمر واحد بل يتعوذ من الأمرين
وهنا نقطة بلاغية أخرى وهو لماذا قدم النبى صلى الله عليه وسلم التعوذ من الحزن؟ وذلك مراعاة لما هو مركوز فى طبائع الإنسان من الإنشغال بالمستقبل وتقليب الفكر وشغل الخاطر بما يتوقع من الأحداث وما يرتقب من المكاره والمخاوف
ثم نرى (العجز والكسل) يتقاربان فى المعنى إلا أن بينهما تباين لا يدركه إلا العالمون وهو أن العجز: القصور عن فعل الشىء
والكسل التثاقل عن الشىء مع وجود القدرة والداعية
والعجز كما لا يخفى على أحد أخطر وأشد من الكسل لذا قدمه النبى محمد صلى الله عليه وسلم
والجبن والبخل متناسبان لأن الجود إما بالنفس وهو الشجاعة ومقابلة الجبن
وقد يكون بالمال ويقابله البخل
وعدم الجود بالنفس أشد وأعظم من عظم الجود بالمال لذا قدم النبى الجبن على البخل
تابع .........................
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سنهور]ــــــــ[24 - 09 - 2010, 07:51 م]ـ
سنكمل مابدأناه فانتظرونا
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[24 - 09 - 2010, 07:56 م]ـ
وهنا نقطة بلاغية أخرى وهو لماذا قدم النبى صلى الله عليه وسلم التعوذ من الحزن؟ وذلك مراعاة لما هو مركوز فى طبائع الإنسان من الإنشغال بالمستقبل وتقليب الفكر وشغل الخاطر بما يتوقع من الأحداث وما يرتقب من المكاره والمخاوف
لعلكم قصدتم تقديم (الهم).
سنكمل مابدأناه فانتظرونا
منتظرون إن شاء الله
بارك الله فيكم.
ـ[سنهور]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 03:07 م]ـ
شكرا على الإستدراك
فبالفعل هذا ما قصدته(/)
أرجو المساعدة؟؟؟
ـ[أمير الفصحاء]ــــــــ[20 - 09 - 2010, 07:21 م]ـ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة282
ما العلاقة بين قوله تعالى: (ولا بأب كاتب أن يكتب) وقوله تعالى (ولا يضار كاتب)(/)
من حديث: (من أحب الأنصار ......... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 09 - 2010, 02:18 ص]ـ
ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من أحب الأنصار فبحبي أحبهم، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم":
فذلك عموم يناسب تقرير تلك القاعدة الإيمانية الجليلة، فمن أحبهم فبسبب حبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالباء مئنة من السببية، فحب المتبوع ذريعة إلى حب التابع، فمن أحب القائد أحب جنده، فمن نتاج فكره وثمرة جهده في التربية والتدريب قد خرجوا، فهم من نواة الإسلام الأولى التي بلغت حدا من الصلابة، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، حمل الحواشي على القيام بأعباء الرسالة، فلو لم تكن النواة أبا بكر وعمر وسعد بن معاذ وحذيفة ..... إلخ ما قام البناء فهم أساسه الذي صنعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على عين الوحي، فأخلاقهم من أخلاقه، ووصفه في التنزيل: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فالتعدي بـ "على" مئنة من الاستعلاء والتمكن، فخلقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العظمة راسخ عريق، ومنهجه في التربية قويم، فـ: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فقد كان العرب بما جبلوا عليه من أخلاق الصحراء أصحاب نجدة ومروءة وشهامة وكرم وشجاعة .... إلخ من الخلال النفسانية التي تدل على نفاسة المعادن ونقاء الأصول من خبث الحضارات المادية التي كانت تجاورهم شرقا وغربا، فلم تكن تعرف من النبوة إلا آثارا دارسة في الغرب الروماني فهو على رسم الوثنية التثليثية ذات الجذور الأرضية وإن انتسبت زورا إلى الرسالة السماوية، ولم يكن للشرق بها سابق عهد، فهو على رسم الوثنية المجوسية الصريحة، فبعث صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالوحي لينفي خبث المعادن، فيزيل الركام من عليها ليظهر بريقها بعد التهذيب برسم: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"، فجعل الفقه قيدا في اتصال إسناد الخيرية، ومنه فقه الأخلاق فصارت الشجاعة نجدة للمظلوم لا عدوانا على الضعيف، وصار الكرم نجدة للمكروب لا سفها ورياء ...... إلخ، فأشرقت شمس النبوة على محال زكية فتمت مكارم الأخلاق برسم التوحيد أصل كل خلق قويم، فلا صلاح لعلم أو عمل أو خلق أو سياسة إلا برسم الشريعة، فهي معدن صلاح الأفراد والأمم، بل هي معدن صلاح الأمصار والدول، فإذا غابت أحكامها كما هي الحال في زماننا: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، فبما كسبت أيديهم ويعفو الرب الصبور الحليم عن كثير، و: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فتمام أخلاقهم الذي بعث لأجله النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم على جهة القصر الادعائي مبالغة في العناية بشأن الأخلاق فهي التأويل الظاهر لما يقوم بالقلب من علوم وإرادات، فلا تصدر غالبا إلا عن أصل صالح، إما شرعا فقد جمع له جودة الطبع وامتثال الشرع، فجبل على مكارم الأخلاق على رسم الأشج رضي الله عنه، ثم جاء الوحي ليزيده عظمة وكمالا، وإما طبعا فصاحبه مظنة الانقياد ولو بعد حين لأمر الشرع الحنيف، فعنده من الملكات الجبلية ما يوافق أحكام الشرعة الإلهية، فالشرع لا يجافي الفطرة الإنسانية القويمة، فامتناع التعارض بين الشرع والفطرة من جنس امتناع التعارض بين النقل والعقل، فكل من عند الرب، جل وعلا، فالشرع منه وحيا برسم: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فتحيى به النفوس، والفطرة والعقل منه خلقا، فـ: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، فلا يتصور التعارض والمصدر واحد، ولذلك كان أولئك الأفاضل الذين جبلوا على مكارم الأخلاق هدف كل دعوى دينية قويمة، فهم أقدر الناس على القيام بأعبائها، فهم، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، أول من تتوجه إليه أنظار الدعاة إلى
(يُتْبَعُ)
(/)
الحق، وضرب لذلك مثلا جليلا هو دعوة الصديق، رضي الله عنه، وقد حمل أعباء الدعوة إلى الدين الخاتم من لحظة إسلامه إلى لحظة مماته، فتوسم فيمن توسم من أفاضل قريش الذين كانوا يغشونه لما يجدونه من طيب معشره وحسن صحبته وسخاوة نفسه وكرم أخلاقه وسعة علمه، فهو المألوف المحبب إلى الناس، القائم بدياتهم، ولا يقوم بها في قريش إلا أهل الفضل والصدق، وهو الصديق اسما ورسما، فتوسم في ثلة صارت بعد ذلك بيضة الإسلام الأولى فنالها من عناية الوحي ما لم ينل غيرها، فكانت النواة التي تنحاز إليها الحواشي، والموضع الذي يأرز إليه الناس حال الشدة والزلزلة، فلا صمود لأمة في وجه المحن إلا بنواة كتلك النواة الصلبة التي تستعصي على الكسر والقهر لما نالها من ضروب التربية الشرعية، فعلى يد صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم تربوا، وعلى عينه صنعوا، وبخلقه تأسوا، فـ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، وما سقوط الأمم والدول في زماننا بما فيها دول المسلمين إلا لفقدان تلك النواة، فليس الهدف، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، أن يكون الجيش كله على رسم الصديق والفاروق، رضي الله عنهما، فذلك محال لتباين الطباع وتفاوت القدرات، ولكن لا بد لأي جماعة إنسانية من أبي بكر وعمر تأوي إليهما في المحن والخطوب، فقد آوى الأصحاب، رضي الله عنهم، وهم خير طباق العالمين بعد الأنبياء والمرسلين، آووا إلى ركن الصديق، رضي الله عنه، بعد وفاة القائد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وردة جمع كثير من الحواشي التي لم تنل ما نالوه من الصناعة النبوية المحكمة، فزلزل المؤمنون زلزالا شديدا، وكان الصديق، رضي الله عنه، قدر الرب، جل وعلا، الذي حفظ به الديانة من النقصان، وثبت به المهاجرين والأنصار فـ: "خطبنا أبو بكر ونحن كالثعالب فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود"، فله من شجاعة الديانة وشجاعة الحرب والسياسة ما ليس لغيره، ولو كان أشجع منه في قتال الأبدان، فتلك أدنى مراتب الشجاعة.
والشاهد أن المهاجرين ابتداء ثم الأنصار بعدهم، قد نالهم من أخلاق صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم حظ عظيم، فصاروا أهلا للصدارة، وإن كان للمهاجرين السبق، فعودهم أصلب لما لاقوه من ضروب الابتلاء والتمحيص في مبدأ الرسالة، فحبهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق، فـ: "آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله"، فقدم المسند إليه تشويقا، وجاءت المقابلة بين الإيمان والحب، والنفاق والبغض، تقريرا للمعنى بذكر المنطوق المشروع بل الواجب المحبوب، والنص على المفهوم المحظور بل المحرم المذموم، فالمنطوق كاف في بيان حكم ضده، فآية الإيمان حبهم فذلك يفيد بمفهومه ضرورة أن آية النفاق بغضهم، ولكن لعظم الأمر حسن التنبيه على المعلوم ضرورة إمعانا في تقرير المعنى حضا على لزوم ما تصح به الديانة، فأصل الولاء والبراء: حبا للمؤمن وبغضا لضده من كافر أو منافق، أصل جليل هو التأويل الفعلي للتصور العلمي لمسألة الإيمان، فليست مسألة نظرية بحتة تحصل السلامة فيها بمجرد التصور الذهني المحض فلا ينفع التصديق المجرد بلا شاهد عدل من قول اللسان وعمل الجوارح، ومنها الجارحة القلبية الباطنة التي يقوم بها من أجناس الإرادات ما يشهد للتصديق الأول من حب لأهل الإيمان، والمهاجرون والأنصار أعلاهم طبقة، فهم الصدر الأول في كل فضيلة دينية ومكرمة أخلاقية، أو ينقضه من بغض لأهل الإيمان وميل عنهم إلى أهل الكفر والإلحاد، كما هي حال كثير من المنافقين في زماننا، فقد استعلن منهم من استعلن بما في قلبه من نية سوء وإرادة شر بالمؤمنين لا سيما المستضعفين الذين لا ناصر لهم في زمان الذلة إلا الرب، جل وعلا، فلا دين ولا مروءة في نفوس ألفت الذلة، فظاهر أهل الكفران على أهل الإيمان، وتآمر معهم لخذلان المؤمنين المستضعفين وفتنتهم في الدين، فتلك أعظم فتنة، وتلك من أظهر أمارات النفاق الأكبر كما قرر ذلك جمع من المحققين، فحسن التنبيه على المفهوم مع علمه ضرورة حضا على لزوم ذلك الأصل الجليل، ولو بالقلب، فـ:
(يُتْبَعُ)
(/)
"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه"، فأضعف الإيمان أن ينكر القلب خذلان المؤمنين والمؤمنات من المستضعفين والمستضعفات إن لم يستطع لهم نجدة، وأن يبذل وسعه في نصرتهم معذرة إلى الرب القادر على نصرتهم، فحسن التنبيه حضا على لزوم ذلك الأصل الجليل، وتحذيرا مما يقدح فيه من صور المظاهرة القلبية واللسانية والفعلية للكفار، وكلها، تقريبا، واقعة في زماننا!، فالقدح فيه: قدح في صحة الديانة فليس انتحاله ترفا علميا من جنس ما صرفت فيه أوقات وأعمار من إشعال معارك وهمية في مسائل خلافية، تحريرها: مطلب شرعي جليل، ولكنه مما لا تتوقف عليه صحة الإيمان، فحقه التأخير لا غمطا له، فغمط الشريعة أصولا أو فروعا مظنة الزندقة بل الكفر فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، وإنما ترتيبا للمسائل وتقديما للأولويات الشرعية الملحة لا سيما إن كانت نوازل عامة أو خاصة، فواجب الوقت يختلف من عصر إلى عصر، ومن مصر إلى مصر، بل من وقت إلى وقت في اليوم الواحد، بل من فرد إلى فرد في البلد الواحد.
فـ: من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله:
فذلك من التذييل بذكر لازم الإيمان من حب الرحمن، جل وعلا، ولازم الكفران من غضب الجبار تبارك وتعالى، وهو جار على ما تقرر في الشرط الذي يرد في معرض ترغيب أو ترهيب، فهو خبري المبنى، إنشائي المعنى، فيفيد الأمر بحبهم فهو الذريعة إلى حب الله، عز وجل، وحب رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والنهي عن بغضهم فهو الذريعة إلى ضد ذلك، فتأويله: أحبوهم فحبهم مئنة من كمال الدين ولا تبغضوهم فبغضهم، ولو لأمر دنيا مئنة من نقصان الدين، فكيف بمن أبغضهم لأجل دينهم فهو مبغض له ولمن جاء به ولمن أرسله وليس كفر أعظم من ذلك، وإن جرى مجرى اللازم، فليست تلك مقالة صريحة إلا لزنديق خالص.
والمعنى يعم كل الصحب والآل، رضي الله عنهم، فذكر الأنصار هنا ليس مخصصا للحكم، بل من أحب المهاجرين فهو أولى بالحب، ومن أبغض المهاجرين فهو أولى بالبغض، فمكانتهم أعلى من الأنصار لمكان السبق إلى التصديق والتأييد، وهكذا يترقى القياس في الأولوية، فمن أبغض من عظمت محبته في قلب صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فـ: "من أحب الناس إليك قال: عائشة"، فقد استحق بغض وغضب الرحمن، جل وعلا، بل قد مرق من الديانة ببغضه من يحبه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتلك مئنة ظاهرة من بغضه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكيف بمن رماه بما نفاه التنزيل جزما، فقد اجتمعت له أسباب الكفر تترى!، فهو مؤذ للرسول بإيذاء حبيبه، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)، فأعد العذاب المهين لمن آذى الله ورسوله، ولا يكون العذاب مهينا إلا لكافر أصلي أو مرتد أو منافق نفاقا أكبر، كما حرر ذلك بعض أهل العلم، فإيذاؤه صلى الله عليه وعلى آله وسلم على جهة القصد: كفر، وإيذاء بقية المؤمنين بهتان قد يصل إلى حد الكفران لو كان لأجل دينهم فيكون ذلك مئنة من بغض فاعله للدين لا لأعيانهم، وهو قادح فيه بالقدح في فراشه الطاهر، فـ: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)، روى اللالكائي في أصوله بإسناده إلى الحسن بن زيد: "لما ذكر رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ
(يُتْبَعُ)
(/)
لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور، آية 26].
فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه"، وهو مكذب للتنزيل المتواتر المبرئ للفراش الطاهر، كما قال الإمام مالك رحمه الله: "من سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن"، يقول ابن حزم، رحمه الله، في التعليق على هذا الحكم الحاسم لمادة الزندقة والكفران: "قول مالك ها هنا صحيح، وهي ردة تامة، وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها"، وهو قادح في حكمة الرب، جل وعلا، فقد اصطفى لخير الخلق وأطيبهم شر فراش وأخبثه!، فالحكم بكفر من زعم ذلك متعين لإنكار معلوم ديني ضروري، وليس ذلك مما تخفى حجته اليقينية، فهو من أظهر مسائل الدين.
وجاء الجناس بين فعل الرب، جل وعلا، "أحبه الله"، وفعل العبد، "أحبهم"، ليزيد معنى الجزاء تقريرا، فالجزاء من جنس العمل، فالمشاكلة حاصلة في اللفظ، وفي أصل المعنى الكلي في الذهن، دون حقيقته الجزئية في الخارج، فحب الرب، جل وعلا، يباين في حقيقته حب العبد، وإن اشتركا في أصل المعنى.
وكذلك الشأن في الشطر الثاني من الشرط، فالجناس والمشاكلة فيه من جنس الجناس والمشاكلة في الشطر الأول، وجاء إظهار اسم الله، عز وجل، في الشطر الثاني، وقد تقدم فحقه الإضمار اللفظي، جاء عناية بتقرير المعنى في معرض الترغيب ثم الترهيب فلا قيام للدين إلا بالمزاوجة بينهما، فرجاء ورغبة يحملان على الفعل، وخوف ورهبة يحملان على الترك.
و: الأنصار: "كَرِشي وَعَيْبتي"، فهم موضع سره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا يضع المرء سره إلا حيث أحب، فـ: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، فالله، عز وجل، أعلم حيث يجعل رسالته بلاغا إلى الناس فتلك وظيفة الرسول، وأداء إلى أمم الأرض برسم: "بلغوا عني ولو آية"، فتلك وظيفة أتباعه، والأنصار من خاصتهم، ولا يصلح لحمل هذا الأمر بداهة إلا خاصة الرسول من أصحابه الذين علموا من حاله وأخلاقه ما لم تعلمه القرون التالية، فليس الخبر كالمعاينة، فهم أعلم الناس بألفاظ الوحي ومعانيه وأفقه الناس بمراده ومراميه، فحبهم فرع عن حب من نزل عليه، فمن أحب ما جاء به من الهدى أحب من حمله إليه، ولم يحمله إلى أمم الأرض إلا أصحابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المهاجرين والأنصار، ولذلك كان حبهم من حبه، وبغضهم من بغضه، وكان حبهم من الإيمان فقد حملوا أركانه وأحكامه إلينا، وكان بغضهم من الكفر والنفاق.
فحبهم لأجل ما حملوه من الوحي المنزل: إيمان به، وبغضهم لأجله: كفر به، وبغضهم لغيره فسق يخشى على صاحبه فلا يجد في نفسه على أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا مفتون، وإلى ذلك أشار ابن حزم، رحمه الله، في "الفصل" بقوله:
"ومن أبغض الأنصار لأجل نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر لأنه وجد الحرج في نفسه مما قد قضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من إظهار الإيمان بأيديهم ومن عادى عليا لمثل ذلك فهو أيضا كافر وكذلك من عادى من ينصر الإسلام لأجل نصرة الإسلام لا لغير ذلك". اهـ
وهو ذريعة إلى إبطال الدين بالقدح في أولى حلقات إسناده، ولذلك نال أولئك السادة، من الكفار الأصليين لا سيما كفار أهل الكتاب قديما وحديثا والزنادقة من المنافقين والعلمانيين وأصحاب البدع المغلظة، نالهم من تلك الشراذم ما نالهم من صنوف القدح والبغض والسب، فـ: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، فإذا سقطت عدالة الصدر الأول سقط إسناد الدين جملة وتفصيلا، كما أشار إلى ذلك القاضي عياض، رحمه الله، بقوله: "وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير جميع الصحابة ....... لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها إذ قد انقطع نقلها ونقل القرآن، إذ ناقلوه كفرة على زعمهم، وإلى هذا - والله أعلم - أشار مالك في أحد قوليه بقتل من كفر الصحابة". اهـ بتصرف
وقال ابن عقيل رحمه الله:
(يُتْبَعُ)
(/)
"الظاهر أن من وضع هذا المذهب، (الذي ينتحل بدعة سب الصحابة رضي الله عنهم)، قصد الطعن في أصل الدين والنبوة، وذلك أن الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر غائب عنا، وإنما نثق في ذلك بنقل السلف، وجودة نظر الناظرين إلى ذلك منهم ... فإذا قال قائل: - إنهم أول ما بدأوا بعد موته بظلم أهل بيته في الخلافة، وابنته في إرثها، وما هذا إلا لسوء اعتقاد في المتوفى.
فإن الاعتقادات الصحيحة سيما في الأنبياء توجب حفظ قوانينهم بعدهم لا سيما في أهليهم وذريتهم.
فإذا قالوا: إن القوم استحلوا هذا بعده، خابت آمالنا في الشرع؛ لأنه ليس بيننا وبينه إلا النقل عنهم والثقة بهم. فإذا كان هذا محصول ما حصل لهم بعد موته خبنا في المنقول، وزالت ثقتنا فيما عولنا عليه من اتباع ذوي العقول، ولم نأمن أن يكون القوم لم يروا ما يوجب اتباعه، فراعوه مدة الحياة، وانقلبوا عن شريعته بعد الوفاة، ولم يبق على دينه إلا الأقل من أهله، فطاحت الاعتقادات، وضعفت النفوس عن قبول الروايات في الأصل، فهذا من أعظم المحن على الشريعة". اهـ بتصرف
وقال الذهبي رحمه الله:
"فمن طعن فيهم أو سبهم، فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين؛ لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم، وإضمار الحقد فيهم، وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم، وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنائه عليهم وبيان فضائلهم ومناقبهم وحبهم ....... والطعن في الوسائط طعن الأصل، والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول، هذا ظاهر لمن تدبره، وسلم من النفاق، ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته". اهـ بتصرف
ثم جاء النص على المفهوم لما تقدم من عظم الشأن الذي يحسن معه النص على المنطوق والمفهوم معا تقريرا لذلك الأصل الجليل من أصول الدين:
ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم: فأظهر اسمهم وحقه الإضمار لتقدم ذكره، فإظهارهم في موضع الإضمار مزيد عناية بشأنهم وتنويه بذكرهم، فمن أبغضهم فذلك لحرج في صدره من صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبغضهم لأجل دينهم بغض لمن أدى إليهم هذا الدين، والشرط جار مجرى التهديد، فبغضه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كقر صريح، فالخبر الشرطي بشقيه: إنشائي المعنى، فتأويله: أحبوا الأنصار بسبب حبكم لي فلا يصح إيمانكم إلا بذلك، ولا تبغضوهم فذلك بغض لي يزول به أصل الدين من القلب.
والله أعلى وأعلم.(/)
أسئلة السنة المنهجية
ـ[يوسف1]ــــــــ[21 - 09 - 2010, 11:44 م]ـ
ممكن اسئلة السنه المنهجية ماجستير ادب وبلاغة ونقد
اسئلة المواد الدراسية جامعة ام القرى
ـ[خود]ــــــــ[22 - 09 - 2010, 02:26 م]ـ
وضّح طلبك أخي الكريم
أتعني أسئلة الاختبار التحريري للمتقدمين للدراسات العليا؟
و هل تريد أسئلة سنة معينة .. أو جامعة معينة؟
حدد .. ليأتيك المسعفون رجالا ..(/)
التشبيه الضمني
ـ[عربية فخورة]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 12:38 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أرجوكم أن تساعدونني تساعدوني في هذا المثال: كل الذي فوق التراب تراب.
هل يحتوي هذا المثال على تشبيه ضمني؟
منتظرة ردودكم و شكرا جزيلا;)
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 12:55 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أرجوكم أن تساعدونني في هذا المثال: كل الذي فوق التراب تراب.
هل يحتوي هذا المثال على تشبيه ضمني؟
منتظرة ردودكم و شكرا جزيلا;)
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة: عربية فخورة
أهلا وسهلا بك ِ في منتدى الفصيح، نزلت ِ أهلا ووطئتِ سهلا نتمنى لكِ طيب المقام والافادة، فحياكِ الله وبياكِ في بيتكِ الثاني.
الذي أعرفه عن هذا الشطر من البيت أنه تشبيه بليغ.
المشبه: كل الذي فوق التراب.
المشبه به: تراب
وجه الشبة والأداة محذوفة.
والتشبيه البليغ كما تعرفين أنه تشبيه حذف فيه وجه الشبة وأداته / والله أعلم بالصواب.
أما التشبيه الضمني فهو تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه بل يلمحان في التركيب.
والله أعلم بالصواب وهو الموفق.
ـ[عربية فخورة]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 01:00 ص]ـ
شكرا لك وبارك الله فيك أختي العزيزة زهرة متفائلة
ـ[عربية فخورة]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 01:06 ص]ـ
تصبحين على خير
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 01:08 ص]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
التشبيه الضمني:
وهو تشبيه خفي لا يأتي على الصورة المعهودة ولايُصَرح فيه بالمشبه والمشبه به، بل يُفْهم ويُلْمح فيه التشبيه من مضمون الكلام، ولذلك سُمّي بالتشبيه الضمني، وغالباً ما يكون المشبه قضية أو ادعاء يحتاج للدليل أو البرهان، ويكون المشبه به هو الدليل أو البرهان على صحة المعنى.
باختصار التشبيه الضمني قضية وهي (المشبه)، والدليل على صحتها (المشبه به).
مثل: قال المتنبي في الحكمة:
من يهُن يسهُل الهوان عليه** ما لجُرحٍ بميّت إيلامُ
ما سبق نلمح فيه التشبيه ولكنه تشبيه على غير المتعارف، فهو يشبه الشخص الذي يقبل الذل دائماً، وتهون عليه كرامته، ولا يتألم لما يمسها، بمثل حال الميت فلو جئت بسكين ورحت تجرحه به فلن يحس بذلك.
من الشبكة
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 01:11 ص]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة: عربية فخورة
وأنت ِ من أهل الخير، ولكن أرجو أن تكوني قد استوعبتِ ما جلبته لكِ، وأرجو أن تطلعي على معنى التشبيه الضمني وافهميه حتى يساعدك على استخراج ذلك بسهولة إذا عرضت عليك ِ مرة أخرى.
وبالتوفيق والسداد.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 11:59 ص]ـ
أظن أن الشطر مجاز مرسل باعتبار ما سيكون
فهنا الاستعارة تصريحية
شبه الإنسان بالتراب
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 12:00 م]ـ
أما التشبيه التضمني ببساطة هو تشبيه تمثيلي حذفت منه الأداة.
ـ[خود]ــــــــ[23 - 09 - 2010, 01:08 م]ـ
أظن أن الشطر مجاز مرسل باعتبار ما سيكون
فهنا الاستعارة تصريحية
شبه الإنسان بالتراب
أخي بحر الرمل
ألا ترى أولوية القول: على اعتبار ما كان
لأن الإنسان خُلق من تراب .. و هذه نشأته الأولى!
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[24 - 09 - 2010, 03:35 م]ـ
أخي بحر الرمل
ألا ترى أولوية القول: على اعتبار ما كان
لأن الإنسان خُلق من تراب .. و هذه نشأته الأولى!
كلام سليم
يتضح المعنى حسب قصد الشاعر إذا كان قصد أن الناس إلى زوال وفناء فهذا يعني أن العلاقة هي اعتبار ما سيكون
في الحقيقة عدت لديوان أبي فراس ورجحت هذا الفهم للبيت.
ـ[خود]ــــــــ[24 - 09 - 2010, 05:22 م]ـ
كلام سليم
يتضح المعنى حسب قصد الشاعر إذا كان قصد أن الناس إلى زوال وفناء فهذا يعني أن العلاقة هي اعتبار ما سيكون
في الحقيقة عدت لديوان أبي فراس ورجحت هذا الفهم للبيت.
فهمي له .. أم فهمكم له؟!
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[26 - 09 - 2010, 11:54 ص]ـ
كلام سليم
يتضح المعنى حسب قصد الشاعر إذا كان قصد أن الناس إلى زوال وفناء فهذا يعني أن العلاقة هي اعتبار ما سيكون
في الحقيقة عدتُ لديوان أبي فراس ورجحتُ هذا الفهم للبيت.
........
:)
ـ[خود]ــــــــ[27 - 09 - 2010, 04:56 م]ـ
وضع الضمة على التاء لم يوضح المغزى ..
فحتما أنت من عاد .. لكن ماذا اتضح لك أثناء عودتك:)
ـ[أبو طارق]ــــــــ[27 - 09 - 2010, 05:29 م]ـ
وضع الضمة على التاء لم يوضح المغزى ..
فحتما أنت من عاد .. لكن ماذا اتضح لك أثناء عودتك:)
أظنه يقصد ترجيح فهمه
دمتم في حفظ الله
ـ[خود]ــــــــ[27 - 09 - 2010, 06:52 م]ـ
أظنه يقصد ترجيح فهمه
دمتم في حفظ الله
نعم أبا طارق ..
ظننتُ ذلك أيضا ..
لكن نريدُ قطع شكنا بيقينه:)
دُمت بمثله أخي أبا طارق
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[28 - 09 - 2010, 06:23 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أرجوكم أن تساعدونني تساعدوني في هذا المثال: كل الذي فوق التراب تراب.
هل يحتوي هذا المثال على تشبيه ضمني؟
منتظرة ردودكم و شكرا جزيلا;)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
.
العبارة كما أحفظُها (شطر بيت)، ضمن أبيات:
فليتك تحلو والحياةُ مريرةٌ ... وليتك ترضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الذي بيني وبينكَ عامرٌ ... وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صحّ منك الودُّ فالأمرُ هيّنٌ ... وكلُّ الذي فوقَ الترابِ ترابُ!
أي: لا يُهمني أمرهم، فهم والعدم سواء.
المهم رضاك أنت، وصلاح ما بيني وبينك.
وعلى هذا المعنى؛ فرأيي من رأي زهرة: تشبيه بليغ، ووجه الشبه: انعدام القيمة / الأهمية، < فهم كالتراب.
ولا علاقة للمعنى ـ في هذا السياق ـ بأصل النشأة؛ لا باعتبار ماكان، ولا ما سيكون!:)
والله أعلم.
ـ[خود]ــــــــ[28 - 09 - 2010, 10:13 م]ـ
ولا علاقة للمعنى ـ في هذا السياق ـ بأصل النشأة؛ لا باعتبار ماكان، ولا ما سيكون!:)
أحسنتِ أيتها الفريدة ..
و على كُلٍّ ..
الحمداني أعتبرنا تراب .. فلا ضير من الغلط في تحليل شعره:)
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 07:36 م]ـ
نعم عنيت ترجيح فهمي على ذاك النحو.
ـ[عمر المعاضيدي]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 11:49 ص]ـ
انا برأيي يصح ان مجاز مرسل بأعتبار ما كان بأعتبار أن اصل الإنسان لا شئ، كما يجوز أن يكون تشبيه بليغ و وجه الشبه إنعدام قيمة الإنسان فهو كالتراب، و هذا من بديع هذا البيت
ـ[عمر المعاضيدي]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 11:50 ص]ـ
انا برأيي يصح ان يكون مجاز مرسل بأعتبار ما كان بأعتبار أن اصل الإنسان لا شئ فيريد الشاعر تذكيره بأصله، كما يجوز أن يكون تشبيه بليغ و وجه الشبه إنعدام قيمة الإنسان فهو كالتراب فيريد الشاعر تشبيهه، و هذا من بديع هذا البيت.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[01 - 10 - 2010, 05:20 م]ـ
أنا برأيي يصح أن يكون مجازا مرسلا باعتبار ما كان باعتبار أن أصل الإنسان لا شيء فيريد الشاعر تذكيره بأصله، كما يجوز أن يكون تشبيها بليغا و وجه الشبه انعدام قيمة الإنسان فهو كالتراب فيريد الشاعر تشبيهه، و هذا من بديع هذا البيت.
نعم أخي يصح اعتباره مجازا مرسلا وهذا الأرجح برأيي.
ـ[عبد الوهاب الدار]ــــــــ[03 - 10 - 2010, 10:14 ص]ـ
وكل الذي فوق التراب تراب: تشبيه بليغ حذفت الأداة ووجه الشبه وبقي المشبه والمشبه به.(/)
ومن قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 01:55 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ....... ):
فهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على جهة الحذف لما قد علم من السياق بداهة، فحذف المسند إليه، ولا يخلو، كما قال صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، من بيان لتشويق تقدم بذكر جملة من أوصاف النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتطلع السامع إلى معرفة المنعوت بتلك النعوت الجليلة، فهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم جاء الاستئناف بوصف من معه، فذيل بذكر الأتباع عقيب ذكر المتبوع، فـ: "الذين معه": فتلك معية النصرة والتأييد، فـ: (أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ): فتلك من أظهر صور العناية الخاصة بالأنبياء عليهم السلام عموما، وبالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم خصوصا، فقد كانت معيتهم له طاعة واتباعا برسم: "لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبر فى الحرب، صدق فى اللقاء"، ونصرة وتأييدا، فهي من جنس معية التأييد الرباني في نحو قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، فجنس التأييد واحد، وإن كان تأييد الرب، جل وعلا، أعظم وأجل، بل ما تأييد الأصحاب، رضي الله عنهم، للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا أثر من تأييد الرب، جل وعلا، له، فهو، كما تقدم، من أعظم صور العناية الربانية بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: "إن الله اختارني واختار لي أصحاباً فجعل منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً"، و: "من كان مستنا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمدٍ صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم كانوا أفضل هذه الأمة؛ أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، اختارهم اللَّه لصحبةِ نبيه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم ولإقامةِ دينهِ، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبِعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسِيرهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم".
وفي أعصار الفتن التي تموج، كعصرنا الذي نعيش فيه، وليس لأحد أن يختار زمن حياته أو قدرها أو جنسه أو أهله ..... إلخ، فذلك من المقدور الكوني النافذ، فليس ثم إلا مدافعته بالمقدور الشرعي الحاكم، فلكل قدر كوني قدر شرعي يحكمه فقد ابتلى الرب بالتكوين لينظر كيف يعمل المكلف بالتشريع، فـ: (لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)، و: (جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)، و: (كَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)، و: (لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)، و: (جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، ففي أعصار الفتن كتلك التي نحياها، ترد نوازل يفتقر فيها الحي إلى الاستنان بمن قد مات من أهل العلم والصلاح، فالحي قد تشتبه عليه الأمور، فيظن المرجوح راجحا، والمفضول فاضلا، فلا يملك الناظر في حاله إلا إحسان الظن به إن كان من أهل الفضل، والعدول عن قوله إن اعتبر ما لم يعتبره الشرع، فالشرع حكم عدل، وغيره محكوم له، فلا يخضع الشرع لقول أو فعل، وإن صدر من عالم أو فاضل، فكلٌ في قيد الوحي أسير، وليس تعظيم النقل وتقديمه على العقل والرأي يالأمر اليسير فلا يصمد له إلا المخلصون الراسخون في العلم
(يُتْبَعُ)
(/)
والشاهد أن الاستئناف قد جاء بيانا لأوصاف التابع عقيب بيان أوصاف المتبوع، فوصفه من وصفه فمن مشكاته قد صدروا، وعلى عينه قد صنعوا فكانوا نواة صلبة تجمع حولها الصدر الأول، فذلك جيش النبوة الذي أرسل، كما أرسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، برسم: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، فأرسل أهل الحجة والبرهان من العلماء الربانيين على أهل الشبهات: شهبا ثاقبة فدحضوا مقالات الملل والنحل فكل مقالة تباين مقالة النبوة الأولى باطلة نقلا وعقلا فليس ثم إلا النقل من الرب تشريعا والعقل منه تكوينا فالتناقض بين التشريع والتكوين محال عقلا، وأرسل أهل السيف والسنان من المقاتلين على أهل العدوان الذين لا ينفك عدوانهم على الأديان عن عدوان على الأبدان، فهو تأويل ما يقوم بالنفوس من الإرادات التي لا تصدر إلا عن تصورات علمية تنشأ من النقل الباطل برسم التحريف أو العقل الفاسد برسم التأويل فما جنى على الرسالات إلا تحريف المبطلين وتأويل الغالين، ولأجله ابتعث الله، عز وجل، بقدره الكوني، من ابتعث من الرسل عليهم السلام وأتباعهم، لينفوا عن الفطرة الأولى ما علق بها من كدر المقالات والأهواء، فكير الوحي الذي جاء به الأنبياء عليهم السلام وحمله الأتباع من بعدهم ينفي خبث الكفر والبدعة، وعلى هذا الوجه حمل صاحب "التحرير والتنوير" قول من جعل الواو عاطفة فهو: (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ)، وأرسل الذين معه، فيقدر محذوف متأخر من جنس المذكور المتقدم، فذلك أولى من تقدير غيره، وإن كان التقدير ابتداء خلاف الأصل، فيقدر المحذوف الذي دل عليه السياق اقتضاء لو حمل على العطف، بخلاف الاستئناف، كما تقدم، فلا يلزم له تقدير محذوف، ولكل وجه، ولا مانع من حمل السياق على كلا الوجهين، فذلك إثراء للمعنى، ففي الأول: بيان لوصفهم فهم: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، وفي الثاني: بيان لوظيفتهم، فقد اصطفاهم الرب، جل وعلا، لتبليغ الرسالة إلى بقية الأمم، كما اصطفى الرسل عليهم السلام لتبليغ الرسالة إلى النوع الإنساني فهم الواسطة بين الحق والخلق، فكلاهما اصطفاء، وإن كان الثاني أخص، فاصطفاء النبوة لا ينال باكتساب، واصطفاء الصحبة الخاصة للأنبياء عليهم السلام لا ينال، أيضا، بالاكتساب، فالصحبة، وإن كانت دون النبوة، مرتبة سامية لا مطمع في دركها، فهي اختيار رباني كما تقدم من كلام ابن مسعود رضي الله عنهما، واصطفاء الصحبة العام، فأتباع النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى قيام الساعة: أصحابه بالاتباع وإن لم يلقوه بالأبدان، فتلك المرتبة التي تنال بالاكتساب ويترقى فيها أصحاب الهمم الشريفة من العلماء فهم أعلم الناس بأخبار الرسالة وأحكامها، والمجاهدين فهم أصدق الناس شهادة على صحة الرسالة فقد بذلوا من الدماء والجراحات ما شهد يقينا على صدق النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا زالت الشهادات تترى من آحاد المؤمنين والمؤمنات الذين خرجوا من حزب الكفر برسم الهجرة، ولو مستضعفين، فصدر منهم ما يعجز عنه كثير من الأقوياء القادرين، الذين لا حظ لهم من الدين، وإن عظم نصيبهم من أسباب الدنيا من رياسة ووجاهة ..... إلخ، فليس الأمر إلا قلبا راسخا لا تصده أجناس الترغيب والترهيب بل والتعذيب والتقتيل عن السبيل القويم، سبيل: (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، وإن كان البدن ضعيفا مهانا، فكرامة الروح على ربها، جل وعلا، ترفع ذكر صاحبها، فله الثناء الجميل على كل لسان، فـ: "أنتم شهداء اللَّه في الأرض"، فلا عبرة ببدن قوي منعم قد تيسرت له أسباب الدنيا، وهو عن الدين غافل، فمادة الضعف والفساد فيه كامنة، وروحه لم تزل في ضنك الشقاء حاضرة، فـ: (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)، فالمعيشة الضنك لا تجدي معها وسائل الترف المادي، فلا تزيد الروح إلا تعاسة، وإن كان ظاهر
(يُتْبَعُ)
(/)
البدن منعما، فـ: "إن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، فالصورة قد تحسن في عين طلاب الدنيا الفانية برسم: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ)، ولكنها لا تخدع أصحاب الديانة الكاملة برسم: (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ): فالخيرية منزوعة التفضيل فليس فيما كان فيه قارون خير وإن ظهر ذلك بادي الرأي، فلا خير في الدنيا يعدل خير الآخرة، فخيرها كلا خير بل هو عين الشر إلا ما كان في سبيل الله عز وجل من دم أو مال أو جاه.
فيكون الإرسال على وجهين: إرسال النبي فهو حقيقة في الإرسال الشرعي المعهود فينزل الرسول الملكي على الرسول البشري بالوحي، برسم: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)، وإرسال أتباعه برسم: "اللَّه ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة اللَّه، ومن ضيق الدنيا إلى سعتهما، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود اللَّه. قالوا، (أي الفرس): وما موعود اللَّه: قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي"، فهو مجاز بالنظر إلى حقيقة الإرسال الشرعية المعهودة، فالأصل في الألفاظ عموما: حملها على الحقيقة فلا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر حمل الكلام على الحقيقة المركبة من مادة اللفظ المعجمية والسياق الذي ترد فيه فهو أصل في تعيين مراد المتكلم، فضلا عن القرائن الخارجية من نصوص أخرى، أو من قياس العقل الصريح حيث يجوز استعماله فلا مجاز في غيب لا يدرك العقل كنهه ابتداء فالقرينة العقلية ممتنعة في الغيبيات جائزة في الحكميات بل هي أصل القياس الشرعي بملاحظة العلة المؤثرة في تشريع حكم الأصل فيقاس عليها ما يحدث من الفروع، والأصل في الألفاظ الشرعية حملها على الحقيقة الشرعية، فالإرسال ينصرف بداهة إلى الإرسال الشرعي، وهو واجب في حق الرسل عليهم السلام ممتنع في حق غيرهم لمكان الاصطفاء في هذا الباب، كما تقدم، فيكون لفظ الإرسال: المذكور في حق الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمقدر في حق غيره جاريا مجرى الجناس، فاللفظ واحد، والمعنى الكلي الجامع واحد، فمادة الإرسال في كليهما ظاهرة وإن اختلفت الجهة، كما تقدم، فليس إرسال النبيين برسم التبليغ كإرسال الصالحين برسم الدعوة، فاللفظ واحد ولكن المعنيين متباينان، فإرسال كلٍ يستقل بمعنى لا يوجد في الآخر، فلم يوح إلى الأصحاب رضي الله عنهم ولم يشارك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في فتوح البلدان وإن وقع التمهيد لذلك في عهده بجملة من السرايا والغزوات، فلفظ الإرسال بالنظر إلى المعنى الشرعي المعهود: حقيقة في الرسل عليهم السلام، مجاز في حق أصحابهم، وذلك من شواهد الجمع بين الحقيقة والمجاز، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
والضمير في: "معه": يرجع ابتداء إلى أصحاب الحديبية لقرينة السبب، ولكن معنى الصحبة العام يشمل كل أصحابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالعبرة بعموم المعنى، فالصحابة، رضي الله عنهم، عدول كلهم، فيكون للضمير مرجعان: خاص بأهل الحديبية تنويها بشأنهم الخاص فهم أصحاب بيعة الشجرة الذين رضي الله عنهم، على جهة الجزم، فهو خبر لا يقبل النسخ، فـ: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)، فرضي عنهم تحقيقا مؤكدا باللام و: "قد" الداخلة على الماضي فرضي عنهم لأجل بيعتهم التي جاءت على حد المضارعة استحضارا لتلك الصورة الشريفة فعلم بعلمه الأول: تقديرا لتلك البيعة في عالم الغيب وعلم بعلمه الثاني: إحصاء لما صدر من أهلها من بيعة على الموت انتصارا للشهيد المظلوم عثمان رضي الله عنه، فعلم ما في القلوب فهو مطلع عليها، فيعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فلا يخفى عليه من
(يُتْبَعُ)
(/)
أمرهم الحاضر والمستقبل شيء فهم المصطفون برسم الصحبة والبيعة العامة على الإسلام ثم البيعة الخاصة على القتل، فـ: "ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر"، فاستثني من العموم منافق واحد حضر البيعة فهو خلاف الأصل بداهة، فرضي عنهم لما علم في قلوبهم من مادة الصدق والإخلاص في البيعة مع نقص العدة فأنزل السكينة عليهم والنزول لا يكون إلا من علو، فكلما علت ذات وشأن المنزِل علا قدر المنزَل، فالعلو مئنة من شرفه، فكيف إذا كان المنزِل هو الرب، جل وعلا، فله العلو المطلق: الذاتي والوصفي شأنا وقهرا، فالسكينة النازلة من عنده عظيمة القدر، جليلة الشأن بداهة فهي من آثار كلمات الرب، جل وعلا، الكونية فبها يثبت الرب، جل وعلا، المؤمنين، برسم: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا)، فتلك حالهم الحاضرة، وحالهم المستقبلة: (وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا): فجاء الماضي مئنة من تحقق وقوعه فذلك أعظم في البشارة، ونكر الفتح مئنة من التعظيم وقُرِّب مئنة من التعجيل فاجتمع في البشارة عظمها وقربها معا، وذلك من كمال المنة الربانية على تلك الثلة المباركة من الأصحاب، رضي الله عنهم، والفتح هو فتح خيبر، فهو أول فتح بعد الصلح، وقد حمله بعض أهل العلم كابن كثير، رحمه الله، على ما تلا تلك البيعة من الفتوح الربانية بما فيها الصلح نفسه، فهو فتح باعتباره سببا لما تلاه من فتوح من خيبر إلى مكة، فيكون ذلك من قبيل التنويه بشأن هذا الصلح العظيم، ويكون، أيضا، من قبيل ذكر السبب وإرادة المسبَّب، فكل ما تلاه من فتوح قد صدر منه وذلك أليق بسياق الامتنان فتعظم المنة بتعدد صورها، ومن غيرهم أحق بها وقد بذلوا من الوعود الصادقة والجهود المخلصة ما بذلوا نصرة للرسالة الخاتمة فقاموا بها خير قيام في زمن النبوة ثم حملوها برسم الفتح المبين إلى سائر أمم العالمين، فذلك أيضا من جملة الفتوح التي تلت ذلك الصلح وهي عند التدبر راجعة إليه، ويشهد لذلك، كما ذكر ابن كثير، رحمه الله، قوله تعالى في الآية التالية: (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا)، ولم يزل أحفاد تلك الأمم التي أخرجها الرب، جل وعلا، بتلك الثلة المباركة من ظلمة الشرك والقهر والاستبداد برسم السياسة الملوكية الجائرة تارة وبرسم الديانة الكهنوتية الباطلة أخرى إلى نور التوحيد والعدل، لم يزل أولئك ينعمون بآثارها، ففضلهم عظيم القدر ممتد الأثر، فلا زال أمر الدين في زيادة إلى يومنا مع عظم الغربة، فدين التوحيد أسرع الأديان انتشارا وإن كان بلا حديد ناصر في زماننا، فكتابه الهادي بمسائله ودلائله، بأخباره وحججه، ظاهر لا ينكسر أمام حجة خصومه فـ: (الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) فليس ثم إلا شبهات يحملها الخلف عن السلف، فبئس الوارث وبئس الموروث، في مقابل إرث النبوات فنعم الإرث وهنيئا لمن حمله فقام بأمره قيام الصدر الأول به فهو معقد ولائه وبرائه الأول، وهو همه الأوحد.
فيكون للضمير مرجعان: خاص يقتصر على أهل الحديبية، وعام يشمل بمعناه الصحابة كلهم، فذلك من التنويه العام بشأن كل من بلغ تلك الدرجة الرفيعة، فلا ينالها أحد بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد انقطعت بوفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما انقطع الوحي.
وحمل الضمير على المرجعين على جهة الاشتراك اللفظي بين المرجع الخاص والمرجع العام مما يزيد المعنى ثراء، فهو شاهد لدلالة المشترك على كلا معنييه: الحقيقي والمجازي على ما تقدم من كلام صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله من تجويز الجمع بين الحقيقة والمجاز فلكل وجه يحتمله اللفظ ولا يرده السياق بل يزداد به ثراء، وذلك أليق بكلام رب العالمين فمبنى التنزيل أفصح مبنى، فإيجاز حيث يحسن، وإطناب حيث يحسن، ومعناه أبلغ معنى، و: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).
(يُتْبَعُ)
(/)
فوصفهم في التنزيل: أشداء عَلَى الْكُفَّارِ: فذلك من جنس العزة المفقودة، فهم أشداء: شدة حسية في ساحات القتال التي تتعارك فيها الأبدان انتصارا للأديان، أحق ما بذلت فيه الدماء والأموال، وذلك أمر مشهود في تاريخ حروب البشر فأشرسها الحروب الدينية ولو كان المقاتل على عقيدة باطلة، فشدتهم ليست غلظة بمظلمة، فالظلم باطل في كل نبوة، والعدل قوام شريعة رب العالمين التي بعثت بها الرسل عليهم السلام، وإنما شدة بحق، برسم: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، واليوم تسلم البلاد ويسلم المؤمنون المستضعفون أخيرا لكفار أهل الكتاب برسم الذلة والصغار فلا شدة إلا على أهل الحق برسم الحرب الكونية على الإرهاب والتطرف الذي يكافئ الإسلام في زماننا!، فشدتهم في موضعها، فلا تنافي البر بالمعاهدين وأهل الذمة برسم: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، ولا يكون ذلك إلا برسم العزة، لا الذلة التي تكتسي بثوب زور من السماحة المزعومة، فالشدة: حسية برسم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، ومعنوية برسم: "لا تبادروا أهل الكتاب بالسلام فإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه"، فالسلام لأهل الإسلام، وأي تحية أخرى لغيرهم برسم الأدب لا الذلة وإعطاء الدنية، فمادة الشدة تقبل الانقسام إلى محسوس ومعقول، ولكل محله الذي يلائمه، كما أن للين محله الذي يلائمه فلا يحسن وضع اللين في موضع القتال أو إظهار العزة في موضع اللين في الدعوة برسم: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فالآيات جارية على سنن النسأ لا النسخ، فلكل زمان فقهه، ولكل موقف حكمه، ولكل ميدان سلاحه، ففي عراك الأديان يكون السلاح حجة وبرهانا، وفي عراك الأبدان يكون السلاح سيفا وسنانا، ولا يحسن، أيضا، وضع اللين في موضع الشدة وإظهار العزة لا سيما إن تطاولت شراذم الكفار على المسلمين في ديارهم فكيف لو كنا في ديارهم فكانوا هم الكثرة ونحن القلة وقد صار كثير من المسلمين في أمصارهم أقلية مستضعفة ضرب عليها الرب العلي بقدره الكوني رق الذلة حتى تراجع دينها، فوضع كل خلق في غير محله واستعماله على غير وجهه الذي وضع له إهدار للطاقة النفسانية، فـ:
ووضعُ الندى في موضع السيفِ بالعلا ******* مضرٌّ كوضع السيفِ في موضع الندى
و: "على": تفيد الاستعلاء، وذلك مما يلائم موضع الشدة، فالاستعلاء مظنة التمكن، فتكون الشدة مؤثرة في أهل الإسلام رفعة بلا علو في الأرض، وفي أهل الكفر ضعة بلا ظلم، وتلك من المواضع الدقيقة التي يقع فيها غالبا: الإفراط فيقع التعدي بالظلم، والتفريط وهو الغالب في زماننا فتقع المداهنة الباردة التي لا تزيد الكفار إلا كبرا وصلفا والواقع خير شاهد على ذلك، فكلما قدم المسلمون تنازلا ازداد الكفار شرها إلى تنازل جديد حتى تصير الدولة الفعلية لهم وإن كانت الدولة الاسمية لغيرهم، فالدولة حقيقة: نفوذ مؤثر برسم السياسة والحرب والاقتصاد، ولا تقوى تلك العناصر فتصير فاعلة إلا إن كانت صادرة من ديانة، ولو باطلة، فالدين، كما تقدم، أعظم محرك لأي شعور باطن أو فعل ظاهر.
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ: فعلى جهة المقابلة: رحماء بينهم، فالذلة بينهم برسم الرأفة كائنة، وهو، أيضا، مما يفتقده أهل الإسلام في زماننا، فـ: (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ)، وذلك مما ورد في وصف الكفار والمنافقين!، و: (هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)، وقد كان، فقد صار أهل الملة الخاتمة شيعا سواء أكانت نحلا تتباين في المعتقد فيقع التباغض والتضاغن بينها لا محالة فاختلاف القلوب،
(يُتْبَعُ)
(/)
كما تقدم، ذريعة إلى اختلاف الأبدان بالقتال، أو فرقا تتعارك على رياسات زائلة برسم الدين، وهو أقبحها، فيصير الدين وسيلة لنيل مكاسب عاجلة، وتلك سمة علماء السوء لا سيما في زماننا فمناصب شكلية لا تأثير حقيقي لها قد صارت معقد ولاء وبراء يتسابق أولئك في تقديم التنازلات طمعا في نيلها، فلا يزدادون إلا ذلة وصغارا في أعين من ولوهم ليضفوا على ملكهم الجائر صبغة شرعية هي منه براء، أو تتعارك على رياسات برسم السياسة، فصار الساسة أئمة ملهمين!، لا يتصور البشر الحياة بدونهم، وكل أولئك من شؤم نبذ الوحي، فـ: "ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم".
فهم: رحماء بينهم: والبينية مئنة من شيوع الرحمة في أوساطهم، فذلك آكد في تقرير هذا المعنى اللطيف كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
وذلك مما ورد التنويه به في التنزيل في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، فتلك مقابلة أخرى بين أثر الرحمة ذلة للمؤمنين، وأثر الشدة عزة على الكافرين، فاستوفى كلا السياقين: الوصف الباطن والأثر الظاهر.
وقد قرئ على النصب كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فيكون ذلك من قبيل النصب على الاختصاص مدحا، فيقدر عامل من مادة المدح، فيكون تقدير الكلام: أمدح الأشداء على الكفار الرحماء بينهم، وذلك مما يزيد السياق ثراء، فالسياق ابتداء: سياق مدح زيد فيه بتقدير عامل محذوف يزيد المعنى تقريرا كما تقدم.
تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً: فالخطاب لغير معين، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وذلك أليق بخطاب التشريع العام، فالدعوة إلى تأمل حالهم: دعوة عامة في كل عصر ومصر، فيكون ذلك جار مجرى ما تقدم مرارا من خطاب المواجهة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وخطاب التكليف بالرؤية العلمية على جهة التدبر لحال أولئك السادة فهو من أظهر دلائل النبوة، لمن تدبر ونظر، فلا يصنع أولئك الأفاضل في ذلك الزمن القياسي لا يصنعهم إلا وحي، فعنه يصدرون في كل عقد وقول وفعل، فحبهم، كما يقول بعض الأفاضل، من أرجى الأعمال، فهو برهان صدق على حب الرسالة وصاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذلك من أصول الدين، فحبهم يلتحق بحبه التحاق الفرع بالأصل فعنه صدروا: صدور الأبناء البررة عن الأب الرحيم فـ: (لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ).
والرؤية هنا مئنة من التعجب من تلك الحال الكاملة، وإتيانها على جهة المضارعة مئنة من دوام التفكر في حالهم، ودوام تلك الحال الكاملة، فهي وصفهم الثابت، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فتراهم:
رُكَّعاً سُجَّداً: فتلك أشرف مواطن العبودية التي حققها أولئك في حياتهم، فكان الدين بعلومه الباطنة وشعائره الظاهرة وشرائعه وأحكامه الخاصة والعامة كان معقد الولاء والبراء الوحيد في قلوبهم فبه يحيون وله ينتصرون فلا حظ لهم في مكسب أو رياسة، وليس الدين عندهم ذريعة إلى تسلط روحاني من جنس التسلط الذي يمارسه كهان الديانات الكهنوتية، أو مطعم حقير زائل من مطاعم الدنيا التي حملت كثيرا من المنتسبين إلى الديانات على التحريف والكتمان.
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً: فذلك من الإطناب بتعدد الأحوال: "ركعا"، و: "سجدا" و: "يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا": وذلك أليق بسياق المدح بتعداد خصال الممدوح، ولا يخلو من تقرير للعلة الغائية من تلك العبودية، فيسألون الجنة برسم: "أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ"، وقد يحمل السياق على تعدد الأخبار، كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله، وتعدد الأخبار أيضا يحمل على الإطناب بتعداد أوصاف الممدوح، فالخبر والحال كلاهما يدل على اتصاف صاحبه بالمعنى الذي اشتق منه، فقولك: زيد فاهم يدل على اتصاف زيد بصفة الفهم التي اشتق منها
(يُتْبَعُ)
(/)
الخبر، و: رأيت زيدا فاهما: يدل على اتصاف زيد بصفة الفهم التي اشتق منها الحال، ففي كلتا الحالين: الإطناب بالأوصاف يلائم سياق المدح لأولئك الأفاضل بتلك الصفات النفسانية الكاملة، فمنها اللازم في النفس إخلاصا في العبودية ابتغاء مرضاة رب البرية، ومنها المتعدي: شدة على أهل الكفران وذلة لأهل الإيمان.
فـ: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً: فنكر الفضل تعظيما، فضلا عن صدوره من الله، عز وجل، فذلك من ابتداء الغاية الذي يحتمل:
ابتداء غاية الوصف من الموصوف: فالفضل من الله: رحمة ورضا، فـ: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، والخيرية هنا، أيضا، منزوعة التفضيل، فلا وجه للمقارنة بين فضل الله، عز وجل، الذي ادخره لعباده الموحدين فهو باق، وبين ما جمعوه فكل مدخر في الدنيا فان.
أو: ابتداء غاية الأثر المخلوق لذلك الفضل فهو فضل بداهة من خالقه جل وعلا، فالرزق في دار الابتلاء من فضله وهو مما يسأله المؤمنون في هذه الدار برسم: "اللهم أسألك علما نافعا ورزقا واسعا"، وليس ذلك مما يعيب أهل الإيمان في شيء، فـ: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، و: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، فالأكل من النعم الكونية التي يقابلها التكليف الشرعي بالعمل الصالح شكرا، فالشكر يعم القلب واللسان والجوارح، ففسر إجمال الشكر في الآية الثانية بالعمل الصالح في الآية الأولى، وهو عمل منه: القلبي بأجناس العبوديات الباطنة من خوف ورجاء .... إلخ، ومنه: اللساني من ذكر وتلاوة، ومنه: العملي بالجوارح صلاة وحجا وجهادا ..... إلخ.
والجنة في دار القرار من فضله فهي مبتغى أصحاب الهمم الشريفة من أهل الشريعة.
ونكر الرضوان فهو من الله، عز وجل، أيضا، لقرينة ما تقدم من صدور الفضل منه، جل وعلا، فدل المذكور المتقدم على المحذوف المتأخر، والرضوان قد ورد تفسيره في موضع آخر من التنزيل، فـ: (رِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)، فنكر تقليلا، فأقل رضوان منه، جل وعلا، أعظم، وقد فسر برؤيته، جل وعلا، فهي أشرف أجناس النعيم في دار النعيم السرمدي.
سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ: فسيماهم في وجوههم بسبب أثر السجود، فـ: "من" في هذا الموضع: سببية، والسجود معنى ظاهر في الشعيرة المعهودة، ومعنى باطن هو مئنة من كمال الخضوع للرب المعبود، جل وعلا، فعنه يصدر فعل الجارحة بالسجود الظاهر، فتكون السيما: باطنة يظهر أثرها على الوجه لزوما، وقد فسرت، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، بثلاثة تفسيرات:
الأول: السيما المعهودة من أثر السجود الظاهر بلا تكلف أو رياء.
والثاني: السيما الباطنة فنور القلب إن كان خاضعا للرحمن، جل وعلا، يشع لزوما الجوارح.
والثالث: السيما في دار الجزاء، وهو تفسير أبي بن كعب، رضي الله عنه، ولا يمنع إعمال أحدها إبطال غيره، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، بل هي، عند التحقيق، متلازمة، فالتلازم بين الباطن والظاهر، والتلازم بين العمل في دار الدنيا والجزاء في دار الآخرة: تلازم وثيق، وذلك، أيضا، يجري مجرى اختلاف التنوع في التفسير فكل الأوجه صحيحة، بل متلازمة متعاضدة، كما تقدم، فيكون المعنى العام واحدا، وتقوم تلك التفسيرات مقام الآحاد أو الأفراد الشارحة فالتمثيل للعام بفرد من أفراده يزيده بيانا ولا يخصصه فيمنع دخول غيره معه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ: فتلك إشارة إلى المنقضي قريبا، على طريقة العرب في الإشارة إلى المنقضي، ولو قريبا، بإشارة البعيد، فقد انقضى وانتهى، وهو جار، أيضا، مجرى الإشارة إلى تلك الخصال المحمودة إشارة البعيد تنويها بذكرها وتعظيما لشأنها.
فذلك مثلهم العلمي في التوراة كما نقل ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله من سفر التثنية.
وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ: فذلك من التشبيه التمثيلي المجزأ، فاستعيرت صورة ظهور النبتة ضعيفة ثم تقويها بالشطأ وهي الفروع، وهم الأصحاب، رضي الله عنهم، الذين بذلوا في أم القرى، وآووا ونصروا في طيبة، وهو مجزأ من وجه تربوي لطيف ذكره صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالباذر هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والبذر هم نواة الإسلام الأولى من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فهم حجز الزاوية الصلب، ومركز الديانة الراسخ الذي دار في فلكه الشطأ الذي كثر بعد تمام استواء العود، فصلبت نواة الديانة بما مر على السابقين الأولين من ضروب الابتلاء والتمحيص، ثم تجمع حولها الجند المخلص الذي كان ذخيرة الفتح الراشد لأمصار العالم القديم برسم: (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ)، فأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن الرب، جل وعلا، الكوني، فقدروا المنة الربانية حق قدرها، فحملوها كتاب هداية وسيف عدالة إلى أمم الأرض المقهورة برسم الطغيان الديني والسياسي.
فلا بد لكل دعوة من قادة راسخين، يأرز إليهم الأتباع في النوازل، فبهم يثبت الرب، جل وعلا، القلوب والجيوش، فهم مادة النصر في أي فتح برسم: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ".
فـ: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ: ومنها استنبط مالك، رحمه الله، كفر من غاظه أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تفصيل ذكره أهل العلم، فمن غاظوه لأجل دينهم وما بذلوه نصرة له وتأييدا فهو كافر فما غاظه إلا الوحي، ولا يكون ذلك، بداهة، إلا من كافر به، فـ: (إِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)، فذلك حال الكفار الأصليين وأذنابهم من المنافقين في كل عصر ومصر، وإذا آنسوا ضعفا أو ذلة كما هي الحال في زماننا استعلنوا ببعض ما في صدورهم من الغل، فنالوا من الرسالة وصاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبا وقدحا فـ: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، ومن غاظوه لأمر دنيا فليس بكافر، وإن كان على خطر عظيم فحملان الغيظ لصفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، حملانه من أي وجه مظنة الهلاك.
ثم جاء الوعد على جهة الماضوية مئنة من تحققه، فهو كائن لا محالة، وذلك، أيضا، مئنة من عدالة الصدر الأول الذي حاز شرف الصحبة الخاصة، فهم أولى الناس بداهة: بالوعد الرباني بالمغفرة والأجر العظيم.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا:
فـ: "من": لبيان الجنس، فجنسهم موعود بذلك، كما أشار إلى ذلك ابن هشام رحمه الله في "مغني اللبيب" في معرض نقض مقالة أهل البدع الطاعنين في الصحابة رضي الله عنهم بادعاء التبعيض الذي يثبت الحكم لبعض منطوقا تحكموا في تعيينه حتى أخرجوا الصدر الأول كله من الدين إلا آحادا وينفيه عن بعض آخر بل هو الجمهور كما تقدم فقد ارتد الصدر الأول من المهاجرين والأنصار الذين رباهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالتنزيل فصنعوا على عين الوحي ارتدوا إلا ثلاثة أو خمسة ..... إلخ! وذلك ما لا يقع فيه آحاد المربين من المصلحين ولو على منهاج أرضي فكيف بخاتم المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم المبعوث بالمنهاج الرباني؟! فتصور هذا الفرض العقلي المحال ثم انتحاله وجعله من أصول الديانة نقض لها بإبطال نقلها بل نقض لبدائه العقول الضرورية!، فليست "من" للتبعيض إلا على وجه لا يلزم منه تخصيص بعض الأفراد دون بعض، فذلك قول يؤيد ما ذهب إليه من طعن في عدالة الصحابة، رضي الله عنهم، من المبتدعة والزنادقة، كما تقدم، بل يجري مجرى التمثيل للعام بذكر بعض أفراده فلا يخصصه، كما تقدم، فمن حمل الآية على الخلفاء الأربعة، رضي الله عنهم، كابن بطة، رحمه الله، في "الإبانة الكبرى"، وكما نقل الماوردي عن الضحاك، أو حملها على أصحاب الحديبية، فإن ذلك لا يعني بداهة قصر الوعد عليهم بل يعمهم ابتداء، ويعم غيرهم قياسا عليهم فوصف الصحبة هو الوصف المؤثر في ثبوت هذا الوعد، فيقاس بقية الأصحاب، رضي الله عنهم، عليهم، فعلة الحكم ثابتة في الفرع ثبوتها في الأصل.
وجاء التذييل بالمغفرة فذلك من باب التخلية فالمحل دنس بالذنوب، وبالمغفرة تحصل الطهارة له، فيصير المحل أهلا للتحلية بالأجر العظيم الذي نكر تعظيما كتنكير المغفرة التي تقدمته في الذكر، ثم جاء النص على الوصف بالعظمة صراحة إمعانا في تقرير المعنى، وحذف من المقدم لذكره في المؤخر فلا يحسن التكرار لما قد علم بداهة، فالعقول تدرك عظم المغفرة الربانية فذلك من البدائه الضرورية، والسياق قد دل على ذلك على معهود التنزيل في حذف ما دل السياق عليه فذلك جار مجرى ما قرره أهل البلاغة من إيجاز الحذف.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سنهور]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 04:53 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ولا عجب فهذه سمت المصرى(/)
هل " شهد الله لم غيب عن جفوني" أسلوب قسم؟
ـ[أحمد العاشر]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 11:57 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هل " شهد الله لم غيب عن جفوني شخصه" أسلوب قسم؟؟
ثانيا:
في قول الشاعر " وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني ......... "
من ضمن الرد على النقد أن يقول الراد أنه استخدم حرف "لو".
لكن ألا يزيد حرف "لو" الطين بلة؟
حيث إنه يفيد الامتناع لامتناع، أي امتناع أن تنازعه نفسه بسبب امتناع انشغاله بالجنة عن الوطن
أي نفي تام لإمكانية انشغاله بالجنة عن الوطن.
أليس كذلك؟
ـ[سنهور]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 04:21 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أولا قول شوقى:
شهد الله لم يغب عن جفوني
شخصه ساعة ولم يخل حسي
ليس بقسم وإنما هو يقول أن الله شاهد على مايقول
ـ[سنهور]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 04:28 م]ـ
ثانيا فى قوله
وطني لو شُغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
استخدم لو يزيد ما دخل عليه استبعادا
فلما كان الشىء الذى قد يشغله هو الجنة فإنه رغم هذا فلن ينشغل
أما النقد هنا فأنه هو أن الجنة لا يمكن للإنسان أن ينشغل عنها
بأى شىء حتى الوطن(/)
رسالة مني لكم عن الكناية فهل من مساعد ومجيب
ـ[عربية بدمي]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 02:39 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواتي واخواني في الله
انا من عشاق البلاغة وتعمقت في التشبيه والاستعارة والتورية وغيرها من الدروس
ولا انسى فضلكم وفضل اخي في الله احمد الصعيدي في التورية
ولكن الذي اعجر دائما عن فهمه هو الكناية ^^
وحاولت جدا في اخذ تمارين وحلها بمفردي واحل 10 من 30 مثلا ^^
وهذه بعض الامثلة الذي اطلب منكم مساعدتي فيها
واستخراج الكناية مع ذكر نوعها (صفة او موصوف او نسبة)
قال المعري في السيف:
1) سليل النار دق ورق حتى كان أباه أورثه السلالا
السليل: الولد
السلال: السل وهو داء معروف.
2) يروى أن الحجاج قال للغضبان بن القبعثري: لأحملنك على الأدهم. فقال: مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب, قال: إنه الحديد.
قال: لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليداً.
3) وقال يزيد بن الحكم في مدح المهلب:
أصبح في قيدك السماحة والمجـ ـد وفضل الصلاح والحسب.
4) وقال البحتري يصف قتله ذئباً:
فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها بحيث يكون اللب والرعب والحقد.
5) وقال آخر في رثاء من مات بعله في صدره:
ودبت له في موطن الحلم علة لها كالصلال الرقش شر دبيب.
6) قال أبو نواس في المديح:
فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يسير الجود حيث يسير.
اعتقد انه كناية عن الجود ونوعها كناية عن صفة؟؟؟؟؟ اعتقد ذلك
7) قال الشاعر:
تجول خلاخيل النساء ولا أرى لرملة خلخالا يجول ولا قلبا
8) وقال آخر:
مطبخ داود في نظافته أشبه شيء بعرس بلقيس
ثياب طباخة إذا اتسخت أنقى بياضا من القراطيس.
9) وقال آخر:
فتى مختصر المأكو ل والمشروب والعطر
نقي الكأس والقصعـ ـة والمنديل والقدر
8 _ 9 اعتقد انها كناية عن البخل ^^
10) كنانة الله كم أوفت على خطر
11) أنا الذي نظر الاعمى الى ادبي
12) يقول الشابي مخاطباً المستعمر: سخرت بأنّات شعب ضعيف
13) للبارودي وهو يتحدث عن الخديو إسماعيل:
يَوَدُّ الفتَى أنْ يجمعَ الأرضَ كُلَّها إليه ولمَّا يَدْرِ ما اللهُ صانِعُ
4 - قال النبي (صلى الله عليه وسلم): الخيل معقود بنواصيها الخير
كناية عن فوائد الخيل؟
15) لعنترة: وفي الحرب العوان ولدت طفلا http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif ومن لبن المعامع قد سقيت
16) - لعمرو بن كلثوم في معلقته: بِيَوْمِ كَرِيهَةٍ ضَرْباً وَطَعْناً
17) - لحسان بن ثابت في الإشادة بصحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif وإن أصيبوا فلا خور ولا جُزُعُ
18) - للمتنبي: فالخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
19) للأعشى في وصف محبوبته: .. ولا تَرَاها لسِرِّ الجار تَخْتَتِل
20) عتريس أقبل يختال تيها.
21) لا تكاد النجوم تبرح مكانها.
22) - وبناة الأهرام في سالف الدهر http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif http://medhatfoda.jeeran.com/IMAGES/xzx.gif كفوني الكلام عند التحدي
23) ولمّا شربناها ودبّ دبيبها & إلى موطن الأسرار قلت لها: قفي
24) فلسنا على الأعقاب تدمي كلومنا & ولكن على أقدامنا تقطر الدّما
25) وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها & فليس لمخضوب البنان يمين
26) وجدت فيك بنت عدنان دارا & ذكّرتها بداوة الأعراب
27) وروّيت بالدم قلب التراب & وأشربته الدّمع حتّى ثمل
28) فلسطين إنّا أجبنا الندا & وإنّا مددنا إليك اليدا
29) إنّ الذي ملأ اللغات محاسنا & جعل الجمال وسرّه في الضاد
30) أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي & وأسمعت كلماتي من به صمم
31) سيعلم الجمع ممّن ضمّ مجلسنا & بأنّي خير من تسعى به قدم
32) وقد أغتدي والطير في وكناتها & بمنجرد قيد الأوابد هيكل
33) إنّا لنرخص يوم الروع أنفسنا & ولو نسام بها في الأمن أغلينا
34) فاخفض جناحك للأنام تفز بهم & إنّ التواضع شيمة الحكماء
35) أمن العدل صاحب الدار يشقى & ودخيل بها يعيش سعيدا؟
وباذن الله تعالى سوف اطرح موضوع كامل عن التشبيه او الاستعارة والايجاز والاطناب فيما بعد
في انتظار ردكم على الكنايات الموضوعة في الاعلى
وشكرا جزيلا للأخ أحمد مرة اخرى على مساعدته لي في دروس التورية
وها أنا اطلب منك تدريسي الكناية مرة اخرى اذا سمحت ^^
واطلب منكم ايضا ذلك يا خبراء البلاغة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سنهور]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 03:38 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا
تعريف الكناية:
(الكناية) من (كَنَيْت) أو (كنَوْت) بكذا عن كذا، إذا تركت التصريح به.
وهي في اللّغة: التكلّم بما يريد به خلاف الظاهر.
وفي الاصطلاح: لفظ أريد به غير معناه الموضوع له، مع إمكان إرادة المعنى الحقيقي، لعدم نصب قرينة على خلافه
أو
ترك التصريح بالشيء إلى ما يساويه في اللزوم فينتقل منه إلى الملزوم
ثانيا أقسامها
تنقسم الكناية إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الكناية عن الصفة، نحو (طويل النجاد) كناية عن طول القامة.
2 ـ الكناية عن الموصوف، نحو قوله:
فلما شربناها ودبّ دبيبها إلى موطن الأسرار قلت لها قفي
أراد بموطن الأسرار: القلب.
3 ـ الكناية عن النسبة، كقوله:
إن السماحة والمروة والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج
ثالثا بعض الكناية
من فوائد الكناية:
ولا يخفى: أن الكناية أبلغ من التصريح، وذلك لأنها تفيد اُموراً، منها:
1ـ القوّة في المعنى، وذلك لأنّها كالدعوى مع البينة، إذ لو قيل (فلان كريم) سئل عن دليل ذلك؟ فاللازم أن يقال: بدليل كثرة رماده، فإذا ذكر أولاً أراح، وأتى بالدعوى مع البيّنة.
2 ـ التعبير عن أمور قد يتحاشى الانسان عن ذكرها احتراماً للمخاطب.
3 ـ الإبهام على السامع.
4 ـ تنزيه الاُذن عمّا تنبو عن سماعه.
5 ـ النيل من الخصم دون أن يدع له مأخذاً يؤاخذه به وينتقم منه.
وهناك أغراض كثيرة اُخرى تترتّب على الكناية لا تخفى على البليغ
ـ[سنهور]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 03:40 م]ـ
أمثلة لبعض الكنايات:
- قول الأمير الصنعاني:
كثير العناد جبان الفؤاد ** عريض الوساد عريض القفا
فقوله عريض القفا لا يقصد بها لازم المعنى إنما هي كناية عن الحمق
- طويل النجاد: أي أنه طويل القامة، والنجاد هو حمالة السيف، والمراد هنا الكناية عن طول القامة.
- بعيدة مهوى القرط: وبُعد مهوى القرط يستلزم طول الرقبة وهو المعنى المراد.
- نؤوم الضحى: كناية عن الرفاهية وتوفّرِ من يخدمها، لذا فهي ليست بحاجة إلى الاستيقاظ ضحًى على عادة نساء العرب قديمًا
- جبان الكلب: أي جواد كريم. حيث تعود الكلب على رؤية الناس لكثرتهم عند صاحبه فلا ينبحهم وعكس ذلك كلب البخيل إذ أنه شرس ينبح الناس من مكان بعيد] يقول الشاعر حاتم الطائي:
فإني جبان الكلب بيتي موطأ == جواد إذا ما النفس شح ضميرها
- ألقى فلان عصاه: كناية عن الإقامة وترك السفر ومنه قول الشاعر:
حملت العصا لا الضعف أوجب حملها علي == ولا أني تحنيت من كبر
ولكنني ألزمت نفسي حملها == لأعلمها أن المقيم على سفر
- ناعمة الكفين: كناية عن الترف والغنى وأنها سيدة مخدومة.
- قرع فلان سنه: كناية عن الندم والتحسر.
- يُشار إليه بالبنان: لعلو المكانة والشهرة
- فلان ركب جناحي نعامه: كناية عن السرعة لأن النعامة تُشتهر عن العرب بسرعة عدوها.
- فلان لا يضع العصا عن عاتقه: كناية عن السفر
- يقول أبو نواس:
ولما شربناها ودب دبيبها == إلى موطن الأسرار قلت لها قفي
موطن الأسرار: القلب أو الدماغ.
- سئل أعرابي عن سبب اشتعال رأسه بالشيب فقال: هذه رغوة الشباب.
فرغوة الشباب كناية عن الشيب لأن الشباب إذا بلغ نهايته كان كالشراب الذي طال عليه العهد فاختمر فظهرت عليه الرغوة
- من بدائع الكنايات قول بعض العرب:
ألا يا نخلةً في ذات عِرق == عليك ورحمة الله السلامُ
- طويل الأير أي: كثير الولد
وقد قال شاعرهم:
ولو شاء ربي كان أيرُ أبيكم == طويلاً كأير الحارث بن سدوس
والحارث هذا كان مشهورا بكثرة ولده.
والولد: في اللغة تطلق على المفرد والجمع.
ـ[سنهور]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 03:45 م]ـ
أما ماذكرتيه من أمثلة فسنشارك فى بعضها تاركين
المجال لمن هو أحق به منا ليكمله
ولنتعلم منه
ولنبدأ بقول المعري في السيف:
1) سليل النار دق ورق حتى ** كان أباه أورثه السلالا
ونقول السليل: الولد
و السلال: بضم السين هو السل: داء معروف
الكناية في قوله: [سليل النار] حيث كنى بهذا عن السيف لأن للنار شأن كبير في صنع السيف فكأنها ولدته وأنتجته.
ـ[سنهور]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 03:52 م]ـ
قول الحجاج لابن القبعثري: لأحملنك على الأدهم، فقال له: مثل الأمير حيمل على الأدهم والأشهب، فيه
حمل كلام المخاطب على معنى غير المعنى الذي يقصده، وفيه شيء من المفاجأة، وفيه أيضا شيء من الحكمة، والتنبيه أراد الحجاج: لأحملنك على القيد أي لأعذبنك، فالأدهم في كلامه مراد به القيد، ثم إن ابن القبعثري وجه لفظ الأدهم إلى معنى آخر هو الفرس الأدهم أي الذي فيه سواد، وكأنه يقول للحجاج من طرف خفي: الأولى بمثلك وهو في هذا السلطان، وهذه الهيئة أن يهب الخيول الدهم لا أن يقيد ويعذب، فإن الانتقام خلق الضعفاء، أما العطاء فهو خلق ذوي السلطان، قالوا: قال له الحجاج: إنه الحديد أي أنا أقصد بالأدهم القيد الحديد، فقال له ابن القبعثري: لأن يكون حديدًا خير من أن يكون بليدا، أي: لأن يكون الفرس ذا حدة وقوة، ونشاط خير من أن يكون بليدا فاترًا.
وعبد القاهر يسمى هذا الأسلوب المغالطة، وهو جدير بهذه التسمية، وإن كانت مغالطة أدبية طريفة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سنهور]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 04:07 م]ـ
أما قول يزيد بن الحكم في مدح المهلب:
أصبح في قيدك السماحة والمجـ ـد وفضل الصلاح والحسب
استشهد به الشيخ عبد القاهر على إثبات الصفة عن طريق الكناية , ورأى أن هذا الفن من القول دقيق المسلك لطيف المأخذ , وهذا النوع من الكناية أطلق عليه المتأخرون: كناية عن نسبة ,
ـ[سنهور]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 04:12 م]ـ
هذا ونترك المجال لمن هو أعلم منى
على وعد إن شاء أن يكون لى مشاركة
أخرى مع بعض الأمثلة المذكورة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 05:10 م]ـ
قول الحجاج لابن القبعثري: لأحملنك على الأدهم، فقال له: مثل الأمير حيمل على الأدهم والأشهب، فيه
حمل كلام المخاطب على معنى غير المعنى الذي يقصده، وفيه شيء من المفاجأة، وفيه أيضا شيء من الحكمة، والتنبيه أراد الحجاج: لأحملنك على القيد أي لأعذبنك، فالأدهم في كلامه مراد به القيد، ثم إن ابن القبعثري وجه لفظ الأدهم إلى معنى آخر هو الفرس الأدهم أي الذي فيه سواد، وكأنه يقول للحجاج من طرف خفي: الأولى بمثلك وهو في هذا السلطان، وهذه الهيئة أن يهب الخيول الدهم لا أن يقيد ويعذب، فإن الانتقام خلق الضعفاء، أما العطاء فهو خلق ذوي السلطان، قالوا: قال له الحجاج: إنه الحديد أي أنا أقصد بالأدهم القيد الحديد، فقال له ابن القبعثري: لأن يكون حديدًا خير من أن يكون بليدا، أي: لأن يكون الفرس ذا حدة وقوة، ونشاط خير من أن يكون بليدا فاترًا.
وعبد القاهر يسمى هذا الأسلوب المغالطة، وهو جدير بهذه التسمية، وإن كانت مغالطة أدبية طريفة.
وهو ما يسميه البلاغيون الأسلوب الحكيم .. وهو من أمتع الأساليب البلاغيّة.
أستاذ سنهور .. كفيتم ووفيتم، فلكم جزيل الشكر ..
جميل ما تستشهدون به من آراء إمام البلاغيين ..
ـ[سنهور]ــــــــ[26 - 09 - 2010, 02:06 م]ـ
الشكر لكم
أما عن الإستشهاد بأراء الإمام عبد القاهر
فأى بلاغى يستطيع هو أن يتحدث عن مسألة دون أن
يطرق باب الإمام؟
فكلنا ننهل من مدرسته ونسير على نهجه ونتعلم
مما كتب مع كل سطر تقرأه له تجد كنوزا
لا تنفد فى بحور من العلم لا تقف لها على ساحل
وما نحن فيها سوى غواصين نستخرج من هذه الكنوز
ـ[سنهور]ــــــــ[26 - 09 - 2010, 02:14 م]ـ
وسنكمل بمشيئة الله بعض الأمثلة
مثال:
-قال الشاعر "أبو نواس" في مدح والي مصر:
فما جازه جود ولا حل دونه ** ولكن يسير الجود حيث يسير
*فقد نسب الجود إلى شيء متصل بالممدوح وهو المكان الذي يوجد فيه ذلك الممدوح
وهو كناية عن نسبة: وهى التي يصرح فيها بالصفة ولكنها تنسب إلى شئ متصل بالموصوف (كنسبته إلى الفصاحة – البلاغة – الخير) حيث نأتي فيها بصفة لا تنسب إلى الموصوف مباشرة بل تنسب إلى شيء متصل به ويعود عليه
ـ[سنهور]ــــــــ[26 - 09 - 2010, 02:21 م]ـ
أما عن قول عنتره
وفي الحرب العوان ولدت طفلا ** ومن لبن المعامع قد سقيتُ
الحرب: ج الحروب مضاد السلم العوان: التي قوتل فيها أكثر من مرة ج العُون
في الحرب العوان ولدت طفلا: تعبير يدل على خبرته بالحرب / وتقديم الجار والمجرور أسلوب قصر يفيد التوكيد والتخصيص
من لين المعامع: تقديم الجار والمجرور أسلوب قصر للتخصيص، وقد: تفيد التأكيد والتحقيق
المعامع: الحروب مفردها معمعة / جمع يوحي بكثرة الحروب وتمرسه وخبرته القتالية
لين المعامع: استعارة مكنية حيث شبه المعامع بالأم وحذف المشبه به وأتى بصفة من صفاته وهي اللبن وسقيت
بين شطري البيت تناسب لأن الطفل محتاج إلى اللبن
ولي بيت علا فلك الثريا تخر لعظم هيبته البيوتُ
بيت: ج بيوت وأبيات جج بيوتات / نكرة للتعظيم / تقديم الجار والمجرور لم يفد التخصيص لنه تقديم نحوي لأن المبتدأ نكرة
علا: ارتفع × انحط وانخفض
فلك مدار الكواكب ج أفلاك الثريا مجموعة نجوم ج الثريات × الثرى
بيت علا فلك الثريا: كناية عن الشرف والرفعة
تخر: تهوى وتسقط × تقف وتقوم هيبته: عظمته × حقارته
تخر لعظم هيبته البيوت: يجوز أن تكون استعارة مكنية حيث شبه البيوت بأشخاص تخر / ويجوز اعتبارها كناية عن خضوع الجميع لقبيلته / تقديم لعظم هيبته: أسلوب قصر للتخصيص والتوكيد
بين علا و تخر: طباق يوضح المعنى ويؤكده
ـ[سنهور]ــــــــ[26 - 09 - 2010, 02:26 م]ـ
فى انتظار أساتذتنا ليكملوا معنا إن شاء الله
ولنا عودة إن قدر الله لنا الحياة
ـ[الحُميراء]ــــــــ[03 - 10 - 2010, 01:23 ص]ـ
أجد صعوبة في الفهم
لكن سأعود مره آخرى حتى أستطيع الفهم
ـ[الباز]ــــــــ[03 - 10 - 2010, 02:50 ص]ـ
مع أنهما يؤديان نفس الوظيفة بلاغيا إلا أن بعضهم فرّق بين الكناية و الإشارة:
فالإشارة إلى كل ما هو حسن
و الكناية عن كل ما هو قبيح
قال أسامة بن منقذ:
اعلم أن الفرق بين الكناية والإشارة أن الإشارة إلى كل شيء حسن والكناية عن كل شيء
قبيح، مثل قوله عز وجل: " فيهن قاصرات الطرف "، إشارة إلى عفافهن.
وقوله سبحانه: "كانا يأكلان الطعام" كناية عن قضاء الحاجة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبود]ــــــــ[06 - 10 - 2010, 07:07 م]ـ
بارك الله فيك(/)
ما الغرض البلاغي؟
ـ[هاوية اللغة العربية]ــــــــ[25 - 09 - 2010, 10:03 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ماالغرض البلاغي من الاستفهام في الايتين الله يوفقكم
قال تعالى (أفبنعمة الله يجحدون)
قال تعالى (أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون)
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[26 - 09 - 2010, 12:43 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ماالغرض البلاغي من الاستفهام في الايتين الله يوفقكم
قال تعالى (أفبنعمة الله يجحدون)
قال تعالى (أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون)
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
محاولة للإجابة، وأحضرت ُ لكِ معناه من موقع يهتم بتفسير القرآن
الغرض من الاستفهام الأول ــــ الإنكار ومعناه: أيشركون معه غيره وهو المنعم المتفضل عليهم؟
" أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون " أي أبعد تحقق ما ذُكر من نعم الله، يؤمنون بالأوثان ويكفرون بالرحمن؟ وهو استفهام للتوبيخ والتقريع
والله اعلم بالصواب
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 09 - 2010, 01:27 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أيها الكرام على السؤال وعلى الإفادة.
ومن باب المدارسة لهذه المسألة: قد يقال، أيضا، بأن الاستفهام في الآية الأولى: توبيخي، مع كونه إنكاريا كما تفضلت بذلك الأستاذة زهرة حفظها الله وسددها، فالكفر قد وقع، فليس إبطاليا لمعنى لم يقع كقوله تعالى: (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ)، فذلك أمر لم يقع وإنما هي محض دعوى باطلة ورد الإنكار والإبطال لها بالاستفهام، كما حد ذلك ابن هشام، رحمه الله، في أول "مغني اللبيب"، في معرض التفريق بين التوبيخ والإبطال مع كون كليهما إنكاريا.
ويزيد المعنى تقريرا: تقديم ما حقه التأخير في كليهما لكونه محط الفائدة، فليس محط الفائدة في الإنكار على مطلق الجحود بل على الجحود بنعمة الله الكونية أو الشرعية: تحديدا، وعموم المعنى الذي تفيده الإضافة إلى المعرفة يزيد المعنى تقريرا فإنكار أي نعمة ربانية مما يستحق التوبيخ بداهة، وليس الإنكار على مطلق الإيمان في الآية الثانية بل منه المحمود، وهو الإيمان بالحق، والمذموم وهو الإيمان بنقيضه من الباطل وهو الذي ورد تخصيصه بالحكم بتقديمه في اللفظ وحقه التأخير كما تقدم.
وفي الآيات ما اطرد في التنزيل من التلازم الوثيق بين آلاء الربوبية نعما كونية وشرعية وما يلزم لها من الإيمان الذي ورد الإنكار على من اتصف بضده من الكفران، فيفيد بمفهومه وجوب الإيمان في مقابل هذه النعم، وذلك مقتضى الألوهية: مقابلة لآثار صفات الربوبية التي ينعم بها العباد سواء أكانت نعما شرعية من وحي منزل، فهي أشرفها، فهي النعمة الخاصة على صفوة الخلق من الرسل عليهم السلام وأتباعهم، أم كونية من مطعوم ومشروب ..... إلخ فهي نعم عامة تشترك فيها سائر الخلائق.
والله أعلى وأعلم.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[26 - 09 - 2010, 01:37 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أيها الكرام على السؤال وعلى الإفادة.
ومن باب المدارسة لهذه المسألة: قد يقال، أيضا، بأن الاستفهام في الآية الأولى: توبيخي، مع كونه إنكاريا كما تفضلت بذلك الأستاذة زهرة حفظها الله وسددها، فالكفر قد وقع، فليس إبطاليا لمعنى لم يقع كقوله تعالى: (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ)، فذلك أمر لم يقع وإنما هي محض دعوى باطلة ورد الإنكار والإبطال لها بالاستفهام، كما حد ذلك ابن هشام، رحمه الله، في أول "مغني اللبيب"، في معرض التفريق بين التوبيخ والإبطال مع كون كليهما إنكاريا.
ويزيد المعنى تقريرا: تقديم ما حقه التأخير في كليهما لكونه محط الفائدة، فليس محط الفائدة في الإنكار على مطلق الجحود بل على الجحود بنعمة الله الكونية أو الشرعية: تحديدا، وعموم المعنى الذي تفيده الإضافة إلى المعرفة يزيد المعنى تقريرا فإنكار أي نعمة ربانية مما يستحق التوبيخ بداهة، وليس الإنكار على مطلق الإيمان في الآية الثانية بل منه المحمود، وهو الإيمان بالحق، والمذموم وهو الإيمان بنقيضه من الباطل وهو الذي ورد تخصيصه بالحكم بتقديمه في اللفظ وحقه التأخير كما تقدم.
وفي الآيات ما اطرد في التنزيل من التلازم الوثيق بين آلاء الربوبية نعما كونية وشرعية وما يلزم لها من الإيمان الذي ورد الإنكار على من اتصف بضده من الكفران، فيفيد بمفهومه وجوب الإيمان في مقابل هذه النعم، وذلك مقتضى الألوهية: مقابلة لآثار صفات الربوبية التي ينعم بها العباد سواء أكانت نعما شرعية من وحي منزل، فهي أشرفها، فهي النعمة الخاصة على صفوة الخلق من الرسل عليهم السلام وأتباعهم، أم كونية من مطعوم ومشروب ..... إلخ فهي نعم عامة تشترك فيها سائر الخلائق.
والله أعلى وأعلم.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: مهاجر
جزاك الله خيرا، شرح وافٍ وكافٍ استفدت ُ منه أنا ـ في الحقيقة ـ نفعنا الله بعلمكم، وجعل الله ما تقدمون من شرح وتفصيل لكثير من المسائل الدينية في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة، ونفع بكم الأمة الإسلامية، ورزقكم تقبل الأعمال / اللهم آمين.
والله الموفق
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[زين الدين10]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 05:20 م]ـ
فائدة الانكار عند البلاغيين هو النفي الشديد ولا بد أن نفرق بين النفي والانكار والتقريع والتوبيخ فكل مصطلح يختلف عن الآخر التقريع هو اللوم الشديد. والله أعلم(/)
طلب ضروري
ـ[دعاء ابوزهرى]ــــــــ[27 - 09 - 2010, 12:28 م]ـ
اخوانى طلاب وطالبات اللغه العربيه اريد منكم قصيده من الشعر الحر مليئه بالصور البيانيه(/)
هل من بحوث حول اللف والنشر؟؟
ـ[طالب أصول فقه]ــــــــ[28 - 09 - 2010, 03:02 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم وبعد شرفت بالإنتساب إليكم.
وأطلب منكم بحوث حول اللف والنشر ويفضل لو تكون بصيغة وورردا لكن إن لم يوجد فأي صيغة.
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 09 - 2010, 03:47 م]ـ
السلام عليكم ..
لم يمر بي من قبل بحث مخصص في اللف والنشر .. إلا ما تناثر في الكتب من معلومات عنهما.
أو لعل هناك من يفيدكم ,, أعانكم الله.(/)
الخبر والإنشاء رجاء أفيدوني
ـ[الياسين]ــــــــ[28 - 09 - 2010, 10:33 م]ـ
سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أسألكم حول الخبر والإنشاء ...
هل قولنا: ليتك حاضر بيننا مثل قولنا أتمنى أن تكون بيننا وكلاهما إنشاء أم الأولى إنشاء والأخرى خبر؟!!
دلونا يا أهل العلم
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 02:41 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
من باب المدارسة فلست من أهل الاختصاص لطبيعة الدراسة الجامعية: هل يقال مثلا بأن الثانية وإن كانت خبرية في لفظها إلا أنها إنشائية في معناها فيستويان من هذا الوجه، بل قد تزيد الثانية في تقرير المعنى لأن الخبر آكد في الثبوت من الإنشاء الذي يحتمل الوقوع وعدم الوقوع؟.
والله أعلى وأعلم.
ـ[الياسين]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 07:51 م]ـ
سلام الله عليكم
وشكرا على التفاعل
أستاذي الكريم إن الذي يحكم الفرق بين الجملة الخبرية والإنشائية هو أن الأولى تحتمل الصدق أو الكذب، بخلاف الثانية فلا تحتمل صدقا ولا كذبا، وفن البلاغة يدرس في قسم علم المعاني تنوع أساليب الخطاب، واللفظ وعاء للمعنى الذي نبحث عنه وندرسه، فقولكم خبرية لفظا إنشائية معنى لا يقوم، لأن الألفاظ خدم المعاني بعد توخي معاني النحو ........
وأنتظر من الجميع الإفادة
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 09:56 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الكلام للأستاذ الفاضل: الأحمر جزاه الله خيرا / ربما يفيدكم:
قد يأتي التمني بغير أداته وعندما وردت أدوات أخرى غير " ليت " في التمني درسها البلاغيون ووجدوا فيها فروقاً دقيقة وأغراضاً بلاغية ومن ذلك:-
1 - التمني بـ " هل " قال تعالى " فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا " فهذا وإن أفاد معنى " ليت " إلا أنه لما جاء على طريق الاستفهام وهو مما يستعمل في الأمور الممكنة أضفى على المتمنى صورة الممكن فالكفار لا يظنون الخلاص لكن عبارتهم دلت على أن حاجتهم إلى شفيع قد غلبت على نفوسهم واشتد تعطفهم بذلك فافترضوا غير الواقع واقعاً لينفسوا عن أنفسهم بهذا الأمل المتوهم فالغرض من الاستفهام بـ (هل) هنا هو إبراز المتمنى في صورة المستفهم عنه الذي لا يجزم بانتفائه لإظهار كمال العناية به حتى لا يستطاع الإتيان به إلا في صورة الممكن الذي يطمع في وقوعه
2 – التمني بـ (لو) " وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا "وقال تعالي " فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين " فلو هنا تفيد التمني بدليل نصب الفعل المضارع بأن مضمرة بعد الفاء المسبوقة بها. وذلك لا يكون إلا لإفادتها التمني ولو هنا تزيد المتمني بعداً وتبرز شعور اليأس عندهم. لأنهم قالوا ذلك لما رأوا العذاب وسبقوا إليه.
3 - التمني بـ (لعل) قال تعالي " لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلي إله موسي " علي قراءة نصب " أطلع الدالة علي كون " لعل " بمعني " ليت " وهذا يفيد جعل الرجاء تمنياً مما يدل علي أن فرعون قد أحس بأن الاطلاع على إله موسى أمر مستبعد. لكن لشدة تطلعه لذلك عبر عنه بأداة تقربه من الوقوع. وقد أخذ السكاكي من استعمال " هل، لو " في التمني أن التقديم في الماضي والتخصيص في المستقبل الناشئين عن " هلا، لولا، لوما " مأخوذ من "هل، لو " وهذا وإن كان فيه دقة إلا أنه يقتضي أن تكون هذه الأدوات متأخرة في الوجود عن " هل، لو " وهذا غير جائز لأن التقديم والتخصيص من المعاني التي يحتاج الإنسان للتعبير عنها جنباً إلي جنب مع تعبيره عن التمني والاستفهام ومن ثم فما ذهب إليه أمر مستبعد.
للاستزادة هنا ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?776-%C3%98%C2%A7%C3%99%C2%84%C3%98%C2%AA%C3%99%C2%85%C3%99%C2%86%C3%99%C2%8A)
وجزى الله خيرا الأستاذ والشيخ الفاضل: مهاجر على ما تفضل به من شرح، فلقد استفدنا منه الكثير.
والله أعلم بالصواب.
ـ[الياسين]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 10:32 م]ـ
الموضوع الذي أريد أن أتوصل إلى فهمه الآتي:
هل قولي: (أتمنى أن تنجح) قول يحتمل الصدق أو الكذب؟ إن كان الأمر كذلك فما الفرق بين القول السابق وقولي ليتك تنجح؟ مع العلم أن القول الثاني إنشاء؟!!!!!
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 10:52 م]ـ
الموضوع الذي أريد أن أتوصل إلى فهمه الآتي:
هل قولي: (أتمنى أن تنجح) قول يحتمل الصدق أو الكذب؟ إن كان الأمر كذلك فما الفرق بين القول السابق وقولي ليتك تنجح؟ مع العلم أن القول الثاني إنشاء؟!!!!!
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
محاولة للإجابة:
أتمنى أن تنجح + ليتك تنجح = كلاهما جملتين إنشائيتين.
أي لا تحتملان الصدق أو الكذب / أي ليست خبرية.
والله أعلم بالصواب.
جزاك الله خيرا
أما الفرق بينهما: فأنا لا أجد فرق ـــ هذا من وجهة نظري القاصرة
لكم أن تنتظروا جهابذة البلاغة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[فتون]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 12:43 ص]ـ
محاولة ...
"ليتك تنجح" لاخلاف في أنها إنشائية طلبية ويعرف الإنشاء الطلبي بأنه يستدعي
مطلوبا غير حاصل في اعتقاد المتكلم وقت الطلب، وهذه الجملة لا تحتمل الصدق
والكذب إنما هي تمني حصول المطلوب.
"أتمنى أن تنجح" في هذه الجملة لا يستدعي القائل فيها مطلوبا غير حاصل ولا مطلوبا حاصلا كالمدح والذم والقسم
،وإنما يريد بقوله هذا للمخاطب "الطالب" إخباره بمحبته له وبمحبته للخير له"يتحدث ويخبرعن نفسه"؛ فهو يخبره عما يجول بداخله من رغبة
في نجاحه وتحقيق الخير له؛ إنها جملة خبرية، وتحتمل الصدق والكذب؛ فقد يجانب قوله الحقيقة ويكون متزلفا للمخاطب
يريد أمرا ما مثلا.
والله أعلم.
ننتظر الجهابذة ...
ولكم تحيتي.
ـ[الياسين]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 05:24 م]ـ
سلام الله على الجميع ورحمة الله وبركاته
شكرا للأستاذة زهرة متفائلة والأستاذة فتون ولا أنسى الأستاذ مهاجر على إثراء الفكر حول ما أشكل عليَّ ..
كلام الأستاذة فتون منطقي، لكن عندما قلتم:
"أتمنى أن تنجح" في هذه الجملة لا يستدعي القائل فيها مطلوبا غير حاصل ولا مطلوبا حاصلا كالمدح والذم والقسم، وإنما يريد بقوله هذا للمخاطب "الطالب" إخباره بمحبته له وبمحبته للخير له"يتحدث ويخبرعن نفسه"؛ فهو يخبره عما يجول بداخله من رغبة في نجاحه وتحقيق الخير له؛ إنها جملة خبرية، وتحتمل الصدق والكذب؛ فقد يجانب قوله الحقيقة ويكون متزلفا للمخاطب
بقي لي تساؤل؛ ولماذا لا يكون هذا الكلام منطبقا على قولي: (ليتك تنجح)؟
ولكم بالغ الشكر والتقدير
ـ[الياسين]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 05:58 م]ـ
ذكر في كتاب الكافي في علوم البلاغة قاعدة تقول:
(النِّسَب الخبرية حاكية لأمر حاصل في الواقع، والنِّسَب الإنشائية موجِدة لمعناها بألفاظها)
ـ[فتون]ــــــــ[01 - 10 - 2010, 07:09 ص]ـ
"ليتك تنجح" مامعنى الجملة؟؟
معناها طلب حصول النجاح على سبيل التمني أليس كذلك؟؟
وألفاظ التمني أربعة واحدة أصلية وهي: ليت، وثلاثة نائبة عنها ...
إذا فلا خلاف في كون هذه الجملة إنشائية "تمني" للتصريح بلفظ التمني إضافة إلى معناها؛ فأنا
هنا أصرح بطلب حصول نجاحه "أطلب حصول نجاحه" بأسلوب التمني بالآداة: ليت.
أما "أتمنى أن تنجح" فأخبر عن أمنية تجول بخاطري "أخبر بما يجول في نفسي من محبة للخير، ومن طلب لحصول الخير؛ فأنا هنا
أخبر عن هذا الطلب الموجود بداخلي، وهناك احتمال أنه لم يجل بخاطري ذلك، ولم أطلب هذا في نفسي"
لعل وجه نظري قد اتضحت ...
وأرجو أن أكون قد أصبت ...
ـ[الياسين]ــــــــ[02 - 10 - 2010, 07:00 م]ـ
الشكر لكم بعد التحية والسلام
وجهة نظركم واضحة ومنطقية إلى حد كبير ......
ولتوضيح الإنشاء في صورة التمني أود مناقشته معلمتنا القديرة على ضوء القرآن، بصورة تحليلية أي بنفس طريقة تحليل القول: ليتك تنجح، وللأمانة أنا لم أستوعب التمني بأدواته مختلفا عن التمني بالفعل، ولذا أريد ترسيخ الفكرة على ضوء النص القرآني في التمني بأداته الأصلية:
{وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} النساء73
{وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الأنعام27
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} الكهف42
{فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} مريم23
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} الفرقان27
{يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً} الفرقان28
{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} القصص79
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} الأحزاب66
{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} يس26
{حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} الزخرف38
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ} الحاقة25
{يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} الحاقة27
{إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً} النبأ40
{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} الفجر24
وأنتظر قدومكم لتأتوا على الموضوع، فتجهزون على اللبس والخلط .....
ولكم منا جزيل الشكر والتقدير .... وفق الله الجميع
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[فتون]ــــــــ[05 - 10 - 2010, 02:47 ص]ـ
اعتذر على التأخير
وسيكون لي عودة قريبة بإذن الله
ـ[الياسين]ــــــــ[05 - 10 - 2010, 07:19 م]ـ
ننتظر مشاركاتكم بشوق
ـ[محمود طلحة]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 01:41 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
تطرح القضية نفسها التي أثارها أخونا الياسين في تخصص لساني معاصر يسمى بالتداولية، وفي فرع منها يسمى بنظرية الأفعال الكلامية، وقد انطلق احد مؤسسيها "أوستين" من نفس التساؤل، أي: هل وجود الفعل الدال على الإنشاء في جملة خبرية يحولها إلى جملة إنشائية؟ وقد قاس مجموعة من الأفعال على نفس الصيغة أي وجود الفعل المضارع مع ضمير المفرد المتكلم الدال على الإنشاء في بداية الجملة، وإن كان بحثه قد اهتم أكثر بالأفعال ذات الصبغة الاجتماعية مثل الوعد أو البيع أو التزويج، وعلى هذا فقد انطلق من مسلمة هي وجود جمل خبرية تنجز أفعالا أيضا مثل الجمل الإنشائية التي تنجز أفعالا كذلك، لذلك قسّم جمل اللغة إلى جمل وصفية وجمل إنجازية بغض النظر عن الصيغة الموجودة فيها، وطبعا فإننا بالرجوع إلى التراث النحوي والبلاغي سنجد أن الإنشاء تم حصره في ما دل على إيقاع النسبة (بما يوافق عدم إمكانية التصديق أو التكذيب) واستبعدت الجمل مثل "اتمنى أن تنجح" من كونها إنشاء مع أنها واضحة الإنشاء، ونحن يمكننا الاعتذار للبلاغيين بأكثر من عذر، لكن ذلك لا ينزع إمكانية إعادة توصيف تقسيم الجمل في البلاغة وفق المعطيات الجديدة (من الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا الإطار: هل النفي إنشاء؟).
بقي أن ننصف علماءنا في كونهم انتبهوا إلى أن الإنشاء في العربية يحدث في الأغلب بحروف لها الصدارة في الكلام، وهذا الإشكال في التعرف على الأساس النحوي لتمييز الجمل الإنشائية لم يحله منظرو التداولية المعاصرون إلا بعد جهد جهيد (إن كنا نعتبر حلهم حلا).(/)
من شهادات الحق
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 02:32 ص]ـ
ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لاشريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل":
فذلك من العموم الذي يصدر به عادة سياق تقرير الأعمال والجزاء عليها، فيجري مجرى بيان مقادير الأعمال، وتلك قواعد كلية يحسن معها إيراد صيغ العموم، كـ: "من" الموصولة التي صدر بها السياق، فلا اعتبار في التكليف لشخص المكلف إلا إن كان الحكم مخصوصا به، كخصائص الأنبياء عليهم السلام، وذلك خلاف الأصل، كما تقدم مرارا، فالأصل في التكليف العموم، وقواعد الشرع ونصوصه على ذلك جارية فذلك أصل لا يعدل عنه إلا بدليل ناقل فمن:
شهد أن لا إله إلا الله: فتلك شهادة البصيرة التي بلغت حد اليقين فهي وشهادة البصر على حد سواء، فالشاهد قد عاين من أدلة الواحدانية: الشرعية الصحيحة والعقلية الصريحة، النفسانية والكونية، قد عاين منها ما بلغ به حد الجزم واليقين، فهو شاهد بلسانه وشاهد بعقد إيمانه العلمي الأول، وشاهد بعمله المصدق لما قام بقلبه من إرادة باطنة، وما قام بلسانه من قول ظاهر، فالشهادة الموثقة ليست قولا مجردا، بل لا بد من عقد أول تصدر عنه، وفعل تال هو أثرها في الخارج، فهي الذريعة وهو النتيجة الضرورية، فيمتنع عقلا أن يقوم بالقلب عقد جازم، ويكون الفاعل صحيح الآلة، ولا ينطلق اللسان بالشهادة القولية، فهي من الإيمان، فليست شرط كمال خلافا لمن قصر الإيمان على الجزم بالقلب وإن لم يكن قول باللسان، فذلك، أيضا، عند التحقيق، من الفروض الذهنية، فيمتنع ألا يقع القول المصدق للعقد الباطن مع صحة الآلة وانتفاء المانع من إكراه أو نحوه، فاللسان يترجم بقوله ما قام بالقلب من التصورات والإرادات، والجوارح تترجم بأفعالها ما قام به منها، فلا بد من الشهادة اللفظية فهي العلامة الظاهرة التي يمتاز بها المؤمن من الكافر، فيثبت له بها حكم الإسلام الظاهر، وأمر الباطن إلى الله، عز وجل، إلا إن أظهر الشاهد ما ينقض شهادته فوقع في موجب للتكفير من قول أو فعل، فالكفر كضده من الإيمان يكون بالقلب واللسان والجوارح، فمن الأقوال ما ينتقض به أصل الإيمان من القلب وإن ادعى القائل أنه لا يعلم الحكم، فهو من المعلوم الضروري، فمن ذا الذي يجهل تحريم سب الرب، جل وعلا، وسب نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسب كتابه وآياته والاستهزاء بها، فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)، بل من ذا الذي يجهل، لا سيما في ديار المسلمين، أن ذلك ناقض صريح لأصل الدين، فهو دال لزوما، حال صدوره اختيارا، على انتفاء أصل الإيمان من القلب، فلم يصدر إلا عن اعتقاد جازم، وإن كان قبيحا ظاهر البطلان، فلم ينتقص بلسانه إلا بعد أن انتقص بقلبه، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فلا يصح فيه الدفع بالجهل، فهو من المعلوم الضروري، كما تقدم، بل ما دونه من الأحكام الظاهرة، لا يصح الدفع بالجهل فيه في ديار المسلمين، فمن ذا الذي يجهل تحريم الخمر والزنى .... إلخ من المحرمات الظاهرة، فمن اعتقد إباحتها فإيمانه قد زال أصله من القلب، ولا يقبل من دفع بعذر الجهل إلا إن كان قريب عهد بإسلام، فنشأ في بادية بعيدة أو دار كفر لا تظهر فيها أعلام الدين ظهورها في دار الإسلام، فيصح الدفع بالجهل في مثل تلك الأحوال، فالعذر بالجهل أمر يتفاوت بتفاوت الأعصار والأمصار، ومثله من اعتقد إباحتها ولكنه جحد استكبارا وحسدا، فهو يعلم أنه من عند الله، عز وجل، شرعا ملزما، ولكنه لا يلتزمه، بغضا له ولمن جاء به، فليس عاص يندم على فعل الذنب فيقر بتحريمه واستحقاقه الوعيد عليه، فذلك مؤمن ناقص الإيمان، قد اجتمع فيه وصف الإيمان باعتبار الأصل، ووصف الفسوق باعتبار ما وقع فيه
(يُتْبَعُ)
(/)
من جرم، فتصور اجتماع الوصفين في عين واحدة جائز، لانفكاك الجهة، فجهة الإيمان غير جهة الفسوق، بخلاف من وقع في قول أو فعل يوجب التكفير بضوابطه، فلا يتصور في حقه اجتماع الوصفين لاتحاد الجهة، فلا يكون مؤمنا كافرا في نفس الوقت.
ومن الأقوال ما ينقض أصل الإيمان، ولكن جهة النقض فيه خفية، كبعض صور الاستهزاء الخفية بالدين وأهله، فالعذر بالجهل فيه قائم في كل الدور، فلا يحكم بكفر المعين وإن كان الحكم المطلق على القول أو الفعل بأنه كفر واقعا.
ومن الأفعال أيضا ما ينقض أصل الإيمان فلا اعتبار فيه لعذر بجهل، كامتهان المصحف، فذلك، أيضا، مئنة ظاهرة بل جازمة حال الاختيار، من نقض أصل الإيمان في قلب فاعله.
ومنها ما ينقض أصل الإيمان، ولكن جهة النقض فيه، أيضا، خفية، وإن كانت ظاهرة في أعصار وأمصار أخرى، كصور الغلو في الصالحين نذرا وطوافا بل وسجودا لمشاهدهم وقبورهم، فتلك من صور الشرك الأكبر الظاهرة، ولكنها تخفى في أعصار وأمصار يدرس فيها العلم ويظهر فيها الجهل لا سيما إن اتخذ الناس رءوس ضلالة من علماء السوء الذين يزينون لهم المعصية، أو وقع فيها فاضل متبوع بلا إرادة إضلال لغيره، فتبعه عليها من يجله ويقلده، فتلك من أدق صور خفاء الحق لقوة الشبهة، وهي في أمصار أخرى ظاهرة لا يعذر فاعلها بالجهل لظهور أعلام الهدى والسنة، فاختلف الحكم بالعذر وجودا أو عدما باختلاف الوصف علما أو جهلا، فمع ظهور العلم الضروري الذي تقام به الحجة الرسالية يمتنع العذر بالجهل، ومع خفائه يكون العذر بالجهل، وذلك أمر، عند التدبر والنظر، يختلف في حق الأفراد فما كان معلوما ضروريا لمكلف قد لا يعلمه آخر ابتداء!، مع عدم إرادته الاستكبار والإعراض، فالحجة في حقه غير قائمة، وإن قامت في حق الأول، فإذا جاز تصور ذلك في حق الأفراد المتجاورين، فكيف باختلاف الأعصار والأمصار، لا سيما في الآونة الأخيرة التي خفيت فيها جملة من العلوم والحكم كانت فيما مضى أظهر من شمس الظهيرة، كمسائل تحكيم الوحي فيما شجر، وهي نازلة عامة في أمصار المسلمين، والولاء والبراء فهي نازلة خاصة في قلوب المكلفين، أقعدت كثيرا منهم عن نصرة إخوانهم المستضعفين ولو بتحرير معاقد الولاء والبراء القلبية، بل قد سعى من ينتسب إلى الملة في تسليم أبناء الملة إلى أعداء الملة ليفتنوهم في الملة!، وذلك دليل ظاهر على انتفاء أصل الإيمان من القلب، فهو من نواقض الدين، كما قرر ذلك بعض المحققين، ومع ذلك صارت مسائل كحكم الشرع ونصرة المستضعفين من المؤمنين محل أخذ ورد لخفاء أدلتها!، ولا تخفى شمس الوحي إلا خلف غيم الضلالة العلمية والعملية، فتسود المذاهب الأرضية من شرائع سماوية مبدلة وأنماط فكرية محدثة.
والشاهد أنها شهادة جليلة يشهد بها من يشهد من المؤمنين بقلبه ولسانه وجوارحه، فليست كلمة تلقى بلا تكليف يستغرق حياة المكلف، ويعم باطنه علما وإرادة، وظاهره قولا وفعلا.
وحده لا شريك له: فذلك من التذييل المؤكد للوحدانية الذاتية والوصفية والفعلية لرب البرية، جل وعلا، وما يلزم منها من الوحدانية في العبودية الباطنة والظاهرة، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين فعل الرب، جل وعلا، ربوبية، وفعل العبد ألوهية.
فحصل الاحتراز من التشريك بنفي الشريك نكرة في سياق نفي فذلك مئنة من العموم فلا شريك له في ذاته أو وصفه أو فعله، ولا شريك له في عبوديته فهو المعبود بحق فلا إله معبود بحق سواه، فذلك تقدير الخبر المحذوف، فاحتمل الاسم الجامد المقدر: "حق" ضميرا أبدل منه الاسم الكريم: "الله"، فهو الحق وما يدعون من دونه الباطل، فـ: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)، فهو الحق مؤكدا بضمير الفصل واسمية الجملة فهي مئنة من الثبوت، والقصر بتعريف الجزأين، فهو قصر إضافي ادعائي مبالغة في تقرير استحقاقه، جل وعلا، لمرتبة الوحدانية في الربوبية والألوهية، وقد يحمل على القصر الحقيقي فالحق مئنة من الثبات، والرب، جل وعلا، هو الأول والآخر، وما دونه محدث فان، فالأولية والآخرية المطلقة ليست إلا للرب، تبارك وتعالى، فهو الأول بذاته
(يُتْبَعُ)
(/)
وأوصاف كماله فلم يكن معطلا عن وصفه الذاتي أو الفعلي بل له على جهة الاختصاص والانفراد: الكمال المطلق أزلا وأبدا، وهو الآخر فليس بعده شيء، فكل باق في دار الجزاء لا يكون إلا بإبقائه، فلا باق بذاته إلا من له الغنى الذاتي اللازم عن الأسباب فلا يفتقر إلى سبب إيجاد أو إمداد، بل الأسباب منه صادرة: وصفا فبكلماته الكونيات تكون الأشياء وتبدع الكائنات على غير مثال سابق، وخلقا فكل سبب مغيب أو مشهود قد خلق بكلماته، فلا يكون شيء في هذا الكون إلا بمشيئته النافذة، وفي المقابل وعلى جهة الطباق إيجابا أو المقابلة اللفظية:
وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ: فذلك مما يزيد المعنى تقريرا فبضد الشيء يظهر وصفه، فما دونه الباطل على جهة القصر الإضافي، أيضا، فحصلت المقابلة الكاملة بين وصف الرب، جل وعلا، المعبود بحق، ووصف غيره من المعبودات فكلها باطلة، ولو كانت أعيانها فاضلة، فهم من عبادتهم براء، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)، فليس الطاغوت من عبد من دون الله، عز وجل، مطلقا، وإن كان وصف الطاغوتية في عبادته من دون الله حاصلا، فلا ينفك عن غلو فيه يحدث به الطغيان ومجاوزة الحد، وإنما الطاغوت من عبد من دون الله، عز وجل، وهو راض، وتلك حال ردية يتنزه عنها صفوة الخلق من الملائكة والنبيين، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ: فذلك تذييل يقرر وصف الحق إثباتا للإله الواحد، ووصف البطلان للآلهة المتعددة، وهو جار، أيضا، مجرى القصر، ولكنه هنا حقيقي، فالعلو المطلق لا يكون إلا للرب، جل وعلا، فله أجناس العلو الذاتي والوصفي، الشأني والقهري، فمن معاني العلو معان جمال بكمال الذات والأوصاف، ومعان جلال بكمال الجبروت والكبرياء والقهر، فهو الجبار المتكبر القاهر القهار، فناسب تلك المعاني الجليلة التذييل بوصف: "الكبير" فهو، أيضا، من أوصاف الجلال، فله كبر الذات فليس كمثله شيء، وله كبر الوصف فسمعه قد أحاط بكل المسموعات، وسمع غيره قد قصر عن إدراك النجوى والهمس، وعلمه قد أحاط بمكنونات الصدور، وعلم غيره قد وقف على حد الظاهر فلا يعلم السر إلا من خلق الصدور وركز فيها من العلوم والإرادات صحيحة أو فاسدة ما امتاز به البشر عن سائر الكائنات فذلك محل التكليف الباطن الذي لا يطلع عليه إلا الرب البارئ، جل وعلا، فلا اطلاع لسواه عليه، وإن ظهر من الأمارات ما يدل عليه، فلا يحكم البشر إلا على الظاهر تصريحا يوجب الحكم، أو تلميحا يوجب الحذر فـ: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، فبدا منها ما بدا بالتصريح الذي يوجب الزجر بنقض عهد أو إقامة حد، وخفي منها ما خفي بالكتمان في الصدور، فذلك يوجب الحذر فـ: (لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ)، فحصل بالتذييل بهذين الوصفين بطريق القصر الحقيقي: التوكيد على معنى الحق الثابت بطريق القصر الادعائي.
وأن محمداً عبده ورسوله: فذلك توحيد الرسول، بإثبات العبودية حسما لمادة الغلو، وإثبات الرسالة حسما لمادة الجفاء في حقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاستوفت الشهادة: توحيد المرسِل جل وعلا، وتوحيد من أرسله بالشرع علوما وأعمالا.
(يُتْبَعُ)
(/)
فـ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)، فتلك العبودية البشرية، و: (يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ): فتلك الصفة الرسالية التي امتاز بها الأنبياء عليهم السلام، فلهم من الملكات البشرية البدنية ما يزيد على عموم البرية، ولكنهم لا يخرجون بذلك عن حد البشرية، فيأكلون ويشربون وينكحون وينامون ويمرضون ويموتون، فـ: (مَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)، و: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، فلو كان المكلفون ملائكة لبعث الرسول ملكا لتحصل القدوة بفرد من أفراد النوع، فلا يصح الاقتداء بنوع يباين خلقه الجبلي ووصفه الذاتي والمعنوي: خلق ووصف البشر، فلا يقوى البشر على ما تقوى عليه الملائكة من ديمومة العبادة، ولا يتصف الملائكة بما يتصف به البشر من إرادة حرة مختارة، فقد جبلوا على الطاعة فـ: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، فحصل بطباق الإيجاب بين مادة العصيان في معرض النفي ومادة الفعل في معرض الإثبات حصل به كمال التقرير لمعنى الطاعة الجبلية في الطبيعة الملائكية، وتنزهوا عن الشهوات الحسية، مع افتقارهم إلى رب البرية، جل وعلا، الذي أوجدهم من النور، فأجسامهم نورانية لطيفة لا تجري عليها أحكام أجساد البشر الطينية الكثيفة، ومع ذلك اللطف الكائن في جبلتهم، لا ينفكون عن الفقر الذاتي إلى موجدهم، جل وعلا، فلولا تقديره ما وجدوا ابتداء، ولولا قدرته ما استغنوا عن أسباب الحياة الحيوانية من مطعم ومشرب ومنكح .... إلخ، ولولا حكمته ما صبروا على ديمومة العبادة ليحصل التمايز بين أجناس الخلق، فمنهم من غلب عليه الجانب النوراني فطبعه ملائكي لا يفتقر إلى سبب أرضي، ومنهم من جمع الوصفين وهو الآدمي الذي توجه إليه الخطاب التكليفي، فلروحه خطاب يلائمها بالعلوم النافعة والأعمال المزكية، ولبدنه خطاب يلائمه فأحكام البدن من سنن فطرة ظاهرة وآداب عادات جبلية .... إلخ قد استوفت الشق المادي للآدمي، كما استوفى خطاب الوحي الشارع بعلومه وأعماله الشق المعنوي له، وتلك مئنة ظاهرة من كمال الرسالة الخاتمة التي جمعت بين الروح اللطيف فهو إلى الطبيعة الملائكية أقرب، والبدن الكثيف فهو إلى الطبيعة الحيوانية أقرب، فكان هذا التوازن البديع الذي افتقدته أمة يهود بماديتها الشوهاء، وأمة النصارى بمثاليتها الجوفاء، ومنهم من غلب عليه الوصف الطيني وهو الحيوان فعقله محدود لا يتحرك بقوته البصرية والتخييلية إلا لتحصيل ما هو محسوس من مأكل ومشرب .... إلخ، فتلك غاية مداركه، فالحس الغليظ عليه غالب، والمعنى اللطيف عنه غائب.
فذلك وصف الأنبياء في أبدانهم، فالأصل فيه الشركة مع بقية البشر، فهي، كما تقدم، تحسم مادة الغلو فيهم، فمن الطين قد خلقوا، فنسبتهم نسبة أبيهم آدم عليه السلام، فـ: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، ولذلك جاء النص في مواضع كثيرة على بشريتهم وعبوديتهم، وإن كانت عبودية خاصة تليق بحالهم الكاملة ولكنها كما تقدم لا تنفي عنهم وصف العبودية العام الذي يشترك فيه سائر الخلق من الإنس والجان، فـ: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)، و: (مَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، و: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)، فهو عبد مربوب فيه من وصف البشرية ما يباين وصف الملائكية فضلا عن وصف الإلهية!، فلو شاء الرب، جل وعلا، لاستخلف الملائكة بدلا من البشر فكان
(يُتْبَعُ)
(/)
الرسول إليهم ملكا من جنسهم فـ: (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا)، فذلك من كمال الحكمة الربانية ببعث الرسول من جنس المرسَل إليهم، بل النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن كان رسولا إلى الثقلين إلا أن النذر الذين صدروا عنه: جان، فـ: (إِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)، فكان المبعوث ولو برسم النذارة من جنس المرسَل إليهم فذلك أدعى إلى القبول وآكد في قيام الحجة، و: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)، فهو عبد مخلوق فذلك حسم لمادة الغلو في حقه الحاصلة بإنزاله منزلة الألوهية! فالعبد ليس ربا إلا على مذهب أهل الاتحاد وفيه ما فيه من نعت الخالق الكامل، جل وعلا، بنعوت المخلوق الناقص وذلك باطل ضرورة لا تفتقر إلى دليل نظري، ولكنه مع ذلك مبعوث بالكتاب برسم النبوة فذلك حسم لمادة الجفاء في حقه الحاصلة بإنزاله منزلة عموم البشر، فهو من صفوتهم بل من صفوة الصفوة قالمسيح عليه السلام من أولي العزم عليهم السلام، وأما وصفهم في أرواحهم، فذلك مما اصطفاهم الرب، جل وعلا، به، فمنصب الرسالة منصب شريف لا ينال باجتهاد أو تحصيل، واتصال الروح الأمين بهم حال الإيحاء يدخلهم في طور لا يقوى على احتماله إلا الأنبياء عليهم السلام، فـ: "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي"، فلا يخرجون عن بشريتهم خروجا كاملا، وإنما يعتريهم من أطوار الكمال العلمي بمباشرة الوحي الإلهي ما لا تحتمله أجساد بقية البشر، فيصيبهم من الجهد ما صورته عائشة، رضي الله عنها، بقولها: "ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا"، فذلك مئنة من شدة الجهد، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، فكيف إن كان الأمر فوق طاقة البشر، فلا حيلة لهم في تحصيله، وإنما يصطفي الرب، جل وعلا، له من شاء من أولي العزم، فـ: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، فلا يختار لها بحكمته البالغة إلا الصفوة خَلقا ظاهرا وخُلُقا باطنا، وهل أعظم من الأنبياء عزائم، وهل أصح منهم إرادات، وهل أكمل منهم علوما، وهل أصدق منهم بلاغا، وهل أفصح منهم بيانا، وهل أدوم منهم طاعة، وهل أخلص منهم نسكا برسم: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)؟!. فـ: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، فحصل التذييل بوصفي السمع والبصر فيدلان لزوما على وصف العلم فالرب، جل وعلا، كما تقدم، عليم بالمحال فيصطفي منها ما يشاء بإعداده لقبول آثار الرسالة، فـ: (إِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ)، وما نالوا ذلك إلا برسم: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، ولكن إمامتهم إمامة عظمى برسم النبوة، وإمامة غيرهم تبع لهم برسم الصديقية والشهادة والولاية .... إلخ من المراتب الدينية الشريفة.
وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه:
فذلك احتراز في نفي مقالات الشرك الغالية تقريرا لمعنى الوحدانية، فجاء النص على الوحدانية في سياق مؤكد بالناسخ الحرفي فضلا عن القصر بالنفي والإثبات، ثم جاء التوكيد بالنص على مفهوم شهادة الوحدانية بنفي الشريك، ثم جاء التوكيد على عبودية الرسول الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم حسما لمادة الغلو على ما تقرر في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)، ثم جاء النص على جهة التوكيد على وصف العبودية البشرية الطينية والرسالة النورانية للمسيح عليه السلام ورسالته، على ما تقدم في إثباتها للنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن كان الأمر في حق النبي الخاتم صلى الله عليه
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى آله وسلم أعظم من جهة القدر والوصف لمكان الرسالة الخاتمة برسم العالمية على ما قرر أهل العلم في مسألة تفاضل الأنبياء عليهم السلام على وجه لا يقع فيه التعصب بالانتقاص من قدر المفضول فالقدح في نبي واحد ولو لم يعلم اسمه كفر لاقتضائه القدح في مقام النبوة وهي ركن ركين وأصل عظيم من أصول الإيمان فالنبوات هي الواسطة بين الحق والخلق فإنكارها إنكار للوحي المنزل روح هذا العالم فهو، كما تقدم مرارا، ماده صلاحه الكوني والشرعي، المادي والمعنوي، فأصل النبوات أصل جليل ولذلك اشتهر جنس النبوات بين الأمم ذات الحضارة الأعلى، ولو وصلت إليهم محرفة فحالهم أكمل من حال أمم كالبراهمة الذين لم يعرفوا نبوة قط فجعلوا العقل نبيا يصدرون عن وحيه المضطرب! فلكل مكلف نبي يحمله في صدره أو رأسه!، والعقول إذا عزلت عن منهاج النبوة المعصومة هلكت في أودية القياس العقلي الذي لا يحمد إلا في إطار النقل الشرعي الذي يزكيه ويؤيده برسم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) فإن تنازعت العقول فالوحي حكم عدل بحكمه يقضى بين الخصوم بعد تحرير محل النزاع فحكم الشرع يوافق العقل، والمنقول الصحيح يواطئ لا محالة المعقول الصريح فلا غنى للعقل عن النقل الذي يؤيده بمادة العصمة، فالشرع أمان من الزلل في العلم والعمل، فشأن النبوات: شأن عظيم، ولذلك وقع الخلاف فيها جفاء: فأنكرها أو ازدراها قوم وتلك الحال الغالبة على أرباب المذاهب العقلية التي أنكرت النبوة إنكارا كليا بلسان المقال كما تقدم من مذهب البراهمة فهم من قدامى هذا القول وكما هي حال الملحدين في زماننا برسم الشيوعية الشرقية البائدة أو العلمانية الغربية المعاصرة التي يكتوي العقل الغربي الآن بنيرانها فلا يجد ملجأ من تطرفها الذي يصادم الفطرة الإنسانية الأولى إلا في ظلال الدين الخاتم، فرسالته: حجة عقلية باهرة وأمان نفساني عظيم فلا يجد المكلف حرجا عقليا في قبول تصورها الإيماني فـ: لا إله إلا الرب المعبود بحق المتصف بكمال الذات والأسماء والصفات والأفعال أزلا وأبدا فهو الأول والآخر فاستحقاقه كمال التأله فرع عن اتصافه بكمال الربوبية فهي آثار أوصافه الكاملة، فكمال أفعاله في الكون إيجادا وتدبيرا فرع عن كمال أوصافه علما وقدرة وحكمة ...... إلخ، فهذا توحيد المرسِل، جل وعلا، و: محمد رسول الله: توحيد المرسَل، كما تقدم، فهو الواسطة الخاتمة بين الرب، جل وعلا، والخلق فجاء برسالة خاتمة فيها من العلوم العقلية والأعمال التكليفية ما يصلح به الباطن والظاهر بشهادة كل منصف ولو غير مسلم، فالقانونيون من غير المسلمين يسلمون إذا اتبعوا قواعدهم المنهجية بكمال هذه الشريعة، والفلاسفة مع تطرفهم في إنكار النبوة يسلمون بأنه لم يطرق الكون ناموس أكمل من ناموس النبوة، ولو كانت عندهم تأملات عقلية صدرت من إنسان موصوف بكمال القوى النفسانية والتأثيرية، فأحكامها، كما تقدم، تعم كل حاجات الفرد والجماعة، فبها تنتظم علاقات الأفراد داخل الجماعة الواحدة ولو اختلفت المشارب والأهواء بل المذاهب والأديان، وبها تنتظم علاقات الجماعة المسلمة مع بقية الجماعات، فإعجاز النبوة التشريعي من دلائل النبوة الدامغة، فضلا عن إعجاز التنزيل البلاغي، وآيات الرب، جل وعلا، في شخص الرسول الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هديه وسمته، في بيته ومجلس حكمه، في سلمه وفي حربه ...... إلخ فلم تخف من حياته خافية، فجاء بناموس ناسخ لناموس من تقدمه من أولي العزم عليهم السلام، وهو مع تلك الدعوى العظيمة مؤيد بآيات الشرع فحجته النقلية صحيحة وحجته العقلية صريحة لم ولن يقدر أحد على إبطالها حتي قيام الساعة، وآيات الكون فقد ظهر أمره وارتفع ذكره وانتشر دينه في الشرق والغرب فأقبل عليه عقلاء الأمم من كل المشارب الفكرية، نقلية كانت أو عقلية، فدخل فيه اليهود والنصارى، ودخل فيه العلمانيون بل والشيوعيون، فهو أكثر الأديان انتشارا في هذا الزمان فلا تزيده هجمات
(يُتْبَعُ)
(/)
أعدائه إلا صلابة وظهورا تأويلا للموعود الرباني: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، فكل ذلك بداهة مما يؤيد صحة هذه الرسالة فهي مسك ختام النبوة، وتلك براهين من النقل والعقل والحس تدحض شبهات أهل الجفاء في النبوات، وفي مقابلهم أهل الغلو في الأنبياء عليهم السلام حتى زعم من زعم ألوهية المسيح عليه السلام أو تجسد وصف الكلمة الربانية في ناسوته الشريف، فهو شريف القدر عظيم الشأن ولكن ذلك لا يجوز الغلو فيه إطراء له بما ليس فيه من أوصاف الإلهية، فلم يخرج عن حد البشرية، فـ: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، وإن كانت من أرفع أجناس البشرية، فليس ثم أرفع درجة من درجة أولي العزم عليهم السلام، وتابعه من تابعه من أهل القبلة غلوا في النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاء النهي الصريح عن الإطراء في حديث عمر، رضي الله عنه، مرفوعا: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله"، وإن لم يصل إلى ما وصل إليه الغلاة من لاهوتية لا أصل لها من نقل أو عقل، فالغلو في المسيح قد عم وطم، فرضيته نفوس جاهلة لم تقدر الرب، جل وعلا، حق قدره، فغلت في حق البشر وجفت في حق الرب، جل وعلا، فنسبت إليه وصف النقص من اتحاد ذاته أو وصفه بمخلوق حادث، وإن كان شريف القدر، فلا ينفك ذلك عن نقص قد انتفى ضرورة عن الباري، عز وجل، فتلك من آكد ضرورات العقل الصريح، بل هي آكدها تقريرا، فحسن التنبيه على بشرية المسيح عليه السلام خصوصا، وإن كان ذلك ثابتا في حق بقية البشر عموما، حسن ذلك لما وقع ولا زال يقع في حقه من غلو هو منه براء برسم: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، فهو عبد الله، عبودية إيجادية عامة يشترك فيها مع بقية الخلائق، وعبودية إيمانية يمتاز بها وسائر النبيين والصالحين عن بقية البشر.
وهو الكلمة التي ألقاها إلى البتول عليها السلام برسم: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فبها كان، كما أشار إلى ذلك ابن أبي حاتم، رحمه الله، بقوله: " (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) قال: ليس الكلمة صارت عيسى، ولكن بالكلمة صار عيسى". اهـ
فذلك من إطلاق السبب وإرادة المسبَّب الناتج منه، كإطلاق السماء على الزرع، فأطلق الماء النازل فهو السبب وأراد الزرع فهو المسبَّب الناتج منه، برسم: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ)، فالسببية هنا ظاهرة، فالباء نص فيها، بخلاف السببية في إطلاق المسبَّب الناتج منها، ففيها نوع خفاء ولطف يناسب مقام التشريف للمسيح عليه السلام بإضافة الكلمة التي خلق بها المسيح عليه السلام خصوصا إلى الرب، جل وعلا، الذي صدرت منه صدور الوصف التكويني الإيجادي من الرب المكون الموجد، جل وعلا، فقد أوجد المسيح خصوصا وبقية البشر والشجر وسائر الكائنات عموما بكلمات كونيات نافذة تكلم بها على وجه يليق بجلاله، فعلقت بمشيئة تأويل معلومه التقديري الأول في عالم الغيب العدمي: في عالم الشهادة الوجودي فجاء التأويل مصدقا لما قد قدر أزلا، فقدر خلق آدم بلا أب أو أم، فجاءت كلمته الكونية التي خلق بها: سببا به وقع تأويل المقدور الأول بخلقه
(يُتْبَعُ)
(/)
فجاء خلق آدم الإيجادي في عالم الشهادة تأويلا لخلقه التقديري في عالم الغيب قبل خلقه وخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكذلك الشأن في خلق المسيح عليه السلام، فخص كما خص آدم عليه السلام بالخلق بكلمة كونية خاصة لمكان الآية الكونية الباهرة بخلقه من أم بلا أب، فلو كانت تلك ذريعة صحيحة إلى غلو بنسبته إلى ألوهية أو بنوة إلهية تجسد فيها وصف الكلمة في أقنوم بائن من ذات الرب، جل وعلا، لو كانت تلك ذريعة صحيحة إلى هذا الغلو فآدم أحق بهذا الوصف!، فإذا بطل في حق آدم بالإجماع فهو باطل في حق المسيح عليه السلام من باب أولى فذلك مقتضى قياس الأولى الصريح، فكل مخلوق قد خلق بكلمة كونية فيصح من هذا الوجه إطلاق وصف الكلمة على كل مخلوق، ولكنها كلمات عامة لم تختص بما اختصت به الكلمة التي خلق بها المسيح عليه السلام من الإضافة، فهي كلمة خاصة وقعت بها آية كونية باهرة بخلق ذات رسول كريم في رحم صديقة بتول فألقاها الرب، جل وعلا، إلى مريم، عليها السلام، إلقاء السبب، فبها، كما تقدم، خلق المسيح، عليه السلام، فنفخ الرب، جل وعلا، من الروح الأمين عليه السلام في رحم البتول عليها السلام، فـ: (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)، فتحققت صورة السبب الذي به تكون الأجنة في الأرحام بنفخ ملك الأرحام عليه السلام، ولكن لما كان الجنين شريفا والآية باهرة، كما تقدم، كان النافخ هو روح القدس عليه السلام فتمثل للبتول بشرا سويا ونفخ في جيب درعها فسرت نفخته إلى رحمها، فتلك صورة السبب، فكان المسبَّب الشريف عليه السلام أثر كلمة الرب، جل وعلا، الكونية النافذة: "كن"، فاختص المسيح عليه السلام بكلمة واختص بنفخة لمكان نبوته وآيته، وهو مع كل ذلك التشريف نبي كريم برسم العبودية فـ: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)، فهو: كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه: فذلك من الإطناب في وصفه بيانا لما قد يخفى من حاله فهو روح عظيم، فالتنكير للتعظيم، فذلك مما يناسب حاله الشريفة، صدرت من الرب، جل وعلا، صدور المخلوق من خالقه، فباينت جهة الصدور هنا جهة صدور الكلمة، فالكلمة صادرة صدور الوصف من الموصوف، والروح كروح آدم عليه السلام: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، صادرة صدور المخلوق من خالقه، فـ: "من" لابتداء الغاية، فابتداء غاية صدور روح المسيح عليه السلام: الروح الشريف المخلوق بكلمة كونية خاصة، ابتداء صدوره من الرب، جل وعلا، صدور المخلوق من الخالق، جل وعلا، كما تقدم، فاختص بالذكر في هذا المقام تشريفا كما اختص بالذكر في مقام إضافة الكلمة التي خلق بها إلى من تكلم بها جل وعلا، فكلٌ يصح في حقه أنه روح من الله، فابتداء غاية خلق روحه من الله، عز وجل، ولكن ذلك الابتداء: ابتداء عام، بخلاف ابتداء غاية خلق المسيح عليه السلام، فهو خلق عجيب، كما تقدم، فيحسن معه إضافته إلى الرب القدير الحكيم جل وعلا.
فشهد بعض بكل ما تقدم بلسانه ولم يشهد قلبه ولم تشهد جوارحه، فهو في حد النفاق داخل سواء أكان نفاقا أكبر برسم: (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ)، أم أصغر فآية المنافق: "ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان".
وشهد بعض شهادة الحق، فـ: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وكفى بها كرامة لهم، فعلمهم بالعمل قد تأيد وقام، فالقسط وصفه، وبالعدل قامت السماوات والأرض، وبالعدل قامت الممالك، وأعدلها باستقراء الوحي المقروء والتاريخ المسطور والواقع المشهود، أعدلها ممالك النبوة، فرسمها: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)
(يُتْبَعُ)
(/)
، فإذا كانت النبوة حاضرة، فالدولة كاملة، برسم النبوة فـ: "أيها الناس، ألا من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه. إلا وإن أحبّكم إليّ من أخذ مني حقاً إن كان له، أو حلّلني فلقيت ربي وأنا طيّب النفس"، أو الخلافة الراشدة، فـ: "القوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له"، فالعدل في الأحكام هو التأويل الصريح للعلم النبوي الصحيح: علم الشهادة، فمن شهد له، جل وعلا، بالربوبية إيجادا وتدبيرا، عناية ورعاية، جلالا وجمالا، ومن شهد لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرسالة، فهو أول مصدق لأخبارها قائم بأحكامها، فـ: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، من شهد تلك الشهادة الجليلة فصدق عمله قولَه، فإنه من أهل العدالة، فقد انتحل ديانة هي معدن العدل والقسط، بل البر والفضل، فـ: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فلا يطمع فيها جائر فسيفها رادع، ولا يخشى بأسها خائف فكتابها عادل، وتاريخ الأمم، كما تقدم، على ذلك خير شاهد، فحروب المسلمين أقل الحروب خسائر، وحروب النصرانية العدو الأول للدين الخاتم بعد انقيادها لوحي يهود الكاذب تحريفا للدين وتحريضا على الموحدين، كما هي حال جماعات الضغط الأصولية صهيونية كانت أو نصرانية، بل منها ما انتسب إلى الصهيوينة صراحة، حروبها شاهد على ضد ما تزعمه لنفسها من سماحة وللإسلام من تعصب، فلم تسفك دماء كدماء الأمم التي فرضت عليها النصرانية فرضا، وتاريخ أوروبا، وتاريخ دول شرقية انتشرت فيها المسيحية الشرقية كروسيا وإثيوبيا، ذلك التاريخ المجيد!، خير شاهد على حقيقة دين السلام والمحبة بعد طروء التبديل عليه على يد المتنصر بولس، فسريان البدعة لا سيما العلمية الاعتقادية، لا سيما إن طالت أصل الدين التوحيدي فصيرته شركيا أسطوريا لا يقبله العقل إلا برسم القهر الفكري والبدني، سريان البدعة إلى الديانة مظنة الانقسام، فالبدعة لا سقف لها، فما زال الابتداع في دين النصارى إلى يوم الناس هذا، بل لا زال في الدين الخاتم، ولكنه يباين بقية الأديان في حفظ أصوله كما هي من لدن جاء بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحيا برسم: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فضلا عن انتحال جمهور المسلمين مقالة الحق بداهة بمقتضى الفطرة الأولى فليس عند عموم المسلمين تصورات باطلة في أصول كتوحيد الأسماء والصفات فالتأويلات المتكلفة في هذا الباب لا تجدها إلا في كتب المتكلمين وأذهان الدارسين المتخصصين سواء أكانوا مؤيدين أم معارضين، وليس عندهم غلو مذموم في أنبياء أو أئمة أو أولياء يصل بهم إلى حد التقديس بخلع أوصاف الربوبية على البشر المخلوق، فليس عندهم إجمالا ما عند طوائف ضلت من أهل القبلة لا تمثل الإسلام الموثق إسنادا ومتنا، وليس عندهم ما عند بقية الأديان من مقالات حادثة طرأ عليها التبديل باعتراف محققيها فضلا عن مباينتها لصريح المعقول، فليس عندهم إلا دين صحيح نقله صريح عقله قد نقل إليهم على وجه تقوم به الحجة الرسالية عليهم وعلى غيرهم من سائر الملل والنحل.
والانقسام مظنة العداوة والبغضاء، فـ: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، فنسوا حظا من الدين الصحيح فانتحلوا دينا مبدلا، فوقعوا في البدعة، فظهر الانقسام فـ: (تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)، ولغير ما هم عليه كارهون مبغضون، والبغض ينشأ في أوله في القلب ثم لا يلبث أن تظهر آثاره على اللسان والجوارح، استحلالا للعرض بالتكفير والتبديع والتفسيق، وللدماء بالتقتيل والتقطيع، حتى في دائرة الملة الواحدة، وتصارع المذاهب النصرانية من لدن وقع الخلاف الأعظم بين
(يُتْبَعُ)
(/)
الكاثوليك والأرثوذكس، ثم الكاثوليك والبروتستانت، تصارعها خير شاهد على ذلك، وقريبا منه تصارع السنة وأهل البدعة المغلظة في بلاد الرافدين وإن شئت الدقة فقل خيانة أهل البدعة وتسلطهم بالقتل والتشريد على أهل السنة فما استعملوا معهم من العدل ما استعمله الأولون حال ظهورهم فالسلطان يفضح أخلاق صاحبه فذلك من جنس الابتلاء بالتمكين فـ: (نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، وإن كانت الحال في دين الإسلام أفضل لما تقدم من حفظ أصول الديانة، فهي مرجع يحتكم إليه عند وقوع التنازع، فيعرف السائل الحق ولو إقامة للحجة الرسالية عليه إن كان من أهل الأهواء الذين يعلمون الحق ويعرضون عن اتباعه لكبر أو شهوة رياسة.
ومن شهد هذه الشهادة فهو ممتثل لا محالة لأخبار الرسالة تصديقا وأحكامها تأويلا، فـ: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فيصدق بتحكيمه وتسليمه شهادته، فليست، كما تقدم، شهادة لسانية، أو قلبية وجدانية لا أثر لها في الخارج، بل هي شهادة علمية باطنة، عملية ظاهرة، يظهر أثرها في كل سكنة وحركة، في كل تصور وحكم، في كل إرادة تعتمل في القلب، ولفظة تجري على اللسان، وفعلة تظهر على الأركان، فذلك مفهوم الإيمان الذي جاء به الوحي فيقر في القلب ابتداء ثم يصدقه اللسان فالجوارح، فيشهد ظاهر المكلف لباطنه أن صدقت شهادتك بالوحدانية، وصدقت شهادتك بالأخبار الغيبية، وصدقت شهادتك بالنبوات، فـ: (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
ومن الشهداء شهداء قد شهدوا بدمائهم، فهم أعظم الناس شهادة، فـ: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)، ولعل ما نراه في زماننا من صور الثبات العجيب على الدين الحنيف من مستضعفين بل مستضعفات هن مظنة اللين وقلة الصبر وسرعة الجزع، لعل ما نراه منهن شهادة أخرى، بل هي من الشهادات العظمى بالوحدانية والرسالة، وهي مما يحمل كثيرا من ورثة الديانة على إعادة النظر في حالهم، ويحمل الرجال على إعادة النظر في أوصاف الرجولة والمروءة والشهامة فضلا عن أوصاف الديانة، فقد ذهبت في الأعصار المتأخرة جملة من الأخلاق لا يقل مصاب فقدها فداحة عن مصاب فقد كثير من أحكام الشريعة بالتغييب والتجهيل، فإن الأمم لا تصمد إلا بدين يتورع صاحبه عن مقارفة أسباب الشؤم والفساد من المعاصي والموبقات، وأخلاق تحجز صاحبها عن مقارفة الدنايا، وإن لم يكن ذا دين متين، فالأخلاق الطبعية قد تسد مسد الأخلاق الشرعية، فيمتنع الإنسان عن المعصية أنفة لا ديانة، فإذا غاب كلاهما فمن يسد مسدهما، فلا دين يعصم ولا خلق يحجز!.
والجنة حق والنار حق: فهما مخلوقتان فحق وجودهما، وهما قد أعدتا لأهلهما فدخولهما حق، فحق على الله، عز وجل، أوجبه على نفسه فلا يوجب عليه أحد من الخلق شيئا، حق عليه أن يدخل أهل الإيمان الجنة فضلا، وحق عليه أن يدخل أهل الكفران النار عدلا، وبينهما المخلطون من أصحاب التوحيد فإن شاء عفا: فضلا، وإن شاء عذب على رسم التأقيت لا التأبيد: عدلا، فحصل بالتباين في المصاير فرعا عما صدر في دار الابتلاء من التصورات والإرادات والأقوال والأعمال، حصل به ظهور آثار قدرة الرب، جل وعلا، على التنعيم والتعذيب، وحكمته في عدم التسوية بين سائر العبيد، فلكل في الآخرة قدره من النعمة أو النقمة فرعا عما قدم في الأولى.
أدخله الله الجنة على ما كان من العمل:
فذلك من جنس الوعد العام فلا يعارض نصوص الوعيد الخاص، فقد يشهد القلب واللسان والجوارح، ويقوم بالشاهد مانع يستوجب الوعيد، وإن لم يحكم بنفاذه، إن كان مما لا ينقض أصل الدين من كبائر ومعاص، صاحبها متوعد تحت المشيئة، فيكون ذلك من جنس ما تحمل عليه أحاديث الوعد من قبيل: "من قال: لا إله إلا الله نفعته يوما من الدهر يصيبه قبل ذلك ما أصابه"، فذلك عموم تخصه نصوص أخرى، فلا بد من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، فهي، كما يقول ابن خزيمة رحمه الله، ألفاظ عامة مرادها خاص بمن ثبت في حقه الشرط وانتفى المانع، فقام بالفرائض واجتنب المناهي، فدخول من قال لا إله إلا الله الجنة ليس دخولا واحدا بل تتفاوت أحوال الداخلين تقدما وتأخرا، ومنازلهم علوا ونزولا، تتفاوت بتفاوت قيامهم بالشروط واجتنابهم للموانع، بل منهم من يشهد في الدنيا بلسانه، ولا يدخل الجنة أبدا، فهو منافق يظهر خلاف ما يبطن، أو مرتد قد وقع في مانع أتى على أصل الديانة بالبطلان، فأحكام الآخرة تباين أحكام الدنيا، فقد يحكم على كافر بالكفر بالنظر إلى ظاهره فتسري أحكامه عليه وهو في حقيقته مؤمن يكتم إيمانه، فأحكامه عند الرب، جل وعلا، أحكام المؤمنين، بل لعله خير من كثير ممن يظهر الإيمان، ولو صادقا، وتلك صورة تقع كثيرا في أعصار الضعف والانحسار التي طالت أخيرا بلاد المسلمين فيخشى المؤمن فيها من إظهار الإيمان!، فكثير من كفار الظاهر مؤمنون إيمان الباطن الذي يتحرق شوقا إلى إظهار الإيمان، وليس ثم نصير، بل قد انقلب النصير ظهيرا للكافرين!.
والشاهد أن دخوله الجنة بهذه الشهادة لا يلزم منه وجوب ذلك بالنطق المجرد، فهو في نفسه، لا ينفك، إن كان صادقا، عن عقد إيماني سابق، وفعل بالجوارح لاحق، فالشهادة، كما تقدم، ثلاثية الأركان، وهو في نفسه يجري مجرى نصوص الوعد العام فنصوص الوعيد الخاصة تقضي عليه سواء أكانت مما يستحق صاحبها الخلود المؤبد في النار كمن شهد بلسانه ووقع في ناقض قلبي أو قولي أو فعلي للإيمان، أو مما يستحق صاحبها العذاب المؤقت، فيحتمل قوله: أدخله الله الجنة: بعد استيفاء العذاب برسم التطهير بنار عصاة الموحدين، فيصير أهلا لدخول الجنة انتهاء وإن لم يكن أهلا لها ابتداء.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحاول أن]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 09:46 ص]ـ
ثبَّتكم الله وجعل هذه النفائس مما تثقل به موازينكم، وأتم عليكم فضله، وأراد بكم خيرا ..
ومن الشهداء شهداء قد شهدوا بدمائهم، فهم أعظم الناس شهادة، فـ: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)، ولعل ما نراه في زماننا من صور الثبات العجيب على الدين الحنيف من مستضعفين بل مستضعفات هن مظنة اللين وقلة الصبر وسرعة الجزع، لعل ما نراه منهن شهادة أخرى، بل هي من الشهادات العظمى بالوحدانية والرسالة، وهي مما يحمل كثيرا من ورثة الديانة على إعادة النظر في حالهم، ويحمل الرجال على إعادة النظر في أوصاف الرجولة والمروءة والشهامة فضلا عن أوصاف الديانة، فقد ذهبت في الأعصار المتأخرة جملة من الأخلاق لا يقل مصاب فقدها فداحة عن مصاب فقد كثير من أحكام الشريعة بالتغييب والتجهيل، فإن الأمم لا تصمد إلا بدين يتورع صاحبه عن مقارفة أسباب الشؤم والفساد من المعاصي والموبقات، وأخلاق تحجز صاحبها عن مقارفة الدنايا، وإن لم يكن ذا دين متين، فالأخلاق الطبعية قد تسد مسد الأخلاق الشرعية، فيمتنع الإنسان عن المعصية أنفة لا ديانة، فإذا غاب كلاهما فمن يسد مسدهما، فلا دين يعصم ولا خلق يحجز!(/)
أرجو المساعدة في الشرح
ـ[ليان 2009]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 03:04 م]ـ
انا معلمه ثاني ثانوي
اريد منكم ان تساعدوني في شرح درسين هما
ذكر المسند و المسند إليه
و درس حذف المسند و المسند اليه
انا بحثت في الكتب و المواقع لم اجد ما يساعدني على توصيل المعلومه
انا اريد ان اثبت المعلومه في ذهن الطالبات
ارجو المساعده و جزاكم الله كل خير
ـ[نديم السحر]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 05:25 م]ـ
http://www.alshirazi.com/compilations/lals/balagah/part1/4.htm
ـ[أنوار]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 06:17 م]ـ
أختي الكريمة .. مرحبا بكِ
لو عدتِ للكتب البلاغيّة فستفصل لكِ الكثير من الأغراض البيانيّة ..
ككتاب علوم البلاغة للمراغي فهو يعلل كل حذف وذكر.
وهناك الكثير ولكن هذا ما يحضرني الآن.
دمتِ موفقة ,,
ـ[فتون]ــــــــ[01 - 10 - 2010, 06:45 ص]ـ
إذا كنت متمكنة من الدرسين؛ ففي
منتدى معلمي اللغة العربية قد تجدين بغيتك "أي إذا كنت تريدين الوسيلة المناسبة
لإيصال المعلومة"
أما إذا كنت تريدين التدارس حول هذين الموضوعين هنا فنحن نسعد بمشاركتك ...
تحيتي(/)
ما الفرق بين الصورة الحسية والصورة المرئية
ـ[دعاء ابوزهرى]ــــــــ[02 - 10 - 2010, 09:54 م]ـ
الرجاء الرد بسرعه(/)
الفرق بين طفل والطفل في نخرجكم طفلاوالطفل الذين لم
ـ[سديم2001]ــــــــ[02 - 10 - 2010, 10:16 م]ـ
ما الفرق بين طفل والطفل في (ثم نخرجكم طفلا) و (الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) .. ؟
فكلاهما يدل على الجنس .. لكن من المعروف أن المفرد المعرف بـ (ال) يفيد العموم ..
لكن إذا كان نكرة كقوله عزوجل: (طفلا) فهل يفيد العموم أيضا .. ؟
ماالفرق بين طفل والطفل الواردين في الآيتين .. لماذا نكر الأول وعرف الثاني .. ؟؟!
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[03 - 10 - 2010, 05:47 م]ـ
سؤال متميز الأخت سديم
يستحق الوقوف عنده
وهذا من فوائد تدبر القرآن
أنا في انتظار الفائدة كذلك من الزملاء
ـ[صَاحِبَةُ الْصَّمْتِ]ــــــــ[03 - 10 - 2010, 11:24 م]ـ
وأنا أيضًا مُنتظرة
بارك الله فيكم
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[09 - 10 - 2010, 11:03 م]ـ
ما الفرق بين طفل والطفل في (ثم نخرجكم طفلا) و (الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) .. ؟
فكلاهما يدل على الجنس .. لكن من المعروف أن المفرد المعرف بـ (ال) يفيد العموم ..
لكن إذا كان نكرة كقوله عزوجل: (طفلا) فهل يفيد العموم أيضا .. ؟
ماالفرق بين طفل والطفل الواردين في الآيتين .. لماذا نكر الأول وعرف الثاني .. ؟؟!
بارك الله فيك أختنا سديم, هذا السؤال كما ذكر الإخوة سؤال متميز يستحق الوقوف عنده
ليس كل معرف بـ (ال) يفيد العموم إلا إذا كانت (ال) للاستغراق التي يصح أن يجعل مكانها (كل) كقوله تعالى {إن الإنسان لفي خسر} , أما إذا كانت ال للعهد كقوله تعالى: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] فإن ال هنا للعهد الذكري حيث ذكر الرسول قبلها وهو موسى في قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} [المزمل: 15]
هذا من باب الاستدراك في التعميم وإلا فإن ال في قوله {أو الطفل} لا شك أنها للعموم
وأما سؤالك في النكرة هل تفيد العموم؟
فهذا فيه خلاف بين علماء أصول الفقه والراجح أنها تأتي للعموم وخاصة في سياق الامتنان كقوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] ولذلك فإن التنكير في قوله تعالى {ثم نخرجكم طفلا} دالٌّ على العموم, لأنه في مقام الامتنان
وقد جاءت النكرة في سياق الاثبات في غير مقام الامتنان وأفادت العموم لكنه قليل كقوله تعالى: {علمت نفسٌ ما قدمت وأخرت}
وأما سبب التنكير في الأول فذلك لأنه حال من الضمير في قوله (ثم نخرجكم) ولا يستقيم التعريف هنا فلا يصح (ثم نخرجكم الطفل)
وكذلك التنكير في الآية الثانية لا يستقيم لغة لأن الجملة الاسمية بعد لفظة (الطفل) صفة له, مبتدأةٌ بالاسم الموصول والأسماء الموصولة معارف , والصفة تتبع الموصوف في التعريف والتنكير
أرجو أن أكون قد أجبت عن المراد
والله الموفق(/)
مراجعات بلاغية
ـ[الياسين]ــــــــ[04 - 10 - 2010, 08:06 م]ـ
لماذا أدرجت أفعال الرجاء تحت الإنشاء غير الطلبي بينما التمني أدرج تحت الإنشاء الطلبي؟ مع أن كليهما يستدعي مطلوبا أحدهما بعيد -التمني-والآخر قريب- الرجاء -!!!
ـ[عصماء]ــــــــ[04 - 10 - 2010, 11:08 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالما فكرت في هذا الأمر, فقلت لنفسي إن الرجاء قريب الوقوع فكأنه واقع من كمال التفاؤل!!
أما التمني فلا يرجى وقوعه إما لأنه مستحيل أو بعيد الوقوع " ليس مطموعا في نيله"
لذا أرضيت نفسي بأن الأول ليس طلبيا على عكس الثاني.
الآن أنا أرجو الصواب , وفقنا الله جميعا إليه.
ـ[الياسين]ــــــــ[07 - 10 - 2010, 09:19 م]ـ
من هو مستعد لنقاش هذا الموضوع فلا يتركنا بدون نقاش وإثراء للموضوع
ـ[محمود طلحة]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 01:21 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إدراج التمني في الإنشاء الطلبي يحتاج إلى إعادة نظر، إذ ليس كل ما يتمنى مطلوب، وعلى هذا فهو أقرب إلى الإفصاح عما في النفس، أي إلى الإنشاء غير الطلبي
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 02:41 م]ـ
لماذا أدرجت أفعال الرجاء تحت الإنشاء غير الطلبي بينما التمني أدرج تحت الإنشاء الطلبي؟ مع أن كليهما يستدعي مطلوبا أحدهما بعيد -التمني-والآخر قريب- الرجاء -!!!
أخي الكريم
أفعال الرجاء لا يطلب بها حصول مالم يكن حاصلا و إنما يخبر عن قرب حصول ما لم يكن حاصلا حين التكلم به، فهو ليس خبرا لأن المخبر عنه لم يحصل و لا طلبا لأنه لا يطلب شيئا، تقول: عسى السماء أن تمطر و اخلولقت السماء أن تمطر و حري بالسماء أن تمطر، فتجد جارك يسرع في وضع كيسي الأسمنت تحت الدرج، فيسهل عليك الخروج و الدخول، أما لو قلت له أتمنى أن تمطر السماء، فسيقول لك: تحملنا قليلا ياجار، و لك الأجر و المثوبة، و ستتعثر في كيسي الأسمنت ليل نهار.
و قد يأتي أحدهما بمعنى الآخر وهذا مبحث مختلف.
تقبل مروري
ـ[الياسين]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 03:31 م]ـ
لماذا لا يكون الترجي في قولكم: عسى السماء أن تمطر. خبرا كونها تحتمل الصدق والكذب، فلربما ترجو ذاك وربما لا ترجوه!!!(/)
ممكن توجيهي!!!
ـ[أمير الفصحاء]ــــــــ[04 - 10 - 2010, 09:33 م]ـ
أنا ضعيف جدا في تحديد الغرض البلاغي من الأساليب الانشائية هل من يساعدني؟؟!!!
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[04 - 10 - 2010, 09:56 م]ـ
أنا ضعيف جدا في تحديد الغرض البلاغي من الأساليب الانشائية هل من يساعدني؟؟!!!
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
هنا شرح رائع لأم عبادة (جزاها الله خيرا وكتب الله لها الأجر)
لعله يفيد
الأسلوب الإنشائي:
وهو ما لا يحتمل الصدق أو الكذب وهو نوعان:
- طلبي: وهو الأمر والنهى والاستفهام والنداء والتمني.
- غير طلبي: وهو التعجب والقسم والمدح والذم.
% تذكر أن:
كل أغراض الأساليب الإنشائية تأتي حسب المعنى الذي يوحي به سياق الكلام، وما يذكر هنا من أغراض على سبيل المثال لا الحصر.
1 - الأمر:
هو طلب فعل الشيء على وجه الاستعلاء (أي الآمر يعد نفسه أعلى من المخاطب).
وصيغ الأمر هي:
(أ) - الفعل الأمر مثل: " ربنا اغفر لنا ذنوبناً ".
(ب) - المضارع المقرون بلام الأمر مثل: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه".
(ج) - المصدر النائب عن فعله مثل: " وبالوالدين إحسانا ".
(د) - اسم الفعل مثل: " عليك بتقوى الله ".
أغراضه البلاغية:
تفهم من سياق الكلام وهي كثيرة مثل:
[الدعاء - التهديد - النصح والإرشاد - التعجيز - الذم والتحقير - التحسر - التمني] و منها:
1 - الدعاء: إذا كان الأمر من البشر إلى الله.
ôمثل: قول سيدنا موسى: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (طه25: 26).
2 - الرجاء: إذا كان الأمر من الأدنى إلى الأعلى من البشر.
{مثل: انظر إلى شعبك أيها الحاكم.
3 - النصح والإرشاد: إذا كان الأمر من الأعلى إلى الأدنى من البشر، أو كان فيه فائدة ستعود على المخاطب.
ôمثل:
{اطلبوا الحكمة عند الحكماء.
{(دع ما يؤلمك).
{اِرْجِعْ إلَى النفْسِ فاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا فأنْتَ بِالنَّفْسِ لاَ بِالجِسْمِ إِنْسَانُ
4 - الالتماس: إذا كان الأمر بين اثنين متساويين في المكانة.
ôمثل: يا صاحبي تقصيا نظريكما.
5 - التعجيز: إذا كان الأمر يستحيل القيام به؛ لأن المأمور يعجز أن ينفذ ما أمر به.
{مثل: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِه) (لقمان: من الآية11).
ô( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ) (البقرة: من الآية23).
6 - التمني: إذا كان الأمر موجهاً لما لا يعقل، أو للمطالبة بشيء بعيد التحقق.
ôمثل: ألا أيها الليل الطويل ألا أنجلِ بصبح وما الإصباح منك بأمثل
7 - التحسُّر و الندم: إذا كان الأمر يتضمن ما يحزن النفس و يؤلمها على شيء مضى و انتهى.
ôمثل: قال البارودي: رُدُّوا عَلَيَّ الصِّبَا مَنْ عَصْرِيَ الخَالِي.
8 - التهديد و التحذير: إذا كان الكلام يتضمن ما يخيف و يرهب.
{مثل: أهْمِلْ دروسك، وسترى عاقبة ذلك.
2 - النهي:
ويأتي على صورة واحدة وهى المضارع المسبوق بـ[لا] الناهية.
{و النهي الحقيقي هو طلب الكف من أعلى لأدنى.
{وقد تخرج صيغة النهي عن معناها الحقيقي إلى معانٍ أخرى بلاغية كالدعاء، والالتماس، والتمني، والإرشاد، والتوبيخ، والتيئيس، والتهديد ...
تذكر أن:
الأغراض البلاغية لأسلوب النهي هي نفس الأغراض البلاغية للأمر
1 - الدعاء: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: من الآية286)
2 - التهديد: قال الأبُ متوعداً ابنه: لا تُقْلِعْ عَنْ عِنَادِك!
3 - التمني: لا تغربي يا شمس!
4 - النصح والإرشاد: قال خالد بن صفوان: (لا تطلبوا الحاجات في غير حينها، ولا تطلبوها من غير أهلها).
5 - التيئيس: (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (التوبة: من الآية66).
6 - التحسر والندم: (لا تأملي يا نفس في الدنيا، فما فيها من وفاء).
3 - الاستفهام:
الاستفهام الحقيقي: هو طلب معرفة شيء مجهول ويحتاج إلى جواب.
الاستفهام البلاغي: لا يتطلب جواباً و إنما يحمل من المشاعر أغراض بلاغية عديدة منها:
1 - النفي: إذا حلت أداة النفي محل أداة الاستفهام و صح المعنى:
(يُتْبَعُ)
(/)
ôمثل: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون) (الزمر: من الآية9).
2 - التقرير و التأكيد: إذا كان الاستفهام منفياً:
ôمثل: ألم نشرح لك صدرك.
{(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) (الأعراف: من الآية172).
3 - الإنكار: إذا كان الاستفهام عن شيء لا يصح أن يكون:
ôمثل: (أتلعب و أنت تأكل.)، (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ .. ) (البقرة:44).
4 - التمني: إذا إذا قدرت مكان أداة الاستفهام أداة التمني (ليت)، واستقام المعنى.
ôمثل: (فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا) (الأعراف:53).
5 - التشويق و الإغراء: إذا كان الكلام فيه ما يغري و يثير الانتباه.
ôمثل: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الصف: من الآية10).
4 - النداء:
وأدواته هي: الهمزة و (أي)، وينادي بهما القريب، و (وا) و (أيا)، و (هيا) وينادى بها البعيد، و (يا) لنداء القريب والبعيد.
ôأغراض النداء البلاغية عديدة ومنها:
1 - إظهار التحسُّر والحزن:
{مثل: قول الشاعر يرثي ابنته: يا درة نزعت من تاج والدها.
2 - التعجب:
ôمثل: قال أبو العلاء المعري: فَوَاعَجَبًا كَمْ يَدِّعِي الفَضْلَ نَاقِصٌ
3 - الاستبعاد: إذا كان المنادى بعيد المنال.
ôمثل: يا بلاداً حجبت منذ الأزل.
4 - الاستغاثة:
ôمثل: يا الله للمؤمنين.
5 - التعظيم:
ôمثل: يا فتية الوطن المسلوب هل أمل على جباهكم السمراء يكتمل
6 - التنبيه:
ôمثل: يا صاحبي تقصيا نظريكما.
5 - التمني:
أداته الأصلية (ليت) وقد تستعمل في التمني أدوات أخرى هي (لو / هل / عسى).
{لو: تفيد إظهار التمني بعيد نادر الحدوث
ôمثل: لو كان ذلك يشترى أو يرجع.
{هل، لعل: لإظهار التمني قريب الحدوث.
ôمثل: لعل الكرب ينتهي.
{ليت: تفيد استحالة حدوث الشيء
¶مثل: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب.
ôتذكر أن:
هناك أسلوب آخر هو: الأسلوب الخبري لفظاً الإنشائي معنى، ودائماً يفيد: الدعاء
ôمثل: (جزاك الله خيراً).
وهذه تدريبات:
استخرج كل أسلوب إنشائي، وبين غرضه:
1 - " ... فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ ... ".
2 - " .. فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ".
3 - قال المعرّي: وَلاَ تَجْلِسْ إِلَى أَهْلِ الدَّنَايَا * فَإِنَّ خَلاَئِقَ السُّفَهَاءِ تُعْدِي
4 - " لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ... ".
5 - " أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ... ".
6 - يا لأفك الرجال! ماذا أذاعوا؟ كذب ما رووا صراح لعمري
7 - قال المتنبي: عِشْ عَزِيزاً أَوْ مُتْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ * بَيْنَ طَعْنِ الْقَنَا وَخَفْقِ الْبُنُودِ
8 - " يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ".
9 - قال المعرّي: لاَ تَحْلِفَنَّ عَلَى صِدْقٍ وَلاَ كَذِبٍ * فَلا يُفِيدُك إِلاَّ الْمَأْثَمَ الْحَلِفُ
10 - " قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) "
والله الموفق
ـ[عصماء]ــــــــ[04 - 10 - 2010, 10:50 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أستاذتي العزيزة زهرة حياك الله ونضر وجهك اللهم آمين.
اسمحي لي بمحاولة الإجابة .. ومن فضلك لا تنسَي التصويب نفعك الله ونفع بك.
ـ[عصماء]ــــــــ[04 - 10 - 2010, 10:58 م]ـ
1 - " ... فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ ... ". الدعاء
2 - " .. فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ". النفي
3 - قال المعرّي: وَلاَ تَجْلِسْ إِلَى أَهْلِ الدَّنَايَا * فَإِنَّ خَلاَئِقَ السُّفَهَاءِ تُعْدِي النصح
4 - " لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ... ". التيئيس
5 - " أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ... ". التقرير
6 - يا لأفك الرجال! ماذا أذاعوا؟ كذب ما رووا صراح لعمري التعجب
7 - قال المتنبي: عِشْ عَزِيزاً أَوْ مُتْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ * بَيْنَ طَعْنِ الْقَنَا وَخَفْقِ الْبُنُودِ التسوية
8 - " يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ". التعجيز
9 - قال المعرّي: لاَ تَحْلِفَنَّ عَلَى صِدْقٍ وَلاَ كَذِبٍ * فَلا يُفِيدُك إِلاَّ الْمَأْثَمَ الْحَلِفُ النصح
10 - " قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) "التعجب
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عصماء]ــــــــ[10 - 10 - 2010, 10:04 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 - " ... فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ ... ".
الغرض من الأمر الدعاء.
2 - " .. فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ".
الغرض من الاستفهام النفي.
3 - قال المعرّي: وَلاَ تَجْلِسْ إِلَى أَهْلِ الدَّنَايَا * فَإِنَّ خَلاَئِقَ السُّفَهَاءِ تُعْدِي.
الغرض من النهي النصح.
4 - " لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ... ".
الغرض من النهي التيئيس.
5 - " أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ... ".
الغرض من الاستفهام التقرير.
6 - يا لأفك الرجال! ماذا أذاعوا؟ كذب ما رووا صراح لعمري.
الغرض من النداء التعجب.
7 - قال المتنبي: عِشْ عَزِيزاً أَوْ مُتْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ * بَيْنَ طَعْنِ الْقَنَا وَخَفْقِ الْبُنُودِ.
الغرض من الأمر التسوية.
8 - " يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ".
الغرض من الأمر التعجيز.
9 - قال المعرّي: لاَ تَحْلِفَنَّ عَلَى صِدْقٍ وَلاَ كَذِبٍ * فَلا يُفِيدُك إِلاَّ الْمَأْثَمَ الْحَلِفُ.
الغرض من النهي النصح.
10 - " قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) "
الغرض من الاستفهام التعجب.
ـ[عصماء]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 09:49 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما زِلْتُ في انتظارِكُم أَهْلَ العِلْمِ الكِرَامِ ......(/)
خيركم من تعلم العلم وعلمه
ـ[درووب الاصدقاء]ــــــــ[06 - 10 - 2010, 11:14 م]ـ
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
انا احتاج مساعدتكم في اختار كتاب بلاغه و مولفه للقيام ببحث جامعي لان اول مره افعل بحث واحب ان يكون بحث ذو قيمه ( ops
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[06 - 10 - 2010, 11:19 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة: درورب الأصدقاء
أولا: أهلا وسهلا بكِ في منتدى الفصيح، نزلتِ أهلا، ووطئتِ سهلا، نتمنى لكِ طيب المقام والافادة، فحيّاك ِ الله وبياكِ في بيتك ِ الثاني.
ثانيا:
انتظري قليلا، فسوف يفيدك أهل الفصيح بإذن الله.
أسأل الله لكِ التوفيق والنجاح في بحثك / اللهم آمين.
ودمت ِ موفقة ومسددة(/)
ما العلاقة بين الدراسات البلاغية والأسلوب؟
ـ[الرحيل]ــــــــ[07 - 10 - 2010, 07:51 م]ـ
تحية طيبة للجميع. أرجو مساعدتي في معرفة العلاقة بين الدراسات البلاغية والسياق؟ -ليس الأسلوب كما في العنوان-وما المحاور المتطلبة لدراسة كل منهما، وما الطريقة المثلى للتدرج الطبيعي في مثل هذه المسألة، وما المراجع التي ينصح بالرجوع إليها في ذلك؟ جزآكم الله خيرا وألهمكم الصواب ..
دمتم بخير
ـ[الرحيل]ــــــــ[12 - 10 - 2010, 03:36 ص]ـ
أنتظر ردودكم جزآكم الله خيرا
ـ[الرحيل]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 03:21 م]ـ
شكرا جزيلا(/)
هل ................. ؟
ـ[عرباوى]ــــــــ[07 - 10 - 2010, 11:13 م]ـ
الأخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا بعد.
"أعينىّ جودا ولا تجمدا"
جودا - لاتجمدا هل بينهما طباق أم طباق السلب؟
الرجاء الإجابة مع التوضيح.
أرجو الإفادة وجزى الجميع خير الجزاء وأجزل لهم المثوبة
ـ[السراج]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 12:43 م]ـ
لا يوجد بينهما طباق ..
لأنهما مختلتفان في المعنى
طباق السلب مثل:
يعلم - لا يعلم
يحفظ - لا يحفظ
وهكذا، إذ يكون النفي هو الفارق الذي يعكس المعنى.
ـ[عرباوى]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 02:47 م]ـ
ولكن الملخصات تقول عنها طباق.
فما رأيكم فى ذلك.
وأنا معكم فى أنها طباق سلب.
هل من أراء أخرى أنتظر الإجابة النهائية؟ لكى يطمئن قلبى.
ـ[عرباوى]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 07:02 ص]ـ
هل من أراء أخرى أنتظر الإجابة النهائية؟ لكى يطمئن قلبى.
ـ[أنوار]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 09:59 ص]ـ
لا إضافة بعد إجابة الأستاذ السراج ..
ولكن ماهي الملخصات التي ذكرت ذلك؟(/)
المجاز المرسل
ـ[عرباوى]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 02:53 م]ـ
الأخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا بعد.
الرجاء شرح المجاز المرسل شرحا مبسطا لأنه يتشابه معى مع الصور البيانية الأخرى وماهى العلامات التى تميزه.
جزاكم الله خير ونفع الله بعلمكم وزادكم الله من العلم.
ـ[عرباوى]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 11:19 م]ـ
ما زلت أنتظر الرد
من الأخوة الأفاضل.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 11:52 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
جزاك الله خيرا
هذا درس على البوربوينت مع الصوت (المجاز المرسل) تجد تحميل الدرس من هنا ( http://arabsh.com/qa56z3jvoi7j.html) للأستاذ الفاضل: مجدي مختار جزاه الله خيرا.
لفتة / لا بد من الانتظار قليلا إلى أن يتم التحميل
والله الموفق(/)
اتحدا قلبًا واحدًا أم اتحدا كقلب واحد؟
ـ[رحيق الورد]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 11:03 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معذرة منكم اخوتي لست أعلم إن كان هذا هو القسم
الصحيح لسؤالي
أي الجملتين أصح وأبلغ
- اتحدا قلبًا واحدًا أم اتحدا كقلب واحد؟
- أحتفظ بها لغةً سريةً أم أحتفظ بها كلغة سرية؟
هل يصح حذف أدوات التشبيه أحيانًا؟
كما هو الحال في اتحدا قلبًا واحدًا وأحتفظ بها لغةً سريةً؟
أم أنها تخل بمعنى الجملة ومدى فصاحتها؟
ـ[أنوار]ــــــــ[09 - 10 - 2010, 05:46 م]ـ
يصح حذف أدوات التشبيه .. حسب رؤية الكاتب وسياق النص.
وأبلغ التشبيه ما حذفت به الأداة.
ـ[رحيق الورد]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 05:30 م]ـ
لم أستوعب ردكِ أختي أنوار
كيف يكون التشبيه بليغا والأداة محذوفة؟
لكن هل تبدو هذه الجمل ركيكة الصياغة دون أدوات تشبيه؟
شكرا لك أختي
ـ[أنوار]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 10:30 ص]ـ
اتحدا قلبًا واحدًا
أحتفظ بها لغةً سريةً
قصدتُ أن هاتين أبلغ .. وقد حذفت منهما أداة التشبيه.
فالتشبيه البليغ يحذف منه ركنان هما: أداة التشبيه، ووجه الشبه.
وحذف الوجه والأداة يوهم اتحاد الطرفين وعدم تفاضلهما، فيعلو المشبه إلى مستوى المشبه به. وهذا المقصود بالمبالغة في قوة التشبيه.
أما ذكر الأداة فيوهم بضعف المشبه وعدم إلحاقه بالمشبه به.
وذكر وجه الشبه يفيد تقييد التشبيه وحصره في وجه واحد ..
ومثله .. فالأرضُ ياقوتةٌ والجوُّ لؤلؤٌ ... والنبتُ فيروزٌ والماء بلّورٌ.
أرجو أن تكون قد اتضحت ..
ـ[رحيق الورد]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 01:00 م]ـ
الآن فهمتكِ يا أخية
شكرا لكِ وجزاكِ الله خيرا على شرحكِ السلس(/)
أرجو التصويب
ـ[أبوأنس محمد]ــــــــ[09 - 10 - 2010, 09:42 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما نوع الصورة البيانية في قولنا: نال رياضيو حصة الأسد من الميداليات الذهبية
حسب فهمي: [حصة الأسد] هي كناية الكثرة
أرجو التصويب بارك الله فيكم
كذلك هناك سؤال آخر
خرجت مكة لاستقبال ضيوفها
ما نوع الصورة البيانية
جوابي: مجاز مرسل
إذا كان الجواب صحيحا فما علاقته؟
ـ[السراج]ــــــــ[10 - 10 - 2010, 08:52 ص]ـ
ما شاء الله ..
ما نوع الصورة البيانية في قولنا: نال رياضيو (المدينة) حصة الأسد من الميداليات الذهبية
أجبتَ بالصواب.
علاقة المجاز المرسل (المحلية) ..
ـ[أبوأنس محمد]ــــــــ[10 - 10 - 2010, 11:47 م]ـ
بوركت أخي الحبيب
منكم نتعلم ونستفيد جزاكم الله خيرا(/)
أرجو مساعدة الأعضاء
ـ[ازهرية وافتخر]ــــــــ[10 - 10 - 2010, 07:18 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا عضوة جديدة بالمنتدى وأنا فى كلية اللغة العربية جامعة الأزهر
أريد المساعدة منكم إخوتى حيث إنه مطلوب منى بحث فى أحد موضوعات علم البيان فبما فبم تنصحوننى؟
وبأى موضوع؟
كما أريد أسماء لبعض المصادر والمراجع للمحدثين فى علم البيان
وفق الله الجميع
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[10 - 10 - 2010, 09:47 م]ـ
مرحبا بالأخت الكريمة أزهرية وأفتخر
أولا البسملة قبل السلام
ثانيا أرجو منك التركيز على الهمزات، فهي مهملة جدا في مشاركتك، فأنت أزهرية.
ثالثا حددي الموضوع أنت، وابحثي عن المراجع بنفسك، وسيمدك الزملاء بما تحتاجين من تقويم للموضوع، أو مزيد من المراجع.
أخيرا الزمي الفصيح فهنا ما تحتاجين.
أرجو لك التوفيق
ـ[ازهرية وافتخر]ــــــــ[11 - 10 - 2010, 03:14 م]ـ
شكرا على الرد اخى ولكنى اعرف مواضع الهمزات جيدا ولكن لوحة المفاتيح فى جهازى لا تكتب همزات(/)
أرجو المساعدة
ـ[بحور الحزن]ــــــــ[11 - 10 - 2010, 09:11 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لو سمحتم أريد أحد يساعدني في تحليل قصيدة تحليلآ بلاغيا
أرجووكم ساعدوني
ـ[السراج]ــــــــ[11 - 10 - 2010, 03:24 م]ـ
مرحباً بكِ في الفصيح ..
ما القصيدة؟
ـ[بحور الحزن]ــــــــ[11 - 10 - 2010, 05:47 م]ـ
أعِنّي عَلَى بَرْقٍ أراهُ وَمِيضِ يُضيءُ حَبِيّاً في شَمارِيخَ بِيضِ
ويهدأ تاراتٍ وتارة ً ينوءُ كتعتاب الكسير المهيض
وَتَخْرُجُ مِنْهُ لامِعَاتٌ كَأنّهَا أكُفٌّ تَلَقّى الفَوْزَ عند المُفيضِ
قَعَدْتُ لَهُ وَصُحُبَتي بَينَ ضَارجٍ وبين تلاع يثلثَ فالعريض
أصَابَ قَطَاتَينِ فَسالَ لِوَاهُمَا فوادي البديّ فانتحي للاريض
بِلادٌ عَرِيضَة ٌ وأرْضٌ أرِيضَة ٌ مَدَافِعُ غَيْثٍ في فضاءٍ عَرِيضِ
فأضحى يسحّ الماء عن كل فيقة يحوزُ الضبابَ في صفاصف بيضِ
فأُسْقي بهِ أُخْتي ضَعِيفَة َ إذْ نَأتْ وَإذْ بَعُدَ المَزَارُ غَيرَ القَرِيضِ
وَمَرْقَبَة ٍ كالزُّجّ أشرَفْتُ فَوْقَهَا أقلب طرفي في فضاءٍ عريض
فظَلْتُ وَظَلّ الجَوْنُ عندي بلِبدِهِ كأني أُعَدّي عَنْ جَناحٍ مَهِيضِ
فلما أجنّ الشمسَ عني غيارُها نزلت إليه قائماً بالحضيض
أُخَفّضُهُ بالنَّقْرِ لمّا عَلَوْتُهُ ويرفع طرفاً غير جافٍ غضيض
وَقد أغتَدِي وَالطيّرُ في وُكُنَاتِهَا بمنجردٍ عبل اليدين قبيض
لَهُ قُصْرَيَا غَيرٍ وَسَاقَا نَعَامَة ٍ كَفَحلِ الهِجانِ يَنتَحي للعَضِيضِ
يجم على الساقين بعد كلاله جُمومَ عُيونِ الحِسي بَعدَ المَخيضِ
ذعرتُ بها سرباً نقياً جلودهُ كما ذعر السرحانُ جنب الربيض
وَوَالَى ثَلاثاً واثْنَتَينِ وَأرْبَعاً وغادر أخرى في قناة الرفيض
فآب إياباً غير نكد مواكلٍ وأخلفَ ماءً بعد ماءٍ فضيض
وَسِنٌّ كَسُنَّيْقٍ سَنَاءً وَسُنَّماً ذَعَرْتُ بمِدْلاجِ الهَجيرِ نَهُوضِ
أرى المرءَ ذا الاذواد يُصبح محرضاً كإحرَاضِ بَكْرٍ في الدّيارِ مَرِيضِ
كأن الفتى لم يغنَ في الناس ساعة إذا اختَلَفَ اللَّحيانِ عند الجَرِيضِ
ـ[بحور الحزن]ــــــــ[11 - 10 - 2010, 05:48 م]ـ
قصيدة وميض برق لامرئ القيس
ـ[بحور الحزن]ــــــــ[18 - 10 - 2010, 07:38 م]ـ
أرجووووكم ساعدني
أنا مازلت أنتظر مساعتكم لي
ـ[بحور الحزن]ــــــــ[04 - 11 - 2010, 03:35 م]ـ
ووين المسااعدة؟؟
أنا لاأطلب كل التحليل
لكن على الأقل الثلاث الأبيات الأولى حتى أستطيع إكمال التحليل(/)
ومن قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 10 - 2010, 03:10 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ):
فذلك من العموم الذي أفادته إضافة الرحمة إلى ضمير المتكلم، فتعم الرحمة باعتبارها وصفا ربانيا ذاتيا فهو الرحمن ذو الرحمة العامة، الرحيم ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين، في الدنيا والآخرة فهم المنصورون برسم الكلمة الكونية النافذة: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، فالجندية تكليف لا يكون في دار الجزاء فلا تسل فيها سيوف القتال بآي التنزيل وحديد الدفع والطلب للتمكين، فقد وضعت الحرب أوزارها وانتهى الأمر، وعرف كل فريق مآله الأبدي، فـ: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، و: "يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت"، وقد أضيفت الكلمة الكونية إلى ضمير الجمع مئنة من عظم نفاذها، فضلا عن التوكيد باللام و: "قد"، فـ: (لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ)، والماضوية، أيضا، مئنة من النفاذ، فقد سبقت في العلم التقديري الأول، وإن لم يقع تأويلها بعد، فتأويلها في عالم الشهادة ما رآه المسلمون في بدر والخندق، وما قاله هرقل الخبير: "وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ"، فـ: (الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، فـ: "أل" فيها مئنة من الاستغراق لوصف الكمال، فـ: "العاقبة" الكاملة في وصفها للمتقين، فكمال في الغاية وكمال في الوسيلة، و: "اللام" في المتقين مئنة من الاختصاص بمن تحقق فيهم وصف التقوى الذي علق عليه الحكم واشتق منه الاسم الدال على أعيان من تحقق فيهم، فلا عاقبة كاملة إلا للمتقين، فذلك من القصر الحقيقي، فقد يقع نوع تمكين، بل ظهور للكفار على المسلمين برسم: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، فبه يمتاز الخبيث من الطيب، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، فيمتاز الخبيث الذي يعطي الدنية في الدين برسم المداهنة ولو بالتفريط في أصول الديانة، وخيانة أصحابها من سادات المؤمنين ولو كانوا مستضعفين في أبدانهم، فأولئك قد نالوا الحظوة عند رب البرية، جل وعلا، وإن لم ينصفهم الأنام ولم يعرفهم جل العباد، فيكفيهم أن ربهم، جل وعلا، قد علم أسماءهم ورأى منهم من كمال الأحوال الدينية في دار الابتلاء برسم التكليف ما صيرهم بفضل الرب العلي، جل وعلا، أهلا لجواره في دار السلام في دار الجزاء برسم: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)، فـ: (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)، فمكوثهم فيها مؤبد، وذلك من جملة رحمات الرب، جل وعلا، بعباده المؤمنين، فالجنة معدن الرحمات، وفيها من أجناس النعيم المقيم ما لا يحصى، فرحمات الرب، جل وعلا، بالمؤمنين بالنظر إلى أنواعها وأعيانها لا تحصى، فـ: (إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، فإن استعصى العد في دار الابتلاء، فكيف يتيسر في دار الجزاء، وهي، كما تقدم، دار النعيم المقيم الذي كملت أوصافه فليس فيه ما ينغصه كسائر لذات الدنيا التي لا تنفك، ولو مباحة طيبة، عما ينغصها، فلو أكل الإنسان فوق حاجته لأضره الطعام، بل قد يهلكه، كما هي حال كثير من المترفين الذين أصيبوا بتخمة في أبدانهم وغلظ في أكبادهم، فالامتلاء من المتاع المحسوس يصيب صاحبه في مقتل المعقول، فتذهب بطنة بدنه فطنة عقله، ويقسو القلب فلا لين في أجساد قد امتلأت من شهوات الحس الظاهر، ولذلك كان من أعظم صور العناية الربانية بالنوع الإنساني، عند التدبر والنظر، كما في "مختصر منهاج القاصدين"، ما يخلقه الرب، جل وعلا، في النفوس من كراهة الطعام والشراب بحصول الشبع والامتلاء، وكراهة سائر شهوات البدن كجماع ونحوه بعد أن ينال منها الإنسان حاجته، فيقيم الصلب برسم التقوي
(يُتْبَعُ)
(/)
على العبادة فلأجلها خلق فهي الغاية العظمى التي خلقت وسائل الانتفاع بمتاع الحس الظاهر، وخلقت أجناسه وأنواعه، من أجلها، فكل ما يشغل الإنسان عن مراد الرب جل وعلا منه عبث ولو كان مشروعا في أصله إن قدم ما حقه التأخير فصار ما يحتمل الخلاف محل نزاع بل مفاصلة وصارت الثوابت محل أخذ ورد بل صار من يقول بها غريبا حتى بين أهل الديانة فيكال له الطعن من إخوانه فكيف بأعدائه وذلك من فساد النية بمكان فصاحبه يطلب حظ النفس، وفساد الإرادة الباطنة وفساد الأقوال والأعمال الظاهرة وكل ما يعضد السير إلى الرب جل وعلا ولو كان مباحا بل مشتهى بالطبع كالأكل والنكاح فهو مراد شرعا باعتبار النية وإن كان مرادا كونا باعتبار الخلق فلا يتعلق به ثواب أو عقاب في نفسه بل يثاب الإنسان به أو يعاقب بالنظر إلى مراده فالمباح لا ينفك عن غاية يأخذ حكمها فللوسائل أحكام المقاصد، فيقضى الوطر برسم الاستعفاف، ويحفظ النسل برسم: "تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى"، فما زاد على ذلك فهو من فضول المباح الذي يورث النفس ثقلا والبدن سقما، فكان من أعظم صور العناية الربانية بالنوع الإنساني، كما تقدم، خلق تلك السآمة من معاقرة هذه الشهوات، لئلا يسقم البدن وتفسد الروح بالإفراط منها، فكل ما زاد عن الحاجة: فضول محسوس يؤذي صورة اللحم والدم، ويطفئ نور العقل والحكمة.
والشاهد أن من جملة الرحمات الظاهرة في الدنيا: رحمة النصر على أعداء الملة، وإن لم تكن سنة مطردة لئلا يخف الحق على من يدعيه فلو مكن له دوما ما أحس بعظم شأن الحق الذي يدعيه ولهان الحق على منتحليه فالشدائد تظهر من صور الغيرة والحمية العلمية والعملية ما يرضي رب البرية، جل وعلا، وهي غيرة قد ضعفت في زماننا حتى صار صاحبها غاليا في عين من جفا فكل مقصر يرى المتمم قد زاد عن الحد برسم الغلو، فظهور هذه الغيرة من أعظم آثار أسمائه وصفاته في الكون، فبصفات الجلال ينصر وبصفات الجمال يرحم وبصفة الحكمة يقع التدافع بين عسكر الرسالة وأعدائها، فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، فالدفع يولد حراكا نافعا برسم المجاهدة دفعا أو طلبا، فيستخرج الرب، جل وعلا، به من مراضيه الشرعية، ما يعد، عند النظر والتدبر، من أعظم صور عناية الرب، جل وعلا، بمن اصطفاه لهذا المنصب الشريف: منصب الذب عن الرسالة والانتصار للوحي، وعظم النصر من عظم الناصر، ولا نصر أعظم من نصر من عند الله، عز وجل، فـ: (مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ): فذلك، أيضا، من جنس الاستغراق المعنوي لعموم صور النصرة والتأييد، وذلك مجاز عند من يثبت وقوعه في الكتاب العزيز، فالأصل في استغراق "أل" أنه للمباني المحسوسة، فيكون مجازه استغراق المعاني المعقولة، ومن ينكر وقوع المجاز في التنزيل يجعل ذلك حقيقة فاستغراق المعاني على جهة الكمال حقيقة أو ادعاء برسم المبالغة مما اطرد في لسان العرب، فتقول: زيد الرجل، والرجال غيره كثير، فيكون ذلك من الادعاء بحصر أوصاف الرجولة فيه برسم المبالغة فذلك، كما تقدم، من معهود لسان العرب، فالنصر الكامل ولا بد أن تتخلله كبوة بل كبوات فذلك من ضرورة الابتلاء تمحيصا للقلوب، فـ: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ)، ذلك النصر لا يكون إلا للمؤمنين ولا يكون إلا من عند ربهم، جل وعلا، فحسن القصر بأقوى أساليبه تقريرا لهذا المعنى على جهة الحقيقة، أو على جهة المبالغة فيكون من القصر الادعائي، بالنظر إلى وقوع صور من النصر من عند غير الله، عز وجل، فقد ينصر أهل الباطل بقوى محسوسة لضعف أهل الحق بتخليهم عنه، وهو معدن نصرتهم، ولكن لا ينصر الباطل على الحق أبدا، فحجة الثاني ظاهرة في كل زمان، فذلك من العموم المحفوظ برسم: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، فظهوره العلمي دائم، وظهوره العملي متفاوت، وإن كتبت له الغلبة في آخر الأمر، فتلك الكلمة الكونية السابقة، كما تقدم في آي الصافات، فيكون
(يُتْبَعُ)
(/)
الادعاء بتقدير محذوف دل عليه السياق بداهة لقرينة صدور النصر من الرب، جل وعلا، تقديرا، فما النصر الكامل إلا من عند الله الناصر لجنده الهازم للأحزاب وحده ولو تعجل أهل الإيمان النصر فهو كائن لا محالة ولكن لا يكون ذلك إلا بضروب من الابتلاء تمحص بها النفوس وينفى بها خبث القلوب، فمعارك القلوب في الجبهات العلمية والعملية المفتوحة من المهد إلى اللحد، فيقاوم الباطن جند الشبهات العلمية والشهوات العملية، برسم العلم النافع والعمل الصالح، والاستعاذة من جند الشيطان، والاستغفار الوقائي العام مما يلقيه من الخطرات فلا تضر من استغفر فدفع قبل أن يرفع، فالدفع ابتداء أولى من الرفع انتهاء، وتحصين الثغور خير من اقتحامها ثم الإعداد والحرب لاستردادها!، تلك المعارك القلبية الباطنة لا بد أن يظهر أثرها على اللسان معارك بالحجج التي يلقيها الرب، جل وعلا، على لسان أهل الحق، فحججهم النقلية صحيحة وحججهم العقلية صريحة، وعلى الجوارح معارك بالأبدان والسلاح، فجهاد السيف والسنان في حقيقته تأويل ضروري لجهاد الحجة والبرهان، فلا بد أن يظهر أثر الباطن صلاحا أو فسادا على الظاهر أقوالا أو أعمالا.
فرحمته، جل وعلا، وسعت كل شيء بأوصافها فهي عظيمة المعنى، فليست كرحمات البشر، فلن تبلغ رحمتهم شيئا في رحمة الله، جل وعلا، وإن وقع الاشتراك بينهما في معنى الرحمة الجامع، فهو معنى كلي يعم أنواعا من الرحمات تتفاوت ماهياتها وأقدارها تبعا لتفاوت من قامت به، فليست رحمة الرب، جل وعلا، كرحمة العبد، فرحمة العبد قد تسع شيئا بل أشياء، ولكنها لا تسع كل شيء بداهة، فليس ذلك إلا مئنة من كمال وصف صاحبها فهو عليم بكل شيء فذلك لازم اتساع رحمته لكل شيء، إذ كيف يرحم من لا يعلم حال من يرحمه من ضعف اتصف به أو فاقة نزلت به ..... إلخ من العوارض الكونية التي لا يسلم منها مخلوق، وهي في حقيقتها، شاهد محسوس متصل الإسناد متواتر المعنى مدرك بالحس الظاهر فتنوع المصائب يعم كل المدارك، فهو شاهد على كمال غنى الرب، جل وعلا، الذاتي والوصفي، في مقابل كمال فقر العبد الذاتي والوصفي، أيضا، وهو شاهد على كمال قدرة الرب، جل وعلا، فيوقع النازلة بمن شاء كيف شاء، فتكون في حق عبد: منحة يستخرج الرب، جل وعلا، بها من قلبه معان مكنونة من العلم النافع والعمل الصالح ما كانت لتظهر لولا هذه النازلة، وذلك، أيضا، مئنة من كمال حكمته، جل وعلا، فقد صير المحنة الظاهرة منحة باطنة لمن رزق الثبات حال ورود المصاب، وليس ذلك إلا لمن ثبته الرب، جل وعلا، بالقول الثابت، فمن ثبت فليحمد الله، جل وعلا، فما كان له أن يثبت لولا أن ثبته الله، جل وعلا، وكل تلك الأمور من آثار أوصاف الجمال رحمة بالعبد ورأفة وإعانة خاصة على تحمل الابتلاء والعمل فيه بمقتضى الشريعة وحكمة باستخراج معان جليلة لولا الابتلاء، كما تقدم، ما ظهرت، فالشدائد كير القلوب النافي لخبثها الصاقل لمعدنها، فلولا الشدة ما علم العبد ضعفه فتكبر وتجبر: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى)، فإذا ظن في نفسه الغنى، مع أن غناه، كما تقدم، جزئي، معلق بأسباب مخلوقة مثله، خارجة عنه، فليس غنى ذاتيا كغنى الرب العلي، تبارك وتعالى، إذا ظن المسكين، كما يقول بعض المحققين وهو جدير بها الوصف المثير للشفقة فجهله بحاله يثير الشفقة عليه لما تقلد من مناصب ليس لها بأهل فمنصب الربوبية منصب جليل لا يقبل شركة ولا يقوى على تبعاته عبد محله ضعيف بمقتضى الجبلة فأوصاف الجلال لا تقوم إلا بذات قد بلغت الغاية من الكمال، ومن أخص أوصاف الربوبية: الغنى الذاتي الذي لا يفتقر إلى سبب خارج بل الأسباب في الإنشاء والجريان هي التي تفتقر إلى قدرته على خلقها وحكمته في إمرارها على الوجه الذي يحصل به صلاح الكون فتظهر آثار وحدانيته الذاتية والوصفية، وآثار كماله القدرية الكونية والشرعية فيه، فيجري الليل والنهار بقدر كوني نافذ ويبعث الرسل بقدر شرعي حاكم، وآثار جلاله قهرا للعباد، وآثار جماله رحمات بهم نازلة، فالكون بنفسه شاهد على وحدانية موجده في ذاته ووصفه، في سمعه وبصره، في جلاله وجماله فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فليس كمثله شيء في ذاته
(يُتْبَعُ)
(/)
التي تباين كل الذوات فلا تحل أو تتحد بذات أرضية، فذلك معنى يبطل ما تقدم في الآية من انفراده، جل وعلا، بسعة الرحمة التي لا تدانيها رحمة، فذلك فرع عن كمال ذاته القدسية التي لا تدانيها ذات أرضية طينية فالقول بالامتزاج والاتحاد بينهما قول ينكره النقل والعقل والحس السليم والفطرة التوحيدية الأولى، فإن أي اتحاد يلزم منه اكتساب الكامل من الناقص أوصافا دنية ولو بمقتضى الجبلة البشرية التي لا تنفك عن عوارض النقص والحاجة بل عن عوارض تعرض للأهلية فتجعل المحل غير قابل لآثار الشرع التكليفي الحاكم فيسقط التكليف بزوال العقل أو عجز الآلة عن أداء العبادة على تفصيل في ذلك، وكل تلك المعاني التي تطرأ على البشر لا يتصور بداهة ضرورية أن تقوم بذات الرب، جل وعلا، فتلك مقالة من جنس مقالة يهود الذين أثبتوا لله، جل وعلا، النصب واللغوب، فجوزوا قيام وصف البشر به، فذلك نوع تمثيل مذموم، فكيف بمن وقع في عين التمثيل فجوز أن يحل الرب، جل وعلا، بذاته ووصفه حلولا كليا في عبده، بل أن يتحد به اتحادا يفوق اتحاد الروح بالجسد، فهو امتزاج يتعذر فصل مكوناته!، فالروح وإن كان لها نوع اتصال وثيق بالجسد إلا أنها تباينه في الماهية وتنفصل عنه حال حلول الأجل فلها ذات تستقل بنفسها، فمجاورتها للجسد برسم التأقيت في الدار الأولى، أو التأبيد في الدار الآخرة بل ممازجتها له لا تعني تعذر الفصل فخروج مادة الروح اللطيف من الجسد الطيني الكثيف مظنة تعفنه وفساده، وذلك أمر يدركه الحس الظاهر، وهو المطرد من جال أجساد البشر إلا ما استثني بنص فـ: "إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء"، فذلك من التحريم الكوني فيجري مجرى التحريم في نحو قوله تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)، و: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ)، فأضيف الفعل إلى ضمير الجمع تنويها بذكر تلك الآية الكونية العجيبة التي ظهر بها من كمال عناية الرب، جل وعلا، بالكليم عليه السلام وأمه ما ظهر، أو كرامة فكثير من الصحابة والأولياء والشهداء لم تتغير أبدانهم بعد الدفن وتطاول الأزمان، وذلك أمر غير واقع في مقالة الاتحاد، فالامتزاج فيها كلي بين الطورين: اللاهوتي والناسوتي، في تكلف في مضادة العقل والفطرة فضلا عن الشرع لا يخفى وتلمس لتخريجات عقلية مستغلقة لا يؤمن بها من يروج لها فضلا عمن يسمع منه فيقلده تقليد الأعمى لقائده مع صحة آلاته التكليفية فاستطاعته الشرعية كاملة وإنما ضل لما سلبه الرب، جل وعلا، الاستطاعة الكونية التوفيقية فلم يوفق إلى انتحال الحق الظاهر الذي يشهد له نص الشرع وقياس العقل فاستبدل تلك المقالة الردية بمقالة النبوات العلية، مقالة: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، و: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فالأولى تنبني على الثانية كما ينبني اللازم على ملزومه، فتوحيده في الألوهية برسم: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ): فرع عن توحيده في الربوبية ومن آكد خصائصها الإحاطة السمعية والبصرية، فـ: "أل" في "السميع" و "البصير" مئنة من الاستغراق المعنوي لأوصاف السمع والبصر الكاملة وما يتفرع عنها من كمال العلم كما تقدم فهو منصب لا يقبل الشراكة فلا ينفرد به إلا الرب الواحد الأحد، الإله المعبود بحق فلا معبود بحق سواه إذ لا خالق رازق إلاه، ولو سلم بأن امتزاج اللاهوت والناسوت من جنس امتزاج الروح والجسد فإن ذلك لا يجوز هذه المقالة من وجهين:
الأول: أن الامتزاج بين الروح والجسد امتزاج بين مخلوقين فيتصور ذلك عقلا ويجوز في الخارج فهو أمر ظاهر مشهود.
(يُتْبَعُ)
(/)
والثاني: أن الامتزاج هنا بين ذاتين لكل منهما خصائصه فيقع في الخارج تمام الانفصال بينهما حال الوفاة، كما تقدم، بخلاف حلول الكلمة في الناسوت أو الإله في الجسد فإن ذلك لا يتصور، وإن شئت الدقة لا يفرض فهو محال يفرض لا أكثر، فلا يتصور لتعذر انتقال المعنى من الموصوف به وحلوله في موصوف آخر على جهة الاتحاد مع بقاء نسبته إلى الموصوف الأول: نسبة صحيحة! فضلا عن تعذر تجسد المعقولات في المحسوسات في هذه الدار فأحكامها تباين أحكام دور أخرى يتجسد فيها العمل في هيئة محسوسة فيوزن ويرجح أو يطيش فضلا عن أن المتجسد هو وصف من ليس كوصفه شيء فلا يتصور تجسده في من له مثل في ناسوته البشري فتبطل معاني الأحدية والوحدانية الثابتة لرب البرية، جل وعلا، فضلا عما يحتمله ذلك من طروء وصف النقص والفناء على الناسوت المخلوق فيفنى ويفنى ما اتحد به من وصف اللاهوت، وذلك أيضا، أمر محال في جنب الرب المعبود، جل وعلا، فهو الأول والآخر فلا يفنى ولا يبيد، والشاهد أنه لا يتصور هذا الاتحاد الباطل نقلا وعقلا إلا مع فقد أحد المتمازجين لجملة من أوصافه فيقترب من الآخر، وكذلك الشأن في الثاني، فيقع بتجويز حلول الرب المعبود، جل وعلا، في العبد المخلوق، يقع بذلك لزوما:
الغلو في المخلوق باكتسابه جملة من أوصاف الخالق جل وعلا.
والجفاء في حق الخالق، جل وعلا، بتجويز اتصافه بأوصاف البشر التي لا تنفك، كما تقدم، عن وصف نقص جبلي.
فإذا ظن المسكين، كما تقدم، أنه غني بذاته، مع أنه يباشر صورا من الافتقار تشهد ببطلان تلك الدعوى الجائرة التي أطلقها فرعون صراحة فقال في منتهى الوقاحة: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)، فما قال ذلك إلا بعد أن اعتقد في كبر وجهل منقطعي النظير، وهما متلازمان، فالمتكبر جاهل بقدر نفسه الدنية جاهل بأوصاف رب البرية جل وعلا الذي يحسن في حقه وحده الاتصاف بأوصاف الجلال من كبرياء وعظمة وقهر، فما قال ذلك إلا بعد أن اعتقد لنفسه كمالا في الذات والوصف فنعت نفسه بنعوت قدرة وعلم وحكمة مطلقة فـ: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، فاستخف من قومه من استخف ممن صدق عليهم إبليس ظنه، فجعلوه مع نقص وصفه وفساد عقله الذي غفل أو تغافل عن نقصه وفقره الذاتي، جعلوه قائد المسيرة!، ومجدد الأمة ورسولها، بل إلهها المعبود صراحة، ومن الأمم من عبدت طواغيتها بلسان الحال فـ: (مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)، فذلك شرك المحبة، ومنهم من عبد طواغيت جور تعدت على مقام التشريع الإلهي فهو من أخص أوصاف الربوبية، فحكمتها في شأنها الخاص والعام تحكيم فرعون في شأن قومه حتى أوردهم المهالك، وتلك سنة كونية مطردة في كل أمة تسير برسم العمى المطلق خلف كل فرعون في الماضي أو الحاضر أو المستقبل!، فالفراعين يورث بعضهم بعضا عروش الملك برسم الجور الذي لا قيام لدولة النبوة أو الخلافة، دولة العدل الشرعي، دولة الوحي السماوي، لا قيام لها في ظله، فعدل النبوات وظلم الملوك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فلا تتصور أمة بلا ملك أو إمارة، فتلك من نوازع البشر الفطرية لئلا يفسد حال الجماعة البشرية، فإذا ظن المسكين في نفسه نقيض وصفه جاء حكمه على الأمور من جنس حكم فرعون الذي اعتقد في نفسه كمالا وهو في غاية النقصان، فظن فرعا عن ذلك التصور الفاسد أن حكمه هو الراشد فظهر بتسببه في إهلاك نفسه وقومه لما تعرض لأوصاف جلال الرب، جل وعلا، ظهر من ذلك عظم جهله وسفهه وقصور نظره وحكمه، وهل أفسد عقلا ممن رام منازعة الرب، جل وعلا، وصفا من أوصاف كماله، فادعى لنفسه من أجناس الكمال ما لا يتصور قيامه إلا بالذات الإلهية القدسية.
(يُتْبَعُ)
(/)
والشاهد أن المصيبة الكونية التي هي أثر مركب من جلال الرب، جل وعلا، بإنفاذ المقدور، وجماله باستنزال الرحمات بها في الدنيا طهارة للقلب والبدن وفي الآخرة نجاة من عذاب الأبد، قد تكون في حق عبد: منحة فيغلب فيها وصف الرحمة، فيصح على هذا الوجه جعلها أثرا من آثار جمال الرب، جل وعلا، عناية بمن نزلت به النازلة، فهي، إن ثبت وتجلد مظهرا الافتقار إلى الرب جل وعلا وحده، هي، على هذا النحو، من جملة الرحمات الإلهية التي قد وسعت كل شيء، برسم العموم فهو عموم محفوظ لا مخصص له بالنظر إلى مطلق الرحمة فلم يستثن أحد من الخلق منها فنال جميعهم منها آثار ظاهرة، بما فيهم إبليس، فخلقه رحمة له بالإيجاد وإنظاره له رحمة بالإمهال وتوفيته ما تقدم من صالح العمل قبل أن يحبطه بكفر الاستكبار عن طاعة أمر الرب، جل وعلا، الشرعي التكليفي بالسجود لآدم عليه السلام، وقد تكون في حق عبد آخر: محنة فيغلب فيها وصف الجلال، فقد تكون عقابا بالاستئصال العام أو الخاص، وقد تكون سببا في خسران الآخرة إن جزع العبد بما اقترفت يداه فلم يثبت ولم يسأل الرب، جل وعلا، الثبات، وعلى هذا الوجه الذي يدل على اختصاص الرحمة الشرعية بمن سدد فصبر، لا من خذل فجزع، على هذا الوجه يكون العموم مخصوصا بالعقل، أو هو من العموم الذي أريد به الخصوص وهو المحال القابلة لآثار الرحمات الشرعية فقط فيخرج بذلك محل إبليس وأتباعه من الكفار والمنافقين فليست محالهم بأهل لقبول آثار الرحمات الشرعية، وإن كانت كبقية الكائنات محلا قابلا لآثار الرحمات الكونية، وعلى الوجهين يبقى لـ: "كل" دلالتها العمومية فهو عموم حقيقي في القول الأول، مجازي في القول الثاني، على القول بوقوع المجاز في الكتاب العزيز، فإن من ينكر وقوعه في التنزيل يجعل ذلك حقيقة بملاحظة معنى الرحمة المراد حال إرادة عموم البشر فهي الرحمة الكونية، ومعناها المراد حال إرادة عموم المؤمنين فهي الرحمة الشرعية فيكون العموم محفوظا على كلا القولين، فيلزم لذلك تقدير محذوف دل عليه السياق اقتضاء، فيجوز حمل الرحمة على الرحمة الكونية فيؤول المعنى إلى: ورحمتي الكونية العامة قد عمت كل شيء مطلقا حتى الأعيان الخبيثة، ويجوز حمله على الرحمة الشرعية فيؤول المعنى إلى: ورحمتي الشرعية الخاصة قد عمت كل شيء يقبل آثارها من المحال الطيبة التي تقبل آثار أوصاف الجمال الربانية، ولا إشكال في حمل السياق على كلا المعنيين، فذلك شاهد لمن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، فالعام المحفوظ في القول الأول الذي تحمل فيه الرحمة على الرحمة الكونية العامة: حقيقة، والعام المخصوص بالعقل أو الذي أريد به الخصوص في القول الثاني الذي تحمل فيه الرحمة على الرحمة الشرعية الخاصة: مجاز عند من يقول بوقوع المجاز في التنزيل، فلا تعارض بينهما بل دلالة اللفظ على كليهما تثري السياق بتوارد المعاني الصحيحة عليه.
وأما تخصيص الشيء بفرد أو نوع بعينه، كقول الغلاة في آل البيت، رضي الله عنهم، بأن الشيء في الآية هو: طائفتهم، فرحمته، جل وعلا، الواسعة قد حجرت فلا تسع إلا هم!، فهو نوع تحكم يشبه إلى حد كبير مسلك الباطنية في التصرف في ألفاظ التنزيل بما يوافق أهواءهم بلا مستند مرضي من شرع أو عقل أو لسان أو سياق، وذلك التصرف في النصوص تضييقا أو توسيعا بلا دليل معتبر: مسلك رئيس من مسالك أصحاب المقالات الباطلة. فهو من جنس قصر بعض النصارى عموم "أل" في "الكتاب" في قوله تعالى: (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ)، على الإنجيل دون ما سواه من التوراة والزبور ..... إلخ من الكتب المنزلة، فعموم "أل" الجنسية يستغرقها، ولا مخصص يخرج ما سوى الإنجيل إلا ما في عقل صاحب هذا الاستدلال من تحكم باعثه التعصب والهوى.
والله أعلى وأعلم.(/)
هل هناك صورة
ـ[أبوعماد الجزائري]ــــــــ[13 - 10 - 2010, 11:23 م]ـ
سلام عليكم إخواني فرسان البلاغة ..
يقول شوقي:
وإذا النساء نشأن في أمية ** رضع الرجال جهالة وخمولا
هل في قوله: نشأن في أمية ... صورة بلاغية؟؟
أما الشطر الثاني فهناك استعارة أليس كذلك؟؟ رضع الرجالة جهالة(/)
كتب بلاغية
ـ[ازهرية وافتخر]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 12:32 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
أتمنى مساعدتي في كتب للتحميل فى بلاغة القران لضرورة احتياجي إليها، مثلا إجراء التصوير البيانى على سور القران أرجو المساعدة
ـ[أنوار]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 08:48 ص]ـ
وعليكِ السلام ورحمة الله ..
لعلكِ أختي الكريمة تجدين ما تبحثين عنه هنا ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?50662- مكتبة-البلاغة).
موفقة ..
ـ[ازهرية وافتخر]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 06:24 م]ـ
لو سمحتى يا اختى تقولى لى على طريقة تنزيل هذة الكتب لانها فعلا فيها ما ابحث عنه وانا عجزت عن تنزيلها
ـ[السراج]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 08:45 م]ـ
لو سمحتى يا اختى تقولى لى على طريقة تنزيل هذة الكتب لانها فعلا فيها ما ابحث عنه وانا عجزت عن تنزيلها
ما تختارين من الكتب اضغطِ على رابطه في الصفحة السابقة، ستقودك لصفحة أخرى تجدين بها (تنزيل الآن).(/)
طالبة تطبيق أرجو مساعدتي لا هنتم
ـ[طيرة شلوى]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 12:58 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛
عندي شرح لدرس البلاغه الفصل الأول للبنات ذكر المسند والمسند إليه
بغيت منكم لاهنتوو/
1/ تحضير الدرس للمنهج الجديد
2/ ابي اعرف كيف ابدأ درسي؟؟ يعني المقدمه كيف؟ وش اتكلم عنه قبل ماابدأ الدرس؟
وطريقة الشرح
أنا فاهمه الموضوع بس كيف ابدأ وكيف اشرح واضرب مثال وطريقة توزيع الجدول ع السبوره الخ
هاذي ملخبطه فيهم شويات؛؛
فياليت تساعدوووني؛؛
وجزاكم الله الفردوس الأعلى؛؛
ـ[السراج]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 06:09 م]ـ
مرحباً بكِ في الفصيح ..
أختي هلّا التزمتِ الكتابة بالفصحى وأنتِ معلمة الفصحى.
أما الموضوع ففي طرحه في منتدى المعلمين فائدة أكثر؛ فهناك مرتعُ الخبرات.
ـ[طيرة شلوى]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 11:08 ص]ـ
السراج
أشكرك وجزاك الله خيرا؛؛(/)
أفيدوني يا أهل الفصيح؟
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[14 - 10 - 2010, 05:21 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي بعض الأسئلة العالقة في ذهني بخصوص علم المعاني والبديع وأتمنى من أهل المعرفة إفادتي ,, ومن هذه الأسئلة:
ماالصلة بين علم النحو وعلم المعاني؟
ماذا يعني الارتباط بين مقتضى الحال وتتبع خواص تراكيب الكلام؟
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 11:27 ص]ـ
( ops سامحكم الله ...
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 12:14 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
شقيقتي العزيزة: زهرة قطر
أهلا وسهلا بكِ، حياك ِالله وبياك، أبشري خيرا أخيّة ..
انتظري قليلا فقط سيفيدك الجميع ـ بإذن الله ـ.
ودمت ِ موفقة دائما
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 12:54 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي بعض الأسئلة العالقة في ذهني بخصوص علم المعاني والبديع وأتمنى من أهل المعرفة إفادتي ,, ومن هذه الأسئلة:
ماالصلة بين علم النحو وعلم المعاني؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
بالنسبة لسؤالك الأول:
الصلة وثيقة بين علم النحو وعلم المعاني
فعلم المعاني هو ثمرة علم النحو وغايته، وبه يعرف أسرار اختيار وجوه التراكيب، وشرطه صحة الإعراب، فهو يبحث في سر الإعراب بعد أن يكون الكلام قد استوفى حقه من السلامة عن اللحن. وعلى المعتني بعلم المعاني أن يكون متضلعا في علم الإعراب متمكنا فيه عارفا بظاهره وخافيه، وأن يكون على دراية بمسائل الخلاف عند أهله لأن في ذلك ملاحظ نفيسة في علم المعاني، وكوامن يدركها أهل هذا العلم، ولكل وجه في الإعراب غرض ونكتة لا يشترط أن تكون ظاهرة معلومة.
الدكتور ظافر العمري
وتقول الأستاذة روضة عبدالكريم الباحثة الأردنية في بحثها:
إن إقصاء (النحو) عن (معانيه) يحيله قواعد جافة، وقوانين جامدة، ويفقده أهميته في الكشف عن وجه الإعجاز القرآني، ويبعده عن وظيفته في الوقوف على الخصائص التعبيرية والأسلوبية في اللغة، وفي استخلاص أسرار تركيب الكلام وتحليل الوجوه البلاغية فيه، ولعمق الصلة بينه وبين (علم المعاني) أُطلق عليه مصطلح (البلاغة النحوية)، أو (النحو البلاغي).
وهكذا فإن الصلة وثيقة بين (علم النحو) و (علم المعاني)، بل إن موضوعهما واحد؛ فهما يبحثان القوانين التي يجب مراعاتها في تأليف الكلام، والعلاقاتِ القائمةَ بين الكلمات في الجملة، وبين الجمل بعضها مع بعض، وأثرَ ذلك على أداء المعنى المطلوب.
انتهى كلامها حفظها الله.
أختي زهرة قطر / وإن ثمة إضافة فسوف يضيفها لكِ ـ بإذن الله ـ أهل التخصص
ودمتِ موفقة ومسددة
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[16 - 10 - 2010, 11:19 ص]ـ
أشكرك يا زهرة ووفقك الله وكنت أعلم أنك ستكوني أول من يجاوب على السؤال ....
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[16 - 10 - 2010, 11:35 ص]ـ
أتمنى من أهل العلم إفادتي بالسؤال الثاني ...
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[16 - 10 - 2010, 01:16 م]ـ
أتمنى من أهل العلم إفادتي بالسؤال الثاني ...
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة والعزيزة: زهرة قطر
أهلا وسهلا بكِ من جديد، سأضع لكِ ما وجدته لعله يساعد المختصون بعلم البلاغة الاستفادة منه ومن ثم إفادتك:
من كتاب " بغية الايضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة "
قال السكاكي: 'علم المعاني هو تتبع خواص3 تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره4؛ ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما تقتضي الحال ذكره'.
وفيه نظر؛ إذ التتبع ليس بعلم ولا صادق عليه؛ فلا يصح تعريف شيء من العلوم به.
ثم قال: 'وأعني بالتراكيب تراكيب البلغاء'. ولا شك أن معرفة البليغ من حيث هو بليغ متوقفة على معرفة البلاغة، وقد عرفها في كتابه5 بقوله: 'البلاغة هي بلوغ المتكلم في تأدية المعنى حدا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها6 وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها'7. فإن أراد بالتراكيب في حد البلاغة تراكيب البلغاء -وهو الظاهر- فقد جاء الدور8، وإن أراد غيرها فلم يبينه, على أن قوله: 'وغيره' مبهم لم يبين مراده به9.
الهامش / للتوضيح:
3 المراد بها أحوال اللفظ في تعريف الخطيب.
4 غير الاستحسان هو الاستهجان، ويريد بذلك: أن تراكيب الكلام لها خواص مستحسنة وخواص مستهجنة، وكل منهما يبحث في علم المعاني.
5 المفتاح ص208.
6 هذا يكون بإيرادها مطابقة لمقتضى الحال.
7 بأن تكون خالية من التعقيد المعنوي، وبهذا يرجع عنده علم البيان إلى البلاغة لا إلى الفصاحة كما ذكر الخطيب في المقدمة، وإنما لم يقيد تعريف البلاغة بفصاحة الكلام ليحترز به عن غير التعقيد أيضا كما سبق في تعريفها؛ لأنه يرى أنها غير لازمة لها، وسيأتي زيادة بيان لهذا في آخر علم البيان.
8 لأن معرفة البلاغة على هذا تتوقف على معرفة البلغاء، مع أن معرفة البليغ من حيث هو بليغ متوقفة على معرفة البلاغة.
9 يجاب عنه بأنه سبق بيان مراده به؛ فلا شيء عليه فيه. ومع هذا, أرى أن تعريف السكاكي ركيك العبارة، وأنه كان الأجدر بالخطيب إهماله.
الكتاب من هنا ( http://www.kl28.com/knol3/?p=view&post=537642&page=8)
أسأل الله لكِ التوفيق والسداد يا زهرة
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[زهرة قطر]ــــــــ[16 - 10 - 2010, 11:43 م]ـ
وفقك الله يا زهرة دنيا وآخره ...(/)
أرجوكم ...................... ساعدوني
ـ[احلى ابتسامة]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 01:51 م]ـ
أريد جمل تشبيه ... على أن يكون المشبه به .. (البحر و مرآة صافية)
*
*
وأريد أن أعرف ما هو لقب خليل مطران وحافظ إبراهيم؟
وشكرا
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 02:11 م]ـ
أرجوكم ساعدوني .. أريد جمل تشبيه ... على أن يكون المشبة به .. (البحر و مرآة صافية)
*
*
وأريد أن أعرف ماهو لقب خليل مطران وحافظ أبراهيم؟
وشكرا
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة: أحلى ابتسامة
أهلا وسهلا بكِ في منتدى الفصيح، نزلتِ أهلا ووطئتِ سهلا، نتمنى لكِ طيب المقام والافادة، فحياكِ الله وبياك في بيتك الثاني.
قال المتنبي يصف دخول رسول الروم على سيف الدولة:
1ـ وأقبل يمشي في البساط فما درى إلى البحر يسعى أم الى البدر يرتقي
هنا شبه الشاعر سيف الدولة بالبحر وحذف المشبه: وهو سيف الدولة وصرح بالمشبه به وهو " البحر " على سبيل الاستعارة التصريحيه.
2 ـ إن المؤمن الصادق قلبه كالمرآة الصافية.
المشبه: المؤمن الصادق
المشبه به: المرآه الصافية
الإجابة:
لقب خليل مطران ــــــــ شاعر القطرين.
لقب حافظ إبراهيم ــــــ شاعر النيل.
والله أعلم بالصواب وهو الموفق
ـ[أنوار]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 02:43 م]ـ
بوركتِ زهرة ..
ـ[احلى ابتسامة]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 03:00 م]ـ
جزاكم الله خير __________ وشكرا(/)
الرجاء من الجميع الدخول
ـ[لولي.]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 07:04 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواني واخواتي في منتدانا الراقي
اطلب منكم مساعدتي في سؤالين مع المصادر
س1 ماهي العلامات التي يعرف بها اللفظ المعرب إلى العربية؟
س2 وماهي قواعد التعريب؟
وجزاكم الله عني كل خير ..
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 07:29 م]ـ
قضية التعريب مرتبطة بقضية المصطلحية وهذه قضية شائكة جدا ولم يُتفق عليها ولكن هناك جهود حثيثة ومساعي حميدة فيها
وأهم هذه المراجع هي:
1 - أطروحات جامعية" المصطلحية العربية بين القديم والحديث" د/ جواد حسني سماعة , نوقشت فى 22 من أكتوبر بكلية الآداب بالرباط.
2 - إشكالية وضع المصطلح المتخصص وتوحيده وتوصيله وتفهيمه وحوسبته,
د: محمد الديداوى. مكتب الأمم المتحدة فى جنيف, نشر فى وجدة البوابة الجريدة المغربية الإخبارية بالمغرب
أتمنى أن أكون قد قدمت يد المساعدة أختي الكريمة
تحيتي
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 07:36 م]ـ
هذا الموضوع قد يفيدك في الجواب عن السؤال الأول.
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?6204-%DF%ED%DD-%C3%DA%D1%DD-%C7%E1%C7%D3%E3-%C7%E1%C3%DA%CC%E3%ED-%E3%E4-%C7%E1%DA%D1%C8%ED-%BF
ـ[لولي.]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 07:40 م]ـ
اختي الغالية هدى
يعطيك العافيةعلى مساعدتك
وجعلها الله في ميزان حسناتك
ـ[لولي.]ــــــــ[15 - 10 - 2010, 07:42 م]ـ
العِقْدُ الفريْد
جزاك الله كل خير(/)
من حديث: "لا تطروني ..... "
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 10 - 2010, 03:01 ص]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا عبد الله ورسوله":
فقد تسلط النهي على المصدر الكامن في الفعل فأفاد العموم المستغرق لجنس الإطراء بالكذب، فإن وصف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه يعلم الغيب المطلق، أو بأنه قد خلق من نور الله، جل وعلا، أو بأنه ذو الجاه الذي يتوسل به إلى الرب، جل وعلا، وجاهه كبير، فذلك من الثابت للأنبياء عليهم السلام، بداهة، فكيف بخاتمهم؟!، ولكنه لا يجيز التوسل بجاههم أو جاهه إلى الرب، جل وعلا، فذلك من القياس الفاسد بحمل ملك الملوك، جل وعلا، في سلطانه المطلق، على ملوك البشر، فذلك قياس مع الفارق، فالرب، جل وعلا، لا يخشى أحدا، بداهة، بل كل الخلق يخشونه، وحال الملائكة معه أنه: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ): فجاءت المضارعة مئنة من تجدد الوصف فعلمه محيط بالملائكة، والإحاطة مظنة القهر، فهم تحت حكمه النافذ مقهورون، فما دونهم مقهور من باب أولى، فقهره، جل وعلا، برسم الإرادة النافذة والعدالة الكاملة، فليس كقهر ملوك البشر فليس فيه إلا القدرة التي يقع بها التعدي على الحقوق لغياب الحكمة فقد توجد قوة عند بعض ملوك البشر ولو محدودة ولكنه يتسلط ويتجبر بها فينال بأذاه من تحت سلطانه لغياب العدل والحكمة وذلك أمر يظهر في أعصار يفشو فيها الجور بتغييب الشرع وتخفت أضواء الرسالة فلا تضيء سماء الكون فقهر البشر لبعضهم يخلو غالبا من وصف الحكمة والعدل إلا إن كان بسيف الوحي العادل قرين التنزيل الهادي فما عداه فهو من قهر الظالم للمظلوم، فعنده قدرة، وليتها كانت كاملة!، وليس له حكمة تعقله، فأين ذلك من قهر الملك، جل وعلا، لعباده برسم القدرة الكاملة والحكمة البالغة، فذلك من كمال وصفه جلالا وجمالا، فقدرته مئنة من جلاله، وحكمته مئنة من جماله، واستوفت الإحاطة العلمية الكاملة طرفي الماضي والمستقبل، فيعلم ما بين أيديهم من حاضر ومستقبل وما خلفهم من ماض لا يعلمه على جهة الإحاطة الكاملة، مع وقوعه وصيرورته شهادة، لا يعلمه إلا الرب، جل وعلا، فهو العليم بالكليات والجزئيات، بالجلائل والدقائق، فعلمه قد أحاط بالكائنات قدرا ووصفا، فـ: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا) فتلك من صور الاصطفاء والتكريم للنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحصل بذلك القصص تسلية له عما يلاقيه من قومه وتأييد له بعلم ما علمه الرب جل وعلا من الغيب بلا سابق عهد بقراءة أو درس فهو النبي الأمي الذي نزه عن الجلوس لمعلم بشري فلم يعلمه إلا الرب العلي، جل وعلا، برسم: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) فتلك منة ربانية فهي من أظهر صور العناية بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيقابلها ضرورة: تكليف شرعي فـ: (اصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) على جهة الإيجاب والإرشاد له ولمن بعده من أمته ممن سار على دربه فالخطاب عام في معناه وإن اختص صلى الله عليه عليه وعلى آله وسلم بلفظه وقد ذيل بعلته إمعانا في تقريره وتيسيرا على النفوس لتقبله فتذييل الحكم بعلته يزيده قبولا في العقل فتطمئن النفس به، فـ: (اصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)، فالعاقبة الكاملة فـ: "أل" فيها جنسية استغراقية لمعاني الظفر آخر الأمر، وذلك من استغراق المعاني وهو استغراق مجازي فالأصل في استغراق "أل": استغراق الأعيان، ولكنه يحسن في مقام نقرير المعنى على جهة الكمال، فالعاقبة الكاملة لمن قام به وصف التقوى فذلك مما اختص به لدلالة اللام على معنى الاختصاص، فهو علة الحكم فالعاقبة للمتقي وحده وإن طال زمن ابتلائه، وذلك مما يهون على النفس تجرع مرارة الصبر.
(يُتْبَعُ)
(/)
فيعلم حقائق الأعيان وما يقوم بها من الأوصاف والأفعال، فـ: (عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، فأين ذلك من علم المخلوق القاصر الذي لا يعلم إلا ما علمه الله، عز وجل، من الأخبار الغيبية ولا سبيل إلى دركها إلا من المشكاة النبوية، ونتائج العلوم التجريبية التي تقوم على البحث والمشاهدة والتسجيل للنتائج فما كان له أن يعلمها إلا بما يسره الرب، جل وعلا، له من اكتشاف سنن الكون الكهربية والمغناطيسية .... إلخ التي توصل بها إلى اكتشاف أسرار صناعة كثير من أدوات البحث الحديثة، فإنها مع دقتها وتعقيدها ترجع في النهاية إلى جملة من السنن الكوني المحكم الذي تخضع له دقائق الكون وذراته ومنها الدقائق والجسيمات التي تدخل في تركيب وتشغيل تلك الآلات المعقدة، فمرد الأمر إلى قدرة الرب، جل وعلا، على الإيجاد، فذلك دليل الخلق أو الاختراع، كما سماه ابن رشد الحفيد، رحمه الله، وهو ما يعرف في الفكر الغربي بالبرهان الكوني أو: " Cosmological Argument" ، وحكمته في تسيير تلك الموجودات بسنن كوني متقن، وذلك دليل الحكمة والتقدير، أو ما يعرف بـ: " Teleological Argument" ، ورحمته بالعباد أن يسر لهم أسباب الكون على هذا الوجه من الدقة والإحكام فلو اضطربت لاضطربت حالهم وفسدت حياتهم، فيسر لهم أسباب الكون لحفظ أبدانهم فـ: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، ويسر لهم أسباب الشرع لحفظ أديانهم، فـ: (كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وذلك دليل العناية، وتلك الأدلة الثلاثة: الاختراع، والحكمة في خلق الموجودات على تلك الصور المتباينة فلكل مخلوق صورة تلائمه، والعناية بتيسير أسباب الشرع والكون، تلك الأدلة شاهد بوحدانية الرب، جل وعلا، في ربوبيته إيجادا وإعدادا وإمدادا، فذلك من المعلوم الضروري لمن صح قياسه العقلي، فاستدل بثبات سنن الكون على وحدانية وأحدية الرب العلي، جل جلاله، في ذاته وصفاته، فالسنن الكوني، مع تباين صورها وذلك مظنة التناقض فسهل وحزن وبارد وحار ..... إلخ من المتضادات أو المتناقضات، تتكامل على نحو متقن يدل يقينا على أن الإرادة الفاعلة في هذا الكون بإحياء أو إماتة، بإيجاد أو إعدام ..... إلخ: إرادة واحدة برسم النفاذ، فهي مقرونة بقدرة كاملة على إيقاع المقدور على ما يشاء القدير، جل وعلا، وحكمة بالغة على إيقاع المقدور على وجه تحصل به المصلحة العظمى، ولو آجلة، على ما يشاء الحكيم، جل وعلا، فباجتماع تلك الصفات الفاعلة تظهر آثار أسماء وأوصاف الرب، جل وعلا، في الكون، فهي ما تجري به المقادير بكلمات كونية نافذة، هي تأويل مشيئة الرب، جل وعلا، فالكلمات أثر صفاته الفاعلة التي يخلق بها من الأعيان ويوقع بها من الأحداث ما يريد بمشيئته العامة النافذة، فمن له العلم المحيط خصوصا والوصف الكامل عموما فله تمام الانفراد بالسلطان، فـ: (لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)، فليست الشفاعة عنده من جنس الشفاعة عند ملوك البشر الذين يخشون سخط أتباعهم، فيتألفون قلوبهم بقبول شفاعات جائرة فليس لهم من السلطان ما يردون به ما لا يريدون، بل هم إما عاجز يقبل شفاعة ظالم، فيداهنه بعطايا ومنح لا تحل له شرعا أو عقلا أو عرفا، فتنكرها البدائه فضلا عن الشرائع، وتلك مئنة ظاهرة من ضعفه فلا يملك إغضاب من وكله الرب، جل وعلا، إليه فبيده أمر تثبيته أو خلعه!، أو هكذا
(يُتْبَعُ)
(/)
يعتقد المخذول فإن الأمر لله جل وعلا وحده، ولكنه لفساد تصوره وإرادته ظن الأمر بيد غيره فاسترضى طواغيت البشر ممن له عليهم سلطان الاسم، واسترضى طواغيت الأمم ممن لهم عليه سلطان الأمر والنهي!، فما زاده ذلك في أعينهم إلا هوانا، وما زاده ذلك في أعين أهل الحق إلا ضآلة فالقلوب له كارهة برسم: "ومن أرضى الناس بسخط الله؛ عاد حامده من الناس له ذاما"، فله السخط الذي التمس ضده، وتلك آية من آيات الرب جل وعلا في جزاء العاملين فيكافئ العامل على غير منهاج النبوة بنقيض مقصوده، فابتغى العزة عند الكافرين برسم: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعً)، فأذله الرب جل وعلا لهم وهان أمره على المؤمنين فلا ينصرونه بل لسان مقالهم وحالهم له مبغض ولزوال ملكه متعجل برسم: "اللهم أبدلنا خيرا منه" ولا يكون ذلك بداهة إلا بصلاح حال الرعية فتلك سنة كونية فـ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، وإما ظالم مثله يواطئه على ظلمه فقد تلاقت الإرادات الفاسدة برسم التآمر على أصحاب الحقوق المسلوبة، ولو كانت من بدائه ما يثبت بالعقل والعرف فضلا عن الشرع، فذلك ملك يشفع عنده من لا يريد من أصحاب الجاه الذي يخشى نفوذهم، فلا يصح في قياس العقل بداهة حمل شفاعة الشافعين عند رب العالمين على شفاعة أهل الدنيا عند ملوك الجور، فذلك من القياس الفاسد لاختلاف الوصف، فملك الملوك، جل وعلا، له كمال الوصف فهو الحكم العدل فينتفي في حقه الجور بداهة، فالإثبات يتضمن نفي ضده من وصف النقص الذي تنزه عنه، جل وعلا، بداهة، وهو القدير فلا يعجزه شيء وهو القاهر فلا يخرج عن أمره الكوني النافذ شيء، فليس كملوك الدنيا الذين لا قدرة لهم على كثير ممن تحت ولايتهم لضعف وصفهم فلا يحيطون بهم علما، فكيف بمن جاورهم من الأمم ممن لا سلطان لهم عليهم ابتداء؟!، فإذا اختلف الوصف: اختلفت العلة وذلك مانع من تعدية حكم الأصل المقيس عليه إلى الفرع المقيس، فينتفي ما ثبت في حق المخلوق من شفاعة برسم الاضطرار في حق الرب، جل وعلا، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه الكوني، فلا يخشى أحدا كخشية الخلق بعضهم بعضا، وخشيتهم منه، جل وعلا، خشية عظيمة، فالملائكة: (هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، فقدمت علة الإشفاق تنويها بذكرها، فهي الباعث الحثيث على دوام المراقبة برسم المتقين: (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)، فمن كان بالله أعلم كان له أخشى وعن محارمه أورع.
والشاهد أن ذلك مما انتفى به وصف الإله عن المخلوق، ولو كان أشرف الخلق، فذلك مما يحسم مادة الإطراء الكاذب بخلع صفات ربانية على بشر مخلوق ليس له من أمر التقدير أو التكوين شيء، فـ: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)، فليس له إلا أمر التبليغ برسم: (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ)، فذلك من القصر الادعائي إمعانا في تقرير وظيفة الرسل عليهم السلام، ويقابله في الحديث القصر الادعائي في تقرير وصفهم: (إنما أنا عبد الله ورسوله)، فقولوا عبد الله ورسوله: فالفاء مئنة من السببية، فبشريته صلى الله عليه وعلى آله وسلم تنفي ما قيل في حقه من إطراء كاذب، وما قيل في حق المسيح عليه السلام من باب أولى، فهو أقبح في النقل الذي أثبت التوحيد الذاتي والوصفي للرب العلي، جل وعلا، فلا يليق في حقه ذاتا أو صفات ما يليق في حق البشر من وجوه النقص الجبلي، فالذوات حادثة والأوصاف ناقصة، وذات الرب، جل وعلا، أزلية أبدية باقية، وأوصافه كاملة فلها ما للذات من الديمومة والكمال، فقولوا: عبد الله، فذلك يحسم مادة الغلو بخلع أوصاف الربوبية أو الألوهية عليه، وهما متلازمان، فما وقع غلو في الألوهية إلا فرعا عن غلو في الربوبية، فمن اعتقد في شيء ضرا أو نفعا أو كمالا ليس فيه فذلك من فساد التصور بقلة العلم وضعف العقل، فإنه سيصرف له بداهة من صور العبودية والتأله ما لا يصح صرفه شرعا وعقلا إلا للرب العلي، تبارك وتعالى، ورسوله:
(يُتْبَعُ)
(/)
فذلك يحسم مادة الجفاء فليس عبدا كبقية العباد بل هو عبد مصطفى برسم الرسالة.
فالقصر الادعائي مما يحسن إيراده حسما لمادة الغلو بإبراز وصف البشرية الذي يناقض وصف الربوبية بداهة، فذلك من جنس القصر في نحو قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، فذلك من قصر الإفراد فقد اعتقدوا فيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرسالة والخلود فجاء القصر مثبتا لوصف الرسالة نافيا لوصف الخلود فـ: (مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)، و: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ): فذلك، أيضا، من القصر الذي ينفي الغلو في ذوات الأنبياء عليهم السلام بالإطراء الكاذب، ولكنه من قصر القلب لاعتقاد النصارى في المسيح عليه السلام فما هو إلا رسول بشري يجري على جسده ما يجري على بقية أجساد البشر من أعراض النقص الجبلي التي تنزه عنها الرب العلي، جل وعلا، بداهة، وذلك، كما تقدم في مواضع سابقة، مما احتج به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على وفد نصارى نجران الذين غلوا في المسيح فقالوا بمقالة التأليه، والإله لا يجري عليه ما جرى على المسيح عليه السلام من حدوث بعد عدم، وحمل ورضاعة، وطعام وشراب وما يلزم منهما من حدث ببول وغائط ...... إلخ فكل ذلك، كما تقدم، من المحال الذاتي في حق الرب العلي جل وعلا. فأوصاف النقص تناقض وصف الغنى الذاتي الثابت للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فهو الغني مطلقا فلا يفتقر إلى سبب خارج بل الأسباب من صنعه الباهر وجريانها من حكمه النافذ.
والله أعلى وأعلم.(/)
تعريف المجاز .. (لو تكرمتم)
ـ[سديم2001]ــــــــ[17 - 10 - 2010, 10:16 م]ـ
من أشهر تعريفات المجاز: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي
في أي كتب البلاغة القديمة هذا التعريف .. ؟
بحثت عنه في الإيضاح وبغية الإيضاح .. فلم أجده.
ـ[راعي العليا]ــــــــ[18 - 10 - 2010, 10:49 م]ـ
تعريف المجاز
: الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب، على وجه يصح، مع قرينة عدم إرادة المعنى الحقيقي." (تلخيص المفتاح، القزويني، ص149)
: كل كلمة أريد بها غير ما وضعت له في وضع واضعها، لملاحظة بين الثاني والأول، فهي مجاز. (أسرار البغة، عبد القاهر، ص351)
ـ[جابرالعثرات]ــــــــ[18 - 10 - 2010, 11:56 م]ـ
من أشهر تعريفات المجاز: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي
في أي كتب البلاغة القديمة هذا التعريف .. ؟
بحثت عنه في الإيضاح وبغية الإيضاح .. فلم أجده.
أسرار البلاغة - الجرجاني
جواهر البلاغة - أحمد الهاشمي(/)
هل ....... ؟
ـ[عرباوى]ــــــــ[18 - 10 - 2010, 12:47 م]ـ
الأخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا بعد.
هل كل "سجع" يصلح أن يكون "جناس ناقص"؟
جزاكم الله خيرا، نسأل الله أن يبارك في علمكم، وأن ينفع بكم الأمة / اللهم آمين.
ـ[عرباوى]ــــــــ[19 - 10 - 2010, 02:48 م]ـ
أنتظر الإجابة؟
ـ[مصطفى صادق الرّافعي]ــــــــ[19 - 10 - 2010, 11:57 م]ـ
أستاذي الفاضل، حفظكَ الله،
الجواب: لا، فهناك أنواع من الجناس النّاقص، لا يُشترط فيها توافق الفواصل، كالجناس "الْمُطَرَّف" مثل (عرباويٌّ هادٍ، وعرباويٌّ هادف)، وكالجناس "الُمُذَيَّل" مثل (هذا جوى بينَ الجّوانح) وكالجناس "المُضارع" المُختلِف في آخره بينَ حرفين متقاربين في النّطق مثل (وذهبتْ عنهم الخيل، فذهبَ عنهم الخير)، وعكسه الجناس "اللاّحِق" مثل (أكلهم القمل، فتقلّبوا في القمح)، وكجناس "القلب الكلّي" غالبًا مثل (أهي حركةُ فتح، أم حركة حتف؟!)، والحديث طويل؛ يكفي هذا إنْ شاء الله.(/)
سؤال بلاغي .. من يجد له إجابة؟
ـ[وِصَال]ــــــــ[18 - 10 - 2010, 04:32 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كريمٌ متى أمدَحْهُ أمدَحْهُ والورى .. جميعاً ومهما لُمُته لُمُته وحديِ
هذا البيت لأبي تمام وهو شاهد عند البلاغيين على تنافر الكلمات بسبب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها متتابعة ..
أيضاً قد يكون بسبب تنافر الحروف .. حيث توالى صوتا الحاء والهاء في الكلمتين معاً رغم أن مخرجي الحرفين متفرقان ..
السؤال: ألم يأتِ في القرآن ما توالى فيه حرفا الهاء والحاء معاً؟! أعتقد نعم والله أعلم ..
يعني لو لم تكن الكلمتان مكررتين في البيت السابق هل سيكون شاهداً على تنافر الحروف؟ سؤال وفي نفس الوقت تعليل
أنا لا أعرف طريقة البحث عن هكذا إجابة .. مع أني أحس بأنها قريبة ..
فأرجو منكم مساعدتي .. وشكراً!
ـ[محمد الجهالين]ــــــــ[18 - 10 - 2010, 07:39 م]ـ
هنا تجدين بحثا منقولا عن الدكتور أسامة عبد العزيز جاب الله ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?35017-%CC%E3%C7%E1%ED%C7%CA-%C7%E1%CA%E1%C7%C4%E3-%E6%C7%E1%CA%E4%C7%DD%D1-%C8%ED%E4-%C7%E1%C8%E1%C7%DB%ED%ED%E4-%E6%C7%E1%E4%CD%E6%ED%ED%E4)
يقول فيه:
كريم متى أمدحه أمدحه والورى معي وإذا ما لمته لمته وحدي
فتكرار كلمة (أمدحه) مرتين في الشطر الأول، وكلمة (لمته) مرتين في الشطر الثاني أدى إلى الثقل والعسر النطقي والسماعي معاً، فكلمة (أمدحه) احتوت على حرفي الحاء والهاء الحلقيين وهما متقاربا المخرج مما شكل نبواً في النطق لحِقَهُ كذلك ثقلاً في السمع. وهذا ما ذهب إليه القزويني ().
ويخالف السبكي (ت 773هـ) ما ذهب إليه القزويني إذ يرى أن اجتماع الحاء مع الهاء فصيح لوروده في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى: ? وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ? (). كما أن وضع الحاء مع الهاء في بيت الشعر مختلف عن وضعهما الآية الكريمة، فالثقل في البيت في كلمة (أمدحه) ناتج عن اجتماع الحاء والهاء بعد الفتحة على (الدال)، وليس ذلك في الآية الكريمة (). وهو تعليل جميل يقصد السبكي به تنزيه النص القرآني عما يشينه مما يلحق غيره من النصوص البشرية. ويرى ابن رشيق في هذا البيت لوناً من المعاظلة التي تقوم على تداخل الحروف وتركيبها ().
ـ[وِصَال]ــــــــ[26 - 10 - 2010, 07:14 م]ـ
شكرا جزيلاً .. كانت اجابة وافية ..
جزاك الله خيراً ونفع بعلمك ..(/)
ما فائدة الإسناد وما خطورته؟ ساعدوني
ـ[لولي.]ــــــــ[18 - 10 - 2010, 10:19 م]ـ
الله يوفقكم ساعدوني على هذا السؤال
مافائده الإسناد وما خطورته
وجزاكم الله خير*(/)
من سورة الحج
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 10 - 2010, 03:57 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ):
فذلك من أدلة العناية بالمكلفين، فناسب التنويه بها إضافة الفعل إلى ضمير الجمع مئنة من عظم الجاعل وتعدد أوصاف جماله وجلاله التي بها حصل هذا الجعل العظيم، فبقدرته أوجد، وبحكمته أتقن، وبرحمته سخر، وتلك هي الأدلة الثلاثة التي يستحضرها العبد في مقام الاستدلال على كمال ربوبية الرب، جل وعلا، فله من أوصاف الربوبية: تقديرا في الغيب وإيجادا في الشهادة وحكمة في إيجاد المخلوقات على وجه يحصل به كمال النفع لها والاتنفاع بها، والبُدن على ذلك خير شاهد، ففي أبدانها العظيمة، فهي بدن من هذا الوجه، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، ففي أبدانها العظيمة آيات جليلة تشهد ضرورة بإتقان صنعة الرب جل وعلا، ورحمة بالمخلوق فقد ركب فيه من الطبائع الجبلية ما يلائم البيئة الصحراوية التي يعيش فيها وعناية بالإنسان فقد سخر له هذا المخلوق العظيم حمولة ولحما ولبنا .... إلخ من وجوه الانتفاع العديدة، له من أوصاف الربوبية ما يشهد ضرورة بانفراده بمقام التكوين بالقدرة والتدبير بالحكمة فـ: (عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، فذلك لازم الخلق والتدبير فلا يكون خلق إلا بعلم تقديري أول، ولا يكون تدبير كوني أو شرعي إلا بكلمات ربانية نافذة كونا أو حاكمة شرعا، فهي أثر الصفات الإلهية الفاعلة في الكون بالتقدير والجعل الكوني والشرعي، فإذا ثبت انفراده، جل وعلا، بهذا المنصب الجليل فقد ثبت له ضرورة: وجوب إفراده، جل وعلا، بمنصب الإلهية، فذلك من التلازم الوثيق بين العلم بأخبار الربوبية والعمل بأحكام الألوهية، فالأول توحيد في العلم بالأسماء والصفات التي تقوم بالذات القدسية والأفعال التي تقوم بها فتلك حقيقة الربوبية فما يقع في الكون من إيجاد وإعدام ..... إلخ من سائر الأحداث إنما هو أثر صفات الرب، جل وعلا، الفاعلة، التي تتعلق بمشيئته النافذة فيحدث ما شاء كيف شاء متى شاء من أحداث وقوعها المجرد على هذا النحو المتتابع مئنة من وجود الرب الخالق الفاعل، جل وعلا، بل هو الفعال على جهة المبالغة في المبنى فتلك حقيقة المعنى فهو الفعال في كونه بآثار صفات جلاله وجماله بما يحدثه من آحاد كلماته الكونية فبها يكون الخلق والإيجاد، وكلماته الشرعية فبها بعث الأنبياء عليهم السلام، لتصلح الدنيا وتستقيم أمور الخلائق بمواطئة السنة الشرعية الحاكمة، فيجتمع في حقهم موافقة الكون على جهة الاضطرار، فلا: (مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) الكونية فذلك خبر واجب النفاذ، وموافقة الشرع على جهة الاختيار فلا: (مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) فذلك إنشاء بحفظ كلمات الرب الشرعية من التبديل للألفاظ والتحريف للمعاني، والثاني توحيد في العمل بصرف وجوه التأله إلى الرب الواحد في ذاته، الأحد في صفاته، وإن تعددت، فتعددها لا يلزم منه بداهة تعدد الذات، فهي معاني كمال تقوم بذاته القدسية على وجه يليق بجلاله فلا يعلم تأويل حقائقها في الخارج إلا هو، وإن أدرك العقل تأويل معانيها فالمعنى معقول والكيف مجهول كما أثر عن إمام دار الهجرة، رحمه الله، فله كمال الوصف وإن وقع الاشتراك بينه وبين المخلوق في أصول المعاني الكلية دون حقائقها الخارجية فذلك، كما تقدم مرارا، قدر يجب إثباته في أي خطاب مفهم، وإلا صار الكلام عبثا فلا يدل على معان يرجع المخاطب إليها ليدرك مراد المتكلم، وخطاب الشارع، عز وجل، أولى بوصف
(يُتْبَعُ)
(/)
الإفهام من أي خطاب، فقد نزل برسم: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، ومن تيسيره بداهة أن يعلم معناه كل أحد فقد نزل برسم البيان إقامة للحجة الرسالية لا الإجمال فذلك مما يبطل الحجة ويقيم العذر لمن تولى وكفر، فما علم مراد المتكلم من تأويلات أحدثها أصحاب المقالات صرفت فيها الألفاظ إلى وجوه بعيدة متكلفة، بل ربما باطلة لا يشهد لها نقل أو عقل أو لسان، فكيف تقوم حجة بخطاب مضطرب باضطراب عقول أهل التأويل الذين أغروا سفهاء الفلاسفة والمعطلة فتسلطوا على الأخبار والأحكام بسيف التأويل حتى أبطلوا الشريعة جملة وتفصيلا فهي رموز خفية لمعان باطنية لا يدركها إلا حذاق الفلاسفة، فذلك كهنوت من جنس كهنوت النصارى، بل لعل النصارى أخذوه عن الفلاسفة، فدينهم بعد التبديل قد نقل من فلسفات الأولين ما ألجأ أصحاب الرياسة فيهم إلى تأويل ما بقي بأيديهم من آثار رسالة المسيح عليه السلام لتوافق تلك المقالات الفلسفية الغامضة فصار الدين كهنوتا عسير الفهم، صعب المنال، فلا يناله إلا أذكياء البشر ممن أفنوا الأعمار في دراسة مقررات الفلاسفة، مع ما فيها من عوار ظاهر ومناقضة صريحة لأحكام العقل الذي ينتحلون تعظيمه وهم أول من ينقض أحكامه بتأويلاتهم التي تعارض المعلوم الديني والعقلي واللساني الضروري، فهل تقوم حجة على البشر بمفالات فلسفية باطلة وأسرار كهنوتية غامضة لا حقيقة لها في نفس الأمر، فلا يتصورها العقل ليجوز وقوعها بل غايته أن يفرضها ولو برسم القهر للعقول بمناقضة أحكامها الصريحة، ثم البحث عن أي تأويل ولو متكلف باطل لازدراد تلك المقالة، فلا المؤول مصدق ولا التابع متصور لما يلقى إليه من الأباطيل تمام التصور، وإنما غايته أن يتابع الرأس برسم التقليد الأعمى، وتلك حال الأتباع في أي ملة أو نحلة باطلة، فالجهل فيهم أصل، وتجهيل الرءوس لهم غرض رئيس، فلو أعملوا عقولهم المعطلة لظهر لهم فساد المقالة الحادثة أو المبدلة، وتلك حال أحرارهم من أصحاب العقول الصريحة التي تأبى الخضوع لطغيان الكهنوت فإذا بحثت برسم الإخلاص والاسترشاد فإنها ستصل إلى حقيقة التوحيد الناصعة: جوهر الرسالات النازلة، فهي مقالة الأنبياء عليهم السلام جميعا فـ: (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).
والشاهد أن الجعل هنا مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، فيحمل على الجعل الكوني النافذ، وكمال حكمته فيحمل على الجعل الشرعي الحاكم، ويشهد لهذا الوجه ما جاء عقيب الفعل من قوله تعالى: (مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)، فهي من جملة الشعائر التعبدية برسم الإيجاب أو الندب، والشعائر من أحكام الألوهية التي تتعلق بالجعل الشرعي، ولا مانع من حمل الجعل في هذا السياق على كلا الوجهين، لعدم التعارض بينهما، بل هما، كما تقدم، متلازمان متكاملان، فمن له كمال الانفراد بالجعل الكوني له كمال الإفراد بالجعل الشرعي، فهو الرب الخالق والإله الشارع، فمن له كمال الربوبية فله ضرورة كمال الألوهية، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين أحكام الربوبية النافذة، وأحكام الألوهية الشارعة.
فقد يصح هذا الوجه كشاهد لمن جوز الجمع بين معاني المشترك اللفظي، فيدل بلفظه الواحدة على معنييه الاثنين، لو قيل بأن التكوين والتشريع متباينان من كل وجه، فحمل الجعل على كليهما على وجه لا يقع به التعارض مئنة من جواز حمل اللفظ الواحد على معنيين متباينين في نفس السياق، وقد يقال بأن التباين ليس واقعا من كل وجه، فالتكوين والتشريع كلاهما من الرب، جل وعلا، فهما من آثار صفات جلاله وجماله: كلمات منها الكوني النافذ ومنها الشرعي الحاكم، فحصل الاشتراك بينهما في أصل المعنى وفي جهة الصدور فكل من الرب، جل وعلا، قد بدا، على وجه يليق بجلاله فلا يعلم كنهه إلا هو، فهو فرع عن ذاته القدسية التي يدرك العقل معنى قدسيتها ولا يصل إلى حقيقة كينونتها، فلا يعلم كيف هو، جل وعلا، في ذاته أو صفاته إلا هو فذلك من جملة ما استأثر به في علم الغيب عنده بل ذلك أشرف وأعظم الغيوب فابتلي العباد بإثبات المعاني التي تدركها العقول والتسليم والتفويض في الحقائق التي لا تطيق
(يُتْبَعُ)
(/)
دركها، فلا يقع بذلك التكليف، فالتكليف لا يكون إلا بمقدور، وما يقدر عليه العقل في هذا الباب هو إدراك المعنى الكلي في الذهن لا الحقيقة في الخارج.
والشاهد أن الآية قد تحتمل كلا الوجهين وقد تحمل على هذا التخريج كشاهد لنوعي الاشتراك الدلالي: اللفظي والمعنوي.
لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ: فذلك من وجوه الامتنان بهذه النعمة، فناسب ذلك تقديم ما حقه التأخير فهو مئنة من الاختصاص والتوكيد إمعانا في تقرير المنة الربانية، فلكم، واللام مئنة من الاختصاص وفيها شوب من الملكية فالبدن مملوكة لأصحابها، وإن لم يكن ملكهم مطلقا من كل وجه، كملك الرب، جل وعلا، فكل ملك سوى ملكه مقيد بحكم الكون القاهر وحكم الشرع الواجب، فلا ملك مطلقا إلا له، جل وعلا، فهو ملك الملوك الذي يقضي في ملكه بما يشاء لكمال قدرته وحكمته بينما لا يقضي ملوك الأرض إلا بما يوافق الشرع المصلح إن كانوا على الجادة أو الهوى المفسد إن حادوا عنها فحكمهم في كلا الحالين يخضع لحكم الملك، جل وعلا، الكوني النافذ، ويجب فيه على جهة التكليف امتثال أمر الوحي المنزل من التنزيل المحكم والسنة الشارحة له المتممة لآيه ببيان واف لمجملها وزيادة عليه بعض ما استقلت بتشريعه فهي قسيمة التنزيل في وصف الوحي.
فـ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ: نكر تعظيما فضلا عن دلالة التنكير على العموم، فلكم فيها خير ديني شرعي ودنيوي كوني، فيحصل الانتفاع بها في وجوه الأكل والسفر ..... إلخ فذلك وجه المنة الربانية الكونية فيها فقد سخرت بالتقدير الكوني لتكون تحت سلطان النوع الإنساني فذلك من وجوه تكريمه بتسخير سائر الخلائق له، ويحصل الانتفاع بها في وجوه القرب الشرعية من هدي تمتع أو قران أو جبران أو تطوع أو أضحية أو نذر ...... إلخ، فذلك من الخير الآجل في دار الجزاء ولا ينفك عن خير عاجل في دار الابتلاء فمنها يأكل صاحبها إلا إن كان الهدي جبرانا أو نذرا، ومنها يأكل غيره فـ: "كلوا وتصدقوا واهدوا".
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ: فذلك من شكر النعمة الكونية باستعمالها على الوجه المشروع فلا ينتفع بالأكل من الذبائح إلا بعد التسمية باسم الرب الشارع، جل وعلا، فذلك من جنس ما تقدم من التلازم الوثيق بين حكم الربوبية الذي خلق وأوجد وسخر هذه البدن، وحكم الألوهية الذي شرع الانتفاع بها على وجه يقع به توحيد الرب، جل وعلا، بفعل الذابح، فكما ثبتت له الوحدانية الذاتية والوصفية والفعلية، فانفراده بالخلق والإيجاد والتدبير من توحيده بأفعاله، فقد ثبت له لزوما توحيده بأفعال عباده على جهة الإفراد بأحكام الألوهية الشارعة، فلا يباشر المكلف النعمة الكونية إلا برسم النعمة الشرعية، فأحكام الرسالات العلمية والعملية عند التدبر والنظر من جملة نعم الرب، جل وعلا، على عباده، بل هي أعظم نعمة أنعم بها الرب، جل وعلا، على النوع الإنساني، فلا نعمة تعدل نعمة الوحي، فهو روح القلب، فلا حياة له إلا به كما أنه لا حياة للجسد إلا بالروح المبثوث في أركانه.
فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا: فذلك كناية عن نحرها، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فالسقوط على الجنب أو سقوط الجنب فمادة وجب تدل على معنى السقوط، ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ سمع وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تدرون ما هذا؟ ". قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا؛ فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها"، فالوجبة مئنة من السقوط والارتطام، فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ: فذلك من الأمر على جهة الندب، في حق صاحبها إلا عند من يحمل الأمر على الوجوب مطلقا من أهل الظاهر وذلك شاهد للقسمة الثلاثية: أصحابها والقانع والمعتر، وقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، شاهد للقسمة الثنائية: أصحابها والفقير، كما ذكر ذلك بعض المحققين من أهل العلم المعاصرين، والمعاني متعاضدة فلا تعارض بينها فصور الإطعام تشمل الهدية والصدقة والوليمة ....... إلخ من صور الإطعام المشروع بلا سرف أو خيلاء.
(يُتْبَعُ)
(/)
كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ: فذلك من التتميم لمعنى المنة فجعلت من الشعائر فذلك تكليف، وسخرها الرب، جل وعلا، للنوع الإنساني على جهة الاصطفاء والتشريف، فالكون بأرضه وسمائه، بأحيائه وجماداته له مسخر، فناسب مقام الامتنان: إضافة الفعل إلى ضمير الجمع تعظيما كما تقدم في إضافة الجعل في صدر الآية، وحصل بذلك التلاؤم بين ألفاظ لسياق الواحد فضلا عن التلاؤم بين المعاني فمعنى العظمة في كليهما ثابت.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: فذلك من التلازم المطرد بين حكم الربوبية فالتسخير يكون بالأمر الكوني، وحكم الألوهية بالشكر فهو تأويل الأمر الشرعي بالقلب واللسان والأركان فالشكر يكون بها جميعا.
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ:
فتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل فذلك مئنة من العموم، وهو مما يحسن في مقام نفي وصف الافتقار عن الرب الغني، جل وعلا، فالرب، جل وعلا، هو الغني في ذاته فله وصف الغنى المطلق فلا يفتقر إلى سبب يوجد فهو الأول أو سبب يمد فقد تنزه عن أوصاف النقص الجبلية من أكل أو شرب فتلك مظنة الافتقار إلى الإمداد بأسباب الحياة، وليس الأول الآخر الباقي بعد فناء خلقه بمفتقر إلى سبب خارج فذلك من المعلوم الضروري الذي خالفه كل ظالم بغي تعدى على مقام الربوبية فوصف الرب، جل وعلا، بأوصاف النقص الجبلية من حدوث لناسوت في رحم البتول عليها السلام، وافتقار إلى طعام وشراب وما يلزم من ذلك من حدث وخلاء، فتلك أمور لا تثبت في حق الغني الذي له كمال التدبير الكوني، بل يجب نفيها عنه وتنزيهه عنها عقلا قبل أن ترد الشرائع بذلك، فهو معلوم عقلي ضروري زادته الرسالات توكيدا وبيانا، ففصلت مجمل أوصاف الجمال والجلال، وأجملت في التنزيه مع إثبات كمال ضده من وصف الكمال، وأطنبت في مواضع درءا لشبهة أو تصور فاسد، كما في الإطناب في مقام النفي في سورة الإخلاص فهي فرقان بين الإسلام والنصرانية وسائر الملل والنحل الردية التي تصرح أو تجوز قيام وصف النقص بالذات الإلهية، فلم يلد فهو الغني عن الولد فلا يفتقر إلى من يعاونه فله كمال القدرة والقوة، فـ: (لَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ)، ولا يفتقر إلى ولد ليبقى ذكره فهو الأول الآخر الباقي، بل صلاح العالم إنما يكون بديمومة ذكره على جهة الثناء، مع كمال استغنائه عنه، فذلك من جنس ما ذكر في الآية فلن يزيده الثناء والشكر بالقول أو الفعل كمالا فـ: "لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك"، فقد استغنى بثنائه على نفسه عن ثناء خلقه عليه، وإنما يثني عليه المثنون طلبا لمرضاته وشوقا إلى جناته، فذلك من وجوه الفقر الذاتي فيهم في مقابل غناه الذاتي عنهم، فلا ينفكون عن افتقار إليه في الأولى ليمدهم بأسباب الصلاح الكوني والشرعي، وافتقار إليه في الآخرة ليدخلهم جناته برسم التأبيد فيحظون بجواره في دار النعيم الكامل الناصح من شوب وكدر الآلام والأحقاد، فـ: (نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)، ولم يولد فهو الغني عن سبب يوجده فله الوجود برسم الأولية المطلقة للذات القدسية وما قام بها من الصفات العلية فلم يكن معطلا عن كمال ثم حدث له كما يحدث لآحاد الخلق من زيادة في الوصف بتكرار الفعل، بل أفعاله، جل وعلا، هي، كما تقدم، آثار كماله الوصفي جلالا وجمالا.
فإذا أراد خراب العالم قطع ذكره فقبض أرواح المؤمنين فلا يبقى إلا شرار الخلق فلا يثنون عليه، فانتفت مادة صلاح الكون ووجبت مادة فساده بانقطاع أثر النبوات النافع من ذكر وتسبيح، فذلك مؤذن بخراب العالم وقيام الساعة.
(يُتْبَعُ)
(/)
فهو الغني فلا يصل إليه اللحم والدم، فإنما ينتفع باللحوم من يحتاج إليها ليحفظ بدنه من الفساد فالمطعوم سبب كوني لحفظ النوع الإنساني، بل هو المغني على جهة التعدي فغناه لازم لذاته متعد لغيره، فيغني غيره بما يسر له من أسباب الكون والشرع، فغنى الأبدان في المطعوم والمشروب، وغنى القلوب في المنقول من أخبار النبوات والمعقول من أحكامها التي يدرك العقل عللها فقد جاءت على أحكم وصف وأعدل وجه فهي من شريعة رب العالمين الموصوف في التنزيل بأنه أحكم الحاكمين في قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)، فذلك من الاستفهام التقريري فتسلط الاستفهام على النفي من جنس تسلط النفي عليه، ونفي النفي إثبات إلا إذا دلت القرينة على إرادة توكيد النفي بالتكرار، وذلك خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا بقرينة ناقلة عن الأصل، فعلى الناقل الدليل ويكفي المستمسك بالأصل البراءة الأصلية، وذلك أمر مطرد في سائر الأحكام الشرعية والعقلية واللسانية ...... إلخ.
فلن يناله: لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا، ولكن يناله التَّقْوَى مِنْكُمْ: فذلك من طباق السلب إمعانا في تقرير المعنى بالنفي لوجه والإثبات لآخر، فيصل إليه على جهة الاستدراك: التقوى، فتصله إحصاء في الشهادة فهو العليم بها تقديرا في الغيب، فـ: "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَليَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَه"، فلا ينتفع بالتقوى، كما تقدم، وإنما ينتفع بها المتقون، فتصل إليه فذلك من فضله على المتقين أن يسر لهم اسبابها فليس لهم فضل عليه فهو الذي خلقهم وخلق فيهم العلم النافع بالوحي النازل، وخلق فيهم الإرادات الصالحة وما يتولد عنها لزوما من الأقوال والأفعال الكاملة، فلا يصل إليه شيء خارج عن إرادته، بل هو الذي قدره ويسره لهم فكيف تكون منة لهم عليه، وكيف يصح في الأذهان تجويز افتقاره إلى طاعة طائع أو لحوق الضرر والنقص به بمعصية عاص، وهو الذي قدر كليهما أزلا بعلمه الأول، وأوجد كليهما بقدرته النافذة وحكمته البالغة في خلق الأضداد وتدافعها على نحو يكون به صلاح العالم، فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، فخلق الطاعة في الطائع فضلا، وخلق المعصية في العاصي عدلا، وظهرت آثار صفاته جلالا بقدرة نافذة على خلق الأضداد، وحكمة بإمداد كلٍ بما يلائمه من مادة خير إن كان المحل صالحا قابلا لآثار الرسالات، أو مادة شر إن كان المحل فاسدا غير قابل لآثار الرسالات، فـ: "مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا؛ فكانت منها طائفة طيبة قبلتِ الماء فأنبتتِ الكلأ والعشْب الكثير، وكانت منها أجادِب أمسكت الماء فنفع اللَّه بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثل من فقِه في دين اللَّه ونفعه ما بعثني اللَّه به فعلِم وعلم، ومثل من لم يرفعْ بذلك رأْسا ولم يقبل هدي اللَّه الذي أرسلت بهِ"، فمنهم من يمسك آثار الرسالة فينتفع بها في نفسه وينفع بها غيره، فخيره لازم في نفسه متعد لغيره، وهو أكمل صنف، ومنهم من يمسكها لغيره فهو وعاء للخير وإن لم ينتفع به، ومنهم من لا ينتفع بالوحي ولا يمسكه لينتفع به غيره فذلك أخس الثلاثة، فلا خير فيه لنفسه ولا خير فيه لغيره، فاستوفى السياق أصناف الناس في قبول آثار الرسالات.
كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ: فذلك من الإطناب بالتكرار لما تقدم في الآية السابقة، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، ليحصل مزيد تقرير لمعنى التلازم الوثيق بين أحكام الربوبية بتسخير البدن وسائر أعيان الكون للنوع الإنساني على جهة الامتنان، وأحكام الألوهية: (لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)، فالتكبير مشروع عقيب كل عبادة، فتكبير بعد الصلاة، فذلك من جملة الأذكار المشروعة بعدها، وتكبير بعد الصيام: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى
(يُتْبَعُ)
(/)
مَا هَدَاكُمْ)، وتكبير عند الذبح، وتكبير بعد مناسك الحج في أيام العيد والتشريق، وتكبير مطلق في أيام العشر، وتكبير مقيد عقيب الصلوات في العيد والتشريق كما تقدم ....... إلخ، فذلك من أحكام الألوهية التي تلي أحكام الربوبية في الترتيب العقلي، فسبب هو فعل الربوبية، ونتيجة واجبة شرعا وعقلا هي فعل الألوهية، فالتكبير من صور الثناء والشكر على ما هدي إليه المكلفون، والهداية هنا أيضا تحتمل: الهداية الكونية بتيسير أسباب الانتفاع بالبدن، والهداية الشرعية بتعليم أحكامها، وهو المتبادر إلى الذهن، والسياق هنا، أيضا، يحتمل كليهما، ولا مانع من الجمع بينهما لعدم التعارض، بل ذلك إثراء للمعنى، بحمل مادة الهداية على أعم صورها فتعم هداية التكوين، هداية: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)، وهداية التشريع: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ: فذلك من التعجيل بالمسرة، ففي الأمر بها مزيد امتنان على المحسنين فالبشرى خاصة بهم لقيام الوصف الجالب لها في أعيانهم دون غيرهم، وإن لم يمنع ذلك لحوق غيرهم بهم إن تحقق فيهم وصف الإحسان فهو الوصف المؤثر في إثبات الحكم، ولحوقهم بغيرهم إن حادوا عن الجادة فانتفى الوصف في حقهم، فالحكم مطرد منعكس يدور مع علته التي دل عليها تعليق الحكم بالاسم المشتق منها فالإحسان هو علة البشرى فيدور معها وجودا وعدما فلا يختص بأعيان وإنما يختص بأوصاف كسائر أحكام الرسالة فذلك مقتضى نزولها برسم العموم، فلا تختص أحكامها، كما تقدم، بأفراد أو جماعات، وإنما تختص: ثناء بكل مصدق طائع، وإن لم يكن عربيا من أهل لسانها الذي نزلت به، و: ذما بكل مكذب عاص ولو كان عربيا بل قرشيا هاشميا شريف النسب، فأبو لهب من ألصق بني هاشم بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو مع ذلك من أعظم الناس منافرة وعداوة له في الدنيا، وبعدا عنه في الآخرة، فـ: (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)، فمقامه نار ذات لهب ومقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جنات عدن.
والله أعلى وأعلم.(/)
ممكن المساعدة
ـ[المعلم الفاضل]ــــــــ[19 - 10 - 2010, 03:49 م]ـ
1 - قال البحترى يرثى المتوكل:
فما قاتلت عنه المنايا جنوده و لا دافعت أملاكه و ذخائره
2 - قال الشاعر:
و إذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهنَّ أمان
3 - قال أبو العتاهية يهنئ المهدي بالخلافة:
أتته الخلافة منقادة إليه تجرِّر أذيالها
أرجو ذكر الإستعارة وبيان نوعها؟؟!
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[19 - 10 - 2010, 06:32 م]ـ
أرى أن الأبيات الثلاثة تحوي على الاستعارة المكنية ـ تشخيص ـ لأنه في البيت الأول جعل المنايا تُقاتل وتفتك كالجنود والبشر وفي البيت الثاني نرى الشاعر يجعل للعناية عيون كالبشر وفي البيت الثالث يجعل الشاعر الخلافة كالمرأة الطائعة التي تتدلل بخفر بثيابها الطويلة التي تتدلى
والمجاز هنا استعارة لأنه يقوم على التشبيه.
والله أعلم
ـ[مصطفى صادق الرّافعي]ــــــــ[19 - 10 - 2010, 07:28 م]ـ
نعم كما قالت الأستاذة هدى، البيت الأوّل فيه استعارة مكنيّة، كونه ذكر لفظ المُشبّه (المنايا) وحذف المُشبّه به (الإنسان المُقاتل).
وكذا في البيت الثّاني فهي مكنيّة (العناية لاحظتكَ)، وقوله (عيونها) استعارة تخييليّة.
وكذلكَ في البيت الثّالث، فهي مكنيّة (أتته الخلافة)، أمّا قوله ("منقادة" إليه تجرِّر "أذيالها") فهي استعارة تخييليّة.
حفظكَ الله!(/)
الرجاء أفيدوني عاجل جدا
ـ[بودانة]ــــــــ[20 - 10 - 2010, 08:38 م]ـ
ما نوع الاستعارة في هذه الجملة: تخط الأمة في صفحات التاريخ أحداثها
ـ[بنت الحجاز22]ــــــــ[20 - 10 - 2010, 08:46 م]ـ
استعارة مكنية شبه الأمة بالإنسان الذي يكتب التاريخ حذف المشبه به و أبقى صفة من صفاته.(/)
من آيات الإنفاق
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 10 - 2010, 03:33 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ):
فتوجه التداء، كما اطرد مرارا في القرآن المدني، إلى المؤمنين، فخطاب المواجهة يتوجه إليهم أصالة لغلبة الإسلام على المدينة بعد الهجرة، فقد صارت دار إسلام تعلوها أحكام التنزيل، وإن كان فيها من الكفار الأصليين والمنافقين، فالعبرة بمن يظهر أمره ويعلو حكمه، وجاء التعريف بالموصول تعليقا للحكم التكليفي على وصف الإيمان الذي اشتقت منه جملة الصلة، فذلك آكد في تقرير المعنى، فالإيمان شرط صحة في جميع الأعمال فلا يقبل فرع إلا إذا صح الأصل، وإلا فمآل الفرع: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، فعملوا وليس معهم أصل الدين الذي يثبت به عقد الإيمان المنجي من الخلود في العذاب، ولا يقبل العمل إلا إذا كان على رسم الإخلاص، فهو خالص من كدر الشرك الأكبر الذي يحبط العمل جملة، والشرك الأصغر الذي يحبط العمل الذي داخله، أو ينقص من ثوابه إن لم يخالط الرياء أصل العمل، على تفصيل ذكره أهل العلم في هذا الشأن، ولا يقبل العمل إلا إذا كان وفق المشروع فصاحبه على منهاج المنقول من أحكام النبوة باطنا وظاهرا، فتصوره لا يكون إلا من الوحي، وإرادته لا تكون إلا تبعا للشرع، وأعماله لا تكون إلا على منهاج السنة، فالباطن والظاهر قد استقام على جادة الحق، فعلم نافع وعمل صالح، وتلك من بركات حفظ الرسالة، فحفظت علومها بما حفظ ونقل بالتواتر من التنزيل الخاتم، وحفظت أعمالها بالنقل العملي المتواتر، ونقل الآحاد الذي دونه أئمة الشأن من المحدثين، فقد تلقت الأمة دواوينهم بالقبول لجملة ما رووه، إلا ما كان من الشيخين، فصحيح البخاري وصحيح مسلم قد جاوزا القنطرة، إلا أحرفا يسيرة لا تقدح في صلب الكتابين، فقد اجتمع لجملة ما في الصحيحين من القرائن المحتفة ما ثبت به العلم النظري بصحتها في نفس الأمر، وصحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك شأن كل حديث تلقته الأمة بالقبول ولو كان آحادا خارج الصحيحين، فخبر الآحاد لا يقبل ابتداء بل ينظر في إسناده فإن صح أفاد ذلك ظنا راجحا يوجب العلم والعمل، فإن الظن غالب، ولا يكون عمل بظن إلا بعد حصول علم بالرجحان الذي يكفي في باب الشرعيات، وإلا تعطلت جملة كبيرة من أخبار وأحكام الشريعة، فإذا انضاف إلى ذلك ما يحتف ببعض أخبار الآحاد من قرائن تقوي الخبر كأن يكون مرويا في الصحيحين، أو في أحدهما، أو يكون مرويا بإسناد قد جاوز القنطرة فهو من أصح الأسانيد كمالك عن نافع عن ابن عمر، ........ إلخ فإنه يبلغ بها مرتبة العلم النظري فليس علما ضروريا كعلم المتواتر بل هو مما يحصل بالبحث والنظر العقلي الذي لا يحسنه كل أحد، فالعلوم الضرورية يشترك في إدراكها العام والخاص، ولذلك جاءت أصول العقائد والشرائع من جملتها فهي علوم ضرورية بدهية يشهد لها العقل والحس والفطرة، فـ: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه"، فيولد على الفطرة التوحيدية، فـ: "أل" في "الفطرة": عهدية ذهنية تشير إلى التوحيد المركوز في النفوس فلو خلي بينها وبين الحياة بلا مؤثر خارجي لوحدت الرب المعبود ضرورة، فالحجة لا تقوم إلا بعلم ضروري لا غموض فيه ولا إلباس، فـ: (لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، وذلك من أعظم صور الرحمة بالمكلفين، فلم يمتحنهم رب العالمين بأسرار غامضة لا يدركها إلا أرباب الكهنوت من رهبان وكهنة الأديان المبدلة التي صارت على رسم السحر فرجالها يجيدون ما لا يجيد الأتباع من فنون الدجل والشعوذة التي صارت العمدة في الاستدلال على صحة المقالة، وتلك سمة بارزة في كل دين موضوع أو مبدل، فالخوارق فيه أصل، بل هي العمدة في الاستدلال سواء أكانت حقيقية برسم: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى
(يُتْبَعُ)
(/)
كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)، فهي من الوحي الشيطاني الذي يعارض أصحابه الوحي الرحماني النازل برسم: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)، أم كانت حيلا كحيل أرباب السيرك!، فكثيرا ما تكون الخارقة، مع قصور الاستدلال بها بل بطلانه إن لم يكن صاحبها على الجادة، كثيرا ما تكون زائفة لا حقيقة لها، كما ذكر ابن تيمية، رحمه الله، في "الجواب الصحيح" جملة من ذلك، فهي خداع بصر أو خفة يد تجعل صاحبها إلى وصف المهرج أقرب!، مع كونه يدعي الإمامة في الدين فهو رجله الذي وكل إليه أمره برسم النيابة عن الإله الذي استخلفه في الأرض ليحل ويحرم، ويحل ويعقد!، فمعه أسرار الصنعة التي لا يجيدها إلا أرباب الخبرة في فنون التلبيس والتأويل، والكتمان والتحريف لألفاظ ومعاني الوحي أو آثاره الباقية، فلا تروج تلك المقالات التي تخالف أصول النقل والعقل إلا تحت ستار من التأويلات المتكلفة التي تجعلها من جنس تأويلات الباطنية، مع اختلاف العقول واضطرابها في تخريج تلك المقالة المحالة التي تنقض أصول الاستدلال العقلي نقضا، فلا بد من تجاوز حدود العقل برسم الإيمان والتسليم المطلق، ولو بمحال تنكره بدائه العقول، فيكون النقل قد جاء بما ينقض أصول العقل، آلة التكليف والابتلاء، فبه تدرك حقائق الأشياء، وبه تناط معرفة المعاني على وجه يحصل به التصور العلمي الذي ينتج في القلب حركات إرادية تظهر آثارها لزوما في الأقوال والأعمال برسم الصحة إن كان التصور رحمانيا، وبرسم الفساد إن كان التصور شيطانيا، فإذا جاء النقل بما يبطل ملكات العقل من تصور وقياس فألزمه بمقالة محالة لا يتصورها لما فيها من نقض لحقائق الرسالات من تنزيه لرب البرية، جل وعلا، عن النقائص، وتوحيد له في الباطن والظاهر، فلا يتصور العقل ذلك وإنما غايته أن يفرضه فرض المحال فيقترحه من باب الجدال لا التسليم بجوازه فضلا عن وجوبه، بل وجعله مناط النجاة والخلاص، فلن ينجو المكلف إلا إذا اعتقد النقص القادح في ذات وصفات الرب الكامل، جل وعلا، فله الجمال والجلال، فتلك حقيقة الكمال الذي اتصف به أزلا وأبدا، ذاتا وصفة، مشيئة وفعلا، فكلماته أصدق الكلمات وأحكامه أعدل الأحكام،، فإذا جاء النقل على هذا الوجه بطل قياس العقل فلا يدل على حقائق الأشياء، فقد جوز وقوع المحال بل أوجبه في أشرف العلوم: علوم الإلهيات والنبوات، وجعل ذلك معقد النجاة، ولو بتكذيب أخبار النبوات وإبطال أحكامها، فلا ينفك الفساد العلمي عن فساد عملي ولذلك كثرت البدع الحادثة في الديانات المبدلة فلم يقتصر الأمر على العقد الباطن بل تجاوزه إلى العمل الظاهر، فكل يحدث في العلم أو العمل ما يوافق هواه أو ذوقه، فلا تكاد تحكي شريعة واحدة، إن وجدت!، لأصحاب تلك الديانات، فصاحب الشرع هو الكاهن، ولكل كاهن أسراره، ولكل كاهن عقل وذوق، فتتعدد الأحكام وتضطرب بتعدد مصادرها وقصور مدارك أصحابها، فكل متخرص يظن الحق في رأيه، ولو كان على غير ما جاءت به النبوة من أخبار وقررته من أحكام، فيعارض بمقالته مقالة النبوة العلمية ويعارض بقياس عقله شريعتها العملية: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، وتلك خصلة ذميمة يرثها عن أصحاب الديانات المبدلة أصحاب الطرائق الأرضية الحادثة، فهي موضوعة ابتداء فلا مستند لها من الوحي، ولو آثارا، فمرد الأمر عندهم إلى قياس عقولهم، فيعارضون، أيضا، حكم الوحي الملزم، بقياس العقل المفسد!، فـ: (إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، فإذا نهوا عن الإفساد بتعطيل أحكام النبوات النازلة ومعارضتها بأحكام البشر الحادثة في العلميات برسم التأويل الذي يفيد ظنونا لا تعدل يقين أخبار النبوات فأصحابها من الفلاسفة ومن سار على طريقتهم من المتكلمين قد استبدلوا الذي هو أدنى من قياس العقل بالذي هو خير من خبر الوحي، وفي العمليات برسم الإحداث لأحكام وجزاءات تعارض ما قررته الرسالات فهي أيضا من متشابه العقول الذي يعارض به محكم الوحي فأصحابه
(يُتْبَعُ)
(/)
قد استبدلوا الذي هو أدنى من قياس العقل بالذي هو خير من حكم النبوة، فقياس العقل الفاسد وسيلة من يعارض الرسالة من أصحاب التصورات العلمية الحادثة والإرادات العملية الباطلة، فهو مما يكذب به الخبر الصادق ويعطل به الحكم العادل.
والشاهد أن خطاب المؤمنين في الآية يتوجه إليهم أصالة لكونهم الفئة الغالبة في المدينة، فهو من خطاب المواجهة الذي ينظر فيه من جهة الخصوص إلى أعيان المخاطبين، وينظر فيه من جهة العموم إلى المعنى فيشملهم ابتداء فهم أمة الإجابة ويشمل غيرهم من المكلفين من أمة الدعوة وإن لم يستجيبوا لداعي الوحي، فعمومه في حقهم ثابت بقرينة عموم خطاب التنزيل الخاتم، فتلك قرينة تستصحب في كل خطاب تكليفي بتصديق خبري أو أمر ونهي إنشائي، في شريعة الإسلام الآخرة فهي آخر الشرائع فلا شريعة بعدها، وهي أحكم الشرائع فلا ناسخ لها، وفي توجه لفظ الخطاب إليهم دون غيرهم: تنويه بذكرهم وتعظيم لشأنهم، وتعريض بمن ليس على وصفهم، فذلك مما يحمله على سلوك جادتهم، فالإعراض عن ندائه ولو برسم العموم في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ): إهمال لذكره فهو مظنة التحقير لشأنه في مقابل تعظيم شأنهم بنداء البعيد فهو في سياق نداء المؤمنين مظنة علو المتزلة ورفعة الدرجة فيفيد بمفهومه سفل وضعة من دونهم ممن قام به ضد وصفهم، فالناس إما مؤمن ولو برسم النقصان، وكافر يذم لكفره فهو مظنة التنقيص والتوبيخ بنداء البعيد، أيضا، ولكن على جهة السفول، فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)، فمادة نداء البعيد تقبل الانقسام فمنه المحمود فهو مظنة العلو في حق المؤمنين ومنه المذموم فهو مظنة السفل في حق الكافرين، فصار من هذا الوجه مشتركا لفظيا بل هو من الأضداد فيحتمل المعنى ونقيضه، ولا يحسم النزاع في تعيين مراد قائله إلا قرينة السياق الذي يرد فيه، فسياق نداء المؤمنين مظنة المدح وسياق نداء الكافرين مظنة القدح كما تقدم.
ولا يخلو النداء من نوع تنبيه يحمل في حق المؤمن على معنى التذكير واسترعاء الانتباه وشحذ الهمم ..... إلخ من المعاني الشريفة، ويحمل في حق الكافر على معنى التوبيخ لغفلته فاسترعاء الانتباه في حقه ليس من جنس استرعاء انتباه المؤمن الذي لا يغفل إلا عرضا، فلا يستوي من ديدنه الغفلة ومن دينه اليقظة.
ولا يخلو نداء المؤمنين أو الكافرين بنداء البعيد من تعظيم لمقام الرب، جل وعلا، فهو العلي، والعلو مظنة البعد، ومنه البعد المعنوي فصفات الرب، جل وعلا، فد باينت صفات العباد فبينهما بون شاسع، من جنس البون بين الذات القدسية والذات الأرضية، وذلك مما يبطل مقالات أهل الحلول والاتحاد فهي تبطل معاني العلو الثابتة للرب، جل وعلا، ففيها من المحالات العقلية ما يرده قياس العقل الصريح، فتجويز اختلاط أكمل الذوات التي لا تدرك العقول كنهها ولا تحيط بكمالها بذوات المخلوقات الحادثة ولو شريفة كذوات الملائكة أو النبيين: تجويز لمحال عقلي فبه ينفى ما ثبت للرب، جل وعلا، من العلو الذاتي والوصفي الذي يدل عليه نداء البعيد في خطاب التنزيل، وبه يجوز أصحاب تلك المقالات الفاسدة: طروء وصف النقص على ذات ووصف من له الكمال الذاتي والوصفي أزلا وأبدا وديمومة لا تنقطع بسنة أو نوم أو لغوب ...... إلخ من عوارض النقص الطارئ التي تجوز في حق المخلوق وتمتنع في حق الخالق جل وعلا.
وبعد النداء على المؤمنين بموصول أفاد تعليق الحكم عقيبه على وصف الإيمان كما تقدم، بعد النداء الذي استرعى انتباه المخاطب جاء التكليف الشرعي:
أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ: من الذهب والفضة فتلك الأموال الباطنة وقد ألحقت بها عروض التجارات، فأنفقوا على جهة الإيجاب والندب معا، فوجوه الإنفاق منها الواجب ومنها المندوب، فالأمر في هذا السياق قد دل بالاشتراك على المطلوب فريضة والمطلوب نافلة فبينهما اشتراك معنوي في أصل المعنى فجهة الفعل في كليهما ترجح جهة الترك، وجاء القيد بالطيب، فـ: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا"، فأنفقوا من جنس الطيب، فـ: "من": جنسية بيانية، وأنفقوا من بعضه، فذلك من رحمة الشارع، عز وجل، بعباده، فقد
(يُتْبَعُ)
(/)
علم ما جبلوا عليه من الشح وحب الإمساك فابتلاهم ببذل المحبوب، فـ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فتلك من جملة المحن التي تبلى بها النفوس لينظر أصدقت في دعوى المحبة أم كذبت، والإنفاق، أيضا، مما تنزه به النفوس عن رذيلة الشح والبخل، فالأمر به، عند التدبر والنظر، من أعظم صور العناية الربانية فقد علم الرب، جل وعلا، بعلمه التقديري الأول، ما يهذب النفوس فأنزل على المصطفين برسم الرسالة جملة من الأخبار والأحكام التي تستقيم بها التصورات والإرادات والأقوال والأفعال، وأنزل من الرزق الكوني ما تصلح به الأبدان، فكلمات الرب، جل وعلا، قد استوعبت المعقول والمحسوس، ففيها صلاح الدين الذي تغتذي به القلوب، وفيها صلاح الدنيا الذي تغتذي به الأبدان، فقدر الرب، جل وعلا، خير كله، فبه ينتظم أمر الكون، ويستقيم أمر الشرع فـ: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)، فالرسالة تعدل مسار البشر إن خرجوا عن سنة الكون، فالكون كله بأرضه وسمائه ومخلوقاته ناطق بلسان الحال والمقال بالتوحيد إثباتا والتسبيح تنزيها: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، فإذا شذ الإنسان بوقوعه في الشرك جاءت الرسالة لتعدل مساره فـ: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، فاعبدوه في عقائدكم وشرائعكم، في أموالكم وأبدانكم، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وذلك مما يقض مضاجع العلمانيين، من لدن قوم شعيب عليه السلام فلسان مقالهم: (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ)، فليست الصلاة شعيرة مجردة، وإن كان ذلك مطلوبا دينيا واجبا، بل هي شعيرة تؤدى خمس مرات ويظل أثرها برسم الديمومة فتستغرق عمر المكلف برسم: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، ولا يخشى العلمانيون قديما وحديثا إلا هذا المعنى العام الذي يستغرق الحياة فتصير حياة شرعية رفيعة لا حياة حيوانية وضيعة من جنس الحيوات في الأعصار والأمصار التي تحجب فيها شمس النبوات.
والشاهد أن الإنفاق وإن كان تكليفا من وجه إلا أنه من صور العناية الشرعية من وجه آخر، فمعنى الإلزام فيه لا يمنع وقوع الانتفاع بأثره، فيفيد القلب مادة حياة بشكر نعمة المال فتلك، أيضا، من وظائف الزكاة، كما أشار إلى ذلك في مختصر "منهاج القاصدين" بقوله:
"اعلم: أن على مريد الآخرة في زكاته وظائف:
الأولى: أن يفهم المراد من الزكاة، وهو ثلاثة أشياء: ابتلاء مدعى محبة الله تعالى بإخراج محبوبه، والتنزه عن صفة البخل المهلك، وشكر نعمة المال".
"مختصر منهاج القاصدين"، ص31.
ويفيد أديانا وأبدانا: صلاحا بسد خلة البدن ليتفرغ القلب إلى الهم الأعظم فتلك من أعظم صور الحكمة في إيجاب الزكوات والندب إلى الصدقات.
وإلى هذا المعنى اللطيف أشار في مختصر "منهاج القاصدين" في معرض بيان وظائف آخذ الصدقة بقوله:
" [الوظيفة الأولى]: أن يفهم أن الله تعالى إنما أوجب صرف الزكاة إليه ليكفيه ما أهمه، ويجعل همومه هماً واحداً في طلب رضى الله عز وجل". اهـ
"مختصر منهاج القاصدين"، ص33.
(يُتْبَعُ)
(/)
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ: فتلك زكوات وصدقات الزروع التي أجملت في التنزيل وبينت في السنة، فذلك، عند النظر والتدبر، من حفظ التنزيل برسم: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فحفظ لفظه المتواتر، وحفظ معناه المنقول بالإسناد فتلك خصيصة من خصائص أهل الإسلام عموما وأهل السنة خصوصا، فالزكاة قد أجمل ذكرها في التنزيل فلم يأت إلا الأمر بها فذلك من جنس الأمر بالصلاة فهو، أيضا، من المجمل الذي بينته السنة، فذلك من جملة وظائفها ففيها بيان مجملات التنزيل، وفيها تقييد مطلقاته، وتخصيص عموماته، بل فيها الزيادة عليه فهي وحي وإن لم يشرع التعبد بتلاوة ألفاظها، وإن كان حفظها من أعظم القرب، لا سيما في الأعصار والأمصار التي يجتهد أهل الباطل فيها في حرب السنة لطمس معالم الملة فالسنة شارحة لمجملات كثيرة في التنزيل فإذا بطل الاستدلال بها بوقوع التشكيك في مصادرها الأصلية صار التنزيل معطلا عن البيان الكامل، ففيه بيان أصول الديانة دون توسع في الفروع إلا في مواضع، فبيان الفروع وظيفة السنة، ولا يكتمل الدين إلا بفروع عملية هي أثر ما يقوم بالنفس من الأصول العلمية التي عني التنزيل ببيانها وتأصيلها في النفوس، فاستوفى السياق أجناس الأموال: الباطنة والظاهرة، فالذهب والفضة وهما من الكسب بإرث أو تجارة ..... إلخ من وجوه الكسب المشروع من الأموال الباطنة، والزرع والثمر من الأموال الظاهرة وفي كل: (حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، فقد أجمل في هذا الموضع، أيضا، فلا غنى له عن بيان السنة لمقادير الأنصبة والمقادير وأجناس الأموال الزكوية التي أطنبت السنة في ذكرها فرفعت إجمال التنزيل لحكمها، فالتنزيل مظنة تقرير الأصول بذكر المجملات، والسنة مظنة التفصيل للفروع العلمية والعملية فلا غنى لأحدهما عن الآخر فكل من وحي ربنا النازل برسم الحفظ، كما تقدم، فحفظ السنة من حفظ التنزيل كما أثر ذلك عن جمع من المحققين.
وجاء فعل الإخراج مضافا إلى ضمير الفاعلين فذلك مما يلائم سياق الإيجاب فلستم أنتم من أخرجه لتبخلوا بحقه، بل قد أخرجه الرب، جل وعلا، فهو من آثار صفاته الفاعلة، وذلك وجه لطيف يخرج به الجمع، فهو جمع يدل على جملة من صفات الكمال التي يظهر أثرها في الكون بكلمات كونية نافذة بها تخرج الثمار عناية بالأبدان، وكلمات شرعية حاكمة بها تنزل الشرائع ابتلاء للقلوب بإخراج حقوق تلك الثمار والزروع، فمن أخرج بقدره الكوني هو الذي أوجب الزكاة بقدره الشرعي، فذلك من جنس التلازم الوثيق بين فعل الربوبية النافذ وحكم الألوهية اللازم، فضلا عن دلالة الإضافة إلى ضمير المجموع على المنة الربانية السابغة بإخراج الثمار والزروع النابتة، فأنفقوا فذلك من مقتضيات الألوهية مما أخرجنا لكم فذلك من آثار أفعال الربوبية.
وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ: فذلك من المقابلة أو طباق الإيجاب بين: الطيب والخبيث، فجاء الأمر بالإنفاق من الأول وورد النهي عن تقصد الإنفاق من الثاني، فالتيمم يدل بمادته المعجمية على قصد الشيء بالوجه، فمن أعرض عن تيمم شيء أعرض عنه بقلبه ابتداء ثم بوجهه فلا يشيح المرء بوجهه إلا عما يكرهه بقلبه، على ما اطرد مرارا، من التلازم الوثيق بين الباطن بتصوراته والظاهر بحركاته، فصار ذلك من قبيل الكناية التي لا تمنع إرادة المعنى الأصلي، فمن تيمم الخبيث لينفق منه فإنه سيتوجه إليه ببدنه فذلك المعنى الأصلي، ولا يكون ذلك إلا عن توجه قلبي، فذلك المعنى الكنائي، وهو مئنة من شح نفسه ولؤم طبعه، فلو أن الإنسان قدم لضيفه طعاما رديئا لأوغر صدره، كما يقول بعض المحققين، فكيف بمن يقدم للرب، جل وعلا، الخبيث الذي تعافه نفسه، فـ: لَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ: فتلك كناية أخرى فإغماض العين مظنة بغض الشيء والنفور منه فكيف يكون ذلك مما يتقرب به إلى الغني برسم الإطلاق؟!، وقد جعله الراغب، رحمه الله، من قبيل الاستعارة للمعنى المحسوس بغلق الجفن فهو مئنة من التغافل والتساهل، إلى المعنى المعقول، فلا ينفك إخراج الخبيث عن تساهل وتغافل كما نقل ذلك عنه الألوسي، رحمه الله في تفسيره.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ: فلا يفتقر إلى صدقاتكم بل أنتم الفقراء إلى رزقه الكوني ورزقه الشرعي فالتكليفات الشرعية كما تقدم من جملة المنح الربانية بل هي أشرف أجناسها، فرزق الأديان أعظم بداهة من رزق الأبدان، ونعمة النبوة الدينية أعظم بداهة من سائر النعم الدنيوية.
حَمِيدٌ: فلا يقبل إلا طيبا، فمادة الحمد تستجمع صفات الجمال التي يقبح معها إهداء الرديء إلى من اتصف بها.
وجاء التذييل بالوصفين: الغنى والحمد، ملائما لما تقدم من الأمر بالنفقة فذلك من قبيل الاحتراز من مقالة أخبث يهود: (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ)، فالأمر بالإنفاق ليس مئنة من افتقار الرب، جل وعلا، إلى عباده، بل هم الفقراء إليه، فـ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)، فجاء القصر بتعريف الجزأين في كلا الشطرين، وحصل بهما من المقابلة المعنوية بين وصف العباد ووصف الرب، جل وعلا، ما يزيد المعنى بيانا وتقريرا، فما أمرهم إلا بما فيه صلاحهم العاجل بوقوع التكافل بين الأفراد والجماعات، وصلاحهم الآجل بموافقة مراد الرب الشارع جل وعلا فهو الذريعة إلى نيل رضاه في دار القرار، فله الغنى وصف ذات وفعل فهو الغني في ذاته المغني لغيره، وله الحمد بأوصاف الجمال فذلك مما يحسن إيراده تذييلا على ما تقدم من تقرير المنة الربانية السابغة بأجناس الأموال الظاهرة والباطنة.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الخلوفي]ــــــــ[24 - 10 - 2010, 11:31 م]ـ
جزاك الله خيرا وبارك فيك(/)
مساعدة
ـ[قلم لاينكسر]ــــــــ[24 - 10 - 2010, 03:41 م]ـ
السلام عليكم
أريد منكم تزويدي بأمثلة على التشبيه التمثيلي
وشاكرة لكم
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[24 - 10 - 2010, 04:13 م]ـ
يقول الشاعر بشار بن بٌرد:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا * وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه
وهذا البيت قد يُسمى تشبيه مُركب لأن المشبه مكون من شيئين وكذلك المشبه به.
وقد نعني بالتشبيه التمثيلي حين يتصف المشبه أو المشبه به بعدد من الصفات بحيث تكون صورة المشبه أو المشبه به بعيدة عن البساطة
كقول الله تعالى:
(إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ( http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=720&idto=720&bk_no=49&ID=732#docu))
فأنتِ تجدين هنا أختي الكريمة تصوير الله للماء ـ المشبه به ـ وكيف أسند إليه مجموعة من الصفات والتصاوير حتى أصبح أبعد ما يكون عن البساطة ,ولذلك يُسمى تمثيلي لأن المشبه به أو المشبه قد يكون أحدهما أو كليهما عبارة عن مشهد تمثيلي يحوي على أوصاف دقيقة.
أتمنى أن أكون قد قدمتُ لكِ أختي يد المساعدة
تحيتي
ـ[قلم لاينكسر]ــــــــ[24 - 10 - 2010, 04:52 م]ـ
هدى عبد العزيز
أشكرك شكراً جزيلاً على مساعدتي
ووفقك الله
ـ[السراج]ــــــــ[24 - 10 - 2010, 10:25 م]ـ
وهذا آخر ..
وتراهُ في ظُلم الوغى فتخاله .............. قمراً يكرّ على الرجال بكوكبِ(/)
عاجل
ـ[احساس مرهف]ــــــــ[26 - 10 - 2010, 11:59 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القصر بحسب الحقيقة والواقع
الامثلة
استخرجي المقصور •والمقصور عليه • و طريقتة القصر •و نوع القصر من حيث طرفاه•
ونوع القصر من حيث الحقيقة والواقع •
......
قال تعالى:
وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو
................
قال تعالى:
ومامحمد الا رسول قد خلت من قبلة الرسل أفاين مات او قتل انقلبتم على اعقابكم
........................
قال لبيد بن ربيعة
وماالمرء الا كالشهاب وضوئه **يحور رمادا بعد اذ هو ساطع
....
قال حسان بن ثابت
وانما الشعر لب المرء يعرضه **على المجالس ان كيسا وان حمقا
....
قال السيد الحميري
لوخير المنبر فرسانه **مااختار الامنكم فارسا
...(/)
خذلان المؤمن
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 10 - 2010, 04:04 ص]ـ
ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ما من امرئ يخذل امرءا مسلما عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته":
فذلك من العموم في معرض المقابلة، وهو عموم مؤكد بـ: "من"، التي تفيد التنصيص على العموم فذلك رافع لاحتمال التخصيص، فهو عموم محفوظ، إلا من صورة قياسية في الشريعة الخاتمة هي صورة العجز بإكراه أو ضعف ..... إلخ، فلا تكليف إلا بمقدور، وذلك مما يهون على المكلفين الأمر فكثير يقعد عن فعل ما يجب عليه في النوازل الخاصة والعامة بذريعة أنه غير قادر على فعل شيء!، وذلك عند التدبر والنظر، أمر لا حقيقة له!، فلا ينفك مكلف عن قدرة على بذل شيء ولو صغر في نظره، فهو عند الله، عز وجل، عظيم، إن رأى من المكلف إخلاصا واستفراغا للوسع، فضلا عن كونه واجب الوقت على المكلف، فإن أدى ما كلف به فقد برئت ذمته، ولو برسم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، فلا يضركم إذا بذلتم المقدور إصلاحا للنفس وأمرا لمن لكم عليه ولاية، ونصحا وإرشادا لمن ليس لكم عليه ولاية فحقه النصح، والرب، جل وعلا، قادر على رفع المحنة بكلمة، فـ: (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فلا يفتقر إلى جهد أحد، ولو كان عظيما من ذي سلطان عام ورياسة تامة، فـ: (مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، فلا يفتقر إلى أحد ليصح التذرع بضعف أو فقر، فما الذي يقدمه الضعيف أو الفقير بقياس الدنيا المادي؟!، وهو قياس باطل في حق الرب، جل وعلا، فليس كالبشر الذين يفتقرون إلى غيرهم فيصح في حقهم التمايز بين عطاء كبير ينفع وآخر صغير لا ينفع، فالبشر لفقرهم تتمايز الأعطيات في حقهم، فعطاء كبير وآخر صغير، كما تقدم، وذلك مئنة من الفقر الذاتي المتأصل في جبلتهم، فغيرهم يتوصل إليهم بالنفع أو الضر، وتلك جهة نقص جبلي في كل آدمي، وإن كان نبيا برسم العصمة موسوما وبوحي السماء منصورا، فقد توصل أعداء الرسل عليهم السلام إليهم بصنوف الأذى، بل قتلوا منهم جملة!، وذلك لا يكون بداهة في حق الرب، جل وعلا، فهو الغني الذي لا يفتقر إلى من سواه ولا تعوزه أسباب النصر، وهو العزيز الذي لا يناله غيره بضر، بل كل ما سواه إليه مفتقر، وكل ما دونه قد ذل له وخضع، برسم التكوين الاضطراري فهو الخالق المقدر الموجد المنشئ البارئ المصور المدبر بكلمات الإحياء والإماتة، والعطاء والمنع ...... إلخ، فالخلق دائرون بين صفات جلاله عدلا وصفات جماله فضلا، وبرسم التشريع الاختياري، فخضع له المؤمنون وخشع له المخبتون، فـ: "خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي"، فذلك من الخضوع الاختياري برسم التوحيد فرعا على الخضوع الكوني برسم الإيجاد والتكوين، ثم الإحاطة لمدارك الحس الظاهر والباطن، برسم: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)، فتلك إحاطته بالأسماع، و: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) فتلك إحاطته بالأبصار، فمن ذلك وصفه لا ينظر بداهة إلى صورة العمل الظاهرة، ولو عظمت، وإنما ابتلى العباد بحقيقته وإن صغرت، فـ: "سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ قَالَ رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمَانِ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا"، فالأعمال تتفاضل بحقائقها لا بصورها، فالرب، جل وعلا، لا يفتقر إلى نصرة زيد أو عمرو، ولا يفتقر إلى نصرة العظيم لتصح في الأذهان حجة من دونه بأنه لا حول له ولا قوة، فلا
(يُتْبَعُ)
(/)
يملك لنصرة الدين وأهله شيئا، ولو كلمة حق في ناد عام أو خاص، ولو دعاء في السحر، ولو دريهمات أو درهما ...... إلخ من صور العمل التي يحسبها الجاهل هينة وهي عند الله، جل وعلا، عظيمة إن بذلت برسم الإخلاص، فهي المقدور الذي يتعلق به التكليف، فلا تكليف إلا به، وذلك من رحمة الرب، جل وعلا، الذي استجاب لدعاء المؤمنين: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)، فتأويل ذلك ما جاءت به الشريعة من موارد التخفيف، فالحرج مرفوع شرعا لئلا يحتج قاعد بأنه لا يقدر على فعل شيء، فما توجه إليه التكليف بما لا يقدر ابتداء!، فابذل ما عليك من تكليف شرعي وليس عليك ما يقضي الرب، جل وعلا، بقضائه الكوني، فما كلف العباد بالتكوين وإنما ابتلاهم الرب، جل وعلا، بالتشريع، فـ: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)، فإذا أدى المكلف ما كلف به من الشرائع في أعصار التمكين أو التضييق، فلكل زمن فقهه وأحكامه، إذا أدى ما كلف به بقدر الطاقة فلم يقعد عن نصرة واجبة في زمن سعة أو زمن شدة كزماننا الذي اشتدت في المحنة لا سيما في السنوات الأخيرة، إذا فعل ذلك فقد برئت ذمته، وذلك ما يعنيه ابتداء، فلا يعنيه أن يقوم عوج غيره قبل أن يقوم عوجه، ولا يعنيه أن يقوم عوج غيره بعد ذلك إلا برسم الأمر لمن له عليه ولاية، والنصح والإرشاد لمن ليست له عليه ولاية إن لم يؤد ذلك إلى فساد عام أو خاص يرجح مصلحة إسداء النصح فقد يكون النصح في عدم النصح لا سيما إن كان من تسدي إليه النصح ظالما فاتكا، أو سفيها جاهلا، فاستعمال المداراة مع أمثال أولئك مما يحسن، فلا تحسن المداهنة في الديانة، وإنما تحسن المداراة برسم بذل الدنيا صيانة للدين، والأصل في ذلك حديث عائشة، رضي الله عنها، وفيه: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ"، فبئس أخو العشيرة من تنصحه فيتوصل إليك بالضر بحبس أو قتل ..... إلخ من صور الأذى في النفس وفي المال والأهل، فالبعد عنه متعين صيانة للأديان من الابتذال، وصيانة للأبدان من النكال، فلا ينفك الداخل على ذوي السلطان من نقص يناله في دينه ولو سكوتا على محارم تنتهك ومظالم ترتكب فيكون قد أعان الظالم على ظلمه بالتلميح، بل قد يظهر الرضا بلسانه وجوارحه فيكون قد أعان الظالم على ظلمه بالتصريح، بل قد يدعو له بالحفظ! فهو يحب أن يعصى الله عز وجل كما أثر عن الحسن رحمه الله، فلا يتصور نهوض ممن هذا وصفه إلى نصرة دين أو نجدة مستضعف يلجأ إليه ليحفظ عليه دينه أو بدنه، ففي الأعصار والأمصار التي زالت فيها دولة النبوة أو أزيلت، كما في دول الشرق عقيب إسقاط الخلافة وتولية من ليس بأهل للولاية من علمانيين مارقين، أو عسكر ظالمين قد قهروا الأمم بسيف الإرهاب، فليس لهم حجة من نقل أو عقل، بل ليس لهم من قياس العقول نصيب، فليس ثم إلا التطرف الفكري بحرب كل ما هو ديني إسلامي تحديدا!، ولو شعائر لا تعترض عليها العلمانيات الغربية التي راموا تقليدها فجاءوا بأسوأ منها، ففي دول تغيب فيها شمس العدل برسم النبوة، فالنبوة هي معدن العدل الكامل فعدل غيرها كلام يبذل باللسان، فلا رقيب يضبط أخلاق البشر عدلا وشجاعة ونجدة ومروءة وكرما ....... إلخ، لا رقيب يضبطها إلا الرقيب الشرعي الذي جاءت به النبوات، فهي معدن الإحسان الذي حده صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكلمات يسيرات جامعة: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"، ففي دول تغيب فيها شمس النبوة ليس ثم خلق شرعي يأرز إليه المستضعفون الذين خذلوا بل تآمر عليهم من ينتسب إلى الحق!، فالمؤسسات الدينية والأمنية قد توافقت على رده إلى الكفار ولو جاءنا مؤمنا برسم الهجرة، بل ليس ثم خلق طبعي من مروءة يتحلى بها كثير من الكفار الأصليين ممن يأبون الظلم فقبحه قد أجمعت عليه العقول إلا عقول المتنفذين في ممالك الجور من ساسة وأتباع، فلا يقبح في عقولهم إلا ما يعارض نفوذهم وينتقص من رياساتهم الزائلة ومكاسبهم الفانية، فمعقد ولائهم وبرائهم ما تصيبه نفوسهم من لذة جاه زائف، وما
(يُتْبَعُ)
(/)
تصيبه أبدانهم من شهوة مطعوم أو منكوح فتلك مئنة من خسة النفس ولؤم الأصل، فأنى ترتجى ديانة تعصم عن ارتكاب الدنايا، بل أنى ترتجى مروءة تحجز عما يقبح في العرف الصحيح قبل أن يقبح في العقل الصريح والشرع الحنيف، فالتلاؤم بينها متعين برسم: "خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا"، في دول هذا وصفها لا ينتظر عاقل أن تنصره إمارة أو ولاية، فلا مناص من بذل المجهود برسم: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)، فإن قعد فلان أو فلان من القادرين أو العاجزين عن بذل وسعه فلا يكن نصيبك من النازلة القعود كما قعدوا!، بل نصرة المؤمن متعينة قدر الاستطاعة، ولو بدعاء في السحر، فالرب، جل وعلا، كما تقدم، لا يعجز عن نصرة المستضعف، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ)، فتسلط النفي هنا، أيضا، على المصدر الكامن في الفعل برسم الجحود عقيب الكون المنفي فذلك آكد في تقرير النفي، فضلا عن تسلطه على النكرة، فلا يصيبه أدنى قدر من العجز عن فعل أي شيء إيجادا أو تدبيرا، في الأرض ولا في السماء، فتكرار النفي، أيضا، مئنة من تقرير المعنى توكيدا بالإطناب بتكرار أداة النفي، فلا يعجز، جل وعلا، عن نصرة المستضعف، وإنما ابتلى به القادرين كل بحسب قدرته، فالتكليف، كما تقدم، يتفاوت بتفاوت الأحوال، فيجب على العالم من البيان ما لا يجب على الجاهل، ويجب على القادر من النصرة ما لا يجب على العاجز، ويجب على الغني من النفقة ما لا يجب على الفقير ...... إلخ، وتلك من صور القدرة الربانية بالتنويع في صور الخلق فخلق الأضداد من كفر وإيمان، وطاعة ومعصية ....... إلخ مئنة من عموم قدرته، جل وعلا، فيخلق بمشيئته النافذة، ويدبر بحكمته البالغة، فيقع التدافع بين تلك الأضداد فبه يصلح أمر هذا العالم، فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، فابتلاء المكلفين بقدر طاقاتهم، فيدور الحكم في حقهم وجودا وعدما، من أظهر صور الحكمة والرحمة، فتلك من آثار صفات الجمال، وذلك مما يهون على آحاد المكلفين أمر الانتصار للدين وأهله، فلا يلزمك إلا ما تطيقه، ولا يعنيك قعود من قعد إن جئت بما تبرأ به ذمتك، فلا يحسن الغلو في هذا الباب بتكليف النفس ما لا تطيق، فـ: "ما ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذلّ نفسه يا رسول الله؟ قال: يتحمل من البلاء ما لا يطيق"، فضلا عما يتولد من ذلك من فساد عام ينال غيره ضرره، فأهل الباطل يتحينون الفرص للإيقاع بأهل الحق جملة بلا تمييز بين مخطئ ومصيب! إن صح أن نصرة الدين خطأ يستوجب العقاب!، وقد تكون بعض صور النصرة التي تغلب عليها العاطفة فيغيب العقل لا سيما في زمن الفتنة، قد تكون خطأ من جهة السياسة الشرعية التي تضبط المصالح والمفاسد بميزان دقيق لا يصغي إلى صوت العاطفة والحماسة إن لم يكن مشفوعا بصوت الحكمة والديانة، فالمصلحة قد تكون مرجوحة فتؤخر دفعا لمفسدة راجحة، فيرتكب أهون الشرين دفعا لأعظمهما فـ: بعض الشر أهون من بعض، وتلك كما يقول بعض المحققين من أهل العلم، خلاصة علوم النبوات، فالتمييز بين الخير والشر يحسنه كل أحد، ولكن تحرير محل النزاع في المشتبهات التي تتنازعها مصالح متعارضة فيقدم أولاها بالاعتبار، أو مفاسد متفاوتة فيدفع أعظمها ولو بارتكاب أهونها، فتكون عين المصلحة ارتكاب ما فيه نوع مفسدة، برسم: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)، فامتنع سب آلهتهم، والامتناع عن كشف عوار الباطل مفسدة ولكنها تغتفر في مقابل مصلحة صيانة جناب الملة من القدح بالطعن في رب العزة، جل وعلا، أو صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا يدخل في ذلك، بداهة، ما نحن فيه الآن من تطاول صريح على أصول الديانة من الكفار الأصليين وأذنابهم، فالسكوت عن كشف عوارهم: تخاذل عن نصرة الدين وأهله فهو من جنس التخاذل الذي صدر به الحديث، فالقعود برسم الجبن أو الكسل أو قلة المروءة أو عدم الاكتراث ليس من جنس الحكمة التي يدعيها من يدعيها من أصحاب النفوس الباردة، فالحكمة في دفع المفسدة قبل
(يُتْبَعُ)
(/)
وقوعها فإذا وقعت وانتهى الأمر، فالحكمة كل الحكمة، في دفعها بسائر الوسائل المشروعة فتكون الحكمة حينئذ في اختيار الوسيلة المناسبة التي لا تؤدي إلى وقوع مفسدة أعظم، لا في القعود وعدم البذل فذلك عين السفه والجبن، فضلا عن تحلي صاحبه بقدر لا بأس به من النذالة وعدم المروءة، وهي أخلاق أصيلة في أعصار تقل فيها الغيرة الإيمانية والحمية الدينية بل تكاد تنعدم تحت وطأة الإرهاب الفكري والبدني والإفساد الخلقي، فكل ذلك يقضي على الديانات والمروءات، وتلك الأخلاق بمقتضى السنة الكونية النافذة ذريعة إلى وقوع نقيض ما يقصده من يتحلى بها طلبا لسلامة زائفة، فلا تزيده إلا ذلا وخوفا، ولا تزيد عدوه إلا ظلما وتسلطا، فمع كل تنازل جديد: تنازل تال فأهل الباطل لا يقنعون بتنازلات جزئية، ولو كانت في الثوابت والأصول الكلية، فمرادهم الأول: التنازل الكامل عن أحكام الديانة فـ: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، فلا يتحقق رضاهم إلا بالاتباع المطلق، فـ: (لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، ولا يكون ذلك إلا مشفوعا بارتكاب ما يسخط الرب، جل وعلا، فـ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ)، فأطاعوهم، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، في بعض الأمر لا في كله، فكان ذلك ذريعة إلى التفريط في الأمر جملة وتفصيلا!، فذلك من شؤم التنازل بالقول والفعل بل والسكوت برسم الرضا أو القعود مع قدرة، ولو ضئيلة، على الجهر بكلمة حق، ولو في ناد خاص، فأهل الباطل يأتون في ناديهم المنكر جهارا، وأهل الحق يقعدون عن بيان الحق في ناديهم ولو إسرارا أو إعلانا حيث لا مفسدة ولا مخاطرة!، ومع التنازل تكون العقوبة الربانية النافذة بسخط من بذل المخذول وسعه في استرضائهم، فـ: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله تعالى عنه وأرضى الناس عنه ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"، فحصل بالمقابلة تقرير لشطري القسمة العقلية رضا هو مئنة من فعل الممدوح، وسخطا هو مئنة من ارتكاب المذموم، فالمفاصلة بين الحق والباطل واقعة لا محالة، فتلك سنة كونية جارية فما من دعوى صحيحة إلا ولها أعداء يتربصون بها الدوائر وينزلون بها النوازل فذلك مما تبلى به سرائر النفوس وتستنبط به مكنونات الصدور فتظهر لزوما حال الابتلاء: حقائق النفوس التي تحسن التجمل والتصنع في أزمنة العافية، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، فنصب الحرب للدعوات الصحيحة مئنة من صحتها في نفس الأمر، كما يقول بعض الفضلاء، فلو سكت أهل الحق وآثروا السلامة فلن يسكت أهل الباطل فهم مسعرو الحروب فـ: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) وموقدو الفتن في الدين لعموم المؤمنين، فـ: (مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
وما تقدم من دلالات العموم التي صدر بها الحديث يعضده دلالة النكرة: "امرئ" في نفسها على الشيوع والخطاب بداهة يتوجه إلى المؤمنين، بل إنه بمقتضى عموم التشريع يتوجه إلى الكفار الأصليين، فخطاب الشريعة يعمهم على ما قرر أهل الأصول، فالخطاب يتوجه إلى المؤمنين ويعم غيرهم، وهي مقيدة بوصف الإسلام، وهو وصف مؤثر في الحكم فالنصرة الكاملة لا تكون إلا للمسلم، فخرج بالمفهوم غيره، وإن كان داخلا من وجه آخر فالبر به إن لم يكن محاربا برسم: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، والامتناع عن ظلمه، فـ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا"، فالخطاب عام لم يقيد بوصف إيمان أو كفر فتوجه إلى عموم العباد فالتعريف بالإضافة إلى الضمير من صور العموم
(يُتْبَعُ)
(/)
القياسية كما قرر ذلك أهل الأصول، فالعدل واجب في كل أمر مع كل أحد، والظلم محرم في كل أمر مع كل أحد، كل ذلك واجب، فخذلانه في موضع يطلب فيه النصرة من وجه مشروع ولو عونا على مسلم ظلمه، فنصرة المسلم الظالم حينئذ في الأخذ على يده برسم: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ"، خذلانه على هذا الوجه، وإن كان كافرا، مما يقبح في الشرع والعقل ومما يستنكفه أهل المروءات الكاملة، وإن لم يكونوا أصحاب ديانات صحيحة، فيكون خذلان المسلم أقبح من باب أولى.
فـ: ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه: فذلك موضع تجب فيه النصرة فحسن الإطناب في وصفه إمعانا في تقرير المعنى وإلهابا لنفس المخاطب لينهض إلى الأمر بعزيمة صادقة إن كان ثم بقية ديانة أو مروءة!، وجاءت المضارعة مئنة من استحضار تلك الصورة التي تقبح في العقول وتصيب النفوس منها مرارة عظيمة إن وقع الظلم على المسلم، لا سيما المستضعف في دينه، الذي يطلب النجدة فيناله ضد ما أراده من نصرة وحماية فليس ثم إلا الخذلان بل التآمر!، فليته سلم من أذاهم إن لم ينل منهم ما تقر به عينه من رفع للضيم ودفع للصائل على دينه من الكفار الأصليين فقد أصبح أولئك من جملة الصائلين!، فحسن مع ذلك إمعانا في التنفير من ذلك الجرم العظيم، حسن معه الوعيد بجزاء من جنس العمل بل من عينه، فالجناس بين مادتي الخذلان في: "يخذل"، و: "خذله"، مع اختلاف جهة الصدور، فالأول مذموم لصدوره من المكلف على جهة المعصية، والثاني محمود لصدوره من الرب، جل وعلا، على جهة الجزاء العدل، فـ: (جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)، فاختلاف متعلق الصفة قرينة تدل على المعنى المراد، فالوصف واحد ولكنه في حق العبد مذموم، وفي حق الرب، جل وعلا، محمود، فالخذلان قبيح، وخذلان المتخاذل حسن، فذلك من وصف الكمال المقيد الذي ثبت للرب، جل وعلا، في مواضع من التنزيل من قبيل قوله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، فعقوبة عادلة بخذلان الرب، جل وعلا، لمن خذل مسلما بالقعود عن نصرته مع القدرة على ذلك.
وبعد الترهيب بتصدير السياق بالوعيد بخذلان المتخاذل فيكون ذلك من قبيل التخلية من الوصف المذموم بالتنبيه على وعيده الذي تنفر منه النفوس، بعده جاء الترغيب في ضده على جهة المقابلة الكاملة بين الشطرين، فبهما اكتمل عقد المعنى، فترهيب يعقبه ترغيب، وتخلية للمحل من وصف السوء يعقبها تحلية بالحث على التحلي بضده فـ:
ما من امرئ ينصر امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته.
وجاء سياق الوعيد والوعد فهما شطرا الحديث على جهة المقابلة بين التركيبين كما تقدم: جاء بصيغة الشرط إمعانا في تقرير المعنى بتعليق وقوع المشروط على شرطه فذلك من التلازم العقلي الوثيق، فضلا عن استعمال أقوى أساليب القصر: النفي والاستثناء، فذلك، أيضا، مما يزداد المعنى به توكيدا في الأسماع وتقريرا في الأذهان.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 10 - 2010, 09:44 م]ـ
بارك الله جهودكم أستاذنا الكريم ..
حديث عظيم ..(/)
من سورة الأنبياء
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 10 - 2010, 04:03 ص]ـ
ومن سورة الأنبياء:
ومن قوله تعالى:
قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ: فقدم ما حقه التأخير لكونه محط الفائدة، فقد نمى إلى أسماعهم ذكر فتى يذكر آلهتهم يقال له إبراهيم، فجاءوا به برسم الاتهام بتحطيم آلهتهم، وأضافوا الآلهة إلى أنفسهم فالإضافة إلى الضمير مئنة من الملكية والاختصاص إمعانا في الانتصار لها، كما ينتصر صاحب كل مقالة لمقالته، فإن ذلك لا يقتصر غالبا على القول بل يتعداه إلى الفعل، فالتصور الصحيح أو الفاسد لا بد أن يولد في نفس صاحبه إرادة جازمة تنضح آثارها من أقوال وأعمال هي ثمرة المعارف الباطنة، فالآداب الظاهرة، صحيحة كانت أو فاسدة، هي ثمرة المعارف الباطنة، كما أشار إلى ذلك صاحب "الإحياء" رحمه الله، فلم يقتصر الأمر على الانتصار بالشجب والاستنكار، بل كان لهم من الإرادة الباطنة والقوى الظاهرة ما كادوا به لإبراهيم، عليه السلام، فـ: (أَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)، فانتصارهم من جنس انتصار أهل الباطل لباطلهم، فذلك مما شكا الفاروق، رضي الله عنه، لربه جل وعلا: "اللهم إليك أشكو جَلَدَ الفاجر وعجز الثقة"، فلهم من الجلد والصبر ما يثير الدهشة والغيرة عند أهل الحق، فـ: (انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)، فانطلق الملأ بأقوالهم وإراداتهم وأفعالهم التي سجلتها كتب السير فهي خير شاهد على انحياز أهل الباطل لمقالتهم برسم البذل لكل قوى البشر من مال وسلاح، فقد أنفقت أموال طائلة لصرف الناس عن الرسالة، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)، وزخرفت الأقوال، فكان النضر سفير قريش إلى فارس، فمنهم تعلم قصص كسرى واسفنديار ليعارض بها قصص التنزيل، فذلك من جنس اللغو في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، فلا تسمعوا له، فالانصراف عن الحق مظنة الوقوع في الباطل، فاصرفوا الأسماع والعقول عنه بإثارة الشبهات حوله، بتتبع متشابهه والإعراض عن محكمه، وتلك حال أعداء الرسالات من الكفار الأصليين وأذنابهم في كل عصر ومصر، فالتنزيل محل بحث وتدقيق، لتلفيق شبهة باردة أو معارضة محكم بمتشابه، فإثارة الشبهات حول الرسالة وصاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو بكذب أو سوء فهم متعمد فهو مسبوق بفساد إرادة مبيت، وسيلة فاعلة في صرف ضعاف العقول عن الاستماع للحق الذي يصدع الأفئدة بحججه الناصعة، فليس عند أهل الباطل إلا شبهات فالرسالة قد سلمت حججها المحكمة من المعارضة، وإنما ابتلي المكلفون بمتشابه في الفروع، فلا تشابه في أصول الديانة التي جاءت بها الرسالات فهي من المحكم الذي تواطأت عليه الكتب النازلة برسم: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فالتوحيد أصل الأصول وقد جاء بيانه بأفصح لفظ وأبلغ معنى، فلا تنهض حجة رسالية بمتشابه لا يسلم من المعارضة فالحجة الرسالية التي يثبت بها عقد الإيمان المنجي: حجة ناصعة لا يملك المنصف إلا التسليم بها، بل قد شهد أعداؤها لها، فقال أبو سفيان في معرض حكاية أوامر الرسالة: "اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة"، فلم يملك إلا أن يكون داعية من دعاة الحق!، كما يتندر بعض الفضلاء المعاصرين، فقد استنكفت نفسه الكذبَ فليس من أخلاق السادة، فأبان بأبلغ عبارة عن أصول الديانة العلمية والعملية التي أجمعت أخبار الرسالات وأحكام العقول ومدارك الفطرة والحس على حسنها، فحجة الرسالة الصحيحة مواطئة لأصول لقياس العقول الصريحة وآثار الفطرة السوية ومدارك الحس السليم، فلم تأت الرسالة إلا بما يواطئ الجبلة الإنسانية فهي محل التكليف فلا يجد العاقل سليم الذوق والحس
(يُتْبَعُ)
(/)
عناء في قبول آثارها فهي مما يلائم قوى البشر العلمية والعملية، فقد جاءت النبوات بأصدق الأخبار وأعدل الأحكام.
فابتلي المكلفون بمتشابه في الفروع يحصل برده إلى الرب، جل وعلا، تمام الإيمان والتسليم فـ: (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)، فأبى الظالمون إلا تتبعه برسم المعارضة والتشكيك لا الرد إلى المحكم الصحيح، فتتبع من تتبع متشابه الحقائق الخارجية التي أحكمت معانيها الذهنية فهي محل التكليف بالإيمان بها وقطع الطمع في درك حقائقها فلا يعلم تأويلها في الخارج إلا الرب الخالق، جل وعلا، الذي أخبر بها في محكم التنزيل، بلسان عربي مبين، فالألفاظ قد حفظت والمعاني قد ظهرت فأدركت العقول معناها وإن لم تدرك كنهها، فلا يعلم كنه الغيب الخبري إلا الرب العلي، جل وعلا، فمحل العقل: التسليم لا الخوض فيما ليس له بأهل لقصور آلته وضعف مداركه فيعمل قواه العلمية في درك المعاني ويعمل قواه العملية في تحصيل آثارها الإيمانية، فيكتمل له شطرا الإيمان من قول وعمل، فالأول يباشره بقوى العلم، والثاني يباشره بقوى العمل، وذلك أصل جليل يحسم مادة الشبهات في هذا الباب الجليل فليس ثم بضاعة لأهل الضلال في أخبار الغيب إلا القياس الفاسد لذات وأوصاف الخالق جل وعلا على أعيان وأحوال المخلوق الحادث!، فمن وقع في التمثيل الباطل فجوز لحوق أوصاف النقص الجبلية بالذات القدسية المنزهة عن كل عوارض النقص البشرية، من وقع في هذا التمثيل فقد نقض قياس العقل نقضا، بقياسه الفاسد: الكاملَ على الناقص، فجوز على الرب، جل وعلا، ما جوزه أهل الكتاب الأول من لغوب بعد خلق الكون، وما جوزه أهل الكتاب الثاني من اتحاد باطل بناسوت حادث طرأ عليه من عوارض النقص فذلك مما يسلم به المخالف كما في محاجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لوفد نصارى نجران، فمن يرتضع ويحدث وينام ثم يصفع ويبصق في وجهه ويعلق على خشبة الصلب بزعم أهل الباطل ممن جوزوا في حق الرب، جل وعلا، ما لا يجوز في حق آحاد القادرين من البشر! من هذا وصفه ولو كذبا كما زعم المخالف ممن غلا في حق المسيح عليه السلام وجفا في حق رب العبيد جل وعلا، من هذا وصفه كيف يصح نعته بالألوهية أو البنوة لرب البرية، بزعم تجسد الكلمة الكونية في ناسوته فيطرأ على الوصف الإلهي من أعراض النقص الجبلي ما يستحيل بداهة ولو بلا خبر رسالة!، فكيف وقد جاءت الرسالة بإبطال ذلك فأثبتت لله، جل وعلا، وحدانية الذات القدسية وأحدية الصفات العلية.
والشاهد أن المتشابه في هذا الباب الجليل هو حقائق ما جاءت به الرسالات من الغيب الذي لا يدرك العقل كنهه وإن أدرك معناه من صفات الرب، جل وعلا، فهي أعظم الغيوب فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فليس كمثله شيء في حقائق ذاته وصفاته وإن حصل نوع اشتراك في المعاني الكلية بين صفاته العلية وصفات البشر من علم وحكمة وسمع وبصر ..... إلخ فتلك كليات ذهنية جامعة لا يصح في الأذهان معنى إلا بإثباتها فهي أصول كلية جامعة لمدركات العقول العلمية التي لا يتصور تكليف إلا بإثباتها، فلا يلزم من إثباتها إثبات التشابه فضلا عن التماثل في الخارج كما قد وقع في ذلك فئام من المعطلة للرب، جل وعلا، عن وصف كماله بتجويز وقوع الشركة فيه بينه وبين خلقه فيبطل انفراده بالمثل الأعلى الذي أثبته لنفسه في محكم التنزيل فـ: (لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فله المثل الأعلى في الذات والاسم والوصف والفعل، فذلك مقام قد انفرد به لتفرده بمقام الربوبية خبرا والألوهية طلبا، فليس كمثله شيء في مقام إثبات القدر الفارق بين الرب والعبد تنزيها للرب، جل وعلا، عن الاتصاف بحقائق أوصاف البشر وهو السميع البصير: إثباتا للقدر المشترك في المعاني الكلية التي لا يستقيم منطوق أو معقول إلا بإثباتها، فذلك أصل جليل في هذا الباب قرره المحققون كابن تيمية رحمه الله، فيطرد في كل حقائق الغيوب من باب أولى كأحوال دار البرزخ الانتقالية ودار الجزاء السرمدية، فلا يجد العقل كلفة في إثبات المعاني وتفويض الحقائق، فالابتلاء قد وقع بالأولى: إثباتا وتقريرا، وبالثانية: تفويضا وتسليما، فكمال العلم في هذا الباب يكون بالسير على طريقة السلف بحمل
(يُتْبَعُ)
(/)
المتشابه على المحكم، فيحمل متشابه حقائق الصفات الإلهية على محكم معانيها الذهنية، ومحكم التنزيل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ): تنزيها، ومحكمه: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ): إثباتا، فتنزيه بلا تعطيل وإثبات بلا تمثيل، فإذا اكتملت القوى العلمية النافعة تولد من ذلك ضرورة قوة عملية صالحة يوقع بها صاحبها من أعمال القلوب والجوارح ما تظهر آثاره في الكون حفظا للأديان وصيانة للأبدان وعمارة للأمصار، فنفع الرسالات متعد إلى كل شأن، فبها يصلح الشأن الديني بتأويل أخبار وأحكام الشرع، والشأن الدنيوي بعمارة الأرض، وبها يصلح المعاش برسم: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، ويصلح المعاد برسم: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) فتلك العبودية الإيمانية الخاصة فتكون الإضافة إلى ضمير المتكلم الراجع على الرب جل وعلا: مئنة من تعظيم شأنهم والعناية والتنويه بذكرهم.
فلا ينقضي العجب ممن علم ذلك ثم أعرض عنه لحفظ رياسة زائلة، فانتحل الباطل بل المحال فكل من عارض الوحي بهواه أو ذوقه فإنه واقع لا محالة في صور من الاضطراب والتناقض والاختلاف والتضارب، فبها يظهر الرب، جل وعلا، زيف مقالته، وإحكام مقالة الرسالة فبضدها تتميز الأشياء، فقد غلا من غلا في المسيح عليه السلام فنال نيابته!، وغلا من غلا في غائب منتظر فنال ولايته فهو الفقيه الذي لا راد لقضائه!، وغلا من غلا في شيخ فنال خلافته فهو الشيخ من بعده والرئيس الكامل الذي ورث أسرار طريقته، ففي كلها من الأسرار الكهنوتية التي تنفرد بها طبقة الكهان ما يظهر به لكل ذي عقل سليم فضل الرسالة التي حررت العقول من قيد الخرافة والنفوس من قيد الخوف من المجهول!، فلا مجهول في الوحي الذي أبان عن حقائق الكون برسم: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، وأبان عن أخبار الماضين برسم: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)، وأخبر عن المستقبل القريب برسم: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) فهي من أشراط الساعة الغيبية التي لا تدرك بالقوى العقلية فلا بد لإدراكها من خبر غيب صحيح لا يتلقى إلا من مشكاة النبوات فهي معدن الحق المطلق في هذا الباب فالعقل والفطرة قد يهتديان إجمالا إلى ما يجب وما يجوز وما يمتنع في حق الرب، جل وعلا، ولكنهما يعجزان عن درك البيان لإجمال ما ركز فيهما من علوم ضرورية بإثبات أوصاف الكمال ونفي أوصاف النقص عن رب البرية، جل وعلا، فذلك مركوز العقول والفطر، فبيان هذا المجمل وظيفة الرسل عليهم السلام، فضلا عن تقويم ما اعوج منها بتأثير الشرك الطارئ، فـ: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه"، فيولد مؤمنا بفطرته التوحيدية الأولى، ورجوع البشر إلى الدين الخاتم في زماننا من أظهر الأدلة على رسوخ مقرراته في فطر البشر، فهي آثار الميثاق الباقية، وإن حجبتها غيوم الكفر والشرك، وأخبر عن المآل البعيد برسم: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، فاكتملت علوم الرسالة وأعمالها، فخبرها الصدق وحكمها العدل، فهي، عند التحقيق، أولى بتلك الحمية النفسانية التي تتحرك فيها النفس ولاء وبراء، فلا تسكن ثائرتها إلا بالانتصار لمعبودها، فقوم إبراهيم الخليل عليه السلام قد أظهروا من صور الحمية لآلهتهم ما حملهم على توجيه الاتهام إلى إمام الموحدين، فنادوه بنداء البعيد انتقاصا لقرينة السياق فلم يريدوا بداهة إعلاء من شأنه وهو الذي قضى على آلهتهم فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم ليقيم عليهم حجة عقلية محكمة على بطلان ألوهية ما سوى الله، عز وجل، من المعبودات الباطلة محسوسة كانت أو معقولة فمآل كلها إلى الفناء، فـ: (كُلُّ شَيْءٍ
(يُتْبَعُ)
(/)
هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فله الحكم الكوني والحكم الشرعي على جهة الاختصاص فحمل "أل" على العموم الجنسي لأنواع الحكم أليق بالسياق وأثرى له بجملة من معاني التوحيد القدري والشرعي ولا يتصف بهما بداهة إلا الرب الأزلي الآخر، فإليه وحده دون غيره: المرجع بعد فناء الخلق فذلك، أيضا، مما اختص به، فلا تصح في الأذهان عبودية لفان لا بقاء له، فذلك مما ينقض وصف الإحاطة بالآخرية فالرب المعبود بحق آخر يحيط بخلقه علما وعناية فهو الصمد الباقي بعد فنائهم، وهو القائل بعد هلاكهم: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)، وهو المجيب: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، ولا تصح عبودية بتأله بتأويل أحكام أهواء وأذواق مضطربة، فلا يستقيم أمر الديانة إلا بتأويل أحكام الوحي الصحيح بالتسليم وإن لم يعلم وجه الحكمة تحديدا والفعل وإن كان على غير مراد الطبع، فـ: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فاتهام العقول والأذواق حتم لازم تبرئة للوحي من التناقض والتعارض، وذلك محل النزاع بين الرسل وأعدائهم، فالأولون قد ردوا الأمر إلى الوحي برسم التسليم والآخرون قد أبوا إلا القدح فيه بدعاوى التكذيب لألفاظه، أو التأويل لمعانيه وأحكامه، أو تجويز معارضتها لقياس العقل الصريح، كما يزعم العلمانيون في زماننا، فهي مما نزل في أعصار بدائية كانت فيها البشرية في مهد الطفولة، واليوم، قد صارت من النضج بمكان، وفساد حال الدول والممالك بتنحية الأحكام والشرائع على ذلك خير شاهد!، فإنه لا صلاح لهذا العالم إلا بتولية النبوات منصب القيادة برسم: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، فيقع التلاؤم بين قوى العلم والعمل، وتتواطأ أدلة النقل والعقل على وحدانية الرب جل وعلا بذاته القدسية وأحديته تبارك وتعالى بصفاته الذاتية والفعلية، فيصلح الوحي ما أفسده البشر، فقد: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، فظهر الفساد الذي استوجب جملة من العقوبات الكونية ليراجع الناس الطريقة الشرعية، فـ: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلًا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم".
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ: فذلك من الإضراب الإبطالي لتهمتهم فعدت تلك من كذبات الخليل عليه السلام في ذات الله، جل وعلا، وقد أشار صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله إلى وجه لطيف يكون فيه الخبر ذا دلة إنشائية خفية، فهو خبر للتشكيك، فهو من قبيل استعمال "أو" في سياق الخبر فتفيد التشكيك إن أراد المتكلم التعمية على المخاطب، كما أشار إلى ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "شرح قطر الندى"، فذلك قد يكون غرضا صحيحا في كلام البلغاء كما في إبهام الفاعل في نحو قولك: سرق المتاع خوفا من السارق إن كان ذا بأس وسطوة، فأراد تشكيكهم ليزيد حيرتهم فيدفعهم إلى إعمال ما عطلوه من القوى العقلية التي فسدت بطروء مادة الشرك عليها، فالشرك أعظم أسباب فساد مدركات العقل من البدهيات ومدركات الفطرة من الضروريات، فلعل الفاعل كبيرهم، فاسألوهم على جهة التهكم الذي يثير كوامن العقل والفطرة، ولا يخلو من معنى التعجيز إمعانا في إقامة الحجة، ولا يخلو كذلك من إظهار الإنصاف للمخالف استدراجا له ليسلم بنفسه ببطلان مقالته، فلك من قبيل استنطاقه بالحجة فذلك آكد في تقريرها فلا يتنصل منها بعد ذلك إلا كبرا وعدوانا برسم: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)، فاسألوهم إن كانوا ينطقون فذلك آكد في بيان عجزهم فدلالة المضارعة على التجدد والحدوث مئنة من ديمومة اتصافهم بوصف الخرس الذي يتنزه عنه الرب، جل وعلا، بداهة، فذلك من قبيل مفهوم السؤال في قوله تعالى: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا)، فإذا ثبت في بدائه العقول أن الخرس والصمم والعمى أوصاف نقص فتنزه من اتخذ ربا سواء أكان الرب المعبود بحق، جل وعلا، أم كان ربا من الأرباب الباطلة، فتنزه عنها، فمن ثبتت له فربوبيته باطلة فذلك مقتضى العكس في القياس، فالحكم بصحة ربوبيته دائر مع ثبوت علته من أوصاف الكمال التي تجب ضرورة في حق الرب الخالق المدبر، دائر معها وجودا، فمن ثبتت له على جهة الكمال المطلق الذي لا يقبل الشراكة فهو مقام: (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ)، فهو الرب المعبود بحق فذلك مقتضى الطرد في القياس، وعدما: فمن انتفت في حقه برسم النقصان بل والعدم!، فليس ربا معبودا بحق بل هو من جملة ما اتخذ برسم: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)، فذلك، كما تقدم، مقتضى العكس في القياس، فقياس الخليل عليه السلام قياس صحيح فهو: مطرد منعكس وحجته سالمة من المعارضة في كلا الموضعين فقد استدل بالضد على ضده، فبضدها تتميز الأشياء فأشار إلى نقص معبوداتهم ليتوصل بذلك إلى كمال معبوده الحق جل وعلا.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 11 - 2010, 04:16 ص]ـ
وأشار صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله إلى وجه آخر لطيف يترقى فيه الخليل عليه السلام في الاستدلال، فإن نسبة الفعل إلى كبيرهم تحتمل: أنه غضب من مشاركتهم له في منصب الألوهية فحطمهم لينفرد بمنصب لا يقبل الشراكة، فمنصب الألوهية فرع على منصب لا يقبل الشراكة، وهو منصب الربوبية، فلا يستقيم أمر هذا الكون إلا إذا كان مدبره واحدا برسم الربوبية النافذة، فتعدد الأرباب مظنة تعدد الآلهة، فلكل رب شرع وتكليف، فيقع التضارب بينها لاختلاف ذواتها وأوصافها كمالا ونقصانا، فالشرائع إنما تصدر عن علوم، والعلوم تتفاوت، وليس علم مخلوق إلا ناقصا حادثا، فكماله مقيد بقيد النقصان الجبلي، فنقصان الوصف من نقصان المتصف به، وإن تفاوتت صور النقص في الخلق، إلا أن وصف النقص يجمعها فذلك عموم محفوظ لا مخصص له، فلا ينفك مخلوق مهما علت رتبته وارتفعت درجته الكونية أو الشرعية، لا ينفك عن نقصان جبلي فذاته حادثة برسم الضعف، فانية برسم الفساد، فـ: (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا)، فذلك من الجعل الكوني النافذ المؤكد في معرض تقرير فناء الكون بالناسخ واللام فضلا عن نسبة الوصف إلى ضمير الجمع، فتفسد الأعيان جميعا، ليظهر أثر اسمه الآخر في كونه، فهو الصمد الباقي برسم الديمومة والأزلية بعد فناء خلقه، وإن حفظت أعيان بعضهم فـ: "إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء"، فإن ذلك لا ينفي طروء وصف الموت عليهم، وهو نوع فناء فبه ينقطع العمل ويرتفع التكليف، وإن لم ينقطع الأثر والذكر، فآثار الأنبياء عليهم السلام في الأرض مبثوثة بل آثار من دونهم من العلماء ظاهرة، فذلك من العلم الذي لا ينقطع ثوابه بعد الموت، وأعظم الناس حظا في هذا الباب: الأنبياء ومن سار على طريقتهم فـ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ: فأطنب في ذكر المصلين وصدر الكلام بالمؤكد الناسخ فالمسند إليه، فذلك مما يثير مكامن الشوق في النفوس تشوفا إلى معرفة صاحب هذه الدرجة الرفيعة، فالله، عز وجل، وهو أشرف موجود على الإطلاق، وملائكته، وهي أشرف وأعظم خلقه النوراني وقد أضيف اسمها إلى ضميره فذلك عوض عن التعريف بـ: "أل" لئلا يجتمع على المعرف: معرِّفان، فذلك وجه النحو في الكلام، ووجهه في البلاغة: تعظيم الملائكة بنسبتها إلى الرب، جل وعلا، فذلك من إضافة المخلوق إلى خالقه على جهة التعظيم، فذلك من جنس إضافة الكلمة الكونية التي بها كان المسيح عليه السلام إلى ضمير الرب، جل وعلا، الذي صدرت عنه، فتفيد التعظيم، أيضا، فليست كأي كلمة كونية، وإن كان المبنى اللفظي واحدا، فمادة الكينونة في كلها واحدة فـ: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فعموم "شيئا": يعم المسيح عليه السلام وغيره، وإنما اختصت الكلمة التي خلق بها بالذكر والإضافة إلى ضمير الرب، جل وعلا، في قوله تعالى: (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ)، لما تقدم من التشريف لتلك الكلمة فبها كان الخلق المعجز للمسيح عليه السلام من أم بلا أب، وإن باينت إضافة الملائكة إلى ضميره إضافة الكلمة إليه، فالأولى من قبيل: إضافة المخلوق إلى خالقه، والثاني من قبيل: إضافة الوصف إلى المتصف به، فاشتركا من جهة معنى التعظيم واختلفا من جهة النسبة فليست نسبة الخلق كنسبة الوصف.
والشاهد أن الإطناب قد وقع في السياق تدرجا من الأعلى إلى الأدنى، فالله: أعظم موجود، وملائكته: أعظم خلقه صورة وهيئة، وأهل السماوات والأرض، والإضافة إلى المعرف بـ: "أل" مئنة من العموم، كما قرر ذلك أهل الأصول، وهو عموم محفوظ من جهة التكوين، فذلك من جنس التسبيح الاضطراري لعموم الكائنات فـ: (إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، فتقاس عليه الصلاة فهي صلاة اضطرارية بمقتضى التقدير الكوني فتصلي الكائنات ولو عجماوات، وهو من جهة التشريع: مخصوص فكثير من البشر المكلفين
(يُتْبَعُ)
(/)
بالصلاة الاختيارية لا يمتثلون الأمر الشرعي بالصلاة سواء أكانت الصلاة الاصطلاحية أم الصلاة اللغوية كما في هذا السياق لقرائنه المحتفة، فلا يتصور الفعل التكليفي المعهود من ركوع وسجود من الرب، جل وعلا، ومن الملائكة، ومن أهل السماوات والأرض، لا يتصور ذلك، فوجب حمل الصلاة في هذا السياق على الصلاة اللغوية التي تدل بمادتها المعجمية المطلقة على الدعاء، بل لا يتصور ذلك، عند التدبر، ممن يجوز في حقهم ويصح من فعلهم: الصلاة المعهودة، فلم يشرع في حقهم الصلاة على غيرهم بالركوع والسجود، بل صلاة الجنازة: الصلاة المشروعة على البشر لا ركوع فيها ولا سجود، فتكاد تتمحض لمعنى الصلاة اللغوية، فهي في جملتها دعاء بالثناء والطلب، فيجري ذلك مجرى الصلاة على المتصدق في قوله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)، بل إن دلالة المضارع في "يصلون": وهي مئنة من التجدد تمنع إرادة الصلاة، ولو جنازة، فلا تصلى على الميت إلا مرة واحدة.
والشاهد أن العموم إما من جهة التكوين أو من جهة التشريع فيكون خبرا في حق الجميع، وتضاف إليه دلالة إنشائية في حق الخلق المكلفين، فكأن المعنى في حقهم: صلوا على معلم الناس الخير فذلك حقه عليكم، وذلك مما لا يقع من كثير من المكلفين، بل ليت معلم الخير سلم من أذاهم، فكثيرا ما يتلقونه بألسنة حداد، فليس ثم إلا السخرية والاستهزاء!، ولا عجب في ذلك، فلم يقع الأصل من كثير منهم فـ: (مَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، فإذا امتنع الأصل: امتنع الفرع بداهة، فمن فرط في الأعلى فرط في الأدنى من باب أولى.
وجاءت "حتى" لتزيد المعنى تقريرا فنصت على أعيان من الحيوان منه البري في جحره، والبحري، فيجري ذلك مجرى التمثيل للعام بذكر أفراد منه فلا يخصصه فجملة الكائنات تصلي على صاحب هذه الدرجة، وجاءت الصلاة على حد المضارعة مئنة من التجدد والحدوث، كما تقدم، فتحدث آحادها بتجدد حدوث الوصف الجالب لها فبتكرار حدوث التعليم: يكون تكرار الصلاة ثناء على المعلم، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وجاء التوكيد باللام إمعانا في تقرير المعنى، فاجتمع في السياق جملة من المؤكدات أثارت في نفس المخاطب شوقا عظيما إلى معرفة من له تلك الدرجة العظيمة من الثناء، فجاء المسند بعد ذلك فكان أوقع في النفس فهو: "مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ": فالإضافة مئنة من عموم الانتفاع به فلا يخص به قوما دون آخرين، فـ: "من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار"، فلا يحجبه عمن يستحقه فيحسن الانتفاع به فليس من الكياسة بذل الحكمة لمن لا يستحقها، فقد يحسن الكتمان في حق ضعيف العقل أو فاسد الإرادة الذي يديم النظر في الشرعيات تتبعا للشبهات برسم المعارضة للمحكمات، وجاء تعريف "الخير" بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية لعموم ما دخلت عليه مئنة من استغراق علوم النبوات الدينية لأجناس الخير العلمي والعملي فالنبوة قد استغرقت من علوم الباطن تصورا ومن علوم الظاهر حكما ما ظهر به فضلها على فضل سائر المقالات المبدلة أو الحادثة، فجاءت النبوات بالتوحيد مادة صلاح النفوس بل والكون جميعه، حيه وميته، ساكنه ومتحركه، فلا يصلح شأن الخلق كونا أو شرعا إلا بشروق شمس النبوات على الأرض، ففيها مادة التوحيد علما وعملا، تصورا وإرادة وحكما، وهي ما اجتهد أعداء الرسالات في طمسه ففسدت النفوس ووقع العذاب الكوني العام، برسم: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)، ففساد النفوس أثر بالشؤم في الأرض، فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، فعمت العقوبة المكلف المختار، والمسير المضطر من سائر الكائنات، فهي تستغيث إلى الرب، جل وعلا، من شؤم الكفر ومقالاته التي تنقض التوحيد نقضا، مع أن بعض أربابها يدعي التوحيد زورا!، فيجوز لحوق وصف النقص بالذات القدسية ويجوز طروء النقص المطلق على الصفات العلية فيجعل الرب، جل وعلا، من جنس خلقه في
(يُتْبَعُ)
(/)
باب الذات والصفات بل والأفعال والأحكام فيسوي شرع غيره بشرعه، وهو مع ذلك القياس الجائر للرب الكامل، جل وعلا، على خلقه الناقص، يدعي التوحيد والعدل وقد وقع في أعظم صور الشرك والظلم بتجويز الشراكة بين الرب جل وعلا وخلقه في حقائق أوصاف الكمال فيجعل علم الخالق، جل وعلا، من جنس علم المخلوق، أو الجفاء في حق الرب، جل وعلا، بنسبة أوصاف النقص البشري الجبلي إليه فيجري عليه ما يجري عليهم من النصب واللغوب، كما افترت يهود، ويولد كما يولد البشر ويأكل ويشرب ويحدث وينام ويمرض ويموت بل ويقتل صلبا على يد أخبث الخلق وأذل الأمم!، كما ادعت النصارى، أو الغلو في حق المخلوق فتنسب إليه أوصاف لا تكون إلا للرب المعبود، جل وعلا، من خلق وتدبير، فلا يملك غيره، تبارك وتعالى، استقلالا بالتاثير في الكون بإيجاد أو إعدام أو تدبير عام أو خاص، فليس ذلك إلا للرب، جل وعلا، فهو لازم بل جوهر منصب الربوبية التي أراد الخليل عليه السلام نفيها عن آلهتهم التي لا تملك ضرا ولا نفعا بل لا تملك دفع الضر عن نفسها، فكيف بمن عبدها، وتلك حال كل من يعبد غير الله، عز وجل، رغبا ورهبا، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، و: (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)، فهم عن دعائهم غافلون فقد زال التكليف فصار القوم أهل دار لا تجري عليها أحكام هذه الدار، فطلب المعونة الكونية أو الشرعية منهم مع انقطاع نسبتهم إلى هذه الدار، سفه عظيم في العقل قبل أن يكون شركا ينقض أصل التوحيد في الشرع، فصاحبه من أفسد الناس طريقة في النقل، فالنقل قد جاء بضد ما هو عليه من الشرك مادة فساد الأديان وهلاك الأبدان، والعقل قد حكم بداهة ببطلان دعاء المعدوم الذي لا يملك نفعا أو ضرا، فذلك مما اختص به الرب، جل وعلا، فهو من أخص أوصاف الربوبية، فلا يملك إيصال الضر والنفع إلى الخلق على جهة الاستقلال بالتأثير إلا الرب الجليل، تبارك وتعالى، فقدرته على ذلك من آثار صفات جلاله القاهر، فإن شاء أوصل النفع إلى عباده فضلا فيوصل إليهم من صور النفع الكوني العام والشرعي الخاص ما يصلح به حالهم العاجل، فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، وفي المقابل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)، ومآلهم الآجل فـ: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)، فيوصل إليهم من الرزق المحسوس ما تصلح به أبدانهم، ويوصل إليهم من الرزق المعقول ما تصلح به أديانهم، فيعم بالحجة عباده فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، فذلك وجه عموم في الرزق الديني وإن اختص بقبولها برسم الهداية الإلهامية التوفيقية من سبقت له الحسنى في دار الجزاء السرمدية، وإن شاء أوصل إليهم الضر عدلا، في أبدانهم بالتضييق في الأرزاق لتظهر آثار ربوبية في تضاد الأحوال: سعة وضيقا، أو عقوبة كونية على مخالفة الطريقة الشرعية، فـ: "ما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"، فغيره قد يوصل النفع أو الضر برسم السببية، فالملائكة بأمره، جل وعلا، يعملون، فتظهر آثار ما أودع فيهم من قوى التأثير بإذن الرب الجليل، تبارك وتعالى، فلا يستقلون بنفع أو ضر، فـ: (مَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)، فلا يصدورن في أفعالهم إلا عن أمر كوني نافذ لا يصدر إلا من الرب الخالق البارئ.
(يُتْبَعُ)
(/)
فالتوحيد أصل كل خير شرعي أو كوني، والتشريك ضده فشره في الشرع ظاهر بنقضه لأصل الرسالات الجامع فـ: (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ)، وشره في الكون يظهر في الأعصار والأمصار التي تندرس فيها آثار النبوات، فليس إلا الضيق في الأبدان بالمرض، وفي الأرزاق بالقلة والفساد، فالأرزاق شحيحة وهي مع ذلك رديئة!.
والشاهد أن علوم النبوات التي اختص أولئك المعلمون قد عمت خير العلوم توحيدا يأتي بحجته الباهرة على مقالات التشريك من تثليث ونحوه، فحجته عقلية سالمة من المعارضة قبل أن تكون شرعية سالمة من التبديل، فـ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، فذلك من القياس العقلي الصريح ببيان القدر الفارق الثابت بالضرورة العقلية بين من يتلقى أوامره من واحد، ومن يتلقى أوامره من شركاء رسمهم التشاكس والتعارض، فلكل عقله الشارع!، فيشرع من الأحكام ما يروق لهواه أو ذوقه، والعبد حائر لا يقدر على إرضائهم جميعا فذلك من قبيل الجمع بين المتناقضات والتوفيق بين المتضادات، وإلى ذلك أشار ابن القيم، رحمه الله، بقوله:
"هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحد فالمشرك بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحون، والرجل المتشاكس: الضيق الخلق، فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى شبه بعبد يملكه جماعة متنافسون في خدمته لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين.
والموحد لما كان يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد لرجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه مع رأفة مالكه به ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليه لمصالحه فهل يستوي هذان العبدان.
وهذا من أبلغ الأمثال فإن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وإحسانه والتفاته إليه وقيامه بمصالحه ما لا يستحق صاحب الشركاء المتشاكسين الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون"
"إعلام الموقعين"، (1/ 187).
وهو ما احتج به الخليل عليه السلام فقد نزل كبيرهم من باب الاستدراج العقلي منزلة الرب الذي يأنف من الشركة فحطم من ينازعه وصفه لينفرد بمنصب الربوبية، فرسخ مفهوم التوحيد في أذهانهم، ولو بتوحيد معبود باطل، ثم كر عليه بالإبطال فهو الذي حطم الآلهة بنفسه وترك كبيرهم أمارة على عجزه فلا يملك ولا يملكون نطقا، والرب المعبود بحق، جل وعلا، لا يكون بداهة إلا متكلما بما شاء من كلمات التقدير النافذ وكلمات التشريع الحاكم، فلا يصلح كبيرهم العاجز عن دفع الضر عنهم بل عن نفسه فلو شاء الخليل عليه السلام لأتى عليه ولكنه استبقاه ليقيم به الحجة العقلية الصريحة على قومه، ولا يصلحون من باب أولى أربابا، فذلك من بدائه العقول لمن كان له مسكة من عقل صريح، فكبير لا يغضب بالقول أو الفعل، بل لا ينطق، وقد حطمت الآلهة التي يتزعمها!، كبير عاجز لا يصلح بداهة لمنصب هو معدن القدرة النافذة والمشيئة العامة التي لا تتخلف آثارها في الكون، فإذا ثبت عجزه ثبت عجزهم من باب أولى فالكبير عاجز، فكيف بالصغير، ومع ذلك كر الخليل عليه السلام على ربوبيتهم بالإبطال الصريح بالسؤال التهكمي اللاذع: (فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)، فلا يملك الكبير دفعا، ولا يملك الصغير نطقا، فكيف صح في الأذهان اتخاذهم أربابا تشرع، وليس لهم من آلات التشريع: علما ونطقا ما يجوز في العقل قبول أحكامهم فهم عن منصب الحياة معزولون فكيف بالربوبية التي هي معدن كل الحيوات برسم الإحياء الكوني العام فـ: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، والإحياء الشرعي الخاص، فـ: (كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا). بل غيرهم من الأحياء ولو كملت عقولهم معزولون عن منصب التشريع، فلا يملك ذلك إلا الرب، جل وعلا، فأصحاب الرسالات عليهم السلام لا يملكون التشريع من قبل أنفسهم، فليس لهم الحكم ابتداء، بل: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ
(يُتْبَعُ)
(/)
بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)، فلا يحكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بما أنزله عليه الرب، جل وعلا، من الوحي وآراه له من سنة قول أو فعل أو تقرير، فالوحي لا يقره على خلاف الأولى، فـ: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، بل لو فرض عقلا عدول الرسل عن أمر مرسلهم، جل وعلا، فذلك من المحال العقلي، لو فرض ذلك فـ: (لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)، فلا يكتم الرسول من خبر مرسله شيئا ولو كان عتابا له، فـ: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)، و: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)، فلو كان كاتما شيئا لكتم ذلك، ولو كتم ذلك، لارتفع عنه وصف العصمة فعزل بداهة عن منصب النبوة، فهي معدن الصدق والعصمة فقد أقام الرب، جل وعلا، على صحة دعوى النبي الصادق من أدلة النقل والعقل ما امتاز به بداهة عن المتنبئ الكذاب، فإذا عزل الأنبياء عن منصب التشريع إلا بلاغا، ولو بإنشاء الأحكام، فلا يكون ذلك برسم الاستقلال، بل ذلك من جملة الوحي النازل، إذا عزل الأنبياء، عليهم السلام، مع كمال عقولهم ووفور علومهم وصحة إراداتهم وفصاحة كلماتهم، إذا عزلوا عن ذلك المنصب فليس لهم إلا البلاغ برسم النذارة والبشارة، وليس لهم من أمر القلوب شيء، فـ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فعليهم البلاغ بيانا وإرشادا وليس لهم الهداية توفيقا وإلهاما، إذا عزلوا عنه فعزل من دونهم من أصحاب العقول واجب من باب أولى، فليس لهم من أوصاف الربوبية ذاتا أو أسماء أو صفات أو أفعالا أو أحكاما شيء، ولو كانوا مؤمنين صالحين، بل أئمة في الدين، فكيف إذا كانوا كفارا أصليين كالعلمانيين الذين وضعوا دساتير الغرب بعد قضاء الثورة الفرنسية على سلطان الكاثوليكية الديكتاتورية التي بغضت الدين إلى البشر بعوار فكرها واعوجاج مسالكها العقلية والحكمية فنقضت المعقول وحادت عن جادة العدل المشروع فصارت قرينة العرش في الظلم والاستبداد ومقارفة أبشع صور الطغيان الروحي والسياسي والمالي فأثرت وأفقرت البشر برسم الصبر والاحتساب وتسلية الناس عما يقع عليهم من المظالم وتلهية أصحاب الحقوق عن المطالبة بحقوقهم فلن يدخل الملكوت إلا الفقراء وأرباب الكنيسة في كل عصر ومصر: أغنى الأغنياء فلهم الآن أرصدة سرية في بنوك عالمية وهم مع ذلك رموز الورع والزهد والعفة!، وفضائحهم قد طفح بها الكيل فاستفزت أصحاب العقول الصريحة والإرادات الحرة ممن يأبون الظلم فهو مما أجمعت العقول على قبحه، فكيف إن مارسه الظالم باسم الدين فقبحه أعظم وجرمه أبشع بتبغيض الدين إلى البشر فقد صار عندهم مظنة الظلم والاستبداد، والجشع والانحلال فتلك حال أرباب الكهنوت النصراني مع ما يتظاهرون به من عفة ووقار، وتلك حال أشار إليها ابن حزم، رحمه الله، في زمانه، ولا زالت آثارها في زماننا بل قد ظهر من الفضائح التي يستحى من ذكرها ما لم يظهر أيام ابن حزم، رحمه الله، لا سيما في كنائس الكاثوليك المهجورة بعد قضاء العلمانية كما تقدم على نفوذها السياسي والمالي فلم يبق لها إلا الطغيان الروحي وهو من القواسم المشتركة بين كل الكنائس شرقية كانت أو غربية، فكانت تلك الذريعة إلى معارضة أحكام الوحي الصحيحة بأحكام الأهواء والأذواق الفاسدة، فلم يميز أولئك لضعف
(يُتْبَعُ)
(/)
عقولهم وقلة علومهم وفساد إراداتهم، لم يميزوا بين دين الرسل عليهم السلام، ودين أولئك الطواغيت المترأسين باسم الديانة، ولم يكن عندهم من الإنصاف الذي يزعمون التحلي به وهم أبعد الناس عنه، لم يكن عندهم منه ما يحملهم على النظر في مقررات دين التوحيد الخاتم برسم الحفظ، فلعل فيه ما ليس في دين التثليث الحادث برسم التبديل، فالتسوية بينهما مع اختلاف الوصف: نقض صريح لقياس العقل بالتسوية بين أعظم متباينين، فلا يستوي دين الأنبياء ودين الكهان!.
ومن ثم نقل العلمانيون في الشرق تلك الثورة التي نجحت في القضاء على الدين المحرف فأخرجت الناس إلى فضاء الإلحاد، بلسان الحال بل بلسان المقال في كثير من الأحيان، فما ازدادوا بإعراضهم عن النبوة الصحيحة إلا ضلالا وإن تحقق لهم نوع تحرر شيدوا به مدنية تفتقر إلى أصول الحضارة من دين وأخلاق فلا تتلقى تلك المقومات إلا من مشكاة النبوات، فنقل العلمانيون في الشرق تلك التجربة، لعلهم ينجحون، أيضا، في القضاء على الدين المحفوظ!، وشتان!، فإن كانوا قد نجحوا في عزل النبوة عن الزعانمة حينا بعد سقوط خلافة آل عثمان، فإنهم لم ينجحوا في تحريفها، وإن صدوا الناس عنها حينا بتصويرها رجعية إلى القرون الوسطى، فلم يدم لهم ذلك فـ: (يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، فمع اشتداد وطأتهم لا سيما في الآونة الأخيرة إلا أن التدين، عموما في ازدياد، وإن شابه من وجوه القصور ما شابه لغياب أهل العلم المحققين، ومن قبلهم: أهل التربية الشرعية التي يفتقدها كثير من المنتسبين إلى الديانة بالتزام ظاهر لا رسوخ له في الباطن فهو التزام أجوف كما يسميه بعض الفضلاء المعاصرين، فكيف بمن دونهم؟!.
فإذا انتفى منصب الربوبية عن كل أولئك، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)، فكيف بالآلهة التي أتى عليها الخليل عليه السلام، فبطلان ربوبيتها ثابت من باب أولى.
فخير النبوات كما تقدم: خير علمي يصلح به الأصل الباطن، وخير عملي يصلح به الفرع الظاهر فالنبوة قد استغرق صلاحها الظاهر والباطن، الفرد والجماعة، العقيدة والشعيرة والسياسة والأخلاق، فـ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
ومن يعلم الناس الخير أمة بنص مقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن معاذا كان أمة قانتا قال فأعادوا عليه فأعاد ثم قال: أتدرون ما الأمة؟ الذي يعلم الناس الخير والقانت الذي يطيع الله ورسوله، فهو أمة بجمعه لأصول الخير وتعدي نفعه إلى عموم المكلفين برسم الإنذار العام والبشرى الخاصة لمن أجاب داعي الحق، فإذا أجاب في الأصل حصلت له النجاة من الكفر، وإن أجاب في الفرع حصلت له النجاة من الوعيد، فاكتمل إيمانه الواجب بل قد يترقى في الفضائل فيصير ممن أتى بمكملات الإيمان المستحب، فقد أتى بمقتضى الترتيب العقلي بداهة، بمكملات الإيمان الواجب الذي أخرجه من دائرة الوعيد، فيتفاوت الناس في هذا الشأن فمنهم من معه الأصل: قولا للقلب وعملا له لا يتصور إيمان بدونه وقول لسان وعمل ظاهر ولو بأجناس الشعائر وإن وقع التقصير في آحادها، ومنهم من معه الأصل والكمال الواجب فقد أتى قدر الاستطاعة بأجناس الواجب الباطن والظاهر، ومنهم من زاد فأتى بأجناس المستحب، ولكل حظه بقدر التوفيق الإلهي إلى الحق: علما وعملا.
فمعلم الناس بغض النظر عن عينه: أمة يصلي عليه الله وملائكته وعموم الخلق، والخليل عليه السلام بقوله وفعله، وجداله العقلي المحكم مع قومه واستدارجه لهم لينطقوا بأنفسهم بالحجة الداحضة لطريقتهم الدينية الحادثة، قد صار معلما بل إماما للموحدين، فـ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 11 - 2010, 03:54 ص]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
فلما أقام عليهم الخليل عليه السلام الحجة من عالم الشهادة بما رأوه من عجز آلهتهم عن صد العدوان، فالحجة المرئية أبلغ من الحجة المسموعة أو المعقولة، فكلما غلظت النفس فحجبت عن الإيمان بعالم الغيب الذي لا يدرك بمدارك الحس الظاهر، كانت الحجة المحسوسة في حقها أليق، فلا يحسنُ السفهاءُ فهمَ كلام الأنبياء، وإنما يحسون بآثار المعجزات المادية، فليس لهم من المعجزات المعنوية حظ لغلظ حجب الشبهات والشهوات التي عزلت قلوبهم عن السمع، فذلك العزل الكوني من قبيل عزل الشياطين عن السمع، فـ: (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ)، فهم معزولون عن سماع كلمات التكوين، والكفار معزولون عن سماع كلمات التشريع التي جاءت بها الرسالات، وإن سمعوا بآذانهم فليس لهم استماع بالقلوب فهو الاستماع الذي يحصل به الانتفاع، وليس لهم أذن واعية تعي الذكر حفظا وفهما وتأويلا بتصديق أخباره وامتثال أحكامه، فسمعوا بآذانهم الحجة الرسالية، ولم يستمعوا بقلوبهم، فقامت عليهم الحجة العلمية وحيل بينهم وبين تأويلها بأجناس علوم وأعمال الباطن والظاهر، فذلك لازم العلم النافع فلا بد أن يثمر، كما تقدم مرارا، أجناسا من العمل الصالح بالقلب واللسان والجوارح، فذلك من جنس حصول الاستطاعة الشرعية بصحة آلات التكليف وامتناع الاستطاعة الكونية بامتناع قبول محالهم لآثار الرسالات فليس لهم من الإيمان بها والتسليم والانقياد لأحكامها، ليس لهم من ذلك نصيب، فذلك مما اختص به أهل السداد ممن هدوا إلى صراط النعيم، فوفقهم الرب، تبارك وتعالى، إلى منهاج النبوة، وألهمهم الرشد، فـ: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا)، فذلك من صور العناية الربانية بالمؤمنين، فنزلت السكينة فهي من جنس الأمر الكوني النازل برسم النفاذ، ونزولها على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم خصوصا وعلى المؤمنين عموما من قبيل التنويه بذكر صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخص بالذكر لمكان العصمة والرياسة الدينية الكاملة، ثم زيد في تقرير المنة بالإطناب بذكر نزولها برسم العموم على جميع المؤمنين فذلك عموم محفوظ خص منه باعتبار الظاهر: الجد بن قيس فكان المنافق الوحيد في يوم الحديبية، فهو مؤمن باعتبار ظاهره أو مسلم يحكم له بحكم الإسلام الظاهر، فذلك أدق في الوصف، ودلالة: "على" على التمكن فالنازل على الشيء قد تمكن منه فأظله ثم خالطه، دلالتها على ذلك مما يزيد معنى المنة الربانية تقريرا، فنزلت السكينة وهي فعيلة من السكون الباطن الذي يثمر ثبات الظاهر ورسوخه حال النوازل والقوارع، نزلت برسم العموم الذي أحاط بجماعة المؤمنين، فـ: "أل" في السكينة مئنة من العموم المعنوي فاستغرقت معاني السكون الباطن والظاهر فذلك مما يزيد المنة، كما تقدم، تقريرا، و: "على" مئنة من استغراق الذوات التي نزلت عليها السكينة، وذلك أبلغ ما يكون في تقرير معنى العناية الربانية، ثم ذيل بالعلة، فـ: (أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى)، فالتزام الأمر الشرعي ذريعة إلى التأييد بالأمر الكوني بسكينة نازلة، فكلمة التقوى منهم صاعدة، والسكينة من الرب، جل وعلا، نازلة، فامتثال تكليف الألوهية مظنة نيل تأييد الربوبية عناية بالتثبيت بالوحي الكوني النافذ فاذكر على سبيل استحضار المنة الربانية السابغة: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، وكلمة التقوى التي أضيفت إلى التقوى مئنة من الاختصاص فلا تحصل التقوى إلا بها، فذلك من قبيل إضافة السبب إلى مسبَّبه، فبها وحدها علما ولفظا، وبها وحدها تأويلا لأحكامها في الخارج سواء أكانت أحكاما قلبية من توكل ورجاء، وخضوع وخشية، وولاء لأهلها وبراء من أعدائها وتلك من أدق وظائف القلب الباطن، فـ: لا إله، براء بتخلية المحل من التعلق بما سوى الرب جل وعلا، فبها تنتفي ألوهية ما سوى الرب، جل وعلا، من المعبودات الباطلة سواء أكانت معقولة أم محسوسة،
(يُتْبَعُ)
(/)
فيتجرد القلب من التعلق بالأوثان، ويتجرد من الرضا بالطغيان الروحي أو الشرعي الذي يمارسه رءوس الباطل من أصحاب المقالات الفاسدة التي يعارض بها تصور النبوات العلمي فهي التي أبانت عما يجب للرب جل وعلا من أوصاف الكمال وما يمتنع في حقه من أوصاف النقص وما يجب له عقلا من انفراد بمنصب الربوبية التكوينية والتشريعية فذلك لازم كماله الذاتي والوصفي، وما يجب له شرعا وعقلا من إفراد بمنصب الألوهية بمقتضى ما شرعه على ألسنة رسله من كلمات الوحي النازل فبها صلاح الباطن والظاهر، بل صلاح الدين والدنيا، فالوحي مادة حفظ الأديان والأبدان فشؤم انقطاعها أو انحسارها مما نرى آثاره في الأعصار المتأخرة وبركة اتصالها مما نقله إلينا التاريخ: شاهد العدل من آثار الصلاح في الأعصار المتقدمة، فيتجرد القلب بنفي الألوهية عن معبودات البشر الباطلة من المقالات الفاسدة والشرائع الحادثة التي يعارض بها حكم النبوات العملي الذي يستغرق أقوال وأفعال المكلف الظاهرة من أذكار وشعائر ومعاملات وسياسات خاصة تحكم بها الجماعة المسلمة وسياسات عامة تحكم بها علاقة الجماعة المسلمة بمن يعيش فيها من معاهدين برسم الإقامة الدائمة أو المؤقتة من رسل أو تجار يدخلون ديار الإسلام بعقد الإيمان فذلك من قبيل القانون الدولي الخاص، وعلاقة المسلمين بأعدائهم من الحربيين زمن السلم والحرب فذلك من قبيل القانون الدولي العام، وأخلاق جاءت برسم الكمال الشرعي فـ: (إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فأعظم الأخلاق وأرسخها ما كان مستنده شرعيا، فيمارسها صاحبها برسم الإحسان والمراقبة للرب، جل وعلا، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، فتلك مراقبة القانون الإلهي المحكم، بخلاف مراقبة قانون البشر المضطرب فصاحبه يغفل وينام بل ويموت ويفنى، فحياته حادثة وعلمه وحكمته طارئة برسم النقصان فلا يعلم الغيب إلا الله، عز وجل، ولا يعلم وجه الحكمة في الشرائع سواء أكانت تعبدية غير معللة في عقول البشر أم معاملات تدرك العقول عللها، لا يعلم وجه الحكمة على وجه الدقة إلا من له العلم المحيط برسم العموم فـ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، فيعلم الدقائق والجلائل، ويعلم الماضي والحاضر والمستقبل القريب الذي يفضح بنوازله اضطراب عقول البشر في إدراك وجه المصلحة فتبدل الدساتير بتبدل الأحوال برسم النسخ الذي لا يكون إلا في الشرائع النازلة، فقد نزلوا نحاتة أذهانهم منزلة الشرائع المحكمة، وإن صح ذلك التعديل وصح إطلاق وصف النسخ عليه تجوزا: فهو في المصالح المرسلة التي لم يشهد لها الشرع المحكم باعتبار أو إلغاء، لا فيما فصل الوحي فيه المقال اعتبارا بحل أو إيجاب، أو إلغاء بتحريم، فذلك من المحكم الذي لا يجوز نسخه إما لكونه من أصول الديانة من عقائد وشرائع وأخلاق لا يصح في الأذهان نسخها فلا ينسخ التوحيد بداهة، ولا ينسخ الصدق بداهة فيصير الكذب واجبا أو مباحا برسم الإطلاق، وإما لكونه مما أحكم من فرائض وحدود ...... إلخ من الأحكام الفقهية الفروعية، فقد أحكمت فلا يطرأ عليها النسخ لانقطاع خبر الوحي فهي من المحكم لغيره.
فإذا تجرد من معبودات باطلة، صار المحل قابلا لآثار التوحيد النافعة، فجاء الإثبات "إلا الله": تحلية فلا معبود بحق إلا هو، فلا معبود يصح في الأذهان أو الشرائع إلا المعبود بحق فما سواه الباطل، فقد انفرد برتبة الكمال الذاتي والوصفي، فآثاره في الكون ظاهرة بالخلق البديع والتقدير الحكيم، فـ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، وآثاره في الشرع ظاهرة فلا أعدل من أحكامها، فمعنى العدل يعم سائر المقدرات الكونية برسم النفاذ، وسائر المقدرات الشرعية برسم الابتلاء، فكلها على سنن العدل تجري فالأولى أثر القدرة النافذة، والثانية أثر الحكمة البالغة، فالكلمة هي: لا إله إلا الله الذي خلق الكون من أجلها وحفظت أركانه بترديدها.
والشاهد أن الخليل عليه السلام قد أقام عليهم حجة عقلية دامغة بمقدمات ضرورية تستمد من مدارك الحس الظاهر السالم من الآفات وبدائه العقل الناصح من الأوهام والخرافات، فهي آلهة عاجزة عن صد العدوان عن نفسها، فعجزها عن صد العدوان عن غيرها ثابت من باب أولى، وهي آلهة لا تتكلم فنقصان ذاتها الحادثة وأوصافها مانع عقلي ضروري من ثبوت وصف الربوبية لها، فالرب لا يكون ضرورة إلا كامل الذات والوصف، فثبت لديهم بمقالة إمام الموحدين بطلان آلهة المعددين، وبطلان مقالتهم:
فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ:
فالتوكيد بالناسخ واسمية الجملة وضمير الفصل والحصر بتعريف الجزأين، فأنتم لا غيركم: الظالمون بوضع الشيء في غير محله ونسبة الحكم إلى محل لا يليق به، فنسبة الحكم بالربوبية إلى محل ميت لا ينطق ظلم بين بل هو أعظم الظلم، فأنتم الظالمون المستجمعون لأوصاف الظلم علما وعملا، فالشرك فساد للقوة العلمية الباطنة والقوة العملية الظاهرة.
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ: فمنعهم الكبر من الإيمان وإن حصلت صورته العلمية في قلوبهم، فلا يكفي التصديق العلمي إن لم يشفع بالتصديق العملي بالقلب انقيادا وباللسان والجوارح بمباشرة صور العبودية الظاهرة من قول وفعل يصدق ما قام بالقلب من التصور والإرادة، فما هؤلاء ينطقون، فالمضارعة مئنة من ديمومة اتصافهم بنقص قادح في ذواتهم فلا يثبت لهم منصب الربوبية بداهة، فالرب، جل وعلا، لا يكون، كما تقدم، إلا سلاما من العيب قدوسا عن النقص، فهو السبوح القدوس الذي له ربوبية الملائكة والروح، فثبوت ربوبيته لما دونها من الكائنات ثابت من باب أولى.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 11 - 2010, 03:44 ص]ـ
فجاء رد الخليل عليه السلام:
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ: فتلك إشارة لطيفة باستفهام إنكاري توبيخي لما وقع منهم من عبادة غير الله، عز وجل، بصرف أجناس التأله الباطن والظاهر له، فلا ينفك من صرف بباطنه عن الرب، جل وعلا، عن ميل بظاهره إلى غيره، فمن تعلق بمحبوب سوى الله، عز وجل، ظهرت عليه أمارات العذاب بذل باد على محياه لمن أحبه فابتغى الروح في حبه فلم ينله إلا الضيق والكرب والمعيشة الضنك، وتلك عادة الرب، جل وعلا، في كل من أعرض عن ذكره فابتغى العزة في ذكر غيره فلا يناله إلا ذلة في الحياة الدنيا، فحاله: حال من اتخذ العجل، فـ: (اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ)، ظلما أكبر بمقارفة أفحش صوره بالتسوية بين المخلوق الحادث والرب الأول الخالق وذلك ناقض لخبر الشرع وقياس العقل الذي أثبت ضد ما نفوه من وجوب الإفراد بالعبودية الخاصة والعامة فرعا على حصول الانفراد بالخلق والتدبير فالكون بصنعه البديع ونظامه المحكم شاهد عدل لا يكذب على قوة عليا قاهرة فذلك وصف الجلال، حكيمة عادلة، فذلك وصف الجمال، فلا ظلم أعظم من ذلك بالتسوية بين أعظم متباينين، فما اتخذوه برسم الظلم إلا بعد أن وقعوا في أفسد صور القياس، فسووا بين الناقص والكامل باعتقاد النفع والضر في آلهة لا تملك ذلك لنفسها فضلا عن غيرها، فاستعمل الخليل عليه السلام أصول الاستدلال العقلي بنقض قياسهم ببيان القدر الفارق بين الأصل والفرع، فالأصل الذي يثبت له كمال الوصف الذاتي والفعلي يباين الفرع الذي يثبت له ضده من وصف النقص الجبلي، فكيف يسوى بين الذاتين في الحكم مع ما بينهما من التباين في الوصف فعلة استحقاق الرب، جل وعلا، كمال الإفراد بأحكام الألوهية، وهي الوصف الظاهر المنضبط الذي يتعلق به الحكم وجودا وعدما، قد ثبتت في حق الرب، جل وعلا، فله، كما تقدم، كمال الذات والوصف، فيثبت الحكم بوجوب إفراده بالألوهية وجودا، وانتفت في حق آلهتهم فينتفي الحكم في حقهم عدما، فسار الخليل عليه السلام على أصول الاستدلال العقلي الصحيح، فقياسه مطرد منعكس، وسار خصومه على غير جادة الشرع والعقل، فقياسهم مضطرب، فـ: (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ): فقدم النفع لتعلق النفوس به طلبا، فدعاء الناس في زمن العافية يغلب عليه طلب الخير، فحالهم آنذاك حال رغدة، فنفي الانتفاع في حقهم آكد، فقدم من هذا الوجه، بخلاف حالهم في الشدة فيغلب عليه بداهة استدفاع الشر، فـ: (إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا)، وفي مقام البراءة من الحول والقوة يحسن أيضا تقديم نفي الملكية لأسباب الضر دفعا في الذكر، فـ: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، فلا يملك لنفسه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع كمال رتبته ورفعة درجته لا يملك لنفسه أي ضر أو نفع على جهة العموم القياسي بتسلط النفي على النكرات وتكرار أداته "لا" فذلك من الإطناب في معرض التوكيد واستثنى في معرض بيان عموم المشيئة الربانية العامة فالرب وحده، جل وعلا، هو الذي يملك الضر والنفع على جهة الاستقلال بتسيير الأسباب فلا تستقل، مع ما أودع فيها من قوى الضر أو النفع، لا تستقل بالتأثير فلا يحصل أثرها في الكون إلا بمشيئة الرب الخالق لها بكلماته الكونية الخالقة فهي أثر صفة القدرة، المجري لها بكلماته الكونية المدبرة فهي أثر صفة الحكمة، فاجتمع في شأنها خلقا وتدبيرا آثار صفات الجلال والجمال فبهما يثبت الكمال اللائق به تبارك وتعالى.
(يُتْبَعُ)
(/)
فيختلف تعلق النفس بمراداتها باختلاف أحوالها فدعاء الشدة يباين دعاء الرخاء، فللنفس في كل مطلوب يلائمها، فتتطلع إلى المحبوب رجاء نيله، وتتطلع إلى المكروه رجاء دفعه، فحصل بالطباق بين النفع والضر: استيفاء لشطري القسمة العقلية، فـ: (لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ)، فتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل الذي جاء على حد المضارعة مئنة من التجدد والحدوث فذلك وصفهم المطرد عجزا عن إيصال النفع أو الضر والإفراد في الضمير في: "يَنْفَعُكُمْ" و: "يَضُرُّكُمْ" بالنظر إلى لفظ "ما" فهو مفرد في اللفظ عام في المعنى فهو من صيغ العموم القياسية وحسن إيراده في معرض بيان وصف تلك الآلهة فـ: "ما" مما يستعمل في بيان الوصف بغض النظر عن العين التي يقوم بها، فالوصف معنى وهو من غير العاقل بداهة و: "ما" مما يستعمل لغير العاقل فتلك دلالتها المعجمية المطلقة وإن خرجت عنها إلى الدلالة على العاقل في مواضع ذكرها النحاة وأشار إلى نكتها البلاغيون، فذلك من جنس قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) فالمراد في الآية: صفة النساء المستطابة لا أعيانهن فحسنت الإشارة إلى الصفة بـ: "ما"، وقوله تعالى: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فلم يرد السؤال عن الاسم الدال على الذات المعبودة فقد تطلق على أي إله، ولو باطلا، وإنما أراد النص على إله بعينه هو الإله المعبود بحق إله آبائه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم السلام: الإله الواحد الذي ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته، فلا شريك له فرعا على ذلك في ألوهيته وأحكام عبوديته برسم الخضوع الكامل.
فذلك وصفهم المطرد عجزا: في مقابل وصف الرب، جل وعلا، الذي يدبر الأمر الكوني برحمة وحكمة ورحمة، فيوقع من صور النفع والضر ما يصلح به أمر هذا العالم، فتعلق الفعل بمشيئته النافذة يقتضي وجوب وقوعه فلا مبدل لكلماته الكونيات النافذة، فنفاذ الكلمات من نفاذ المشيئة، وتعلقه بها يقتضي تجدد وقوعه فلا ينفك العالم عن أحداث كونية متتالية لا تنقطع فـ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، فأحداث الكون التي تتجدد باستمرار هي تأويل كلماته المتتالية، وذلك من أظهر صور الإيجاد للأعيان فلا ينفك العالم عن أعيان توجد وأخرى تعدم، فالإيجاد والإعدام مئنة من كمال قدرته، جل وعلا، على الشيء وضده وذلك وصف الربوبية الكاملة فلا يملك أحد إيجادا ولا إعداما برسم العموم إلا الرب القدير الحكيم جل وعلا، فخلق البشر بتقدير الأشياء وصناعتها لا ينفك عن وجوه من النقص تدل على نقص في القدرة والحكمة، فلا ينفك فعل من أفعاله، جل وعلا، الحادثة باعتبار أفرادها عن تعلق بالمشيئة الربانية فإذا شاء وقع الفعل برسم النفاذ، وإذا لم يشأ امتنع فلا يوجب أحد على الرب، جل وعلا، شيئا، فقد أهلك الأمم ولم يخف العقبى، وحجز الشفاعة عمن لم يرتض، فـ: (لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، فإذا شاء ظهر أثر صفاته الفاعلة برسم الديمومة فلم يكن معطلا عن كمال الفعل بل هو: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) ففعال فتلك صيغة مبالغة تعمل عمل مضارعها وإن كانت أضعف منه في الدلالة ولكنها لا تنفك عن معنى التجدد والاستمرار فذلك آكد في تقرير المعنى فالرب جل وعلا كما تقد مرار لم يكن معطلا عن وصفه الذاتي أو الفعلي بل له ديمومة الكمال المطلق أزلا وأبدا فـ: "فعال" لـ: "لما": فذلك من التعدي بواسطة لضعف النائب فليس للفرع حكم الأصل فالمضارع عمدة الباب وما يتفرع عليه من أسماء تبع فتعمل عملا أضعف منه بقرينة اشتراط شروط لعملها بخلاف الفعل الذي يعمل مطلقا وذلك خلاف الأصل فذلك وجه ضعفها و: "ما" مئنة من العموم ففعال لكل ما يريده فجاء فعل الإرادة أيضا على حد المضارعة استحضارا للصورة تقريرا للمعنى فضلا عن دلالته على تجدد الوصف للرب جل وعلا فإراداته الكونية تتوالى برسم النفاذ فذلك أثر كلماته التكوينيات في خلقه
(يُتْبَعُ)
(/)
إيجادا وتدبيرا فالإرادة ترجح جانب الفعل على الترك فإذا أراده الرب جل وعلا فقد شاء وقوعه بداهة فيقع حتما فلا راد لمشيئته فكل ما يريده كونا يقع وكل ما يريده شرعا يلزم وإن خالف من خالف من المكلفين فلم يخرجوا بالمخالفة عن حد الإرادة التكوينية النافذة فلا يخرج العباد عن الشرع إلا بمقتضى الكون لحكمة بالغة تظهر آثارها بتركهم التكليف فهي غير مرادة بالنظر إلى الشرع فلم تشرع المخالفة للوحي بداهة فذلك مما يذم فاعله ويؤاخذ ومرادة بالنظر إلى الكون فبها يستخرج الرب جل وعلا من الحكم اللطيفة والمصالح الدقيقة ما لا تدركه عقول البشر،
فيظهر أثر صفاته الفاعلة في كلمات كونية نافذة، تتوالى بتوالي الإرادات الكونية، فيقع الفعل، كما تقدم، تأويلا لتلك الكلمات، فلكل حدث في الكون كلمات بها يقع على ما قد قدر الرب، جل وعلا، في الأزل، فكلمات للإحياء بها تكون الحياة، وكلمات للإماتة بها يكون الموت ......... إلخ، فالكلمات تتنوع وتتفاضل باعتبار أثرها، لا باعتبار من تكلم بها فكلها عن الرب، جل وعلا، صادرة، وبهذا التنوع والتفاضل تظهر صور من القدرة الربانية والحكمة الإلهية فتوجد الأشياء على هيئات دقيقة محكمة تدل على كمال قدرة وحكمة من أوجدها، وتوجد، وإن كانت في نفسها ضارة، على وجه يقع به النفع، ولو آجلا، وذلك مئنة من كمال العلم فعلمه، جل وعلا، قد أحاط بالحال والمآل فجاء شرعه على أحكم صورة وأعدل شرعة وذلك فرقان بين شرع العليم وشرع الجهول فالعليم قد أحاط بالحال علما فيشرع ما يلائمه فـ: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، والمآل خبرا، فيشرع ما تقع به المصلحة إما ابتداء، وتلك حال أكثر الأحكام فهي شرع مبتدأ، كما أن أكثر آي الكتاب العزيز وحي مبتدأ فلم يتقدمه سبب نزول، وإما نسخا بتغير وجه المصلحة فيدور الحكم معها وجودا وعدما فذلك من صور الدوران الشرعي للحكم التكليفي مع علته التي بها يصير الحكم مظنة الصلاح، فكما تدور الأحكام الكونية مع عللها وجودا وعدما فلا يكون حمل بلا نكاح، فالنكاح علته، ولا شبع بلا طعام، فالطعام علته ........ إلخ، فكذلك الأحكام الشرعية فهي دائرة مع عللها التي هي مظنة الحكمة التي يقع بها الصلاح، أيضا، فـ: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)، فينسخ الحكم بزوال علته فيزول وجه المصلحة فيه، بل تصير المصلحة في ضده، فيرتفع الحكم المتقدم بآخر متراخ عنه على وجه ينتفي فيه البداء فعلم الرب جل وعلا قد أحاط بالأول والآخر، فظهر بتعلق الصلاح الكوني بقدره النافذ، والصلاح الشرعي بقدره الحاكم، ظهر من ذلك من آثار حكمة الرب، جل وعلا، ما ظهر، فالحكمة تظهر آثارها في قدره الكوني النافذ وقدره الشرعي الحاكم، فهما مئنة من كمال الحكمة وذلك أمر يعم الشرائع، فكلماتها قد توقع صنوفا من المشقة المعتادة فلم تأت الرسالات بتكليف ما لا يطاق مما تحصل به المشقة العظيمة فالرب، جل وعلا، غني عن تعذيب عباده لأنفسهم بضروب من الرياضات الحادثة التي لم تأت بها شرعة نازلة، فدين الأنبياء بتوسطه ليس من دين الرهبان بغلوه وتطرفه في شيء، فـ: "أي الأديان أحب إلى الله عز وجل قال: الحنيفية السمحة"، فإن وقعت مشقة عارضة محتملة لا ينفك عنها أي فعل بشري، ولو كان عادة جبلية، فتحصيل أسباب المأكل والمشرب يوقع المكلف في نوع مشقة ولو في شرائه وإعداده فضلا عن السعي في تحصيل ثمنه!، فإن وقعت تلك المشقة فهي مما يتسامح في وقوع مثله فأثره النافع في الأولى والآخرة يعين المكلف على احتماله، وتلك عين الحكمة التي جاءت بها الرسالات فلا يحتمل الأذى العارض إلا من حصل له التصور الصحيح الكامل لمعاني الابتلاء الشرعي، فـ: (لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)، فبه يستنبط مكنون الصدر ومخبوء النفس فيمتاز الخبيث من الطيب، فيصير كلٌ أهلا لما قدر له أزلا من النجاة فضلا أو الهلاك عدلا، فلا ينفك قدر الرب، جل وعلا، عن فضل عام على البشر أجمعين، فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى
(يُتْبَعُ)
(/)
الْعَالَمِينَ)، فآثار سنة التدافع ينتفع بها المؤمن والكافر، فصلاح العالم صلاح لحال من يعيش فيه ولو كان كافرا لا ينتفع إلا بموارده الكونية من كلمات القدر النافذ فـ: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ)، فلم يخصه بالمؤمنين بل عم بدلالة الضمير فضلا عن ظهور أثر المنة في لام الملكية ولو كانت صورية فالعباد يملكون برسم التقييد بحكم الشريعة فليس لهم ملك مطلق كملك الرب الخالق المدبر، جل وعلا، بل قد جاء النص على انتفاعه بموارد الكون فذلك مما يشترك فيه المؤمن والكافر بل السنة في مباشرة أسبابه واحدة، فمن جد في تحصيلها وجد آثارها النافعة، فـ: (مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، فله نصيبه من المتاع القليل من دنيا مرتحلة فـ: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ)، فالكافر ينتفع بموارد الكون فيجري عليه ما يجري على المؤمن من سنن الإيجاد والإعداد لقوى بدنه والإمداد بأسباب صلاحه الظاهر بل قد يكون له من ذلك ما ليس للمؤمن فذلك من توفية الحساب في دار الابتلاء، فـ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)، وهو مع ذلك محجوب عن موارده الشرعية من كلمات الوحي النازل، ففضل عام على الكفار، وفضل خاص على المؤمنين، فـ: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، ولا ينفك قدر الرب، جل وعلا، أيضا، عن عدل، فبه قامت السماوات والأرض، فالله هو الحكم العدل، فـ: (نَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)، فاتصف به في نفسه على جهة اللزوم، وظهرت آثاره الكونية والشرعية في خلقه، فالأبدان لا تصح إلا بالسير على سنن العدل في إيجادها ونموها فلو خرجت خلية عن حد الاعتدال بزيادة أو نقصان لولد ذلك صورا من الفساد عظيمة، فلا يصح البدن في نشاطه إلا بمعدل ثابت من الهدم والبناء، في هضم وتمثيل الغذاء، ولا يصح البدن في نموه إلا بمعدل ثابت من الانقسام لخلاياه فإن زاد حصل الفساد بالورم، وإن نقص حصل الفساد بالهرم، فـ: "فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد قالوا: وما هو يا رسول الله؟، قال: الهرم"، والأديان لا تصح إلا برسم العدل الذي قررته الشرائع، فاتصف، جل وعلا، بالعدل، فظهرت آثار وصفه في الكون والشرع، فأثره النافع قد ظهر في سلامة الأبدان من العلل وسلامة الأديان من البدع، فيسر أسباب صلاح البدن، فـ: (لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ)، ففيها أسباب المعاش التي تحيى بها الأبدان، ويسر أسباب صلاح الدين، فـ: (لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، ففي التنزيل أسباب حياة القلوب من أخبار برسم الصدق وأحكام برسم العدل قد تكفل الرب، جل وعلا، بحفظها، فتلك من أظهر صور العناية العامة بالنوع الإنساني، إذ حفظ له زاده الوجداني فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، كما يسر له أسباب غذائه البدني، والأول أشرف بداهة فالتنويه به في معرض تقرير دليل العناية أولى، وإن كان الثاني، أيضا، من أظهر صور العناية الربانية بالخلق، فدليل العناية يعم كليهما، فآثار رحمة ربك في الكون عامة قد شملت بنفعها الملكف كله: روحه اللطيف وبدنه الكثيف، فأنى يصح في الأذهان صرف عبادة لغيره، وأنى يصح في الأذهان غلو في خلق من خلقه بخلع ما لا يكون إلا له من وصف الربوبية الفاعلة في الكون بالخلق والتدبير؟!، وأنى يصح في الأذهان جفاء في حقه بتجويز طروء وصف النقص عليه بحلول أو اتحاد بمخلوق، أو تجسد
(يُتْبَعُ)
(/)
في ناسوت، أو إعياء ولغوب ..... إلخ مما وصفه به الظالمون الذين: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)، فقد فسد تصورهم بفساد المداد فلم يعد من مشكاة النبوات المحفوظة، بل قد صار من نبوة مبدلة فوقع الفساد في الدليل، أو قياس باطل فوقع الفساد في الاستدلال، فلا ينفك زيع في الإلهيات خصوصا والشرعيات عموما عن فساد في الدليل فذلك من الخلاف في التنزيل، أو فساد في الاستدلال فذلك من الخلاف في التأويل. فتحريف الوحي يكون بتحريف ألفاظه بكتمان أو زيادة فصاحبه من أهل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، أو تغيير لرسم ولو بحركة، أو تحريف معانيه بتأويله واتباع متشابهه فتحمل دلالاته الظاهرة على وجوه بعيدة متكلفة لا يشهد لها نقل أو عقل أو فطرة، بل ربما كانت محالة عقلا فلا يأتي بها وحي منزل، فهي مما يصادم العقل والفطرة معا، والوحي الصحيح لا يأتي إلا بما يوافق العقل الصريح، فالمصدر واحد، إنشاء لكلمات الوحي وإيجادا للعقول فهي آلات الفهم.
والشاهد أن الكلمات الشرعية قد يقع بها من صنوف المشقة العارضة شيء يسير في مقابل الأجر الجزيل، فتكون الحكمة في احتمال المفسدة العارضة، لو صح من باب التجوز إطلاق وصف المفسدة على المشقة التي تلحق المكلف حال أدائه ما كلف به من أحكام الشريعة، فتكون الحكمة في احتمالها ابتغاء تحصيل المنفعة العظيمة في دار الابتلاء بصلاح حال العالم فلا صلاح له إلا بأحكام النبوات فهي مادة صلاحه الشرعي والكوني معا، فما ظهر الفساد في البر والبحر إلا بما كسبت أيدي الناس من مخالفة لأمر الوحي، وذلك ذريعة إلى الفتنة والعذاب الأليم، فـ: (لْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، والمنفعة الأعظم في دار الجزاء، فـ: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ).
وكذلك الشأن في الكلمات الكونية فقد تقع المصيبة فيكون فيها من المفسدة العارضة ما يذهب العقل ويحجب نور الوحي فيذهل الإنسان عن وجوه النفع الآجل فيها وإن كان فيها من الفساد العاجل ما قد يعظم أثره في النفوس لضعفها وقصور مداركها عن معرفة حقائق القدر الكوني، فهو من أسرار الربوبية، وإنما يثبت الرب، جل وعلا، من يثبت حال الشدائد بما يجريه عليه من أسباب الصبر والاحتساب بمطالعة ثواب المصيبة الآجل، فـ: (لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، وليس ذلك إلا لمن اصطفاه الرب، جل وعلا، فلم يذهل حال المصيبة بل قد ثبت الله، جل وعلا، جنانه، فعمر لسانه بالذكر وأركانه بالطاعة فكانت خير عون له على احتمال ما يقع عليه من ألم المصيبة العاجل، وتلك معان يسهل جريانها على اللسان في أزمنة العافية فلا يظهر تأويلها إلا في أزمنة الابتلاء فبها يميز الله، جل وعلا، الخبيث من الطيب، فيفتضح من بكى ممن تباكى.
فأنكر الخليل عليه السلام، فـ: (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ):
فتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل مئنة من العموم، كما تقدم، فضلا عن ورود النكرة في حيزه، فذلك عموم ثان يقوي عموم النفي المعنوي للمصدر، فلا يملكون أي صورة من صور النفع بأي شيء، وأطنب الخليل عليه السلام بتكرار أداة النفي، فموضع الإنكار مما يحسن فيه الإطناب في التوبيخ، وحصل بالطباق على جهة المضارعة، كما تقدم، استيفاء لشطري القسمة العقلية فالمنطوق قد نفاهما عن غير الرب، جل وعلا، والمفهوم قد أثبتهما له، فآلهتهم الباطلة لا تملك نفعا ولا ضرا، وإلهه المعبود بحق هو الذي ينفع ويضر بقضائه النافذ، والمضارعة، كما تقدم، مئنة من ديمومة انتفاء الوصف في حقهم فذلك إمعان في بيان عجزهم ويقابله أيضا بدليل الخطاب: ديمومة اتصاف الرب، جل وعلا، بهما، على جهة الكمال، فله، جل وعلا، كمال وأولية وآخرية وديمومة وصف الذات، وله مثل ذلك من وصف الفعل، والنفع والضر من فعله الذي يتعلق بمشيئته النافذة، فـ: (إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فلا يملك بشر أو شجر أو حجر ضرا ولا نفعا فضلا عن أموات لا يسمعون إلا ما شاء الرب جل وعلا فقد انقطع تكليفهم الشرعي وليس لهم تأثير كوني كما يزعم الغلاة فيهم فذلك مما سرى من دين المثلثة عباد الصليب إلى فئام من غلاة الإسلاميين من أصحاب البدع المغلظة أو الطرق المحدثة.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 04:15 ص]ـ
ثم أطنب الخليل عليه السلام في الإنكار عليهم:
أفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ: فذلك من تضجر الخليل عليه السلام من ذلك الفعل الباطل والمنطق الفاسد فلا حجة من نقل أو عقل وإنما محض انتصار لطريقة باطلة برسم التقليد الأعمى، فليس لهم من حجة إلا: (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)، فوجدوهم على طريقة نكرت مئنة من التحقير بالنظر إلى حقيقتها، ومئنة من التعظيم بالنظر إلى ما يعتقدونه، ولو باطلا محضا، والأمة مئنة من معان كثيرة تدل عليها برسم الاشتراك اللفظي، فهي تطلق على:
الجماعة الكثيرة، وتطلق على معلم الناس الخير فهو أمة بما اجتمع له من خصال الخير فكأنه أمة وزعت فيها تلك الخلائق الفاضلة والطرائق الكاملة، فـ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، فكان أمة بما جبل عليه من الفضائل وما أوحي إليه من الملل والشرائع، وهذان المعنيان يؤولان، عند التحقيق، إلى معنى الكثرة، فقد يقال باشتراكهما في الأصل الكلي المطلق في الذهن، برسم الاشتراك المعنوي، وإن ظهر، بادي الرأي، أن لا علاقة معنوية تجمع بينهما، فالأمة متعددة، والواحد منفرد بنفسه، ومع ذلك ظهر وجه الاشتراك بالنظر إلى معنى الكثرة فهو في الجماعة: محسوس، فكثرتهم ثابتة في الخارج يدركها الناظر بمدارك حسه الظاهر، وفي الواحد: معقول فنزلت أخلاقه الكاملة التي كثرت حتى صح على سبيل التجوز في المدح جعلها أفرادا وإن لم يكن لها وجود في الخارج فهي ثابتة في الذهن فقط فالأخلاق لا تتمثل شخوصا في الخارج، وإنما تثبت برسم الإطلاق والتجريد في الذهن، وذلك مما فسر به وجه الجمع في آيات من قبيل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، و: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)، فالجمع بالنظر إلى تعدد أوصاف كمال الرب، جل وعلا، وإن كانت معان قائمة بذاته القدسية على الوجه اللائق بجلاله، تبارك وتعالى، فليس لها استقلال بنفسها في الخارج وإنما الذهن هو الذي يجردها فيتصورها في مقابل الذات التي تتصف بها، فتثبت في الذهن برسم الإطلاق ولا تثبت في الخارج إلا برسم التقييد بالذات القدسية التي تقوم بها على الوجه اللائق بجلاله، تبارك وتعالى، كما تقدم، فالمعنى لا يستقل بنفسه ولا ينفصل عن الذات التي يتصف بها فلا تتصور مفارقة وصف للموصوف به، فالكلام، وإن نطق به المتكلم، وانقضى زمن التكلم، فهو كلامه، فتثبت نسبته إلى أول قائل، وإن بلغه غيره، فنسبته إلى المبلغ نسبة تبليغ لا إنشاء، فتعدد الأوصاف هو الذي سوغ هذا الجمع، وهو، كما تقدم، ينزل منزلة المبالغة في المدح، فلا يلزم منه تعدد الشخوص القديمة كما قد ذهب إلى ذلك أصحاب المقالات المحدثة، في معرض درء ما اعتقدوه شبهة من شبه المثلثة فقاسوا قدم الصفات الإلهية التي تقوم بالذات القدسية، فلا تنتفي معاني الوحدانية الذاتية والأحدية الوصفية بذلك فليس كمثله جل وعلا شيء في ذاته أو في وصفه، قاسوها على أقوال الطائفة النصرانية التي قالت بالتثليث فأثبتوا قدماء مع الذات الإلهية، فقدماؤهم الذين زعموا: ذوات قائمة بنفسها وإن تكلفوا لذلك مقالات تباين المنقول والمعقول، فزعموا أنها أقانيم أو أوصاف للذات الأولى، فلا تساويها، بل هي وصفها، والوصف غير الذات، فذلك حق فهي لا تساويها حتى في ملتهم فلا يوجد من اعتقد قديمين في هذا الكون يتساويان من كل وجه كما أشار إلى ذلك شارح الطحاوية، رحمه الله، بقوله: "وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الطَّوَائِفِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْعَالَمَ لَهُ صَانِعَانِ مُتَمَاثِلَانِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ. فَإِنَّ الثَّنَوِيَّةَ مِنَ الْمَجُوسِ، وَالْمَانَوِيَّةَ الْقَائِلِينَ بِالْأَصْلَيْنِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَأَنَّ الْعَالَمَ صَدَرَ عَنْهُمَا -: مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ النُّورَ خَيْرٌ مِنَ الظُّلْمَةِ، وَهُوَ الْإِلَهُ الْمَحْمُودُ، وَأَنَّ الظُّلْمَةَ شِرِّيرَةٌ مَذْمُومَةٌ، وَهُمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
مُتَنَازِعُونَ فِي الظُّلْمَةِ، هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ مُحْدَثَةٌ؟ فَلَمْ يُثْبِتُوا رَبَّيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ. وَأَمَّا النَّصَارَى الْقَائِلُونَ بِالتَّثْلِيثِ، فَإِنِّهَمْ لَمْ يُثْبِتُوا لِلْعَالَمِ ثَلَاثَةَ أَرْبَابٍ يَنْفَصِلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، بَلْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ، وَيَقُولُونَ: بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ إِلَهٌ وَاحِدٌ. وَقَوْلُهُمْ فِي التَّثْلِيثِ مُتَنَاقِضٌ فِي نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُمْ فِي الْحُلُولِ أَفْسَدُ مِنْهُ. وَلِهَذَا كَانُوا مُضْطَرِبِينَ فِي فَهْمِهِ، وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ، لَا يَكَادُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ، وَلَا يَكَادُ اثْنَانِ يَتَّفِقَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: هُوَ وَاحِدٌ بِالذَّاتِ، ثَلَاثَةٌ بِالْأُقْنُومِ! وَالْأَقَانِيمُ يُفَسِّرُونَهَا تَارَةً بِالْخَوَاصِّ، وَتَارَةً بِالصِّفَاتِ، وَتَارَةً بِالْأَشْخَاصِ. وَقَدْ فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ. وَبالْجُمْلَةِ فَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِإِثْبَاتِ خَالِقَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ". اهـ، وهي غير الذات، فالصفة غير الذات التي تقوم بها فهي قدر زائد عليها فليست عين الذات، ولكنها معنى قائم بها سواء أكان وصف ذات أم وصف فعل، فلا قيام له بنفسه، كأقانيم النصارى فأقنوم الكلمة قد قام بنفسه في شخص المسيح عليه السلام وأقنوم الحياة قد قام بنفسه في الروح الأمين عليه السلام، وذلك الفرقان بين مقالة أهل التوحيد ومقالة أهل التثليث، فأهل التوحيد لم يمنعهم إثبات وحدانية الرب، جل وعلا، في ذاته، من أن يثبتوا له ما أثبته لنفسه وأثبته له أنبياؤه عليهم السلام مما أوحي إليهم من وصف كماله برسم الإثبات بلا تشبيه والتنزيه بلا تعطيل، فلا يلزم من إثباتها تعدد للقدماء، فهي، كما تقدم، لا تستقل بنفسها فلا قيام لها إلا بذات تتصف بها والذات تتصف بأكثر من وصف بل مقتضى المدح: تعدد أوصاف الكمال وكثرتها برسم الانفراد فلا تتصف بها على هذا الوجه من الكمال ذات أخرى فهي حكر على ذات بعينها يحصل الثناء ويعظم بإفرادها بها، ولله المثل الأعلى، فهو المنفرد برسم الإطلاق بكمال الذات والوصف القائم بها أزلا وأبدا، فالصفات عندهم معان لا تدرك بالحس الظاهر وإنما يدركها العقل بمدارك النظر والتدبر، وهو ما أمرنا به في هذا الباب، فلم نؤمر بالتفتيش عن حقائق الصفات الإلهية في الخارج فذلك مما يتعذر لقصور قوى العقل عن ذلك، وإنما أمرنا بالتفتيش عن معانيها الثابتة في الذهن برسم التدبر، والتأسي بما صح لنا التأسي به منها، وتأول معانيها: رغبة في آثار صفات الجمال من رحمة ومغفرة، ورهبة من آثار صفات الجلال من عزة وانتقام وجبروت برسم: (ادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا): فادعوه خوفا من آثار وصف جلاله فذلك مما يولد الرهبة فيحصل بها تخلية المحل من كدر الكفر والمعصية، وادعوه طمعا في آثار وصف جماله فذلك مما يولد الرغبة فيحصل بها تحلية المحل بزينة الإيمان والطاعة فهي الذريعة إلى نيل المرغوب، فلم يلزم من مقالة أهل التوحيد إثبات قدماء مع الله، جل وعلا، يشاركونه وصف الأولية، فهو الأول على جهة الإطلاق بذاته القدسية وصفاته العلية التي تقوم بها، كما تقدم، وغيره حادث من العدم منته إلى الفناء، فالرب، جل وعلا، هو الأول والآخر، وفي ذلك إبطال، كما تقدم، لشبهة المعتزلة الذين قاسوا الصفات على الذوات فجعلوا تعدد الأولى وهي مما لا يقوم بنفسه كتعدد الثانية وهو مما يقوم بنفسه، فذلك قياس مع الفارق لاختلاف الوصف، فمقتضى العقل: اختلاف الحكم فيثبت لكل ما يلائمه من الأحكام، فلا يستوي ما يجري على المعقولات التي لا يتصور وجودها مطلقة إلا في الذهن فلا وجود لها في الخارج إلا مقيدة بذات تقوم بها، لا يستوي ما يجري عليها وما يجري على المحسوسات التي تقوم بنفسها في الخارج، وأما أهل الثليث فقد ألزموا أنفسهم في تحكم عجيب ينقض قياس العقل الصريح فضلا عن إبطاله نقل النبوات الصحيح، ألزموا أنفسهم بتعدد القدماء فزعموا تجسد الصفات المعقولة
(يُتْبَعُ)
(/)
في أقانيم محسوسة تباين الذات القدسية وتشترك معها في وصف الأولية، وذلك من المحال الذاتي فضلا عن بطلانه في الشرع، فالصفة، كما تقدم، لا تقوم بنفسها، ولا تتجسد، وهى معنى لطيف، في جسد كثيف، ولا تباين الذات الموصوفة بها فتنفصل عنها بحلول أو اتحاد بذات أخرى رسمها الحدوث ثم الفناء، فتلك معان تنتفي بداهة في حق الرب ذي العزة والجلال، فكيف بمن أجراها على الذات الإلهية فزعم حلولها أو اتحادها بنفسها برسم الخصوص كمقالة النصارى اليعاقبة أو الأرثوذكس، أو العموم بذوات المخلوقات الحادثة، كمقالة الاتحادية من غلاة أهل الطريق، فجوز طروء أوصاف النقص الجبلي على ذات الرب العلي عز وجل برسم القداسة عن أوصاف النقص والدنس التي لا ينفك عنها مخلوق بمقتضى الجبلة التكوينية فذلك فرقان أبان به، جل وعلا، عن وصف كماله المطلق، فبضدها تتميز الأشياء فبما ركز في هيئات وصور المخلوقات من نقص بحدوث بعد عدم وفناء بعد وجود برسم التأقيت لا ينفك عن جملة من العوارض الكونية، بما تقدم ظهر كمال وصفه فهو: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)، في مقابل نقص وصف خلقه فتجري عليهم أعراض النقص من غقلة وسنة ونوم ولغوب ومرض وموت ....... إلخ من المعاني التي تنتفي بداهة في حق الرب، جل وعلا، فهي مما يناقض كمال ربوبيته.
والأمة هي الدين كما في نص التنزيل، فـ: (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ): فحصل تكرار التوكيد إمعانا في التقليد الأعمى، بل وقع فساد التصور بجعل طريقتهم الضالة مظنة الهدى، فهم مهتدون بالسير على آثارها، وقد يقال بأن المراد هنا مطلق اقتفاء الأثر الذي تدل عليه مادة الهداية بغض النظر عما يؤدي إليه من هدى أو ضلال، ويؤيده ذكر الاقتداء فيكون في الخير والشر معا في آية تالية في نفس السياق فقالوا بعدها: (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ).
ولا يخلو هذا الوجه، أيضا، من إشارة إلى معنى الكثرة، فقد وجدوهم على جملة من العوائد المحدثة التي بلغت من الكثرة حد الطريقة الكاملة التي تضاهي طريقة الشرع المحكمة فوقعوا في الابتداع العلمي وما يتفرع عليه من الابتداع العملي، ووقعوا في ابتداع أصول تضاهي أصول التوحيد وفروع تضاهي شرائعه وأحكامه فذلك شأن البدعة التي تبدأ كما قال بعض أهل العلم: أشبارا وتنتهي أميالا، وتتبع تاريخ المقالات الإسلامية خير شاهد على ذلك فلا زالت في تطور مستمر حتى يوم الناس هذا، وذلك مما يظهر بصورة أجلى في الديانات المبدلة لا سيما الديانات منزوعة الشرائع!، إن صح التعبير، كديانة التثليث الموسومة بالنصرانية، فإن نسخ الناموس أو إبطاله قد فتح الذريعة على مصراعيها لكل محدث في الأصول أو الفروع من رءوس الملة ليضع ما يروق لهواه من أصل علمي، أو لذوقه من حكم عملي، فوقع الابتداع في العلم والعمل معا على ما اطرد من التلازم الوثيق بين فساد العلم وفساد العمل، فقوى البشر متلاحمة سواء أكانت صحيحة أم فاسدة، فإذا صلحت القوة العلمية التي تنشأ الإرادات منها، صلحت الأقوال والأعمال التي تنشأ من الإرادات، وإذا فسدت الأولى فسدت الثانية فالثالثة على ما اطرد من اتصال إسناد الفعل من لدن كونه تصورا عدميا في الذهن إلى صيرورته فعلا وجوديا في الخارج.
والأمة هي الفترة الزمنية الطويلة، كما في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ)، ولا تخلو، أيضا، من معنى الكثرة فأيامها عديدة وشهورها مديدة، فقد يقال، والله اعلم، بأن هذا المشترك اللفظي الجامع لمعان متباينة لا يخلو من نوع اشتراك خفي في معانيها الكلية قد يلحقه بالمشترك المعنوي.
والشاهد أن الخليل عليه السلام قد تضجر لأجلهم ولأجل معبوداتهم الباطلة، فدلالة اللام تعليلية، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فصنيعهم مع فساده البين الذي ينزل منزلة العلم الضروري الذي استنطقهم به، ذلك الصنيع مما يثير حنق كل موحد يرى الظلم الفاحش بصرف العبادة لغير الرب الواحد، جل وعلا، من آلهة لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، فضلا عمن يدعوها برسم: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)، فذلك من الاستفهام الإنكاري الذي يفيد النفي فلا أضل منه في علمه الذي صور له أنها تملك نفعا أو ضرا وعمله الذي صدق هذا الظن الفاسد، ثم جاء التذييل باستفهام على حد الإنكار والتوبيخ: (أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، فذلك مما يلائم سياق التضجر من حالهم الفاسدة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[الأبلق]ــــــــ[20 - 11 - 2010, 01:37 م]ـ
جهد مشكور أخي المهاجر لا حرمك الله الأجر والمثوبة
ويا حبذا الإختصار لتسهل قراءته وتتحقق الفائدة المرجوة من عرضه
----------------------------------------
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 11 - 2010, 04:19 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي أبا عبد الرحمن على المرور والتعليق بالدعاء الطيب والتوجيه الصائب، وذلك عيب ظاهر في هذه المداخلات، وإنما اعتاد كاتبها على تقييد أي خاطرة ترد على ذهنه خشية أن تشرد، فيأتي الأمر على ما تراه من الإطناب المعيب في مواضع عديدة!، ولعل الشبكة الكريمة تتغاضى عنه فذلك فضل ثان بعد الفضل الأول بإيراد هذه المداخلات، ولعل الله، جل وعلا، أن يذهب هذا العيب، وينفع بتلك الاستطرادات.
وفي سياق تال:
جاء رد الفعل الهمجي الذي يستأصل به المخالف!، فـ:
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ: فتلك انتكاسة من علم الحق فاستكبر عن اتباعه وانتصر لما هو عليه من باطل ولو علم يقينا بطلانه بل قد اعترف به صراحة كما يجري الرب، جل وعلا، على ألسنة أئمة الكفر في زماننا من ذلك شيئا كثيرا، فهم أعلم الناس ببطلان مقالاتهم بل لا يملكون حجة سالمة من المعارضة على صحتها، فليس ثم إلا الخداع للتابع أو إرهابه فكريا أو بدنيا لينقاد برسم الخضوع لشهوة التسلط التي تمكنت من محال فاسدة علمت الحق ولكنها لم تقو على قبول آثاره النافعة فهي بلد خبيث لا تخرج إلا نكدا من القول والعمل، وجاء الفعل مضعفا مئنة من المبالغة في الانتصار للباطل، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من قبيل صبر الملأ في قول الرب الملك جل وعلا: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)، فتواصوا بتقرير الباطل والصبر على ذلك ببذل الوقت والمل والدم إن لزم الأمر كما قد وقع يوم بدر، فـ: حرقوه وانصروا آلهتكم: وإضافة الآلهة إليهم إمعان في الانتصار لها بتوثيق النسبة إليهم، ثم جاء التذييل بالشرط على حد الإلهاب والتهييج إمعانا في توكيد الأمر الذي صدرت به الآية، فانتصارهم مع علمهم ببطلان مقالتهم مئنة من الإفلاس الفكري، فيجري مجرى قول فرعون لما ضاقت به سبل الحجج العقلية: (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)، وما أكثر سجون زماننا ففراعنة الحاضر قد ساروا على سنة إمامهم صاحب الطريقة الرشيدة!، وانتصارهم مع علمهم بذلك مئنة من الاستكبار، كما تقدم، فالمحل إبليسي يأبى الخضوع والانقياد للحق، وانتصارهم لآلهتهم مع قيام الحجة العقلية الدامغة على بطلانها: مئنة ظاهرة من نفاذ التقدير الكوني للمحال صحة أو فسادا، فقد قضي عليهم بالضلال عدلا لخبث محالهم فلم يخلق فيهم الرب، جل وعلا، إرادة الطاعة أو عينها من باب أولى، فهو جل وعلا خالق إرادات المكلفين وما يتفرع عليها من أقوال وأعمال، فالمحل الخبيث لا يصلح لتلك الصالحات الباطنة وما يتفرع عليها من أقوال وأعمال ظاهرة، فوضعها فيه إهدار لمعنى الحكمة البالغة التي اتصف بها الرب جل وعلا، فظهر في صنيعهم: القدرة الربانية النافذة بصرفهم عن الإيمان مع قيام حجته بل واستنطاقهم بها فحصل لهم التصديق المجرد في القلب دون عمل باطن من انقياد وخضوع وما يلزم منه ضرورة من قول وعمل، والحكمة الربانية البالغة بوضع مادة الفساد في محل خبيث يلائمها فذلك من عدله، جل وعلا، في مقابل فضله على عباده المؤمنين بوضع مادة الهداية النافعة في محالهم الطيبة، فتنتج أثرها أقوالا وأعمالا صالحة، فذلك من التيسير الرباني إلى اليسرى.
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ:
فذلك من الأمر التكويني النافذ، فهو، أيضا، مئنة من القدرة النافذة إما بسلب السبب قوته المؤثرة فنزعت قوة الإحراق من النار، كما نزعت قوة القطع من السكين حال ذبح إسماعيل عليه السلام، فظهر أن الأسباب لا تؤثر بنفسها وإن كانت قوى التأثير فيها مودعة فلا تؤثر إلا بإذن الرب، جل وعلا، القدير في خلق الأسباب وخلق قوى التأثير فيها وإنفاذها فلا تنفذ إلا بأمره الكوني النافذ فلا تحرق النار إلا بكلمة تكوينية، ولا تقطع السكين إلا بأخرى ولا يشبع الطعام إلا بثالثة وإن كان سببا مؤثرا في حدوث الشبع فمباشرته برسم الشرع الذي حض على مباشرة السبب على جهة التوكل فـ: "لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير
(يُتْبَعُ)
(/)
تغدو خماصا وتروح بطانا"، فبذلت السبب بالغدو، فنالت ما قد قدر لها بالسعي في نيله، فمباشرة السبب برسم الشرع لا يعارض وقوع أثره برسم الكون، فلن يكون شبع إلا بإذن الرب، جل وعلا، وعلى هذا فقس في كل أسباب هذه الدار فالمؤمن هو أسعد الناس حظا بها فيناله أثرها الكوني فذلك مما يشترك فيه مع الكافر، وإن كانت البركة في حقه أعظم، فـ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ"، ويستقل بالأثر الشرعي فهو مأجور بمباشرته على الوجه المشروع واستحضار نية صالحة ترضي الرب جل وعلا، فـ: "في بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"، فذلك من قياس العكس فلو وضعها في حرام لأثم، ولو وضعها في حلال بنية إعفاف واستعفاف لأجر، ولو وضعها في حلال بلا نية لخرج كفافا فتلك أوجه القسمة العقلية في مباشرة السبب.
والشاهد أنه في معرض بيان المنة الربانية السابغة على الخليل عليه السلام، يحسن إضافة الفعل إلى ضمير الجمع فهو موضع جلال تظهر فيه آثار كلمات الجلال، فـ: قلنا يا نار كوني: فذلك من أمر التكوين كما تقدم فحصلت العناية الربانية في أعظم صورها في حق الخليل عليه السلام بنزع قوى الإحراق من النار، أو نزع الشعور بألم الإحراق من الخليل عليه السلام، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من قبيل ما وقع لحذيفة، رضي الله عنه، يوم الخندق، فـ: "فلما وليت من عنده جعلت كأني أمشي في حمام"، وقد كان البرد آنذاك شديدا، والمنة حاصلة على كلا الوجهين.
فكوني بردا على ضد ما قد طبعت عليه من إحراق وإتلاف، وسلاما: فذلك من الاحتراز فقد يقع الإيلام بالبرد، والطب قد أثبت حدوث بعض أنواع الحروق بالبرد الشديد الذي قد يؤدي إلى بتر الأطراف، وفي جهنم من عذاب الزمهرير، ما قد علم بنص التنزيل: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا)، فالامتنان عليهم بوقايتهم منه يدل بدليل خطابه على حصول التألم به لمن كان على خلافهم من الكفار والمنافقين فذلك من قبيل الطرد والعكس فيدور الحكم مع وصف الإيمان والكفر عدما للزمهرير في الأول ووجودا له في الثاني، وفي حديث اليوم البارد: "لا إلهَ إلا اللهُ ما أشدَّ برد هذا اليومِ اللهم أجِرْنى من زَمْهَرِيرِ جهنمَ".
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ: فأرادوا به كيدا عظيما، فالتنكير مئنة من التعظيم، فجاء العقاب على ضد ما أرادوا فجعلهم الرب، جل وعلا، بمشيئته النافذة، فالجعل كوني أضيف إلى ضمير الجمع على ما اطرد من التعظيم في مواضع الجلال بإهلاك أعداء المرسلين عليهم السلام، وجاء القصر بتعريف الجزأين إضافيا في معرض المبالغة في تقرير معنى الخسران فضلا عن دلالة اسم التفضيل على المبالغة فهو مبالغة في الخاسر كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ودلالة "أل" على الاستغراق المعنوي المجازي لمعاني الخسران فكأنه لا خاسر إلا هم، واستعيرت الخسارة المحسوسة التي تقع للتجار للخسارة التي لحقت بهم بتسلط أمة الآشوريين عليهم فلم يقع لهم عذاب استئصال عام أو خاص، وإنما جرت عليهم سنة التدافع فسلط الله، عز وجل، عليهم من يستبيح بيضتهم فذلك من جنس تسليط الرب، جل وعلا، الرومان على بني إسرائيل زمن السبي الثاني بعد رفع المسيح عليه السلام عقوبة لهم على سعيهم في دمه عند أعدائه من الرومان الوثنيين، فرفعه الله، عز وجل، إليه، بل وجرى عليهم عين ما أرادوا به، فتسلط عليهم من كانوا يحرضونه عليه، وذلك أبلغ ما يكون في العدل والمكر الإلهي فجزاؤهم من جنس عملهم بل بيد من أغروه بقتل المسيح عليه السلام!.
(يُتْبَعُ)
(/)
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ: فذلك من كمال العناية بالخليل عليه السلام، فهي نجاة بعد أخرى، فحسنت، أيضا، الإضافة إلى ضمير الجمع تقريرا للمنة الربانية السابغة فذلك من تمام تعظيم الرب، جل وعلا، في موضع يحسن فيه التعظيم ثناء عليه بوصف جماله أن حفظ رسله ونصرهم في الدارين، فـ: (لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، والزيادة في مبنى الفعل مئنة من زيادة المعنى، فذلك، مما يحسن، أيضا، في معرض تقرير المعنى في الأذهان فهو من أظهر صور العناية بالرسل عليهم السلام، ففيها قدر زائد على العناية العامة بالنوع الإنساني بتيسير أسباب حفظه وبقائه من مطعوم ومنكوح ..... إلخ.
وجاء الهجرة إلى أرض مباركة هي أرض فلسطين فاكتملت المنة بذلك فليست إلى أرض شؤم أو عذاب، بل قد نجي الخليل، عليه السلام، مما حاق بقومه، فتلك منة أولى، وخرج إلى أرض مباركة فتلك منة ثانية، ثم جاءت المنة الثالثة فـ: وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ: فوهب له برسم النبوة الابن والحفيد فذلك تكثير للعدد بعد فراق الأهل والعشيرة في "أور"، وشتان تكثير العدد بأنبياء معصومين وتكثيره بفجرة مشركين!، فحسن هنا، أيضا، إضافة الفعل إلى ضمير الجمع، تقريرا للمنة الربانية، وهو كبقية الأفعال السابقة، مما يتعلق بالمشيئة النافذة، فهو مما يدل عليه اسم الوهاب بدلالة التضمن، فيدل على الذات القدسية التي يقوم بها الوصف، ويدل على الوصف الفعلي المتجدد، يدل عليهما تضمنا، ويدل على كليهما معا: مطابقة، ومادة الهبة مئنة من الامتنان بلا عوض، وذلك، كما تقدم، آكد في معرض تقرير عنايته، جل وعلا، بالخليل عليه السلام.
واكتملت المنة بجعلهم أئمة برسم النبوة فذلك من الجعل القدري، فـ: (رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)، فـ: جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا: فيهدون بالأمر الشرعي الذي بلغهم برسم الوحي، فـ: أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ: فعم ثم خص تنويها بذكر الصلاة والزكاة، ثم عم في معرض التذييل: وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ: برسم الخضوع الانقيادي، لا الخضوع الاضطراري، فاكتملت في حقهم منة التكوين بالخلق، ومنة التشريع بالوحي.
والناظر في هذه الآيات يرى من أدلة الربوبية وآيات الوحدانية في الفعل الرباني النافذ برسم انتفاء الشريك المنازع أو الظهير المعاون، وأدلة صحة النبوات بتمكين أصحاب الدعاوى الصادقة وما يدل عليه بمقتضى دليل الخطاب المخالف من افتضاح أمر أصحاب الدعاوى الكاذبة ولو حصل لهم نوع تمكين ظاهر باشتهار مقالة أو كثرة أتباع من المغفلين أو خارقة كونية برسم المعونة الشيطانية في مقابل المعونة الرحمانية في خارقة المرسلين وكرامة الأولياء الصالحين، ففيها من دلائل القدرة النافذة: إنجاء الخليل عليه السلام بإبطال قوى الإحراق الفاعلة في النار، وفيها من دلائل الحكمة البالغة: طرد الحجة الرسالية الداحضة لحجج أعداء النبوة فهي حجج واهية، بل قد أجرى الرب، جل وعلا، الحجة على لسانهم، كما تقدم من رجوعهم إلى أنفسهم فهم الظالمون بوضع الشيء في غير موضعه، بل قد وقعوا في أقبح الظلم بوضع مادة الخضوع والعبودية في غير محلها فوضعوها في محل لا ينطق، فوصفه ناقص، بل ولا يملك رد من ينتهك حرمته المزعومة! بالتحطيم فهو عاجز، فوصفه: وصف الناقص، وفعله: فعل العاجز، فالنقص فيهم ذاتي متأصل يعم الذات والوصف والفعل، فالذوات محدثة من العدم صائرة إلى الفناء، والصفات ناقصة فرعا على نقصان الذات، والأفعال أفعال الكائن العاجز، بل لا أفعال لهم فهم جماد لا يعقل بل لا يحس ولا يتحرك وذلك أبلغ ما يكون في النقص، فـ: (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)، فهو ميت سواء أكان جامدا لا يحس أم متحركا حساسا سلبت منه مادة الحياة فصار جسدا بلا روح بل
(يُتْبَعُ)
(/)
قد فنيت الأجساد ولو بقيت فهي بمعزل عن التدبير الكوني فليس ذلك إلا للرب العلي وحده، عز وجل، بل هي بمعزل عما دونه من التكليف الشرعي فطلب الدعاء منها عبث يوقع صاحبه في الإحداث في الديانة ما ليس منها، ودعاؤها عبث أعظم يوقع صاحبه في الكفر الناقض للملة، والأول، كما قال أهل العلم، ذريعة إلى الثاني، فالنهي إليه يتوجه من جهتين:
من جهة كونه محرما في نفسه فهو من الإحداث في الديانة.
ومن جهة كونه محرما لغيره فهو ذريعة إلى المحظور الأكبر.
فدليل الخلق في حق الرب، جل وعلا، ثابت بل واجب، فهو الخالق تقديرا وتكوينا، وفي حقهم منتف بل هم المخلوقون بأيدي البشر، فذلك مما يعظم به الإنكار على من نحتهم ثم عبدهم!، فـ: (تأَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)، فالله، جل وعلا، خلقكم وما تعملون من الآلهة المحسوسة والمعقولة، فمن نحت لنفسه شرعة يضاهي بها شرعة الرب المليك، جل وعلا، فقد وقع في جنس ما وقع فيه قوم إبراهيم الخليل عليه السلام من نحت أرباب يضاهون بها الرب، تبارك وتعالى، فجنس الشرك يعم شرك المحسوسات في الخارج وشرك المعقولات في الذهن، ولا ينفك كلاهما عن جفاء في حق الرب، جل وعلا، وغلو في المخلوق بخلع صفات الرب، عز وجل، عليه صراحة أو لزوما لا انفكاك فيه.
ودليل العناية بالخليل عليه السلام أظهر من أن يشار إليه.
ودليل الحكمة في حقه، جل وعلا، ثابت، فأحكامه أعدل الأحكام، كونية كانت أو شرعية في مقابل اضطراب وتعارض بل وتناقض أحكام ما سواه من أرباب الشرائع المحدثة التي تضاهي بها الشرائع المنزلة سواء أكان ذلك في المقالات العلمية أم في الأحكام العملية خاصة كانت أو عامة.
ودليل الحاجة في حق الخليل عليه السلام ثابت، وهو من أظهر أدلة الألوهية بالتوجه إلى المعبود بحق وحده برسم الافتقار والحاجة، فيتوجه العبد إليه: بالشكر حال السعة والدعاء حال الضيق، فحاجة الخليل عليه السلام إلى ربه، جل وعلا، وحده، فلن ينجيه من الإحراق إلا أمره الكوني النافذ: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).
ودليل العناية الخاصة بالمرسلين ثابت في حق الصفوة المذكورة فقد جبلهم الرب، جل وعلا، على أكمل الخلائق النفسانية الباطنة والجسدية الظاهرة، وأوحى إليهم ما تزكوا به النفوس من علوم النبوات وأعمالها، وأنجاهم من أعدائهم ...... إلخ، فتلك عاقبة المرسلين في الأولى والآخرة فـ: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
فحصل في هذا السياق عند التدبر والنظر بيان واف لركني الشهادة: شهادة التوحيد للمرسِل، جل وعلا، وشهادة المتابعة للمرسَل، فقد حصل بالتنويه بذكر النبوات إعلاء لشأنها وإجلال لقدرها فرسمها الاتباع المطلق، فـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، ففعل الطاعة أصل في النبوة، وتبع في غيرها من الولايات فلا يطاع أصحابها إلا تبعا للنبوات فإن خالفوا أحكامها فلا طاعة لهم.
والله أعلى وأعلم.(/)