صورة جمالية.
ـ[نوف]ــــــــ[20 - 01 - 2010, 10:41 م]ـ
ما الصورة الجمالية في قول ابن المقفع:
(إذا تراكمت عليك الأعمال، فلا تلتمس الروح في مدافعتها)
شاكرة لكم
ـ[عهود زائفة]ــــــــ[23 - 01 - 2010, 12:32 ص]ـ
هلا شرحتي القول فضلاً وليس أمراً
لأني لم أفهمه حتى استطيع أن اتعرف على الصورة الجمالية(/)
أريد توضيحا حول الاستعارة الأصلية و التبعية.
ـ[عاشقة الضاد]ــــــــ[21 - 01 - 2010, 02:15 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
جاء في كتاب " البلاغة الواضحة" بتحقيق علي بن نايف الشحود في تقسيم الاستعارة إلى أصلية و تبعية ص: 71 - 73.
قال تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (154) سورة الأعراف.
شبِّهَ انتهاءُ الغضبِ بالسكوتِ بجامع الهدوءِ في كلًّ، ثم استعيرَ اللفظُ الدالُّ على المشبَّه به وهو السكوتُ للمشبَّه وهو انتهاءُ الغضبِ ثم اشتقَّ من السكوتِ بمعنى انتهاءِ الغضب سكتَ بمعنى انتهى.
ويسمَّى هذا النوعُ من الاستعارة بالاستعارةِ التبعيةِ، لأنَّ جريانِها في المشتقِّ كان تابعاً لجريانها في المصدر.
القواعد:
تَكُونُ الاستعارةُ أَصْلِيّةً إِذا كان اللفظُ الذي جَرَتْ فيه اسماً جامدًا.
تكون الاستعارةُ تَبَعِيّةً إِذا كانَ اللفظُ الذي جَرَتْ فيه مُشْتَقًّا أَوْ فِعْلا
كلُّ تَبَعِيّةٍ قَرينَتُها مَكْنِيَّةٌ، وإذا أُجْريتِ الاستعارةُ في واحدةٍ منهما امْتَنَعَ إِجْرَاؤُها في الأُخرَى.
و أورد أيضا قول الشاعر:
عضَّنا الدهرُ بِنابهْ ... ليْتَ ما حلَّ بِنابهْ
شُبِّهَ الدهرُ بحيوان مفْترسٍ بجامع الإيذاء في كلٍّ، ثم حُذفَ المشبَّه به ورُمزَ إِليه بشيءٍ من لوازمه وهو "عضَّ" فالاستعارة مكنيةٌ أصليةٌ.
لماذا لم يعتبر الاستعارة هنا مكنية تبعية بالرغم من وجود الفعل "عض " و هو مشتق؟
ـ[يوماً ما]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 03:37 م]ـ
إبداء رأي ...
في الآية موطن الاستعارة هو في لفظ (سكت) وبالتالي كما ذكرت: تبعية
أما في البيت الشعري فموطن الاستعارة (نابه) وهي اسم لهذا قال عنها: أصلية
عاشقة الضاد ..
باستطاعتك أن تجعلي الاستعارة في الفعل: (عضنا)
فيكون استعار لفظ (عضنا) لما أصابه من نكبات الدهر بجامع الألم في كليهما على سبيل الاستعارة التصريحية فتكون الاستعارة تبعية كما أردت:) ..
موفقة دوماً ..
ـ[عاشقة الضاد]ــــــــ[23 - 01 - 2010, 10:43 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
أولا أرحب بك أختي في المنتدى، فأرى أنك حديثة التسجيل فيه. و أشكرك على الرد و التوضيح و أرجو من الله أن يبارك في علمك.
ـ[يوماً ما]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 06:55 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
أولا أرحب بك أختي في المنتدى، فأرى أنك حديثة التسجيل فيه. و أشكرك على الرد و التوضيح و أرجو من الله أن يبارك في علمك.
شاكرة لك
رفعت معنوياتي أستاذتي ( ops
زادك الكريم فلاحاً وسروراً(/)
من فضلكم أريد مساعدتكم
ـ[هاوية اللغة العربية]ــــــــ[21 - 01 - 2010, 09:59 م]ـ
بسم الله ا لرحمن الرحيم
من فضلكم اريد مساعدتكم في الاسئلة بصراحة من دونكم لا ادري ما سافعله وان شاء الله كله في ميزان حسناتكم
مالقيمة الفنية للاستعارة والكناية والتشبيه
متى نطلق على الحكم في الجملة الخبرية بفائدة الخبر او لازم الفائدة
توضيح عن حالات اضرب الخبر
ماهي ادوات التوكيد
ماهي احرف التنبيه وكيف نفرق بين لام الابتداء واللامات الاخرى
هل هناك غرض بلاغي من قول الشاعر
كان مثار النقع فوق رؤوسنا واسيافنا ليل تهاوى كواكبه
ـ[ترانيم الحصاد]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 01:00 ص]ـ
.
.
القيمة الفنية للتشبيه هي: التوضيح - التشخيص - التجسيم.
القيمة الفنية الاستعارة هي: التوضيح - التشخيص - التجسيم.
القيمة الفنية للكناية هي: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل في إيجاز وتجسيم.
ـ[ترانيم الحصاد]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 01:02 ص]ـ
.
أدوات التوكيد هي:
(إنّ - أنَّ - القسم - لام الابتداء - نونا التوكيد - قد - حروف الجر الزائدة - أما الشرطية - أساليب القصر - التوكيد اللفظي والتوكيد المعنوي - المفعول المطلق - بعض الألفاظ مثل: حقا، يقينا، لا ريب .... إلخ).
ـ[ترانيم الحصاد]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 01:08 ص]ـ
.
(أحرف التنبيه) هي: ألا وإما وها ويا ..
لام الإبتداء تأتي في بداية الكلام وغالبا ما تأتي مع المبتدأ وهي بالطبع لا تؤثر على حركته. فنقول: لأنت أفضل عندي من فلان. أو للصيف أحب إلي من الشتاء .. وهكذا
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 01:19 ص]ـ
يساق الخبر لتحقيق أحد غرضين:
1. الغرض الأوّلي:
و هو قصد الإخبار و الإعلام. و هذا هو الغرض الأصلي من إلقاء الخبر. و هو على ضربين:
أ) فائدة الخبر:
و هو يحصل من الخبر الملقى لإفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة. و هذا يشمل جميع الأخبار التي يراد منها تعريف المخاطب بمضمونها، كالأخبار المتصلة بالحقائق العلمية، أو التاريخية، و نحوهما.
ب) لازم الفائدة:
و هو يحصل من الخبر الملقى لإفادة المخاطب العالم بالحكم، أن المتكلم عالم به أيضاً. كقولك لمن حفظ القرآن: «حفظت القرآن».
2. الغرض الثانوي:
و هو قصد معنى من المعاني ـ غير الإخبار و الإعلام ـ التي تفهم من سياق الكلام، و قرائن الأحوال. و هي كثيرة أهمها:
أ) التحزّن و التحسّر:
كقوله تعالى حكاية عن امرأة عمران: «رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُها اُنْثى».
ب) الفخر: كقوله صلى الله عليه و سلم: «إن اللّه اصطفاني من قريش».
ج) المدح: كقول عبداللّه بن رواحة يمدح النبي صلى الله عليه و سلم، و قيل إنه أمدح بيت قالته العرب:
تحملُه الناقةُ الأدماءُ معتجراً. . . بالبُردِ كالبدر جلّى نورُهُ الظُّلما.
ـ[ترانيم الحصاد]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 01:21 ص]ـ
الغرض البلاغي واضح جدا وهو: الفخر ..
ـ[ترانيم الحصاد]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 01:23 ص]ـ
.
.
أضرب الخبر: للمخاطب ثلاث حالات:-
1. أن يكون خالي الذهن من الحكم ,وفي هذه الحالة يلقى إلي الخبر خاليا من أدوات التأكيد ,ويسمى هذا الضرب من الخبر إبتدائيا.
2. أن يكون متردد في الحكم طالبا أن يصل إلى اليقين في معرفته, وفي هذه الحالة يحسن توكيده له ليتمكن من نفسه, ويسمى هذا الضرب طلبيا.
3. أن يكون منكرا له ,وفي هذه الحالة يجب أن يؤكد الخبر بمؤكد أو أكثر على حسب إنكاره قوة وضعفا ,ويسمى هذا الضرب إنكاريا."
ـ[ترانيم الحصاد]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 01:24 ص]ـ
تمت الإجابة على كافة الاستفسارات ولله الحمد ..
شكرا لك أخيتي أنوار ..
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 01:27 ص]ـ
سلمتِ تراتيم ..
ـ[هاوية اللغة العربية]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 02:01 م]ـ
سلمت اناملك اختاه وجزيت خيرا(/)
علم الدّلالة - علم البلاغة
ـ[زينب هداية]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 09:13 م]ـ
:::
السّلام عليكم جميعا
ما العلاقة بين علم الدّلالة و علم البلاغة
أرجو شرحا مبسّطا
جزاكم الله خيرا
ـ[زينب هداية]ــــــــ[25 - 01 - 2010, 06:15 م]ـ
أنتظر جوابا، أو نصيحة
(لن أفقد الأمل):)
ـ[أنوار]ــــــــ[26 - 01 - 2010, 12:53 ص]ـ
مرحباً أستاذتي الكريمة:
لعل من الأساتذة الكرام من يفيدكِ
ولن تعدمي _ بحول الله _ أملاً:)
دمتِ على الخير
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[26 - 01 - 2010, 01:20 ص]ـ
أهلاً بكِ أختي، وعليكم السلام ورحمة الله.
إذا كان "علم الدلالة" هو "علم المعنى"، وعلم المعنى هو "علم المعاني"ـ ولكن بمفهوم أعمّ وأشمل ـ فإن العلاقة أصبحت واضحة؟! ;)
"محاولة ":) "وبانتظار الجواب الشافي ".
ـ[زينب هداية]ــــــــ[27 - 01 - 2010, 08:00 م]ـ
شكر الله لكما، أستاذتيّ الفاضلتيْن
كثرة المصطلحات ترهق الدّارسين، أليس كذلك؟
ـ[الباز]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 03:54 ص]ـ
الأستاذة الكريمة مريم
معك حق؛ المصطلحات مشكلة عويصة، وعن نفسي لا أكاد أفقه في أبسطها شيئا
لكني أحاول المساعدة فقط، فقد تجدين في هذه الملخصات ما يعينك بإذن الله:
1 - المجاز وعلاقته بالحقول الدلالية ( http://faculty.ksu.edu.sa/26344/DocLib/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%A7%D8%B2%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8% AF%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9.doc)
2 - الوظيفة الدلاليّة في ضوء مناهج اللسانيات ( http://www.tishreen.shern.net/new%20site/univmagazine/VOL282006/Arts/No1/10.doc)
3 - موجز البلاغة (للعلامة الإمام محمد الطاهر بن عاشور) ( http://www.saaid.net/book/8/1772.doc)
تحيتي(/)
قبل أن أدخل الاختبار ... مساعدة
ـ[تايغر]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 03:49 م]ـ
ألا حبذا هند وأرض بها هند ****وهند أتى من بعدها النأي والبعد
البيت شاهد بلاغي على التطويل؟ فهل يمكن تخريجه إلى حشو غير مفسد للمعنى؟؟
2 - بالنسبة للمساواة:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات. وقال:
ما تزال أمتي بخير ما لم تر في الأمانة مغنما وفي الزكاة مغرما. وقال
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
السؤال:
هذه الأحاديث رأها الدكتور من المساواة في الكلام البليغ
فكيف جاءت من المساواة
أخواني وأخواتي:
ليس ضروريا أن تكون الإجابة من مرجع معتمد علما إنني أبحث في مراجع كثر فلم أجد ما يشفى به الغليلُ: ولذلك سأستأنس برأي عقولكم النيرة البليغة
ساعدوني بارك الله فيكم ..... الاختبار يوم الثلاثاء
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 04:04 م]ـ
أخواني وأخواتي:
ليس ضروريا أن تكون الإجابة من مرجع معتمد علما إنني أبحث في مراجع كثر فلم أجد ما يشفى به الغليلُ: ولذلك سأستأنس برأي عقولكم النيرة البليغة
أذكر أني في مرحلة البكالوريوس، وفي هذا الموضوع بالذات (الإيجاز والإطناب والمساواة) اعتمدت بشكل أساسي على كتاب "البلاغة: فنونُها وأفنانُها" للدكتور: فضل حسن عباس ..
وحصدت الدرجة النهائية 100/ 100 في "علم المعاني":).
عد إليه وستجد ما يفي بالغرض ـ ويشفي الغليل، بإذن الله.
ـ[تايغر]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 04:53 م]ـ
ألف شكر لك أختي ولكني لست في مرحلة البكالوريس وأستاذ المادة دائما اسئلته نقدية كهذه والكتاب الذي اشرتي إليه سأنزله الأن
ولكن محتاج منكم الرد أكثر وفقكم الله
ـ[تايغر]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 09:23 م]ـ
الوقت يمضي أرجو المساعدة
ـ[الأمل الموعود]ــــــــ[25 - 01 - 2010, 09:58 ص]ـ
يفرق البلاغيون بين التطويل والحشو، بأن الزيادة في التطويل غير معلومة، وذلك على نحو ما نجد في قول الشاعر:
ألا حبذا هند وأرض بها هند ****وهند أتى من بعدها النأي والبعد
فأحد اللفظين (النأي والبعد) يغني عن وجود الآخر، وليس أحدهما أولى من نظيره، والحشو زيادة متعينة، يقسمها البلاغيون على قسمين: حشو يفسد المعنى، وحشو غير مفسد.
أما المساواة، فهي ما ساوى اللفظ فيها المعنى، كقوله تعالى: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)،وقوله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره)،ومنه قول النابغة الذبياني:
فإنك كالليل الذي هو مدركي**وإن خلت أن المنتأى عنك واسع.
وللمزيد، يمكنك أن تعود إلى كتاب بلاغة التراكيب (دراسة في علم المعاني).
أرجو أن أكون قد أفدت ولو بشئ يسير.
ـ[تايغر]ــــــــ[25 - 01 - 2010, 07:39 م]ـ
أشكرك أخي الأمل المعهود ولا أعدمك الله فائدة.
هل من سبيل إلى حلٍّ فأكتبه ... أو من سبيل (إلى إجابة هنا)
ـ[الزرياب الإبريز]ــــــــ[26 - 01 - 2010, 01:46 م]ـ
فإن "النأي والبعد" تطويل، لأن اللفظين بمعنى واحد ولم يتعين الزائد منهما، ولا المعنى يتغير بإسقاط أحدهما، فلا فائدة في الجمع بينهما.
أخي تايغر .. توكل على الله، وادخل الاختبار!!
وأهنئك على روح البحث، والحرص، والتأمل في دقيق المسائل ...
ولقاؤنا في القاعة بإذن الله ...(/)
ماذا يسمى هذا في البلاغة
ـ[الحمزة]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 05:14 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أن يقال مثلا:
وفي هذا الكلام: حقيقة الأصل وأصل الحقيقة.
ومثل ذلك ..
تحت أي عنوان في البلاغة يدخل هذا؟
شكرًا لكم
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 09:15 م]ـ
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
ربما تجده في مباحث أصول الفقه أو المنطق. وقريب من هذا قولهم:
الجمع المطلق ومطلق الجمع، فالأول فيه تقييد للجمع بقيد الإطلاق، والثاني للجمع بلا قيد.
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 09:21 م]ـ
وعليكم السلام
أخيتي قد يفيدك هذا الرابط ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=51542) (http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=51542)
ـ[الحمزة]ــــــــ[25 - 01 - 2010, 04:27 م]ـ
بارك الله فيكما وجزاكما خيرا
على هذا: فإن هذا لا يندرج تحت أي مبحث أو عنوان في علم البلاغة, مثل أن يقال: إن كذا جناس, وكذا طباق .. ؟
أعاود الشكر للأستاذين للاهتمام بالرد(/)
كيف لي أن أفرق بين الوفاقية والعنادية: (
ـ[يوماً ما]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 06:56 م]ـ
تحية طيبة للأخوة والأخوات ..
تقسم الاستعارة التصريحية باعتبار اجتماع طرفيها في شيء واحد إلى
1 - وفاقية: التي يمكن أن يجتمع طرفاها في شيء واحد.
2 - عنادية: التي لا يمكن ذلك.
وأنا غير قادرة على التمييز بينها في كثير من الأمثلة
في قوله تعالى (فبشرهم بعذاب أليم)
هذه كالشمس أنها عنادية حيث البشارة لا تجتمع مع معنى النذارة , لكن
أفيدوني في:
فلم أر مثلي من مشى البحر نحوه ... ولا رجلاً قامت تعانقه الأُسد
حيث استعار البحر والأُسد للممدوح بجامع الكرم والشجاعة ..(/)
لمَ لمْ تساعدوني
ـ[الصحبي جعيط]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 09:06 م]ـ
السلام عليكم
( ops) انتظرت منكم مساعدتي في فهم الصورة التي وردت
في قول الشاعر محمود درويش:
" اما القلوب فصارت حيادية مثل ورد السياج ... "
و ما زلت انتظر مساعدتكم لي
ـ[تايغر]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 09:16 م]ـ
والله لو أعرف لساعدتك
حتى انا انتظرهم يساعدوني مثلك(/)
السلام عليكم , الرجاء المساعدة , أحتاجها في دراستي
ـ[ملاك الادب]ــــــــ[25 - 01 - 2010, 02:31 ص]ـ
السلام عليكم .. ارجو من الأعضاء المتخصصين بالدراسات النقدية والاسلوبية، وكذلك من كل الاعضاء الذين يجدون في أنفسِهِم المقدرة والكفاءة في خدمتي للإجابة على اسئلتي ادناه علماً انني قد أملك اجابات لبعض هذه الاسئلة غير اني أرغب بالمزيد مما تفتقر له معرفتي أو ثقافتي .. مع خاص شكري وتقديري:
1 - مالفرق بين (المشهد) الشعري و (المقطع الشعري)؟، ارجو منكم اجابة كافية وشافية ولو اعتمدت التطبيق (الأمثلة) للتوضيح لكان افضل.
2 - ما الاغراض المجازية التي يمكن ان يخرج اليها اسلوب النداء في القصائد الشعرية؟ (ولااقصد طبعاً ماهو معروف، مثلاً نقول الياء لمناداة البعيد والهمزة للقريب، فهذه معلومات بديهية، ان ما اقصده ماغرض الشاعر من استخدام النداء في أبياته الشعرية؟
3 - وهل الغرض الذي انبثقت عنه الجمل الاتية هو النداء أم النعت رغم وجود النداء
ياوردة، ياقمري، ياجميلة ...
وهل من الممكن ان يخرج النداء لغرض مجازي هو النعت.
4 - لماذا يكثر اسلوب الاستفهام في القصائد التي تولد وتتحدث عن بيئة متحضرة او متطورة اكثر من القصائد التي تتناول البيئات البسيطة كالبادية مثلاً؟
هل ممكن القول لوجود علاقة مع الطرف الاخر يتمثل بالحوار الذي تنبثق عنه الاستفهامات؟
5 - مامقاصد الشعراء عندما يكثرون من استخدام أساليب التكرار والتقديم والتأخير؟ وما الاغراض البلاغية التي يمكن ان تنبثق عن هذا الاستخدام؟
تحياتي و اشكر كل من يجيبني
ـ[إيمان الخليفة]ــــــــ[08 - 02 - 2010, 11:47 ص]ـ
2 - ما الاغراض المجازية التي يمكن ان يخرج اليها اسلوب النداء في القصائد الشعرية؟ (ولااقصد طبعاً ماهو معروف، مثلاً نقول الياء لمناداة البعيد والهمزة للقريب، فهذه معلومات بديهية، ان ما اقصده ماغرض الشاعر من استخدام النداء في أبياته الشعرية؟
قد يستعمل البليغ أدوات النداء التي للقريب فينادي بها البعيد، لمعنى يريد الإشارة إليه،
كأن ينزل البعيد منزلة القريب إشارة إلى قربه ... وكأنه يريد الإشارة إلى أنه
لشدة سمعه وانتباهه وسرعة استجابته، كأنه قريب، فلا يحتاج أن ينادى بأدوات نداء البعيد.
وقد يستعمل أدوات النداء التي للبعيد فينادي بها القريب، لمعنى يريد الإشارة إليه،
كأن يريد أنه رفيع المنزلة عالي المقام، فهو لارتفاع منزلته وبعد مقامه بمثابة البعيد ,
فاللائق به أن ينادى بأدوات النداء التي للبعيد.
أو كأن يريد أنه منحط المنزلة جدا، فهو لانحطاط منزلته بمثابة البعيد , فاللائق به
أن ينادى بأدوات النداء التي للبعيد , أو للإشارة إلى أن السامع غافل شارد الذهن ...
ويخرج النداء عن المعنى الأصلي الموضوع له، إلى أغراض أخرى غير (النداء)
تُفهم من قرائن الحال أو قرائن المقال، كـ (التحسر)؛ كما في قول الله عز وجل:
{أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:56] ...
أتمنى أني أفدتك , وللاستزادة يراجع كتاب: أ. حسن الميداني الجزء الخاص بعلم المعاني - أيضا البلاغة فنونها وأفنانها ..
دمت بخير.
ـ[ملاك الادب]ــــــــ[13 - 02 - 2010, 07:12 م]ـ
شكرا لك ِ اختي الكريمة ايمان و اشكر اهتمامك ولقد استفد من رايك و كلامك كثيرا(/)
تَذَوَّق الجِناس
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[27 - 01 - 2010, 07:17 م]ـ
تَذَوَّق الجِناس
السِّحْرُ الحَلالْ
!!!؟؟
انْتَقَيْتُ لَكُمْ مِمّا قالَهُ الشُّعَراءُ
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
يا مَنْ بِهَواهُ صِرْتُ في الحُبِّ أَسِيرْ ... حَيْرانَ إِلى مَسالِكِ الذُلِّ أَسِيرْ
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
أَهْوَى قَمَراً هَوَيْتُ عَيْنَيْهِ وَفاهْ ... ما أكْثَرَ حُسْنَهُ وَ إنْ قَلَّ وَفاهْ
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
وَ زُرْنا فَإِنَّ أَلَذَّ الهِباتْ ... إِعادَةُ أَيّامِنا الذّاهِباتْ
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
ناظِراهُ فيما جَنى ناظِراهُ ... أَوْدَعاني أَمُتْ بِما أَوْدَعاني
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
سِوى حُسْنِ وَجْهِكِ لَمْ يَحْلُ لي ... وَغَيْرُكِ فِي القَلْبِ لَمْ يَحْلُلِ
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
لا تَعْرِضَنَّ عَلى الرُّواةِ قَصِيدَةً ... ما لَمْ تَكُنْ بالَغْتَ فِي تَهْذِيبهِا
فَإذا عَرَضْتَ الشِّعْرَ غَيْرَ مُهَذَّبٍ ... عَدُّوهُ مِنْكَ وَساوِساً تَهْذِي بهِا
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
أَعْذَبُ خَلْقِ اللّهِ نُطْقاً وَفَماً ... إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ باِلحُسْنِ فَمَنْ
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
مِثْلُ الغَزالِ نَظْرَةً وَ لَفْتَةً ... مَنْ ذا رَآهُ مُقْبِلاً وَلا افْتَتَنْ
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
أَفُؤادِي مَتَى المَتابُ أَلمَّا ... تَصْحُ وَالشَّيْبُ فَوْقَ رَأْسِي أَلمَّا
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
فَحَيِّهِمْ ما دُمْتَ فِي حَيِّهِمْ ... وَدارِهِمْ ما دُمْتَ فِي دارِهِمْ
وَأَرْضِهِمْ ما دُمْتَ فِي أَرْضِهِمْ
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
إِنَّ لِلّوَجْدِ فِي فُؤادِي تَراكُمْ ... لَيْتَ عَيْنِي قَبْلَ المَماتِ تَراكُمْ
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
إِذا مَلِكٌ لَمْ يَكُنْ ذا هِبَة ْ ... فَدَعْهُ فَدَوْلتُهُ ذاهِبَة
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif
أَطَعْتَ ما سَنَّ أعْدائِي وَما فَرَضُوا ... وَشاهَدُوكَ بِسُخْطِي راضِياً فَرَضُوا
http://www.marinamool.com/pic/up/26465483720100128.gif ]
ـ[الأمل الموعود]ــــــــ[27 - 01 - 2010, 11:33 م]ـ
جميل ما نقلت أخي سالم، سلمك الله من كل سوء وبلاء، ووفقك لكل خير.
فالجناس من الفنون البديعية، ونوع من التكرار يعني تماثل اللفظين أو تشابههما في النطق، واختلافهما في المعنى. وأرى أن سر جماليته هو الإيقاع الصوتي الذي يحدثه تكرار الأصوات نفسها في الكلمات المتجانسة.
وللأستاذ الفاضل الباز موضوع جميل، وضع فيه مجموعة كبيرة من القوافي المتجانسة.
بعنوان: جمع ما تيسر من القوافي المتجانسة
دمت بخير.
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 12:08 ص]ـ
الأمل الموعود:
أَشْكُرُ لَكِ هذا الوُرُودْ ... وَأُهْدِيكِ باقَة ًمِنَ الوُرُودْ
لَوْ زارَنا طَيْفُ ذاتِ الخالِ أَحْيانا ... وَنَحْنُ فِي حُفَر ِالأَجْداث ِأَحْيانا
طبعا ً نَحْنُ نَتَلَذذ هنا بالجِناس , أمّا المضمون ولو أنّه كِنايَة فربّما هو غير مقبول.
أنكَرْتِ مِنْ أدْمُعِي تَترى سَواكِبُها ... سَلِي دُموعِي هَلْ أبْكِي سِواكِ بِها
وتَحْتَ خَيْل ِالقَنا فُرْسانُ مَعْرَكَةٍ ... لَهاثَباتٌ وَفِي الهَيْجاءِ وَثْباتُ
إنْ لَمْ تُقَرِّحْ أدْمُعِي أجْفانِي ... مِنْ بَعْدِ بُعْدِكُمُ فَما أجْفانِي
طبعا ًتُقْرَأ: بُعْدِكُمُو, أجفاني جمع جَفن والثانية من الجفاء
قُبُورُنا تُبْنى وَنَحْنُ ما تُبْنا ... يا لَيْتَنا تُبْنا مِنْ قَبْل ِأنْ تُبْنى
تُبْنى مِنَ البناء والثانية تُبْنا مِنَ التَّوْبَة
فَلَمْ تَضَعِ الأَعادِي قَدْرَ شانِي ... وَلا قالُوا فُلانٌ قَدْ رَشانِي
عَضَنا الدَّهْرُ بِنابِهْ ... لَيْتَ ما حَلَّ بِنا بِهْ
مَنْ لِصَبٍّ أَدْنى البُعادُ وَفاتَهُ ... إذْ عَداهُ وَصْلُ الحَبِيبِ وَفاتَهُ
وَ إنْ أَقَرَّ عَلى رَقٍّ أنامِلَهُ ... أَقَرَّ بالرِّقِّ كُتّابُ الأَنامِ لَهُ
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 12:13 ص]ـ
كُنْ كَيْفَ شِئْتَ عَن ِالهَوى لا أَنْتَهِي ... حَتى تَعُودَ لِيَ الحياة ُوَ أَنْتَ هِي
أَتُرى البارِقَ الذِي لاحَ لَيْلا ... مَرَّ باِلحَيّ ِمِنْ مَرابِعِ لَيْلَى
إِنَّ أَسْيافَنا القِصارَ الدَّوامِي ... صَيَّرَتْ مُلْكَنا طَويلَ الدَّوامِ
للِّهِ قَوْمِي الأُلَى صانُوا مَنازِلَهُمْ ... عَن ِالخُطُوبِ كَما أَفْنَوْا مُنازِلَهُمْ
لالا شَبيهَ فِي الوَرَى لَكِ لالا ... يا كَوْكَباً بِسَما المَفاخِرِ لالا
إلى حَتْفِي سَعَى قَدَمِي ... أرَى قَدَمِي أراقَدَمِي
أَلا يا سَيِّداً خُلِقَتْ يَداهُ ... لِثَرْوَةِ مُعْدَم ٍأوْ يُسْرِعَانِ
مَضَى العُسْرُ الذِي قاسَيْتَ فَاعْدِلْ ... إِلى يُسْرَيْن ِنَحْوَكَ يُسْرِعَانِ
معدم: فقير * العاني فهو عان ٍ: المقهور من الفقر
يُسْرِ + عان * يُسْرِعان ِ: من السرعة , يجيئان ِبُسرعة
لا تَفْعَل ِالشَرَّ إِذا ما ... رُمْتَ فَوْزا ً وَ سَلامَهْ
ولازِم ِالخَيْرَ تَسُدْ ... وَقُلْ لِمَنْ عَنهُ سَلا مَهْ
سَلا: سَهى , مَهْ: كُفَّ
رَأَيْتُ النّاسَ قَدْ مالُوا ... إِلى مَنْ عِنْدَهُ مالُ
رَأَيْتُ النّاسَ قَدْ ذَهَبُوا ... إِلى مَنْ عِنْدَهُ ذهَبُ
رَأيْتُ النّاسَ مُنْفََضَّةْ ... إِلى مَنْ عِنْدَهُ فِضَّةْ
سَلْ ما لِسَلْمَى بنِار ِالشَّوْقِ تَكْوِينِي ... وَحُبُّها فِي القَلْبِ مِنْ يَوْمِ تَكْوِينِي
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 12:14 ص]ـ
لَوْ صِرْتُ مِنْ سَقَمِي شَبيهَ سِواكِ ... ما اخْترتُ مِنْ دُون ِالأَنام ِسِواكِ
سواك الأولى: السِّواك , والثانية: بمعنى غيركِ
تَقُولُ أَنْتَ امْرِؤٌ جافٍ مُغالِطَةً ... فَقُلْتُ لا هُوِّمَتْ أَجْفانُ أَجْفانا
بَيْنَ السُّيُوفِ وَعَيْنَيْها مُشارَكَةٌ ... مِنْ أَجْلِها قِيلَ لِلأَجْفانِ أَجْفانُ
فَهِمْتُ كِتابَكَ يا سَيِّدِي ... فَهِمْتُ وَلا عَجَبٌ أنْ أهِيما
يا مَنْ يُضَيِّعُ عُمُرَهُ ... مُتَمادِياً فِي الَّلهْوِ أمْسِكْ
وَاعْلَمْ بأَنَّكَ لامَحالَةَ ... ذاهِبٌ كَذَهابِ أمْسِكْ
أَقُولُ لِظَبْي ٍمَرَّ بِي وَهُوَ هائِمٌ ... أَأَنْتَ أَخُو لَيْلَى فَقَالَ يُقالُ
فَقُلْتُ أَفِي ظِلّ ِالأَراكَةِ وَالغَضا ... يُقالُ وَ يُسْتَظَلُّ فَقالَ يُقالُ
فُقُلْتُ يُقالُ المُسْتَجِيرُ بأَرْضِكُمْ ... إِذا ماجَنَى ذَنْباً فَقالَ يُقالُ
يٌقالُ الأولى من القَوْل ِ, والثانية من القَيْلُولَة , والثالثة مِنْ إقالةِ العَثْرَة بمَعنى الصّفح وغَضّ الطّرف
قَدْ راعَنِي بَدْرُ الدُّجى بِصُدُودِهِ ... وَوَكَّلَّ أجْفانِي برَِعْيِ كَواكِبِهْ
فَيا جَزَعِي مَهْلاً عَساهُ يَعُودُ لِي ... وَيا كَبِدِي صَبْراً عَلى ما كَواكِ بِهْ
حَكَمَ الزَّمانُ وَغَضَّ عَنّا طَرْفَهُ ... يا صاحِ لا تَقْنَعْ بِأنَّكَ صاحِ
صاح الأولى: صاحبي , والثانية: واع ٍمستيقظ ٍ
كَفَرْض ِالصَّلاة فُرُوضُ الصِّلاتِ ... وَمَطْلُ العِداتِ كَحَرْبِ العُداةِ
الصِّلاتِ جَمْعُ صِلَةٍ كَصلة الرَّحِمِ , مَطْلُ: تأخير السّداد والوفاء بالوعود وهي العِدات جمعُ عِدَةٍ , والعُداةُ: الأعداءُ
إِذا تَحَدَّثْتَ فِي قَوْمٍ لِتُؤْنِسَهُمْ ... بِما تُحَدِّثُ مِنْ ماضٍ وَمِنْ آتِ
فَلا تُعِدْ لِحَدِيثٍ إنَّ طَبْعَهُمُو ... مُوَكَّلٌ بِمُعاداةِ المُعاداتِ
عَلا نَجْمُهُ فِي عالَم ِالشِّعْر ِفَجْأة ً ... عَلى أنَّهُ ما زالَ فِي الشِّعْر شادِيا
وَلَوْ أَنَّ وَصْلاً عَلَّلُوهُ بِقُرْبِهِ ... لَما أَنَّ مِنْ حَمْل ِالصَّبابَةِ وَالهَوى
لَأَبْدُلَنَّ ما حَوَتْهُ راحَتِي ... أُتْلِفُ ما فِي راحَتِي فِي راحَتِي
راحتي الأولى والثانية: الكفّ أو اليَد , الثالثة: الراحة
أَنْعِمْ وَشَرِّفْ بِالجَوابِ ... أَوْ زُرْ فَقَدْ زادَ الجَوى بِي
نِلْتُ مِنْ وُدِّكَ الجَمِيلِ انْتِصافِي ... حَيْثُ مِنْ سائِرِالقَذى أنْتَ صافِي
رَبِّ سَهِّلْ عَلى فَتاتِي فَتاتِي ... لِتَرَى هَلْ سَلا فَتاها فَتاها
عَلَّمَتْهُ جُفُونُها آيَ سِحْر ٍ ... ما تَلاها عَنْ حُبِّها مُذْ تَلاها
فتاتي: الأولى فتاة والثانية فتأتي * فتاها: الفتى , فتاها: فضاع من الضياع والتيه * تلاها: تلهّى , والثانية: قرأها
وَها أَنا لا أُبالِي بَعْدَ رُؤْيَتِهِ ... قَسا فُؤادُ الّذِي أَهْواهُ أَوْ لانا
أَطَعْتُ بَعْضَ العُذُولِ بِهِ وَقَدْ ... كانَ فِي عَذْلِهِ بِالعَذْلِ أَوْلانا
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 12:15 ص]ـ
وَالمَكْرُ مَهْما اسْطَعْتَ لا تَأْتِهِ ... لِتَقْتَنِي السُّؤْدُدَ وَالمَكْرُمَهْ
يا مَنْ بِسِنانِ رُمْحِهِ قَدْ طَعَنا ... و َالصّارِمِ فِي رُمْحِهِ قَطَّعَنا
إِرْحَمْ دَنِفاً فِي سِنِّهِ قَدْ طَعَنا ... فِي حُبِّكَ لا يُصِيبُهُ قَطُّ عَنا
فَإِنْ كُنْتُما لا تُسْعِدانِي عَلى الأَسى ... قِفا وَدِّعانِي ساعَةً وَدَعانِي
ملحوظة: ليس هناك تكرار للأبيات , وإنْ تشابهت الكلمات , وأنا أحرصُ أنْ يجدَ الراغِبُ أو الباحثُ , ما لَذ ّ لهُ وطابَ , في مادّةٍ جاهزةٍ مجموعةٍ , في مثلِ هذا التّجميع العزيز الفريد , واللهُ وليُّ التّوفيق.
خَلِيلَيَّ إِنْ قالَتْ بُثَيْنَةُ ما لَهُ ... أَتانا بلا وَعْدٍ فَقُولا لَها لَها
بُثَيْنَةُ تُزْرِي بالغَزالَةِ فِي الضُّحى ... إِذا بَرَزَتْ لَمْ تُبْقِ يَوْماً بِها بَها
لَها مُقْلَةٌ كَحْلاءُ نَجْلاءُ خِلْقَةً ... كَأَنَّ أَباها الظَّبْيُ أَوْ أُمَّها مَها
وَنَحْرٍ كَأَنَّ اللّهَ لِلّثْمِ صاغَهُ ... وَبَعْضُ نُحُورِ النّاسِ تَصْلُحُ للِنَّحْرِ
نحر: العنق , تصلح للنحر: للذبح
وَرَدَ الرَّبيعُ فَمَرْحَباً بِوُرُودِهِ ... وَبِنُورِ بَهْجَتِهِ وَنُورِ وُرُودِهِ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 12:16 ص]ـ
أَخْمِدْ بِحِلْمِكَ ما يُذْكِيهِ ذُو سَفَهٍ ... مِنْ نارِ غَيْظِكَ واصْفَحْ إِنْ جَنَى جانِ
فَالحِلْمُ أَفْضَلُ ما ازْدانَ اللَّبِيبُ بهِ ... وَالأَخْذُ باِلعَفْوِ أَحْلَى ما جَنَى جانِ
قَدْ قُلْتُ لَمّا مَرَّ بي مُعْرِضًا ... وَكَفُّهُ يَحْمِلُ زُرْزُورا
يا ذا الذي عَذَّبَني مَطْلُهُ ... إِنْلَمْ تَزُرْ حَقًّا فَزُرْ زُورا
زُرْزُورا الأولى: نوع من الطيور, والثانية بمعنى: إن لم تزرني صِدْقا فزُرْنِي ولو كَذِبًا.
لَقَدْ سَمِعْنا بأَوْصافٍ لَكُمْ كَمُلَتْ ... فَسَرَّنا ما سَمِعْناهُ و أَحْيانا
مِنْ قَبْلِ رُؤْيَتِكُمْ نِلْنا مََحَبَّتَكُمْ ... والأُذْنُ تَعْشَقُ قَبْلَ العَيْنِ أَحْيانا
وَرِثُوا الأُبُوَّةَ وَالحُظُوظَ فَأَصْبَحُوا ... جَمَعُوا جُدُوداً فِي العُلا وَجُدُودا
تَغْزُو فَتَغْلِبُ تَغْلِبُ ابْنَةُ وائِلٍ ... وَتَسِيحُ غُنْمٌ فِي البِلادِ فَتَغْنَمُ
مَنْ ماتَ مِنْ حَدَثِ الزَّمانِ فَإِنَّهُ ... يَحْيَى لَدَى يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ
فَقُلْ لِنَفْسِكَ أيُّ الضَّرْبِ يُوجِعُها ... ضَرْبُ النَّواقِيسِ أَمْ ضَرْبُ النَّوى قِيسِي
أَسْبَلْنَ مِنْ فَوْقِ النُّهُودِ ذَوائِبا ... فَتَرَكْنَ حَبّاتِ القُلُوبِ ذَوائِبا
وَحَقِّ الهَوى ما حُلْتُ يَوْماً عَنِ الهَوى ... وَ لكِنَّ نَجْمِي فِي المَحَبَّةِ قَدْ هَوى
وَمَنْ كُنْتُ أَرْجُو وَصْلَهُ قَتْلِي نَوى ... وَأَضْنى فُؤادِي بِالقَطِيعَةِ وَالنَّوى
إنِّي لَيُطْرِبُنِي العَذُولُ فَأَنْثَنِي ... فَيَظُنُّ أَنِّي عَنْ هَواكُمْ أَنْثَنِي
أَتَرُومُ مِنْ بَعْدِ النَّدامَهْ ... مِنْهُ إِدْراكَ النَّدى مَهْ
فاتَّق ِاللهَ فِي عَذاب ِمُحِبٍّ ... كُلَّما جُنَّ لَيْلُهُ فِيكَ جُنَّ
ما كُنْتَ فِي إِحْدى الشَّدائِدِ مُرْتَجا ... إِلاّ رَأَيْنا بابَ جُودِكَ مُرْتَجا
قيلَ هذا البيتُ للذمّ ِ فـ مُرتجا بمعنى نرجو منك الإعانة والثانية بمعنى مغلق , أي يُغلقُ باب الجُود ويبخل عن الإعانة
يا مَن ْلِجَمال ِيُوسُفَ قَدْ وَرِثا ... العاذِلُ قَدْ رَقَّ لِحالِي وَرَثى
فكَأَنَّ نَغْمَة َعُودِها فِي صَوْتِها ... وَكَأَنَّ رقَّةَ صَوْتِها فِي عُودِها
كلمة عودها الأولى: آلة العزف والثانية: قَوامُها الرّقيق
أَمْسَيْتُ ذا ضُرٍّ وَفِي يَدِكَ الشِّفا ... لَمّا غَدَوْتُ مِنَ الذُّنُوبِ عَلى شَفا
دَعانِي مِنْ مَلامِكُما سَفاها ً ... فَداعِي الشَّوْق ِقَبْلَكُما دَعانِي
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 12:16 ص]ـ
لا زِلْتَ سَبّاقاً إِلَى المَكْرُماتْ ... عاشَ بِكَ المَعْرُوفُ وَ المَكْرُ ماتْ
سَلَبَتْنا فَواتِكُ الَّلفَتاتِ ... إِذْ سَبَقْنا باِلخَيْفِ كُلَّ فَتاةِ
هاتِ اسْقِنِي قَهْوَ ةً بِكْرِيَّةً فَضَحَتْ ... بِكْرَ المُدامِ وَ رَوِّقْ لِي الفَناجِينا
تَدْعُو إِلَى كُلِّ ما فِيهِ البَقاءُ وَلَوْ ... دَعَتْ إِلَى كُلِّ ما فِيهِ الفَنَاجِينا
لَوْ أَنَّ أَلْفًا أَحاطُوا حَوْلَ ساحَتِها ... قَصْدَ النَّجَاةِ رَأَيْتَ الأَلْفَ ناجِينا
يا رَبَّةَ الحُسْنِ حَلَّيْناحِماكِ فَإِنْ ... نَطْلُبْ فَجُودِي وَإِنْ نَسْأَلْ فَناجِينا
أَمَا سَمِعْتِ لِسانَ الحالِ قائِلَةً ... اشْرَبْ هَنِيئًا وَ قُمْ لَيْلاً فَناجِينا
مَيَّزْتُ بَيْنَ جَمالِها وَفِعالِها ... فَإِذا المَلاحَةُ باِلقَباحَةِ لا تَفِي
حَلَفَتْ لَنا أَلاّ تَخُونَ عُهُودَنا ... فَكَأَنَّها حَلَفَتْ لَنا أَنْ لا تَفِي
فَكَمْ طَمِعُوا فِي وحْدَتِي فَرَمْيْتُهُمْ ... بأَِضْيَقَ مِنْ سُمٍّ وَ أَقْتَلَ مِنْ سُمِّ
سم الأولى: سُمِّ الخِياط , التي في رأس الإبرة
هُوَ الدَّهْرُ مُغْرًى باِلكَرِيمِ وَسَلْبِهِ ... فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ بِذاكَ فَسَلْ بِهِ
وَكَمْ خاطَرْتُ فِيكَ بِبَذْلِ نَفْسِي ... وَأَعْلَمُ أَنَّ بالِي فِيكَ بالِي
وَكَمْ صَبٍّ تَفاءَلَ فِي حَبِيبٍ ... وَفَالِي أَنَّ حُبِّي ما وَفَى لِي
وَكَمْ جَرَّبْتُ قَبْلَكَ مِنْ مَلِيحٍ ... فَأَمْسَى جِيدُ حالِي مِنْهُ حالِي
لَوْ أَفادَتْنا العَزائِمُ حالا ... لَمْ نَجِدْ حُسْنَ العَزاءِ مُحالا
كَيْفَ اسْتَبَحْتِ دَمَ المُحِبِّ وَلَمْ يَكُنْ ... قَلْبِي عَصاكِ وَلا شَقَقْتُ عَصاكِ
أَطْلَقْتِ فِي إِفْشاءِ أَسْرارِالهَوى ... دَمْعِي وَفاكِ فَما أَقَلَّ وَفاكِ
شَمِتَ العُداة ُوَلَوْ مَلَكْتِ صِيانَةً ... لَكِ فاكِ عَنْ إِيضاحِهِمْ لَكَفاكِ
مُلِّكْتُمْ مُهْجَتِي بَيْعاً وَمَقْدِرَةً ... فَأَنْتُمُ اليَوْمَ أَغْلالِي وَ أَغْلى لِي
عَلَوْتُ فَخْراً وَلكِنِّي ضُنِيتُ هَوىً ... فَحُبُّكُمْ هُوَ أَعْلى لِي وَ إِعْلالِي
أَوصَى لِيَ البَيْنُ أَنْ أَشْقى بحُِبِّكُمُ ... فَقَطَّعَ البَيْنُ أَوْصالِي وَ أَوْصَى لِي
أَمّا الغُبارُ فَإِنَّهُ ... مِمّا أَثارَ تْهُ السَّنَابِكْ
وَالجَوُّ مِنْهُ مُظْلِمٌ ... لكِنْ أَنارَ بِهِ السَّنَا بِكْ
يا دَهْرُ لِي عَبْدُالرَّحِيمِ ... فَلَسْتُ أَخْشَى مَسَّ نابِكْ
السّنابك الأولى: حوافر الخيل , الثانية: السّنا + بك بمعنى الضوء الذي فيك أنار الجوّ , مسّ نابك: مسّ + نابك بمعنى أذاك وشرورك.
سَلْ سَبِيلاً إِلى النَّجاةِ وَدَعْ ... دَمْعَ عَيْنِي يَجْرِي لَهُمْ سَلْسَبِيلا
وَكَمْ لِجِباهِ الرّاغِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ ... مَجالِ سُجُودٍ فِي مَجالِسِ جُودِ
رَأَيْتُكَ تَكْوِينِي بِمَيْسمِ مِنَّةٍ ... كَأَنَّكَ كُنْتَ الأَصْلَ فِي يَوْمِ تَكْوِينِي
فَدَعْنِي مِنَ المَنِّ الوَخِيمِ فَبُلْغَةٌ ... مِنَ العَيْشِ تَكْفِينِي إِلى يَوْمِ تَكْفِينِي
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 12:51 ص]ـ
لَوْ صِرْتُ مِنْ سَقَمِي شَبيهَ سِواكِ ... ما اخْترتُ مِنْ دُون ِالأَنام ِسِواكِ
سواك الأولى: السِّواك , والثانية: بمعنى غيركِ
تَقُولُ أَنْتَ امْرِؤٌ جافٍ مُغالِطَةً ... فَقُلْتُ لا هُوِّمَتْ أَجْفانُ أَجْفانا
بَيْنَ السُّيُوفِ وَعَيْنَيْها مُشارَكَةٌ ... مِنْ أَجْلِها قِيلَ لِلأَجْفانِ أَجْفانُ
فَهِمْتُ كِتابَكَ يا سَيِّدِي ... فَهِمْتُ وَلا عَجَبٌ أنْ أهِيما
يا مَنْ يُضَيِّعُ عُمُرَهُ ... مُتَمادِياً فِي الَّلهْوِ أمْسِكْ
وَاعْلَمْ بأَنَّكَ لامَحالَةَ َ ... ذاهِبٌ كَذَهابِ أمْسِكْ
أَقُولُ لِظَبْي ٍمَرَّ بِي وَهُوَ هائِمٌ ... أَأَنْتَ أَخُو لَيْلَى فَقَالَ يُقالُ
فَقُلْتُ أَفِي ظِلّ ِالأَراكَةِ وَالغَضا ... يُقالُ وَ يُسْتَظَلُّ فَقالَ يُقالُ
فُقُلْتُ يُقالُ المُسْتَجِيرُ بأَرْضِكُمْ ... إِذا ماجَنَى ذَنْباً فَقالَ يُقالُ
يٌقالُ الأولى من القَوْل ِ, والثانية من القَيْلُولَة , والثالثة مِنْ إقالةِ العَثْرَة بمَعنى الصّفح وغَضّ الطّرف
قَدْ راعَنِي بَدْرُ الدُّجى بِصُدُودِهِ ... وَوَكَّلَّ أجْفانِي برَِعْيِ كَواكِبِهْ
فَيا جَزَعِي مَهْلاً عَساهُ يَعُودُ لِي ... وَيا كَبِدِي صَبْراً عَلى ما كَواكِ بِهْ
حَكَمَ الزَّمانُ وَغَضَّ عَنّا طَرْفَهُ ... يا صاحِ لا تَقْنَعْ بِأنَّكَ صاحِ
صاح الأولى: صاحبي , والثانية: واع ٍمستيقظ ٍ
كَفَرْض ِالصَّلاة فُرُوضُ الصِّلاتِ ... وَمَطْلُ العِداتِ كَحَرْبِ العُداةِ
الصِّلاتِ جَمْعُ صِلَةٍ كَصلة الرَّحِمِ , مَطْلُ: تأخير السّداد والوفاء بالوعود وهي العِدات جمعُ عِدَةٍ , والعُداةُ: الأعداءُ
إِذا تَحَدَّثْتَ فِي قَوْمٍ لِتُؤْنِسَهُمْ ... بِما تُحَدِّثُ مِنْ ماضٍ وَمِنْ آتِ
فَلا تُعِدْ لِحَدِيثٍ إنَّ طَبْعَهُمُو ... مُوَكَّلٌ بِمُعاداةِ المُعاداتِ
عَلا نَجْمُهُ فِي عالَم ِالشِّعْر ِفَجْأة ً ... عَلى أنَّهُ ما زالَ فِي الشِّعْر شادِيا
وَلَوْ أَنَّ وَصْلاً عَلَّلُوهُ بِقُرْبِهِ ... لَما أَنَّ مِنْ حَمْل ِالصَّبابَةِ وَالهَوى
لَأَبْدُلَنَّ ما حَوَتْهُ راحَتِي ... أُتْلِفُ ما فِي راحَتِي فِي راحَتِي
راحتيالأولى والثانية: الكفّ أو اليَد , الثالثة: الراحة
أَنْعِمْ وَشَرِّفْ بِالجَوابِ ... أَوْ زُرْ فَقَدْ زادَ الجَوى بِي
نِلْتُ مِنْ وُدِّكَ الجَمِيلِ انْتِصافِي ... حَيْثُ مِنْ سائِرِالقَذى أنْتَ صافِي
رَبِّ سَهِّلْ عَلى فَتاتِي فَتاتِي ... لِتَرَى هَلْ سَلا فَتاها فَتاها
عَلَّمَتْهُ جُفُونُها آيَ سِحْر ٍ ... ما تَلاها عَنْ حُبِّها مُذْ تَلاها
فتاتي: الأولى فتاة والثانية فتأتي * فتاها: الفتى , فتاها: فضاع من الضياع والتيه * تلاها: تلهّى , والثانية: قرأها
وَها أَنا لا أُبالِي بَعْدَ رُؤْيَتِهِ ... قَسا فُؤادُ الّذِي أَهْواهُ أَوْ لانا
أَطَعْتُ بَعْضَ العُذُولِ بِهِ وَقَدْ ... كانَ فِي عَذْلِهِ بِالعَذْلِ أَوْلانا
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 01:13 ص]ـ
جزيتم خيراً ..
زاوية ماتعة بحق ..
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 04:12 ص]ـ
زيارتُكِ أنْوارْ ... للموضوع يا أنْوار
وأرجو إتاحة الإمكانيّة الدائمة طيلة الوقت لي للتعديل بهدف تنسيق الكلمات وتظليل المتجانسات والفصل بين الكلمات الموصولات والمتلاصقات ..... وهلّمَّ جرا مع بالغ الشكر
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 07:26 ص]ـ
وأرجو إتاحة الإمكانيّة الدائمة طيلة الوقت لي للتعديل بهدف تنسيق الكلمات وتظليل المتجانسات والفصل بين الكلمات الموصولات والمتلاصقات ..... وهلّمَّ جرا مع بالغ الشكر
هذا الأمر غير ممكن .. يتاح للأعضاء التعديل على مشاركاتهم خلال نصف ساعة فقط
ولكن إن أردتم التعديل ضعوا طلبكم هنا وسيقوم به أي مشرف ..
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 03:29 م]ـ
هذا الأمر غير ممكن .. يتاح للأعضاء التعديل على مشاركاتهم خلال نصف ساعة فقط
ولكن إن أردتم التعديل ضعوا طلبكم هنا وسيقوم به أي مشرف ..
أشكركِ , ولكنْ أنّى للمشرف معرفة ما أريدُ , فهناك كثيرٌ من التعديلات , لاحظي المشاركة الأولى في هذا الموضوع , بيت مقسومٌ في سطرين , خطأ شكل الأحرف بسبب نوع الخط ..... إلخ , على كلّ ٍ سأحرص على تنسيق المشاركة جيّدا منذ إثباتها ولكم الشكر على الاهتمام بالرد.
ـ[وليد]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 03:51 م]ـ
مضى عصر الشباب كلمح برق ... وعصر الشيب بالأكدار شيبا
وما أعددت قبل الموت زادا ... ليوم يجعل الولدان شيبا
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 11:57 م]ـ
الجناس أجمل وليد ... للبلاغة أخي وليد
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[29 - 01 - 2010, 12:01 ص]ـ
كُلُّكُمْ قَدْ أَخَذَ الجامَ وَلا جَامَ لَنا ... ما ضَرَّ مُدِيرَ الجامِ لَوْ جامَلَنا
جام + لنا: يعني لا إناء لنا , والجام وِعاء من أوعية الخمر
جاملنا الثانية: من المجاملة ,بمعنى لاطفنا
لا يُؤْخَذُ الجارُ فِي الأَعْراضِ باِلجارِ ... إِنْ دامَ وَهُوَ عَلى رِسْلِ الوَفا جارِي
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[29 - 01 - 2010, 12:12 ص]ـ
فَالشَّوْقُ باقٍ وَما أَبْقاهُ مِنْ بَدَنِي ... فَانٍ وَكَمْ أَفْنَتِ الأَشْواقُ أَبْدانا
فَلَوْ قَرَنْتَ بِجِسْمِي ذَرَّةً لِتَرى ... أَبْدى الخَفِيفَيْنِ كانَ الذَّرُّ أَبْدانا
أبدانا الأولى: جمع بدَن , بمعنى أجسام
أبدانا الثانية: من يبدو بمعنى أكثرنا وضوحا
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[29 - 01 - 2010, 12:12 ص]ـ
طَرَقْتُ البابَ حَتّى كَلَّ مَتْنِي ... فَلَمّا كَلَّمَتْنِي كَلَّمَتْنِي
كلَّ متني الأولى: كَلَّ بمعنى ضَعُفَ , مَتني: ظهري وكذلك قوّتي
كلمتني الثانية: من الكلام , بمعنى حدثتني
كلمتني الثالثة: مِنْ كلَّمَ , بمعنى جرحتني
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[12 - 03 - 2010, 02:53 ص]ـ
كَسَوْتُكَ مِنْ قَشِيبِ الشِّعْرِ بُرْداً
يُهَجِّنُ شِعْرَ بَشّارِ بْنِ بُرْدِ
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[12 - 03 - 2010, 02:55 ص]ـ
وَلِيَكُونَ الجناسُ أكْمَلَ وأجْمَلَ صِغْتُهُ:
قَشِيبُ الشِّعْرِ بُرْدٌ أيُّ بُرْدِ
يُهَجِّنُ شِعْرَ بَشّارِ بْنِ بُرْدِ(/)
التأنيس والتشخيص
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[27 - 01 - 2010, 10:50 م]ـ
السلام عليكم
كنت قد طرحت سؤالًا حول الفرق بين التانيس والتشخيص وكان جواب الأخوة الأعضاءأنه لا فرق إلا التسمية.
مرّ معي في كتاب أنّ هناك فرق وهوأنّ التشخيص هو أعطاء صفة الأنسان أو الحيوان لغير الأنسان , أمّا التانيس فهو إعطاء صفة الأنسان فقط لغير الأنسان.
فما الصوابوما هو نوع المجاز في قولنا: عوت الريح؟
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 12:53 م]ـ
أرجو مساعدتي بالجواب
ـ[الأمل الموعود]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 04:23 م]ـ
يقول عبد القاهر الجرجاني، وهو يتحدث عن الاستعارة والتشخيص: ((فانك لترى بها الجماد حيا ناطقا، والأعجم فصيحا، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفية بادية جلية .... وتجد التشبيهات على الجملة غير معجبة ما لم تكنها، ان شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون، وأن شئت لطفت الأوصاف الجسمانية حتى تعود روحانية لا تنالها إلا الظنون، وهذه إشارات وتلويحات في بدائعها)).
فالتشخيص: هوبث الحركة والحياة والنطق في الجماد، أوخلع الحياة على المحسوسات الجامدة والظواهر الطبيعية الصامتة حتى انها لتخاطب مخاطبة الذي يعقل ويفهم وتخلع عليها صفات المخلوقات النابضة بالحياة، فمن مثله تشخيص الأرض والسماء. وهو نفسه الأنسنة (أي إضفاء صفات الإنسان على المحسوسات)
أما التجسيم فهو وسيلة أخرى من وسائل التصوير، أي أن تبرز المعنوي في صورة حسية بأن تخلع صفات الأشياء المحسوسة على المعاني المجردة، كقول ابن الرومي:
دهر علا قدر الوضيع به=وترى الشريف يحطه شرفه
كالبحر يرسب فيه لؤلؤه=سفلا، وتعلو فوقه جيفه
وقول أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب=بكل يد مضرجة تدق
وقولك: عوت الريح، من الاستعارة، يماثل قول الهذلي:
وإذا المنية أنشبت أظفارها=ألفيت كل تميمة لا تنفع
إذ استعار للمنية سبعا ينشب مخالبه في الناس، وعوت الريح، استعار للريح صوت الذئب بعد أن شبه الريح به.
ـ[عهود زائفة]ــــــــ[31 - 01 - 2010, 01:47 ص]ـ
عوت الريح
أرى أنها استعارة مكنية حيث شبه الريح بالذئب الذي يعوي
و حذف المشبه وهو الذئب وذكر صفة لازمة له وهي العواء
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 10:49 م]ـ
فالتشخيص: هوبث الحركة والحياة والنطق في الجماد، أوخلع الحياة على المحسوسات الجامدة والظواهر الطبيعية الصامتة حتى انها لتخاطب مخاطبة الذي يعقل ويفهم وتخلع عليها صفات المخلوقات النابضة بالحياة، فمن مثله تشخيص الأرض والسماء. وهو نفسه الأنسنة (أي إضفاء صفات الإنسان على المحسوسات)
ما المقصود بالمحسوسات؟؟
ـ[الأمل الموعود]ــــــــ[02 - 02 - 2010, 07:33 م]ـ
المحسوسات: هي الأشياء التي نستطيع أن نشعر، أو نحس بها، أو نتلمسها بإحدى الحواس الخمس (اللمس، والرؤية، والسمع، والشم، والذوق).
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[03 - 02 - 2010, 12:06 ص]ـ
أشكرك جزيل الشكر على إيضاح الأمور أستاذي العزيز "الأمل الموعود"
زادك الله علمًا وسعادة(/)
بديل المجاز قبل المجاز
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[29 - 01 - 2010, 11:23 ص]ـ
تطور المعاني وتاريخها مهم لمن أراد الفهم والفقه فيها، ولقد شغلني مصطلح المجاز الذي كان له أبعد الأثر في التاريخ الإسلامي علما وواقعا. وهنا أنقل من كتاب "مناهج اللغويين في تقرير العقيدة إلى نهاية القرن الرابع الهجري" للدكتور محمد الشيخ عليو محمد، ص 177 - 179 - ما يتصل بهذا الأمر.
قال ص177 - 178:
وأما من قبلهما –أي البلاغيين القائلين بالمجاز الذي بدأه الأخفش- فقد كانوا فريقين:
الأول:
لم يرد المجاز في ثنايا كلامهم، ولم يطبقوه على معنى من المعاني، بل ذكروا عند تفسيرهم للنصوص التي ادعى البلاغيون المجاز فيها فيما بعد أن ذلك على سبيل التوسعة والإيجاز والاختصار في كلام العرب، ومن هؤلاء سيبويه (ت: 180 هـ) والإمام الشافعي (ت: 204 هـ) ثم الفراء (ت:207 هـ).
الثاني:
استعملوا لفظ المجاز لكنهم لم يقصدوا به مقصد البلاغيين بل عنوا به ما يجوز في اللغة، أو ما يعبر به عن معنى الآية. وعلى ذلك جرى الكسائي (ت: 189 هـ)، وأبو عبيدة (ت: 210 هـ) في كتابه مجاز القرآن حيث يقول: مجاز الآية كذا، أي تفسيرها كذا.
وبالمعنى نفسه استعمله الإمام أحمد (ت: 241 هـ) فيما ورد في القرآن من قوله: " إنا " و"نحن" فقال: أما قوله: (إِنَّا مَعَكُمْ) [البقرة/14] فهذا مجاز في اللغة: يقول الرجل للرجل: إنا سنجري عليه رزقك، إنا سنفعل به كذا".
ثم ذكر عن سيبويه ص178 - 179 قائلا:
والذي يعنينا من ذلك أن سيبويه جرى على الطريقة الأولى في كتابه (الكتاب) فعقد بابا سماه: "هذا باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى لاتساعهم في الكلام والإيجاز والاختصار".
ثم أورد تحته أمثلة، فقال: ومما جاء على اتساع الكلام والاختصار قوله تعالى جده: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا) [يوسف/82] إنما يريد أهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية كما كان عاملا في الأهل لو كان ها هنا. ومثله (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) [سبأ/33]، وإنما المعنى: بل مكركم في الليل والنهار ... إلى آخر ما أورده المؤلف نقلا عن سيبويه.
ثم همش المؤلف على الإمام الشافعي في الصفحة ذاتها قائلا:
قال في الرسالة ص (51 - 52): "فإنما خاطب الله بكتابه العرب على ما تعرف من معانيها، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر، ويستغني بأول هذا منه عن آخره. وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص، وظاهرا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره. فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره".
ثم قال الدكتور بعد هذا الاقتباس عن الإمام الشافعي: ثم ضرب الأمثلة على ما ذكر، فقال وهو يضرب المثال للصنف الأخير: "باب الصنف الذي يبين سياقه معناه: قال الله تبارك وتعالى: "وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ... " [الأعراف/163]، فابتدأ جل ثناؤه ذكر الأمر يمسألتهم عن القرية الحاضر البحر، فلما قال: "إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ"- دل على أنه إنما أراد أهل القرية؛ لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره، وإنما أراد بالعدوان أهل القرية التي بلاهم بما كانوا يفسقون".
ثم همش على الفراء ص177 - 178 قائلا:
قال في معانيه (1/ 315) عند قوله تعالى: (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [المائدة/66]): من قطر السماء ونبات الأرض من ثمارها وغيرها، وقد يقال: إن هذا على جهة التوسعة كما تقول: هو في خير من قرنه إلى قدمه".
ـ[ترانيم الحصاد]ــــــــ[29 - 01 - 2010, 06:02 م]ـ
.
.
قلم فذ من أستاذ قدير متابعة لقلمك ..(/)
لماذا تأتى الأبصار جمع فى القرآن الكريم؟
ـ[محمد حمزة حشاش]ــــــــ[30 - 01 - 2010, 04:04 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك العديد من الآيات التى تذكر نعم الله على خلقه، قال تعالى: " وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة "
فجاءت السمع مفردة والأبصار جمع وكذا الأفئدة! وهناك العديد من الآيات بهذه الصيغة، أرجو الإفادة جزاكم الله خيرا.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[30 - 01 - 2010, 05:00 م]ـ
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)
المسألة الثانية: الترتيب في السمع والأبصار والأفئدة على مقتضى الحكمة، وذلك لأن الإنسان يسمع أولاً من الأبوين أو الناس أموراً فيفهمها ثم يحصل له بسبب ذلك بصيرة فيبصر الأمور ويجريها ثم يحصل له بسبب ذلك إدراك تام وذهن كامل فيستخرج الأشياء من قبله ومثاله شخص يسمع من أستاذ شيئاً ثم يصير له أهلية مطالعة الكتب وفهم معانيها، ثم يصير له أهلية التصنيف فيكتب من قلبه كتاباً، فكذلك الإنسان يسمع ثم يطالع صحائف الموجودات ثم يعلم الأمور الخفية.
المسألة الثالثة: ذكر في السمع المصدر وفي البصر والفؤاد الاسم، ولهذا جمع الأبصار والأفئدة ولم يجمع السمع، لأن المصدر لا يجمع وذلك لحكمة وهو أن السمع قوة واحدة ولها فعل واحد فإن الإنسان لا يضبط في زمان واحد كلامين، والأذن محله ولا اختيار لها فيه فإن الصوت من أي جانب كان يصل إليه ولا قدرة لها على تخصيص القوة بإدراك البعض دون البعض، وأما الإبصار فمحله العين ولها فيه شبه اختيار فإنها تتحرك إلى جانب مرئي دون آخر وكذلك الفؤاد محل الإدراك وله نوع اختيار يلتفت إلى ما يريد دون غيره وإذا كان كذلك فلم يكن للمحل في السمع تأثير والقوة مستبدة، فذكر القوة في الأذن وفي العين والفؤاد للمحل نوع اختيار، فذكر المحل لأن الفعل يسند إلى المختار، ألا ترى أنك تقول سمع زيد ورأى عمرو ولا تقول سمع أذن زيد ولا رأى عين عمرو إلا نادراً، لما بينا أن المختار هو الأصل وغيره آلته، فالسمع أصل دون محله لعدم الاختيار له، والعين كالأصل وقوة الأبصار آلتها والفؤاد كذلك وقوة الفهم آلته، فذكر في السمع المصدر الذي هو القوة وفي الأبصار والأفئدة الاسم الذي هو محل القوة ولأن السمع له قوة واحدة ولها فعل واحد ولهذا لا يسمع الإنسان في زمان واحد كلامين على وجه يضبطهما ويدرك في زمان واحد صورتين وأكثر ويستبينهما.
المسألة الرابعة: لم قدم السمع ههنا والقلب في قوله تعالى: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ وعلى سَمْعِهِمْ} [البقرة: 7] فنقول ذلك يحقق ما ذكرنا، وذلك لأن عند الإعطاء ذكر الأدنى وارتقى إلى الأعلى فقال أعطاكم السمع ثم أعطاكم ما هو أشرف منه وهو القلب وعند السلب قال ليس لهم قلب يدركون به ولا ما هو دونه وهو السمع الذي يسمعون به ممن له قلب يفهم الحقائق ويستخرجها، وقد ذكرنا هناك ما هو السبب في تأخير الأبصار مع أنها في الوسط فيما ذكرنا من الترتيب وهو أن القلب والسمع سلب قوتهما بالطبع فجمع بينهما وسلب قوة البصر بجعل الغشاوة عليه فذكرها متأخرة.
تفسير الرازي
وجمع الأبصار والأفئدة باعتبار تعدد أصحابها. وأما إفراد السمع فجرى على الأصل في إفراد المصدر لأن أصل السمع أنه مصدر. وقيل: الجمع باعتبار المتعلقات فلما كان البصر يتعلق بأنواع كثيرة من الموجودات وكانت العقول تدرك أجناساً وأنواعاً جُمِعا بهذا الاعتبار. وأفرد السمع لأنه لا يتعلق إلا بنوع واحد وهو الأصوات.
التحرير والتنوير لابن عاشور
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[06 - 02 - 2010, 03:33 ص]ـ
للاستزادة راجع ماكتبه الدكتور محمد الأمين الخضري في كتاب الإعجاز البياني في صيغ الجمع والإفراد
ـ[أحلام]ــــــــ[15 - 02 - 2010, 11:42 م]ـ
جزاكم الله خيراعلى هذه التوضيح الرائع.
ـ[غروب الشمس]ــــــــ[24 - 02 - 2010, 11:34 م]ـ
معلومااات رااائعة بحق .... وفقكم الله ...
ـ[زيد الأنصاري]ــــــــ[13 - 03 - 2010, 11:14 م]ـ
قال الدكتور فاضل السامرائي في لمساته البيانية ما يلي:
السمع مصدر وعندنا قاعدة أن المصدر لا يجمع إلا إذا تعدد. المشي والجلوس لا يجمع.
المصدر يدل على الحدث والحدث يدل على القليل والكثير ولا يُجمع إلا إذا تعدد واختلفت أنواعه مثل ظروف وامتيازات لكن المصدر بحد ذاته لا يُجمع.
السكوت والوقار لا يجمع.
إذن السمع مصدر ولذلك لا يُجمع إلا إذا تعددت أنواعه واختلفت.
البصر يقولون هو العين في المعجم إلا أنه مذكر وهي مؤنثة.
معناه آلة الإبصار وتُجمع على أعين وعيون. لكن الفرق أن العين قد تكون عمياء والبصر العين المبصرة التي تبصر تحديداً وهم قالوا أن البصر هو العين إلا أنه مذكر وهي مؤنثة.
البصر يدل على العين المبصرة.
هناك أمر آخر أن الأبصار تدرك أشياء مختلفة متعددة في آن واحد مثل الألوان المختلفة يدركها البصر في آن واحد، والاختلاف في الطول والقصر والمتباعدة والقريبة يدركها في آن واحد.
أما السمع فلا إذا تكلم أحد وأنت تسمع لغيره تقول له دعني أسمع.
البصر مدركاته كثيرة ولذلك جمع لكثرة المتعلقات أما السمع أقلّ.
أنت تبصر أشياء متعددة قريبة وبعيدة في آن واحد.
يتعدد البصر لتعدد المدركات أما السمع فليس كذلك.
إذن هناك أمران: كونه إذا كان بمعنى العين كما في المعجم فالعين تجمع عيون وأعين مثل آذان.
إذا كان هناك أمر آخر يجمع البصر وهو تعدد مدركاته بخلاف السمع الذي ليس مثل البصر.(/)
الأسلوب بين التراث البلاغي العربي والأسلوبية الحدا
ـ[سوسنة القلب]ــــــــ[31 - 01 - 2010, 01:44 ص]ـ
الأسلوب بين التراث البلاغي العربي والأسلوبية الحداثية ـــ د. محمد بلوحي*
حظي الدرس البلاغي عند العرب بكثير من الاهتمام، وذلك لأن (البلاغة) كانت تحمل منذ نشأتها بذور العبقرية العربية في جلالها وقدرتها على استكشاف مواطن النفس الإنسانية حين تقول فتجيد، وحين تتلقى فتحسن التلقي، وحين تكتب فتبدع فتحسن الإبداع، وقد أدرك العرب قيمة الدرس البلاغي من حيث كشفه عن أسرار بنية الخطاب وأثره في المتلقي، وقدرة الكلمة على التأثير والتعبير باعتبار أن البلاغة هي إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ على حد وصف الرماني في رسائله في إعجاز القرآن.
والأسلوب من أمهات القضايا البلاغية العربية التي تجسدت من خلال درسها مدى قدرة البلاغي العربي القديم على التفطن لسرّ جمالية الخطاب سواء أكان شعراً أم نثراً، فربط الدرس البلاغي في نظرته إلى الأسلوب بين النحو من حيث هو درس لآليات ومكونات الجملة العربية وبين توليده للدلالة داخل النص، وبذلك تجاوز الكثير من الأطروحات البلاغية التي سبقته، من مثل إشكالية اللفظ والمعنى، وأيهما الأساس في تشكيل جمالية الفضاء في الخطاب؟ ..
الأسلوب في التراث البلاغي العربي:
احتفى الدرس العربي منذ القرن الثاني الهجري بدراسة الأسلوب في مباحث الإعجاز القرآني التي استدعت ـ بالضرورة ـ ممن تعرضوا للتفسير أن يتفهموا مدلول لفظة "أسلوب" عند البحث الموازن بين أسلوب القرآن الكريم وغيره من أساليب الكلام العربي، متخذين ذلك وسيلة لإثبات ظاهرة الإعجاز للقرآن الكريم.
لقد كان لعلماء متقدمين كأبي عبيدة (ـ 210هـ) والأخفش سعيد بن مسعدة (ـ207هـ) والفراء (ـ 208 هـ) الجهد الكبير في إثراء مفهوم الأسلوب في الشعر وجلاء أشكاله، رغم تباين الأهداف التي سعوا إليها، بين بلاغة الخطاب القرآني وإعجازه أو دفع طعون الملحدين في القرآن وعربيته.
وإذا التفتنا إلى المعجميين فإننا نجدهم يعرّفون الأسلوب بالطريقة والفن، فالزبيدي يعرف الأسلوب بـ ((السطر من النخيل و"الطريق" يأخذ فيه، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، والأسلوب: الوجه والمذهب، يقال هم في أسلوب سوء، ويجمع على أساليب، وقد سلك أسلوبه: طريقته وكلامه على أساليب حسنة، والأسلوب بالضم "الفن"، يقال أخذ فلان في أساليب من القول أي أفانين منه)) (1)، ويذهب الفيروز أبادي نفس المذهب إلى أن ((الأسلوب الطريق)) (2)، وينعته الرازي بـ ((الفن)) (3).
أما إذا بحثنا في مفهوم الأسلوب عند البلاغيين فإننا نجد ابن طباطبا العلوي (ـ 322هـ) من الأوائل الذين التمسوا للأسلوب مفهوماً رغم عدم تسميته لفظاً بالأسلوب؛ حيث نجده يشير إلى ذلك عند حديثه عن طريقة الشاعر إذا رغب النظم، فمخاض ((المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه فكره نثراً، وأعد له ما يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه والقوافي التي توافقه، والوزن الذي يسلس له القول عليه. فإذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرومه أثبته، وأعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر وترتيب لفنون القول فيه بل يتعلق كل بيت يتفق نظمه، على تفاوت مابينه وبين ما قبله. فإذا كملت له المعاني، وكثرت الأبيات وفق بينها بأبيات تكون نظماً لها وسلكاً جامعاً لما تشتت منها)) (4)، ومن ثم نجد أن الأسلوب هو أساس صناعة الشعر، يجمع بين الرؤية التي يمتلكها الشاعر والاحتراف اللغوي والإيقاعي والجمالي، يتأمل المبدع من خلاله ((ما أداه إليه طبعه ونتجه إليه فكره، يستقصي انتقاده، ويروم ما وهى منه)) (5)، وبذلك يؤدي رسالته مراعياً رؤيته وأفق انتظار المتلقي.
إن مفهوم الأسلوب الجيد القائم على أصول فنية كالمطابقة بين اللفظ والمعنى ابتداءً والتوفيق بين القوافي والأبيات انتهاء قائم من اهتمام ابن طباطبا بخصائص نظم الشعر، لأن شأن الشاعر ـ في اعتقاد ابن طباطبا ـ كشأن ((النساج الحاذق الذي يوفق وشيه بأحسن التوفيق ويسديه وينيره)) (6) حتى يجلي نظمه في أحسن حلة، ولا يتأتى له ذلك إلا بالحذق في صناعة الأسلوب والتحكم في آلياته.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإلى جانب اهتمام ابن طباطبا بخاصية التلاؤم بين مواد الشعر يؤكد كذلك خاصية الصدق في التجربة الشعرية، ولا يكون ذلك على مستوى المبدع بل تتعداها إلى المتلقي الذي يتأثر لما يتلقاه مما قد عهده طبعه وقبلته مداركه، فيثار بذلك ماكان دفيناً، ويتجلى ماكان مكنوناً.
وليس هذا فحسب، بل الصدق يتجسد ـ كذلك ـ على مستوى ثالث يشترط فيه موافقة تجربة السامعين، إذ يوظف الشاعر تجاربهم في أشكال صور استعارية، وقد لخص ابن طباطبا هذه الخاصية الأسلوبية في جملة تدعو الشاعر لأن يعتمد الصدق والإصابة في تركيب الصور ونسجها ولا يتأتى له ذلك إلا بالحذق في تنويع نسوج أساليبه.
لا يقف ابن طباطبا عند الصدق في ضبطه لخصائص الأسلوب، بل يؤكد ضرورة المراجعة والانتقاد لما نسجه الشاعر، فيغير كلمة نابية بأخرى مألوفة، ويغير بكل لفظة مستهجنة لفظة مألوفة نقية، ساعياً لغاية الوضوح؛ لأن منتهى الشاعر أن يستوعب السامع فكرته، وتالياً يجد ما يصبو إليه من تأثير في المتلقي استدراجاً له.
إن المتأمل في نظرة ابن طباطبا إلى الأسلوب يجد أنها لا تقوم على أصل واحد متفرد كاللفظ و المعنى، بل يرى ((أن الأسلوب ليس المعنى وحده واللفظ وحده، وإنما هو مركب فني من عناصر مختلفة يستمدها الفنان من ذهنه ومن نفسه ومن ذوقه. تلك العناصر هي الأفكار، والصور والعواطف، ثم الألفاظ المركبة والمحسنات المختلفة))، ومن ثم فالأسلوب في النص هو الأساس في نسج بنيته عبر جميع مستوياتها.
تتعمق النظرة إلى الأسلوب في التراث البلاغي مع أطروحات عبد القاهر الجرجاني (ـ 471هـ)؛ إذ نجده يساوي بين الأسلوب والنظم، لأن الأسلوب عنده لا ينفصل عن رؤيته للنظم، بل نجده يماثل بينهما من حيث أنهما يشكلان تنوعاً لغوياً خاصاً بكل مبدع يصدر عن وعي واختيار، ومن ثم يذهب عبد القاهر إلى أن الأسلوب ضرب من النظم وطريقة فيه.
إذا كان الأسلوب ـ كذلك ـ يجب أن يتوخى فيه المبدع اللفظ لمقتضى التفرد الذاتيّ في انتقاء اللغة عن وعي وذلك بمراعاة حال المخاطب، فإن الجرجاني قد أضاف أصلاً أصيلاً إلى نظرية الأسلوب في البلاغة العربية القديمة، إذ جعل الأسلوب يقوم على الأصول العربية وقواعدها، فالنظم يمتنع معنى إذا لم ينضبط بالنحو، وذلك ما أسس له الجرجاني في دلائل الإعجاز بقوله: ((واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت، فلا تزيغ منها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك، فلا تخل بشيء منها)) (7)، وبذلك جعل عبد القاهر الجرجاني من النحو قاعدة لكل نظم، لا باعتباره أداة أسلوب ينتظم بها التركيب في نسقه الإعرابي العام، وإنما جعل منه ـ كذلك ـ مستفتحاً لما استغلق من المعنى؛ إذ الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب مفتاحاً لها، و ((أن الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرج لها، وأنه المعيار الذي لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يعرض عليه؛ والمقياس الذي لا يعرف صحيحاً من سقيم حتى يرجع إليه ولا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه)) (8)، فإذا أدرك المبدع ذلك استقام له الأسلوب وأتاه أنى شاء.
وإذا كان عبد القاهر الجرجاني قد أكد ضرورة التزام النحو في مفهوم النظم، فإنه قد تشدد في ضرورة النسج على طريقة مخصوصة تميز شاعراً عن شاعر آخر، وبذلك نجد أن عبد القاهر الجرجاني يميز الأسلوب بتميز صاحبه في نظمه عن غيره من أهل النظم والأدب، ومن ثم نلاحظ أن هذه النظرة لا تخرج عن نظريته في النظم التي يؤكد فيها التزام معاني النحو في التأليف، وذلك من خلال تأكيد توفر محاسن الكلام في ترتيب المعاني في النفس بطريقة خاصة؛ وحسب مقتضى الحال حتى يحصل التجانس.
إن مفهوم الإعراب عند الجرجاني لا ينتهي فيه إلى مفهوم الموقع من الجملة أو نسبته من الجملة من سابقه أو لا حقه رفعاً أو نصباً أو جراً، وإنما يتعداه إلى المفهوم الدلالي الذي تقتضيه فصاحة المخاطب ونباهة البليغ، ومن ثم نجده لا يقف في نظرته إلى الإعراب عند المظاهر الشكلية التي أسس لها الإعراب لاحقاً في الاهتمام بالقواعد الإعرابية، بل ينظر إلى الإعراب لا على أنه علم يحذق فيه صاحبه علم الحركات، بل على أنه علم يقصد فيه التأسيس لفهم يساعد على إدراك معنى المعنى.
(يُتْبَعُ)
(/)
لا شك في أن قيام النظم عند الجرجاني بتوخي معاني النحو يوجب حضوراً عقلياً واستعمالاً منطقياً للغة؛ ولهذا يقوم الإبداع عنده على جملة من المراحل الواعية، ينتظمها الأسلوب الفني بدءاً من الذهن وتصوراته في المعنى والمبنى، إلى مرحلة مخاطبة المتلقي، وهنا يلزم أن يراعي الشاعر حالة المخاطب لأن النظم يقوم على الروية والتفكير، وهذا انطلاقاً من الرؤية المؤسسة على أن النظم يقوم أولاً على استحضار الفكرة أولاً، ثم التمثل والنطق ثانياً، والاعتبار يكون بحال واضع للكلام.
فالترتيب الذهني والإخراج الفني المراعي لمقتضى الحال من دواعي قوة الأسلوب، ورصانته وبلاغته وجزالته، وليس الشأن في اللفظ حَسُنَ أو قَبُحَ، بل مفاضلة بين الألفاظ خارج سياق الكلام، وهذا ما جنح إليه الجرجاني، ولعله ـ هنا ـ خالف سابقيه المعتقدين بفصاحة اللفظة المفردة وجمالها، وسبقَ لاحقيه وبخاصة الطرح الألسني البُنوي المعاصر، الذي يذهب إلى الاعتقاد بأن جمال اللفظة لا يكون إلا في نظامها، وبذلك يتجلى لنا طرح الجرجاني وهو يناقش مسألة النظم في أن الأسلوب يقوم على توخي معاني النحو، لأننا في طلبها نطلب الجمال في الأسلوب والتفرد في الصياغة والقوة في الصناعة.
إن إخضاع مفهوم الأسلوب لمعاني النحو فهمٌ شاع في التراث البلاغي العربي بعد الجرجاني، لكننا نجد أن عبد الرحمن بن خلدون (ـ 808 هـ) لم يؤصل الأسلوب على معاني النحو فقط، وإنما جعل النحو والبلاغة والعروض علوم آلات تغذي سلوك الأسلوب كما يسميه، وهو طرح لا يجانب كثيراً طرح الجرجاني ولكنه يمتح من معين التقعيد الذي وقعت فيه العلوم اللغوية على زمانه. لقد تبيّن لابن خلدون أن الأسلوب عند أهل الصناعة ((عبارة عن المنوال الذي تنسج فيه التراكيب أو القوالب التي يفرغ فيها، ولا يرجع على الكلام باعتبار إفادته كمال المعنى الذي هو وظيفة البلاغة والبيان؛ ولا باعتباره الوزن كما استعمله العرب فيه الذي هو وظيفة العروض. فهذه العلوم الثلاثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية)) (9)، التي تتعدى معرفة العلوم المذكورة؛ ولا تقوم الشاعرية عند الشاعر بإدراك هذه العلوم، فكم من شاعر لا يحيط بها إحاطة كاملة، وكم من محيط بهذه الأدوات وليس بشاعر، فالفرق بين عالم البلاغة والشاعر المبدع بيّن؛ ولكنها ـ بالرغم من ذلك كله ـ تؤسس لمشروع شاعر امتلك الملكة التي تطبع ذوقه من خلال التعمق في معارفها والتمرن على أساليب هذه العلوم قراءة وحفظاً.
إن هذا الطرح الذي يعالج من خلاله ابن خلدون مسألة الأسلوب يجعلنا نطرح التساؤل التالي: إذا كانت الصناعة الشعرية خارجة عن العلوم الثلاثة فما وظيفتها؟ وبخاصة إذا علمنا أنها الأساس في صناعة الأسلوب، بل ما الأسلوب ـ أصلاً ـ عند ابن خلدون؟.
يؤكد ابن خلدون في مقدمته أن الوظيفة الشعرية أو الصناعة الشعرية ـ كما يقول ـ ((ترجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة باعتبار انطباقها على تركيب خاص، وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال، ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب والبناء، فيرصها فيه رصاً كما يفعله البناء في القالب أو النساج في المنوال حتى يتسع القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام)) (10)، وبذلك ندرك أن ابن خلدون يذهب إلى أن وظيفة الأساليب الشعرية هي استيعاب العلوم إدراكاً، ثم انتقاء منها ما يناسب التركيب الخاص بالشاعر والصور الذهنية التي يحملها وهل هي متسعة لوظائف القدرات اللغوية والإبداعية.
إن الأسلوب حسب تصور ابن خلدون صورة ذهنية تغمر النفس وتطبع الذوق الأساس فيها الدربة النابعة عن قراءة النصوص الإبداعية المتفردة ذات البعد الجمالي الأصيل، وبمثل ذلك تتكون وتتألف التراكيب التي تعودنا على نعتها بالأسلوب؛ وإذا كانت التراكيب التي يكون الأساس الأول فيها اللغة هي الأداة المثلى للتشكيل الصورة الذهنية "الأسلوب" فإن الوظيفة الشعرية للأسلوب تجمل في تحقيق التجانس بين مختلف التراكيب المنتظمة في بنية أساسها اللغة، ولا يتحقق ذلك إلا بالتوفيق بين التراكيب النحوية والبلاغية من ناحية والذوق من ناحية أخرى، وبذلك نلاحظ قرب مذهب ابن خلدون في مناقشة مسألة الأسلوب من الأسلوبيين المعاصرين الذين يعرفون الأسلوب على أنه ((إسقاط
(يُتْبَعُ)
(/)
محور الاختيار على محور التوزيع)) (11)، لتجسيد مبدأ التركيب والانزياح.
إن الملاحظ من خلال هذا الرصد المركز لمفهوم الأسلوب في التراث البلاغي العربي القديم أن هناك تبايناً بين الأطروحات التي تبناها كل علم من هؤلاء الأعلام الثلاثة، فابن طباطبا ربط مفهوم الأسلوب بصفة مناسبة الكلام بعضه لبعض، باعتبار أن الأسلوب داخل النص الشعري يتحقق إذا كملت له المعاني، وانسجمت الأبيات ووفق بينها بأبيات تكون نظاماً لها وسلكاً لما تشتت منها، أما الجرجاني فقد أخضع الكلام لعلم النحو، حتى يحقق صفة النظم لأن النظم هو أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، بينما نجد أن ابن خلدون جعل الأسلوب صورة ذهنية مهمتها مطابقة التراكيب المنتظمة على التركيب الخاص، لأن الصناعة الشعرية التي هي بمعنى الأسلوب ترجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص. لكن رغم هذا التباين في الأطروحات التي تبناها كل علم في مقاربته لمفهوم الأسلوب فإننا نجد أنهم قد أجمعوا على أن الأسلوب توفيق بين أطراف الكلام، سواء أكان ذلك بالملاءمة في الأسلوب أم بتوخي معاني النحو.
الأسلوب عند الحداثيين:
يذهب جلّ الباحثين والمهتمين بحقلي النقد والدراسات الأدبية، إلى القول إن للسانيات (دي سوسير) الأثر الكبير في نشأة المناهج النقدية النسقية، وانتهاجها الوصف والتحليل في مقاربة النصوص الأدبية، وتركها المعيارية واستصدار الأحكام النابعة ـ في الغالب ـ من تأثير السياقات الخارجية على النقاد، سواء أكانت هذه السياقات تاريخية أم اجتماعية أم نفسية أم أنتروبولوجية.
هذه النقلة النوعية في التعامل مع النصوص الأدبية والتي جاءت والنقد النسقي، تجلت بوضوح مع مطلع القرن العشرين في شتى المناهج النقدية المعاصرة.
الأسلوب STYLE سابق عن الأسلوبية stylistique في الظهور إذ ارتبط بالبلاغة منذ القديم في حين انبثقت الأسلوبية إثر الثورة التي أحدثتها لسانيات دي سوسير مطلعَ القرن العشرين، في مجال الدرس اللغوي ومدى تأثيره فيما بعد في الدراسات النقدية والأدبية إذ يعد مفهوم الأسلوبية ـ كما هو معروف ـ وليد القرن العشرين وقد التصق بالدراسات اللغوية وهو بذلك قد انتقل عن مفهوم "الأسلوب" السابق في النشأة منذ قرون، والذي كان لصيقاً بالدراسات البلاغية، ومن الممكن القول إن الأسلوب مهاد طبيعي للأسلوبية، فهو يقوم على مبدأ الانتقاء والاختيار للمادة الأدائية التي تقوم ـ في الخطوة التالية ـ الدراسات الأسلوبية بمهمة تحليلها من الناحية الأسلوبية المحضة؛ وتصنيفها حسب جماليتها الفنية؛ باتخاذها لغة الخطاب حقلاً للدراسة والاستقراء منها وبها تلج إلى عوالم النص لاستنطاقه وسبر أغواره.
تبحث الأسلوبية عن الخصائص الفنية الجمالية التي تميز النص عن آخر، أو الكاتب عن كاتب آخر، من خلال اللغة التي يحملَّها خلجات نفسه، وخواطر وجدانه، قياساً على هذه الأمور مجتمعة، تظهر الميزات الفنية للإبداع، إذ منها نستطيع تمييز إبداع عن إبداع انطلاقاً من لغته الحاملة له بكل بساطة؛ ومن ثم فالأسلوبية تحاول الإجابة عن السؤال: كيف يكتب الكاتب نصاً من خلال اللغة؟ إذ بها ومنها يتأتى للقارئ استحسان النص أو استهجانه، كما يتأتى له أيضاً الوقوف على مافي النص من جاذبية فنية تسمو بالنص إلى مصاف الأعمال الفنية الخالدة. والأسلوبية من المناهج التي تبنت الطرح النسقي انطلاقاً من مؤسسها شارل بالي، ((فمنذ سنة 1902 كدنا نجزم مع شارل بالي أن علم الأسلوب قد تأسست قواعده النهائية مثلما أرسى أستاذه ف. دي. سوسير أصول اللسانيات الحديثة)) (12)، ووضع قواعدها المبدئية، حينها غيرت الدراسات النقدية نمط تعاملها مع الآثار الأدبية، باعتمادها النسق المغلق المتمثل في النص، واستقرائه من خلال لغته الحاملة له، وإبعادها كل ماله صلة بالسياقات وإصدار الأحكام المعيارية.
إن الأسلوبية بشكل عام منهج يدرس النص ويقرؤه من خلال لغته وما تعرضه من خيارات أسلوبية على شتى مستوياتها: نحوياً، ولفظياً، وصوتياً، وشكلياً، وما تفرده من وظائف ومضامين ومدلولات وقراءات أسلوبية لا يمت المؤلف بصلبه مباشرة لها على أقل تقدير (13) إذا نحن وضعنا في الحسبان أن المناهج النسقية تزيح السياقات في مقاربتها لنصوص الإبداعية.
(يُتْبَعُ)
(/)
تترصد الأسلوبية مكامن الجمال والفنية في الآثار الأدبية وما تحدثه من تأثيرات شتى في نفس القارئ، لما تسمو هذه الآثار عن اللغة النفعية المباشرة، إلى لغة إبداعية غير مباشرة، فنية وأكثر إيحاء وتلميحاً، هذا يحدد مجال الدراسة الأسلوبية، بينما يبقى ((الأسلوب الوسيلة بيانية للكتابة تتحقق على المستوى الفردي، كما تتحقق على المستوى الجماعي بل وتتمايز المراحل التاريخية للفرد أو العصر)) (14) من منطقة إلى منطقة أخرى حسب تركيبتها الثقافية والاجتماعية والفكرية.
وتسعى الأسلوبية كمنهج نسَقي دوماً إلى محاولة مدارسة أساليب الكتاب اللغوي، ومدى تمايزها من خلال قدرة كل كاتب على التمايز في توظيف معجمه الفني من جهة، ومن جهة ثانية مدى استطاعته التأثير في المتلقي عبر اللغة، حينها تكون هاته اللغة تحقق انزياحات بشتى أنواعها سواء أكانت معجمية، أو دلالية، أو نحوية، أو عرفية، أو صوتية.
قد لا نعدو الحقيقة، إذا قلنا إن الأسلوبية مجال درسها الأسلوب، كظاهرة لغوية فنية، تسعى جاهدة إلى الوقوف على نسبية اختلافها من كاتب إلى كاتب، "وبصورة مجملة فإن البحث الأسلوبي إنما يعني بتلك الملامح أو السمات المتميزة في تكوينات العمل الأدبي وبواسطتها يكتسب تميزه الفردي أو قيمه الفنية، بصفته نتاجاً إبداعياً لفرد بعينه، أو ما يتجاوزه إلى تحديد سمات معينة لجنس أدبي بعينه" (15) دون سواه من الأجناس الأدبية الأخرى.
انطلاقاً من الجدل القائم بين مصطلحي الأسلوبية والذي أعرضنا عن الخوض فيه، سعياً إلى مباشرة للأسلوبية كمنهج نسقي يقارب النصوص الأدبية من خلال اللغة الحاملة لها، يمكننا أن نخلص إلى أن الأسلوبية كمنهج نقدي غايته مقاربة النصوص في سياقها اللغوي المتمثل في النص، ومدى تأثيره في القراء، فيجعل من الأسلوب مادة لدراسته، حينها نجد أن هذا الأخير يكون حقلاً خصباً تجد فيه الأسلوبية ضالتها درساً وتطبيقاً.
الأسلوبية واللغة:
تعرف اللغة بأنها مؤسسة اجتماعية تدرس تزامنياً، كما نادى بذلك دي سوسير في محاضراته، وهي مؤسسة اجتماعية لأنها تبحث في لغة جماعة ما، لها خصائصها المختلفة عن جماعة أخرى، في الزمان والمكان.
يقف البحث اللغوي الحديث عند اللغة في شموليّتها، أي في تداولها بين فئة اجتماعية معينة، ليضع لها قواعد صارمة لا يجب الخروج عنها أو تجاوزها، دون تطرقه للغة الفرد من خلال هذه الجماعة، فهذا الأخير في إبداعاته يقوم بتشويه اللغة، بحملها من المألوف إلى المألوف، ولن يكون له ذلك إلا بخرقه لهذه القواعد خرقاً فنياً جمالياً نابعاً من اللغة ذاتها، وهذا ما دأبت على مدارسته الأسلوبية بشتى اتجاهاتها، حيث تبقى أقل شمولية من البحث اللغوية الصرفة، مادامت تجنح إلى الانتهاكات الفردية للغة ومحاولة تعليل ذلك من مستويات ثلاثة: الكاتب، النص والقارئ، كل حسب دوره في عملية التلقي ووظيفته التواصلية. رصداً للقيم التزينية والفنية. وبذلك يتخذ ((الدرس اللغوي مساره تجاه الأصوات ـ المفردات ـ التركيبات وما يتصل بذلك، محدداً هدفه نحو دراسة تلك العناصر، وما يتميز به من خواص معينة، بينما تجعل "الأسلوبية" وجهتها دراسة العلاقات بين تلك العناصر السابقة، ودرجة تمازجها ومدى علاقاتها ومسافة توزعها، ثم يكون ذلك لهدف تال، وهو استشفاف القيم الفنية والجمالية من خلال ذلك التوجه الخاص للظاهرة اللغوية)) (16)، وتفردها عن ظواهر لغوية أخرى في إبداعات فنية لكتاب آخرين.
مما سلف ذكره، يمكننا أن نبقى على مجال البحوث اللغوية في مدارستها للألفاظ والتراكيب، صوتياً، معجمياً، نحوياً، صرفياً، لتأتي البحوث الأسلوبية لرصد العلاقات الكامنة وراء النسيج اللغوي، والعلل الباعثة له من خلال اختلافه عن نسيج لغوي آخر، سعياً وراء كشف الفنية والجمالية في الظاهرة اللغوية، ذات النمط الخاص ضمن الإبداعات الفنية المختلفة شعرية كانت أو سردية.
الأسلوبية واللسانيات:
(يُتْبَعُ)
(/)
بدأت الدراسات اللغوية تأخذ الصبغة العلمية الوصفية بعيداً عن المعيارية الحكمية، ومع مجيء لسانيات دي سوسير في مطلع القرن العشرين، ومناداتها بدراسة اللغة تزامنياً، دراسة علمية وصفية، تقصي من غاياتها الاحتكام إلى المعايير واستصدار الأحكام القطعية، ينضاف إلى ذلك إقصاء الدراسة التعاقبية التاريخية للغة، وعلى هذا النهج، ومن هذا الرحم اللساني المحض نهلت الدراسة طريقة تعاملها مع اللغة من خلال النصوص، ((فإذا كانت لسانيات دي سوسير قد أنجبت أسلوبية بالي، فإن هذه اللسانيات نفسها قد ولدت البنيوية التي احتكت بالنقد الأدبي فأخصبا معاً "شعرية" جاكبسون، و"إنشائية" تودوروف، و"أسلوبية" ريفاتير. ولئن اعتمدت كل هذه المدارس على رصيد لساني من المعارف، فإن الإسلوبية معها قد تبوأت منزلة المعرفة المختصة بذاتها أصولاً ومناهج)) (17)، ما دامت ـ في رأينا ـ أخصب المناهج وأقربها إلى الدراسات اللغوية الحديثة المعتمدة الوصف العلمي منهجاً.
أخذت الأسلوبية من اللسانيات الصفة العلمية الوصفية في الدراسة اللغة، غير أنها درست الخطاب ككل، وما يتركه هذا الخطاب من أثر في نفس المتلقي، في حين نجد أن اللسانيات قد اتجهت إلى دراسة الجملة بالتنظير واستنباط القواعد التي تستقيم بها، والقوانين التي من خلالها تكتسب طابع العلمية.
زودت اللسانيات المنهج الأسلوبي بطابع العلمية الوصفية في دراسة النصوص من خلال لغتها، وبذلك جعلت منه منهجاً علمياً وصفياً ينأى عن الدراسة المعيارية الحكمية، التي وقعت فيها البلاغة القديمة مما ولد عقمها وجمودها.
البلاغة والأسلوبية:
اهتمت البلاغة بدراسة الخطاب دراسة جزئية تقوم على المعيارية واستصدار الأحكام التقييمية، متبعة في ذلك مبدأي التخطئة والتصويب، بناء على تفضيلها للشكل على المضمون مما جعلها في النهاية تصاب بالعقم، في استنطاق النصوص إلى حد ما.
ومع ظهور لسانيات دي سوسير في مطلع القرن العشرين، ودعوته إلى الدراسة العلمية الوصفية التزامنية للغة، ظهرت على أنقاضها الأسلوبية كمنهج بديل، مادامت هذه الأخيرة ((كعلم جديد نسبياً، حاولت تجنب المزالق التي وقعت فيها البلاغة القديمة من حيث إغراقها في الشكلية، ومن حيث اقتصارها على الدراسة الجزئية بتناول اللفظة المنفردة، ثم الصعود إلى الجملة الواحدة أو ماهو في حكم الجملة الواحدة، وهذه الدراسة البلاغية كانت يوماً ما أداة النقد في تقييم الأعمال الأدبية)) (18)، حين كانت الدراسة المعيارية المعتمدة استصدار الأحكام، والحرص على التقيد بالتوصيات المسطرة سلفاً، منهجاً يعول عليه كثيراً في تركيب الآثار الأدبية.
تستمد الأسلوبية علاقتها بالدرس اللساني الحديث بوصفها منهجاً وصفياً علمياً، تنفي عن نفسها المعيارية، وإرسال الأحكام التقييمية، بالقبول، أو بالرفض، ينضاف إلى ذلك، أنها لا تسعى إلى غاية تعليمية البتة، ناهيك عن حرصها الشديد على تعليل الظواهر الإبداعية وبعد أن تقرّر وجودها ههنا جاز لنا أن نقر بأحقية الدراسات الأسلوبية في مقاربتها النصوص الإبداعية، بشيء من العلمية الوصفية، على النقيض مما تعاملت به البلاغة.
الأسلوبية والنقد الأدبي:
مع ظهور البنيوية في القرن العشرين، بتأثير من لسانيات دي سوسير، ودعوتها إلى دراسة النص من الداخل وإقصائها لجميع السياقات الخارجة عن النص، راحت جل المناهج النقدية المعاصرة تحذو حذوها في قراءتها النصوص الأدبية.
نجد الأسلوبية من المقاربات التي اقتصرت في درسها للنص الأدبي على جانبه اللغوي، ((ومن هنا فإن الجانب اللغوي هو مجال الباحث الأسلوبي، أما ما يتصل بالأثر الجمالي، أو تحليل عمل الشاعر، أو الروائي، أو المسرحي وجدانياً، وجمالياً وموقفاً أو سواه فكل ذلك يكون مهمة الناقد الأدبي بعد ذلك)) (19) بصفة أكثر شمولية، وذلك ما يطلع به النقد بشتى اتجاهاته.
(يُتْبَعُ)
(/)
تعد الأسلوبية اتجاهاً من اتجاهات النقد الأدبي، إن لم نقل جزءاً منه، وإن كنا نجد أن كل من الباحث الأسلوبي، والناقد الأدبي يقوم بالممارسة لفعل القراءة كل حسب ما توفرت له من رؤية وأدوات إجرائي، حينها لا نجد فرقاً أو احتواء أحدهما للآخر، مادام كل منها يحاول أن يقارب النص الإبداعي بأدواته الإجرائية، غير أن الناقد الأدبي يصبح أكثر منهجية عندما يستوعب ويلتزم بأحد المناهج، يستقي منه أدواته، ليقارب النصوص الأدبية.
فالنقد الأدبي لن يوفق في عمله مالم يستعن بمنهج نقدي من المناهج النقدية المعروفة سواء أكانت سياقية منها أم نَسقيّة، كل بحسب أدواته الإجرائية، وطرائقه ومقولاته في استنطاق النصوص الأدبية، وفهم العملية الإبداعية من ناص ونص ومتلقٍّ.
الأسلوبية والنص الأدبي:
تركز الأسلوبية ـ بوصفها منهجاً نسقياً يقصي من طريقه كل السياقات الخارجة عن النص ـ على مقاربة لغة النص، وأسلوب الكاتب فيه انطلاقاً من إمكاناته اللغوية المتاحة، ومن ثم فهي ترتكز قراءتها للنص على مفهوم الأسلوب كمجموعة من الخيارات يقوم بها الكاتب في نصه على مستويات اللغة المختلفة، اللفظية منها والنحوية بشكل رئيسي ثم الصوتية، وما تفرزه هذه الخيارات الأسلوبية من وظائف ومعانٍ ومدلولات أسلوبية ناشئة عن علاقات متشابهة، ومترابطة أو متنافرة، وأحياناً معقدة بين مستويات اللغة المذكورة، بحسب الموقف الذي ساهم في إنتاج النص.
يعتمد المنهج الأسلوبي اللغة الحاملة للنص قصد سبر أغوارها، وكشف مكنوناتها، من خلال الألفاظ، والتراكيب سواء من جانبها النحوي، أو الصوتي، أو الدلالي، سعياً إلى الوقوف عند اللغة الأدبية المميزة للنص عن سواه من النصوص الأخرى، لأن ((التناول الأسلوبي إنما ينصب على اللغة الأدبية لأنها تمثل التنوع الفردي المتميز في الأداء بما فيه من وعي واختيار، وبما فيه من انحراف عن المستوى العادي المألوف، بخلاف اللغة العادية التي تتميز بالتلقائية والتي يتبادلها الأفراد بشكل دائم وغير متميز)) (20)، وذلك ما يميز بين الأسلوب في خصوصيته الإبداعية والأسلوب كأداة يومية تستعمل للتواصل؛ والأسلوبية باعتبارها منهجاً نقديّاً ينصب اهتمامها على اللغة الأدبية من خلال انحرافاتها الإبداعيةعن النمطية ضمن اللغة الإبداعية العادية.
تبقى القراءة الأسلوبية ذلك المنهج النسقي الذي يجعل لغة النص وسيلة وغاية لفهم الإبداع والوقوف على درجة الأدبية فيه، من خلال الهوامش التي تحققها اللغة الإبداعية إذ تسمو بالنص إلى مصاف الأعمال الفنية الجذابة، انطلاقاً من مدى اختيار الألفاظ وتراصها وعلاقة بعضها ببعض، ضمن تركيب نحوي وصوتي ودلالي؛ ولذلك نجد أن ((الأسلوبية تعود بالضرورة إلى خواص النسيج اللغوي، وتنبثق منه، فإن البحث عن بعض هذه الخواص ينبغي أن يتركز في الوحدات المكونة للنص وكيفية بروزها وعلائقها)) (21) بعضها ببعض.
وتبقى الأسلوبية منهجاً نقدياً عمل من أجل الكشف عن أسرار اللغة الأدبية في النص الإبداعي، من خلال وحداته المكونة له وانطلاقاً من اللغة كوسيلة وغاية، كوسيلة للوصول إلى استنطاق النص، وكغاية سعياً وراء الوقوف عند درجة الأدبية في النص الأدبي.
محددات الأسلوب في الأسلوبية:
لقد دأب النقاد الأسلوبيون المعاصرون على رصد أساليب الكتاب وتفردهم واختلافهم، الواحد عن الآخر، من خلال المقولات الثلاث: الاختيار ـ التركيب ـ الانزياح.
1 ـ الاختيار:
يعمد الكاتب إلى اللغة بوصفها خزّاناً جماعياً رحباً، منه ينتقي مفرداتٍ، يتخيرها كي يصب فيها ما تجيش به نفسه من مشاعر وأحاسيس وانطباعات، وهنا يبدأ بحث النقاد الأسلوبيين من حيث العمل على كشف العلل والأسباب الكامنة وراء هذا الاختيار أو ذاك مادام ((مبدأ "الاختيار" أو "الانتقاء" يمثل خاصية من خصائص البحث الأسلوبي، وإذا كانت اللغة تحوي مفردات متعددة، تتركب منها أعداد لا تحصى من العبارات والجمل، فإن القضية المثارة هي البحث عن الدلالات المتعلقة بأسباب اختيار جملة بدلاً من جملة أخرى، وتفضيل تركيب عن تركيب سواه)) (22)، ورصد العلل المضمرة وراء هذا الاختبار أو ذلك.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن عملية الاختيار يحكمها جانبان: شعور فردي وجداني تمليه الدفقة الشعورية للإبداع، وآخر خارجي اجتماعي لغوي فني تفرضه القواعد والأعراف، والطقوس المتداولة عند الكتاب والمتلقين، حتى يكون هناك إدراك واضح لما تحمله النصوص الإبداعية، بفهم لغتها وما ترمي إليه، وجعلها أكثر قابلية عندهم، ومن نجد أن ((الوضوح يتحقق باختيار الكلمات المعينة غير المشتركة بين معان، والتي تدل على الفكرة كاملة، والاستعانة بالعناصر الشارحة، أو المقيدة، أو المخيلة، واستعمال الكلمات المتقابلة المتضادة إذا كان ذلك يخدم المعنى والفكرة، والبعد عن الغريب الوحشي، والعمد إلى لغة الناس وما يستطيعون إدراكه)) (23)، بسهولة وبصورة واضحة لا تشوبها شائبة.
يبقى الاختيار من العمليات المساعدة على كشف تفرد كاتب عن كاتب آخر، من خلال أسلوبه المتمثل في اللغة المعجمية، التي انتقاها ورصها مفرداتياً بعضها إلى بعض لتصير في النهاية لغة إبداعية فنية جمالية تستهوي القارئ، وترقع النص إلى مصاف الآثار الأدبية الخالدة.
2 ـ التركيب:
إن سلامة التركيب في جميع نواحيه، معجمياً، ونحوياً، وصوتياً، وصرفياً، ودلالياً، تستدعي انطلاقه من عملية سابقة عليه، وهي الاختيار، فكلما كان الاختيار دقيقاً يخدم الكاتب والنص القارئ، حينها يأتي التركيب كذلك؛ إذ ((ترى الأسلوبية أن الكاتب لا يتسنى له الإفصاح عن حسه ولا عن تصوره للوجود إلا انطلاقاً من تركيب الأدوات اللغوية تركيباً يفضي إلى إفراز الصورة المنشورة والانفعال المقصود)) (24)، والانطباع النابع من الذات عبر النص من خلال اللغة، ليحتضنه القارئ بحرارة.
وتقاس عملية التركيب بالرجوع إلى المزاج النفسي للكاتب وثقافته الخاصة، بالإضافة إلى السمات الثقافية لكل عصر، وهي الرقيب الذي يسير الكاتب تحت إمرته حتى يفهم عند المتلقين، ((فكل كاتب له مزاجه النفسي وثقافته المتميزة، كما أن لكل عصر سماته الثقافية، ومزاجه الفكري، ومن ثم يختلف أسلوب كاتب عن كاتب، كما يختلف أسلوب عصر عن عصر، إن الموقف وطبيعة القول وموضوعه، كل ذلك سوف يفرض بالضرورة أداء يختلف عن أداء، بل إن ذلك قد يكون لدى كاتب واحد)) (25)، لأنه عايش فترتين زمنيتين مختلفتين.
أن ظاهرة التركيب التي لها علاقة تامة بالأسلوب تتحدد ضمن الأداء، من عدّة منطلقاتٍ ذاتيةٍ خاصةٍ بالكاتب ومزاجه النفسي، وثقافته المتميزة، والموضوع المتناول، وهي التي تفرض عليه لا محالة توظيف مفردات وتراكيب خاصة به، انطلاقاً مما سلف ذكره، وهذا لن يكون ذا فائدة تواصلية لغوية فنية جمالية، مالم يبق في إطار العصر وخصائصه الثقافية والفكرية واللغوية.
3 ـ الانزياح:
لقد ذهب جل النقاد الأسلوبيين، وعلى رأسهم الناقد الفرنسي "جون كوهن" إلى كشف ملامح الاختلاف بين الأساليب بدءاً بمدى انحراف الكتّاب عن النمط المألوف، والطقوس المتداولة في الكتابة في سياق نصوصهم الإبداعية؛ إذ ((الأسلوب هو كل ما ليس شائعاً ولا عادياً ولا مطابقاً للمعيار المألوف ... إنه انزياح بالنسبة لمعيار، أي إنه خطأ ولكنه خطأ مقصود)) (26)، ومحمود تنزع النفس إليه مادام يحمل جمالاً فنياً.
فالانزياح في المفهوم الأسلوبي هو قدرة المبدع على انتهاك واختراق المتناول المألوف، سواء أكان هذا الاختراق صوتياً أم صرفياً أم نحوياً أم معجمياً أم دلالياً؛ ومن ثم يحقق النص انزياحاً بالنسبة إلى معيار متواضَعٍ عليه، لذا تبقى اللغة الإبداعية هي التي تسمح بهذه الخلخلات اللغوية ضمن النصوص بحملها من النفعية البلاغية إلى الفنية الجمالية؛ وهذا كله وفقاً لأفكار وتداعيات خاصة، في إطار أمنية ومواقف محددة تمليها طبيعة المواضيع المتناولة في ضمن النصوص، حيث ((أنه من غير المجدي حصر الكلام في تكرار جمل جاهزة، كل واحد يستعمل اللغة لأجل التعبير عن فكرة خاصة في لحظة معينة، يستلزم ذلك حرية الكلام)) (27) واستقلالية الخوض فيه وبه بارتياح، في رحاب لغة فنية أدبية تجعل الجمالية والتأثير غايتَيْها.
إن جمالية الانزياح عندما تخلق اللغة الإبداعية هوامش رحبة، على حساب اللغة المعجمية وانطلاقاً منها، ففيها يتأتى للقارئ الإقبال على العمل الفني، وتذوقه ومدارسته ومحاورته، بشقف ونهمٍ كبيرين، إلى درجة الاستمتاع والإثارة والاقتناع به فنياً وجمالياً.
اتجاهات الأسلوبية:
(يُتْبَعُ)
(/)
راح الأسلوبيون ـ في إطار البحث الأسلوبي ـ يدرسون النصوص الأدبية، فهناك من قارب الظاهرة الأسلوبية بدءاً بعلاقة المبدع بالنص، وهنا انصب جهدهم على دراسة مدى انعكاس شخصية المبدع في نصه، وتصبح الرسالة اللغوية حينها مطية للتعريف بشخصية المبدع، مما يدخل في إطار علم النفس اللغوية إذا اعتبرنا هذا الأخير أحد مناهج المقاربة الأسلوبية.
كما أننا نجد بعضهم الآخر قد حشد اهتمامه في دراسة النصوص وعلاقتها بمتلقيها، إذ يهتم بمدى استجابة القارئ للنصوص وأهميته في ذلك، حيث يعد المتلقي، من خلال ملاحظاته منطلقاً طبيعياً لفحص الرسالة اللغوي الحاملة للنص.
وهناك فريق آخر أقصى كلاً من المبدع والمتلقي في مقاربته للنصوص الإبداعية، وأبقى على النص وحده، إذ يرى أن النص هو الوحيد الذي باستطاعته ـ إلى حد ما ـ الكشف عن محموله الدلالي من خلال خواصه اللغوية التي تميزه عن نص آخر، أو يتميز بها كاتبه عن كاتب آخر.
ومن ثم نجد أن مقاربة الظواهر الأسلوبية، سواء ربطنا النص بمنشئه، أو متلقيه، أو اقتصرنا عليه دون منشئه ولا متلقيه، ـ تحتم علينا لا محالة اتخاذ الإحصاء منهجاً لرصد الظواهر الأسلوبية الكامنة في النصوص.
الأسلوبية التعبيرية [شارل بالي"> 1865ـ 1947:
وهذا ما دأب عليه شارل بالي وأتباعه من الأسلوبيّين في تعاملهم مع النصوص الأدبية، انطلاقاً من المنهج الأسلوبي الذي يدرس لغة الخطاب سبراً لأغوارها، وماكان له ذلك لو لم ينحو منحى الدراسات اللسانية الحديثة، التي امتطت العلمية الوصفية سبيلاً لمدارسة النصوص من خلال لغتها ضمن تزامنيتها في إطار النسق المغلق المتمثل في النص.
(الأسلوبية) أو (الأسلوبيات) أو (علم الأسلوب) كلمات مشتقة من الأسلوب، تشكل اتجاهاً نقدياً يعتني بمقاربة الجوانب الأسلوبية في النصوص الإبداعية، وقد ظهرت خلال القرن التاسع عشر في النقد الغربي، لكن ملامحها كمنهج نقدي لم يحدد إلا في بداية القرن العشرين مع "شارل بالي" (1947. 1855. C. Bally) ، بعد أن كانت متداخلة مع علم البلاغة في التراث اللغوي العالمي.
استفاد شارل بالي في التأسيس للأسلوبية كثيراً من أستاذه (("فردينان دي سوسير"
(1913.1857) وبخاصة في بعض إنجازاته اللغوية الأساسية، فوضع "شارل بالي" ـ بوصفه مؤسس الأسلوبية ورائد التعبيرية منها ـ الطابع الوجداني محدداً في عملية التواصل بين المرسل والمتلقي، ضمن الإطار اللغوي للرسالة، إذ "يعد من الرواد المؤسسين للأسلوبية، وهي تعني عنده البحث عن القيمة التأثيرية لعناصر اللغة المنظمة والفاعلية المتبادلة بين العناصر التعبيرية التي تتلاقى لتشكيل نظام الوسائل اللغوية المعبرة، وتدرس الأسلوبية عند "بالي" هذه العناصر من خلال محتواها التعبيري والتأثيري)) (28) من النص إلى المتلقي عبر اللغة.
اهتم "بالي" في أسلوبيته التعبيرية بالجانب الأدائي للغة الإبلاغية، من خلال تأليف المفردات والتراكيب اللغوية ورصدها جانباً إلى جنب، انطلاقاً مما يمليه وجدان المؤلف، بذلك تعتبر التراكيب اللغوية حاملة لمضمون عاطفي مشحون دلالياً يجعل المتلقي يتأثر به، عندها يبقى الخطاب من خلال لغته المشكلة لبنيته الخارجية ذا تأثير فعال فيمن يحمل إليه، مادام ((موقف التحليل الأسلوبي عند بالي هو الخطاب اللساني بصفة عامة، ولكنه يحصر مجال الأسلوبية في القيم الإخبارية التي يشتمل عليها الحدث اللغوي بأبعاده دلالية وتعبيرية وتأثيرية)) (29) إلى المتلقي للخطاب.
حصر "بالي" أسلوبيته في اللغة الشائعة، لغة التواصل اليومي، دون اللغة الأدبية، لغة الإبداع. "ومن هنا كان "الأسلوب" عند "بالي" هو تتبع السمات والخصائص داخل اللغة اليومية، ثم استكشاف الجوانب العاطفية والتأثيرية والانفعالية التي تميز أداء عن أداء" (30)، من شخص إلى شخص، ومن بيئة إلى بيئة.
ـ العلاقة بين اللغة والحديث أو بين عناصر الوراثة في اللغة وهو ما أ طلق عليه" Langue"، وبين الاستخدام الذي يزاوله الناس في الحديث " Parole"
ـ تحليل الرموز اللغوية، وذلك باعتبار أن المسميات اللغوية ليست سوى مفاهيم ترتبط بذهن من ينطقها.
ـ دراسة التركيب العام للنظام اللغوي لأن الكلمة في حد ذاتها لا تمثل بناءً لغوياً.
ـ آثر "دي سوسير" الفصل بين مناهج الدراسة الوصفية (سانكروني) والمناهج التاريخية (دياكروني).
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ لاحظ أن العلامة اللغوية تمتاز بطابع خاص سماه (الدالّ)، وطابعٍ دلالي سماه (المدلول).
تميزت الأسلوبية منذ القرن العشرين ((عما هو مشترك في مفهوم الأسلوب عن البلاغة القديمة)) (31)، ولذلك ركز "شارل بالي" في دراسته للأسلوب على الكلام أو الحديث اليومي باعتباره الخطاب البسيط و البعيد عن التعقيد والوعي القصدي؛ واشتغل كثيراً بالوصف اللغوي، ولهذا نعتت أسلوبيته منذ البداية بالوصفية؛ إذ هي عبارة ((عن وصف للوسائل المقدمة من اللغة، واختبار للعلاقة السنكرونية بين العبارة والوعي النفسي التحليلي)) (32)، وبذلك نجد أن "شارل بالي" في أسلوبيته الوصفية يترجح بين سلطان العقل والعاطفة من أثر اللغة في المتلقي.
ويخلص "شارل بالي" في طرحه الأسلوبي إلى تأكيد سلطان العاطفة في العملية اللغوية، وأرجع سلطان العقل إلى المستويات الخلفية، معللاً ذلك بأن الإنسان في جوهره كائن عاطفي قبل كل شيء، وأن اللغة هي الكاشف الأكبر من هذا الإنسان.
يسجل الدارسون أن المنحى الذي سلكته الأسلوبية وبخاصة مع "شارل بالي" كان علمياً خالصاً، أو على أقل تقدير كانت نظرتها إلى الأسلوب تندرج في إطار علمي خاص، ويؤكد ذلك ما ذكره الأسلوبيون الفرنسيون من أمثال "بيير جيرو" و"جيرار جنجمبر"؛ إذ تسعى الأسلوبية الحديثة ـ في نظر هذا الأخير ـ إلى نظرة علمية.
داخل هذا الإطار توسعت المدرسة الأسلوبية الفرنسية لتشمل أعمال "شارل برينو" و"مارسيل كريسو" وأخذت تعتني بوسائل المعنى المعتمدة من المبدع في إطارها اللغوي البحت؛ ثم تطورت الأسلوبية تطوراً كبيراً وسجلت قفزة نوعية في مجال الدراسات الأدبية؛ فلم تعد لغة النص غاية في ذاتها بل أصبحت وسيلة لدراسة الأدوات التعبيرية من أجل غايات أدبية أسلوبية، وبذلك تكون الأسلوبية في مفهومها النقدي هي العلم الذي يكشف عن القيم الجمالية في الأعمال الإبداعية.
تجلت الأسلوبية التعبيرية في النقد العربي المعاصر، في ترجمة جزء من أعمال بالي؛ إذ ضمن الباحث شكري محمد عياد كتابه "اتجاهات البحث الأسلوبي" ترجمة لفصل من كتاب "شارل بالي" "اللغة والحياة" بعنوان "علم الأسلوب وعلم اللغة العام".
كما نجد عزة آغا ملك في مقال لها بعنوان "الأسلوبية من خلال اللسانية" في مجلة الفكر العربي، ع: 38 قد توصلت إلى أن كلاً من: جول ماروزو، ومرسيل كريسو، وروبرت سايس، وشيفات أولمان، قد ساروا على نهج مؤسس الأسلوبية شارل بالي.
ومن الذين اهتموا بالأسلوبية التعبيرية في النقد العربي المعاصر إضافة إلى من سلف ذكرهم، "صلاح فضل" في مؤلفه "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته" ينضاف إلى ذلك "حمادي صمود" في مؤلفه: "الوجه والقفا في تلازم التراث والحداثة" 1988.
وكلهم حاول فهم الأسلوبية التعبيرية، كما جاءت من "شارل بالي" وأتباعه، بالإضافة ثم سعوا إلى تطبيق مقولاتها على اللغة العربية إبداعاً ونقداً في سياق معركة الحداثة التي تجتاح الحركة النقدية العربية المعاصرة.
الأسلوبية النفسية "ليو سبيتزر" [1960 - 1887"> Les Spityer
تضع الأسلوبية النفسية، الأثر الأدبي وسيلة للولوج إلى نفسية مبدعه، من خلال المعجم الإفرادي والمعجم تركيبي للغة الحاملة للخطاب القابع في النص الأدبي؛ وذلك كي يتسنى للباحثين في هذا الاتجاه الوصول إلى ذاتية الأسلوبي انطلاقاً من مضمون الرسالة ونسيجها اللغوي في إطار النص المبدع.
من رواد هذا الاتجاه في البحث الأسلوبي نجد الألماني "ليوسبيتزر" [1960 - 1887"> Les Spityer في مؤلفه: "دراسة في الأسلوب"؛ إذ يهتم بالذات المبدعة وخصوصية أسلوبها انطلاقاً من تفردها في الكتابة، حيث ((يتميز باحتفاله بخصوصية الذات الكاتبة ... وآثر ذلك على خصوصية استعمالاتها الأسلوبية ... ومن ثم يكاد "سبتزر" يجنح إلى تلامس واضح بين الجانب النفسي، لتلك الذات المنتجة، وبين ما أنتجته من كتابة معينة)) (33) تختلف عن كتابات الآخرين. ينضاف إلى ذلك ربط "سبتزر" لفردية الذات المبدعة، وتفردها في الأسلوب، داخل وسط اجتماعي يتطور تاريخياً، كما ((يكاد يلامس كذلك المنحى الاجتماعي بحسبان تلك الذات جزءاً من شريحة اجتماعية ضخمة، وهي كذلك واحدة من سلاسل أفراد وجماعات لها روحها العام بجانب روح الذات الخاص)) (34) مفردة ضمن سياقها الاجتماعي العام.
(يُتْبَعُ)
(/)
ينظر "سبتزر" إلى الأسلوب من خلال الذات المبدعة، وخصوصيتها الفردية في إطار سياق جماعي تاريخي يساهم في وسم الأسلوب بميزات خاصة تبعاً لما تمليه الظروف المختلفة؛ ((فالأسلوب خصوصية شخصية في التعبير والتي من خلالها تتعرف على الكاتب، وذلك من خلال عناصر متعددة تعمل على تكوين هذه الشخصية الذاتية)) (35) من خلال ذوات أخرى تَحْيا جنباً إلى جنب معهم، في شكل جماعة تحكمها ظروف اجتماعية ونفسية وتاريخية خاصة.
تذهب الأسلوبية النفسية ـ من خلال طرحها في مقاربة النص ـ إلى أن علم الأسلوب ـ من منظورها ـ قادر على إدراك كل ما يتضمنه فعل الكلام من أساليب أصلية تتوفر على عناصر الفرادة أوجدتها طاقة خلاقة منبثقة من نفس مبدعة وتفرده في الإلقاء، وقدرته على القول، وتمكنه من التعبير وهنا ينصب جهد البحث الأسلوبي النفسي على تتبع التحولات اللغوية، التي أحدثها المبدع في خصوصيته وفرديته المتميزة انطلاقاً من دفقة شعورية يختص بها، لذلك قد تكون الأسلوبية النفسية أشبه بدراسة السير الذاتية للمبدعين والكتاب، وذلك بالاعتماد على استنطاق لغة النص وما تحمله من دلالات عديده، كما نادت بذلك اللسانيات الحديثة، والتي ولدت من رحمها الأسلوبية.
جنحت الأسلوبية النفسية إلى الانطباعية. والإغراق في ذوات المبدعين يظهر حالياً، مادامت تهتم بالجوانب النفسية، في إطار الجماعة بكل ظروفها التي تحيا ضمنها، جاعلة من أسلوب الكاتب في انحرافه عن السائد والمألوف، حقلاً للدراسة والبحث والتقصي.
لقد تجلت الأسلوبية النفسية كباقي الاتجاهات الأسلوبية الأخرى في النقد العربي المعاصر، فراح باحثونا يترجمون لأعلامها ساعين إلى فهم وكشف ما تحمله هذه الدراسات الأسلوبية النفسية المعتمدة على المبدع، المتفرد من خلال نصه، الذي لا يفهم إلا منه، ومن النقاد العرب الذين اهتموا بهذا الطرح الأسلوبي نجد:
ـ عزة آغا ملك في بحث لها بعنوان "منهجية ليوسبتزر في دراسة الأسلوب الأدبي" عن مجلة الفكر العربي عدد 36 – 1985.
ـ حمادي صمود في مؤلفه "الوجه والقفا في تلازم التراث والحداثة" 1988.
ـ عبد الفتاح المصري في بحثه "أسلوبية الفرد" عن مجلة الموقف الأدبي، عدد 135 –136، دمشق 1982.
ـ صلاح فضل في كتابه "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته" 1985.
وهكذا ترجحت بحوث العرب في الأسلوبية النفسية بين الترجمة، ومحاولة الفهم والدراسة، إلى التطبيق والنقد في غالب الأحيان.
الأسلوبية والبنيوية: (الوظيفة).
تنطلق الأسلوبية البنيوية في بحثها من النص كنسق لغوي، متأثرة في أطروحاتها باللسانيات الحديثة، وبخاصة علوم: الصرف، والمعاني والتراكيب، لرصد ما يحمله النص من دلالات وإيحاءات بدءاً بمفرداته وتراكيبه المشكلة له، إذ تقارب الأسلوبية البنيوية الأسلوب من خلال النسيج اللغوي للنص، فتحدد العلائق اللغوية في مستوياتها الإفرادية والتركيبية المشكلة لنسيجها النصاني في تتابعها ومماثلتها، مهتمة بمقاربة الظواهر وما تولده من فروق تتولد في سياق الوقائع الأسلوبية ووظائفها في الخطاب الأدبي ذي الجودة العالية فنياً وجمالياً.
ينطلق البحث الأسلوبي البنيوي في تحليله للآثار الأدبية من خلال البنى اللغوية المشكلة لها، ومدى تناسقها وتضافرها داخلياً لتكوين ذلك الكل الشمولي المتمثل في النص، ((وليس النص الأدبي نتاجاً بسيطاً من العناصر المكونة، بل هو بنية متكاملة تحكم العلاقات بين عناصرها قوانين خاصة بها، وتعتمد صفة كل عنصر من العناصر على بنية الكل. وعلى القوانين التي تحكمه. ولا يمكن أن يكون للعنصر وجود ـ (فيزيولوجي أو سيكولوجي) ـ قبل أن يوجد الكل، وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكن تعريف أي عنصر منفصل إلا من خلال علاقاته التقابلية أو التضادية مع العناصر الأخرى في إطار بنية الكل)) (36)، حينئذ يمكننا مدارسة النصوص الأدبية انطلاقاً من لغتها الحاملة لها، ومدى تفاعل الشكل المتمثل في المفردات والتراكيب في سياق نحوي ما، ناهيك عن تفاعل هذا الشكل بما تولده هذه المفردات والتراكيب والأصوات من دلالات تكتسبها ضمن علاقاتها جنباً إلى جنب لتكون النص في شكله العام.
(يُتْبَعُ)
(/)
تؤسس الأسلوبية البنيوية لمنهج غايته دراسة النصوص الأدبية انطلاقاً من لغتها، وما تحدثه في تجاور مفرداتها وتراكيبها، في إطار النص كنسق لغوي معزول عن كل اعتبارات تاريخية أو نفسية، لذلك لا يبحث النقاد الأسلوبيون البنيويون عن ملامح أصالة النص في محاكاته للأسيقة بكل أنواعها، بل نجد أن اهتمامهم ينصب على انسجامه النص مع نفسه، ويركزون على مقاربة وحداته التي أسست لتناميه فيبرزون جماليات مكوناته، وثراء دلالاته من خلال تناسق وانسجام أساليبه، فالنص الأدبي من هذا المنظور هو نظم لغوي يعبر عن ذاته بدءاً بانسجام مفرداته وتراكيبه، وعلاقة بعضها ببعض، ومن ثم يجب مقاربته بذاته ولذاته.
تركز الأسلوبية البنيوية على تناسق أجزاء النص اللغوية، ورصد مدى انسجامها علائقياً، حتى تكتسب اللغة من خلال النص صفة الأدبية زيادة على صفة الإبداعية ضمن السياق العام للغة، هذا كله ينبئ بأنها بقدر ما تهتم بالنص لذاته وبذاته، فإنها تهتم كذلك بالمتلقي كعنصر هام في تفعيل العملية الإبداعية، مادام هذا الأخير يقبل على الأثر الأدبي إذا بلغ درجة فنية راقية، تجعله يقع في نفسه موقع الاستحسان والقبول الفنيين، فيتمتع به، ويصغي إلى محمولته الدلالية، وينجذب نحو سحره الظاهر في إطار لغة فنية راقية تسمو عن التواصلية النفعية إلى التأثير الجمالي وتالياً إلى الإبداع والفن.
لقد كان لـ"رومان جاكبسون" الأثر الأعظم في التأسيس للتحليل الأسلوبي وبخاصة البنوي منه، إذ كان منطلقه في ذلك أن ((الأدب أبعد من المعنى، والعمل الأدبي يمثل كل طرائق الأسلوب، وأن الأسلوب هو البطل الوحيد في الأدب)) (37)، ومن ثم قام بالتأسيس الأسلوبية للبنوية ذات الطرح المحايث الذي يجعل من الأسلوب الميدان الأول للبحث والمقاربة.
كما ركز "ميشال ريفاتير" في كتابه "مقالات في الأسلوبية البنيوية" على مقاربة المعالم الكبرى للأسلوب الفني وفقاً للطرح النقدي، مع الإدراك الواعي بما تحققه تلك المعالم من غايات وظائفية، سواء أكانت أسلوبية أم جمالية، انطلاقاً من أن النص بنية خاصة تشكل منظوراً أسلوبياً.
أسس هذا الطرح للتحليل الشكلاني الذي يحلل ويصنف مجموعة الأنساق التكرارية مع التركيز على ملاحظة الأداء البنائي وفق المستويات المتنوعة، مع الاهتمام بمقاربة المستوى الصوتي منه بخاصة.
لقد تشكل الاهتمام لدى الأسلوبية البنيوية بفن الشعر أو فن الأسلوب أكثر الاهتمام سعة وعمقاً، حتى كادت أن تعرف بدراسة الشعر دون الأجناس الأخرى؛ إلا أن هذا المدى الأسلوبي الشكلي، والذي استمد أسسه من الطابع الموضوعي المفرط في المحايثة، لم يسلم من الانتقاد المنهجي من بعض الدارسين، الذين عابوا عليه الانغماس في الطابع اللغوي الجاف متناسياً الجانب المضموني في العمل الأدبي. وهاذ ما دفع إلي بروز اتجاه آخر في الأسلوبية يركز على المناحي الانطباعية ويحاول ملامسة الجوانب الإنسانية في الأعمال الأدبية، وقد عرف بالأسلوبية الأدبية ولقي رواجاً في الدراسات الألمانية ا لتي تستند في كثير من أطروحاتها إلى الفلسفة المثالية.
وجد هذا الاتجاه أقلاماً نقدية عربية حاولت أن تتبنى أطروحاته وتحاول أن تؤسس لها حتى تصبح قراءة لها مجال في الممارسة النقدية العربية المعاصرة، ومن النقاد الذين سعوا إلى ذلك:
ـ فؤاد أبو منصور: "النقد البنيوي الحديث".
ـ عبد السلام المسدي: "محاولات في الأسلوبية الهيكلية".
ـ حمادي صمود: "الوجه والقفا في تلازم التراث والحداثة".
محمد العمري: "تحليل الخطاب الشعري".
ـ شكري محمد عياد: "اتجاهات البحث الأسلوبي".
ـ فؤاد زكريا: "الجذور الفلسفية للبنائية.
لقد ترجحت هذه البحوث بين الترجمة ومحاولات التطبيق على النصوص الأدبية العربية، وقيامهم بالنقد أحياناً.
4 ـ الأسلوبية الإحصائية:
تعتمد الأسلوبية الإحصائية، الإحصاء الرياضي مطية للدخول إلى عوالم النصوص الأدبية، دلالة منها على خصائص الخطاب الأدبي في أدواته البلاغية والجمالية إذ ((يهدف التشخيص الأسلوبي الإحصائي إلى تحقيق الوصف الإحصائي الأسلوبي للنص، لبيان ما يميزه من خصائص أسلوبية)) (38) عن باقي النصوص الأخرى.
(يُتْبَعُ)
(/)
انصبت جهود الأسلوبيين الإحصائيين على مدارسة النصوص الإبداعية، من خلال بنياتها المشكلة لها ومراعاة عدم تكرارها، والبحث عن الصيغ والمفردات التي يركز عليها المبدع دون غيرها، وذلك للوقوف على المعجم الإفرادي والتركيبي والإيقاعي للمبدع ذاته، كما سعت إلى تبيان خصائص اللغة التي اعتمدها الكاتب محاولة منها لتأكيد أن المقاربة الإحصائية للأسلوب يقصد منها تمييز الملامح اللغوية للنص، وذلك من خلال إبراز معدلات تكرار مختلف المعاجم، سواء أكانت إفرادية أم تركيبية أم إيقاعية ونسب هذا التكرار، ولهذا النمط من المقاربة أهمية خاصة في تشخيص الاستعمال اللغوي عند المبدع، وإظهار الفروق اللغوية بينه وبين مبدع آخر، مع ذكر العلل والأسباب إلى حد ما.
ومن رواد المنهج الأسلوبي الإحصائي في الغرب يمكن أن نقتصر على الأسماء الآتية:
ـ برنلد شبلز في مؤلفه "علم اللغة والدراسات الأدبية، دراسة الأسلوب والبلاغة".
ـ كراهم هاف: "الأسلوب والأسلوبية".
ـ جون كوهن: "بنية اللغة الشعرية".
كما نجد تجلي الأسلوبية الإحصائية واضحاً في النقد العربي المعاصر، حيث تركز بين الترجمة والنقد ومحاولات التطبيق على النصوص الإبداعية العربية، ومن النقاد العرب الأسلوبيين الذين برزوا في هذا الاتجاه:
ـ محمد الهادي الطرابلسي "في منهجية الدراسة الأسلوبية"، مجلة الجامعة التونسية نوفمبر 1983.
ـ سعد مصلوح "الأسلوب دراسة لغوية إحصائية"، و"الدراسة الإحصائية للأسلوب، بحث في المفهوم والأجزاء والوظيفة" عالم الفكر العدد 03 أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر 1989.
ـ صلاح فضل "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته".
ـ محمد العمري "تحليل الخطاب الشعري".
نخلص في ختام هذا البحث إلى أن البلاغيين العرب الأوائل كانوا ينظرون إلى الأسلوب من خلال سمات القوة والتناسق والجمال، مراعين في ذلك ما يقتضي الحال ا لذي يكون عليه المخاطب، أما بالنسبة للمخاطَب فيشترطون فيه إلمامه بعلوم اللغة من نحو وصرف وبيان وعروض. يشكل هذا لديهم إجماعاً وقلما نجد من أضاف إليه جديداً في مفهوم الأسلوب، مع استثناء "الجرجاني" في نظرية النظم، و"ابن خلدون" في تحديده للأسلوب على أنه صورة ذهنية، وربما نلمس أيضاً توافقهم في جعل الأسلوب توفيقاً بين أطراف الكلام.
لم يخرج كثير من النقاد في مطلع القرن الماضي عن مفهوم أسلافهم بشكل عام إلا أنهم طعموه بنصيب من الثقافة الأدبية والنقدية الأوروبية الحديثة وكان أبرزهم "أحمد أمين" و"أحمد حسن الزيات" ولعل الجدير بالإشارة اهتمامُهم بنظرية "بوفون" في الأسلوب وبخاصة في مجال تجسيد الأسلوب للطبيعة والنفس البشرية.
وتشكل نظرة الأسلوبيين للأسلوب فتحاً مهماً للدراسات النقدية، وذلك انطلاقاً من نظرتهم إلى الأسلوب على أنه انحراف عن المعيار المألوف والمتداول في نظم الكلام الإبداعي، ومن ثم تبقى الأسلوبية المنهج النقدي الذي بوسعه ـ إلى حد ما ـ رصد مكامن الفنية والجمال في النصوص الإبداعية، انطلاقاً من اللغة الحاملة لها، من خلال ماتوفره هذه اللغة من انحرافات فنية محمودة، تجعل منها الأسلوبية حقلاً لدرسها، سعياً إلى فهم النصوص الإبداعية، وبجنوح الأسلوبية إلى الوصف العلمي الذي يبغي الابتعاد عن استصدار الأحكام التقييمية، استطاعت الساحة النقدية الحديثة محاولة الإعراض عن البلاغة وما وقعت فيه في مدارسة الأسلوب، وماكان لها ذلك لولا سيرها على نهج لسانيات دي سوسير، وما نادت به من ضرورة دراسة اللغة لذاتها وبذاتها، وإقصاء السياقات الخارجية، وحينئذٍ حققت الدراسات الأسلوبية نقلة نوعية في تعاملها مع الأسلوب بالوقوف عندما تحققه لغته من انزياحات لغوية.
المصادر والمراجع
1 ـ الأسلوبية والأسلوب/ عبد السلام المسدي، تونس: الدار العربية لكتاب، ط2، 1982م.
2 ـ الأسلوبية منهجاً نقدياً/ محمد عزام، دمشق: وزارة الثقافة السورية، ط1، 1989م.
3 ـ الأسلوبية وتحليل الخطاب/ نور الدين السدّ، الجزائر: دار هومة، ط1، 1997م.
4 ـ البحث الأسلوبي: معاصرة وتراث/ رجاء عيد، الاسكندرية: دار المعارف، ط1، 1993م.
5 ـ البلاغة والأسلوبية/ محمد عبد المطلب، مصر: الهيئة العامة للكتاب، ط1، 1984م.
6 ـ بنية اللغة الشعرية/ جون كوهن، ترجمة محمد الوالي ومحمد العمري، الدار البيضاء: دار توبقال، ط1، 1986م.
(يُتْبَعُ)
(/)
7 ـ تاج العروس/ الزبيدي، بنغازي: دار ليبيا للنشر والتوزيع.
8 ـ حول الأسلوبية الإحصائية/ محمد عبد العزيز الوافي، مجلة علامات، مج11، ج42، ديسمبر 2001م.
9 ـ دلائل الإعجاز/ الجرجاني، بيروت: دار الكتب العلمية.
10 ـ شفرات النص: دراسة سيميولوجية/ د. صلاح فضل، بيروت: دار الآداب، ط1، 1999م.
11 ـ عيار الشعر/ ابن طباطبا، تحقيق عباس عبد الستار، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1983م.
12 ـ القاموس المحيط/ الفيروز أبادي، بيروت: المؤسسة العربية للطباعة والنشر.
13 ـ لمن النص اليوم، للكاتب أم للقارئ؟ / حسن غزالة، مجلة علامات، عدد 392، مج10، مارس 2001م.
14 ـ مختار الصحاح/ الرازي، بيروت: مكتبة لبنان، 1988م.
15 ـ المقدمة/ ابن خلدون، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1967م.
16 - G.Gengembre. Les Grands Courants Littéraire.
* أستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة سيدي بلعباس ـ الجزائر.
(1) ـ تاج العروس / الزبيدي ـ 1/ 302.
(2) ـ القاموس المحيط / الفيروز أبادي ـ 1/ 86.
(3) ـ مختار الصحاح / الرازي، ص130.
(4) ـ عيار الشعر/ ابن طباطبا، ص 11.
(5) ـ المرجع السابق، ص11.
(6) ـ نفسه، ص11.
(7) ـ دلائل الإعجاز/ عبد القاهر الجرجاني، ص64.
(8) ـ المرجع السابق.
(9) ـ مقدمة ابن خلدون، ص 352.
(10) ـ المرجع السابق، ص 353، 354.
(11) ـ البلاغة والأسلوب/ محمد عبد المطلب، ص 130.
(12) ـ الأسلوبية والأسلوب/عبد السلام المسدي، ص20.
(13) ـ ينظر لمن النص اليوم للكاتب أم القارئ/ حسن غزالة، مجلة علامات، ع: 392، مج10، مارس/2001، ص 130 ـ 132.
(14) ـ البلاغة والأسلوبية، مرجع سابق، ص268.
(15) ـ البحث الأسلوبي معاصرة وتراث/ رجاء عيد/ دار المعارف، مصر، ط01/ 1993، ص25.
(16) ـ المرجع السابق، ص 55.
(17) ـ الأسلوب والأسلوبية، مرجع سابق، ص51.
(18) ـ البلاغة والأسلوبية، ص 268.
(19) ـ البحث الأسلوبي، ص33.
(20) ـ البلاغة والأسلوبية، ص 129.
(21) ـ شفرات النص: دراسة سيميولوجية في شعرية القصد والقصيد/ صلاح فضل، دار الآداب، بيروت، ط1/ 1999، ص 80.
(22) ـ البحث الأسلوبي معاصرة وتراث، ص 120.
(23) ـ البلاغة والأسلوبية، ص 101.
(24) ـ الأسلوبية وتحليل الخطاب/ نور الدين السدّ، ص169.
(25) ـ البحث الأسلوبي، ص 49.
(26) ـ بنية اللغة الشعرية، جون كوهن، تر: محمد الوالي ومحمد العمري، ص 15.
(27) ـ المرجع السابق، ص 101.
(28) ـ الأسلوبية وتحليل الخطاب، ص 60.
(29) ـ المرجع السابق، ص 64.
(30) ـ البحث الأسلوبي، ص 31.
(31) ـ G.Gengembre.Les Grands Courants Littéraire. P:40.
(32) ـ Idemp:40.
(33) ـ البحث الأسلوبي، ص 52 –53.
(34) ـ المرجع السابق، ص 53.
(35) ـ نفسه، ص 126.
(36) ـ الأسلوبية منهجاً نقدياً/ محمد عزام، ص 110.
(37) ـ البحث الأسلوبي، ص 48.
(38) ـ حول الأسلوبية الإحصائية، محمد عبد العزيز الوافي/ مجلة علامات/ج42/مج11/ديسمبر 2001، ص122.
awu-dam.org/trath/95/turath95-005.htm
ـ[عمر مصطفى]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 10:37 م]ـ
جزاك الله خير الجزاء.(/)
لمَ عُدَّ كتاب الإعجازالقران للباقلاني كتابا نقديا
ـ[ابو يعقوب العراقي]ــــــــ[31 - 01 - 2010, 08:52 م]ـ
:::
إعجاز القرآن للباقلاني
مقدمه عامه للكتاب:
1 - يمكن ان نلمح من كلام الباقلاني سبب التأليف بقوله:
وإن كان قد يعلم بعجز أهل العصر الأول عن الاتيان بمثله وجه دلالته، فيغني ذلك عن نظر مجدد في عجز أول العصر عن مثله، وكذلك قد يغني عجز أهل هذا العصر عن الإتيان بمثله عن النظر في حال أهل العصر الأول .. وإنما ذكرنا هذا الفصل لما حكي عن بعضهم أنه زعم أنه وإن كان قد عجز عنه أهل العصر الأول فليس أهل هذا العصر بعاجزين عنه، ويكفي عجز أهل العصر الأول في الدلالة لأنهم خصوا بالتحدي دون غيرهم، ونحن نبين خطأ هذا القول في موضعه .. )
وقال أيضاً: الأكثرون لما ألزمهم إعجازه أسلموا
ومما يؤكد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا الآحاد إلى الإسلام، محتجاً عليهم بالقرآن، لأنا نعلم أنه لم يلزمهم تصديقه تقليداً، ونعلم أن السابقين الأولين إلى الإسلام لم يقلدوه، وإنما دخلوا على بصيرة، ولم نعلمه قال لهم: إرجعوا إلى جميع الفصحاء، فإن عجزوا عن الإتيان بمثله فقد ثبتت حجتي .. )
2 - بيان اعجاز القران.
وقال: من كان متناهياً في معرفة وجوه الخطابة عرف إعجاز القرآن
فأما من كان متناهياً في معرفة وجوه الخطاب، وطرق البلاغة، والفنون التي يمكن فيها إظهار الفصاحة، فهو متى سمع القرآن عرف إعجازه، وإن لم نقل ذلك أدى هذا القول إلى أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف إعجاز القرآن حين أوحي إليه حتى سبر الحال بعجز أهل اللسان عنه. وهذا خطأ من القول ... فصح من هذا الوجه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أوحي إليه القرآن عرف كونه معجزاً،
3 - العجز واقع في بني البشر إن يأتوا بمثله.
و قال: متى سمع عرف أنه معجز، لأنه يعرف من حال نفسه أنه لا يقدر عليه، ويعرف من حال غيره مثل ما يعرف من حال نفسه، فيعلم أن عجز غيره كعجزه هو، وإن كان يحتاج بعد هذا استدلال آخر على أنه علم على نبوة ودلالة على رسالة، بأن يقال له إن هذه آية لنبيه، وإنها ظهرت عليه وادعاها معجزة له وبرهاناً على صدقه.
وقال أيضاً: لأنه يعلم أن حاله وحال غيره في هذا الباب سواء، إذ ليس في العادة مثل للقرآن يجوز أن يعلم قدرة أحد من البلغاء عليه، فإذا لم يكن لذلك مثل في العادة، وعرف هذا الناظر جميع أساليب الكلام، وأنواع الخطاب، ووجد القرآن مبايناً لها، علم خروجه عن العادة، وجرى مجرى ما يعلم أن إخراج اليد البيضاء من الجيب خارج عن العادات، فهو لا يجوزه عن نفسه، وكذلك لا يجوز وقوعه من غيره إلا من وجه نقض العادة، بل يرى وقوعه موقع المعجزة.
واستشهد المؤلف: ما روي في الحديث أن جبير بن مطعم ورد على النبي صلى الله عليه وسلم في معنى حليف له أراد أن يفاديه، فدخل والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة: "وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ" في صلاة الفجر، قال: فلما انتهى إلى قوله: "إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ، مَّا لَهُ مِنْ دَافِعٍ"، قال: خشيت أن يدركني العذاب. فأسلم. وفي حديث آخر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع سورة طه فأسلم.
عتبة بن ربيعة يسمع آية العذاب فيثب
واستشهد أيضاً: رُوي أن قوله عز وجل في أول "حم السجدة" إلى قوله: "فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُم فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ"، نزلت في شيبة وعتبة ابني ربيعة، وأبي سفيان بن حرب، وأبي جهل. وذكر أنهم بعثوا هم وغيرهم من وجوه قريش بعتبة بن ربيعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليكلمه، وكان حسن الحديث، عجيب الشأن، بليغ الكلام، وأرادوا أن يأتيهم بما عنده.
4 - الإعجاز الذي تحدى بها العرب لم تكن في غير القران من الكتب السماوية
وقال: التوراة والإنجيل والصحف ليست معجزة في النظم ... الخ
وأهل التوراة والإنجيل لم يدعوا الإعجاز لكتابهم ..
وقال أيضاً: فإن قيل: فهل تقولون بأن غير القرآن من كلام الله عز وجيل معجز: كالتوراة والإنجيل والصحف? قيل: ليس شيء من ذلك بمعجز في النظم والتأليف. وإن كان معجزاً كالقرآن فيما يتضمن من الأخبار بغيوب، وإنما لم يكن معجزاً لأن الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن، ولأنا قد علمنا أنه لم يقع التحدي إليه كما، وقع التحدي إلى القرآن ...
5 - جملة وجوه إعجاز القرآن الكريم هي:
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال المؤلف: ذكر أصحابنا وغيرهم في ذلك ثلاثة أوجه من الإعجاز:
الإخبار عن الغيوب
أحدهما يتضمن الإخبار عن الغيوب، وذلك مما لا يقدر عليه البشر، ولا سبيل إليه.
والوجه الثاني أنه كان معلوماً من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أمياً لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ.
والوجه الثالث أنه بديع النظم، عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه، والذي أطلقه العلماء هو على هذه الجملة.
وقال أيضاً: نظم القرآن خارج عن نظام كلام العرب
وقال: ليس في كلام العرب مثيل لما في القرآن ..
6 - وصف شعر الشعراء قياسا بما تقدم من وصف للقران وعلى ما سيأتي.
وقال: ومنها: أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه:
1. الفصاحة.
2. الغرابة.
3. والتصرف البديع.
4. والمعاني اللطيفة.
5. والفوائد الغزيرة.
6. والحكم الكثيرة.
7. والتناسب في البلاغة.
8. والتشابه في البراعة.
9. على هذا الطول وعلى هذا القدر.
10. وإنما تنسب إلى حكيمهم كلمات معدود.
11. وألفاظ قليلة.
12. وإلى شاعرهم قصائد محصورة، يقع فيها ما نبينه بعد هذا من الاختلال، ويعترضها ما نكشفه من الاختلاف، ويقع فيها ما نبديه من التعمل والتكلف والتجوز والتعسف.
وقال أيضاً: القرآن على طوله متناسباً في الفصاحة
وقد حصل القرآن على كثرته وطوله متناسباً في الفصاحة، على ما وصفه الله تعالى به، فقال عز وجل: " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابَاً مُتَشَابِهاً، مَّثَانِيَ، تَقْشَعِرُّ مِنْهُ قُلُوبُ الَّذِينَ يَخْشَونَ رَبَّهُم، ثُمَّ تَلِينُ، جُلُودُهُم وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِْكْرِ اللّهِ"، " وَلَوْ كَانَ مَنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً".
فأخبر أن كلام الآدمي إن امتد وقع فيه التفاوت، وبان عليه الاختلال، وهذا المعنى هو غير المعنى الأول الذي بدأنا بذكره فتأمله تعرف الفضل.
وقال أيضاً: نظم القرآن لا يتفاوت ولا يتباين
وهو أن عجيب نظمه وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين، على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها، من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج وحكم وأحكام وإعذار وإنذار ووعد ووعيد وتبشير وتخويف وأوصاف، وتعليم أخلاق كريمة وشيم رفيعة، وسير مأثورة وغير ذلك من الوجوه التي يشتمل عليها.
وقال أيضاً: كلام البلغاء يتفاوت
ونجد كلام البليغ الكامل والشاعر المفلق، والخطيب المصقع، يختلف على حسب اختلاف هذه الأمور.
فمن الشعراء من يجود في المدح دون الهجو، ومنهم من يبرز في الهجو دون المدح، ومنهم من يسبق في التقريظ دون التأبين، ومنهم من يجود في التأبين دون التقريظ، ومنهم من يغرب في وصف الإبل أو الخيل أو سير الليل أو وصف الحرب أو وصف الروض أو وصف الخمر أو الغزل، أو غير ذلك مما يشتمل عليه الشعر، ويتداوله الكلام.
وقال أيضاً: نظم القرآن يتساوى بلاغة
وقد تأملنا نظم القرآن فوجدنا جميع ما يتصرف فيه من الوجوه التي قدمنا ذكرها على حد واحد، في حس النظم، وبديع التأليف والرصف، لا تفاوت فيه. ولا انحطاط عن المنزلة العليا، ولا إسفال، إلى الرتبة الدنيا.
وقال أيضاً: وهو أن كلام الفصحاء يتفاوت تفاوتاً بيناً في الفصل والوصل، والعلو والنزول، والتقريب والتبعيد، وغير ذلك مما ينقسم إليه الخطاب عند النظم، ويتصرف فيه القول عند الضم والجمع.
ألا ترى أن كثيراً من الشعراء قد وصف بالنقص عند التنقل من معنى إلى غيره، والخروج من باب إلى سواه، حتى أن أهل الصنعة قد اتفقوا على تقصير البحتري مع جودة نظمه وحسن وصفه في الخروج من النسيب إلى المديح، وأطبقوا على أنه لا يحسنه ولا يأتي فيه بشيء وإنما اتفق له في مواضع معدودة خروج يرتضى، وتنقل يستحسن.
وكذلك يختلف سبيل غيره عند الخروج من شيء إلى شيء، والتحول من باب إلى باب.
وقال أيضاً: كلام الجن ومخاطباتهم في مستوى فصاحة العرب
قال أيضاً: وهو أنه [القران] سهل سبيله، فهو خارج عن الوحشي المستكره، والغريب المستنكر وعن الصنعة المتكلفة، وجعله قريباً إلى الإفهام، يبادر معناه لفظه إلى القلب، ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس.
وقال أيضاً: كلام فصحاء العرب لا يخلو من هنات
وقال في القرآن كلام موزون ولكنه غير مقفى
(يُتْبَعُ)
(/)
فإن قيل: في القرآن كلام موزون كوزن الشعر وإن كان غير مقفّى، بل هو مزاوج متساوي الضروب، وذلك آخر أقسام كلام العرب.
قيل: من سبيل الموزون من الكلام أن تتساوى أجزاؤه في الطول والقصر والسواكن والحركات، فإن خرج عن ذلك لم يكن موزوناً كقوله:
رب أخٍ كنتُ به مغتبطاً
أشدُّ كفّي بِعُرى صحبته
تمسكاً مني بالودّ ولا
أحسبُهُ يزهدُ في ذي أملِ
تمسكاً مني بالودّ ولا
أحسَبُهُ يُغَيِّرُ العهدَ ولا
يحُول عنه أبدا
فخابَ فيه أَمَلي
وقال أيضاً: القرآن ليس من قبيل الشعر ولا توافرت فيه شروطه
وأما ما في القرآن من السجع فهو كثير، لا يصح أن يتفق كله غير مقصود إليه، ويبنون الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع.
تعريف السجع
قال أهل اللغة: هو موالاة الكلام على وزن واحد، قال ابن دريد: سجعت الحمامة معناها رددت صوتها.
قيل القرآن مختلط من أوزان كلام العرب
فإن قال قائل: القرآن مختلط من أوزان كلام العرب، ففيه من جنس خطبهم، ورسائلهم، وسجعهم، وموزون كلامهم الذي هو غير مقفى، ولكنه أبدع فيه ضرباً من الابداع لبراعته وفصاحته.
نفذ لامية البحتري
ونحن نعمد إلى بعض قصائد البحتري، فنتكلم عليها، كما تكلمنا على قصيدة امرئ القيس، ليزداد الناظر في كتابنا بصيرة، ويستخلص من سر المعرفة سريرة، ويعلم كيف تكون الموازنة، وكيف تقع المشابهة والمقاربة، ونجعل تلك القصيدة التي نذكرها أجود شعره.
أجود قصيدة للبحتري: سمعت الصاحب إسماعيل بن عباد يقول: سمعت أبا الفضل ابن العميد يقول: سمعت أبا مسلم الرستمي يقول: سمعت البحتري يذكر أن أجود شعر قاله:
أهلاً بذلكم الخيال المقبل ............. الخ
ألخلاصه ألخلاصه لما تقدم
إن كتاب الباقلاني كتاب بلاغي من حيث أخذه لجانب الإعجاز والبحث في الأدلة والرد على المخالفين.
وكتاب نقدي من حيث المقارنة والموازنة التي أجراها بين ألفاظ الشعر والخطابات وألفاظ القران الكريم.
ومن حيث الأسلوب القراني وأساليبه وبين كلام العرب.
حيث تكلم على الفصاحة في الشعر وجودته وفي نفس الأمر قام بمفاضلة ما بين الأبيات الشعرية لهذا نقد لامية البحتري وهي أجود قصائده كما استشهد بقوله ..
وكذلك نقده لأسلوب الجاحظ وطريقته ..
إذاً هو ناقد للشعر والخطب والمؤلفات لينتهي إلى القول بان القران الكريم معجزه في كل شيء خلاف ما في شعر الشعراء
جعل إثبات أن القرآن هوالنموذج الأعلى الذي قهر البلغاء وطأطأ رؤوس الفصحاء وأنه المثال الذي لابد أن يحتذى في التعبير ومن هنا كان الكتاب وغيره كتابا نقديا إذ إن أسلوب القرآن هوالميزان النقدي للأساليب بعامة
فجعل من القران الكريم معيار يزن به كلام الغير بعدما اثبت لهم انه معجزه في كل شيء ولا يعتريه ما يعتري الشعر من جنس النقائص والاختلاف مطلقا
وقال الباقلاني: تبين بخروجه عن أصناف كلامهم وأساليب خطابهم أنه خارج عن العادة، وأنه معجز، وهذا خصوصية ترجع إلى جملة القرآن، وتميز حاصل في جميعه
والحمد لله رب العالمين
طُرحَ هذه الموضوع قديما(/)
الاختلاف حول المجاز .. اختلاف تأسيس أو اختلاف تطبيق
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 11:49 ص]ـ
تشهد آيات أسماء الله عز وجل وصفاته معارك لم تنته ولن تنتهي ما بين منهج يؤول ويفرض المجاز، ومنهج يبين أن الحقيقة لها صور متعددة مرتبطة بالسياق.
والسؤال: هل يمثل هذا الاختلاف اختلاف تأسيس فتكون مباحث المجاز موجودة عند قوم منكورة عند آخرين؟ أم هل يمثل اختلاف، ويكون الجميع متفق عليه وجودا لكنهم يختلفون في تطبيقه في بعض السياقات من دون بعض آخر فقط؟
ـ[عمر المعاضيدي]ــــــــ[05 - 02 - 2010, 11:28 ص]ـ
هو أختلاف تأسيس فالكثير من العلماء منهم شيخ الإسلام إبن تيمية وابن القيم والشيخ محمد الشنقيطي وابن باز رحمهم الله جميعا
ينفون المجاز في القرآن الكريم
وانا شخصيا بدأت اؤمن بهذا الأمر
لأن كثير من مما كان يدعى إنه مجاز تلاشى بالإعجاز العلمي
او فسره النحاة على طريقتهم بعيدا عن المجاز
وبارك الله فيك(/)
ضمّ هاء أنسانيه (موافقة لغوية أم مقاربة بلاغية)
ـ[خميس جبريل]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 03:38 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
ضمّ هاء أنسانيه (موافقة لغوية أم مقاربة بلاغية)
تحاورت وزميل لي حول قراءة حفص لقوله تعالى في سورة الكهف: (وما أنسانيهُ إلا الشيطان أن أذكره) عن الضم لهاء (أنسانيه) لا بالكسر وبالتفحص وجدت تخريجان مختلفان نوعا ما أوردهما:
_ أن هاء أنسانيه مبدل منه جاءت بالضم لتوافق حالة الضم في أذكره على اعتبار أن (أن ومعمولها أذكره) في محل بدل من الهاء والتقدير: وما أنسانيه ذكره إلا الشيطان
_ لماذا اختار حفصاً ضم الضمير في هذين الموضعين (قوله تعالى:"ومن أوفى بما عاهد عليه الله "وقوله "وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره") وقد قيل في تعليل ذلك إنه بناسب التفخيم أكثر أي تفخيم شأن العهد الذي يطلب الوفاء به والتعجب من نسيان الحوت مع أهميته في الدلالة على الخضر وأهميته كطعام مع شدة الجوع.
المفتي: الشيخ محمود الزين
إليكم الكلمة أساتذتي الكرام ~~~
همسة: أرى أن توجد نافذة مثبتة نتناول فيها مشكل إعراب القرآن كما هو الحال في المثبت من مشكل كلام سيبويه وإعراب القصائد وغيرها هذا من ناحية ومن ناحية ثانية حتى يسهل الرجوع إليها فتضم استفسارات طلاب العلم وأهله
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 04:09 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورد ضم هاء الغائب المسبوقة بياء في موضعين من القرآن في رواية حفص عن عاصم، أحدهما هذا الموضع (وما أنسانيه ... ) والآخر (بما عاهد عليه الله ... ).
والضم هو الأصل، وما جاء على الأصل فلا يسأل عن علته.
أما الكسر فعلته التخفيف لئلا ينتقل من ياء ساكنة وهي أخت الكسر إلى الضم، وفي الانتقال من الكسر إلى الضم ثقل كما هو معروف.
والله أعلم.
ـ[خميس جبريل]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 05:36 م]ـ
أخي عطوان
مقدرٌ لك سرعة استجابتك
لنتوسع قليلا
أيعتدّ بالضم أصلا دون علة وقد جاء في موضعين
ويترك الكسر وهو أقوى الحركات فرعا وقد جاء في مواضع كثيرة
كقوله تعالى في سورة البقرة: (قالوا بل نتبع ما ألفينا عليهِ آباءنا)
وقوله: (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليهِ أن يطّوّف بهما)
وهل أمر الإعتداد بالأصل على إطلاقه مع ملاحظة الفرق في الياءين مابين ممدودة ولينة (وما أنسانيه ... ) و (بما عاهد عليه الله ... ) وأن القراءة بالكسر وردت عند غير حفص
فإعراب "عليهُ" بضم الهاء أو بكسرها -جار ومجرور متعلق بـ "عاهد" والذي قرأ "عليهُ" مضمومة الهاء على أصل حركتها هو حفص، وقرأها الجمهور "عليهِ" بكسر الهاء لمجاورة الياء، قال شهاب الدين الألوسي في روح المعاني: وقرأ الجمهور "عليه" بكسر الهاء، كما هو الشائع، وضمها حفص هنا، قيل: وجه الضم أنها هاء "هو" وهي مضمومة، فاستصحب ذلك كما في له وضربه، ووجه الكسر رعاية الياء
خالص ودي
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 06:20 م]ـ
أخي عطوان
مقدرٌ لك سرعة استجابتك
لنتوسع قليلا
أيعتدّ بالضم أصلا دون علة وقد جاء في موضعين
ما جاء على الأصل لا يحتاج إلى علة، وقراءة حفص في هذين الوضعين جاءت على الأصل، ولو لم تجئ على الأصل لكفى كونها قراءة متواترة للاعتداد بها والتسليم بها‘ فثبوتها بالتواتر عن أفصح الخلق لا اعتداد بعده
ويترك الكسر وهو أقوى الحركات
الكسر أقوى الحركات في باب الكتابة والإملاء، أما في باب النحو فأقواها الضم لذا خص به العمد، والقوة ليست علة للمصير إليها، بل الخفة لذا يصار إلى الفتح متى أمكن ذلك لأنه أخف الحركات، ويمنعه هنا اللبس بضمير المؤنث، هذا لو أردنا تجنب الأصل لعلة ما.
فرعا وقد جاء في مواضع كثيرة
كقوله تعالى في سورة البقرة: (قالوا بل نتبع ما ألفينا عليهِ آباءنا)
وقوله: (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليهِ أن يطّوّف بهما)
الكسر هنا والضم هناك للرواية، الضم على الأصل والكسر لمناسبة الياء الساكنة، وقد صحت الرواية مثلا بقراءة الضمير في عليهم بعشرة أوجه، وما صحت روايته قبل، وقد قبله أهل اللغة والفصاحة. فكيف بنا؟
وهل أمر الإعتداد بالأصل على إطلاقه
نعم، هذه قاعدة عامة: ما جاء على الأصل في فصيح الكلام فلا يسأل عن علته. فالأصل مثلا التذكير والتأنيث فرع عنه، فلا يسأل لماذا لم يجعلوا للتذكير علامات كما للتأنيث علامات
مع ملاحظة الفرق في الياءين مابين ممدودة ولينة (وما أنسانيه ... ) و (بما عاهد عليه الله ... )
اللين قريب من المد، لذا قد يمد حرف اللين في القراءة، وقد يبلغ أقصى المد كما عند ورش. ثم إن حرف اللين وحرف المد لا فرق بينهما. الفرق في حركة الحرف السابق لهما لا فيهما.
وأن القراءة بالكسر وردت عند غير حفص
وهل هذا مبرر لتخطيء حفص أو تغيير رواينه؟
إذا قرأت لحفص فالتزم بروايته، وإذا قرأت لغيره فالتزم بقراءة من تقرأ له، لكن الخلط بين القراءات لا يجوز، لأنه لون من العبث والكذب في الرواية لأنك تدعي لحفص مثلا ما لم يقله وينقله عن غيره وصولا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
خالص ودي
ولك صادق ودي واحترامي
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خميس جبريل]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 11:29 م]ـ
أما في باب النحو فأقواها الضم لذا خص به العمد، والقوة ليست علة للمصير إليها، بل الخفة لذا يصار إلى الفتح متى أمكن ذلك لأنه أخف الحركات، ويمنعه هنا اللبس بضمير المؤنث، هذا لو أردنا تجنب الأصل لعلة ما.
لفتة شافية أخي ولكن ما المقصود بـ (العمد)؟؟؟
وهل هذا مبرر لتخطيء حفص أو تغيير رواينه؟
إذا قرأت لحفص فالتزم بروايته، وإذا قرأت لغيره فالتزم بقراءة من تقرأ له، لكن الخلط بين القراءات لا يجوز، لأنه لون من العبث والكذب في الرواية لأنك تدعي لحفص مثلا ما لم يقله وينقله عن غيره وصولا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
بالطبع أستاذي الكريم لم يكن مغزى العبارة الطعن بالقراءات وهي ما تختلف عن الأحرف التي نزل بها القرآن العظيم
ولكن الأمر في مضمار الاعتقاد أن لكل قراءة حكمة أو علة وتفسير
هذا وزادكم الله بسطة في العلم
ونفعنا وإياكم
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[02 - 02 - 2010, 04:12 ص]ـ
ولكن ما المقصود بـ (العمد)؟؟؟
أظن أستاذنا يقصد بالعمد (الفاعل والمبتدأ والخبر) مما تعتمد عليه الجملة ولا تقوم بغيره
ولكن الأمر في مضمار الاعتقاد أن لكل قراءة حكمة أو علة وتفسير
نعم هذا أمر مسلم ولا شك فيه فلكل قراءة توجيه لغوي يوافق مذهب العرب في لغتها وهذا شرط من شروط صحة الرواية قال ابن الجزري
فكل ما وافق وجه نحو ... وكان للرسم احتمالاً يحوي
وصح إسناداً هو القرآن ... فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت ... شذوذه لو أنه في السبعة
لكن المشكلة أن بعض البلاغيين لا يعتمدون في توجيهاتهم البلاغية إلا على رواية حفص مما يفضي إلى القول بتفضيل قراءة على أخرى وهذا لا يصح فالقرآن جميعه كلام الله تعالى
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=53833
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[02 - 02 - 2010, 04:15 ص]ـ
والله أعلم
ضم الهاء لغة لتميم وافقت التنزيل في الموضعين المذكورين
ـ[خميس جبريل]ــــــــ[03 - 02 - 2010, 03:13 ص]ـ
نعم هذا أمر مسلم ولا شك فيه فلكل قراءة توجيه لغوي يوافق مذهب العرب في لغتها وهذا شرط من شروط صحة الرواية قال ابن الجزري
فكل ما وافق وجه نحو ... وكان للرسم احتمالاً يحوي
وصح إسناداً هو القرآن ... فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت ... شذوذه لو أنه في السبعة
لكن المشكلة أن بعض البلاغيين لا يعتمدون في توجيهاتهم البلاغية إلا على رواية حفص مما يفضي إلى القول بتفضيل قراءة على أخرى وهذا لا يصح فالقرآن جميعه كلام الله تعالى
أجل أخي وكم تمتلئ كتب البلاغيين قديما وحديثا بمحدودية ذلك التوجه مع اعتبارنا الشخصي بقراءة حفص ولكن في اختلاف القراءات توسع لغوي وبلاغي
حياك الله أبا سهيل
ـ[خميس جبريل]ــــــــ[03 - 02 - 2010, 03:33 ص]ـ
والله أعلم
ضم الهاء لغة لتميم وافقت التنزيل في الموضعين المذكورين
إذن رأيك أن العلة فيها لغوية ولكنها علة توقيفية على لغة تميم
وإن كانت كذلك هل نستطيع أن نفصل اعتداد تميم بوقفيتها عن اعتبارها جاءت لعلة بلاغية
وبالرجوع إلى علة الضم، أليس الأمر فيه من التوسعة الكثير!!! وهي ما تمتاز به لغتنا العتيدة
أسعدني تشريفك أبا يزن(/)
شيبتني أنواع القصر!
ـ[أسيرة الغربتين]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 08:51 م]ـ
إخواني في الفصيح هلا شاركتموني التأمل في قوله تعالى: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم)
لقد طال تأملي لهذه الآية بغية الوصول إلى نوع القصر والغرض منه!
أرجو أن أكون وفقت في الجزء الأول منها: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) حيث بدا لي أن قصر الموصوف على الصفة فيها من القصر الإضافي (باعتبار حال المخاطب الذي ينزل منزلة من يعتقد الشركة).
لكن الذي حيرني وأرقني هو الجزء الثاني: (وما ننزله إلا بقدر معلوم) قصر الموصوف على الصفة هنا , هل هو من القصر الحقيقي (الادعائي) أم من القصر الإضافي, وإذا كان الأخير, فلأي حال للمخاطب جاء القصر على هذا النحو؟!؟!
ومثله قوله تعالى: (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) قصر الموصوف على الصفة هنا من القصر الحقيقي (الادعائي) أم من القصر الإضافي؟!
شكري سابق لمن يسدي إلي معروفه ..
ـ[الأحمر]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 09:36 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي موضوع حول القصر وأنواعه وطرائقه لعلك تزورينه
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 10:09 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
أختي الحبيبة ... أسيرة الغريبتين
أهلا وسهلا بكِ.
لكِ هذا الرابط:
القصر - شَبَكةُ الفَصِيحِ لِعُلُومِ اللُّغةِ العَرَبِيّةِ ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=585)
ولكِ هذا الرابط أيضا وفيه هذه الآية التي ذكرتِها:
أسلوب القصر ( http://www.islamic-council.com/mafaheemux/22/17.asp)
ودمتِ موفقة ومسددة(/)
لكل مقام مقال .. مقال ومثال
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[02 - 02 - 2010, 01:18 م]ـ
"لكل مقام مقال".
قولة مشهورة موجزة دالة على أن الأسلوب ينبغي أن يختلف حسب متغيرات كثيرة، منها من يكون موضوعا للحديث؛ فالحديث عن الأشخاص يختلف حسب مكانتهم.
وهذا مثال تطبيقي على ذلك يدور حول نص يصف موقف سيدنا عمر الوارد في القصة الضعيفة التي تدور حول مراجعة إحدى المسلمات له عندما أمر بتخفيض المهور من على المنبر.
وجدت في وصف الكاتب -الذي لم تكن نيته النيل من الفاروق- أنه استخدم أسلوبا لا يليق بالفاروق، فوضعت المقابل الذي يؤدي ما يرمي إليه الكاتب لكن بلغة تليق بالفاروق.
وأورد هذا مثالا تطبيقيا على أداء المعنى الواحد بأساليب شتى تبعا لمقتضيات متغيرات الملابسات!
النص الأصلي:
وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -الرَّجُلُ الَّذِي وصفه النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بوعاء العلم- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَتَكَلَّمُ فِي مَسْأَلَةِ صَدَقَاتِ النِّسَاءِ، تَعْتَرِضُهُ امْرَأَةٌ وتصحح له معلومة، فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دون خجل: (اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِي! كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْكَ يَا عُمَرُ؛ أَخْطَأَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَصَابَتِ امْرَأَةٌ!) وَلَمْ يُقَلِّلْ اعترافه بالخطأ أمام الملأ مِنْ مَكَانَتِهِ وَمِنْ نَظْرَةِ أتباعه إِلَيْهِ، بَلْ زَادَ الِاعْتِرَافُ بِالْخَطَأِ مِنْ مَكَانَتِهِ وَمِنْ ثِقَةِ النَّاسِ بِهِ.
النص الذي ارتأيته:
وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -الرَّجُلُ الَّذِي شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بالْعِلْمِ- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَتَكَلَّمُ فِي مَسْأَلَةِ صَدَقَاتِ النِّسَاءِ، فَتَعْتَرِضُهُ امْرَأَةٌ وَتُذَكِّرُهُ بِالْآيَةِ (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) [النساء:20]، فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبُولًا بِالْحَقِّ: (اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِي! كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْكَ يَا عُمَرُ؛ أَخْطَأَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَصَابَتِ امْرَأَةٌ!) وَلَمْ يُقَلِّلْ عُدُولُهُ عَنْ قَوْلِهِ قَبُولًا بِالْحَقِّ قُبَالَةَ الْمَلَأِ مِنْ مَكَانَتِهِ وَمِنْ نَظْرَةِ المسلمين إِلَيْهِ، بَلْ زَادَ قَبُولُهُ الْحَقَّ مَكَانَتَهُ وثِقَتَهم بِهِ.
ـ[خميس جبريل]ــــــــ[03 - 02 - 2010, 04:45 ص]ـ
ذكّرتني بتلك المفارقة الواضحة في اختيار الأساليب وتخير الألفاظ لها للدلالة على المقام (رفعته أو وضاعته)
وشاهد تلك المفارقة قول ابن هانىء الأندلسي (في المعز الفاطمي):
ما شِئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ .. فاحكم فأنت الواحد القهّارُ
وقول المتنبي (في كافور):
وتعجبني رجلاك في النعل، إنني .. رأيتك ذا نعلٍ إذا كنتَ حافيا
فبينما نجد الألفاظ الشريفة في البيت الأول توظف للدلالة على أسلوب مبتذل وغاية في الوقاحة بل وصل الأمر إلى تكفير صاحبه
نجد الألفاظ الوضيعة (رتبة) في البيت الثاني توظف للدلالة على أسلوب يعلي من شأن قائله بإيراده صورة مبتكرة وتخريج ملفت
خالص ودي وتقديري
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[03 - 02 - 2010, 01:04 م]ـ
بوركت أخي الحبيب خميس!
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[04 - 02 - 2010, 03:34 ص]ـ
لا حرمك الله أجر معينك أخي فريد
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[04 - 02 - 2010, 09:34 ص]ـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... أسعدكم الله.
أشكرك -أخي فريدا- صاحب الفرائد الجميلة والمشاركات المفيدة. أما هذه المرة فقد كبوتَ إذ لا يصح هذا عن عمر، ولنتنبه مستقبلا لما ننسبه إلى رسول الأمة - صلى الله عليه وسلم - وكبارها رضوان الله عليهم أجمعين.
(ولم تضر القمر الهناة السوداء في وجنته)
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[04 - 02 - 2010, 08:47 م]ـ
جزيت خيرا أبا تمارى
وهنا فتوى حول هذا الموضوع
http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Id=58404&Option=FatwaId
وهذا بحث جميل لهذا الموضوع للشيخ إحسان العتيبي
تخريج قصة أصابت امرأة وأخطأ عمر ( http://www.saaid.net/Doat/ehsan/96.htm)
ـ[سالم سلامة]ــــــــ[05 - 02 - 2010, 01:42 ص]ـ
شكرا أخي فريد , فقد ذكرتَ أنَّ القصّة لا تصِحُّ , ولكن هل يصحّ اختيارُ العنوان؟! لكل مقام ٍ مقالٌ , في مجلس يحضرهُ خيّاطونَ أو نجّارون أو .... لا يصلحُ الحديث عن حيثيّات وجزئيّات طبية مثلاً , فالمقصود بالمقام ليس مقام الشخص!! فهل نجيز الكلامَ والاعتراضَ بأسلوب مع الخيّاط والنجار والحداد و ... ولا نجيز الأسلوب ذاته مع الطبيب و .... ؟!!
ـ[عمر المعاضيدي]ــــــــ[05 - 02 - 2010, 11:31 ص]ـ
بارك الله فيك أستاذنا فريد
لعل صاحبه أراد الأنتقاص من عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)(/)
ممكن توضيح بسيط
ـ[فخر المحبة]ــــــــ[02 - 02 - 2010, 01:22 م]ـ
:::
لو سمحتوا ممكن أحد يوضح لي
المسند و المسند إليه والغرض البلاغي من التقديم والتأخير في الآية التالي:
قال تعالى: "والذين هم في صلاتهم خاشعون "
وراح اكون ممتن لكم وافر الامتنان
ـ[عين الضاد]ــــــــ[02 - 02 - 2010, 03:09 م]ـ
:::
لو سمحتوا ممكن أحد يوضح لي
المسند و المسند إليه والغرض البلاغي من التقديم والتأخير في الآية التالي:
قال تعالى: "والذين هم في صلاتهم خاشعون "
وراح اكون ممتن لكم وافر الامتنان
أخي الفاضل الآية هي {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) سورة المؤمنون فقد زدت الواو بارك الله فيك فانتبه.
المسند: الخبر " خاشعون.
المسند إليه: المبتدأ " هم "
الغرض: تقوية الحكم وتقريره.
هذا والله أعلم(/)
نظرات بيانية/32التوبة،8 الصف/د. عثمان قدري مكانسي
ـ[نبيل الجلبي]ــــــــ[02 - 02 - 2010, 05:45 م]ـ
نظرات بيانية
الآية 32 من سورة التوبة والآية 8 من سورة الصف
الدكتور عثمان قدري مكانسي
هذه اجتهادات بيانية قد تصيب وقد تخطئ، وقد تدنو أو تبعد، وأرجو الله أن يسدد قلبي وعقلي للصواب، إنه الميسر للخير سبحانه وتعالى.
قال تعالى:
" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى? وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) " سورة التوبة.
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى? وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) سورة الصف.
يَقُول تَعَالَى بما معناه: يُرِيد هَؤُلاءِ الْكُفَّار مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْل الْكِتَاب " أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه " وهو مَا بُعِثَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهُدَى وَدِين الْحَقّ بِمُجَرَّدِ جِدَالهمْ وَافْتِرَائِهِمْ، فَمَثَلهمْ فِي ذَلِكَ كَمَثَلِ مَنْ يُرِيد أَنْ يُطْفِئ شُعَاع الشَّمْس أَوْ نُور الْقَمَر بِنَفْخِهِ وَهَذَا لا سَبِيل إِلَيْهِ فَكَذَلِكَ مَا أُرْسِلَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بُدّ أَنْ يَتِمّ وَيَظْهَر وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مقابلاً لَهُمْ فِيمَا رَامُوهُ وَأَرَادُوهُ " وَيَأْبَى اللَّه إلا أَنْ يُتِمّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " وَالْكَافِر هُوَ الَّذِي يَسْتُر الشَّيْء وَيُغَطِّيه وَمِنْهُ سُمِّيَ اللَّيْل كَافِرًا لأنه يَسْتُر الأشياء، وَالزَّارِع كَافِرًا لأنه يُغَطِّي الْحَبّ فِي الأَرْض كَمَا قَالَ " يُعْجِب الْكُفَّار نَبَاته".
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ " فَالْهُدَى هُوَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الإخْبَارَات الصَّادِقَة وَالإِيمَان الصَّحِيح وَالْعِلْم النَّافِع، وَدِين الْحَقّ هُوَ الأعْمَال الصَّالِحَة الصَّحِيحَة النَّافِعَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لِيُظْهِرهُ عَلَى سَائِر الأدْيَان كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
" إِنَّ اللَّه زَوَى لِيَ الْأَرْض مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْك أُمَّتِي مَا زَوَى لِي مِنْهَا ". وَقَالَ الإمام أَحْمَد أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ قال:
" إِنَّهُ سَتُفْتَحُ لَكُمْ مَشَارِق الأرْض وَمَغَارِبهَا ".
وعَنْ تَمِيم الدَّارِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْر مَا بَلَغَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَلا يَتْرُك اللَّه بَيْت مَدَر وَلا وَبَر إِلَّا أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّين يُعِزّ عَزِيزًا وَيُذِلّ ذَلِيلا عِزًّا يُعِزّ اللَّه بِهِ الاسْلام وَذلا يُذِلّ اللَّه بِهِ الْكُفْر " فَكَانَ تَمِيم الدَّارِيّ يَقُول: قَدْ عَرَفْت ذَلِكَ فِي أَهْل بَيْتِي لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ الْخَيْر وَالشَّرَف وَالْعِزّ وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ كَافِرًا مِنْهُمْ الذُّلّ وَالصَّغَار وَالْجِزْيَة.
وَفِي الْمُسْنَد أَيْضًا عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم يَقُول: دَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" يَا عَدِيّ أَسْلِمْ تَسْلَم " فَقُلْت إنِّي مِنْ أَهْل دِين قَالَ:
" أَنَا أَعْلَم بِدِينِك مِنْك " فَقُلْت أَنْتَ أَعْلَم بِدِينِي مِنِّي؟ قَالَ:
(يُتْبَعُ)
(/)
" نَعَمْ أَلَسْت مِنْ الرَّكُوسِيَّة وَأَنْتَ تَأْكُل مِرْبَاع قَوْمك؟ " قُلْت بَلَى! قَالَ: " فَإِنَّ هَذَا لا يَحِلّ لَك فِي دِينك " قَالَ فَلَمْ يَعُدْ أَنْ قَالَهَا فَتَوَاضَعْت لَهَا قَالَ:" أَمَا إِنِّي أَعْلَم مَا الَّذِي يَمْنَعك مِنْ الاسْلَام تَقُول إِنَّمَا اِتَّبَعَهُ ضَعَفَة النَّاس وَمَنْ لا قُوَّة لَهُ وَقَدْ رَمَتْهُمْ الْعَرَب، أَتَعْرِفُ الْحِيرَة؟ " قُلْت لَمْ أَرَهَا وَقَدْ سَمِعْت بِهَا قَالَ:
" فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّه هَذَا الأمْر حَتَّى تَخْرُج الظَّعِينَة مِنْ الْحِيرَة حَتَّى تَطُوف بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْر جِوَار أَحَد وَلَتُفْتَحَنَّ كُنُوز كِسْرَى بْن هُرْمُز " قُلْت كِسْرَى بْن هُرْمُز؟ قَالَ:
" نَعَمْ كِسْرَى بْن هُرْمُز وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَال حَتَّى لا يَقْبَلهُ أَحَد "
قَالَ عَدِيّ: فَهَذِهِ الظَّعِينَة تَخْرُج مِنْ الْحِيرَة فَتَطُوف بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْر جِوَار أَحَد وَلَقَدْ كُنْت فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوز كِسْرَى بْن هُرْمُز وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَة لأن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَهَا. .. عن ابن كثير بتصرف.
الآيتان في سورة الصف خُصّت باليهود، وتحدثت آيتا سورة التوبة عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
في آيتي سورة التوبة نجد المصدر المؤول " أن يطفئوا " مفعولاً به للفعل " يريدون " فجاء النفي القويّ بالفعل " يأبى " مع حذف مفعوله وتقديره (كل شيء يريدونه ويخططون له) ثم كان الاستثناء " إلا أن يتم نوره " الدال على حفظ هذا الدين وما أراد اللهُ لا بد أن يكون. وذكرُ الفعل " يأبى " دليل على استمرار مكرهم، فهم لا يفتؤون يمكرون إلى يوم القيامة، وأن الله تعالى لهم بالمرصاد، يبطل هذا المكر.
في آيتي سورة الصف حذف مفعول " يريدون " لتضخيم أمره وبيان شدة مكر اليهود وتآمرهم على الإسلام وأهله. يقابل هذا المكر السيئ الشديد الجملةُ الاسمية " والله متم نوره " الدالة على الثبوت، والثبوت دليل القوة والمضاء، بالقراءة الأولى " والله متمٌّ نورَه " بتنوين متمٌّ الدالة على الإبطال الدائم السريع لكل المحاولات، وتعرب " نورَ .. " مفعولاً بها، وبالقراءة الثانية الأكثر شهرة والأشد قوة لأنها تحمل – كما قلنا – معنى الثبات والإحاطة " واللهُ متمُّ نورِه " إلى أبد الآبدين سواء أحاول اليهود إطفاء هذا النور أم تراخَوا، فالنور دائم ثابت مستمر لأن الله تعالى هو الآمر القاضي بذلك.
وتصور معي الصورة الباهتة الضعيفة لكيد أعداء الله لهذا الدين العظيم، فكأنهم يظنون أنهم يؤثرون في الشمس المضيئة الساطعة فيزيلون ضوءها بنفخهم الواهن الخافت " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم "، وهذه الصورة توضح عظمة هذا الإسلام الذي يقف شامخاً أمام كيد الأعداء على شدة مكرهم " وإنْ كان مكرُهم لتزول منه الجبال " سورة إبراهيم ولكن قدر الله وأمره لا بد غالب.
في فاصلة الآية الأولى نجد قوله تعالى " ولو كره الكافرون " فهي تناسب معنى الآية، فالكافر يغطي ويحجب، وسمي الزارع كافراً لأنه يغطي الحَبّ، والكفار يريدون حجب الحقيقة وتغطيتها. أما فاصلة الآية الثانية " ولو كره المشركون " فتناسب الأديان الأخرى التي يعتقدها المشركون بالله تعالى، فهم يؤمنون يالله ويشركون به آلهة مزعومة. ويتعهد الله سبحانه وتعالى أن يظهر الدين، فيبلغ الأرض كلها على الرغم من المشركين.
إنه ليزيدنا إيماناُ وتفاؤلاً بهذا الدين ونصر الله تعالى له أنه أرسل محمداً رسول الله بالرسالة الخاتمة لتكون نبراساً يضيء للسالكين طريق الحق والفوة والسعادة، وينتشر في الكون بعز عزيز أو بذل ذليل، وما نراه من انتشار لهذا الدين على الرغم من كل المآسي ترجمة صادقة لوعد الله تعالى سبحانه من إله عظيم.
والله أعلم
ـ[نورالمحبه]ــــــــ[03 - 02 - 2010, 12:24 ص]ـ
شكراً لك أخي الكريم على هذا التوضيح الرائع في محاولتك لشرح النصوص القرآنية(/)
نظرات بيانية (رسولا منهم/من أنفسهم) /د. عثمان قدري
ـ[نبيل الجلبي]ــــــــ[03 - 02 - 2010, 11:19 ص]ـ
نظرات بيانية
رسولا منهم/من أنفسهم
الدكتور عثمان قدري مكانسي
هذه اجتهادات بيانية قد تصيب وقد تخطئ، وقد تدنو أو تبعد، وأرجو الله أن يسدد قلبي وعقلي للصواب، إنه الميسر للخير سبحانه وتعالى
قال تعالى:
- رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ? إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة.
- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلال مُبِينٍ (164) آل عمران.
- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضلالٍ مُبِينٍ (2) الجمعة.
1 - في سورة البقرة نسمع أبا الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل يدعوان الله تعالى أن يبعث في العرب نبياً كريماً يجمع الأمة ويقودها للخير، فيستجيب الله الدعاء ونسمعه سبحانه بقلوبنا المحبة يمن علينا - في سورة آل عمران – من أنفسنا بهذه الرحمة المسداة، فإذا من الأميين العرب – في سورة الجمعة – ينبعث هذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
2 - وَقَدْ وَافَقَتْ دعوة إبراهيم الْمُسْتَجَابَة قَدَر اللَّه السَّابِق فِي تَعْيِين مُحَمَّد صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ رسولاً فِي الأميين إِلَيْهِم وَإِلَى سَائِر الأعجمين مِنْ الإنس وَالجِنّ، فقد قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنِّي عِنْد اللَّه لَخَاتَم النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَم لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَته وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ ; دَعْوَة أَبِي إِبْرَاهِيم وَبِشَارَة عِيسَى بِي وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَات النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ " وروى أبو أمامة "قال: قُلْت يَا رَسُول اللَّه مَا كَانَ أَوَّل بَدْء أَمْرك؟ قَالَ " دَعْوَة أَبِي إِبْرَاهِيم وَبُشْرَى عِيسَى بِي وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُور أَضَاءَتْ لَهُ قُصُور الشَّام " وَالْمُرَاد أَنَّ أَوَّل مَنْ نَوَّهَ بِذِكْرِهِ وَشَهَرَهُ فِي النَّاس إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَلَمْ يَزَلْ ذِكْره فِي النَّاس مَذْكُورًا مَشْهُورًا سَائِرًا حَتَّى أَفْصَحَ بِاسْمِهِ خَاتَم أَنْبِيَاء بَنِي إِسْرَائِيل نَسَبًا وَهُوَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السلام حَيْثُ قَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل خَطِيبًا وَقَالَ " إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاة وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اِسْمه أَحْمَد " (الصف ـ من الآية 6) وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيث " دَعْوَة أَبِي إِبْرَاهِيم وَبُشْرَى عِيسَى اِبْن مَرْيَم ". وَقَوْله " وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُور أَضَاءَتْ لَهُ قُصُور الشَّام "
3 - ففي الآية الأولى دعاء إبراهيم، وفي الآية الثانية منّ على البشرية من الله تعالى وبعث ويأتي في الآية الثالثة الرسالةُ والهداية ُ.
4 - في دعاء إبراهيم أن يكون الرسول منّا – معشر العرب - فكانت التلبية أخصّ وأكرم حين ذُكرت كلمة " من انفسهم "
5 - وكان المنّ على المؤمنين، فهم الذين يعرفون فضل الله عليهم، وهم المستفيدون دون الآخرين من الأميين الذين بُعث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر
6 - تسلسل الدعاء بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم على لسان إبراهيم وإسماعيل بتلاوة الآيات أولاً، وتعليم الكتاب والحكمة ثانياً، ثم التزكية ثالثاً.
7 - أما الحكمة الإلهية فكان التسلسل فيها أولاً بتلاوة الكتاب والآيات وثانياً بتزكية النفوس والقلوب، وثالثاً بتعليم الكتاب والحكمة.
8 - فالتربية والتزكية تجعل النفوس والعقول والقلوب قادرة على إدراك فضيلة العلم، فالكثرة الكاثرة من العلماء المبدعين في عالم الدنيا غافلون عن الحق وتائهون في عماية الضلال ولا يعرفون الله حق المعرفة " يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " (الروم ـ 7). ولهذا كانت التزكية في آيتي آل عمران والجمعة قبل التعليم الذي جاء قبل التزكية في دعاء النبيين الكريمين.
9 - ولهذا السبب – والله أعلم – انتهت الآيتان في سورتي آل عمران والجمعة بقوله تعالى " وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ". فالضلال قد يكون في قلوب العلماء الذين يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا داعياً إلى العداوة الأشد للإسلام وأهله من عداوة غيرهم. فقد أضلهم الله على علم يستعملونه في الإيذاء والفساد , .....
والله أعلم.(/)
هل هذه كناية
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 05:21 م]ـ
السلام عليكم.
سؤالي هو: هل تعتبر الثنائيّات مثل: الجديدان (الليل والنهار)
الأحمران (اللحم والدم) ,الأصفران (الذهب والنحاس) وما ماثلهما كنايات؟
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 07:44 م]ـ
أرجو مساعدة الأساتذة
ـ[عمر المعاضيدي]ــــــــ[09 - 02 - 2010, 04:21 م]ـ
لا أرى فيها كناية وإنما هي متضادات
والله أعلم
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[09 - 02 - 2010, 05:29 م]ـ
هذا النوع من الأسماء سماه ابن فارس بالاسم المصطحبين ولا أرى فيه كناية والله أعلم.
ـ[المهتم]ــــــــ[10 - 02 - 2010, 02:43 ص]ـ
الكناية لفظ أطلق وأريد به لازم معناه،
مع جواز إرادة ذلك المعنى
فلان كثير الرماد: أي كريم
يجوز إرادة المعنى نفسه لا لازمه
فيكون فلان هذا بيته وسخ فيه رماد
وبالتأمل البسيط هذا لا ينطبق على مثل:
الجديدان، الأصفران ...
ـ[عهود زائفة]ــــــــ[10 - 02 - 2010, 03:13 ص]ـ
أرى أنها مصطلحات لأنها لازمة لهما
وربما تكون كناية حسب وقوعها في الجملة.
فمثلاً حين أقول:
رأيت الجديدان من آيات الله.
هل تعتبر كناية؟؟(/)
سؤال حول الحشو في الشعر
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 05:24 م]ـ
هل التعبير حشو (إدخال عبارات يمكن الاستغناء عنها دون تضرر النص) قائم في الشعر والنثر أم في النثر فقط؟
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 06:14 م]ـ
بل في الشعر أيضا ومنه حشو مستحسن.
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 06:23 م]ـ
أشكرك أستاذي عامر مشيش على المساعدة
ـ[الباز]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 11:16 م]ـ
الغرض من الشعر أو النثر إيصال الفكرة للمتلقي وأحيانا يكون الإيجاز عيّاً
لأن الفكرة لم تصل للسامع كاملة أو فهمها فهما خاطئا ..
وقد سئل أعرابيّ: ما البلاغة؟ فقال: الإيجازُ في غير عَجْز، والإطناب في غير خَطَلٍ.
تحيتي
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 11:17 م]ـ
أشكرك أستاذي الباز على مداخلتك(/)
ظاهرة التكرار الأسلوبي؟؟
ـ[سارة عبدالعزيز]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 08:11 م]ـ
أحبتي أعضاء الفصيح ..
كما نعلم أن المفعول المطلق: مصدرٌ منصوبٌ يُذكرُ بعدَ فعلِهِ لتوكيدِهِ أوْ بيانِ عددِهِِ أوْ نوعِهِ.
أنواعُهُ:1 - توكيدُ الفعلِ: نجح الطَّالبُ نجاحاً، نجاحاً: مفعولٌ مطلقٌ منصوبٌ وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.
2 - بيانُ نوعِهِ: وثبْتُ وثبةَ الغزال، وثبةَ: مفعولٌ مُطلقٌ
منصوبٌ وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ.
3 - بيانُ عددِهِ: درت حولَ الحديقةِ، دورتين: مفعولٌ مطلقٌ منصوبٌ وعلامةُ نصبِهِ الياء لانه مثني.
قد يأتي المفعولُ المطلقُ بعدَ اسمِ فاعلٍ من جنسِهِ: أنتَ محسنٌ إلى الفقراءِ إحساناً، إحساناً: مفعولٌ مطلقٌ منصوبٌ وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.
أو بعدَ اسمِ المفعولِ: الطَّالبُ الُمجِدُّ محبوبٌ حبّاً كثيراً، حبّاً: مفعولٌ مُطلقٌ منصوبٌ وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ.
أو بعدَ المصدرِ: أُعجبْتُ بإحسانِكَ إلى الفقراءِ إحساناً كثيراً، إحساناً: مفعولٌ مطلقٌ منصوبٌ وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ.
فهل يدخل "المفعول المطلق"ضمن ظاهرة التكرارالأسلوبي؟
ـ[إيمان الخليفة]ــــــــ[08 - 02 - 2010, 11:22 ص]ـ
أختي الكريمة أقترح أن ترجعي إلى كتاب المثل السائر لابن الأثير - الجزء الثاني؛
فقد تناول التكرير , وذكر أنه قسمان؛ أحدهما يوجد في اللفظ والمعنى ,
والآخر يوجد في المعنى دون اللفظ ...
وكلاهما ينقسمان إلى مفيد وغير مفيد ...
يقول ابن الأثير في قول الشاعر:
إلى معدنِ العزِّ المؤثلِ والندى ...... هناك هناك الفضلُ والخُلقُ الجَزْلُ
"فقوله (هناك هناك) من التكرير الذي هو أبلغ من الإيجاز؛ لأنه في معرض
مدح , فهو يقرر في نفس السامع ما عند الممدوح من هذه الأوصاف المذكورة
مشيرا إليها؛ كأنه قال: أدلكم على معدن كذا وكذا ومقره ومفاده " ا. هـ
وراجعي -بارك الله فيك - أيضا أقوال البلاغيين في الإطناب فهي ستفيدك بإذن الله تعالى.
موفقة ومعانة بإذن الله.
ـ[سارة عبدالعزيز]ــــــــ[08 - 02 - 2010, 02:23 م]ـ
شكرا لك ياأستاذة ايمان في سرعة تجاوك وردك، رفعك الله في عليين.
وسأرجع لهذا المرجع الذي ذكرته ..
لكن أريد الإجابة على السؤال هل مايقع في المفعول المطلق من تكرار لنفس اللفظ يدخل ضمن ظاهرة التكرار؟
ـ[سارة عبدالعزيز]ــــــــ[08 - 02 - 2010, 02:24 م]ـ
رأيتك تكتبن: التكرير" فهل قول التكرير أصح وأفصح من التكرار؟؟ أو كلاهما صحيح؟
ـ[إيمان الخليفة]ــــــــ[09 - 02 - 2010, 07:30 م]ـ
شكرا لك ياأستاذة ايمان في سرعة تجاوك وردك، رفعك الله في عليين.
وسأرجع لهذا المرجع الذي ذكرته ..
لكن أريد الإجابة على السؤال هل مايقع في المفعول المطلق من تكرار لنفس اللفظ يدخل ضمن ظاهرة التكرار؟
أختي الكريمة إنَّ الأمثلة التي أوردتِها هي من الإطناب ,
لكن هل تدخل ضمن التكرار علمًا بأن الأخير فرع عن الإطناب؟
في المؤلفات التي اطلعت عليها لم أجد تحديدا أو حصرًا للمفردات التي يحصل بها التكرار ,
ولو رجعت إلى تعريف التكرار لوجدت أنه: دلالة اللفظ على المعنى مرددا ,
أو هو ذكر الشيء مرتين أو أكثر لغرض.
يقول ابن الأثير عن الإطناب: "والإطناب يوجد تارة في الجملة الواحدة من الكلام,
ويوجد تارة في الجمل المتعددة ...
وعلى هذا فإنه بجملته ينقسم قسمين:
القسم الأول: الذي يوجد في الجملة الواحدة من الكلام , وهو يرد حقيقة ومجازًا؛
أما الحقيقة فمثل قولهم: رأيته بعيني , وقبضته بيدي , ووطئته بقدمي , وذقته بفمي ,
وكل هذا يظن الظان أنه زيادة لا حاجة إليها , ويقول: إن الرؤية لا تكون إلا بالعين ,
والقبض لا يكون إلا باليد , والوطء لا يكون إلا بالقدم , والذوق لا يكون إلا بالفم ,
وليس الأمر كذلك؛ بل هذا يقال في كل شيء يعظم مناله ويعز الوصول إليه ,
فيؤكد الأمر فيه على هذا الوجه؛ دلالة على نيله والحصول عليه ...
وفي القرآن الكريم من هذا النوع كثير؛ كقوله تعالى:
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة:13 - 14] ...
وكل هذه الآيات إنما أطنب فيها بالتأكيد لمعانٍ اقتضتها؛ فإن النفخ في الصور الذي تقوم به
(يُتْبَعُ)
(/)
الأموات من القبور مهول عظيم دلّ على القدرة الباهرة , وكذلك حمل الأرض والجبال ,
فلما كانا بهذه الصفة قيل فيهما (نفخة واحدة) و (دكة واحدة)؛ أي: أن هذا الأمر
المهول العظيم سهل يسير على الله تعالى , يفعل ويمضي الأمر فيه بنفخة واحدة ودكة واحدة ,
ولا يحتاج فيه إلى طول مدة ولا كلفة مشقة , فجيء بذكر الواحدة لتأكيد الإعلام
بأن ذلك هينٌ سهلٌ على عظمه.
وهذه المواضع وأمثالها ترد في القرآن الكريم ويتوهم بعض الناس أنها ترد لغير فائدة اقتضتها,
وليس الأمر كذلك؛ فإن هذه الأسرار البلاغية لا يتنبه لها إلا العارفون بها ,
وهكذا يرد ما يرد منها في كلام العرب" [المثل السائر:2/ 121 - 123].
(دكة) مفعول مطلق منصوب , وتلحظين أن ابن الأثير قال بأنها من قبيل التأكيد لا التكرير.
وانظري حفظك الله في كلام الإمام السيوطي - رحمه الله تعالى - عند حديثه عن الإطناب؛ فهو يقول:
"النوع الثالث: التأكيد الصناعي , وهو أربعة أقسام " , وذكر:
1 - التوكيد المعنوي بـ (كل- أجمع ... ).
2 - التأكيد اللفظي (تكرار اللفظ الأول بمرادفه أو لفظه).
3 - تأكيد الفعل بمصدره , وهو عوض من تكرار الفعل مرتين , وفائدته رفع توهم المجاز في الفعل ,
ومن الشواهد التي أوردها: قول الله سبحانه وتعالى:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب56] ,
-اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين-
(تسليما): مفعول مطلق منصوب.
وقال –رحمه الله – في حديثه عن (التكرير):
" فإن قلت: هذا النوع أحد أقسام النوع قبله؛ فإن منها التوكيد بتكرار اللفظ فلايحسن عدّه نوعًا مستقلا!
قلت: هو يجامعه ويفارقه , ويزيد عليه وينقص عنه , فصار أصلا برأسه؛ فإنه
قد يكون التأكيد تكرارًا كما تقدم في أمثلته , وقد لايكون تكرارًا كما تقدم أيضًا.
وقد يكون التكرير غير تأكيد صناعة وإن كان مفيدا للتأكيد معنى " [معترك الأقران:1/ 259].
أتمنى أني أفدتك ...
وفقك الباري.
ـ[إيمان الخليفة]ــــــــ[09 - 02 - 2010, 07:34 م]ـ
رأيتك تكتبن: التكرير" فهل قول التكرير أصح وأفصح من التكرار؟؟ أو كلاهما صحيح؟
جاء في الصحاح: "كرَّرتُ الشيء تَكريرًا وتَكرَارًا".
ويعبر البلاغيون عن هذا اللون البلاغي تارة بـ (التكرار) ,
وأخرى بـ (التكرير) , ممايعني أن كلا التعبيرين صحيح والله تعالى أجلُّ و أعلم.
وأنا استعملت (التكرير) لأني كنت أنقل من عبارة ابن الأثير ...
دمتِ في حفظ الرحمن.
ـ[سارة عبدالعزيز]ــــــــ[11 - 02 - 2010, 06:25 م]ـ
أحسن الله إليكِ، وزادكِ بسطة في العلم.
شكرا بعدد كل حرف كتبته ..
ـ[أبووجد]ــــــــ[19 - 12 - 2010, 02:17 ص]ـ
موضوع مفيد جزاكم الله خيرا
ـ[فتون]ــــــــ[19 - 12 - 2010, 09:42 ص]ـ
شكرا لك أختي سارة
وشكرا جزيلا للأستاذة إيمان
ـ[عصام محمود]ــــــــ[19 - 12 - 2010, 08:06 م]ـ
التكرار ظاهرة بشكل عام وقد يتميز بها كاتب في أسلوبه، ولكن عليك أولا حصر التكرار بشكل عام والنظر هل الكاتب يميل إلى تكرار الجملة أو الاسم او الفعل أو الحرف.
ثم تحليل كل عنصر من عناصر التكرار السابقة ودروره في المعنى العام والخاص وتأثيره البلاغي، وهذا توجه في الأسلوبية.
ـ[درب الالم]ــــــــ[26 - 12 - 2010, 09:10 م]ـ
التكرار معناه العطف والاعادة
من كرر الشيء يكرر تكرارا
والتكرار هو اعادة لفظ الكلمة للتعظيم او التهويل اوالتعجب
والتكرار يقع في الكلمة والفعل والحرف
ففي الشعر مثلا
تكون انواع التكرار الاسلوبي هي
تكرار الكلمة (فعل -حرف- كلمة)
تكرار اللازمة
تكرار البداية(/)
(إذا لم تجب في هذا المنتدى فأين تجيب).
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[08 - 02 - 2010, 07:56 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
هل هناك بلاغة في هذه العبارة مع التوضيح: ـ
(إذا لم تجب في هذا المنتدى فأين تجيب).
ولكم جزيل الشكر
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[08 - 02 - 2010, 08:31 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
هل هناك بلاغة في هذه العبارة مع التوضيح: ـ
(إذا لم تجب في هذا المنتدى فأين تجيب).
ولكم جزيل الشكر
أليس الصواب إذا لم تُجب فأين تُجاب؟
ـ[عهود زائفة]ــــــــ[10 - 02 - 2010, 03:32 ص]ـ
عذراً أخ نسيم
لم تغير المعنى بعبارتك وعبارة الأخ
فأنت تتساءل عن الموضوع إذا لم يجاب هنا أين يجاب
أما عبارة الأخ محمد مافهمته منها أن التساؤل موجهه للشخص بعينه
فأقول لك إذا لم تجب هنا فأين تجيب؟
هذا مافهمته
وفي كلا الحالاتين:
فما أراه هو أنه
أسلوب إنشائي صورته الاستفهام ويفيد التعجب
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[11 - 02 - 2010, 12:11 ص]ـ
"أين تجيب " سؤال استنكاري يهدف إلى مدح المنتدى بأنه منبر للإجابة ولا منبر غيره(/)
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ
ـ[أبو العبدين ابن خير]ــــــــ[13 - 02 - 2010, 07:18 م]ـ
السلام عليكم
قال العثيمين في كتاب العلم ما نصه:
"وما أشد تأثير جماعة أهل الدعوة الذين يسمون أنفسهم أهل الدعوة والتبليغ. ما أشد تأثيرهم على الناس. وكم من فاسق اهتدى فأطاع، وكم من كافر اهتدى فأسلم على أيديهم؛ لأنهم وسعوا الناس بحسن الأخلاق، فلذلك نحن نسأل الله أن يجعل إخواننا الذين أعطاهم العلم أن يطعمهم من أخلاق هؤلاء حتى ينفعوا الناس أكثر وإن كان يؤخذ على جماعة الدعوة والتبليغ ما يؤخذ لكنهم في حسن الخلق والتأثير بسبب أخلاقهم لا أحد ينكر فضلهم، وقد رأيت كتاباً للشيخ عبد العزيز ابن باز – حفظه الله – وجهه إلى شخص كتب إليه ينتقد هؤلاء الجماعة، فقال في جملة رده:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ
من اللوم أو سدّوا المكان الذي سّدوا"
ما معنى هذه الأبيات؟
و السلام
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[14 - 02 - 2010, 12:04 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأمر بإقلال اللوم ورد كثيرا في الشعر العربي القديم، و"لا أبا لأبيكم" دعاء عليهم، وهذا أيضا مما ورد كثيرا.
معنى البيت:
أقلوا من لوم هؤلاء ولا تكثروا لومهم؛ وإن لم تفعلوا هيئوا أنفسكم لتسدوا الفراغ الذي سدوه هم في حال غيابهم.
وهذا بيان لعجزهم عن سد مسدهم.
ـ[وَ أمطَرتْ لُؤلؤاً]ــــــــ[15 - 02 - 2010, 01:14 م]ـ
هَل هذهِ دعوة لمناصرة (الأحباب) أم ماذا؟
ـ[أديب طيء]ــــــــ[15 - 02 - 2010, 02:34 م]ـ
هَل هذهِ دعوة لمناصرة (الأحباب) أم ماذا؟
أرى أن نبتعد عن الخوض في مثل هذه المواضيع, فلسنا من أهل العلم حتى نتكلم في أمور الجماعات والعقائد ..
بارك الله فيكم.(/)
السجع
ـ[التوت]ــــــــ[14 - 02 - 2010, 05:23 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
السجع: هو توافق الفاصلتين أو الفاصل في الحرف الاخير.
أو اتفاق الفاصل في آخر جملة فقط.
مثال: [والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبك وما غوى]
السجع هنا: هوى، غوى.
اريد ان اعرف اين السجع؟ في قول الرسول: صلى الله عليه وسلم
"رحِم اللهُ عبْدًا قال خَيْرًا فغنم، أوْ سكتَ فسلِم".
وقال الحريري:
ارتفاع الأخطار، باقتحام الأَخطار.
:)
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[14 - 02 - 2010, 06:43 م]ـ
1 - ليس فى كلام الله سجع وإنما يقال مراعات مراعاة الفاصلة وهى فى هوى وغوى 0
2 - فى المثال الثانى موقعه غنم, سلم0
3 - إن صح المثال فيكن موضعه الأخطار فى الجملة الأولى والأخطار فى الثانية0
ـ[المغيره]ــــــــ[14 - 02 - 2010, 09:27 م]ـ
واضيف انا الى هذا سؤال اخر
اذا كان الذي ذكره الاخ التوت سجعا فما يُسمى عند العرب هذا
قباء هيفاء
مرغوب مرهوب
كريم حليم
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[15 - 02 - 2010, 05:28 م]ـ
واضيف انا الى هذا سؤال اخر
اذا كان الذي ذكره الاخ التوت سجعا فما يُسمى عند العرب هذا
قباء هيفاء
مرغوب مرهوب
كريم حليم
يسمى جناس ناقص
الجناس ماتوافقت فيه الكلمتان لفظا واختلفتا فى المعنى
ـ[إيمان قاسم]ــــــــ[15 - 02 - 2010, 07:52 م]ـ
بين هوى وغوى جناس ناقص وليس سجعا
ـ[المغيره]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 03:10 ص]ـ
شكرا أستاذ أحمد
شكرا لكِ أيمان
ـ[التوت]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 05:29 م]ـ
يعطيكم العافيه:)
هناك تشابه كبير، بين جناس والسجع
كيف افرق بين الجناس والسجع؟
البعض يقول: النجم اذا هوى، وما ضل صاحبك وما غوى
أنها سجع، وبعض يقول أنها جناس ناقص
ـ[الأحمر]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 10:25 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد يجتمع في النص أكثر من محسن بديعي ولنأخذ حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه "
في الكلمتين الملونتين بالأحمر ثلاثة محسنات بديعية؛ جناس وطباق وسجع
هوى وغوى سجع وجناس
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 08:49 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد يجتمع في النص أكثر من محسن بديعي ولنأخذ حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه "
في الكلمتين الملونتين بالأحمر ثلاثة محسنات بديعية؛ جناس وطباق وسجع
هوى وغوى سجع وجناس
بارك الله فيك أخى الأحمر
كلامك صواب لم يختلف فيه اثنان من علماء البلاغة
ولذلك يقول البلاغيون "النكات البلاغية تتكاثر, ولا تتزاحم"
ـ[غروب الشمس]ــــــــ[24 - 02 - 2010, 11:22 م]ـ
رااائع جدا ....(/)
بلاغة أخرى .. دعوة إلى التصنيف
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[15 - 02 - 2010, 11:55 م]ـ
(1)
درسنا البلاغة دراسة تعليمية مدرسية، فوجدناها مبنية على المجاز، ووجدنا الأمثلة تأتي من كلام العرب ومن القرآن والحديث ومن الأدب قديمه وحديثه.
وزادت الجرعة فاطلعنا على الخلاف بين علماء البلاغة حول نسبة بعض الفنون، وهل يدرج هذا الفن تحت هذا العلم أو يدرج تحت ذاك العلم؛ فالمجاز العقلي هناك من يدرجه تحت "البيان"؛ لأنه مجاز، وهناك من يدرجه تحت "المعاني"؛ لأنه في الإسناد. والالتفات هناك من يدرجه في المعاني، وهناك من يدرجه في البديع.
وكذلك الخلاف حول طبيعة الفن المعترف بنسبته؛ فهناك من يعد الكناية في التعبير الحقيقي؛ لأن القرينة غير مانعة من إرادة المعنى الأصلي، وهناك من يراها مجازا.
وكذلك الاستعارة وهل هي من المجاز اللغوي؟ أو المجاز العقلي؟ يقول الشنقيطي في كتابه "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز" بخصوص ذلك: " ...
إن جماعة من علماء البلاغة أنكروا الاستعارة من أصلها زاعمين أنها مجاز عقلي؛ لأنها لما لم تطلق على المشبه إلا بعد دخوله في جنس المشبه به بجعل الرجل الشجاع مثلاً فردا من أفراد الأسد، كان استعمال الكلمة المسماة بالاستعارة في المشبه استعمالاً لها في ما وضعت له، فلم يكن هناك مجاز لغوي أصلاً، وإنما قالوا بأنه مجاز عقلي، يعنون أن العقل جعل الرجل الشجاع من جنس الأسد، وجعل ما ليس في الواقع واقعًا مجازٌ عقلي.
وجمهور البيانيين يثبتون الاستعارة على أنها مجاز لغوي، وقسيمها المجاز المرسل، ويردون قول من نفاها من أصلها زاعمًا أنها مجاز عقلي، بأن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به مبنيّ على أنه جعل أفراد الأسد مثلاً بطريق التأويل قسمين:
أحدهما: المتعارف وهو الذي له غاية الجرأة وكمال القوة في مثل تلك الجثة ذات الأنياب والأظفار.
والثاني: غير المتعارف وهو الذي له تلك الجرأة لكن لا في تلك الجثة المخصوصة والهيكل المخصوص، ولفظ الأسد إنما هو موضوع للمتعارف، فاستعماله في غير المتعارف استعمال له في غير ما وُضِعَ له، والقرينة مانعة عن إرادة المعنى المتعارف ليتعين غير المتعارف".
وظل الاطلاع في الاتجاه نفسه، وزادت الأمور الجزئية بزيادة الاطلاع على المسائل البلاغية، وتعددت جزئياتها.
وفي خضم هذه الاختلافات لم أجد من يؤسس للفنون البلاغية، فيوضح لم يكون هذا التعبير فنا قائما منفردا؟ ولم يكون مندرجا تحت فن قائم؟ وما السمات التي تجعله يكتسب الفنية؟
وما ذلك إلا لأن علماء البلاغة استخرجوا الفنون وأدرجوها في الكتب وفق منهج مباشر، فكان العالم يختار مصطلحا للفن، ثم يورد الشواهد. ثم يزداد الأمر بعد ذلك ببيان بلاغة هذا الفن.
لكن كل ذلك بعيد عن تأسيس فنية الفنون، وتوفير منهجية اكتشافها. وأشياء كثيرة لم أجد لها وجود، فاتهمت نفسي وقلت: لعلها أشياء هامشية لا قيمة علمية لها؛ لذلك أهملت.
(2)
في ذلك الحين كانت هناك لمحات عن إنكار المجاز، لكنها لم تستغل مساحة يؤبه لها؛ لأن الاتجاه العام كان هو المؤسس على اعتماد المجاز في اللغة والقرآن، وهو ما وضح سابقا.
وعندما بدأ الاهتمام بالعقيدة بدأ إنكار المجاز يأخذ مساحة يؤبه لها، لكنه أنتج سؤالا كبيرا مفاده: إذا ألغينا المجاز وما ترتب عليه من فنون البلاغة الممتدة خلال علوم البلاغة الثلاثة فما بديل ذلك علميا حسب دائرة الإنكار وهل هي اللغة أو القرآن أو العقائد والغيبيات في القرآن؟
وكيف نعلم البلاغة؟
لقد تحولت بلاغة المجاز بلاغة تعليمية من خلال علماء البلاغة، أما بلاغة إنكار المجاز فكانت بلاغة ردود، وظلت هكذا، واستمرت في علم العقيدة البعيد عن اللغويين والبلاغيين؛ مما جعلها غير قابلة للتحويل إلى العلم المنظم الذي يمكن أن تدرس مسائله كعلم بلاغة له فنونه ومصطلحاته. وكان الرائد في هذه الردود الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اللذان استعرضا المواضع التي قال فيها القائلون بالمجاز: إنها مواضع مجاز، وردا وأوضحا أنها على سبيل الحقيقة؛ لأن للعرب أساليب شتى في التعبير.
(3)
وهنا أدعو الإخوة والأخوات إلى الاهتمام بهذا النقص، ومحاولة رأبه إثراء لعلم البلاغة، ولن أحدد أي إطار للتحرك ليكون الميدان متاحا ومفتوحا لكل من أراد أن يقول شيئا في المنهج أو المقرر أو المسائل أو .... إلخ.
فهل ... ؟!
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[16 - 02 - 2010, 01:49 ص]ـ
لشيخي أ. د/ محمود توفيق رؤية علمية جيدة في النظر إلى تقسيم البلاغة، فهو يرى أن طبيعة التحليل البلاغي تتناول النص من زاويتين وظيفيتين: زاوية التركيب والبناء وأثره في المعنى، وزاوية الدلالة ووضوحها وخفائها.
وتحت هذين المبحثين يمكن إخضاع جميع الأساليب البلاغية للتحليل سواء كانت مباحث علم المعاني أو علم البيان أو علم البديع فلكل أسلوب جانب تركيبي وجانب دلالي فالاستفهام مثلا يمكن دراسته من الجانب التركيبي كدخول همزة الاستفهام على الفعل أو الفاعل وأثر ذلك في المعنى، ويمكن دراسته من الجانب الدلالي في خضوعه للحقيقة أو المجاز ونحو ذلك. وقل مثل هذا في التشبيه فيمكن النظر إليه من جانب تركيبي، وللإمام عبد القاهر عناية بمسائل التركيب في التشبيه والفروق والمزايا في اختلاف بناء جملة التشبيه، وكذلك يمكن النظر إليه من الناحية الدلالية في تجلية المعنى أو خفائه.
و كذلك من هذه الزاوية نستطيع أن نعيد النظر في دراسة أساليب البديع من زاوية التركيب أو الدلالة، وقد نجد بعض الأساليب مناط النظر فيها التركيب أكثر من غيره مثل رد العجز على الصدر، وبعضها الدلالة مثل التورية وهكذا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[16 - 02 - 2010, 11:27 ص]ـ
بوركت أخي الحبيب أبو حاتم!(/)
ما الفرق (الاستعارة)
ـ[المحاربة الشجاعة]ــــــــ[16 - 02 - 2010, 11:44 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا سؤال اتوجه به الى المختصين
اريد شرح مبسطا حول الفرق بين الاستعارة المكنية والتمثيلية
اتمنى ان لا اكون ثقيلة عليكمً
ـ[السراج]ــــــــ[16 - 02 - 2010, 09:27 م]ـ
مرحباً بك أيتُها الشجاعة ..
الاستعارة المكنية، والتصريحية، والتمثيلية
لكنكِ سألتي عن اثنتين:
الاستعارة المكنية:
ما حذف فيها المشبه به، أو المستعار منه، حتى عاد مختفياً (مكنيا) إلا أنه مرموز له بذكر شيء من لوازمه دليلاً عليه بعد حذفه.
ومثال ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى:
(والصُّبح إذا تَنَفَسَ).
شبّه الصبحُ بالإنسان
فالمستعار منه هو الإنسان، والمستعار له هو الصبح، ووجه الشبه هو حركة الإنسان وظهور النور، فكلتاهما حركة دائبة مستمرة لخصتها كلمة (تنفّس) والتي هي من لوازم الإنسان (المستعار منه المحذوف)
فذكر المشبه وهو الصبح، وحذف المشبه به وهو الإنسان، فعادت الاستعارة مكنية.
أما التمثيلية فلا تشبه المكنية ولا التصريحية، فالتمثيلية – تركيب استعمل في غير ما وضع له. بينما المكنية والتصريحية (لفظٌ استعمل في غير معناه.
فيكون معنا تركيبان: تركيب أصلي وتركيب جيء به من أجل تلك الحالة لعلاقة المشابهة مع وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
والاستعارة تتشابه مع التشبيه التمثيلي في كون وجه الشبه صورة منتزعة من عدة أشياء ن، ولكن في الاستعارة حُذف أحد طرفي التشبيه.
وهذه الاستعارة تنطبق دوما على الأمثال العربية في أكثر الأحيان.
وإذا أخذنا مثال:
عادَ السَّيْفُ إلى قِرَابهِ، وَحلَّ اللَّيْثُ منيعَ غابه.
(يُقال لمجاهد عاد إِلى وطنه بعد سفر)
فأنت تلحظ أن ما بين القوسين لا يُقال، إنما يٌقال العبارة التي سبقتْ وإذا بدأنا بتحليلها وجدنا:
شبه: المجاهد (مشبه) بالسيف (مشبه به)
وشبه: الوطن (مشبه) بالقراب (مشبه به) ألا ترى الآن أن وجه الشبه صورة منتزعة في تعدد المشبهات.
لكن المشبه في كل الأحوال محذوف من هُنا. إذن هي استعارة تمثيلية.
هذا باختصار ...
ـ[المحاربة الشجاعة]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 08:29 ص]ـ
جزاك الله خيرا اخي الفاضل على هذا الشرح المبسط ,
الحقيقة ان السبب الذي جعلني اسأل عن المكنية والتمثيلية هو اني استوعبتها (التصريحية)
لكني لم استوعب المكنية والتمثيلية ويبدو انك متمكن من البلاغة
زادك الله علما ووفقك لما يحبه ويرضاه
ـ[السراج]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 10:43 ص]ـ
ويبدو انك متمكن من البلاغة [ color="purple"]
ما أنا إلا طالب علم ..
قال المتنبي يَصِفُ دخول رسول الرّوم على سيف الدولة:
وأقبل يمشى في الْبساطِ فَما درى=إلى البحْر يسْعى أمْ إلى البدر يرْتقي
شبِّه سيفُ الدولة بالبحر بجامع العطاء والكرم ثم استُعير اللفظُ الدال على المشبّه به وهو البحر للمشبه وهو سيف الدولة، على سبيل الاستعارة التصريحية، والقرينة "فأَقبل يمشي في البساط".
(شبّه سيف الدولة بالبحر) أيهما الذي وجد في البيت؟ فإذا وجد (صرّح بالمشبه به) فهي تصريحية. والعكس: مكنية.
هنا ..
قال الحجَّاجُ في إحْدى خُطَبه:
(أني لأرَى رُؤوُساً قَدْ أيْنَعَتْ وحَانَ قِطافُها وإِنّي لَصَاحِبُهَا)
هل نقول للرؤوس (حان قطافها)؟. إنما نقول ذلك (للثمار) أليس كذلك؟
فإذن الحجاج شبه الرؤوس بالثمار ..
وذكر الرؤوس وحذف (المشبه به) وأتى بشيء من لوازمه (حان قطافها) فإذن هي استعارة مكنية ..
ومثال آخر للمكنية:
قال السري الرفاء في وصف قلم:
وأَهيف إِنْ زعْزعته البَنا=نُ أمْطر في الطَّرس ليْلاً أحم
لمن - يا ترى - نقول أمطر وأمطرتْ؟ أليست للسحاب؟
فإذن شبّه القلم بالسحاب ..
وأبقى القلم وحذف (المشبه به) السحاب على سبيل الاستعارة المكنية.
ـ[المحاربة الشجاعة]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 09:20 ص]ـ
بارك الله فيك اخي الفاضل السراج ,,, على جهودك اتمنى اني لم اكن ثقيلة بسؤالي
لكن هل التشبيه والاستعارة شيء واحد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فهما يبدوان متشابهين جدا وان كان هناك فرق فما هو؟؟
افيدوني افادكم الله ...
ـ[السراج]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 09:35 م]ـ
أيتُها المحاربة ..
(لم تكوني ثقيلة .. فهنا نتعلم)
الاستعارة: تشبيه حُذف أحد طرفيه ..
بمعنى:
التشبيه = مشبه + مشبه به
الاستعارة التصريحية = ... + مشبه به
الاستعارة المكنية = مشبه + .....
فالفرق كما تلحظي أن التشبيه يكتمل فيه ركنيه
أما الاستعارة فتلزم فقط أحد الركنين إما المشبه أو المشبه به.
ـ[المحاربة الشجاعة]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 10:24 م]ـ
.,, .. ,. جزاكم الله خيرا اخي الفاضل, اذا فاسمح لي باستفسار اتمنى ان يكون الاخير ,,,
اذا فجملة ((شمس الهدى ساطعة)) استعارة مكنية , وجملة ((المعلم شمعة تحترق لتنير الطريق لغيرها)) تشبيه بليغ هل اصبت ام اني محقة؟؟؟؟؟!!!! ... ,,, ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[السراج]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 06:39 ص]ـ
.,, .. ,. جزاكم الله خيرا أخي الفاضل, إذا فاسمح لي باستفسار أتمنى أن يكون الأخير ,,,
إذا فجملة ((شمس الهدى ساطعة)) استعارة مكنية , وجملة ((المعلم شمعة تحترق لتنير الطريق لغيرها)) تشبيه بليغ هل أصبت أم إني محقة؟؟؟؟؟!!!! ... ,,, ..
(وأنا أتمنى ألا يكون الاستفسار الأخير)
ممتاز .. فأنتِ أصبتِ كبد الصواب.
فالأولى استعارة مكنية
والثانية تشبيه بليغ ..
لكن هل بالإمكان تفصيل ذلك .. تذكري طرفي التشبيه في الجملتين؟
(انتبهي أيتُها الشجاعة للإملاء، وخاصة الهمزات)
ـ[المحاربة الشجاعة]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 08:58 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم على رحابة صدركم , وبعد:
بالنسبة للاملاء فالخطأ لم يكن عدم معرفتي لذلك بل لأني لاأجيدها باستخدام الحاسب, ولا الهمزات ولا الحركات ,لذا ان كانت لديكم خبرة فأفيدوني أفادكم الله استاذي الفاضل.
ـ[المحاربة الشجاعة]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 09:02 ص]ـ
جزاكم الله خيرا استاذي الفاضل على اهتمامكم وسعة صدركم , لكن بالنسبة للاملاء فالخطأ ليس عدم معرفتي بها بل هو كيف اكتبها باستخدام الحاسب ((الهمزات , الحركات))؟ *
ـ[السراج]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 09:46 ص]ـ
جيد أيتُها المحاربة ..
هذه نقلتها لك ..
علامات التشكيل على لوحة المفاتيح:
Shift + ث: الضمة
Shift + ء: السكون
Shift + ض: الفتحة
Shift + ش: الكسرة
ذ + Shift : الشدة
Shift + ئ: المدة
Shift + ص: تنوين فتح
Shift + س: تنوين كسرة
Shift + ق: تنوين ضم
Shift + ف: لإ
Shift + ل: لأ
Shift + غ: إ
Shift + ا: أ
Shift + ى: آ
Shift + لا: لآ
Shift + ؤ: {
Shift + ر:}
Shift + ب:]
Shift + ي: [
Shift + ت: تمديد الحرف
علامات الترقيم
نقطتين: - ك + Shift
فاصلة، -ن + Shift
فاصلة منقوطة؛ - ح + Shift
نقطة. - ز + Shift
علامة استفهام؟ - ظ + Shift
علامة تعجب! - 1 + Shift
أتمنى أن تستفيدي منها في كتابتكِ ..
ـ[المحاربة الشجاعة]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 10:30 ص]ـ
وفقكم الله أُستاذي الفاضل , وأَعدُكم أَني سأَتدرب عليها جيداً حتى أُتقنها.
جعل الله ماقدمتموه في ميزان حسناتكم يوم العرض عليه إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمدٍ و آله وصحبه ومن والاه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...(/)
كيف أفرق بين أغراض اسلوب النهي؟؟؟؟؟؟؟؟
ـ[سيدرا]ــــــــ[16 - 02 - 2010, 07:20 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الكرام:
أواجه مشكلة كبيرة في التفريق بين اغراض أسلوب النهي
فهل من شرح ولو موجز عن هذا الأسلوب وأغراضه وكيف يمكن التفريق بينها وبارك الله فيكم
ـ[إيمان الخليفة]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 08:23 م]ـ
من مباحث الإنشاء الطلبي (النهي) ...
و المعنى الحقيقي للنهي هو: طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء مع الإلزام.
لكن قد تخرج صيغة النهي عن دلالتها الحقيقية إلى دلالات مجازية
يحددها السياق , وتدل عليها قرائن الأحوال؛ منها:
- الدعاء: وذلك حين تستعمل الصيغة في سياق الخضوع والاستعطاف؛
كما في قول الله سبحانه وتعالى: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمرآن:8].
- الإرشاد: وذلك حين يستعمل النهي في سياق التعليم وإسداء النصح؛ كما في قوله عز و جل:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة:101].
- التوبيخ: وذلك عندما تستعمل الصيغة في النهي عن أمرٍ يشين الإنسان ولا يليق أنْ يصدر عنه؛
كما في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ
وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11].
- الالتماس: وذلك حينما يصدر النهي من شخص إلى من يساويه سِنًا ومقامًا؛ كقول الله عز وجل:
{قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه:94].
لقد نصح هارون - عليه السلام - لقومه الذين عبدوا العجل قبل رجوع موسى - عليه السلام -،
فقال لهم: يا قوم، ما الذي غركم من عبادة هذا العجل فوقعتم في فتنة السامري؟
إن إلهكم الحق هو الرحمن، فاتبعوني فيما أنصحكم به وأطيعوني أهدكم سبيل الرشاد.
فلم يسمعوا نصحه، ولم يطيعوا أمره , وقالوا سنبقى مستمرين على عبادة العجل إلى أن يعود إلينا موسى.
وجاء موسى: فالتفت إلى أخيه هارون وقال له بعد أن فرغ من خطاب قومه وبيان خطأهم:
يا هارون أي سبب منعك أن تلحقني إلى الطور بمن آمن معك من قومك،
حين رأيت الباقين قد ضلوا بعبادتهم للعجل؟ أخرجت عن طاعتي وخالفت أمري؟.
فقال هارون مجيبا أخاه في رفق ولين: يا ابن أمي، لا تغضب علي ولا تجرني بلحيتي،
ومن شعر رأسي؛ لقد خفت إن شددت عليهم أن يتفرقوا، فتقول لي:
لقد فرقت بين بني إسرائيل، ولم تخلفني فيهم كما أمرتك، ولم تحفظ وصيتي كما عهدت إليك.
وقد رأيت من الصواب أن أحفظ العامة، وأداريهم على وجه
لا يختل به نظامهم حتى ترجع فنتدارك الأمر بحسب ما ترى.
ولقد كادوا يقتلونني ...
وفي قول هارون عليه السلام {يا ابن أم} ترقيق له وإلا فهو شقيقه.
وللاستزادة يراجع:
-الإيضاح , للخطيب القزويني.
-البلاغة العربية , لعبدالرحمن الميداني.
-البلاغة فنونها وأفنانها , د. فضل حسن عباس.
-الكافي في علوم البلاغة.(/)
البديع
ـ[دكتور]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 11:13 ص]ـ
البديع، علم. علم البديع فرع من علوم البلاغة يُعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية مطابقته لمقتضى الحال ووضوح الدلالة. وأول من وضع قواعد هذا العلم وجمع فنونه الخليفة العباسي الأديب عبدالله بن المعتز، وذلك في كتابه الذي يحمل عنوان البديع، ثم تلاه قدامة بن جعفر الذي تحدث عن محسّنات أخرى في كتابه نقد الشعر، ثم تتابعت التأليفات في هذا العلم وأصبح الأدباء يتنافسون في اختراع المحسّنات البديعية، وزيادة أقسامها، ونظمها في قصائد حتى بلغ عددها عند المتأخرين مائة وستين نوعًا.
ويقسم علماء البلاغة المحسنات البديعية إلى قسمين: محسّنات معنوية، ومحسنات لفظية.
المحسّنات المعنوية. هي التي يكون التحسين بها راجعًا إلى المعنى، وإن كان بعضها قد يفيد تحسين اللفظ أيضًا. والمحسّنات المعنوية كثيرة، من بينها:
الطباق. هو الجمع بين الشيء وضده في الكلام، مثل قوله تعالى: ?وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود? الكهف:18. وقول الشاعر:
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ولاينكرون القول حين نقول
المقابلة. هي أن يؤتى بمعنيين غير متقابلين أو أكثر، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب، مثل قوله تعالى: ?فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا? التوبة: 82
التورية. هي أن يُذكر لفظٌ له معنيان؛ أحدهما قريب ظاهر غير مراد، والثاني بعيد خفي هو المراد كقول الشاعر:
أبيات شعرك كالقصـ ور ولا قصور بها يعوق
ومن العجائب لفظها حُرّ ومعناها رقيق
فكلمة رقيق لها معنيان؛ أحدهما بمعنى مملوك وهو غير مراد، والثاني بمعنى لطيف سهل وهو المراد.
حسن التعليل. هو أن ينكر القائل صراحة أو ضمنًا علة الشيء المعروفة ويأتي بعلة أدبية طريفة تناسب الغرض الذي يقصد إليه، كقول الشاعر معللاً اصفرار الشمس:
أما ذُكاء فلم تصفر إذ جنحت إلا لفرقة ذاك المنظر الحسن
المشاكَلة. هي أن يُذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الشيء كقول الشاعر:
قالوا اقترح شيئًا نُجد لك طبخه قلت اطبخوا لي جبة وقميصًا
عبر عن خياطة الجبة بالطبخ لوقوع الخياطة في صحبة طبخ الطعام.
التوجيه أو الإيهام. هو أن يؤتى بكلام يحتمل، على السواء، معنيين متباينين، أو متضادين كهجاء ومديح ليصل القائل إلى غرضه بما لا يؤخذ عليه، ومثال ذلك قول بشار في خياط أعور اسمه عمرو خاط له قباء:
خاط لي عمرو قباء ليت عينيه سواء
قل لمن يعرف هذا أمديح أم هجاء؟
المحسّنات اللفظية. هي التي يكون التحسين بها راجعًا إلى اللفظ أصالة، وإن حسّنت المعنى تبعًا لتحسين اللفظ، ومن المحسّنات اللفظية:
الجناس. هو أن يتشابه اللفظان في النطق ويختلفا في المعنى، وهو نوعان:
تام. وهو ما اتفق فيه اللفظان في أمور أربعة هي: نوع الحروف، وشكلها، وعددها، وترتيبها، مثل قوله تعالى: ?ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون مالبثوا غير ساعة? الروم: 55.
غير تام. وهو ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الأمور الأربعة المتقدمة، مثل قول الشاعر:
يمدون من أيد عواص عواصم تصول بأسياف قواض قواضب
السجع. هو توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد في الآخر، ومثاله قول النبي ³: (اللهم أعط منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا).
رد العجز على الصدر. هو أن يجعل أحد اللفظين المكررين أو المتجانسين في اللفظ دون المعنى، في أول الفقرة والآخَر في آخرها، مثل قوله تعالى: ?وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه? الأحزاب: 37. ومثل قول الشاعر:
سريعٌ إلى ابن العم يلطم وجهه وليس إلى داعي الندى بسريع
ـ[السراج]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 09:39 م]ـ
بارك الله فيك أخي دكتور ..
ـ[دكتور]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 03:40 ص]ـ
وفيك أخي الكريم
ـ[30131]ــــــــ[22 - 03 - 2010, 03:37 م]ـ
شكرا لك دكتور علي هذه اللفته الطيبة، وانا ايضا اود الاضافة والمشاركة معك، اضيف بعض المحسنات المعنوية: التورية، التهكم، براعة التخلص، الغلو، الايغال، المناسبة اللفظية، الجمع مع التفريق، نفي الشيئ بايجابه، ائتلاف اللفظ مع المعني، الانسجام، الاقتباس، الاحتراس، براعة الطلب، حسن البيان، التفسير، جمع المؤتلف والمختلف، وغيرها من المحسنات فقد كثرة خصوصا في عصر الضعف فاصبحت مع ابن ابي اصبع الف محسن ذكرها في كتابه بديع القران.،(/)
البيان
ـ[دكتور]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 11:16 ص]ـ
البيان، علم. علم البيان أحد علوم البلاغة. والبيان في اللغة الكشف والظهور، وفي اصطلاح البلاغيين: ما يُعْرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة على المعنى المراد، والبيان بهذا المعنى يعد أحد أقسام البلاغة الثلاثة: البيان والمعاني، والبديع. والمباحث التي يتكون منهاعلْمُ البيان هي:
التشبيه. وهو الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى من المعاني بإحدى أدوات التشبيه الملفوظة أو المقدّرة. مثل: خالد كمحمد في الشجاعة. والتشبيه له أربعة أركان هي: المشبَّه، والمشبَّه به، ووجه الشبه، وأداة التشبيه. وينقسم التشبيه بحسب هذه الأركان إلى أقسام كثيرة، فمن ذلك أن التشبيه الذي يُصرَّح فيه بالأداة يسمى تشبيهًا مرسلاً. والتشبيه الذي تحذف منه الأداة يسمى تشبيهًا مؤكداً. والتشبيه الذي يُصرَّح فيه بوجه الشَّبَه يسمى تشبيهًا مفصّلاً، والتشبيه الذي يُحذف منه وجه الشبه يسمى تشبيهًا مُجْمَلاً. والتشبيه الذي تحذف منه الأداة ووجه الشبه يسمى تشبيهًا بليغًا.
الحقيقة والمجاز. الحقيقة هي استعمال اللفظ في المعنى الذي وضع له عند العرب كاستعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس. أما المجاز فهو إما أن يكون في إسناد اللفظ إلى غيره، وإما أن يكون في ذات اللفظ. فإن كان المجاز في الإسناد سُمي مجازًا عقليًا كما إذا قال المؤمن لمن يعلم إيمانه: أنضج الحَرُّ الرُّطَب. فالمتكلم والسامع يعرفان أن المسبِّب الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى. وإن كان المجاز في اللفظ سُمِّي مجازًا لغويًا. فالمجاز اللغوي هو استعمال اللفظ في غير المعنى الذي وضع له عند العرب على وجه يصح به مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.
المجاز المرسل. الكلمةُ المستعملة في غير المعنى الذي وضعت له لعلاقة غير المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الموضوعة له. وللمجاز المرسل علاقات كثيرة من بينها: المسبَّبية كقوله تعالى: ?وينزِّل لكم من السماء رزقًا? غافر: 13. والسبَّبية مثل: "رعت الإبل الغيث"، والجزئية كقوله تعالى: ?فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا? المجادلة: 3. و الكليَّة كقوله تعالى: ?يجعلون أصابعهم في آذانهم? نوح: 7. واعتبار ماكان كقوله تعالى: ?وآتوا اليتامى أموالهم? النساء: 2. والآليَّة كقوله تعالى: ?واجعل لي لسان صدق في الآخرين? الشعراء: 84. والحالِّية كقول الشاعر:
قل للجبان إذا تأخر سَرْجُه هل أنت من شَرَك المنية ناجي
والمحلِّية كقوله تعالى: ?فليدع ناديه? اقرأ: 17.
الاستعارة. الكلمة المستعملة في غير المعنى الذي وُضعت له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الموضوعة له كقولك: رأيت أسدًا يحمل سيفًا.
وتنقسم الاستعارة إلى قسمين رئيسيين: أ- الاستعارة التصريحية وهي ماصُرِّح فيها بلفظ المشبَّه به (المستعار منه)، ففي قولك رأيت أسدًا يحمل سيفًا صرَّحت بلفظ المشبه به وهو الأسد. ب- الاستعارة المَكْنيَّة، وهي ماحذف فيها المشبه به (المستعار منه)، ورُمز له بشيء من لوازمه كقول الشاعر:
وإذا العناية لاحظتك عيونُها نَمْ فالمخاوف كلهن أَمانُ
فقد شبه الشاعر العناية بإنسان ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو العيون.
الكِناية. لفظ أُطلق وأريد به لازم معناه مع جواز إرادة المعنى كقولك: خالد كثير الرماد تعني أنه كريم. وتنقسم الكناية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: أ ـ كناية عن صفة، والمراد بالصفة هنا الصفة المعنوية مثل: الكرم، والشجاعة، والجود، وليس النعت النحوي. وضابطها أن يصرَّح بالموصوف وبالنسبة إليه، ولا يصرَّح بالصفة المطلوب نسبتها، ولكن يذكر مكانها صفة تستلزمها كقولك: خالد كثير الرماد. ب ـ كناية عن موصوف، وضابطها أن يصرَّح بالصفة وبالنسبة، ولا يصرَّح بالموصوف المطلوب النسبة إليه، ولكن يذكر مكانه صفة تختص به كقول الشاعر:
الضاربين بكل أبيض مِخْذَمٍ والطاعنين مجامع الأضغان
ج ـ كناية عن نسبة، وضابطها أن يصرَّح بالموصوف والصفة، ولا يصرَّح بالنسبة بينهما، ولكن يذكر مكانها نسبة أخرى تستلزمها كقول الشاعر يصف امرأة بالعفة:
يبيت بمنجاة من اللوم بيتها إذا مابيوت بالملامة حلَّتِ
ـ[أنوار]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 08:03 ص]ـ
كتب الله جهدكم في موازين حسناتكم
وجزيل الشكر لكم
ـ[غروب الشمس]ــــــــ[24 - 02 - 2010, 11:26 م]ـ
بارك الله فيك ... وأجزل لك المثوبة ..
ـ[دكتور]ــــــــ[27 - 02 - 2010, 04:49 م]ـ
أسأل الله لي ولكم أن يكون علمنا خالصاً لوجهه الكريم
اللهم آمين
ـ[لوليان]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 11:18 م]ـ
بارك الله فيك
الله يجزيك كل خير ع الاستفادة
ـ[عبود]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 03:01 ص]ـ
بارك الله فيك(/)
المعاني
ـ[دكتور]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 11:18 ص]ـ
المعاني، علم. يُعَدُّ علم المعاني واحدًا من ثلاثة فروع تكوِّن علم البلاغة (المعاني، والبيان، والبديع). وأول من فصّل القول في فرع المعاني ونظم مباحثه هو الإمام عبد القاهر الجرجاني وذلك في كتابه دلائل الإعجاز.
تحدث عبد القاهر في جميع الموضوعات التي أصبحت تشكل هذا الفرع، ثم جاء اللاحقون من البلاغيين فأعادوا صياغة ما أصّله عبد القاهر، واختصروا أقواله، ومن أبرز هؤلاء البلاغيين فخر الدين الرازي، والسكَّاكي، والخطيب القزويني. ولم يطلق عبدالقاهر الجرجاني على هذا الفرع اسم علم المعاني وإنما الذي أطلق عليه هذه التسمية جارالله الزمخشري في تفسيره الكشَّاف.
عَرّف البلاغيون علم المعاني بأنه "علم تُعرَف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال". وتندرج تحت هذا العلم الموضوعات الآتية:
أحوال الإسناد الخبري. يبحث هذا الموضوع في قصد المخبر بخبره وهل هو إفادة المخاطب بمضمون الخبر أم الإشارة إلى أن المتكلم نفسه عالم بالخبر ويريد أن يشعر المخاطَب بمعرفته به. كما يبحث هذا الموضوع في حالات المخاطَب، من ناحية كونه خالي الذهن، أو مترددًا في الحكم شاكًا فيه، أو منكرًا له، وما ينبغي لصاحب الخبر أن يتوخاه في خطابه مما تستدعيه هذه الحالات من تأكيدات.
أحوال المسنَد إليه. المسند إليه هو الفاعل، أو نائب الفاعل، أو المبتدأ الذي له خبر، وما أصله المبتدأ. والمراد بأحواله، ما يعرض له من ذكر وحذف، وتعريف وتنكير، وتقديم وتأخير، وتقييد وقصر، وغير ذلك.
أحوال المسنَد. المسنَد هو الفعل، أو اسم الفعل، وخبر المبتدأ، أو المبتدأ المكتفي بمرفوعه، وما أصله خبر المبتدأ، أو المصدر النائب عن فعل الأمر. أما أحواله، فهي ما يعرض له من ذكر وحذف، وتعريف وتنكير، وتقديم وتأخير، وتقييد وقصر وغير ذلك.
القَصْر. هو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص. وللقصر طرق كثيرة أشهرها مايلي: أ- النفي والاستثناء، والمقصور عليه فيهما مايلي أداة الاستثناء. ب- إنما، والمقصور عليه هو المؤخَّر. ج- العطف بـ لا، أو بل، أو لكن. والمقصور عليه في العطف بـ لا هو المقابل لما بعدها، وفي العطف بـ بل، لكن هو ما بعدهما. د- تقديم ما حقه التأخير كتقديم الخبر على المبتدأ، وتقديم المعمول على العامل. والمقصور عليه في هذا النوع هو المقدم.
الإنشاء. هو الكلام الذي لا يحتمل الصدق ولا الكذب، أي الذي لا يُنسب لقائله صدق أو كذب. وهو نوعان: أ- طلبي: وهو مايستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب، ويكون بالأمر والنهي والاستفهام والتمني والنداء. ب- غير طلبي: وهو ما لايستدعي مطلوبًا، وله صيغ كثيرة كصيغ المدح والذم، وصيغ العقود (كبِعتُ، واشتريتُ)، والقَسَم، والتعجب، وأفعال الرجاء.
الفصل والوصل. الوصل هو عطف جملة على أخرى بالواو فقط دون غيرها من حروف العطف، والفصل هو ترك هذا العطف. وهناك مواضع يتعين فيها الفصل، ومواضع يتعين فيها الوصل. يتعين الفصل: أ- حين يكون بين الجملتين تباين تام، وذلك بأن تختلفا خبرًا وإنشاء، أو بألا تكون بينهما مناسبة ما، ويُطلق على هذا مصطلح كمال الانقطاع. ب- حين يكون بينهما اتحاد تام، وذلك بأن تكون الثانية مؤكدة للأولى أو بيانًا لها، أو تكون بدلاً منها، ويُطلق على هذا مصطلح كمال الاتصال. ج- حين تكون الجملة الثانية جوابًا لسؤال نشأ عن الجملة الأولى فتفصل الثانية عنها كما يفصل الجواب عن السؤال، ويُطلق على هذا مصطلح شبه كمال الاتصال.
والمواضع التي يتعين فيها الوصل هي: أ- إذا قُصد إشراك الجملتين في الحكم الإعرابي. ب- إذا اتفقت الجملتان خبرًا أو إنشاء وكانت بينهما مناسبة تامة ولم يكن هناك سبب يقتضي الفصل بينهما. ج- إذا اختلفتا خبرًا وإنشاء وأوهم الفصل خلاف المقصود.
الإيجاز والإطناب والمساواة. الإيجاز هو أداء المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة مع الوفاء بالمعنى المراد وهو نوعان: أ- إيجاز القصر، وهو مالا يكون فيه لفظ محذوف. ب- إيجاز الحذف، وهو ماكان بحذف كلمة أو جملة، أو أكثر، مع قرينة تحدّد المحذوف.
أما الإطناب، فهو أداء المعنى بعبارة زائدة عما يستحق بشرط أن تكون الزيادة لفائدة، وله طرق كثيرة منها: أ- الإيضاح بعد الإبهام، وذلك لتقرير المعنى في ذهن السامع. ب- ذكر الخاص بعد العام للتنبيه على فضل الخاص. ج- الاعتراض، وهو أن يؤتى في أثناء الكلام بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب. د- التكرار المفيد. هـ- الاحتراس، وهو أن يكون في الكلام احتمال لإيهام خلاف المراد فيؤتى بما يزيل ذلك الإيهام ويحدد المراد. و- التذييل، وهو تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها توكيدًا لها.
وأما المساواة: فهي أداء المعاني بألفاظ مساوية لها دون زيادة أو نقصان.
ـ[أنوار]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 08:02 ص]ـ
جزاكم الله خيراً أستاذنا الكريم
إيجاز موفق ومتمم للفائدة
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[غروب الشمس]ــــــــ[24 - 02 - 2010, 11:28 م]ـ
وفقك الله .. لكل مايحب ويرضى ..
ـ[دكتور]ــــــــ[27 - 02 - 2010, 04:46 م]ـ
بارك الله فيكم الأخت أنوار والأخت غروب الشمس
ـ[لوليان]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 11:33 م]ـ
جزاك الله كل خير
ـ[عامري نجية]ــــــــ[08 - 11 - 2010, 01:58 ص]ـ
بارك الله فيك.
موفق بإذن الله
ـ[يحيى عيسى الشبيلي]ــــــــ[08 - 11 - 2010, 07:54 م]ـ
موضوع يستحق الثناء والشكر أبدعت وبوركت (دكتور)(/)
سؤال عن الاستعارة
ـ[فلانة]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 05:54 م]ـ
هل هده استعارة **// ولا الجاني بما جر يخدل**//
وهده **//هم مستودع السر **//
ـ[المهتم]ــــــــ[25 - 02 - 2010, 01:58 ص]ـ
سلام عليكم:
البيت الذي في لامية العرب مشهور بهذه الصيغة:
هُمُ الأهلُ لا مستودَعُ السرّ ذائعٌ ... لديهم ولا الجاني بما جرّ يخذلُ
ولا أرى أن في هذا البيت استعارة، فهو كلام لاكته الألسن، واستخراج الإستعارة منه يحتاج
إلى شيء من القسر غير قليل!!
هل هده استعارة **// ولا الجاني بما جر يخدل**//
وهده **//هم مستودع السر **//
ـ[عايشة]ــــــــ[18 - 03 - 2010, 05:53 م]ـ
اتوقع أن الاستعارة في الشطر الأول (مستودع السر)
أي أن الشاعر شبه الصدر وهو مكان حفظ الأسرار بالإنسان بالمستودع الذي تحفظ فيه الأشياء فحذف المشبه وأبقى المشبه به على سبيل الإستعارة التصريحية
ـ[المهتم]ــــــــ[18 - 03 - 2010, 08:55 م]ـ
سلام عليك:
كل قراءة لها وجاهة مقبولة ...
يتحدث الشنفرى وهو من صعاليك العرب عن قومه الجدد وهم بعض
الحيوانات، لأنّ المصادر تذكر أنه من أغربة العرب، لذلك لم يعترف
به قومه، فأمه حبشية ورث سواد بشرتها وضخامة شفتيها، فسمي
[الشنفرى] ضخم الشفتين
وعليه فقد صار له قوم جدد في الصحراء، وهو هنا يذكرهم واحدا واحدا:
ولي دونكم أهلون سيد عملس ... وأرقط زهلول وعرفاء جيأل
ثم يمدحهم بقوله:
هم الأهل لا مستودع السر ذائع ... لديهم ولا الجاني بما جر يخذل
ومستودع: كما ذكرت بصيغة اسم المفعول: الشخص الذي نضع عنده
أسرارنا، وهذا طبيعي فهذه عجماوات لن تتكلم فهي تخالف البشر.
ولا الجاني بما جرّ يخذل: واضح فيه مخالفته للمنطق!!
فبني آدم: مستودع السر، لديهم ذائع
وقوم الشنفرى مستودع السر، ليس ذائعا، لأنها عجماوات، وهو يمدحهم
أما القول بالإستعارة هنا، فلا أظن أنه يدل على فهم جيّد للأبيات
والله أعلم
ـ[علي جابر]ــــــــ[23 - 03 - 2010, 09:23 م]ـ
بالنسبة لـ " جر الجاني"
عبر لارتكاب الجناية بالجر فقال:
جرّ الجاني
وكأن الجناية شيئا يجرّ ويسحب، لثقلها.
فقد استعار كلمة الجر للارتكاب.
أما: "مستودع السر"
فقد شبه السر بالوديعة التي توضع في مستودع ما، لجامع إرادة الصيانة والحفظ في كل، وهذه أيضا استعارة.
بقي على المتخصيين أن يبيّنوا لنا هل هي استعارة مكنية أم تصريحية، وهل هي إن كانت تصريحية تبعية أم أصلية.
والله أعلم، ورد العلم إليه أسلم.
ـ[علي جابر]ــــــــ[23 - 03 - 2010, 09:26 م]ـ
بالطبع قد تصل الاستعارة، والمجاز عموما حدا تنقلب فيه إلى حقيقة، لشدّة ابتذالها، وتكرارها، وعلى هذا يخرّج كلام الأستاذ المهتم عندما قال: "فهو كلام لاكته الألسن "، ومثل ذلك: سفينة الصحراء .. ومن يقرأ في أسرار البلاغة للزمخشري يجد تراكيب وكلمات نسبها الزمخشري إلى المجاز، وقد باتت مقاربة للحقيقة لكثرة الاستعمال، ولوك الألسن لها.
والله أعلم
ـ[ابو العبد الصيدلي]ــــــــ[18 - 05 - 2010, 11:22 م]ـ
اخي المهتم
جزاك الله خيرا وبارك فيك
هذه اول مشاركة لي في هذا المنتدى الرائع
انا ارى ان عبارة مستودع السر تعني السر المستودع كأن تقول منقول الكلام وهذا يعني الكلام المنقول ودل على ذلك كلمة ذائع ففيها وصف للسر نفسه وليس لما يحفظ او لمن يحفظ الاسرار
هكذا فهمت بيت الشعر مع انني لم اجد من فسره هكذا
فهو يعيب على قومه اذاعتهم لسره المستودع عندهم ما لا يفعله اهله الجدد
وبهذا لا مجال للقول بوجود الاستعارة في هذا الموضع
وجزاك الله خيرا
وان خالف رأيي الصواب صوبوني
وشكرا(/)
سؤال في انتظار فصاحتكم.
ـ[سيدرا]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 06:07 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الفصحاء:
أخطط أن أشرح لطلابي التراكيب: حمل عن _ حمل في - حمل على - حمل بـ _ حمل لـ- حمل إلى
قأحتاج ‘لى العديد من الجمل والعبارات التي تخدم المعنى على العلم بان التركيب حمل على يحتمل معانياً متعددة
فأغدقوا علي من غدير كرمكم
وبارك الله فيكم
ـ[أنوار]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 06:27 م]ـ
مرحبا أخيتي سيدرا
لعلك تجدين الفائدة في هذين الكتابين للدكتور فاضل السامرائي
الجملة العربية والمعنى، والجملة العربية تأليفها وأقسامها ( http://spreadsheets.google.com/pub?key=r6wharOxPespMyfz5KkPllg&gid=15)
ولعلكِ توضحين أكثر ..
أتقصدين أن الجملة تحتمل أكثر من وجه للمعنى
قد يكون ذلك حسب قوة الصوت وانخفاضه
وبهذا الخصوص تجدين الشيء العجيب في مؤلفات ابن جني(/)
لماذا ورد الجمع بهاتين الصورتين؟
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 08:09 م]ـ
قال الله تعالى (كأنهم حمرٌ مستنفرة) (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)
لماذا ورد الجمع فى الأولى (حمر) وفى الثانية (حمير)
ـ[عمر الحمد]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 08:08 م]ـ
لفظ الحمر ترد ويراد بها خير الحلال وفيها مناطق جماليه في ذهن العربي وكذا تطلق ويراد بها الحمر الوحشية وفيها ايضا من مناطق الجمال البنيوي ونظافة المرعى
أما الحمير فلا ترد الا ويراد بها ماستقبح في الذهن ممافي الحمار من جهل ودنو النفس في المرعى وقبح صوت رغم جهوريته وغيره مما يعلم من صفات ملازمة في الذهن عند قولنا حمار
ولما كان في الاية الأولى الهدف هو تصوير السرعة في الفرار من سماع التذكرة والخير ومافيه صلاح شأنهم ناسب أن يصور هروبهم بهروب الحمر الوحشية ومافيها من نشاط وعترة في الابدان
ولعله ايضا جمع بين التوحش الذي في الحمر الغير مستأنسه وفرارها مما لايخاف منه وتوجسها مما قد يكون فيه خير لها لما في طبعها من الخوف من المجهول كائنا من كان وبين فرار المشركين من التذكرة واعراضهم عن جهل وان كان مافروا منه خير لهم
وهنا لم يأت بالحمير كون آحادهم به خير لوفقه فهم مازالوا وحش لم يستأنسوا مايقال لهم حتى اذا استأنسوه اسلم بعضهم وعاند آخر
أما الآية الأخرى فالمراد ايصاله للسامع هو تنكير هذا الفعل وتقبيحه فناسب ان تربط الصورة التخييلية بما لا يمكن أن يرتبط الا بعهد ذهني مستقبح بكل احواله إذ لا مجال للذهن في الحمير الا ماوعته من قبحها
وقد يفتح عليك كثيرا مالو قرأت في اسباب نزول كل من الايتين قراءة فقهية لا توثيقية
والله تعالى اعلم
((مجرد هواجس لا تعتمدها عليها في شيء إلا أن تجد مايعضدها من اقوال اهل العلم))
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[20 - 02 - 2010, 11:02 ص]ـ
مجرد هواجس لا تعتمدها عليها في شيء إلا أن تجد مايعضدها من اقوال اهل العلم [/ u] ))
أخى عمر بارك الله فيك وزادك علما على علمك
فما كتبته ليس مجرد هواجس وإنما هو كلام أهل العلم وهو ما سمعته من أساتذتى ولكن كنت أريد التأكيد والتوضيح لا أكثر
فبارك الله فيك المسألة وضحت وثبتت فشكرا جزيلا(/)
ما هي الأنواع البلاغيّة الموجودة في هذه القصيدة؟
ـ[زهور الأمل]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 09:32 ص]ـ
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هي الأنواع البلاغيّة الموجودة في هذه القصيدة، أرجو المساعدة:
صوت بلا وعد ولا تعلة
يصرخ، والشّمس له مظلّة
متى، متى تضرب يا جبلّة
ويا صديق اليأس والرّجاء
الحجر الأخضر فوق النّار
ونحن في انتظار!
موعدك الآتي من السّماء.
بوركتم.
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 01:51 م]ـ
إليك محاولتي بالأحمر
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هي الأنواع البلاغيّة الموجودة في هذه القصيدة، أرجو المساعدة:
صوت بلا وعد ولا تعلة
يصرخ تشخيص لأن الإنسان هو الذي يصرخ، والشّمس له مظلّة (كناية المعنى القريب الشمس فوقه المعنى البعيد تحميه وتحفظه) متى، متى تضرب يا جبلّة
ويا صديق اليأس والرّجاء
الحجر الأخضر فوق النّار (تناص مع قصّة سيدنا عمر بن الخطّاب والمرأة الفقيرة التي طهت الحجارة لأولادها لتلهيهم حتى يناموا)
ونحن في انتظار!
موعدك الآتي من السّماء.
بوركتم.
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[21 - 02 - 2010, 09:33 ص]ـ
وزيادة على ماقاله أخى نسيم عاطف
مظلة جبلة بينهما جناس ناقص
ياصديق اليأس نداء غرضه التحقير وهو أسلوب أنشائى
الحجر الأخضر فوق النار-ونحن فى انتظار -بين الجملتين سجع
موعدك الآتى من السماء-الأصل موعدك المأتى من السماء وعلى هذا فيه مجاز علاقته المفعولية حيث ذكر الفاعل و
أراد المفعول
والله أعلم
ـ[أديب طيء]ــــــــ[23 - 03 - 2010, 08:20 م]ـ
الحجر الأخضر فوق النار-ونحن فى انتظار -بين الجملتين سجع
الأخ أحمد الصعيدي ليس في الشعر (سجع) وإنما السجع يكون في النثر فقط.
شكرًا لاضافتك واضافة الإخوة الأعزاء.
حفظكم الله.(/)
هل مخضب الرايات تعتبر استعارة مكنية في البيت؟
ـ[سيدرا]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 05:26 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الشاعر:
وحملت في قلبي الجريح جراحها ... بدم الوفاء مخضب الرايات
مخضب الرايات هل تعتبر استعارة مكنية حيث شبه الرايات بالأيادي التي تخضب بالدم
أفيدوني عاجلاً بارك الله فيكم
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[21 - 02 - 2010, 09:17 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ليس فى قول (مخضب الرايات) استعارة لأن مخضب أى ملون والتلوين حقيقة فى الرايات, وتخضيب كل شىء تلوينه بأى الألوان غير لونه وليس على التلوين بالحناء فحسب0
وإنما الاستعارة فى (بدم الوفاء مخضب الرايات) فالدم ليس حقيقى حيث شبه الوفاء بإنسان وحذف الإنسان ورمز له بشىء من لوازمه وهو الدم على سبيل الاستعارة المكنية
والله أعلم(/)
الخبر والإنشاء ..
ـ[الجوهرة النادرة]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 05:41 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك ورحمة الله وبركاته ..
اخواني واخواتي أسعد الله مسااائكم بالخيرات ..
لقد تم تعييني في مدرسة وغدا سيكون أول يوم ابدأ فيه ولكن هناك مشكلة تواجهني ولا أدري مالعمل؟؟!!
لقد اعطوني منهج البلاغة لكي ادرسه للطالبات ولكن تخصصي في الجامعه كان أدب ولم ادرس البلاغة بشكل عميق وانا الآن أحاول ان افهم هذه الدروس من أجل ان اشرحها للطالبات ولكن أشعر بأنني لم اوفق ..
فأرجوا منكم مسااعدتي في هذه المشكله وان توجهوني الى ماعلي فعله فالمنهج المطلوب مني منهج أولى ثانوي وأول درس هو الخبر والإنشاء ..
أرجوكم والله لا علم لي به ولا ادري كيف سأبدأ الدرس ولا كيف سيكون تقسيم الجدول ولا التمهيد الذي سأبدأ به؟؟؟
اتمنى من لديه خبرة أو خلفية عن هذا الموضوع يفيدني وجزااكم الله الف خير ..
أتوقع اني لن اعطيهم شيء في الغد ولكن قد يكون الأحد أو الأثنين أول دروسي ...
ـ[الأحمر]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 07:43 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لي موضوعات حول الخبر والإنشاء في منتدى البلاغة أرجو زيارتها
أسأل الله لك الإعانة والتوفيق
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 08:14 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
أختي الحبيبة والغالية: الجوهرة النادرة
أولا:
أهلا وسهلا بكِ في منتدى الفصيح، نزلتِ أهلا ووطئتِ سهلا، نتمنى لكِ طيب المقام والافادة، فحياك ِ الله وبياك ِ وسط أسرتك.
ثانيا:
أبارك لكِ الوظيفة، وأسأل الله أن يسهل لكِ أمرك وأمر تدريسك، اللهم آمين.
ثالثا:
أنتِ لها، لكن عليك ِ قراءة منهج البلاغة جيدا، ومن بعدها أكيد سوف تكونين من المعلمين الحذقين فيها وليس لديّ أدنى شك في ذلك.
ثالثا:
ها هو الرابط تفضلي:
الإنشاء والخبر - شَبَكةُ الفَصِيحِ لِعُلُومِ اللُّغةِ العَرَبِيّةِ ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=712)
ودمتِ موفقة ومسددة.
ـ[الجوهرة النادرة]ــــــــ[19 - 02 - 2010, 10:19 م]ـ
جزاكم الله الف خيرا على مجهودكم وردودكم ..
ـ[الجوهرة النادرة]ــــــــ[22 - 02 - 2010, 01:40 ص]ـ
السلام عليكم ..
اخوتي اعتذر عن طلباتي الكثيرة ولكن ارجوا منكم مساعدتي ..
1_ ماهي خانات الجدول السبوري ,,
في درس الخبر والانشاء .. لصف الأول الثانوي؟؟
لكم جزيل الشكر
ـ[الأحمر]ــــــــ[22 - 02 - 2010, 04:34 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لا أملك كتاب البلاغة ولكن لعلك تكتبين الأمثلة وسأجتهد لمساعدتك في كتابة الجدول السبوري
ـ[الأحمر]ــــــــ[22 - 02 - 2010, 07:44 م]ـ
السلام عليكم
الجملة نوعها السبب نوع الجملة الإنشائية
الجملة نوعها السبب نوع الجملة الخبرية
ملحوظة: الجملة الخبرية ليس لها أنواع
ـ[الجوهرة النادرة]ــــــــ[25 - 02 - 2010, 04:21 م]ـ
السلام عليكم اعتذر اخي عن عدم كتابتي للأمثلة وذلك بسبب ظرووف طارئة ..
1 - قال الله تعالى: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون}
2 - قال تعالى: {رب هب لى حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لى لسان صدق في الأخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم * واغفر لأبي إنه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون *}
3 - قال أبو العتاهية:
يا بائع الدين بالدنيا وباطلها **** ترضى بدينك شيئاً ليس يسواهُ
حتى متى أنت في لهو وفي لعب **** والموت نحوك يهوي فاغراً فاهُ
ما كل ما يتمنى المرء يدركه**** رب امرئٍّ حتفه فيما تمناهُ
إن المنى لغرور , ضلة وهوى**** لعل حتف امرئ في الشيء يهواه
4_ قال حافظ إبراهيم:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن ... فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
فيا وَيحَكُم! أبلى وتَبلى مَحاسِني ... ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني ... أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي
أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً ... وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً ... فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ
جزاك الله كل خير بما قدمته لي من مسااعدة ,,,
ـ[الأحمر]ــــــــ[26 - 02 - 2010, 03:01 م]ـ
السلام عليكم
وضعت الجدول قبل كتابتك الأمثلة في هذا الموضوع(/)
كلمات في القرآن/ يوم، إذ/د. عثمان قدري مكانسي
ـ[نبيل الجلبي]ــــــــ[21 - 02 - 2010, 12:52 م]ـ
كلمات في القرآن / يوم، إذ
الدكتور عثمان قدري مكانسي
يوم (التصويرية):
ودورها في الغالب الأعمّ نقل المشهد الذي سيحدث في المستقبل إلى الحاضر، فينتصب حياً أمام الرائي نابضاً بالحياة، يسمعه ويراه، ويتقرّاه ويلمسه. وقد ذكر في القرآن الكريم عشرات المرات، يتبعه الفعل المضارع
(جملة المضاف إليها) بأحد نوعيه؛ المبنيّ للمعلوم أو المبنيّ للمجهول. من ذلك:
قوله تعالى يصف النفختين فنسمعهما ونحسّهما كأن الأمر أمامنا يعرض فلماً سينمائياً قال تعالى:
" يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة " (سورة النازعات 6ـ7) فإذا الأرض تهتز في زلزالها الكبير فتستوي جبالها بوديانها
" إذا زلزلتِ الأرضُ زلزالها " (أول سورة الزلزلة) ويتحقق قول الله تعالى:
" لا ترى فيها عِوَجاً ولا أمتاً " (سورة طه ـ 107) ثم تأتي الرجفة الثانية في النفخة الثانية، فيأتي الناس أفواجاً " مهطعين إلى الداع " (سورة القمر ـ الآية 8).
وقوله تعالى يصف حال البشر يسمعون نفخة الصور الثانية، فينطلقون نحو مصدر الصوت مستجيبين
" يوم يُنفخ في الصور فتأتون أفواجاً " (سورة النبأ ـ 18) لا يريم أحدهم ولا يتأخر عن الإجابة، ولا يلوون على شيء.
وقوله تعالى يصف حال الفزع بين الناس حيث يطلب كل منهم لنفسه فقط الخلاص والنجاة في هذا اليوم المخيف الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها،
" يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم شأن يُغنيه " (سورة عبس 35 ـ 37) يود الكافر لو افتدى نفسه بأحب الناس إليه جميعاً النار فهلكوا فيها لينجوَ وحده من العذاب الشديد
" يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤيه * ومن في الأرض جميعاً ثم يُنجيه " (سورة المعارج 11 ـ 14).
وقوله تعالى يصف الأمم بين يديه ساكتة لا يتكلم أحد منهم إلا بإذنه ولن يُقبل اعتذارُ من أساء في كفره واستكباره وإنكاره وجحوده، إن ذلك اليوم الرهيب يومُ حسابٍ لا يومُ عمل " هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون " (سورة المرسلات 35 ـ 36) وتصورهم مبلسين خائفين ينظرون إلى النار – مصيرهم الخالد – من طرْف خفيّ، نعوذ بالله من هذا المصير البئيس.
وقوله تعالى يصف جلال الموقف بين يديه سبحانه، فالملائكة الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون يمثلون أمامه دون حركة أو قول ينتظرون أمره سبحانه خائفين من هذا اليوم العظيم وَجِلين لا يتكلمون إلا بإذنه جل شأنه وعظُم سلطانُه " يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً " (سورة النبأ ـ 38)
وقوله تعالى في المؤمنين الموحّدين يكرمهم، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهبهم الله نوراً يسعدون به في ظلمة ذلك اليوم المكفهِرّ يمضي معهم حيث ساروا، ويحاول المنافقون وأضرابهم أن يتابعوهم ليقتبسوا من أنوارهم، فيُمنعون، ويُفصل بينهم فيعيش أولئك في ظلمات النفاق والعصيان .. " يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى? نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ? ذَ?لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * " (سورة الحديد 12 ـ 13)
ومتابعة لكلمة يوم مضافة إلى الفعل المضارع يرينا صور المستقبل بيّنة صافية تجعلنا نحيط بالموقف إحاطة واضحة لا لبس فيها.
إذ (التصويرية):
التي تنقل المشهد الذي حدث في الماضي إلى الحاضر فإذا به أمامنا نراه ونسمعه ونعيشه وكأنه يحصل بيننا الآن يتبعه الفعل الماضي (جملة المضاف إليها). من ذلك:
(يُتْبَعُ)
(/)
قوله تعالى يصور لنا الحوار الذي دار بينه سبحانه وبين ملائكته في خلق أبينا آدم عليه السلام " وإذ قال ربك للملائكة للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا أتجعل فيها مَن يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " (سورة البقرة ـ 30)
فقد رأوا – في رواية من قال إن خلقاً في الأرض كانوا قبل آدم - أن أولئك اقتتلوا وأفسدوا، فأهلكهم الله وأن هذا المخلوق الجديد – آدم – قد يكون مثل سابقيه سوءاً وفساداً، فتعجبوا أن يتكرر ذلك الأمر في الأرض بآدم وذرّيته .. فكان هذا الحوار ...
وقوله تعالى يامر الملائكة أن يسجدوا لآدم سجود طاعة لله وتكريماً لآدم بتكريم الله له " ولقد كرّمنا بني آدم " (سورة الإسراء ـ من الآية 70) فإذا بنا نرى بأعين قلوبنا الملائكة تسجد لأبينا بأمر الله وفضله " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا .. " (سورة البقرة ـ من الآية 34) فما علينا إلا أن نحافظ على هذا التكريم بطاعة الله سبحانه والتزام أوامره والانتهاء عن نواهيه.
وقوله تعالى يعدد فضله على بني إسرائيل في نجاتهم من فرعون وقومه، فأخرجهم من مصر إلى بلاد فلسطين المباركة، وجعل في البحر نجاتهم وفيه هلاك فرعون وجنده، فكان البحر منجّياً ومهلكاً بآن واحد. ورأوا مصارعهم دون أن يكلفهم قتالهم كما أن الله تعالى أراد كرامتهم حين سمح بفضله أن يكونوا مع موسى عليه السلام إذ يكلمه، فأشركوا قبل هذا التكريم واتخذوا العجل إلهاً، بل إنهم طلبوا أن يروا ربهم جهاراً نهاراً فصعقهم الله تعالى عقوبة لتجرئهم على طلب ما ليس لهم ولا يستطيعونه، وكان من فضل الله تعالى عليهم أن أنزل على موسى التوراة لتكون لبني إسرائيل نبراساً ....
وقد أخذتنا " إذْ والفعل الماضي بعدها إلى الماضي البعيد أو قرّبتْ هذا الماضي فتصورناه أمامنا بكل تفاصيله وصُوَرِه رأيَ العين: قال تعالى في سورة البقرة:
" وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب .... "
" وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون "
" وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون "
" وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون "
" وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا .. "
" وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة ... "
ولو تابعنا إذ والفعل معها في آيات القرآن الكريم لوجدناها تربو على العشرات مصوّرة وموضحة، تضع المنظر أمامنا بكل أبعاده الحركية والصوتية.(/)
أفيدوني
ـ[زهراء حسين]ــــــــ[21 - 02 - 2010, 03:33 م]ـ
دعا أعرابي فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو أذل في عزك، أو أضام في سلطانك، أو أضطهد والأمر لك.
استخرج من هذا الدعاء نوعين من أنواع المحسنات البديعية واشرحهما
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[21 - 02 - 2010, 04:41 م]ـ
1 - الطباق بين الفعل أفتقر والاسم غناك وبين أضل وهداك وبين أزل وعزك وفى كل ماسبق الطباق بين اسم وفعل وهذا يوضح المعنى ويؤكده
2 - السجع بين أفتقر فى غناك وأضل فى هداك وهو مما يعطى للكلام جرسا موسيقيا ويشوق السمع ويثير السامع(/)
ما الصور البلاغية الواردة في الأبيات؟
ـ[عاشقة الضاد]ــــــــ[22 - 02 - 2010, 01:02 ص]ـ
رأيت الحزن يمشي في الشوارع القديمة
محروق الوجه و اليدين
و شيء في عينيه كالغمام
أهديته سلامي
فهز رأسه و سار
و قفة مرقعه
تهتز في يديه.
رأيت الحزن يمشي: هل في استعمال كلمة " الحزن" استعارة تصريحية؟
و شيء في عينيه كالغمام: تشبيه مرسل مجمل ذكر المشبه و المشبه به دون وجه الشبه.
أهديته سلامي: أهديته استعارة مكنية حيث شبه السلام بهدية ثم حذفه ورمز إليه بفعل " أهدى".
أرجو منكم التصحيح بارك الله فيكم و جزاكم خيرا.
ـ[المهتم]ــــــــ[23 - 02 - 2010, 02:16 ص]ـ
سلام عليك أختي الفاضلة:
أنت تسمين هذا الكلام أبياتا ومعك خلق كثير وهذا من حقكم
لكنني كلما قرأته أحسست أني في سيارة مسرعة على طريق
صحراوي غير معبد وأنا أهتز ذات اليمين وذات الشمال
رغم ما فيه من صور شاعرية جميلة أحيانا ...
الحزن يمشي: استعارة مكنية، والذي جعلها كذلك هو كلمة يمشي،
فالحزن لا يمشي، وإنما شبه الحزن بشيء يمشي (إنسان أو غيره)
وحذفه ورمز له بشيء من لوازمه، وهو يمشي على طريق الاستعارة
المكنية
فالإستعارة إذا كانت في كلمة مشتقة: فعل أو مشتق من المشتقات فهي
مكنية، وإذا كانت في اسم جامد: كالقمر والأسد والبحر، فهي تصريحية
أهديته سلامي: ليست استعارة، ذلك هو ظني فيها، لأنه ليس فيها
قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، وذلك شرط في المجاز
والإستعارة جزء منه
والله أعلم
ـ[عاشقة الضاد]ــــــــ[23 - 02 - 2010, 03:16 م]ـ
بداية أشكرك أخي " المهتم" جزيل الشكر على اهتمامك بالموضوع و على التوضيحات القيمة و جزاك الله خيرا.
أما فيما يخص تعليقك على الأبيات فأنا احترمه، وإن كنت لا أستطيع تقييمه لا سلبا و لا إيجابا لسبب بسيط أنني و كما تلاحظ أفتقر إلى أبسط القواعد في اللغة، فأحيانا لا أتمكن حتى التفريق بين المجاز و الحقيقة ناهيك عن أن أصدر حكما في كلام شعري.
و حتى أكون منصفة، فأنا سأنقل القصيدة التي اقتطفتها منها الأبيات بشكل تعسفي:
رأيت الحزن في الشوارع القديمة
محروق الوجه و اليدين
و شيء في عينيه كالغمام
أهديته سلامي
فهز رأسه و سار
و قفة مرقعة
تهتز في يديه
الحزن في المدينة القديمة
يشبهنا نحن أولاد هذه المدينة الفقيرة
محروق الوجه و اليدين
مرقع القفة و الثياب
و من الحزن في زقاق بائعي الأسماك
تعثرت رجلاه في قشرة موز
عفوا في رأس سمكه
فنحن في المدينة القديمة
طعامنا: خبز و شاي و سمك
و سقط الحزن أمام بائعي الأسماك
فرفعوه و بكوا
و ملأوا قفته أسماكا
و رجع الحزن على نفس الطريق
أهديته سلامي
فنحن في المدينة القديمة
نهدي السلام مرة و مرة
نهدي السلام للجميع
فسعل الجزن و قال:
إن السماء ممطرة.
عبد الرفيع الجواهري." ديوان وشم في الكف"
(شاعر مغربي)
فالقصيدة يمكن أن تكون مفرداتها بسيطة إلا إنها تحمل قيما إنسانية نبيلة. فطبعا و كما نلاحظ حسب مضمون النص. فالكاتب حاول أن يقدم بأسلوب قصصي و تصويري و صفا لحي من أحياء إحدى المدن المغربية القديمة - و ربما تكون مدينة فاس لأنها هي المدينة التي نشأ فيها الكاتب- حيث تعيش فئات من المجتمع حالة من الفقر و التهميش و بالرغم من ذلك فالعلاقة السائدة بينها تتميز بالتعاون و التعاطف و التواضع و غيرها من القيم التي تكاد تنعدم في الأحياء الراقية.
و فقك الله أخي و بارك في علمك.
ـ[المهتم]ــــــــ[24 - 02 - 2010, 12:12 ص]ـ
جزيت وكفيت أختي الفاضلة عاشقة الضاد
تعليقي وليد اللحظة، انطباع آنيّ لا عليك منه!!
المهم عندي أن يكون ما كتب أفادك ...
ولو شيئا يسيرا ...
والسلام عليكِ(/)
أسئلتي حول البلاغة
ـ[محمد مشرف اشرف]ــــــــ[22 - 02 - 2010, 07:04 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قبل أيام قلائل، أخذنا في دراسة مادة البلاغة و الكتاب الذي نتابع هو ((دروس البلاغة)). و أنا ضممت إليه كتاب ((البلاغة الواضحة)) لمطالعتي الشخصية، و أحفظ مبادئ البلاغة من الأول و أفهمها فهما دقيقا من خلال الثاني.
فأثناء الدراسة قد يتبادر إلى ذهني أسئلة قد يشكل علي أمور، فقد يجد ما يجيب و يحل و لكن قد ? أجد.
فبعدما أبحث عنه في الشبكة العنكبوتية و ?سيما هذا المنتدى و ? أجد الحل، أطرحه في هذه النافذة. و أرجو أن يشرف الأعضاء هنا علي.
ـ[محمد مشرف اشرف]ــــــــ[22 - 02 - 2010, 07:20 ص]ـ
1: قال صاحب ((البلاغة الواضحة)) و هو يبين الصفاحة: "و الكلام الفصيح ما كان واضح المعنى، سهل اللفظ، جيد السبك"
هل المراد بجيد السبك هو موافقته للقانون و تخلصه من ضعف التأليف فقط أو أنه يمكن حمله على استيفاء جميع شروط فصاحة الكلام؟
2: لبيان تنافر الكلمات في الكلام، يضرب البيت التالي:
قبر حرب بمكان قفر: و ليس قرب قبر حرب قبر
أ ((قفر)) في عجزه خبر وحده أم هو نعت ل ((مكان)) ثم الجار مع مجروره خبر؟
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[22 - 02 - 2010, 01:12 م]ـ
المراد بجيد السبك أى ليس مفككا وأنما متماسك المعنى واللفظ بحيث لو حذفت كلمة لاختل معنى الجملة, واختير اللفظ المناسب للمعنى المقصود
2 - قبر فى عجز البيت اسم ليس مرفوع بالضمة مؤخر وخبر ليس مقدم (قرب قبر حرب) شبه جملة ظرف ولله أعلم
ـ[محمد مشرف اشرف]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 09:20 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
من شروط فصاحة الكلمة أن تسلم من مخالفة القانون.
أيقتصر القانون على القانون الصرفي هنا أم يعم الصرفي واللغوي كليهما؟
جزاكم الله خيرا
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[01 - 03 - 2010, 07:42 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
من شروط فصاحة الكلمة أن تسلم من مخالفة القانون.
أ يقتصر القانون على القانون الصرفي هنا أم يعم الصرفي و اللغوي كليهما؟
خزاكم الله خيرا
الصرفى فى فصاحة الكلمة وكلاهما فى فصاحة الكلام
ـ[محمد مشرف اشرف]ــــــــ[01 - 03 - 2010, 09:13 م]ـ
جزاك الله خيرا
فطرح في كتاب ((دروس البلاغة)) مثلا لمخلافة القانون و هو قول المتنبي: و إن يكن بعض الناس سيفا لدولة: ففي الناس بوقات لها و طبول
والشاهد فيه كلمة ((بوقات)) حيث ? تجمع ((بوقة)) بالتاء المسبوطة.
ولكن هذه الناحية تتعلق بعلم اللغة دون علمي الصرف و الاشتقاق. فكيف يصح الاستشهاد به في هذا المقام إذا كان مخالفة القياس في معرض فصاحة الكلمة تنحصر على القياس الصرفي؟
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[02 - 03 - 2010, 03:24 م]ـ
جزاك الله خيرا
فطرح في كتاب ((دروس البلاغة)) مثلا لمخلافة القانون و هو قول المتنبي: و إن يكن بعض الناس سيفا لدولة: ففي الناس بوقات لها و طبول
والشاهد فيه كلمة ((بوقات)) حيث ? تجمع ((بوقة)) بالتاء المسبوطة.
ولكن هذه الناحية تتعلق بعلم اللغة دون علمي الصرف و الاشتقاق. فكيف يصح الاستشهاد به في هذا المقام إذا كان مخالفة القياس في معرض فصاحة الكلمة تنحصر على القياس الصرفي؟
أخى الكريم ابن مشرف بارك الله بك جمع كلمة "بوقة"على "بوقات"هذا فى اختصاص علم الصرف أو النحو وليس له تعلق بعلم اللغة
فإن كان هذا المثال فى فصاحة الكلمة فالقضية إذا فى علم الصرف وإن كان فى فصاحة الكلام فهو ضعف تأليف وقضيته فى علم النحو والله أعلم
ـ[محمد مشرف اشرف]ــــــــ[06 - 03 - 2010, 05:59 ص]ـ
جزاك الله خيرا الأستاذ أحمد الصعيدي
وأتقدم بسؤال آخر
الجملة الفعلية تفيد الاستمرار التمجددي إذا قرنت بها قرائن و كان فعلها مضارعا كما جاء في ((دروس البلاغة)).
هل القيد بالمضارع فيه قيد واقعي أو اتفاقي
أمثلة يفيد فيها الفعل الماضي الاستمرار التجددي.
و ما الفرق بين الاستمرار التجددي و الاستمرار المطلق؟
وأيضا ألتمس منكم أن تفضلوني بأمثلة أخرى فيه فعل - ماضيا (إن كان يدل على الاستمرار التجددي) كان أو مضارعا - مفيد للاستمرار التجددي.
ـ[محمد مشرف اشرف]ــــــــ[10 - 03 - 2010, 03:28 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أريد معرفة الفرق بين الاستمرار المطلق و الاستمرار التجددي؟
هل الفعل المضارع يختص بالاسترار التجددي أو الفعل الماضي ايضا يفيده بالقرائن؟
قال في ((علم المعاني - دراسة بلاغية و نقدية لمسائل المعاني)):
" ((اللفظ العربي)) يشمل اللفظ المفرد و اللفظ المركب أي الجملة و أجزائها. فأحوال الجملة ... "
أ التفسير بقوله: "الجملة و أجزائها" للفظ المركب فقط أم قوله: "الجملة" تفسير للفظ المركب و قوله: "أجزائها" تفسير للفظ المفرد؟
إن كان الأمر هو الأول، فهل هذا يعني أن مباحث علم المعاني في سبيل بحث الأحوال التي تأتي مطابقة لمقتضى حال المخاطب فإنها تدور حول اللفظ المركب و ? تتناول اللفظ المفرد مستقلة؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد مشرف اشرف]ــــــــ[11 - 03 - 2010, 08:55 ص]ـ
هل من يجيب(/)
الإنس أبلغ من الجن والجن أقدر منهم
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[24 - 02 - 2010, 02:06 م]ـ
الإنس أبلغ من الجن والجن أقدر منهم
قال تعالى: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا " (الإسراء88)
وقال تعالى: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان (الرحمن 33)
المقام في هاتين الآيتين متشابه، إلا أن الأولى قدمت الإنس على الجن والثانية قدمت الجن على الإنس، وسبب ذلك هو أن الآية الأولى مبنية على الإتيان بمثل القرآن الكريم الفصيح البليغ، ولأن هذا الأمر يحتاج إلى فصاحة وبيان فقد تقدم ذكر الإنس لأنهم أبلغ من الجن، أما في الثانية فقد تقدم ذكر الجن على الإنس لأن الآية مبنية على النفاذ من أقطار السموات والأرض، وهذا الأمر يحتاج إلى القدرة والقوة ولذلك تقدم ذكر الجن لأنهم أقدر من الإنس، والله تعالى أعلم
ـ[عمر المعاضيدي]ــــــــ[24 - 02 - 2010, 06:07 م]ـ
والله فكرت بالآية الثانية واستنتجت مثل استنتاجك
والدليل قصة الجن مع سليمان (عليه السلام) وكيف إنهم بنوا اجمل وافخم قصر في التاريخ
وكيف هم يروننا ولا نراهم وكيف لهم القدرة على الذهاب من الشام إلى اليمن بسرعة هائلة
بارك الله فيك
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[27 - 02 - 2010, 12:48 م]ـ
السلام عليكم
شكرا لمروركم الكريم أخي عمر، ودمتم سالمين
ـ[القعيب]ــــــــ[27 - 02 - 2010, 03:04 م]ـ
إضافة إلى ما قاله أستاذ عزام فللجنّ تذوقٌ لبلاغة الكلام كما قالوا بعد استماعهم للقرآن الكريم في قوله تعالى: ((إنّا سمعنا قرءانا عجبا))
ـ[الترياق]ــــــــ[08 - 03 - 2010, 08:28 م]ـ
نكتة ٌ لطيفة
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[09 - 03 - 2010, 11:59 ص]ـ
وأنت ألطف.(/)
المنفلوطي .. وفن حسن التعليل
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[26 - 02 - 2010, 10:52 ص]ـ
لو لم تكن نية الجوزاء خدمته ** لما رأيت عليها عقد منتطق
فإن الجوزاء لا تنتطق، ولو كان هذا الذي نراه يستدير بها نطاقا فهو شيء متصل بها قبل أن يخلق الممدوح ويخلق آباؤه الأولون والآخرون إلى آدم وحواء.
والكواكب ليست أشخاصا أحياء يتخذ منها الناس خدما وخوَلا لأنفسهم، ولو كانت كذلك لاستحال عليها وهي من سكان السماء أن تهبط إلى الأرض لتخدم سكانها؛ فقد كذب وأحال أربع مرات في بيت واحد، ثم عجز بعد هذا كله أن يترك في نفس السامع صورة تمثل جلال ممدوحه وعظم شأنه؛ فهو في الحقيقة إنما يريد ببيته هذا أن يمتدح نفسه بالإبداع وقوة التخيل، لا أن يمتدح ممدوحه برفعة الشأن وعلو المقام.
أو يقول:
ما به قتل أعاديه ولكن ** يتقي إخلاف ما ترجو الذئاب
فإن الذي يحمل قي صدره قلبا رحيما مشفقا على الذئاب من الجوع مستعظما أن يخلفها ما عودها إياه من طعام وشراب لا يمكن أن يكون هو نفسه ذئبا ضاريا يريق دماء الناس ويمزق أحشاءهم، ويقطع أوصالهم؛ ليملأ بها بطون الوحش.
ولا يوجد بين الأسباب التي تحمل الناس على القتال سبب يشبه هذا السبب الذي ذكره، على أن المحسن لا يكون محسنا إلا إذا وهب ما يهب من ماله ومن خزائن بيته، فأما أن يقتل الناس تقتيلا ويمثل بهم ثم ينعم بجثثهم على الجائعين والظماء من وحوش الأرض وذئابها فذلك شيء هو بالجنون أشبه منه بالإحسان.
أو يقول:
لا يذوق الإغفاء إلا رجاء ** أن يرى طيف مستميح رواحا
فإن النوم قوام حياة الإنسان وعماد حياته ولازم من لوازمه اللاصقة به، أراد ذلك أو لم يرد. فإذا كان لا بد من دخوله في باب الاختيار فإن من أبعد الأشياء عن التصور والفهم أن يكون ما يحمل الإنسان على طلب النوم رجاؤه أن يرى فيه الأحلام والرؤى.
فإن فعل فلا يدخل في باب أغراضه وأمانيه أن ينام ليرى خيال جماعة المتسولين وهم ملء الأرض وهباء الجو وأرصاد الأعتاب وأعقاب الأبواب، لا تنفتح الأعين إلا عليهم، ولا تمتلئ الأنظار إلا بهم، فهم لم يبلغوا في الضن بأنفسهم والعزف بها مبلغ من لا يراه الرائي ولا يعثر به إلا إذا ألقى في طريقه حبائل الأحلام ليصطاده بها.
أو يقول:
لم يتخذ ولدا إلا مبالغة .. في صدق توحيد من لم يتخذ ولدا
فإن الأولاد لا يتخذون اتخاذا، وإنما ينعم الله بهم على من يشاء من خلقه إنعاما. وأكثر ما تقذف به الأرحام من النسمات إنما هو ثمرة من ثمرات الحب، يأتي بها عفوا لا نبتة من نبات الأرض يبذر الزراع بذورها ليستنبتها.
والله تعالى غني بربوبيته ووضوح آثارها عن الاستدلال عليها بنطفة يقذفها قاذفها في بعض الأرحام، فإن كان لا بد في إثبات ربوبيته من دليل يدل على مخالفته للحوادث في الصفات والأفعال فالأدلة على ذلك كثيرة لا يضبطها الحساب كثرة، وربما كان أهونها وأضعفها أنه لا يتخذ ولدا وأنهم يتخذون، على أن المتخذين كثيرون قد ضاق بهم الأرض وظهرها، فالمسألة مفروغ منها قبل أن يخلق هذا الممدوح ويخلق ولده، فلا فضل له في الإتيان بشيء جديد.
أو يقول:
وما ريح الرياض لها ولكن ** كساها دفنهم في الترب طيبا
فإن الأزهار التي تستمد حياتها ونماءها من جثث الموتى ورممهم لا يمكن أن تكون طيبة الريح، على أن الأزهار مريحة قبل أن يدفن هؤلاء الموتى في قبورهم، فلم يزد في كلمته هذه على أن أتى بخيال ضعيف مبتذل هو أشبه الأشياء بخيال العامة الذين يرون أن بعض الأزهار ما خلق إلا إكراما لبعض النبيين.
أو يقول:
تتلف في اليوم بالهبات وفي السا ** عة ما تجتنيه في سنتك
فقد أراد أن يصف ممدوحه بالكرم وصفا فوق ما يصف الناس، ويأتي في ذلك بما لم يأت به غيره، فأنزله منزلة المجانين المسرفين الذين لا يحسنون الموازنة بين أرزاقهم ونفقاتهم.
ولو تقدمت هذه التهمة بهذه الصورة إلى قاض من قضاة المال لما كان له بد من الحجز عليه، والقضاة يرضون في مثل هذه الأحكام بدون إنفاق دخل السنة جميعها في ساعة واحدة أو يوم واحد.
أو يقول:
ولما ضاق بطن الأرض عن أن ** يضم علاك من بعد الممات
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا ** عن الأكفان ثوب السافيات
والريح ليست كفنا والرجل لا يزال مصلوبا غير مقبور، ولا يزال عاريا غير مدرج في كفن.(/)
أغراض الاستفهام
ـ[بنت العربي]ــــــــ[26 - 02 - 2010, 12:36 م]ـ
السلآم عليكم ورحمة الله وبركآته
لو سمحتوا ممكن حد يسآعدني في تصحيح أجوبتي, بصرآحة لأني مب متأكده منهم, وهي عن الغرض من الاستفهآم .. ( ops
س1: هل الحياة غير قنطرة تعبر ولا تعمر؟ الإرشاد
س2: أتغضب والديك؟ التقرير
س3: ومن ذا الذي يدلي بعذر وحجة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت .. التهديد
س4: قال تعالى {يسألون أيان يوم الدين} التوبيخ والسخريه
وجزآكم الله ألف خير:)
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 02 - 2010, 08:35 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وجزاكم بمثل دعائكم الطيب.
هذه محاولة تحتاج مراجعة.
هل الحياة غير قنطرة تعبر ولا تعمر؟ الإرشاد
وقد يضاف إلى ذلك النفي، بحمل هل على معنى: "ما"، فما الحياة غير قنطرة على وزان: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)
أتغضب والديك؟ التقرير
وقد يضاف إليه معنى التوبيخ.
يسألون أيان يوم الدين:
فهو للتهكم والسخرية كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير"، ولكنه صادر منهم، فمعنى التوبيخ في هذا الاستفهام تحديدا غير متصور، وإن كان السياق إجمالا قد ورد لتوبيخهم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[بنت العربي]ــــــــ[01 - 03 - 2010, 09:11 ص]ـ
مهآجر
يعطيك ربي ألف عآفية وجعلهآ الله في ميزآن حسنآتك
ـ[خادمة الأمة]ــــــــ[09 - 03 - 2010, 07:58 م]ـ
أتغضب ...... ؟ قد يكون تعجب أو توبيخ أو كلاهما معا.
هل الحياة إلا .... ؟ تقرير أو حث على اغتنامها بالعمل الصالح.(/)
أفعال الخضر عليه السلام بين الإمر والنكر
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[27 - 02 - 2010, 12:44 م]ـ
أفعال الخضر عليه السلام بين الإمر والنكر
قال تعالى في الحكاية عن سيدنا موسى عليه السلام لما خرق الخضر عليه السلام السفينة"لقد جئت شيئا إمرا"
(الكهف 71) وقال تعالى أيضا في الحكاية عن سيدنا موسى لما قتل الخضر عليه السلام الغلام "لقد جئت شيئا نكرا (الكهف74)
فهل يصلح مجيء الإمر مكان النكر، أو النكر مكان الإمر؟ أم أن لكل واحد منهما معنى يخصصه بمكانه؟
قيل: الإمر: الداهية وقيل: إنه العجب. والنكر: ماتنكره العقول ولا تعرفه ولا تجوزه. فالنكر أعظم من الإمر.
لقد اختص خرق السفينة بالإمر لأنه لم يغرق فيها أحد، وهوأهون من قتل الغلام الذي قد هلك.
ومن هنا نتبين أن أحدهما لا يصلح مكان الآخر، فلكل واحد منهما معنى يخصصه بمكانه، وبهذا يحصل الانسجام بين الكلمات داخل التركيب.
والله تعالى أعلم.(/)
مساعدتكم يا أهل الفصيح
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[27 - 02 - 2010, 09:49 م]ـ
ما الظاهرة البلاغية في قولنا:"جبال هموم" أهي تشبيه بليغ؟
ـ[المهتم]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 01:33 ص]ـ
سلام عليكم:
الذي يتبادر إلى الذهن أن هذا الكلام استعارة تصريحية
فالمشبه المحذوف تقديره: شيء ضاغط ثقيل على النفس جدا
والمشبه به: المصرّح به هو: الجبال في صلابتها وثقلها
والله أعلم
ـ[نسيم عاطف الأسدي]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 08:42 ص]ـ
أليس القصد هنا: هموم عالية وضخمة كالجبال ,أي أن المشبه والمشبه به موجودان ولكن حذف وجه الشبه وأداة التشبيه
ـ[فتون]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 11:13 م]ـ
سلام عليكم:
الذي يتبادر إلى الذهن أن هذا الكلام استعارة تصريحية
فالمشبه المحذوف تقديره: شيء ضاغط ثقيل على النفس جدا
والمشبه به: المصرّح به هو: الجبال في صلابتها وثقلها
والله أعلم
طيب وما هو هذا الشيء الثقيل على النفس؟
هو الهم
بعدما تأملت المثال وجدته تشبيها بليغاحذفت آداته ووجهه و ذكر فيه المشبه وهو الهم الكبير والذي على النفس ثقيل يصعب حمله.
والمشبه به وهو الجبال الكبيرة التي لايمكن حملها.(/)
أرجو الإفادة .. ما الفرق بين الجناس ومراعاة النظير؟؟
ـ[سنى الهدى]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 02:46 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أرجو إفادتي أخوتي الكرام عن الفرق بين الجناس ومراعاة النظير .. ولكم فائق الشكر والإحترام ...
أختكم
سنى الهدى
ـ[السراج]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 10:04 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
قد تجدين - سنى الهدى - في هذه الصفحة بعض ما تبحثين ..
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=18768
ـ[السراج]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 10:13 م]ـ
واستقطعتُ لك من كتاب الميداني، عبدالرحمن حبنكة (البلاغة العربيّة أسُسُها وعلومُها وفنونها) هذا التعريف الخاص بمراعاة النظير وأمثلة عليه ..
(مراعاة النظير: الجمع في العبارة الواحدة بين المعاني التي بينها تناسب وائتلاف ما، لا على سبيل تقابل التناقض أو التضاد أو التضايف، الذي سبق الطباق، ويكون هذا التناسب بين معنيين فأكثر، فإذا كان هذا التناسب بين أول الكلام وآخره سمي: "تشابه الأطراف".
كالتناسب والتلاؤم بين الشمس والقمر، والظل والشجر، والزهر والثمر، والإبل والبقر، والقوس والوتر، والليل والسمر، والوعل والجبل، والنعجة والحمل، والهوى والشباب، والظمأ والسراب، والعلم والكتاب، والضرب والعذاب، إلى نحو ذلك مما لا يحصى.
وعكس مراعاة النظير الجمع بين غير المتناسبات المتلائمات، كالسجن والتجارة، والنسيم العليل ولدغ العقرب، والخشوع في الصلاة والنميمة، واللعب مع الصبيان ومقابلة السلطان، وعلك اللبان ومواساة الثكلى، إلى غير ذلك مما لا تناسب فيه ولا تلاؤم، فهذا مناف لما تتطلبه هذه البديعة من البدائع المعنوية.
أمثلة:
المثال الأول: قول الله عز وجل في سورة (الرحمن/ 55 مصحف/ 97 نزول):
{الشمس والقمر بحسبان * والنجم والشجر يسجدان}.
النجم: النبات الذي لا ساق له. والشجر: النبات الذي له ساق.
وفي هذه السورة أمثلة متعددة من أمثلة مراعاة النظير.
وفي القرآن المجيد أمثلة كثيرة من هذه البديعة المعنوية.
المثال الثاني:
قول "البحتري" وهو أبو عبادة الوليد بين عبيد الطائي، يصف الإبل التي يهاجر على ظهورها من بلاد تنكرت له، بالهزال الشديد:
*ترقرقن كالسراب وقد خضـ **** ـن غمارا من السراب الجاري
كالقسي المعطفات بل الأسـ **** ـهم مبرية بل الأوتار)
ـ[سنى الهدى]ــــــــ[01 - 03 - 2010, 04:22 م]ـ
جزاكم الله خيراً أخي الكريم ... الآن فهمت ما كنت أنشد فهمه .. بارك الله بكم ..(/)
أريد أسماء لكتب تتحدث عن الإعجاز البلاغي للقرآن
ـ[أم الفيصل]ــــــــ[03 - 03 - 2010, 04:44 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالبة مستجدة في الدراسات العليا-ماجستير- تخصص أدب وبلاغة
أرجو منكم مساعدتي في البحث عن أسماء كتب تتحدث عن الإعجاز البلاغي للقرآن
وكذلك كتبا تتحدث عن البلاغة في النصوص الأدبية عامة
ولكم مني جزيل الشكر والعرفان
ـ[روضة النعيم]ــــــــ[04 - 03 - 2010, 02:34 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة: إليك أسماء بعض المؤلفات التي تتحدث عن الإعجاز القرآني:
1. ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، تحق: محمد خلف الله، د. محمد زغلول
2. التصوير الفني في القرآن الكريم للسيد قطب
3. الإتقان في علوم القرآن للسيوطي
4. خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية، عبد العظيم المظعني
5. التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم، عبد العظيم المظعني
6. التعبير القرآني، فاضل السامرائي
7. التصوير البياني، محمد محمد أبو موسى
8. البيان في روائع القرآن، تمام حسان
9. البرهان في إعجاز القرآن، الزركشيأساليب البيان في القرآن، سيد جعفر الحسيني
وهناك بعض كتب التفسير التي تناولت الجانب البلاغي، مثل:
الكشاف للزمخشري
تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، وغيرهما كثير
ـ[عصام محمود]ــــــــ[04 - 03 - 2010, 12:03 م]ـ
إعجاز القرآن والبلاغة النبوية لمصطفى صادق الرفعي.
الحوار القرآني بين الإقناع والامتاع البلاغي للدكتور سمير يوسف وله أيضا بلاغة الأمثال في القرآن
ـ[أم الفيصل]ــــــــ[07 - 03 - 2010, 05:52 ص]ـ
اختي د. روضة النعيم - اخي د. عصام محمود
لا استطيع التعبير عن مدى شكري لمساعدتكم لي,
فأنا بحاجة لمثل هذه الكتب وأود فعلا ان أزيد معلوماتي في هذا الجانب من البلاغة المعجزة.
وشكرا لكم مرة اخرى.(/)
الفرق بين الاعراب والبدو .. !! بالقران
ـ[رراايق]ــــــــ[03 - 03 - 2010, 07:57 ص]ـ
وأسمحوا لي بطرح هذا الموضوع الذي كثيرا ما يتخبط فيه، حيث أنني أسندته بالدليل من القران،
وهو المرجع الذي لا يدخله الشك أو الريبة
كثير من أبناء البادية لايفقهون من
أمر لغة العرب شيء، وقد نشاء في ذهنهم وعقولهم
بعض من الكلمات التي وردت بالقران وفهموا معانيها علي غير حقيقتها وفهموا المقصود بها علي غير معناها الصحيح ..
لكن من افهمهم هذا المعني؟؟ وروج له عبر الزمن!!!
هو حاقد عليهم كاره لهم ولعروبتهم ولأصلهم وفخرهم
إن كلمة الأعراب التي ورد ذكرها بالقران قد قام الأعراب هم أنفسهم وأقول الأعراب هم أنفسهم قد قاموا بإطلاق
هذا الوصف علي البدو وان البدو هم الأعراب!!
سوف نقف عند ما المقصود بالأعراب وما أصلهم وأين يعيشون ومن إي أصل قدموا بيننا؟؟
الأعراب:
هم من يعيش بني ظهراني العرب ويتكلمون لغتهم ولا ينسبون لهم
ولا يعرف لهم قبيلة ينسبون لها فيقال أعرابي
أما العرب:
فكانت نسابه تنسب إلي قبائلها عند ذكرهم لهذا الرجل في عرض حديثهم وهم يتحدثون عنه
كقولهم رجل من هوازن أو رجل من قريش أو رجل من قحطان
أريد أن أسأل كل من يقول لي أن الأعراب هم البدو؟؟
وأقول له ما هو مصدر معرفتك عندما قلت ان الأعراب سكان البادية
لو كان كلامك هذا يقبله العقل والمنطق لما جاء قوله تعالي في الايه التالية من سورة يوسف:
((وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن
قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ
بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم))
يوسف:100
ولم يقل وجاء بكم من الأعراب وأعلم أن القران
((وعلوم تفسيره لا يخلط بين معني بدو وأعراب))
ألبدو بدو وهم سكان الصحاري وأهل الإبل والمواشي، وقد رعى جميع الأنبياء الغنم وأرسل حبيبنا
محمد (ص) إلي بني سعد من هوازن ولا تخفاكم الغايه التي أرسل من اجلها محمد صلي الله عليله وسلم
أودع عند بني سعد من هوازن وهم عرب وليست أعراب، ام حسبت ان رسول الله قدر له ان يترعرع
بين الأعراب لقد ذهب به الي العرب واودع عندهم لفصاحة لسانهم
وبني سعد كانوا اهل ابل ومواشي ويسكنون الباديه فلماذا لم يقولوا أودع حبيب الله عند الأعراب
هذا هوا الصح والواقع الذي يقول به العرب والقران وعلوم اللغه الفصحي وقواميسها
((ودعني أوضح لك خصالهم وبالقول الشعبي البحت))
لاتجد بهم غيره
مذهبهم وسيع (بالعاميه)
لم يتدينوا الا في العصور الحديثه والمتأخره
أكثر حروب الرده وقعت في ديارهم
ويكفيك من حقدهم حديث الرجل الأعرابي الذي بال في المسجد
قالوا أعرابي
ولم يقولوا أعرابي من قريش أو أعرابي من هوازن فقريش
وهوازن عرب وليست أعراب
للعلم والفائدة
ـ[هشام محب العربية]ــــــــ[03 - 03 - 2010, 10:29 ص]ـ
ويكفيك من حقدهم حديث الرجل الأعرابي الذي بال في المسجد
قالوا أعرابي
ولم يقولوا أعرابي من قريش أو أعرابي من هوازن فقريش
وهوازن عرب وليست أعراب
لم أفهم مَن تعني بـ"هم" في "من حقدهم".
أيضا ما فهمته من مشاركتك أن الأعراب هم غير العرب، والعرب ينسبون لقبائل، وأن أهل البادية منهم العرب ومنهم الأعراب، هل ما فهمته صحيح؟
هل هناك أي اعتراض علمي على ما ذُكر هنا؟
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[03 - 03 - 2010, 07:57 م]ـ
وأسمحوا لي بطرح هذا الموضوع الذي كثيرا ما يتخبط فيه، حيث أنني أسندته بالدليل من القران،
وهو المرجع الذي لا يدخله الشك أو الريبة
كثير من أبناء البادية لايفقهون من
أمر لغة العرب (شيئاً)، وقد (نشأ) في ذهنهم وعقولهم
بعض من الكلمات التي وردت بالقران وفهموا معانيها علي غير حقيقتها وفهموا المقصود بها علي غير معناها الصحيح ..
لكن من (أ) فهمهم هذا المعني؟؟ وروج له عبر الزمن!!!
هو حاقد عليهم كاره لهم ولعروبتهم ولأصلهم وفخرهم
إن كلمة الأعراب التي ورد ذكرها بالقران قد قام الأعراب هم أنفسهم وأقول الأعراب هم أنفسهم قد قاموا بإطلاق
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا الوصف علي البدو و (أ) ن البدو هم الأعراب!!
سوف نقف عند ما المقصود بالأعراب وما أصلهم وأين يعيشون ومن إي أصل قدموا بيننا؟؟
الأعراب:
هم من يعيش (بين أظهر العرب) ويتكلمون لغتهم ولا ينسبون لهم
ولا يعرف لهم قبيلة ينسبون لها فيقال أعرابي
أما العرب:
فكانت نساب (ة) تنسب إلي قبائلها عند ذكرهم لهذا الرجل في عرض حديثهم وهم يتحدثون عنه
كقولهم رجل من هوازن أو رجل من قريش أو رجل من قحطان
أريد أن أسأل كل من يقول لي أن الأعراب هم البدو؟؟
وأقول له ما هو مصدر معرفتك عندما قلت (أ) ن الأعراب سكان البادية
لو كان كلامك هذا يقبله العقل والمنطق لما جاء قوله تعالي في الايه التالية من سورة يوسف:
((وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن
قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ
بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم))
يوسف:100
ولم يقل وجاء بكم من الأعراب وأعلم أن القران
((وعلوم تفسيره لا يخلط بين معني بدو وأعراب))
ألبدو بدو وهم سكان الصحاري وأهل الإبل والمواشي، وقد رعى جميع الأنبياء الغنم وأرسل حبيبنا
محمد (ص) إلي بني سعد من هوازن ولا تخفاكم الغايه التي أرسل من (أ) جلها محمد صلي الله عليله وسلم
أودع عند بني سعد من هوازن وهم عرب وليست أعراب، (أ) م حسبت (أ) ن رسول الله قدر له (أ) ن يترعرع
بين الأعراب لقد ذهب به (إ) لي العرب و (أ) ودع عندهم لفصاحة لسانهم
وبني سعد كانوا (أ) هل (إ) بل ومواشي ويسكنون الباديه فلماذا لم يقولوا أودع حبيب الله عند الأعراب
هذا هو (.) الصح والواقع الذي يقول به العرب والقران وعلوم اللغه الفصحي وقواميسها
((ودعني أوضح لك خصالهم وبالقول الشعبي البحت))
لاتجد بهم غيره
مذهبهم وسيع (بالعامي (ة))
لم يتدينوا (إ) لا في العصور الحديث (ة) والمتأخر (ة)
أكثر حروب الرد (ة) وقعت في ديارهم
ويكفيك من حقدهم حديث الرجل الأعرابي الذي بال في المسجد
قالوا أعرابي
ولم يقولوا أعرابي من قريش أو أعرابي من هوازن فقريش
وهوازن عرب وليست أعراب
للعلم والفائدة
الرجا ء أخى كاتب المقال أن تراعى الهمزات والتفريق بينها وأن تراعى التاء والهاء المربوطتين:) والأخطاء المبينة فى الأقواس
قال الله تعالى فى سورة الحجرات (قالت الأعراب ءَامنَّا قل لم تؤمِنوا ولكن قولوا أسلمنا) من المقصود بالأعراب فى الآية؟؟؟!:)
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[03 - 03 - 2010, 08:56 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
العلاقة بين البدو والأعراب علاقة عموم وخصوص، فالبدو أعم، وهم كل من سكن البادية لا الحضر، عربا كانوا أم غير عرب، ففي الصين ومنغوليا بدو وليسوا عربا، فكل قوم اتخذوا الرعي وتتبع الكلأ وسكنى الخيام فهم بدو ولو لم يكونوا عربا.
وقوله تعالى عن يعقوب عليه السلام وبنيه " وجاء بكم من البدو " ولم يقل الأعراب لأنهم لم يكونوا عربا. ولو قال الأعراب ما صدق عليهم الوصف. لأن الأعراب هم بدو العرب لا غير.
والقرآن الكريم لم يذم الأعراب لأنهم أعراب، بل للكفر والنفاق عند بعضهم لا جميعهم، قال تعالى: " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة ... " ومن تبعيضية، فإذا قال في آية أخرى " الأعراب أشد كفرا ونفاقا ..... " علمنا أن أل هنا عهدية لا جنسية لأن الآية الأولى تخصص عموم الثانية، فليس المقصود الجنس بل الأعراب المعنيين أي بعض الأعراب وليس كل الأعراب.
لذا قال تعالى درءا لما قد يفهمه بعضهم من التعميم: " وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "
أما القول بأن الأعراب ليسوا عربا فهو قول غير صحيح، وكذلك القول بأنهم لا ينتسبون إلى قبائل معروفة. فالعرب ينقسمون إلى حاضرة وبادية وكلهم من ولد إسماعيل، ويقال قدم وفد من أعراب مزينة وجهينة وأسلم.
واتهام الأعراب بالحقد والكفر والخيانة تعميما هو أيضا من الظلم والبغي، وبول الأعرابي في المسجد لا يدل على حقده بل على جهله، وتصرفه على بداهته، لذا لم يعنفه الرسول بل تركه يكمل تبوله ونهى الصحابة عن شدتهم عليه،
وكذلك فعل الرسول مع الأعرابي الآخر وينتسب إلى قبيلة سليم، الذي شمت العاطس في الصلاة، هذا الأعرابي هو الصحابي معاوية بن الحكم السلمي.
الخلاصة أن الأعراب هم بدو العرب، وهم عرب، وينتسبون إلى قبائل معروفة ولكنهم عاشوا في البادية متنقلين مع المواسم فهم في الصيف في مكان وفي الشتاء في مكان آخر:
يقول الشاعر:
ونبأتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت ... فما للنوى ترمي بليلى المراميا
وليلى هذه من بني عامر.
ولعل في هذا غنية.
والله الموفق.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[هشام محب العربية]ــــــــ[03 - 03 - 2010, 10:20 م]ـ
فيه غنية وأكثر أستاذنا الفاضل وأخانا الحبيب. بارك الله فيك على التوضيح.
ـ[رراايق]ــــــــ[05 - 03 - 2010, 10:06 ص]ـ
أشكركم جميعا على تفاعلكم على الموضوع
والله الغني ونحن الفقراء ...
ولي وقفة مع الأستاذ عطوان والخلط اللذي لم أفهمه وهل الأعراب بدو العرب يعني عبيدهم أو ماذا ,,,
هل هم عرب أهم لا؟؟
أنا متأكدا أن لم تقرأ موضوع بشكل جيد،،
لانك قلت كلام غريباً ومضمونه (وقوله تعالى عن يعقوب عليه السلام وبنيه " وجاء بكم من البدو " ولم يقل الأعراب لأنهم لم يكونوا عربا. ولو قال الأعراب ما صدق عليهم الوصف. لأن الأعراب هم بدو العرب لا غير)
وأن سوف أرد عليك بالآتي:
هل تعلم يأخي الكريم أصل العرب، أسمع ياأخي
روى الإمام أحمد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم). وقد روي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً مثله جاء فيه: (والمراد بالروم هنا الروم الأول وهم اليونان المنتسبون إلى رومي بن لبطي بن يونان ابن يافث بن نوح) ابن كثير في البداية والنهاية.
فكيف تقول مثل هذا الكلام؟؟ عجبا
وقول وهذا نصه (بأن الأعراب ليسوا عربا فهو قول غير صحيح، وكذلك القول بأنهم لا ينتسبون إلى قبائل معروفة. فالعرب ينقسمون إلى حاضرة وبادية وكلهم من ولد إسماعيل، ويقال قدم وفد من أعراب مزينة وجهينة وأسلم.
)
لماذا لايذكرون قبيلته؟؟ وأنما هو يقولون أعرابي
الاعراب ليس لهم جذور أو أصل
بالفعل أضحكني ماقلت جدا!!! لأول مرةٍ في حياتي أسمع مثل هذا الكلام
: rolleyes:
ياسيدي الكريم أنا لست بعقلية الأطفال لتقول لي مثل هذا الكلام
وأنا أتحداك أن تأتيني بمصدر موثوق فيه قدم وفد من أعراب جهينة
العرب عربُ والاعراب أعرابُ
والسلام
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[05 - 03 - 2010, 05:02 م]ـ
ولي وقفة مع الأستاذ عطوان والخلط اللذي لم أفهمه وهل الأعراب بدو العرب يعني عبيدهم أو ماذا ,,,
أخي رايق، كونك لم تفهم خلطي، فهذا ليس مرده لي، ولكن دعك من خلطي، وارجع إلى ما تثق فيه من كتب ومعاجم لتعرف ... أعرب هم أم لا.
هل هم عرب أهم لا؟؟
أنا متأكدا أن لم تقرأ موضوع بشكل جيد،،
بل قرأته بشكل جيد وفهمته رغم ركاكة عربيتك.
لانك قلت كلام غريباً ومضمونه (وقوله تعالى عن يعقوب عليه السلام وبنيه " وجاء بكم من البدو " ولم يقل الأعراب لأنهم لم يكونوا عربا. ولو قال الأعراب ما صدق عليهم الوصف. لأن الأعراب هم بدو العرب لا غير)
وما وجه الغرابة؟ أتعني أن يعقوب وبنيه عرب؟
هذا هو الغريب إن صدر عمن عنده مسكة من علم، فالمعروف عند أهل العلم أن الأنبياء من العرب أربعة ليس غير: محمد وشعيب وهود وصالح وما عداهم فليسوا عربا، عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
وأن سوف أرد عليك بالآتي:
هل تعلم يأخي الكريم أصل العرب، أسمع ياأخي
روى الإمام أحمد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم). وقد روي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً مثله جاء فيه: (والمراد بالروم هنا الروم الأول وهم اليونان المنتسبون إلى رومي بن لبطي بن يونان ابن يافث بن نوح) ابن كثير في البداية والنهاية.
فكيف تقول مثل هذا الكلام؟؟ عجبا
أولا: هذا الحديث ضعيف
ثانيا: لو سلمنا بصحة متنه ما كان فيه حجة لك. فما يمنع أن يكون سام أبا للعرب وفي الوقت نفسه أبا للعبرانيين والآراميين والسريانيين والبابليين والآشوريين. أتعي ما أقول أم ما زال كلامي عجيبا؟! بل لعلهم ليسوا أبناء آدم لأن آدم أبو العرب؟
وقول وهذا نصه (بأن الأعراب ليسوا عربا فهو قول غير صحيح، وكذلك القول بأنهم لا ينتسبون إلى قبائل معروفة. فالعرب ينقسمون إلى حاضرة وبادية وكلهم من ولد إسماعيل، ويقال قدم وفد من أعراب مزينة وجهينة وأسلم.)
لماذا لايذكرون قبيلته؟؟ وأنما هو يقولون أعرابي
لأن الصحابة والعرب فصحاء ويفهمون الكلام لا كما تفهمه، فإن كان لذكر القبيلة فائدة للسامع ذكروه، وإن كان فيه ما قد تعاب به قبيلة بفعل واحد منهم لم يذكروه، كما اتهمت أنت الأعراب جميعا بالحقد لأن واحدا منهم بال في المسجد جهلا منه وبداهة. وهل كل من ذكر في الأحاديث ذكروا نسبه؟
(يُتْبَعُ)
(/)
الاعراب ليس لهم جذور أو أصل
هذا كلام لا يقال بالرأي، ولا يقوله من لديه أدنى إلمام بعلم.
بالفعل أضحكني ماقلت جدا!!! لأول مرةٍ في حياتي أسمع مثل هذا الكلام
: rolleyes:
وأنا والله أحزنني ما قلتَه جدا، لا لدافع شخصي يعلم الله بل لأن مثل تعالمك وتخرصك بالظن هو مكمن دائنا وسبب بلائنا.
ياسيدي الكريم أنا لست بعقلية الأطفال لتقول لي مثل هذا الكلام
أخي الحبيب أنا كنت أجيب أخانا هشاما محب العربية، أما كلامك فلا أراه يستحق عناء الرد لأنه متهافت ويشهد على نفسه بالبطلان، وأنا لم أقل إنك بعقلية الأطفال، ولكني أظنك لم تتجاوز سن المراهقة بعد، ولا أقصد الغض منك بل ليتني أعود طفلا أو مراهقا.
ولكن تسرعك في الحكم وحدته، وركاكة لغتك، وأسلوب خطابك، وقلة علمك، وتضخيم تعالمك، كل هذا ينبئ عن صغر سنك. أدعو الله أن تنشأ على الصلاح وحب العلم.
وأنا أتحداك (هذا أسلوب صبياني أيضا) أن تأتيني بمصدر موثوق فيه قدم وفد من أعراب جهينة
إذا تخسر التحدي وتكشف خطلك، وإليك غيضا من فيض بعد الاقتباس.
العرب عربُ والاعراب أعرابُ
والعلم علم والتعالم تعالم
والسلام
سأكتفي بنصين ذكر فيهما عبارة (أعراب جهينة) اكتفاء من القلادة بما يحيط العنق وإن كانت النصوص كثيرة في أعراب جهينة وغير جهينة:
1 - النص الأول من تفسير القرآن:
* قوله تعالى: " قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
قال السدي: نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله في سورة الفتح، وهم أعراب جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار، كانوا يقولون: آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم
المصدر: تفسير البغوي، وتفسير مقاتل (ما تيسر لي)
ولعلك ترجع لغيرهما كالطبري وابن كثير والقرطبي ......
2 - النص الآخر من الحديث:
* عن فضالة بن أبي فضالة، قال: خرجت مع أبي إلى ينبع عائدا لعلي رضي الله عنه، وكان مريضا فقال له أبي: ما يقيمك بهذا المنزل لو هلكت لم يلك إلا الأعراب أعراب جهينة، احتمل إلى المدينة فإن أصابك بها أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك. وكان أبو فضالة من أهل بدر، فقال له علي رضي الله عنه: «إني لست بميت من وجعي هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن لا أموت حتى أضرب، ثم تخضب هذه يعني لحيته، من هذه، يعني هامته».
المصادر:
مسند الإمام أحمد،
الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم،
دلائل النبوة للبيهقي،
معرفة الصحابة لأبي نعيم،
الاستيعاب لابن عبد البر،
الرياض النضرة للمحب الطبري،
تاريخ دمشق لابن عساكر،
أسد الغابة لابن الأثير،
البداية والنهاية لابن كثير،
تاريخ الإسلام للذهبي.
فيض القدير للمناوي.
مع باقة عطر ومحبة.
ـ[الترياق]ــــــــ[08 - 03 - 2010, 08:26 م]ـ
استمتعت جداً بهذا الطرح والنقاش
واستفدت من ردود استاذي الفاضل (أبو عبد القيوم)
ـ[أديب طيء]ــــــــ[09 - 03 - 2010, 12:50 ص]ـ
حيث أنني أسندته بالدليل من القران،
وهو المرجع الذي لا يدخله الشك أو الريبة
أخي الكريم: هل أنت من أهل التفسير حتى توضح لنا معنى: البدو, ومعنى الأعراب في القرآن؟!! إن كنت كذلك فاذكر لنا أقوال المفسرين وماذا تُرجَّح أنت.
الأخ الكريم هناك دليل واحد ودامغ يؤكد أن الأعراب هم أصل العرب, وليس فقط أنهم من العرب,
وهو مارواه البخاري في صحيحه (5/ 21) من حديث عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه, قبل أن يُصاب بأيام بالمدينة .............. -إلى أن قال أي (عمر بن الخطاب): وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الإِسْلاَمِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلاَ يُكَلَّفُوا إِلاَّ طَاقَتَهُمْ .......... الحديث)).
فهل بعد هذا الدليل شكٌ في أنَّ الأعراب ليسوا من العرب؟!! لك الحكم.
ـ[هشام محب العربية]ــــــــ[09 - 03 - 2010, 06:58 م]ـ
لم أر تتابع المداخلات بعد الرد الأول لأستاذنا عطوان، يعجبني أن الموضوع استمر حتى نتعلم أكثر منه ومن الأستاذ أديب طيء.
بارك الله في هذا المنتدى، فإنه كالأترجة:)(/)
اكملت بحث التخرج"اللمسات البيانية"فهل من مراجع له؟
ـ[ابو يعقوب العراقي]ــــــــ[03 - 03 - 2010, 08:15 م]ـ
السلام عليكم
الى دكاترة واساتذة البلاغة والنحو:
اكملت بحث التخرج "اللمسات البيانية" في النص القراني
في جزئية بسيطه فهل من مراجع له ومدقق لغوي؟
نتفق على طريقة اعطاء البحث.
وبارك الله فيكم
ـ[ابو يعقوب العراقي]ــــــــ[06 - 03 - 2010, 01:17 ص]ـ
الى المشرف لو تكرمت تحذف المشاركة.(/)
من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 03 - 2010, 02:23 م]ـ
من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَان) َ:
فهم الأنصار رضي الله عنهم، فقد اتخذوا دار الهجرة، فـ: "أل" في الدار عهدية تشير إلى معهود ذهني بعينه هو المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وتبوءوا الإيمان، فذلك من عظم تمكن الإيمان من قلوبهم حتى اتخذها موطنا، فيكون جاريا مجرى الاستعارة التصريحية التبعية إذ شبه رسوخ الإيمان في القلب باتخاذه مباءة، فالرسوخ المعنوي من جنس الرسوخ الحسي، ففي كلاهما من التمكن من الموضع الذي يحل فيه المبنى المحسوس أو المعنى المعقول ما فيه، وذلك، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، جار مجرى استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه في سياق واحد، كما في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)، فالسجود في حق بني آدم: حقيقة شرعية في الركن المعروف، وحقيقة لغوية في الخضوع والتطامن، فاستعمل في حقيقته اللغوية في موضع، واستعمل في حقيقته الشرعية في موضع تال في نفس السياق، فالكائنات لا تسجد السجود المعهود بداهة لعدم التكليف، فهو مما اختص به بنو آدم، فعدل عن الحقيقة الشرعية إلى الحقيقة اللغوية مع تبادر الأولى إلى الذهن في النصوص الشرعية، فالأصل فيها حمل الألفاظ على حقائقها الشرعية فلا يعدل عنها إلا لقرينة فذلك وجه المجاز فيها، وإن عدل عنها إلى حقيقة لغوية، فإن العدول عن معنى متبادر إلى الذهن أيا كان: حقيقة شرعية أو عرفية أو اصطلاحية أو لغوية ........ إلخ، مما يتبادر إلى الذهن من ظواهر الألفاظ، ذلك العدول عن ظاهر اللفظ الراجح إلى معنى غير متبادر فهو طرف مرجوح في مقابل الظاهر الراجح، لا يكون إلا بقرينة صارفة، وهذا حد التأويل عند الأصوليين، وهو نفسه حد المجاز عند البلاغيين، فالعدول عن حقيقة مشتهرة إلى حقيقة مهجورة، أو نادرة الاستعمال، لقرينة صارفة، مجاز عند من يقول بالمجاز، فليس شرطا أن يكون العدول من حقيقة إلى مجاز لقرينة، بل العدول من حقيقة إلى أخرى نوع مجاز، إذ معياره، كما تقدم، صرف المتبادر إلى الذهن، أيا كان نوعه، إلى غير المتبادر لقرينة.
فكذلك الحال في هذه الآية فإن التبوؤُ: حقيقة في المحسوسات، مجاز في المعقولات، فاستعمل في سياق واحد في معنييه الحقيقي والمجازي، وذلك، كما تقدم، شاهد لمن جوز دلالة اللفظ ذي الحقيقة والمجاز، على كلا المعنيين في سياق واحد، فيكون حقيقة في موضع مجازا في موضع تال أو سابق في نفس السياق، وأما من أنكر المجاز فإنه يجيب عن ذلك بأن القرينة قد استفيدت من نفس السياق، فالسجود معنى كلي يدل على الذل والخضوع، فهو مشترك معنوي، وهو من هذا الوجه مطلق الدلالة، فتخص دلالته بورود التقييد بالإضافة، وذلك من جملة السياق، فالقرينة لفظية سياقية لا عقلية خارجة عن السياق، فهو من قبيل الظاهر المركب، أو الظاهر الذي احتفت به قرينة رجحت أحد معنييه، ولو غير الراجح، فصيرته نصا جازما فيه، فصار حقيقة في ذلك المعنى فلا مجاز إذن، فإن تقييد السجود ببني آدم صارف له إلى السجود الاصطلاحي فصار حقيقة في السجود الشرعي فلا مجاز فيه، وتقييده ببقية الكائنات صارف له إلى السجود اللغوي فصار حقيقة في الذل والخفض والتطامن والخضوع ........ إلخ من معاني الانقياد، وهو المراد هنا، فالكائنات كلها بهذا المعنى ذليلة منقادة لأمر الرب، جل وعلا، الكوني النافذ، والعرب قد عرفت ذلك في لسانها فأطلقت السجود على غير العاقل على أحد تلك المعاني، كما حكى صاحب "اللسان"، رحمه الله، قولهم: "وقلنَ له أَسجِدْ لِلَيْلى فأَسجَدَا يعني بعيرها أَنه طأْطأَ رأْسه لتركبه"، فأطلقوا السجود على البعير، ولم يريدوا بداهة السجود الشرعي فلم تكن ثم شريعة، والبعير غير مكلف بعد ورود الشرع!، فصار اللفظ بقرينة التقييد بالكائنات غير العاقلة: حقيقة في السجود اللغوي الذي يعني الخضوع والذل والخفض ....... إلخ، كما سبقت الإشارة إلى
(يُتْبَعُ)
(/)
ذلك، فلا مجاز إذن على هذا التأويل، وكذلك الحال في التبوؤ فإنه بتقييده بالدار صار حقيقة في التبوؤ الحسي، وبتقييده بالإيمان صار حقيقة في التبوؤ المعنوي، فالقرينة المقيدة قد صرفت اللفظ الواحد في سياق واحد إلى معنيين مختلفين فصار في كليهما حقيقة فهو نص لا يحتمل في التبوؤ المحسوس لدار الهجرة، وهو مئنة من الرسوخ وشدة التمكن من المكث في المكان، فيثرب محلة الأنصار من قديم الزمان، وهو، أيضا، نص لا يحتمل في التبوؤ المعنوي للإيمان في القلب، فصار القلب كالمحلة التي يمكث فيها صاحبها، فمعنى الرسوخ فيه أيضا، كائن، فكأن الرسوخ والثبات معنى كلي انقسمت مادته إلى حسي ومعنوي، فالأبدان راسخة في المحلة، والإيمان راسخ في القلب، وذلك ما قد يحمل أيضا على التضمين، إذ ضمن معنى التبوؤ، وهو ظاهر في الحس دون المعنى، معنى اللزوم أو الرسوخ، وهو ظاهر في الحس والمعنى معا، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، في قول حكاه في تخريج هذا الموضع من التنزيل، وخرجه بعض أهل العلم على تقدير عامل للمعطوف وهو الإيمان لعدم صلاحية العامل وهو فعل التبوؤ للتسلط عليه فهو يتسلط على المحسوسات دون المعقولات، كما تقدم، فيكون تقدير الكلام من قبيل: والذين وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَأخلصوا الْإِيمَانَ، وذلك جار على وزان تخريج بعض النحاة للبيت الشهير:
علفتها تبنا وماء باردا ******* حتى غدت همالة عيناها
فتقديره عند الفارسي والفراء وجماعة، رحم الله الجميع، كما أشار إلى ذلك صاحب "منتهى الأرب" رحمه الله: علفتها تبنا وسقيتها ماء باردا، لعدم صلاحية فعل "علف" للتسلط على الماء، فهو لا يتسلط إلا على المطعومات.
وذلك، أيضا جار على وزان قول من قال في قوله تعالى: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ)، بتقدير عامل للشركاء فانتفت المعية إذ الإجماع لا يكون إلا على المعقولات، بخلاف المحسوسات كالشركاء، فيؤول الكلام إلى: فأجمعوا أمركم واجمعوا شركاءَكم، فقدر عامل للمعطوف، وامتنع عطفه على المعية، لعدم صلاحية العامل للتسلط عليه، كما عزا ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، إلى صاحب "مغني اللبيب"، رحمه الله، ونص كلامه:
"فأما قوله تعالى: (فأجمِعوا أمرَكمْ وشركاءكمْ) في قراءة السبعة (فأجمعوا) بقطع الهمزة و: (شركاءكم) بالنصب، فتحتمل الواو فيه ذلك، وأن تكون عاطفة مفرداً على مفرد بتقدير مضاف أي وأمر شركائكم، أو جملة على جملة بتقدير فعلٍ أي واجمعوا شركاءكم بوصل الهمزة، وموجبٍ التقدير في الوجهين أن أجمعَ لا يتعلق بالذوات، بل بالمعاني، كقولك: أجمَعوا على قول كذا، بخلاف جمعَ فإنه مشترك، بدليل: (فجمع كيدَه)، فذلك جمع المعاني المعقولة، (الذي جمعَ مالاً وعدَّدهُ)، فذلك جمع المباني المحسوسة، ويقرأ (فاجمَعوا) بالوصل فلا إشكال، ويقرأ برفع الشركاء عطفاً على الواو للفصل بالمفعول". اهـ
وقد أشار إلى طرف من ذلك، أيضا، في "شرح شذور الذهب" في باب: "المفعول معه".
فإما أن يقدر عامل للمعطوف، فيؤول السياق إلى: فأجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم، وإما أن يضمن العامل معنى يصح تسلطه على كلا المتعاطفين، فيضمن: "أجمع" معنى "جمع"، فيكون ذلك من الاستعارة عند البلاغيين بنقل معنى لفظ إلى آخر تصريحا فهو من قبيل الاستعارة التصريحية التبعية في الفعل، ومنكر المجاز يجيب عن ذلك، أيضا، بأن قرينة السياق قد دلت على المراد فورود القيد على الأمر قد رجح معنى اجتماع الأقوال، ووروده على الشركاء قد رجح معنى اجتماع الأبدان، فظهر المراد ابتداء بقرينة السياق اللفظية دون حاجة إلى قرينة عقلية خارجية ليتعين القول بوقوع المجاز.
وأما من قرأ بالرفع فلا إشكال عنده إذ الفصل بالمفعول بين فاعلين اشتركا في فعل الإجماع، فتقدير الكلام: فأجمعوا وشركاؤكم أمركم، فالفعل قد وقع من فاعلين يصح تعلقه بهما، وتسلط على معمول واحد يصح تسلطه عليه.
والتخريج الأخير لهذه المواضع يكون، كما تقدم، بتضمين العامل معنى يصح تسلطه على المتعاطفين معا على تقدير:
والذين لزموا الدار والإيمان.
واجمعوا أمركم وشركاءكم.
وأنلتها تبنا وماء فيضمن الفعل "علف" معنى الفعل: "أنال" الذي يصح تسلطه على المطعوم والمشروب معا، وذلك اختيار جماعة من النحاة كالجرمي والمزني والمبرد وأبي عبيدة والأصمعي واليزيدي رحم الله الجميع.
والقرينة، كما تقدم، قد رجحت معان على أخر، باختلاف التقييد تبعا لاختلاف المحل الذي ورد عليه، فوروده على المعنى المحسوس يرجح معنى لا يدل عليه وروده على المعنى المعقول.
وعند التأمل يظهر أن الخلاف بين مثبت المجاز ومنكره في هذا الموضع: خلاف هين من جهة اعتماد كليهما على القرينة السياقية، فلم يلجأ مثبت المجاز إلى قرينة عقلية خارجية، بل السياق نفسه قرينة على مجازه، ومنكر المجاز يقول: القرينة اللفظية جزء من حقيقة اللفظ فإن اللفظ لا يفسر بمعزل عن سياقه، وإنما يفسر ضمنه، فذلك جار مجرى الظاهر المركب الذي احتفت به قرائن جعلته نصا في معنى بعينه فصار حقيقة فيه دون حاجة إلى تكلف القول بوقوع المجاز، فاعتماد كليهما على القرينة السياقية وإنما اختلفت أنظارهم إليها، فالخلاف في مثل هذا الموضع يكاد يكون لفظيا، بخلاف ما وقع في باب الصفات الإلهية فإن من أولها لم يلجأ إلى قرينة سياقية، وإنما لجأ إلى قرينة عقلية في باب غيبي محض لا عمل للعقل فيه إلا التسليم بالنقل إثباتا لمعناه وتفويضا لحقيقته.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 03 - 2010, 07:59 ص]ـ
ومع بقية الآية:
ومن قوله تعالى: (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
فالمضارعة مئنة الاستمرار، فضلا عن استحضار تلك الصورة النادرة من صور الإيمان الذي بلغ حد الإيثار، ثم أطنب في بيان وصفهم، فأثبت صفة المدح من حب المؤمنين من المهاجرين، فحبهم: دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ، كما نص على ذلك الطحاوي، رحمه الله، فحب المؤمن مئنة من كمال الإيمان وسمو الهمة إلى الاقتداء بدينه وخلقه، على وزان:
أحب الصالحين ولست منهم ******* لعلي أن أنال بهم شفاعة
والحب والبغض من أقوى وشائج الإيمان، وهو أمر يتبعض بتبعض أفعال العباد، فيحب الإنسان من وجه طاعة، ويبغض من وجه معصية، فيجتمع في الشخص الواحد موجب الحب والبغض، بل ويجتمع فيه الإيمان والكفر، وإن امتنع اجتماع أصليهما في محل واحد، فيجتمع أصل الإيمان المنجي من الخلود في العذاب وهو مظنة الحب والولاء، وشعب الكفران التي لا تخرج صاحبها عن حد الإيمان، وإن أخرجته عن حد كماله الواجب والمستحب من باب أولى، فهو مؤمن باعتبار أصل الإيمان في قلبه، فعنده من عقد القلب وعمله ما يدخله في دائرة الإيمان، ولا ينفك ذلك عن قول اللسان، وعمل الجارحة، وإن وقع فيه التقصير بمقتضى ما يطرأ على الإيمان من ضعف بمباشرة المعاصي أو الفتور عن الذكر ...... إلخ، فالتلازم بين الباطن العلمي والظاهر العملي تلازم وثيق، فالعمل داخل في ماهية الإيمان دخول الجزء في كله، فهو شرط كماله الواجب المنجي من الخلود في العذاب، بل منه، على خلاف بين أهل العلم، ما هو شرط في صحة الإيمان، فترك الصلاة بالكلية ولو بلا جحود، كفر مخرج من الملة، عند الحنابلة، رحمهم الله، والخلاف مبسوط في كتب العقائد والأحكام، فهو باعتبار جنسه ركن من أركان الإيمان، لا باعتبار آحاده، فيتصور تخلف بعض الأعمال مع بقاء أصل الإيمان، ولا يتصور إيمان بلا عمل، فيترك صاحبه جنس العمل بالكلية وهو مع ذلك مؤمن!، وإن كانت تلك صورة افتراضية لا وجود لها تقريبا في عالم الشهادة، فالإيمان، وإن ضعف، بل وإن بلغ غاية الضعف فلا ينفك عن حركة إرادية للخير تنتج أثرا، ولو ضئيلا في عالم الشهادة، فإنه لا يتصور صلاح في الباطن، ولو جزئيا، مع صحة الآلات الظاهرة، مع تخلف أثر ذلك الباطن على الظاهر، فيكون صاحبه صحيح التصور، مريدا للخير، صحيح الآلة، ومع ذلك لا ينطق أو يعمل بالخير!، فذلك الفصل بين الباطن والظاهر لا يتصور إلا في الذهن، على طريقة التجريد العقلي التي لا وجود لها في عالم الشهادة فتلازم الباطن والظاهر من جنس تلازم الذات والأوصاف القائمة بها، فالفصل بينهما لا يكون إلا في الذهن الذي يجرد ذاتا مطلقة، وصفات قائمة بنفسها، وذلك ممتنع بداهة في الخارج، فلا وجود فيه إلا للذات المتصفة بمعان قائمة بها، يحصل بها: التمايز بين الأعيان الموصوفة فلا تتداخل ذاتان، وإن بلغ التشابه بين وصفيهما ما بلغ، إذ لا بد من قدر فارق تمتاز به كل ذات عن الأخرى.
وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
فذلك من الإطناب في بيان وصفهم، فنفى عنهم وصف المذمة من البخل الذي يجد صاحبه في نفسه افتقارا إلى ما بيد غيره، فهو والشح قرينان، ونفي وجدان الحاجة في الصدور أبلغ من نفي الحاجة، فلم يجدوا أثرها فضلا عن وجدانها، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك جار على طريقة:
لا تفزع الأرنب أهوالها ******* ولا ترى الضب بها ينجحر.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهو ما اصطلح على تسميته في علم الجدل بـ: "السالبة لا تقتضي وجود الموضوع". فنفي الشيء لا يقتضي ثبوته فقد ينفى وإن لم يثبت مبالغة في النفي، كما ذكر ذلك صاحب "الأضواء" رحمه الله، في نحو قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)، فتأويلها على وجه من الوجه: "أي لا عمد لها حتى تروها"، فنفى العمد المرئية وأراد نفي العمد مطلقا، فلا يلزم من نفيها وجودها ابتداء وإنما خرج الكلام مخرج المبالغة كما تقدم.
والمضارعة مئنة مما تقدم من استمرار الوصف واستحضار تلك الصورة التي سجلها التاريخ الإنساني فضلا عن تاريخ الرسالات لصحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الأنصار، فلا يجدون أي حاجة، لدلالة العموم بورود النكرة في سياق النفي، وتسلط النفي على المصدر الكامن في فعل الوجدان المعنوي، الذي ناسب كونه معنى تعلقه بالصدر الذي تجتمع فيه معاني الحب والبغض، فهو مستودع المشاعر الإنسانية، والضمير في "أوتوا" عائد على المهاجرين، على ما ارتضاه صاحب: "التحرير والتنوير"، فيكون ذلك من باب عود الضمير على: "من" باعتبار معناها الذي يحتمل الجمع، بعد عود الضمير من: "هاجر" على لفظها، فلو أعاد على المعنى لقال: "هاجروا"، وذلك على وزان قوله تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، فأعاده على اللفظ في نحو: "أسلم"، و: "وجهه"، و: "وهو محسن"، و: "فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ" وأعاده على المعنى في نحو: "وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، وذلك من التنويع اللفظي الذي يدل على سعة لسان العرب الذي جاء به التنزيل.
ودلالة: "من" في: " مِمَّا ": تعليلية لا تخلو من معنى الابتداء، الذي لا تنفك عنه أبدا وإن احتملت غيره معه كما أشار إلى ذلك صاحب "مغني اللبيب" رحمه الله، فلا يجدون في أنفسهم حاجة ناشئة بسبب ما أوتيه إخوانهم من المهاجرين من الفيء، فذلك على وزان قوله تعالى: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا)، فنشأ العذاب بسبب ما اقترفوه من الخطايا. فيكون الحرف قد دل على أكثر من معنى في آن واحد، على نحو لا يقع به التعارض، وذلك أبلغ من جهة إثراء المبنى الواحد بورود أكثر من معنى عليه على نحو تتعاضد فيه المعاني ولا تتعارض.
وإطنابا في وصف المدح: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ: فالإيثار مئنة من الحب، ومئنة من عدم الشح والبخل، بل هو لازمه فنفي الشح يستلزم إثبات الإيثار، وإثبات الإيثار يستلزم نفي الشح، على طريقة المحققين من أهل الأصول فالأمر بالشيء أو إثباته يستلزم النهي عن ضده أو نفيه، فيكون ذلك من عطف المتلازمات، فعطف الإثبات على ملزومه من النفي من باب الإطناب، كما تقدم، في وصف الثناء، بل هو أبلغ، إذ الإثبات في باب الثناء أبلغ من النفي، فالأول مراد لذاته، بخلاف الثاني فهو مراد لغيره، فلا يتحقق معنى الثناء في النفي إلا بإثبات ضده، وهذا أصل في عرف اللسان العربي، فالمدح إنما يكون بالصفات الثبويتة لا بالصفات السلبية فالإطناب في نفي النقص مئنة من النقص!، فلا يكون جاريا مجرى الثناء إلا بإجماله، وإثبات ضده، كما في هذا السياق، فلم ينف عنهم وصف الشح الذي يقتضيه وجدان الحاجة في الصدر مما يؤتاه الغير من نعمة، بل أتبع ذلك بإثبات وصف الإيثار، فهو الأليق بسياق المدح، فيؤثرون المهاجرين على أنفسهم فذلك جار مجرى إيجاز الحذف لدلالة السياق عليه اقتضاء، فالمؤثر لا يتم فعله إلا بمؤثَر، فالفعل: "آثر": على وزان: "فاعَل"، فهو من المزيد الذي أفادت صيغته بزيادة ألف المفاعلة: التشارك فضلا عن دلالته على المغالبة فالفعل منهم أظهر، ففي نحو قولك: آثر زيد عمرا على نفسه، يظهر معنى المغالبة من كون زيد الفاعل الذي قام بالفعل، وعمرو المفعول الذي وقع عليه، فالفاعل أوثق صلة بالفعل من المفعول، ولذلك كان عمدة في الكلام، فحذفه خلاف الأصل، فضلا عن كونه هو والفعل كالكلمة الواحدة، بخلاف المفعول الأجنبي عن الفعل إذا ما قورن بالفاعل، فلا يخلو من نوع تعلق بالفعل، ولكنه لا يرقى إلى تعلق الفاعل بالفعل، فالفعل المتعدي لا بد له من مفعول يقع عليه، فذلك من دلالة اللزوم العقلي، ومع ذلك قد يستغنى عن ذكره عقيب فاعل الفعل المتعدي كـ: أكل زيد فالمعنى يتم بدونه، فضلا عن عدم وروده بعد الفعل اللازم إلا بواسطة كحرف الجر في نحو قولك: خرج زيد من الباب، بخلاف الفاعل، فحذفه، كما تقدم، خلاف الأصل، فحذف المفعول، كما اطرد في كلام البلاغيين، له أغراض متعددة، فيكثر حذفه استيفاء لتلك الأغراض، ولا يجب ذكره إلا إذا كان محط الفائدة كأن يكون السؤال عنه، بخلاف الفاعل فإنه، كما تقدم، عمدة.
واحترز بقوله: وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ: إمعانا في المبالغة في وصف الإيثار، على ما اطرد من دلالة الحروف الوصلية كـ: "إن"، و: "لو"، فالإيثار في أزمنة السعة يقع من كثير من أهل الكرم، بخلاف الإيثار في أزمنة الشدة، فلا يقع إلا من آحاد الكرماء.
ثم جاء الشرط تذييلا مؤكدا بمعناه لما تقدم، فهو خبر بلفظه إنشاء بمعناه إذ فيه الحض على لزوم الكرم واجتناب البخل والشح، فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: على حد القصر الإضافي بتعريف الجزأين فضلا عن دلالة ضمير الفصل على الحصر والتوكيد، فهم، على سبيل المبالغة، لا غيرهم: المفلحون.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أنوار]ــــــــ[13 - 03 - 2010, 11:57 م]ـ
بارك الله بكم أستاذنا الكريم وبعلمكم(/)
عودة الضمير بين النفس الشافعة والنفس المشفوع لها
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[09 - 03 - 2010, 11:53 ص]ـ
عودة الضمير بين النفس الشافعة والنفس المشفوع لها
قال تعالى "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون" (البقرة 48)
الضمير في (منها) يعود على النفس الأولى، وهي النفس الشافعة، التي تحاول أن تشفع أولا للنفس المعذبة، فإن لم تنفع الشفاعة بذلت العدل أو الفدية، فالشفاعة قبل الفدية، لأن الأمر لا يهمها كثيرا، فهي تفضل الشفاعة على العدل.
ولكن قال تعالى"واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون" (البقرة123)
والضمير في (منها) يعود على النفس الثانية، المعذبة، التي تحاول أن تدفع الفدية أولا من أجل الخلاص من العذاب، ودفع الفدية قبل شفاعة الآخرين، لأن الأمر يعنيها كثيرا.
وهكذا ترتبت المعاني بحسب قوة العلاقة المعنوية.
والله تعالى أعلم.(/)
أحتاج كتب
ـ[30131]ــــــــ[11 - 03 - 2010, 07:51 م]ـ
:::السلام عليكم ارجوا منكم مساعدتي بعناوين كتب عن بديع ابن المعتز لانه موضوع تخرجي(/)
التأليف الجزئي من اطلق هذا المصطلح في علم البلاغة؟
ـ[ابو يعقوب العراقي]ــــــــ[11 - 03 - 2010, 08:25 م]ـ
السلام عليكم
التأليف الجزئي من اطلق هذا المصطلح في علم البلاغة؟(/)
ما نوع التشبيه في البيت الشعري وما سر جماله؟
ـ[سيدرا]ــــــــ[11 - 03 - 2010, 09:40 م]ـ
السلام عليكم
قال الشاعر: أطول نخلة لمحتها واحات المغرب
هنا استعارة تصريحية حيث شبه الشاعر جميلة بو حيرد بالنخلة في عطائها وحذف المشبه على سبيل الاستعارة التصريحية
ولكن ما سر جمالها التشخيص أم التجسيم وكيف أعرف ذلك؟
بارك الله فيكم
ـ[المهتم]ــــــــ[11 - 03 - 2010, 09:52 م]ـ
سلام عليك:
نعم، كما قلت هي استعارة تصريحية، حذف المشبه (المرأة التي ذكرت)
وصرّح بالمشبه به وهو النخلة ...
لكنني لا أجد فيه جمال التشبيه، ولا طرافة وجه الشبه
وطرفي التشبيه كلاهما حسي مجسم
لم أجد في هذا التشبيه ما وجدت، لقد خفي عليّ ذلك؟!!
والله أعلم
السلام عليكم
قال الشاعر: أطول نخلة لمحتها واحات المغرب
هنا استعارة تصريحية حيث شبه الشاعر جميلة بو حيرد بالنخلة في عطائها وحذف المشبه على سبيل الاستعارة التصريحية
ولكن ما سر جمالها التشخيص أم التجسيم وكيف أعرف ذلك؟
بارك الله فيكم
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[11 - 03 - 2010, 10:11 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أختي الحبيبة والغالية: سيدرا
أهلا وسهلا بكِ، لقد أنار الفصيح اليوم بإشراقك الجميل عليه، وعودا حميدا.
فائدة يسيرة:
معنى التشخيص
التشخيص هو إكساب الجماد وما في حكمه من نباتات أو أشجار أو مياه بعض صفات الأشخاص. ومن ذلك قول الشاعر: فنسيم المياه يسرق عطراً، فهو هنا يشخص النسيم في صورة لصّ ظريف يسرق العطر من الطبيعة.
معنى التجسيم
التجسيم هو نقل ماهو معنوي إلى صورة المحسوس، أو تحويل المعنويات من مجالها التجريدي إلى مجال آخر حسّي، ثمّ بثّ الحياة فيها، وجعلها كائنات حيّة تنبض وتتحرّك، كأن نقول: وشحبت الفضيلة وازدادت اصفراراً، فالفضيلة شيء معنوي، أحلناه إلى شيء ملموس (إنسان مريض).
منقول.
ودمتِ موفقة ومسددة
ـ[السراج]ــــــــ[12 - 03 - 2010, 07:21 ص]ـ
هو كما قال أخونا المهتم، فكلاهما مجسّم ..
ولكن في ظنّي أن الشاعر أراد (الشموخ) أن يكون وجه شبهٍ بينهما ..(/)
أرجوكم ساعدوني
ـ[فايزه111]ــــــــ[12 - 03 - 2010, 02:47 م]ـ
ماهي الاستعارة المطلقة والموجودة عند الجرجاني؟
أيضا ماذا يقصد بالاستعارات التي نحيا بها ولو شرح مبسط؟
ـ[المهتم]ــــــــ[12 - 03 - 2010, 03:08 م]ـ
سلام عليك:
الإستعارة المطلقة: عموما هي: ما خلت من ملائمات المشبه به أو المشبه
وعادة ما تذكر مع صاحبتيها:
الإستعارة المرشحة: وهي ما ذكر معها ما يلائم المشبه به
والإستعارة المجردة: وهي ما ذكر معها ملائم المشبه
أما الإستعارات التي نحيا بها فلم أعرف المقصود من ذلك؟!!
والله أعلم
ماهي الاستعارة المطلقة والموجودة عند الجرجاني؟
أيضا ماذا يقصد بالاستعارات التي نحيا بها ولو شرحا مبسطا؟(/)
الاستعارة
ـ[نواف333]ــــــــ[14 - 03 - 2010, 07:54 م]ـ
رب أخ لك لم تلده أمك اشرح هذه الاستعارة
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[15 - 03 - 2010, 01:10 ص]ـ
شبه الصديق أو الحبيب بالأخ على سبيل الاستعارة!
ـ[المهتم]ــــــــ[15 - 03 - 2010, 01:16 ص]ـ
سلام عليك:
ما في هذا الكلام استعارة، فلا بد في الإستعارة من المجاز
وما هنا مجاز، فالكلمات كلها مستعملة استعمالا حقيقيا!!
والله أعلم
رب أخ لك لم تلده أمك اشرح هذه الاستعارة
ـ[30131]ــــــــ[19 - 03 - 2010, 11:58 ص]ـ
السلام عليكم انا ايضا اعتقد ان هذا القول لاتوجد فيه استعارة رب أخ لك لم تلده أمك
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[23 - 03 - 2010, 03:23 ص]ـ
قد تكون من باب الاستعارة التي نحيا بها!!(/)
الاستعارة
ـ[نواف333]ــــــــ[14 - 03 - 2010, 07:56 م]ـ
خشفاء وسوء كيلة اشرح هذه الاستعارة
ـ[المهتم]ــــــــ[14 - 03 - 2010, 08:16 م]ـ
سلام عليك:
الذي أعرف المثل العربي الشهير: «أحشفا وسوء كيلة»
والحشف: بالحاء لا الخاء: أردأ التمر
يضرب لاجتماع خصلتين ذميمتين
وليس في هذا الكلام استعارة، فلا بد في الإستعارة من المجاز
وما في هذا مجاز ...
والله أعلم
خشفاء وسوء كيلة اشرح هذه الاستعارة
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[15 - 03 - 2010, 01:08 ص]ـ
تصحيح المثل على ما ذكره أخي (المهتم): أحشفاً وسوء كيلة!
أظن الاستعارة فيه داخل تحت نطاق الاستعارة التي نحيا بها ..
إذ استعار المثل ليبرز الخلة!!
والله تعالى أعلم ..
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[18 - 03 - 2010, 09:13 م]ـ
خشفاء وسوء كيلة اشرح هذه الاستعارة
أحشفا وسوء كيلا
فى هذا المثل وكل الأمثلة استعارة تمثيلية
وهذا المثل يضرب به لمن يظلم من وجهين
فعندما تكون السلعة غالية وفى نفس الوقت مشينة فيضرب هذا المثل
وكان يستعمل هذا المثل قديما عندما التمر مشين والكيلة صغيرة فيقول المشترى للبائع أحشفا وسوء كيلا:)(/)
سألتكم بالله تردون غداً اختباري في قياس المعلمين
ـ[فيصل المدينة]ــــــــ[15 - 03 - 2010, 11:20 م]ـ
السلام عليكم
يا اخوان الله يرحم والدينكم
تردون علي بهالسؤال
وهذا اول سؤال لي في منتداكم الرائع
السؤال هو
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ..... ألى اخر البيت
السؤال
الاستفاهم في قوله أيقلتني ما الغرض؟
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[15 - 03 - 2010, 11:26 م]ـ
السلام عليكم
يا اخوان الله يرحم والدينكم
تردون علي بهالسؤال
وهذا اول سؤال لي في منتداكم الرائع
السؤال هو
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ..... ألى اخر البيت
السؤال
الاستفاهم في قوله أيقلتني ما الغرض؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
الغرض منه / الإنكار
والله أعلم بالصواب
ـ[فيصل المدينة]ــــــــ[15 - 03 - 2010, 11:49 م]ـ
الله يجزاكي خير اختي ويفتح لك ابواب رحمته
هل فيه رأي غير هذا؟
وإلا كذا صحيح
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[15 - 03 - 2010, 11:59 م]ـ
الله يجزاكي خير اختي ويفتح لك ابواب رحمته
هل فيه رأي غير هذا؟
وإلا كذا صحيح
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
جزاك الله خيرا على الدعاء
لا أعلم إذا كان هناك غرضا آخر من البيت / ولكن الذي أعرفه أن من الأغراض البلاغية للاستفهام منها: الإنكار.
ولكن لكم انتظار أهل العلم، فسوف يفيدونكم بإذن الله.
ـ[أنوار]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 12:17 ص]ـ
وقد يكون استفهام تعجبي
وكلاهما يحتمل المعنى التعجب والإنكار
والله أعلم
ـ[شقراوي]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 12:20 ص]ـ
الاستفهام للإنكار
والله أعلم
ـ[رَذاذ]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 12:27 ص]ـ
فإن أردت الحال كان المعنى شبيهاً بما مضى في الماضي فإذا قلت: أتفعل كان المعنى على أنك أردت أن تقرره بفعل هو يفعله وكنت كمن يوهم أنه يعلم بالحقيقة أن الفعل كائن.
وإذا قلت: أ أنت تفعل كان المعنى على أنك تريد أن تقرره بأنه الفاعل.
وكان أمر الفعل في وجوده ظاهراً وبحيث لا يحتاج إلى الإقرار بأنه كائن.
وإن أردت ب تفعل المستقبل كان المعنى: إذا بدأت بالفعل على أنك تعمد بالإنكار إلى الفعل نفسه وتزعم أنه لا يكون أو أنه لا ينبغي أن يكون.
فمثال الأول من الطويل: ايقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال فهذا تكذيب منه لإنسان تهدده بالقتل وإنكار أن يقدر على ذلك ويستطيعه.
هذا ماوجدت , وفقّك الله ونفع بك.
ـ[فيصل المدينة]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 01:34 ص]ـ
غريبة
رغم اللي جاء في الاختبار فقط هذه الخيارات
الوعيد ... التهديد .... التعجب ... التمني ... أو التهكم؟
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 05:17 ص]ـ
غريبة
رغم أن الذي جاء في الاختبار فقط هذه الخيارات
الوعيد ... التهديد .... التعجب ... التمني ... أو التهكم؟
فعلا غريب!
غريب أن يُصاغ سؤال بلاغي بهذه الطريقة!
ويحصر الغرض في واحد من هذه الأربعة!
أيقتُلُني والمشرفيُّ مُضاجعي ... ومسنونةٌ زُرقٌ كأنيابِ أغوالِ؟!
الذي يظهر أنه استفهام (إنكاري)، غرضه الإنكار،
هذا هو الغرض الأساسي، أي يستحيل، ولا يكون! وفيه أيضا معنى "التهكم":
يقول:
أيزعم أنه سيقتلني وهذا السيف (المشرفي) بجانبي؟! وهذه الحربة التي أسنانها كأسنان الأغوال؟! لن يستطيع!
ـ[السراج]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 10:17 ص]ـ
كما قالت الأخت الفاضلة (العقد الفريد) ..
في مثل هذه الأسئلة من الصعب حصر (الذوق) ..
ثم كان من الأفضل الجمع بين الأقرب (الإنكار) و (التعجب)
رغم أني أرى (التعجب) هو الأقرب والأجمل والأقوى ...
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[26 - 03 - 2010, 07:02 م]ـ
فعلا غريب!
غريب أن يُصاغ سؤال بلاغي بهذه الطريقة!
ويحصر الغرض في واحد من هذه الأربعة!
أيقتُلُني والمشرفيُّ مُضاجعي ... ومسنونةٌ زُرقٌ كأنيابِ أغوالِ؟!
الذي يظهر أنه استفهام (إنكاري)، غرضه الإنكار،
هذا هو الغرض الأساسي، أي يستحيل، ولا يكون! وفيه أيضا معنى "التهكم":
يقول:
أيزعم أنه سيقتلني وهذا السيف (المشرفي) بجانبي؟! وهذه الحربة التي أسنانها كأسنان الأغوال؟! لن يستطيع!
واضع السؤال فهمه تعجبا(/)
أبيات شعرية
ـ[روزانا]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 12:41 ص]ـ
مرحبا .. مشكورين على المنتدى الأكثر من رائع، ...
لدي قصيدة لابن زيدون الأبيات الثلاثة الأولى
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا
والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في أصائله
كأنما رق لي فاعتل اشفاقا.
والروض عن مائه الفضي مبتسم
كما حللت عن اللبات أطواقا
ماهو موطن الإبداع والجمال في كل منها أي المطلوب مثل ماعرفت من المدرسه استخراج علة الإعجاب حيث طلبت استراج مواطن الابداع والجمال من علم البيان عن طريق التقديم والتاخير للخبر والحذف للخبر وهل الأسلوب خبري أم إنشائي مع الشكر الجزيل لكل الأعضاء بهذا المنتدى الرائع بتمنى احصل على الإجابة في اسرع وقت ممكن.
ـ[المهتم]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 01:01 ص]ـ
سلام عليك:
حبذا لو قطعت أنت خطوة في حل هذا الفرض أو الواجب؟!!
حتى يسمح لنا بمساعدتك، وثقي أننا جاهزون إذا فعلت؟!!
ـ[روزانا]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 09:32 ص]ـ
مشكور أخوي على الرد ... راح أحاول وانشاء الله تساعدوني بالباقي يارب في البيت الأول ني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والأفق طلق ووجه الأرض قد راما. جملة إنشائية ... ولكن مالغرض منها بليز اللي يعرف يساعدني وشكرا:)
ـ[السراج]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 10:27 ص]ـ
دعيني أسألك:
ماذا يعني (طَلْقٌ) في جملة (والأفق طَلْقٌ)؟
وبعدها نستقرئ الجواب ..
ـ[المهتم]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 10:59 ص]ـ
سلام عليك:
البيت الأول وهو:
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا * والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
هذا الكلام ليس إنشاء، وإنما هو خبر
فأقسام الإنشاء منها: الأمر والنهي والإستفهام والتمني والنداء ...
ولا ينطبق أي منها على هذا البيت
ويقول: إنه ذكر حبيبته (ولادة بنت المستكفي بالله) بقرطبة: الزهراء
حال كونه مشتاقا إليها
والطبيعة من حوله مواتية باسمة، فالأفق طلق: أي صحو لا غيوم فيه،
ووجه الأرض رائق باسم بالنباتات المتنوعة وأريجها العاطر
مشكور أخوي على الرد ... راح أحاول وانشاء الله تساعدوني بالباقي يارب في البيت الأول ني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والأفق طلق ووجه الأرض قد راما. جملة إنشائية ... ولكن مالغرض منها بليز اللي يعرف يساعدني وشكرا:)
ـ[روزانا]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 11:13 م]ـ
مشكورين على الردود والله يعطيكم العافية يارب ... الشطر الأول من البيت الأول إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا * والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا *_____ اسلوب خبري الغرض منه التأكيد ... حيث يصف تذكره بحبيته حينما كان بالزهراء فازداد شوقا وحنينا
والأفق طلق ومراى الأرض قد راقا*_______ ايضا اسلوب خبري يصف حاله حينما تذكر ولادة حيث كان الجو رائع وجميل ووجه الأرض ضاحك جميل فراق له ذلك المنظر الجميل فتذكرها واشتاق لها ...
ايضا الأبيات الاخرى تخبر عن حال الطبيعة فجيمع الأبيات هنا اسلوب خبري الغرض منه التؤكيد ووصف الطبيعة ...
هل هناك في الأبيات اغراض اخرى للأسلوب الخبري في الأبيات هل هناك ايضا تقديم وتأخير للخبر او حذف للخبر ... بتمنى الرد قريبا وشكرا
ـ[روزانا]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 11:14 م]ـ
مشكورين على الردود والله يعطيكم العافية يارب ... الشطر الأول من البيت الأول إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا * والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا *_____ اسلوب خبري الغرض منه التأكيد ... حيث يصف تذكره بحبيته حينما كان بالزهراء فازداد شوقا وحنينا
والأفق طلق ومراى الأرض قد راقا*_______ ايضا اسلوب خبري يصف حاله حينما تذكر ولادة حيث كان الجو رائع وجميل ووجه الأرض ضاحك جميل فراق له ذلك المنظر الجميل فتذكرها واشتاق لها ...
ايضا الأبيات الاخرى تخبر عن حال الطبيعة فجيمع الأبيات هنا اسلوب خبري الغرض منه التؤكيد ووصف الطبيعة ...
هل هناك في الأبيات اغراض اخرى للأسلوب الخبري في الأبيات هل هناك ايضا تقديم وتأخير للخبر او حذف للخبر ... بتمنى الرد قريبا وشكرا
ـ[المهتم]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 11:35 م]ـ
سلام عليك:
من امثلة تقديم الخبر، قوله:
وللنسيم اعتلال ....
للنسيم: شبه جملة هو الخبر، تقدّم وجوبا، لأن المبتدأ نكرة
اعتلال: مبتدأ تأخّر
كما يكثر الشاعر من استعمال الجمل الإسمية على حساب الفعلية
مشكورين على الردود والله يعطيكم العافية يارب ... الشطر الأول من البيت الأول إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا * والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا *_____ اسلوب خبري الغرض منه التأكيد ... حيث يصف تذكره بحبيته حينما كان بالزهراء فازداد شوقا وحنينا
والأفق طلق ومراى الأرض قد راقا*_______ ايضا اسلوب خبري يصف حاله حينما تذكر ولادة حيث كان الجو رائع وجميل ووجه الأرض ضاحك جميل فراق له ذلك المنظر الجميل فتذكرها واشتاق لها ...
ايضا الأبيات الاخرى تخبر عن حال الطبيعة فجيمع الأبيات هنا اسلوب خبري الغرض منه التؤكيد ووصف الطبيعة ...
هل هناك في الأبيات اغراض اخرى للأسلوب الخبري في الأبيات هل هناك ايضا تقديم وتأخير للخبر او حذف للخبر ... بتمنى الرد قريبا وشكرا
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[روزانا]ــــــــ[17 - 03 - 2010, 01:11 ص]ـ
مشكور اخوي الله يعطيك العافية يارب ...
ـ[المهتم]ــــــــ[17 - 03 - 2010, 01:15 ص]ـ
ولك مثل دعائك أخيتي، وأرجو أن تكوني قد استفدت
ولو شيئا يسيرا ...
مشكور اخوي الله يعطيك العافية يارب ...
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[18 - 03 - 2010, 03:31 م]ـ
والروض عن مائه الفضي مبتسم
وهل الروض يبتسم؟! وإنما شبه الروض بالإنسان المبتسم وحذف المشبه به وذكر شيئا من لوازمه وهو الابتسامة على سبيل الاستعارة المكنية التبعية والغرض منها التشخيص
كذلك التشبيه فى البيت حيث شبه الروض (الأرض) عندماينزل عليه الماء بدا يضحك باللبات والأطواق حيث تقلد العنق والصدر وهذا تمثيل جميل وهو تشبيه صورة بصورة(/)
من سورة الواقعة
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 08:29 ص]ـ
ومن صدر سورة الواقعة:
ومن قوله تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا):
فـ: "إذا" قد جمعت بين معنى الظرفية والشرطية معا، فالحوادث التي تليها كائنة إذا وقعت، أي في ظرف وقوعها، وهي في نفس الوقت مشروط قد علق على شرط وقوعها، فيدور معها وجودا وعدما دوران المشروط مع شرطه، فإنها لن تقع بإذن الرب، جل وعلا، الكوني النافذ إلا إذا وقع ظرفها وهو الواقعة، وذلك جار مجرى دلالة اللفظ الواحد أو المبنى الواحد على أكثر من معنى على وجه لا يقع به التعارض، كما اطرد في لسان العرب، بل إن ذلك من محاسنه، وهو أمر أشار إليه صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، في معرض بيان الفاء الرابطة لجواب هذا الشرط في قوله تعالى: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)، فإنها رابطة لجملة الجواب بالشرط، ومفرعة مبينة لمجمل قوله تعالى: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)، في نفس الوقت، فأجملت أصناف الناس يوم البعث، ثم جاء البيان عقيبها مصدرا بالفاء التفريعية التي بينت أفراد التقسيم الثلاثي، فكان ورود البيان عقيب الإجمال مصدرا بالفاء الرابطة لشرط من شأنه ابتداء أن يثير انتباه السامع فيتطلع إلى جوابه فضلا عن ورود الإجمال ابتداء والتثنية بالبيان، كما تقدم، فذلك، أيضا، مما يسترعي انتباه المخاطب.
وأشار ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب"، (1/ 115)، إلى وجه آخر تقدر فيه: "إذا" الثانية في قوله تعالى: (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) بدلا من إذا الأولى، والذي حسنه طول الفاصل، فيحسن التكرار تذكيرا بأصل الكلام، كما في قوله تعالى: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ)، فأعيد المؤكد لطول الفاصل، وذلك، أيضا، أمر قد اطرد في التنزيل، من ثم يقدر للشرط جواب محذوف من قبيل: انقسمتم أقساما، فيكون ما بعده بيانا لمجمل تلك الأقسام، فجاء البيان الأول بيانا لعددها: (أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)، ثم جاء البيان الثاني بيانا لأنواعها، فالتدرج في حصول البيان مما يسترعي انتباه المخاطب، ويرد على ذلك أن فيه تقدير محذوف، والأصل عدم الحذف، فمتى صح النظم بلا حاجة إلى تقدير محذوف، كما في تخريج صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك مما يرجح حمل النظم عليه.
فإذا وقعت الواقعة: أي الكائنة أو الحادثة وهي علم بالغلبة على يوم القيامة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فتكون: "أل" في: "الواقعة": عهدية تشير إلى واقعة بعينها من جملة الوقائع هي الواقعة العظمى، وفي الجناس الاشتقاقي بين الفعل والفاعل مزيد تنبيه على المعنى، فإذا وقعت، فعندئذ: ليس لوقعتها نفس كاذبة، أو مكذبة، على حذف الموصوف وإقامة الصفة محله، وهو أمر اطرد في التنزيل وسبقت الإشارة إليه في مواضع أخر كقوله تعالى: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)، أي: دروعا سابغات، فوصف الجمع المكسر لغير العاقل يكون بجمع المؤنث السالم كما قرر النحاة في معرض بيان ما يجمع على حد جمع الإناث السالم، والإيجاز بحذف الموصوف من أضرب إيجاز الحذف التي نص عليها البلاغيون، وقد وقعت في التنزيل بحذف الموصوف وإقامة الوصف المفرد محله كما في هذه الآية، أو بإقامة الوصف الذي هو شبه جملة متعلقة بالوصف المحذوف في نحو قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، فتقدير الكلام: وإن أحد من أهل الكتاب. فيؤمن النصارى جميعهم إذا رأوا الموت على قول، ولا ينفع آنذاك نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو قبل موت المسيح عليه السلام إذا نزل فيضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف.
(يُتْبَعُ)
(/)
خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ: فذلك على تقدير مبتدأ محذوف على ما اطرد من حذف المبتدأ، في مثل هذه المواضع، مع كونه عمدة في الكلام، فتقدير الكلام: هي خافضة رافعة، فتخفض أقواما وترفع أقواما، ونسبة الخفض والرفع إليها من نسبة المسبَّب إلى سببه، فالخافض الرافع هو الرب، جل وعلا، وذلك عند من يقول بالمجاز ضرب من ضروب المجاز العقلي بإسناد الفعل إلى غير فاعله، على وزان: أنبت الربيع البقل، وذلك ما اعترض عليه منكرو المجاز بكونه ذريعة إلى نفي تأثير الأسباب في وقوع مسبًّباتها، فنفي إنبات الربيع بما أودع فيه من قوى الإنبات، نفي ذلك من كل وجه، ولو من جهة السببية، وجعل الرب، جل وعلا، فاعلا له من كل وجه، مؤد إلى نفي قوى التأثير التي أودعها الله، عز وجل، في الأسباب، وذلك مسلك نفاة الحكمة والتعليل بالأسباب، كما أشار إلى ذلك بعض المحققين من أهل العلم، والصحيح أن للفعل جهتين لا يمتنع اجتماعهما، فجهة الرب، جل وعلا جهة فعله بالخلق، فيخلق السبب ويجريه على وفق سنن الكون، فينتج مسبًّبه بما أودع فيه من القوى، فتلك جهة السبب المخلوق فهو مؤد إلى وقوع مسبّبه، بما أودع فيه من قوى التأثير، كما تقدم، فهو الفاعل بقواه، والرب، هو الخالق بمشيئته العامة، فلا يخرج فعل السبب سواء أكان اختياريا كما في أفعال البشر، أم اضطراريا كما في تأثير الأسباب غير العاقلة كتأثير النار في الحريق والماء في إطفائه، لا يخرج كل ذلك عن المشيئة الكونية العامة، فلا تعارض، كما تقدم، بين جهة الخلق، فعل الرب، جل وعلا، مسبِّب الأسباب ومجريها وفق سنن الكون المحكم، وجهة الفعل التي هي أثر القوى المودعة في السبب المخلوق، فالفعل المخلوق لا بد أن يرجع إلى سبب يسبقه، فلكل علة علة تسبقها حتى يصل الأمر إلى سبب أول لا سبب وراءه، هو كلمة الرب، جل وعلا، الكونية فهي من وصفه، ووصفه الفاعل لا خالق له، فهو غير مخلوق قد قام بذات الرب، جل وعلا، القدسية على الوجه اللائق بجلاله، وهذا أصل جليل في باب القضاء والقدر سبقت الإشارة إليه في مواضع سابقة.
وعليه تكون الواقعة هي الخافضة الرافعة من جهة كونها السبب فأسند الوصف إليها من هذا الوجه، وأسند الفعل إلى الرب، جل وعلا، من جهة خلق السبب وإجرائه وفق ما قدر في الغيب وقضى في الشهادة، فتوارد على الفعل أثران: أثر مخلوق يؤثر فيه حقيقة لا مجازا، وأثر يحكم الأثر المخلوق بل ويهيمن عليه وعلى كل الأسباب المخلوقة، هو أثر وصف الرب الفعال لما يريد، فمشيئته العامة تحكم كل حركات الكون الاختيارية والاضطرارية، كما تقدم، فلا تعارض بين الأثرين إذ أحدهما خاضع للآخر خضوع المخلوق لخالقه، فالكلمة الكونية التقديرية من وصفه، جل وعلا، قد صدرت، فهي أثر أوصافه الفاعلة، كما تقدم، فكان بها ما أراد من الحوادث الكونية المخلوقة، فبها وجد السبب، وبها أجري وفق السنن المحكم فذلك أثر حكمته البالغة، جل وعلا، في كونه، فكان المسبَّب، فذلك أثر قدرته النافذة، فمرد الأمر عند التحقيق إلى وصف جلاله، عز وجل، فهو القدير على إيجاد ما يشاء، ووصف جماله، فهو الحكيم الذي يوجد ما أراد على أكمل الهيئات، فإن كان فيه شر، فعارض، لا يكون مرادا لذاته، بل هو الذريعة إلى خير أعظم، وتلك، كما تقدم مرارا، أبلغ صور الحكمة، فللرب، جل وعلا، من كل وصف أكمله.
وفي الطباق إيجابا بين الخفض والرفع مئنة من عموم القدرة الربانية، فالرب، جل وعلا، هو فاعل الشيء وضده، فهو المحيي المميت، النافع بفضله الضار بعدله فينسب الضر إليه خلقا لا فعلا، فتعالى أن ينسب إليه شر فعلا، وإنما ينسب إليه خلقا مرادا لغيره من الخير والنفع، كما تقدم، وفي تقديم الخفض على الرفع ما يناسب ذلك الموضع وهو موضع جلال تظهر فيه آثار قدرته، عز وجل، فالخفض لغيره أليق بموضع يظهر فيه كمال عزته ورفعته.
(يُتْبَعُ)
(/)
إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا: فذلك جار على ما تقدم من إعادة الظرف لطول الفصل، أو بدل الاشتمال من وقوع الواقعة، فيكون ذلك من الإطناب بالخاص عقيب العام، فذكرها عموما ثم خص بعض أحداثها بالذكر لعظم قدره، فمن أعظم أحداثها رج الأرض وجاء التوكيد بالمصدر المنكر والمنون مئنة من التعظيم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، والتقييد بالبدل كما قرر البلاغيون مؤذن بمزيد عناية بالبدل فهو المقصود بالحكم أصالة، وإن كان المبدل منه في هذا السياق مرادا هو الآخر بل هو العنوان العام فكل ما بعده إنما يقع تبعا له، فهو الظرف الذي يحوي كل ما يليه من الأحداث، فكل تلك الحوادث العظام لا تقع إلا إذا وقعت الواقعة، وإطنابا في بيان الأحداث الكونية الجليلة في ذلك اليوم جاء النص على صورة أخرى من صور التغير التي تطرأ على خلق عظيم راسخ هو الجبال فتبس الجبال وبس الشيء مئنة من تفتيته، كالسويق الذي يبس، ولا يخلو من معنى السوق فبس الشيء سوقه وتسييره، وكلا المعنيين ثابت للجبال، فقد جاء النص على كليهما في مواضع من التنزيل، كقوله تعالى: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ): فذلك من التفتيت، و: (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا) فذلك من السوق والتسيير، وفي "لسان العرب": "وبست الجبال بسّاً أي فتت نقله اللحياني فصارت أرضاً قاله الفراء وقال أبو عبيدة فصارت تراباً وقيل نسفت كما قال تعالى: (ينسفها ربي نسفاً) وقيل سيقت كما قال تعالى: (وسيرت الجبال فكانت سراباً) وبست فتت فصارت أَرضاً وقيل نسفت كما قال تعالى: (ينسفها ربي نسفاً) وقيل سيقت كما قال تعالى: (وسيرت الجبال فكانت سراباً) وقال الزجاج بُسَّتْ لُتَّتْ وخلطت وبَسَّ الشيءَ إِذا فَتَّتَه". اهـ
فلفظ البس: مشترك بين المعنيين على جهة الاشتراك اللفظي، والأصل في الاشتراك اللفظي: الإجمال، لتوارد معان كثيرة على اللفظ على نحو لا يحصل به معرفة المراد منه ابتداء، فلا بد من مبين، فالقرينة اللفظية، وإن كانت من خارج السياق، فهي ورادة في مواضع أخر من التنزيل، كما تقدم، بينت المراد، وشهدت في هذا الموضع بالذات، على جواز حمل المشترك على كل معانيه، بل إن ذلك مما يزيد المعنى بيانا، فإن المعنيين وإن تباينا إلا أنهما لا يتعارضان، بل يتعاضدان في بيان تلك الصورة الباهرة الكائنة يوم وقوع الواقعة. ثم جاء العطف المبين للبس، فهو أثره، فيكون من عطف المسبَّب على سببه، فكانت كالهباء المنبث، على حد التشبيه البليغ، فكانت كالهباء المنبث المتفرق وصيغة المطاوعة من بثه فانبث فهو منبث مئنة من كمال قدرته، عز وجل، فيطاوع المحل الفعل، ويظهر أثره فيه يقينا، فذلك مئنة من كمال قدرته، عز وجل، فـ: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، ثم جاء التخلص، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" إلى الغرض الأساسي من السورة وهو الموعظة ببيان أصناف الناس يوم القيامة، فذلك، أيضا، من الأحداث الكائنة إذا وقعت الواقعة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 03 - 2010, 08:25 ص]ـ
فذكرت أحوال بعض الكائنات ثم جاء عقيبها بيان أصناف العقلاء، فـ:
كُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً:
فالزوج في اللغة يحتمل، أيضا، أكثر من معنى، فهو من هذا الوجه مجمل إجمال الاشتراك فتزدحم فيه المعاني ولا يخلص المراد إلا بقرينة تعينه، فيطلق ويراد به النظير من نفس النوع، وإن اختلفت الزوجان في رتبة الفرد كالمرأة في مقابل الرجل، فهي زوج له، فكلاهما من نفس النوع، فتناظره لاختلافهما في رتبة الفرد التي تلي رتبة النوع في سلم التصنيف البيولوجي في عالم الأحياء أو العقلي فإن رتبة الفرد أخص من رتبة النوع فرتبة النوع بالنسبة إليها جنس أعلى، كما أن رتبة الحيوانية بالنسبة للإنسانية جنس أعلى، فالإنسان حيوان بفصل النطق، وإن لم يسلم لمن عرفه بذلك لوقوع الاشتراك في هذا الحد فلا يختص به الإنسان بل يعم الملك والجان فكلاهما حي ناطق، فإن صح التعريف فهو محمول على الكائنات المشاهدة لا على سائر الكائنات. ويطلق على الضد كالموجب في مقابل السالب، ويطلق على الصنف فيحتمل الزيادة على اثنين، كما في هذه الآية
(يُتْبَعُ)
(/)
، فإن قرينة نعت الأزواج بالثلاثة وهي قرينة لفظية من نفس السياق قد دلت على المراد بالزوج في هذا الموضع بعينه، فهو الصنف، فزال الإجمال بالقرينة الدالة على المعنى المراد من المشترك المحتمل لمعان عدة، وإنما أطلق على الصنف زوج باعتبار الغالب، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فلا يذكر الصنف غالبا إلا ويذكر نظيره معه، فمعنى الزوجية معتبر في كل هذه المعاني.
والزوجية سنة كونية، كما في قوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فبها تظهر معاني الفردية والصمدية للرب الواحد في ذاته الأحد في صفاته فله وصف الجمال ونعت الجلال.
والشاهد أن ذلك من الإجمال، كما تقدم، الذي جاء بيانه باعتبار معناه، ثم جاء بيانه باعتبار أقسامه عقيبه فـ:
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ: فأعيد المبتدا في جملة الخبر فذلك الرابط بينهما كما قرر النحاة في باب المبتدأ والخبر، فهو جار على حد قوله تعالى: (الحاقة * ما الحاقة).
والاستفهام مئنة من تعظيم شأن المستفهم عنه أو للتعجيب من شأنه، لقرينة السياق، فالإظهار في موضع الإضمار فيه مزيد عناية بالمظهر، إذ أعيد بنفس اللفظ في جملة الخبر وكان يكفي في الربط ذكر ضميره، فيقال في غير التنزيل على سبيل المثال: وأصحاب اليمين ما هم؟، والاستفهام في مثل هذه التراكيب جار مجرى ما سبقت الإشارة إليه في أكثر من موضع من دلالة الاشتراك اللفظي، إذ المبنى واحد فـ: "ما" من جهة مبناها واحدة، ومع ذلك تعددت استعمالاتها، على أنحاء متباينة، وتلك حقيقة الاشتراك اللفظي، فإن: "ما" تحتمل النفي في نحو: ما جاء زيد، فتدخل على الفعل كما تقدم، وتدخل على الاسم فتعمل عمل ليس، وهي الحجازية، لاختصاص أهل الحجاز بها، كما في قوله تعالى: (مَا هَذَا بَشَرًا)، وتحتمل الموصولية الحرفية، في نحو قول القائل:
يسر المرء ما ذهب الليالي ******* وكان ذهابهن له ذهابا
أي: يسره ذهاب الليالي.
وتحتمل الموصولية الاسمية في نحو قوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فهي دالة على عموم الخلائق عاقلها أو غيره، وتحتمل الاستفهام، وهو محل الشاهد، ومع كون الاستفهام جنسا، إلا أنها تدل على أنواع منه متباينة، يحددها السياق الذي ترد فيه، وذلك أدق ما يكون في تحديد المراد من اللفظ، فإن التباين لا يقع بين الأجناس المختلفة من: نفي، ومصدرية، واستفهام ..... إلخ فقط، وإنما يقع بين أنواع أو أفراد الجنس الواحد فالاستفهام بها إما أن يكون:
لإيضاح الاسم، بغض النظر عن ماهيته، فالسؤال عن ماهيته تال له في الترتيب العقلي، فيقال مثلا: ما العسجد؟
ولبيان ماهية الشيء، فيقال: ما الذهب؟، فيقال: هو المعدن الذي وصفه كذا وكذا، فيعين الماهية بالحد الشارح الذي يبين إجمال اللفظ.
أو للتعظيم، كما في هذه الآية: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)
أو التحقير: كما حكى الرب، جل وعلا، من مقالة فرعون: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)، فقالها استهزاء، وهو الحقير، فالمعنى هنا باعتبار ما قام بنفسه من وصف السوء في حق الرب، جل وعلا، لفساد تصوره، فهو منكر جاحد للنبوات، بل منكر للربوبية، بل مدع لها، لا باعتبار حقيقة وصفه، جل وعلا، فهو المنزه بداهة عن كل أوصاف النقص، فلا يليق في حقه إلا التعظيم.
والشاهد أن المبنى في كل ما تقدم واحد، ومع ذلك تعددت المعاني التي يعينها السياق الذي يرد فيه، وذلك، كما تقدم مرارا، مئنة من بلاغة الكتاب العزيز خصوصا، ولسان العرب عموما، فإن المشترك اللفظي وإن نظر إليه بعض أهل العلم على أنه نوع فقر في مواد اللغة المعجمية، إذ المادة الواحدة قد استعملت في معان عديدة، والأليق بثراء اللسان العربي أن تتعدد مواده، وهو أمر حاصل، ولكن في غير المشترك اللفظي، وتتبع دلالة الترادف في اللسان العربي خير شاهد على ذلك فإنه بضد الاشتراك اللفظي، إذ المعنى فيه واحد ومع ذلك تتعدد الألفاظ الدالة عليه، إن سلم بوقوع الترادف من كل وجه، فالمحققون من أهل العلم على أن الترادف إنما يكون نسبيا في بعض الأوجه
(يُتْبَعُ)
(/)
لا كليا من كل وجه، فلا يوجد مبنيان في لسان العرب مترادفان من كل وجه، بل لا بد ان يستقل كل مبنى بمعنى يخصه، فالثراء اللغوي ثابت من هذا الوجه، ومع ذلك لا يخلو المشترك اللفظي من دلائل بلاغية في اللسان العربي، إذ تتعدد معانيه بتعدد السياقات التي يرد فيها، فتظهر بلاغة النظم في توجيه اللفظ الواحد إلى معان متباينة تبعا للسياقات التي يرد فيها، كما تقدم، بل قد يكون اللفظ دالا على المعنى وضده، فيكون قد بلغ الغاية من الإجمال، ومع ذلك يحسم السياق الإشكال برفع الإجمال وتعيين المعنى المراد من الضدين، كما في دلالة: "ما" على التعظيم تارة والتحقير أخرى، فوقع الإجمال فيه من هذا الوجه، حتى عين السياق في نحو قوله تعالى: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ): معنى التعظيم، وبين في مقالة فرعون السوء: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ): معنى التحقير الذي هو بالقائل أليق كما تقدم.
وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ: فذلك من قبيل طباق الإيجاب بذكر ضد المذكور أولا، فذلك أليق بمقام الحصر استيفاء للأنواع، وفيه ما في الأول من دلالة إعادة المبتدأ مع دلالة الاستفهام، أيضا، على التعجيب من حالهم، وقد يقال بأن وصف السوء يدل على إرادة التحقير في هذا الموضع، بخلاف التعظيم في الموضع السابق، إذ ثبت نقيض الوصف هنا فثبت نقيض الحكم على ما اطرد من الدلالة العقلية بدوران الحكم مع علته أو وصفه المؤثر وجودا وعدما.
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ: فاستوفى الشطر الثالث من القسمة الثلاثية التي تقدم إجمالها في قوله تعالى: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)، ودلالة التعجيب هنا حاصلة بتطابق لفظي المبتدأ والخبر، كما قال في "أضواء البيان"، فذلك وجه آخر من وجوه التعجيب في نظم الكتاب العزيز، والتنويع في الأساليب اللفظية الدالة على معنى واحد مع تجاورها في النظم مئنة من بلاغة الكلام، فالتنويع في المباني مئنة من الثراء اللفظي، فذلك جار مجرى:
أنَا أبُو النَّجْم وشِعْري شِعْري.
وقد أطلق لفظ: "السابقون" وقيده بعض أهل العلم بالسبق إلى جنس بعينه من أجناس الخير، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فسابق إلى الصلاة، وآخر إلى الزكاة وثالث إلى الصيام ...... إلخ، فيكون ذلك جار مجرى بيان العام بذكر بعض أفراده، فلا تخصصه إذ قد وردت في معرض التمثيل له تقريبا إلى ذهن المخاطب، فحمله على عمومه هو المتعين، فالسبق إلى كل خير دل عليه الشرع الحنيف هو الواجب على طلاب الصلاح في الأولى والنجاة في الآخرة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 03 - 2010, 08:29 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ):
فجاءت الإشارة باسم الإشارة المستعمل للإشارة إلى البعيد مئنة من علو مكانتهم، فقد حصل التفخيم بتكرار الوصف بالسبق، على وجه يوحي إلى سامعه بتعذر الإحاطة بسبقهم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك أليق بمقام التعجيب من كمال حالهم، فيلائمه التفخيم لبيان مآلهم في دار الجزاء، فإذ كانوا على ذلك القدر من الفضل وتمام السبق، فـ: أولئك، مئنة من علو المنزلة: المقربون، فكما علت هممهم فصلحت إراداتهم وأعمالهم فصاروا سابقين إلى كل مكرمة، نائين عن كل منقصة، علت منازلهم في دار الجزاء، فصحت الإشارة إليهم بـ: "أولئك"، فالجزاء من جنس العمل، وذلك أكمل صور العدل فمن كان في الأولى عاليا برسم الإخلاص والمتابعة فهو في الآخرة عال برسم التكريم والمجاورة للرب، جل وعلا، فـ: "جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ"، فالبعد بعد معنوي لعلو المنزلة، كما تقدم، وهو، أيضا، بعد حسي، فالجنان في أعالي السماء، وأقربها إلى جوار الرحمن، جل وعلا، أعلاها منزلا: الفردوس الأعلى، مطمح أصحاب الهمم العالية، ولذلك أرشد صلى الله عليه وعلى آله
(يُتْبَعُ)
(/)
وسلم إلى سؤال الفردوس الأعلى فذلك الأليق بأصحاب العزائم الحرة الصادقة.
وإمعانا في بيان هذا العلو: حسا في منازل الجنان، ومعنى في منازل الكمال، جاء الخبر بلفظ التقريب لا القرب، فالمقرب، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، أعلى منزلة من القريب، فزيادة المبنى مئنة من زيادة المعنى، كما اطرد في كلام البلاغيين، فـ: قرَّب: بتضعيف عين الفعل: الراء، أبلغ في الدلالة على معنى القرب من: قرُب: فدلالة التضعيف هنا: التعدية للفعل اللازم قرب، فيقرب بنفسه، بخلاف قُرِّب، فإنه لا يقرب إلا إذا قربه غيره، ولا يستوي من قرب من الله، عز وجل، وإن كان خالص النية صالح العمل، لا يستوي من قرب منه، جل وعلا، ومن قرَّبه، تبارك وتعالى، فالثاني أكمل حالا، فليس الشأن كما يقول بعض أهل العلم أن تُحِب، وإنما الشأن أن تُحَب، وليس كل مقترب بمقرب، بل قد يقترب العبد فيرد لدخيلة سوء أو طوية خبث تفسد ما قدم من صالح القول والعمل، ولذلك كان سؤال الرب، جل وعلا، القبول والإخلاص والمتابعة، فلا قبول لعمل إلا بهذين القيدين: إخلاص النية فلا يشوبها رياء أو حظ نفس، وإخلاص العمل بالمتابعة فلا تشوبه بدعة أو محدثة، كان هذا السؤال من آكد وأعظم ما يسأله العبد ربه، فإن امتن به، تبارك وتعالى، فذلك فضل منه عظيم، وإن منعه، فذلك عدل منه عظيم فلا يظلم أحدا، وإنما يظلم العباد أنفسهم بالمعاصي الظاهرة والباطنة.
والتقريب أعلى من القرب من وجه آخر: فالتقريب، عند التدبر والنظر، غاية القرب، فكل يقترب ليقرب، فغاية العامل طلبا للقرب أن يقرب فيكون من المقربين فرعا عن كونه من المقتربين، فاقترابه: وسيلة، وتقريبه: غاية، والغاية أشرف بداهة من الوسيلة، فذلك من جنس العبادة والاستعانة، فالعبادة: غاية، والاستعانة: وسيلة يتوصل بها إلى المراد الأعظم وهو العبادة فهي أشرف من هذا الوجه، ولذلك قدمت في الذكر في سورة الحمد فـ: (إياك نعبد وإياك نستعين): مع كون الاستعانة فردا من عموم العبادة، ومع كونها سابقة لها في الوجود فهي السبب في حصولها، ومع ذلك قدمت النتيجة في الذكر على السبب لشرف قدرها، فهي الغاية كما تقدم.
والإشارة بـ: "أولئك"، أيضا، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، مئنة من التعليل، فعلة كونهم مقربين ما تقدم من كونهم سابقين إلى كل خير، قاعدين عن كل شر، فذلك من جنس التعريف بالموصول، فهو مئنة من تعليق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة: تعليق المعلول على علته، أو الحكم على سببه.
وقوله تعالى: (في جنات النعيم): نوع بيان لما تقدم من وصف التقريب، وهو يشير إلى التقريب حسا لقرينة ذكر الظرف المحسوس وهو الجنات التي جاءت مجموعة مضافة إلى النعيم المحلى بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية لعموم ما دخلت عليه، فهو نعيم بمعنى النعم التي لا تعد ولا تحصى، فقد بلغت الغاية في القدر والوصف، فهي أكثر من نعم الدنيا بداهة، بل إن نعم الدنيا ما خلقت إلا للتذكير بها فليس من الآخرة في الدنيا إلا الأسماء، كما أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، فالاختلاف في الحقيقة عظيم، وإن اشترك الجنسان: نعيم الدنيا ونعيم الآخرة في المعنى الكلي المشترك في الذهن، فشتان الحقيقتان في الخارج، فتكون الإضافة من هذا الوجه آكد في مقام الامتنان على المقربين ببيان محلهم الحسي في الجنان ذات النعم العظام، فالإضافة في: "جنات النعيم": إضافة ظرف إلى مظروفه، بينما الإضافة في نحو قوله تعالى: (جنة الخلد): إضافة موصوف إلى صفته، فهي جنات خالدة، وأهلها فيها خالدون فلا تتحول عنهم ولا يتحولون عنها، وذلك أبلغ في بيان عظم الثواب، وبالإضافتين إلى النعيم، وإلى الخلد، تكتمل المنة الربانية، على أهل الإيمان بسكنى جنان الرحمن التي اكتمل نعيمها وامتد زمانها فهي إلى أبد الآبدين، فلا تفنى، ولا يفنى نعيمها، ولا يفنى أهلها، فكل باق بإبقاء الرب الآخر، جل وعلا، له.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإن كانت الآية نصا في محل التقريب الحسي، فهي دالة عليه دلالة مطابقة مباشرة، إلا أنها دالة، أيضا، على درجات التقريب المعنوي التي ينالها أولئك المقربون، فهي دالة عليها بدلالة اللزوم غير المباشرة، فلا يسكن تلك المنازل العلية حسا إلا من علت درجاته معنى فذلك من اللزوم العقلي بمكان.
ثم جاء بيان عددهم فهم:
ثلة من الأولين وقليل من الآخرين:
فمن فسر الأولين: بالأمم السابقة، حمل ذلك، على إلهاب وتهييج همم الآخرين ليلحقوا بهم، على وزان: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم.
وقد استبعد ذلك بعض المحققين كابن كثير، رحمه الله، لخيرية هذه الأمة فيبعد أن تكون هي القلة، ويكون غيرها من الأمم هم الكثرة، إلا إذا نظر إلى مجموع الأفراد، فالأمم السابقة بمجموعها أكثر عددا من الأمة الخاتمة، فهم أمم وهي أمة واحدة، وإن كان ذلك، أيضا، قد يبعد من جهة كون هذه الأمة قد امتد بها الزمان وكثر أفرادها سواء أكانت أمة الدعوة: فالبشر اليوم قد بلغوا من العدد ما بلغوا، ولم يكن ذلك حاصلا في الزمان الأول بداهة، أو كانت أمة الإجابة، فعددها، وإن كانوا كغثاء السيل، أكثر من عدد المؤمنين في الزمان الأول ويرد على ذلك أن العبرة بالمعاني لا بالمباني، فمبنى الأمة في الصدر الأول كان قليلا، ولكن معناه كان عظيما، فكانوا أفضل طباق هذه الأمة، بل أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام فهم أفضل أتباع الرسالات، بخلاف الحال في زماننا فالمبنى عظيم والمعني قليل وربما كان عديما.
والشاهد أن أصحاب هذا القول قد حملوا الأولين: على سابقي هذه الأمة، وحملوا الآخرين: على متأخريها، وذلك بالواقع أليق، فالصالحون قد كثروا في الزمان الأول، وقلوا في الزمان المتأخر، ووجه الإلهاب والتهييج لمشابهة الصدر الأول حاصل، أيضا، في هذا التأويل.
ثم جاء الإطناب في بيان صنوف النعيم فذلك من الوعد الجميل الذي يدل على عظم ثواب الرب الرحيم الكريم، تبارك وتعالى، ففيه مئنة من كمال عنايته بعباده المؤمنين بتنعيمهم وتقريبهم، فضلا عن دلالته الإنشائية بإلهاب المشاعر طلبا لنيل تلك المراتب العلية، فذلك أمر مطرد في كل وعد رباني: فهو يفيد لزوما الحث على ملازمة ما يتوصل به إليه من الوسائل، ولا تكون إلا مشروعة بداهة، فما عند الله من ثواب دنيا أو دين لا ينال إلا بطاعته، وكذلك الحال في نصوص الوعيد فهي خبرية المبنى إنشائية المعنى من جهة المعنى فتفيد لزوما، على سبيل الضد من نصوص الوعد، الحث على اجتناب ما يتوصل به إليه من الوسائل ولا تكون إلا غير مشروعة بداهة، فالكفر والمعاصي ذرائع العذاب الأليم، فالأمر مطرد منعكس، فيطرد الوعد بالثواب في حال الطاعة، ويدل بعكسه على اطراد ضده من الوعيد بالعقاب في حال المعصية، وكذلك الشأن في الوعيد فـ: فيطرد الوعيد بالعقاب في حال المعصية، ويدل بعكسه على اطراد ضده من الوعد بالثواب في حال الطاعة، فالتلازم بينهما، أيضا، تلازم عقلي وثيق، وهو مئنة من اطرد القياس القرآني وموافقته لصرائح المعقول، فهو كتاب هاد بأخباره السمعية ودلالاته العقلية.
فجاء الإطناب بـ:
عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ: منسوجة بالذهب مشبكةٌ بالدرِّ والياقوتِ، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمهم الله، فذلك وصف المجلس.
و: مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ: فذلك وصف الجلوس إمعانا في تقرير المنة، فكمال حال في المجلس والهيئة.
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ: فالمضارع مئنة من التجدد والحدوث فذلك، أيضا، آكد في تقرير المنة،
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ: فامتن بتعدد صور الآنية، واحترز بالتذييل بنفي ما يصيب متعاطى خمر الدنيا من فساد العقل بالصداع والسكر، فلا يصدعون ولا ينزفون بسببها فـ: "عن" هنا أفادت السببية كما أفاد ذلك أبو السعود رحمه الله. فذلك كمال المشرب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ: فذلك كمال المطعم، وزيد في مبنى فعل الاشتهاء مئنة من المبالغة في التنعم، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وفي السياق ملائمة بين فعل التخير والفاكهة، إذ الفاكهة مما يلتذ بها الإنسان بتخير أجود أصنافها، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ولا يكون ذلك إلا بعد كسر شهوة النفس بالمطعوم من اللحم والخبز والبقول ونحوه، بينما المعطوم يلائمه فعل الاشتهاء، فتشتهيه النفس ابتداء لكسر حدة الجوع، فوجه الاختيار فيه غير ظاهر، إذ التخير إنما يكون بعد زوال الاضطرار، ولذلك يقبل الجائع على الطعام فيرضى إذا اشتد جوعه بما لا يرضى به إذا كان شبعانا، فعندئذ يظهر الاختيار لزوال الاضطرار، وأما المضطر فكل الأصناف عنده مشتهاة فلا يحتاج إلى أي مشهيات من مقدحات أو مخللات ... إلخ!، واسألوا أهل الابتلاء الخاص في الأنفس بجوع عارض، أو أهل الابتلاء العام كحال الموحدين المحاصرين في كثير من الأمصار، وأقربها: غزة، فك الله حصار أهلها، فليس عندهم من الاختيار من الأصناف المتعددة ما عندنا!.
والشاهد أن النفس إذا شبعت تطلعت إلى ما يلتذ به من صنوف الحلوى والفاكهة، فتزهد في المطعوم الذي يسد الجوع، وتطمع فيما يترفه به، وهذا أمر يعم الغذاء المحسوس، والغذاء المعقول، فالنفس، أيضا، تطلب حظها من غذاء الروح فإذا تغذت بعلوم النبوات: مادة الوحي المريء، زهدت فيما عداه من الغذاء المحدث الوبيء، فإن اشتاقت إلى ما تترفه به تسلت بلطائف العلم، ولذلك كان بعض أهل العلم كابن سيد الناس، رحمه الله، إذا انتهى مجلس الدرس دعا بما يخف على النفس من كتب التاريخ والأسمار ففيها المتعة بعد دسم العلم، وفيها العظة والعبرة فلا تخلو من فائدة. وعلى العكس إن امتلأت بغذاء فاسد من ملة أو نحلة باطلة، زهدت كما يقول بعض المحققين كابن تيمية رحمه الله، في الغذاء النافع.
و: حُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ: فذلك كمال المنكح وأطنب في وصف نساء الجنة على ما اطرد من الإمعان في بيان أوجه المنة بتعداد أوصاف النعمة على جهة الكمال المطلق، وفيه، أيضا، تسلية لكثير من الصابرين في زماننا، فما فات قد يستدرك على وجه أكمل إن امتن الرب، جل وعلا، بسكنى الجنان!.
وما سبق: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ: فالباء للسببية لا للعوض، على ما تقرر في مثل هذه المواضع إذ لا تعدل طاعة العمر كله مهما تطاولت أيامه نعمة واحدة في الدنيا على ما يعتريها من النقصان والفناء، فكيف بنعم الآخرة وقد بلغت الغاية في الكمال فلا نقصان في وصفها ولا انقضاء لأجلها.
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا: فتكرار النفي مئنة من التوكيد فلا لغو فيها بباطل ولا تأثيم باللوم والإنكار بنسبة القائل إلى الإثم على ما اطرد في كلام الصرفيين من دلالة: "فعَّل" بتشديد العين على نسبة الفاعل إلى أصل الفعل كفَسَّق وأَثَّم ....... إلخ، فلا لغو يصدر من القائل ولا لوم يتوجه إليه، وذلك أبلغ ما يكون في سلامة اللسان والأذن من سيئ القول الصادر من القائل أو من غيره فلا ينطق إلا بخير ولا يسمع إلا خيرا.
وجاء الاستثناء: إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا: منقطعا إذ السلام ليس من جنس اللغو والتأثيم، فذلك وجه انقطاعه، كما قرر النحاة، وهو جار، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، مجرى تأكيد المدح بما يشبه الذم، فالاستثناء مشعر بأن الأمر قد لا يخلو من لغو أو تأثيم فجاء المستثنى على الضد من ذلك، فكان ذلك أبلغ في تقرير المدح وحصول المنة بكمال الوصف.
وشاهده من كلام العرب قول النابغة:
ولا عيب فيهم غيرَ أنّ سيوفهم ******* بهن فلول من قراع الكتائب
فلا عيب فيهم بل المستثنى مزيد بيان لكمال حالهم.
وجعلها أبو السعود، رحمه الله، مما اصطلح على تسميته في المنطق بـ: "السالبة لا تقتضي وجود الموضوع" من قبيل:
ولا ترَى الضبَّ بها ينجحِرُ
فلا تراه يدخل جحرا وإن كان لا جحر فيها أصلا، فذلك أبلغ في النفي، فلا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، وإن كان لا لغو فيها أصلا ولا تأثيم.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 03 - 2010, 08:10 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ)
فذلك من التنويه على ما تقدم في قوله تعالى: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)، فالاستفهام فيه نوع إبهام يدل على المبالغة في الوصف، وهو جار على ما تقدم، من إرادة التعظيم لقرينة السياق، فهي من الأضداد التي تحتمل المعنى وضده، فتحتمل التعظيم وتحتمل التحقير، فهي من الأضداد، والأضداد، كما تقدم في مواضع سابقة، من أشد الألفاظ غموضا وإجمالا، فلا بد من قرينة تعين أحد المعنيين، والمعنى المراد هنا لقرينة السياق المبين لصور النعيم الأخروي الذي قد بلغ من عظم القدر والوصف ما بلغ، المعنى المراد لهذه القرينة السياقية هو التعظيم.
وقد ذكروا أولا بوصف: "أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ"، ثم ذكروا ثانيا بوصف: "أصحاب اليمين"، والمعنى واحد، فالاختلاف في المبنى نوع من التفنن يطرد السآمة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالتنوع مظنة نشاط السامع بتجدد المباني اللفظية، فالنفس تتوق دوما إلى التجديد، فيحصل بذلك نوع تنبيه للسامع، فمثله في ذلك مثل الالتفات في باب الضمائر، فيلتفت من الغائب إلى المتكلم شحذا لذهن السامع بتغيير سياق الكلام، واستحضارا لصورة المخاطب، فالتفنن بتغيير مباني الألفاظ: باب واسع في لغة العرب به يظهر ثراء لغة العرب، فموادها المعجمية وصيغها التصريفية، قد بلغت من الكثرة ما بلغت، فهي أثرى لغات الدنيا من جهة مبانيها اللفظية ودلالاتها المعنوية، فالمعنى الواحد قد تتعدد المباني الدالة عليه، فيكون ذلك من باب الترادف، وهو كما تقدم في مواضع سابقة، مما أنكره المحققون كالجاحظ وهو من أئمة اللغة المحققين، وكابن تيمية، رحمه الله، من المتأخرين، فلا بد من معنى يستقل به كل مبنى، وشاهد ذلك من علم الصرف، تباين معاني الصيغ التصريفية بتباين حروف الزيادة، ولذلك عقد الصرفيون في كتبهم مبحثا لبيان معاني حروف الزيادة، فالمادة المعجمية واحدة، ومع ذلك تستقل كل صيغة بمعنى لا يوجد في غيرها، بل الصيغة الواحدة تدل على عدة معان، مع اتحاد مبناها، تبعا للسياق الذي ترد فيه فصيغة: "فعَّل" على سبيل المثال تدل على الإزالة كـ: "قشَّر"، أي: أزال قشر الشيء، وعلى النسبة إلى أصل الفعل كـ: "فسَّق" أي: نسبه إلى الفسق، والتعدي كـ: "قعَّد"، أي: أقعد، وعليه يقال هنا بأنه لا بد من معنى زائد يستقل به لفظ: "الميمنة" عن لفظ: "اليمين"، لاختلاف الصيغة الصرفية، فاختلاف المعنى فرع عن اختلافها، ولو لم يكن في ذلك إلا التفنن بالتنويع اللفظي، كما تقدم، لكان ذلك كافيا في معرض بيان ثراء لغة العرب.
واللفظ الواحد قد تتعدد معانيه بتعدد السياقات التي يرد فيها، فيحتمل المبنى الواحد معان عدة على جهة الاشتراك اللفظي، فهو على الضد من الترادف فيظهر به ثراء لغة العرب من جهة تعدد سياقاتها وقرائنها اللفظية والحالية التي تعين المعنى المراد في كل سياق، بل قد تكون الألفاظ، كما تقدم، أضدادا، وذلك أشد صور الإجمال فلا يفصل في تعيين المراد إلا السياق، فهو، كما تقدم مرارا، الأصل في معرفة مراد المتكلم، فيكون الاشتراك في مقابل الترادف، وفي كليهما إبراز لوجوه كثيرة من وجوه بلاغة اللسان العربي.
ثم أطنب في بيان صور النعيم للنوع الثاني من الأزواج الثلاثة، فقد أجملها في الذكر ثم بين جزاء كلٍ على طريقة اللف والنشر غير المرتبين، وذلك خلاف الأصل، فنشر الأخير بذكر نعيم السابقين، ثم رجع إلى الأول: أصحاب اليمين، ثم ثلث بالنوع الثاني وهو: أصحاب الشمال، فنعيم أصحاب اليمين:
(يُتْبَعُ)
(/)
الكينونة: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ: فذلك أبلغ في بيان إحاطة وكثرة الشجر والثمار بهم، فهو جار على ما تقدم من المبالغة في بيان صور نعيم الجنان، ولا يمنع ذلك من إرادة الحقيقة فهو جار مجرى الكناية، بل الحقيقة هي إحاطة أصناف النعيم بهم فهي، كما تقدم، عظيمة القدر والوصف، فأصنافها متكاثرة، وحقائقها متكاملة فليس فيها ما في أشجار وثمار الدنيا من النقص، فتفنى ويسرع إليها الفساد، وتنقطع في أزمان، فليست موجودة على الدوام، وإن حفظت، فليست غضة طرية كما قطفت، فذلك مما باينت فيه ثمار الجنة الكاملة ثمار الدنيا الناقصة، والمقابلة بين وصفيهما تزيد معنى العناية بأصحاب الجنان والمنة عليهم بأكمل صور النعيم مطعما ومشربا ومنكحا، كما تقدم، فقد ذكرت الأصناف الثلاثة في سياق بيان نعيم السابقين، ثم ذكرت ثانيا في سياق بيان نعيم أصحاب اليمين، فذلك مما يقطع مادة اليأس من القلوب إن لم يصل أصحابها إلى مرتبة السابقين، فهم قليل في الآخرين، بخلاف أصحاب اليمين فهم في الآخرين كثير، فالهمة قد تسمو إلى درجة الأولين، فإن قصرت فلا تقصرن عن بلوغ درجة الآخرين، وكل على خير، ولكن الخير درجات فلا تستوي درجة المقربين، ودرجة من دونهم، وإن كانوا من أهل الإيمان الناجين، فكل من يعبر الصراط ناج، ومع ذلك تفاوتت سرعة عبورهم تبعا لتفاوت أقدارهم فلا يستوي عبور الأنبياء، عليهم السلام، وعبور من دونهم، بل من دونهم يتفاوتون في سرعة السير، فليس سير الصديقين كسير الشهداء، وليس سير الشهداء كسير الصالحين، وليس سير الصالحين كسير آحاد المؤمنين، وليس سير أولئك كسير المخلطين ..... إلخ، فيتفاوت النعيم في الجنان، فهي جنان كثيرة، بتفاوت السير على الصراط، فمعنى النجاة في كل عابر: حاصل، ولكنه يختلف من عابر إلى عابر، ومرد ذلك، عند التدبر والنظر، إلى استقامة السير على صراط الشرع في دار الابتلاء، فبقدر الاستقامة والمبادرة إلى قطع مراحل السير إلى الله، عز وجل، في دار التكليف، على رسم النبوات الهاديات فلا بدع ولا محدثات، بقدر هذه الاستقامة تكون الاستقامة في الدار الآخرة على الصراط، ومن ثم تكون درجة النعيم في الجنة، فهي جنان لا جنة، يتفاوت أصحابها في أقدارهم تبعا لتفاوتهم في أعمالهم، بل من المعاصي ما يحرم صاحبه من دخول جنان بعينها، كما أثر عن بعض أهل العلم في تأويل نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ"، وهو: النمام، فلا يدخل الجنة التي أعدت لمن سلم من هذه المعصية، وإن جاز دخوله غيرها إن كان من أهل التوحيد في الجملة، فهو تحت المشيئة، فإن شاء الرب، جل وعلا، عفا عنه وأدخله الجنة ابتداء وإن شاء عذبه عذابا غير مؤبد، فإن طهر خرج إلى الجنة فيتبوأ منها مقعده الذي يلائمه، فيحرم من دخول الجنة التي أعدت لمن لم يكن على معصيته، كما تقدم، وقال بعض أهل العلم: بل المعنى تأخر دخوله، فلا يدخل الجنة ابتداء، وإنما يحجب عنها بالعذاب المؤقت حتى يطهر من أثر المعصية ثم يدخلها برسم الطهر من خبث المعصية بكير عذاب السموم، وتلك درجة دنية، وإن كان مآلها النجاة، فيقبح في حق كل مؤمن بل عاقل قد علت همته أن يقنع بها، كما هو حال كثير من العصاة المغرورين بعفو الرب الكريم، جل وعلا، فلا يقدرون عذابه حق قدره، فهو الغفور الرحيم فلا يقنط من عصاه، فذلك وصف جماله، وهو شديد العقاب فلا يأمن مكره إلا مغرور، فذلك وصف جلاله، ولا يكون السير إليه إلا بكليهما، فيطمع الطامح في وصف جماله، ويخشى الزائع وصف جلاله.
وإمعانا في الامتنان على أصحاب الجنان: جاء وصف السدر مخضودا من الشوك، فلا شوك فيه يؤذي من يتناوله ككثير من ثمار الدنيا فلا تنالها اليد إلا بعد معالجة الشوك والأغصان، فيحصل لها من الأذى ما ينغص المنة بها على ما اطرد في شوب نعم الدنيا بالأكدار، وإن قلت، لتتمايز من نعم الآخرة الكاملة فلا شوب ولا كدر فيها ينغص على متعاطيها.
وفي معرض الإطناب في أنواع الثمار، ورد ذكر:
(يُتْبَعُ)
(/)
طَلْحٍ مَنْضُودٍ: فهو متراكب طيب الريح، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك مئنة من كثرته وجودة صنفه، والتنكير الذي اطرد في بيان أجناس النعيم في هذا السياق محمول على التعظيم والتكثير لقرينة الامتنان، فلا يكون إلا بكثير العدد كامل الوصف.
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ: فذلك فرع عن الشجر فناسب اقترانه به في الذكر.
وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ: فذلك طيب المشرب، وسكبه مئنة من رقة سيلانه فليس صبا كما يصب العذاب، وليس منقطعا شحيحا يضجر الشاربون بما ينالهم من النصب قبل نواله، كما يقع في زماننا، إذا انقطعت المياه، أو في البلاد التي لا تصلح المياه فيها للشرب، وإن لم تنقطع!، فغايتها أن تغسل بها الأواني وتزال بها النجاسات، فقد بلغ التلوث الكيميائي والبيولوجي فيها مبلغا عظيما صيرها غير صالحة للاستهلاك الآدمي، فمن ابتلي بتناولها فليحترز قدر الاستطاعة بالإقلال من تناولها، وغليها قبل استعمالها في مطعوم أو مشروب، فتلك نصيحة المتخصيصين في مجال تلوث المياه، وليتذكر كمال تلك النعمة في الدار الآخرة فذلك مما يهون عليه مرارة تعاطي ما ليس منه بد لحفظ المهج من التلف.
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ: فوصفها بالكثرة فذلك مما يؤيد كون التنكير في هذ السياق مئنة من الكثرة التي نص عليها، فالتذييل بوصف الكثيرة على جهة المبالغة ينزل منزلة التوكيد للمعنى الذي دل عليه التنكير، وأيده السياق، وهو، أيضا، مئنة من الجودة، فهو كثير العدد عظيم الوصف، فيكون التنكير، أيضا، لتعظيم الوصف، فهي فاكهة: لا تنقطع في زمان دون زمان فذلك مئنة من جودتها، ولا تمتنع بشوك أو نحوه يحولها بينها وبين متناولها، كما أثر ذلك عن قتادة رحمه الله، وذلك وجه من أوجه الضر المنفية فينزل منزلة الإشارة إلى انتفاء بقية صور الضر من فساد للثمرة أو مرارة في الطعم ..... إلخ، فيكون ذلك جاريا مجرى التنبيه بفرد من أفراد العموم على بقية أفراده، كما تقدم في مواضع سابقة، من كلام المحققين من أهل أصول التفسير الذين جعلوا ذلك من صور البيان بذكر بعض أفراد العام فلا يخصصه، والسياق شاهد لذلك، فنفي كل صور الضر التي تنغص على المتنعم نعمته آكد في بيان المنة الربانية عليه بكمال النعمة وصفا وقدرا، وتكرار أداة النفي: لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ، جار، أيضا، مجرى التوكيد على نفي وصف السوء فذلك أكمل في بيان كمال النعمة، كما تقدم.
ثم جاء بيان كمال الفرش التي يجلس عليها المتنعم، وكمال وصف من يجاوره عليها فـ:
فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ: فإما أن تحمل على الحقيقة وهي الفرش المبسوطة، وإما أن تحمل على المجاز، عند من يقول به، فيطلق الفراش ويراد الحال فيه من الحور العين، فيكون مجازا مرسلا علاقتة المحلية، إذ أطلق المحل وأراد الحال فيه، أو يطلق الفراش ويراد المجاور له، فالجالس عليه مجاور له بداهة، فيكون، أيضا، مجازا مرسلا، علاقته المجاورة، كما أشار إلى ذلك صاحب: "منتهى الأرب" رحمه الله، فهذان وجهان للمجاز تحمل فيهما الفرش على الجالس عليها على جهة الحلول أو المجاورة، وذلك شاهد لمن جوز دلالة المشترك اللفظي على معنييه، فله معنى حقيقي وآخر مجازي، والسياق لا يمنع إرادة كليهما، بل إن ذلك مما يثري المعنى، بزيادة أوجه المنة، وقد تفرع عن ذلك: حمل الرفع الذي وصفت به الفرش على: الرفع الحسي، إن حمل المشترك على حقيقته، وهي الفرش المحسوسة، أو الرفع المعنوي إن حمل المشترك على مجازه، وهو: الحور العين، كما تقدم، فهن مرفوعات على نساء الدنيا بجمال الخَلق والخُلُق، ولا مانع هنا، أيضا، من حمل لفظ الرفع على كلا النوعين: الحسي والمعنوي، فهو دال بأصله على معنى الرفعة، وهو معنى كلي يقبل الانقسام إلى معنى يدرك بالحس، فذلك ارتفاع الفرش، وآخر يدرك بالعقل، فذلك ارتفاع الحور العين، فيكون ذلك، أيضا، شاهدا لمن جوز الجمع بين دلالتي المشترك: الحقيقية والمجازية.
(يُتْبَعُ)
(/)
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً: فدلالة الضمير هنا، أيضا، تحتمل المعنيين، وإن كان ما جاء عقيبه من أوصاف الحور من البكارة والتحبب إلى الأزواج بطيب القول والفعل والاعتدال في السن والخُلق، فضلا عن الإنشاء، وفيه معنى الإعادة، وهو الأليق بإعادة بعث أجساد نساء الدنيا من الزوجات اللاتي يدخلن الجنة مع أزواجهن، وإن كان كل ذلك مما: يرجح إرادة النساء بالفرش، فتلك قرينة لفظية قد يحتج بها منكر المجاز، فقد عينت المراد بلا حاجة إلى قرائن وعلائق عقلية كالتي تكون في المجاز وعلى حمل الفرش على المعنى الحقيقي يكون الضمير في: "أنشأناهن": عائدا على غير مذكور، كما نقل ذلك ابن هشام، رحمه الله، عن أبي عبيدة، رحمه الله، في: "شرح شذور الذهب"، فهو من قبيل قوله تعالى: (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ)، فالضمير عائد على الشمس ولم يتقدم لها ذكر، ولا يخلو عود الضمير على النساء على هذا الوجه من وجه لطيف، إذ السياق، أيضا، قد حسن ذلك بقرينة ذكر الفرش فينتقل العقل بداهة إلى الجالس عليها، فذلك لازمها العقلي، إذ الفراش لا ينتفع به إلا بالجلوس عليه، وبكمال وصف المجاور تكتمل المنة بالجلوس عليه، فلا يكفي طيب المحل إن كان المجاور فيه خبيثا، فذلك من جنس جار السوء، سواء أكان جارا جنبا في المسكن، أو صاحبا بالجنب في الحياة والفراش، فتلك ابتلاءات عظيمة يسلم منها أهل الجنان!.
ثم جاء الإطناب في ذكر أوصاف الحور، فذلك، كما تقدم آكد في تقرير المنة الربانية على أهل الجنان: فهن أبكار قد حسن لفظهن وفعلهن فالحورية: عروب تحسن التودد إلى زوجها، وذلك، أيضا، مما يتسلى به كثير من الأزواج في هذا الزمان رجاء نيله بعد طول عناء وصبر على الابتلاء الكوني النافذ!، وهن معتدلات في الخُلق والخَلق، فلا يقع بينهن ما يقع بين ضرائر الدنيا من الضر الذي اشتق اسمهن منه!، فهن ضر لبعضهن، وضر لزوجهن المسكين الذي يعاني الأمرين في هذا الزمان الذي خفيت فيه معالم هذه السنة فالعامل بها: مبتلى في كل بيت يحل فيه من بيوت نسائه!.
لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ: فاللام مئنة من الاختصاص فذلك آكد في تقرير المنة.
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ: فالفريقان من هذه الأمة، كما تقدم من ترجيح ابن كثير، رحمه الله، وذلك، أيضا، مما يزيد المنة، فهو مما يعظم به الأمل في نفوس العاملين فإن لم تدرك الأولى فالثانية كما تقدم، فما لا يدرك كله لا يترك كله.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 04 - 2010, 08:28 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ):
فذلك جار، أيضا، على ما اطرد من التهويل بالاستفهام، وقد يحتمل هنا، أيضا، لقرينة سياق الذم: التحقير على وزان قولك في تحقير من لا يؤبه به: فلان وما فلان؟!، تقليلا لشأنه، على ما تقدم من دلالة الاستفهام على الضدين: التعظيم والتحقير، والسياق هو الذي يعين المراد، فالسياق هنا يحتمل التهويل باعتبار سوء المآل، ويحتمل التحقير لتعلق وصف الذم بهم، فالمذموم شرعا: حقير الشأن بداهة.
ثم جاء الإطناب ببيان صور العذاب، فذلك من جنس الإطناب ببيان صور النعيم في سياق السابقين وأصحاب اليمين، فيكون ذلك من المقابلة بذكر الشيء وضده، فالإطناب في الأولين جار مجرى الوعد، فيحمل السامع على امتثال ما يؤدي إليه، والإطناب هنا جار مجرى الوعيد، فيحمل السامع على اجتناب ما يؤدي إليه، فأخبار الوعد والوعيد، كما تقدم مرارا، إنشائية باعتبار لازمها من الامتثال في معرض الترغيب بالوعد، والاجتناب في معرض الترهيب بالوعيد، فمن ذلك العذاب:
(يُتْبَعُ)
(/)
فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ: فالظرفية مئنة من الإحاطة، وذلك أبلغ في الإهانة في مقابل: (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ............ )، فالظرفية مئنة من الإحاطة، أيضا، ولكن في معرض الكرامة، فذلك مما يشهد لمعنى المقابلة بين أوصاف النعيم وأوصاف الجحيم، فالمقابلة بين الأضداد على جهة الاقتران، أمر قد اطرد في التنزيل، كما قرر ذلك الشاطبي، رحمه الله، فوعد يعقبه وعيد، ونعيم يعقبه جحيم، وثناء يعقبه ذم ...... إلخ، ونكر السموم، وهو الريح التي لا بلل فيها، والحميم وهو الماء الساخن الذي يقطع الأمعاء، كما في قوله تعالى: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ): فذلك من بيان مجمل صورة التعذيب بالحميم في هذا الموضع، كما تقدم مرارا من بيان مجمل التنزيل بمبينه، فنكرا تعظيما فذلك من النكاية بمكان، وهو أليق، بداهة، بسياق الوعيد تنفيرا مما يؤدي إليه، وظل من يحموم، وهو الدخان الأسود، و: "من" بيانية فالظل نفسه من الدخان، فهو ظل كلا ظل، فذلك من التهكم بهم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالظل مظنة التنعم فتتلهف إليه النفس لا سيما مع طول المعاناة بالسموم والحميم فإذا به ظل عذاب، فتكون المرارة أعظم، وذلك، أيضا، جار مجرى المقابلة مع ظل المؤمنين: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ).
وأطنب في نفي أوصاف الحسن عنه بتكرار النفي: (لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ)، فذلك من التوكيد، إمعانا في النكاية بانقطاع أملهم من أي خير ينالهم منه.
ثم جاء التعليل: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ):
فصدرت العلة المركبة من أكثر من وصف استحقوا به الذم، صدرت بالمؤكد، فذلك مئنة من التعليل، ويؤيده الفصل، فلا عاطف، كما اطرد مرارا من شبه كمال الاتصال بين العلة والمعلول، وفعل الكينوية مئنة من الديمومة، وذلك آكد في لحوق الذم بهم، واستحقاقهم العذاب، فكان حالهم المطرد فلا انقطاع له في الزمن الماضي، كان حالهم الترف مع الإصرار على الكفر، فـ: "أل" في: "الحنث" عهدية تشير إلى أعظم أنواعه، وهو الكفر والوصف بالعظم يؤيد ذلك، فإنه لا أعظم من الكفر والشرك ويؤيده من سياق آخر:
قوله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وقد يقال بأن: "أل": جنسية استغراقية لأنواع الحنث، فتشمل الكفر وما دونه فقد تنوعت معاصيهم، بل إن فساد الأصل، بوقوع الخلل في الاعتقاد يؤدي لزوما إلى فساد العمل فتتعدد صور العصيان، على ما اطرد مرارا، من التلازم بين الظاهر والباطن، فمتى فسد أصل الاعتقاد في القلب بالتصور الفاسد تولد عن ذلك من الإرادات القلبية الفاسدة ما تولد، فظهر أثر هذا الفساد العلمي والعملي الباطن على الظاهر، فالتلازم بينهما تلازم عقلي وثيق.
وكانوا مع ذلك يتهكمون بالاستفهام في معرض الإنكار والإبطال لبعثهم وبعث من تقدم من آبائهم: (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ). وقد جاء الإطناب بذكر ما بعد الموت والبلى من صيرورة الجسد المتحرك الحساس النامي عظاما ورفاتا، مئنة من عظم استبعادهم للبعث بعد الموت، وهو ما جاء الرد عليهم بالاستدلال بقياس الأولى في مواضع أخر من التنزيل: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)، وفي هذا الموضع بعينه: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ)، فقد علمتم النشأة الأولى، وهي أعسر من الإعادة، وكل على الرب، جل وعلا، هين، ولكنه جار مجرى التنزل مع الخصم في الجدال، فكيف تستبعدون الإعادة، وهي الأهون، فمن قدر على الأعلى قدر على الأدنى بداهة، فذلك وجه قياس الأولى في هذا النوع من الاستدلال على وقوع البعث، فهو لمن تأمله ضرورة شرعية فهي مما اتفقت عليه النبوات، فجاء
(يُتْبَعُ)
(/)
ذكرها متواترا في سائر الرسالات، وضرورة عقلية، فلا بد من دار بعد هذه الدار توفى فيها كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون فذلك العدل بعينه، والعدل قيمة إنسانية فطرية وقع إجماع العقلاء على استحسانها.
والترف في حد ذاته ليس سببا للعذاب، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فكم من مترف منعم في الدنيا، وهو مع ذلك مؤمن مصدق بقلبه ولسانه وجوارحه، فيكون ذكره باعتباره: مظنة التكذيب والإعراض عن قبول الحق، فذلك حال أغلب المترفين الذين يخشون زوال ما هم فيه من النعيم العارض إذا امتثلوا حكم الوحي الشارع، مع أن الشرع لم يأت بنزع ملكيات البشر، كما فعلت الشيوعية الحمقاء التي قابلت الظلم بالظلم، وصادمت ما جبل عليه الإنسان من حب التملك والاستقلال، وسار على منهاجها، أذنابها في الدول الاشتراكية، التي روجت للشيوعية باسم الاشتراكية تلبيسا من جنس تلبيس إبليس بتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية كما يفعل مستحلو الخمر في زماننا فيسمونها بما قد علم من الأسماء المعاصرة، فذلك ترويج للخمر المحسوس، وأما الخمر المعقول من نحاتة أذهان الشرق الملحد والغرب العلماني الكافر فيروج لها بأسماء من قبيل: الاشتراكية، ثم اليسار، ثم حاول المضللون، كما أشار بعض المفكرين المعاصرين، الإمعان في الخداع فنسبوه إلى الإسلام، فصار يسارا إسلاميا بعد أن كان شيوعية إلحادية، فذلك من التلطف مع المخاطب!، لئلا يصدم بالحقائق، ومن قبيل: الديمقراطية: التي حققت بعض المكاسب العقلية والمادية للغرب المأسور آنذاك في قيد كهنوت الكنيسة، ولكنها في المقابل أخرجت معتنقها من عبادة أرباب الكنيسة إلى عبادة أرباب الهوى، فصيرت الهوى مصدر التشريع فما رآه حسنا فهو حسن، ولو خالف الأديان والأعراف، بل والفطر، كما هو الحال في الدول التي تقنن الفواحش المغلظة التي تأباها كل فطرة، ولو كان صاحبها طالبا للذة العاجلة، معرضا عن أي شريعة نازلة، فمن لا دين له، إن كان له بقية عقل وفطرة فإنه يأنف مما وقع فيه أرباب الديمقراطية الزائفة التي تستعمل حينا، وتعطل حينا، فيكون الخروج على الأخلاق والأديان حرية فكرية، ويكون الرجوع إلى الأديان وإظهار شعائرها خطرا على قيم الديمقراطية الغربية، فكيف لو حاول أصحاب هذا الفكر المتطرف!، إظهار أحكام الديانة وإقامة جماعة تأتمر بأمر الوحي؟!.
أو يقال بأن الترف بمفرده ليس بعلة كاملة لوقوع العذاب، بل قد انظم إليه ما تلاه من الكفر والمعصية والتكذيب بالبعث، فتكون العلة من قبيل العلة المركبة من أجزاء ورد ذكرها في الآيات الثلاثة المتعاقبة.
ووصف الترف من وجه آخر: حاصل لكل كافر في هذه الدنيا، وإن رق حاله، فما هو فيه من ضنك في الحياة الدنيا: نعيم بل ترف إذا ما قورن بجزائه في الدار الآخرة، فذلك وجه لطيف أشار إليه ابن حجر، رحمه الله، في سياق مناظرة له مع أحد فقراء اليهود في قصة معروفة.
فجاء الرد عليهم: (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ): فأطنب في إثبات ما أنكروه بذكر الأولين والآخرين في مقابل إنكارهم بعثهم وبعث آبائهم الأولين، وجاء الإثبات مؤكد بـ: "إن"، واللام الداخلة على الخبر: "لمجموعون".
ثم جاء الإطناب في بيان صور من عذابهم إمعانا في النكاية:
(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ)، فجاء التوكيد مرة أخرى إمعانا في التهديد بالوعيد، فضلا عن كون النداء في سياق الذم يدل على نوع تهديد، وجاء النداء بأوصاف السوء، فذلك أبلغ في الإهانة، فالتكريم يكون بنداء الإنسان بأحسن أوصافه، وليس لهم من ذلك نصيب، فهم مكذبون ابتداء، فذلك فساد الاعتقاد، ضالون انتهاء فذلك فساد العمل الناشئ عنه، على ما اطرد مرارا من التلازم بين القول الباطن والعمل الظاهر صحة وفسادا.
ثم جاء التوكيد باللام: (لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ)، وفرع عنها بالفاء، وهي هنا سببية لعطفها وصفا على وصف، كما أشار إلى ذلك صاحب "مغني اللبيب" رحمه الله، فالوصف الثاني ناشئ عن الوصف الأول، فآكلون منها إلى حد الامتلاء، فذلك أبلغ في لحوق الأذى بهم من خبثها ونتنها، فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ: فيكون ذلك من النكاية في المشروب بعد ورود النكاية في المطعوم، فاستوفي الشطرين كما استوفاهما في حق الأولين من أصحاب النعيم في قوله تعالى في نعيم السابقين: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)، وقوله تعالى في نعيم أصحاب اليمين: (وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ).
ثم أعيد الوصف: (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) توكيدا في معرض الذم، كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، وجاء المصدر مبينا لنوع عامله، فشربهم شرب الهيم، وهو شرب الدابة التي لا ينقطع شرابها لحمى في أمعائها فلا تزال تشرب ولا تروَى مع ما يعانونه من ألم الحميم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك، أيضا، من الذم بمكان، ثم ختم السياق بالتهكم بهم فذلك ألم نفساني بعد سلسلة من الآلام الجسدية، فهذا نزلهم، فالتفت إلى الغيبة: "نزلهم"، تحقيرا من شأنهم، وجاء تصدير الكلام بالنزل وهو مظنة التكريم، فذلك جار مجرى الإهانة في نحو قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ).
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 04 - 2010, 07:45 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ):
فذلك جار مجرى الاستدلال بآيات الربوبية الكونية على وجوب تصديق آيات الألوهية الشرعية، ولما كان السياق سياق امتنان وتذكير بنعمة الإيجاد المعجز، بتقدير الخلق من الأزل، والبرء من العدم، والتصوير على هذا النحو من الإتقان، ناسب ذلك أن يرد المسند إليه على حد ضمير الجمع، فهو، كما تقدم مرارا، على وزان قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)، فالجمع مئنة من التعظيم ودليل على تعدد أوصاف كماله التي بها كان الخلق، فالجمع باعتبار المعاني القائمة بالذات القدسية، التي عنها تصدر الكلمات الكونية النافذة بالتقدير الأزلي والخلق الإيجادي، فعلم أزلي ثم كتابة، ثم مشيئة لوقوع المقدور، ثم خلق له، بقدرة نافذة وحكمة بالغة، فيقع كما قدره الرب، جل وعلا، أزلا، بلا زيادة أو نقصان، فذلك وصف صنعه المتقن، فحياة الكائن الحساس من الحي الذي لا يموت، نفخها فيه، فهو الحي حياة الأزل والأبد على جهة الكمال المطلق فلا يعتريها ما يعتري حياة البشر من النقص والفناء والعدم، المحيي لغيره فذلك فعله في خلقه، وبعد الخلق العناية فهي من قيوميته، عز وجل، فمنها، أيضا، قيومية الذات فلا يفتقر إلى ما سواه، وقيوميته لعباده إعدادا للمحال لقبول أسباب الصلاح الكوني والشرعي، وإمدادا بأسباب ذلك من الوحي النازل والغذاء النابت، فهو قيوم الروح بالوحي الشرعي، قيوم البدن بالقدر الكوني، إذ يسر أسباب الحياة فلم يخلق العباد هملا، ولم يخلقهم ثم احتار كيف يرزقهم!، بل منته بالخلق، ثم بالعناية بحفظ المخلوق بأسباب الشرع والكون، وهما الدلالتان اللتان اطرد الاحتجاج بهما في مقام إثبات وجوب إفراده، جل وعلا، بأجناس التأله، فجاء التذكير على حد الاختصاص والتوكيد بتقديم المسند إليه: (نحن)، وإيراد المسند فعلا: (خلقناكم)، فنحن تعيينا لا غيرنا خلقناكم، إن كان المخاطب قد بلغ به فساد العقل أن يعتقد أن غير الله، عز وجل، قد خلقه!، أو نحن تعيينا وحدنا فلم يشركنا أحد لمن اعتقد مشاركة غير الله، عز وجل، له في الخلق، فنحن على كلا التقديرين، خلقناكم، نفيا لانفراد غيره، تبارك وتعالى، بخصيصة من خصائص الربوبية التي لا يتصف بها غيره، ونفيا لمشاركة غيره له فيها، فهي، كما تقدم، خصيصة، والخصيصة لا تتصور فيها الشراكة فذلك مبطل لمعنى الاختصاص فيها، فلم يخلقكم غيرنا، ولم يشركنا غيرنا في خلقكم، فإذ كان الأمر كذلك، وكان وصف الربوبية فيه، تبارك وتعالى، متحققا وفي غيره متخلفا، صار الواجب شرعا وعقلا، إفراده، جل وعلا، بالتأله الشرعي، فرعا عن انفراده بالخلق والتدبير الكوني، فلا إله إلا هو إذ لا رب إلا هو، فلا يستقل بالخلق والإيجاد إلا هو، فغيره سبب يتوصل به إلى الخلق، فالتقاء النطف سبب لإيجاد الحياة فلا يوجبها فكم من نطف قد استقرت في الأرحام، ولم يشأ الرب، جل وعلا، لها البقاء ففنيت قبل نفخ الروح أو بعده، ونفخ الملك سبب، فلا يدبر أمر النطفة وكتابة الرزق والأجل والمصير إلا بإذن الرب العلي القدير، فلا بد أن تنتهي الأسباب إلى سبب ليس وراءه سبب، هو كلمته الكونية النافذة الصادرة عن كمال أوصافه الفاعلة في خلقه إيجادا وإعدادا وإمدادا، فهو الرب، المستحق بذلك الإفراد بالتأله باطنا وظاهرا، فهلا تصدقون، على جهة الحض، إذ الخطاب لمنكري البعث وجاحدي الشرع، فهلا إذ علمتم انفراده بالربوبية أفردتموه بالألوهية، فضمنت: "لولا" معنى الحض الذي يرد في سياق الإنكار، وقد يرد في سياق الإكرام في نحو: هلا زرتنا، فيكون عرضا لا إزعاج فيه كالحض الذي تزعج فيه النفوس إزعاجا فهي مظنة التقصير الذي يستوجب زجرا وتوبيخا ليمتثل المقصر ما فرط فيه، والقرينة السياقية، كما تقدم مرارا، هي التي تعين مراد المتكلم من الألفاظ ذات الدلالة المعنوية المزدوجة، فـ: "لولا": للحض والتوبيخ في موضع، وللعرض والتكريم في موضع، وتلك دلالتان متضادتان للفظ واحد، فينزل منزلة الأضداد من هذا الوجه، وهي من أشد الألفاظ إجمالا
(يُتْبَعُ)
(/)
لازدحام المعاني المتباينة بل المتضادة فيها، فدلالة اللفظ على الشيء وضده توقع السامع في حيرة، فلا ينجلي له الأمر إلا بقرينة سياقية تعين مراد المتكلم، فقرينة خطاب المنكر في هذا السياق قد رجحت معنى الحض والتوبيخ، فلا يتصور أن يكون الخطاب عرضا رفيقا، فزجر المشرك مقام جلال لا يحسن فيه خطاب الجمال، فزال الإجمال في اللفظ بقرينة السياق، وذلك أصل مطرد في بيان دلالات الألفاظ المشكلة، وبه استدل من استدل على نفي وقوع المجاز في الكتاب العزيز، فلا يخلو السياق من قرينة تعين المراد فتحرف دلالته إلى المعنى المرجوح، إن كان هو المراد، فذلك مما يرجح خلاف ظاهر اللفظ، وهو عند التحقيق، الظاهر المراد في هذا الموضع، وإن لم يكن كذلك في مواضع أخر، أو كان خلاف الظاهر المتبادر من دلالة اللفظ المعجمية التي لا ينظر فيها إلى قرينة السياق، فقرينة السياق التي لا يمكن معرفة المراد بمعزل عنها، جزء من الدلالة المعنوية للفظ في هذا الموضع بعينه، فيكون الظاهر المتبادر في هذا الموضع مركبا من اللفظ ذي الدلالة المعجمية والقرينة المعينة للمراد منه فهو محتمل لأكثر من معنى ولو مرجوحا، وهو غير الظاهر المتبادر منه في مواضع أخر لاختلاف القرينة، فهي هنا، على سبيل المثال، ترجح معنى التوبيخ، وفي سياق العرض الرفيق من قبيل: هلا زرتنا ترجح معنى التكريم، واللفظ في كلا السياقين حقيقة في المعنى المراد منه فانتفى المجاز من هذا الوجه، ومن يثبت المجاز فإنه يعتمد القرينة أيضا في تعيين المعنى المراد ولكنه يزعم دلالة اللفظ ابتداء على غيره بحكم الوضع الأول الذي تحرف القرينة دلالته إلى المعنى المراد، فدلالة اللفظ عنده إفرادية فليس السياق جزءا منها بل هو قرينة دالة عليها، بخلاف الأول الذي يرى القرينة السياقية جزءا من معنى اللفظ، فلكل لفظ معنى بعينه تبعا للسياق الذي يرد فيه كما تقدم. والخلاف في مثل هذه المواضع يكاد يكون نظريا، فمؤدى القولين واحد، وإنما يظهر أثر الخلاف، كما تقدم في مواضع أخرى، في الخبريات التي لا يدرك العقل أو الحس حقيقتها، فلا قرينة من عقل أو حس تشهد لتأويلات المتأولة في باب كالأسماء والصفات، فإن لم توجد قرينة لفظية تدل على خلاف الظاهر: وجب حمل اللفظ على الظاهر اللائق بجلاله عز وجل، وإن وجدت القرينة فلا تأويل، لأن الظاهر، حينئذ هو المراد، أيضا، ولكنه، كما تقدم: مركب من الدلالة المعجمية الإفرادية والدلالة السياقية التركيبية.
فثبت معنى الزجر الحامل على التصديق، فهلا صدقتكم بالوحي، ولا يكون تصديق إلا بقرينة الامتثال، فليس التصديق معرفة مجردة من العمل، فالعمل بينة العلم، فهو الشاهد له، فلا ينفك عنه، فذلك من التلازم الوثيق الذي سبقت الإشارة إليه مرارا، فلا ظاهر إلا بباطن يصدر عنه صدور المعلول من علته، أو اللازم من ملزومه، أو النتيجة من سببها، فكلها علائق وثيقة لا انفكاك بين طرفيها، فالتصور العلمي مؤد لا محالة إلى حكم عملي، يشهد له، وإلا كان كذبا أو نفاقا، فلم يتصور صاحبه ابتداء، جحودا أو إنكارا أو جهلا أو نفاقا، ليمتثل انتهاء، فتصديق الخبر على جهة الإقرار الجازم نصف، وامتثال الحكم على جهة الانقياد نصف آخر، بهما تكتمل حقيقة التصديق، وإلا كان، كما تقدم، دعوى عرية عن البرهان، بل التصديق في نصوص الوحي قد جاء بمعنى البرهان العملي، كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ"، فذلك نص في محل النزاع يحسم الخلاف في دلالة التصديق على العمل فهو دال عليه من كل وجه، إما: تضمنا، إذا أفرد عنه بالذكر، فيدل على العلم الباطن ودليله من العمل الظاهر، وإما لزوما إذا اقترنا، فيستقل التصديق بالباطن، ويستقل العمل بالظاهر، وإن كان منه ما هو باطن كالتوكل والاستعانة والرجاء والإنابة ...... إلخ من الحركات القلبية بالإرادات العملية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي الآية من قياس الأولى ما يحتج به المستدل في معرض إبطال شبهة منكر البعث، فإن من خلق ابتداء قادر على الإعادة انتهاء، فذلك أهون عليه، ففعله له ثابت من باب أولى، فهلا صدقتم بالبعث اختيارا إذ أقررتم بالخلق الأول اضطرار فـ: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)، فلم ينكر ذلك إلا مسفسط جاحد لسان حاله شاهد بكذب مقاله.
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ:
فتلك إشارة إلى أصل الإنسان المهين، وفيه إشارة إلى عظم قدرة الرب، جل وعلا، إذ أخرج الإنسان الكامل من هذه النطفة، ولذلك ناسب ذلك الحال الاعتباري الذي يعمل فيه العقل في المحسوس توصلا إلى المعقول، فيعتبر بما يدركه بحسه الظاهر من خلق النطف في الأصلاب، ثم قرارها في الأرحام لتصير علقة فمضغة .... إلخ، وكل ذلك مما تيسر إدراكه بالحس الظاهر، فصار ذريعة إلى إعمال الحس الباطن فيه تدبرا وتأملا، ليتوصل بذلك إلى أن إعادة الخلق أهون على الرب الخالق البارئ المصور، جل وعلا، من بدئه، وفي التنزيل: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ)، فيبدؤه من العدم تقديرا في الأزل فبرءا في عالم الشهادة على ما قد قدر، فتصويرا لكل جنين في أحسن تقويم، فامتاز كل إنسان بصورة جينية باطنة وخلقية ظاهرة، فلا يشترك اثنان في صورة واحدة، وإن كانا توأمين متماثلين، فلكل صورته، ولكل سره اللطيف الذي يسري في بدنه الكثيف، فالملك قد نفخ في كل روحه، بإذن الرب العلي القدير، فلم تنفخ فيهما روح واحدة مع مسيس الاتصال بينهما في الرحم الواحد، فلا بد أن يستقل كل كائن بقدر فارق يميزه عن بقية الكائنات، ولو كانت من جنسه ونوعه، بل لو كانت قسيمته في الخلق الظاهر، فلكل توأم من التوأمين، ولو كانا متماثلين ما يمتاز به عن توأمه، فبينهما قدر مشترك، يزيد أو ينقص، فيزيد حتى يبلغ حد التماثل في الظاهر، وينقص شيئا إن كان التوأمان غير متماثلين، ويقل أكثر لو كانا أخوين متتاليين، ويقل أكثر لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى، فلكل خصائصه وطبائعه الظاهرة والباطنة، ويقل أكثر وأكثر لو كانا متباينين، فلا نسب قريب أو بعيد بينهما، ويزيد أكثر باختلاف الأمصار والبيئات، فمن كان في مصر بارد فله من الخصائص البيولوجية والنفسية ما يلائمه، ومن كان في مصر حار فله أيضا من الخصائص ما يلائمه، فذلك من إتقان صنع الرب القدير الحكيم، جل وعلا، بأن أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، فأعطى الأوروبي خلقة تلائم برودة مصره، وأعطى الإفريقي خلقة تلائم حرارة مصره، وأعطى أهل الشرق خلقة تلائم اعتدال أمصارهم، فكان تنوع الخلق بإيجاد كل الأفراد والأجناس على هذه الهيئات المتقنات، فلكل خلقه الملائم لحاله، كما تقدم بيانه، فللذكر ما يلائمه من القوى والملكات التي يغلب عليها القوة في: البدن والعقل، وللأنثى ما يلائمها من الملكات التي يغلب عليها الضعف في البدن والقوة في: القلب لمكان الأمومة التي تقتضي عاطفة ورحمة، ومكان السكن الذي يقتضي لطفا ومودة، فتلك من آيات الرب، جل وعلا، في تنويع الملكات لتظهر حكمته في تكاملها لا تعارضها، كما يظهر في المجتمعات التي تبادل فيها الجنسان الأدوار، وتظهر قدرته في خلق المتضادات على نحو يقع به التكامل فينتظم أمر هذا العالم بما أجراه الرب، جل وعلا، من السنن الكونية المحكمة، ويظهر غناه إذ لم يفتقر إلى الصاحبة أو الولد كما يفتقر كل جنس إلى زوجه، فبفقر العبد يظهر كمال غنى الرب الذاتي، فالغنى وصف ذات لازم له، جل وعلا، أبدا، والفقر وصف ذات لازم أبدا للعبد، فبفقر العبد الذاتي إلى الصاحبة شهوة والولد استبقاء للأصل، يظهر غنى الرب، جل وعلا، الأول بذاته وصفات كماله.
(يُتْبَعُ)
(/)
وذلك القدر الفارق بين كل نوعين أو فردين في الخلقة الظاهرة مما ينتفع به في سائر العلوم كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم، فبه يقع التمايز بين أي موجودين باستقلال كل بسمات لا توجد في غيره، وذلك، كما تقدم، مئنة من إتقان صنع الباري، عز وجل، وبه يزول إشكال النفاة والمؤولة في باب الصفات الإلهية إذ القدر المشترك بين الأوصاف التي يجوز إطلاقها على الرب، جل وعلا، والعبد معا، لا يلزم منه التماثل أو التشابه إلا في المعاني الكلية المشتركة التي لا توجد إلا في الأذهان فلا وجود لها في الخارج ليلزم من إثباتها تمثيل أو تشبيه، والقدر الفارق هو الذي به يستقل كل موصوف بما يلائم ذاته كمالا أو نقصانا، فكما وقع التفاوت بين البشر، كمالا أو نقصانا، فليس علم العالم كعلم الجاهل وإن اشتركا في أصله، فالتباين كائن في العلم فرعا عن التباين في الذات، فتتفاوت العلوم بتفاوت أصحابها، فلم يلزم من اشتراكهم في أصل الصفة اشتراكهم في قدرها، فلكل منهم قدر منها يلائم حاله، فكما وقع ذلك في عالم الشهادة، فوقوعه في عالم الغيب بالنظر إلى صفات الرب، جل وعلا، كائن من باب أولى، فليس مجرد الاشتراك في الوصف الكلي الجامع بمقتض الاشتراك في المعنى الجزئي خارج الذهن، بل لكل، كما تقدم، وصفه الذي يليق به كمالا أو نقصانا، فالقدر الفارق بين علم الرب، جل وعلا، المحيط، وعلم العبد، كالقدر الفارق بين ذات الرب، جل وعلا، القدسية، وذات العبد الأرضية الطينية.
فناسب ذلك الحال الاعتباري: الإتيان بفعل الرؤية: (أفرأيتم): الذي يدل على نوع تعجب من حال المرئي، فالرؤية فيه تحتمل الرؤية القلبية العلمية، نظرا وتدبرا، وهي المراد الأول في هذا السياق، ولا يمنع ذلك من إرادة الرؤية البصرية الحسية فبمدركاتها الحسية تعمل القوى الباطنة تصورا وحفظا وتعقلا، فالقوة الحسية الظاهرة لا تنفك عن أثر ظاهر في القوة القلبية الباطنة، فما تشاهده العين تخييلا، تتحرك النفس فيه فكرا ونظرا، فلا يتحرك القلب معنى إلا فرعا عن حركة العين حسا، فذلك من التلازم الوثيق في التأثير والتأثر بين الباطن العلمي والظاهر العملي، فالعين تؤثر في القلب بما تراه حسا، فإن كان المرئي صالحا أفاد القلب صلاحا بما يكتسبه من صورة علمية نافعة يحفظها ثم يتحرك في أرجائها بما أوتيه من قوى الفكر فيتولد من تلك الحركة الباطنة إرادات عملية نافعة يظهر أثرها على القلب، وأعماله من الدقة بمكان، ولذلك كان مرد الأمر عند التحقيق إليه فالقيام بصورة العمل الظاهر وإن كان فيه مشقة إلا أن تحرير النية قبل الشروع فيه وأثناءه بل وبعده من أعسر ما يكون إذ لا حظ للنفس فيه، وأعمال القلوب إجمالا من توكل ورجاء وإنابة ...... إلخ، أعسر من أعمال اللسان والجوارح، فالصور الظاهرة قد تتساوى في الأداء وبينها من التفاوت فرعا عن التفاوت في منشئها الباطن ما لا يحصيه إلا رب الأرض والسماوات، والقلب يؤثر في العين أيضا، فذلك من تأثير الباطن العلمي على الظاهر العملي، فالأول تصور والثاني حكم يتولد منه، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، فيصدق إيجابا أو سلبا، قبولا أو ردا فرعا عن التصور الأول، فمرتبة التصديق تلي مرتبة التصور كما اطرد في كلام أهل النظر، فصار التلازم بين الباطن والظاهر كائنا بل واجبا، بخلاف من توهم إمكان تجريدهما فافترض باطنا مجردا من ظاهر يدل عليه، إذ بصلاح الباطن يصلح الظاهر لزوما، فللتابع حكم المتبوع، وللفرع حكم الأصل الذي تولد منه، فجنود البدن الظاهر تأتمر بأمر الملك الباطن، فلا تصدر إلا عن وحيه، وافترض في المقابل ظاهرا مقطوع النسبة إلى الباطن، فيصح عنده أن يكون الباطن في غاية الصلاح، والظاهر الدال عليه لزوما في غاية الفساد، وهذا قول في غاية الفساد ينقض ما يجده المكلف من نفسه اضطرارا من تلازم وثيق بين إرادته الباطنة وأفعاله الظاهرة فهو حساس متحرك بإرادة مختارة، وإن كانت لا تخرج عن إرادة الرب الخالق، جل وعلا، الذي خلقه وخلق إرادته ويسر له أسباب الصلاح فضلا، أو الفساد عدلا، فبحكمته أعطى كل نفس ما يلائمها فأعد نفوسا للخير وأمدها بأسبابه، وأعد أخرى للشر وأمدها بأسبابه، وكل ميسر لما خلق له، فلا يمكن أن يخالف الظاهر الباطن
(يُتْبَعُ)
(/)
إلا لعارض من نفاق أو إكراه، وذلك خروج عن الأصل فلا يقاس غيره عليه.
ثم جاء الاستفهام في معرض التحدي واستنطاق الخصم بالحجة: (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ)، فلم يدع عاقل خلق النطف والأجنة إلا أن يكون مختل العقل فاسد المزاج.
وفيه من قياس الأولى ما يبطل قياسهم الفاسد فقد قاسوا الغائب على الشاهد مما يرونه من فناء الأجساد، فجعلوا ذلك ذريعة إلى إنكار البعث والنشور، ولو قاسوا ذلك على خلقهم من النطف المذرة لكان ذلك أنفع لهم في تقرير أمر البعث، بطريق الأولى، فمن خلق ابتداء، كما تقرر، مرارا، قادر على البعث انتهاء، وتلك من إشارات صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله النافعات.
وقدم المسند إليه في معرض الإنكار إمعانا في التوكيد على ما اطرد من كلام البلاغيين من تقديم المسند إليه: (أنتم) وتأخير المسند: (تخلقونه)، إذا كان فعلا.
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ: فقد قدر الرب، جل وعلا، الموت والحياة، أزلا، وجاءت استعارة معنى التقسيم للأمور المادية لأمر الحياة والموت المعنوي. وما الله، عز وجل، بعاجز عن أن يستبدلهم بأمثالهم، فسنة الاستبدال من السنن الكونية الجارية، وفي التنزيل: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
أو هو من قياس الأولى، فإن من أبدعهم ابتداء، قادر على إنشائهم انتهاء، فهو القادر، عز وجل، على أن ينشئ أجسادا أخر يودع فيها أرواحهم فتتنعم أو تتعذب فيها، فإعادتهم، كما تقدم، أهون من إنشائهم ابتدا، فإعادة الخلق وجمعه أهون من إنشائه وبدعه.
وقدم المسند إليه وأخر المسند الفعلي الذي نسب عامله إلى ضمير الفاعلين مئنة من التعظيم، على ما اطرد من دلالة التخصيص، ففيه مزيد عناية ببيان تقديره، عز وجل، لأمر الموت والحياة، فهو المنفرد بتقدير الآجال، وإنما تجري الأسباب على وفق ما قد قدر أزلا، فدلالة التخصيص في هذا الموضع تنفي نسبة الفعل إلى غيره على تقدير، نحن لا غيرنا قدرنا بينكم الموت، وتنفي اشتراك غيره، تبارك وتعالى، معه في ذلك، على تقدير: نحن وحدنا قدرنا بينكم الموت، فانتفى استقلال غيره بالفعل، وانتفى اشتراك غيره معه، فله، تبارك وتعالى، كمال الانفراد بالخلق تقديرا في الأزل وإيجادا في عالم الشهادة.
والنفي، كما اطرد في الكتاب العزيز، مراد لغيره فما نحن بعاجزين لكمال قدرتنا، فالنفي يتضمن إثبات كمال الضد كما اطرد في هذا الباب الجليل.
والرب، جل وعلا، هو المنشئ من العدم، فوصفه بالإنشاء من أوصاف أفعاله، عز وجل، فلا يطلق عليه المنشئ إطلاق الاسم، وإنما يطلق عليه إطلاق الوصف أو الخبر.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"وأما الإنشاء فإنما وقع إطلاقه عليه سبحانه فعلا كقوله: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} وقوله: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ} وقوله: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} وهو كثير ولم يرد لفظ المنشئ وأما العبد فيطلق عليه الإنشاء باعتبار آخر وهو شروعه في الفعل وابتداؤه له يقول أنشأ يحدثنا وأنشأ السير فهو منشأ لذلك وهذا إنشاء مقيد وإنشاء الرب إنشاء مطلق وهذه اللفظة تدور على معنى الابتداء أنشأه الله أي ابتدأ خلقه وأنشأ يفعل كذا ابتداء وفلان ينشئ الأحاديث أي يبتدئ وضعها والناشئ أول ما ينشأ من السحاب". اهـ
"شفاء العليل"، ص218.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 04 - 2010, 08:42 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)
فذلك جار مجرى ما تقدم من الرؤية التي تفيد التعجب، والمعنى: الحض على التبصر في حال النبات الذي تحرث له الأرض، فتقدير الكلام على جهة الحذف والإيصال كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله: أفرأيتم ما تحرثون له الأرض من النبات، فالاستفهام يفيد التوبيخ للغافل والإرشاد للعاقل، والحض على التدبر الذي جرى عليه السياق وفيه نوع زجر وحمل على التفكر يرجح معنى التوبيخ على ما اطرد مرارا من دلالة السياق على مراد المتكلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقدم المسند إليه على المسند الفعل على ما اطرد مرارا من دلالة التخصيص والتوكيد، ووجه التدبر هو الجامع بين إنبات الزرع من البذر، وإنبات الجسد من النطفة، فضلا عن كون الإنسان باعتبار أصل نشأته نابتا من الأرض بل ناميا منها فإن كل ما يتغذى به يرجع في أصله هو الآخر إلى الأرض فـ: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)، فـ: "من": ابتدائية، فضلا عن دلالتها الجنسية، فابتداء غاية الخلق من الأرض، والإنسان قد خلق من جنس التراب الذي هو مادتها، وكذلك القول في قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا): فابتداء غاية الإنبات من الأرض، وهو كائن من مادة الأرض الطينية.
ومن قوله تعالى: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)
فلو شاء الله، عز وجل، لجعله حطاما، فمشيئته نافذة لا راد لها، فظلتم تفكهون إما:
حزنا، فيكون السياق جاريا على المعتاد من أحوال البشر الذين يندمون ولات ساعة مندم.
وإما أن يحمل التفكه على معنى التبسط فهو الأضداد، فيكون ذلك من التهكم بهم، فذلك في مقابل استهزائهم بآيات الله عز وجل، فالجزاء من جنس العمل.
وذلك مما يشهد لمن قال بعموم دلالة المشترك على كل معانيه، على سبيل الشمول، فاللفظ مع كونه من الأضداد، والأضداد مظنة الافتراق فلا تجتمع، إلا أن السياق احتمل كلا على وجه يفيد معنى جديدا، فكان الأولى حمله على معنييه، إثراء للسياق على ما اطرد من وجوب حمل ألفاظ التنزيل على كل الوجوه التي تفيد معان صحيحة فذلك من وجوه إعجازه اللفظي، إذ المباني قليلة والمعاني كثيرة.
أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ:
ثم انتقل إلى بيان المنة بإنزال الماء الذي تسقى به الأشجار التي تقدم ذكرها في معرض الدلالة على ربوبية الإيجاد من البذر والامتنان بالزرع والثمر، فهو مادة الحياة التي تباشر البذر فتستثيره فينمو في الأرض ضاربا وفي السماء عاليا، أو نجما ساجدا، فالماء مادة الحياة من جنسه خلق الأحياء وبه تحفظ الحياة النباتية النامية والحياة الحيوانية المتحركة، فجاء التذييل بالوصف بالموصول زيادة في الامتنان، ففيه تعليق للمنة بوصف الشرب فهو من آكد صور الانتفاع بالماء النازل، وذكر فرد من أفراد العام في معرض الامتنان لا يخصصه، فليس الماء النازل للشرب فقط بل منه ما هو لسقي الزرع، ومنه ما يعدن في باطن الأرض ومنه ما تسجر به البحار التي تجري فيها الفلك.
ثم جاء استنطاق الخصم بالجواب الذي يظهر به عجزه في مقابل قدرة الرب، جل وعلا، فهو عاجز عن إنشاء السحاب، وعاجز عن إنزال الماء الزلال منه، فالرب، جل وعلا، هو منشئ السحاب على جهة التجدد والاستمرار فهو من أفعال ربوبية التدبير للأحداث الكونية فينشئ السحاب ويجري به الرياح، فـ: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ).
لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ: ففيه طباق خفي يفيد بلطف معناه إلى عظم المنة الربانية، فالطباق بين الأجاج والعذب، والنازل من السماء عذب، فحصل الطباق في المعنى وإن لم يحصل في اللفظ، فلا طباق بين المزن والأجاج، وإنما الطباق يكون بين العذب والأجاج.
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ: ففيه انتقال من نعمة الزرع النابت إلى ما يتعلق به من إشعال النار على ما اطرد في الرؤية العلمية التي توجب التعجب من خلق النار من مادة الشجر الرطبة، على وزان قوله تعالى في معرض بيان قدرته الإيجادية: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)، واستنطاق الخصم بالجواب بسؤال توبيخي تقريعي، ثم جاء النص على وجه المنة فـ:
(يُتْبَعُ)
(/)
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ: على ما اطرد من التخصيص بتقديم المسند إليه وتأخير المسند الآتي على حد الفعل، فاتصل به ضمير راجع إلى المسند إليه، فأفاد التوكيد بتكرار الفاعل: ظاهرا معنويا، فالمبتدأ فاعل في المعنى، ومضمرا لفظيا، وضمير الجمع، كما اطرد، أيضا، مئنة من تعظيم المنة الربانية في معرض التذكير بعناية الرب، جل وعلا، فعظمها من عظم جاعلها، عز وجل، فوصف الجعل تنقسم مادته إلى:
جعل كوني نافذ: وهو إما أن يكون في معرض الامتنان بأثر وصف جمال الرب، جل وعلا، عناية بعباده، كما في هذا السياق، وإما أن يكون في معرض الأخذ بالعذاب، فذلك من أثر وصف جلال الرب، جل وعلا، كما في قوله تعالى: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا).
وجعل شرعي حاكم: فلا يكون بداهة إلا من آثار وصف جمال الرب، جل وعلا، كما في قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، فتكلم الرب، جل وعلا، به، على الوجه اللائق بجلاله، وأنزله، قرآنا عربيا، فالمنة حاصلة بإنزاله، وجمعه في صدر النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو قرآن قد اقترنت سوره وآياته، بأفصح لفظ وأبلغ عبارة، ثم ذيلت الآية بعلة ذلك على ما تقرر مرارا من التلازم الوثيق بين الربوبية والألوهية، فلعل: تفيد التعليل في مثل هذا الموضع، كما ذكر ذلك الأخفش، رحمه الله، فتيسيره للذكر بتيسير تلاوته وتدبر معانيه لوضوح ألفاظه وعباراته، فإذا تيسر ذكره، وتيسر فهمه، وحصل عقل المعنى في الباطن، ظهر أثر ذلك لزوما من أعمال القلب من خشية وتوكل ورجاء ...... إلخ، وأعمال اللسان والجوارح، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين: التصور العلمي الباطن، وما يتولد عنه من الحكم العملي سواء أكان باطنا: كسائر حركات القلب النافعة، أم ظاهرا كسائر حركات اللسان، وأعمال الجوارح.
فالعقل: عقل للمعاني بحصول صورة المعنى في الذهن، فبه تقام الحجة الرسالية على السامع، فذلك من جنس السمع العام الذي يدرك به المخاطب ألفاظ الحجة فتحصل معانيها في الذهن، وعقل تال لا يكون إلا لمن سدده الرب، جل وعلا، فعقل عن الرب، جل وعلا، خبره وحكمه الذي جاءت به رسله، عليهم السلام، فصدق الخبر وامتثل الحكم فذلك العقل النافع، الذي يختص به أعيان المسددين دون سائر المكلفين الذين اشتركوا في العقل العام الذي لا يكون تكليف إلا بوجوده فزواله زوال للتكليف ابتداء، كما قرر الأصوليون والفقهاء في شروط التكليف الشرعي، فهو من جملة أركان الاستطاعة الشرعية التي يتعلق بها التكليف فيتوجه إليها الخطاب بالتصديق، والأمر والنهي، بخلاف الاستطاعة الكونية التي يقع بها الفعل فهي قدر زائد من جنس السمع الزائد: سمع التصديق والامتثال، والعقل الزائد فهو أيضا: عقل الانتفاع بالتصديق والامتثال كما تقدم.
وناسب الجميع التعظيم بالإسناد إلى ضمير الفاعلين، وقد نكرت التذكرة تعظيما لقدرها، وكذلك المتاع فهو متاع لمن هو بأرض قفر، ولمن خلا بطنه من الطعام باعتبارها آلة الطهي فالقواء معنى كلي مشترك يدل على الفراغ، فحمله على كلا المعنيين: السير في الأرض القفر الفراغ، والبطن الفارغ، إثراء للمعنى إذ لا تعارض بينها، فهي إما أن تكون على جهة الاشتراك المعنوي في الأصل وهو مادة القواء أو الفراغ، وإما أن تكون على جهة الاشتراك اللفظي بالنظر إلى المعاني الفرعية إذ لا يظهر للوهلة الأولى معنى مشترك يجمع بين الأرض القفر والبطن الخاوية، ولا يمنع ذلك، أيضا، حمل اللفظ على كلا المعنيين إذ يحتملهما بلا تكلف، فضلا عما في ذلك من زيادة في تقرير المنة الربانية، فيكون ذلك جاريا على مذهب من يقول بعموم المشترك اللفظي عموما شموليا لا بدليا، فيشمل كل معانيه في سياق واحد لاحتماله إياها على نحو لا تكلف فيه، بل هو، كما تقدم، يزيد في المعنى ويثريه، وهذا اختيار صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ: فذلك تسبيح للرب الجليل، تبارك وتعالى، على ما تقدم في مواضع سابقة، من دلالة الاسم على المسمى في هذا الموضع بعينه، فالاسم للمسمى، فلا يقال بأنه عينه أو غيره مطلقا، بل لا بد من التفصيل لئلا يقع القائل في النفي والتعطيل، فمن أطلق القول بأن الاسم هو عين المسمى، فقد يقع في نفي الأسماء وما تتضمنها من صفات الكمال، فبتسوية الاسم بالذات التي يطلق عليها، تصير الأسماء كلها متماثلة من كل وجه، فيكون السميع هو عين البصير هو عين العليم ..... إلخ، فتؤول كلها إلى معنى واحد، ولازم ذلك نفي ما تضمنته من صفات الكمال، والصحيح أنها متماثلة من وجه دون وجه: فهي متماثلة من جهة دلالتها على الذات القدسية التي تطلق عليها، وهي متباينة من جهة دلالتها على الصفات التي اشتقت منها، فذلك ما أطلق عليه أهل العلم: "دلالة التكافؤ"، فيدل الاسم على كليهما تضمنا، فمن قال بالتسوية بين الاسم والمسمى من كل وجه، لزمه نفي دلالة الأسماء على الصفات، فتصير الأسماع عنده دالة على الذات فقط، فهي أعلام محضة، كالأسماء الجامدة التي لا تدل على معان، وإنما هي محض أعلام دالة على الذات، كاسم: الأسد والشجرة ........ إلخ، فهي أسماء أجناس محسوسة لا تدل على معان، فالأسدية والشجرية ليست معان اشتقت منها الأعلام الدالة على ذات الأسد وذات الشجر، فذلك وجه الجمود فيها، فالعلمية مظنة الجمود لدلالتها على ذات بعينها فذلك مظنة الخصوص، بخلاف المعاني فهي مظنة العموم، فالمعنى لا يحصر في ذات بعينها، بل هو بمنزلة الكلي المشترك الذي يوجد في جميع الأفراد على جهة التقييد، كمعنى العلم فإنه كلي مشترك يوجد في الذهن مطلقا، ويوجد في الخارج مقيدا فعلم زيد غير علم عمرو ..... إلخ، وإن كان المعنى الكلي في كلها حاصلا، فهي متواطئة من جهة تحقق المعنى الكلي فيها، فهو القدر المشترك بينها، وهي مع ذلك متباينة من جهة حقائقها في الخارج لوقوع التباين بين الأفراد في قدر العلم، فلكلٍ علم يخصه يباين علم غيره، وذلك أمر ثابت بالحس فهو من جملة العلوم العقلية الضرورية، ومن أطلق القول بأن الاسم غير المسمى، فإنه قد يتذرع بذلك، إن كان من أهل التجهم، إلى القول بخلق أسماء الرب، جل وعلا، كما قال ابن الثلجي، فتكون الأسماء الحسنى حادثة بعد أن لم تكن، والقول بخلق أسماء الرب، جل وعلا، يلزم منه القول بخلق الصفات التي تدل عليها، بل والذات القدسية التي تطلق عليها، فذلك من جنس مقالة القول بخلق القرآن، فإنه من كلام الرب، جل وعلا، وكلامه من وصفه، كالصفات التي اشتقت منها الأسماء، فيلزم من القول بخلق الصفة: خلق الموصوف، كما يلزم من القول بخلق الاسم: خلق المسمى به، فالمخلوق لا يوصف إلا بمخلوق، والمخلوق لا يسمى إلا بمخلوق، فالباب واحد في كليهما، ويلزم منه أيضا: القول بخلق القرآن، وما قال ذلك من قاله من أهل البدع إلا ليتوصل إلى هذا المعنى الفاسد، فإن جملة كثيرة من أسماء الرب، جل وعلا، مذكورة في الكتاب العزيز، فالقول بخلقها إثبات لخلق جملة كثيرة من آي التنزيل، فضلا عما يلزم من ذلك، أيضا، من نفي كمال الرب، جل وعلا، الأزلي، فكأنه لم يكن مسمى بما سمى به نفسه وسماه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الأسماء الحسنى، فهو المبلغ عن ربه، جل وعلا، فلم يسمه بها، كتسمية أصحاب المقالات الحادثة في الملل والنحل كمن سماه من النصارى أبا، وإن صح وصفه، جل وعلا، بذلك، من جهة أبوة العناية والتربية، فتلك من معاني ربوبيته، عز وجل، لعباده فيربيهم بنعمه شيئا فشيئا كما يتعاهد الأب ابنه بصنوف الرعاية الجسدية والنفسية، أو تسمية الفلاسفة له بالعلة الفاعلة، على ما اطرد من مقالتهم بنفي صفات الرب، جل وعلا، الفاعلة، وجعل ذاته القدسية: علة صدور الكون، فقالوا باقترانهما، فالعالم عندهم قديم، وذلك إشراك بالله، عز وجل، في صفة الأولية، فله الأولية المطلقة، فكان ولم يكن معه مخلوق، كما في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، أو تسمية المتكلمين له بالقديم، فيصح الإخبار عنه بالقدم إن أريد بذلك وصف الأولية، فهو، كما تقدم، الأول مطلقا فليس قبله شيء، ولا تصح تسميته به لتوقيفية الباب، فهو كسائر الأخبار الغيبية لا يتلقى إلا من مشكاة النبوات الصحيحة التي لم تنلها أيدي التحريف، والشاهد أن هذا القول يلزم منه أنه، عز وجل، لم يكن مسمى بأسمائه الحسنى حتى أحدث لنفسه، أو أحدث له البشر أسماء مخلوقة، فيكون الكمال قد طرأ على ذاته القدسية بعد أن كانت عنه عرية، وذلك معنى في غاية البطلان، فهو من جنس من نفى أولية اتصاف الرب، جل وعلا، بصفات أفعاله التي بها كانت المخلوقات، فكان معطلا عن الفعل حتى طرأ عليه الكمال بمباشرته، فالأول: تعطيل لذاته القدسية عن الكمال في باب الأسماء، والثاني: تعطيل لها عن الكمال في باب الصفات، وصفات الأفعال تحديدا، وهي محل النزاع الرئيس بين أهل السنة والمتكلمين، والصحيح أنه، عز وجل، متصف بكمال الذات والأسماء والصفات أزلا وأبدا، فلم يكن معطلا عن اسم من أسمائه الحسنى أو وصف من أوصافه العلى ذاتيا كان أو فعليا، لم يكن معطلا عن شيء من ذلك ثم اكتسبه، بل هو الأول والآخر مطلقا: بذاته القدسية وما قام بها من الأسماء الحسنى والصفات العلى، فكلها داخلة في حد اسم: "الله".
وقد تعلق التسبيح بالرب، جل وعلا، لما تقدم من صور عنايته بعباده: العناية الكونية العامة، فذلك من ربوبيته التي تدل على ألوهيته لزوما عقليا وثيقا، والتسبيح من جملة أفعال التأله وجاء وصف الرب بالعظمة لما تقدم، أيضا، من أوصاف ربوبيته: إيجادا وعناية فهي مئنة من عظم ذاته ووصفه تبارك وتعالى.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 04 - 2010, 01:52 م]ـ
ومن قوله تعالى:
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم: ٌ
فـ: "لا" زائدة لتوكيد القسم، على وزان قوله تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)، فالتقدير: أقسم قسما مؤكدا بمواقع النجوم، أو لا أقسم فالأمر أظهر من أن يقسم عليه، وهذا معنى ألطف، أشار إليه ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب"، وذكره صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
ثم جاء الاعتراض مئنة من عظم شأن القسم فهو تنويه بشأنه، فجاء التوكيد بالناسخ، والاعتراض: "لو تعلمون"، فهو اعتراض في اعتراض، كما حكى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وأشار إليه ابن هشام، رحمه الله، بقوله:
"السابع، (أي من أوجه الاعتراض): بين الموصوف وصفته كالآية، (أي: قوله تعالى: "وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم")، فإن فيها اعتراضين: اعتراضاً بين الموصوف وبين قسَم وصفته وهو عظيم بجملة لو تعلمون، واعتراضاً بين: (أقسم بمواقع النجوم) وجوابه وهو: (إنه لقرآن كريم) بالكلام الذي بينهما، وأما قول ابن عطية ليس فيها إلا اعتراض واحد وهو: (لو تعلمون) لأن: (وإنه لقَسَم عظيم) توكيد لا اعتراض فمردود؛ لأن التوكيد والاعتراض لا يتنافيان". اهـ
فضلا عن التوكيد باللام وتنكير القسم مئنة من عظم شأنه مع وصفه بالعظم صراحة، فهو قسم من الرب، جل وعلا، عظيم فكل أسمائه وصفاته وأفعاله، تبارك وتعالى، عظيمة، قد بلغت الغاية من عظم الشأن والقدر، فذلك فرع عن عظم ذاته، عز وجل، وذلك معنى اسمه العظيم، فهو دال على ذات عظيمة، موصوفة بالعظم الذي عم ما تقدم من الذات القدسية وما قام بها من الأسماء الحسنى والصفات والأفعال العلية، فالقسم من أوصاف الرب، جل وعلا، الفعلية، فيثبت لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، فليس فعله من جنس أفعال البشر، بل قد تفرد بوصف لا يماثله وصف، كما انفرد بذات لا تماثلها ذات، فلذلك صح في حقه، جل وعلا، الإقسام بما شاء من مخلوقاته، فذلك مئنة من عظم المقسم به، وهو الوجه الثاني في هذه الآية، فالقسم مصدر قد يطلق على المقسم به، فيكون ذلك من تبادل الصيغ، أو مجاز التعلق الاشتقاقي، عند من يقول بالمجاز، ومن ينكره، فإنه على أصله الذي سبقت الإشارة إليه مرارا، فلسان العرب حكم عدل في هذا النزاع، فما تكلمت به، فهو حقيقة، وإن خالف ما اصطلح عليه من دلالات الألفاظ، فالتقسيمات الاصطلاحية المتأخرة، لا تصلح للحكم على لسان تقدمها، وإنما يحكم على الكلام بلسان أهل زمانه أو زمان تقدمه، وذلك أصل جليل، رد به أهل العلم كل ما أحدث في الملل والنحل، بل والفروع العملية من أقوال حملت فيها ألفاظ التنزيل على اصطلاحات حادثة متأخرة، بعد انقضاء زمن الرسالة، فهي تخالف ما نطقت به الأنبياء، عليهم السلام، وما جاءت به الكتب السماوية، وما تعارف عليه أهل الزمان، من دلالة الألفاظ والتراكيب على معان بعينها، فأحدثت معان باطلة، وحملت عليها الألفاظ المتقدمة، كما صنع النصارى في لفظ: "الابن"، على سبيل المثال، فهو محمول في لسان العبرانيين الذي نطق به المسيح عليه السلام على العبد المقرب، وبه جاء التنزيل في مواضع من قبيل قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، فحمله بعضهم على البنوة الحقيقية، وهذا قول عوام النصارى، فليس في كلامهم ما في كلام الخواص من الروغان بتأويلات متكلفة لو صحت لبطلت دلالة اللسان والعقل على المعاني، فلكل أحد أن يبتكر ما شاء من المعاني ويحمل عليها الألفاظ حملا، فيأتي التفسير: تأويلا باطنيا يأتي على أصول الديانات أخبارا وأحكاما بالبطلان، فمؤدى هذا القول: حمل لفظ الابن على اللاهوت الذي حل في الناسوت، بزعمهم، وليس في لسان الأنبياء أو غيرهم إطلاق لفظ الابن على اللاهوت، وإنما المشهور المتداول في الكلام عند سائر الأمم، بل والعقلاء من البشر: حمل الابن على الناسوت المخلوق الذي يقره الرب، جل وعلا، في الأرحام ما شاء، وحمله بعضه على الكلمة التي تجسدت في الناسوت، وذلك، أيضا، من المحال بمكان، فلا تظهر الصفة
(يُتْبَعُ)
(/)
الربانية للخالق، عز وجل، في مخلوق، لما تقدم من لزوم فناء الصفة بفناء المخلوق الذي تقوم به، فكل مخلوق فان لا محالة، إلا ما استثني في نحو قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)، وذلك خلاف الأصل فلا يقاس عليه، ووصف الرب، جل وعلا، أحق ما نفي عنه وصف المخلوقية، لما يلزم من ذلك من طروء وصف الكمال عليه، تبارك وتعالى، بعد أن كان عنه عريا، وذلك، كما تقدم، قول ظاهر البطلان لما يلزم منه من وصف الرب، جل وعلا، بالنقص قبل حدوث الكمال له بحدوث تلك الصفات، فذلك من قياس الخالق، عز وجل، على المخلوق، فالمخلوق هو الذي يكتسب الكمال من أفعاله، فيأتي الفعل ناقصا ثم يطرأ عليه الكمال بالمزاولة والمداومة، بينما الخالق، عز وجل، فعله كامل ابتداء، إذ قد صدر عن ذات وصفات كاملة، فلا نقص ابتداء ليجبر بتجربة أو محاولة، فذلك مما يتنافى مع قدرة وعلم وحكمة الرب، جل وعلا، فعنها تصدر الأفعال التي بلغت الغاية في الكمال: قدرة، فلا يعجزه، جل وعلا، شيء في الأرض ولا في السماء، وحكمة، فقد أحاط بكل شيء علما، فلا يقع الفعل إلا على أبلغ وجوه الحكمة، وإلى طرف من هذا الأصل في معرفة مراد المتكلم بحمله على العرف المعهود في زمانه ولسانه، إن كان عرفا عاما، ومصره أو صناعته، إن كان عرفا خاصا، إلى طرف منه أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:
"وإنما يحمل كلام الأنبياء عليهم السلام وغيرهم على معنى لغتهم التي جرت عادتهم بالتكليم بها لا على لغة يحدثها من بعدهم ويحمل كلامهم عليها". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 387).
فالعرف، كما ذكر جمع من المحققين، كابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين"، يؤثر في الفتوى، لما للألفاظ من دلالة على المعاني المرادة إما باعتبار الدلالة الظاهرة البسيطة بالنظر إلى دلالاتها المعجمية الإفرادية وإما باعتبار الدلالة الظاهرة المركبة بالنظر إلى دلالتها السياقية التركيبية، فهي القوالب الظاهرة التي تحمل المعاني الباطنة، ولذلك كان للعرف أثر بارز في مسائل كالأيمان، فالقرينة اللفظية والحالية، أصل فيها، فمن أقسم على سبيل المثال على أنه لا يقرب اللحم، وكان عرف عصره أو مصره، إطلاق اللحم على لحوم الأنعام دون الدجاج والسمك وسائر أصناف اللحوم، فلا يحنث إن أكل لحما غير لحم الأنعام، بخلاف من كان عرفه الجاري، إطلاق اللحم على سائر أجناس اللحوم فيحنث بأكل أي لحم، فصار العرف مخصصا لدلالات الألفاظ، فيتصرف فيها إطلاقا أو تقييدا، تعميما أو تخصيصا، فهو من جملة القرائن التي تحتف بالألفاظ فترجح معان دون أخرى، وإن كان ظاهر اللفظ المجرد من القرائن السياقية والحالية يدل عليها، فالظاهر بما يحتف به من قرائن السياق والحال يصير نصا في معان بعينها دون أخرى، وكذلك الحال في باب الكنايات، فلكل زمان كناياته، وهي باعتبار ظاهرها المجرد قد لا تدل على المعنى المراد أصالة، ففيها ينتقل الذهن من الملزوم إلى لازمه، وتلك عملية عقلية ينتقل فيها الذهن من الظاهر البسيط إلى معنى آخر لطيف لا يدركه إلا من له علم بتلك الكناية ودلالتها المعنوية على وجه التعيين، كأن يكون من أهل اللسان والزمان، فكلامه يقع بما يوافق عرف زمانه وكناياته، أو يكون من أهل الاطلاع فله من الدراية بطرائق الكلام ووجوه الحقائق والكنايات ما يعرف به مراد المتكلم وإن لم يكن من أهل زمانه، ولذلك كان لأصحاب الصنائع العقلية أو الحسية من إدراك معاني صناعاتهم، ولو تقدمت على زمانهم، كان لهم من ذلك ما ليس لغيرهم، فالمحدثون على سبيل المثال، أعلم الناس بمراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكثرة مباشرتهم لكلامه، وإن تقدم زمانه على زمانهم، فإنهم بعكوفهم على الروايات المسندة إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حصل لهم صحبة، وإن لم تكن حسية بالجسد، فلهم صحبة معنوية بملازمة كلامه، ولذلك يتواتر عندهم ما لا يتواتر عند غيرهم، ولهم من ملكة التمييز بين الصحيح والضعيف ما ليس لغيرهم، فالكنايات تدخل في أبواب كثيرة من الفقه يتوقف فيها الحكم على عرف اللسان السائد، فباب الطلاق، على سبيل المثال، تتوقف جملة من أحكامه على
(يُتْبَعُ)
(/)
الكنايات التي تدل على الطلاق دلالة غير مباشرة، فالألفاظ الصريحة يقع بها الطلاق ولو لم ينوه القائل، بخلاف الكنايات فإنها تفتقر إلى العرف الذي يصيرها مئنة من الطلاق، وإن لم تكن مباشرة فتفتقر إلى النية التي تصيرها نصا جازما في إرادة الطلاق. فالكنايات الخاصة تفتقر إلى قرينة عرفية، بخلاف الكنايات العامة كسائر كنايات التنزيل فإنها معلومة عند كل مخاطب، وذلك من بلاغة التنزيل، فيدركها أهل كل زمان بلا تفاوت في الفهم، ففي قوله تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)، كناية عن النساء بذكر خصلة نفسانية من خصال النساء، وهي عامة في كل النساء، فلا تختلف دلالتها باختلاف الأعصار أو الأمصار، فلا توجد امرأة لا تحب الزينة.
وفي المقابل لا يجوز للمخلوق أن يقسم إلا بالله، عز وجل، لما بين الخالق والمخلوق من التباين في الذات والوصف كما تقدم.
إنه لقرآن كريم:
فذلك من التوكيد بالناسخ المؤكد واللام المزحلقة، فضلا عن تنكير القرآن، على ما اطرد من التنكير تعظيما، وهو في نفس الوقت، موطئ لما بعده، فليس المراد الإخبار عنه بأنه قرآن، فذلك مما يعرفه كل أحد، فهو القرآن المجموع، كما تقدم، في صدر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصدر الحفظة من بعده، قد جمعت كلماته في الآي، وآياته في السور، ومعانيه الكثيرة في ألفاظه القليلة، فذلك من وجوه إعجازه العديدة، فذلك وجه من وجوه كرمه، فإن الكرم مادة تدل على الكثرة، فالناقة الكريمة: غزيرة اللبن، فذلك الكتاب العزيز كريم في أخباره وأحكامه، في وعده ووعيده. وفي وصفه بالكرم مئنة من رفعته عن بقية الكتب السماوية، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فارتفع عن التوراة والإنجيل، ففي كل ما ليس في الآخر، فالتوراة عمدة في الأحكام التي تغلب عليها الشدة والجلال، والإنجيل عمدة في الرقائق والمواعظ، فلم ينزل إلا بنسخ جزئي لجملة من أحكام التوراة تخفيفا فذلك مما يلائم وصف الجمال الذي غلب على رسالة المسيح عليه السلام، فقد بعث، كما تقدم، بجملة من الرقائق علاجا لما أصاب قلوب بني إسرائيل من القسوة، ففيهم نزل قوله تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)، على التوسع في أسباب النزول بجعل القصة الماضية سببا في نزول الخبر عنها، مع الفارق الزمني الشاسع بينهما، فجاء الكتاب العزيز مستوفيا لشطر الجلال الموسوي بأعدل الأحكام، والجمال العيسوي بأرق المواعظ، ففي القرآن زاد قلبي بأخباره عن الأمم السابقة ومواعظه، وزاد عقلي بأحكامه وأقيسته التي بلغت الغاية في العدل والاستقامة على سنن العقل الصريح، فليس في أخباره ما يعارض قياس العقل الصريح، وليس في القياس المعتبر ما ينكر خبرا من أخباره أو يستدرك على حكم من أحكامه.
ثم جاء الإطناب في معرض التكريم بتعداد أوصاف الكتاب العزيز فهو: فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ: فذلك وصف بمتعلق الجار والمجرور، فيجري على ما اطرد في لسان العرب من تقديم الوصف المفرد على الوصف المركب: جملة كان أو شبه جملة، ويحتمل الحالية لتقدم الوصف المخصص للنكرة، كما أشار إلى ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب" بقوله:
"حكمهما، (أي: الظرف والجار والمجرور)، بعدهما، (أي: بعد النكرة والمعرفة)، حكم الجمل، فهما صفتان في نحو: "رأيتُ طائراً فوقَ غُصنٍ، أو على غُصْنٍ"، لأنهما بعد نكرة محضة، وحالان في نحو: "رأيتُ الهِلالَ بينَ السّحابِ، أو في الأفق"، لأنهما بعد معرفة محضة، ومحتملان لهما في نحو: "يُعْجِبُني الزّهْرُ في أكمامِه، والثمر على أغصانه"، لأن المعرف الجنسي كالنكرة، وفي نحو: "هذا ثمرٌ يانع على أغصانه"، لأن النكرة الموصوفة كالمعرفة". اهـ
"مغني اللبيب"، (2/ 104).
والكن مئنة من الحفظ، فهو في اللوح المحفوظ قد سطر، فـ: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)، فجاء بيان الكتاب المكنون في آية البروج على ما اطرد من بيان المجملات القرآنية بمواضع أخر من التنزيل.
(يُتْبَعُ)
(/)
لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ: فذلك وصف ثالث بالجملة المنفية، والمضارعة فيها مئنة من الثبوت والدوام، فضلا عن استحضار الصورة، فلا يمسه إلا الملائكة المطهرون، فيكون جاريا مجرى الخبر، وقد حمله بعض أهل العلم على الإنشاء، فلا يمسه إلا المطهرون من الحدث الأكبر والأصغر، على خلاف معروف في كتاب الطهارة، ولا مانع يمنع من حمل السياق على كلا المعنيين إثراء له بتوارد المعاني الصحيحة على الموضع الواحد، فيكون خبرا من وجه، إنشاء من وجه آخر، كما في ألفاظ العقود كـ: "بعت" فإنه باعتبار الإخبار عما في نفس البائع: خبر محض، وباعتبار الإنشاء لعقد البيع: إنشاء، وعلى كلا الوجهين جاء السياق مؤكدا بالنفي والاستثناء، فذلك أقوى أساليب القصر، وهو قصر حقيقي، وإن مسه غير المطهر، بل دنسه علوج الروم والفرس، فذلك لا يمنع توجه الخطاب الآمر لهم ولغيرهم، فهم مكلفون بهذا الفرع وبما لا يكون إلا به من الأصل المصحح للملة، فلئن وقعت المخالفة بمقتضى الإرادة الكونية، فالأمر ثابت بمقتضى الإرادة الشرعية.
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ: فذلك وصف رابع، عند من يجوز تعدد الأخبار، فهي أوصاف في المعنى، أو هي جارية مجرى ما تقدم من تقدير مبتدأ لتلك الأخبار المتعاقبة، فهو تنزيل، نكر تعظيما، ومادته دالة على التكرار، فهو منزل، بفتح الزاي وتشديدها، باعتبار آحاده، منزل، بفتح الزاي وتخفيفها، باعتبار مجموعه، فنزل جملة واحدة إلى بيت العزة، فالتنكير قد يدل على تعدد مرات النزول من وجه، إذ النكرة مظنة العموم، فيشمل المرة وما زاد عنها من مرات الوقوع، وابتدأت غايته من رب العالمين، فذلك آكد في تقرير عظم وصفه، فعضم الصادر من عظم من صدر عنه، وعظم المنزل من عظم من نزل من عنده، وفيه إثبات لوصف الرب، جل وعلا، بالفعل على جهة التكرار، فإذا شاء أنزل من كلماته الكونيات ما ينتظم به أمر الكون، فبها تكون الأعيان والأفعال القائمة بها، وإذا شاء أنزل من كلماته الشرعيات ما تشفى به الصدور وتطمئن به القلوب.
والتنزيل من رب العالمين الذي له عموم وكمال أوصاف الربوبية، فهو رب العالمين على جهة العموم فلا مخصص له، والعالمين: جمع ما يعقل، فيكون ذلك من باب التنويه بالأعلى على الأدنى، فهو رب ما لا يعقل من باب أولى، فإن تدبير العاقل لأمره أيسر من تدبير غير العاقل، فلو جاز ادعاء خروج شيء من عموم ربوبيته، جل وعلا، لكان خروج العاقل أولى فهو أقدر على تدبير شأنه من غير العاقل، فلما كانت ربوبيته، عز وجل، إيجادا وإعدادا وإمدادا، ثابتة للعاقل على نحو لا يستطيع معه الاستغناء عن تدبير الرب، جل وعلا، فهو في حاجة إلى تدبيره الكوني، لبدنه، وتدبيره الشرعي لروحه، فذلك من ربوبيته، عز وجل، فالربوبية، كما تقدم في مواضع سابقة، تعم الملك للأعيان، والتدبير للأحوال، والأحوال إما كونية تختص بالبدن أو شرعية تختص بالروح، وهو تدبير كوني عام لكل الأبدان، وتدبير شرعي للأفراد في عقائدهم وعباداتهم، والجماعات في شرائعهم، فلا يستغني العباد عن الرب، جل وعلا، فافتقارهم إليه ذاتي لا يعلل، كما أن غناه عنهم ذاتي لا يعلل، والفقير يحتاج إلى عطاء الغني بداهة، فإن ادعى فرد أو جماعة استغناءه عن القدر الكوني كالشيوعيين الملاحدة، أو القدر الشرعي كالعلمانيين الذين عطلوا الشريعة الخاتمة، فصيروا الدين رهبانية، فلا حكم له في الشأن العام، وإنما غايته أن يحكم الشأن الخاص، تصورا علميا وشعائر تقام في أوقات بعينها، فليس حكما على الحياة بقيده العاصم، وإنما الحياة هي الحاكمة عليه، وليس لأحد على الكتاب سلطان، وإنما السلطان للكتاب العزيز، فالوحي حاكم على التصورات والإرادات والأفعال، فلا يخضع لهوى أو ذوق، وإنما تخضع له الأهواء والأذواق، فإذا كانت ربوبيته للعقلاء قد بلغت هذا الحد من العموم والكمال، مع كونهم ذوي قوى وإرادات، فكيف بغير العاقل حيا كان أو جمادا، فافتقاره إلى الرب، جل وعلا، ليدبر شأنه، ثابت من باب أولى، فنص على ربوبيته، جل وعلا، للعقلاء، مع عموم ربوبيته للعقلاء وغير العقلاء، فذلك من تفسير العام بذكر فرد من أفراده تنويها بشأنه، فربوبيته، عز وجل، للعقلاء
(يُتْبَعُ)
(/)
، أعظم في بيان كمال قدرته وحكمته، من ربوبيته لغير العقلاء كما تقدم.
وفي قرن التنزيل، وهو مئنة من التشريع الإلهي، باسم الرب، وهو مئنة من وصف الربوبية فيدل عليها دلالة التضمن، كما قرر أهل العلم في مبحث الدلالات اللفظية، فيدل على الذات القدسية من وجه، وعلى وصف الربوبية من وجه آخر، في هذا القرن طرد لما تقدم ذكره مرارا من التلازم الوثيق بين الربوبية والألوهية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 04 - 2010, 08:25 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)
فذلك استفهام توبيخي، ضمن معنى التوبيخ، فناسب ذلك تقدير محذوف يزيد المعنى تقريرا، فـ: أغابت عقولكم وفسد قياسكم فبهذا الحديث تدهنون؟، فيعطف محل الإنكار المذكور على المحذوف المقدر، ومن أهل العلم من جعل ذلك على التقديم والتأخير: فلهمزة الاستفهام: الصدارة، فقدمت على العاطف، فالتوبيخ معطوف على ما بعده دون حاجة إلى تقدير محذوف يعطف عليه، فذكر التنزيل وأشاد به، فهو من رب العالمين، ابتداء، فقدره عظيم وشأنه جليل، فخبره: خبر الصدق، وحكمه حكم العدل، فناسب ذلك أن يعطف عليه توبيخ من تولى عنه وعدل إلى غيره من أحاديث البشر: قصصا أو أحكاما، فذلك مئنة من الكبر المستوجب لعقوبة الصرف الكوني عن آي الكتاب العزيز معدن الفلاح في الدارين، فمن صرف عنه فله من الخيبة والخسران بقدر انصرافه، فـ: (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)، فجاء الاستفهام توبيخيا: وعدل عن ضمير التنزيل مع تقدم ذكره، إلى اسم الإشارة الدال عليه، تنويها بشأنه، على ما اطرد من كلام أهل العلم، في مسألة: الإظهار في موضع الإضمار، فقد يكون تعظيما في باب المدح، كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، وقد يكون على الضد: تعظيما في باب الذم، كما في قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)، فيكون هذا النوع من أنواع علوم البلاغة جاريا مجرى المشترك اللفظي، والأضداد على وجه الخصوص، فيدل على الشيء وضده، ولا يبين المراد منه إلا بقرينة معتبرة، فالقرينة هنا قد رجحت معنى التعظيم، لمكان الكتاب العزيز فضلا عن تقدم التنويه بشأنه، والإشارة بـ: "هذا" وهو اسم إشارة إلى القريب مئنة من تقدم ذكره، قريبا، فقد ذكر في الآية السابقة مباشرة، فضلا عن قرب تناوله بالتلاوة والفهم مع علو شأنه، فذلك من قبيل قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، فالإشارة بـ: "هذا" مئنة من القرب المعنوي، لقرينة التذييل بـ: (يهدي)، والهداية لا تكون إلا ببيان يسير اللفظ واضح الدلالة فـ: (لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، وفيه، أيضا، مئنة من التعظيم، فهو لنباهة ذكره قد استغنى عن التعريف، فعلو شأنه أمر حاضر في كل الأذهان، فذلك وجه آخر من أوجه القرب المعنوي فيجري مجرى الإشارة في قول الفرزدق في مدح علي زين العابدين رحمه الله:
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ ******* وَالْبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالْحِلُّ وَالْحَرَمُ.
(يُتْبَعُ)
(/)
و: "أل" في الحديث عهدية تشير إلى الكتاب العزيز، وقد دل التنزيل على ذلك في مواضع أخرى من قبيل قوله تعالى: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)، وقوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ويرجحه تقدم ذكره، كما تقدم، فجاء الاستفهام توبيخيا: أفبهذا الحديث أنتم مدهنون، فمحل التوبيخ جملة: (أنتم مدهنون)، واسميتها مئنة من الثبوت، فذلك وصفهم اللازم، وذلك آكد في تقرير المذمة المقتضية للتوبيخ، والإدهان محمول على ثلاثة معان أشار إليها صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فقد يحمل على:
إظهار خلاف الباطن، فذلك من قبيل قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا).
والإلانة في موضع تحسن فيه الشدة، فمادة "دهن" كما في "اللسان" مادة تدل على الشيء اللين، فالدُّهن هو: المطر اليسير الذي يبل وجه الأرض، وقوم مُدَهَّنون بتشديد الهاء عليهم آثار النِّعَمة، فذلك مئنة من الترف واللين الذي لا يلائم هذا الأمر، فهو جد ليس بالهزل، فقد أمر الأنبياء عليهم السلام بأخذه بقوة: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)، وأمر العباد بأخذه بقوة: (خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فمن أخذه لاعبا لاهيا فذلك مئنة من ضعف نفسه واستفال همته، فلا يعرف لهذا الأمر قدره إلا من عظمت نفسه وعلت همته، ولذلك كان الصدر الأول، رضي الله عنهم، خير طباق هذه الأمة، بل خير طباق الأمم بعد أنبيائها، عليهم السلام، فقد علموا ما لهذا التنزيل من القدر والحق، فقاموا به خير قيام، فقامت به الألسنة تلاوة، وقامت به الأبدان في جوف الليل، وفي سائر أحيان الدهر، فالجوارح بحكمه مقيدة، والخواطر بتلاوته وتدبر معانيه مكفوفة، فالمحل قد عمر بالتنزيل فلا مكان فيه لوساوس الشياطين، فلم يكن في خلقهم لين أو تهاون فيما يختص بأمر الديانة، وبذلوا مع ذلك الدنيا تأليفا للقلوب فهم ألين الناس في أمور المعاش بيعا وشراء فـ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى).
فالشاهد أن الدهن، كما ذكر صاحب "اللسان" رحمه الله، مادة كلية تدل على اللين، فمنه المحسوس كالدهن المعروف وكالمطر الرقيق الذي يبل وجه الأرض، ومنه المعقول فيختص بالطبع، فمنه الممدوح إذا كان في أمر الدنيا، ومنه المذموم إذا كان في أمر الدين، فلا يلائمه، كما تقدم، إلا الجد في غير حدة أو تنطع، فـ: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ).
فمن الإدهان المذموم: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)، فالمداهنة مذمومة إذ فيها يبذل الدين، فتلك تقية مذمومة تحمل صاحبها على الغش والنفاق، بخلاف الملاينة والمداراة ففيها تبذل الدنيا، وعليه حمل أهل العلم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ"، فبذل صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدنيا، ولم يبذل الدين دفعا لسوء خلق ذلك الداخل عليه، فذلك، عند التحقيق، من كمال حكمته وخلقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيدفع شره بالكلمة الطيبة، فذلك من كمال الحكمة، ويؤلف قلبه بها فذلك من كمال الخلق.
وفسر الإدهان بالتكذيب، فيكون ما بعده مفسرا له، فقدم بالإجمال ثم ثنى بالبيان: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).
فيكون ذلك من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه على تقدير: وتجعلون شكر رزقكم، فالرزق مظنة الشكران، والسياق سياق إنكار على المكذب الذي قابل النعمة بالتكذيب، فتلك قرينة تدل على المحذوف المقدر، وجاء المضارع مئنة من تجدد هذا الفعل القبيح منهم، فهو خلق لازم لهم، وذلك آكد في تقرير المذمة، وجاء المفعول الثاني لـ: "جعل": مصدرا مؤولا من: "أنَّ" وما دخلت عليه، فذلك آكد في تقرير المعنى من المصدر الصريح، فيؤول المعنى إلى: وتجعلون شكر رزقكم التكذيب والإعراض، وكان الأولى شرعا وعقلا، أن يكون شكره التصديق والامتثال، فكفر
(يُتْبَعُ)
(/)
النعمة مستقبح بأصل الوضع قبل مجيء الشرع، فكيف إذا انضم إليه الشرع الصحيح المؤيد لقياس العقل الصريح، فمقابلة النعمة إنما تكون بشكر المنعم لا بالتكذيب والجحود، والشكر، كما تقدم في مواضع سابقة، معنى يعم: القول والفعل، فيشكر الإنسان بقلبه عرفانا ومحبة، ويشكر اللسان لفظا، ويشكر البدن عملا بما يرضي المنعِم، وفسر الرزق بالشكر، فلا حاجة على هذا التفسير إلى تقدير محذوف، فالأصل عدم الحذف، وتلك لغة أزد شنوءة، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى أن عموم قول عثمان رضي الله عنه: "إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ"، مخصوص بمواضع يسيرة من التنزيل نزلت بغير لسان قريش، وذلك مما حمل عليه حديث نزول القرآن على سبعة أحرف، فقد نزل بحرف قريش، فذلك العموم، وجاءت بعض ألفاظه بأحرف قبائل أخر اختلف في تعيينها، فذلك الخصوص، وفسرت الأحرف السبعة بأنها أحرف قبائل أخر في مواضع من التنزيل يقرأ فيها اللفظ بأكثر من وجه، تيسيرا على العرب حتى تعتاد ألسنتهم على القراءة بلسان قريش، فكلها من الوحي، وإن اختلفت مبانيها اللفظية، فقد أنزلت رخصة، ثم زال سببها، بل صار بقاؤها مظنة الاختلاف، فرأى عثمان، رضي الله عنه، جمع الناس على لسان قريش، اللسان الأم، فتواتر النقل به، وذلك قدر كاف لحفظ التنزيل من التبديل أو التحريف، فاندثرت بقية الأحرف، وتواتر الحرف القرشي الذي نزل به الرسول الملكي على قلب النبي العربي القرشي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان ذلك من رحمة الرب، جل وعلا، بهذه الأمة لئلا تختلف كما اختلفت الأمم من قبلها لما تعددت أناجيلها، فصار ذلك مادة شقاق ونزاع لا زالت آثاره إلى اليوم كائنة، فالاختلاف في الكتاب ذريعة إلى الاختلاف في القلوب، والاختلاف في القلوب ذريعة إلى الاختلاف في الأقوال والأبدان، فيقع التراشق بالألفاظ: تكفيرا وتبديعا، كحال أصحاب المقالات الحادثة في الملل والنحل، ويقع التقاتل بالأبدان، فذلك من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فاختلاف القلوب لاختلاف العقود ولاء وبراء مؤد حتما إلى اختلاف الألسنة والأبدان تدافعا، فتلك سنة الرب، جل وعلا، في خلقه، فبها تظهر آثار أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فالأمة المرحومة قد وقيت شر القضاء بالاختلاف في حروف التنزيل، وإنما وقع الاختلاف فيها في تأويله، فأصحاب المقالات الحادثة قد حملوا نص الكتاب العزيز على وجوه من التأويل بعيدة، فنظروا فيه نافلة، فما شهد لهم ظاهره أخذوا به، وما شهد عليهم ردوه إن لم يكن من الوحي المتلو، فردوا جملة كثيرة من أخبار السنة: الوحي غير المتلو، أو أولوه بما يوافق أهواءهم وأذواقهم إن كان من الوحي المتلو.
ومع ذلك سلم لهم الحق فأهله هم السواد الأعظم، فالمقالات، وإن تكاثرت، ليس لها من الظهور ما لمقالة الحق، التي تواطئ الفطر السوية والعقول الصريحة، فلا تحتاج تأويلا مركبا لا يدركه إلا الأذكياء، بل هي من الوضوح والبيان بمكان، فعموم المسلمين عليها، وإن لم يصرحوا بذلك، بل عموم البشر عليها حال الولادة قبل تبديل الفطرة الأولى فـ: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِه"، فليس في أخبار النبوات ما تحيله العقول أو تنكره القلوب، وليس في أحكامها ما يعارض قياس العقل الصريح، وإنما جهل ذلك من جهله من أصحاب المذاهب الردية: علمية كانت كأصحاب المقالات من سائر الملل المبدلة والنحل المركبة، أو عملية: كأصحاب المذاهب الأرضية النابتة في عقول كاسدة، قد جهلت إحكام النص، فعدلت عنه إلى اضطراب القياس المقابل له، فكل قياس في مقابلة النص فهو فاسد الاعتبار وإن كان صاحبه أذكى الأذكياء، فذلك نبت خبيث، لا كما صوره أنبياء العلمانية بقول أحدهم: "ودولة لا تلد علم حقوقها بنفسها وتقول في قانونها: "إنها نزلت من السماء لا تتبدل"، فما هي بدولة أصلا، ولا يكون لها استقلال، والأرض لا تحمل موجودا غير متبدل". فجعل مقياس التمدن: إقحام العقل فيما لم يخلق له، فما خلق العقل إلا ليتدبر وينظر في آيات الشرع والكون،
(يُتْبَعُ)
(/)
فهو آلة التكليف، فليس من شأنه أن يقيس غائبا على شاهد في العلميات، أو يشرع تحليلا وتحريما في العمليات، فذلك منصب النبوة الذي يخضع له العقل، فهو التابع له السائر على هديه، فلا يقوى على منازعته لقصور إدراكه واضطراب قياسه، فما استحسنه عقل استقبحه آخر، وما أحله عقل حرمه آخر، فلا يفصل بين تلك الأهواء والأذواق المتنازعة إلا كتاب نازل من السماء، به يحصل الهدى والبيان، من العليم الخبير بأحوال عباده، فلا يعلم ما يلائم عقولهم من الأخبار وجوارحهم من الأعمال إلا من خلقهم، فـ: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
وأشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، إلى وجه لطيف، في سبب نزول هذه الآية لا يخلو من وجه بلاغي، إذ قد جاء تفسير الشكر بالتكذيب بأنه: نسبة المطر إلى "الأنواء"، فيقول القائل: مطرنا بنوء كذا كذا، كما في حديث زيد بن خالد الجهني، رضي الله عنه، وزيد في صحيح مسلم، رحمه الله، من رواية ابن عباس، رضي الله عنهما، أن ذلك كان سبب نزول قوله تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)، وسورة الواقعة: مكية، وصلح الحديبية الذي نسب سبب نزول الآية إلى نزول المطر فيه، قد وقع بعد الهجرة، فرجحت رواية زيد بن خالد الجهني، رضي الله عنه، لأن زيدا كان حاضرا ولم يذكر نزول الآية، بينما كان ابن عباس، رضي الله عنهما، صغيرا سواء قيل بأن الآية مكية، فيكون قد تحمل ذلك عن صحابي آخر، فذلك من مرسل الصحابي، ورواية الصحابي الذي حضر الواقعة أرجح من رواية من أرسل عن صحابي آخر، فذلك وجه الترجيح، وقد يجاب عن ذلك بأجوبة منها:
أن الآية مدنية، فلا يلزم من وصف السورة بأنها مكية أن كل آياتها: مكية، فذلك وصف أغلبي، كما ورد في سبب نزول قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)، فهي آية مدنية بقرينة سبب نزولها، والسورة، وهي سورة هود، مكية، فحمل ذلك على أنها آية مدنية وردت ضمن سورة مكية، فوصفها بالمكي: وصف أغلبي، فترجح رواية ابن عباس، رضي الله عنهما، من هذا الوجه، فقد نزلت الآية متأخرة لما نزل المطر في صلح الحديبية.
أو: أن ذلك قد وقع في مكة ابتداء، فنزلت الآية في مكة، ثم تكررت الواقعة في صلح الحديبية، فاستشهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذه الآية، فلا يلزم من ذلك أنها نزلت في زمن صلح الحديبية، وإن ورد ذكرها في واقعة نزول المطر فيه، فذلك من قبيل استشهاد الفقيه بالآية أو الحديث إذا ورد سبب ذلك في فتوى حادثة فهي ثابتة قبل استشهاده بها بداهة. ويرد على ذلك أن القول بأن ذلك قد وقع في مكة: احتمال ممكن فيفتقر إلى دليل مرجح يثبته، فلا يكفي لإثباته مجرد الاحتمال، فباب الاحتمالات باب واسع.
أو: أن الآية قد تكرر نزولها في مكة في واقعة نزول المطر التي سبقت الإشارة إلى احتمال وقوعها، وفي الحديبية، كما قيل في نزول سورة الفاتحة فقد ورد أنها نزلت في مكة، ثم نزلت ثانية في المدينة، وكذلك قيل في سورة الإخلاص، وقد جوز ذلك الزركشي، رحمه الله، وأجاب بعض أهل العلم بأن ذلك خلاف الأصل، فالأولى جعله جاريا مجرى الاستشهاد لواقعة تالية بآيات قد سبق نزولها.
أو: أن قول ابن عباس، رضي الله عنهما، نزلت هذه الآية في كذا، محمول على الاستشهاد بها في واقعة بعينها، كما أثر عن ابن عمر، رضي الله عنهما، في سبب نزول قوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ): نزلتْ في إتيان النساء في أدْبارهنّ، أي في تحريم إتيانهن في أدبارهن، فقوله: نزلت في كذا: أي في حكمها، فلفظ الآية العام يشمل واقعة نزول المطر في صلح الحديبية، وكل واقعة تماثلها تقدمت أو تأخرت، فيكون تفسير ابن عباس، رضي الله عنهما، من قبيل تفسير العام بذكر فرد من أفراده، فلا يخصصه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، فذلك تحجير لواسع، بقصر اللفظ العام على معنى خاص، بلا مخصص معتبر، وتوسيع دائرة اللفظ ليعم معان كثيرة أليق بالتنزيل ففيه من إثرائه بتوارد المعاني الكثيرة على مبانيه ما يظهر فيه وجه
(يُتْبَعُ)
(/)
من وجوه إعجازه البلاغي.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 08:51 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ):
فذلك من التفريع في معرض التحدي توكيدا على قدرته، عز وجل، على البعث، في مقابل عجزهم، فهو المنفرد ببعث الأجساد ونشرها، فلو كان لهم من ذلك نصيب لدفعوا قدر الموت عن المحتضر، بل كل يحضره، ولا يملك له نفعا، فذلك أمر لا حيلة للبشر فيه، فلا ينزع الأرواح إلا بارئها، عز وجل، فجنده الملكي تتوفى الأنفس إذا صدر لها الأمر الكوني، فدلالة لولا في هذا السياق: تحضيضية في معرض التحدي، فهلا إذا بلغت الروح التي أضمرت مع عدم تقدم ذكر لها لدلالة السياق عليها، فالضمير عائد على غير مذكور، وبلوغ الروح الحلقوم: كناية عن الموت، وهي جارية على ما قرره البلاغيون في مبحث الكنايات، من جواز إرادة المعنى الأصلي، فالروح حال نزعها تبلغ الحلقوم، فكني عن نزعها ببلوغها موضعا بعينه حال النزع الأخير.
وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ: فذلك أبلغ في تقرير التحدي في معرض بيان عجز البشر عن رد قدر رب البشر، جل وعلا، فقدره الكوني نافذ بالإحياء أو الإماتة، فإن شاء أحيى فضلا، وإن شاء أمات عدلا، بل الموت للمؤمن على حال كاملة من شهادة أو صلاة أو ..... إلخ، خير له من الحياة يقينا، فالموت قد يكون فضلا، بل كل ما قدره الرب، جل وعلا، فهو خير، وإن كان ظاهره بخلاف ذلك، فـ: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)، فهو خير باعتبار المآل، فبالموت يرتاح الميت إن كان صالحا فيخرج من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، وبالموت يرتاح البشر من الكافر، بل يسلم من شؤمه الحيوان البهيم والطير والشجر، وقد شاء الرب، جل وعلا، قبض أرواح لو عاش أصحابها لكفروا في أنفسهم وكفروا غيرهم، كما في خبر الحضر عليه السلام فكان قبض الغلام خيرا له ولأبويه باعتبار المآل، فمات قبل أن يكلف ويكفر، وسلم أبواه من شره.
والخطاب بضمير: "أنتم" فيه من العموم ما في ضمير المخاطب في قول أبي الطيب:
إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيْمَ مَلَكْتَه ******* وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمرَّدَاً
فليس المراد جماعة من المخاطبين بعينهم، بل العموم المعنوي آكد في تقرير معنى التحدي، فأنتم حينئذ تنظرون له بالأبصار، فحذف متعلق فعل النظر، وهو هنا نظر البصر، لقرينة حضور الميت حال النزع، حذف متعلقه لدلالة السياق عليه، فتنظرون بالأبصار المجردة ويخفى عليكم ما غيب عنكم فلا تبصرونه.
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ:
فذلك من الإسناد إلى ضمير الفاعلين على ما اطرد من التعظيم في سياق نزع الروح فهو مئنة من جلال الرب، جل وعلا، وانفراده بذلك الفعل الذي تظهر به آثار قدرته النافذة، فنحن أقرب إليه، فالقرب هنا: قرب ذاتي لا يلزم منه الحلول أو الاتحاد، فإن الكون كله كالخردلة في قبضة أحدنا، بل نسبته إلى الرب، جل وعلا، أصغر من ذلك، فلا منتهى لكمال وسعة وعظم ذات ووصف الرب، جل وعلا، فلا يتصور حلول الكامل العظيم في الناقص الحقير، فإن في ذلك من وصفه بالنقص ما يتنزه عنه بداهة، فقربه بذاته، عز وجل، قرب المحيط بما في قبضته، فالكون كله في قبضة يده، جل علا، على الوجه اللائق بجلاله، وعليه حملت نصوص كنصوص النزول إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير، فليس ذلك بمقتض للإحاطة أو التحيز في جهة مخلوقة، فإن ذلك، كما تقدم من النقص الذي يتنزه عنه الرب، جل وعلا، فجل الخالق أن يحيط به مخلوق محدود، فالنزول نزول يليق بجلاله يقرب فيه من خلقه بذاته القدسية كيف شاء، على وجه لا يقتضي حلولا أو اتحادا، ولذلك نظير في عالم الشهادة يصح القياس عليه بطريق الأولى، فلا يلزم منه تعيين حقيقة الفرع المقيس، وإنما ينتفع بقياس الأولى في تصور المعاني الذهنية دون الحقائق الخارجية فقد استأثر الرب، جل وعلا، بعلم حقيقة ذاته القدسية وصفاته العلية، فلا يعلم كيف هو
(يُتْبَعُ)
(/)
ذاتا أو صفات إلا هو، فإن الإنسان قد يقبض بيده على خردلة ويقرب منها دون أن تحيط به قبضته، أو يحل في تلك الخردلة بداهة، فإذا جاز تصور ذلك في حق المخلوق، فهو في حق الخالق، عز وجل، ثابت من باب أولى، فنصوص العلو: ذاتا وصفات: نصوص محكمة، فلا تعارض بشبهة حلول أو اتحاد مستندها قياس تمثيل أو شمول، يقيس فيها العقل وصف الرب، جل وعلا، على وصف العبد فلا يدرك من النزول إلى السماء إلا نزولا يماثل نزول المخلوق من أعلى إلى أسفل فتحده جهة السفل كما تحده جهة العلو فهو محدود محصور في علوه أو سفله، في نزوله أو صعوده، فكيف يقاس الخالق الذي له من وصف الكمال ما له على المخلوق؟!، فالخالق، عز وجل، لا تحده جهة، بل علوه مطلق، فجهته عدمية من المخلوق فليس ثم إلا الخالق، عز وجل، عاليا على عرشه سقف مخلوقاته علوا ذاتيا لازما، فذلك من وصف ذاته المعنوي، مستويا على عرشه على الوجه اللائق بجلاله، فقد علا وارتفع على عرشه بلا افتقار أو حاجة، فهو الغني بذاته وصفاته، فذلك من وصف فعله الخبري، فلا يدركه العقل إلا بتوقيف النقل الصحيح،، فإحكام هذه النصوص لا يعارض بشبهة واهية من قياس عقلي فاسد في باب خبري مستنده نص الوحي المحكم، فيرد ما تشابه منه إلى ما أحكم، فتلك طريقة أهل التحقيق في هذا الباب الجليل، فما توهم العقل منه ابتداء ما يناقض كمال ذات ووصف الرب، جل وعلا، فهو متشابه من هذا الوجه، وإن كان محكما في نفس الأمر، فإنما يعرض التشابه لمن وقع في القياس الفاسد، أما الذي أحكم قياس عقله بلجام القياس الصحيح، فالنصوص في حقه كلها محكمة، فلا تخلو من قرائن سياقية تدل على المعنى الصحيح، كما يأتي في بيان الوجه الثاني من أوجه القرب في هذه الآية، فما توهم العقل منه ما يناقض كمال الذات القدسية والصفات العلية فرده إلى المحكم يزيل الشبهة، فمن توهم من القرب، إن لم يدرك معناه الصحيح فالتبس عليه الأمر، نقصا، وليس فيه نقص، وإنما الأمر كما تقدم لازم قياس فاسد صير المحكم متشابها، من توهم منه نقصا فليرده إلى محكم نصوص العلو: ذاتا وصفات، وهذا أصل جليل في كل نصوص الوحي: أخبارا أو أحكاما.
وإما أن يكون قربا معنويا، فهو مئنة من إحاطة الرب، جل وعلا، بخلقه، فهو قريب منه بعلمه، قريب منه بجنده، حال الحياة فـ: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)، وحال الموت فـ: (هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ)، فالسياق يدل على إرادة القرب بملك الموت عليه السلام وأتباعه، فتلك قرينة سياقية انضمت إلى دلالة القرب المعجمية، فهي دلالة كلية تحتمل: القرب بالذات أو بالمعنى، كما تقدم، فيقرب الملك من أحد رعاياه بأتباعه، فإذا أرسل إليه رسولا صح أن يقال بأن الملك بأمرك بكذا أو ينهاك عن كذا، وإن كان الآمر أو الناهي هو الرسول، فما أمر أو نهى إلا بأمر الملك، فيكون قريبا منه من هذا الوجه، ولله المثل الأعلى، فإنه يقرب من عبده حال النزع بملائكته، وإن لم يبصر من حوله ذلك، فلا يرون إلا الجثمان، فقد حجب عنهم ما يجده الميت من آثار النزع، فيرى ما لا يرون، فقد قرب الرحيل إلى دار البرزخ، وأحوالها تغاير أحوال دار الدنيا، فيرى الراحل إلى دار البرزخ ما لا يرى أهل دار الدنيا الذين لما يحن موعد رحيلهم، والشاهد أن القرينة السياقية قد انضمت إلى الدلالة المعجمية الكلية فرجحت فردا من أفرادها هو: القرب المعنوي بالملائكة، كما رجحت القرينة أيضا في نحو قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ): القرب بالعلم المحيط بالأعيان والأحوال، فقرينة: (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)، أو: القرب بالملائكة الحفظة لقرينة الآية التالية: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ)، قد انضمت إلى الدلالة المعجمية الكلية أيضا، فرجحت فردا آخر هو: القرب بالعلم، أو القرب بالملائكة، فلكل
(يُتْبَعُ)
(/)
موضع من القرائن ما يدل على مراد المتكلم، فذلك وجه إحكامه، فهو، كما تقدم، قد يتشابه على من نظر في المعنى الكلي مجردا من سياقه، فيتصور منه معنى باطلا، ولكنه بالنظر إلى مجموع المعنى والسياق الذي يرد فيه محكم لا يتطرق إليه التشابه من أي وجه، فظاهره المركب من المعنى والسياق معا دال على مراد المتكلم، وهذا، أصل آخر في معرفة دلالات النصوص أخبارا كانت أو أحكاما.
ثم جاء التحدي إمعانا في بيان عجزهم في مقابل كمال قدرة الرب جل وعلا: فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ: فهلا إن كنتم غير عبيد تدينون للرب، جل وعلا، اضطرارا أو اختيارا، فكل مدين للرب، جل وعلا، مقهور بإرادته الكونية النافذة، فتلك جهة العبودية العامة، ومن آمن وانقاد فهو مقهور بإرادته الشرعية الحاكمة فلا حظ لنفسه مع حكم الشارع، جل وعلا، فتلك جهة العبودية الخاصة، فالعباد منهم: عبيد خاضعون بالأمر الكوني النافذ، ومنهم عباد خاضعون للأمر الشرعي الحاكم، ولا يخرج جميعهم عن دائرة العبودية العامة فهي أعم من جهة أفرادها، فكلهم تحت حكمه وقضائه، إن شاء عافى فضلا، وإن شاء ابتلى عدلا، فلو صيغ الأمر على طرائق أهل النظر في العموم والخصوص: فالعبودية العامة: أعم من جهة أفرادها فلا يخرج عنها بر أو فاجر، والعبودية الخاصة: أعم من جهة أوصافها ففيها قدر زائد عن العبودية العامة هو: الانقياد للأمر الشرعي، فالانقياد للأمر الكوني: جنس عام يشمل المؤمن والكافر، كما تقدم، والانقياد للأمر الشرعي: فصل، بلغة أهل المنطق يخرج به العبد الكافر، فيتمحض التعريف للعابد المؤمن، فهو عبد من جهة الكون، عابد من جهة الشرع، فهلا إن كنتم خارجين عن حد العبودية العامة، فلكم إرادات تعارض الإرادة الكونية النافذة: تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ: فذلك من الشرط في معرض التحدي تهييجا وإلهابا للمخاطب، فذلك أبلغ في بيان عجزه في مقابل كمال قدرة الرب جل وعلا. فهلا أرجعتم الروح التي شاء الرب جل وعلا: نزعها إن كان لكم من القدرة ما يصلح لمعارضة أمر الرب القدير الحكيم، جل وعلا، فلا راد لأمره لكمال قدرته، ولا معارض له لكمال حكمته، فبقدرته وحكمته يكون قضاؤه في عباده، فلا يأتي القضاء إلا على أكمل الوجوه، فبه تظهر آثار وصف الجلال قدرة، وصفات الجمال حكمة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 05 - 2010, 08:47 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ):
فالتفريع عما تقدم ذكره من منازل البشر، فيكون ذلك من رد العجز على الصدر كما اطرد من كلام البلاغيين، إذ رجع الكلام على صدر السورة، فذلك من توزيع القصة، كما سماه صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وهو أمر قد اطرد في التنزيل، إذ ترد القصة مجملة في موضع، مبينة في آخر، وأبرز مثال على ذلك توزيع خبر موسى الكليم عليه السلام، في مواضع من التنزيل، فهي أكثر القصص تكرارا، وفي كل موضع ما ليس في البقية، فتكتمل صورة الاستدلال بتتبع موارد الخبر، فذلك مئنة من بلاغة التنزيل في تنويع السياق طردا للسآمة والملل، وذلك جار على ما اطرد من طريقة أهل الحق في جمع أدلة الباب، فذلك أسلم من الخطأ وأقرب إلى تحرير المسألة: علمية كانت أو عملية، فالإجمال قد يبين في موضع، والعموم قد يخص، والإطلاق قد يقيد .... إلخ من صور البيان، وتلك، كما تقدم في مواضع سابقة، طريقة أهل التحقيق من المفسرين، فما أجمل في موضع من التنزيل بين في آخر، فإن لم يرد البيان في الكتاب ففي السنة، فإن لم يوجد ففي أقوال المفسرين من الصدر الأول، ومن تلاهم من أهل القرون المفضلة، فإن لم يوجد ففي كلام العرب فهو الحجة في بيان آي الكتاب العزيز فبلسانهم نزل، وببيانهم ورد، فنزل بلسان قريش، لسان العرب العام، فهو لسان عالمي بين قبائل العرب، فآدابهم: نظما أو نثرا، قد نقلت إلينا بلسانهم إلا ما ندر، ففي كلام العرب المنقول بل في التنزيل من لسان بقية القبائل ألفاظ قليلة، عني بها أهل القراءات.
(يُتْبَعُ)
(/)
فجاء التفريع بـ: "أما"، وجاء الشرط بـ: "إن" في معرض استيفاء أوجه القسمة العقلية.
و: "من" بيانية جنسية لا تخلو من معنى التبعيض فهو فرد من أفراد المقربين، فإن كان ذلك حاله فهو من المقربين أو السابقين الذين ورد ذكرهم في صدر السورة، فجزاؤه: روح، فحذف المبتدأ المسند إليه إيجازا لدلالة السياق عليه، أو هو على تقدير: فله روح، فيكون المحذوف هو الخبر المسند، والربط بالفاء مئنة من الفورية فترتب على الوصف جزاؤه على جهة التعقيب، على ما اطرد في دلالة الشرط، فالمشروط يدور مع الشرط وجودا وعدما، ففي الشرط وصف أو معنى يصلح لتعليق الحكم المستفاد من لفظ المشروط عليه، فيدور معه وجودا وعدما، على ما اطرد في كلام أهل البلاغة والأصول من دوران الحكم مع الوصف وجودا وعدما، والتقديران جائزان، فيجوز أن يكون المحذوف مبتدأ أو خبرا، فكلا التقديرين جائز على وزان: يمين الله لأفعلن كذا، فتقدير الكلام: قسمي يمين الله، على تقدير المحذوف مبتدأ، أو: يمين الله قسمي على تقدير المحذوف خبرا، وقد يقال بأن تقدير المحذوف مبتدأ في الآية، أليق بما اطرد في لسان العرب من حذف المسند إذا دل السياق عليه، فالسياق سياق تقسيم في معرض بيان الجزاء، فيكون التقدير بداهة من جنس مادة الجزاء، فحذف المسند إليه إذا دل عليه السياق أمر قد اطرد في التنزيل وفي كلام العرب، فمن شواهده في التنزيل: (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)، أي: أنا عجوز عقيم، بقرينة ظهور المسند إليه في موضع آخر من التنزيل: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)، ومن شواهده في كلام العرب:
قنافذ هداجون حول بيوتهم ******* بما كان إياهم عطيه عودا
أي: هم قنافذ هداجون.
وقد يقال بأن تقدير المحذوف مسندا: "له"، فيكون تقدير السياق: فله روح، آكد في تقرير المعنى لما اطرد في كلام البلاغيين من دلالة تقديم ما حقه التأخير على الحصر والتوكيد فله وحده لا لغيره، باعتبار نوعه، لا شخصه، فالنعيم معنى عام لا يختص بأفراد بعينهم، وإنما يختص بأفراد تحقق فيهم الوصف الجالب للحكم، وجاء بيان الجزاء مطنبا فذلك آكد في سياق الترغيب: فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ:
فروح مادة تدل على الخفة واللطافة، فالروح، كما يقول صاحب "اللسان" رحمه الله هو: نَسِيم الهواء، فالنسيم مظنة الخفة واللطف، وكذلك الروح المخلوق الساري في البدن، فهو الحافظ له من الفساد، فالروح: جسم لطيف لا يقر إلا في الأبدان الصحيحة، فإن خالطتها الأغيار الكثيفة ففسد البدن بمرض عضال أو أخلاط غليظة لا تلائم خفة الروح فإنها، بإذن الرب جل وعلا، تغادر المحل الفاسد، فتنزع من البدن حال القبض فلم يعد محلا ملائما لها، فإن الخفيف اللطيف لا يقر إلا في محل صالح، فإن فسد المحل وكثف وغلظ بما يرد عليه من أخلاط المرض، فإن الروح لا يقر لها قرار فيه، فتحين ساعة الرحيل، فيعطب البدن بمفارقة مادة حياته، بل لو كان صحيحا فنزعت الروح منه بموت فجأة لسقط وفسد، فسرعان ما يدب فيه العطب، والروح مادة تدل، أيضا، على الراحة، وهي مظنة الخفة، فذلك من أجناس النعيم في كلا الدارين، ولكن راحة الدنيا لا تسلم من كدر المنغصات، فلا راحة كاملة في دار الابتلاء، بل لا بد من شوب ألم وهم وحزن، به يبتلى العباد فيعرف الصابر من الجازع، فتشتاق النفوس لزوما إلى دار الراحة الأبدية والنعيم الخالص الناصح من شوب الآلام، في دار الرضوان، فلا نصب ولا وصب، فلا يشقى أهلها ولا يمرضون بأوجاع أهل الدنيا التي لا يسلم منها جسد وإن طالت عافيته، فيناله شاء أو أبى حظه من المرض، فضلا عما يجري عليه من أعراض النقص الجبلي، فكل ذلك فرقان عظيم وبرزخ جليل، بين الرب الكامل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله والعبد الناقص، فوصفه على الضد من وصف الرب، جل وعلا، وإن ادعى الكمال فتلك دعوى كذب يشهد حاله ببطلانها، فلا يخلو في حال من أحواله عن افتقار لازم إلى أسباب الحياة التي يجريها رب الأسباب، جل وعلا، فهي من جملة رحماته الكونية العامة، فتظهر آثارها على البر والفاجر، فالروح تأتي
(يُتْبَعُ)
(/)
بمعنى الرحمة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فمنها الروح الكوني الذي تقوم به الأبدان، ومنها الروح الشرعي الذي تقوم به الأرواح المخلوقة، فتلك من جملة رحماته الخاصة، فلا تظهر آثارها إلا على البر، فهي الروح التي أوحى بها الرب، جل وعلا، إلى نبيه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فهي روح من أمره الشرعي بكلمات شرعيات نازلة على قلب خاتم المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلسان عربي مبين، كما أن الروح المخلوق وما يحتف بالبدن من الرحمات الكونية من أسباب الحياة من أمره الكوني النافذ، فمن أمره ابتدئت غايات الشرع بكلمات الكتب المنزلة، ومن أمره ابتدئت غايات الكون فخلقت الأرواح وأجريت الأرزاق بالكلمات الكونيات النافذة، فالأرواح كلها منه صادرة، مخلوقة كانت كالأرواح التي بالأبدان، أو غير مخلوقة كالأرواح المدونة في الكتب السماوية المنزلة،، وإذا نظر القارئ إلى تفسير أبي السعود، رحمه الله، للروح بالرحمة، فمن رحماته: رحمات الشرع فهي غير مخلوقة إذ هي من أوصافه العلية، فله وصف الرحمة العامة: رحمة الرحمن: لسائر الخلائق، والرحمة الخاصة: رحمة الرحيم: للأبرار، ومن رحماته: الرحمات المخلوقة أسبابا في دار الدنيا، فبها تقوم الأبدان، كما تقوم الأرواح، كما تقدم، بالرحمات الشرعية النازلة، وجزاء في دار الآخرة، فالجنة: رحمة مخلوقة، يرحم بها الرب، جل وعلا، من شاء من عباده، والرحمات والأرواح المخلوقة، عند التدبر والنظر، أثر رحمات وأرواح الرب، غير المخلوقة، على ما اطرد بيانه من أثر الكلمات الكونيات في خلق الأبدان، والكلمات الشرعيات في تزكية الأرواح، فبرحمته أنزل الوحي لتزكو الروح فتحفظ من أسباب الضلال، وبرحمته أنزل المطر ليخرج الزرع وينمو فتقتات به الأبدان فتحفظ من أسباب الهلاك، وبذلك يظهر وجه القراءة الثانية بضم الراء، فروح، بفتح الراء، فتلك الراحة، وروح، بضم الراء، فالنعيم للروح والبدن معا، وكلها معان تدل على عظم المنة الربانية على أهل دار السلام.
ونكر الروح تعظيما وعطف عليه الريحان على حد التنكير، فهو، أيضا، مئنة من التعظيم، وهو مما تنتعش به الأرواح، ثم عطف عليهما: عطف العموم على الخصوص: وجنة نعيم: فهي محل النعم الكاملة والرحمات المتتالية، وإضافتها إلى النعيم: إضافة ظرف إلى مظروفه، فهي محل النعيم الدائم فلا منع ولا قطع.
ومن قوله تعالى: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)
فذلك تفريع آخر في معرض استيفاء الوجه الثاني من أوجه القسمة الثلاثية، وهم أصحاب اليمين، الذين تقدم ذكرهم في صدر السورة في قوله تعالى: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)، فذلك جار مجرى ما تقدم من رد العجز على الصدر، فأما إن كان من أصحاب اليمين، فجاء التفريع بـ: "أما"، و: "إن" الشرطية أيضا، وفعل الكينونة مئنة من الدوام والاستمرار، فكينونة وصفهم بما يسرهم، فرع عن كينونة وصفهم في الدنيا: (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ)، فكانت حالهم الإشفاق، على جهة الديمومة والاستمرار، أيضا، فجاءت ديمومة وصف الثناء وما يتفرع عنه من الثواب فرعا عن ديمومة وصف الإشفاق وما يتفرع عنه من دوام المراقبة، فالخوف يولد في نفس صاحبه إشفاقا، فإذا انضم إليه إحسان الظن بالرب، جل وعلا، ولد ذلك المزيج المتوازن من الرهبة والرغبة، ولد من الإرادات والأقوال والأفعال النافعة ما تحصل به الطمأنينة في دار الدنيا، والنجاة في دار الآخرة، فلا يكون صلاح دين ودنيا إلا بالمزج بين الرهبة بالخوف والرغبة بالرجاء في توازن عجيب لم يأت به وحي كما جاء الوحي الخاتم
(يُتْبَعُ)
(/)
، فالإسلام قد امتاز بوسطية حقيقية، لا وهمية كوسطية زماننا!، فوسطية في الاعتقاد، ووسطية في التصور العلمي فلا إفراط في الجانب الغيبي يخرج صاحبه عن حد المعقول الصريح إلى حد الخرافة، كما هي حال من غلا في تتبع الغيب، وجوز تعارض الإيمان والعقل، فلا يكون الإنسان مؤمنا إلا إذا ألغى دلالة عقله بالكلية، فآمن بمحال عقلي، أو خرافة لا أصل لها تصير الأديان: موروثا ثقافيا شعبيا، فهو قصص وحكايات، وخوارق وكرامات، تشبه ألف ليلة وليلة، أو سيرة الهلالي ..... إلخ من صور الفلكلور الشعبي!، وهو الإسلام الذي يروق كثيرا للغرب، ولذلك يحظى بتأييد كبير من دوائر صنع القرار في الغرب التي أوصت الحكومات هناك بمد جسور التعاون مع هذا التيار المعتدل!، فلا يعنيه إلا الغلو في صالح أو طالح، فينسج له من الخوارق ما يضحك منه كل ذي عقل، ولو لم يكن من أتباع النبوات التي قضت على تلك الخرافات قضاء مبرما، ويعيش على اجترار مآثر وكرامات فلان أو فلان من الأئمة أو الأولياء، وربما لم يكن متبوعه إماما أو وليا، بل هو طالح رقيق الديانة مخروم المروءة، بل ربما كان كافرا، بل ربما كان عدما لا وجود له، فهو خرافة من الألف إلى الياء، فمن هذا حاله كيف يصمد لقتال عدو، وكيف يعد العدة الإيمانية والفكرية لمنازلة العدو الذي أجلب علينا بخيله ورجله المادي والمعنوي فألجأنا إلى رد عدوانه، ولو بالكلمة الصادقة، فقد عجز كثير منا إلا من رحم ربك عن حمل السلاح لرد الصائل، فلا تزال طائفة قائمة بهذا الفرض، فهو ماض إلى قيام الساعة، ولكنها طائفة قليلة العدد والعدة، لا تحظى بأي دعم أو تأييد، بل حظها من أبناء جلدتها: التشويه والحصار والتجويع، كما هي حال المقاومة في البؤر المشتعلة في الأرض المقدسة والعراق وبلاد الأفغان والقفقاز ..... إلخ، فلا أقل من كف الألسن على طريقة:
لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مالُ ******* فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ.
فمن راح في غيبوبة الخرافة، كيف يكون له نصيب في جهاد جحة وبرهان، أو سيف وسنان، وهو قد عمره في الرقص في حلقات الذكر؟!.
وفي المقابل لا تفريط في الجانب الغيبي، كرد فعل للإفراط فيه، كما هي حال العلمانيين والملحدين الذين ردوا الغلو بغلو يماثله، ولكن على الضد منه، فلا يؤمنون إلا بالجانب المادي المحسوس من هذه الحياة، مع أن الإنسان لا انفكاك له عن الإيمان بالغيب، وإن جحد ذلك، فتلك ضرورة يجدها كل إنسان، فقد ركبه الرب، جل وعلا، من روح لطيفة غذاؤها الرئيس بل الوحيد: الوحي، والوحي غيب لا يدرك كنهه إلا الأنبياء، عليهم السلام، فلا يدرك غيرهم منه إلا آثاره النافعة التي تقتات منها الأرواح غذائها المعنوي المعقول، وجسد يقتات من خشاش الأرض فذلك غذاؤه المادي المحسوس، فمن جعل الحياة كلها: مادة، فهو بهيمة في مسلاخ بشر، لا حظ لروحه من الآدمية، إلا بقدر ما تتحرك به أعضاؤه لنيل شهواته: نيل الحيوان حظه من المطعم والمشرب والمنكح ..... إلخ، فالإيمان بالغيب مئنة من كمال آدمية صاحبه، وإنكاره بالكلية إنكار لقوى التصور العقلية، وذلك انحطاط من رتبة الآدمية إلى رتبة الحيوانية التي يقبع فيها الغرب وأذنابه من العلمانيين فضلا عن الملاحدة الماديين، فأولئك أكثر صراحة وشفافية، فقد كفروا ابتداء بكل غيب، فالأمر عندهم منته محسوم!.
والشاهد أن وسطية الإسلام في كل أبواب الدين والدنيا: ثابتة ثبوتا لا نظير له في دين آخر، فبالرغبة، يكون الرجاء والطمع في منزلة أصحاب اليمين، فهي أثر من آثار أوصاف جمال الرب، جل وعلا، فالجنة من رحماته، كما تقدم بيانه، والرحمات المخلوقة من أظهر آثار وصف الرحمة الثابت للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فالرحمة المخلوقة أثر صفة الرحمة غير المخلوقة، وبالرهبة يكون الخوف من الحلول في منزلة أصحاب الشمال، فهي أثر من آثار أوصاف جلال الرب، جل وعلا، فالنار، على الجهة المقابلة، من أظهر آثار وصف الجبروت وشدة العقاب الثابتة للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله.
فـ: أما إن كان من أصحاب اليمين: فجواب ذلك: فسلام لك من أصحاب اليمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
فناب جواب: "أما" عن جواب الشرط، إذ الجواب المذكور كاف في الدلالة على الجواب المحذوف، فهما من جنس واحد، فيكون ذكرهما معا تكرار معيبا، فـ: سلام لك: نكر تعظيما، ففيه معنى الدعاء الذي سوغ الابتداء بالنكرة، وفي تفسير الآية ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله أوجها لطيفة منها:
أن تكون الكاف خطابا لغير معين، على وزان قولك: ناهيك به، أو: حسبك به ..... إلخ، فذلك من خطاب غير المعين مئنة من العموم على وزان قول أبي الطيب:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ******* وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.
فالخطاب لغير معين وإن كان الخطاب في ظاهره باعتبار المواجهة صادرا لمخاطب بعينه يتوجه إليه الكلام أصالة، وعلى ذلك حمل الخطاب في مواضع من التنزيل من قبيل: قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا): فالضمير المستكن في: "خذ" تقديره: "أنت"، وهو باعتبار المواجهة صادر إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المخاطب بالتنزيل أصالة، فخذ من أموالهم أصلا، وليأخذ من جاء بعدك إماما انعقدت له البيعة، فمتعلق التكليف: منصب الإمامة لا منصب النبوة، فتتصور الخلافة في الأول دون الثاني.
فيؤول المعنى إلى: ذلك أمر يسر كل من بلغه، فلهم سلام أجمل ليذهب العقل في تصور كنهه كل مذهب مئنة من عظم قدره ورفعة شأنه، لهم سلام هذا وصفه يسر كل من بلغه، فذلك جار مجرى المثل السائر، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
وإما أن يكون المخاطب هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتكون المسرة خاصة به في هذا الخطاب، فيسره ما ينال أهل الإسلام من الكرامة، فهو من جملة أصحاب اليمين، بل هم السواد الأعظم منهم، كما في حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: "وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا"، فأمة الإجابة: أعظم أمة تدخل الجنة لعالمية الرسالة التي عم خطابها كافة أجناس البرية، وذلك من رحمة الله، عز وجل، بعباده، أن بعث فيهم رسولا قد عمت دعوته سائر أقطار المعمورة، فلم يختص بها جنس دون جنس، بل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)، فذلك، أيضا، من الخطاب لغير معين، فليس الخطاب عنصريا لأمة بعينها، بل هو عام في أمة الإجابة، فيشمل العربي والعجمي، الأبيض والأسود فـ: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، و: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى".
فيكون ذلك من كمال العناية بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلن يخذله ربه، جل وعلا، في أمته، بل سيريه منهم ما تقر به عينه، فقد بلغ ووفى بما عليه، وأثمرت رسالته أجناسا من الصلاح في العلم والعمل ما لا ينكره إلا جاحد، فنبوته قد صارت بإجماع العقلاء المنصفين: علة كل خير في هذا العالم، فأخبارها أصدق الأخبار، وأحكامها أعدل الأحكام، فقد لجأ إلى شريعتها عقلاء العالم لحل المعضلات المعاصرة، فنالهم من بركتها العاجلة ما نالهم، وإن حرموا من بركتها الآجلة لقصور مداركهم وفساد تصورهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد يقال بأن تقدير الكلام: فيقال للمؤمن: سلام لك، فذلك من دعاء الملائكة له، وتلك من صور العناية بالعبد المؤمن، فلا يسمع إلا الثناء الجميل فـ: (سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)، ثم ذيل الدعاء بالثناء على جهة التوكيد الرافع لكل خوف من فوات المحبوب: أنت من أصحاب اليمين، فحذف المسند إليه لدلالة السياق عليه، إذ هو المخاطب بالدعاء فالضمير المتقدم في: "لك" قد دل على الضمير المقدر المحذوف، فتكون من على هذا الوجه: تبعيضية، ولا تخلو من معنى الجنسية، فأنت من جنس أصحاب اليمين، وأنت فرد من عمومهم فذلك وجه التبعيض في هذا التأويل.
وقد يقال بأن الضمير عائد على الضمير المستتر في: "وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ": فيكون ذلك من الالتفات من الغيبة إلى الحضور، وذلك، أيضا، من كمال العناية بالمخاطب، فسلام له من أصحاب اليمين، فيسلم عليه أصحاب اليمين، وذلك مئنة من الكرامة، فـ: "من" على هذا الوجه: ابتدائية، فابتداء غاية التسليم من أصحاب اليمين.
فيكون ذلك جاريا مجرى الاشتراك اللفظي في: "من"، فتدل على أكثر من معنى لتعدد أوجه التأويل، ولا مانع من الجمع بين تلك المعاني، فلا تعارض بينها، وذلك، كما تقدم، في أكثر من موضع، إثراء للسياق بتوارد المعاني الصحيحة عليه. فكلها تدور حول معنى الرفعة والكرامة، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ:
فقدم الكذب على الضلال في سياق الجزاء لكونه السبب، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك أقطع للعذر، فالسبب مؤد إلى مسبَّبِه بداهة، فالدلالة العقلية شاهدة بصحة ذلك.
فنزل من حميم: على ما اطرد من التفريع فذلك الوجه الثالث: وصدر الجزاء بالنزل تهكما، فالنزل لا يكون إلا للضيف على سبيل التكريم!، فتطلعت النفوس إلى الكرامة، فجاء التذييل بجنس الحميم فذلك من النكاية بمكان، والتنكير في: "نزل" مئنة من التعظيم، وذلك، أيضا، جار مجرى التهكم، فتعظيم النزل مئنة من زيادة التكريم، فإذا به عين الإهانة، وأما تنكير: "الحميم" فهو جار مجرى التعظيم على سبيل الإهانة.
وتصلية جحيم: فذلك من التناسب مع النزل، فالتصلية تكون للشواء الذي يكرم به الضيف، فإذا بالتصلية له لا للشواء!.
ثم جاء التذييل في ختام السورة تقريرا لما تقدم من قسمة العدل بين الأنواع الثلاثة:
إن هذا لهو حق اليقين: فاسم الإشارة عائد على ما تقدم، لقرب ذكره، ولا تخلو الإشارة من نوع تعظيم للمشار إليه على وزان:
هذا الذي تعرف البطحاء وطئته ******* والبيت يعرفه والحلُّ والحرم.
ُ
فهو غني عن التعريف، فكذلك تلك القسمة الثلاثية لموافقتها لدلالة العقل الصريح قد صارت من البدهي الضروري الذي لا ينكره أحد لاشتهاره، فالدلالات العقلية الضرورية لا يماري فيها إلا جاحد أو مسفسط. وأضيف الحق إلى اليقين: إضافة الموصوف إلى صفته، فذلك من قبيل قوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ)، أي: وما كنت بالجانب الغربي، وذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وجها آخر، تكون فيه الإضافة من قبيل قولك: هذا يقين اليقين، فذلك توكيد بإضافة الشيء إلى نفسه، أو إضافة المرادف إلى مرادفه، أو شبه المرادف إلى مرادفه، فالحق مظنة اليقين من جهة المعنى الكلي، ولكنهما يتباينان من جهة المعنى الجزئي فلكل دلالة يختص بها، فلا يترادفان من كل وجه، على ما قول من أنكر الترادف المطلق بين الألفاظ، فضلا عن المؤكد الناسخ، واللام المزحلقة الداخلة على ضمير الفصل، وضمير الفصل، وتعريف الجزأين، فكل تلك المؤكدات لما تقدم من تلك القسمة الثلاثية التي تظهر فيها آثار قدرة وحكمة وعدل الرب، جل وعلا، وهو ما استوجب له الحمد والثناء المطلق فـ: سبح، على جهة التنزيه من العجز والسفه والظلم، فهو الحكم العدل بين تلك الأنواع فـ: (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
والله أعلى وأعلم.(/)
ماالمقصود بقولهم حلل البيت بالمستوى المعجمي؟
ـ[موسى 125]ــــــــ[17 - 03 - 2010, 09:46 م]ـ
السلام عليكم
ما يقصدون بقولهم حلل البيت الآتي بالمستوى المعجمي والمستوى التركيبي؟ ولكم الشكر.
ـ[السراج]ــــــــ[18 - 03 - 2010, 07:16 ص]ـ
أهلاً بك موسى ..
هذه الصورة دليل على التحليل المعجمي ..
http://dc205.4shared.com/img/243567429/4108b2a1/__online.jpg?rnd=0.6353552975925327 (http://www.4shared.com/file/243567429/4108b2a1/__online.html)
فترى أن كل كلمة لها علاقة بالبركة، حُفّت بدائرة.
أما التركيبي فعن الجمل وعناصر النص بشكل جزئي (جمل).
ـ[موسى 125]ــــــــ[18 - 03 - 2010, 12:11 م]ـ
شكرًا لك أخي (السراج)، وليتك تفصل أكثر حتى أتمكن من فهم المسألة، ولك الشكر.(/)
أريد الصور البيانية والبديعية لنونية ابن عثيمين
ـ[الصالحه]ــــــــ[17 - 03 - 2010, 11:07 م]ـ
عاجل
ساعدوني على استخراج الصور البيانية والتشبيهات
لنونية ابن عثيمين في مدح الملك عبد العزيز
وعازب رشده إذ حان مصرعه ... بخمرة الجهل والإعجاب سكران
أمطرته عزمات لو قذفت بها ... صم الشوامخ أضحت وهي كثبان
عصائبا من بني الإسلام يقدمهم ... من جدك المعتلي بالرعب فرسان
ويل امه لو أتاه البحر ملتطما ... آذيه الأسد والآجام مران
لأصبح الغر لا عين ولا أثر ... أو شاعفته قبيل الصبح جنان
ومشهد لك في الإسلام سوف ترى ... يوفى به لك يوم الحشر ميزان
نحرت هديك فيه المشركين ضحى ... فافخر ففخر سواك المعز والضان
أرضيت آباءك الغر الكرام بما ... جددت من مجدهم من بعد ما بانوا
نبهت ذكرا توارى منه حين علا ... للمارقين ضباب فيه دخان
فجئت بالسيف والقرآن معتزما ... تمضي بسيفك ما أمضاه قرآن
حتى انجلى الظلم والإظلام وارتفعت ... للدين في الأرض أعلام وأركان
ـ[المهتم]ــــــــ[17 - 03 - 2010, 11:42 م]ـ
سلام عليك:
أهل المنتدى يقولون: إنه لا يجوز حل الفروض والواجبات؟!!
فحتى يسمح لنا بمساعدتك بما أمكن اقترحي أنت حلا ...
وابدئي الخطوة الأولى، وستجدين -إن شاء الله- من يعينك!!
ـ[الصالحه]ــــــــ[18 - 03 - 2010, 12:48 م]ـ
ليس واجب اردت منكم مساعدتي فقط
لانه عندي شرح هذه الأبيات في الجامعة
وانا طالبة علم ولست استاذة
الظلم والإظلام= جناس
فافخر- ففخر= جناس
ضباب - دخان = طباق
من احب ان يساعدني جزاه الله خيرآ
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[19 - 03 - 2010, 02:40 م]ـ
عاجل
ساعدوني على استخراج الصور البيانية والتشبيهات
لنونية ابن عثيمين في مدح الملك عبد العزيز
وعازب رشده إذ حان مصرعه ... بخمرة الجهل والإعجاب سكران
أمطرته عزمات لو قذفت بها ... صم الشوامخ أضحت وهي كثبان
عصائبا من بني الإسلام يقدمهم ... من جدك المعتلي بالرعب فرسان
ويل امه لو أتاه البحر ملتطما ... آذيه الأسد والآجام مران
لأصبح الغر لا عين ولا أثر ... أو شاعفته قبيل الصبح جنان
ومشهد لك في الإسلام سوف ترى ... يوفى به لك يوم الحشر ميزان
نحرت هديك فيه المشركين ضحى ... فافخر ففخر سواك المعز والضان
أرضيت آباءك الغر الكرام بما ... جددت من مجدهم من بعد ما بانوا
نبهت ذكرا توارى منه حين علا ... للمارقين ضباب فيه دخان
فجئت بالسيف والقرآن معتزما ... تمضي بسيفك ما أمضاه قرآن
حتى انجلى الظلم والإظلام وارتفعت ... للدين في الأرض أعلام وأركان
بخمرة الجهل والإعجاب سكران - شبه الجهل والإعجاب بالشىء الذى تصنع منه الخمرة وحذف المشبه وذكر شيئا من لوازمه وهو الخمرة على سبيل الاستعارة المكنية وسر جمالها التجسيم بجامع عدم المعرفة فى كل من السكران والجاهل0
أمطرته عزمات -العزمات لاتمطر بل أنه شبهها بالسماء وحذف المشبه به وذكر شيئا من لوازمه وهو المطر على سبيل الاستعارة المكنية وسر الجمال التسيم بجامع الفيض والشدة فى كل 0
عزمات لوقذف بها حيث شبه العزمات بشىء مادى يقذف به وحذف المشبه به وذكر شيئا من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية وسر جمالها التجسيم 0
أتاه البحر شبه البحر بإنسان وحذف المشبه به وذكر شيئا من لوازمه وهو الإتيان على سبيل الاستعارة المكنية وسر جمالها التشخيص بجامع الحركة والاضطراب فى كل0
المعز والضان طباق إيجاب الغرض من تقوية المعنى وتوكيده وهو محسن بديعى لفظى
كلمة "بانوا"و"توارى" طباق إيجاب الغرض منه توضيح المعنى وتوكيده
ـ[الصالحه]ــــــــ[19 - 03 - 2010, 07:49 م]ـ
شكراً لك يا اخي احمد
وجزاك الله جنة الفردوس الأعلى(/)
من أسرار الإعجاز اللغوي والبياني في سورة ألم نشرح
ـ[30131]ــــــــ[18 - 03 - 2010, 11:26 م]ـ
من أسرار الإعجاز اللغوي والبياني في سورة ألم نشرح
قال الله تبارك وتعالى:? أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ? (الشرح: 1 - 8)
أولاً- نزلت هذه السورة الكريمة بعد سورة الضحى؛ وكأنها تكملة لها، فيها ظل العطف الندي، وفيها روح المناجاة للحبيب، وفيها استحضار مظاهر العناية، واستعراض مواقع الرعاية، وفيها البشرى باليسر والفرج، وفيها التوجيه إلى سرِّ اليُسْر وحبل الاتصال الوثيق.
وهي توحي بأن هناك ضائقة كانت في روح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمر من أمور هذه الدعوة التي كلفها، ومن العقبات الوعرة في طريقها، ومن الكيد والمكر المضروب حولها .. توحي بأن صدره صلى الله عليه وسلم كان مثقلا بهموم هذه الدعوة الثقيلة, وأنه كان يحس العبء فادحًا على كاهله، وأنه كان في حاجة إلى عون ومدد، وزاد ورصيد .. ثم كانت هذه المناجاة الحلوة, وهذا الحديث الودود من المحِبِّ لحبيبه!
ثانيًا-قوله تعالى:? أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ? (1)
خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة العامة:? أَلَمْ نَشْرَحْ ?، بالسكون. وقرأ أبو جعفر المنصور:? أَلَمْ نَشْرَحَ ?، بفتح الحاء، وخرَّجه ابن عطيَّة وجماعة على أن الأصل: ألم نشرحَنْ، بنون التوكيد الخفيفة، فأبدل من النون ألفا، ثم حذفها تخفيفًا. وقال غير واحد: لعل أبا جعفر بيَّن الحاء، وأشبعها في مخرجها، فظن السامع أنه فتحها.
وفي (البحر المحيط) لأبي حيان:” أن لهذه القراءة تخريجًا أحسن مما ذكِر، وهو أن الفتح على لغة بعض العرب من النصب بـ? لَمْ ?، فقد حكَى اللَّحْيانيُّ في نوادره: أن منهم من ينصب بها، ويجزم بـ? لَنْ ?، عكس المعروف عند الناس. وعلى ذلك قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار بن أبي عبيد:
في كل ما هَمَّ أمضَى رأيَه قدما **ولم يشاورَ في الأمر الذي فعلا
وخرَّجها بعضهم على أن الفتح لمجاورة ما بعدها؛ كالكسر في قراءة:
? الْحَمْدِ للّهِ ? (الفاتحة: 2)
بالجر، وهو لا يتأتى في بيت عائشة السابق“.
ثالثًا- وفي المراد بهذا الشرح- على ما ذكر- أقوال:
أحدهما: أن المراد به شقُّ صدره الشريف عليه الصلاة والسلام، روي أن جبريل عليه السلام أتاه، وشق صدره، وأخرج قلبه وغسله وأنقاه من المعاصي، ثم ملأه علمًا وإيمانًا، ووضعه في صدره. وروي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه فسَّره به، وهو ظاهر صنيع التِّرْمِذِيِّ؛ إذ أخرج حديث شقِّ الصدر الشريف في تفسير هذه السورة .. وهذا القول ضعيف عند المحققين.
وثانيها: أن المراد به شرح صدره صلى الله عليه وسلم للإسلام، وهو المرويُّ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وثالثها: أنه كناية عن الإِنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات، وإعلامه برضى الله عنه، وبشارته بما سيحصل للدّين، الذّي جاء به من النصر.
ورابعها: أن المراد به تنوير صدره صلى الله عليه وسلم بالحكمة، وتوسيعه بالمعرفة، لتلقي ما يوحى إليه. قال الله تعالى:
? أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ? (الزمر: 22)
وروي أنهم قالوا: يا رسول الله أينشرح الصدر؟ قال:”نعم! “قالوا: وما علامة ذلك؟ قال:” التجافي عن الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإعداد للموت قبل نزوله “.
وتحقيق القول فيه أن صدق الإيمان بالله ووعده ووعيده يوجب للإنسان الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، والاستعداد للموت.
وخامسها: منهم من فسر الشرح بانفتاح صدره عليه الصلاة والسلام؛ حتى إنه كان يتسع لجميع المهمات، لا يقلق، ولا يضجر، ولا يتغير؛ بل هو في حالتيْ البؤس والفرح منشرح الصدر، مشتغل بأداء ما كلف به.
والشرح في اللغة التوسعة، ومعناه: الإراحة من الهموم والغموم. والعرب تسمِّي الغمَّ والهمَّ: ضيقَ صدرٍ؛ كقوله تعالى:
? وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ? (الحجر: 97)
(يُتْبَعُ)
(/)
والأصل في الشرح: فصل أجزاء اللحم بعضِها عن بعض، ومنه: الشريحة من اللحم، ثم شاع استعماله في الكشف والبسط، وإيضاح الغامض والخافي من المعاني. ومنه قولهم: شرَح المُشْكِلَ، أو الغامِضَ من الأمر. أي: فسَّره، وبسطَه , وأظهر ما خفِي من معانيه. . وكذلك شاع استعماله في رضى النفس وسرورها بعد ضيق ألمَّ بها، فقيل: شرح الله صدره بكذا. أي: سرَّه به. ومنه: شرح الله صدره للإسلام، فانشرح. أي: انبسط في رضًا وارتياح للنور الإلهي، والسكينة الروحية. قال تعالى:
?فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء ? (الأنعام: 125)
رابعًا- والاستفهام في قوله تعالى:? أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ?؟ معناه: إثبات الشرح وإيجابه؛ لأن همزة الاستفهام إذا دخلت على النفي، ردته إلى الإيجاب. وإلى هذا أشار مكي في إعرابه للآية الكريمة بقوله في (مشكل إعراب القرآن):” الألف نقلت الكلام من النفي، فردته إيجابًا “.
والغرض من هذا الاستفهام: التذكير والتنبيه، والمعنى: شرحنا لك صدرك. وإلى هذا أشارالزمخشري بقوله عند تفسير الآية:” استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه؛ فكأنه قيل: شرحنا لك صدرك، فنبَّه على ذلك، وذكَّر به “.
وجمهور النحاة والمفسرين على القول بأن هذا الاستفهام هو استفهام تقرير، مثله في قوله تعالى:
? أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ? (الأعراف: 172)، وقوله تعالى:
? أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ? (الزمر: 36)
فيخلطون بين استفهام التذكير والتنبيه، وغيره، وبين استفهام التقرير. ولتوضيح الفرق بينهما أقول: إذا قيل: أليس زيد مسافرًا؟ احتمل ذلك معنيين:
أحدهما: أن السائل لم يعلم شيئًا عن سفر زيد، فيجاب حينئذ بـ (لا) في النفي. وبـ (نعم) في الإيجاب.
والثاني: أن السائل يعلم بسفر زيد؛ ولكنه يسأل عنه لغرض آخر؛ كالتذكير، أو التنبيه، أو التعجب، أو الإنكار، أو نحو ذلك من المعاني، التي يخرج إليها الاستفهام، فيجاب حينئذ بـ (بلى). وعلى التنبيه والتذكير يحمل قوله تعالى:
?أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ?؟ وقول جرير يمدح عبد الملك بن مروان:
ألستم خير من ركب المطايا **وأندى العالمين بطون راح
فإذا قيل: ألم تعلم بأن زيدًا مسافر؟ أليس زيد بمسافر؟ لم يحتمل ذلك إلا معنى واحدًا، وهو أن السائل يعلم بسفر زيد؛ ولكن غرضه من السؤال تقرير المخاطب؛ لأنه جاحد به بعد أن علمه، ولا يجاب إلا بـ (بلى). وعلى هذا يحمل قول الله تعالى:
? أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا ? (الأحقاف: 34)، وقوله تعالى:
? أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ? (الأعراف: 172)
وهذا هو سر دخول هذه الباء على خبر المنفي، وهو من الأسرار الدقيقة، التي لا يكاد يُفْطَنُ إليها في البيان القرآني المعجز لدقَّتها!
ومما يحمل على الأول، فيحتمل فيه الاستفهام أن يكون على حقيقته من طلب الفهم، وأن يكون مرادًا به معنى آخر من المعاني، التي يخرج إليها الاستفهام قول فرعون لعنه الله:
? أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ? (الزخرف: 51)
فهذا يحتمل أن يكون استفهامًا حقيقيًّا بأن يكون لا يعلم أن له ملك مصر، ويحتمل أن يكون عالمًا بذلك؛ ولكنه أورده على سبيل الافتخار.
وقوله تعالى حكاية عن لوط عليه السلام:
? أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ? (هود: 78)
أي: رجل واحد يرشدكم إلى ترك هذا العمل القبيح، ويمنعكم منه. فهذا يحتمل أن يكون استفهامًا حقيقيًّا، ويحتمل أن يكون الغرض منه الإنكار.
وعلى هذا يجري قوله تعالى:
? أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ?؟
فهذا استفهام يراد به التذكير والتنبيه، لا التقرير. ولو كان المستفهِم- هنا- غير الله جل وعلا، لجاز حمله على أصله من طلب الفهم.
أما حمله على استفهام التقرير فلا يحوز بحال من الأحوال؛ لأن حمله على ذلك يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلمكان جاحدًا لشرح الله تعالى له صدره، ورفعه له ذكره، ووضعه عنه وزره، بعد أن استقر علم ذلك عنده، وحاشا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك .. وإنما ذلك تنبيه له وتذكير .. فتأمل!
وإذا كانوا لا يفرقون بين قوله تعالى:
(يُتْبَعُ)
(/)
?أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ? (الشرح: 1)، وبين قوله تعالى:
?أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ? (الأعراف: 172)
فلأن معنىالتقرير- عندهم- هو الإثبات، ولا دليل لهم على ذلك سوى أن كلاًّ منهما يجاب بـ (بلى) في الإيجاب. والفرق بينهما: أن كل تقرير إثبات، وليس كل إثبات بتقرير. وأن التقرير هو غرض من الأغراض، التي يخرج إليها الاستفهام عندما يكون معناه الإثبات، مثله في ذلك: التذكير، أو التنبيه، أو التوبيخ، أو الافتخار ..
وقد كان عدم تفريقهم بين الإثبات، والتقرير سببًا في اختلافهم في المراد من الاستفهام الداخل على النفي، في كثير من آي القرآن الكريم؛ ومن الآيات التي اختلفوا فيها قوله تعالى:
? أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ? (العنكبوت: 68، والزمر: 32)
قال الزمخشري:”أليس: تقرير لثوائهم في جهنم، وحقيقته: أن الهمزة همزة إنكار، دخلت على النفي، فرجع إلى معنى التقرير“.
وقال أبو السعود، وتبعهالألوسي:”تقرير لثوائهم فيها؛ كقول من قال:
ألستم خير من ركب المطايا
أي: ألا يستوجبون الثواء فيها، وقد فعلوا ما فعلوا من الافتراء على الله تعالى، والتكذيب بالحق الصريح .. أو: إنكار، واستبعاد لاجترائهم على ما ذكر من الافتراء والتكذيب، مع علمهم بحال الكفرة. أي: ألم يعلموا أن في جهنم مثوى للكافرين، حتى اجترءوا هذه الجراءة “.
وكون الاستفهام- هنا- للتقرير يتناقض مع كونه للإنكار. والجمهور على أنه للتقرير. والتقرير- باتفاقهم جميعًا- هو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر علمه عنده، ثم جحد به. فهل كان الكافرون مقرين ومعترفين بأن مستقرَّهم النار؟ فإذا كان الأمر كذلك، فالمراد من هذا الاستفهام التقرير؛ وإلا فهو متضمِّن لمعنى الوعيد والتحقير، وقد سمَّاه السيوطي في (الإتقان) بالاكتفاء، ومثَّل له بقوله تعالى:
? أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ? (الزمر: 60)
أي: أليست جهنم كافية لهم سجنًا وموئلا لهم، فيها الخزي والهوان، بسبب تكبرهم وتجبرهم وإبائهم عن الانقياد للحق؟
ومن ذلك قوله تعالى:
? أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? (البقرة: 106)
فقد ذهب الزمخشري إلى أن الاستفهام فيه للتقرير. وقال الزركشي:”الكلام مع التقرير موجب، وجعل الزمخشري منه:
? أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? (البقرة: 106)
وقيل: أراد التقرير بما بعد النفي، لا التقرير بالنفي .. والأوْلى أن يجعل على الإنكار. أي: ألم تعلم أيها المنكر للنسخ “.
وذهب الفخر الرازي إلى أن المراد بهذا الاستفهام: التنبيه .. وذهب ابن عطية إلى أن ظاهره الاستفهام المحض .. ورده أبو حيان قائلاً:”بل هذا استفهام معناه: التقرير “.
وأقرب هذه الأقوال إلى الصواب هو قول الرازي، ونصَّه الآتي:” أما قوله:
?أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ?
فتنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره على قدرته تعالى، على تصريف المكلف تحت مشيئته وحكمه وحكمته، وأنه لا دافع لما أراد، ولا مانع لما اختار “.
ومما يبعد أن يكون الاستفهام في هذه الآيات، ونحوها للتقرير أنه يجوز حمله في كل منها على حقيقته من طلب الفهم، وذلك لا يجوز في استفهام التقرير.
خامسًا-وقال تعالى:? أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ?، بصيغة الجمع، ولم يقل: {ألم أشرح لك صدرك}، بصيغة المفرد. والجواب- كما قال الرازي-:”إما أن يحمل على نون التعظيم، فيكون المعنى: أن عظمة المنعم تدل على عظمة النعمة، فدل ذلك على أن ذلك الشرح نعمة، لا تصل العقول إلى كنه جلالتها.
وإما أن يحمل على نون الجميع، فيكون المعنى: كأنه تعالى يقول: لم أشرحه وحدي؛ بل أعملت فيه ملائكتي، فكنت ترى الملائكة حواليك، وبين يديك حتى يقوى قلبك، فأديت الرسالة، وأنت قوي القلب، ولحقتهم هيبة، فلم يجيبوا لك جوابًا. فلو كنت ضيق القلب، لضحكوا منك .. فسبحان من جعل قوة قلبك جبنًا فيهم، وانشراح صدرك ضيقًا فيهم “.
وقال تعالى:? أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ?، وكان يمكن أن يقال: {ألم نشرح صدرك}، بدون? لَكَ ?؛ ولكن جيء به زيادة بين فعل الشرح، ومفعوله لفائدتين:
(يُتْبَعُ)
(/)
الفائدة الأولى: هي سلوك طريقة الإبهام، ثم الإيضاح للتشويق؛ فإنه سبحانه، لما ذكر فعل:? نَشْرَحْ ?، عَلم السامع أن ثَمَّ مشروحًا. فلما قال:? لَكَ ?، قويَ الإِبهام، فازداد التشويق. فلما قال:? صَدْرَكَ ?، أوضح ما كان قد عُلِم في ذهن السامع مبهمًا، فتمكن في ذهنه كمال تمكن .. وكذلك قوله تعالى:
? وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ?،? وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ?
وهذا من الإطناب البليغ. قال علماء البيان:”إذا أردت أن تبهم، ثم توضح، فإنك تطنب، وفائدته: إما رؤية المعنى في صورتين مختلفتين: الإبهام والإيضاح. أو لتمكن المعنى في النفس تمكنًا زائدًا، لوقوعه بعد الطلب؛ فإنه أعز من المنساق بلا تعب. أو لتكمل لذة العلم به؛ فإن الشيء إذا علم من وجهٍ مَّا، تشوَّقت النفس للعلم به من باقي وجوهه وتألمت، فإذا حصل العلم من بقية الوجوه، كانت لذته أشد من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة “.
ومن الأمثلة على ذلك قول موسى عليه السلام:
? رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ? (طه: 25)
فإن? اشْرَحْ ?يفيد طلب شرح شيء مَّا، و? صَدْرِي ?يفيد تفسيره وبيانه. وكذلك قوله:
? وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ? (طه: 26)
والمقام يقتضي التأكيد للإرسال المؤذن بتلقى الشدائد. وكذلك قوله تعالى:
? أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ?
فإن المقام يقتضي التأكيد؛ لأنه مقام امتنان وتفخيم.
والفائدة الثانية: أن في زيادة ? لَكَ ?تنبيه على أن منافع الرسالة عائدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ كأنه قيل: إنما شرحنا صدرك لأجلك، لا لأجلنا. وفي ذلك تكريم للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى قد فعل ذلك لأجله.
ومثله في ذلك قول موسى عليه السلام:
? رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ? (طه: 25)
فكأن في ذلك اعتراف من موسى- عليه السلام- بأن منفعة الشرح عائدة إليه؛ لأن الله تعالى لا ينتفع بإرسال الرسل، ولا يستعين بشرح صدورهم، على خلاف ملوك الدنيا.
وقال تعالى:? أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ?، ولم يقل: {ألم نشرح لك قلبك}، مع أنه المراد هنا، ومثل ذلك قوله تعالى:
? يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ? (الناس: 5)
وكان الظاهر يقتضي أن يقال: {يوسوس في قلوب الناس}؛ ولكن عدل عنه إلى الصدر؛ لأن الصدر- كما قال ابن قيِّم الجوزية- هو ساحة القلب وبيته، فمنه تدخل الواردات إليه، فتجتمع في الصدر، ثم تلج في القلب، فهو بمنزلة الدهليز له. ومن القلب تخرج الأوامر والإرادات إلى الصدر، ثم تتفرق على الجنود. ومن فهم هذا، فهم قوله تعالى:
? وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ? (آل عمران: 154)
فالشيطان يدخل إلى ساحة القلب وبيته، فيلقي ما يريد إلقاءه في القلب، فهو موسوس في الصدر.
ومذهب الجمهور أن الصدر هو محل القرآن والعلم. ودليلهم على ذلك قوله تعالى:? بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ? (العنكبوت: 49)
وقال محمد بن علي الترمذي:”القلب محل العقل والمعرفة، وهو الذي يقصده الشيطان. فالشيطان يجيء إلى الصدر، الذي هو حصن القلب، فإذا وجد مسلكًا نزل فيه هو وجنده، وبث فيه الهموم والغموم، فيضيق القلب حينئذ، ولا يجد للطاعة لذة، ولا للإسلام حلاوة “.
سادسًا-وقوله تعالى:? وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ? (2 - 3) قراءة العامة، وقرأ أنس: {حططنا} و {حللنا} بدلاً من قوله:? وَضَعْنَا ?. وقرأ ابن مسعود: {عنك وقرك}، بدلاً من قوله:? وِزْرَكَ ?.
والوضع- في اللغة- هو إلقاء الحمل على الأرض، وهو أعمُّ من الحطِّ. والوزر يقال للحمل، ويقال لثقل الذنب، وفي وضعه عنه عليه الصلاة والسلام كناية عن عصمته من الذنوب، وتطهيره من الأدناس، وعبَّر عن ذلك بالوضع على سبيل المبالغة في انتفاء ذلك.
وقيل: وضع الله تعالى عنه عبئه، الذي أثقل ظهره، حتى كاد يحطمه من ثقله. وضعَه عنه بشرح صدره له، فخف وهان. ووضعه بتوفيقه وتيسيره للدعوة ومداخل القلوب، وبالوحي، الذي يكشف له عن الحقيقة، ويعينه على التسلل بها إلى النفوس في يسر وهوادة ولين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقوله تعالى:? وَضَعْنَا ?معطوف بالواو على قوله:? أَلَمْ نَشْرَحْ ?، وجاز ذلك؛ لأن الأول في معنى الإثبات، فحمل الثاني على معنى الأول. ولو كان محمولاً على لفظه، لوجب أن يقال: ونضع عنك وزرك. ومثله في ذلك قوله تعالى:
? وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ?.
وقوله تعالى:? الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ?صفة للوزر. قال علماء اللغة: الأصل فيه: أن الظهر إذا أثقله الحمل، سُمِع له نقيض. أي: صوت خفيٌّ. والمراد بهذا النقْض: صوت الأضلاع. وهو مثل لما كان يثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من أوزاره.
قال النحاس:”فإن قال قائل: كيف وصف هذا الوزر بالثقل، وهو مغفور له، غير مطالب به؟ فالجواب: أن سبيل الأنبياء- صلوات الله عليهم- والصالحين، إذا ما ذكروا ذنوبهم، أن يشتدَّ غمُّهم وبكاؤهم؛ فلهذا وصف ذنوبهم بالثقل “.
سابعًا-وقوله تعالى:? وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ? (4)
معناه: أن الله جل وعلا رفع له ذكره في الملأ الأعلى, قبل أن يرفعه له في الأرض، حين جعل اسمه عليه الصلاة والسلام مقرونًا باسمه جل وعلا. ورفع له ذكره في اللوح المحفوظ, حين قدر الله سبحانه أن تمر القرون, وتكر الأجيال, وملايين الشفاه في كل مكان، تهتف بهذا الاسم الكريم, مع الصلاة والتسليم. ورفع له ذكره، حين ربطه بهذا المنهج الإلهي الرفيع. وكان مجردُ الاختيار لهذا الأمر رفعةَ ذكر، لم ينلها أحد من قبل، ولا من بعد في هذا الوجود. وليس بعد هذا الرفع رفعٌ، وليس وراء هذه المنزلة منزلة .. إنه المقام، الذي تفرد به صلى الله عليه وسلم دون سائر العالمين.
وروي عن مجاهد وقتادة ومحمد بن كعب والضحاك والحسن وغيرهم أنهم قالوا في ذلك:” لا أُذكَرُ إلا ذُكِرتَ معي “. وفيه حديث مرفوع، أخرجه أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال:” أتاني جبريل عليه السلام، فقال: إن ربك يقول: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله تعالى أعلم! قال: إذا ذكرتُ، ذكرتَ معي “.
ولا يخفى ما في هذا الرفع لذكره عليه الصلاة والسلام من لطف، بعد ذلك الوضع لأعبائه عنه. هذا الرفع، الذي تهون معه كل مشقة وتعب وعناء، وليس بعد هذا التكريم تكريم، وليس بعد هذا العطاء عطاء!
ثامنًا-ومع هذا كله، فإن الله تعالى يتلطف مع حبيبه المختار, ويسرِّي عنه, ويؤنسه, ويطمئنه، ويطلعه على اليسر، الذي لا يفارقه، فيقول:
? فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ? (5 - 6)
والعسر: المشقة في تحصيل المرغوب، والعمل المقصود. وتعريفه للعهد. واليسر ضد العسر؛ وهو: سهولة تحصيل المرغوب، وعدم التعب فيه، وتنكيره في الموضعين للتفخيم والتعظيم؛ كأنه قيل: إن مع العسر يسرًا عظيمًا! والكلام وَعْدٌ له صلى الله تعالى عليه وسلم، مَسوقٌ للتسلية، والتنفيس.
وقوله تعالى في الحملة الثانية:? إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ?يحتمل وجهين من التأويل:
الوجه الأول: أنه تكرير للجملة السابقة، لتأكيد معناها، وتقريره في النفوس، وتمكينه في القلوب، وهو نظير قولك: إن مع الفارس رمحًا، إن مع الفارس رمحًا، وهو ظاهر في وحدة الفارس والرمح؛ وذلك للإطناب والمبالغة. فعليه يكون اليسر فيها عين اليسر في الأولى، والمراد به ما تيسر من الفتوح في أيام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، أو يسر الدنيا مطلقًا.
والوجه الثاني: أنه ليس بتكرير للأول؛ وإنما هو تأسيس، ويكون الحاصل من الجملتين: أن مع كل عسر يسرين عظيمين. والظاهر أن المراد بذينك اليسرين: يسر دنيوي، ويسر أخروي. وفي حديث ابن مسعودأنه لما قرأ:
? فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ?
قال:” لن يغلب عسر يسرين “. قيل: معناه: أن العسر بين يسرين؛ إما فرج عاجل في الدنيا، وإما ثواب آجل في الآخرة.
وقال الكرماني في (أسرار التكرار في القرآن):” قوله تعالى:? فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ? ليس بتكرار؛ لأن المعنى: إن مع العسر، الذي أنت فيه من مقاساة الكفار يسرًا في العاجل، وإن مع العسر، الذي أنت فيه من الكفار يسرًا في الآجل. فالعسر واحد واليسر اثنان “.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى هذا يكون قوله تعالى:? إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ?وعدًا آخر مستأنفًا، غير الوعد الأول. قال الألوسي:”واحتمال الاستئناف هو الراجح، لما علم من فضل التأسيس على التأكيد. كيف، وكلام الله تعالى محمول على أبلغ الاحتمالين، وأوفاهما! والمقام- كما تقدم- مقام التسلية والتنفيس.
وكان الظاهر على ما سمعت من المراد باليسر تعريفه؛ إلا أنه أوثر التنكير للتفخيم. وقد يقال: إن فائدته أظهر في التأسيس؛ لأن النكرة المعادة، ظاهرها التغاير، والإشعار بالفرق بين العسر واليسر“.
والفرق بين التأسيس، والتكرير: أن التكرير يكون بإيراد المعنى مُرَدَّدًا بلفظ واحد. ومنه ما يأتي لفائدة، ومنه ما يأتي لغير فائدة. فأما الذي يأتي لفائدة فإنه جزء من الإطناب، والغرض منه التأكيد. والتأكيد هو تقرير إرادة معنى الأول، وعدم التجوُّز .. أما التأسيس فيفيد معنى آخر، لم يكن حاصلاً قبل، وهو خير من التأكيد؛ لأن حمل الكلام على الإفادة خير من حمله على الإعادة.
وظاهر المعية في قوله تعالى:? مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ?يقتضي أن يكون اليسر مصاحبًا للعسر ومقارنًا له؛ لأن? مَعَ ? ظرف يدل على المصاحبة. ولما كان اليسر لا يجتمع مع العسر؛ لأنهما ضدان، أجيب عن ذلك بأن ? مَعَ ?- هنا- مستعملة في غير معناها الحقيقي، وأنها مستعارة لقرب حصول اليسر عقب حلول العسر، أو ظهور بوادره. وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية، وبين قوله تعالى:
? سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ? (الطلاق: 7)
ثم إنه يبعد إرادة المعية الحقيقية ما أخرجه البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في الشعب عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالسًا، وحياله حجر، فقال عليه الصلاة والسلام:” لو جاء العسر فدخل هذا الحجر، لجاء اليسر حتى يدخل عليه، فيخرجه“، فأنزل الله تعالى:? فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا .. إلخ ?. ولفظ الطبراني: وتلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:? فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا .. ?.
تاسعًا- ثم يجيء التوجيه الكريم من الله جل وعلا لمواقع التيسير, وأسباب الانشراح, ومستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل، فيقول سبحانه وتعالى:
?فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ? (الشرح: 7 - 8)
أي: إذا فرغت من عبادة- كتبليغ الوحي- فاتعب في عبادة أخرى، شكرًا لما عددنا عليك من النعم السالفة، ووعدناك من الآلاء الآنفة؛ وكأنه عز وجل، لمَّا عدَّد على نبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ما عدَّد، ووعده بما وعد، وحقق له ما وعد، بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة، وأن لا يخلي وقتًا من أوقاته منها؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام، إذا ما فرغ من عبادة، أتبعها بأخرى.
والفراغ- في اللغة- خلاف الشُّغل. يقال: فرغ من عمله فراغًا، فهو فارغ. قال تعالى:
? سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ ? (الرحمن: 31)
وفسِّر بقولهم: سنقصد لكم أيها الثقلان. وقوله تعالى:
?وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً ? (القصص: 10)
قيل في تفسيره: خاليًا؛ وكأنما فرغ من لبِّها، لِمَا تداخلها من الخوف. وقيل: فارغًا من ذكره. أي: أنسيناها ذكره، حتى سكنت، واحتملت أن تلقيه في اليم. وقيل: خاليًا إلا من ذكره؛ لأنه قال:
? إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ? (القصص: 10)
وظاهر قوله تعالى:? فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ?يفيد أنه عليه الصلاة والسلام كان في أعمال، لم ينته منها؛ ولكن السياق لم يذكر لنا شيئًا عن تلك الأعمال، يكون متعلَّقًا للفعل? فَرَغْتَ ?. وعدم ذكره يقتضي أنه لازم أعمال، يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما أن مساق السورة في تيسير مصاعب الدعوة، وتذليل ما يحف بها من مكاره.
وعليه يكون المعنى: إذا أتممت عملاً من مهام الأعمال، فأقبل على عمل آخر؛ بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة. ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وجوعه من إحدى غزواته:” رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر “.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبهذا يتبين أن المقصود بالأمر هو قوله تعالى:? فَانْصَبْ ?. أما قوله:? فَإِذَا فَرَغْتَ ? فتمهيد وإفادة لإِيلاءِ العمل بعمل آخر في تقرير الدين ونفع الأمة. وهذا من صيغ الدلالة على تعاقب الأعمال، ومثله قول القائل: ما تأتيني من فلان صلة إلا أعقبَتْها أخرى؛ ولهذا قدِّم قوله:? فَرَغْتَ ? على قوله:? فَانْصَبْ ?.
وجيء بالفاء الرابطة؛ لتدل على أن ما بعدها واجب الوقوع، عقب وقوع الشرط مباشرة. وعليه يكون قوله تعالى:? فَانْصَبْ ? أمرًا بإحداث الفعل فورًا، بعد حدوث الشرط من دون أي تأخير.
ثم أمره تعالى بأن يرغب إلى ربه وحده، فقال سبحانه:
?وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ?
أي: اصرف وجوه الرغبات إلى ربك وحده، لا إلى سواه، ولا تسأل إلا فضله متوكلاً عليه.
وقوله تعالى:? فَارْغَبْ? هو من الرَّغْبَة. والرَّغبة هي السَّعة في الإرادة. قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام:
?وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ? (الأنبياء: 90)
أي: رغبًا في رحمتنا، ورهبًا من عذابنا.
فإذا قيل: رغب فيه، وإليه، اقتضي الحرص عليه. قال تعالى:
? إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ ? (التوبة: 59)
وعلى هذا يحمل قوله تعالى هنا:?وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ?، تشبيهًا بسير السائر إلى من عنده حاجته؛ كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام:
? إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ? (الصافات: 99)
وإذا قيل: رغب عنه، اقتضى صرْف الرّغبة عنه، والزهد فيه؛ نحو قوله تعالى:
? أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ ? (مريم:46)، وقوله تعالى:
?وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ ? (النساء: 127)
فالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:” وترغبون عن أن تنكحوهن“.
وقدم قوله تعالى:? إِلَى رَبِّكَ ? على قوله:? فَارْغَبْ ?، لإفادة معنى الاختصاص. أي: لتكن رغبتك إلى ربك، لا إلى غيره؛ فإن صفة الرسالة أعظم صفات الخلق، فلا يليق بصاحبها أن يرغب إلى غير الرب جل وعلا، الذي وعده في سورة الضحى أن يعطيه، حتى يرضى:
?وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ? (الضحى: 5)
وقد حقق له سبحانه هذا الوعد في هذه السورة، فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وأعطاه من خير الدنيا والآخرة ما لم يعطه لأحد من قبله، ولا بعده.
ولم تمنع الفاء في قوله تعالى:?فَارْغَبْ ?، من تقديم المعمول:? إِلَى رَبِّكَ ?، خلافًا للمشهور من أقوال النحاة؛ ولهذا نجدهم يتكلفون، فيقدرون عاملاّ محذوفًا لقوله:? فَارْغَبْ ?، فيقولون: تقدير الكلام: وارغب إلى ربك، فارغب إليه. أو: وارغب إلى ربك، فارغبه.
والذي ألجأهم إلى هذا التكلف في التأويل والتقدير ما اصطلحوا عليه من أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، والذي عليه أهل التحقيق خلاف ذلك .. والله تعالى أعلم!
وهنا تنتهي السورة الكريمة، وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين: شعور بعظمة الودِّ الحبيب الجليل، الذي ينسم على روح الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه الودود الرحيم. وشعور بالعطف على شخصه صلى الله عليه وسلم، ونحن نكاد نلمس ما كان يساور قلبه الكريم في هذه الآونة، التي اقتضت ذلك الود الجميل، وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:” مَنْ قرأَ ألمْ نشرحْ، فكأنَّما جاءَنِي، وأنَا مُغْتمٌّ، ففرَّجَ عَنِّي “.
منقول للافادة
الأستاذة: رفاه محمد علي زيتوني
صلي علي الرسول:=
ـ[القعيب]ــــــــ[19 - 03 - 2010, 12:49 ص]ـ
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد
شكرا جزيلا على هذه المقالة الماتعة
أفدت الكثير منها
بوركتم(/)
أجمل أنسانه محتاجه مساعدتكمـ
ـ[أأجمل أأنسانه]ــــــــ[20 - 03 - 2010, 08:32 م]ـ
السلام عليكم ,,
حديث وعليه اسأله .. 1/قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"والله لايؤمن والله لايؤمن والله لايؤمن" قيل ومن يارسول الله قال:"الذي لايأمن جارهـ بوايقه"
س1/يحمل النص دلالة الامر والنهي وضحي ذلك؟
س2/في الحديث براعة استهلال فما المراد ببراعة الاستهلال وضحي ذلك من خلال الفاظ الحديث؟
س3/ماالغرض البلاغي لتكرار القسم في الحديث؟
س4/خرج الخبر على مقتضى ظاهرفي الحديث وضحي ذلك مبينة دلالته؟
س5/ماالسر في تعليق المسند اليه وسكوت المنفي عنه؟
س 6/في الحديث صور بديعيه وضحيها؟ من ناحية النوع والدلاله؟
س 7/ فيما تتلخص بلاغة الحديث؟
س8/ماالفرق بين التعبير بالخبرفي موضع الانشاء بين قوله (رحمك الله) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله لايؤمن والله لايؤمن والله لايؤمن)
س9ـخرج الخبر على مقتضى ظاهره في الحديث وضحي ذلك؟
س10_ حددي المسند اليه في الحديث؟
س11_مالغرض من ذكر المسند اليه بالاسم الموصول؟
.................................................. ...................................
الحديث الثاني ..
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف"قيل: من يارسول الله قال:"من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنه"
س1/تجمع دلالة الطلب في هذا الحديث النبوي الشريف بين الامر والنهي وضحي ذلك؟
س2/في الحديث براعة استهلال؟ فما المراد ببراعة استهلال وضحي ذلك من خلال الفاظ الحديث؟
س3/القيمه البلاغيه في الحديث لاتنفرد بغير السياق وضحي ذلك؟
س4_مالمراد بالكنايه ومافائدتها في الحديث؟
س5_لماذا لم يحدد الفعل الذي لم يدخل الجنه؟
ولكمـ مني خالص الدعاء ... ( ops
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[21 - 03 - 2010, 03:15 ص]ـ
1 - دلالة الأمر بعدم إيذاء الجار .. ودلالة النهي عن إيذاء الجار!
2 - الاستهلال بتكرار جملة " والله لا يؤمن " ففيه تحذير شديد؛ إذ يجعل السامع في حالة إنصات كاملة لما سيأتي بعد ذلك!
3 - التحذير.
4 - جعل غير المنكر كالمنكر فأكد الخبر بتكرار القسم لإزالة الإنكار الطارئ الذي ظهرت علاماته وأماراته.
5 - التشويق!
6 - يؤمن ويأمن (جناس)
7 - إيجاز العموم ..
8 - القسم ..
9 - سبق الإجابة عليه ..
10 - الاسم الموصول (الذي)!
11 - في هذا السؤال يوجد إجابة السؤال العاشر! الغرض من جعل المسند إليه بالاسم الموصول هو الشمول (أي شمل الجنسين الذكر والأنثى، الصغير والكبير. . .)!
لولا التنميق لأجبت عن أسئلة الحديث الآخر ...
ـ[أأجمل أأنسانه]ــــــــ[21 - 03 - 2010, 12:10 م]ـ
آآخي العزيز شااكره لك مسااعدتك وجزاك الله الجنه
وكنت متمنيه ان تكمل الاجابات ..
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[21 - 03 - 2010, 12:41 م]ـ
لا يجوز حل الواجبات في الفصيح أيها الإخوة الكرام كما لا تجوز الكتابة بالعامية.
يعد هذا تنبيها
الأخ أو الأخت أجمل إنسانة
أرجو مراجعة بياناتك فمعرفك أنثوي فضلا عن تكرار أحرف غير مكررة وهذا خطأ إملائي
وقد كتبت في حقل الجنس ذكر(/)
5000 كتاب بين يديك استفد منها
ـ[30131]ــــــــ[21 - 03 - 2010, 12:08 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا ملف به قرابة 5000 كتاب!! في شتى فنون المعرفة، وبحجم صغير جدا ..
ثم ما يعجبك عنوانه لا عليك سوى الضغط عليه لتفتح صفحة التحميل
http://www.4shared.com/file/127260781/3c057510/___.html
رد مع اقتباس
ـ[معاذ بن ابراهيم]ــــــــ[22 - 03 - 2010, 11:16 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[عبد الله إسماعيل]ــــــــ[27 - 03 - 2010, 11:40 م]ـ
بارك الله في جهودكم ..........
ـ[الخلوفي]ــــــــ[30 - 03 - 2010, 06:06 م]ـ
بارك الله فيك(/)
المحسنات اللفظية والمعنوية في كتاب ابن المعتز
ـ[30131]ــــــــ[21 - 03 - 2010, 06:13 م]ـ
ما ساقدمه هو عرض لاهم الابواب التي جاءت في كتاب ابن المعتز البديع، وانا قمت بتقسيمها حسب التقسيم المعتمد في عصرنا، وقد اضاف ايضا بعض الابواب من علم المعاني منها: الاستعارة، التشبيه، الكناية والتعريض
المحسنات المعنوية:1/الطباق 2/المذهب الكلامي 3/الالتفات 4/الاعتراض 5/الرجوع 6/حسن الخروج 7/تاكيد المدح بما يشبه الذم 8/تجاهل العارف 9/هزل يراده به الجد 10/حسن التضمين 11/الافراط في الصفة 12/حسن الابتداءات
المحسنات اللفظية:1/رد الاعجاز علي الصدور 2/الجناس 3/ اعنات الشاعر
نفسة في القوافي
السلام عليكم.(/)
من صفات المنافقين
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 03 - 2010, 08:52 ص]ـ
ومن أوصاف المنافقين في سورة التوبة:
ومن قوله تعالى: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
فطباق الإيجاب بين الحسنة وفعل الإساءة الذي يقع لهم من لحوق الحسنة بالمؤمنين، فالطباق حاصل بين المادتين: مادة الحسن ومادة السوء، ذلك الطباق يزيد المعنى بيانا، فهم متربصون بالمؤمنين منتظرون وقوع المكروه بهم، وتلك حال الكفار التي ورد ذكرها في سورة آل عمران في قوله تعالى: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، فالحسنة والسيئة في هذا السياق بمعنى: النعمة والمصيبة، ولذلك قابل بين الحسنة في الشرط الأول، والمصيبة في الشرط الثاني، ففي الشرطين مقابلة بين شرطين فكل منهما دال على نفسه دلالة منطوق، وعلى الآخر دلالة مفهوم، فمفهوم: حزنهم بإصابة الحسنة إياكم: فرحهم وتوليهم في معرض الابتهاج وإظهار الشماتة فقد أخذنا أمرنا، فتهيأنا بما ينجينا من تلك المصيبة، وذلك من فساد التصور بمكان، فقد بذلوا الدين لنيل الدنيا فصارت السلامة في قياسهم الفاسد: سلامة الأبدان، وإن فسدت الأديان، وكل مصيبة، لو فقهوا، بعد مصيبة الدين تهون، فلا أعظم من مصيبة الدين، ولذلك قالت الأنصارية المسددة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد قتل من أهلها من قتل، قالت له لما رأته سالما: "كل مصيبة بعدك جلل"!. قال ابن هشام رحمه الله: "الجلل يكون من القليل والكثير، وهو ههنا القليل"، فللِّه درها من فقيهة، ومفهوم: فرحهم وابتهاجهم حال توليهم إذا أصابتكم مصيبة كونية مما يعرض لكل فرد أو جماعة تمحيصا وابتلاء، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، مفهومه: ما تقدم من جملة الشرط التي صدرت بها الآية، فإن يصبكم ضد المصيبة من الحسنة، يصبهم ضد الفرح من الحزن. والشاهد أن المقابلة بين الحسنة والمصيبة مئنة من إطلاق الحسنة، وإرادة النعمة التي تقابل المصيبة، وكذلك إطلاق المصيبة في جملة الشرط الثانية في مقابل الحسنة مئنة من إرادة السيئة، فذلك وجه الطباق بينهما، وإن كان فيه نوع خفاء، وقد جاء صريحا بين: الحسنة والسيئة، في قوله تعالى: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها}، والمصيبة، من جهة أخرى، مادة تدل على حلول الشيء أو نيله أو مصادفته، ومن ثم خصها عرف اللغة بما يكره الإنسان، كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله، فهي حقيقة لغوية مطلقة في كل ما يصيب الإنسان، حقيقة عرفية مقيدة بما يحزنه، ولا زال عرف اللغة في زماننا جاريا بذلك. والحقيقة العرفية، كما قرر البلاغيون، مقدمة على الحقيقة اللغوية، فالأولى بمنزلة الخاص أو المقيد، والثانية بمنزلة العام أو المطلق، والخاص يقضي على العام، والمقيد يقضي على المطلق ففيهما زيادة بيان، فيقدمان من هذا الوجه، بل إن المجاز، عند من يقول به، إن كان مشتهرا، فإنه يقدم على الحقيقة اللغوية المطلقة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع سابقة، مع أن الحقيقة أصل والمجاز فرع، وتقديم الفرع على الأصل خلاف الأصل، فالأصل حمل الكلام على الحقيقة إلا إذا تعذر ذلك لقرينة لفظية أو عقلية معتبرة، ولكن المجاز لما احتف به من قرينة العرف المشتهر، قد صار جاريا مجرى الحقيقة العرفية المقيدة لإطلاق الحقيقة اللغوية، فقدم من هذا الوجه، وللعرف شأن كبير في تخصيص المعاني سواء أكان عرفا عاما أم خاصا بين أصحاب فن أو صناعة بعينها، فهو مخصص لإطلاقات الألفاظ، كما يضرب الأصوليون لذلك مثالا بمن أوصى بدوابه لفلان، فإن حقيقة الدابة اللغوية هي كل ما يدب على الأرض، وحقيقتها العرفية المقيدة: ذوات الأربع، بل ربما ضيق العرف في
(يُتْبَعُ)
(/)
بعض الأعصار أو الأمصار المعنى المطلق فقيده بنوع بعينه من الدواب كالخيل أو الإبل، فيحكم على إطلاق الحقيقة اللغوية بالقيد الذي استقر في الأذهان لجريان العرف به.
ثم جاء تلقين المؤمنين: الرد على أولئك بما يبين بطلان تصورهم الفاسد، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فإن ظننتم استقلال غير الله، عز وجل بإيقاع الضر أو النفع فـ: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ: والأمر خاص للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باعتبار اللفظ فهو من خطاب المواجهة، وهو عام لأمته، باعتبار المعنى، فهو، كما اطرد في هذه المواضع، من خطاب التكليف العام، والأصل بقاؤه على العموم حتى يرد دليل التخصيص، ولا مخصص هنا، بل تلك من مسائل الإيمان بالقضاء والقدر التي لا يتصور تخصيص بعض المكلفين بالإيمان بها دون بعض، فالمباني الرئيسة للإيمان مما يستوي فيه كل المكلفين، فالأصل، كما تقدم، في الشرع، العموم لكل المكلفين، إلا ما ورد تخصيصه ببعض دون بعض، كخصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو ما اختص به بعض الأفراد بالنص على ذلك، فهو خلاف الأصل، فلا بد من نص عليه إذ لا يدرك بقياس العقل، وذلك كاختصاص خزيمة، رضي الله عنه، بأن شهادته: شهادتان، وكاختصاص أبي بردة بن نيار، رضي الله عنه، بالتضحية بالعناق، وكاختصاص سالم مولى أبي حذيفة بحصول الحرمة برضاع الكبير، على تفصيل في ذلك، ليس هذا موضعه.
فقل بصيغة القصر بأقوى أساليبه، وهو قصر حقيقي باعتبار أن كل ما يقع في الكون من الكائنات: أعيانا أو أفعالا، إنما يقع بإذن الرب، جل وعلا، الكوني النافذ، فهو مما علمه أزلا ثم كتبه كتابة كونية لا تبديل لكلماتها، فالكتابة هنا بقرينة السياق الحاصر: الكتابة الكونية النافذة، فليست مادة الكتابة هنا كمادة الكتابة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)، وإن اتحد المبنى والمعنى الكلي، فالسياق قد خص كلا بنوع من أنواع جنس الكتابة الأعلى، على ما اطرد مرارا، من دلالة القرينة السياقية على مراد المتكلم بتخصيص عموم كلامه أو تقييد مطلقه بأفراد او أنواع بعينها، وهو في نفس الوقت: قصر قلب باعتبار اعتقادهم أن الضر أو النفع بيد غير الله، عز وجل، فيتولون فرحين بما ظنوه احتياطا منهم، وما علموا أن السلامة أو الإصابة إنما هي بيد الله، عز وجل، فليست السلامة في مخالفة الأمر الشرعي، وإن وقع لصاحبها سلامة متوهمة بالنجاة من عارض ابتلاء لا يسلم منه أحد، ثم الوقوع عقيبه في مصيبة أعظم بنقصان الدين وتسليط الأعداء جزاء وفاقا، لمن طلب السلامة من البشر بمخالفة أمر رب البشر جل وعلا، فذلك، كما تقدم، مئنة من فساد في التصور: عظيم.
فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فـ: هُوَ مَوْلَانَا: على حد القصر بتعريف الجزأين، ففيه إثبات منطوق، ونفي مفهوم، على ما اطرد من دلالة الإيجاز في القصر، فهو مولانا لا مولاكم، أو هو مولانا ولا مولى لكم، كما جهر بذلك المسلمون يوم أحد، فقد نصوا على المفهوم في يوم أحد إمعانا في تبكيت المشركين، وإن حصل لهم ظهور مؤقت على أهل الإيمان ابتلاء وتمحيصا، فامتثل المؤمنون مع عظم مصابهم الحكم الشرعي: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، واكتفى هنا بالمنطوق لدلالته على المفهوم لزوما ففيه تعريض بهم بإثبات الولاية الربانية لحزب المؤمنين دون غيرهم، فالمفهوم بنفي ولابة الله، عز وجل، لهم يسلبهم أعظم كرامة لو فقهوا، فلا ينفعهم ما يقع لهم من الظهور العارض، إذ مآله في الدنيا والآخرة إلى الخسران، ومآل المؤمنين إلى الفوز والنجاة وإن ظهر عليهم عدوهم حينا بل أحايين، كما هو الواقع في زماننا، فـ: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، وإنما يكون النصر لمن استوفى شروطه، وأولها السير على طريق الرسل عليهم السلام، فلا نصر إلا بتعظيم النبوة تصديقا بأخبارها وامتثالا لأحكامها.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم جاء التذييل بقصر آخر بتقديم ما حقه التأخير: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ: وفيه، أيضا، من دلالة المنطوق والمفهوم تعريضا بالكافرين فلا حظ لهم من التوكل على الله، عز وجل، وإنما وكلوا إلى أنفسهم وإلى الأسباب المشهودة، فلا حظ لهم من التأييد بالأسباب المغيبة من جند الرب، جل وعلا، التي لا يعلمها إلا هو، فهم كفار بالغيب، منكرون له، هازئون بمن اعتقده، فأنى ينصرون به، وإنما غايتهم بذل الأسباب المشهودة، وذلك ما يشترك فيه كل البشر مؤمنهم وكافرهم، ولذلك جاء الأمر في معرض الإيجاب والحض للمؤمنين على بذل الأسباب المشهودة برسم التوكل، فلا تواكل برد الأمر إلى أسباب الغيب دون بذل السبب في عالم الشهادة، ولا غلو في الأخذ بأسباب الشهادة فيصير حال الآخذ بها إنكار الأسباب المغيبة تصريحا أو تلميحا، كما هو حال العلمانيين المنكرين لقوى الغيب في زماننا، مع أن كثيرا منهم لا سيما في مجتمعاتنا الإسلامية التي تعاني تخلفا مدنيا فحظها من أسباب التكنولوجيا ضئيل، مع أن كثيرا منهم يتشدقون بأدوات التكنولوجيا العصرية وهم في حقيقتهم من أجهل الناس بها وأبعدهم عن مباشرتها، وإنما دعوى عريضة ولا شاهد لها من الفعل، فكلام كثير وفعل قليل بل ربما عديم!. وإنما يمتاز المؤمن بقدر زائد هو الاعتماد على الأسباب الغيبية بعد بذل الأسباب المشهودة، فرسمه، كما تقدم، التوكل، فقد اختص دون غيره من سائر الفاعلين بمباشرة تلك العبادة القلبية، وهي من العسر بمكان، لما جبلت عليه النفوس من التعلق بالمحسوس، فلا تسلم من شوائب تعلق القلب بغير الله، عز وجل، إلا لآحاد المخلصين الذين اصطفاهم الرب، جل وعلا، بتحرير تلك العبادة القلبية الدقيقة وتنقيتها من شوائب التوكل على من سواه، ولكل منا، إلا من رحم الرب، جل وعلا، نصيب من هذا التلوث الإيماني، إن صح التعبير، بتلك الشوائب فمن مقل ومن مستكثر، وذلك أمر تتفاوت فيه القلوب، بل القلب الواحد بتفاوت أحواله من سعة أو ضيق .... إلخ، تتفاوت فيه تفاوتا لا يحصيه إلا رب العباد جل وعلا.
و: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ:
فذلك، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، من باب البيان للآية السابقة، ولذلك حسن الفصل، فلا عاطف بينهما، إذ التلازم بين المبين والمجمل الذي يبينه: تلازم وثيق، وجاء البيان، أيضا، بأقوى أساليب القصر، فالاستفهام قد نزل منزلة النفي بقرينة التعقيب بالاستثناء، كما في قوله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، أي: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، فما تترقبون، على جهة الحرص والتحري، فتلك دلالة مادة التربص في لغة العرب، ولا يكون التربص إلا بالغير، وإنما أنزلت النفس منزلة الغير في نحو قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ): مئنة من التوكيد على وجوب العناية بهذا الشأن لئلا يقع التساهل من المطلقة في أمر عدتها إن تاقت نفسها إلى النكاح، فذلك من المبالغة بتمثيل حالها في تحري الدقة والأمانة في أمر عدتها بمن يتربص بعدوه فيترقب سقوطه أو حصول المكروه له، وإلى طرف من ذلك أشار صاحب "الكشاف"، غفر الله له، بقوله:
"في ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث، لأن فيه ما يستنكفن منه فيحملهن على أن يتربصن، وذلك أن أنفس النساء طوامح إلى الرجال، فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص". اهـ
فما تتربصون بنا إلا حسنة عاجلة كالنصر الذي يظهر أثره معجلا في عالم الشهادة، أو حسنة آجلة كالشهادة التي يظهر أثرها مؤجلا في دار الجزاء، وفي المقابل:
(يُتْبَعُ)
(/)
وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ: فنكر العذاب تعظيما، وجاءت الإصابة بصيغة المصدر المؤول فهو آكد في الدلالة من المصدر الصريح فضلا عن تمحضه للمستقبل إن لوحظ في: "أن" دلالتها الاستقبالية مع دلالتها المصدرية فهو أمر يتجدد بتجدد سببه وذلك آكد في تحري عدم الوقوع فيه، فإما عذاب من الله، عز وجل، كما حل بأعداء الرسالات في كل عصر ومصر، فتلك من السنة الكونية الجارية التي لا زالت آثارها باقية إلى يوم الناس هذا فـ: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، وإما عذاب بأيدينا قد دلت عليه مواضع أخر من التنزيل كقوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)، فهذه في شأن الكفار عموما، و: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا)، فهذه في شأن المنافقين خصوصا، فحصل البيان بمواضع أخر من التنزيل، على ما اطرد مرارا، من تفسير آي الكتاب بآي الكتاب.
ثم جاء الأمر في معرض الحض المجازي، كما سماه صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فلا يخلو من استخفاف واستهزاء، فقرينة السياق دالة على إرادة التهكم بهم بأمرهم بالتربص، على وزان قولك في زماننا لمن تستخف به: أرني ما الذي تقدر عليه!.
فتربصوا، فمقابل تربصكم: إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ، والجملة الاسمية، كما اطرد في كلام البلاغيين، أقوى في الدلالة على ثبوت المعنى من الجملة الفعلية، فتربص المؤمنين بهم أعظم، فالتذييل بها جار مجرى التهديد ومنزل منزلة العلة لما قبله، فعلة الحض، أو ما يشبه أن يكون علته: أننا مع تربصكم متربصون، فتربصوا كيف شئتم فعلة الإذن لكم فيه أننا معكم منتظرون ما يوقعه الله، عز وجل، بكم، بجنده الغيبي، أو بأيدينا من صنوف العذاب والإهلاك أسوة بمن تقدمكم من أعداء الرسالات، فتلك، كما تقدم، سنة كونية جارية.
ومع خصوص اللفظ بالفئة المؤمنة في عصر الرسالة إلا أنها معناها، كما اطرد في عمومات التنزيل من كون العبرة بعموم لفظها لا بخصوص سببها، إلا أن معناها عام في كل فئة مؤمنة حققت شرائط التمكين فينفي الله، عز وجل، عنها خبث المنافقين، كما نفي عن الجماعة الأولى، وهو الخبث الذي أنهك جسد الجماعة المسلمة في زماننا، وإن كان النفاق قد استعلن في السنوات الأخيرة لا سيما مع ضعف أو غياب سلطان الشرع الرادع في كثير من أمصار المسلمين فجاهر كثير من المنافقين بمكنون صدورهم، وذلك مع كونه محنة عظيمة إلا أنه منحة من جهة كونه أثرا من آثار حكمة الرب، جل وعلا، فبه يتميز المؤمن من الكافر، والصالح من الطالح، فالشدائد تظهر معادن النفوس فـ:
جزى الله الشدائد كل خير ******* عرفت بها عدوي من صديقي
والله أعلى وأعلم.(/)
التشبيه
ـ[بنت العربي]ــــــــ[22 - 03 - 2010, 10:11 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله ..
1 - ورمل كأورآك العذارى قطعته ... إذا البسته المظلمات الحنادس
2 - إذا صح منك الود فالكل هين ... وكل الذي فوق التراب تراب
3 - كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي
أرجوا مساعدتي بذكر المشبه والمشبه به ووجه الشبه في كل بيت
وجزآكم الله خير ..
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[23 - 03 - 2010, 03:20 ص]ـ
ضعي إجابتك أولاً ..
وسنرشدك إلى الصواب بإذن الله ..
لأن قوانين الفصيح تمنع حل الواجبات ..(/)
البديعيات
ـ[30131]ــــــــ[22 - 03 - 2010, 04:41 م]ـ
البديعيات
تعريفها في اللغة: نرجعها إلي مادة ب، د، ع،والتي هي في المعجم الوسيط:
بَدَعَهُ، بَدعاً: أنشأه علي غير مثال سابق، فهو بديع./بَدُعَ-بَداعَة: وبُدُوعاً: صار غاية في صفته خيرا كان أو شرا، فهو بديع./وابدَعَ: اتي بالبديع، واتي بالبِدعة./وبَدَعَهُ: استخرجه و أحدثه.1
تعريفها في الاصطلاح: فقد عرفها الدكتور منير سلطان بقوله: (البديعية قصيدة تحتوي علي كل الفنون التي أدرجت تحت علم البديع وهي في الوقت ذاته في المديح، وبخاصة مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم) 2
كما عرفها أيضا الدكتور زكي مبارك بقوله: (البديعيات أن تكون القصيدة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كل بيت من أبياتها يشير إلي فن من فنون البديع) 3
ويعرفها الدكتور سعد سليمان حمود بقوله: (البديعيات نمط من قصائد المدح وخاصة مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضمن ناظموها كل بيت منها لونا أو محسنا من محسنات البديع.) 4
أما عن تعريفها عند أهم دارسيها وهو علي أبو زيد، فقد عرفها تعريفين اثنين أولهما عام والأخر خاص، أما العام فيشمل جميع البديعيات، والخاص دقيق يضم التعريف الصحيح للبديعية.
1. التعريف العام: قصيدة طويلة في مدح نَبِىٍّ يتضمن كل بيت من أبياتها نوعاً من أنواع البديع، يكون هذا البيت شاهدا عليه، وربما رُوِّيَ باسم النوع البديعي في البيت نفسه في بعض القصائد
2. التعريف الخاص: البديعية قصيدة طويلة، في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، علي بحر البسيط، وروي الميم المكسورة، يتضمن كل بيت من أبياتها نوعا من أنواع البديع، يكون هذا البيت شاهدا عليه، وربما رُوِّيَ باسم النوع البديعي في البيت نفسه في بعض القصائد 5
بعد هذا العرض للتعريفات، يتضح لنا أن البديعية: هي قصيدة طويلة تكون في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، تنظم علي أوزن البحر البسيط وعلي روي الميم، وهذا علي اعتبار أنها تعارض البردة للبوصيري، يشمل كل بيت منها لوناً بديعياً، يكون شاهدا عليه، قد يذكر اسم هذا اللون أو لا يذكر.
المصادر والمراجع المعتمدة:
1/ابراهيم مصطفي، حامد عبد القادر، احمد حسن الزيات، محمد علي النجار، المعجم الوسيط، ج1،مجمع اللغة العربية، جمهورية مصر العربية،1989،ص43
2/د. منير سلطان، البديع تاصيل وتجديد، منشأة المعارف، الاسكندرية مصر، (د، ط)،1986،ص22
3/د/زكي مبارك، المدائح النبوية في الادب العربي، صيدا، بيروت، (د، ط)،1935،ص205
4/سعد سليمان حمود، البلاغة العربية، دار المعارف، مصر، (د، ط)،1997،ص329
5/علي ابو زيد، البديعيات في الادب العربي نشأتها -تطورها-اثرها، عالم الكتب، ط1، 1983م/1403ه، ص46(/)
عن الحسنة والسيئة في التنزيل
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 03 - 2010, 07:59 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
فالحسنة والسيئة من المواد اللغوية التي تدل على المستحسن والمستقبح، وهي تحتمل الحسنة والسيئة الشرعية، والحسنة والسيئة الكونية، والسياق هو الذي يعين المراد، فالحسنة والسيئة في نحو قوله تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)، هي النعمة والمصيبة، بقرينة إصابتها العبد فلم يصبها اكتسابا وإنما أصابته تقديرا، فقرينة إسناد الفعل إليها، وإن كان المصيب بها هو الله، عز وجل، فمن شاء أصابه بالنعمة فضلا، ومن شاء أصابه بالنقمة عدلا، فهي مصيبة للعبد بمقتضى ما ركز فيها من تأثير بالنفع أو الضر، فالحسنة الكونية تنفع والسيئة الكونية تضر، ولكنها لا تستقل بالتأثير بل تجري وفق ما قدر الرب الحكيم القدير، تبارك وتعالى، فقرينة الإسناد إلى الحسنة والسيئة مئنة من إرادة المصائب الكونية: بالخير أو الشر، وإن كان العرف اللغوي، كما تقدم في مواضع سابقة، قد خص المصيبة بما يقع من النقم والشرور التي تبغضها وتنفر منها النفوس، وإن كان الشر في بعضها عارضا، بل خيرا باعتبار مآله فهو ذريعة إلى تحصيل خير أعظم منها ولولاها ما حصل هذا الخير، فذلك من عظم حكمة الرب، جل وعلا، في تقدير الأسباب وإن كان فيها شر عارض، فبها يقع من الخير ما لا يخطر على بال المصاب حال إصابته.
بينما إسناد الفعل إلى المكتسب أو الفاعل في هذه الآية مئنة من إرادة الحسنة والسيئة الشرعية التي يوقعها العبد بإرادته الحرة المختارة، وإن كان اختياره لا يخرج عن اختيار الرب، جل وعلا، له بمشيئته العامة، فما شاء كان وإن لم يرده شرعا، وما لم يشأ لم يكن وإن أراده شرعا، فالإرادة الكونية أعم من الإرادة الشرعية من هذا الوجه فتشمل محبوبات الرب، جل وعلا، ومبغوضاته.
فالحاصل أن السياق، كما تقدم مرارا، هو الذي يعين مراد المتكلم، فاختلاف جهة الإسناد في الآيتين قد عين المراد من كليهما، فلما كان الإسناد إلى ذات المقدور الواقع من حسنة أو سيئة تصيب العبد كان المراد هو: التقدير الكوني النافذ، ولما كان الإسناد إلى الفاعل للحسنة أو السيئة كان المراد هو: التقدير الشرعي الحاكم، فتحديد جهة الإضافة في باب القدر خصوصا، وفي بقية أبواب الديانة عموما مما يحسم كثيرا من الإشكالات فالمعاني تتباين بتباين إسنادها، فقد يكون الإسناد على سبيل الفعل، كفعل العبد للطاعة أو المعصية، وقد يكون الإسناد على سبيل الخلق، كإسناد كل الأحداث الأرضية من خير أو شر إلى الله، عز وجل، فتسند إليه تقديرا في الأزل أولا وخلقا في الشهادة تاليا، فلا ينسب الشر إليه، جل وعلا، على جهة التصريح، ولو كان المراد إضافة المخلوق إلى خالقه، تأدبا مع الله، عز وجل، فذلك نوع تخصيص للعموم لا يليق، فجاء ذلك بصيغة العموم في قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، وهو عموم محفوظ لم يدخله التخصيص، بل لا يتصور ذلك، إذ الرب، جل وعلا، هو خالق كل شيء، فكلٌ من عنده تقديرا وخلقا، وإن كان فيه شر يبغضه فلم يرده شرعا، فينسب إليه تقديرا لا تشريعا، وهو مع ذلك، كما تقدم، شر باعتبار الحال لا باعتبار المآل، فلا يخلو من خير آجل يفوق مفسدة الشر العارض.
فتخصيص العام في هذا الباب قد يحسن، إن خصص بأفراد يظهر بها كمال وصف الرب، جل وعلا، كمن دعا فقال: يا خالق السماوات والأرض، أو يا خالق الملائكة والروح القدس، وفي المقابل قد يقبح إن أوهم نقصا كمن دعا فقال: يا خالق الخنازير والكلاب، أو: يا خالق الشياطين وإبليس!، وإن صح معناه باعتبار الخلق، فجهة الخلق، كما تقدم عامة لكل خير وشر، فالرب، جل وعلا، هو الذي خلق الشيء وضده، فخلق معادن الطهر والخير كالملائكة وسائر الطيبات، وخلق معادن الرجس والشر كالشياطين وسائر الخبائث.
وإلى ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، في "مجموع الفتاوى" بقوله:
(يُتْبَعُ)
(/)
"إنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ عَامًّا فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِ بِاللَّفْظِ خُرُوجٌ عَنْ الْقَوْلِ الْجَمِيلِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّخْصِيصِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُرِيدٌ لِكُلِّ حَادِثٍ وَمَعَ هَذَا يُمْنَعُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَخُصَّ مَا يَسْتَقْذِرُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَا يَسْتَقْبِحُهُ الشَّرْعُ مِنْ الْحَوَادِثِ بِأَنْ يَقُولَ عَلَى الِانْفِرَادِ: يَا خَالِقَ الْكِلَابِ وَيَا مُرِيدًا لِلزِّنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ. بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: يَا خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَيَا مَنْ كَلُّ شَيْءٍ يَجْرِي بِمَشِيئَتِهِ". اهـ
وإلى طرف من اختلاف المعنى باختلاف النسبة أشار ابن القيم، رحمه الله، بقوله
"إن الحسنات والسيئات في الآية، (أي في آية: "وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ")، ليس المراد بها الطاعات والمعاصي التي هي فعل العبد الاختياري وهذا وهم محض في الآية وإنما المراد بها النعم والمصائب ولفظ الحسنات والسيئات في كتاب الله يراد به هذا تارة وهذا تارة فقوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} وقوله: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ} وقوله: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ} وقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُورٌ} وقوله: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} وقوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} المراد في هذا كله النعم والمصائب وأما قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} وقوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقوله: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} والمراد به في هذا كله الأعمال المأمور بها والمنهي عنها وهو سبحانه إنما قال: (ما أصابك) ولم يقل ما أصبت وما كسبت فما يفعله العبد يقال فيه ما أصبت وكسبت وعملت كقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وكقوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} و: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً} ".
"شفاء العليل"، ص254.
فمن جاء بالحسنة الشرعية فله عشر أمثالها من الحسنات على تقدير: فله عشر حسنات، ولذلك ذكر العدد لتأنيث المعدود، وله، كما قدر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، عشر أمثال ثوابها، فحذف مضاف آخر وأقيم المضاف إليه مقامه، لدلالة السياق عليه بداهة فإن للحسنة ثوابا عاجلا في الدنيا بالبركة والسعة في الدين والدنيا، كما أثر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، من قوله: "إنَّ لِلْحَسَنَةِ لَنُورًا فِي الْقَلْبِ وَقُوَّةً فِي الْبَدَنِ وَضِيَاءً فِي الْوَجْهِ وَسَعَةً فِي الرِّزْقِ وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ"، وثواب آجلا في دار الجزاء، وكذلك السيئة فإن لها عقوبة عاجلة في الدنيا بالشؤم والضيق، كما أثر، أيضا، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، من قوله: "وَإِنَّ لِلسَّيِّئَةِ لَظُلْمَةً فِي الْقَلْبِ وَسَوَادًا فِي الْوَجْهِ وَوَهَنًا فِي الْبَدَنِ وَنَقْصًا فِي الرِّزْقِ وَبُغْضًا فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ"، وشاهد ذلك من التنزيل قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)، فتلك قرائن سياقية دالة على المضاف، فحسن حذفه لدلالة السياق عليه، فضلا عن القرائن اللفظية المنفصلة فقد شهدت له نصوص أخرى.
(يُتْبَعُ)
(/)
والسياق غير حاصر فله عشر أمثالها، وذلك لا يمنع الزيادة فـ: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فجاء البيان في موضع آخر من التنزيل، و: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا)، فله خير منها، على تقدير: فله حسنة خير منها، فإن الحسنة، كما تقدم، تحتمل المعنى الشرعي وهو فعل العبد، وتحتمل المعنى الكوني وهو فعل الرب، جل وعلا، فمن جاء بجنس الحسنة الشرعية فله خير منها من جنس الحسنة الكونية، فـ: "أل" في كليهما لبيان الجنس، فلا يعدل فعل العبد وإن عظم فعل الرب، جل وعلا، ولا تعدل عبادة مهما عظم وصفها وقدرها، مقابلها من ثواب الرب، جل وعلا، الذي هو أثر وصف جماله، جل وعلا، بالإنعام الخاص على عباده المؤمنين، فضلا عن إنعامه العام على جميع الخلائق، فإن ذلك داخل، أيضا، في حد الحسنة الكونية، وجاء الجزاء على جهة الاختصاص بتقديم ما حقه التأخير فله، على جهة الاختصاص: فضلا من الرب، جل وعلا، عشر أمثالها، وفي المقابل: استيفاء للقسمة العقلية: ففي السياق طباق بالإيجاب بين الحسنة الشرعية ونظيرها من السيئة الشرعية، وسياق الجزاء مئنة من إرادة فعل العبد، فتلك قرينة سياقية رجحت، أيضا، المعنى الشرعي على المعنى الكوني، كما تقدم، فإنه لا جزاء على ما يصيب الإنسان من العوارض الكونية التي لا حيلة له في دفعها أو رفعها، فإن تعلق بها التكليف فمن جهة ما يترتب عليها لا من جهة وقوعها، فوقوعها، كما تقدم، مما لا حيلة للعبد فيه، وإنما يناط التكليف بالمقدور البشري.
فمن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها، وذلك، أيضا، من فضل الرب، جل وعلا، فلم يجز على السيئة إلا مثلها، بل يبدلها حسنات لمن تاب وأناب، فذلك فضله يؤتيه من شاء وهو ذو الفضل العظيم.
ومن جهة أخرى فإن الجزاء يحتمل أن يكون كونيا، وهو المتبادر إلى الذهن، أو شرعيا فإن من جزاء الطاعة: الطاعة، ومن جزاء المعصية: المعصية، فييسر، جل وعلا، الطائع إلى مزيد طاعة بفضله فـ: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ)، فيهديهم في الدنيا إلى مرضاته لما سبق في علمه من حسن خاتمتهم، وييسر العاصي إلى مزيد معصية بعدله، و: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)، فـ: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)، فيؤول السياق إلى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها من الجزاء الكوني أو التوفيق الشرعي إلى طاعات أخرى يحصل له بها مزيد ثواب أخروي، بمقتضى فضل الرب، جل وعلا، فضلا عما يجده من آثارها في الدنيا، وكذلك من جاء بالسيئة فله مثلها من العقوبة الأخروية بمقتضى عدل الرب، جل وعلا، فضلا عما يجده من آثارها في الدنيا، فللمعصية شؤم لا ينكر قد ظهرت آثاره جلية في حال العصاة، فهم من أفسد الناس حالا، وتلك عقوبة معجلة فضلا عن العقوبة المؤجلة في دار الجزاء إلا أن يعفو الرب، جل وعلا، عن العاصي، إن كان من أهل التوحيد الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.
وإلى طرف من ذلك أشار ابن القيم، رحمه الله، بقوله:
"وقد يقال: إن المعنيين جميعا مرادان باعتبار أن ما يوفقه الله من الطاعات فهو نعمة في حقه أصابته من الله كما قال: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} فهذا يدخل فيه نعم الدين والدنيا وما يقع منه من المعصية فهو مصيبة أصابته من الله وإن كان سببها منه والذي يوضح ذلك أن الله سبحانه إذا جعل السيئة هي الجزاء على المعصية من نفس العبد بقوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} فالعمل الذي أوجب الجزاء أولى أن يكون من نفسه فلا منافاة بين أن تكون سيئة العمل من نفسه وسيئة الجزاء من نفسه ولا ينافي ذلك أن يكون الجميع من الله قضاء وقدرا ولكن هو من الله عدل وحكمة ومصلحة وحسن ومن العبد سيئة وقبيح وقد وري عن ابن عباس أنه كان يقرأها: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} وأنا قدرتها عليك وهذه القراءة زيادة بيان، (فهي قراءة تفسيرية)
(يُتْبَعُ)
(/)
، وإلا فقد دل قوله قبل ذلك: {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} على السابق القضاء والقدر النافذ والمعاصي قد تكون بعضها عقوبة بعض فيكون لله على المعصية عقوبتان عقوبة بمعصية تتولد منها وتكون الأولى سببا فيها وعقوبة بمؤلم يكون جزاءها". اهـ
"شفاء العليل"، ص255، 256.
وقد ورد في كلام أهل العلم تفسير للحسنة، وعموما جنسي استغراقي، كما تقدم، ورد في كلامهم تفسير للجنس بذكر بعض أفراده، ففسرت الحسنة بأنها كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فيكون ذلك تفسيرا للعام بأشرف أفراده، فإن كلمة التوحيد أشرف الحسنات، فلا يكون ذلك مخصصا لعموم الحسنة، فذكر بعض أفراد العام في معرض التمثيل لا يخصصه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، فهو من المعاني الجليلة التي نبه عليها من تكلم من المحققين في أصول تفسير الكتاب العزيز، وفرع عن ذلك صاحب الأضواء، رحمه الله، مبحثا لطيفا في دلالة "من" في قوله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا)، فمن قال بأن لا إله إلا الله: هي المراد من الحسنة في الآية، فقد أهمل دلالة: "خير" على التفضيل، إذ لا أفضل من لا إله إلا الله، فتكون دلالة: "من": سببية، فله خير مسبب عنها، فهي السبب في الخير الناشئ عن التلفظ بها والعمل بمقتضاها، مع كونها لابتداء الغاية، فذلك معنى لا يفارقها، فإن المسبب ينشأ بداهة من السبب، فابتداء غاية المسبب من السبب، ومن اعتبرها، فـ: "من" عنده لابتداء الغاية فقط، فله خير منها، بالنظر إلى أنها، وإن كانت أشرف خصال التوحيد إلا أنها لا تخرج عن كونها فعلا للعبد، بخلاف الثواب عليها فهو من فعل الرب، جل وعلا، وفعل الرب، تبارك وتعالى، أشرف من فعل العبد بداهة، وذلك وجه تفضيل الناشئ عنها عليها، فذلك بالنظر إلى الفاعل، ففاعل الناشئ عنها من الثواب، وهو الرب، جل وعلا، خير من فاعلها وهو العبد الناطق بها.
وإسناد المجيء بالحسنة أو السيئة إلى العبد فيه نوع تمثيل، فحاله كحال المكتسب الذي يسعى على أهله ثم يجيئهم آخر النهار بكسبه، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالتمثيل هنا تقريب للمعنى، فلا ينفي اكتساب العبد للفعل بإرادة حقيقية مؤثرة في إيقاع المقدور على ما قد علم وكتب الرب، جل وعلا، أزلا، فليس ذلك ذريعة إلى نفي فعل العبد للحسنة أو السيئة على جهة الحقيقة لا المجاز كما قال ذلك من نفى اكتساب العبد للفعل، فجعل نسبة الفعل إليه نسبة مجازية، والصحيح أنها نسبة حقيقية، فالتمثيل هنا نوع تقريب للمعنى لا تحريف له بحمل الأمر على المجاز لا على الحقيقة، والبلاغيون، على الراجح من أقوالهم، يجعلون الدلالة اللفظية في التمثيل: دلالة حقيقية، فدلالة لفظ المشبه عليه: دلالة حقيقية، وكذلك دلالة لفظ المشبه به، فلا يمنع التمثيل إرادة الحقيقة، كما لا تمنع الكناية إرادة المعنى الحقيقي، بخلاف المجاز الذي يمنع إرادة الحقيقة لقرينة صارفة، ولا قرينة صارفة هنا من نقل أو عقل، تنفي حقيقة إسناد الفعل إلى فاعله، دون أن يخرج بذلك عن دائرة إسناد ذات الفعل إلى الرب، جل وعلا، ولكن على جهة الخلق، فالعبد، كما تقدم، فاعل، والرب جل وعلا خالق.
وذكر صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، وجها آخر للمجيء هو مجيء الحسنة أو السيئة في كتاب العبد يوم الجزاء، فتجيء مسطورة في صحيفته، ولا ينافي ذلك المعنى الأول، بل هو لازمه، فكل ما يفعله العبد في عالم الشهادة يكتبه الملك، ليجازى عليه المكلف يوم الحشر. فتوارد كلا المعنيين، على ذات السياق: جائز، بل واجب عقلا، فكتابة الأعمال، كما تقدم، لازم فعلها في عالم الشهادة بإرادة حقيقية مؤثرة في إيجاد المفعول خيرا كان أو شرا، وذلك مما يثري السياق باحتماله لأكثر من وجه صحيح.
ثم جاء التذييل بقوله تعالى: (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ): احترازا من ظلم الرب، جل وعلا، للعبد، فإنه، تبارك وتعالى، غني عن عباده فلا يظلمهم ولا يبخسهم شيئا من أعمالهم، فإجمال الظلم في هذا الموضع قد جاء بيانه في مواضع أخرى من قبيل قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا).
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 03 - 2010, 08:33 ص]ـ
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ):
فإذا جاءتهم الحسنة الكونية فجهة الإضافة هنا إلى الرب، جل وعلا، فهو محدث الحسنة الكونية من رزق وخصب ونماء ..... إلخ بمشيئته العامة، فإذا جاءتهم، والتعبير بالمجيء، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، مئنة من الرغبة في حصول الشيء الجائي، فمجيئه مئنة من ترقب وقوعه، فالنفس تتوق إلى ما يسرها فتترقب حصوله فيكون انتظارها له من جنس انتظار المقيم لجاءٍ يحبه ويرغب في قدومه، بخلاف الإصابة في السيئة، فالإصابة مظنة من عدم توقع حصول الشيء لكونه مكروها مبغضا تستدفع النفس أسباب وقوعه ولا تتوق إلى وقوعه، وإن كان فيه صلاحها باعتبار المآل، فقد يكون الابتلاء مادة تذكير وتطهير، فيكون خيره الآجل أضعاف شره العاجل، فيكون منحة من هذا الوجه، لمن سدده الرب، جل وعلا، وثبته فاستحضر تلك المعاني الدقيقة ي ساعات النوازل الشديدة.
وجاء تعريف الحسنة بـ: "أل" الجنسية، مئنة من العموم مع إفادتها العهد الذهني، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالجائي المنتظر، كما تقدم، مترقب الحصول والوقوع لاعتياد النفس ذلك، فحسنات الرب، جل وعلا، متواترة لا ينقطع إسنادها، فخيره إلينا نازل في كل وقت، سواء أكان خيرا شرعيا من وحي منزل بأكمل المناهج، فالرسالات مادة صلاح حياة المكلف: الأولى والآخرة، فبها يسعد في عاجل أمره وآجله، أم كان خيرا كونيا فـ: (إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، فإضافتها إلى المعرفة مئنة من العموم، كما قرر أهل الأصول، فذلك وجه تحليتها بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية مع تضمنها معنى: "أل" العهدية الذهنية، فهي مئنة من تكرار مباشرة العبد لها حتى صارت له مألوفة معهودة، فذلك آكد في تقرير المنة الربانية على عموم البرية، وفيه من وجه آخر: إشارة لطيفة إلى غفلة العبد عن شكران هذه النعم المتتالية، فقد أصابه داء الإلف، فصارت عنده بمنزلة العادات فلا يستحضر حال مباشرتها فضل الرب، جل وعلا، فهو المنعم بها.
وأضف إلى ذلك دلالة: "إذا" الشرطية على كثرة الوقوع، كما أشار إلى ذلك صاحب "الجواهر"، وصاحب "التحرير والتنوير"، رحمهما الله، فذلك معنى لا يفارق: "إذا" الشرطية، فكل ما تقدم آكد في تقرير المنة الربانية بتوالي النعم بلا انقطاع، فهي منتظرة في كل ساعة بل في كل لحظة، فيترقبها العبد، كما تقدم، ترقبه للجائي المرغوب، وهي معرفة بالاستغراق الذي لا يخلو من دلالة العهد فذلك، أيضا، مئنة من ترقب الحصول باستمرار، وهي مع ذلك مصدرة بأداة شرط دالة على كثرة الوقوع فأي بلاغة في الدلالة على هذه المعاني الجليلة التي يستغرق بيانها صفحات بـ: ثلاث كلمات: "فإذا جاءتهم الحسنة"؟!.
فإذا جاءتهم الحسنة قالوا: لنا هذه، فنسبوا خيرها إلى أنفسهم على جهة الاستحقاق والاختصاص بتقديم ما حقه التأخير فضلا عن دلالة اللام في مثل هذا الموضع على الاختصاص والاستحقاق. وجاء الجواب بالماضي: "قالوا": مئنة من التوكيد فهو أمر واقع متحقق يصح الإخبار عنه بالماضي الذي انقضى زمانه.
وعلى جهة المقابلة لكل ما تقدم، فذلك أدل على المراد من إثبات الخير واليمن لهم وإثبات ضده من الشر والشؤم لموسى عليه السلام ومن معه، فالسياق قد بلغ الغاية في المقابلة بين المعاني على وجه تمايزت به الأضداد، وإن كان كلامهم باطلا، فالبلاغة حاصلة فيه من جهة دلالتهم على مرادهم وإن كان باطلا في نفس الأمر.
(يُتْبَعُ)
(/)
فمقابل: (فإذا جاءتهم الحسنة): (وإن تصبهم سيئة)، فـ: "إن" على الضد من "إذا" فتدل على ندرة وقوع الشرط التالي لها، والإصابة مظنة وقوع المكروه فتصيب صاحبها فجأة دون ترقب وقوع، فهي على الضد من المجيء من هذا الوجه، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله،، وقد نكرت السيئة مئنة من التقليل، بخلاف تعريف الحسنة بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية فهي مئنة من العموم الذي يفيد التكثير، فالسيئة هي العارض الذي لا يبقى طويلا بل مآله الزوال، ولو بعد حين فـ: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)، فالشدة بتراء لا دوام لها، فحصل الطباق بين الأجزاء الثلاثة في كل شطر على جهة المقابلة بين السياقين باعتبار مجموع الألفاظ كما قرر البلاغيون في تعريف المقابلة فهي طباق بين معان متعددة في سياقين متقابلين.
وفي مقابل نسبة الحسنة لهم باعتبار كونهم، بحسب اعتقادهم، السبب في وقوعها، في مقابل: (يطيروا)، فجاء الجواب بالمضارع مئنة من التجدد والاستمرار، فضلا عن استحضار الصورة فذلك من زيد العناية ببيانها، فكلما نزلت بهم نازلة ردوا شؤمها إلى موسى، عليه السلام، وقومه، فهم السبب في وقوعها، وتلك غفلة عظيمة منهم عن سبب الشؤم الذي ينالهم بكفرهم وإعراضهم عن اتباع الرسول المبعوث لهم، فتلك جهة الإضافة إلى العبد، فالشؤم يناله بما كسبت يداه فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، و: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، وأما جهة الإضافة إلى الرب، جل وعلا، فهي جهة الخلق والجزاء، فقد خلق جزاء ذلك الكفر والإعراض من صور العذاب الذي ينالهم بشؤم معاصيهم التي اكتسبوها بإرادات اختيارية لا تخرج عن مشيئة رب البرية، جل وعلا، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا راد لقضائه الكوني وإن كفر أهل الأرض جميعا بقضائه الشرعي.
وبتحرير جهة الإضافة في هذا الباب الجليل تنحل إشكالات كثيرة، وإلى طرف من ذلك أشار ابن القيم، رحمه الله، بقوله:
"فتأمل اتفاق القرآن وتصديق بعضه بعضا فحيث جعل الطائر معهم والسيئة من نفس العبد فهو على وجهة السبب والموجب أي الشر والشؤم الذي أصابكم هو منكم ومهما فإن أسبابه قائمة بكم كما تقول: شرك منك وشؤمك فيك يراد به العمل وطائرك معك وحيث جعل ذلك كله من عنده فهو لأنه الخالق له المجازي به عدلا وحكمة فالطائر يراد به العمل وجزاؤه فالمضاف إلى العبد العمل والمضاف إلى الرب الجزاء فطائركم معكم طائر العمل وطائركم عند الله الجزاء.
فما جاءت به الرسل ليس سببا لشيء من المصائب ولا تكون طاعة الله ورسوله سببا لمصيبة قط بل طاعة الله ورسوله لا توجب إلا خيرا في الدنيا والآخرة ولكن قد يصيب المؤمنين بالله ورسوله مصائب بسبب ذنوبهم وتقصيرهم في طاعة الله ورسوله كما لحقهم يوم أحد ويوم حنين وكذلك ما امتحنوا به من الضراء وأذى الكفار لهم ليس هو بسبب نفس إيمانهم ولا هو موجبه وإنما امتحنوا به ليخلص ما فيهم من الشر فامتحنوا بذلك كما يمتحن الذهب بالنار ليخلص من غشه والنفوس فيها ما هو من مقتضى طبعها فالامتحان يمحص المؤمن من ذلك الذي هو من موجبات طبعه كما قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} وقال: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ} فطاعة الله ورسوله لا تجلب إلا خيرا ومعصيته لا تجلب إلا شرا ولهذا قال سبحانه: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} ". اهـ
"شفاء العليل"، ص262.
(يُتْبَعُ)
(/)
فليست طاعة الرسل عليهم السلام سببا في وقوع المصائب، كما زعموا، بل اتباع الرسالات سبب النجاة في الأولى والآخرة، فإن لحق أتباعها نوع أذى من أعدائها، فهو أذى جزئي لا تقارن مفسدته العارضة بالمصلحة العظمى الآجلة، فضلا عن وقوع الحسنة في الدار الأولى فهي عاجل البشرى، فتمكين لأتباع الرسالة بعد الابتلاء الممحص لما في القلوب، فينفى خبثها بكير الابتلاء الكوني النافذ، ونجاة في الدار الآخرة، لمن سدد فاتبع الرسالة وصبر نفسه مع أتباعها، فاحتمل مشاق التكليف بأحكامها وصابر أعدائها في ميادين الجهاد: لنفسه وللشيطان ولأعداء الرسالات من الجاحدين بالحجج والبراهين تارة، وبالسيوف والأسنة أخرى، ولكل ساحة لأمتها.
أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ:
فجاء الإبطال لذلك المعتقد الفاسد بالاستفتاح تنبيها للسامع وتمهيدا لإلقاء الحق على نفوس قد انتبهت وتشوفت إلى تلقيه، ثم جاء القصر بـ: "إنما": وهي أولى درجات القصر، فذلك مئنة من كون ذلك من المعلوم البدهي الضروري لمن لم يفسد قياسه العقلي، فلا يفتقر إلى ألفاظ ذات دلالات توكيدية كبيرة، وإنما يكفي في توكيده أدنى درجات التوكيد بالحصر بـ: "إنما"، فذلك من جنس القصر في قوله تعالى: (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، فذلك، أيضا، من المعلوم البدهي، بل هو أعظم العلوم ضرورة في النفوس، فهو حاصل لكل مولود، وإنما يعرض لفطرة التوحيد الأولى: ما يحرفها عن التوحيد إلى الشرك من تثليث أو اتخاذ لآلهة غيره، تبارك وتعالى، شرفت أو صغرت، كثرت أو قلت، فكل ما اتخذ معبودا من دون الله، عز وجل، فعبادته باطلة، ولو كان في نفسه شريف القدر كالأنبياء والأئمة والأولياء والصالحين ...... إلخ.
وهو من وجه آخر: قصر حقيقي، فكل ما يصيب العبد من الحسنات أو السيئات الكونية إنما يكون بمشيئة الرب، جل وعلا، فهي عامة لكل الكائنات، نافذة بما أراد الرب، جل وعلا، فلا يكون إلا ما شاءه تبارك وتعالى.
فـ: "إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ": فهو الخالق له، فتلك جهة إضافته إليه، عز وجل، فهو خالق الشر الذي ينزل بهم، فلا تكون سعة أو ضيق إلا بمشيئته، فذلك من وجه آخر: قصر قلب لمعتقدهم إذ اعتقدوا أن الكليم عليه السلام ومن معه هم سبب الشؤم، وإنما الشؤم الذي حل بهم من أنفسهم فذلك طائر العمل، وهو من خلق الله، عز وجل، جزاء وفاقا، فهو طائر الجزاء على سوء عملهم، فتحرير جهة الإضافة، كما تقدم، هو سر هذه المسألة الجليلة.
ثم جاء التذييل بنفي العلم عن أكثرهم ذما لهم على سوء مقالتهم فهي مئنة من جهلهم وفساد تصورهم، وإن علم الحق بعضهم، فأكثرهم لا يعلمون، وقلة منهم تعلم ولكنها، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، تشايع الأكثرية، وتلك سمة علماء السوء في كل زمان فيعلمون الحق ولكنهم يخضعون لسلطان الملك أو لسلطان الجمهور وإن كان على خلاف الحق، فيرضون المخلوق بسخط الخالق، عز وجل، ثم لا ينالهم من جراء ذلك إلا سخط الباري، عز وجل، فضلا عما ينزل بهم من العقوبة العاجلة بحصول نقيض مقصودهم فلا يرضى عنهم من استرضوه ولا يأبه بهم من تزلفوا إليه فلا يزدادون في نظره إلا حقرا، وفي قلبه إلا بغضا وكرها، فذلك من عدل الرب، جل وعلا، فيهم.
والله أعلى وأعلم.(/)
واجب منزلي
ـ[مشاري الراشد]ــــــــ[24 - 03 - 2010, 10:38 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو مساعدتي على استخراج صور بيانية من الأبيات التالية مع شرح أركانها ونوعها
أتمنى من الإخوه الطيبين المساعدة
ريم على القاع بين البان و العلم ... احل سفك دمي في الاشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر اسدا ... يا ساكن القاع ادرك ساكن الاجم
لما رنا حدثتني النفس قائلة: ... يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي
جحدتها و كتمت السهم في كبدي ... جرح الاحبة عندي غير ذي الم
رزقت اسمح ما في الناس من خلق ... اذا رزقت التماس العذر في الشيم
يا لائمي في هواه و الهوى قدر ... لو شفك الوجد لم تعذل و لم تلم
لقد انلتك اذنا غير واعية ... و رب منصت و القلب في صمم
يا ناعس الطرف لا ذقت الهوى ابدا ... اسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم
افديك الفا و لا الو الخيال فدا ... اغراك بالبخل من اغراه بالكرم
سرى فصادف جرحا داميا فاسا ... و رب فضل على العشاق للحلم
جزاكم الله خيرا
ـ[المهتم]ــــــــ[24 - 03 - 2010, 10:53 م]ـ
سلام عليك:
ابدأ أنت أخي وأعط نموذجا للإجابة، حتى يسمح لنا بمساعدتك
وأصلح الهمز، فكثير منها همزة قطع، وأنت لم تحققها ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ارجو مساعدتي على استخراج صور بيانية من الابيات التاليه مع شرح اركانها ونوعها عجزت على هذا السؤال
واتمنى من الاخوه الطيبين المساعدة
ريم على القاع بين البان و العلم ... احل سفك دمي في الاشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر اسدا ... يا ساكن القاع ادرك ساكن الاجم
لما رنا حدثتني النفس قائلة: ... يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي
جحدتها و كتمت السهم في كبدي ... جرح الاحبة عندي غير ذي الم
رزقت اسمح ما في الناس من خلق ... اذا رزقت التماس العذر في الشيم
يا لائمي في هواه و الهوى قدر ... لو شفك الوجد لم تعذل و لم تلم
لقد انلتك اذنا غير واعية ... و رب منصت و القلب في صمم
يا ناعس الطرف لا ذقت الهوى ابدا ... اسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم
افديك الفا و لا الو الخيال فدا ... اغراك بالبخل من اغراه بالكرم
سرى فصادف جرحا داميا فاسا ... و رب فضل على العشاق للحلم
جزاكم الله خيرا
ـ[مشاري الراشد]ــــــــ[24 - 03 - 2010, 11:01 م]ـ
بالبيت الأول شبه الشاعر حبيبته بالظبي الخالص البياض الذي يسكن الارض السهلة
أما بالبيت الثاني شبه عيون حبيبته بعين البقرة الوحشيه وهي تمتاز بوسعها وجمالها
هل هذه الإجابة صحيحة أم خاطئة؟
ـ[مشاري الراشد]ــــــــ[27 - 03 - 2010, 04:00 م]ـ
ارجو المساعدة(/)
عاجل
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 06:35 ص]ـ
:::
السلام عليكم اخواني واخواتي الكرام
لدي مشكلة أعاني منها وهي موضوع بحثي: البلاغة القرانية في سورة الغاشية
من هنا تبدأ مشكلتي حيث أني لاأعرف شيئاً في البحث وماذا اكتب؟
وكيف أبدأ فيه؟
ثم أني لم أجد كل الكتب سوى كتاب يتيم ولم أجد المطلوب
ومكتبة الجامعة سيئة
ولاأستطيع أن اذهب إلى المكتبة العامة, والكتب التي احملها لااعلم لماذا لاتفتح معي, ومن غير هذا ان الكتاب عن طريق التصفح ليس كالكتاب الذي يكون متوفر بين يدي
ساعدوني , هل من مساعد؟!
اعلم أني أثقلت بالكلام ولكني اشعر بالإحباط منذ البداية
فأنتم أستاذة لي ومعلمين ومنكم استفيد
فهل ستساعدوني؟
فوالله إني لن أنساكم من دعواتي
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 01:11 م]ـ
لماذا لايوجد رد!!
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 03:01 م]ـ
أولاً: كتابة مقدمة عن البلاغة القرآنية ..
ثانياً: تقسيم البحث إلى فصلين أو ثلاثة يتناول لب الموضوع الذي أنت بصدده ..
ثالثاً: خاتمة تتحدث عن بلاغة سورة الغاشية، وما هذا إلا نموذج لإعجاز القرآن ..
وشهران فترة تستطيعين فيها إكمال البحث بإذن الله بكل سهولة .. فأسأل الله أن يكتب لك التوفيق في ذلك ..
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 03:03 م]ـ
أولاً: كتابة مقدمة عن البلاغة القرآنية ..
ثانياً: تقسيم البحث إلى فصلين أو ثلاثة يتناول لب الموضوع الذي أنت بصدده ..
ثالثاً: خاتمة تتحدث عن بلاغة سورة الغاشية، وما هذا إلا نموذج لإعجاز القرآن ..
وشهران فترة تستطيعين فيها إكمال البحث بإذن الله بكل سهولة .. فأسأل الله أن يكتب لك التوفيق في ذلك ..
استاذي عبدالله اسأل الله لك
التوفيق
شكراً
ومازلت في انتظار البقية
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 06:48 م]ـ
....
ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 08:40 م]ـ
وعليكِ السلام والرحمات
أختي الكريمة:
ينبغي لكِ أولا العودة لكتب التفاسير، ومعرفة دقائق معاني الكلمات،
فمثلاً دلالات الاستفهام في بدء السورة، وتأثيرها على المخاطب أو السامع.
أيضا لعلك تعودين لكتب الإعراب، وتنظرين معاني الأحرف واستخداماتها، ودلالات التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير
وأكثر كتب التفاسير التي ستفيدك بإذن الله:
الكشاف للزمخشري، مفاتيح الغيب للرازي، التحرير والتنوير
ولعل موقع التفاسير ( http://www.altafsir.com/Tafasir.asp) يفيدكِ
موفقة
ـ[السراج]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 09:13 م]ـ
ردّي الأستاذ القرشي
والأستاذة أنوار .. فيهما من المفاتيح - لبحثك - الكثير ..
ودعيني أكرر مصادر الأستاذة أنوار
وخاصة الكشاف ..
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[26 - 03 - 2010, 02:50 ص]ـ
وعليكِ السلام والرحمات
أختي الكريمة:
ينبغي لكِ أولا العودة لكتب التفاسير، ومعرفة دقائق معاني الكلمات،
فمثلاً دلالات الاستفهام في بدء السورة، وتأثيرها على المخاطب أو السامع.
أيضا لعلك تعودين لكتب الإعراب، وتنظرين معاني الأحرف واستخداماتها، ودلالات التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير
وأكثر كتب التفاسير التي ستفيدك بإذن الله:
الكشاف للزمخشري، مفاتيح الغيب للرازي، التحرير والتنوير
ولعل موقع التفاسير يفيدكِ
موفقة
الله يفرج همك ياأنوار ويجعل لك من كل ضيق مخرج
وييسر أمورك
يعلم الله اني كنت اريد هذا الكتاب التحرير والتنوير ولكن لم أجده
ولقيته في موقع التفاسير
وبقي أمامي أيضاً
رحلة بحث عن بقيةالمباحث و الفصول
لكنكِ بفضل الله يسرت المهمة
شكرًا لكـ عزيزتي
حفظك الله.
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[26 - 03 - 2010, 02:53 ص]ـ
ردّي الأستاذ القرشي
والأستاذة أنوار .. فيهما من المفاتيح - لبحثك - الكثير ..
ودعيني أكرر مصادر الأستاذة أنوار
وخاصة الكشاف ..
السراج
إن شاء الله سآخذ بوصاياهم
دمتـ بخير.
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[26 - 03 - 2010, 09:59 م]ـ
هلا تكرمتم علي بالإجابة على هذا السؤال
بيان دقائق النظم القرآني في ايات سورة الغاشية من (7_1)
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[27 - 03 - 2010, 01:13 م]ـ
مفهوم النظم – عند الجرجاني – ليس سوى معاني النحو وإعمال قوانينه وعدم الزيغ عن مناهجه ورسومه ..
الإبداع = اللفظة + النحو + التركيب ---> النظم (المعنى) التلقي= النظم (المعنى) ..
حتى التراكيب الصوتية يدخل من ضمن دقائق النظم .. ومنها السجع!
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[28 - 03 - 2010, 10:27 م]ـ
مفهوم النظم – عند الجرجاني – ليس سوى معاني النحو وإعمال قوانينه وعدم الزيغ عن مناهجه ورسومه ..
الإبداع = اللفظة + النحو + التركيب ---> النظم (المعنى) التلقي= النظم (المعنى) ..
حتى التراكيب الصوتية يدخل من ضمن دقائق النظم .. ومنها السجع!
شكراًَ عبدالله القرشي
الذي فهمته أن النظم هو القواعد النحوية والالتزام بها وايضاً المحسنات الصوتية(/)
من سورة الصف
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 08:24 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
فذلك من التعريض بيهود، فذلك خصوص السبب، والعبرة بعموم لفظه، فيلحق الذم كل من آذى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ولو بعد وفاته، فإن الأذى قد يكون حسيا بشخصه الكريم، أو معنويا بالتكذيب أو الطعن في رسالته صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما هو دأب الكفار الأصليين والزنادقة والمنافقين المنتسبين إلى الإسلام، فضلا عن الطعن في عرضه برميه بما هو منه براء من سيئ الأخلاق، أو رمي زوجاته الطاهرات، رضي الله عنهن، بما هن منه براء. فالحكم معلق بوصف عام تحقق في بني إسرائيل فاستحقوا الذم، ولا يمنع ذلك من تحققه في غيرهم فينالهم من العقوبة بقدر المخالفة، وإن كانوا متأولين، كما جرى لأهل أحد، لما خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا نسب بين الله، عز وجل، وبين عباده إلا الطاعة فلو خالفوا الأمر ولو كان النبي بين ظهرانيهم ما شفع لهم ذلك فقد خالف يهود أمر الكليم، عليه السلام، فأبوا دخول الأرض المقدسة، فاستحقوا التيه عقوبة كونية نافذة، ولما خالف الرماة أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو برسم التأول، استحقوا العقوبة، فمسهم القرح، وذلك عند التدبر والنظر، من تمام العناية بهم بتربيتهم تربية شرعية صحيحة، يكون العقاب فيها على مخالفة الأمر الشرعي، فذلك متعلق المدح والذم الرباني، فمن أطاع استحق المدح وإن كان وضيع النسب فطاعته ترفعه عند الباري، عز وجل، فهي الرحم الموصول بين الرب، جل وعلا، وعباده، ومن عصى استحق الذم ولو كان شريف النسب، فمعصيته تخفضه عند الرب، جل وعلا، فمخالفة الأمر مظنة الفتنة والعذاب الأليم، فمن خالف الأمر الشرعي فخرج عن ناموس النبوة، فله الفتنة بالشبهة أو الشهوة، فتلك عقوبة عاجلة، إذ انصرف القلب عن طاعة الرب، جل وعلا، فكان لزاما أن يمتلئ بالشبهات والشهوات، فإن الإعراض عن الامتلاء بالغذاء النافع من علوم النبيين لازمه الامتلاء بضده من وساوس الشياطين، ولذلك كان لزوم الجادة: جلبا للمصلحة بالسير على طريق الحق، ودرءا للمفسدة بالإعراض عن طريق الباطل، فينفع إيجابا بالتزام الحق، وسلبا بالإعراض عن الباطل، وعلى ما اطرد من طريقة المحققين من أهل العلم، أشار صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله إلى بيان مجمل الأذى الذي لاقاه الكليم عليه السلام من قومه، في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا)، فآذوه بعصيان أمره، وآذوه بلجاجتهم وكثرة سؤالهم، وآذوه بضجرهم وتململهم، وآذوه بعبادة العجل لما مضى إلى ميقات ربه، جل وعلا، وآذوه لما رموه بداء منفر في جسده، لكمال حيائه وستره، وهو ما يفتقده يهود الذين احترفوا كشف العورات، ولو كانت مغلظة، فهي سلعتهم الرائجة في إفساد أخلاق الأمم، كما هو الحال في زماننا، فصور إيذائهم للكليم عليه السلام قد تعددت، بل وطال أذاهم غيره من أنبياء بني إسرائيل، عليهم السلام، فقتلوا من قتلوا، وكذبوا من كذبوا، بل سعوا في سفك دم من ختمت به النبوة في بني إسرائيل: المسيح عليه السلام، فأنجاه الرب، جل وعلا، من كيدهم، بالرفع والتطهير من دنسهم، فتلك سمة رئيسة في الشخصية اليهودية الحقيرة، فإن من حقر من شأن النبوات، وتعدى عليها بالتحريف وإيذاء حملتها بالتكذيب والقتل، يناله من الصغار بقدر ذلك، فالنبوة معدن العزة، ومخالفتها معدن الذلة، وإن ظهر المخالف بعدة، كما هو حال يهود في زماننا، فإنهم أذلة وإن أظهروا خلاف ذلك بما فتنوا به من آلة الحرب، وهم في نفس الوقت، فتنة لغيرهم، لا سيما أتباع النبوة الخاتمة، فقد ذلوا لهم، مع أنهم المخاطبون بالنهي في قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
مُؤْمِنِينَ)، فإنهم، كغيرهم من الأمم، يجري عليهم ما يجري على بقية الأمم من السنة الكونية الجارية، فليس تحقير النبوات بالتكذيب أو المخالفة والعناد، ليس ذلك سببا لذلة بني إسرائيل دون غيرهم، بل كل من خالف النبوة فله من تلك الذلة نصيب، فمن مقل ومن مستكثر، فالنص، كما تقدم، عام باعتبار معناه، وإن كان لفظه خاصا ببني إسرائيل، فسنة الرب، جل وعلا، في إعزاز من أعز النبوات بتعظيم حملتها والسير على منهاجها، وإذلال من كان على ضد ذلك، سنته في ذلك جارية، فلا تفريق بين متماثلين فيها، ولا يجدي الانتساب الاسمي إلى النبوة، ولو كانت صحيحة محفوظة من التبديل، لا يجدي المنتسب شيئا حتى يقيم الدليل العملي على صدق دعواه القولية، فالعمل شاهد العدل للعلم، فإن شهد لصاحبه بالموافقة كان علما نافعا، وإن شهد عليه بالمخالفة كان إقامة للحجة، فليس نافعا له، وإن كان علم النبوة في نفسه نافعا، فليس العيب فيه، وإنما العيب في المحل الذي لم يقبل آثاره النافعة، فليست كل المحال المريضة تقبل آثار الدواء.
وجاءت قد بمعنى التحقيق، وإن دخلت على المضارع، فهي تفيد من هذا الوجه التقليل، فذلك من جنس قوله تعالى: (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "مغني اللبيب"، رحمه الله، بقوله:
"المعنى الثالث، (أي من معاني: قد): التقليل، وهو ضربان: تقليل وقوع الفعل نحو قد يصدُقُ لكذوبُ وقد يجود البخيل وتقليلُ متعلقه نحو قوله تعالى (قدْ يعلمُ ما أنتم عليهِ) أي ما هم عليه هو أقلّ معلوماته سبحانه". اهـ
"مغني اللبيب"، (1/ 192).
فذلك التقليل باعتبار معلومهم، فإن آيات نبوة الكليم، عليه السلام، قد بلغت من البيان والظهور غايته، فصار العلم بصدقه من جملة العلوم الضرورية عندهم فهي أقل معلومهم من هذا الوجه، وذلك أمر قد اطرد في سائر النبوات، فإن أدلتها قد بلغت حد التواتر اللفظي والمعنوي، فأفادت الناظر فيها بعين الإنصاف طلبا للهداية، علما ضروريا بصدق صاحب الرسالة.
وذلك آكد في توجه الذم إليهم، فلا حجة لهم في إيذاء الكليم، عليه السلام، وقد ظهر لهم من دلائل صدقه ونبوته ما ظهر، فكان إيذاؤه بعد ذلك أقبح، ولذلك صدرت الآية بالاستفهام الإنكاري التوبيخي لهم على ما كان منهم من إيصال الأذى إلى موسى عليه السلام.
ثم جاءت العقوبة الكونية المقدرة لهم من جنس فعالهم، فلما زاغوا فآذوا موسى عليه السلام، وذلك مئنة من تحقيرهم من شأن النبوات، أزاغ الله، عز وجل، قلوبهم، فالجناس بين الفعلين آكد في بيان المعنى، فالجزاء، كما تقدم، من جنس العمل، فقد قدر الرب، جل وعلا، عليهم بعلمه الأول: فساد محالهم، فلا تقبل آثار الوحي النافع، فذلك حكمه العدل فيهم إذ لم يصطفيهم واصطفى غيرهم بفضله، فلم يظلم كليهما، وإنما هو محض فضله يهبه من شاء ويمنعه من شاء، فزاغوا بأمره الكوني النافذ عن التزام أمره الشرعي الحاكم، فجاءت العقوبة إزاغة متعدية بهمزة التعدية، فزاعوا، فنسبة الفعل اللازم إليهم مئنة من كمال اختيارهم وإن لم يخرجوا به عن مشيئة الرب، جل وعلا، العامة، فجاءت العقوبة بالفعل المتعدي من الرب، جل وعلا، إليهم.
ثم جاء التذييل في معرض الوعيد بحجب الهداية الكونية: هداية التوفيق والإلهام، عن القوم الفاسقين، فهو خبر أريد به إنشاء الزجر بالوعيد، وهو على ما اطرد في نصوص الوعيد عام باعتبار لفظه، فضلا عن تعلق حكمه بالوصف المؤثر الجالب له وهو الفسق والخروج عن حكم الديانة، فيدور معه وجودا وعدما، فلا يهدي القوم الفاسقين منطوقا، ويهدي القوم المؤمنين مفهوما. وتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل الوارد على حد المضارعة، آكد في بيان المعنى فضلا عن دلالة التجدد والاستمرار فذلك فعله العدل، تبارك وتعالى، في الفاسقين، فـ: (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)، فذلك وارد، أيضا، بصيغة المضارعة مئنة من تجدد الحكم بتجدد علته، فلا يقتصر الحكم على سبب وروده بل هو عام فيهم وفي غيرهم فكل من خرج عن حكم النبوة فله من حجب الهداية الكونية عن قلبه نصيب، وأظهر الاسم الجليل في: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، وحقه الإضمار فذلك، كما اطرد في كلام البلاغيين، آكد في تربية المهابة في سياق الوعيد.
والله أعلى وأعلم.(/)
مساعدة عاجلة أتمنى الإفادة
ـ[مالك حمد]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 04:03 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اتمنى منكم المساعدة في هذه القصيدة
القصيدة للشاعر احمد شوقي كتبها في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ ii وَالعَلَمِ
أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ ii الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدا
يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ ii الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً
يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ ii رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي
جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي ii أَلَمِ
رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن ii خُلُقٍ
إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في ii الشِيَمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ
لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
لَقَد أَنَلتُكَ أُذناً غَيرَ واعِيَةٍ
وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ
يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى ii أَبَداً
أَسهَرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهَوى ii فَنَمِ
أَفديكَ إِلفاً وَلا آلو الخَيالَ ii فِدىً
أَغراكَ باِلبُخلِ مَن أَغراهُ بِالكَرَمِ
سَرى فَصادَفَ جُرحاً دامِياً ii فَأَسا
وَرُبَّ فَضلٍ عَلى العُشّاقِ لِلحُلُمِ
مَنِ المَوائِسُ باناً بِالرُبى وَقَناً
اللاعِباتُ بِروحي السافِحاتُ ii دَمي
السافِراتُ كَأَمثالِ البُدورِ ii ضُحىً
يُغِرنَ شَمسَ الضُحى بِالحَليِ ii وَالعِصَمِ
القاتِلاتُ بِأَجفانٍ بِها ii سَقَمٌ
وَلِلمَنِيَّةِ أَسبابٌ مِنَ السَقَمِ
العاثِراتُ بِأَلبابِ الرِجالِ ii وَما
أُقِلنَ مِن عَثَراتِ الدَلِّ في ii الرَسَمِ
المُضرِماتُ خُدوداً أَسفَرَت ii وَجَلَت
عَن فِتنَةٍ تُسلِمُ الأَكبادَ ii لِلضَرَمِ
الحامِلاتُ لِواءَ الحُسنِ ii مُختَلِفاً
أَشكالُهُ وَهوَ فَردٌ غَيرُ ii مُنقَسِمِ
مِن كُلِّ بَيضاءَ أَو سَمراءَ ii زُيِّنَتا
لِلعَينِ وَالحُسنُ في الآرامِ ii كَالعُصُمِ
يُرَعنَ لِلبَصَرِ السامي وَمِن ii عَجَبٍ
إِذا أَشَرنَ أَسَرنَ اللَيثَ ii بِالغَنَمِ
وَضَعتُ خَدّي وَقَسَّمتُ الفُؤادَ رُبيً
يَرتَعنَ في كُنُسٍ مِنهُ وَفي ii أَكَمِ
يا بِنتَ ذي اللَبَدِ المُحَمّى ii جانِبُهُ
أَلقاكِ في الغابِ أَم أَلقاكِ في الأُطُمِ
ما كُنتُ أَعلَمُ حَتّى عَنَّ مَسكَنُهُ
أَنَّ المُنى وَالمَنايا مَضرِبُ ii الخِيَمِ
مَن أَنبَتَ الغُصنَ مِن صَمصامَةٍ ii ذَكَرٍ
وَأَخرَجَ الريمَ مِن ضِرغامَةٍ قَرِمِ
بَيني وَبَينُكِ مِن سُمرِ القَنا حُجُبٌ
وَمِثلُها عِفَّةٌ عُذرِيَّةُ ii العِصَمِ
لَم أَغشَ مَغناكِ إِلّا في غُضونِ كِرىً
مَغناكَ أَبعَدُ لِلمُشتاقِ مِن إِرَمِ
يا نَفسُ دُنياكِ تُخفى كُلَّ مُبكِيَةٍ
وَإِن بَدا لَكِ مِنها حُسنُ ii مُبتَسَمِ
فُضّي بِتَقواكِ فاهاً كُلَّما ضَحِكَت
كَما يَفُضُّ أَذى الرَقشاءِ ii بِالثَرَمِ
مَخطوبَةٌ مُنذُ كانَ الناسُ خاطِبَةٌ
مِن أَوَّلِ الدَهرِ لَم تُرمِل وَلَم ii تَئَمِ
يَفنى الزَمانُ وَيَبقى مِن إِساءَتِها
جُرحٌ بِآدَمَ يَبكي مِنهُ في الأَدَمِ
لا تَحفَلي بِجَناها أَو جِنايَتِها
المَوتُ بِالزَهرِ مِثلُ المَوتِ ii بِالفَحَمِ
كَم نائِمٍ لا يَراها وَهيَ ii ساهِرَةٌ
لَولا الأَمانِيُّ وَالأَحلامُ لَم ii يَنَمِ
طَوراً تَمُدُّكَ في نُعمى ii وَعافِيَةٍ
وَتارَةً في قَرارِ البُؤسِ وَالوَصَمِ
كَم ضَلَّلَتكَ وَمَن تُحجَب ii بَصيرَتُهُ
إِن يَلقَ صابا يَرِد أَو عَلقَماً ii يَسُمُ
يا وَيلَتاهُ لِنَفسي راعَها ii وَدَها
مُسوَدَّةُ الصُحفِ في مُبيَضَّةِ ii اللَمَمِ
رَكَضتُها في مَريعِ المَعصِياتِ وَما
أَخَذتُ مِن حِميَةِ الطاعاتِ ii لِلتُخَمِ
هامَت عَلى أَثَرِ اللَذّاتِ تَطلُبُها
وَالنَفسُ إِن يَدعُها داعي الصِبا ii تَهِمِ
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ
فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ
وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ ii عافِيَةٍ
وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ ii وَخِمِ
تَطغى إِذا مُكِّنَت مِن لَذَّةٍ ii وَهَوىً
طَغيَ الجِيادِ إِذا عَضَّت عَلى الشُكُمِ
إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ
في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصِمِ
أَلقى رَجائي إِذا عَزَّ المُجيرُ عَلى
مُفَرِّجِ الكَرَبِ في الدارَينِ ii وَالغَمَمِ
(يُتْبَعُ)
(/)
إِذا خَفَضتُ جَناحَ الذُلِّ أَسأَلُهُ
عِزَّ الشَفاعَةِ لَم أَسأَل سِوى ii أُمَمِ
وَإِن تَقَدَّمَ ذو تَقوى ii بِصالِحَةٍ
قَدَّمتُ بَينَ يَدَيهِ عَبرَةَ ii النَدَمِ
لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ ii وَمَن
يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللَهِ ii يَغتَنِمِ
فَكُلُّ فَضلٍ وَإِحسانٍ وَعارِفَةٍ
ما بَينَ مُستَلِمٍ مِنهُ ii وَمُلتَزِمِ
عَلَّقتُ مِن مَدحِهِ حَبلاً أُعَزُّ ii بِهِ
في يَومِ لا عِزَّ بِالأَنسابِ ii وَاللُحَمِ
يُزري قَريضي زُهَيراً حينَ ii أَمدَحُهُ
وَلا يُقاسُ إِلى جودي لَدى ii هَرِمِ
مُحَمَّدٌ صَفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ
وَبُغيَةُ اللَهِ مِن خَلقٍ وَمِن ii نَسَمِ
وَصاحِبُ الحَوضِ يَومَ الرُسلِ ii سائِلَةٌ
مَتى الوُرودُ وَجِبريلُ الأَمينُ ii ظَمي
سَناؤُهُ وَسَناهُ الشَمسُ ii طالِعَةً
فَالجِرمُ في فَلَكٍ وَالضَوءُ في ii عَلَمِ
قَد أَخطَأَ النَجمَ ما نالَت ii أُبُوَّتُهُ
مِن سُؤدُدٍ باذِخٍ في مَظهَرٍ ii سَنِمِ
نُموا إِلَيهِ فَزادوا في الوَرى شَرَفاً
وَرُبَّ أَصلٍ لِفَرعٍ في الفَخارِ ii نُمي
حَواهُ في سُبُحاتِ الطُهرِ ii قَبلَهُمُ
نورانِ قاما مَقامَ الصُلبِ وَالرَحِمِ
لَمّا رَآهُ بَحيرا قالَ ii نَعرِفُهُ
بِما حَفِظنا مِنَ الأَسماءِ ii وَالسِيَمِ
سائِل حِراءَ وَروحَ القُدسِ هَل عَلِما مَصونَ سِرٍّ عَنِ الإِدراكِ مُنكَتِمِ
كَم جيئَةٍ وَذَهابٍ شُرِّفَت ii بِهِما
بَطحاءُ مَكَّةَ في الإِصباحِ ii وَالغَسَمِ
وَوَحشَةٍ لِاِبنِ عَبدِ اللَهِ ii بينَهُما
أَشهى مِنَ الأُنسِ بِالأَحسابِ ii وَالحَشَمِ
يُسامِرُ الوَحيَ فيها قَبلَ ii مَهبِطِهِ
وَمَن يُبَشِّر بِسيمى الخَيرِ ii يَتَّسِمِ
لَمّا دَعا الصَحبُ يَستَسقونَ مِن ii ظَمَإٍ
فاضَت يَداهُ مِنَ التَسنيمِ ii بِالسَنَمِ
وَظَلَّلَتهُ فَصارَت تَستَظِلُّ ii بِهِ
غَمامَةٌ جَذَبَتها خيرَةُ ii الدِيَمِ
مَحَبَّةٌ لِرَسولِ اللَهِ ii أُشرِبَها
قَعائِدُ الدَيرِ وَالرُهبانُ في ii القِمَمِ
المطلوب استخراج الصور البلاغية في القصيدة والغرض منها
اتمنى ان تفيدوني عاجلا
انا ليس تخصص عربي ولكن استاذي في الجامعة كلفني بهذه المهمة
ودمتم سالمين(/)
لا تكسر القوارير
ـ[صالح بن محمد]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 06:58 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://pheromone-perfume.org/wp-content/uploads/2009/03/perfume_bottles-3.jpg
في صحيح مسلم باب (رحمته صلى الله عليه وسلم النساء والرفق بهن)
كان للرسول صلى الله عليه وآله وسلم خادما اسمه أنجشه ولديه صوت جميل فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (رويدا يا أنجشه لا تكسر القوارير)
هل القوارير استعارة؟ ولماذا شبه الرسول صلى الله عليه وسلم النساء بالقوارير؟
وجزاكم الله خيرا
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[26 - 03 - 2010, 04:44 ص]ـ
أتذكر أني كتبت في ذلك قبل سنة أو تزيد ..
لعلي آتيك منها بقبس خافت لضعف ذاكرتي ..
شبه الرسول صلى الله عليه وسلم النساء بالقوارير (الزجاج) وحذف المشبه على سبيل الاستعارة ..
ووجه الشبه هو الضعف والانكسار ..
هناك تعليلان لذلك، الأول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصد تأثر النساء بحداء أنجشة ..
والآخر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقصد تأثر الإبل التي تحمل النساء بحداء أنجشة فبتأثرها قد تسرع في الركض فتتأثر النساء جراء ذلك ..
وقد يكون لذلك تعليل آخر ولكن لا تسعفني الذاكرة ..(/)
أتمنى المساعدة ...
ـ[رتووله]ــــــــ[27 - 03 - 2010, 08:21 م]ـ
من قصيدة الرضا بقضاء الله وقدره للشافعي
ولا ترج السماحة من بخيل ... فما في النار للظمآن ماء
اعرب (ترج)
ما اسم الفن البياني في هذا الشطر (فما في النار للظمآن ماء)
اتمنى المساعده ...
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[27 - 03 - 2010, 10:29 م]ـ
من قصيدة الرضا بقضاء الله وقدره للشافعي
ولا ترج السماحة من بخيل ... فما في النار للظمآن ماء
اعرب (ترج)
اتمنى المساعده ...
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
أختي الحبيبة والغالية: رتووله
أهلا وسهلا بكِ في منتدى الفصيح، نزلتِ أهلا ووطئتِ سهلا، نتمنى لكِ طيب المقام والافادة، فحياك الله وبياك في بيتكِ الثاني.
لا: حرف نهي وجزم، مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
ترجُ: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت.
والله أعلم بالصواب.
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[27 - 03 - 2010, 11:12 م]ـ
إعراب الأخت زهرة لا يعقَّب عليه ..
أما الفن البياني فهو التشبيه الضمني .. وأدع لكِ استخراج الأركان!
ـ[رتووله]ــــــــ[04 - 04 - 2010, 09:42 م]ـ
يعطيكم الف عافيه
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[05 - 04 - 2010, 12:19 ص]ـ
أحسنت صنعاً فالبخيل لا يرجى منه السماحة بالمال , ولذلك يقال سمح اليد أي كريم وسخي , كما لا ينشد الظمآن من النار الماء , لوجود الاستحالة.
وهناك أيضاً غرض بلاغي بديعي وهو الطباق بين ماء ونار ..... فكم بينهما من التضاد , فإذا اجتمع أحدهما أنتفى الآخر ,
وتقدم الجار والمجرور وتأخير (ماء) يوحي بأن التركيز كله منصب على النار التي للفناء ولا يرجى منها شيء كالبخيل الذي لا ينتفع الناس منه شيئاً.
ولا يزال النص يعطي الكثير من الدلالات المتنوعة , وصدق من قال إن الأغراض البلاغية لا تتزاحم في النص ...
ـ[رتووله]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 09:28 م]ـ
اركان التشبيه
المشبه: لا يرجى من البخيل السماحه بالمال
المشبه به: لا ينشد الظمآن من النار الماء , لوجود الاستحالة.
هل اجابتي صحيحه؟؟
انا مو متاكده من الاجابه
اي احد يعرف لايحرمني منها ...
وشكرااا لكل الردود
ـ[البهاء زهير]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 12:07 ص]ـ
أنا سعيد جدا بدوري كقارئ لكل هذه الفوائد الجمة
والإثراء المعرفي والفني والبلاغي.
شكرا للجميع سأكون قارئا حتى مطلع الفجر.(/)
عاجل رجاء من سورة البقرة
ـ[ابن سلام]ــــــــ[28 - 03 - 2010, 12:39 م]ـ
ما الوجوه البلاغية التي توجد بالآية رقم 270 من سورة البقرة
قال تعالى " وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار"
أفيدوني أكرمكم الله(/)
يا أهل البلاغة أنا في حاجتكم ..
ـ[صمتي هيبة]ــــــــ[28 - 03 - 2010, 09:33 م]ـ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ".
أريد منكم استخراج النواحي البلاغية التي تتدفق في هذا الحديث الشريف
ولكم مني شكري وتقديري .......
ـ[صمتي هيبة]ــــــــ[29 - 03 - 2010, 06:54 م]ـ
أين أنتم؟
هل ستخذلونني؟!: (
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[29 - 03 - 2010, 08:29 م]ـ
ينزل استخدم الفعل ينزل مضارع يفيد الاستمرارية وعدم الانقطاع
ربنا أضاف نا التى تدل على الفاعلين أو المفعولين إلى ربّ لتشريف وتكريم الإنسان
كل لفظ يفيد العموم
وليلة نكرة للتعظيم
السماء الدنيا وصف السماء بالدنيا للتخصيص
حين يبقى ثلث الليل الاخر عبارة تبين أهمية هذا الوقت للدعاء والاستجابة
من يدعونى فأستجب عبارة تدل على استجابة أى داع فى هذا الوقت
والأسلوب فى ينزل ربنا خبرى يلقى على خالى الذهن فلايحتاج لمؤكدات
وللحديث بقية إن شاء الله:)
ـ[صمتي هيبة]ــــــــ[29 - 03 - 2010, 10:50 م]ـ
شكرا لك أخي أحمد .. دعواتي لك:)(/)
من فصاحة أبي بكر رضي الله عنه
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[29 - 03 - 2010, 09:17 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من فصاحة أبي بكر رضي الله عنه
يذكر الجاحظ أن أبا بكر –رضي الله عنه –خطب يوم السقيفة، ذاكرا المميزات التي يمتاز بها المهاجرون عن الأنصار، والتي تؤهلهم للإمارة، ومما جاء في الخطبة قوله: وقدِّمنا في القرآن عليكم.
فأبو بكر يرى أن تقديم المهاجرين على الأنصار ميزة لهم وفضل وشرف، يتميزون به عنهم، فالتقديم لديه يعني: العناية والاهتمام بالمتقدم، ولولا ذلك لما عده ميزة يمتازون بها عن الأنصار الأقل منهم أهمية.
وهذا شبيه بقول سيبويه من بعده: كأنهم إنما يقدمون ما هم به أهم، وهم ببيانه أعنى.
والله أعلم
ـ[درعمية وأفتخر]ــــــــ[05 - 04 - 2010, 12:46 ص]ـ
مشكور أخي الفاضل
ولا حرمك ربي الأجر
ولكن لكل فضلة من المهاجرين والأنصار
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[05 - 04 - 2010, 11:40 ص]ـ
السلام عليكم:
كلامك صحيح، لكل فضله، ولكن المهاجرين يتفوقون على الأنصار في الفضل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار.
ـ[البهاء زهير]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 03:16 ص]ـ
تحياتي لك
أتمنى ذكر المصدر الذي نقلت منه عبارة الجاحظ هل هو الحيوان أم البيان والتبيين أم غيرهما للفائدة.
وأظن أن التقديم والتأخير يخضع لقوانين تركيب الجملة العربية البليغة، كالأغراض التي ذكرها البلاغيون، وليس بالضرورة أن المقدم في تركيب الجملة هو الأهم .. في هذه الفكرة نظر!!
شكرا لك
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 12:35 م]ـ
تحياتي لك
أتمنى ذكر المصدر الذي نقلت منه عبارة الجاحظ هل هو الحيوان أم البيان والتبيين أم غيرهما للفائدة.
وأظن أن التقديم والتأخير يخضع لقوانين تركيب الجملة العربية البليغة، كالأغراض التي ذكرها البلاغيون، وليس بالضرورة أن المقدم في تركيب الجملة هو الأهم .. في هذه الفكرة نظر!!
شكرا لك
==================
المرجع هو البيان والتبيين ج3ص297
أخي الفاضل: قانون تركيب الجملة العربية يخضع لقانون الرتبة، والمتقدم في الرتبة متقدم بالمنزلة والمتأخر في الرتبة متأخر في المنزلة، أما بالنسبة للأغراض من التقديم فهي كما تفضلت كثيرة وخاصة عند البلاغيين، ولكن المتقدم هو الأهم دائما.
مع الشكر والتقدير
ـ[البهاء زهير]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 12:11 ص]ـ
أخي الفاضل قلت: " قانون تركيب الجملة العربية يخضع لقانون الرتبة، والمتقدم في الرتبة متقدم بالمنزلة والمتأخر في الرتبة متأخر في المنزلة، أما بالنسبة للأغراض من التقديم فهي كما تفضلت كثيرة وخاصة عند البلاغيين، ولكن المتقدم هو الأهم دائما "
أشكرك على هذا التواصل النافع، ولكن هذا القول يحتاج إلى إثبات، فالاستعمال العربي، والأسلوب القرآني فيه تقديم وتأخير يخضع للسياق والتركيب وليس دائما للرتبة.
فقد قدم السمع على البصر، والجن على الإنس والإنس على الجن، والذكر على الأنثى، وكل ذلك خاضع لقوانين الجملة العربية والأسلوب البليغ، وليس دائما للرتبة والمنزلة.
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 05:53 م]ـ
السلام عليكم
أخي الفاضل: لقد أثبت كلامي في شبكة الفصيح، فأرجو أن تعود لمشاركاتي، لكي ترى أن الكلام يعتمد على الرتبةكأساس في التقديم والتأخير، وأن الكلام يترتب بفعل قوة العلاقة والأهمية المعنوية، أو كما يقول الجرجاني: الكلام يأخذ بعضه بحجز بعض ويشتد ارتباط ثان منها بأول ... إلخ.
أما الأغراض أو الفوائد من التقديم والتأخير فهي كثيرة وخاصة عند البلاغيين، كالهدف المعنوي، والبلاغي، وأمن اللبس.
تحيتي لك.
ـ[حسين العدوان]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 09:23 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
...
بالطبع .. كان أبو بكر رضي الله عنه من أفصح الصحابة لساناً على الإطلاق .. وقد قرات له قصيدة في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم .. أظنها رائعة .. بل هي رائعة .. يقول الصديق رضي الله عنه:
أمست همومٌ ثقال قد تأوبني
مثل الصخور عظام هدت الجسدا
ليت القيامةَ قامت عند مهلكه
كي لا نرى بعده مالا ولا ولدا
ولست آسى على شيء فجعت به
بعد الرسول إذا أمسى ميتاً فُقدا
كانت هذه أبيات ثلاثة من قصيدة طويلة لأبي بكر رضي الله عنه ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[08 - 04 - 2010, 02:13 ص]ـ
الاهتمام في كلام سيبويه أعم من الاهتمام المجرد المذكور عند البلاغيين، ولذلك عطف عليه بـ (أعنى).
ثم إن التقديم عند البلاغيين قد يقسم إلى أقسام ترجعه كلها إلى الاهتمام؛ كما قال ابن الشحنة:
.... والتقديمُ ............. فلاهتمامٍ يحصل التقسيمُ
كالأصل والتمكين والتعجل ...... وقد يفيد الاختصاص إن ولي
نفيا ....
فالأصل والتمكين والتعجل والاختصاص كلها أغراض بلاغية تفصيلية ترجع إلى الغرض العام الذي هو الاهتمام.
والله أعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[12 - 04 - 2010, 11:35 ص]ـ
السلام عليكم
سلمت يمناك أخي الفاضل.(/)
سؤال: "فاتقوا الله في النساء" لماذا الفاء العاطفة
ـ[الزرنوقي]ــــــــ[29 - 03 - 2010, 04:08 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أيها الأخوة الأفاضل ممكن تساعدوني حول حديث النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة حيث قال: "فاتقوا الله في النساء" فالفاء هنا عاطفة وهذا يستلزم أن يكون الكلام عن النساء قبل ذلك ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث عن أمور الجاهلية مثل الدماء والربا
هل من مجيب جزاكم الله خيرا
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[29 - 03 - 2010, 05:43 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله
أخي الكريم: في عون المعبود: والفاء فصيحة وهو معطوف على ما سبق من حيث المعنى، أي اتقوا الله في استباحه الدماء ونهب الأموال وفي النساء
وفي مرقاة القاري: والفاء فصيحة قال الطيبي رحمه الله وفي رواية المصابيح بالواو وكلاهما سديد وهو معطوف على ما سبق من حيث المعنى أي اتقوا الله في استباحة الدماء وفي نهب الأموال وفي النساء(/)
من سورة النازعات
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 03 - 2010, 08:18 ص]ـ
ومن قوله تعالى:
(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى):
فمن خاف مقام الرب، جل وعلا، فاستحضر مقام ربوبية الجلال، فالخوف متعلق أفعاله، عز وجل، وأفعاله أثر صفات جلاله وقدرته، فنظر إلى أفعاله الجليلات في كونه بالإهلاك للمكذبين، والتنكيل بأعداء المرسلين أورثه ذلك لزوما: شفقة تحمله على نهي النفس عن الهوى، فذلك لازم الربوبية، فالتأله باجتناب المنهي عنه فرع عن استحضار مقام ربوبية الجلال التي عنها يصدر عذاب الرب، جل وعلا، فالعذاب أثر وصف جلاله في أعدائه، فينزل بكلماته الكونيات النافذة بساحة من خالف حكمه الشرعي، والنهي من جملته، فذلك جار على ما اطرد في التنزيل من التلازم الوثيق بين مقام الربوبية، فذلك فعل الرب، جل وعلا، ومقام الألوهية، فذلك فعل العبد، والنهي: أمر وجودي، مع كونه لازمه: الامتناع، فالامتناع عن ارتكاب المحظور: فعل يثاب عليه العبد، وذلك مما يشهد لقول من رجح أن الترك فعل، كما أشار إلى ذلك صاحب "المراقي"، رحمه الله، بقوله:
والترك فعل في صحيح المذهب ......
قال صاحب "الأضواء" رحمه الله:
"وهنا ما يشهد له الاستعمال العربي الصحيح، كما قيل في بناء المسجد:
لئن قعدنا والنَّبي يعمل ******* لذاك منا العمل المضلل
فسمي القعود عن العمل عملاً مضللاً". اهـ
يقول ابن القيم رحمه الله:
"فترك الإنسان لما نهى عنه ومعرفته بأنه ذنب قبيح وبأنه سبب العذاب فبغضه له وكراهته له ومنع نفسه إذا هويته وطلبته منه أمور وجودية كما أن معرفته بالحسنات كالعدل والصدق حسنة وفعله لها أمر وجودي والإنسان إنما يثاب على ترك السيئات إذا تركها على وجه الكراهة لها والامتناع عنها وكف للنفس عنها". اهـ
"شفاء العليل"، ص268.
فالعطف: عطف متلازمان، إذ استحضار مقام الربوبية على جهة الإحسان والمراقبة، فيخاف العبد مقام ربه الجليل العليم بمكنون الصدر، ذلك الاستحضار لازمه امتثال أحكام الرسالات: فعلا للمأمور وتركا للمحظور، وهو ما قد جاء النص عليه من باب ذكر التخلية من وصف السوء بكف النفس عن الهوى، فدلت هي الأخرى لزوما على التحلية للمحل بأوصاف الخير بعد تخليته من خلال الشر، فالترك، غير مراد لذاته، وإنما يراد لتخلية المحل فيقبل آثار التحلية بفعل الخير، فلازم التخلية من فعل الشر: التحلية بفعل الخير، وإنما يقدم ترك الشر من باب: درء المفسدة المقدم على جلب المصلحة.
فالشاهد أن العطف من عطف التلازم العقلي الوثيق، فاللازم وثيق الصلة بملزومه، إذ هو فرع عنه، فذلك من جنس عطف المعلول على علته، فهو، أيضا، فرع عنها، فالعلة تؤدي إلى معلولها، لزوما، فإذا صلح الباطن باستحضار مقام الرب، جل وعلا، خوفا، صلح الظاهر بالكف عن المنهيات، فذلك من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فالباطن يحدث أثره في الظاهر لزوما، فالبدن آلة لا تعمل إلا بأمر الروح الباطن، فإذا صلح القلب الذي هو مستودع التصورات والإرادات، ففيه القوة العاقلة التي تأتمر الجوارح بأمرها، فإذا صلح، صلحت سائر الأركان، وإن فسد فسدت سائر الأركان، كما أثر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذلك أصل في التمازج الدقيق بين الروح الباطن والبدن الظاهر، فأحكام هذا الدين قد استوفت كلتا القوتين: القوة الباطنة: معدن التصورات، والقوة الظاهرة: فهي ترجمة ما قام بالقلب من الإرادات التي لا يعلمها إلا الرب، جل وعلا، وإنما يظهر منها تبارك وتعالى، ما شاء، فبه يعرف طيب المحل من خبثه، مهما أخفى صاحبه فتجمل بما ليس به من خلال الخير فـ:
"ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه".
و: مهما تكن عند امرئ من خليقة ******* وإن خالها تخفى على الناس تعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
فليس ثم دين قد استوفى شطري القسمة الإنسانية: الشطر العلمي الباطن، والشطر العملي الظاهر، كدين الإسلام، فإن يهود، عباد المحسوس، قد غلبوا المحسوس على المعقول، فتراهم يعنون بأبدانهم وإن فسدت أرواحهم، فوسوستهم وتنطعهم في أمور الطهارة أمر معلوم، واحترازهم من مباشرة النجاسات إلى درجة الغلو، بتتبع آثار الدماء في العروق، وعدم مساكنة الحائض حال حيضها، وقطع ما أصابته النجاسة من ثيابهم ..... إلخ أمر مشهور، وهو حالٌ ليس حكرا عليهم بل لكل من أهمل شأن الروح وانتصر للبدن منها، من ذلك نصيب، فالعلمانية المادية التي تحكم الغرب الآن، وقد سرت عدواها إلى كثير من أبناء الشرق المسلم، هي صورة جديدة من صور تقديس المادة، وازدراء الأديان، فهي، بزعم أصحاب النظريات المادية، محض أوهام وخيالات تسرف في تعاطي الغيبيات، وتهمل أمر المحسوسات المدركات، والإسراف في تعاطي الغيب إلى حد الخرافة، وهو الجانب الآخر من طرفي الجور في هذه القسمة، وهو الذي غلب على النصارى، الذين جاءوا على ضد يهود، فانتصروا للأرواح من الأبدان، وألزموا أنفسهم بتصديق كل خرافة أو نبوءة أو منام فصار الدين سلسلة متصلة الحلقات من الأسرار المقدسة التي لا يعلم عنها أحد شيئا لأنها محض أوهام تمجها العقول الصريحة، والمعجزات المبتكرة حينا فهي من جنس خداع السحرة أو الحاصلة برسم الإهانة فهي من تلبيس الشيطان وإن ظن صاحبها أنها كرامة من الرحمن كما يقع لكثير من غلاة الإسلاميين الذين ساروا على خطة النصارى في تتبع الخرافات والتهويل من الخوارق فصارت هي دليل صحة الدعوى الدينية وإن كانت مخالفة للأدلة العقلية الصريحة،
وهو ما مكن للعلمانية في الغرب لما ضاق الناس ذرعا بتسلط الكنيسة فانقلبوا عليها وكفروا بدينها وصيروا هواهم المعبود الأول برسم: الحكم المطلق للشعب بعد أن كان الحكم المطلق للكنيسة التي عبدت الناس لها فقابلها أولئك بتعبيد الناس لأهوائهم فاستبدلوا شرا بشر.
والشاهد أن النصارى ومن سار على طريقتهم من الغلاة في الزهد والرياضة فهم ورثة النصارى: لم تسلم نفوسهم مما أصاب يهود ومن سار على طريقتهم من أصحاب المذاهب المادية كالعلمانيين فهم ورثة يهود، فلم يسلم الأولون مما وقع فيه الآخرون: من آثار معركة خاسرة تستهلك قوى الإنسان بفرض ما لا وجود له من الصراع بين الروح والبدن، فلا يمكن أن يتفقا أبدا، فتلك معركة من جنس معركة النقل والعقل، فقد افترض من افترض من المتكلمين وقوع التعارض بين الوحي: محرك الباطن، والعقل: محرك الظاهر، فالمعركة في حقيقتها ترجع إلى الأصل الأول: تعارض الباطن المعقول والظاهر المحسوس، ففرض الآخرين من فرض الأولين وإن اختلفت النتيجة فـ: صراع متوهم بين قوى الإنسان التي أودعها الرب، جل وعلا، فيه لتتكامل لا لتتناقض، فيهدم بعضها بعضا، وينتصر لبعضها من بعض، فيعيش الإنسان صراعا محتدما بين باطنه الطالب للمعاني المعقولة، وظاهره الطالب لِلَّذَّاتِ المحسوسة، فيقع ما وقع من انتصار يهود وورثتهم للظاهر وانتصار النصارى وورثتهم للباطن، فالأولون: ماديون ملحدون يبطلون دلالة الوحي على الغيب فلا يؤمنون إلا بما تدركه حواسهم في عالم الشهادة، والآخرون: روحانيون خرافيون، فيبطلون دلالة الحس في عالم الشهادة انتصارا للغيب ولو كان خرافة أو وهما لا حقيقة له.
وبينهما: الدين الخاتم الذي أزال ذلك التناقض المتوهم بين الباطن والظاهر، فلكل نصيبه المفروض من أحكام الديانة، فالأخبار غذاء الروح، والأحكام غذاء البدن، وكلاهما من مشكاة النبوات قد صدر، فالنبوة، كما تقدم مرارا، هي معدن صلاح الباطن بالأخبار الغيبية اليقينية من: إلهيات تغتذي بها الأرواح فالعلم بأسماء وأوصاف الرب، جل وعلا، هو أشرف أجناس الأغذية الشرعية، ونبوات بها يعرف الحق من الباطل فهي أجل نعم الرب، جل وعلا، على خلقه، وسمعيات بها يعرف كل مآله بعد الموت فذلك سؤال يلح على كل ذهن، ولا إجابة له إلا عند الأنبياء عليهم السلام، وصلاح الظاهر بالأحكام الشرعية العملية.
فمن نهى النفس عن جنس الأهواء فـ: "أل" في الهوى: جنسية استغراقية لعموم الأهواء علمية كانت أو عملية، فـ: إن الجنة: فذلك جواب الشرط، و: "أل" في: "الجنة" أيضا: جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه من الجنان، فهي جنان كثيرة لا جنة واحدة، كما أثر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالجزاء من جنس العمل، فمن نهى نفسه عن عموم الأهواء فإن عموم الجنان بما تحويه من صور النعيم المتكاثرة فلا يحصيها محص ولا يعدها عاد: هي مأواه، فضمير الفصل: "هي": توكيد آخر بعد تصدير الجواب بالمؤكد الناسخ: "إن" فضلا عن تعريف الجزأين: "الجنة" و: "المأوى"، فهي مأواه لا غيرها، فالقصر حقيقي، و: "أل" قد نابت عن الضمير في قول الكوفيين وبعض البصريين وكثير من المتأخرين، كما أشار إلى ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب"، (1/ 76)، فهي المأوى تكافئ: هي مأواه، وإنما امتنع اجتماعهما لئلا يتوارد على اللفظ معرفان: التعريف بـ: "أل" والتعريف بالإضافة إلى الضمير، ومن منع فإنه يقدر محذوفا يقدر فيه الضمير من قبيل: فهي المأوى له، فتكون المسألة عنده من باب الإيجاز بالحذف لدلالة السياق على المحذوف، وذلك أمر قد اطرد في التنزيل، فهو دليل من أدلة بيان الكتاب العزيز للمعاني بأبلع وأوجز المباني.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الخلوفي]ــــــــ[30 - 03 - 2010, 06:01 م]ـ
بارك الله فيك أخي الحبيب مهاجر وزادك علما وعملا
ـ[عبد الله إسماعيل]ــــــــ[01 - 04 - 2010, 08:48 ص]ـ
شكرا على جهودكم ........(/)
من قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 03 - 2010, 07:55 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
فذلك من خطاب المواجهة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيعمه ويعم أمته معه لانتفاء دليل الاختصاص، فالأصل في خطابات الشارع، جل وعلا، العموم، فتشمل سائر المكلفين، والأمر فيه: للإرشاد ولا يخلو من معنى الوجوب، فملازمة جماعة المؤمنين أمر واجب، كما في حديث حذيفة، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ"، وقد تعدى فعل الصبر بـ: "مع" لتضمينه معنى الإلزام، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فآل المعنى إلى: ألزم نفسك المكث والبقاء مع الذين يدعون ربهم، فجاء التعريف بالموصولية مئنة من تعليق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة: وهو دعاء الرب، جل وعلا، على جهة الدوام، فذلك مما يدعو العاقل المسدد إلى ملازمتهم على جهة الدوام، أيضا، فديمومة الملازمة فرع عن ديمومة صلاح الحال بدعاء الرب، جل وعلا، فجانبهم مأمون في كل وقت فلا يخشى المخالط لهم على إيمانه من أن ينتقص بشبهة أو شهوة، وتعلق فعل الدعاء بوصف الربوبية، لكونه مظنة الثناء أو المسألة، وكلاهما لا يكون إلا للرب، جل وعلا، فله ربوبية الكمال بأوصاف الجلال والجمال، وله ربوبية العناية والتدبير فيعطي ويمنع، فعنده مفاتح الرزق فغيره محض سبب يسوق به الرب، جل وعلا، الرزق إلى صاحبه، فيأخذ به المكلف على جهة التعبد لله عز وجل بما أمر به من تحصيل الأسباب الشرعية والكونية.
وبعد الأمر بصبر النفس مع أهل الطاعة فذلك جانب الفعل، وعلى ما اطرد من دلالة العقل على لزوم الأمر بالشيء: النهي عن ضده، جاء النهي عن طاعة أهل الغفلة:
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا:
فذلك، أيضا، من خطاب المواجهة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمراد به أمته لمكان عصمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو هو من خطاب الإرشاد والتحذير فلا يلزم منه وقوع الفعل، وإنما ذلك بمنزلة التوقي والصيانة من أسباب المرض، فـ: لا تطع من أغفلنا قلبه: فذلك من فعل الرب، جل وعلا، فيقضي كونا على قلوب بالغفلة، فذلك مقتضى عدله، كما قضى على قلوب أخرى باليقظة، فذلك مقتضى فضله، فالعباد بين فضله وعدله دائرون، وجاء الفعل مسندا إلى ضمير الفاعلين مئنة من كمال قدرة الرب الجليل، تبارك وتعالى، فالقلوب بين أصبعيه، يقلبها كيف شاء، فإن شاء أغفل القلوب وأمات الضمائر، وإن شاء أيقظ الهمم وأحيى العزائم، فكل حركة باطنة أو ظاهرة لا تصدر إلا عن كلماته الكونيات التي يدبر بها أمر كونه، وإغفال القلب إنما يكون بالشبهات التي تغزو جانبه العلمي، أو الشهوات التي تغزو جانبه العملي، فيجهل العواقب لعارض الشبهة أو الشهوة الوارد، فهو مظنة فساد التصور العلمي والإرادة العملية، فكلاهما مئنة من الجهل، سبب الغفلة الرئيس، فلو علم الإنسان عاقبة غفلته ما استرسل فيها، وإنما زين الله الشيطان شبهة عقلية أو شهوة نفسانية فأعمت بصيرته وحجبت عن قلبه نور الهداية الشرعية، فلم يصر أهلا للهداية الكونية: هداية التوفيق والإلهام، فما ضل عن الأمر الشرعي إلا بالأمر الكوني الذي قضى عليه بالضلال فمحله غير قابل لآثار الوحي النافع، بل هو على ضد ذلك: محل قابل لآثار الوحي الضار من وساوس الشيطان وخطراته.
(يُتْبَعُ)
(/)
والنهي عن طاعة الغافل، وقد جاء التعريف بالموصولية مئنة من العموم، سواء أكانت غفلته علمية بشبهة وهي الأخطر والأولى بالحذر والاجتناب فإن كثيرا من أرباب الشبهات يلبسون على الناس بترفعهم عن الشهوات ففيهم زهاد وفيهم عباد وفيهم علماء قد فتنوا بعلومهم وفيهم أدباء قد فتنوا بآدابهم فألسنتهم بليغة وإن كانت مسالكهم قبيحة وفيهم قادة يجيدون فن خداع الجماهير بالخطب الرنانة والشعارات الطنانة وفيهم وفيهم ..... ، أم عملية وهي أهون، وإن كانت شرا محضا ففساد أصحاب الشهوات ظاهر لكل ناظر إلا إن كان قد عدم البصيرة ففسدت فطرته الآدمية فصار القبيح عنده حسنا وغالبا ما يجتمع الأمران في المحل الفاسد فيبعد ألا تقترن الشبهة بشهوة، ففساد العلم مظنة فساد العمل، للتلازم الوثيق بينهما، وإن غلب نوع على نوع، ففساد التصور أظهر في حال الشبهة، وفساد الإرادة أظهر في حال الشهوة، والشاهد أن النهي عن طاعتهم لما يلزم منها من وقوع المطيع في غفلة مماثلة، فالمرء على دين خليله، والدين مادة تدل على الطاعة، فمن أطاع غيره في أمر فهو على دينه، ويزداد الأمر سوءا إن كانت طاعته برسم العبودية سواء أظهرها أم أبطنها، فيطيعه وإن خالف أمره أمر الوحي الشارع، كما يقع من الغلاة في الأحبار والرهبان، فذلك ملمح أصيل في دين الكتابيين تابعه عليه فئام من الإسلاميين برسم الغلو في الأئمة أو الصالحين، بل تعدى ذلك إلى السياسات، فصار كثير يقدم طاعة أصحاب السياسات الملوكية الجائرة، فيسمع ويطيع لأمراء الجور فيما لا طاعة لهم فيه من المعاصي والآثام، وربما كانت معاص جساما، كما هو حال كثير من متملكة هذا الزمان، فيسمع التابع ويطيع برسم الاختيار فليته كان مضطرا، بل هو راض مختار، بل كثير من حواشي السوء التي تحيط بالعروش، تزين للجالسين عليها ما هم عليه من الجور، فزواله بالعدل الذي قامت به السماوات والأرض يذهب مكاسبهم ورياساتهم فهم كالخفافيش التي لا تعيش إلا في الظلام، فتتقصى مواضعه وتجتنب مواضع النور، فلسان حالها: ليت الزمان كله ليل، فكذلك أولئك لا يروق لهم أن تشرق شمس النبوات التي تبدد ظلمة جورهم، فحيث كانت نبوة فلا جور، وحيث لا نبوة فالجور حتم لازم، وحيث وجدا تصارعا، فانتقص كل منهما من الآخر، وصارت الدولة لأيهما غلب، فرافد خير ورافد شر، والظهور لمن عظم قدره وغلب وصفه، كالماء الطاهر إن لاقى نجاسة، فالحكم لمن غلب وصفه.
وذلك أمر يجري على الأفراد والجماعات فذلك الصراع يدور داخل كل قلب، وداخل كل أسرة، وداخل كل مصر، وداخل كل أمة، فهو صراع محتدم من لدن وسوس إبليس إلى آدم عليه السلام وحتى تقوم الساعة.
والإضافة في ذكرنا: تحتمل إرادة فعل العبد من ذكر الرب، جل وعلا، بالتسبيح والتهليل .... إلخ فتكون من باب: إضافة المصدر إلى المفعول فالرب، جل وعلا، فيها هو المذكور بالثناء الجميل، وتحتمل إرادة فعل الرب، جل وعلا من كلامه، وهو التنزيل، فالكتاب العزيز هو الذكر الحكيم فتلك جهة إضافته إلى الرب الكريم، تبارك وتعالى، فتكون الإضافة من باب: إضافة المصدر إلى الفاعل، فالرب هو الذي تكلم بالذكر الحكيم فذلك من وصف فعله المتعلق بمشيئته، فتكلم بكلمات الوحي لما شاء، فـ: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)، لكمال قدرته وحكمته، ولا مانع من حمل الذكر في هذا السياق على كلا المعنيين، بل كلاهما يعم الآخر من وجه، ففي الأذكار آيات، وفي الآيات أذكار، كدعاء الأنبياء عليهم السلام، فحمل السياق على كليهما مما يثريه بتوارد المعاني الصحيحة عليه.
فالذكر في هذا السياق كالذكر في قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي)، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في رسالة "مقدمة أصول التفسير".
وعطف اتباع الهوى على إغفال القلب: عطف لازم على ملزومه، فالاقتران بينهما وثيق، فإن القلب إذا غفل فسد تصور وإرادة الإنسان فاتبع هواه لجهله بمواضع الحق، فاتباع الهوى مسلك عملي فاسد تولد من الغفلة فهي المسلك العلمي الفاسد، على ما اطرد مرارا، من التلازم بين فساد الباطن العلمي والظاهر العملي، فالهوى الظاهر مئنة من الغفلة الباطنة.
ثم جاء التذييل بالتوكيد على فساد أمره مصدرا بفعل الكون: (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)، فذلك آكد في تقرير المعنى وزيادته فهو مئنة من تمكنه من صاحبه، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فاتصافه به مستمر على ما اطرد من كلام النحاة في دلالة الكون الماضي على دوام اتصاف اسمه بخبره، ولا يمنع ذلك من دوام اتصافه به في الحاضر والمستقبل وإلا ما صح التحذير والتنفير منه، فتكون: "كان" على هذا الوجه: مسلوبة الدلالة على الزمان الماضي، فذلك من قبيل قوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)، فأفاد التوكيد على اتصاف الرب، جل وعلا، بأوصاف كماله أزلا، ولم يدل على انتفاء الوصف عنه، تبارك وتعالى، في الحاضر أو المستقبل، بل له الكمال المطلق: أزلا وأبدا.
والله أعلى وأعلم.(/)
من قوله تعالى: (وهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 04 - 2010, 08:47 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا):
فذلك من الإطناب بتكرار الضمير: "هو" على جهة التوكيد ولطول الفصل بالآية السابقة: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا)، فحسن التكرار من هذا الوجه، وجاء التعريف بالموصول على ما اطرد من تعليق الحكم بالوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة، وإرساله الكوني للرياح، من وصف فعله الذي يتعلق بمشيئته، فمتى شاء أرسل الرياح رحمة، ومتى شاء أرسل الريح عذابا، فمادة الإرسال تنقسم إلى:
الإرسال الشرعي: وأبرز صوره إرسال الرسول الملكي إلى الرسول البشري بكلمات الوحي الشرعية، وذلك لا يكون إلا رحمة بداهة فـ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). فيرسل الرب، جل وعلا، الرسول الملكي إلى الرسول البشري، والرسول البشري إلى الجماعة الإنسانية برحمة النبوة، فهو الذي يرسل الوحي بشرا بين يدي رحمته من الهداية الشرعية التي يصلح بها أمر الدين والدنيا.
والإرسال الكوني: وهو إما أن يكون بالرحمات، كما في هذه الآية، والرحمة هنا هي المطر، فهي قسيمة الرحمة الشرعية: رحمة النبوات، إذ بالنبوات تحيى الرواح، وبالماء تحيى الأبدان، فالماء سبب الحياة الرئيس كما قد جاء في التنزيل: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).
وإما أن يكون بالعذاب فذلك النوع الثاني من الإرسال الكوني، فهو من قبيل: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ).
فالإرسال الشرعي ليس إلا نوعا واحدا، وليس له إلا وصف واحد هو وصف الخير والرحمة، فهو رحمة للموافق والمخالف، فمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو خاتم رحمات النبوة، كان رحمة للموافق الذي نعم بأمان: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، ورحمة للمخالف الذي نعم بأمان: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)، فلم يعذب من جاوره ببدنه، فلما تحول عنهم إلى يثرب أنزل بهم إله الحق العذاب يوم بدر، ويوم الأحزاب، وأظهر عليهم نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الفتح بل لم يعذب من جاور أتباعه، فمتى بقي ذكره في الأرض، بوصفه المبلغ عن الرب، جل وعلا، فبقاء ذكره بقاء لذكر مرسِله، جل وعلا، إذ ذكره به مقرون، فتلك شهادة الحق بتوحيد المرسِل، جل وعلا، وتوحيد الاتباع لمن أرسله بالشريعة الخاتمة، فهذان شرطا كل عمل صالح: فإخلاص بتوحيد المرسِل، جل وعلا، فلا شرك في الملة، ومتابعة بتوحيد الاتباع باقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا إحداث ولا ابتداع في النحلة، فبقاء ذكر الرب، جل وعلا، مادة صلاح هذا الكون، ولا يكون ذلك إلا ببقاء آثار النبوة، ولا أثر لنبوة صحيحة من لدن بعث صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلا النبوة الخاتمة، فبقاء ذكرها، عند التدبر والنظر، مادة صلاح هذا الكون، وهذا أمر يصدقه الحس، فلا تظهر أعلام النبوة في عصر أو مصر إلا كان الخير والبركة، فـ: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، ولا تخفى أعلامها فتندرس أو تكاد، كما هو الحال في كثير من الأمصار في زماننا، إلا عم الفساد والشر، وإن كان لأهلها حظ وافر من عرض الدنيا الزائل، فإنه على رسم: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)، والمجتمعات المترفة في زماننا لا سيما التي ليس لها من النبوة نصيب، ولو بمجرد النسبة، تلك المجتمعات حبلى بالأزمات الإنسانية والأخلاقية، فليس لها من غذاء الروح،
(يُتْبَعُ)
(/)
بالوحي الصحيح المنزل: نصيب، وإن كان لها من غذاء البدن أوفره.
وجاءت الرياح مجموعة مئنة من تعدد المنافع، فذلك أبلغ في تقرير المنة الربانية على النوع الإنساني، فرياح تسوق السحاب، وأخرى تسوق الفلك، وثالثة تلقح النبات، فـ: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)، والتلاقح هنا يحتمل تلاقح السحاب بقرينة عطف إنزال الماء عليه بفاء تفيد التعقيب ولا تخلو من معنى السببية، ويحتمل تلاقح النبات بحمل الرياح لحبوب اللقاح .... إلخ، فتتعدد أنواعها بتعدد منافعها، فهي كالبشير الذي يتقدم بالخبر المفرح تعجيلا بالمسرة، فتتقدم الرياح المطر بشرا بين يديه، فذلك من التشبيه التمثيلي، إذ انتزع صورة مركبة من البشير حال وفوده بالبشرى لصورة الرياح حال هبوبها توطئة لقدوم الغيث: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ).
وقرأ الجمهور: (نُشُرا) بضم النون والشين: فذلك مما يلائم التذييل بوصف النهار بالنشور في الآية السابقة: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، إذ فيه تبعث الأجساد من مراقدها، فكذلك الماء الذي تسوقه الرياح إذ به تبعث قوى الحياة في الزرع النابت من الأرض، وكل ذلك إنما سيق للدلالة على إمكانية بعث الأجساد، فالبعث من الموتة الصغرى مئنة من البعث من الموتة الكبرى، وإحياء الأرض الموات بزرع كان عدما فوجد مئنة من إعادة نشر الأجساد، فإن الإعادة لموجود سلفا أهون من إبداع المخلوق من العدم ابتداء، فيكون ذلك من قبيل قياس الأولى، على ما اطرد من دلالات التنزيل العقلية في إثبات القضايا الكلية، فالتنزيل: أخبار صحيحة ودلائل عقلية صريحة.
وأضيفت الرحمة إليه، جل وعلا، عناية بشأنها، فذلك من إضافة المخلوق إلى خالقه على جهة العناية والتنويه بالذكر، أو هي رحمته التي هي وصفه الذاتي، فتكون الإضافة من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، ويكون المراد حينئذ: أثرها، فالصفة الربانية غير مخلوقة بداهة، وآثارها في الأرض من الرحمات الكائنة بالكلمات التكوينية النافذة: مخلوقة، فكل نعمة في الكون هي أثر من آثار صفات جماله، كما أن كل نقمة فيه هي أثر من آثار صفات جلاله تبارك وتعالى.
والرحمة كما تقدم في مواضع سابقة مادة تقبل الانقسام إلى:
وصف الذات الرباني فهو غير مخلوق.
وآثاره في دار الابتلاء: فهي مخلوقة كما تقدم.
وآثاره في دار الجزاء: فالجنة رحمته جل وعلا.
ورحمة النبوة: وهي أعظم الرحمات المنزلة إلى النوع الإنساني، كما تقدم مرارا، وهي بالنظر إلى مادتها، وهي الكلمات الشرعية الحاكمة: غير مخلوقة، فكلمات الرب، جل وعلا، من أوصاف ذاته القدسية، وبالنظر إلى المرسَل بها وهو الرسول الملكي فالرسول البشري: مخلوقة، فكل ما سوى الله، عز وجل، مخلوق بداهة.
فتتنوع دلالة مادة: "الرحمة" تبعا لتنوع مواردها، فلكل مورد معنى يعينه السياق الذي يرد فيه، على ما تقدم مرارا من دلالة السياق على المعنى المراد.
ثم جاء الالتفات من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم المجموع على جهة التعظيم في مقام الامتنان بإنزال ماء الحياة من السماء:
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا: فذلك من الإنزال الكوني في مقام الامتنان بالنعمة الكونية، والإنزال كالإرسال سواء بسواء:
فمنه الإنزال الكوني: على جهة النعمة وأظهر صوره: إنزال الغيث كما في هذا السياق.
(يُتْبَعُ)
(/)
أو على جهة النقمة، وأظهر صوره نزول العذاب، كما في سياق قوله تعالى: (فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، فالمادة واحدة، والسياق هو الذي يعين المعنى المراد، فمادة النزول المطلق: جنس أعلى تندرج تحته أنواع من النزول المقيد: كونية كانت أو شرعية، والنزول الكوني بالنظر إلى ما تحته من الخير أو الشر: جنس أعلى هو الآخر، وإن كان جنسا أدنى بالنظر إلى النزول المطلق، فيندرج تحته الخير أو الشر، فهو جنس أعلى لهما من هذا الوجه، ويندرج هو تحت النزول المطلق، فهو نوع من أنواعه، فيكون جنسا لما تحته، نوعا لما فوقه، على ما اطرد من كلام أهل النظر والأصول في تعريف العموم والخصوص، وتفاوت مراتبه، فالعموم والخصوص: درجات متفاوتة: أوسعها: العام الذي لا أعم منه كعموم الشيء، وأضيقها: الخاص الذي لا أخص منه، كزيد أو عمرو من نوع الإنسان فهو فرد بعينه لا يقبل معناه الانقسام فلا أخص منه، وبين هذين الحدين: درجات متفاوتة من العموم والخصوص، فذلك جار على أصول النظر الصحيح، ويؤيده الوحي الذي تصرف في مواد اللسان العربي إطلاقا أو تقييدا، فاللفظ المطلق، كلفظ الإنزال المطلق: محل البحث، بما يرد عليه من القيود: يدل على معان تتباين بتباين تلك القيود، فمنه كما تقدم: كوني وشرعي، يأتي بيانه، ومنه خير وشر، ومنه إنزال لمشروب كالماء، أو مطعوم كالمن والسلوى وما نزل على أصحاب المائدة.
ومنه الإنزال الشرعي: على جهة النعمة، ولا يكون، أيضا، إلا خيرا، فمتعلق الشرع خير كله، بخلاف متعلق الكون فإنه يحتمل الخير إن تعلق بالإرادة الشرعية الخاصة فهي مئنة من المحبة والرضا، ويحتمل كل كائن في هذا العالم: خيرا كان أو شرا إن تعلق بالإرادة الكونية العامة فهي مئنة من القدرة الربانية النافذة.
وابتداء غاية الإنزال من: السماء: وهي كما تقدم في مواضع سابقة تحتمل، أيضا، أكثر من معنى، فتحتمل الدلالة المعجمية المطلقة فكل ما علا الإنسان سماء له، فينزل المطر من جهة الأعلى بداهة، وتحتمل الدلالة العرفية المقيدة على السماء المخلوقة التي تظل الأرض، فالمطر ينزل منها فذلك، أيضا من جملة العلوم الضرورية البدهية، وتحتمل السحاب، فيكون ذلك من ذكر المحل وإرادة الحال فيه، وتحتمل الدلالة على عين النازل وهو المطر كما في حديث زيد بن خالد الجهني، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ"، والسياق، كما تقدم، هو الذي يعين مراد المتكلم، فالسياق هنا يحتمل المعاني الثلاثة الأُوَل دون المعنى الرابع، ودلالته على المعنى الأول والثاني: أظهر، ودلالته على المعنى الثاني تحديدا وهو السماء المخلوقة: أظهر، فهو الذي يتبادر إلى ذهن أي مخاطب ما لم تدل قرينة معتبرة على غيره.
وأطلق الماء: "ماء" في معرض الامتنان، فذلك مئنة من الكثرة، ووصف بالطهور إمعانا في بيان وجوه النعمة، فالمبالغة، وهي زيادة في مبنى اللفظ، على وزان: فلان صبور، أي كثير الصبر، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، تلك المبالغة بالعدول عن صيغة فاعل إلى صيغة فعول: زيادة في المعنى فهو طاهر في نفسه، فذلك وصفه اللازم، مطهر لغيره، فذلك وصفه المتعدي، فيباين الطاهر في نفسه الذي خالطه ما غلب على اسمه كماء الورد والزعفران، فذلك لا يطهر غيره كما قرر أهل الفقه في باب المياه من كتاب الطهارة، فامتن الرب، جل وعلا، على عباده بإنزال الماء الطهور المطلق، وجاء التعقيب بوجوه الانتفاع به إمعانا في تقرير النعمة الربانية:
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا: فاستعير وصف الحياة والموت، للري فهو سبب حياة الأرض بالنبات، والجفاف فهو سبب هلاك الزروع.
(يُتْبَعُ)
(/)
وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرا: فنكرت الأنعام مئنة من التكثير، فالسقي بالماء يعم سائر أجناس الأنعام، فذلك جار ما تقدم مرارا من دلالة عموم النعمة على عظم المنة بها، وعطف عليها البشر على جهة التكثير، فذلك من إيجاز التنزيل بحذف الوصف الأول والاكتفاء بالوصف الثاني على ما اطرد في لسان العرب من الاكتفاء بالقيد الواحد، فتقدير الكلام بذكر القيدين: أنعاما كثيرة وأناسي كثيرا، فاستغنى بالتنكير الدال على الكثرة لقرينة سياق المنة التي يناسبها التكثير لأعداد المنتفعين بالمنة الربانية بإنزال الماء، استغنى به عن النص على القيد، فضلا عن دلالة القيد الثاني على القيد الأول، فذلك كما تقدم من صور إيجاز الحذف لما يدل عليه المذكور في السياق، وإن جاء على خلاف المطرد في لسان العرب بحذف المتأخر لدلالة المتقدم عليه لا العكس كما هو الحال على هذا التقدير، فيستغنى عن ذكر المحذوف خشية التكرار المعيب، ويقال من جهة أخرى بأن: الإطناب بذكر أصناف المنتفعين، فنص على الأنعام ثم على البشر، آكد، أيضا، في تقرير المنة الربانية بحصول عموم الانتفاع بالماء النازل من السماء.
ثم جاء التذييل بعلة أخرى من علل الامتنان بهذه النعمة الربانية السابغة التي عمت سائر أجناس الخليقة: ناطقها وأعجميها:
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا: فجاء التوكيد بـ: "قد" ولام القسم، وجاء فعل التصريف منسوبا إلى ضمير الفاعلين على ما تقدم من إرادة التعظيم في سياق الامتنان، والتصريف، أيضا، مادة كلية تقبل الانقسام إلى:
التصريف الكوني: فيكون الضمير عائدا على المطر، فصرف بين البشر، فذلك فعل الربوبية: ليذكروا، والتذكير بتقصيرهم في شكر هذه النعمة الربانية، فيحملهم ذلك على المقاربة والتسديد في امتثال أحكام الألوهية فذلك لازم فعل الربوبية بالإيجاد والإعداد لقوى الحياة والإمداد بأسبابها وأظهرها الماء فهو سبب الحياة الأول كما تقدم من قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ)، والتذكير، أيضا، بإمكان وقوع البعث على ما تقدم من دلالة قياس الأولى، فالإخراج من العدم أهون من إعادة الخلق السابق. والسياق يحتمل كلا المعنيين، فالتذكير بكليهما يزيد المعنى ثراء، بتوارد أكثر من معنى صحيح على سياق لفظي واحد.
وذلك جار على ما تقدم مرار من التلازم الوثيق بين أفعال الربوبية وأحكام الألوهية.
والتصريف الشرعي: فيكون الضمير عائدا على الكتاب العزيز، كما روي عن عطاء الخراساني وصدر به القرطبي، وصدر الزمخشري بما يقرب منه، كما ذكر ذلك صاحب "الأضواء" رحمه الله، فذلك من عود الضمير على غير مذكور، فيصرف الرب، جل وعلا، الآيات الشرعية بالوعد والوعيد والتذكير بالآيات الكونية والبيان للأحكام الشرعية، والسياق شاهد للمعنى الأول، فالأصل عود الضمير على مذكور تقدمه، وإن كان المعنى الثاني صحيحا، فحمل السياق على كلا المعنيين، جائز لعدم وقوع التعارض بينهما.
فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا: فذلك معنى شهدت له مواضع من التنزيل من قبيل قوله تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، فذلك جار مجرى التوكيد، وبينته مواضع أخر، من قبيل قوله تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "الأضواء" رحمه الله، فتجعلون شكركم لنعمة المطر: نسبته إلى غير الله، عز وجل، على جهة الاستقلال بالتأثير، فتقولون: مطرنا بنوء كذا، كما تقدم من حديث زيد بن خالد، رضي الله عنه، مرفوعا وقد تقدم: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ
(يُتْبَعُ)
(/)
كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ". فيكون ذلك من بيان مجمل التنزيل بالتنزيل.
وقد جاء ذكر الإرسال هنا ماضيا: (أَرْسَلَ الرِّيَاحَ) فذلك مئنة من وقوع الفعل فهو مما شاهدته كل عين ووعاه كل عقل، فيكون ذلك آكد في بيان المعنى وتقريره، أو يكون ذلك من استعارة الماضي للمضارع، على وزان قوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)، أي: سيأتي بقرينة: (فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) فهي دليل على عدم وقوعه فلما يقع بعد، فأرسل، أي أرسل في الماضي وسيرسل حتما في المستقبل لاطراد السنة الكونية فيكون الماضي، كما تقدم، مئنة من توكيد الفعل الرباني بإرسال السحاب.
وجاء في سورة الأعراف على حد المضارعة: (يُرْسِلُ الرِّيَاحَ) فيفيد الاستمرار والتجدد من وجه، واستحضار الصورة من وجه آخر، فيكون السياقان قد استوفيا الزمان كله: ماضيه وحاضره ومستقبله، فيلتئم بذلك معنى الآيتين ويكتمل بضمهما الاستدلال، على ما اطرد من كلام المحققين من أهل العلم من جمع أدلة الباب لتكتمل بذلك صورة الاستدلال.
وآية الأعراف: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، من وجه آخر مبينة لمجمل آية الفرقان، فقد انتقلت آية الفرقان من إرسال السحاب إلى نزول المطر مباشرة بينما فصل ذلك في آية الأعراف، فإنشاء للسحاب وسوق له إلى البلد الميت ثم إنزال للماء فإخراج للثمرات، فيكون ذلك، أيضا، من تبيين مجمل التنزيل بالتنزيل، وهو مما يؤكد مجددا على ضرورة جمع أدلة المسألة فذلك مظنة الإصابة.
فالرب، جل وعلا، يحدث في كونه من صور الإرسال الكوني للرياح أو الأمطار ...... إلخ ما شاء، وذلك الإحداث مئنة من كمال قدرته وعموم مشيئته، فذلك من أظهر الأدلة على توحيد ربوبيته، ولا يكون ذلك إلا لمن اتصف بصفات الكمال: جلالا فهو القدير الفعال لما يريد، وجمالا فهو العليم الحكيم الخبير، فذلك توحيده بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فعنه يصدر كمال توحيده بأفعال الربوبية، فمتى صح علم العبد من هذين النوعين من التوحيد تولد منه لزوما صحة عمله بتوحيد الرب، جل وعلا، بأفعال التأله، فاكتمل له التوحيد: علما بأسماء الرب، جل وعلا، وصفاته وأفعاله التي هي أثر صفات كماله، وعملا بفعله تألها لذلك الإله الكامل، وتلك هي كبرى المسائل، بل ما خلق العالم إلا لتقريرها، فهذه الآيات مع وجازة عبارتها قد استوفت هذا المعنى الجليل، وكذلك كل سياق وردت فيه الإشارة إلى كمال الرب، جل وعلا، إيجابا وإرشادا إلى وجوب إفراده بالألوهية، فذلك، هو قياس العقل الصريح، فإن من له كمال الصفات على جهة الإطلاق، ومن له كمال الأفعال على جهة الإتقان في مقابل خلو غيره من تلك الأوصاف والأفعال، فهو المنفرد بها، فلا بد أن يكون هو الإله الحق الذي يفرد بكل صور التعبد المعقولة والمحسوسة، الباطنة والظاهرة، فلا يخشى إلا هو، ولا يسجد إلا له، ولا يرد نزاع إلا إلى شريعته فكل شرائع الوضاعين في هذا الباب باطلة فبطلانها من جنس بطلان أحاديث الوضاعين في باب السنة، ويكاد أثر هذا التلازم الوثيق بين الربوبية والألوهية يظهر أثره في كل موضع من التنزيل.
والله أعلى وأعلم.(/)
التحليل البلاغي لسورة الأحزاب
ـ[طالبة آداب]ــــــــ[03 - 04 - 2010, 04:45 م]ـ
السلام عليكم
اريد من فضلكم التحليل البلاغي لسورة الاحزاب ضروري الله يرحم والديك.
ـ[البهاء زهير]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 01:19 ص]ـ
تحية طيبة
ماذا تعنين بالضبط بقولك التحليل البلاغي لسورة الأحزاب
الطلب غير محدد
أرجو التحديد ربما أستطيع المساعدة(/)
لييتكم تجيبون سؤالي؟
ـ[فلسطينية للابد]ــــــــ[03 - 04 - 2010, 08:15 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي يقول
من الاغراض البلاغية التي يخرج اليها النهي (الائتناس)
فما معنى الائتناس؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وجزيتم كل خير مع تحيات اختكم المغامرة في حب الله ورسوله فلسطينية للابد
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[03 - 04 - 2010, 09:31 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي يقول
من الاغراض البلاغية التي يخرج اليها النهي (الائتناس)
فما معنى الائتناس؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وجزيتم كل خير مع تحيات اختكم المغامرة في حب الله ورسوله فلسطينية للابد
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
أختي الحبيبة والغالية: فلسطينية للأبد
أهلا وسهلا بكِ / سؤالك أختي العزيزة خاص بقسم البلاغة
ولكن سأحاول أفيدك بما أعرف:
سأضرب لكِ مثالا من القرآن:
قوله تعالى: (لا تحزن إن الله معنا) الغرض البلاغي من النهي هنا الائتناس بمعنى هو بث الطمأنية والأنس والتسلية.
والله أعلم.
ودمتِ موفقة ومسددة(/)
ياريت تجاوبوا على سؤالي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ـ[فلسطينية للابد]ــــــــ[03 - 04 - 2010, 08:16 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي يقول
من الاغراض البلاغية التي يخرج اليها النهي (الائتناس)
فما معنى الائتناس؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وجزيتم كل خير مع تحيات أختكم المغامرة في حب الله ورسوله فلسطينية للابد
ـ[أبو عبد الفتاح]ــــــــ[03 - 04 - 2010, 10:09 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي يقول
من الاغراض البلاغية التي يخرج اليها النهي (الائتناس)
فما معنى الائتناس؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وجزيتم كل خير مع تحيات أختكم المغامرة في حب الله ورسوله فلسطينية للابد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لعلك تقصدين أخيتي (الالتماس) والالتماس: مصدر التمس وقد خصه البلاغيون بأسلوب الأمر بين المتساويين في المنزلة على سبيل الاحترام و التلطف.
ملاحظة: أسئلة البلاغة تطرح في منتدى البلاغة.
والله أعلم.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[03 - 04 - 2010, 10:21 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لعلك تقصدين أخيتي (الالتماس)
ملاحظة: أسئلة البلاغة تطرح في منتدى البلاغة.
والله أعلم.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: أبا عبدالفتاح
جزاك الله خيرا / هناك غرض بلاغي من النهي الغرض منه: الائتناس كما ذهبت الأخت وسألت عنه / بارك الله في علمكم.
والله أعلم
وهذه النافذة مكررة.
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[04 - 04 - 2010, 04:25 م]ـ
الائتناس هو إدخال الأنس والرقة والطمأنينة على القلب بالنهي عن أمر لوجود ما يذهب عنه قلق المنهي عنه!
كقوله تعالى: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} المائدة 3 ..(/)
المحسنات البديعية
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[04 - 04 - 2010, 04:21 ص]ـ
:::
اريد مساعدتكم في إيجاد المحسنات البديعية في سورة الغاشية
وشكراً.
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[04 - 04 - 2010, 03:00 م]ـ
ارجو الرد منكم استاذتي
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[04 - 04 - 2010, 09:33 م]ـ
يبدو لي أنه لايوجد تجاوب
مع أنه الموقع الوحيدالذي لاأجد فيه صعوبة
في انتظار الرد.
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[05 - 04 - 2010, 01:49 م]ـ
سبحان الله
الحمد لله
ـ[اردنيه]ــــــــ[05 - 04 - 2010, 10:39 م]ـ
:) جزاك الله كل خير
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 02:25 م]ـ
جزاك الله كل خير
؟!!
شكرا لك
ـ[عربية التخصص]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 03:14 م]ـ
...............(/)
من سورة الليل
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 04 - 2010, 08:11 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى):
فقدم الليل إذ هو الأصل، كما في قوله تعالى: (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ)، ثم ثنى بالنهار، فاستوفى شطري القسمة العقلية الزمانية، وجاء القسم مقيدا بالظرفية، إشارة إلى وجه الإعجاز، فضلا عن استحضار الصورة بورود الفعل مضارعا في حيز الشرط، ونزل المتعدي منزلة اللازم، فحذف المعمول مئنة من العموم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ثم جاء النهار على جهة طباق الإيجاب، فاكتمل شطرا الآية الكونية الباهرة، كما تقدم، والطباق من وجه آخر توطئة لبيان اختلاف حال الكافر والمؤمن في آخر السورة، فقدم الليل ثم ثنى بالنهار، وقدم ذكر جزاء الكافر: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى)، ثم ثنى بذكر جزاء المؤمن: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك جار مجرى اللف والنشر المرتب، فمقابل الليل في أول السورة: جزاء الكافر في آخرها، ومقابل النهار في أول السورة: جزاء المؤمن في آخرها، فهذا وجه النشر والنشر المرتب، وقد يقال بأن تقديم الليل بظلمته إشارةً إلى حياة الكافر في دار الجحيم، جار مجرى: التخلية قبل التحلية بذكر حياة المؤمن في دار النعيم، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فقدم الوعيد على الوعد، كما قدم الليل على النهار، إذ بالوعيد تنكف النفوس سلبا، فتطهر المحال من آثار الدنس وتصير أهلا للتحلية بمادة الإيمان والطاعة، فبها ينال العبد حظه من الوعد فضلا من الله ونعمة.
وعلى ما اطرد من الطباق المستوفي لأجزاء القسمة العقلية، جاء القسم بخلق الذكر والأنثى، فالزوجية بينهما من جنس الزوجية بين الليل والنهار، والقسم بالمصدر المؤول من: "ما" المصدرية والفعل: "خلق" آكد في تقرير المعنى من القسم بالمصدر الصريح، فزيادة المبنى في المصدر مئنة من زيادة المعنى، و: "أل" في: "الذكر" و: "الأنثى": جنسية لبيان الماهية، فمعنى الاستغراق فيها غير مراد في هذا السياق، وإن كان صحيحا، فالمراد هنا، والله أعلم، الإشارة إلى أجناس الآيات الكونية دون أفرادها، فالإعجاز في خلق فرد من أفراد العموم كاف في بيان كمال القدرة والحكمة الربانية، وإن اختص كل فرد بخلق لا يماثل خلق بقية الأفراد من كل وجه، فالعبرة بعموم الخلق الذي يشترك فيه كل الأفراد دون الخصوص الذي امتاز به بعضهم على بعض، فذلك أمر زائد على الأصل، والإعجاز كائن أصالة في جنس الآية الكلي الذي تندرج تحته جميع أفراده، وإن كان التباين بين الأفراد وجه إعجاز آخر بتنوعها وإن جمعها جنس أعلى مشترك، كما تقدم، فخلق زيد وعمرو من جهة الأصل: متماثل، فالآية الكونية في خلق الإنسان لا تختص بفرد دون آخر، فالنظر فيها إلى جنس الإنسان، فوحدة الخلق واطراد سنن البشر إيجادا للأعيان وإعداد للآلات لقبول أسباب الحياة، وإمدادا بها، على جهة العناية بالنوع الإنساني، كل ذلك مئنة من كون الخالق، تبارك وتعالى، واحدا بذاته، أحدا بصفاته الفاعلة التي تظهر آثارها في الكون المخلوق، فبكلماته الكونية تظهر آثار أفعاله في هذا العالم المشهود إيجادا وإعداما ...... إلخ، فـ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، فالمفعولات الحادثة أثر مشيئته المحدِثة، فيشاء الفعل فيقع لزوما وفق سنن كوني محكم فلو: (كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، واختصاص كل فرد من أفراد
(يُتْبَعُ)
(/)
العموم بوصف لا يوجد في غيره هو الآخر مئنة من كمال القدرة والحكمة الربانية، فلا يستوي الأفراد في الخُلُق الباطن والخَلْق الظاهر، فذلك من تنوع الأحداث بتنوع الصور والأشكال، فالوصفان قد ثبتا لرب البرية، جل وعلا، حال التماثل في القدر المشترك فهو النوع الجامع للأفراد، فيشترك أفراد النوع الإنساني في خصائص خَلقية وخُلقية هي الأصل، كما تقدم، فنوازع النفوس وصور الأبدان إجمالا متماثلة، وحال القدر الفارق بين الأعيان فلكل عين أخلاق باطنة وهيئات ظاهرة اختصت بها، فوقع الاشتراك في الأصل، فذلك من قبيل الاشتراك المعنوي في الكليات الجامعة للنوع الإنساني، ووقع التباين في الفرع فتلك أفراد الكلي في الخارج، فلكل فرد، كما تقدم، وجود مستقل لا يشركه فيه غيره، وخصائص لا توجد في غيره، فذلك تنوع لا يحصى قدره، فبعدد الأفراد يكون عدد الآيات المظهرة لحكمة الرب، جل وعلا، في التنويع بين أفراد النوع الإنساني خَلقا وخُلقا كما تقدم.
ثم جاء جواب القسم: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)، فذلك من التشويق بالإجمال الذي عقب بالبيان لأجناس السعي، من الخير والشر، فجاء التفريع:
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى: فحذف المفعول ونزل المتعدي إلى الاثنين: (أعطى)، والواحد: (اتقى)، منزلة اللازم مئنة من العموم، فعطاياه كثيرة، وصور تقواه للرب، جل وعلا، عديدة، بل صور التقوى نفسها تتباين بتباين المتقى، فيتقى الرب، جل وعلا: (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ويتقى عذابه الأخروي: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)، ويتقى ظرفه: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)، ويتقى عذابه الدنيوي فهو من العقوبة المعجلة لأهل العصيان: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ)، وكلها، عند التحقيق ترجع إلى تقوى الرب، جل وعلا، فيتقيه العبد باجتناب سائر معاصيه، فلا يناله من أثر أوصاف جلاله بالانتقام من المجرمين والأخذ لأعداء الدين، لا يناله من ذلك شيء، ولازم ذلك تلبس النفس بالضد من الطاعات، على ما اطرد مرارا من حركة النفس في المعقولات والمحسوسات، فلا تهدأ أبدا إذ ليس ذلك مما جبلت عليه، فهي حساسة متحركة بما أودع فيها من قوى الحياة والفعل، فلا تعطل عن الفعل أبدا، ولو كانت نائمة فالعقل الباطن يعمل في المعقولات كما يعمل الحس الظاهر في المحسوسات، فإذا تلبس بالطاعة صار محله قابلا لآثار أوصاف جماله، جل وعلا، بالرحمة والمغفرة والإكرام.
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى: فذلك من عطف السبب على مسبَّبه، فلا تكون طاعة بالإعطاء والتقوى، إلا فرعا عن التصديق بالحسنى، وهي: لا إله إلا الله، فهي أصل الحسنات الجامع، فلا صلاح لما بعدها إلا بها، فهي معدن صلاح النوايا الباطنة والأقوال والأعمال الظاهرة، فـ: "أل" في "الحسنى": عهدية فاتصالها باسم التفضيل مئنة من العهد، فتدل على معهود بعينه، هو: لا إله إلا الله، كما تقدم، وأرجع صاحب "الأضواء" رحمه الله، العهد إلى الجنة، على ما اطرد من طريقته الجامعة في تفسير التنزيل بالتنزيل، فبيان الحسنى في هذا السياق قد جاء في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)، فالحسنى هي الجنة والزيادة هي النظر إلى وجهه، تبارك وتعالى، كما أثر عن جمع من السلف على رأسهم الصديق، رضي الله عنه، وهذا البيان، كما يقول صاحب "الأضواء" رحمه الله، صحيح من جهة دلالته على ما قبله فالجنة منتهى المتقين، ولا تكون تقوى، كما تقدم، إلا بصلاح الأصل بشهادة الحق، فيكون المنتهى دالا على المبتدى من هذا الوجه، فتفسير الحسنى بالجنة جامع لكل الأقوال، فيدل دلالة مطابقة مباشرة على الجنة، ويدل دلالة لزوم غير مباشرة على الأسباب التي توصل إليها من صلاح للأصل بالشهادة وصلاح للفرع بأجناس الطاعات الظاهرة والباطنة، فهي، كما تقدم، حقيقة التقوى.
ويقال من جهة أخرى بأن عطف التقوى على الإعطاء: من باب عطف العموم على الخصوص، فالإعطاء من صور التقوى، فـ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم جاء الجواب: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى: فـ: "أل" عهدية تشير إلى الجنة، فذلك من قبيل العلم بالغلبة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من قبيل: "المدينة" علما على المدينة المنورة، حرسها الله عز وجل، و: "الكتاب" علما على كتاب سيبويه رحمه الله، فييسر لها، تيسيرا عاجلا لدلالة السين على التعجيل، بتيسير أسبابها، كما في حديث علي، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ"، فالتعجيل بذلك مئنة من كمال عناية الرب، جل، لمن اصطفاه لطاعته فيسر له أسبابها.
وعلى سبيل المقابلة:
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى: فمقابل الإعطاء: البخل، ومقابل الانقياد بالطاعة على جهة التقوى: الاستغناء والتولي عنها فذلك مئنة من فساد حال الفاعل علما وعملا، فلو تصور ما يتقى من وصف جلال الرب، جل وعلا، وآثاره من صور النقمة والعذاب، ما استغنى، فالزيادة في المبنى مئنة من مبالغته في إظهار التولي والاستغناء وذلك آكد في استحقاقه للذم، فالزيادة هنا تفيد القوة في الوصف فهي من قبيل: استكبر إذا قوي كبره، كما ذكر ذلك صاحب "شذا العرف" رحمه الله.
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى: فذلك مقابلة لقوله تعالى: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى).
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى: فذلك مقابلة لقوله تعالى: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)، فـ: "أل" هنا أيضا: عهدية تشير إلى النار فالعسرى كاليسرى قد صارت من هذا الوجه علما بالغلبة على دار العذاب.
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى: فتحتمل: "ما" الاستفهام الإنكاري الإبطالي في معرض الذم، وتحتمل النفي، ومؤدى القولين واحد وهو نفي انتفاعهم بما بخلوا به من المال، فالجزاء قد جاء على نقيض مرادهم فقد بخلوا طلبا للغنى بالمال، فلم يغن عنهم شيئا، فذلك آكد في التقريع والتوبيخ، وأنكى في النفس إذ ما ظنته سبب نجاتها قد صار سبب هلاكها.
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى: فقدم ما حقه التأخير مئنة من الحصر والتوكيد فله، جل وعلا، وحده، الهدى الشرعي بإرسال الرسل، عليهم السلام، فبهم تحصل هداية الإرشار والبيان، فمع كون ذلك للرسل، عليهم السلام، إلا أن مرده ابتداء إلى مرسِلهم، جل وعلا، فالرسول لا يعمل إلا بأمر مرسِله، والرسول لا يبلغ إلا ما أمر بإبلاغه، وله، وحده، تبارك وتعالى، هداية التوفيق والإلهام، فذلك من القدر الكوني الذي لا يقع إلا بمشيئته العامة النافذة.
وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى: فذلك مئنة من عموم ملكه، تبارك وتعالى، وهو مشعر بفضله، جل وعلا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فنعم الدنيا والآخرة كلها منه جل وعلا.
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى: فنكرت النار تعظيما وجاء وصفها بشدة الالتهاب والاشتعال إمعانا في الإنذار.
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى: فذلك من القصر الحقيقي، فلو حملت: "أل" على العهد الذهني فتشير إلى جنس بعينه هو: جنس الكفار الأصليين ومن كان على طريقتهم من أهل الردة والنفاق الأكبر، فذلك دليل على إرادة نار بعينها هي النار التي لا تفنى ولا تبيد، فأهلها فيها خالدون، ولو حملت على جنس العصاة فذلك دليل على إرادة نار العصاة التي تفنى بخروج أهلها منها، فذلك أحد الأقوال في مسألة فناء النار فيفنى بعضها دون بعض، ولو حملت على كافر بعينه هو: أمية بن خلف الذي عذب بلالا، رضي الله عنه، حتى أعتقه الصديق، رضي الله عنه، فهو المراد بـ: "الأتقى"، لو حملت على فرد بعينه من أفراد الجنس، فذلك جار على ما اطرد من دلالة "أل" الداخلة على اسم التفضيل على العهد، وذلك أخص درجاته بقصره على فرد بعينه وقد رجح صاحب "الأضواء"، رحمه الله، العموم المعنوي على الخصوص اللفظي، فتشمل جميع أفراد الكفار، وذلك أليق بما اطرد في خطاب الشارع، عز وجل، من العموم.
(يُتْبَعُ)
(/)
الَّذِي كَذَّبَ: فذلك الاعتقاد، وَتَوَلَّى: فذلك الفعل الصارد عنه على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين التصور الباطن والحكم الظاهر، والوصف بالموصول مئنة من زيادة التنصيص بذكر أوصافهم تحديدا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فهي محط الفائدة على ما اطرد من تعليق الحكم حال التعريف بالموصول على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة، فهم الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذلك فسادهم العلمي، وهم الذين أعرضوا عنه فذلك فسادهم العملي.
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى: فـ: "أل" هنا كـ: "أل" في: "الأشقى"، فإما أن تكون عهدية تشير إلى معهود بعينه هو الصديق، رضي الله عنه، على ما ذكر في سبب نزول الآية، فهو قرينة سمعية دالة على مراد المتكلم، وإما أن يكون المراد عموم المعنى، فلا يمنع اختصاص الصديق، رضي الله عنه، بدرجة عليا منه، فهو خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من دخول غيره معه فيه، فذكر فرد من أفراد العموم في معرض التنويه بشأنه لا يخصصه.
الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى: فالحال مقيدة في معرض التنويه بالمعطي على جهة التقوى، بخلاف الكفار الذين يعطون رياء وسمعة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله. فدلت على التنويه بالثناء دلالة منطوق، ودلت على التعريض بالذم دلالة مفهوم، فالحكم قد تغير بتغير الوصف المؤثر، فوصف التقوى مظنة الثناء، ووصف الكفر والعصيان مظنة الذم، فلا يستوي عطاء الأول فهو مقبول، وعطاء الثاني فهو مردود.
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى: فذلك من التذييل بالاحتراس فناسبه توكيد النفي بدخول: "من" على النكرة فأفادت التنصيص على العموم، فليس لأحد عنده من أي نعمة: دقت أو جلت، تجزى فعطاؤه قد بلغ الغاية من الإخلاص والنصح.
إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى: فذلك من الاستثناء المنقطع، فما فعل ذلك إلا ابتغاء وجه الرب، الموصوف بالعلو وهو يعم كل صور العلو الذاتي والوصفي، ووصف الأعلى أليق بمعنى العطاء على جهة العبودية التي يتقرب فيها الأدنى من الأعلى بأجناس الطاعات الظاهرة والباطنة.
وَلَسَوْفَ يَرْضَى: فدخلت اللام توكيدا، و أفادت سوف تحقق الوعد في المستقبل، فذلك من قبيل الوعد في قوله تعالى: (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي)، وأطلق فعل الرضى، فتقدير الكلام: ولسوف يرضى بالثواب الجزيل، فالحذف إرادة الإبهام تنويها بعظم الجزاء.
والله أعلى وأعلم.(/)
ما معنى هذه الكلمة ...
ـ[الفيصل]ــــــــ[04 - 04 - 2010, 11:16 م]ـ
ما معنى كلمة (قلبا وقالبا)
وشكرا(/)
حوار بين ابني آدم عليه السلام
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[05 - 04 - 2010, 11:37 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
حوار بين ابني آدم عليه السلام
قال تعالى على لسان هابيل"لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين" (المائدة 28)
أي: إن قصدت قتلي فما أنا بقاصد قتلك، لأنني أخاف الله رب العالمين،،وقد عبّر هابيل عن قصد أخيه بالقتل بواسطة الجملة الفعلية التي تدل على الحدث والفعل والتجدد، كما عبّر عن عدم نيته قتل أخيه بالجملة الاسمية المنفية التي لا دلالة للحدث فيها، ثم ذكر السبب فجاء بالجملة الفعلية"إني أخاف الله "التي تدل على الحدث والاستمرار، للدلالة على خوفه الدائم من الله سبحانه وتعالى.
والله تعالى أعلم.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 12:04 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
حوار بين ابني آدم عليه السلام
قال تعالى على لسان هابيل"لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين" (المائدة 28)
أي: إن قصدت قتلي فما أنا بقاصد قتلك، لأنني أخاف الله رب العالمين،،وقد عبّر هابيل عن قصد أخيه بالقتل بواسطة الجملة الفعلية التي تدل على الحدث والفعل والتجدد، كما عبّر عن عدم نيته قتل أخيه بالجملة الاسمية المنفية التي لا دلالة للحدث فيها، ثم ذكر السبب فجاء بالجملة الفعلية"إني أخاف الله "التي تدل على الحدث والاستمرار، للدلالة على خوفه الدائم من الله سبحانه وتعالى.
والله تعالى أعلم.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: عزام محمد الذيب الشريدة
جزاك الله خيرا، على هذا الإفادة القيمة، جعلها الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة، اللهم آمين
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 12:45 م]ـ
السلام عليكم
جزاك الله ألف خير، وبارك فيك(/)
أفيدوني
ـ[مجاهد الصمدي]ــــــــ[05 - 04 - 2010, 10:45 م]ـ
قال تعالى
يغشي الليل النهار
من الذي يغشى الاخر
ولماذا الليل والنهار منصوبان
ولمذايعربا مفعول اول ومفعول ثاني
وشكرا
ـ[البهاء زهير]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 02:23 ص]ـ
العزيز مجاهد .. تحية طيبة!
السلام عليكم .. وتقبلوا مقابستي البيانية أنقلها لكم من مصادرها، بغيةَ التواصل البياني الخلاق .. وشكرا لكم!
تمام الآية رقم 54/ الأعراف
{إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يُغْشِي الليلَ النهارَ يطلبه حثيثا والشمسَ والقمرَ والنجومَ مسخراتٍ بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}
الإعراب:
يُغْشِي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو لفظ الجلالة (الله).
الليلَ: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
النهارَ: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
ومن الفوائد: {يغشي الليل النهار} يكاد يكون مجيء الغين مع الشين مفيدا معنى متشابها أو متقاربا مفاده الستر والتغطية، وهذا من فقه اللغة وأسرارها الدقيقة.
انظر الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه، محمود صافي، المجلد الرابع، ص 431، 433.
وفي تفسير الزمخشري (الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل)، مكتبة المعارف، المجلد الثاني، ص 65:
{يُغْشِي الليلَ النهارَ}، وقريء {يُغَشِّي} بالتشديد، أي يلحق الليل بالنهار، أو النهار بالليل، يحتملهما جميعا، والدليل على الثاني قراءة حميد بن قيس {يَغْشَى} بفتح الياء، ونصب الليل، ورفع النهار، أي يُدرك النهارُ الليلَ، ويطلبه حثيثا.
ـ[مجاهد الصمدي]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 10:16 م]ـ
شكرا أيها البها ءفقد افدتني حقا(/)
نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز لفخر الدين للرازي
ـ[الباحث السلفي]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 12:04 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوتي ,,,
هل من سبيل إلى كتاب (نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز لفخر الدين للرازي) بتحقيق شيخ بكري أمين , مصوراً pdf.
ـ[البهاء زهير]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 02:38 ص]ـ
تحية طيبة أيها الباحث السلفي:
لا أخفيك بأنني حاولت العثور على الكتاب في الشبكة bdf ولكنني لم أفلح
سأستمر من هنا وهناك .. ربما أتمكن من ذلك.
شكرا لك.
ـ[الباحث السلفي]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 11:53 ص]ـ
تحية طيبة أيها الباحث السلفي:
لا أخفيك بأنني حاولت العثور على الكتاب في الشبكة bdf ولكنني لم أفلح
سأستمر من هنا وهناك .. ربما أتمكن من ذلك.
شكرا لك.
وفق الله مساعيك ,, وكتب لك الأجر إن شاء الله(/)
طلب لو سمحتم أريد معرفة التشبيه وأغراضه البلاغية
ـ[الوردة الطيبة]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 06:35 ص]ـ
طلب لو سمحتم ورح ادعيلكم عايزة التشبيه واغراضه البلاغية من هذه القصيدة
هذه قصيدة (نهج البردة) الشهيرة للأمير أحمد شوقي:
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ" "أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا" "يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً" "يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي" "جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ" "إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ" "لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
لَقَد أَنَلتُكَ أُذنًا غَيرَ واعِيَةٍ" "وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ
يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى أَبَدًا" "أَسهَرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهَوى فَنَمِ
أَفديكَ إِلفًا وَلا آلو الخَيالَ فِدًى" "أَغراكَ باِلبُخلِ مَن أَغراهُ بِالكَرَمِ
سَرى فَصادَفَ جُرحًا دامِيًا فَأَسا" "وَرُبَّ فَضلٍ عَلى العُشّاقِ لِلحُلُمِ
مَنِ المَوائِسُ بانًا بِالرُبى وَقَنًا" "اللاعِباتُ بِروحي السافِحاتُ دَمي
السافِراتُ كَأَمثالِ البُدورِ ضُحًى" "يُغِرنَ شَمسَ الضُحى بِالحَليِ وَالعِصَمِ
القاتِلاتُ بِأَجفانٍ بِها سَقَمٌ" "وَلِلمَنِيَّةِ أَسبابٌ مِنَ السَقَمِ
العاثِراتُ بِأَلبابِ الرِجالِ وَما" "أُقِلنَ مِن عَثَراتِ الدَلِّ في الرَسَمِ
المُضرِماتُ خُدودًا أَسفَرَتْ وَجَلَتْ" "عَن فِتنَةٍ تُسلِمُ الأَكبادَ لِلضَرَمِ
الحامِلاتُ لِواءَ الحُسنِ مُختَلِفًا" "أَشكالُهُ وَهوَ فَردٌ غَيرُ مُنقَسِمِ
مِن كُلِّ بَيضاءَ أَو سَمراءَ زُيِّنَتا" "لِلعَينِ وَالحُسنُ في الآرامِ كَالعُصُمِ
يُرَعنَ لِلبَصَرِ السامي وَمِن عَجَبٍ" "إِذا أَشَرنَ أَسَرنَ اللَيثَ بِالعَنَمِ
وَضَعتُ خَدّي وَقَسَّمتُ الفُؤادَ رُبًى" "يَرتَعنَ في كُنُسٍ مِنهُ وَفي أَكَمِ
يا بِنتَ ذي اللَبَدِ المُحَميِّ جانِبُهُ" "أَلقاكِ في الغابِ أَم أَلقاكِ في الأُطُمِ
ما كُنتُ أَعلَمُ حَتّى عَنَّ مَسكَنُهُ" "أَنَّ المُنى وَالمَنايا مَضرِبُ الخِيَمِ
مَن أَنبَتَ الغُصنَ مِن صَمصامَةٍ ذَكَرٍ" "وَأَخرَجَ الريمَ مِن ضِرغامَةٍ قَرِمِ
بَيني وَبَينُكِ مِن سُمرِ القَنا حُجُبٌ" "وَمِثلُها عِفَّةٌ عُذرِيَّةُ العِصَمِ
لَم أَغشَ مَغناكِ إِلا في غُضونِ كِرًى" "مَغناكَ أَبعَدُ لِلمُشتاقِ مِن إِرَمِ
يا نَفسُ دُنياكِ تُخفى كُلَّ مُبكِيَةٍ" "وَإِن بَدا لَكِ مِنها حُسنُ مُبتَسَمِ
فُضّي بِتَقواكِ فاهًا كُلَّما ضَحِكَتْ" "كَما يَفُضُّ أَذى الرَقشاءِ بِالثَرَمِ
مَخطوبَةٌ مُنذُ كانَ الناسُ خاطِبَةٌ" "مِن أَوَّلِ الدَهرِ لَم تُرمِل وَلَم تَئَمِ
يَفنى الزَمانُ وَيَبقى مِن إِساءَتِها" "جُرحٌ بِآدَمَ يَبكي مِنهُ في الأَدَمِ
لا تَحفَلي بِجَناها أَو جِنايَتِها" "المَوتُ بِالزَهرِ مِثلُ المَوتِ بِالفَحَمِ
كَم نائِمٍ لا يَراها وَهيَ ساهِرَةٌ" "لَولا الأَمانِيُّ وَالأَحلامُ لَم يَنَمِ
طَورًا تَمُدُّكَ في نُعمى وَعافِيَةٍ" "وَتارَةً في قَرارِ البُؤسِ وَالوَصَمِ
كَم ضَلَّلَتكَ وَمَن تُحجَب بَصيرَتُهُ" "إِن يَلقَ صابا يَرِد أَو عَلقَمًا يَسُمُ
يا وَيلَتاهُ لِنَفسي راعَها وَدَها" "مُسوَدَّةُ الصُحفِ في مُبيَضَّةِ اللَمَمِ
رَكَضتُها في مَريعِ المَعصِياتِ وَما" "أَخَذتُ مِن حِميَةِ الطاعاتِ لِلتُخَمِ
هامَت عَلى أَثَرِ اللَذّاتِ تَطلُبُها" "وَالنَفسُ إِن يَدعُها داعي الصِبا تَهِمِ
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ" "فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ
وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ" "وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ
تَطغى إِذا مُكِّنَت مِن لَذَّةٍ وَهَوًى" "طَغيَ الجِيادِ إِذا عَضَّت عَلى الشُكُمِ
إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ" "في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصِمِ
أَلقى رَجائي إِذا عَزَّ المُجيرُ عَلى" "مُفَرِّجِ الكَرَبِ في الدارَينِ وَالغَمَمِ
(يُتْبَعُ)
(/)
إِذا خَفَضتُ جَناحَ الذُلِّ أَسأَلُهُ" "عِزَّ الشَفاعَةِ لَم أَسأَل سِوى أُمَمِ
وَإِن تَقَدَّمَ ذو تَقوى بِصالِحَةٍ" "قَدَّمتُ بَينَ يَدَيهِ عَبرَةَ النَدَمِ
لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ وَمَن" "يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللهِ يَغتَنِمِ
فَكُلُّ فَضلٍ وَإِحسانٍ وَعارِفَةٍ" "ما بَينَ مُستَلِمٍ مِنهُ وَمُلتَزِمِ
عَلَّقتُ مِن مَدحِهِ حَبلاً أُعَزُّ بِهِ" "في يَومِ لا عِزَّ بِالأَنسابِ وَاللُّحَمِ
يُزري قَريضي زُهَيرًا حينَ أَمدَحُهُ" "وَلا يُقاسُ إِلى جودي لَدى هَرِمِ
مُحَمَّدٌ صَفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ" "وَبُغيَةُ اللهِ مِن خَلقٍ وَمِن نَسَمِ
وَصاحِبُ الحَوضِ يَومَ الرُسلِ سائِلَةٌ" "مَتى الوُرودُ وَجِبريلُ الأَمينُ ظَمي
سَناؤُهُ وَسَناهُ الشَمسُ طالِعَةً" "فَالجِرمُ في فَلَكٍ وَالضَوءُ في عَلَمِ
قَد أَخطَأَ النَجمَ ما نالَت أُبُوَّتُهُ" "مِن سُؤدُدٍ باذِخٍ في مَظهَرٍ سَنِمِ
نُموا إِلَيهِ فَزادوا في الوَرى شَرَفًا" "وَرُبَّ أَصلٍ لِفَرعٍ في الفَخارِ نُمي
حَواهُ في سُبُحاتِ الطُهرِ قَبلَهُمُ" "نورانِ قاما مَقامَ الصُلبِ وَالرَحِمِ
لَمّا رَآهُ بَحيرًا قالَ نَعرِفُهُ" "بِما حَفِظنا مِنَ الأَسماءِ وَالسِيَمِ
سائِل حِراءَ وَروحَ القُدسِ هَل عَلِما" "مَصونَ سِرٍّ عَنِ الإِدراكِ مُنكَتِمِ
كَم جَيئَةٍ وَذَهابٍ شُرِّفَتْ بِهِما" "بَطحاءُ مَكَّةَ في الإِصباحِ وَالغَسَمِ
وَوَحشَةٍ لِاِبنِ عَبدِ اللَهِ بينَهُما" "أَشهى مِنَ الأُنسِ بِالأَحسابِ وَالحَشَمِ
يُسامِرُ الوَحيَ فيها قَبلَ مَهبِطِهِ" "وَمَن يُبَشِّر بِسيمى الخَيرِ يَتَّسِمِ
لَمّا دَعا الصَحبُ يَستَسقونَ مِن ظَمَإٍ" "فاضَت يَداهُ مِنَ التَسنيمِ بِالسَنَمِ
وَظَلَّلَتهُ فَصارَت تَستَظِلُّ بِهِ" "غَمامَةٌ جَذَبَتها خيرَةُ الدِيَمِ
مَحَبَّةٌ لِرَسولِ اللَهِ أُشرِبَها" "قَعائِدُ الدَيرِ وَالرُهبانُ في القِمَمِ
إِنَّ الشَمائِلَ إِن رَقَّت يَكادُ بِها" "يُغرى الجَمادُ وَيُغرى كُلُّ ذي نَسَمِ
وَنودِيَ اِقرَأ تَعالى اللهُ قائِلُها" "لَم تَتَّصِل قَبلَ مَن قيلَت لَهُ بِفَمِ
هُناكَ أَذَّنَ لِلرَحَمَنِ فَاِمتَلأَتْ" "أَسماعُ مَكَّةَ مِن قُدسِيَّةِ النَغَمِ
فَلا تَسَل عَن قُرَيشٍ كَيفَ حَيرَتُها" "وَكَيفَ نُفرَتُها في السَهلِ وَالعَلَمِ
تَساءَلوا عَن عَظيمٍ قَد أَلَمَّ بِهِمْ" "رَمى المَشايِخَ وَالوِلدانِ بِاللَمَمِ
يا جاهِلينَ عَلى الهادي وَدَعوَتِهِ" "هَل تَجهَلونَ مَكانَ الصادِقِ العَلَمِ
لَقَّبتُموهُ أَمينَ القَومِ في صِغَرٍ" "وَما الأَمينُ عَلى قَولٍ بِمُتَّهَمِ
فاقَ البُدورَ وَفاقَ الأَنبِياءَ فَكَمْ" "بِالخُلقِ وَالخَلقِ مِن حُسنٍ وَمِن عِظَمِ
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ" "وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ" "يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ" "يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتَقوى وَبِالرَحِمِ
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً" "حَديثُكَ الشَهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
حَلَّيتَ مِن عَطَلٍ جِيدَ البَيانِ بِهِ" "في كُلِّ مُنتَثِرٍ في حُسنِ مُنتَظِمِ
بِكُلِّ قَولٍ كَريمٍ أَنتَ قائِلُهُ" "تُحيِ القُلوبَ وَتُحيِ مَيِّتَ الهِمَمِ
سَرَت بَشائِرُ باِلهادي وَمَولِدِهِ" "في الشَرقِ وَالغَربِ مَسرى النورِ في الظُلَمِ
تَخَطَّفَتْ مُهَجَ الطاغينَ مِن عَرَبٍ" "وَطَيَّرَت أَنفُسَ الباغينَ مِن عُجُمِ
ريعَت لَها شَرَفُ الإيوانِ فَاِنصَدَعَتْ" "مِن صَدمَةِ الحَقِّ لا مِن صَدمَةِ القُدُمِ
أَتَيتَ وَالناسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِمْ" "إِلا عَلى صَنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ
وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَورًا مُسَخَّرَةٌ" "لِكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ
مُسَيطِرُ الفُرسِ يَبغي في رَعِيَّتِهِ" "وَقَيصَرُ الرومِ مِن كِبرٍ أَصَمُّ عَمِ
يُعَذِّبانِ عِبادَ اللَهِ في شُبَهٍ" "وَيَذبَحانِ كَما ضَحَّيتَ بِالغَنَمِ
وَالخَلقُ يَفتِكُ أَقواهُمْ بِأَضعَفِهِمْ" "كَاللَيثِ بِالبَهْمِ أَو كَالحوتِ بِالبَلَمِ
أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَلائِكُهُ" "وَالرُسلُ في المَسجِدِ الأَقصى عَلى قَدَمِ
لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِمْ" "كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ
صَلّى وَراءَكَ مِنهُمْ كُلُّ ذي خَطَرٍ" "وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللهِ يَأتَمِمِ
جُبتَ السَماواتِ أَو ما فَوقَهُنَّ بِهِمْ" "عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُجُمِ
رَكوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ" "لا في الجِيادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ
مَشيئَةُ الخالِقِ الباري وَصَنعَتُهُ" "وَقُدرَةُ اللهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها" "عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ
وَقيلَ كُلُّ نَبِيٍّ عِندَ رُتبَتِهِ" "وَيا مُحَمَّدُ هَذا العَرشُ فَاستَلِمِ
خَطَطتَ لِلدينِ وَالدُنيا عُلومَهُما" "يا قارِئَ اللَوحِ بَل يا لامِسَ القَلَمِ
أَحَطتَ بَينَهُما بِالسِرِّ وَانكَشَفَت" "لَكَ الخَزائِنُ مِن عِلمٍ وَمِن حِكَمِ
وَضاعَفَ القُربُ ما قُلِّدتَ مِن مِنَنٍ" "بِلا عِدادٍ وَما طُوِّقتَ مِن نِعَمِ
سَل عُصبَةَ الشِركِ حَولَ الغارِ سائِمَةً" "لَولا مُطارَدَةُ المُختارِ لَم تُسَمَ
هَل أَبصَروا الأَثَرَ الوَضّاءَ أَم سَمِعوا" "هَمسَ التَسابيحِ وَالقُرآنِ مِن أُمَمِ
وَهَل تَمَثَّلَ نَسجُ العَنكَبوتِ لَهُمْ" "كَالغابِ وَالحائِماتُ الزُغْبُ كَالرُخَمِ
فَأَدبَروا وَوُجوهُ الأَرضِ تَلعَنُهُمْ" "كَباطِلٍ مِن جَلالِ الحَقِّ مُنهَزِمِ
لَولا يَدُ اللهِ بِالجارَينِ ما سَلِما" "وَعَينُهُ حَولَ رُكنِ الدينِ لَم يَقُمِ
تَوارَيا بِجَناحِ اللهِ وَاستَتَرا" "وَمَن يَضُمُّ جَناحُ اللهِ لا يُضَمِ(/)
ضروري
ـ[لون الغروب]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 07:16 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
هذي اول مشاركة لي ..
منكن أحد يفيدني ..
طلبي هو استخراج ا .. لفصل والوصل، والاسناد، والخبر والإنشاء
والمحسنات البديعية واللفظية والمعنوية .. من سورة الحجرات
اتمنى افادتي باقرب وقت ..
ولكم جزيل الشكرر مقدما ..
ـ[لون الغروب]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 09:15 م]ـ
مااااااااااافي أحد يع1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - رف
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 12:52 ص]ـ
أهلا وسهلا بك فى بيتك الثانى الفصيح طبت وطاب سعيك وبلغت فى الفصيح مكانة
أرينا محاولاتك وسيساعدك أهل الفصيح:) وهذه سمة من سماته
ـ[لون الغروب]ــــــــ[08 - 04 - 2010, 02:20 ص]ـ
الله يوووووفقكم اللي يعرف يتحفني
الخبر والانشاء حاولت والحمد طالع معااااي لكن الباااقي انتظ1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ررها منكم .. والله يوووووووووفق الجمييييييييييع(/)
ومن قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا ...... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 09:42 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
فذلك من التشويق، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، بإيراد الماضي وإرادة المضارع،، فالمثل لم يكن قد ضرب بعد، فجاء الماضي مثيرا لانتباه المخاطب، فذلك على وزان قوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)، أي: سيأتي، لقرينة: (فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)، وجاء المثل مجملا، ثم جاء بيانه عقيبه، على جهة عطف البيان، فذلك، أيضا، مما يزيد تشويق المخاطب، وكل ذلك مما يزيد المنة الربانية، بالتمهيد لذكرها على هذا النحو، فكانت آمنة مطمئنة، فتلك النعمة المعقولة، وهي عند التحقيق، أعظم من النعمة المحسوسة، فإن الإنسان لا يحس بلذة النعمة، مع عدم الأمن، سواء أكان مخوفا في بدنه، كما هي حال كثير من أهل الإسلام في زماننا، فالأمن قد صار مطلبا عزيزا، وتلك عقوبة ربانية عاجلة لأمة قعدت عن وظيفتها الأولى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، فحالها الآن: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"، فلما ابتغوا الأمن في القعود: جاءت العقوبة بنزع ما ظنوا القعود مظنته، فذلك من قبيل: مقابلة المريد لشيء بنقيض مراده فذلك أنكى في نفسه!، ففساد التصور لمعنى الأمن المعتبر لا المتوهم، ولأسبابه، فيسعى الإنسان في تحصيل أسباب هي في حقيقتها أسباب الذل، ويجعل ذلك مرادفا للأمن، فلا يأمن على بدنه إلا من كان ذليلا!، فصار الأمن لفساد التصور المتقدم: قرين الذل والخضوع، فطلب السلامة يقتضي السكوت، ولو لم يكن ثم إكراه معتبر، فالسلامة لا يعدل بها شيء!، والشاهد أن ذلك الفساد العلمي هو الذي ولد الفساد العملي بالقعود والنكول عن حمل هذه الرسالة، فجاء العقاب كما تقدم خوفا متزايدا، حتى هجر كثير من أهل الإسلام بلادهم، وبعضهم قد هجرها بماله، فلا يأمن عليه إن تاجر به في بلاد الإسلام، ويأمن عليه في مصارف أوروبا وأمريكا!.
والخوف الأكبر: خوف من كان مخوفا في نفسه، فكثير قد استوفى شرائط الأمن البدني فلديه الحرس العام والخاص!، ولديه الغذاء الذي يكفيه أياما بل شهورا، وهو مع ذلك خائف في نفسه من مجهول ينتظره، فليس لديه مادة الأمن الحقيقي مادة: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
وأشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، إلى وجه آخر يكون السياق فيه خبري المبنى إنشائي المعنى على تقدير: اضرب لهم مثل قرية كانت آمنة ...... ، فيكون ذلك من قبيل قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ).
فالمنة الربانية على تلك القرية عظيمة وهي مئنة من كمال عنايته، عز وجل، بها، فأنعم عليها، تبارك وتعالى، بأسباب الأمن والطمأنينة، وقدم الأمن على الطمأنينة لكونه سببها، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالعطف: عطف لازم على ملزومه، فلازم الأمن: الطمأنينة، فالأمن هو السبب الخارجي، والطمأنينة هي الشعور الداخلي، وفي هذا البيان بالإطناب في ذكر السبب والنتيجة، مزيد توكيد على نعمة الرب، جل وعلا، فضلا عن تصديرها بفعل الكينونة الماضي فذلك مئنة من التتابع في الزمن الماضي، فجنس النعمة متوال لا ينقطع، فليس أمنا عارضا يعقبه الخوف، وإنما هو أمن دائم لا انقطاع له، ونكرت القرية: إرادة التعريض، كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله، فالمثال قد أطلق فيعم المخاطبين وغيرهم، فالأوصاف العامة: معايير لا تختص بصورة دون أخرى،
(يُتْبَعُ)
(/)
بل متى وجد الوصف وجد الحكم، فمتى كان تعظيم لأمر الديانة، بتوحيد الرب، جل وعلا، فذلك حقه على عباده، كان الأمن والطمأنينة فذلك من فضله على عباده، فليس حقا واجبا عليه كحقه، تبارك وتعالى، عليهم، فإنه لا يجب للعبد على ربه، عز وجل، حق، وإنما أمره دائر بين الفضل بالعطاء والأمن أو العدل بالمنع والخوف. فالخطاب من جهة التعريض: يتوجه أول ما يتوجه إلى المخاطبين، لكونهم قد جحدوا الرسالة الخاتمة، فيكون في ضرب المثال لهم تخويف لهم بسلب نعمة الأمن التي جاء بيانها في سياق آخر من التنزيل: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)، و: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "الأضواء" رحمه الله، فذلك مزيد بيان لتلك النعمة الربانية السابغة على قريش أهل الحرم، وبعد النعمة الباطنة باستقرار النفوس فلا خوف ولا جزع، جاء بيان النعمة الظاهرة بصيغة المضارع: (يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ)، فذلك من تغيير السبك، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، وهو جار على ما اطرد من بيان وجوه النعمة الربانية، فالمضارعة مئنة من التجدد والاستمرار، فكما أن مادة الأمن والطمأنينة في القلوب دائمة لا تنقطع، فكذلك مادة نماء الأبدان وحفظها دائمة لا تنقطع، فيأتيها الرزق الواسع من سائر الأجناس من كل مكان، فذلك آكد في تقرير النعمة الربانية فتعددت الأصناف وتعددت الجهات، فكان الأليق بهذه النعمة الربانية السابغة: إفراده، عز وجل، بالشكر بامتثال الشريعة الحاكمة، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين أحكام الربوبية ولازمها من أحكام الألوهية، فانفراده، جل وعلا، بالربوبية، دليل وجوب إفراده، عز وجل، بالألوهية، ولكن جاء فعلهم على نقيض مراد الشارع، عز وجل، وعلى نقيض قياس العقل الذي يستقبح بما ركز فيه من قوى الفكر: جحود شكر المنعم، ولو كان مخلوقا نعمته دقيقة، فكيف بجحود شكر الرب، جل وعلا، المنفرد بربوبية الإنعام والعناية، فنعمه الشرعية والكونية قد بلغت حد التواتر فأفادت العلم الضروري بكمال ربوبيته، فلا ينكره إلا جاحد أو مسفسط ينكر العلوم البدهية، أو فاسد العقل مضطرب الفكر، وكل أولئك خلاف الأصل، فليسوا على حكم الشرع أو حتى قياس العقل الذي يستنكر، كما تقدم، جحود شكر المنعم، فهو أمر قد تواطأت عليه العقول الصريحة فلا تنكره إلا العقول السقيمة.
فجاء فعلهم: كفرا بأنعم الرب، جل وعلا، على جهة التعقيب، وذلك آكد في الذم، وآكد في لحوق العذاب بهم، فذلك من قبيل قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)، وهو وجه تعريض آخر بكفار مكة بانطباق تلك الأوصاف عليهم، فقد كفروا نعمة الرب السابغة بجحود الرسالة الخاتمة، وجمعت النعمة جمع قلة، لبيان عظم الجرم وعظم العقوبة بإذاقتهم لباس الجوع والخوف للكفران ولو بنعمة أو نعم قليلة، فكيف بالكفران والجحود العام لنعم الرب ذي الجلال والإكرام تبارك وتعالى وذلك وجه لطيف أشار إليه أبو السعود رحمه الله.
ثم جاء التعقيب الثاني: (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ): تعقيبا عرفيا بالنظر إلى سنة الإمهال الكونية سنة: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)، فلا تقع العقوبة فورا، وإنما التعقيب بالفاء بحسب السياق، كما أشار إلى ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "شرح قطر الندى"، فالتعقيب في نحو: أكل فشبع مئنة من الفور، بخلاف التعقيب في نحو: دخل البصرة فبغداد فالعرف قد دل على وجود مهلة زمنية بينهما، فكذلك الشرع قد دل على وجود مهلة زمنية، فذلك مقتضى السنة الكونية، التي قد تطول حتى تبلغ أجيالا وقرونا، كما قد وقع لنوح عليه السلام، مع قومه، فأسماء الرب، جل وعلا، الحليم الذي يؤجل ليعود العاصي فقد سبق في علمه الأول أوبته ولو بعد حين، والصبور الذي يؤجل من قد سبق في علمه أنه قد بلغ الغاية من التمرد والعصيان فلا يرجع ولا يؤوب أبدا، تلك الأسماء الحسنى تظهر
(يُتْبَعُ)
(/)
آثارها في مثل هذه المواضع.
فأذاقها الله، عز وجل، لباس الجوع والخوف، فتلك عقوبة قد ترد مورد الاستئصال، وقد ترد مورد التذكير، كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).
واستعارة الذوق للإلباس على جهة الاستعارة التصريحية التبعية في الفعل: "أذاقها": مئنة من كمال الإحساس بالعذاب كما يحس الطاعم بمذاق الطعام على جهة التمكن قبل أن يستقر في جوفه، فضلا عن دلالة لفظ: "اللباس" على عموم العذاب وشدة ملابسته لصاحبه، كما يعم الثوب بدن اللابس ويباشره على وجه يقع به كمال الملابسة بينهما.
فالاستعارتان، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، تهكميتان، فإن الضيف يكرم في الغالب بالطعام وبالخلع، فالأول يجد أثره في ذوق اللسان، والثاني يجد أثره بستر بدنه بأجمل الثياب، فإيرادهما في سياق العذاب فيه مزيد تهكم وسخرية بهم، وذلك أنكى في نفوسهم.
ومن قال بوقوع المجاز في لسان العرب، فإنه يرد الدلالة المعجمية الأولى للفظ الذوق إلى وجدان طعم الشيء باللسان، فيكون حقيقة في المطعوم، مجازا في أي محسوس آخر، فيكون الذوق حقيقة في الطعام مجازا في العذاب، ومن أنكر وقوع المجاز فإنه يرد الدلالة المعجمية الأولى للفظ الذوق إلى وجدان الشيء مطلقا دون تقييده بوجدان اللسان بذوق المطعوم، ومن ثم فإن السياق هو الذي يعين المراد، فإما أن يكون محسوسا باللسان كالطعام، وإما أن يكون محسوسا بآلات الحس الظاهر كالجلود والأبشار، فذلك من قبيل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)، إذ الجلد آلة المباشرة والحس، وإما أن يكون محسوسا بآلات الحس الباطن كسائر صور العذاب المعنوي فإنه قد يكون في كثير من الأحيان أشد مرارة وألما من العذاب الحسي الظاهر.
ووجدانه إما أن يكون معنويا أو حسيا والسياق هو الذي يعين المراد، وهو هنا شاهد لإرادة كلا النوعين: فقد وجدوا أثر العذاب المعنوي بالخوف، وأثر العذاب الحسي بالجوع، فذلك، كما تقدم، مئنة من كمال الإهانة بعموم العذاب للباطن والظاهر، فمن قال بوقوع المجاز في اللغة، فإن ذلك يجري عنده مجرى: جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز لدلالة السياق، أو دلالة المشترك اللفظي على كلا معنييه: الحقيقي الأصلي والمجازي الفرعي، ومن أنكر وقوع المجاز في اللغة، فإنه يرد الأمر، كما تقدم مرارا، إلى قرينة السياق التي دلت على إرادة كلا النوعين من العقوبة إمعانا في إهانة الكافر الجاحد لنعم الرب جل وعلا.
ثم جاء التعقيب بالسبب احترازا من نسبة الظلم إلى الرب، جل وعلا، فـ: (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، وإنما ذلك العذاب بما كانوا، فالباء سببية، وفعل الكينونة جار على ما تقدم من دوام اتصافهم وملابستهم لأسباب وقوع العذاب فذلك آكد في بيان استحقاقهم له.
ثم جاء التعقيب بقوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ):
فذلك آكد في إقامة الحجة عليهم فالرسول منهم لا من غيرهم، فليس من غير جنس البشر، بل ليس من غير قريش فالحجة في حقهم آكد: (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)، والتعقيب بالفاءين جار على ما تقدم، فهو في الأول، على بابه، وفي الثاني عرفي بمقتضى سنة الإمهال الكونية، وأسند فعل الأخذ في معرض الإهانة، فذلك من وصف الجلال، أسند إلى العذاب إسناد المسبب إلى سببه، فلا يعارض ذلك إسناده إلى الرب، جل وعلا، في نحو قوله تعالى: (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ)، فهو من وصف جلاله، فلا تعارض بين الإسنادين لاختلاف الجهة.
وإليه أشار ابن القيم رحمه الله، بقوله:
(يُتْبَعُ)
(/)
"وقال: {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} وقال: {فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} {فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} وهذا كثير فأضاف هذه الأفعال إلى نفسه إذ هي واقعة بخلقه ومشيئته وقضائه وأضافها إلى أسبابها إذ هو الذي جعلها أسبابا لحصولها بين الإضافتين ولا تناقض بين السببين". اهـ
"شفاء العليل"، ص277.
و: "أل" في: "العذاب": جنسية، فلا عهد فيها يشير إلى عذاب بعينه، فالسياق، كما تقدم، عام، لاطراد السنة الكونية، بوقوع العذاب عقيب التكذيب والإمهال، وإن كان بمقتضى ما تقدم من خطاب المواجهة لقريش والتعريض بها لانطباق تلك الأوصاف عليهم، ينصرف أول ما ينصرف إلى قريش، فهم آكد أفراد هذا العموم دخولا تحت حكمه، وإن كان غيرهم داخلا معهم لاطراد السنة الكونية، كما تقدم، فالحكم عام يدور مع علته وجودا وعدما، وقيد الأخذ بحال الظلم، وهو هنا محمول على الظلم الأعظم: الكفر، إذ تقدم ذكره في الآية السابقة: (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ)، وتلك قرينة سياقية متقدمة يحمل عليها وصف الظلم الذي ذيلت به الآية التالية، فذلك جار مجرى دلالة المتقدم على المتأخر، فيدل على مبناه إن كان محذوفا، كما في قوله تعالى: (أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا)، أي: وظلها أيضا دائم، ويعين معناه إن كان مجملا يحتمل أكثر من معنى، فالظلم برده إلى دلالته المعجمية الأولى يدل على: وَضْع الشيء في غير موضِعه، كما ذكر ذلك صاحب "اللسان" رحمه الله، في مادة: "ظلم"، فيحتمل الظلم المعهود بسلب الحقوق أو منحها لغير أصحابها، فذلك نقيض العدل المعهود، ويحتمل أعظم صور الظلم وهي: الكفر ففيه يضع الظالم حق العبادة، وهي لا تكون إلا للإله المعبود بحق، تبارك وتعالى، يضعه في غير موضعه، فيسجد لغير الله، عز وجل، أو يحكم بغير ما أنزل وشرع على جهة المعاندة، أو المداهنة للكافرين وإن لم يكن مستحلا، وذلك مناط عام لا يتحقق في كل صورة بعينها إلا بعد إقامة الحجة الرسالية التي لا يقيمها أي أحد بل ذلك منصب قد تفرد به العلماء الربانيون فلا يظلمون بإطلاق الأحكام قبل استيفاء الشروط وانتفاء الموانع ولا يداهنون وينافقون كما هي حال علماء السوء في زماننا وما أكثرهم وما أبرد نفاقهم!، فالظلم هنا من جنس الظلم في نحو قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، فالسياق هنا قد دل، أيضا، على إرادة الظلم الأكبر، وهو الكفر، وإن كان السياق محتملا لأنواع شتى من الظلم منها الأكبر ومنها الأصغر، فقرينة وصف من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر في قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، وذلك باستقراء آي التنزيل لا يطلق إلا على الكفر الأكبر، بل يدل إطلاق هذا اللفظ في سائر نصوص الشريعة المنزلة على الكفر الأكبر إلا لقرينة من نص أو إجماع، كما قد قرر ذلك جمع من المحققين، تلك القرينة المتقدمة قد عينت المراد من الوصف المتأخر فدلت على إرادة الظلم الأكبر دون سائر أنواع الظلم.
فالتقييد بوصف الظلم الأكبر، على ما تقدم بيانه، آكد في نفي الظلم عن الرب، جل وعلا، فهو من قبيل القيد الاحترازي، فلم يظلمهم الرب، جل وعلا، وإنما نزل بهم العذاب فرعا عن استحقاقهم له بمباشرة أعظم الأسباب الجالبة له، وهو الكفر بالله عز وجل.
والله أعلى وأعلم.(/)
عاجل جدا أتمنى المساعدة
ـ[اردنيه]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 11:14 ص]ـ
السلام عليكم
سؤال هو عن سورة النمل انها تحتوي على قصص ما هي تلك القصص من ايه 14 الى ايه 53
فكانت الاجابه
قصة موسى عليه السلام
قصة داود وسليمان عليهم السلام
وقصة سليمان عليه السلام مع الهدهد
وجواب بلقيس على كتاب سليمان عليه السلام
واسلام بلقيس وزيارتها الى سليمان عليه السلام
وقصة صالح عليه السلام
والسؤال الاخر هو
1 - شخوص القصه والمكان والزمان وكل واحد بماذا كان يتصف؟
2 - العقده والحل؟
3 - العجائبيه والغرائبيه؟
4 - ما اسلوب القرأن في هذه الايات؟
5 - هل يوجد ايجاز ,كان التركيز على الحدث والقصص ام على القدره اللغويه؟
6 - ما الهدف من القصص؟
انا اجبت على السؤال الثالث والسادس
اتمنى مساعدتي ولكم جزيل الشكر وجعله الله في ميزان حسناتكم
ـ[اردنيه]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 09:03 م]ـ
35 شخص شاف الموضوع
ولا احد رد على الموضوع؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مممممممممممممم ما حدا بده ادعيله وياخد اجر عند ربنا بهالمساعده
ساعدونا يا دكاترة واساتذة العربي
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[08 - 04 - 2010, 03:59 ص]ـ
لم ترد في الآيات من 14 - 53 من سورة النمل سوى قصتين هما:
1 - قصة سليمان عليه السلام ..
2 - قصة قوم ثمود ..
الشخوص كثيرون في القصتين، فمنهم: داود عليه السلام .. النملة .. الهدهد .. المرأة (بلقيس) .. الشيطان .. العفريت .. الذي عنده علم من الكتاب .. صالح عليه السلام .. تسعة رهط ...
المكان: وادي النمل .. سبأ ...
الزمان: قد يكون غير محدد .. أو أن تجعلي الزمان الماضي أو العهد القديم ...
وأترك باقي الأسئلة للاستثراء ..(/)
زعزعة الثوابت
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 10:22 م]ـ
سأحدثكم حديثاً مجته الألسن وتقززت منه الآذان ...
ابتلينا في هذا العصر بما ابتلي به عصر الانحطاط الذي كان في العصر المملوكي وما بعده , وذلك في الفصل بين الدلالات البلاغية , وإيحاءات النص , والتفرقة بين علوم البلاغة التي أحدثها السكاكي ومن جاء بعده ...
فاصبحنا في مأزق مع النص , وفي مأزق مع الدال والمدلول , ونريد أن نطوع النص لأي من هذه الأبواب (علم المعاني .. والبيان , والبديع) ومع أن السابقين لم يفصلوا بينها , لأن لغو العرب هي اللغة البيانية , وهي لغة الفصاحة , فلا تعارض ولا تزاحم بين أغراض البلاغة , فالنص حمال أوجه , يحتمل كذا وكذا من الدلالات التي ترفع من قيمة النص , والذوق في النهاية هو الحكم , فيختلف ذوق عبد القاهر عن ذوق ابن جني ومن يرجع لقصيدة ابن الطثرية أو كثير (ولما قضينا من منى كل حاجة ... ) فانظر إلى التأويلين الذي لا يرفضه العقل السوي بين تأويل هذين الشيخين .......
الذوق هو الذي يحكم وليست القاعدة , لأن الأحكام البلاغية على النصوص ظنية لا ترتقي لتصتك بقوة النص القرآني أو النبوي المبني على التسليم .....
الحديث له بقية .. ودمتم
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 12:46 ص]ـ
سأحدثكم حديثاً مجته الألسن وتقززت منه الآذان ...
ابتلينا في هذا العصر بما ابتلي به عصر الانحطاط الذي كان في العصر المملوكي وما بعده , وذلك في الفصل بين الدلالات البلاغية , وإيحاءات النص , والتفرقة بين علوم البلاغة التي أحدثها السكاكي ومن جاء بعده ...
فاصبحنا في مأزق مع النص , وفي مأزق مع الدال والمدلول , ونريد أن نطوع النص لأي من هذه الأبواب (علم المعاني .. والبيان , والبديع) ومع أن السابقين لم يفصلوا بينها , لأن لغو العرب هي اللغة البيانية , وهي لغة الفصاحة , فلا تعارض ولا تزاحم بين أغراض البلاغة , فالنص حمال أوجه , يحتمل كذا وكذا من الدلالات التي ترفع من قيمة النص , والذوق في النهاية هو الحكم , فيختلف ذوق عبد القاهر عن ذوق ابن جني ومن يرجع لقصيدة ابن الطثرية أو كثير (ولما قضينا من منى كل حاجة ... ) فانظر إلى التأويلين الذي لا يرفضه العقل السوي بين تأويل هذين الشيخين .......
الذوق هو الذي يحكم وليست القاعدة , لأن الأحكام البلاغية على النصوص ظنية لا ترتقي لتصتك بقوة النص القرآني أو النبوي المبني على التسليم .....
الحديث له بقية .. ودمتمبارك الله لك وزادك علما
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[08 - 04 - 2010, 09:51 ص]ـ
كتبت لغة العرب (وكتبها هو لغو) وعلى أي حال السياق يدل على ماأردت بيانه.
وبارك فيك يا أخي أحمد على تفاعلك واقتباساتك ... .
ـ[عبدالله القرشي]ــــــــ[08 - 04 - 2010, 01:06 م]ـ
بارك الله فيك يا دكتور ..
لكني أرى أن الذوق هو الذي يقعد الكلام ويضع قوانينه ..
لذلك ظهرت النظريات المتعددة كل وذوقه!
ـ[البهاء زهير]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 12:10 ص]ـ
واصل في إثرائك لنا فنحن إن شاء الله من القارئين.
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 03:59 م]ـ
شكراً للأخ القرشي ولأخي البهاء ...
وأتمنى أن نكون لبنة في جدار البلاغة العربية ولكم مني أطيب التقدير
ـ[فايزه111]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 11:02 م]ـ
شكرا لك يادكتور، واسأل الله أن يلهمني العلم مثلك وينفعنا بما عندك.
ـ[عطر الكلام]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 09:14 ص]ـ
تميز في العطاء ... و جودةٌ في الانتقاء ..
د/ سامي .. اللغة العربية في دالها و مدلولوها تحتاج إلى عمق في التفكير و إلى مساحة من التأمل حتى نبصر ...
حينها نجمع الصدفات
و إلا لما قال المتنبي
................ و يسهر الخلق جرّاها و يختصم
سعُدت بالرد على موضوعك .. تقبل مداخلتي
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 10:38 م]ـ
أشكر الأخت فايزة على هذا الكلام , ولكن لماذا نعطل قدراتنا بأنفسنا؟؟
وأنت قادرة على البذل والعطاء , فلا تكسر قلمك بنفسك ... .
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 10:42 م]ـ
عطر الكلام يتلأل من فيك , والكلام المعطر هو البديع الذي ميزك , لكل روح وجسد , فلا روح إلا روح التآلف والتآخي.
أشكر تواجدك بيننا أخي العزيز ... وننتظر منك الغوص في بحور هذه اللغة.(/)
الفاصلة
ـ[احلام البغداديه]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 11:29 م]ـ
ماهي انواع الفواصل في سورة الواقعه(/)
من قوله تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 08:21 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
فالمضارعة مئنة من الاستمرار والتجدد، فذلك من فعل الرب، جل وعلا، المعلق بمشيئنه العامة، فيقلب القلوب، على جهة المبالغة فـ: "قلَّب" مضعف العين أبلغ في الدلالة على معنى التقلب من قلب غير المضعف، فذلك مئنة من كمال القدرة، فمن شاء أقام قلبه على الطاعة فضلا، ومن شاء أزاغ قلبه فمال إلى المعصية عدلا، فالعباد، كما تقدم في مواضع سابقة، دائرون بين الفضل والعدل، وفي ذلك إشعار بوجوب المبادرة إلى امتثال الحق، فمتى وجد الإنسان في نفسه ميلا إلى الحق، فليبادر، خشية أن تفتر الهمم وتضعف الأبدان، فما كان بالأمس مقدورا لم يصر كذلك اليوم، فمن وجد في نفسه قوة على حفظ الكتاب العزيز أو طلب العلم أو قيام الليل أو الجهاد في سبيل الله أو ..... إلخ من العبادات، فليبادر متى تيسر السبب، فإن الصوارف كثيرة فكم عقدت من همم ثم حلت بالتسويف حتى ولى زمان الكيس، وجاء زمان العجز، فإن تيسر السبب ولم يبادر العبد حال الصحة والفراغ، فإن العقوبة تكون بصرفه عن الطاعة، فإن الحق عزيز، فإن لم تبادر النفوس إلى تلقيه بالتعظيم والتبجيل، غادرها إلى غيرها، وخص القلب والبصر بالتقليب، لأن القلب هو مستودع القوى العقلية، والبصر هو مستودع قوى النظر الحسية، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فعمت العقوبة محال النظر والتدبر، فذلك من جنس قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فذلك من الختم الكوني، إذ علم الرب، جل وعلا، من حالهم أزلا، أنهم ليسوا بأهل للهداية التوفيقية الإلهامية، فصرف قلوبهم وأبصارهم عن الحق، والنفس، كما تقدم في مواضع سابقة، ما خلقت لتعرض بل لتقبل، فلما أعرضت عن قبول الحق والنظر فيه نظر التدبر والتعقل، لا نظر المعارضة والمعاندة كما يقع من كثير من أصحاب الشبهات الذين نظروا في الكتاب العزيز، معدن الهداية البيانية، بعين التشكيك لا التحقيق، فكان جزاؤهم من جنس عملهم فإنهم أرادوا الإضلال، فأضلهم الله، عز وجل، وجعل هذا الكتاب الذي هو، كما تقدم، أصل كل هداية، جعله لهم سبب ضلال، إذ كان نظرهم فيه على غير مراد الرب، جل وعلا، وفي حال كثير من المستشرقين والدارسين لعلوم الإسلام من غير أهله على جهة البحث والتنقير عن الشبهات أو تلفيقها ابتداء!، في حالهم أعظم شاهد لذلك، فإنهم مع عظم ما حصلوه من مسائل الشريعة لم يزدهم ذلك إلا عنادا واستكبارا وجحودا للحق، بل تزييفا له برسم الإنصاف والموضوعية والبحث العلمي المتجرد ..... إلخ من الشعارات الطنانة التي خدعت كثيرا من المسلمين، بما فيهم بعض طلاب علوم الشريعة ممن نجح الاستشراق في فتنتهم فصاروا على طريقته في البحث العلمي المتجرد!، فإثارة للشبهات وإنكار للمسلمات العقدية برسم التجرد في قبول الحق، فالشك، ولو في أصول الملة، أول درجات الإيمان!، وهو عند التحقيق أول دركات الإلحاد والمروق من الديانة كما وقع لكثير من أعلام العصر من أهل التنوير، وهم مادة ظلام فكري ابتلي بها المسلمون في الأعصار المتأخرة جزاء وفاقا لإعراضهم عن تعلم أصول وأحكام الملة الخاتمة، فلما فرطوا في الشريعة ولم تعد قلوبهم لها معظمة وأبصارهم لها ناظرة، كان الجزاء من جنس العمل، فقيض الله، عز وجل، لهم قرناء حطوا من قدر الشريعة في قلوبهم وصرفوا أنظارهم عنها بزعم اللحاق بركب الحضارة الأوربية المعاصرة!، ولم يستفد من صدقهم دينا يعصمه من الشبهات، ولا حتى دنيا من جنس الدنيا التي فتن بها الغرب، وفتن بها الشرق في زمن صار معيار الحضارة الأوحد فيه هو: القوة، ولو كانت برسم الظلم والعدوان، فالبقاء للأقوى عسكريا وسياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا، ولو برسم التخريب والإفساد للكون، كما هو حال الحضارة الغربية المعاصرة التي لا تمتلك أي رصيد معرفي من علوم النبوات يلجم تلك القوة المتنامية، فقوى دنيوية بلا
(يُتْبَعُ)
(/)
أخلاق دينية مظنة البغي والظلم، ولا تكون أخلاق شرعية إلا من مشاكاة الوحي المنزل.
وقدر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله التقليب في العذاب الأخروي، فذلك وجه آخر من وجوه التقليب، ولا مانع من الجمع بين المعنيين، بل التقليب بصرف القلوب والأبصار عن الحق في دار الابتلاء، لازمه تقليب صاحبه في العذاب في دار الجزاء، فهو الذريعة إليه، فسبب التقلب في العذاب هو الإعراض عن النظر في الحق بالأبصار، والتدبر فيه بالأفئدة.
ثم جاء التذييل بعلة ذلك، فالكاف للتعليل، فذلك من استعمالات الكاف، كما أشار إلى ذلك صاحب "مغني اللبيب" رحمه الله، بقوله:
"الثاني، (أي من معاني الكاف الخمسة): التعليل، أثبت ذلك قوم، ونفاه الأكثرون، وقيّد بعضهم جوازه بأن تكون الكاف مكفوفة بما، كحكاية سيبويه: "كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه"، والحق جوازه في المجردة من ما، نحو: (ويْكأنّه لا يُفلح الكافرون) أي أعجب لعدم فلاحهم، وفي المقرونة بما الزائدة كما في المثال، وبما المصدرية نحو: (كما أرسلنا فيكم) الآية قال الأخفش: أي لأجل إرسالي فيكم رسولاً منكم فاذكروني، وهو ظاهر في قوله تعالى (واذكروه كما هداكم) ". اهـ
"مغني اللبيب"، (1/ 195).
فيؤول تقدير الكلام إلى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ لأنهم لم يؤمنوا به أول مرة، فلما عرض عليهم الحق أولا أعرضوا عنه فعوقبوا بالحرمان منه ثانيا فتلك عقوبة الدنيا، ثم عوقبوا في دار الجزاء فتلك العقوبة العظمى.
ثم جاء التذييل: "ونذرهم" إمعانا في بيان العقوبة الربانية بالختم على آلات الإدراك العقلية والبصرية، فذلك أشد نكاية في نفس من يعقل، فإن أعظم عقوبة هي: سلب الحق، وأعظم منها فساد التصور فيظن المعرض عن الحق إلى الباطل أنه على الحق!، وفساد الإحساس فلا يجد تارك الحق في نفسه ألما بل قد انتكست فطرته فيجد في ذلك لذة متوهمة بمباشرة شهوة عارضة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 02:29 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: مهاجر
جزاك الله خيرا، مقال بلاغي مؤثر، خرجتُ منه بنصائح ثمينة، جعله الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة / اللهم آمين.
كان بلال بن سعد يقول فى دعائه: اللهم أني أعوذ بك من زيغ القلوب وتبعات الذنوب ومرديات االأعمال.
وفي حديث حديث رواه أحمد " لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا اجتمعت غلياً ".
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، ويا مقلب القلوب والأبصار اصرف قلوبنا على طاعتك وثبتنا على دينك / اللهم آمين.
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 04 - 2010, 09:04 ص]ـ
اللهم آمين.
جزاك الله خيرا على المرور والتعليق والتذييل بتلك المأثورات الجليلات من السنة وأدعية السلف رحمهم الله، ونفعك ونفع بك: أستاذة زهرة.(/)
من قوله تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ ... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 04 - 2010, 08:57 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)
فذلك من التذكير بالمنة الربانية فناسبه التوكيد، ومجيء المسند إليه على حد ضمير الفاعلين تقريرا لعظم النعمة، فهي من عظم المنعم بها، جل وعلا، وهي نعمة ظهرت فيها آثار صفات جمال الرب، جل وعلا، بإنجاء نوح عليه السلام ومن معه، وصفات جلاله إذ أهلك قوم نوح عليه السلام، وأهلك سائر أعداء الرسالات بالاستئصال العام أو الخاص أو التخوف، كما يجري لكثير من الأمم المكذبة التي جرت عليها سنن الإمهال والأخذ شيئا فشيئا، حتى شارفت على الدروس والاندثار، كما هي حال الغرب المعاصر، فهو مع جريان سنة الإمهال فيه بتمكين ظاهر، فله أسباب الظهور المادي من سلاح وعلوم تجريبية ونهضة تكنولوجية ...... إلخ، إلا أن سنة التخوف فيه جارية، فهو آخذ في الانقراض، فضلا عن هشاشة بنيانه الإنساني، لغلوه في اعتبار حق الجماعة في مقابل الجفاء في حق الفرد، فتركت الفرد وشأنه، وإن فسد، فلا يعنيها منه إلا ما ينفع به الشأن العام، وإن كان أتعس الناس، فيصير الظاهر قويا متماسكا براقا يخدع بريقه كثيرا من أبناء الحضارات الأخرى التي لا تملك من أسباب الدنيا ما يملكه، والباطن هش ضعيف قد نخره السوس وتمكن منه العطب فلا صلاح له إلا في عين ما يفر منه ويسعى للقضاء عليه من الرسالة الخاتمة: فهي منهاج الكرامة الآدمية التي فقدها أكثر الناس في زماننا، فـ: (من يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)، وأي هوان أعظم من صرف العبد عن اتباع الوحي، بمقتضى العدل الإلهي والقضاء الكوني عليه بالضلال فلو علم الرب، تبارك وتعالى، فيه محلا قابلا لآثار الوحي النافع ما حجبه عنه، فقد أعطى غيره بفضله ومنه، ومنعه بعدله وحكمته فلا يضع الشيء في غير موضعه.
واستعير الطغيان للزيادة على جهة الاستعارة التصريحية التبعية، إذ ناب فعل الطغيان عن فعل الزيادة، فدل على عظمها فهي زيادة قد جاوزت الحد المعتاد، بل جاوزت كل الحدود، فأدركت ابن نوح المعتصم بأعالي الجبال، فكيف بما دونها؟!.
وقد يقال بأن الاستعارة: مكنية من جهة تشبيه الماء في زيادته بالطاغية في تجاوزه الحد، ومن ثم حذف المشبه به وكني عنه بفعله: فعل الطغيان، فالطاغية يطغى بداهة.
ونسبة الطغيان إلى الماء من وجه آخر، مما قد يحتج به مثبت المجاز في الكتاب العزيز، إذ الطغيان من أفعال العقلاء، فنسبته إلى الماء نسبة مجازية، فيكون ذلك جار مجرى نسبة الإرادة إلى الجمادات، كما في قوله تعالى: (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)، ومنكر المجاز لا يسلم بذلك إذ نسبة أفعال العقلاء إلى غير العقلاء جائزة، فالرب، جل وعلا، قادر على أن يخلق فيها قوى لا تدركها الحواس الظاهرة، كما ذكر ذلك صاحب رسالة "منع جواز المجاز" رحمه الله فهو أشهر من تصدى لإنكار المجاز من المعاصرين، فمنها: قوى التسبيح الثابتة بنص الكتاب العزيز في نحو قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، فليس عدم العلم: علما بالعدم، فيجوز عقلا أن يخلق الرب، جل وعلا، في الجمادات قوى الطغيان والإرادة والتسبيح ..... إلخ، وقد نطقت العرب بذلك فنسبت أفعالا كالإرادة في قول الشاعر:
يُريدُ الرُّمحُ صَدْرَ أبي بَرَاءٍ ******* وَيَرْغَبُ عَنْ دِماءِ بَنِي عُقَيْلِ
فنسب فعل الإرادة إلى الرمح، مع كونه جمادا لا يعقل، فلا يحس ولا يريد كسائر الكائنات الحساسة المتحركة، فهي فاعلة بالإرادة لا بالطبع، فصار الاستعمال حقيقة لجريان لسان العرب به، وهو الحجة التي يفزع إليها في هذا الشأن، فما تكلمت به العرب قد صار حقيقة في لسانها وإن كان على خلاف دلالة اللفظ المعجمية، فهي دلالة إفرادية تباين الدلالة التركيبية التي تفيد بما ينضم إلى اللفظ من دلالة السياق معان تزيد على المعنى المعجمي الثابت بالوضع الأول على القول بوضع اللغة.
(يُتْبَعُ)
(/)
فالرمح: فاعل بالطبع إذ قد أودعت في نصله قوى الجرح والقتل، فهذا محل إجماع، وإنما وقع الخلاف في نسبة الإرادة إليه، هل هي نسبة حقيقية، أو مجازية، فدلالة الإمكان العقلي تجوز قيام الإرادة به، والإمكان لا بد له من موجب، فليست دلالة الإمكان العقلي في حد ذاتها دليلا صالحا للإيجاب، فغايتها إثبات الجواز، وهو أمر محتمل، فجاء النص: (جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)، موجبا مرجحا لجهة الإيجاب العقلي على جهة المنع، فصحت نسبة فعل الإرادة إليه من هذا الوجه دون حاجة إلى القول بالمجاز، فضلا عن إمكان القول بتضمين فعل الإرادة معنى فعل الميل، فيستعار معنى الميل، وهو معنى يصح إطلاقه على الرمح على جهة الحقيقة بالإجماع، لفعل الإرادة الذي وقع فيه النزاع، فيرد الخلاف إلى معنى قد وقع الإجماع على صحة إطلاقه، فيزول بذلك الخلاف، والتضمين، أيضا، مما عرفته العرب في لسانها، وشواهده من كلامها كثيرة باستقراء نصوص زمن الاحتجاج.
فالماء يطغى، بمعنى الزيادة، ونسبة فعل الزيادة إلى الماء جائزة بالإجماع فالحس يدركها على جهة الحقيقة المشاهدة، فارتفاع الماء من جملة العلوم الضرورية التي يدركها كل أحد.
و: "أل" في "الْمَاءُ": جنسية لبيان الماهية، وفيها وجه استغراق للعموم باعتبار عموم الطوفان، وإن لم يكن الماء آنذاك هو كل الماء المخلوق بداهة، فالعموم من هذا الوجه: عرفي، يدل على عموم الطوفان الذي أجرى الرب، جل وعلا، ماءه انتصارا لنبيه نوح عليه السلام.
حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ: فنسبة الحمل إلى الرب، جل وعلا، نسبة حقيقية باعتباره الفاعل بكلماته الكونية النافذة، فأمر ينابيع الأرض أمرا كونيا فانفجرت، وأمر نوحا، عليه السلام، أمرا شرعيا فصنع الفلك، وأمر الماء فحمل السفينة بمن فيها، فمرد الأمر إلى كلماته الكونية النافذة التي كان بها خلق السفينة، فهو خالق مادتها، وخالق صانعها، وخالق القوة الفاعلة فيه، وخالق الإرادة فيه، وخالق الفعل فيه بتقطيع أخشابها وتركيب أجزائها، فـ: (اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ): فخلق الفاعلين ومفعولاتهم، على القول بموصولية: "ما"، وخلقهم وفعلهم الذي وقع به المفعول على القول بمصدرية: "ما". فنسبة الفعل تتباين بتباين من ينسب إليه، فقد نسب في هذا السياق إلى الرب الخالق، عز وجل، فتلك: نسبة فعل كوني إلى فاعله الخالق المكون للمفعول المخلوق بكلماته الكونية النافذة، فجهة الإرادة الكونية في هذه النسبة ظاهرة، بخلاف النسبة في نحو قوله تعالى: (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ): فتلك: نسبة فعل إلى فاعله المخلوق، فجهة الإرادة الشرعية في هذه النسبة ظاهرة، فهو أمر شرعي من الرب، جل وعلا، إلى عبده، بخلاف الأمر الكوني في آية الحاقة، فتباينت النسبة واختلف المعنى بتباين من أسند إليه الفعل.
وحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه على تقدير: في السفينة الجارية، وفي اختيار وصف الجارية نوع ملائمة لسياق زيادة الماء وطغيانه، ونسبة فعل الجريان إليها من قبيل نسبة فعل الزيادة إلى الماء، فهي تجري بجريان الماء، فجريانها بسبب خارج عنها وهو الماء الذي يحملها فتلك العلة الظاهرة، وهي تجري بإذن الرب، جل وعلا، الكوني النافذ فهو العلة الأولى لكل العلل الظاهرة فبه صدر الكون بأعيانه وأفعاله، فتنسب إلى فاعليها على جهة الفعل، وتنسب إلى باريها، عز وجل، على جهة الخلق، على ما اطرد بيانه في باب القدر، فلكل فعل مخلوق نسبتان: نسبة إلى خالقه بالإرادة الكونية الخالقة، ونسبة إلى فاعله المخلوق بالإرادة البشرية المخلوقة التي ركزها الرب، جل وعلا، في كل مكلف، فمنها المصحح للفعل وهو الذي يتعلق بالتكليف، ومنها الموجب للفعل، وهو قدر زائد يمتن به الرب، جل وعلا، في باب الشرع، على من اصطفاه لطاعته.
و: "أل" في الجارية عهدية من جهة إشارتها إلى جارية بعينها هي السفينة التي حملت نوحا عليه السلام ومن معه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى ما اطرد من جمع أدلة الباب، جاء وصف السفينة في هذا السياق بالجريان، على جهة الحذف فأقيمت الصفة مقام الموصوف، كما تقدم، فهو شاهد لمن قال بمجاز الحذف ومنكر المجاز في التنزيل يجريه على قاعدته المطردة فذلك أيضا مما جرى به اللسان العربي كما في قول اليشكري:
هُمْ صَلَبُوا العَبْدِيّ فِي جِذعِ نَخْلَةٍ ******* فَلا عَطَسَتْ شَيْبان إلا بأجْدَعا
أي: بأنف أجدعٍ
فصار حقيقة باعتبار الاستعمال وإن لم يكن حقيقة باعتبار الوضع اللغوي فالأصل فيه: ذكر الموصوف فلا يحذف إلا لنكتة بلاغية كأن يكون معلوما متبادرا إلى الذهن فيكون ذكره حشوا لا لزوم له فذكره يفقد السياق رونقه، فالجدع صفة تتعلق بالأنف، فذكرها مغن عن التصريح به، وإن لم تختص به، فالجدع يكون للآذان، كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ"، فصارت تلك قرينة مرجحة لا معينة، فجاءت نسبة فعل العطس إليه لتعين المراد منه، فالعطس لا يكون إلا من الأنف بداهة، فتلك قرينة سياقية أغنت عن ذكر الموصوف دون الحاجة إلى القول بالمجاز، فالدلالة الحملية للكلام بالنظر إلى الظاهر المركب من اللفظ والسياق معا تعين المعنى المراد، وإن احتمل أكثر من معنى فذلك إنما يكون بالنظر إلى دلالته الإفرادية، واللفظ لا يعلم معناه بمجرد العلم بدلالته المعجمية بل لا بد من النظر في السياق الذي يرد فيه، فهو، كما تقدم مرارا، أصل في معرفة مراد المتكلم.
وجاء بيان مادتها في سياق آخر في سورة القمر: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ)، على نفس المنوال فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، فالصفة هي محط الفائدة، وقد أغنى السياق: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ)، عن ذكر الموصوف، فالجريان على سطح الماء مظنة إرادة السفينة، فضلا عن دلالة المادة التي صنع منها عليه، فالألواح والدسر التي تحمل البشر والحيوان حال جريان الماء هي أجزاء السفينة بداهة، وفيها إشارة لطيفة إلى طريقة صنع السفن، وتلك منة زائدة على البشر، فإلهام البشر طرائق الصناعات النافعة مما يصلح به أمر المعاش، فكان الأمر شرعيا، كما تقدم، بصناعة الفلك وحمل الأزواج عليه، ولم يخل من وجه امتنان بنعم كونية من أعظمها النجاة من الطوفان المغرق، فضلا، عما تقدم، من تعليم البشر ما ينفعهم في دنياهم، فالرسالات لم تأمر البشر إلا بما فيه صلاح دينهم ودنياهم فهي معدن السلامة في الأولى والنجاة في الآخرة، فينتفع أتباعها بأخبارها وأحكامها في أمرهم العاجل ومصيرهم الآجل.
ومما يزيد المنة الربانية تقريرا: مجيء ضمير المخاطب في: "حملناكم"، فذلك بالنظر إلى الأصل، فنجاة الفرع المخاطب فرع عن نجاة أصله بإنجاء نوح، عليه السلام، فهو أبو البشر الثاني.
وعلى ما اطرد من التلازم الوثيق بين الآيات الكونية الباهرة، فهي مئنة من كمال ربوبيته، عز وجل، والأحكام الشرعية، فهي مئنة من الألوهية، فالإله هو الذي يأمر وينهى، فلكل إله، ولو باطل، شرع نافذ في عباده، فالرب، جل وعلا، أحق إله بذلك، بل لا إله غيره يستحق ذلك ابتداء، فلا معبود بحق سواه، فإن عبد غيره فهو إله معبود بالباطل فلا دليل من شرع أو عقل أو حس يشهد بصحة ألوهيته، فبطل كل حكم سوى حكمه الذي أخبر به رسله عليهم السلام، فالنبوة هي الحكم العدل في كل ما يقع بين البشر من شجار ونزاع: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
فعلى ما اطرد من ذلك التلازم الوثيق جاء النص على علة تصريف هذه الآية الكونية الباهرة، فما أوجدها الرب، جل وعلا، إلا: ليجعلها تذكرة، على جهة التكوين بالنظر إلى فعل الرب جل وعلا الذي أوجد ماهيتها بكلمته التكوينية النافذة، وعلى جهة التشريع بالنظر إلى فعل العبد بتدبرها والنظر فيها بعين التذكرة الشرعية النافعة، فيكون الأمر الكوني ذريعة إلى امتثال الأمر الشرعي، وجاء الجعل على ما اطرد في السياق مسندا إلى ضمير الفاعلين فذلك مما يزيد معنى التعظيم في سياق ذكر آية كونية باهرة وتقرير آية شرعية حاكمة، ونكرت التذكرة مئنة من التعظيم فهي تذكرة عظمية لمن تدبر ونظر، فتعيها كل أذن واعية، فالنكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، كما قرر أهل الأصول، فكان القياس على هذا الوجه أن يحصل المراد بوعي أذن واحدة، فالمطلق من أقسام الخاص إذ يتقرر المعنى بتحققه في فرد واحد من أفراد العموم، فعمومه بدلي لا شمولي كالعام المعروف في علم الأصول، فيكفي في تقريره: تحققه في فرد بعينه، كما تقدم، وذلك ما يعارض عموم التذكرة، فعموم التذكرة قرينة تحمل النكرة في سياق الإثبات على العموم لا الخصوص، فذلك من قبيل قوله تعالى: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" وصاحب "المذكرة"، رحمهما الله، فقرينة السياق مئنة من إرادة العموم فكل نفس تعلم ما أحضرت في دار الجزاء، فلا يقول عاقل بأن نفسا واحدة فقط هي التي ستعلم لأن النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق فيكفي لتقرير المعنى تحققه في نفس واحدة!.
وقد ورد في تفسير: الأذن الواعية، روايات ضعيفة تقصر العموم على فرد بعينه هو علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ولو فرضت صحتها فليس ذلك من تخصيصه، رضي الله عنه، بالتذكرة، فإن قصر عموم التذكرة على فرد بعينه، لا يتصور، فهو عدول عن الأصل بحمل العام على خصوص فرد بعينه، وذلك من المجاز عند من يثبت وقوعه في التنزيل، والأصل في الكلام: الحقيقة، فلا يعدل عنها إلا عند تعذر حمل الكلام عليها فتحمل على المجاز بقرينة صارفة معتبرة، ولا مانع هنا من حملها على الحقيقة بإجرائها على عمومها، ولو سلم بصحة الأثر الذي قصر عموم الأذن على أذن علي، رضي الله عنه، فذلك من قبيل تفسير العام بذكر فرد من أفراده، فلا يخصصه، كما قرر ذلك أهل الأصول، فعلي، رضي الله عنه، من جملة الآذان المؤمنة التي وعت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مراد ربه، عز وجل، فصدقت بالخبر العلمي ووعت الحكم الشرعي فلا يمنع ذلك من دخول آذان بقية المؤمنين في هذا العموم فقد وعتها أذن أبي بكر وعمر وعثمان والزبير وطلحة ........... إلخ، رضي الله عنهم، جميعا، بل وعتها كل أذن مؤمنة بعدهم، من لدن بعث النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فقصر هذا العموم على فرد بعينه تحكم محض لا يشهد له نقل أو عقل، وذلك أصل مطرد في مسالك أصحاب المقالات الحادثة فيتصرف صاحب النحلة الطارئة في النصوص تخصيصا بلا مخصص، لينتصر لمقالته ولو على خلاف المتواتر من أدلة النقل، والمطرد من دلالة العقل واللسان العربي الذي نزل به الوحي.
والله أعلى وأعلم.
ـ[السراج]ــــــــ[08 - 04 - 2010, 12:30 م]ـ
لقد هيأتَ لنا - أيُّها المهاجر - قراءةً ماتعة ..
بوركَ وقتُك وعلمُك ..
ـ[البهاء زهير]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 12:18 ص]ـ
لك الطيبات من الشكر العميم على هذه الروائع.
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 09:51 ص]ـ
جزاكما الله خيرا أيها الكريمان على المرور والتعليق وشكر لكما حسن الظن.(/)
سورة الحجرات ليت أحدا يفيدني
ـ[لون الغروب]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 07:47 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
بودي أحد يفيدني ..
.. استخراج الوصل والفصل والاسناد .. والمحسنات البديعية اللفظية والمعنوية من سورة الحجرات ..
ولكم جزيل الشك1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ر ..
ـ[لون الغروب]ــــــــ[17 - 04 - 2010, 03:29 م]ـ
ياكثر المشاااهدات بس ولا أحد 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ررد
لها لدرجه طلبي صععععععععععععععب ..
ـ[أنوار]ــــــــ[17 - 04 - 2010, 04:40 م]ـ
مرحبًا أختي الكريمة:
ما تطلبين ليس سؤالًا عابرًا ولكن هذا بحث تطبيقي
يحتاج منكِ لجهدٍ وتأملٍ وفهمٍ جيد للقاعدات
عودي لكتاب جامع لعلوم البلاغة وحاولي التطبيق،
وإن عنَّ لكِ أمر فستجدين من يصوب
أما أن تنتظرين، فالسماءُ لا تمطر ذهبًا(/)
أرجو التصحيح عاجلا
ـ[لون الغروب]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 08:37 ص]ـ
هذي محاولاتي في استخراج بعض المحسنات البديعية من سورة الحجرات وارجو منكم التصحيح ... جزيتم خيراٍ .. ومن لديه زيادةفليضيف لا حرمكم المووولى الأجر ..
الإيمان .... الكفر =طباق
حبب .... كره= طباق
حبب إليكم الأيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق .. =مقابلة
بغت ... تبغي=جناس
تفئ .... فاءت=جناس
اقسطوا ا ... لمقسطين=جناس
أيحب ... فكرهتموه= طباق
ذكر ... أنثى=طباق
ءامنا ... لم تؤمنوا=طباق سلب
السموات .. الأرض=طباق
يمنون ... لاتمنوا=طباق سلب
اخوة ... أخويكم=جناس
أسلموا .. اسلامكم=جناس
يعلم .. تعلمون=جناس
أتعلمون .. =يعلم=جناس
ـ[أنوار]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 11:25 م]ـ
مرحبًا بكِ أختي الكريمة
محاولتكِ صائبة
ولكن:
لو وضعتِ هذه المشاركة في موضوعكِ السابق.
ـ[لون الغروب]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 02:31 ص]ـ
آثابك المووووولى
طيب منكن تساااعدوني بالوصل والفصل والاسناد ..(/)
من قوله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْر)
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 09:56 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
فذلك من لمة الشيطان، فالشيطان يعد الإنسان بهاتف الشر على جهة المضارعة والتوكيد باسمية الجملة وتكرار الفاعل، على ما اطرد في الجملة الاسمية التي خبرها: فعل، فاعله قد استتر فيه، فيعدكم الفقر، ليأمركم، على جهة الوسواس، بالبخل، فـ: "أل" في "الفحشاء"، عهدية، تشير إلى فحش بعينه هو: البخل، لقرينة السياق، فالآية قد وردت في سياق يبين جملة من أحكام الإنفاق، ووسواس الشيطان في هذا الباب إنما يتوجه بداهة إلى تزيين معصية الإمساك عن الإنفاق في سبيل الله، فصار لفظ: "الفحشاء" في هذا السياق من قبيل المجمل التي يفتقر إلى البيان مع وضوح دلالته المعجمية، فمادة: "فحش" في لغة العرب تدل على القبيحُ من القول والفعل، فتعم كل صور القبح القولي والفعلي، ودلالة العام على أفراده: ظنية تقبل التخصيص، فخصص العموم في هذا الموضع حتى لم يبق منه إلا فرد واحد، فصارت دلالته مجازية، عند من يقول بالمجاز، فالعهد يشير إلى فرد بعينه من أفراد عموم يستغرق بأصل وضعه أفرادا كثيرة، فآلت الصورة إلى صورة: العام الذي أريد به خاص بعينه، وذلك عند من يثبت المجاز: من قبيل المجاز المرسل، فعلاقته العمومية أو الكلية، إذ أطلق العام أو الكل، وأراد الخاص أو البعض، ومن ينكر المجاز فإنه على أصله المطرد في هذا الباب يرد الأمر إلى القرينة السياقية، فالدلالة الحملية للألفاظ بالنظر إلى السياق الذي وردت فيه تغاير الدلالة المعجمية، فقد تكون الدلالة الحملية أوسع من الدلالة المعجمية، كلفظ: "الإيمان" فإن دلالته المعجمية تدل على التصديق وقدر زائد هو الإقرار، بينما دلالته الحملية في نصوص الشريعة تدل على اعتقاد القلب الباطن، وقول اللسان الناطق، وعمل الجوارح الظاهر، وقد تكون أضيق، كما في هذه الصورة التي ضاقت فيها دلالة العام حتى اقتصرت على فرد بعينه هو: البخل، لقرينة ورود ذلك في سياق يبين جملة من أحكام النفقة في سبيل الله، فوسواس الشيطان في هذا الباب، ينصرف بداهة، كما تقدم إلى الأمر بالإمساك خشية الفقر، فيخوف المنفق من عاقبة إنفاقه!.
وأمر الشيطان: أمر وسوسة، كما تقدم، فليس شرعيا، فالكافر لا يأمر بالطاعة، والشيطان رأس الكفر فلا يأمر بالخير إلا ليمكر بالعبد بصرفه عن خير أعظم، فذلك آخر حيله مع العبد إن صمد للعدو الباطن والخارج، فيجيش لقتاله جيوش الشبهات والشهوات وجيوش العدو الظاهر من شياطين الإنس: ترغيبا وترهيبا ليعدل عن طريق الهداية، أو اضطرارا كما في حديث تعليم الشيطان آيةَ الكرسي لأبي هريرة رضي الله عنه.
واللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا: فذلك من المقابلة لوعد الشيطان، فجاء على نفس النظم، إذ صدر بالفاعل المعنوي، وجاء المسند: فعلا مضارعا مئنة من التجدد والاستمرار، فهو من وصف فعل الرب، جل وعلا، المتعلق بمشيئته النافذة، فذلك جار على ما تقدم في مواضع سابقة من أولية الرب، جل وعلا، ذاتا وصفات، فاتصف جل وعلا، بنوع الصفة الفعلية، وظهرت آثارها متجددة بتجدد مشيئة الرب، جل وعلا، الاتصاف بها إذا وجد سببها، فالوعد يتجدد بتجدد سببه من الطاعة، والوعيد يتجدد بتجدد سببه من المعصية، فيعد، جل وعلا، وعدا متجددا مستمرا، عباده بالمغفرة والفضل. ونكرت المغفرة والفضل مئنة من التعظيم، فضلا عن صدورهما من الرب، جل وعلا، فـ: "من": تفيد ابتداء الغاية، فذلك آكد في بيان عظم المنة الربانية بالمغفرة والفضل، فعظم المنحة من عظم المانح، وفي السياق إيجاز بحذف المتأخر لدلالة المتقدم عليه، فتقدير الكلام: والله يعدكم مغفرة منه وفضلا منه، فاكتفي بالقيد الأول على ما اطرد في لسان العرب من الاكتفاء بالقيد الواحد لمقيدات متتالية في سياق واحد.
(يُتْبَعُ)
(/)
والوعد: مظنة الاشتراك اللفظي في هذا الموضع، فدلالته الظاهرة تشير إلى معنى الخير، كما أن دلالة الوعيد تشير إلى معنى الشر، فلما دل على الشر في وعد الشيطان، والخير في وعد الرحمن، جل وعلا، صار اللفظ مستعملا في الضدين في سياق واحد، فهو من الأضداد، على هذا الوجه، والأضداد من المشتركات اللفظية المجملة، بل هي من أشدها إجمالا، فلا يفصل النزاع في دلالتها إلا القرينة السياقية التي تعين مراد المتكلم، فإسناده إلى الشيطان قرينة من إرادة الشر، كما أن إسناده إلى الرحمن، عز وجل، قرينة من إرادة الخير، فزال الإجمال بقرينة السياق المبينة، فحصل البيان بالنظر في المسند إليه، فلما أسند إلى معدن الشر فكل شر منه على جهة التسبب لا الخلق، فالشر مخلوق للرب، جل وعلا، بإرادته الكونية وإن كان على خلاف مراده الشرعي الذي يحبه ويرضاه، وإنما خلقه لما يترتب عليه من الخير الآجل الذي لا يحصل إلا بوجوده، فتلك، كما تقدم في مواضع سابقة، من دلائل حكمة الرب، جل وعلا، فلما أسند إلى معدن الشر على هذا الوجه، كان ذلك دليلا لمن قال بالمجاز إذ استعار فعل الوعد لمعنى الشر، وهو كما تقدم بأصل وضعه أو دلالته المعجمية يدل على معنى الخير، ثم استعمل في الشطر الثاني من الآية على جهة الحقيقة، فذلك شاهد لمن قال بجواز الجمع بين الحقيقة والمجاز في سياق واحد، فالقرينة قد عينت المراد من كليهما، فدلت على إرادة المجاز في وعد الشر، فهو محض وسواس وتزيين استعير له معنى الوعد باعتبار ما يتوهمه العاصي من لذة متوهمة في المعصية التي يزينها الشطان له، ودلت على إرادة الحقيقة في وعد الرحمن بالمغفرة والفضل، وأما من ينكر المجاز فإنه ينظر إلى الدلالة الحملية للسياق، فهي قرينة لفظية عينت المراد من الوعد في كلا الشطرين، بالنظر إلى المسند إليه، كما تقدم، فما يتبادر إلى الذهن من اللفظ إما أن يكون بالنظر إليه منفردا، فتلك دلالته المعجمية المطلقة، وهي لا تعين المراد منه تحديدا وإن دلت بمقتضى العرف اللغوي على معنى راجح، كلفظ الوعد فإنه عند إطلاقه يتبادر إلى الذهن منه معنى الخير، ولكن ذلك الظن الراجح لا يصير جزما إلا بالنظر إلى السياق الذي يعين المعنى المراد، فذلك النظر الثاني وهو: النظر إلى الدلالة التركيبية للسياق الذي يرد فيه اللفظ، فيصير نصا في معنى بعينه بعد أن كان ظاهرا محتملا، فقرينة السياق اللفظية قد رفعت الاحتمال ودلت على المعنى المراد جزما، وقد يقال من وجه آخر بأن في نسبة الوعد إلى الشيطان نوع تهكم، فتكون الاستعارة تهكمية من قبيل قوله تعالى: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، فاستعيرت البشرى لما يسوء صاحبها، فكذلك الحال في وعد الشيطان، فالوعد مظنة الخير، ونسبته إلى الشيطان مئنة من الشر بل أعظم شر، فذلك وجه التهكم إذ يدل اللفظ على ضد المعنى المتبادر إلى الذهن منه.
وعدة الشيطان قد اختلفت مواردها، فالسياق، كما تقدم، قيد فارق بين المعاني، فتعلقت هنا بالفقر ليحمل الإنسان على الإمساك والبخل، وتعلقت في نحو قوله تعالى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) بتغيير الخلق، وتعلقت بالوعد العام في نحو قوله تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ)، فأطلق وعده عن كل قيد فهو الداعية إلى كل شر بتزيينه للكافر والعاصي، فيستر قبح دعواه بمعسول المعاني ومكذوب المباني. فيكون ذلك جاريا على ما اطرد من جمع أدلة الباب لتعيين مراد المتكلم، فالإجمال في موضع كما في آية إبراهيم قد ورد بيانه في آيات أخر، كما في آية النساء وآية البقرة، فتلك صور من وعده الكاذب، فذكرها ليس تخصيصا لعموم وعده، على ما تقدم في أكثر من موضع من امتناع تخصيص العام بذكر بعض أفراده في معرض التمثيل، بل يعد كل كافر وعاص بوعد يلائمه، فلكل وسواسه الذي يناسبه، فيعد أصحاب الشبهات بفاسد العلوم، ويعد أصحاب الشهوات بفاسد الأعمال، ولا يرد كيده إلا بالاستعانة بخالقه، عز وجل، وبذل السبب الدافع لوساوسه العلمية
(يُتْبَعُ)
(/)
بنافع العلوم، ووساوسه العملية بصالح الأعمال، ولا يتلقى ذلك إلا من مشكاة النبوات فهي التي دلت على جهة الجزم والتفصيل على كل علم نافع وعمل صالح. فلا صلاح لدين أو دنيا، ولا نجاة في أولى أو آخرة إلا باقتفاء آثارها تصديقا وامتثالا.
ثم جاء التذييل بـ: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، فالسعة تلائم عظم المغفرة والفضل، فللرب، جل وعلا، غاية الكمال من صفة السعة، فله سعة الذات وسعة الصفات، فذاته أعظم وأكبر وأكمل ذات، قد قامت بها صفات الجمال والجلال، فصفاته، هي الأخرى، قد بلغت غاية العظم والسعة، فرحمته وسعت كل شيء، فيكون إجمال وجوه السعة في هذا السياق لتعذر إحصائها فـ: "لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ"، قد ورد بيانه في نحو قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) فتلك سعة صفة الرحمة، وهي من صفات الجمال، فرحمته العامة: رحمة الرحمن قد عمت كل الخلائق، مؤمنهم وكافرهم، بل رأس الكفر إبليس قد ناله منها حظ، فأنظر إلى يوم الوقت المعلوم، إذ كان له سابق عمل صالح أحبطه بكفره واستكباره، فاقتضى عدل الرب، جل وعلا، ورحمته، أن يجازى بذلك وإن أحبطه بكفره فالكفر يحبط كل عمل صالح: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، ومع ذلك نال إبليس من الرحمة العامة ما بقي به إلى يوم الوقت المعلوم، فطرد من رحمة الرحيم فهي خاصة بالمؤمنين وطرد معه كل كافر مارق من ذريته أو من ذرية آدم عليه السلام فذلك وجه تخصيص بالشرع لعموم الرحمة في هذه الآية، فعموم "شيء" محفوظ بالنظر إلى الرحمة العامة: الرحمة الكونية، رحمة الرحمن الذي نالت رحماته العامة كل الكائنات، كما تقدم، فنعمه الكونيات السابغات قد طالت كل مخلوق، فبها يستمتع المؤمن والكافر، بل للكافر منها نصيب أعظم بمقتضى سنة الإملاء، وسنة توفية الأجر في دار الابتلاء، فلا حظ لهم من الأجر في دار الجزاء إذ قد استوفوا أجورهم في الدار الأولى فتعجلوا نصيبهم لفساد تصورهم، ففسدت إراداتهم تبعا لذلك فظهر أثر ذلك الفساد لزوما على جوارحهم بإيثار اللذة العاجلة وإن أعقبها ألم عظيم وفساد كبير في الدنيا والدين، فلا هم حصلوا لذة عاجلة خالصة من الشوائب بل قد أعقبها ألم وفساد نرى منه صور القلق والاضطراب التي تعاني منها المجتمعات المترفة، فذلك ألم باطن ينسي صاحبه كل لذة ظاهرة، فضلا عن الألم الآجل في دار الجزاء فهو الذي ينسي على جهة الحقيقة كل لذة عرضت في دار الابتلاء، فكأنها لم تكن، وعموم الرحمة مخصوص بالنظر إلى الرحمة الشرعية: رحمة الرحيم فتلك لا تنال إلا عباده المؤمنين، فيكون ذلك، أيضا، من العام الذي أريد به الخصوص، لقرينة النصوص الدالة على اقتصار الرحمة الخاصة على المؤمنين، فمن ذلك قوله تعالى: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، وفي المقابل: عقابه شديد وغضبه عظيم، وعذابه أليم فتلك من سعة صفات الجلال فآثارها قد ظهرت في انتصاره لرسله وأوليائه من أعدائه فهو الجبار المتكبر، العزيز ذو الانتقام، فله سعة الذات والصفات على هذا الوجه، وذلك محض تصور للمعاني دون إدراك للحقائق، فلا يدرك العقل مهما بلغت سعة مداركه طرفا من حقيقة كمال الرب، جل وعلا، ذاتا وصفات.
فذلك من التذييل المؤكد لمعنى ما تقدمه، والعلم مشعر بكمال إحاطة الرب، جل وعلا، ليحترز المنفقون بتحرير نواياهم، فلا يجدي صلاح صورة العمل الظاهر إن كان الدافع الباطن فاسدا.
والله أعلى وأعلم.(/)
من لها؟
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 11:22 م]ـ
لقد فخرت العربية أياماً وأيام , وها هي اليوم تلبس حلتها القشيبة , وتأتي مزركشة الهيئة , لتحتفي برجال قاموا بجهود تشكر , ولهم منا الدعاء , فأخذوا على عواتقهم بث روح اللغة العربية في هذا الموقع المبارك, الذي يزدلف إليه أقطاب القطر العربي , لا بل حتى الإسلامي , من كل ماكن.
لقد كنت يالغتنا الحبيبة صفحة الإشراق ومنعطف القلوب , أشربنا حبك والدفاع عنك بالغالي والنفيس وبكل المقدرات , فأنت عظيمة الوجود , خالدة في أعماق قلوبنا , لن نتركك لقمة سائغة في أيدي الأعداء بل سنكون لك الدرع والحصن الحصين , حتى آخر رمق ... .نعم حتى آخر رمق ..
تعرفنا من خلالك على ذويك وأهلك ومحبوك , أنت أسرة عظيمة القدر , شريفة الحسب , فأجدادك الصحابة الفصحاء , وأعمامك من كبار النحاة والصرفيين مثل سيبويه والخليل , وأخوالك البلاغيون مثل عبد القاهر وابي هلال والرماني والخطيب والتفتازاني , عماد النقد الأدبي الرفيع , هم الحماة على الخيارات التعبيرية الجيدة والأجود منها , وأرحامك اللغوييون الأصمعي وأبو عمرو والمفضل , هكذا فلتكن القرابة هكذا وإلا فلا ... .
وها نحن ننتسب لك ولا نرخي العنان أبداً بل هو مشدود إلى قربوس الفرس , كالرجل المحتبي لا يفك حبوته ألبته.
لغتنا العميقة الأبعاد القريبة الى النفوس كم جاهدت حتى وصلتي إلينا! -نحن نعرف أن اللغة باقية ببقاء القرآن لأنها وعاء يحمل هذه الرسالة وتكفل الله بحماية كتابه الكريم , وهذا يتأتى بالضرورة إلى حفظ هذه اللغة - تكابدت الزمن وعانيت أشد الألم , لم تقف مكتوفة اليد يوماً من الأيام , بل قمت تصارعين الخصوم فتفحمينهم بالجدل تارة وبالأعدل تارة وبالأفصح مرة أخرى , لم تكون بمعزل عنا ونحن ننظر إلى صيرورة حياتك , على مر الزمن وفي كل حال , نجدك المخلصة لأهلك , فحماك الله من كيد الفجار وشر الأشرار ... .
لهذه المقطوعة بقية ... . ودمتم في رعاية الله.
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 03:05 ص]ـ
بارك الله فيك وقوى ساعدك ياليت كلهم مثلك
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 07:59 ص]ـ
وأنت أشكرك يا أحمد على هذا الإطراء الذي يجعلني أكثر تفاعلاً.
وفي هذه الحقول المباركة من هو أفضل مني وأخير ........ ثم أصبحت (خير).
اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرأً مما يضنون واغفر لي ما لا يعلمون(/)
إلى أهل اللغة ما الفرق بين "اليسر" و "السهولة"؟
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 05:11 ص]ـ
الحمد لله
مع الأمثلة لو تكرمتم
وحبذا لو يجمع أحد مادتي ذلك من آيات وأحاديث
وفقكم الله(/)
من قوله تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّما ...... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 09:03 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا):
فذلك من المقابلة التي استوفت شطري القسمة العقلية، فمن اهتدى، فذلك عموم لا مخصص له، بالنظر إلى فعل العبد، فهدايته لنفسه على جهة القصر الحقيقي بـ: "إنما"، فلا تنفع هدايته الرب، جل وعلا، فهو غني عن طاعة عباده فلو كانوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ما زاد ذلك في ملكه شيئا، والقصر بـ: "إنما" مئنة من كون ذلك من جملة العلوم الضرورية التي لا يماري فيها إلا جاحد أو جاهل، فـ: "إنما" أضعف أساليب القصر، فلا حاجة إلى القصر بأسلوب أقوى فالضرورة تقدر بقدرها فمتى تأدى المعنى بلفظ يحصل به تمام البيان فقد تحقق المراد، بل إن الاقتصار على لفظ أضعف دلالة في مواضع بعينها لا يلائمها اللفظ الأقوى، كما في هذا الموضع، إذ المعنى، كما تقدم، من الوضوح بمكان، مئنة من تمام البلاغة، فمتى تأدى بلفظ أضعف دلالة فلا حاجة إلى استعمال اللفظ الأقوى، فلكل مقام مقال.
فالعبد يهتدي بإرادة حقيقية فنسبة فعل الهداية إليه: نسبة حقيقية لا مجازية، كما يزعم أهل الجبر، ولا تعارض بين هذه النسبة والنسبة في نحو قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فنسبة الهداية في آية الإسراء: نسبة مخلوق إلى خالق، بالنظر إلى إرادة الهداية التي يخلقها الرب، جل وعلا، في قلوب من اصطفاهم من عباده، فييسر لهم أسبابها، فمنه الإيجاد ومنه الإمداد، وهي من جهة أخرى بالنظر إلى فعل الرب، جل وعلا، نسبة: فعل إلى فاعله، فهداية البشر من وصف فعله المتعلق بمشيئته العامة النافذة، فيهدي من شاء فضلا، ويضل من شاء عدلا، فاختلاف النسبة في أفعال العباد: خلقا وإيجادا من الرب جل وعلا بإرادته الكونية النافذة، وفعلا واكتسابا من العباد بإراداتهم المخلوقة، ذلك الاختلاف مما تنحل به كثير من الإشكالات في باب القدر.
وفي المقابل:
وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا: فذلك أيضا من العموم المحفوظ، والقصر بـ: "إنما" فيه كالقصر بـ: "إنما" في الشطر الأول من القسمة العقلية، والنسبة فيه أيضا: نسبة فعل إلى فاعله المخلوق، فيكتسب العبد بإرادته المخلوقة: أفعال الضلال، فيكون تيسير أسبابها له من عدل الرب، جل وعلا، فيه، إذ علم من قلبه محلا غير قابل لأسباب الهداية، فاقتضت الحكمة إمداده بضدها من أسباب الضلال، فباختلاف المحال، واختلاف الإمداد تبعا لاختلاف أحوال المحال، فلكل محله ما يلائمه، بذلك الاختلاف تظهر آثار حكمة الرب، جل وعلا، فـ: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)، فيمد كل محل بما يلائمه من أسباب الهداية فذلك من فضله، أو أسباب الضلال فهذا من عدله.
ثم جاء التذييل على سبيل المثل الجاري:
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى: فلا تحمل نفس وازرة وزر غيرها، فذلك من إيجاز الحذف على ما اطرد في التنزيل، فذلك من المجاز بالحذف عند من يثبت المجاز في الكتاب العزيز فهو جار مجرى قوله تعالى: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)، أي: دروعا سابغات، على ما تقدم في مواضع سابقة، وأما منكر المجاز فإنه على أصله، فيرد ذلك إلى لسان العرب فما تكلمت به العرب فهو حقيقة في الدلالة على مراد المتكلم، وإن خالف الدلالة المعجمية، فالدلالة الحملية للكلام تغاير الدلالة المعجمية لمفرداته، فالسياق دال بداهة على أن الحامل هو نفس الفاعل، فالأوزار تقوم بفاعليها قيام الفعل المكتسب بذات فاعله، ولا يعني ذلك تبرئة ساحة رءوس الضلالة في سائر الملل والنحل الباطلة فيحملون من أوزار أتباعهم لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، ومن ذلك: تعذيب الميت ببكاء أهله عليه فلا يحمل من وزره شيئا إلا إن أوصى به، أو رضي به، ولو تقريرا، كمن علم من عرف زمانه ذلك فلم يوص بضده، فسكوته في موضع
(يُتْبَعُ)
(/)
البيان: بيان، فنزل تقريره منزلة التصريح.
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا: فذلك من القصر بأقوى أساليبه، فأفاد العموم بتسلط النفي على النكرة: "رسولا"، وهو عموم مخصص لعموم قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)، فلا عذاب إلا بعد البلاغ، فمن لم يصله البلاغ على وجه تقوم به الحجة الرسالية عليه فهو من أهل الفترة، ولذلك لم يعذر أهل الكتاب في زماننا، إذ قد بلغتهم الحجة الرسالية ببلوغ خبر النبي الخاتم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد ظهر أمره، ورفع ذكره على نحو يحمل كل إنسان، لا سيما الكتابي الذي يؤمن إجمالا بجنس النبوات أن يفتش في حال هذا النبي، فينظر في مسلكه الشخصي، وينظر في مسلكه العام، فقول مدعي النبوة يدل على صدقه أو كذبه جزما، فمن المحال أن يكون كاذبا وينطلي أمره على كل البشر، فلا يفطن أحد من العقلاء إلى كذبه وتناقضه، فذلك من رحمة الرب، جل وعلا، بعباده أن كشف ستر الكاذب، فمآله إلى افتضاح، وإن ظهر أمره ابتداء فتنة وابتلاء، وأدلة النبوة من الكثرة بمكان فقد بلغت حد التواتر لعظم حاجة البشر إلى إثباتها والاستدلال على صحتها، والناظر في شخص النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأوصافه الخُلُقية والخَلْقية يدرك يقينا أنه قد طبع على خلال الخير، فلا يتكلف خلال الصدق والأمانة بل هي جبله فيه فهو: "الصادق الأمين" قبل مبعثه فلم يستجز الكذب على البشر فكيف استجاز الكذب على رب البشر جل وعلا، وهو من أكمل الناس عقولا، فلم يكن الوحي كما يزعم أعداؤه وحيا شيطانيا أو صرعا تغيب به قوى العقل فيهذي الإنسان بما لا يعقل، فإن تلك الأحوال الناقصة تباين حال الوحي الكاملة يقينا، فمن يوحي إليه الشيطان من السحرة والكهان، ومن تصرعه الجان، لا يمكن أن ينطق بوحي معجز المبنى والمعنى، قد بلغ الغاية في النظم اللفظي فلا يقدر أصحاب اللسان القرشي، وهم أفصح العرب على معارضته، فما بال الشيطان قد أوحى له وحده بهذا الكتاب المعجز، وأوحى إلى غيره من السحرة والكهان بطلاسم يهذي بها الساحر، أو خطفات يخطفها الشيطان فيلقيها إلى الكاهن فيكذب معها مائة كذبة، فذلك لا ينهض إلى معارضة الكتاب العزيز بداهة: فشتان الوحي الرحماني، والوحي الشيطاني، فالأول نزل به الروح الأمين على قلوب الرسل والنبيين، فـ: (مَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ)، فهم عن سماع كلمات الوحي الشرعية فحوى الرسالات السماوية معزولون، فغايتهم أن يسمعوا كلمات متفرقات من الكلمات التكوينيات لما هو آت فيلقونها إلى أوليائهم من شياطين الإنس فيلبسون بها على من يأتيهم من الجهلة والسفلة، فلا يطرق أبوابهم إلا جاهل أو رقيق الديانة وإن كان صاحب رياسة كما هو حال كثير من أصحاب الوجاهات والرياسات في زماننا، فلكل منجمه الخاص كما أثر عن كثير من الزعماء، فلا يصدر إلا عن أمره، وذلك أثر ظاهر لغيبات النبوات، فإذا خلت القلوب من تعظيمها وتصديق أخبارها وامتثال أحكامها حل محلها لزوما: ما يضادها من الطلاسم والتعويذات! فالنفس خلقت لتعمل لا لتترك، فهي حساسة متحركة لا بد لها من محبوب تريده فهو المألوه المعبود.
قال ابن القيم رحمه الله:
"والنفس متحركة بطبعها لا بد لها من مراد محبوب هو مألوهها ومعبودها فإن لم يكن الله وحده هو معبودها ومرادها وإلا كان غيره لها معبودا ومرادا ولا بد فإن حركتها ومحبتها من لوازم ذاتها فإن لم تحب ربها وفاطرها وتعبده أحبت غيره وعبدته وإن لم تتعلق إرادتها بما ينفعها في معادها تعلقت بما يضرها فيه ولا بد فلا تعطيل في طبيعتها وهكذا خلقت". اهـ
"شفاء العليل"، ص280.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما الثاني فهو: وحي شيطاني نزلت به الشياطين على قلوب السحرة والعرافين بكل مفسد ضار فـ: (مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ)، فما ظنك بعلم يكفر صاحبه فذلك ضرره اللازم، ويؤذي به غيره، فذلك ضرره المتعدي إلى الغير فهو فساد من كل وجه، فيَفسد صاحبه ويُفسد غيره به. فالتمييز بين النوعين أمر يسير إلا على من طمس الله على قلبه فأعمى بصيرته، فلا يميز جنس النبوات الهادي عن بقية أجناس الأخبار الشيطانية أو البشرية، فكيف تختلط الكلمات الإلهية بغيرها من الكلمات البشرية أو الشيطانية فلا تمتاز الأولى على وجه يحصل به كمال البيان والإرشاد، فإن لازم ذلك إبطال الحجة الرسالية، كما تقدم، فإن الحجة لا تقوم إلا بلفظ معجز المبنى والمعنى فلا يقدر الإنس أو الجن على معارضته فـ: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
وأما النظر في مسلك النبي العام فذلك أمر قد ظهر لكل عاقل نظر بعين الإنصاف في مقالات الأمم في أمور الإلهيات والحكميات، فأخبار النبوات، لا سيما النبوة الخاتمة، قد بلغت الغاية في صحة النقل، فلا تملك أمة غير أمة الإسلام إسنادا متصلا إلى نبيها، أو صاحب مذهبها إن كان أرضيا، فأخبار أهل الكتاب قد علم انقطاعها لا سيما زمن تخريب بيت المقدس، فالإسناد مقطوع بل معدوم في زماننا، وبقية المقالات أشد انقطاعا وانعداما من باب أولى!، فمن من أتباع الديانة البوذية، على سبيل المثال، يملك إسنادا عال أو نازل إلى بوذا؟!، فنقل أهل الإسلام يباين سائر أجناس النقل، فالكتاب العزيز قد بلغ حد التواتر في نقله، والسنة المتواترة قد ألحقت به من هذا الوجه، وأما السنة باعتبار المجموع فهي متواترة، فنقلها في الجملة: متواتر، وأما أخبار الآحاد فقد حررها جهابذة المحدثين وفق معايير نقدية دقيقة فحررت الأسانيد وضبطت المتون، ودواوين السنة شاهد عدل بذلك، بل إن مدارس النقد التاريخي الحديثة قد اقتبست شعبة من تلك المعايير التي سبق بها المحدثون والمؤرخون من أهل الإسلام سائر الأمم.
وهي مع ذلك توافق قياس العقل الصريح، فلا تجد خبرا صحيح النقل يحيله العقل، وإنما غايته أن يحار في إدراك كنهه، فلا يحيل المعنى الذهني فهو جائز التصور، فليس فيه ما يناقض قياس العقل الصريح كحال مقالات من قبيل التثليث الباطل نقلا وعقلا وحسا، والاتحاد والحلول ..... إلخ، فليس في أخبار النبوات ما يناقض قياس العقل الصريح، فإما أن يكون الخبر باطلا، وإما أن يكون عقل الناظر فيه فاسدا أو سيئ المقصد، كحال أصحاب الشبهات الذين يتتبعون المتشابه لمعارضة المحكم به.
وأما أحكامها فهي أعدل الأحكام فتلك شهادة من أنصف من الفلاسفة والنظار، فالناموس الخاتم أعدل ناموس طرق العالم، فلا أعدل من أحكامه التي بلغت الغاية في الملائمة لكل عصر ومصر.
والله أعلى وأعلم.(/)
من قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 04 - 2010, 09:11 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ):
فذلك من الأمر للإرشاد، فخذ، على سبيل التناول والعناية بالمأخوذ، فالأخذ مظنة التمسك، ففيه قدر زائد على مجرد تناول الشيء، وفيه، عند من يثبت وقوع المجاز في التنزيل، استعارة الأخذ الحسي للأخذ المعنوي مئنة من كمال التلبس بالوصف والامتثال للأمر، فمادة الأخذ هنا دالة على الأخذ الشرعي، لقرينة توجه الأمر به على جهة الإرشاد، فلا يكون ذلك إلا شرعا إما على جهة الإلزام، وإما على جهة الندب، فالأخذ هنا خلاف الأخذ في نحو قوله تعالى: (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ)، فقرينة السياق دالة على الأخذ بالإهلاك، فذلك أخذ كوني لأعداء الرسالات بكلمات الرب، جل وعلا، الكونية فعن وصف جلاله صدرت، وبها ظهرت آثار أوصاف الجلال من الجبروت والانتقام ....... إلخ. ومن ينكر المجاز فإنه يرد الأمر، كالعادة، إلى عرف اللسان وما يتبادر إلى الذهن من معنى الأخذ، فهو، كما تقدم، مئنة من كمال العناية وهو المراد في هذا السياق فأدركه الذهن ابتداء، فهو من قبيل الأخذ في نحو قوله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)، وأخذ الكتاب بداهة كناية عن العناية به تدبرا وتمسكا ولا يمنع ذلك إرادة المعنى الحقيقي بتناوله باليد.
و: "أل": في: "العفو": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فتعم كل أنواع العفو، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك مما يلائم أزمنة الضعف، ومقام الدعوة، فلا يقال بأنه منسوخ بآية السيف، بل هو منسوء فيدور مع الوصف الجالب له وجودا وعدما، فمتى كان ضعف فاللائق هو الرفق بلا ذلة وضعة، ومتى كانت قوة فاللائق هو الشدة بلا ظلم أو عدوان، ولكل مقام مقال فليس مقام الدعوة والمناظرة بالحجة والبرهان كمقام القتال والمفاصلة بالسيف والسنان، فالأول مظنة الجمال والثاني مظنة الجلال فلا يصلح أحدهما محل الآخر، وإنما الحكمة وضع الشيء في موضعه الملائم له.
والعموم مخصوص بما لا يعفى عنه من حقوق الله، عز وجل، وحقوق العباد، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فـ: "مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ: فذلك عموم آخر، والأمر متوجه ابتداء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو مأمور من وجه، آمر من وجه آخر، فيدخل في عموم التكليف فهو أحد المكلفين، ويأمر على جهة التشريع فذلك من البلاغ الذي اختص به بمقتضى منصب النبوة، فهو، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صاحب الشريعة باعتباره المبلغ لها، فـ: (مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى).
والعرف: مصدر أريد به اسم المفعول، على ما تقدم في أكثر من موضع، من تبادل الصيغ التصريفية على جهة مجاز التعلق الاشتقاقي، عند من يقول بالمجاز، ومن ينكره فإنه يجريه مجرى قوله تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)، أي: مخلوقه فالسياق دال بظاهره على المعنى المراد دون حاجة إلى تكلف القول بالمجاز، فكذلك الأخذ بالعرف إنما يكون بالأخذ بخلال المعروف.
وقد استدل بعض الأصوليين بهذه الآية على حجية العرف فهو أحد أدلة الأحكام الكلية، ولا دليل فيها، عند التحقيق، إذ في هذا الاستدلال: حمل للحقيقة القرآنية المتقدمة على الحقيقة الاصطلاحية المتأخرة بقصر معنى العرف العام على معنى بعينه، فيعدل عن عموم: "أل" في: "العرف" إلى خصوص العرف الاصطلاحي في علم الأصول فتصير: "أل" عهدية في عرف بعينه لم يكن معروفا، كما تقدم، زمن التنزيل، فضلا عن خروجه عن الأصل، فالأصل حمل ألفاظ الشرع على العموم ما لم ترد قرينة تدل على الخصوص فيضيق المعنى باقتصاره على ما قامت البينة على إرادته دون غيره، والبينة لا بد أن تكون معهودة زمن ورود النص، ولم يكن علم الأصول بأكمله فضلا عن مبحث العرف وحجيته، لم يكن ذلك معهودا زمن الرسالة، فكلها، كما تقدم، اصطلاحات حادثة وضعها أهل العلم لتيسير دراسة
(يُتْبَعُ)
(/)
العلوم الإسلامية بعد تشعبها وبعد العهد بها فطرأ على العقل واللسان من القصور ما أوجب تدوين العلوم على هذا النحو، ولم يكن ذلك ظاهرا في عصر الرسالة فالصدر الأول، رضي الله عنهم، أفصح الناس لسانا، وأصحهم فهما، فلا يتصور في حقهم ما وقع لمن تلاهم من لحن في الكلام وقصور في الفهم ألجأهم إلى تقسيم الفنون على النحو المعهود في زماننا.
والأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، كما قرر المحققون من أهل الأصول، فالأمر بالعرف يستلزم النهي عن ضده من المنكر، وقد جاء النص على كليهما في قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، فأظهر اللازم الذي أضمره في آية الأعراف، وإنما ذكر الأمر في آية الأعراف دون النهي لمكان الاستضعاف في الفترة المكية فيلائمه الأمر على جهة الترفق لا النهي فإنه لا يخلو من شدة لا تلائم وصف الاستضعاف لئلا يقع الصدام، فإذا ما هاجر المسلمون وصارت لهم شوكة، جاء الأمر والنهي، فزال حكم الاستضعاف بزوال وصفه، فذلك، جار على ما تقدم، من نسأ الأحكام لا نسخها، فيدور الحكم مع وصفه وجودا وعدما، فذلك من دقة البيان القرآني وحكمة التشريع الرباني في التدرج في سن الأحكام تبعا لحال الجماعة المسلمة، بل لحال الأفراد، فليس القوي كالضعيف في التكليف، وليست الأمة المنصورة كالأمة المغلوبة في التشريع، فلكل حظ من الشريعة الجامعة التي استوفت عموم الأحوال للأفراد والجماعات.
ثم جاء التذييل: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ: فاستوفت هذه الآية، كما أثر عن جعفر الصادق، رحمه الله، مكارم الأخلاق، فبعد العفو والأمر: يعرض الآمر عن الجاهل السفيه النزق فـ: (عِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، فلن يسلم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في كل زمان من سفيه أو جاهل يتعرض له، والإعراض أيضا من الحكم المنسوء، فلا يكون إلا حيث يحسن، فإذا ما كانت قدرة على رد الطاعن في الديانة بالحجة والبرهان أو السيف والسنان، فالخذلان كل الخذلان: القعود عن ذلك برسم السماحة الزائفة واستئلاف الآخر! الذي لا يقوم عوجه إلا سيف الشريعة العادل.
والله أعلى وأعلم.(/)
القول الفصل في التقديم والتأخير على طبق من ذهب
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[12 - 04 - 2010, 12:37 م]ـ
[سبب التقديم عند النحاة وموقف عبد القاهر
[قال عبد القاهر: " واعلم أنا لم نجدهم - النحاة - اعتمدوا فيه شيئاً يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام , قال صاحب الكتاب: كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه أعنى .... ولم يذكر مثالاً على ذلك "
وبعد ذلك جرى هذا القول عند أصحابه- النحاة - مجرى المثل.
مراجعات عبد القاهر على كلام النحاة:
بداية الكلام:
أولاً: يحتاج هذا الأمر إلى استقصاء لكلام العرب للتأكد من الذي قالوه.
وثانياً: هو أن الذي قالوه غير كافي ويحتاج إلى تفسير , فإذا قلنا أنه قُدم للعناية والاهتمام , فمن أين جاءت العناية والاهتمام؟ ولأي سبب كانت تلك الأهمية؟
قال عبد القاهر: " وليت شعري إن كانت هذه أموراً هينة , وكان المدى فيها قريباً , والجدى يسيراً , فمن أين كان نظمٌ أشرف من نظم؟ وبم عظم التفاوت واشتد التباين وترقى الأمر إلى الإعجاز ... .
ولنأخذ مثال أيها الأحبة لكي تتبين من خلاله مقصود الكلام.
تقديم الخبر المثبت:
بعد تتبع كلام العرب وجد عبد القاهر أن التقديم في الخبر المثبت يفيد أحد أمرين:
1 / الاهتمام والتقوية والتأكيد وإيقاع المقدم في نفس المستمع ابتداءً والإشارة على انشغاله به وأشياء نفسية .... وهذا الذي قاله النحاة.
كقول الشاعر / سليمى أزمعت بينا .................
فتقديم الفاعل (سليمى) على الفعل (أزمعت) يفيد تأكيد تكرار الإسناد .... فيفيد التقديم على أنه موضع اهتمامه وانشغاله ... .
2 / التقديم يفيد التخصيص إذا ساعد السياق على إفادة ذلك ودل عليه في تقديم الفاعل على الفعل كقوله تعالى: ((الله يعلم ما تحمل كل أنثى)) ومثال تقديم المفعول على الفعل: ((إياك نعبد)) فالتقديم يفيد الاختصاص وليس الاهتمام كما يقوله النحاة , فعبادتنا نخصك بها وحدك يارب وليس لأحد سواك , ولا نقول نهتم بالعبادة ,,أو غير ذلك من التأويل .... . [/ color]
وسأحدثكم بعد ذلك عن شيء هو أكثر تأكيداً على كلام عبد القاهر ...
والحديث له تكملة ... كونوا معنا بارك الله فيكم.
ـ[أنوار]ــــــــ[26 - 11 - 2010, 05:09 م]ـ
جزاكم الله خيرا ..
نأمل أن يكون للموضوع بقيّة .. جعله الله في موازين حسناتكم.(/)
قناة الشارقة الفضائية و (لمسات بيانية) مع د فاضل ال
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 07:44 ص]ـ
تقدم قناة الشارقة الفضائية برنامج (لمسات بيانية) يرصد الإعجاز اللغوى والقرآنى فى القرآن الكريم مع الدكتور فاضل السمرائى- ضيف دائم-
التوقيت يوم الجمعة 20,00م بتوقيت الولايات المتفرقة الأمريكية
ويوم السبت 10,5م
ويوم الاثنين 12,5م
وتعاد الحلقات مرة أخرى فترقبوها:)
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 05:52 م]ـ
[ما شاء الله تبارك الله
شكراً لك أيها المخلص احمد , إن الشيخ فاضل من الذين لهم مكانة في قلبي وفي مكتبتي , لقد سررت كثيراً بهذا الخبر , ولكن ماذا يصنع من ليست عنده القناة.(/)
القول الفصل في التقديم والتأخير على طبق من ذهب 2
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 07:54 ص]ـ
الخبر المنفي:
وعبد القاهر بعد أن تتيع كلام العرب وجد أن تقديم الفاعل على الفعل في الخبر المنفي لا يفيد إلا معنىً واحداً هو ((القصر)) قطعاً وهو يفيد التكرار.
قال الشاعر:
وما أنا أسقمت جسمي وما أنا أضرمت في القلب نارا
فالسياق يدل دلالة واضحة أن تقديم الفاعل على الفعل في الخبر المنفي يدل على القصر , لأنه يقصد نفي أن يكون هو خصوصا السبب في ذلك السقم , ويُحمل غيره التبعة والمسؤلية , و (به) يعود على الحب , وما فعل الحب في قلبه من الإضرام , وهذا يدل على الهيجان والإحراق , وشبه إضرام الحب في قلبه باشتعال النار وهي استعارة تصريحية.
فالآن يتبين من خلال ما سبق أن قول النحاة يفتقر إلى شيء من الصواب في حصر نكتة التقديم إلى الاهتمام والعناية فقط.
وتبين أن عبد القاهر الذي بدأ حياته نحوياً قد سبر كلام سيبويه وكلام ابن جني في النحو , والجاحظ في الشعر , وأنه لم يكن بمعزل عن مثل هذه المآخذ , فتقنع ولبس لأمته , وأخذ سلاحه ونزل إلى أرض المعركة وأخرج للناس أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز.
والله أعلم.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 12:17 ص]ـ
الخبر المنفي:
وعبد القاهر بعد أن تتيع كلام العرب وجد أن تقديم الفاعل على الفعل في الخبر المنفي لا يفيد إلا معنىً واحداً هو ((القصر)) قطعاً وهو يفيد التكرار.
قال الشاعر:
وما أنا أسقمت جسمي وما أنا أضرمت في القلب نارا
فالسياق يدل دلالة واضحة أن تقديم الفاعل على الفعل في الخبر المنفي يدل على القصر , لأنه يقصد نفي أن يكون هو خصوصا السبب في ذلك السقم , ويُحمل غيره التبعة والمسؤلية , و (به) يعود على الحب , وما فعل الحب في قلبه من الإضرام , وهذا يدل على الهيجان والإحراق , وشبه إضرام الحب في قلبه باشتعال النار وهي استعارة تصريحية.
فالآن يتبين من خلال ما سبق أن قول النحاة يفتقر إلى شيء من الصواب في حصر نكتة التقديم إلى الاهتمام والعناية فقط.
وتبين أن عبد القاهر الذي بدأ حياته نحوياً قد سبر كلام سيبويه وكلام ابن جني في النحو , والجاحظ في الشعر , وأنه لم يكن بمعزل عن مثل هذه المآخذ , فتقنع ولبس لأمته , وأخذ سلاحه ونزل إلى أرض المعركة وأخرج للناس أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز.
والله أعلم.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ والدكتور الفاضل: سامي
جزاك الله خيرا / شرح واضح، وطرح رائع / ما زلنا نتابع!
ملخص ما فهمته هو:
أن نكتة التقديم والتأخير في الخبر المنفي عند عبدالقاهر الجرجاني لا يفيد إلا معنى واحدا وهو القصر بخلاف النحاة الذين يحصرونها على الاهتمام والعناية فقط وقولهم هذا يفتقر إلى الصواب.
نتابع لكي نستفيد.
رأي: اقتراح / جزاكم الله خيرا، ما رأي فضيلتكم جعل كل ما يتعلق بهذا الموضوع في نافذة واحدة حتى يسهل لنا المتابعة / أسأل الله أن يكتب لكم الأجر والمثوبة / اللهم آمين.
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 06:55 ص]ـ
لست أدري بمن أفرح ... لقد سررت كثيراً بقراءة هذه المشاركات المتواضعة مما يحدوني أن اجتهد , لأني وجدت في هذا المنتدى قراء ليسوا كل يوم أو أسبوع بل كل ساعة ولحظة , شكراً لك أيتها الزهرة المتفائلة , وكل ما قلت لا يعدو أن يكون تشجيعاً , نعم تشجيعاً ولا أحب ذلك , فنحن أهل الإسلام لاندخر ما نتعلمه وندسه في التراب , حتى نعطى الأموال , بل قد ذم الله أهل الكتاب لأنهم يكتمون ما علمهم الله ويشترون به ثمناً قليلاً , فلن أخرج إن شاء الله من هذا المنتدى النير إلا وقد صببت لكم ما تريدونه من البلاغة العربية صباً , ولست أزعم ذلك ... نعم ولست أزعم ذلك.
أما الإقتراح: فسأفعل إن شاء الباريء جل جلاله.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[16 - 04 - 2010, 12:13 ص]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ والدكتور الفاضل: سامي
جزاكم الله خيرا، مشاركتي ليست من باب التشجيع فقط، ولكن أريد الاستفادة ولقد استفدتُ بالفعل، وجدتُ الشرح قصير وموجز ويسهل فهمه، وهدفي من المتابعة هو نقل ما استفيده للآخرين سواء هنا وفي هذا المنتدى المبارك أو في الحياة الواقعية.
نسأل الله أن يكتب لكم الأجر والمثوبة، وأن يتقبل جميع أعمالكم، وأن يرزقكم جنة الفردوس الأعلى بما تقدموه / اللهم آمين
ما زلنا نتابع / وجزاكم الله خيرا على أخذكم بالمقترح.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[19 - 04 - 2010, 10:15 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
ما زلنا نتابع ولكن لا يوجد جديد!
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[19 - 04 - 2010, 10:53 م]ـ
الإجازة الأسبوعية التي نحن فيها قطعتنا ع المدارسة , ولا حول ولا قوة إلا بالله
عسى أن نكمل بتاريخ 10/ 5 ان شاء الله
وشكراً لكم على هذا الحرص
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[21 - 04 - 2010, 02:03 م]ـ
الإجازة الأسبوعية التي نحن فيها قطعتنا ع المدارسة , ولا حول ولا قوة إلا بالله
عسى أن نكمل بتاريخ 10/ 5 ان شاء الله
وشكراً لكم على هذا الحرص
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ والدكتور الفاضل: سامي
جزاكم الله خيرا على ما قدمتموه، وأحسن الله إليكم، وسوف نتابع بعد هذا التاريخ بإذن الله.(/)
من سورة الأعلى
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 08:04 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
فذلك من الأمر على جهة الإيجاب والإرشاد، فدلالة الأمر على الإيجاب: دلالة أصلية، ولا يمنع ذلك من توارد معان أخر على صيغته، فقد يرد للتحذير أو الإرشاد مع وروده للإيجاب، فيكون ذلك شاهدا لمن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، وشاهدا لمن جوز دلالة المجمل بالاشتراك اللفظي على معنييه في آن واحد، ومادة: "سبح" مادة كلية تدل على التباعد، فإما أن يكون:
حسيا: من قولهم: سبحت في الأرض إذا تباعدت فيها، فقيدت مادة "البعد" في هذا السياق بالبعد الحسي لقرينة تعلقها بالأرض المحسوسة، فالسبح فيها لا يكون إلا بالسير فيها تباعدا.
وفي "اللسان": "قال ابنُ الفَرَج سمعت أَبا الجَهْم الجَعْفَرِيِّ يقول: سَبَحْتُ في الأَرض وسَبَخْتُ فيها إِذا تباعدت فيها". اهـ
ومعنويا: كتنزيه الرب، جل وعلا، عن صفات النقص، فذلك من الواجب العقلي، فالرب، جل وعلا، موصوف بالكمال إثباتا مرادا لذاته، منزه عن النقصان نفيا مرادا لغيره، فهو من الاحتراس بسلب وصف النقص فلازمه إثبات كمال ضده كما اطرد في باب الصفات الإلهية، فيكون تسبيحه، عز وجل، إبعادا لوصف النقص عنه، وإبعادا له، تبارك وتعالى، عن وصف النقص، فقيدت مادة "البعد" في هذا السياق بالبعد المعنوي لأوصاف النقص عن الرب، جل وعلا، الموصوف بأضدادها من صفات الكمال المطلق.
وفي "اللسان" من قول الزجاج رحمه الله: "وجِماعُ معناه بُعْدُه تبارك وتعالى عن أَن يكون له مِثْلٌ أَو شريك أَو ندٌّ أَو ضدّ". اهـ
فالمادة كلية تقبل الانقسام، والسياق، كما تقدم مرارا، هو الذي يعين مراد المتكلم.
والأمر كما اطرد في مثل هذه المواضع: يشمل المخاطب باعتبار خطاب المواجهة، ويشمل غيره بقرينة عموم التشريع، فتسبيح الله، عز وجل، أمر واجب بداهة على كل مكلف، ويزداد الإيجاب توكيدا لو حمل التسبيح في هذه الآية على التسبيح الشرعي المعهود في ركن السجود، كما في حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه، مرفوعا، عند أبي داود، رحمه الله، في سننه، وفيه: "فَلَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ"، وفيه انقطاع، والتسبيح قد ثبت وجوبه في السجود من طرق أخرى أصح وأصرح.
وتسبيح اسم الرب، جل وعلا، تسبيح لذاته، فالاسم هنا دال على المسمى، على الخلاف المعروف في مسألة: الاسم والمسمى، فالراجح فيها أن الاسم للمسمى، فاسم: الرحيم على سبيل المثال: اسم لمسمى هو: الذات الإلهية، فهو دال عليها بدلالة التضمن فيدل على الصفة التي اشتق منها وهي الرحمة، ويدل على الذات القدسية المتصفة بها على وجه الكمال اللائق بجلال الرب، جل وعلا، فالاسم على هذا الوجه: للمسمى، ولا يقال: الاسم غير المسمى لما في لفظ: "الغير" من الإجمال، كما ذكر ذلك بعض المحققين من أهل العلم كابن تيمية وابن أبي العز رحمهما الله، فإنه قد يوحي بأن أسماء الله، عز وجل، مباينة له، فيتذرع بذلك من قال بخلق أسماء الرب، جل وعلا، إلى إثبات مذهبه الباطل، فالأسماء داخلة في مسمى: "الله": الذات القدسية التي لها الأسماء الحسنى والصفات العلى، فإخراج الأسماء من هذا الحد بلفظ مجمل كالغير طريقة أهل الضلال في هذا الباب، فيقول صاحب هذه المقالة: أسماء الله، عز وجل، غير الله، فتباينه من هذا الوجه، فتكون مخلوقة ليست داخلة في مسمى اسم: "الله" عز وجل، فيتوصل بذلك إلى نفي أسماء الرب، تبارك وتعالى، ويقول: صفات الله، عز وجل، غير الله، أيضا، فتباينه من هذا الوجه فيتوصل بذلك، أيضا، إلى نفي صفات الرب، تبارك وتعالى، ولو قيل الأسماء هي عين المسمى فليست غيره، فهذا صحيح في نحو قولك: "سمع الله لمن حمده"، فاسم: "الله" في هذا السياق يراد به المسمى نفسه، ولكنه، أيضا، مجمل يحتمل معنى باطلا من جنس قول القائل: الصفة عين الموصوف تذرعا إلى نفي صفات الباري، عز وجل، فكذلك القول بأن: الاسم عين المسمى تذرعا إلى نفي أسماء الرب، جل وعلا، والصحيح أن الأسماء والصفات قدر زائد على المسمى والموصوف بها، فهي قدر زائد على الذات القدسية
(يُتْبَعُ)
(/)
قائم بها على الوجه اللائق بجلال الرب، جل وعلا، فلا يعلم كنهه إلا هو، فالصحيح في هذا الشأن قول من قال: الأسماء والصفات غير الذات المتصفة بها، لا غير الله عز وجل.
والشاهد أن: اللفظ الدال على الذات غيرها بداهة، ومن قال بأن الاسم هو المسمى فتأويله صحيح بالنظر إلى الاسم لا إلى اللفظ الدال عليه، فاللفظ المرسوم بالقلم على الورق ليس هو الله، عز وجل، بداهة، فآل التسبيح في هذا السياق إلى تسبيح الرب، جل وعلا، فاسمه دال عليه بداهة فالاسم هنا يراد به المسمى جل وعلا، كما تقدم بيانه، فـ: سبح اسم ربك الأعلى تكافئ: سبح ربك الأعلى، فجاء وصفه، عز وجل، بالأعلى، على جهة العهد لاتصال: "أل": باسم التفضيل، فذلك مظنة العهد، على ما اطرد من قول النحاة في دلالة: "أل" المتصلة باسم التفضيل على العهد فاسم التفضيل مظنة العهد لدلالته على التفرد، والتفرد وصف لا يقبل الشراكة فيدل على معهود بعينه، هو الله، عز وجل، فله علو معهود قد بلغ الغاية في الكمال والسؤدد، فهو العلي بذاته وشأنه وقهره، باسمه ووصفه وفعله، فله المثل الأعلى، فلا يصح قياس في حقه تبارك وتعالى إلا: قياس الأولى، فما ثبت لخلقه من أوصاف الكمال المطلق فلا يتطرق إليها النقص من أي وجه، مما قد جاء الوحي بشطريه: الكتاب والسنة، بإثباته، فهو ثابت له، جل وعلا، من باب أولى، فالخالق، عز وجل، أكمل من المخلوق بداهة، فصار العقل عضدا للنقل، فهو التالي له في الاحتجاج في باب الأسماء والصفات الخبري المحض، فذلك جار على ما اطرد من التوافق الكامل بين صحيح المنقول وصريح المعقول.
والشاهد أن العلو، على ما اطرد من الدلالات العقلية المطلقة، جنس كلي، تندرج تحته أنواع فمنه: علو الذات، وعلو الشأن .... إلخ، كما تقدم، فللرب، جل وعلا، منها وصف الكمال الذي تفرد به لدلالة: "أل" الداخلة على اسم التفضيل، فهو مظنة التفرد بالوصف الدال عليه كما تقدم بيانه.
ثم جاء الإطناب بالوصف بالموصول: "الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى" فذلك من قبيل التعريف بالموصول فالبيان لمجمل الموصول: "الذي" في صلته: "خَلَقَ فَسَوَّى"، فمعناها دال على الوصف الذي تعلق به الحكم، فصار ذلك من التشويق بإيراد المجمل الذي تتشوف النفوس إلى بيانه، فجاء البيان عقيبه شفاء للصدور، أو يكون ذلك من قبيل الاستئناف بجواب سؤال مقدر في الذهن فـ: من هو الأعلى؟، فجاء الجواب بحذف المسند إليه على ما اطرد في لسان العرب من حذف المسند إليه إن كان مضمرا مرفوعا على الابتداء، فله شواهد في لسان العرب من قبيل:
مستسر الشنء لو يفقدني ******* لبدا منه ذباب فنبع
فتقدير الكلام: هو مستسر ....
فهو تبارك وتعالى: الذي خلق فسوى، فأطلق العامل وحذف المعمول، مئنة من العموم، فخلق بقدرته وسوى بحكمته، فذلك من كمال وصفه بجلال القدرة وجمال الحكمة، وحمل الزجاج، رحمه الله، كما في "التحرير والتنوير": معمول فعل الخلق على مخلوق بعينه هو الإنسان، لقرينة: (فسوى)، فالتسوية قد اختص بها الإنسان في مواضع من التنزيل من قبيل قوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، فيكون ذلك من قبيل المجمل الذي جاء بيانه في مواضع أخرى من الكتاب العزيز، على ما سبقت الإشارة إليه مرارا من بيان آي التنزيل بالتنزيل، فما أجمل في موضع بين في آخر. وقد يقال بأن حمل السياق على العموم آكد في بيان عظم قدرة وحكمة الرب، جل وعلا، فقد سوى كل خلق وهيأه لما خلق له، فكل ميسر لما خلق له بما أعد فيه الآلات وأمد به من الأسباب، فليس ذلك مختصا بخلق بعينه، وإن كان ذلك في النوع الإنساني أظهر وأعظم دلالة على قدرة وحكمة الرب، جل وعلا، فينزل تفسير الزجاج، رحمه الله، منزلة تفسير العام بذكر فرد من أفراده على سبيل التمثيل تنويها بشأن المثال المذكور، فآيات القدرة والحكمة في خلق الإنسان، أعظم، كما تقدم، فلا يمنع تفسير العام بفرد من أفراده دخول بقية الأفراد تحت عمومه، ففي كل خلق آية ظاهرة تدل على وحدانية الرب، جل وعلا، في ذاته، وأحديته في صفاته.
ثم جاء الإطناب بوصف فعل ثالث: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى:
(يُتْبَعُ)
(/)
فأطلق العامل على ما اطرد من عموم وصف فعل الرب، جل وعلا، فقدر أزلا بعلمه المحيط، ثم هدى كلا إلى ما قد قدر له فهيأ له سببه، ويسر له فعله، فجاء المقضي في عالم الشهادة تأويلا للمقدور في عالم الغيب، فلكل محل ما يلائمه من الخير إن كان طيبا، ومن الشر إن كان خبيثا، فتنوع المقادير مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، بخلق الأعيان والمحال المتباينة، وحكمته بإمداد كلٍ بما يلائمه من أسباب الخير أو الشر.
والذي أخرج المرعى: فذلك من الإخراج الكوني، على ما اطرد في مثل هذه المواضع من انقسام مادة الفعل إلى:
كوني: كإخراج المرعى كما في هذا السياق، وإخراج الحي من الميت كما في قوله تعالى: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ).
وشرعي: كالأمر بالخروج إلى الهجرة، فسؤال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخروج في نحو قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ)، جار مجرى التشريع فلا يخرج النبي إلا بأمر ربه، جل وعلا، ولذلك عوتب ذو النون، عليه السلام، إذ خرج بلا إذن، فالتقمه الحوت وهو مليم.
وجاءت "أل" في: "المرعى"، مئنة من العموم، فذلك، أيضا، آكد في تقرير المنة الربانية، فالمرعى، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، إما أن يكون مصدرا ميميا دالا على المرعي، وهو النبت الذي تأكله الأنعام، فيكون ذلك من مجاز التعلق الاشتقاقي، عند من يثبت وقوع المجاز في التنزيل، فقد ناب المصدر عن اسم المفعول، فأطلق المرعى وأراد المرعي الذي تأكله الأنعام، فذلك من قبيل إطلاق الخلق وإرادة المخلوق في نحو قوله تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)، ومن ينكر وقوع المجاز في التنزيل فهو على أصله برد التنازع إلى لسان العرب، فهو الحكم في هذا النزاع، فما جرى به اللسان العربي فهو حقيقة لا مجاز وإن خالف الدلالة المعجمية المطلقة، فالدلالة الحملية للسياق قرينة تعين مراد المتكلم.
وإما أن يكون اسم مكان، فالمرعى: مكان الرعي، فيكون ذلك من إطلاق المحل وإرادة الحال فيه، فيكون ذلك من المجاز المرسل ذي العلاقية المحلية، فأطلق المحل، كما تقدم، وأريد به الحال فيه من النبت، ومن ينكر المجاز يستند إلى قرينة فعل الإخراج الذي صدرت به الآية فالإخراج لا يكون بداهة إلا للنبت الذي تأكله الأنعام، فهو محل الامتنان، وقد عدل على اسمه بعينه إلى اسم المرعى زيادة في المنة بالتذكير بها وبمحلها الذي تنبت فيه، فضلا عن إشارة لفظ:"المرعى" إلى فعل الرعي فهو محل الامتنان، فترعاه الأنعام وينتفع به أصحابها، فنماؤها نماء لأموالهم، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
ثم جاء التعقيب بتبدل الحال إلى الضد: (فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى): فذلك مئنة من كمال ربوبيته، جل وعلا، فجعله: على جهة التكوين فالجعل في هذا السياق: كوني نافذ بمشيئة الرب جل وعلا، فجعله: غثاء أحوى، فالفاء مئنة من التعقيب، على ما تقدم في مواضع سابقة من كلام ابن هشام رحمه الله في "شرح قطر الندى"، من دلالة العرف على التعقيب فمنه ما يكون تاليا على جهة الفور، كقولك: أكل فشبع، ومنه ما يكون تاليا على جهة التراخي كقولك: دخلت بغداد فالبصرة، وليس في الفاء في هذا السياق معنى السببية، فليس سبب يبسه وتغير لونه إلى السواد: إخراجه من الأرض، بل سبب ذلك ما يعرض له من التغير بمقتضى سنة الرب، جل وعلا، الكونية في طروء النقص على كل مخلوق بعد كمال نمائه، فذلك أمر مطرد في كل الكائنات حيها وجمادها، عاقلها وأعجميها.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 08:15 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى):
(يُتْبَعُ)
(/)
فذلك من الخصوص بعد العموم، كما يقول أبو السعود، رحمه الله، فتلك هداية خاصة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الهداية العامة لجميع الكائنات، فالسين مئنة من قرب الوقوع فذلك آكد في تقرير المنة الشرعية على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فـ: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه)، والالتفات إلى ضمير المتكلم مئنة من زيادة العناية، ومادة القراءة مادة كلية تدل على الجمع، فيقال: قريت الماء في الحوض إذا جمعته، فجمع القرآن: جمعه في الصدور فحفظت الآيات في صدور الذين آمنوا: (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)، وأول صدر جمع فيه التنزيل هو صدر النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالآيات قد نزلت على قلبه ابتداء، فكان مقدم القراء وإمامهم، فذلك الوجه الأول من حفظ الذكر فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فأكد الفعل بضمير الفصل، فضلا عن تقديم ما حقه التأخير: (له)، وتصدير السياق بالناسخ المؤكد ودخول اللام على خبره: (لحافظون)، ثم جمع في السطور فذلك من كمال الحفظ، وإن لم يكن العمدة، فالأصل في تواتر نقل الكتاب العزيز: تواتر نقله مشافهة، فذلك وصف الأمة الخاتمة في الكتب السابقة وفي "الإبانة الكبرى" لابن بطة، رحمه الله، من وصف الكليم عليه السلام للأمة الخاتمة: "رب أجد في الألواح أمة أناجيلهم في قلوبهم يقرءونها. قال قتادة: (وكان من قبلكم إنما يقرءون كتابهم نظرا، فإذا رفعه من بين يديه، لم يحفظه ولم يعه، وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا قبلكم). قال: «رب فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد» "، وذلك أمر قد طرده أهل العلم في بقية أجناس الرواية المحفوظة، كرواية الحديث، فحفظ الصدر هو الأصل المقدم على حفظ الكتاب، وذلك مما رد به المحققون من أهل العلم شبهة تأخر تدوين السنة، فقد حملتها صدور الرواة التي وسعت المئين والألوف من الروايات على نحو لا يتصوره أصحاب هذه الشبهة الباردة لبلادة أذهانهم، فلا عهد لعقولهم الخاملة وهممهم الدنية بتلك الأذهان الفاعلة والهمم العالية التي أكبت على السنة حفظا وتحريرا، تصحيحا وتضعيفا، جرحا وتعديلا للنقلة، ونوادرهم في دقة الضبط مما أثار دهشة أعداء الرسالة الخاتمة فأقروا لهذه الأمة بالريادة، وحملوا عنها معايير نقدهم الحديث، فالنقد التاريخي المعاصر ما هو إلا شعبة من شعب علم الرواية التي اختص به أهل الإسلام، وأهل السنة خصوصا، فهم أشد الناس عناية بحفظ أصول الديانة، فلم يكن الكتاب في الزمان الأول: عمدة في الحفظ، بل كتب من كتب ليحفظ، أو خشية النسيان الطارئ، فكان الأصل هو حفظ الصدور، وكان الفرع هو: حفظ الكتب، ومن ثم جاء الجمع العام أوائل القرن الثاني زمن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، فجمعت السنة وكتبت دفاتر وبعثت إلى الأمصار، فكان جمع عمر، رحمه الله، تتبعا للآثار، وتمحيصا لها، ومن ثم بعثت المادة المحققة إلى سائر الأمصار، ثم ظهرت دواوين للسنة جمعت المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والموقوف بل ضمنها أصحابها بعض أقوالهم كما فعل مالك، رحمه الله، في موطأه، فكتابه جامع للآثار المرفوعة والموقوفة فضلا عن أقضيته وفتاواه، ثم جاء القرن الثالث وهو: عصر الرواية الذهبي فجردت السنة المرفوعة في دواوين مرتبة على المسانيد، أو جامعة لأبواب الدين، أو جامعة لأحاديث الأحكام كالسنن الأربعة، ثم تواترت رواية هذه الكتب فتلقتها الأمة بما يقطع بصحة نسبتها إلى أصحابها، فتحقق الموعود الإلهي: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فالذكر يعم الكتاب والسنة، كما أثر عن ابن المبارك، رحمه الله، فقد قيض الله، عز وجل، للوضاعين من نفى خبثهم عن الأصل الثاني من أصول الدين، فوقى الله، عز وجل، الأمة الخاتمة شر ما ما اقترفه أحبار ورهبان الأمم الغابرة فـ: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ
(يُتْبَعُ)
(/)
يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)، فكان علماء هذه الأمة خيرا من علماء بني إسرائيل، وإن شابهم، لا سيما في زماننا شائبة سوء سارت على خطى الأحبار المبدلين الكاتمين مداهنة لأصحاب السلطان والملك، ولا يضر المتقدمين ما اقترفت فئة ضالة من المتأخرين، فإذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث، كما كان عبادها خيرا من عباد النصارى فقد ساروا في الجملة على سنن التوسط والاعتدال، وإن جنحت فئة ضالة أخرى منهم إلى طريقة رهبان النصارى فغلوا وزادوا ما لم يأذن به الله، عز وجل، من الأحكام والأحوال، مضاهاة للشرع ومبالغة في التعبد بما لم يأت به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل قد نهى عنه وزجر: "لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"، والشاهد أن الكتاب العزيز قد حصل له الشاهدان: حفظ الصدر وحفظ الكتاب، فصدور الملايين في زماننا، مع كلل الأذهان واستنزاف قوى العقول في تحصيل علوم غير نافعة أو نفعها ضئيل لضعف الإمكانيات أو عدمها فهي علوم نظرية بحتة تشغل حيزا من الذاكرة بلا طائل، صدور الملايين مع ما تقدم من الصوارف والشواغل قد حوت آيات الكتاب العزيز فلا يقدر أحد على تبديل حرف واحد من التنزيل، فمذ جمع الخليفة عثمان، رضي الله عنه، الأمة على حرف قريش، فحسم مادة الفتنة، فاجتمعت الأمة على مصحف واحد نقل إلينا بالتواتر الذي يفيد العلم الضروري بصحة المنقول واستحالة التبديل شرعا وعقلا، مذ ذلك الحين وإلى يوم الناس هذا، والكتاب العزيز هو الكتاب العزيز بسوره وآياته، فأين ذلك من كتب شهد النقد التاريخي بتبديلها، فليس لها أسانيد متصلة إلى من نزلت عليه من الرسل عليهم السلام، فهي مدونات اجتهد التلاميذ في تقييدها، فحصل التباين بتباين حوافظ وعقول المدونين، فضلا عن التناقض الرهيب بين المخطوطات القديمة لها، والمطبوعات الحديثة التي استندت إلى مخطوطات متباينة، فظهر التحريف جليا، ولا زال مستمرا إلى يوم الناس هذا لعدم وجود أصل محقق يرجع إليه عند الاختلاف، فكل يدعي أن نسخته هي الصحيحة، وليس له دليل إلا دعواه التي يكذبها النقد التاريخي الذي قام به علماء تلك الملل، فاعترفوا بأنفسهم باستحالة العثور على أصول صحيحة لم تسلم من التبديل لهذه الكتب، بل قد جهلت أعيان بعض من دون الكتب الأولى، فالإسناد مقطوع والكاتب مجهول!، فمن أراد أن يزيد أو ينقص في تلك الكتب فلن يفطن له أحد!، لجهل الأتباع وفساد نوايا المتبوعين فهم الذين بدلوا بما يلائم أهواءهم، فظهر بذلك عموم المنة على أمة الإسلام، وخصوص المنة على النبي الخاتم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم فصدره أول صدر جمع فيه التنزيل، فجاء فعل الإقراء المتعدي بصيغة الجمع مئنة من كمال العناية بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واكتملت المنة بالخبر الذي جرى مجرى الوعد الرباني المحقق، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فاكتملت المنة بالإيجاب: (سنقرئك)، وبالسلب: (فلا تنسى)، فحذف المعمول مئنة من العموم، وجاء التخصيص المتصل عقيبه: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ: فذلك مئنة من عموم المشيئة الربانية العامة في قول، فلا يلزم منه وقوعه، بل ذلك جار مجرى قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا)، ولكنه لم يشأ فوقع منهم الشرك، وقد حمله بعض أهل العلم على النسخ، فذلك من قبيل قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فالنسيان للمنسوخ من رحمة الرب، جل وعلا، بالأمة لئلا يختلط المنسوخ بالمحكم فيزاد في الكتاب العزيز ما ليس منه، وحمله بعض ثالث على النسيان الجبلي الذي يعرض لكل أحد، فذلك من قبيل حديث أبي رضي الله عنه: "وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط آية في قراءته في الصلاة فسأله أبَيّ بن كعب أُنسِخَتْ؟ فقال: «نسيتُها» "، فلا يلزم منه بداهة ضياع شيء من التنزيل، فإذا نسي النبي صلى الله عليه وعلى آله
(يُتْبَعُ)
(/)
وسلم شيئا من التنزيل بمقتضى الجبلة البشرية فالحفظة خلفه يذكرونه، وذلك أمر حاصل في كل عصر ومصر من لدن نزل الكتاب العزيز على قلب النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن يرفعه الرب، جل وعلا، من الصدور والسطور آخر الزمان.
ثم جاء التذييل بـ: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى: فمناسبتها لما قبلها، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، أن الرب، جل وعلا، يعلم الجهر من الآي المحكم وما يخفى من المنسوخ الذي أنسيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذلك بمنزلة التعليل لما قبله، فصدر بالمؤكد الناسخ على جهة الفصل فلا عاطف مئنة من التعليل لشبه كمال الاتصال بين الآيتين، وجاء المسند مضارعا مئنة من التجدد والاستمرار فذلك مئنة من العموم فلا يقتصر علمه على ما ظهر وخفي من أمر التنزيل فقط، بل يعم كل ما يظهر ويخفى من أقوال وأفعال البشر، فيكون ذلك جار مجرى ما تقدم في أكثر من موضع، من تفسير العام بذكر فرد من أفراده على سبيل التمثيل تنويها بذكره، فالتنزيل من عظم الشأن ونباهة الذكر بمكان، فاختص بالحكم في هذا السياق، لقرينة: (سنقرئك): فهو ينصرف بداهة إلى التنزيل، ولا يمنع ذلك من عموم الوصف، فعلم الرب، جل وعلا، محيط بكل الكائنات، فعلم بعلمه الأزلي الأول سائر المقدورات على جهة التفصيل فيعلم المجمل والمبين، الكلي والجزئي، وعلمه الثاني: إظهار للمقدور الأول، فيقع في عالم الشهادة كما قد قدر في الأزل وسطر في اللوح بالقلم، فذلك علم متجدد باعتبار تعلق وصف الرب، جل وعلا، بالعلم المحصي للأقوال والأفعال به، فيتجدد التعلق بتجدد ظهور المعلوم في عالم الشهادة فذلك وجه المضارعة في المسند: "يعلم"، وفي السياق توكيد بتكرار الفاعل معنويا هو الضمير المتصل بـ: "إن"، فاسم "إن" مسند إليه وهو فاعل في المعنى وإن لم يكن فاعلا في اللفظ، ولفظيا مستترا في المسند: "يعلم"، وعلى ما تقدم من خصوص السياق بالكتاب العزيز تكون: "أل" في: "الجهر": عهدية تشير إلى معهود بعينه هو ما ظهر وأحكم من التنزيل، وعلى العموم الثابت في نصوص أخرى من قبيل: (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا)، تكون: "أل" جنسية تستغرق عموم ما دخلت عليه، فيعلم، جل وعلا، كل جهر، بعلمه المحيط بكل الأعيان والأقوال والأفعال، ويؤيده عطف ما يخفى بصيغة الموصول: "ما" فهي نص في العموم، كما قرر أهل الأصول، فتعم العاقل وغير العاقل على هذا التأويل لقرينة عموم إحاطة علم الرب، جل وعلا، لكل كائن في هذا العالم.
ثم جاء الإطناب في بيان أوجه المنة الربانية على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى: فيسر صلى الله عليه وعلى آله وسلم للشريعة الحنيفية السمحة، فهي اليسرى، بتيسير أسبابها، فيكون ذلك جار مجرى ما تقدم في أكثر من موضع من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، ووجه تأويلها بـ: "الشريعة": يصير: "أل" في "اليسرى" عهدية تشير إلى معهود بعينه لقرينة الامتنان عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإقرائه التنزيل، فذلك من مقتضيات منصب الرسالة، ومنصب الرسالة يقتضي بدوره نزول الشريعة الجامعة لكل أحكام المكلفين: عبادات كانت أو معاملات أو سياسات أو أخلاق، فالشريعة قد عمت كل أحوال العباد فعمومها وجه عناية آخر بالنوع الإنساني، فحصل بيان المنة الخاصة بتيسيره صلى الله عليه وعلى آله وسلم للشريعة اليسرى فهو أول من آمن بها فقد نزلت عليه ابتداء، فذلك من قبيل الإقراء له، فهو أول من جمع التنزيل في صدره، ثم حصل بيان المنة العامة بالأمر بالتذكير فذلك لازم نزول التشريع فلم ينزل الوحي لتحويه صدور فتمنع قطر الوحي النافع عن محال الجدب في قلوب الغافلين، بل نزل ليعم نفعه ويسود حكمه فتصير النفوس دورا للإسلام والإيمان بعد أن كانت دورا للكفر والعصيان، فبحجة الوحي وبرهانه فتحت القلوب، وبسيف الشرع وسنانه فتحت البلدان، فساد الإسلام باطنا وظاهرا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 08:15 ص]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى: فذلك من أمر الإيجاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المخاطب به مواجهة، والملزم به ابتداء، فذلك مقتضى منصب الرسالة، فليس له إلا التذكير بالبيان الشرعي، فهدايته: إرشاد للمكلفين إلى سلوك سبيل الهدى والرشاد الذي تحصل النجاة بسلوكه، فيرشد الضال، ويرد الصائل على الشريعة بحديد الشرع الناصر، فيدفع العدو، ويطلبه في داره ليزيل حكم الطاغوت من أرض الله، عز وجل، فالعاقبة له وللمتقين، فتصير كل الدور: دور إسلام، فنزول مسيح الهدى عليه السلام بسيف الاستئصال لمسيح الضلالة، ولكل دين يخالف دين الإسلام: دين الرسل عليهم السلام الجامع، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فإما الإسلام وإما السيف، نزوله عليه السلام على هذا النحو من تأويل: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فبعث على حد التشريع بالهدى ودين الحق فأظهره الله، عز وجل، كتابا هاديا وسيفا ناصرا، ثم كسر السيف، كما هي الحال في زماننا، وبقي الكتاب الهادي الذي أقرأه الرب، جل وعلا، نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم ينس منه شيئا، ولم ينس الربانيون من أحبار أمته منه شيئا فردوا عنه سيوف التحريف لمبانيه والتأويل لمعانيه بسيوف الحجج الدامغة الدافعة لكل شبهة ترد على الوحي لفظا أو معنى، ثم يعود الأمر كما كان، في آخر الزمان، فيرجع السيف الناصر ليعضد الكتاب الهادي الذي لم تنكسر حجته من لدن نزل وإلى أن يرفع من الأرض، فلم ولن يقدر أحد على معارضته بحجة صحيحة صريحة فغايته أن يثير شبهة قديمة، فجل الشبهات المعاصرة: سرقات علمية رديئة لكناسة أذهان رءوس المقالات الحادثة، بل قد كان الأولون، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين أعلم وأقعد، بخلاف مثيري الشبهات في زماننا فلا منطق ولا علم، وإنما ترديد لكلام غيرهم مع سوء أدب في الطرح يدل على خسة في النفس ولؤم في الطبع، ولو علم الله، عز وجل، فيهم خيرا لأسمعهم، فصاروا من جند الرسالة، ولكنه، تبارك وتعالى، بعلمه المحيط قد اطلع على مكنون صدورهم فعلم فساد محالهم فلا تقبل آثار الوحي الرحماني النافع، فقبلت لزوما آثار ضده من الوحي الشيطاني الفاسد، فالشاهد أن الظهور سيكتمل في آخر الزمان كما اكتمل في أوله، فتتجدد المنة الربانية العظمى باكتمال أمر الدين، فكما اكتمل سلطان حجته فـ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، سيكتمل، إن شاء الله، تحقيقا لا تعليقا سلطان حديده الناصر فـ: "لا يبقى على وجه الأرض بيت مَدَر ولا وَبَر، إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعزِّ عزيز، أو بذلِّ ذليل، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها، وإما يذلهم فيدينون لها".
وجاء التقييد بالشرط من قبيل تعليق الحكم برجحان الظن بحصول الانتفاع بالذكرى، فلا تكون لكل أحد، وذلك من فقه الدعوة إلى الله، عز وجل، فأفاد الكلام بمنطوقه: التذكير إن نفعت الذكرى، فذلك شطر الإيجاب، وأفاد بمفهومه: عدم التذكير إن لم تنفع، فذلك شطر السلب. ولذلك قال بعض أهل العلم بجواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن غلب على الظن عدم انتفاع المأمور به أو المنهي عنه، بل قد يتولد من ذلك شر أعظم فيكون الفقه، كل الفقه، درء المفسدة العظمى بزيادة المنكر، بالمفسدة الصغرى باحتماله كما هو، فبعض الشر أهون من بعض، وعليه حمل بعض أهل العلم سكوت الصحابة، رضي الله عنهم، عن الإنكار على بعض ولاة الجور الذين أدركوهم بعد انقضاء عصر الخلافة الراشدة والإمارة العادلة، فلم يسكتوا جبنا أو مداهنة، وإنما نظروا بعين الفقيه الذي يصبر على الأدنى دفعا للأعلى.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولم يرتض صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، دلالة الكلام بمفهومه في هذه الآية، إذ ذلك مما لا يعلمه الداعي، فلا أحد يعلم رد فعل المدعو، ليذكر متى علم قبول المدعو، ولا يذكر إن لم يعلمه، فذلك جار مجرى قوله تعالى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)، فإن ذلك لا يعني بداهة اقتصار التذكير على من يخاف الوعيد، فيفيد الكلام بمفهومه عدم وجوب تذكير من لا يخاف الوعيد فيكون قد خرج بذلك من التكليف، فهذا معنى باطل بداهة، لعموم التكليف، فهو عام فيمن يستجيب ومن لا يستجيب، ومن يخاف ومن لا يخاف، فيكون للأول: بيانا وإرشادا، وتوفيقا وإلهاما فذلك قدر زائد يختص به المؤمن الموفق، ويكون للثاني: بيانا وإرشادا تقوم به الحجة الرسالية عليه، فلو كان للكلام مفهوم لبطلت الحجة الرسالية في حقه إذ لم يتوجه الأمر بتذكيره ابتداء، ومثله قوله تعالى: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)، فلا يعني ذلك، أيضا، أن موتى القلوب لا يتوجه الأمر بتذكيرهم، فذلك لو صح لقامت لهم حجة فـ: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فالشاهد في آية الأعلى: توجه الأمر بتذكير من تنفعه الذكرى ابتداء، ولا يعني ذلك عدم تذكير غيره، بل قد خص بالذكر لكونه مظنة الانتفاع، بخلاف من لا تنفعه الذكرى، فتوجه الخطاب بتذكير من تنفعه الذكرى لا يعني عدم دخول غيره فيه، بل عموم الذكرى يشمل كليهما، فإذا خص من هو مظنة الاستجابة بالذكر فذلك تنويه بشأنه، فالامتثال للوحي مظنة المدح، فلا يخصص العام بذكر فرد من أفراده، كما تقدم، ويؤيده دلالة: "إن" الشرطية على ندرة وقوع الفعل، فيكون التذكير نادرا، فالأصل عدم التذكير فـ: (مَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، وذلك تعطيل لمنصب الرسالة، بامتناع التذكير، ولو على سبيل البيان والإرشاد، لعموم المكلفين، فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، فيحمل وجه التشابه في هذه الآية إن كان فيها وجه تشابه على محكم آيات عموم البلاغ والتذكير، على ما اطرد من طريقة المحققين من أهل العلم من حمل المتشابه على المحكم، فيرد الأول إلى الثاني، فيزول الإجمال ويرتفع الإشكال.
ويؤيده أيضا: حذف معمول فعل التذكير فذلك مئنة من العموم، فذكر بلا تخصيص بعض دون بعض، فذلك جار على ما تقرر من عالمية الرسالة الخاتمة، فجاء التذكير ابتداء للعشيرة الصغرى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، ثم لأجوارها: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)، ثم لعموم المكلفين: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)، و: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا). فلا تعارض بينها، إذ السياق غير حاصر، فإنذار العشيرة لا يمتنع معه إنذار الأجوار، وإنذار الأجوار لا يمتنع معه إنذار العالمين.
ولأصحاب القول الأول أن يحتجوا بأن أمارات الاستجابة أو عدمها تظهر على المدعو، فيكون المفهوم صحيحا، على تأويل: فذكر إن غلب على الظن من حال المدعو استجابته، فإن لم يغلب على الظن ذلك لعظم ضلاله وفحش مقاله فليس عليك تذكيره، ولذلك كان السلف، رحمهم الله، يمنعون العلم من ليس له بأهل، فذلك من السفه، إذ الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، فكما أن الباري، جل وعلا، لا يضع الهدى إلا في المحال القابلة له، فكذلك الداعي إليه حري به أن يتشبه به في هذا الوصف، فذلك مما يصح تشبه العبد بالرب، جل وعلا، فيه، وإن لم تكن حكمة الخالق، عز وجل، من حكمة المخلوق، بداهة، فليس بينهما، كما تقدم مرارا، إلا الاشتراك في المعنى الكلي المطلق، فحري به ألا يضع الذكرى إلا في الموضع الذي يغلب على ظنه حصول النفع منه.
(يُتْبَعُ)
(/)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى: فذلك أيضا مما يشهد للمعنى الثاني فلن ينتفع بالذكرى إلا من يخشى، فذلك مظنة الاختصاص، فالمفهوم معتبر في هذا الموضع، فلن ينتفع بالتذكير من لا يخشى الباري، عز وجل، وحال مثله لا تخفى غالبا فيكون غيره ممن يظن فيه الخير أولى بالتذكير فـ: (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)، فعاتب الرب، جل وعلا، نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ اجتهد فرأى المصلحة في عرض أمره على سادة قومه علهم يتذكرون فيحصل بذلك من الانتفاع لدعوة الحق ما يحصل، فقدمهم على طالب الهداية، فقد سعى إليه، فهم مظنة الإعراض وهو مظنة الإقبال، فكان أولى بالتذكير منهم، فعاتب فيه الرب، جل وعلا، نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ فعل خلاف الأولى، والوحي لا يقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المفضول فيغار على مقام النبوة المعصوم فلا يرضى له إلا الفاضل الأولى.
فلن يتذكر إلا من يخشى ممن له تصور صحيح لأسماء وصفات جلال الرب، جل وعلا، فذلك مما يولد الخشية في قلبه، فتلك من جملة حركات القلب النافعة، فيظهر أثرها لزوما على الجوارح بالكف عما يغضب الرب، جل وعلا، فذلك من تمام خشيته، عز وجل، بل هو لازمها الذي لا ينفك عنها، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فالخشية الباطنة لا بد أن تولد خشية ظاهرة، إذ لا انفكاك بين الملزوم ولازمه، فالباطن: ملزوم، والظاهر المصدق له: صحة أو فسادا: لازم، فذلك من جملة الأدلة العقلية الصريحة التي يصدقها الحس الظاهر، فمع انتفاء الإكراه، لا يمكن أن يقع العمل حال التكليف بحضور العقل وبلوغ الحلم وصحة الآلات الفاعلة، لا يمكن أن يقع على خلاف المراد الباطن، فمنشأ أي فعل ظاهر: تصور علمي باطن صح أو فسد، يترجح لصاحبه أن المصلحة في إتيان الفعل، فيولد ذلك التصور في قلبه إرادة الفعل، فيتحرك الباطن رغبة، فيستجيب الظاهر لرغبته بتحقيق مراده في عالم الشهادة، وإنما يقع التباين مع كون المراد واحدا: حصول المنفعة، فلا عاقل يفعل الفعل وهو يستيقن أو يغلب على ظنه أنه ضار به، إنما يقع التباين لتباين مصادر التلقي والإمداد، فمن كان مصدر تلقيه: النبوة، فإنه يصيب بتوفيق الرب، جل وعلا، وفضله عليه المنفعة الحقيقية، وإن شابها من النصب والألم ما لا يخلو منه فعل في هذه الدنيا، ولو كان شهوة تلتذ بها النفوس، فالمنفعة الخالصة الناصحة من الكدر عديمة في هذه الدنيا، إذ لم يطبعها الرب، جل وعلا، على ذلك، فمن أرادها كذلك فقد تكلف ما لا يطاق، بطلب ما يضاد سنة الرب، جل وعلا، الجارية في كونه فيصدق فيه قول القائل:
طبعت على كدر وأنت تريدها ******* صفوا من الأقذار والأكدار
وفي المقابل: من كان مصدر تلقيه: هاتف الشيطان ونازع النفس الأمارة بالسوء، فإنه سيحصل المنفعة المتوهمة بشهوة أو لذة عارضة يعقبها من الآلام النفسية والجسدية في دار الشهادة ما ينسي صاحبها لذتها فضلا عما يلقاه من شؤمها في دار الجزاء، فيجري فيه عدل الرب، جل وعلا، بخذلانه إذ ليس أهلا للتوفيق، فلا يضع الرب الحكيم، جل وعلا، كما تقدم، مادة هدايته في محل غير قابل لآثارها فلا ينتفع بها فيكون في ذلك إهدار وتضييع لها فذلك مما يتنزه عنه آحاد العالمين فكيف بربهم أحكم الحاكمين جل وعلا.
وفي المقابل تكون خشية الظاهر مظنة حصول خشية الباطن، فليست دلالتها عليها قطعية، كدلالة الخشية الباطنة على الخشية الظاهرة، بل قد تكون خشية ظاهرة، ولا أصل لها في الباطن فتكون محض نفاق ورياء.
فلن يتذكر، على جهة التضعيف مئنة من المبالغة والتكلف في الاتصاف بالفعل، كما ذكر ذلك الصرفيون في مبحث معاني حروف الزيادة في "تفعَّل"، لن يتذكر إلا من يخشى، وقد أطلق الفعل مئنة من العموم، فيخشى الله، عز وجل، ويخشى عذابه الذي هو أثر صفات جلاله، ويخشى اليوم الآخر الذي هو ظرفه، وفي المقابل: لا يخشى في الله لومة لائم. فنزل المتعدي منزلة اللازم مئنة من العموم كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي المقابل، وعلى سبيل استيفاء شطري القسمة العقلية في باب: الهدى والضلال، فذلك جار مجرى المقابلة أو الطباق:
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى: فيصرف عنها لكبره، فـ: (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)، فيتجنبها مختارا بإرادته التي لا تخرج عن مشيئة الرب، جل وعلا، العامة النافذة، فالرب، عز وجل، صارف له عنها بعدله فليس أهلا لها، لعدم قبول محله لآثارها، وهو منصرف عنها بما خلق الرب، جل وعلا، فيه من طاقة الإعراض عن قبول الحق، فهو فعل، وإن كان تركا للحق، فالترك فعل على الراجح من أقوال أهل الأصول فهو أمر وجودي من هذا الوجه فالفعل لا بد له من وجود في عالم الشهادة لتعلق به علم الرب، جل وعلا، الثاني: علم الإحصاء والكتابة، فيصير محلا قابلا لآثار صفات جمال الرب، جل وعلا، إن كان طاعة، أو لآثار صفات جلاله، عز وجل، إن كان معصية، وهو، من جهة أخرى، شر، والشر مرجعه إلى عدم أسباب الخير، فهو أمر عدمي من هذا الوجه إذ قد قطع الرب، جل وعلا، إمداد الخير عن قلبه، لما علمه من فساد محله، فليس ذلك، كما تقدم، من الحكمة في شيء، ولله المثل الأعلى، والشاهد أن الفعل لا يكون إلا بطاقة يخلقها الرب، جل وعلا، في الفاعل، فتلك هي الاستطاعة الشرعية: متعلق التكليف، فلا تكليف إلا بمعلوم مقدور معدوم لمَّا يقع من المكلف بعد، فإذا وقع سقط به التكليف، ولا يقع بداهة إلا إذا كان معلوما متصورا، مقدورا فآلات الفعل صحيحة، فذلك حد الاستطاعة الشرعية، ومع هذه الطاقة يخلق الرب، جل وعلا، نفس الفعل، فتلك هي الاستطاعة الكونية، فيخلق فعل الخير في الطائع فضلا، ويخلق فعل الشر في العاصي عدلا، فحصلت الهداية البيانية فـ: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، بيانا: بالإرشاد إلى نجد الخير، والتحذير من نجد الشر، فبذلك بعث الرسل، عليهم السلام، فصرف إليها الطائع بفضل الرب، جل وعلا، وصرف عنها العاصي بعدله، عز وجل، ولا يظلم ربك أحدا، فالخلق من ظلم الرب، جل وعلا، لهم في مأمن، فهو القادر على ظلمهم لطلاقة مشيئته، ولكنه تنزه عنه لاتصافه بكمال ضده من العدل والحكمة.
و: "أل" في: "الأشقى": إما أن تكون عهدية، على ما اطرد في نحو قوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى)، بحمله على الصديق، رضي الله عنه، خصوصا، فاسم التفضيل مظنة العهد، فيكون العهد مشيرا إلى شقي بعينه، جاء في الأثر أنه: عتبة بن ربيعة أو الوليد بن المغيرة، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، أو يقال بعموم المعنى وإن كان اللفظ والسبب مظنة الخصوص أو مئنة منه، فكل شقي قد صرف عن آيات الرب، جل وعلا، الشرعية الهادية، فضل عن الأمر الشرعي الحاكم بالأمر الكوني النافذ، فامتاز الناس إلى مؤمن وكافر، سعيد وشقي، فوقع بينهم من التدافع ما ظهرت به آثار صفات الباري، عز وجل، جمالا وجلالا، فرحم المؤمنين فذلك من وصف جماله، وعذب الكافرين فذلك من وصف جلاله، وأهلك أعداء الرسل وأظهر مقالة الحق التي جاءت بها النبوات، فظهرت حجة الدين البالغة، ولو كره المشركون، فغايتهم أن يظهروا بسيفهم فيقهروا أبدانا ويستميلوا قلوبا فاسدة لا خير فيها يرتجى فهي على رسم النفاق فلا تضر الحق شيئا بل قد انتفع الحق بذلك فانتفى خبثه، وامتاز جنده: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 04 - 2010, 08:03 ص]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن قوله تعالى: (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى): فذلك من الإطناب في مقابل الإطناب في وصف من يخشى بـ: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى)، فجاء الوصف معرفا بالموصولية إشارة إلى المعنى الذي اشتقت منه جملة الصلة، فهو محط الفائدة، أو هو على ما تقدم من تقدير سؤال محذوف دل عليه السياق اقتضاء، فمن ذلك الشقي بل الأشقى؟!، فقد بلغ الغاية من الشقاء، فحصل الإجمال في معرض الترهيب فذلك مما يسترعي انتباه المخاطب ليحمله على الكف عن مباشرة السبب الجالب لهذا الوعيد، كما يحمل الوعد في الشطر الأول المخاطب على مباشرة السبب الجالب له، فيحصل الترغيب في الفعل إيجابا، ويحصل مقابله من الترهيب منه تركا، فذلك السلب المقابل للإيجاب، فالنفس لا بد لها من حب وبغض فهي لا تحيى إلا بذلك، فلا بد أن تحب ما ينفعها، وتبغض ما يضرها، فناسب ذلك بيان أوجه الانتفاع التي ترغب النفس فيها طلبا للنجاة، وبيان ما يضادها من أوجه الضرر التي ترغب النفس عنها فرارا من الهلاك، فالطباق أو المقابلة حاصلة بين الشطرين اللذين استوفيا قوى الإنسان الحساس المتحرك: قوى الفعل فهي أثر الحب، وقوى الترك فهي أثر البغض، فذلك جار على ما اطرد في التنزيل من القران بين المتقابلات في الذكر لتكتمل الصورة العلمية في الذهن، كما أشار إلى ذلك المحققون من أهل العلم كالشاطبي رحمه الله، فيتبين الرشد فهو مظنة الفعل، من الغي فهو مظنة الترك، ولا بد للنفس من مصدر تلق لما تحبه وما تبغضه، فإن قوى النفس لا تصدر إلا عن تصور علمي سابق، فمن كان مستنده في بيان تلك المسألة المصيرية: النبوات، فقد اهتدى إلى سبيل الهدى والرشاد، فالوحي، لمكان عصمته، لا يترك خيرا إلا دل على سببه وحض على فعله، ولا يترك شرا إلا حذر منه ونفر، ولا يعرض له خيران إلا قدم أعظمهما، ولا يعرض له شران إلا دفع الأعظم بالأصغر، فـ: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)، فدرءت المفسدة العظمى الحاصلة من سب الباري، عز وجل، بالمفسدة الصغرى بالسكوت عن بيان عوار آلهتهم، ولكل مقام مقال، ولا أعدل ولا أحكم من مقال الوحي الطالب لكل خير الدافع لكل شر، ومن كان مستنده قياس البشر فإنه سيعدل لا محالة عن معادن الخير إلى معادن الشر، بما تستحسنه نفسه الأمارة، ويزينه شيطانه، فيزخرف القبيح بما يحصل منه من لذة عابرة، تسكر العقل حال مباشرتها فتنسيه ما يعقبها من آلام الروح والجسد، ويشوه الحسن الذي يبتلى مباشره بألم عارض ليعلم أصادق هو أم كاذب، فإن صبر وثبت، فاز باللذات ونبت، فذلك الجسور الذي صدق الخبر وامتثل الحكم، فكان من أهل: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، وأي حظ أعظم من حظ المؤمن من بركات اتباع النبوات: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فتلك بركات نكرت تعظيما، فذلك حظه من بركات الدنيا، وهي الأدنى، فكيف بحظه من بركات الآخرة: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، فمعدن النجاة في الدارين كما تقدم مرارا: اتباع النبوات بالتصديق والامتثال، فيوم غابت النبوة فدرست آثارها نظر الله "إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ"، ويوم عزلت عن قيادة الدنيا، أصاب البشر ما أصابهم من الظلم الذي يضاد معنى العدل الحقيقي الذي قررته النبوات، فهي معدن العدل بوضع كل في موضعه، فلكل وصف وحال حكم يلائمها، فذلك العدل لفظا ومعنى، لا لفظا يتشدق به أصحاب المقالات الأرضية الكاسدة ليروجوا بضاعتهم الفكرية الحادثة، فالشيوعية، على سبيل المثال، وهي أشهر مدع معاصر
(يُتْبَعُ)
(/)
للعدالة الاجتماعية، لم تفهم من العدل إلا الظلم بالتسوية بين المتباينات!، فتساوى كل الأفراد وإن اختلفت المواهب والملكات فكل قد صار رقيقا في مزارع ومصانع الحزب، والعائد قد آل إلى الرفاق من أعضاء الحزب بعد أن كان لأصحاب المزارع في عهود الإقطاع والرجعية فانتقل الشعب من رق الإقطاع إلى رق الشيوعية برسم الحرية، ثم ثارت الشعوب فانتقلت من قيد الشيوعية الظالم إلى انفلات الرأسمالية فمن عبودية الدولة إلى عبودية اقتصاد السوق الحر الذي لا يعرف إلا الأقوياء من أصحاب المصانع والمؤسسات المالية العملاقة، فهم السادة الجدد للعالم بعد جيل أصحاب الإقطاعات، ورفاق الحزب، فلا زالت البشرية في قيد العبودية لغير الرب، جل وعلا، بعدولها، رغم توالي النكبات التي يعتبر بها أولوا الألباب، بعدولها عن طريق النجاة: طريق النبوات، معدن صلاح الدارين وإن جهل من جهل، فالعيب في عقله لا في الوحي، أو شكك من شكك فالعيب في مقصده لا في الوحي، فلا يعارضه إلا جاهل أو جاحد، والتاريخ، وهو شاهد العدل في مثل هذه المضائق، شاهد بما يقع من الصلاح في الأرض، حالا ومآلا، أفرادا وجماعات، إذا ولي الوحي الصحيح الحكم، فإن عزل فتولى وحي مبدل كتبته أيدي البشر لتسترق به القلوب والأبدان فتعبدها لأرباب غير الله، عز وجل، كما كان حال أوروبا قبل ثورتها المتطرفة على الكنيسة المتطرفة!، فانتقلت من تطرف إلى تطرف لإعراضها عن النبوة الصحيحة جحودا واستكبارا، فمن وحي أملاه عقل الكنيسة إلى وحي أملاه عقل المجتمع، فانتقلت أوروبا من عقد الكنيسة المتطرف إلى عقد العلمانية المتطرف، فمن عبادة الغير إلى عبادة النفس، فهي أولى بذلك على أقل تقدير، فما الفارق بين الاثنين ليعدل العاقل عن عبادة نفسه إلى عبادة غيره!، ولا زالت البشرية ضالة عن المعبود بحق تبارك وتعالى.
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى: فذلك من الإطناب في معرض النكاية، فجاء الطباق مستغرقا لشطري القسمة العقلية: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ)، ولا يحيون، فذلك من الاحتراس، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فلا يحيون حياة كاملة، فإنه قد يتبادر إلى الذهن من نفي الموت أن لهم نوع حياة بلا ألم، فجاء نفي الحياة نفيا للحياة المستقرة، فليس نفيا لها من كل وجه، بل تقدير الكلام: ولا يحيون فيها حياة مستقرة، فحياتهم كلا حياة فصح نفيها من هذا الوجه، بل الموت، عند التحقيق خير منها، فذلك فرع عن حياتهم الأولى: حياة: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)، فالموت، أيضا، خير منها، ولذلك يقدم كثير من ضلال البشر، لعدولهم عن طريق النبوة الصحيحة، على إنهاء تلك الحياة، فإذا كان ذلك جائزا في الدار الأولى مع أنه عند التحقيق انتقال من عذاب أدنى إلى عذاب أكبر، فإذا كان جائزا في هذه الدار، فإنه غير جائز في الدار الآخرة فـ: "يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ".
يقول ابن القيم رحمه الله:
"وههنا حياة أخرى غير الحياة الطبيعية الحيوانية نسبتها إلى القلب كنسبة حياة البدن إليه فإذا أمد عبده بتلك الحياة أثمرت له من محبته وإجلاله وتعظيمه والحياء منه ومراقبته وطاعته مثل ما تثمر حياة البدن له من التصرف والفعل وسعادة النفس ونجاتها وفلاحها بهذه الحياة وهي حياة دائمة سرمدية لا تنقطع ومتى فقدت هذه الحياة واعتاضت عنها بحياتها الطبيعية الحيوانية كانت ضالة معذبة شقية ولم تسترح راحة الأموات ولم تعش عيش الأحياء كما قال تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} فإن الجزاء من جنس العمل فإنه في الدنيا لما لم يحي الحياة النافعة الحقيقية التي خلق لها بل كانت حياته من جنس حياة البهائم ولم يكن ميتا عديم الإحساس كانت حياته في الآخرة كذلك فإن مقصود الحياة حصول ما ينتفع به ويلتذ به والحي لا بد له من لذة أو ألم فإذا لم تحصل له اللذة لم يحصل له مقصود الحياة كمن
(يُتْبَعُ)
(/)
هو حي في الدنيا وبه أمراض عظيمة تحول بينه وبين التنعم بما يتنعم به الأصحاء فهو يختار الموت ويتمناه ولا يحصل له فلا هو مع الأحياء ولا مع الأموات". اهـ
"شفاء العليل"، ص274.
فالشقاء في الدار الآخرة فرع عن الشقاء في الدار الأولى، فحياة الأنعام في دار الابتلاء ذريعة إلى حياة الشقاء في دار الجزاء.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى: فذلك من التوكيد بـ: "قد" التي دخلت على الفعل تحقيقا، والفلاح، مادة جامعة لأجناس الفوز والنجاة والبقاء في النعيم والخير، فتلك معان أشار إليها صاحب "اللسان" رحمه الله، في صدر كلامه في مادة: "فلح". فذلك من التقديم بالجزاء تشويقا للمخاطب، فيتشوف إلى ذرائع تلك المعاني الجليلات، فيتولد في ذهن كل سامع: ومن ذلك الفالح الذي قد جمعت له أجناس الخير في الأولى والآخرة، فتلك منزلة شريفة تطمح إليها كل النفوس الكبيرة، فهو: الذي يتزكى، فجاء الفعل مزيدا بالتضعيف مئنة من زيادة المعنى، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فصيغة تفعل تدل على التكلف في التلبس بالمعنى، فتزكى آكد في تقرير معنى التزكية من: "زكى"، فـ: "زكى" يحتمل حصول الزكاة بلا مباشرة أسبابها، بخلاف: "تزكى" فإنها تدل على تكلف مباشرة أسبابها، وحذف متعلق الفعل مئنة من العموم، فأسباب التزكية الشرعية عديدة، فمن فسرها بسبب بعينه، فذلك من قبيل، ما تقدم مرارا، من تفسير العام بذكر بعض أفراده، فقد حملها بعض أهل العلم على زكاة بعينها هي: زكاة الفطر، فالمشروع إخراجها قبل الصلاة، فصدر الكلام بها، ثم تلاها الذكر والصلاة، وأجاب بعض أهل العلم بأن السورة المكية، ولم يكن ثم صيام أو زكاة فطر في مكة، بل ذلك مما شرع في المدينة، والقول بتقدم النزول على سببه لا يخلو من نوع تكلف، ومع ذلك لا إشكال في تفسير الزكاة والصلاة بذلك من باب ما تقدم من: تفسير العام بذكر فرد من أفراده، فمادة الزكاة كما ذكر أهل العلم: مشتركة بين الطهارة والنماء والزيادة والمدح والصلاح، وكلها معان تتحقق في كل عبادة خالصة صائبة، فبها تطهر النفس، ويزيد الأجر، ويصير فاعلها أهلا للمدح بما قام به من أوصاف الصلاح.
وجاء عطف الذكر والصلاة على التزكية بمعناها العام، من قبيل عطف الخاص على العام تنويها بشأنه، فالذكر والصلاة من أشرف العبادات، والفاء لا تخلو من معنى السببية، فالذكر علم يقوم بالقلب ويظهر على اللسان، والصلاة: شاهد العدل من أعمال الجوارح على ما قام بالقلب من الذكر الباطن وما قام باللسان من الذكر الظاهر، فالتصور العلمي الأول سبب كل حكم عملي ثان: صحيحا كان أو فاسدا، فالصورة العملية الظاهرة فرع عن الصورة العلمية الباطنة: صحة أو فسادا.
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى: فذلك مما جبل البشر عليه فالنفس الكثيفة لا تتعلق إلا بالمحسوس العاجل، فذلك حال أغلب البشر إلا من لطف كثافة طبعه بمادة النبوات التي تباشر مدارك الحس المعقول في القلوب التي لا زال فيها محال قابلة لآثار الصلاح التي تنتعش بها الأرواح.
فالآخرة وما يتوصل به لنيلها: خير وأبقى، فلو نظر إلى الحقائق المجردة دون العوارض الطارئة من لذات الدنيا المتوهمة، فالخيرة والبقاء على جهة التفضيل منزوعة الدلالة فلا وجه للمقارنة أصلا بين خير الآخرة الباقي وخير الدنيا الفاني.
ثم جاء التوكيد على تلك المعاني الجليلة بإثبات وجودها في الصحف الأولى، فالنبوات، كما تقدم مرارا، يصدق بعضها بعضا، فصدر السياق بالمؤكد الناسخ، وأشير لتلك المعاني بـ: "هذا" لقرب العهد بها، ولقربها من كل قلب حي، فذلك قرب معنوي معقول، فضلا عن القرب اللفظي المقروء، واللام المزحلقة "لفي الصحف".
ثم جاء عطف البيان على جهة التفسير لا التخصيص، فذلك من جملة ما جاء في صحف إبراهيم وموسى، عليهما السلام، فخصا بالذكر لعظم شأنهما، فرسالة الخليل قد جاءت بالحنيفية أصل رسالات الأنبياء من بعده، ورسالة موسى أصل رسالات بني إسرائيل، وقد استدل بعض أهل العمل بهذه الآية على جواز الرواية بالمعنى، فليست تلك الألفاظ بعينها في الصحف الأولى، وإنما معانيها، فلم تكن تلك الكتب عربية كالكتاب الخاتم، ولم تكن معجزة في لفظها كإعجازه، ولم يتقدم نزول آياته بداهة، فلم تنزل إلا على قلب النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذلك من البداهة بمكان.
والله أعلى وأعلم.(/)
أبو طارق
ـ[قمصان]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 04:11 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كلفت ببحث وأنا فى المرحلة الجامعية عن دراسة نقدية فى الأدب الحديث عن أى شىء شعرا كان أو نثرا.
فوجدت قصيدة فى المرحلة الثانوية للبارودى بعنوان الدعوة للثورة على الظلم والمشكلة هنا بالنسبة لى أنى لم أجدها كاملة حيث وجدتها إحدى عشرة بيتا
فهل أجد منكم غضاضة إذا دلنى أحد منكم عن بقيتها ولكم منى جزيل الشكر(/)
سؤال عن التشبيه والتمثيل
ـ[المحفوظ]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 10:51 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصيدة البحتري في وصف الربيع.
تبلغ حوالي 33 بيت
سؤالي ارجو المساعدة ما التشبيهات والتمثيل في القصيدة؟
ولكم خالص الدعاء
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 07:05 ص]ـ
ستجد دراسة حولها في مكتبة جامعة أم القرى بالعابدية (مآب)
وشكراً
ـ[المحفوظ]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 01:40 م]ـ
أشكر لك المساعدة ولكن كيف الوصول إليها ولك الشكر
ـ[المحفوظ]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 01:43 م]ـ
أو ما المراجع التي يمكن الاعتماد عليها؟؟ ولكم خالص الدعاء(/)
الانزياح والعدول
ـ[فايزه111]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 01:23 ص]ـ
السلام عليكم أيها الأعضاء المنتدى الغالي. أود أن تساعدوني في الكتب التي استطيع الحصول على الاجابة عن هذه الاأسئلة الثلاثة في مصطلح العدول والانزياح وهي:
س: ما الإنزياح في علم الأسلوب؟
س: ما علاقة الإنزياح بغيره من المصطلحات؟
س: ما الفرق بين الإنزياح والعدول , وما العلاقة بينهما؟
ودمتم في رعاية الله وحفظه
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 10:20 ص]ـ
السلام عليكم
علم الأسلوب. د. شكري عياد.
البلاغة والأسلوبية. د. محمد عبد المطلب.
ـ[فايزه111]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 02:18 م]ـ
شكرا لك أخي عزام من الأردن والله يوفقك لكن كتاب علم الأسلوب لشكري عياد لم أجد فيه ظالتي أما الآخر لم انظر سأنظر عليه وبشوف بعد لأنه لم استطع تحميله.
فأرجو ممن عنده كتب تحتوي الاجابة على هذه الاسئلة فليساعدني جزاه الله خيرا. وشكرا لكم
ـ[فايزه111]ــــــــ[16 - 04 - 2010, 08:16 م]ـ
السلام عليكم
أرجو منكم أيها الأعضاء الرد علي، فأنا جئت لهذا المنتدى الذي يروي عطشي والتمس فيه ضالتي، فلا تغفلوا عني، ودمتم في حفظ الله.
ـ[منتظر]ــــــــ[18 - 04 - 2010, 09:11 ص]ـ
السلام عليكم
الانزياح والعدول لافرق بينهم كلاهما خرق للغة العادية المستخدمة
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[19 - 04 - 2010, 11:49 ص]ـ
السلام عليكم
الانزياح: خرق المألوف أو القاعدة
العدول يتم وفقا لقاعدة، أما الانزياح فلا.(/)
موازنة بين الإساءة والإحسان من الشعر
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 07:18 ص]ـ
قال كُثير:
فما روضة بالحزم طيبة الثرى يمج الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أطياب عزة موهناً إذا أوقدت بالمندل الرطب نارها.
(الحزن) أي: المكان المرتفع , (جثجاثها وعرارها): نوع من الزهور, (بالمندل الرطب) أي: البخور.
ولم يستوقف الناس هذا البيت , حتى أتت ناقدة الحجاز, واسمها سُكينة بنت الحسين , فاستوقفت كُثير بخبرتها النقدية , وهذا هو العلم بالشعر , فقالت سُكينة لكُثير: أنت القائل ((كذا وكذا , قال: نعم. قالت: فض الله فاك , أرأيت لو أن ميمونة الزنجية , أوقدت بالمندل الرطب نارها , أما تطيب رائحتها؟؟ , " فكُثير عندما جاء بالشرط أساء , وكأنها لا تطيب رائحتها إلا إذا أوقدت بالمندل الرطب" , فقالت لكُثير: ألا قلت مثل ما قال سيدك امرؤ القيس:
ألم ترني كلما جئت طارقاً وجدت بها طيباً وإن لم تتطيب
وكان يعني الرائحة الذاتية , يقول الراوي: فانكسر كُثير. فالنقد لا يرد.
هذا نموذج للفصل بين الإساءة والإحسان , فقد سماها عبد القاهر علم , فهي صنعة.
وفي هذا المنتدى المتميز ألف سكينة وسكينة إن شاء الله.
وسآتي لكم إن شاء الحق جل جلاله في المرة القادمة بموازنة بين الإحسان والإحسان في الشعر.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 09:32 ص]ـ
جزاك الله خيرا أستاذنا على هذه النكتة النقدية الجميلة
ولـ"سكينة بنت الحسين" دراية واضحة في مجال النقد الأدبي، وكان لها مجلس أدبي على غرار الصالونات الادبية الحديثة.
سؤال لأستاذي: أهي روضة بالحزم أم بالحزن؟
ـ[أنوار]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 09:33 ص]ـ
وقفة ماتعة أستاذنا الكريم تحت ظلال الشعر
نرجو استمرارها ..
هذا نموذج للفصل بين الإساءة والإحسان , فقد سماها عبد القاهر علم , وهي صنعة.
أتراها صنعة وليس علمًا كما قال عبد القاهر .. ؟
ثم مالفرق بين الصنعة العلم؟
بورك علمكم أستاذنا الكريم ووقفات قيّمة لا تتسنى لأيّهم.
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[19 - 04 - 2010, 10:58 م]ـ
الأستاذ طارق يسن الطاهر شكراً لك على هذا التفاعل وقد رأيت كلامكم وعسى أن أوافيكم بما تحبونه بعد الإجازة انشاء الله
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[19 - 04 - 2010, 10:59 م]ـ
إن النور ليخفت أحيانا ولكن الأنوار لا تخفت ولا يذهب نورها شكراً لك على هذا التفاعل وقد رأيت كلامكم وعسى أن أوافيكم بما تحبونه بعد الإجازة انشاء الله(/)
رسالة سهل بن هارون
ـ[طالبة آداب]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 12:18 م]ـ
السلام عليكم
رسالة سهل بن هارون في تفضسل الزجاج على الذهب ..
اريد منها الاتي:
مناقشة الطابع الجدلي ..
الخصائص الفنيه من استعارات تشبيهات طباق .....
والله يرحم والديك ..
ـ[السراج]ــــــــ[16 - 04 - 2010, 12:58 م]ـ
هلّا أدرجتِ نصّ الرسالة مشكورةً ..
ـ[طالبة آداب]ــــــــ[18 - 04 - 2010, 12:07 ص]ـ
(الزجاج مجلو نوري, والذهب متاع سائر, والشراب في الزجاج أحسن منه في كل معدن, لايفقد معه وجه النديم, ولا يثقل اليد, ولا يرتفع في السوم. واسم الذهب يتطير منه, ومن لؤمه سرعته إلى اللئام, وهو فاتن فانك (غالب) لمن صانه, وهو أيضاً من مصايد إبليس, ولذلك قالوا أهلك الرجال الأحمران (الذهب والزعفران).والزجاج لايحمل الوضر, ولايداخله الغمر, ومتى غسل بالماء وحده عاد جديداً, وهو أشبه شيء بالماء, وصفته عجيبة, وصناعته أعجب)
اريد مناقشة الطابع الجدلي
ـ[منتظر]ــــــــ[18 - 04 - 2010, 09:18 ص]ـ
هنا اراه يستخدم المنطق في الجدل والاثبات
يطرح خواص الزجاج (لايفقد معه وجه النديم, ولا يثقل اليد, ولا يرتفع في السوم) ثم ياتي بقيضها لان الحسن لايظهر الا بالضد فيقول: (واسم الذهب يتطير منه, ومن لؤمه سرعته إلى اللئام, وهو فاتن فانك (غالب) لمن صانه, وهو أيضاً من مصايد إبليس). ثم يستخدم الدليل النقلي لاثبات ذلك "الأحمران (الذهب والزعفران)."
ويعود من بعد ذلك ليكمل صفات الزجاج
الفن البلاغي المتفشي في النص هو الجناس "الجناس غير التام، وهو ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الأمور الأربعة التي يجب توافرها في الجناس التام وهي: أنواع الحروف او أعدادهااو هيئتها الحاصلة من الحركات والسكنات او ترتيبها."
وهاك بعض الالفاظ
لؤمه واللئام
الاحمران الزعفران
عجيبة واعجب
الوضر الغمر
هذا ماعندي وارجو السماح
ولي عودة ان شاء الله
ـ[طالبة آداب]ــــــــ[18 - 04 - 2010, 10:34 ص]ـ
سلمت لنا اخي المنتظر لم تقصر سلمت يمناك في ماكتبت ..
ارجو من الكرام المزيد من التعليق على مااريد ..
ـ[طالبة آداب]ــــــــ[25 - 04 - 2010, 11:58 م]ـ
من يتحفنا بالمزيد؟؟
ـ[منتظر]ــــــــ[26 - 04 - 2010, 05:37 م]ـ
السلام عليكم
عذرا عن التاخير
وعدتكم والان اريد ان افي بما وعدتُ نكمل ونضيف على بركت الله نبتدأ:-
مجلو نوري// مجاز استعاري لان النور لا يجلا به الزجاج وانما اراد الوضوح والانكشاف فاستعار جلاء الضوء "النور" مع الزجاج.
المتاع // مجاز استعاري لان المتاع يستخدم للمأكولات لا المصنوعات فنقول "هاتنا متاعنا " (أي طعامنا)
فهنا جعل الذهب متاع أي زائل كما جاء وصف الدنيا في قوله تعالى " متاع الغرور ".
لا يثقل // استخدم هنا النفي ولم يقل خفيف لانه يريد ان يظهر عيب من عيوب الذهب ويجادل على افضلية الزجاج فقال لايثقل ويريد هنا انّ الذهب ثقيل. وهذا جانب جدلي , وايضا هنا طباق بين (لايقثل ويثقل) لان المراد الزجاج خفيف والذهب ثقيل.
يتطير // استعمال مجازي للتشاؤم وجاء الفعل في قوله تعالى " انا تطيرنا بكم "
وهنا طباق حيث ان الذهب يتطير أي سعره في تصاعد مستمر والزجاج ثابت لا يرتفع سعره.
مصايده // استعمال الكناية عن غواية ابليس.
الاحمران // كناية عن الذهب والزعفران.
أشبه شيء بالماء // هنا تشبيه مستخدما الفعل أشبه.
... ... ... ... ...
هذا ما عندنا ونرجو السماح ان اخطانا او تاخرنا والسماح لديكم عنوان فكلبكم لا ينبح ورمادكم متجدد وقطيعكم لا يسمن من جوع و قهوتكم لا تخبو نارها ...
اعذروني ان أطلت منتظر(/)
ابيات من بديعية الحلي
ـ[30131]ــــــــ[16 - 04 - 2010, 04:38 م]ـ
:::
ان جئت سلعا فسل عن جيرة العلم ************** وقر السلام علي عرب بذي سلم
فقد ضمنت وجود الدمع من عدمٍ**************** لهم ولم استطع مع ذاك منع دمي
ابيت والدمع هام هامل سرب ****************والجسم في اضم لحم على وضم
من شانه حمل اعباء الهوى كمداً**************اذا همى شانه بالدمع لم يلم
من لي بكلغرير من ظبائهم **************** عزيز حسنٍ يداوي الكلم بالكلم(/)
أنواع من البديع
ـ[30131]ــــــــ[16 - 04 - 2010, 10:19 م]ـ
:::
التورية
التورية، وتسمّى ايهاماً وتخييلاً أيضاً، وهي أن يكون للّفظ معنيان: قريب وبعيد، فيذكره المتكلّم ويريد به المعنى البعيد، الذي هو خلاف الظاهر، ويأتي بقرينة لا يفهمها السامع غير الفطن، فيتوهّم انّه أراد المعنى القريب، نحو قوله تعالى: (وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنهار) (1) أراد من (جرحتم): ارتكاب الذنوب، وكقوله:
أبيات شعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق ومن العجائب لفظها حرّ ومعناها رقيق
فللرقيق معنيان: قريب وهو العبد. وبعيد: وهو من الرقة، والشاعر أراد الثاني، لكن الظاهر من مقابلته للحرّ إرادة العبد.
الإستخدام
الإستخدام: وهو أن يكون للّفظ معنيان فيطلقه المتكلّم ويريد به أحد المعنيين، ثم يذكر ضميره ويريد به المعنى الآخر، نحو قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (2) أراد بالشهر أوّلاً: الهلال، ثمّ أعاد الضمير عليه وهو يريد أيّام الشهر المبارك، وكقوله:
إذا نزل السماء بأرض قوم ق رعيناه وإن كانوا غضابا
أراد بالسماء: المطر، وبضميره في (رعيناه) النبات.
الإستطراد
الإستطراد: وهو أن يشرع المتكلّم في موضوع، ثم يخرج منه قبل تمامه إلى موضوع آخر، ثم يرجع إلى موضوعه الأول، كقوله:
وانّا لقوم لا نرى القتل سبّة ق إذا ما رأته عامر وسلول
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنا ق وتكرهه آجالهم فتطول
أراد مدح قومه، ثم خرج قبل تمام كلامه إلى ذم عامر وسلول، ثم رجع في الشطر الثالث إلى ما بدأ به في الشطر الأول.
الإفتنان
الإفتنان: وهو الجمع بين فنّين من الكلام، كالمدح والذم، والتهنئة والتعزية، والغَزَل والحماسة، وأمثالها، كقوله: (عينه كالذئب لكن سنّه كالاقحوان ... ).
وقوله: (فقلبي ضاحك والعين تبكي ... ).
وقوله:
فوددت تقبيل السيوف لأنها ق لمعت كبارق ثغرك المتبسم
الطباق
الطباق: ويسمّى بالمطابقة وبالتطبيق وبالتطابق وبالتكافؤ وبالتضاد أيضاً، وهو: الجمع بين لفظين متقابلين في المعنى، ويكون على قسمين:
1 ـ طباق الايجاب: وهو ما لم يختلف فيه اللّفظان المتقابلان ايجاباً وسلباً، نحو قوله تعالى: (وانّه هو أضحك وأبكي) (3) وقوله سبحانه: (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء) (4).
2 ـ طباق السلب: وهو ما اختلف فيه اللفظان المتقابلان ايجاباً وسلباً فمثبت مرّة ومنفي اُخرى، نحو قوله تعالى: (فلا تخشون الناس واخشون) (5) وقوله سبحانه: (هل يستوي الّذي يعلمون والّذين لا يعلمون) (6).
المقابلة
المقابلة: وهي أن يؤتى بمعنيين أو معان متوافقة، ثم يؤتى بمقابلها على الترتيب، قال تعالى: (فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنُيسِّرهُ لليُسرى وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى) (7) ونحو قوله:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ق واقبح الكفرَ والإفلاس بالرجل
مراعاة النظير
مراعاة النظير: وتسمّى بالتوافق والإئتلاف والتناسب أيضاً وهو: الجمع بين أمرين أو أمور متناسبة، كقوله تعالى: (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانو مهتدين) (8).
ومنها: ما بني على المناسبة في (المعنى) وذلك بأن يختم الكلام بما بدأ به من حيث المعنى، كقوله تعالى: (لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير) (9). فاللطيف يناسب عدم ادراك الابصار، والخبير يناسب ادراكه للأبصار.
ومنها: ما بني على المناسبة في (اللفظ) وذلك بأن يؤتى بلفظ يناسب معناه أحد الطرفين ولفظه الطرف الآخر، كقوله تعالى: (الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان) (10) فالنجم لفظه يناسب الشمس والقمر، ومعناه - وهو النبات الذي لا ساق له ـ يناسب الشجر.
الإرصاد
الإرصاد، ويسمّى التسهيم أيضاً وهو: أن يذكر قبل تمام الكلام - شعراً كان أو نثرا ـ ما يدل عليه إذا عُرف الرويّ، كقوله تعالى: (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (11) فإنّ (يظلمون) معلوم من السياق، وكقول الشاعر:
احلّت دمي من غير جرم وحرّمت ق بلا سبب عند اللقاء كلامي
فليس الذي حلّلته بمحلّل ق وليس الذي حرَّمته بحرام
فإن (بحرام) معلوم من السياق.
(يُتْبَعُ)
(/)
أو يدل عليه بلا حاجة إلى معرفة الرويّ، نحو قوله تعالى: (ولكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) (12).
الإدماج
الإدماج: وهو أن يدمج في كلام سيق لمعنى، معنى آخر غير مصرّح به، كقوله:
وليل طويل لم أنم فيه لحظة ق أعد ذنوب الدهر وهو مديد
فإنه أدمج تعداد ذنوب الدهر بين ما قصده من طول الليل.
المذهب الكلامي
المذهب الكلامي: وهو أن يؤتى لصحة الكلام بدليل مسلّم عند المخاطب، وذلك بترتيب المقدمات المستلزمات للمطلوب كقوله تعالى: (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) (13) فإن المسلّم عند منكر البعث ان اعادة الموتى أهون من خلق السماوات والارض، ولذا جعله تعالى دليلاً على البعث.
حسن التعليل
حسن التعليل: وهو أن يأتي البليغ بعلة طريفة لمعلول علّته شيء آخر، كقوله:
ما به قتلُ أعاديه ولكن ق يتقي إخلاف ما ترجو الذئابُ
فإنه أنكر كون قتل أعاديه للغلبة وقطع جذور الفساد، وادعى له سبباً آخر، وهو: أن لا يخلف رجاء الذئاب التي تطمع في شبع بطونها.
التجريد
التجريد: وهو أن ينتزع المتكلّم من أمر ذي صفة أمراً آخر مثله في تلك الصفة، وذلك لأجل المبالغة في كمالها في ذي الصفة المنتزع منه، حتى كأنه قد صار منها، بحيث يمكن أن ينتزع منه موصوف آخر، وهو على أقسام:
1 ـ أن يكون بواسطة (الباء التجريدية) نحو: (شربت بمائها عسلاً مصفّى ... ). فكأن حلاوة ماء تلك العين الموصوفة وصلت إلى حدّ يمكن انتزاع العسل منها حين الشرب.
2 ـ أن يكون بواسطة (من التجريدية) كقوله:
لي منك أعداء ومنه أحبة ق تالله أيّكما إليّ حبيب
فكأنه بلغ المخاطب إلى حدّ من العداوة يمكن أن ينتزع منه أعداء، وكذلك بلغ غيره من المحبّة بحيث ينتزع منه أحبة.
3 ـ أن لا يكون بواسطة، كقوله: (وسألت بحراً إذ سألته) جرّد منه بحراً من العلم، حتى أنه سأل البحر المنتزع منه إذ سأله.
4 ـ أن يكون بطريق الكناية، كقوله: ( ... ولا يشرب كأساً بكف من بخلا) أي: أنه يشربها بكفّ الجواد، جرّد منه جواداً يشرب هو بكفّه، وحيث أنّه لا يشرب إلاّ بكف نفسه، فهو إذن ذلك الكريم.
5 ـ أن يكون المخاطب هو نفسه، كقوله:
لا خيل عندك تهديها ولا مال ق فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
فإنّه انتزع وجرّد من نفسه شخصاً آخر وخاطبه فسمي لذلك تجريداً، وهو كثير في كلام الشعراء.
المشاكلة
المشاكلة: وهي أن يستعير المتكلّم لشيء لفظاً لايصح اطلاقه على المستعار له إلاّ مجازاً، وانما يستعير له هذا اللفظ لوقوعه في سياق ما يصح له، كما في الدعاء: (غيِّر سوء حالنا بحسن حالك) (14) فإن الله تعالى لا حال له، وانما استعير له الحال بمناسبة سياق (حالنا) وكقوله تعالى: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) (15) فإن الله تعالى لا نفس له، وإنما عبّر بها للمشاكلة، وكقوله:
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ق قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً
أي: خيّطوا لي جبّة وقميصاً، فأبدل الخياطة بلفظ الطبخ لوقوعها في سياق طبخ الطعام.
المزاوجة
المزاوج: وهي المشابهة وذلك بأن يزاوج المتكلّم ويشابه بين أمرين في الشرط والجزاء، فيرتب على كل منهما مثل ما رتب على الآخر، كقوله:
إذا قال قولاً فأكّد فيه ق تجانبت عنه وأكّدت فيه
رتب التأكيد على كل من قول المتكلّم وتجانب السامع.
الطي والنشر
الطي والنشر، ويسمّى اللّف والنشر أيضاً، وهو: أن يذكر أموراً متعددة، ثم يذكر ما لكل واحد منها من الصفات المسوق لها الكلام، من غير تعيين، اعتماداً على ذهن السامع في إرجاع كل صفة إلى موصوفها، وهو على قسمين:
1 ـ أن يكون النشر فيه على ترتيب الطي، ويسمّى باللّف والنشر المرتّب كقوله:
آرائهم ووجوهم وسيوفهم ق في الحادثات إذا دجون نجوم
منها معالم للهدى ومصابح ق تجلو الدجى والأخريات رجوم
فالآراء معالم للهدى، والوجوه مصابح للدجى، والسيوف رجوم.
2 ـ أن يكون النشر فيه على خلاف ترتيب الطي، ويسمّى باللّف والنشر المشوّش، نحو قوله تعالى: (فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربّكم ولتعلموا عدد السنين والحساب) (16) فابتغاء الفضل في النهار وهو الثاني، والعلم بالحساب لوجود القمر في اللّيل وهو الأول، فكان على خلاف الترتيب.
الجمع
(يُتْبَعُ)
(/)
الجمع: وهو أن يجمع المتكلّم بين أمرين أو أكثر في حكم واحد، كقوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) (17) وقوله سبحانه: (إنَّما الخمرُ والميسرُ ولأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه) (18)، وكقوله:
انّ الشباب والفراغ والجده ق مفسدة للمرء أيَّ مفسدة
التفريق
التفريق: وهو أن يفرق بين أمرين من نوع واحد في الحكم، كقوله تعالى: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اُجاج) (19).
التقسيم
التقسيم: وهو أن يأتي بمتعدّد ثم يحكم على كل واحد منها بحكم، كقوله تعالى: (كذَّبتْ ثمود وعاد بالقارعة فأمّا ثمود فاُهلكوا بالطاغية وأما عاد فاُهلكوا بريح صرصر عاتية) (20).
وقد يطلق التقسيم على أمرين آخرين:
1 ـ على استيفاء أقسام الشيء، كقوله تعالى: (يهب لمن يشاء اُناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوّجهم ذكراناً واناثاً ويجعل من يشاء عقيماً) (21) فإنّ الامر لا يخلو من هذه الاقسام الأربعة.
2 ـ على استيفاء خصوصيات حال الشيء، كقوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) (22).
الجمع والتفريق
الجمع والتفريق وهو أن يجمع بين أمرين في شيء واحد، ثم يفرق بينهما في ما يختص بكل واحد منهما، كقوله:
قلب الحبيب وصخر الصم من حجر ق لكن ذا نابع والقلب مغلوف
الجمع والتقسيم
الجمع والتقسيم: وهو أن يجمع بين متعّدد ثم يقسّم ما جمع، أو يقسم أولاً ثم يجمع، فالأول كقوله:
حتى أقام على أرباض خرشنة ق تشقى به الروم والصلبان والبيع
للرق ما نسلوا والقتل ما ولدوا ق والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا
والثاني كقوله:
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ق أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك فيهم غير محدثة ق انّ الخلائق فاعلم شرّها البدعُ
الجمع مع التفريق والتقسيم
الجمع مع التفريق والتقسيم: وهو أن يجمع بين أمرين في شيء واحد ثمّ يفرّق بينهما بما يخصّ كلّ منهما ثمّ يقسّم ما جمع، نحو قوله تعالى: (يوم يأتي لاتكلّم نفس إلاّ بإذنه فمنهم شقيّ وسعيد، فأمّا الّذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلاّ ما شاء ربّك انّ ربك فعّال لما يريد، وأمّا الّذين سُعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربّك عطاءاً غير مجذوذ) (23) جمع الانفس في عدم التكلّم ثمّ فرّق بينها بأن بعضها شقيّ وبعضها سعيد، ثم قسّم الشقي والسعيد إلى ما لهم هناك في الآخرة من الثواب والعقاب.
المبالغة
المبالغة: وهي الإفراط في الشيء، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ التبليغ، وهو أن يكون الإدعاء ممكناً عقلاً وعادة، كقوله:
جاء رجال البلد ق مليكمهم كالفرقد
فإن مجيْ جميع رجال البلد ممكن عقلاً وعادة.
أباد عسكرنا ما دب أو درجا ق في أرض نجد وما فرد لهم برجا
فإن الإبادة ممكنة عقلاً، مستحيلة عادة.
2 ـ الغلو، وهو أن يكون الإدعاء مستحيلاً عقلاً وعادة، كقول الغالي:
ان الوصي هو الإله وأنما ق آياته احياء عظم رميم
فإن الوهية علي (عليه السلام) مستحيلة عقلاً وعادة.
المغايرة
المغايرة: وهي ـ أن، يمدح المتكلّم شيئاً ثم يذمّه، أو بالعكس، كقوله:
جزى الله الحوادث منجيات ق وأخزاها حوادث ماحقات
فإن الحادثة قد ترفع الشخص وقد تضعه.
تأكيد المدح
تأكيد المدح بما يشبه الذمّ، وهو على ثلاثة أقسام:
1 ـ أن يأتي بمستثنى فيه معنى المدح معمولاً لفعل فيه معنى الذمّ، نحو قوله تعالى: (وما تنقم منّا إلاّ أن آمنّا بأيات ربنا) (24).
2 ـ أن يستثني صفة مدح من صفة ذمّ منفية عن الشيء، نحو قوله:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ق بهنّ فلول من قراع الكتائب
3 ـ أن يثبت صفة مدح لشيء ثمّ يأتي بعدها بأداة استثناء أو استدراك يعقبها بصفة مدح اُخرى، نحو قوله:
فتى كملت أوصافه غير أنّه ق جواد فما يبقى من المال باقياً
ونحو قوله في مثال الإستدراك:
وجوه كاظهار الرياض نضارة ق ولكنها يوم الهياج صخور
تأكيد الذمّ
تأكيد الذم بما يشبه المدح، وهو على قسمين:
1 ـ أن يثبت صفة ذمّ لشيء ثمّ يأتي بعدها بأداة استثناء أو استدراك يعقبها بصفة ذمّ اُخرى كقوله: (كله ذم سوى أنّ محياه قبيح (.
(يُتْبَعُ)
(/)
2 ـ أن يستثني صفة ذمّ من صفة مدح منفية عن الشيء، كقوله:
خلا من الفضل غير أنّي ق أراه في الحُمق لا يجارى
التوجيه
التوجيه: وهو أن يؤتى بكلام يحتمل أمرين متضادين كالذمّ والمدح، والدعاء له وعليه، كقوله - في خيّاط اسمه عمرو، وكان أعور -:
خاط لي عمرو قباءأً ق ليت عينيه سواء
قلت شعراً ليس يدري ق أمديح أم هجاء
والفرق بين التوجيه والتورية: أن التورية لا تكون إلا فيما له معنيان بأصل الوضع، بخلاف التوجيه.
نفي الشيء بإيجابه
نفي الشيء بإيجابه: وهو أن ينفعي شيئاً عن شخص فيوهم اثباته له في الجملة، نحو قوله تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) (25).
وكقوله للخليفة:
لم يُشغَلَنْك عن الجهاد مكاسب ق ترجو ولا لهو ولا أولاد
فإنه يوهم اشغال المكسب له في الجملة - كما في الأولاد - مع أنه لا كسب للخليفة.
القول بالموجب
القول بالموجب: وهو أن يحمل كلام الغير على خلاف مراده، كقوله:
وقالوا قد صفت منّا قلوب ق لقد صدقوا ولكن عن ودادي
فإنهم أرادوا الخلوص له، فحمله الشاعر على الخلوّ من وداده.
ائتلاف اللّفظ والمعنى
ائتلاف اللفظ والمعنى: وهو أن يُختار للمعنى المقصود ألفاظ تؤديه بكمال الوضوح، كقوله ـ في الذمّ ـ:
ولو أن برغوثاً على ظهر قملة ق تكرّ على صفيّ تميم لولّت
وكقوله في المدح:
اذا ما غضبنا غضبة مضرية ق هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
التفريع
التفريع: وهو جعل الشيء فرعاً لغيره وذلك بأن يُثبت لمتعلّق أمر حكماً بعد أن يُشتبه لمتعلّق آخر على نحو يُشعر بالتفريع، كقوله:
طبّه ينفي المرض ق فقهه ينفي البدع
فله الله طبيباً وفقيهاً متّبع
الإستتباع
الإستتباع: وهو الوصف بأمر على وجه يستتبع الوصف بأمر آخر، مدحاً أو ذماً، مدحاً كقوله:
سمح البديهة ليس يمسك لفظه ق فكأنما ألفاظه من ماله
وذمّاً، كقوله ـ في قاضٍ ردّ شهادته برؤية هلال شوال ـ:
أترى القاضي أعمى ق أم تراه يتعامى
سرق العيد كأنّ الـ ق عيد أموال اليتامى
السلب والإيجاب
السلب والإيجاب: وهو أن يسلب صفة مدح أو ذم عن الجميع ليثبتها لمن قصد، فالمدح كقوله:
كل شخص لقيت فيه هنات ق غير سلمى فخلقها من فضائل
والذم، كقوله: (لا أرى في واحد ما فيه من جمع الرذائل).
ويسمّى السلب والإيجاب: الرجوع أيضاً بمعنى العود على الكلام السابق بالنقض لنكتة، كقوله:
وما ضاع شعري عندكم حين قلته ق بلى وأبيكم ضاع فهو يضوع
الإبداع
الإبداع: وهو أن يكون الكلام مشتملاً على جملة من المحسنات البديعية، كقوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقُضي الامر واستوت على الجوديّ وقيل بُعداً للقوم الظالمين) (26).
قيل: أنّه يوجد في هذه الآية الكريمة اثنان وعشرون نوعاً من أنواع البديع اشيرها إليها في المفصّلات.
وكقوله:
فضحتَ الحيا والبحر جوداً فقد بكى الـ ق حيا من حياء منك والتطم البحر
الأسلوب الحكيم
الأسلوب الحكيم: وهو اجابة المخاطب بغير ما سأل، تنبيهاً على كون الاليق هو السؤال عمّا وقع عنه الجواب، كقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس والحجّ) (27) فإنهم لّما لم يكونوا يدركون سبب اختلاف أشكال الهلال، اجيبوا بما ينبغي السؤال عنه، وهو فائدة اختلاف الأهلّة.
وكقوله:
قلت: ثقلتُ إذ أتيتُ مراراً ق قال: ثقّلتَ كاهلي بالأيادي
قلت: طوّلتُ، قال أوليتَ طَولاً ق قلت: أبرمتُ، قال: حبل ودادي
تشابه الأطراف
تشابه الأطراف: وهو أن يكون بدء الكلام وختامه متشابهين لفظاً أو معنى:
الأول: وهو التشابه في اللّفظ كقوله تعالى: (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكبٌ درّيّ) (28).
الثاني: وهو التشابه في المعنى كقوله:
سم زعاف قوله وفعاله ق عند البصير كمثل طعم العلقم
فإن العلقم يناسب السمّ في المذاق.
العكس
العكس: وهو أن يكون الكلام المشتمل على جزئين أو أكثر، في فقرتين، فيقدم ما أخّره في الفترة الأولى، ويؤخّر ما قدّمه، كقوله تعالى: (لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ) (29) وكقوله:
في هواكم يا سادتي متُّ وجداً ق متُّ وَجداً يا سادتي في هواكمُ
الهزل
الهزل: وهو أن يأتي بهزل يراد به الجدّ، كقوله:
إذا ما جاهلي أتاك مفاخراً ق فقل: عَدّ عن ذا كيف أكلك العنب
الاطراد
الاطراد: وهو أن يأتي باسم من يقصده واسم آبائه على ترتيب تسلسلهم في الولادة بلا تكلّف في السبك، كقوله:
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ق بعتيبة بن الحارث بن شهاب
ومنه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم (30).
تجاهل العارف
تجاهل العارف: وهو أن يرى المتكلّم نفسه جاهلاً، مع أنه عالم، وذلك لنكتة كقوله: (أمنزل الأحباب ما لك موحشاً ( ... ؟
أما إذا وقع مثل ذلك في كلام الله سبحانه، كقوله تعالى: (وما تلك بيمينك ياموسى) (31) أو في كلام أوليائه، فلا يسمّى بتجاهل العارف، بل يسمّى حينئذ: ايراد الكلام في صورة الإستفهام لغاية.(/)
من قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 04 - 2010, 09:02 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ).
فذلك من القصر الإضافي ففيه معنى الاحتراس المبطل لكلتا الدعوتين:
فـ: قل: على سبيل الإيجاب والإرشاد إلى فصل الخطاب في مسألة النبوة، وهو خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقرينة السياق، فالنبوة مقام قد اختص به أفراد من النوع الإنساني بأعيانهم اصطفاهم الرب، جل وعلا، لهذا المنصب الجليل، فليس الأمر بالقول هنا من جنس الأمر في قوله تعالى: (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)، فذلك أمر يعم كل من تصدى لجدال أهل الكتاب خصوصا لقرينة السياق، والكفار عموما، فجنس المجادلة واحد، وإن تفاوت المجادَلون في الكفر، فوصف الكفر لهم جامع وإن تفاوتوا في دركاته.
فـ قل: إنما أنا بشر: فذلك قصر إضافي مبطل لدعوى من غلا في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو غلا في الأنبياء، عليهم السلام، عموما، فالأنبياء، عليهم السلام، بشر من البشر، باعتبار الجبلة الإنسانية، وإن اختصوا بقدر زائد، ولكنه قدر لا يخرجهم عن حد البشرية، فليسوا على طرائق الملائكة فضلا عن أن يكونوا أربابا وآلهة، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ).
يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ: فذلك قصر إضافي آخر فقد أوحي إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمور أخرى غير التوحيد لكن لما كان السياق سياق تقرير لأصل الملة في معرض جدال المنكرين حسن القصر الإضافي من هذا الوجه فضلا عن كون التوحيد أصل صحة كل ما يليه من الأعمال، فذلك وجه يصح معه حصر الدين في التوحيد فإنه شرط صحة لكل ما يليه من أعمال الديانة، بل ما شرعت الأقوال والأعمال وما دخلت في حد الإيمان إلا لكونها تصديق ما يقوم بالباطن من عقد التوحيد، فذلك الوحي هو القدر الزائد الذي اختص به، فامتاز النبي عن بقية البشر بخاصة النبوة، فقيد الموصوف: "بشر"، بالوصف الأول فهو المفرد: "مثلكم"، فذلك القيد الأول المبطل لمقالة الغلاة، وبالوصف الثاني فهو جملة: "يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ" على ما اطرد في كلام العرب من تقديم الوصف المفرد على الجملة إذا اجتمعا، وجاء الوصف على جهة المضارعة، فذلك من استحضار صورة الوحي، وهو مئنة من تجدد نزول الوحي، فذلك من تأويل قوله تعالى: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا)، فنزل تنزيلا، مئنة من التفريق، فنزل نجوما متتالية، فذلك القيد مبطل لقول الجفاة في حق النبوات بتسويتها بالبشرية من كل وجه على طريقة من جعل النبي من جنس المصلح أو الثائر أو الفيلسوف، فهو وإن شارك بعض أولئك في خصائص من قبيل: الذكاء وقوة النفس ... إلخ، إلا أنه قد استقل بقدر فارق لا يشركه أحد فيه وهو: الوحي المعصوم، فزاده كمالا على كماله البشري الذي جبل عليه، فصادف الوحي النازل محلا قابلا، احتوى الدين علما وعملا، على جهة الكمال لمكان العصمة، فلم يحو صدر غير صدره الدين بأكمله وإن حوى جملة من علومه وأحكامه، كثرت أو قلت، ثم جاء بيان الوحي على جهة القصر الإضافي أيضا، فهو كما تقدم، مئنة من عظم أمر التوحيد فهو الأصل لما بعده، فكأنه هو الوحي كله من هذا الوجه، مع أن الوحي بداهة قد جاء بغير الشهادة من سائر العلوم النافعة والأعمال الصالحة، فلا طائل من وراء أي علم أو عمل مهما صلح في نفسه إن لم يكن مسبوقا بالأصل المصحح لكل الأعمال، وذلك وجه خطاب الكفار بفروع الشريعة كما قرر المالكية والحنابلة،
(يُتْبَعُ)
(/)
رحمهم الله، فهم مخاطبون بها في نفسها، فهي أمور صالحة، ولكنا لا تصح حتى تسبق بالأصل المصحح لها: أصل التوحيد الأول، فهم مخاطبون بها وبما لا تصح إلا به من التوحيد الأصل المصحح لكل تصور وحكم.
ثم عطف بمقتضيات ذلك التوحيد فهو علم نافع لا بد أن يولد في النفس إرادات صالحة وأعمال صحيحة: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ: بالسير على منهاج النبوة في كل شأن: علمي أو عملي، فردي أو جماعي، تشريعي أو تنفيذي، بلغة العصر، فلا يعدل عن الرسالة إلى ما سواها من المناهج ولا يعدل عن طرائقها إلى ما سواها من الطرائق، وَاسْتَغْفِرُوهُ: فلا بد من وقوع التقصير فلزم الاستغفار جبرانا، فذلك من قبيل: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا"، و: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ"، فعطف الجابر على المجبور إتماما للمعنى، فعقيب كل عمل: استغفار، ولو كان طاعة محضة كالصلاة، فلا بد من نوع تقصير، كما تقدم، فالاستغفار منه ما هو وقائي يدفع مادة الخواطر الفاسدة لئلا تتولد منها إرادات جازمة تدخل في حيز الكسب، ومنه ما هو جبران للطاعات فلا بد من شوب غفلة وذهول، فلا تكاد عبادة تسلم من سهو، ولا تكاد نية تخلو من حظ نفس، والرب، جل وعلا، شكور، يقبل القليل من عباده، ولا يؤاخذهم بما لا يقدرون على دفعه من الخواطر فحسبهم أن يحسنوا الظن به، جل وعلا، فيستعينوا به لدفع تلك المكدرات، ومنه ما هو تخلية للمحل من آثار الذنب قبل تحليته بالطاعة، فذلك الاستغفار الواجب.
ثم جاء التحذير بالدعاء على جهة التنكير تعظيما فـ: ويل للمشركين: فهو واد في جهنم ورد في وصفه آثار تدل على بشاعته، فخص به المشركون لدلالة اللام على الاختصاص إمعانا في النكاية، فساغ الابتداء بالنكرة لجريانها مجرى الدعاء بالشر، فنظيره من الدعاء بالخير نكرة ساغ الابتداء بها: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، ولا يمنع ذلك من دخول غيرهم في ذلك الويل، فيجري القصر هنا مجرى القصر الإضافي إمعانا في النكاية، فالويل قد توعد به غيرهم: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)، فأولئك من جملة المشركين إذ نازعوا الرب، جل وعلا، منصب التشريع، بكتابة ما يوافق أهواءهم ويلائم أذواقهم، كما هي الحال في زماننا، فذلك مما سلكنا فيه سبل من قبلنا، فكانت الريادة ليهود مع تحفظهم في مسألة النسخ إلى حد التعنت تعصبا لملتهم، فلا ناسخ لها بزعمهم، بل لا نسخ أصلا، لئلا يلزمهم شيء من نسخ المسيح عليه السلام، الجزئي، أو نسخ النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم الكلي، ثم جاء بعدهم النصارى ففتحوا الباب على مصراعيه فكل ينسخ ويحكم ما شاء من الأخبار والأحكام!، ثم جاءت الشريعة الخاتمة بالتوسط في أمر النسخ، ولكن أبى العلمانيون إلا أن ينسخوا جملة عظيمة من الشرع المنزل، فأقصوه عن الحكم في دنيا الناس، وعصمه الرب، جل وعلا، من العبث في أصوله، فلو استطاعوا لمحوه من الدواوين، فهو محفوظ رغم أنوفهم، حتي يقيض الله، عز وجل، له من يقوم بأمره فيعيد الدنيا مرة أخرى لسلطان الدين الخاتم.
و: (َوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ)، فذلك أيضا، جار مجرى القصر الإضافي ترهيبا من تأخير الصلاة عن وقتها فكيف بمن تركها بالكلية، فهو داخل في حد الوعيد من باب أولى، بل قد وقع الخلاف في تكفيره، لو تركها كسلا، وهو خلاف معروف مشهور بين أصحاب المذاهب المتبوعة، رحم الله الجميع، وحسب التارك، إهانة ومساءة، أن يكون إيمانه محل جدال وتشكك!.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم جاء التذييل بوصف من أوصافهم: الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، فجاء أداء الزكاة من باب ذكر فرد من أفراد عموم الإيمان، الذي انتفى عنهم بانتفاء أصله وامتناعهم عن أداء فروعه بداهة، فذلك من جنس ما تقدم من خطاب الكفار بفروع الشريعة، فهم مخاطبون بها وبما لا تصح إلا به، فذلك جار مجرى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ)، فقدم ترك الصلاة، وترك الإطعام، والخوض وتلك فروع على التكذيب بيوم الدين فذلك أصل.
والإيتاء، كما تقدم في مواضع أخرى، أبلغ في الدلالة على الامتثال من مجرد الإعطاء، فالإعطاء قد يكون عن غير رضا كما في قوله تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، فلا يعطونها عن طيب نفس بداهة، وإنما يعطونها بسيف الشريعة العادل فقد قهرهم طلبا، وعدل فيهم بقبول الجزية فبها تعصم دماؤهم إلا من نقض العهد، وما أكثر من نقض منهم في زماننا، ولا سلطان للزمان ينتصر للملة الخاتمة ونبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم من اولئك السفلة، فإن ذلك حق لا يستوفيه إلا السلطان الغيور على الدين، لئلا تقع الفتنة والتهارج لو قام بذلك آحاد المكلفين، ولا غيرة في زماننا على الملة، فكل السلاطين إلا من رحم الرب، جل وعلا، يغارون على عروشهم أكثر من غيرتهم على الدين، فسبهم أعظم جرما من سب الرب، جل وعلا، وسب دينه ونبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا كان أمر الدين: فبرود ودياثة منقطعة النظير، وإذا كان أمر الدنيا والسلطان: فحمية وغيرة منقطعة النظير!.
فذكر صورة من صور فسادهم العملي، ثم ذيل بـ: (وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)، فذلك الفساد العلمي، فلا يكفر بالشرع فيعرض عن امتثال أحكامه جحودا واستكبارا إلا من أنكر اليوم الآخر بداهة، وإن آمن بطرف لسانه، فلسان حاله أبلغ في التكذيب، فذلك جار على ما تقدم مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر: صلاحا أو فسادا.
وجاء السياق مؤكدا بجملة من المؤكدات اللفظية التي تدل على شدة تلبسهم بالكفر:
وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ: فقدم ما حقه التأخير: (وهم بالآخرة)، وجيء بضمير الفصل، فذلك مئنة من شدة تلبسهم بوصف الكفر العلمي الذي ولد من فساد العمل ما ولد، فمنع الزكاة من أظهر صوره، فالإيمان الصحيح إنما يظهر أثره في بذل الأبدان والأموال نصرة للملة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[18 - 04 - 2010, 01:49 م]ـ
شكر الله لك أخي مهاجرا
دمت مبدعا ونافعا ومفيدا
ـ[ابو وسام73]ــــــــ[23 - 04 - 2010, 12:23 ص]ـ
بوركت أخي الكريم وحفظك الله من كل شر ومن كل سوء
ـ[الشّابّة المقدسيّة]ــــــــ[28 - 04 - 2010, 02:09 م]ـ
ومنكم نستفيد أستاذنا الفاضل .. جزاكم الله خيرا
لفت نظري أمر ما .. أداة القصر إنّما، وأنّما .. هل الفرق بينهما كما الفرق بين إنّ وأنّ؟ بارك الله فيكم
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 08:57 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أيها الكرام الأفاضل على المرور والتعليق وبارك فيكم.
ربما، والله أعلم، كان فتح: "إن" الأولى لأنها أتت في صدر الجملة، وهذا من موجبات كسر همزة إن، بخلاف: "أن" الثانية فهي مع ما دخلت عليه في تأويل نائب فاعل لـ: يوحى على تقدبر: يوحى إلى وحدانية إلهكم، وهذا التأويل من موجبات فتح همزة "إن" فتكون علة الكسر والفتح هنا نحوية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[الشّابّة المقدسيّة]ــــــــ[02 - 05 - 2010, 11:32 ص]ـ
جزاك الله خيرا
في ميزان حسناتك إن شاء الله(/)
من قوله تعالى: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ ... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 04 - 2010, 09:17 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ):
فالفورية مئنة من كمال عنايته بعباده المؤمنين فأنجاه حيث أهلك الكافرين، وقد مكروا مكرا كبارا، فناسب ذلك جمع السيئات، وإضافتها إلى المكر من باب البيان، على وزان: خاتم حديد، أي من جنس الحديد، فتلك سيئات من جنس مكرهم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وقد يقال بأن ذلك في قوة إضافة الصفة إلى الموصوف على تأويل ذلك بـ: المكر السيء فكان الأليق به من جهة الصناعة النحوية الإفراد لما بين الصفة والموصوف من الموافقة في الإفراد والجمع فيقال: فوقاهم الله سيء ما مكروا، أو: سيء مكرهم، فـ: "ما" مصدرية تؤول مع مدخولها بالمصدر الصريح، ولكن المعنى رجح الجمع في هذا الموضع، إذ مكرهم، كما تقدم، مكر كبير باعتبار قدره، متعدد باعتبار نوعه، فالمصدر يطلق على القليل والكثير، فينزل منزلة اسم الجنس الإفرادي، كالماء والزيت فإنه يطلق على القليل والكثير، وإنما تعرف القلة والكثرة بالوصف لا باللفظ الذي يستوي فيه القليل والكثير فلا تتغير هيئته بخلاف اسم الجنس الجمعي من قبيل بقر وروم فإن مفرده يتميز بالتاء كبقرة أو الياء كرومي، فالمكر منه القليل ومنه الكثير، ومنه الحقير ومنه العظيم، والقرينة السياقية هي التي تعين مراد المتكلم، ومكر فرعون وآله مكر عظيم لما قد علم من مواضع أخر من التنزيل، فقد كاد لموسى عليه السلام وجمع له السحرة، وخرج في إثره .... إلخ، فناسب عظم المكر الزيادة في مبنى السيئة بجمعها فصارت سيئات، فالزيادة في المبنى مئنة من الزيادة في المعنى، كما قرر ذلك البلاغيون، فاغتفر على هذا التخريج عدم المطابقة بين الموصوف والصفة، إذ الموصوف وإن كان مفردا لفظا، إلا أن معناه يحتمل القلة أو الكثرة، كما تقدم، والكثرة في هذا الموضع متعينة فيناسبها الجمع، وتلك من دقائق كلام صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وهو دليل على رجحان المعنى على اللفظ، فالألفاظ ما هي إلا قوالب تصب فيها المعاني فهي مراد المتكلم، فيخرج اللفظ على الوجه الذي يحصل به تمام المعنى، وفي المقابل: أحاط بفرعون وآله سوء العذاب، فذلك، أيضا، من إضافة الصفة إلى الموصوف وقدم وصف السوء إمعانا في النكاية، وقد أجمل العذاب تشويقا إلى بيانه الذي جاء عقيبه فافتتحت به الآية التالية: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ:
فذلك من بدل المطابقة، فيكون ذلك من قبيل التقييد بالبدل فهو المراد ابتداء، وإنما سيق المبدل منه قبله توطئة له، وتشويقا إلى البيان الوافي الذي يحصل به، فضلا عن الإطناب في معرض النكاية إمعانا في مساءة الكافر أو العاصي، وأشار أبو السعود، رحمه الله، إلى وجه آخر تكون فيه: "النار" مرفوعة على الاستئناف، فحذف المبتدأ لدلالة السياق عليه، فهي جواب سؤال قد تولد في الذهن، وما سوء العذاب؟، فجاء الجواب: هو النار، وحذف الضمير على ما اطرد من حذف المبتدأ إن كان ضميرا على وزان:
مستسر الشنء لو يفقدني ******* لبدا منه ذباب فنبع.
أي: هو مستسر الشنء.
فـ: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا: فالمضارع مئنة من التجدد والاستمرار على ما اطرد من الإمعان في النكاية، وهو من أصرح الأدلة على إثبات عذاب القبر، فهو نوع من أنواع العذاب الذي يلقاه القوم في دار البرزخ، ولكل دار أحكامها فلا يصح شرعا وعقلا، قياس أحوال دار البرزخ على أحوال دار الدنيا، فذلك من القياس مع الفارق، فضلا عما في الإتيان بالمضارع من استحضار الصورة في مقام الاعتبار وأخذ العظة للمؤمن، والزجر والتهديد للكافر، فلكل خطاب يلائمه، وإن كان القول واحدا فحال المخاطب يعين مراد المخاطِب، وإطنابا في بيان عذابهم المتصل:
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ: ولا يمنع ذلك من اشتراك غيرهم معهم فيه، أو يحمل ذلك على أن لهم أشد العذاب المعد لمن كان كفره من جنس كفرهم، فلكل معصية جنس من العذاب يتفاوت أصحابه فيه فتكون الشدة مقيدة بنوع العذاب لا مطلقة، وإلى طرف من ذلك أشار صاحب "فتح القدير"، رحمه الله، بقوله:
"وأجيب بأن الناس الذين أضيف إليهم أشد، (في نحو: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ")، لا يراد بهم كل نوع بل من يشاركهم في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب، ففرعون أشد الناس الزاعمين للإلهية عذابا ومن يقتدى به في ضلالة كفر أشد عذابا ممن يقتدى به في ضلالة بدعة، والإمام الجائر الذي ولايته محيطة أشد عذابا من حاكم بلدة أو قاضيها.
ومن صور صورة تعبد - كما كانت تفعل الجاهلية وكما يفعل النصارى - أشد عذابا ممن صورها لغير ذلك كالزينة. وهكذا ذكره القرطبي وغيره". اهـ
وقرئ بالمقطوعة: ادخلوا، فيكون ذلك من الأمر الذي يفيد الإهانة بقرينة سياق العذاب، على وزان قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)، مع وقوع زيادة تهكم في الآية الثانية لقرينة: (العزيز الكريم)، فيؤول الكلام في آية غافر إلى: ادخلوا يا آل فرعون، فحذف حرف النداء وقدر بالياء إذ لم يناد بغيرها في التنزيل، كما أشار إلى ذلك صاحب "مغني اللبيب"، رحمه الله، فحمل النداء المقدر عليها أولى من حمله على غيرها فضلا عن دلالتها على نداء البعيد، وهو يفيد التحقير من شأن المنادى إن كان السياق سياق ذم، كما في قول الفرزدق:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ******* إذا جمعتنا يا جرير المجامع
والله أعلى وأعلم.(/)
المساعدة الله يساعدكم
ـ[عطرالمسك]ــــــــ[21 - 04 - 2010, 09:40 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مع التحية والأكرام ساعدوني الله يساعكم
اريد مساعدة في حل هذه التمارين
السؤال الأول:
العبارات التالية تقدم فيها بعض أجزاء الكلام على بعض أذكر المتقدم وبيني نوعه وسبب التقدم؟
1 – منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال.
2 – ((فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)).
3 – إلى الله كل الأمر في الخلق كلهم
وليس ‘لى المخلوق شيء من الأمر.
4 – ((وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)).
5 – جميع العقلاء لا يسعون في الشر.
6 – ما كل رأي الفتى يدعوا ‘لى الرشد.
السؤال الثاني:
بين دواعي تنكير المسند والمسند إليه أو غير هما فيما يأتي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
1 – ((فأذنوا بحرب من الله ورسوله)).
2 – ((وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين)).
3 – وفي السماء نجوم لا عداد لها
وليس يُكشف إلا الشمس والقمر.
4 – ((ياأبتِ أني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن)).
السؤال الثالث:
أذكر الغرض من تعريف المسند إليه أو المسند بإحدى طرق التعريف؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
1 – أبوك مالك قاصر فقره على نفسه ومشيع غناه.
2 – ((وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب)).
3 – ((أهذا الذي بعث الله رسولا)).
مع الشكر والأمتنان
وارجو بعثها على إيميلي ..................
او على المنتدى ولكن أفضل على إيميلي لان ما أعرف متى تضعونها
ولكم جزيل الشكر
مع تحياتي
ملاحظة: أشكركم جدا جدا جدا
هذه الأسئلة الى اهل العلم والخبره
ـ[عطرالمسك]ــــــــ[24 - 04 - 2010, 08:34 ص]ـ
السلام عليكم
أين التعاون اين المساعدة لوجه الله
اين الأقدام والنخوة في مساعدتي
الله اكبر حتى واحد ما عطاني وجه
حتى برفض الحل عادي على الأقل عبرتوني
الله يساعدكم على خدمت الناس
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[24 - 04 - 2010, 05:48 م]ـ
أختي ام صقر:
من المعروف أن الفصيح ليس لحل الواجبات، لكن بإمكانك الإجابة عما تعرفينه، وبعدئذ ستلقين المساعدة إن شاء الله.
ـ[عطرالمسك]ــــــــ[03 - 05 - 2010, 09:01 ص]ـ
أختي ام صقر:
من المعروف أن الفصيح ليس لحل الواجبات، لكن بإمكانك الإجابة عما تعرفينه، وبعدئذ ستلقين المساعدة إن شاء الله.
السلام عليكم
وشكرا على مرورك على الأقل فيستني
لوكنت اعرف احل لما وضعت الأسئله هنا مع العلم أن هنا ليس لحل التمارين مثل ماقلت لكن قلت حيلتي لم أعرف حتى من المتقدم ومن المتأخر
ماذا تقول
على العموم الله يساعدك ويساعدني(/)
ممكن تفيدوني من خلال هذا الموضوع
ـ[نورالمحبه]ــــــــ[23 - 04 - 2010, 02:51 م]ـ
1 - دَمْعٌ جرَى فقضَى في الرَّبْعِ ما وجَبَا لأهلِهِ وشَفَى أنّى ولا كَرَبَا
2 - عُجْنا فأذهَبَ ما أبْقَى الفِراقُ لَنا منَ العُقُولِ وما رَدّ الذي ذَهَبَا
3 - سَقَيْتُهُ عَبَراتٍ ظَنّهَا مَطَراً سَوائِلاً من جُفُونٍ ظَنّها سُحُبَا
4 - دارُ المُلِمِّ لها طَيفٌ تَهَدّدَني لَيلاً فَما صَدَقتْ عَيني ولا كَذَبَا
5 - أنْأيْتُهُ فَدَنا، أدْنَيْتُهُ فنَأى، جَمّشْتُهُ فَنَبَا، قَبّلْتُهُ فأبَى
6 - هامَ الفُؤادُ بأعرابِيّةٍ سَكَنَتْ بَيْتاً من القلبِ لم تَمدُدْ له طُنُبَا
7 - مَظْلُومَةُ القَدّ في تَشْبيهِهِ غُصُناً مَظلُومَةُ الرّيقِ في تَشبيهِهِ ضَرَبَا
8 - بَيضاءُ تُطمِعُ في ما تحتَ حُلّتِها وعَزّ ذلكَ مَطْلُوباً إذا طُلِبَا
9 - كأنّها الشّمسُ يُعْيي كَفَّ قابضِهِ شُعاعُها ويَراهُ الطّرْفُ مُقْتَرِبَا
10 - مَرّتْ بنا بَينَ تِرْبَيْها فقُلتُ لَها من أينَ جانَسَ هذا الشّادِنُ العَرَبَا
11 - فکستَضْحَكَتْ ثمّ قالتْ كالمُغيثِ يُرَىليثَ الشَّرَى وهوَ من عِجْلٍ إذا انتسبَا
12 - جاءتْ بأشجعِ مَن يُسمى وأسمحِ مَن أعطَى وأبلغِ مَنْ أملى ومَنْ كَتَبَا
13 - لوْ حَلّ خاطرُهُ في مُقْعَدٍ لمَشَى أو جاهلٍ لصَحا أو أخرَسٍ خَطَبَا
14 - إذا بَدا حَجَبَتْ عَيْنَيكَ هَيْبَتُهُ وليسَ يحجبُهُ سِترٌ إذا احتَجَبَا
15 - بَياضُ وَجْهٍ يُريكَ الشّمسَ حالكةً ودُرُّ لَفظٍ يُريكَ الدُّرَّ مَخْشَلَبَا
ممكن تفيدوني من خلال هذه الابيات لأني وجدت مجموعة من التشبيهات وبعض التشبيهات الموجودة في هذه الأبيات غير واضحه بمعنى مبهمة لأني لم أجد التشبية التمثيل أو التشبيه المضمر وهل هذا يعنى انه لايوجد
لذا أرجو مساعدتكم لي في ايجاد التشبيهات(/)
ما نوع التشبيه في هذا البيت؟
ـ[محمد بعاره]ــــــــ[24 - 04 - 2010, 08:12 م]ـ
أنا نار في مرتقى نظر الحا سد ماء جارٍ مع الإخوان
ما نوع التشبيه والله يعطيكم العافية
ـ[دكتور]ــــــــ[28 - 04 - 2010, 11:31 ص]ـ
تشبيه بليغ لأن المحذوف هو أداة التشبيه ووجه الشبه.
والله اعلم
ـ[أبو العزائم]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 12:56 ص]ـ
أنا نار. .... ماء جار (أي أنا ماء .. ) كما قال الأخ دكتور.
ـ[فهد عبد الرحمن الصلوح]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 02:47 ص]ـ
أنا نار في مرتقى نظر الحا سد ماء جارٍ مع الإخوان
ما نوع التشبيه والله يعطيكم العافية
أنا نار، أنا سد ماء، تشبيهان بليغان، فهو كالنار التي تصطلي عين الحاسد، وهو كسد الماء الذي ينساب بهدوء وهويجري ترفقاً بالإخوان.
فالمشبه هنا أنا، والمشبه به نار في الأول، والثاني: المشبه أنا، والمشبه به سد ماء.
ـ[سنهور]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 12:09 م]ـ
هذا كما ذكر الإخوه الأفاضل من التشبيه البليغ
ولكن الإمام عبد القاهر ذكر لهذا النوع
من المحاسن ما لم يذكره غيره حيث يقول
(وهل تشك في انه يعمل عمل السحر في تأليف المتباينين حتى يختصر بعد ما بين المشرق والمغرب ويجمع ما بين المشئم والمعرق وهو يريك للمعانى الممثلة بالأوهام شبها في الأشخاص الماثلة والأشباح القائمة وينطق لك الأخرس ويعطيك البيان من الأعجم ويريك الحياة في الجماد ويريك التئام عين الأضداد فيأتيك بالحياة والموت مجموعين والماء والنار مجتمعين كما يقال في الممدوح هو حياة لأوليائه موت لأعدائه ويجعل الشيء من جهة ماء ومن أخرى نارا كما قال
(أنا نار في مرتقى نظر الحاسد ** ماء جار مع الإخوان)
ـ[عبود]ــــــــ[05 - 07 - 2010, 05:23 ص]ـ
بارك الله فيكم(/)
البلاغة في أساليب الإنشاء غير الطلبي
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[26 - 04 - 2010, 07:37 ص]ـ
ومن ذلك التعجب وأساليب المدح والذم ونعم وبئس , ومنه ألفاظ القسم مثل (أقسم , حلفت , والله , بالله , تالله , الله ... )
أسلوب القسم:
1 - بلاغة العلاقة بين المقسم عليه بالمقسم به:
توجد صلة وثيقة بين اختيار المقسم به بما يناسب المقسم عليه.
وإن تصدير السور بالقسم المناسب لمضمونها داخل فيما سمي في علم البديع ((براعة الاستهلال)) وهو استهلال أول الكلام بما يناسب ما يليه.
وهذا ما يدركه من تأمل مضامين السور المفتتحة بالقسم , واستوحى العلاقة بين الطرفين , ولو راجعت يا أخي كتاب (التبيان في أقسام القرآن) لا بن قيم الجوزية , لوجدت إشارات نافعة فيه.
من شواهد المناسبات:
في سورة العصر إقسام يناسب الجواب , فقد أقسم الله جل ثنائه بالعصر وهو الدهر , أو هو وقت العصر الواقع في آخر النهار ...
والعلاقة بين المقسم به والمقسم عليه قوية بليغة , لأن الدهر هو ظرف العمل , وهو عصر الإنسان المتقضّى فمن لم يأبه له؛ فهو في خسر سريع المرور؛ متحقق الوقوع , والعصر هو خلاصة ما سبقه من ساعات النهار , وفيه صلاة الوسطى التي يجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار , وفيه ساعة الإجابة ليوم الجمعة , وفي عصر الجمعة خلق آدم كما في صحيح مسلم , وفيه تقوم الساعة.
فالعصر إذن خلاصة الأزمان والأوقات , والإنسان خلاصة المخلوقات , فأقسم الله تعالى بخلاصة الزمان على خلاصة عمار الزمان ...
أرأيت الآن كيف ونحن نقرأ هذه السورة القصيرة الآيات ولا نتدبرها.
ومن أنفع الكتب يا رعاك الله في مجال تناسب السور هو تفسير البقاعي رحمه الله ((نظم الدرر))
فاحصل عليه فإنه من أنفع الكتب , وكثير من علماء التفسير اليوم يعول عليه , وخاصة شيخنا مساعد الطيارالذي يوصي به ...
أعتذر عن الانقطاع ... وأنتم خير من يقبل العذر
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[28 - 04 - 2010, 11:59 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
الأستاذ والدكتور الفاضل: سامي
جزاك الله خيرا، طرح قيم ورائع / جعل الله ذلك في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة / اللهم آمين
ما زلنا نتابع؛ حتى نستفيد.
سؤال؟
جزاك الله خيرا، قد قرأت أن من صيغ الإنشاء غير طلبي كذلك صيغ العقود، فهل هذا صحيح؟!
بارك الله فيكم وفي علمكم / اللهم آمين
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[29 - 04 - 2010, 06:54 ص]ـ
وأنتم جزاكم الله خيرا ...
نعم , صيغ العقود (بعت واشتريت ... ) من الأساليب الغير انشائية , وذكرت تلك الصيغ على سبيل الاقتضاب لا الحصر والعد , ولأن البلاغيين قد أغفلوا تلك الأساليب لأنه ليس منها عظيم فائدة كما هو الحال في الأساليب الانشائية , فأفاض العلماء والأدباء والبلاغيون في نقش تلك الأساليب (الغير الانشائية) على حجر المعرفة , وازدلفوا في بحور القرآن يستخرجون مكامن النكت , و مقصودي من الكلام كان منصباً على هذه الصيغة الفريدة؛ أسلوب القسم؛ فالقرآن المكي له دلالاته التي تختلف عن القرآن المدني , فأردت أن أفرج عنها طالما اُحتبست , وهذا الذي أردت , وما توفيقي إلا بالله , ومن له مندوحة حسنة في هذا الباب فليفعل فنعم حامل رسالة إذن , ومن كان له سبق الرهان فما له ألاّ يفعل؟ وكفى بالله حسيباً وكفى بالله نصيراً ...
أشكرك يا أيتها الزهرة المتفائلة ... ودمت للعلم حاملة
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[29 - 04 - 2010, 02:59 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
الأستاذ والدكتور الفاضل: سامي
جزاك الله خيرا، وأحسن الله إليكم، وزادكم الله من فضله العظيم، وأثابكم الله خيرا على التعليق الطيب وعلى حسن الرد، وجعل الله ما تقدمونه من علم في موازين حسناتكم يوم تلقونه / اللهم آمين
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 01:19 م]ـ
أستاذي الفاضل
حلت مشكلة تنسيق الموضوع
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 01:32 م]ـ
جزاك الله خيراً يا أستاذ محمد , وكثر الله من أمثالك
ـ[المجيبل]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 03:10 م]ـ
نعم , صيغ العقود (بعت واشتريت ... ) من الأساليب الغير انشائية , وذكرت تلك الصيغ على سبيل الاقتضاب لا الحصر والعد , ولأن البلاغيين قد أغفلوا تلك الأساليب لأنه ليس منها عظيم فائدة كما هو الحال في الأساليب الانشائية , فأفاض العلماء والأدباء والبلاغيون في نقش تلك الأساليب (الغير الانشائية) على حجر المعرفة
أيهما أصح (الغير إنشائية) أم (غير الإنشائية)؟
ـ[نور القلم]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 01:17 م]ـ
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك دكتور سامي وزادك من علمه وفضله وجعل ماتكتب في ميزان حسناتك
الأستاذة الفاضلة المجيبل أعتقد أن الدكتور سامي كتب "الغير الإنشائية" سهوا لأن ما أعرفه أن الصحيح كتابتها نكرة ثم معرفة "غير الإنشائية"
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الحطيئة]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 03:58 م]ـ
بارك الله فيك دكتورنا العزيز
أما من استشكل قول " الغير استثنائية " فإليك ما وجدت:
جاء في " الوساطة بين المتنبي و خصومه " للجرجاني: فإنه أخرج الرّمَل على فاعلاتن في العروض، فأجْرى على ذلك جميع القصيدة في الأبيات الغير مُصرّعة
و في تاج العروس: قال شيخنا: والمُصنِّف كثيراً ما يَستعمل المَجازات الغيرِ معروفة للعرب ....
و في موضع آخر: وقَوْلُ الجَوْهَرِيّ: لا أَعْرِفُ غيرَه يَعْنِي من الأَلْفَاظ الصَّحِيحة الوَارِدَة الَّتِي على شَرْطِه وحَسْبُك بِهِ فلا يُعْتَرَضُ عَلَيْه بالأَلْفَاظِ الغَيْرِ الثَّابْتَةِ عِنْدَه
و في موضع آخر: ومما يستدرك عليه: البُيوت الغَيْرُ المَسْكُونة في قوله تعالى ...
و في موضع آخر: والقَوسُ: الفَرعُ: الغَيرُ المَشقوقَة
و في موضع آخر: وقال ابنُ دُرَيْدٍ: الطَّفِيفُ: الغَيْرُ التّامِّ
وقالَ أَبو عَمْرو: البَلَقُ: الحُمقُ الغَيْرُ الشَّدِيدِ
و في المحيط في اللغة للصاحب بن عباد: وسَبَّقَتِ الشاةُ: ألْقَتْ وَلَدَه الغَيْرِ تَمامٍ
و في التعريفات للجرجاني: والقوة المجردة تقدر على الأفعال الغير المتناهية.
و في موضع آخر: والسبب الغير التام: هو الذي يتوقف وجود المسبب عليه، لكن لا يوجد المسبب بوجوده فقط.
و في القاموس المحيط: وقد حاسَهُ يَحيسُهُ، والأَمْرُ الرَّديءُ الغَيْرُ المُحْكَمِ
و في موضع آخر: والزَّلَحْلَحُ الخفيفُ الجِسمِ، والوادي الغَيْرُ العَميقِ
و في موضع آخر: والأمرُ المُغَمَّضُ الغيْرُ المُبَيَّنِ
و في موضع آخر: المَغْشُوشُ: الغَيْرُ الخالِصِ
و في موضع آخر: والخامِلُ الذليلُ، والحَسَبُ الغَيْرُ المَعْرُوف
و في موضع آخر: والقَوْسُ عُمِلَتْ من طَرَفِ القَضيبِ، والقَوْسُ الغَيْرُ المَشْقُوقةِ
و في موضع آخر: فهو أبْلَقُ، وهي بَلْقاءُ، و الفُسْطاطُ، والحُمْقُ الغيرُ الشديدِ
و في موضع آخر: والطَّلْقُ: الظَّبْيُ، ج: أَطْلاقٌ، وكَلْبُ الصَّيْدِ، والناقَةُ الغَيْرُ المُقَيَّدَةِ
و في موضع آخر: التَّعادِي: الأمْكِنَةُ الغَيْرُ المُتَسَاوِيَةِ، وقد تَعادَى المَكانُ. والعِدا، كإلَى: المُتَباعدُونَ، والغُرباءُ كالْأَعْداءِ. والعُدْوَةُ، بالضم: المَكانُ المُتباعِدُ. والعُدَواءُ، كالغُلَواءِ: الأرضُ اليابِسَةُ الصُّلْبَةُ، والمَرْكَبُ الغَيْرُ المُطْمَئِنِّ
والله أعلم
ـ[المجيبل]ــــــــ[01 - 07 - 2010, 03:42 م]ـ
بارك الله فيكم أستاذ الحطيئة
هذا سبب سؤالي، فقد قرأت أن غير لا يجوز تعريفها بأل رغم أني رأيتها عدة مرات في كتب معتبرة!
ـ[الدكتور سامي]ــــــــ[03 - 07 - 2010, 03:53 م]ـ
ومن ذلك
أسلوب القسم:
1 - بلاغة العلاقة بين المقسم عليه بالمقسم به (وقد تحدثنا عنها).
2 - بلاغة اختيار أداة القسم.
فالقسم بالتاء لا يكون إلا مع لفظ الجلالة , ويصاحبه معنى التعجب والتوبيخ والتقريع , ومن ذلك تعجب أخوة يوسف عليه السلام تجاه أبيهم لما لازمه الحزن الثقيل دهراً طويلاً , فقالوا له متعجبين ((تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين)).
وعلى هذا كثر الإقسام بالتاء في سورة يوسف عليه السلام لما فيها مواطن العجب والغرابة من سوء بعض تصرفات أخوة يوسف المتجافية عن طريق الصواب والمثيرة للاستغراب , حتى تبلغ الغيرة والحسد بالمرء هذا مبلغ العقوق والقطيعة والظلم ... مما تجره على المكابرة والإصرار على تهوين الزلة وترك الاعتذار قال تعالى: ((قالوا تالله لقد علمتم ماجئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم))
فهذه السورة فيها عبرة عظيمة في تقلب الأحوال بين قوة وضعف , وذل وعز وفقر وغنى فناسب ذلك الإقسام بالتاء.
ـ[نور القلم]ــــــــ[03 - 07 - 2010, 10:08 م]ـ
الأستاذ الفاضل الحطيئة جزاك الله خيرا على توضيح الأمر في "غير الاستثنائية" وبارك الله فيك وفي علمك
جزاك الله خيرا دكتور سامي على إكمال الموضوع الجميل المفيد(/)
ما نوع الصورة البلاغية في هذه الجملة؟
ـ[فيض طفولة]ــــــــ[27 - 04 - 2010, 05:38 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوتي وأخواتي الكرام ..
وددت أن استشيركم في هذه الجملة
"العلم للفتاة مثل السلاح"
فما نوع الصورة البلاغية الموجودة
فأنا اعتقد أنها تشبيه تام وأيضا هل يمكننا القول بأنها استعارة مكنية الغرض منها التجسيد حيث جسد العلم بالشيء المادي ألا وهو السلاح؟؟
;)
أفيدوني ..
ودمتم بود
:)
ـ[السراج]ــــــــ[27 - 04 - 2010, 09:40 ص]ـ
فيض طفولة
الجملة بها تشبيه وليس استعارة.
شُبه العلم بالسلاح، وكلاهما مذكور في الجملة.
ـ[منتظر]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 11:03 م]ـ
تشبيه باستخدام الاسم مثل
ـ[الياسين]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 11:21 م]ـ
هو تشبيه ذكر فيه المشبه (العلم للفتاة) وأداة التشبيه (مثل) والمشبه به (السلاح) ووجه الشبه محذوف تقديره حماية ورد الضر.
أما الاستعارة فهي تشبيه أيضا لكنها تشبيه حذف أحد طرفيه. رأيت أسدا وفي يده سيف. حذف المشبه تقديره رجلا، مثلا وهذه استعارة تصريحية حيث صرحنا بالمشبه به.
رأيت عليا يفترس الأعداء، وهذه استعارة مكنية حيث لم نصرح بالمشبه به وهو الأسد بل أتينا بشيء من لوازمه وهو الافتراس.
وهذا مايعرف بالاستعارة المكنية.
ـ[الياسين]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 11:22 م]ـ
والجملة التي ذكرتها هي تشبيه مؤكد مجمل
ـ[عبد الحكيم مصطفى صوافي]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 02:05 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ـ[عبد الحكيم مصطفى صوافي]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 02:09 ص]ـ
باسم الله الذي لا يعبد سواه
أما أن يكون ما أسلفت استعارة فإنك في هذا قد جانبت الصواب، إذ الاستعارة تشبيه حذف أحد طرفيه و هما المذكوران عندك تبعا العلم و السلاح، و أما أن يكون تشبيها تاما أو صريحا كما رأيت في تبصرك الثاني فإن وجه الشبه هنا غائب و لا يغرنك اتصال لفظ الفتاة بالعلم فما ذلك إلا استكمال و استتمام للمعنى ليس إلا، و على هذا فإن الرأي عندي يستقر بأن الجملة تشبيه مجمل إذ وجه الشبه غائب، هذا و الأصوب عند الأعلم. و لك مني التحية.
ـ[شادى مصر]ــــــــ[23 - 05 - 2010, 05:33 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
الخلاصة: إذا ذكر المشبه والمشبه به (فهذا يكون تشبيها)
أما إذا حذف أحدهما وذكرالآخر (فهذا يكون استعارة)
فإذا ذكر المشبه به (تكون الاستعارة تصريحية)
وإذا ذكر المشبه (تكون الاستعارة مكنية)
والله أعلى وأعلم.(/)
من قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 04 - 2010, 07:38 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ):
فذلك مشهد آت، فجاء الشرط: "إذا" بيانا لظرف الفعل الكائن في المستقبل، فإذا رأى الذين أشركوا، على جهة التعريف بالموصول مئنة من الوصف الذي علق عليه الحكم، فذلك زيادة في تسجيل الجناية عليهم كما في قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ)،، فتكرار الشرط: "وَإِذَا رَأَى" مئنة من توكيد الجناية، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ووقع التنويع في الوصف: "الَّذِينَ ظلموا"، و: "الَّذِينَ أَشْرَكُوا"، فذلك آكد في بيان عظم جرمهم، وقد يحمل ذلك على التكرار توكيدا، إذ الشرك جنس من أجناس الظلم، بل هو أعظم الظلم كما في وصية لقمان، عليه السلام، لابنه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، فإما أن يكون الظلم والكفر مترادفان في المعنى فيحمل الظلم على الظلم الأكبر وهو الشرك فيكون التنويع لفظيا، وإما أن يكون ذلك من قبيل الوصف الخاص بالشرك بعد الوصف العام بالظلم، فالشرك، كما تقدم، جنس من أجناس الظلم، بل هو أعظم أجناسه فحشا، فيكون ذلك من قبيل ذكر الخاص بعد العام توكيدا، فلا يكون الترادف حاصلا من كل وجه، بل قد حصل في المعنى الكلي، وانفرد الظلم بأجناس ليس الكفر منها فهو أوسع دلالة منه، بخلاف الوجه الأول الذي حمل فيه الظلم ابتداء على الشرك فحصل الترادف المعنوي من كل وجه وصار الأمر، كما تقدم، محض: تنويع لفظي، والخطب يسير إذ على كلا الوجهين يقع التوكيد المراد لتسجيل الجناية إمعانا في النكاية.
وجاء وصف المعبودات بالشركاء جناسا اشتقاقيا، يزيد المعنى تقريرا، فمادة الشرك هي الوصف المؤثر، فبراءة الشركاء من المشركين آكد في النكاية، فإذا رأوهم، على سبيل الشرط الذي لا يخلو من معنى المفاجأة، فإذا رأوهم قالوا: ربنا، فذلك من الإقرار بعد فوات وقته المقدر له شرعا، فقد انقضت دار الابتلاء، ولا ينفع القضاء في الإيمان الذي لا يكون إلا أداء في موعده فـ: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ). فالربوبية هنا: ربوبية عامة، ربوبية: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، فليست ربوبية خاصة من قبيل: (رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، فالأولى: مظنة نفاذ المشيئة، والثانية: مظنة العناية، وذلك معنى لا يتصور في حق المشركين، لا سيما في دار الجزاء، فقد شملتهم العناية الكونية العامة في دار الابتلاء فأجرى عليهم الرب، جل وعلا، أسباب الحياة الحيوانية التي تشترك فيها كل الكائنات الحية المتحركة الحساسة، فذلك من فضله، جل وعلا، وحجب عنهم أسباب الحياة الروحية: حياة الوحي، فهو روح تحيي نفس صاحبها، فلا تقوم إلا بها، كما لا تقوم الأبدان إلا بالأرواح التي تحل في كل أجزائها، فكذلك روح الوحي المحيي للنفوس من مراقد الغفلة، روح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا)، فإذا رأوهم قالوا على جهة القصر بتعريف الجزأين: هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا، فذلك آكد في تسجيل الجناية، فقد أجرى الرب، جل وعلا، الحجة على لسانهم، فأنطقهم الله، عز وجل، بجرمهم، فذلك، كما تقدم، آكد في تسجيله عليهم، فلا عذر لهم لانقطاع حجتهم، ويحتمل وجها آخر، أشار إليه صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من قبيل التنصل بإلقاء التبعة على الشركاء، وتلك حجة داحضة، فلم يكن لشيطان أو شريك عليهم سلطان، وإنما ألقى إليهم الشيطان هاتف سوء صادف محلا قابلا في نفوسهم، فنوازعها نوازع سوء، أيضا، فتتحرك إلى الشر اختيارا، وإن لم تخرج إراداتها عن مشيئة الرب، جل وعلا، العامة، فهي نافذة في كل الأعيان والأحوال، فلا توجد عين من العدم، ولا يصدر حال خير أو
(يُتْبَعُ)
(/)
شر من فاعله، إلا بإرادة الرب، جل وعلا، الكونية النافذة، فقد قدر بعلمه الأول المحال والأحوال طيبة كانت أو خبيثة، فاقتضت القدرة والحكمة تيسير أسباب الخير للمحال الطيبة، فـ: (نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى)، وتيسير أسباب الشر للمحال الخبيثة: (أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)، فلكل ما يلائمه، وتلك عين الحكمة، كما تقدم في مواضع سابقة، فلا توضع مادة الخير في محل خبيث لا يقبلها فذلك إهدار لها بوضعها في محل ليس لها بأهل، وذلك وصف يتنزه عنه آحاد الحكماء من البشر، وقد شنع العرب على من صنع معروفا في غير أهله فقال قائلهم:
ومن يصنع المعروف في غير أهله ******* يلاقي كما لاقى مجير أم عامر
فذلك من جنس وضع الشيء في غير موضعه، وإن اختص بالمعروف، فالمعنى العام يشمل كل موضوع في غير موضعه، فـ: (الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)، و: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ)، فلا يضع حكيم طيبا في محل خبيث، ولا يضع خبيثا في محل طيب، بل لكل ما يلائمه من الأحكام فرعا عما يقوم به من الأوصاف، فكل وصف بحسن أو قبح جالب لحكمه ثناء أو ذما، فإذا ثبت هذا في حق المخلوق على جهة الثناء المطلق، فثبوته للرب، جل وعلا، حاصل، من باب أولى، فتلك من المواضع التي يصح فيها استعمال قياس الأولى في إثبات ما أثبته الرب، جل وعلا، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صفات الكمال المطلق، فتتعاضد الدلالتان: النقلية الصحيحة والعقلية الصريحة في إثبات خبر الوحي الصادق.
فقالوا: هؤلاء شركاؤنا: ولا تخلو إشارة البعيد من نوع ذم وتنقيص في مقام بيان عاقبة الشرك وأهله، على ما اطرد من استعمال أداة الإشارة للبعيد في موضع الذم، فهي من جهة دلالتها المعنوية تقبل الانقسام إلى: الثناء بالعلو، والذم بالدنو، فتجري مجرى المشترك اللفظي، والأضداد، تحديدا، فلا يفصل النزاع بين معنييها إلا السياق، وهو هنا دال على الذم لقرينة التنابز بين المشركين وشركائهم.
فقالوا: هؤلاء شركاؤنا: والإضافة في: "شركاؤنا"، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، تحتمل معنيين:
الأول: التهكم، فإثبات وصف الشراكة لهم باعتبار ما ظنه المشركون، فهؤلاء شركاؤكم المزعومون، فيكون ذلك من قبيل قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ): فالأمر جار مجرى التحدي والتعجيز للآلهة المزعومة ولا يخلو ذلك من ذم وتنقيص لها، فكذلك الشأن في هذه الآية، فليس في وصفهم بالشركاء: تقرير لمعنى الشراكة، فذلك منتف في حق الرب، جل وعلا، بداهة، فلا شريك له إذ لا رب مالك للأعيان مدبر للأحوال إلا هو، ولا معبود بحق إلا هو، فله تمام الاستحقاق للانفراد بالتدبير الكوني والتأليه الشرعي، فله التمانع في الربوبية تكوينا وتدبيرا: وإن زعم له المشركون: شركاء في التدبير الكوني كما يقع من الغلاة في البشر، وإن كانوا أنبياء أو أئمة أو أولياء، فيقدح قادحهم في كمال انفراد الرب، جل وعلا، بتدبير الكون، بنسبة أفعال الخلق والرزق والضر والنفع ... إلخ من أفعال الربوبية إلى البشر أو الملائكة أو ...... إلخ، على جهة الاستقلال بالتأثير، وذلك معنى باطل، وإن نسب إلى فاضل من نبي أو إمام أو ولي صالح، فالملائكة، وهي الموكلة بحركات هذ الكون، لا تصدر إلا عن أمر الرب، جل وعلا، فـ: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، فبكلماته الكونيات تجري الأسباب المغيبة والمشهودة، فلا استقلال لسبب، وإن عظم قدره ووصفه، بتدبير شيء من أمر هذا الكون، بل لا بد أن يرجع السبب إلى سبب يتقدمه، وكل سبب يفتقر إلى شروط على جهة الإيجاب، وموانع على جهة الانتفاء، فلا يستقل السبب، مع ما أودع فيه من القوى المؤثرة، بإيجاد مسبَّبه، فيرجع، كما تقدم، إلى سبب أعلى، ويرجع السبب الأعلى إلى سبب أعلى ..... إلخ، حتى تنتهي سلسلة الأسباب إلى سبب ليس وراءه
(يُتْبَعُ)
(/)
سبب، قطعا للتسلسل في المؤثرين، فهو منتف شرعا وعقلا، فترد الأسباب المخلوقة كلها في آخر أمرها إلى سبب غير مخلوق، هو: كلمات الرب، جل وعلا، الكونية النافذة، فهي عن وصف قدرته وحكمته صادرة، فإذا شاء تكلم بها، فوقع المقدور في عالم الشهادة كما قد علمه أزلا في عالم الغيب، فبعلمه الأول قدر، ثم بمشيئته وقدرته: أوجد، ثم بعلمه الثاني: أحصى ونسي عباده!.
وله التمانع في الربوبية تشريعا: وإن زعم له طواغيت البشر شركاء في حكمه، فتلك صورة قديمة حديثة من صور الشرك في الربوبية، صورة: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، فطاعتهم في التحليل، وإن أحلوا ما حرم الله عز وجل، والتحريم، وإن حرموا ما أحل الله، عز وجل، ظنا منهم أن المصلحة فيما اعتبروه وإن ألغاه الشارع، عز وجل، والمفسدة فيما ألغوه، وإن اعتبره الشارع، عز وجل، تلك الطاعة هي: عين اتخاذهم أربابا من دون الله، عز وجل، فلسان حالهم الردية: تقديم قياس أو ذوق أولئك الطواغيت على علم وحكمة الرب الجليل الكريم، تبارك وتعالى، فلا يخلو ذلك من قدح في صفات كماله، بتقديم آثار وصف البشر الناقص، على آثار وصفه الكامل، فإن كلماته الشرعية الحاكمة ككلماته الكونية النافذة: قد صدرت من وصف كماله الأول، فله الكمال المطلق ذاتا وأسماء وصفات وأفعالا، كما تقدم في مواضع عدة فذلك مما ينبغي التذكير به في كل وقت، فمن قدم عليها آثار وصف البشر، مع ما يعتري العقول من التفاوت والاضطراب، وما تميل إليه من الأهواء والشهوات، فكم من شبهة أفسدت علومها وتصوراتها، وكم من شهوة أفسدت إراداتها وأعمالها، من قدم عليها نتاج عقول هذا وصفها من النقص اللازم الذي لا ينفك عنها، فقد اتخذ أصحاب تلك العقول أربابا من دون الله، عز وجل، بلسان حاله، وإن أنكر بلسان مقاله، وليس المراد إصدار الأحكام على الأعيان، وإنما المراد بيان وجه الفساد على سبيل المناصحة: ليحذر منه فيجتنب، فإن أولئك الأحبار والرهبان، وكان طغيانهم برسم الدين، ومتشرعي هذا الزمان، كما يسميهم بعض الفضلاء المعاصرين، فليس الشرع لهم وصفا، وإنما هو مما انتحلوه زورا فنازعوا الرب، جل وعلا، فيه، ظلما وعدوانا، فطغيانهم برسم الدنيا، كل أولئك: الفقر لهم وصف لازم فهو مما جبلت عليه النفوس، والنقص في التدبير والتنفيذ أظهر أماراته، والفقير إلى الغني ملتجئ، فالأول لا ينفك عن الحاجة التي تحمله على اتباع الهوى تحصيلا لحاجته وسدا لخلته، فيظلم ويبغي، وليس تلك بحال يؤتمن صاحبها على سن الشرائع التي يتحقق بها العدل، بينما الثاني: على الضد من ذلك فهو غني لا يفتقر إلى سبب، فلا يميل به هوى، فلا يحكم إلا بالعدل، إذ لا أرب له فيما أجرى على عباده من الأرزاق فـ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)، فما خلقهم إلا ليعبدوه، ولا يكون ذلك إلا بإقامة شرائعه في كل أمور الحياة: علمية كانت أو عملية، فردية كانت أو جماعية، محلية كانت أو دولية، فأحكام الشريعة قد عمت كل ذلك، ففيها التصورات العلمية النافعة، وفيها الأحكام العملية الصالحة، وفيها الشرائع الحاكمة بين أفراد الجماعة المسلمة فيما يقع بينهم من المنازعات، وفيها الشرائع الحاكمة بينهم وبين أفراد بقية الأمم فذلك "القانون الدولي الخاص"، وفيها الشرائع الحاكمة بين الجماعات والأمم فذلك "القانون الدولي العام"، ففيها: العقائد والشرائع والأخلاق والسياسات ..... إلخ، فذيل بكمال غناه عنهم فلا حاجة له بهم ليرزقوه أو يطعموه أو ينصروه على عدو ينازعه، أو شريك يدافعه، فلا شريك له من أولئك الشركاء الذين اعتقد المشركون لهم شراكة في الكون: تدبيرا أو تشريعا، فالرب، جل وعلا، هو المنفرد بالتدبير والتشريع، وهو المستحق للإفراد بالعبودية والتأليه.
وتحتمل الإضافة في "شركاؤهم" معنى آخر هو:
(يُتْبَعُ)
(/)
أن ينظر إلى خصوص السبب، وهو ما عهد من حال العرب آنذاك، فشركاؤهم: الأصنام، على وجه التعيين، فيكون للإضافة في هذا الموضع: دلالة عهدية، فشركاء العرب عباد الأصنام: هم الأصنام التي اتخذوها آلهة مع الله، عز وجل، ولا تعارض بين الوجهين، إذ الصورة الخاصة لا تعارض الصورة العامة، فهي أحد أفرادها، فقد يقال بأن: ذكر هذه الصورة الخاصة لقرينة حال المشركين المواجهين بخطاب التنزيل، لا تعارض الصورة العامة باتخاذ الشركاء، ولو كانوا بشرا، أمواتا أو أحياء، أو شجرا ........ إلخ، فذلك جار مجرى تفسير العام بذكر فرد من أفراده، فلكل زمان شركاؤه، فيشمل الخطاب: الشركاء في زمن الرسالة ابتداء لقرينة خطاب المواجهة، ويشمل سائر الشركاء في كل الأعصار والأمصار والأحوال، لقرينة عموم المعنى، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقد يقال بترجيح المعنى الأول ابتداء، لعمومه المعنوي الذي يزيد السياق ثراء بأفراده، والخطب يسير إذ لا يعارض المعنى الثاني: المعنى الأول، بل إنه بمنزلة المثال الشارح له تقريبا إلى ذهن المخاطب، فضلا عن ملاءمته لحال المشركين آنذاك.
ثم جاء بيان وجه الإشراك بالوصف الذي أزال الإجمال في لفظ: "الشركاء"، فجاء التعريف بالموصول على ما اطرد من دلالة صلته على الوصف المؤثر، فهو مناط الحكم: فهؤلاء شركاؤنا: الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ: فخص الدعاء بالذكر، فهو من أعظم صور العبادة، بل قد جاء النص على أنه عين العبادة على جهة القصر الإضافي في معرض التوكيد كما في حديث النعمان بن بشير، رضي الله عنه، مرفوعا: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ"، فأكد بتعريف الجزاين وضمير الفصل، وليس هو العبادة كلها بداهة، فلها صور أخرى، ولكنه من أعظمها وأظهرها، فاستحق الإفراد بالذكر على جهة القصر الإضافي من هذا الوجه، واستحق تعليق الحكم عليه في الآية، فلا ينفي ذلك، كما تقدم، وقوع الشرك في غير الدعاء، فله صور أخرى كثيرة، قديمة وحديثة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وعلى طريقة: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا): جاء رد الشركاء:
فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ: فالتعقيب مئنة من نقض القول السابق، فذلك آكد في فضح كذبهم مع ما يكون لهم من الحسرة العظيمة بتكذيب شركائهم كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فلو حمل لفظ الشركاء على خصوص الآلهة المنصوبة من الحجارة أو الخشب أو المعدن .... إلخ، فإن لفظ الإلقاء فيه إشارة إلى قدرة الرب، جل وعلا، إذ أجرى ذلك القول على ألسنتهم على وجه غير معتاد في دار الابتلاء، فلكل دار أحكامها، ففي دار الجزاء تنطق الجلود والأعضاء: (قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)، وتنطق الآلهة بتكذيب عابديها. والإشارة إليهم بضمير العاقل: "الواو" في: "فَأَلْقَوْا" جار مجرى: تنزيل غير العاقل منزلة العاقل إذ نسب إليه القول وهو من أفعال العقلاء، فذلك من قبيل قوله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)، فلما فسد عقله وضل سعيه بدعاء غير العاقل نزل منزلة العاقل فجاءت: "من" وهي للعاقل، نائبة عن "ما" وهي لغير العاقل، على جهة الاستعارة ورجع ضمير جماعة الغائبين عليهم باعتبار معنى: "من" فهي من صيغ العموم وهو مظنة تعدد أفراده، فيرجع ضمير الجماعة عليهم.
وإسناد فعل الإلقاء إليهم جار مجرى المجاز العقلي، عند من يقول بالمجاز في الكتاب العزيز، فيجري مجرى: أنبت الربيع البقل، والمنبت باعتبار إجراء أسباب الإنبات هو الله، عز وجل، ومن ينكر المجاز فإنه يجعل ذلك حقيقة إذ قد صدر القول منهم لما خلق الرب، جل وعلا، فيهم القدرة على النطق، كما في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، فلهم تسبيح حقيقي لا ندرك حقيقته وقد نسب إليهم على جهة الفعل، فالجهة منفكة، إذ إسناده إليهم باعتبار صدوره منهم بقوى مؤثرة خلقها الرب، جل وعلا، فيهم، وإسناده إليه باعتباره خالق هذه القوى فيهم، فنسبته إليهم: نسبة فعل إلى فاعله وهي نسبة حقيقية لا مجاز فيها، ونسبتها إلى الله، عز وجل، نسبة فعل إلى خالقه، وهي، أيضا، نسبة حقيقية لا مجاز فيها، فلا وجه للمجاز في كلا الحالين، كما أن الربيع هو المنبت بما أودع الرب، جل وعلا، فيه من قوى الإنبات، والرب، جل وعلا، هو المنبت باعتبار خلقه للأسباب والقوى التي يكون بها الإنبات، فالجهة، أيضا، منفكة، فتثبت النسبتان معا على جهة الحقيقة فلا مجاز في كليهما، بل إن القول بالمجاز في تأثير السبب قد يوقع قائله في نوع من الجبر، فيجعل قيام الفعل بفاعله: قياما مجازيا لا حقيقة له، فتكون نسبة الفعل الاختياري إلى الفاعل: كنسبة الفعل الاضطراري إليه، فيجري فعل الصلاة والصيام الاختياري مجرى فعل الموت والمرض الاضطراري، ولازم ذلك إسقاط التكليف بالتسوية بين الأفعال الشرعية التي يتوجه خطاب التكليف بها، والأفعال الكونية التي لا يكلف الإنسان بها لخروجها عن قدرته، فالتكليف لا يكون إلا بمقدور، كما قرر ذلك أهل الأصول.
وجاء توكيد القول إمعانا في النكاية، فكذبهم الشركاء تكذيبا مؤكدا بـ: الناسخ واللام المزحلقة في قوله تعالى: (إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ).
فما كان منهم بعدأن سقط في أيديهم إلا أن:
ألقوا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ: فتلك مشاكلة لإلقاء الشركاء القول إليهم، ولا تخلو من وجه استعارة تمثيلية لطيفة، فحالهم: حال المستسلم الذي يلقي السلاح حال انهزامه.
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ: فلا قوة لهم في أنفسهم إذ قد استسلموا، ولا قدرة لهم من غيرهم إذ قد جحد الشركاء عبادتهم فأحيط بهم من كل وجه، وذلك آكد في المساءة والنكاية.
والله أعلى وأعلى.(/)
ما نوع الصورة البلاغية في هذه العبارة؟؟
ـ[حفيدة الياسين]ــــــــ[28 - 04 - 2010, 10:13 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
إذا سمحتم أريد إجابة سريعة جدا على هذا السؤال:
ما نوع التعبير المجازي في هذه العبارة {يستعملون هذا العلم أداة لتدمير المنفعة العامة للإنسانية}
انتظر الإجابة .... وبالشرح اذاسمحتم .....
دمتم في رعاية الله وحفظه ..
ـ[السراج]ــــــــ[29 - 04 - 2010, 12:34 م]ـ
استعارة مكنية ..
فالمنفعة العامة للإنسانية - بشكل عام - شيء معنوي وليس حسّياً .. فهنا شبهها بالبناء المتماسك الذي يتدمّر بفضل الاستخدام السيء للعلم
ـ[عطر الكلام]ــــــــ[29 - 04 - 2010, 06:22 م]ـ
لا فض فوكـ ياالسراج
شكرا يا الحفيدة على المثالية في اكتساب المعلومة و نشرها ...(/)
القصر في القرآن الكريم || طلب توجيه
ـ[الشّابّة المقدسيّة]ــــــــ[29 - 04 - 2010, 07:43 م]ـ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الخلق والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
السّادة الأفاضل والجهابذة المحترمين،
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
جئت طرق أبوابكم، للنّهل ممّا تجودون به علينا، طلاّب الأدب المبتدئين، لكنّ هذه العبارة أوقفتني مرارا:
تنبيه: إن كنت ترغب في التسجيل فنحن نرحب بذلك إلا إن كان تسجيلك من أجل حل واجبات مدرسية أو فروض جامعية فهذا الأمر ممنوع في الفصيح
فإن لم نحذ منكم على التّوجيهات فإلى من نتّجه؟
أهل الكرم من سموّكم ورقيّكم لن تبخلوا علينا، هكذا عهدنا أهل اللّغة وأهل القرآن وخاصّته.
طالبة لغة عربيّة على وشك التّخرّج، ومشروع التّخرّج بعنوان (أسلوب القصر في القرآن الكريم)
المطلوب منّي في الجزء الثّاني من البحث اختيار سورة من السّور الطّوال، أو مجموعة أجزاء لأحلّل ما بها من قصر بلاغيّ، لكنّ الأمر يبدو صعبا، ففي كلّ سورة مقتطفات، وإن اخترت سورة معيّنة أخشى أن لا يكون فيها قصر بالقدر المناسب للدّراسة، وكذلك الأمر بالنّسبة للأجزاء، أبحث الآن عن أيّ شيء يقودني للاختيار الصّحيح، فهل لاحدكم أن يدلّني كيف أختار؟ هل من كتاب أو كتب تحيلونني إليها أستطيع منها الإفادة؟
مع العلم أنّني استفدت من كتاب (أساليب القصر في القرآن الكريم وأسرارها البلاغيّة)، من شبكتكم الكريمة.
اعتذاري على التّطفّل ..
بوركَ فيكم وجزاكم الله كلّ خير.
طالبتكم
ـ[أنوار]ــــــــ[30 - 04 - 2010, 11:01 ص]ـ
وعليكِ من الله السلام والرحمة
مرحبًا بكِ أختاه .. حللتِ أهلا ووطئت سهلا.
هذا الإعلان الذي وضع منعًا للاتكالية المطلقة من بعض الطلبة، إذ حتى المحاولة لم يقدم عليها،
الأساتذة هنا على الرحب والسعة إن وضع أحدهم محاولته فسيجد من يصوب ويعين.
بالنسبة لموضوعكِ ,,,
ما رأيكِ بسورة البقرة، أو الأجزاء الثلاثة الأخيرة.
ولعلي أفيدكِ لاحقًا ببعض الدراسات أو الكتب التي عنت بالقصر وأساليبه.
وفقكِ الله
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[30 - 04 - 2010, 01:35 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
أختي الحبيبة والغالية: الشابة المقدسية
أهلا وسهلا بكِ من جديد.
وهذا الرابط للقراءة فقط / لعله يفيدك في دراستك:
http://www.yemen-nic.info/contents/studies/detail.php?ID=23721
وهذا كذلك:
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=155&page=6
والباقي سوف تفيدك به أختي الحبيبة أنوار وأهل العلم.
ودمتِ موفقة ومسددة
ـ[الشّابّة المقدسيّة]ــــــــ[02 - 05 - 2010, 11:01 ص]ـ
وعليكِ من الله السلام والرحمة
مرحبًا بكِ أختاه .. حللتِ أهلا ووطئت سهلا.
هذا الإعلان الذي وضع منعًا للاتكالية المطلقة من بعض الطلبة، إذ حتى المحاولة لم يقدم عليها،
الأساتذة هنا على الرحب والسعة إن وضع أحدهم محاولته فسيجد من يصوب ويعين.
بالنسبة لموضوعكِ ,,,
ما رأيكِ بسورة البقرة، أو الأجزاء الثلاثة الأخيرة.
ولعلي أفيدكِ لاحقًا ببعض الدراسات أو الكتب التي عنت بالقصر وأساليبه.
وفقكِ الله
أهلا بكِ أختي
أشكركِ كثيرا ..
مبدئيّا .. سورة البقرة إن شاء الله
وأسأل الله تعالى أن يكرمني بحُسن البحث فيها.
جزاك الله خيرا، إن شاء الله في ميزان حسناتك أخيّة.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
أختي الحبيبة والغالية: الشابة المقدسية
أهلا وسهلا بكِ من جديد.
وهذا الرابط للقراءة فقط / لعله يفيدك في دراستك:
http://www.yemen-nic.info/contents/s...l.php?ID=23721
وهذا كذلك:
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=155&page=6
والباقي سوف تفيدك به أختي الحبيبة أنوار وأهل العلم.
ودمتِ موفقة ومسددة
صلّى الله عليه وسلّم
أختي الرّائعة زهرة،
الشّكر لكِ قليل، ممتنّة لكِ ولمتابعتكِ
جزاك الله خيرا، أسأل الله أن يكرمك ويفتح عليكِ فتوح العارفين.
في ميزان حسناتكِ إن شاء الله(/)
من حديث: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته"
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 04 - 2010, 08:23 ص]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ماء البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته"
فذلك من جواب الحكيم، إذ قد سألوا عن صورة من صور الطهارة، وهي الوضوء، فجاء الجواب عاما لكل صور الطهارة، فذلك يخرج الجواب عن حد الضرورة إلى حد العموم المحفوظ، فيصلح ماء البحر لكل صور الطهارة من وضوء واغتسال ..... إلخ، كما أشار إلى ذلك صاحب "نيل الأوطار" رحمه الله، وذيل صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحل ميتته، فتلك زيادة في المنة الربانية، فمن البحر غسل طاهر، ومطعوم حلال طيب، فضلا عما فيها من التوكيد على طهورية الماء، فهي جارية مجرى الاحتراس من احتمال قد يرد على الذهن، بأن يخالط الماء ميتة، فيتنجس بمجاورتها، فجاء النص على حل ميتة البحر، وحلها مئنة من طهارتها، فكل حلال طاهر بداهة، ولا عكس، وجاء القصر بتعريف الجزأين مئنة من التوكيد فهو قصر إضافي، فليس قصرا حقيقيا بداهة إذ من الماء ما هو طهور، وإن لم يكن ماء بحر، فمياه الأنهار والأمطار ...... إلخ، كلها طهورة، فالقصر رافع لما يعتمل في نفوسهم من الشك، فقد يقال بأنه قصر قلب من هذا الوجه، إذ قد اعتقدوا عدم صلاحيته للتطهر، فجاء القصر بضد ما اعتقدوا إمعانا في تقرير الحكم، وكذلك الشأن في الشطر الثاني، فهو جار، أيضا، مجرى القصر الإضافي.
وجاء الوصف بالطهورية مبالغة، فمبنى: "فعول" من مباني المبالغة القياسية، فهو طاهر في نفسه لزوما، مطهر لغيره تعديا، وذلك أليق بحال السائل، إذ ليس مراده السؤال عن الطهارة اللازمة، وإنما أراد السؤال عن التطهير المتعدي، فهو محط الفائدة، فحسن الجواب بالصيغة الأعم فهي تشمل المعنى اللازم في نفسه، والمتعدي لغيره، كما تقدم.
ففي الطهورية: زيادة في المنة من وجه، فذلك من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، فوصف الطهورية لما يعلو الأرض، هو وجه الامتنان على هذه الأمة، فلو حمل على المعنى اللازم دون المتعدي ما حصلت به منة، فالتراب طاهر في كل الشرائع، فأي قدر زائد من التيسير تحصل به المنة إن حمل مبنى فعول في هذا السياق على: "فاعل" اللازم، فمادة طهر لازمة، بخلاف مادة: "طهر" بتشديد الهاء فهي متعدية بالتضعيف، كما قرر الصرفيون في مبحث معاني حروف الزيادة.
ومثله قوله تعالى: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا):
فقد حمل بعض أهل الفقه واللغة: معنى طهور في هذا السياق على معنى طاهر، إذ لا حاجة لأهل الجنة إلى الماء الطهور الذي يتطهر به، فلا حدث ولا نجاسة في الجنة، وأجيب بأن المنة لا تحصل إلا بالزيادة في المعنى، فماء الجنة أليق المياه بوصف الطهورية، فتقرير هذا المعنى الزائد جار مجرى ما تقدم من عظم المنة.
وكذلك الحال في قول الشاعر:
عذاب الثنايا ريقهن طهور
فقد حمله بعض أهل اللغة على معنى طاهر، فالريق طاهر في نفسه، لا يتعدى بالتطهير إلى غيره بداهة، وأجيب عن ذلك، أيضا، بأن المبالغة في معرض الثناء، آكد في تقرير المنة، فريق النساء جميعا طاهر، فلو حمل ريق الممدوحات على ذلك ما حصل الثناء الموجب لتفضيلهن على بقية النساء، فكان وصفه بالطهورية أبلغ في الثناء والتفضيل، وإن جرى مجرى المبالغة، فليست طهوريته حقيقية كطهورية التراب في حديث الخصائص، وطهورية الشراب النازل من السماء في نحو قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا).
واستدل من حمل لفظ الطهور في الحديث على الطاهر بأن الصرفيين يجرون صيغة: "فاعل" وصيغة: "فعول" للمادة الواحدة: مجرى واحدا في التعدي واللزوم، فـ: "قاعد" مشتق من الفعل اللازم: "قعد" فلا يكتسب التعدي بمجيئه على صيغة: "فعول": "قعود"، فكذلك: "طاهر" قد اشتق من الفعل اللازم: "طهر"، فهو صفة مشبهة وإن صيغ صوغ اسم الفاعل فلا يشاركه الدلالة المتعدية، وإنما يشاركه فقط في صياغته اللفظية، فلا يتعدى بمجيئه على صيغة: "فعول"، فأصله، كما تقدم، لازم، فالفعل الذي اشتق منه الوصف: لازم، والوصف: لازم وإن جرى مجرى اسم الفاعل من جهة لفظه، كما تقدم، فيكون الاشتقاق التالي الذي جاء على وزان: "فعول" وهو: "طهور" لازما، أيضا، للزوم أصله كما تقدم.
وأجاب من قال بالتعدي بأن ذلك إنما يصح إذا ما كانت الصيغة في هذه الحال معدولة عن صيغة: "فاعل"، فتشاركها اللزوم والتعدي، ولكن الصحيح، كما نقل بعض المحققين كابن مفلح من الحنابلة رحمهم الله، أن "فعول" هنا جارية مجرى أسماء الآلات، فطهور: اسم للآلة التي يتطهر بها، وهي الماء، كما أن سحور: اسم لما يتسحر به، وفطور: اسم لما يفطر به، ووضوء: اسم لما يتوضأ به ..... إلخ.
ومن لطائف الاستدلال بهذه الصيغة ما قرره بعض أهل العلم من دلالتها على طهورية الماء المستعمل فهي دالة على التكرار، فالمبالغة مئنة من ذلك فيحصل التطهر باستعماله أكثر من مرة، فلا يفسد استعماله في طهارة طهوريته فيصيره طاهرا في نفسه غير مطهر لغيره، أو نجسا، كما قد قال بعض أهل العلم، وأجيب، أيضا، بأن ذلك ليس بلازم فالدلالة التكرارية لا تستفاد من صيغة المبالغة في هذا الموضع وإنما يثبت بها فقط: الوصف اللازم بالطهارة، والوصف المتعدي بالتطهير وهو قدر متفق عليه، فإذا استعمل زال وصف التطهير وبقي وصف الطهارة، أو زال كلاهما، وفي نحو: "سحور"، وهو اسم للطعام لا يتصور أن يكون لدلالة التكرار محل، فالمأكول لا يؤكل إلا مرة واحدة فيستهلك بالفعل ولا يبقى فكذلك طهورية الماء تستهلك بالتطهر فيزول وصف التطهير عن الماء كما تقدم.
والله أعلى وأعلم.
ملاحظة: هذه الفائدة مقتبسة من كتاب: "فقه العبادات" للدكتور إبراهيم عبد الرحيم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[همبريالي]ــــــــ[04 - 06 - 2010, 04:58 م]ـ
استفدنا
جزاك المولى كل خير
تحياتى
ـ[سنهور]ــــــــ[05 - 06 - 2010, 10:40 ص]ـ
ليس هذا بغريب على عقل نشأ على أرض الكنانة وشرب من ماء نيلها
فجزاك الله خير الجزاء
ـ[عبود]ــــــــ[19 - 08 - 2010, 06:34 ص]ـ
جزاك الله خيرا(/)
سهلة القاعدة صعبة التطبيق
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 08:25 ص]ـ
احترت فى علم البلاغة هناك موضوعات بعينها كالمحسنات المعنوية مثلا أوالإيجاز والإطناب والمساوة كلما قرأت القواعد وجدتها سهلة سلسة لينة جميلة وإذا رجعت للتدريبات لكى أطبق وقف قلمى وطويت صفحى وارتعشت يدى وأظلمت الدنيا من حولى وما أدرى ماالسبب ولازلت أتذكر أستاذى فى الجامعة الدكتور يحيى محمد يحيى وهو يردد قائلا من أراد أن يتعلم النحو فعليه بكتب المرحلة المتوسطة والثانوية كشرح الأزهرية وشرح ابن عقيل ومن أراد أن يتعلم البلاغة فليتعلمها فى كتب الجامعة ولكن احترت مرة أخرى من أمثلة البلاغة -الأبيات الشعرية والنصوص- لاتتغير ماوجدته فى موضوعات البلاغة فى الثانوية من شواهد هو نفسه ماوجدته من شواهد فى موضوعات البلاغة فى الكلية لم يتغير منه شيئا ولازاد ولانقص اللهم زيادة بعض الموضوعات فى الكلية عن الثانوية ولذلك أحسست بأن مادة البلاغة كلاسيكية جامدة
وأخشى أن لو رجعت لأمهات الكتب فى البلاغة لوجدت نفس الشواهد التى درستها فى الثانوية والكلية.:)
ـ[أنوار]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 03:11 م]ـ
موضوعك قيِّم أخي الكريم
ولعلي أعود للإجابة في وقت لاحق
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[02 - 05 - 2010, 03:46 ص]ـ
شكرا لإهتمامك ومازلت أنتظر الإجابة دمت موفقة(/)
فضلا لا أمرا مساعدتكم ...
ـ[صمت الزمان]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 01:59 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
اتمنى من الاخوه الكرام المساعده بوضع شواهد بلاغيه من باب الحذف والذكر وبيان موضع الشاهد والسر البلاغي والتعليق عليها ومن كل كتاب شاهد وهي:
1 - بلاغة القران الكريم للدكتور احمد بدوي.
2 - البلاغه فنونها وافنانها للدكتور فضل عباس.
3 - البلاغة العربيه في ثوبها الجديد للدكتور بكري شيخ امين.
4 - من بلاغة التعليم القراني للدكتور بسيوني عبدالفتاح.
خالص شكري ودعواتي القلبيه لكم ..
ـ[أنوار]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 03:15 م]ـ
أهذا واجب مدرسي؟؟
أم اجتهاد شخصي للبحث حول موضوع الحذف والذكر!!
ـ[صمت الزمان]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 03:49 م]ـ
في الحقيقه اختي واجب وبحثت في المكتبه الجامعيه لكني لم اتمه كاملا .. فاردت المساعده منكم
ـ[أنوار]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 10:53 م]ـ
يتبادر لذهني أن الواجب سهل، ولا من أمر إلا إيجاد الكتب.
انظري إلى المكتبة البلاغية في قسم البلاغة، فلعلكِ تجدين بغيتكِ
نحتاج إلى شيء من الجِِد(/)
طلب مساعدة في المعاني البلاغية من الآية
ـ[كلوديا]ــــــــ[02 - 05 - 2010, 11:54 ص]ـ
أريد المعاني البلاغية في قوله تعالى:" رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب و الأبصار ".
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[04 - 05 - 2010, 07:27 ص]ـ
أريد المعاني البلاغية في قوله تعالى:" رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة ـ؟؟؟ ـ يخافون يوما تتقلب فيه القلوب و الأبصار ".
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ?
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
ـ[كلوديا]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 08:02 م]ـ
أشكرك على التنبيه و لكن أين الإجابة , أريدها ضروري(/)
من قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 05 - 2010, 08:31 ص]ـ
من قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ):
فذلك من خطاب المواجهة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على جهة الأمر لقرينة تواتر نصوص التنزيل بوجوب الزكاة بل هي قرينة الصلاة في التنزيل، وبذلك الاقتران استدل الصديق، رضي الله عنه، على قتال مانعي الزكاة، فردهم إلى الإجماع على قتال تاركي الصلاة إن كانوا جماعة، وقتل التارك إن كان فردا بعد استتابته، على الخلاف المعروف في كتب الفقه، فقد علق حقن دم المشركين على التوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في قوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)، ومنه استدل من استدل بكفر تارك الزكاة قياسا على القول بكفر تارك الصلاة، فالاقتران في الذكر مئنة من الاقتران في الحكم، وعدى بعض أهل العلم ذلك إلى بقية المباني قياسا على الصلاة، على خلاف معروف حكاه بعض أهل العلم، وإن كان الراجح عدم كفر تارك الزكاة وبقية المباني، فدلالة الاقتران، دلالة لا يلزم منها الاشتراك في الحكم، فقد يقترن الواجب بالمباح، كما في قوله تعالى: (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، فزكاة الزروع واجبة، والأكل منها مباح.
والشاهد أن قتال تاركي الزكاة قد وقع الإجماع عليه لدلالة الاقتران في الآية، فذلك من قبيل الإجماع الذي استند إلى قياس جلي، قاسه المسدد أبو بكر، رضي الله عنه، فوقع الإجماع بعد الخلاف فرفعه، ثم جاء النص الذي غاب عن الأصحاب، رضي الله عنهم، حال النزاع، فـ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"، فوافق قياس الصديق نص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتلك كرامة، أي كرامة، فهي مئنة من سعة العلم وصحة القصد، فهي من جنس موافقة ابن مسعود، رضي الله عنه، لقضاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بروع بنت واشق الأشجعية.
فالأمر باعتبار المواجهة: خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وباعتبار المعنى عام في كل من ولي خلافته، فالخطاب موجه إلى منصب الإمامة وهو يقبل الشراكة، لا إلى منصب النبوة فهو منصب لا يقبل الشراكة بداهة، وتلك شبهة من منع الزكاة، فقد حمل الخطاب على اختصاصه بمنصب النبوة، ولا نبوة بعد قبض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنسخ حكم الزكاة، ولو صح ذلك لبطلت جملة وافرة من أحكام الدين بقبض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك مما ينقض نصوص إكمال الديانة من قبيل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، فأي منة بدين تنقص أحكامه بمجرد وفاة نبيه؟!.
و: "من": جنسية بيانية باعتبار أجناس الأموال الزكوية التي تجب فيها الزكاة، فذلك من المجمل الذي جاء بيانه في مواضع من التنزيل من قبيل قوله تعالى: (وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، فأزال ذلك الإجمال نوعا ما ببيان وجوب الزكاة في الزروع، وبقي الإجمال من جهة أنواع الزروع التي تجب فيها الزكاة، فضلا عن بقية أجناس الأموال الأخرى التي تجب فيها الزكاة، فضلا عن أنصبتها ومقاديرها ...... إلخ، فكل ذلك من المجمل الذي بينته السنة، فالجنسية هنا مجملة فالأموال قد أضيفت إلى الضمير فذلك مئنة من العموم والعموم مجمل يفتقر إلى البيان فعموم الأموال يراد به خصوص أموال بعينها، وذلك من المجاز المرسل الذي علاقته العمومية، كما قرر البلاغيون، ومنكر المجاز يتأيد بالنصوص التي تدل على أجناس الأموال الزكوية وأنصبتها ومقاديرها ...... إلخ، فتلك قرائن نصية تنضم إلى ظاهر العموم فتصيره حقيقة فلا مجاز في هذا السياق.
(يُتْبَعُ)
(/)
و: "من" أيضا: تبعيضية، فذلك مما تهدأ به الخواطر، فالنفوس تتعلق بالأموال على وجه يدعوها إلى الشح والإمساك، فتهدئة الخواطر بأخذ بعض المال دون بعض، مع كونه بعضا يسيرا، بشروط معروفة، مما يهون على النفس إخراج البعض المبذول حفظا للبعض المتروك، فالزكاة، عند النظر والتدبر، فريضة تطهر النفوس وتزكيها، كما يأتي في سياق الآية، ووقاية للمال من شؤم إمساك حق الرب، جل وعلا، وحق العباد فيه، ففي الزكاة حق مركب، ففيه جزء شرعي تحصل به تزكية النفس، وجزء وضعي يحفظ رأس المال، ويسد حاجات المجتمع فإن المجتمع إذا حصلت له الكفاية قلت الأطماع في الأموال المكتنزة، فحفظت الأموال بسد الذرائع إلى استلابها، فضلا عن سد حاجات المجموع فلا تضطر الدول إلى فرض الضرائب لسد العجز الحاصل في مصادر الدخل تغطية لاحتياجات الجماعة، فقد عدلت عن الزكاة الواجبة إلى الضرائب المحرمة في جملتها فلا تفرضها إلا الحكومات الجائرة التي عدلت عن الطيب إلى الخبيث.
و: "من" أيضا: لابتداء الغاية فذلك، كما تقدم في مواضع سابقة، من دلالتها المعجمية الأولى، فحصل منها عدة معان مركبة تزيد المعنى بيانا لعدم التعارض بينها، بل لكل وجهه الصحيح الذي يعضد السياق ويثريه.
ونكرت: "صدقة": مئنة من التعظيم باعتبار أثرها في نفس المزكي، وأثرها في ماله بنفي خبثه، وأثرها في الغير بإغنائه، فلها قدر جليل يستحق التنكير تعظيما، وهي من وجه آخر، موطئة لما بعدها من وصف التزكية والتطهير، فهي مؤسسة لمعنى الصدقة، موطئة لغاياتها من تزكية النفوس وتطهير الأموال، وللتنكير وجه آخر، فهو مئنة من التقليل تيسيرا على النفوس وجاء الوصف مضارعا مئنة من التجدد والاستمرار فذلك آكد في تقرير المعنى، ثم عطف على الفعل جزاؤه من صلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليهم على جهة الأمر ندبا، فلا يجب على الإمام الصلاة على كل مزك، فعطف ذلك على الأمر الواجب مرغب آخر من جملة المرغبات في أداء الواجب، والصلاة في هذا السياق محمولة على حقيقتها اللغوية المعجمية الأولى، فلا تدل على الحقيقة الشرعية المعهودة بداهة، فالمراد هنا هو الدعاء، لقرينة حديث آل أبي أوفى رضي الله عنهم: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى"، فضلا عن تعذر حمل الكلام على الحقيقة الشرعية وإن كانت هي الأصل في نصوص الشريعة كتابا وسنة، فالشرع، كما تقدم في مواضع سابقة، لم ينزل لبيان أحكام اللسان، فتلك ثابتة قبل وروده، وإنما نزل لبيان أحكام التكليف، فاستعمل لسان العرب في الإفصاح عن أحكام الشرع، بتقييد الحقائق اللغوية المطلقة، بجملة من المقيدات الشرعية صيرتها حقائق شرعية معهودة في عبادات مخصوصة بهيئات وأوقات وشرائط ومقادير وأنصبة .... مخصوصة، فالحقائق الشرعية كما اطرد في كلام الأصوليين: حقائق لغوية ورد عليها قيد الشارع، فصارت حقائق شرعية في أحكام التعبد بعد أن كانت حقائق لغوية في أحكام النطق، فعدل عن الأصل في نصوص الشرع لقرينة النص والعقل فإن حديث آل أبي أوفى قد بين المراد من الصلاة، ودلالة العقل تمنع بداهة أن يصلي عليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ركعات كركعات الصلاة الشرعية المعهودة، فذلك معنى يرده العقل ويمجه الطبع، وعلى ذلك حملت الصلاة في نصوص من قبيل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، و: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)، فلا يعقل بداهة أن الله، عز وجل وملائكته تصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى المؤمنين: الصلاة الشرعية المعهودة!.
ثم ذيل بعلة تلك الصلاة: (إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ): على جهة الفصل لما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين العلة والمعلول فبينهما من شبه كمال الاتصال ما يسوغ الفصل فلا وصل بعاطف.
وجاء التصدير بالناسخ المؤكد مئنة من التعليل، فضلا عن دلالته التوكيدية في معرض الحث على بذل الصدقات الواجبة رجاء نيل ذلك الجزاء العظيم، فذلك من جملة البواعث التي تحمل المزكي على بذل صدقته طيبة بها نفسه، فيؤدي الحق الواجب وضعا، وينال الأجر المقرر شرعا، فلم يؤدها برسم الجبر وهو كاره ليسقط عنه الفرض الواجب دون أن ينال ثوابا، بل ربما أثم لما يجده في صدره من قضاء الرب، جل وعلا، الشرعي الحاكم.
فـ: إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ: فنكر السكن تعظيما، فدعاء الصالحين مما تسكن به النفوس وتهدأ فكيف بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم جاء التذييل بوصفي السمع والعلم فذلك مما يلائم الدعاء، فالسمع هنا: محمول على سمع الإجابة، فذلك أبلغ في توكيد المعنى، وهو بدوره، قرينة أخرى ترجح معنى الدعاء، فالدعاء يناسبه السمع على جهة الإحاطة العامة لكافة المسموعات، والدعاء منها، والإجابة الخاصة، فذلك قدر زائد يختص بالدعاء دون بقية المسموعات.
والعلم، أيضا، مما يلائم السياق، من جهة كونه من صفات الإحاطة، فمثله كمثل السمع العام لكافة المسموعات، بل إن السمع لازم من لوازمه فدلالة العلم على السمع: دلالة لزوم، فالعليم لا يكون إلا سميعا بداهة، ولله المثل الأعلى، فوجه التذييل به أن الرب جل وعلا، محيط بما يعتمل في النفوس من النوايا فيعلم هل دفعها المزكي اختيارا أو اضطرارا، إخلاصا أو رياء .... إلخ من الأمور القلبية الباطنة التي لا اطلاع لأحد عليها إلا مصرف القلوب، جل وعلا، فذلك مما يحمل المزكي على تجريد النية وإخلاصها وتحري الدقة في حساب القدر الواجب، فيستشعر بذلك المعية العلمية، فيكون من أصحاب مقام الإحسان والمراقبة للرب، جل علا، مقام: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ).
والله أعلى وأعلم.(/)
خباء المكرمات
ـ[دكتور]ــــــــ[03 - 05 - 2010, 03:19 م]ـ
أناس بهم عزت قريش فأصبحت****وفيهم خباء المكرمات المطنب
السؤال هل كلمة (خباء المكرمات) هي كناية أم استعارة أرجو التوضيح
بارك الله فيكم.
ـ[دكتور]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 02:36 ص]ـ
أنتظر الإجابة من السادة أهل الفضل والعلم.
ـ[السراج]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 07:06 ص]ـ
كناية
فالشاعر أتى بشيئين (خيمة) + (المكرُمات)
فنسب المكرمات إلى الخباء أو الخيمة (خيمة هؤلاء القوم) التي رُبطت بحبال وثيقة.
فهي كناية عن نسبة.
ـ[دكتور]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 10:10 ص]ـ
أستاذي الفاضل السراج
بارك الله فيك وجزاك كل الخير.(/)
في التورية ساعدوني أعانكم الله
ـ[عربية بدمي]ــــــــ[04 - 05 - 2010, 06:05 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواني واخواتي الكرام أتمنى منكم الاجابة على هذه الأسئلة بأسرع وقت ممكن
ولن أنسى بالدعاء لكم
أين هو التورية في كل مما يلي؟
1. سأل واحد صديقه: أين أبوك؟ فقال: في الفرن. فقال: حماه الله.
2. تزوج صديقي بفتاة رقيقة
3. هذا الطفل كريم جميل
4.مر طعام المنوفي بقمي
5.كلما مر الوقت مع الأحباب يحلو
6.قال أبو الحسن الجزار:
كيف لا أشكر الجزارة ماعشت حفاظا واهجر الآدبا
وبها صارت الكلاب ترجينني وبالشعر كنت أرجو الكلابا
7. سنشكر يوم لهو قد تقضى بساقية تقابلنا بنهر
8 - وقال نصير الدين الحمامي:
أبيات شعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق
ومن العجائب لفظها حر ومعناها رقيق
الرجاء لكل شخص متفوق في التورية ويبدع فيها الاجابة ^^
وجزاكم الله خيرا
بأسرع وقت أخوتي ^^
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 10:23 ص]ـ
1 - حماه لها معنيان قريب (حفظه) بعيد (سخنه وأوقدعليه) والمعنى القريب غير مقصود من الصديق بل قصد الثانى البعيد
2 - رقيقة لهامعنيان قريب (النحيفة) بعيد (المملوكة) من الرق وقصد المتكلم المعنى البعيد ودسه وواراه فى معنى قريب
3 - كريم لها معنيان قريب وهى صيغة مبالغة من الكرم أى (جواد-معطاء) بعيد (علم على شخص معروف) وقصد المتكلم المعنى الثانى البعيد على السامع
4 - مر لها معنيان قريب وهوصفة من مرارة الطعم والمذاق أى (حامض) بعيد وهو فعل من المرور والسير (ساروتعدى) وهذا المعنى الثانى البعيد الذى قصده المتكلم
وهكذا باقى الأمثلة
ـ[عربية بدمي]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 07:52 م]ـ
1 - حماه لها معنيان قريب (حفظه) بعيد (سخنه وأوقدعليه) والمعنى القريب غير مقصود من الصديق بل قصد الثانى البعيد
2 - رقيقة لهامعنيان قريب (النحيفة) بعيد (المملوكة) من الرق وقصد المتكلم المعنى البعيد ودسه وواراه فى معنى قريب
3 - كريم لها معنيان قريب وهى صيغة مبالغة من الكرم أى (جواد-معطاء) بعيد (علم على شخص معروف) وقصد المتكلم المعنى الثانى البعيد على السامع
4 - مر لها معنيان قريب وهوصفة من مرارة الطعم والمذاق أى (حامض) بعيد وهو فعل من المرور والسير (ساروتعدى) وهذا المعنى الثانى البعيد الذى قصده المتكلم
وهكذا باقى الأمثلة
جزاك الله خيرا أخي الكريم على الرد والشرح الواضح
رعاك الله ^^
ولكن لم أعرف أين التورية في
6.قال أبو الحسن الجزار:
كيف لا أشكر الجزارة ماعشت حفاظا واهجر الآدبا
وبها صارت الكلاب ترجينني وبالشعر كنت أرجو الكلابا
اجابتي قد تكون ان اللفظ هي الشعر. فالشعر هو شعر الانسان أما الشعر فهي عبارة عن االابيات والله اعلم
7. سنشكر يوم لهو قد تقضى بساقية تقابلنا بنهر
لم أعرفها
وشكرا
ـ[عمر المعاضيدي]ــــــــ[06 - 05 - 2010, 06:06 م]ـ
.كلما مر الوقت مع الأحباب يحلو
كما قال الأستاذ احمد (مر) لها معنيان المرور والمرارة والأولى هي المطلوبة
7. سنشكر يوم لهو قد تقضى بساقية تقابلنا بنهر
الساقية قد تكون ساقية النهر او الساقية المرأة التي تسقي الراح والأول هو المعنى البعيد والمطلوب
8 - وقال نصير الدين الحمامي:
أبيات شعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق
ومن العجائب لفظها حر ومعناها رقيق
القصور الثانية بمعنى منازل الأمراء او بمعنى الكلمة العاجزة عن ايصال المعنى كما سمو الفعل اللازم بالقاصر لعجزه عن الوصول إلى المفعول به بنفسه وهي معناها المطلوب هنا
ـ[راعي العليا]ــــــــ[03 - 06 - 2010, 10:49 ص]ـ
ممممم .. أعتقد والله أعلم أن التورية في البيت الثامن في كلمة رقيق .. المعنى الأول الذي قد يتبادر للسامع هو الرق لوجود كلمة حر في الشطر الأول من البيت الثاني .. والمعنى البعيد هو الرقيق من الرقة ..
ـ[عبود]ــــــــ[14 - 07 - 2010, 07:48 م]ـ
شكرا
ـ[عصام محمود]ــــــــ[19 - 08 - 2010, 12:26 ص]ـ
ولكن لم أعرف أين التورية في
6.قال أبو الحسن الجزار:
كيف لا أشكر الجزارة ماعشت حفاظا واهجر الآدبا
وبها صارت الكلاب ترجينني وبالشعر كنت أرجو الكلابا
اجابتي قد تكون ان اللفظ هي الشعر. فالشعر هو شعر الانسان أما الشعر فهي عبارة عن االابيات والله اعلم
أولا البيتان ليحيي بن عبد العظيم ـ601هـ من شعراء مصر في العصر الأيوبي، وكان جزارا حقيقيا وهي مهتنه الرئيسة وقال هذين البيتين ردا على صديقه شرف الدين الذي كان يعاتبه لتركه الأدب والعودة للجزارة مرة اخرى.
ثانيا التورية هنا هي كلمة الكلاب التي تكررت في البيت الثاني وقصد المعنى الحقيقي أولا أما الكلاب الثانية فقصد بها الناس الذين كان يمدحهم ليعطوه.
انظر:
د شوقي ضيف عصر الدول والإمارات مصر ص:375.(/)
ما معنى العصا في قوله بعد العصا
ـ[سمير محمد]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 01:22 ص]ـ
السلام عليكم
اعتذر اذا كان القسم الذي اضع فيه سؤالي في غير موضعه الصحيح
وسؤالي
ما معنى العصا هنا
أنت بعد ثلاث عبد العصا
علما أنني وقعت على تفسير القول
عبد العصا: " كناية عن صيرورته تابعا لغيره، يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - / يموت بعد ثلاث، وتصير أنت مأمورا عليك،
ارجو الافادة في معنى العصا هنا وجزاكم الله خيراً
ـ[أبومحمدع]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 01:52 ص]ـ
قوله-أي العباس رضي الله عنه لعلي رضي الله عنه -أنت بعد ثلاث عبد العصا -هو كناية عن أن يصير تابعا لغيره والمعنى أن النبي يموت بعد ثلاثة أيام وتصير أنت مأمورا عليك بلا عز ولا حرمة بين الناس هذا من قوة فراسة العباس رضي الله عنه /
نقلا من: عمدة القاري شرح صحيح البخاري
المؤلف: بدر الدين العيني الحنفي
والله نسأل التوفيق وحفظ ما علمنا.
اللون الأسود معناه توضيح مني. العصا هنا تدل على الحكم. تصبح من الرعية ولست واليا. والله أعلم(/)
نشاة البديعيات
ـ[30131]ــــــــ[06 - 05 - 2010, 11:53 م]ـ
:=
نشأة البديعيات:
يبدو أن الحديث عن البديعيات، في البداية أمرٌ شاقٌ وصعب وهذا ربما عائد إلى؛ أنها فن تمخض عن صراع وآلام كبيرة وآمال دفنت، وإرادة تسلب وتتضح لنا هذه الصعوبة من خلال تحديدنا للزمن الذي ظهرت فيه فيقول في هذا الصدد محمد علي سلطاني: "قصائد في المديح بدأ ظهورها حوالي منتصف القرن السابع هجري".
وهنالك من يقول أن ميلادها كان في القرن الثامن الهجري، وتناسلت لها قصائد نبوية بديعية خلال العصور الإسلامية حتى هذا اليوم.
فالذي يقول أن ميلادها في القرن السابع الهجري فهو ينسبها إلى البصيري صاحب البردة (608هـ/696هـ) وهو شاعر مصري من قرية بوصيرة أصله من المغرب من قبيلة صنهاجة، وكان البصيري شاعرا رقيقا ورجلا متدينا صالحا يغلب عليه الفقر أصيب بفالج نصفي شله واقعده طريح الفراش رهين الدار.
وهذه الأسباب هي التي دعته إلى نظم هذه القصيدة ضف إليها أنه عندما نام رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على وجهه بيده المباركة، وألقى عليه البردة.
فاستهل هذه القصيدة بمقدمة غزلية حن فيها إلى ديار الحبيب، و الحبيب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والديار هي أطر للمدينة المنورة.
انتشرت هذه القصيدة انتشارا منقطع النظير، وحاول الكثير من شعراء العربية مجاراتها والنسج على منواها ومعارضتها، حتى كانت الميم مطية كل الذي ساروا على نهج البصيري –مع أن البصيري مسبوق بقصيدة ابن الفارض الميمية- ومطلع بردة البصيري هو:
أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
بعد هذا العرض يظهر أن الاختلاف في الرأي هذا يعود إلى عدم الدقة تعريف البديعيات وإذا عرفنا الفرق بين البديعيات والمدائح النبوية فإننا نستطيع تحديد نشأتها.
والفرق بين البديعيات والمدائح النبوية يكمن في أن البديعيات قصائد منظومة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم على البحر البسيط، وعلى روى الميم المكسورة أضاف أصحابها إلى شعرهم ألوان بديعية صراحة أو ضمنا لكن المدائح النبوية هي قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن تضاف لها ألوان البديع.
ومن هنا يعد البصيري أب المدائح النبوية، ويعد الحلي أب البديعيات والتي ظهرت في القرن 8هـ وبهذا جاءت بديعية الحلي كتابا علميا في فن البديع بحثا وأمثلة حية على كل الأنواع وكان مطلع هذه البديعية:
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم وقر السلام على عرب بذي سلم
وهذه البديعية تحتوي على مئة وخمسة وأربعين بيت فيها مئة وأربعين لوناً بديعيا وقد ساعد الحلي على أن ينتهج هذا النهج الجديد في بناء القصيدة المدحية، انه اطلع على أثار العلماء البديعيين من أمثال ابن أبي الأصبع .....
وربما هذا هو الذي جعل الشعراء يتأثرون بنظم القصائد البديعية على منوالها، فاتخذوها منطلقاً للمعارضة والنسج على أصولها البديعية.
من الذين نسجوا على منوال بديعية صفي الدين الحلي هم:
1. بديعية أبي بكر علي بن حجة الحموي (837هـ)، سماها "تقديم أبي بكر" اشتملت هذه البديعية على مئة وستة وثلاثين نوعا بديعيا في مئة وثلاثة وأربعين بيتا.
2. بدعية الحميد عبد الرحمن بن أحمد بن علي: المسماة: فتح البديع بشرح تلميح البديع بمدح الشفيع، فرغ من تأليفها سنة (992هـ)، وهي في مئة وأربعين بيتا تحوي مئة وثمانية وستون صنفا بديعيا. وهذا دليل على إضافته أجناس أخرى على بديعية الحلي
3. بديعية شهاب الدين احمد العطار (794هـ) سماها: الفتح الإليّ في مطارحة الحليّ.
4. بديعية الموصلي علي بن الحسين عز الدين الموصلي، المتوفى سنة (789هـ) سماها: التوصيل بالبديع إلى التوسل بالشفيع.
5. بدعية شعبان الآثاري، ابن محمد بن داود المتوفى سنة (828هـ) سماها بديع البديع في مدح الشفيع.
6. بديعية عيسى بن الحجاج بن عيسى بن شداد العسدي، المتوفى سنة (807هـ) عارض بهذه البديعية الحلي، لكنه جعل القافية "راء".
7. شرح على قصيدة الحلي لعبد الغني الرافعي، المتوفى سنة (1307 هـ) سماها الجوهر السني في شرح بديعية الصفي.
ـ[أنوار]ــــــــ[07 - 05 - 2010, 08:13 ص]ـ
سلمتِ أختي الكريمة موضوع قيّم
فلكِ جزيل الشكر
ـ[منتظر]ــــــــ[14 - 05 - 2010, 11:02 م]ـ
السلام عليكم
البديعيات ...
لم افهم هل هي قصائد محملة بفنون البديع ام هي مدائح نبوية ام هي مدائح نبوية محملة بفنون البديع افيدونا جزيتم خيرا
ـ[30131]ــــــــ[26 - 05 - 2010, 08:04 م]ـ
السلام عليكم
عذرا على هذا التأخر البديعيات هي قصائد في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتضمن كل بيت منها نوعا من انواع البديع.(/)
ومن قوله تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا ... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 05 - 2010, 09:07 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)
ففيه توكيد لعموم المعمول الذي وقع عليه الحدث: "ربا" بورود النكرة في سياق نفي حال دخول: من الناصة على العموم عليها، فذلك عموم بعد عموم، يرفع احتمال المجاز، إذ التوكيد بمصدر أو نحوه بنزلة القرينة التي ترفع العام من رتبة الظني المحتمل إلى رتبة القطعي غير المحتمل، فضلا عن دلالة النفي في صدر الآية، فإن تسلطه على المصدر الكامن في الفعل: "آتيتم": عموم آخر تعلق بالعامل، فالعموم عارض للعامل ومعموله، وذلك آكد في ذم الربا، وإن لم يرد تحريمه صراحة، فالسياق: خبري المبنى إنشائي المعنى، وإن لم يرد التحريم تصريحا فقد ورد تلويحا بالنص على عدم جدوى الفعل، وذلك مئنة من ذمه، إذ العاقل لا تتشوف نفسه إلى ما لا نفع فيه من الأعيان أو الأفعال وطباق السلب آكد في انتفاء الزيادة: محط المصلحة المتوهمة، من باب: من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه، فمن تعجل الغنى بمباشرة أسباب الحرام تكثيرا لعين المال فإنه يعاقب بالحرمان فتمحق بركته، وتكون عاقبته القل كما في حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: "الربا إن كثر، فإن عاقبته تصير إلى قل"، وهذا أصل جليل من أصول التشريع الإسلامي، وهو التدرج في التحريم، فلم يرد النهي عن الخصال والمعاملات المحرمة دفعة واحدة فإن كثيرا من النفوس تجد في ذلك حرجا غير معتاد، والحرج مرفوع شرعا، فورد التحريم متدرجا لتقلع النفوس عن العادات القبيحة شيئا فشيئا، فيرد التعريض بالذم، أو الذم دون تطرق إلى الحكم، ومن ثم يأتي تقرير الحكم بعد أن تهيأت النفس لقبوله بما ورد عليها من مقدمات ممهدة.
والأصل حمل ألفاظ التنزيل على حقائقها الشرعية، فضلا عن جريان عرف المخاطبين على ذلك، فكان ربا النسيئة فاشيا فيهم، فجاء النص تعريضا بذلك العرف الفاسد تمهيدا لرفعه بخطاب لاحق، إذ كان تعاملهم به من باب المباح العقلي لا المباح الشرعي فإن الربا لم يحل في أي شرع، فحده: حد الخمر والخنزير، فيكون رفعه: رفعا لمباح عقلي جرى العرف عليه، لا نسخا، إذ النسخ لا يرد إلا على الحقائق الشرعية، ولم يكن لحل الربا حقيقة شرعية لتنسخ أصلا.
والجناس بين: "ربا" و: "يربو": مشعر بعلية فعلهم فضلا عن دلالة اللام نصا على ذلك، فهي تعليلية دخلت على المصدر المؤول من: "أن" المحذوفة ومدخولها، فما آتيتم من ربا للربا في أموال الناس، والظرفية مشعرة بنوع تشبيه، إذ نزل أموال الناس بمنزلة الأرض التي يبذر فيها المال آحادا ليحصد عشرات ومئين، وذلك لا يكون إلا من رب العالمين على حد: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فعدل بهم الشيطان إلى التجاة المحرمة في أعيان أموالهم ببيعها نسيئة، والمال لا يلد مالا، كما يقول أهل العلم، فنتاجه الربح المباح فرعا عن العمل، لا الزيادة المحرمة فرعا عن بيعه لمن يشتريه بثمن أكبر!، على طريقة من يدفع أكثر؟!.
والربط بالفاء في: فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ: مئنة من خسران الصفقة بمعايير الشرع الحاكم، فلا يكون منها ربح إلا على وجه الزيادة الظاهرة استدراجا للمرابي بمقتضى السنة الكونية، فمن وافق السنة الشرعية فقد تعرض لتأييد السنة الكونية، فإن خذل فعلى حد: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)، فشدة إلى زوال، وعاقبة خير لا انقطاع له، والحرب ساعة: من صبر فيها فله الظهور أبدا في الأولى والآخرة، ومن خالف السنة الشرعية فجزع وركن إلى السلم مع علو يده وظهور أمره، فقد اشترى لذة
(يُتْبَعُ)
(/)
سويعات بنعيم روضات الجنات، وبئست الصفقة!. فإن علم الله، عز وجل، فيه خيرا أجرى عليه سنة الابتلاء بالتضييق عله يعيد النظر التكليفي بتحري الحكم الإلهي، وإن علم فيه الشر المحض بمقتضى أمره الكوني النافذ، فالشر ذاتي في مقدوره لا في قدره فهو معدن الخير، وإن ظهر للناظر خلاف ذلك بادي الرأي، فالمصلحة آجلة لا يدركها إلا من ابتلي فصبر، فذلك مقام لا ينفع فيه مقال، إلا على سبيل التذكرة، فالمنصور من نصره الله وثبته فضلا، والمخذول من خذله الله وأزاغه عدلا، وليس للعباد إلا سؤال التثبيت حال النوازل الكونية بترديد الأذكار الشرعية قولا، وامتثال الأحكام العملية فعلا وتركا، وقبل ذلك: تفقد أحوال الملوك ذوي الأسرة والتيجان: القلوب التي تصدر عن أمرها الأبدان، فكثير منهم قد أساء السيرة في الرعية فاستحق العزل بل الخلع.
وفي المقابل:
وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ: فتكرار العامل لبعد العهد، ولإيراد الأمرين إيراد المتقابلين، فالربا يرادف الزكاة في المعنى اللغوي فكلاهما: زيادة، ولكن الزكاة تزيد عليه قيد التطهير، فهي زيادة وزيادة!، وفي ذلك دليل لما ذهب إليه المحققون من أهل العلم من ندرة وقوع الترادف في لغة العرب، بل ربما انعدامه، فإن الاشتراك في المعاني الكلية المطلقة لا يلزم منه الاشتراك في الحقائق بعد تقييدها، على ما تقدم في أكثر من موضع من كلية: القدر الفارق والقدر المشترك التي يزول بها ما يزول من الإشكالات، فالزيادة في هذين اللفظين: قدر مشترك جامع، والتطهير قدر فارق استقلت به الزكاة، فهو بمنزلة الفصل في الحد الشارح، إذ به يخرج بعض أفراد المحدود فتضيق دائرة عمومه بتوالي القيود الفاصلة عليه حتى يصل العقل إلى المعنى المراد إن كان ذهنيا، أو يصل الحس إلى الحقيقة العينية إن كانت خارجية، وتلك إجراءات عقلية معقدة لا يشعر الإنسان بها ولا يبذل جهدا في تحصيلها، فضلا من الرب الخالق، عز وجل، فاستدعاء الصور المعنوية من الذاكرة ومقارنتها بالصورة الحسية الظاهرة قياس عقلي تدرك به الحقائق على وجه التعيين فدلالة العقل عليها دلالة الخاص على معناه، واستدعاء الكليات الذهنية المطلقة من قبيل: كل من تكلم فله لسان، قياس عقلي تدرك به الحقائق على جهة العموم والشمول دون تعيين فرد بعينه، وتلك الأقيسة لا تكون إلا فرعا عن تصور سابق للحقائق الخارجية، فلا عمل لها في الحقائق الغيبية إذ الطمع في إدراك حقائقها الخارجية مقطوع، على حد قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، في أحد قولي أهل العلم، فلا تدركه في الدنيا لتقيس صفاته على صفات خلقه فتقع في التشبيه المذموم الذي يحمل صاحبه على التعطيل نفورا من قبح النتيجة فرعا عن فساد المقدمة، والحق وسط بين غلاة نفاة الحقيقة الإلهية الخارجية، من أهل الاعتزال ومن سار على طريقتهم من المتكلمين لا سيما متأخريهم، وغلاة مثبتة الحقيقة الخارجية من الممثلة والمشبهة في الحقائق الخارجية دون الحقائق الذهنية الكلية التي يسوغ وقوع التشابه فيها على جهة الاشتراك المعنوي المطلق، كما تقدم مرارا، فالحق: إثبات القدر المشترك في المعاني ونفي القدر الفارق في الحقائق، إذ العقل عن إدراك كنه بل ألفاظ الغيب معزول، فلا يتلقى ذلك إلا من خبر النبوات الصحيح الصريح، بل إنه معزول عن إدراك الحقائق على جهة الإدراك الشامل ولو في دار النعيم، فلا يدرك الرب جل وعلا على جهة الإحاطة، تعالى أن يحيط به قياسُ معقول أو يحده حسُ مخلوق، وإنما يدركه على جهة النظر إليه تنعما، على القول الثاني لأهل العلم في قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فتراه ولا تدركه، ونفي الأعلى لا يستلزم نفي الأدنى فقدر الإدراك الجزئي قدر مشترك هو الأخر بين النظر الجزئي والإحاطة الكلية، فالإحاطة نظر وزيادة، فإذا نفي الأعم، نفي القدر الفارق وهو: زيادة الإحاطة، وثبت القدر المشترك وهو: مطلق الرؤية على جهة التنعم، وأعظم به من نعيم حرم منه المحجوبون.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأصل: القدر المشترك والقدر الفارق أصل جليل لا زال له في المدركات العقلية والحسية مزيد تطبيق، فبه تزول كثير من الإشكالات في مسائل الإلهيات والطبيعيات، فإن خبر النبوة لا يعارض السنة الكونية بل يقررها ويفصلها بما تطيقه عقول المكلفين من المعاني، وما تطيقه حواسهم من المباني، فكثير من سنن الكون قد حجبت عن حواسنا، وإن كان إدراكها في الجملة ممكن، ولك أن تتخيل حال هذا العالم لو كشف الحجاب بينه وبين عالم البرزخ؟!، فسمع البشر وأبصر! هل كانت تصفو له لذة أو تهنأ له شربة أو تروق له لحظة، مع ما في عالم الشهادة بسننه الكونية العامة من كدر، فكيف إذا انضاف إليها سنن عالم آخر قد حجب عنها رحمة ربانية عامة؟!، فرب هذا وصفه هو المستحق للتأليه وحده دون ما سواه فمن كمال أوصافه وأفعاله استمد هذا العالم أسباب البقاء، وبإقامة شرعه تستمد أسباب الصلاح فالوحي معدنها والنبوات مظنتها فهي أصل كل صلاح ظاهر أو بان في هذه الدار.
والشاهد أنه قد أجري القدر المشترك والقدر الفارق في هذه الصورة على جهة النفي لا الإثبات، فإن من آمن بالرب خالقا مدبرا، لزمه التسليم له شارعا حاكما، فمن أين للمشركين في الربوبية أو الألوهية بقدر فارق بينهما يجوز انتحال أحدهم دون الآخر، مع أن دلالة الأولى على الثانية: دلالة لزوم فلا انفكاك فيها بين المتلازمين إلا على أصول العلمانية الماضية زمن الأقيسة العقلية في الإلهيات والحاضرة زمن الأحكام الوضعية في الشرعيات، فمعدن الداء واحد: تقديم العقل على النقل، فسوغ ذلك الفساد التسوية بين المختلفات، بقياس الرب على عباده ذاتا وصفات وأفعالا في الماضي، فوقع الإلحاد في الإلهيات تمثيلا وتعطيلا أدى إلى بدع الحلول والاتحاد المغلظة، ووقع الشرك في الربوبية تصريحا ممن غلا في المخلوقات أو تلميحا على وزان القدرية النفاة الذن ألحدوا في باب القدر فنفوا صفة خلق الأفعال عن الرب وأشركوا معه فيها العبد.
وقياس شرائعه المحكمات على نحاتة أذهان مشرعي الأمم في الحاضر فوقع بذلك الشرك في الألوهية.
وقوله تعالى: تُرِيدُونَ: إرادة العبد امتثال الشرع بقرينة:
وَجْهَ اللَّهِ: فأظهر لفظ الجلالة وحقه الإضمار على ما اطرد في مواضع الثواب من تربية الرغبة، وفي مواضع العقاب من تربية الرهبة.
وحمل الوجه على الثواب في هذا السياق ليس تأويلا إذ القرينة السياقية وهي قرينة لفظية يسوغ العمل بها في الإلهيات والشرعيات على حد سواء بخلاف القرينة العقلية التي لا عمل لها إلا في الشرعيات المعقولة المعنى، دون ما حجبت عنا حكمته من الشرعيات التوقيفيات كصنوف العبادات المقدرة بكيفيات وهيئات لا تتلقى إلا من الخبر فحدها في ذلك حد الإلهيات والغيبيات، فالقرينة السياقية قد دلت على ذلك، كما دلت على إرادة الجهة في نحو قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فالسياق سياق تحديد جهة يتوجه إليها الإنسان حال صلاته، فتلك قرينة سياقية ترجح إرادة معنى الجهة لا صفة الوجه الذاتية الخبرية الثابتة لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله.
وجاءت الحال على جهة المضارعة: "تريدون": مئنة من التجدد والاستمرار، فذلك وصفهم الثابت، وهو آكد في المدح في معرض بيان الثواب، وذلك مما يحمل النفس على تحري وصف الإخلاص قدر الاستطاعة رجاء نيل هذه المنزلة الرفيعة.
فهؤلاء هم الذين عرفوا حقيقة الصفقة، فأودعوا الأموال في خزائن من بيده الملك، فعاملهم بالفضل الذي نهاهم عنه لئلا يتشبهوا به في وصف الغنى الذاتي المطلق، وإن ساغ لهم التشبه بوصف جماله من الكرم بلا عوض مشروط، فقياس الشمول هنا، أيضا، محظور، وهو عين ما وقعت فيه يهود إذ قاسوا زيادة الرب الغني على زيادة العبد الفقير، فقبحوا ما يقبح من المخلوق من الاستقراض بزيادة النسيئة من الخالق الذي الذي وصفه القبض والبسط على جهة الإطلاق في نحو قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُون:
فذلك التفات من المخاطب إلى الغائب على جهة الإشارة إلى البعيد لبيان علو مكانتهم فضلا عن التذييل المعنوي لما تقدم، بإيراد الملزوم عقيب لازمه، إذ لازم التجارة مع الله: تحصيل الربح المضاعف، على ما تقدم من قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فلم يقيد المضاعفة في آخر الآية إذ لا منتهى لجوده وفضله.
وجاء التوكيد بتعريف الجزأين: "أولئك"، و: "المضعفون"، وضمير الفصل واسمية الجملة، وتعليق الحكم أو المشروط على الشرط بتحقق الوصف الذي تضمنه وهو إيتاء الزكاة على جهة التوكيد أيضا بالنكرة الواردة في سياق النفي: "زكاة" في: "وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ"، ودخول: "من" الناصة على العموم، فكل تلك المؤكدات مما يحسن إيرادها في معرض الترغيب لحمل النفوس على امتثال الأمر رجاء نيل ثوابه من الرب الغني الكريم تبارك وتعالى.
والله أعلى وأعلم.(/)
من سورة القيامة
ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 05 - 2010, 07:23 ص]ـ
ومن قوله تعالى:
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ:
فالقسم قد أكد بـ: "لا" النافية بمنزلة من قال: لا أقسم بيوم القيامة تعظيما لشأنه أن يقسم به، أو على تقدير: لا أعز عندي منه لأقسم به، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وحمله بعض المفسرين على إرادة معنى النفي فيكون في الكلام مبالغة في تعظيم شأن المقسم به، حتى صح نفي القسم به إجلالا له، فإذا حمل النفي على المبالغة لزم من ذلك تفسير النفس اللوامة بأنها النفس الطيبة التي تلوم صاحبها على ترك الخير وفعل الشر، وإن حمل على النفي المجرد لزم منه تفسيرها بأنها: النفس الخبيثة التي تلوم صاحبها على فعل الخير!، وهي من الخبث والشح بمكان.
وأشار ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب" إلى أقوال أخرى لأهل العلم في هذا القسم المنفي منها:
حمل النفي على التوطئة لنفي المقسم عليه على تقدير الجواب بـ: لا يتركون سدى، فيكون ذلك من قبيل قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فالنفي قد وطأ للجواب: "لَا يُؤْمِنُونَ" وقول امرئ القيس:
فلا وأبيكِ ابنةَ العامريّ ******* لا يدّعي القومُ أنّي أفرّْ
فالنفي في صدر البيت موطئ للنفي في عجزه.
وقال بعض أهل العلم بتقدير منفي دل عليه السياق، فيكون نفيا لشيء تقدم هو إنكارهم البعث، كأن يقال: زعموا ألا بعث، فجاء النفي إبطالا لزعمهم: لا، ثم جاء القسم على ضده إمعانا في الإبطال، وذلك جار على ما اطرد في كلام أهل العلم من جعل القرآن كله كالسورة الواحدة فهو مبني على الوصل، وإن تبعض إلى سور وآيات، ولذلك يذكر الشيء مجملا في موضع، ويذكر بيانه في موضع آخر، كما مثل لذلك ابن هشام، رحمه الله، بقوله تعالى: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)، فهو مجمل قد بينه قوله تعالى في موضع آخر من التنزيل: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ)، فذكر مقالتهم السوء في موضع، ونفاها عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بالنفي المؤكد بالباء الداخلة على خبر: "ما" الحجازية في موضع آخر: "بنعمة ربك"، وهذا أصل جليل سبقت الإشارة إليه مرارا في معرض الكلام على طرائق تفسير آي الكتاب العزيز.
"مغني اللبيب"، (1/ 265).
فالحاصل أن القسم قد وقع مؤكدا بالنفي، فأقسم بيوم القيامة وأقسم بجنس النفس اللوامة، فـ: "أل" جنسية استغراقية لعموم الأنفس، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، على خلاف في المراد منها، فقد فسرت بالشيء وضده، كما تقدم، ولكل محمل صحيح، وإن كان تفسيرها بالنفس الطيبة أظهر.
ثم جاء الاستفهام في معرض الإنكار التوبيخي: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ:
فالحسبان هنا بمعنى اليقين فذلك ظن الذين كفروا، وقد جاء مؤكدا بضمير الشأن المحذوف في: "أن" والنفي عقيبه فذلك مئنة من شدة إنكار المخاطب، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، و: "أل" في: "الإنسان": عهدية بالنظر إلى سبب نزول الآية فقد نزلت في إنسان بعينه هو: عدي بن ربيعة، وهي من جهة المعنى، وهو إنكار البعث والنشور، ولا يكون إلا من كافر، عهدية، أيضا، ولكن العهد فيها قد اتسعت دائرته لتشمل جنسا بعينه من الإنسان، هو جنس الكافر، فمعنى الجنسية فيها معتبر بالنظر إلى عموم الكافرين المنكرين للبعث، بلسان المقال أو الحال، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما اطرد ذلك في عمومات القرآن الواردة على سبب فلا تختص بهذا السبب إلا إذا دلت القرينة على التخصيص وإلا فالأصل هو العموم، فيشمل كل ملحدي الأمم في كل عصر ومصر من الدهريين الأوائل إلى الشيوعيين والملاحدة الأواخر، ومن سار على طريقتهم من أصحاب المذاهب الوضعية التي أنكرت أولية الرب، جل
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلا، بذاته القدسية وصفاته العلية، وأنكرت النبوات، وأنكرت الشرائع السماوية، فجعلتها من جنس الشرائع الوضعية الأرضية فهي مما ساست به الأنبياء الأمم، فحدها حد السياسات الملوكية، لا الكلمات الشرعية الموحى بها إلى نبي قد اصطفاه الرب، جل وعلا، لتبليغ الرسالة، فصار هو والفيلسوف سواء، بل قد فضل غلاة الفلاسفة كالفارابي الفيلسوف على النبي، ومذهبه يلزم كثيرا من العلمانيين المعاصرين، بل بعضهم قد نطق به صراحة لما زعم أن الإسلام لا يصلح لهذا الزمان فلا بديل عن الأخذ عن عقول فلاسفة البشر من صناع القوانين الأرضية التي تواكب هذا العصر!، مع ما قد علم فيها من الاضطراب والجور بخلاف الشريعة السماوية الخاتمة فإنها من لدن عليم بالحال والمآل حكيم في تدبير شئون العباد، فيدبر شأنهم الكوني بكلماته الكونية النافذة، ويدبر شانهم الشرعي بكلماته الشرعية الحاكمة.
والرضا بالله، عز وجل، ربا حكما يعم سائر مناحي الحياة: فليس مقصورا على جانب دون آخر كما قد يتبادر إلى الأذهان من إنفاذ الحدود ونحوه، لا سيما في الأمصار التي عطلت فيها الحدود، بل هو يعم هذا الجانب وسائر جوانب الحياة: الوجدانية كالولاء والبراء، والمادية كسائر أمور الحرب والسياسة ..... إلخ.
والشاهد أن الإنسان هنا على كل تقدير لا يراد به عموم الجنس استغراقا فمن جنس الإنسان: المؤمن المصدق بالبعث لتواتر أدلته النقلية والعقلية والحسية والفطرية، وهي ما سيأتي طرف منها في قوله تعالى بعد هذه الآية: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ)، ففيها من دلالة الإيجاد المعجز ما يدل على قدرة الرب الصانع، عز وجل، على إعادة الخلق، فإن من أنشأ ابتداء قادر على الإعادة انتهاء من باب أولى.
وقد حمل صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله العموم على العموم العرفي فهو باعتبار الغالب آنذاك فيكون الاعتبار فيه أغلبيا لا كليا، فالغالب عليهم آنذاك: الكفر، وهو أمر حاصل في زماننا، فالغالب على أمم الأرض، وإن ظهرت أعلام الدين الخاتم في كثير من الأمصار، بل في كل أمصار العالم تقريبا، فذلك من تمام البلاغ الذي تقوم به الحجة الرسالية على سائر الأمم، ولكن مع ذلك الظهور إلا أن أغلب أهل الأرض كفار، فالمسلمون يشكلون نحو خمس أو ربع سكان العالم، مع كونهم في ازدياد مستمر فقد تجاوز عددهم لأول مرة عدد اتباع الكنيسة الكاثوليكية التي تمثل جوهر النصرانية الحالية أقوى المنافسين للإسلام على الساحة من جهة عدد الأتباع مع توقع أهل الشأن انفراد الإسلام، إن شاء الله، بالصدارة المطلقة في غضون نحو أربعين سنة تقريبا.
فيكون العموم العرفي في الآية عاما لكل زمان تكون الغلبة العددية فيه للكفار، فـ: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، بل لا يسلم من الشرك إلا قليل فـ: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).
والاستفهام دال من وجه آخر على جواب القسم المحذوف فيقدر بنحو: لنجمعن عظامكم فذلك لازم توبيخ المنكر لذلك، فيأتي الجواب المقدر بإثبات ما نفاه، فذلك من قلب اعتقاده بالنص على ضده، وذلك أبلغ ما يكون في الإبطال، فتعلق التوبيخ بمعتقده، وقدر الجواب مثبتا لضده، فاجتمع في حقه: النفي والإثبات: نفي ما اعتقده وإثبات ضده كما تقدم. وقدره ابن هشام، رحمه الله، بنحو: لا يتركون سدى، وذلك، أيضا، من جنس إبطال معتقد المنكر، فإن إنكارهم البعث يلزم منه ترك البشر سدى، فيصير بعث الرسل عبثا، إذ لا دار وراء هذه الدار ليجزى كل بما عمل، وهو ما نص الكتاب العزيز على نفيه في موضع آخر في قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)، فذلك من الاستفهام الإنكاري التوبيخي لهم باعتبار حسبانهم، والإبطالي لذلك الحسبان.
(يُتْبَعُ)
(/)
والعظام قوام البدن فنفي جمعها نفي لجمع ما يكسوها من اللحم والعصب بداهة، فيكون الإنكار في معرض إبطال ذلك مثبتا لضده، كما تقدم، فالله، عز وجل، قادر، على جهة التعظيم، "قادرين"، الذي يلائم سياق الخلق، فذلك من أدلة الإيجاد المعجز بنشر الأجساد بعد البلى، فهو، عز وجل، قادر على جمع العظام ونشزها، وقد وقع مثال لذلك في عالم الشهادة في معرض إثبات البعث بإيراد صورة منه في قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ثم جاء الإبطال لمعتقدهم بـ: "بلى"، فبلى نجمعها قادرين، فحذف عامل الحال لدلالة فعل الجمع في الاستفهام المتقدم عليه، فذلك من إيجاز الحذف لما قد دل عليه السياق اقتضاء أو إشارة، وهو أمر قد اطرد في الكتاب العزيز، فمبناه الإيجاز ومعناه الإطناب وذلك من أوجه إعجازه اللفظي.
وأشار البغوي، رحمه الله، إلى وجه آخر، يكون فيه النص على ذكر العظام في هذا السياق من باب رد الشبهة التي وردت في موضع آخر من التنزيل في قوله تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)، فذلك على وزان ما تقدم من نفي تهمة الجنون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالتهمة قد وردت في موضع، وإبطالها قد ورد في موضع آخر، فكذلك الشأن هنا، وإن كانت الشبهة قد دحضت في موضعها فجاء عقيبها: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)، فذلك من دلالة قياس الأولى فمن أنشأ بدعا من العدم فهو قادر على الإعادة ثانيا، وهو ما استعمل في هذا الموضع، أيضا، كما تقدم، فقياس الأولى هنا معتبر من وجه آخر: فمن قدر على تسوية عظام البنان وهي من الدقة بمكان فهو قادر على تسوية سائر العظام، وقد عزاه البغوي، رحمه الله، إلى الزجاج وابن قتيبة رحمهما الله.
وأشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، إلى وجه قريب من ذلك يكون فيه جمع البنان من باب ذكر الشيء بذكر منتهاه فالبنان آخر ما يجمع من العظام لدقته، فجمعه دال من باب أولى على جمع ما هو أعظم منه من العظام.
وأشار، البغوي، رحمه الله، إلى وجه ثان يكون فيه الإبطال ببلى من جهة المبالغة في الرد فبلى قادرين على ذلك بل على أعظم منه من تسوية البنان فتصير كلها على صفة واحدة كخف البعير وحافر الحمار فلا ينتفع بها في أكل أو كتابة أو في أي صناعة دقيقة، فذلك من أوجه الإيجاد الرباني المعجز، وقد دل العلم الحديث على طرف من ذلك فلا يستوي بنانان في في التركيب من كل وجه وإن تشابها في الخلق، فتعاريج الجلد الدقيقة في كل بنان تغاير سائرها، فلا تستوي عند إنسان وآخر.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 05 - 2010, 08:38 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ):
فذلك إضراب انتقالي إلى بيان بعض أحوال الإنسان، وهو محمول على الكافر، لدلالة السياق، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالخطاب من أول السورة متوجه إلى الكافر، فـ: "أل" عهدية تشير إلى نوع بعينه يندرج تحت جنس الإنسان الكلي، هو نوع الكافر، فحصل الخصوص العهدي من وجه بقصر الجنس على نوع بعينه، وحصل العموم لاندراج أفراد النوع تحته، فذلك حال الكافر فهو في إرادة مستمرة، دل عليها المضارع فهو مئنة من التجدد والاستمرار، للفجور في مستقبل أيامه، فذلك مئنة من الإصرار الجازم على ارتكاب المعصية فهو مريد مترصد، وذلك أقطع للعذر، فـ: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، فلا حساب على الخواطر التي
(يُتْبَعُ)
(/)
تطرأ على النفوس فتلك مما لا يقدر الإنسان على رده فلا يكلف بما لا يقدر عليه، فذلك من المشقة والعسر بمكان، ولا تكليف إلا بمقدور، كما تقدم مرارا من كلام أهل الأصول، فلا حساب على الطارئ ما لم يصر هما جازما، فتلك الإرادة التي يؤاخذ المريد عليها، فهي نتاج تصور علمي قام بالقلب، فقبله المحل، فتولد منه لزوما إرادة تدخل في حيز الكسب الباطن الذي يؤاخذ عليه العبد فليس مجرد خاطرة، بل قد صار جزما بعد أن كان أمرا طارئا، فلما وجد محلا قابلا للإقامة: أقام فعمل في القلب ما عمل من الإرادات: خيرا إن كان خاطرا رحمانيا، أو شرا إن كان خاطرا شيطانيا، فتولد من ذلك الكسب الباطن لزوما ثانيا: كسب ظاهر، فهو تأويل ما قام بالنفس من الخير أو الشر، فإن صحت آلات البدن، وكانت الإرادة على حد الجزم، وانتفت الموانع، فالفاعل: مريد مختار، فلا مكره له، فالفعل واقع لا محالة بالإذن الكوني فلا تخرج إرادة المكلفين عنه، فجاء الفعل اللاحق تأويلا للمقدور السابق، وتأويلا لتصور وعمل القلب الباطن، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الفجور هنا بمعنى التكذيب، والأمام: كناية عن اليوم الآخر، فيكون المعنى: تكذيبه باليوم الآخر على جهة الإصرار فهو مريد مختار، كما تقدم، فتكون دلالة الأمام في التفسير الأول: دلالة عامة لمستقبل الأيام، فهو يريد الفجور لا في خصوص يوم بعينه بل في عموم مستقبل أيامه، وتكون دلالته في التفسير الثاني: دلالة خاصة، ففيها معنى العهد، فهي تشير إلى يوم مستقبل بعينه هو اليوم الآخر.
ولا مانع، عند التدبر والنظر، من حمل الآية على كلا المعنيين، لعدم التعارض، فذلك جار على ما تقدم مرارا، من إثراء السياق الواحد بتوارد المعاني الصحيحة المتكاثرة عليه، وقد يقال من جهة أخرى، بأن المعنيان متلازمان عقلا، فإن التكذيب باليوم الآخر مظنة الفجور، فالأول من الفساد العلمي، والثاني من الفساد العملي، والتلازم بين العلم والعمل صحة أو فسادا، تلازم وثيق، كما تقدم، فإن أي عمل لا بد أن يتقدمه تصور علمي ينبت في القلب الإرادة، فيظهر أثر ذلك على الجوارح لزوما، ولذلك ترى كثيرا من أرباب المقالات الفاسدة: قد ولغوا في الفواحش المغلظة التي يأنف منها آحاد البشر فضلا عمن ينتحل الإمامة في الدين، ولعل فضائح الكنيسة الكاثوليكية خصوصا، والكنيسة النصرانية عموما، خير شاهد على ذلك، فما فسد العمل على هذا النحو الشائن إلا لفساد العلم الأول، فعقد الإيمان في القلب فاسد، فما تولد منه من العمل فاسد بداهة، فللفرع حكم أصله: صحة أو فسادا، فالإيمان شرط صحة في كل عمل صالح، فلا يجدي الصلاح مع فساد الأصل، فكيف بالعمل الفاسد، فالعقد الإيماني الأول هو: الأصل الذي يبنى عليه ما بعده من الأعمال والأخلاق، فبالإيمان يصح التصور، وتصح النية فتكون شرعية بعد أن كان منتهى أمرها أن تكون إنسانية بمقتضى ما ركز في الفطرة من استحسان الحسن واستقباح القبيح فذلك مما اتفق عليه عقلاء البشر، بل إن ذلك، عند التحقيق، ما هو إلا أثر من آثار الميثاق الأول، فالمنشأ: إيماني، وإن لم يفطن صاحبه لذلك، بل وإن كان على غير رسم الإيمان بعد البلوغ وجريان قلم التكليف، فما كان ذلك إلا للفطرة الإيمانية المركوزة في النفوس، فبها يولد المولود فهي قد خالطت قلبه، مخالطة لحمه لدمه وعظمه، وإنما يرد عليها المفسد الطارئ من شتى الأهواء العلمية والعملية، فيضعف وهج الإيمان في القلب، فيتولد من ذلك فساد في الإرادة يكافئه، ويظهر أثر ذلك، كما تقدم، على الجوارح، وبقدر فساد الباطن يكون فساد الظاهر، فمن الناس من يفسد باطنه كليا بنقض الميثاق الأول فيرد المفسد الخارجي على الأصل الإيماني، فلا تجدي فروع فسد أصلها شيئا، فـ: (قَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، ومن الناس من يفسد باطنه جزئيا بشبهة علمية تخرجه من دائرة الإيمان المطلق إلى دائرة الإسلام العام، فيخالف مقالة النبوة في أصل كلي، كأصحاب الأهواء من أصحاب المقالات والنحل الحادثة، فكل قد فارق مقالة النبوة الأولى في أصل كلي، لا تسوغ المخالفة فيه، فخرج من دائرة الاتباع إلى دائرة الابتداع، فظهر ذلك الفساد
(يُتْبَعُ)
(/)
الجزئي على جوارحه، فذلك، كما تقدم، من التلازم العقلي الوثيق بمكان، وتأمل حال أصحاب مقالة الإرجاء، على سبيل المثال، كيف هان عليهم أمر العمل، لما أخرجوه من مسمى الإيمان، فخالفوا في أصل كلي، بمقالة علمية حادثة، رقت بها أديانهم، لتفريطهم في العمل، فذلك هو الأثر اللازم عقلا لتلك المقالة، فمن هون من شأن الوعيد على ترك العمل، بل وجعل العمل أمرا خارجا عن حقيقة الإيمان، فليس ثم إلا تصديق باطن وقول ظاهر، وهو، عند التحقيق، ليس بذاك التصديق، فلو كان تصديقا على جهة الإقرار والجزم، ما تخلف العمل، بل لظهر أثر ذلك إذا صحت الآلة وانتفى المانع، كما تقدم، بخلاف من افترض فرضا عقليا محضا لا وجود له في عالم الشهادة، فجرد إيمانا كاملا جازما في القلب، وجوز أن يكون هذا الإيمان باردا خاملا لا يحمل صاحبه على مباشرة ما يؤيده ويشهد له، فذلك أمر يعارض ما جبلت عليه النفس البشرية من قوى الحس والحركة، بل كل مؤمن، ولو آمن بمقالة باطلة، يتحرق شوقا لنصرتها، فينهض في عزم أكيد، يثير الدهشة في كثير من الأحيان، إلى نصرة ما آمن به وانتحله من المقالات الأرضية الحادثة التي لا مستند لها من وحي ولو مبدل، ولعل الثائر الأرجنتيني الشهير: "جيفارا" خير شاهد على ذلك، فهو ممن آمن ومشى وصبر على آلهته، فاعتنق الشيوعية بإخلاص، فدخل في هذه النحلة كافة!، فهو أقوى إيمانا من الرفقاء الذين وضعوا تلك المقالة الفاسدة، ولكنه لقصور علمه بالنبوات، على وجه لا يعذر به فليس زمانه زمان جهل بالنبوات بل قد نشأ في بلاد تعرف جنس النبوة، وإن كانت مبدلة، ورحل إلى الشرق المسلم، فبلغه خبر النبوة الخاتمة يقينا، ولكنه اختار انتحال ما يعارض النبوات إجمالا وتفصيلا من مقالة أرضية تعارض الشرع والعقل والفطر المركوزة في النفوس، وإن تكلف لها منتحلوها ما تكلفوا من الحجج الواهية التي وصلت إلى حد الاستدلال لها من نصوص الشريعة الخاتمة، كما قد صنع أرباب الشيوعية والمسخ المتولد منها والمسمى بـ: الاشتراكية التي راجت في بلاد الإسلام في عقود الظلام من القرن الماضي إذ بسقوط الخلافة العثمانية حصل في النفوس فراغ فكري للبعد عن مقررات النبوة التي تسد خلل القلوب وتشبع نهم النفوس بغذاء الوحي المريء، الذي لا تطيقه إلا النفوس الكبار، فهو ثقيل أيما ثقل، فـ: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلا)، وحصل في الأمصار، لا سيما مع وقوعها في قبضة الاحتلال الذي شن حملته الصليبية الحديثة على أمصار وعقول المسلمين فلم يكتف كالمرة السابقة بغزو الأمصار بل قد تهيأت له من أسباب المدنية الحديثة ما أغرى كثيرا من سفهاء المسلمين لا سيما مع حال التخلف الحضاري، للبعد عن أسباب الدين الصحيح، والمدني لعدم الأخذ بأسباب الدنيا وتسويغ ذلك والاحتجاج له من الشريعة زورا وبهتانا، فصار القعود برسم الجبر والعجز: رضا بالقضاء والقدر، فخذل المسلمون عن العمل والإنتاج، بل وعن جهاد المحتل دفعا، بعد أن كان الجيل الأول الذي فهم هذه الرسالة: فهما دقيقا، قد علم شمولها لكل جانب في الحياة، فهي رسالة علمية مصححة للقلوب والإرادات، رسالة عملية مصححة للشعائر والعبادات، رسالة سياسية مصححة لأمور الملك والسلطان، فبها تزول عروش المتملكة والمتأمرة برسم الجور والطغيان، ولذلك رفضها الطواغيت قديما وحديثا، فرفضها هرقل، مع أنه صدق بخبرها، فلم ينفعه هذا التصديق إذ لم يشفعه بالانقياد، فآثر الفاني على النعيم الباقي بخلاف النجاشي، رحمه الله، الذي آمن باطنا وظاهرا، ولكنه كان على رسم مؤمن فرعون، فكتم إيمانه، ولم يقدر على الهجرة إلى دار الإسلام ليظهر شعائره، فيصدق ظاهره باطنه، فتخلف العمل الظاهر المصدق للعلم الباطن لقيام العذر في حقه، بخلاف هرقل الذي صدق، ولكنه لم يؤمن باطنا أو ظاهرا من باب أولى، وذلك دليل قوي يبطل مقالة من قصر الإيمان على التصديق الباطن، فلا بد أن يشفع بإقرار جازم تظهر آثاره على الجوارح لزوما إلا لعارض يطرأ، فيعذر صاحبه، كما قد عذر النجاشي، رحمه الله، فلم ينتف المانع في حقه، فتخلف عمل الظاهر، ولو استطاع لأظهره، والشاهد أن رسالة الإسلام تبطل رسوم الطواغيت القيصرية والكسروية في كل عصر ومصر،
(يُتْبَعُ)
(/)
ولذلك كان طواغيت البشر الذين يدعون الناس إلى عبادتهم بلسان المقال أو الحال، برسم الدين كأحبار ورهبان وعلماء السوء، أو برسم الدنيا كملوك الجور الذين يبطلون الشرع فيتحاكمون إلى غيره، ويصدون عنه صدودا إذا دعوا إليه، لعلمهم بأنه ينزع رياساتهم الجائرة فيرد السلطان إلى النبوة التي تسويهم بآحاد رعاياهم، وليس ذلك بمرضي عند الأكاسرة والقياصرة في كل الأزمنة، فكان لزاما على الصدر الأول، رضي الله عنهم، أن يسلوا سيوف الحق طلبا لأولئك، ليزيلوا رسومهم ويحرروا شعوب العالم القديم من رق الطواغيت، فتلك رسالة الإسلام السياسية والعسكرية، فالحرب فيها آلة فاعلة لإزالة الملل والطرائق الباطلة، فلم يكن القتال مرادا لذاته، بل كان الوسيلة التي حصل بها البلاغ وقامت بها الحجة بمقتضى سنة المدافعة الكونية، فقد شرع الرب، جل وعلا، لمدافعة الكفار: سنة الجهاد الشرعية، دفعا زمن الضعف، وطلبا زمن القوة، وهي التي يراد الآن إبطالها أو تزييفها كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين باختيار أسماء لطيفة لها لا تفزع الغرب أو تقلق مضجعه!، من قبيل: المقاومة، وحق الدفاع المشروع عن النفس، فسنة الجهاد الشرعي، وهو نوع مدافعة بإعداد السبب المقدور من جند وعتاد، تقابل سنة المدافعة الكونية الواقعة، لزوما، فلن يسلم الكافر أو الزنديق للمؤمن إن أراد أن يدعو لطريقته، لوقوع التعارض بينها وبين أهوائه، بل لن يسلم العاصي أو الفاجر الذي يشارك المؤمن الأصل، لن يسلم له مع وحدة الأصل إن رام الإنكار عليه، ولو باللسان، انتصارا لطريقة الحق، فكيف بمن يخالفه الأصل الأول؟! أيتركه يذيع في الملأ ما يزيل سلطانه الفكري ابتداء فهو المنشئ لما بعده من السلطان السياسي والعسكري والاقتصادي ....... إلخ، أم ينافح عن حضارته، ولو كانت، فاسدة لا مستند لها من نقل أو عقل بل محض أهواء وشهوات؟!، فلا بد أن ينتصر لنفسه وأن يعادي من خالفه بمقتضى ما ركز في النفوس من قوى حب الموافق وبغض المخالف، وأي خطر أعظم من خطر من يخالفك الديانة، فظهور مقالته إبطال لمقالتك وإزالة لطريقتك، فما خير في الحياة بعد ذلك؟!، بل لو قعد أهل الحق لطلبهم أهل الباطل، كما هي حال زماننا، فما تسلط اليهود والنصارى والهندوس ....... إلخ من الملل والنحل على أهل الحق إلا لتفريطهم في الحق الذي بين أيديهم، فزهدوا فيه، بل وازدراه بعضهم فسخر منه جهرة، فأخذت الجميع صاعقة العذاب الهون بتسلط شذاذ الآفاق على أهل الإيمان، فجاءت العقوبة عامة لشؤم المعصية وإن كانت خاصة فضررها متعد لا محالة برسم: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ"، والشاهد أنه لا بد من سيف ينافح به عن الحق دفعا، وينتشر به طلبا، ولكل زمان فقهه، فليس القتال، كما تقدم، مرادا لذاته.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"من المعلوم أن القتال إنما شرع للضرورة ولو أن الناس آمنوا بالبرهان والآيات لما احتيج إلى القتال فبيان آيات الإسلام وبراهينه واجب مطلقا وجوبا أصليا.
وأما الجهاد فمشروع للضرورة فكيف يكون هذا مانعا من ذلك". اهـ
"الجواب الصحيح"، (1/ 147).
والشاهد أن "جيفارا" وهو منشأ هذا الاستطراد قد تلبس بمقالته فتحرك لها باطنه وظاهره فجاب الآفاق وقطع المفاوز بل عبر المحيط الأطلنطي ليذيع في الناس خبره، فهو داعي صدق إلى ضلالة!، وما ذلك إلا لنهوض ظاهره لتصديق باطنه، فما رضي بالقعود حتى قتل شهيدا في سبيل شيوعية ماركس ولينين، وذلك ما لم يقدمه أولئك للشيوعية، فهو أكثر إخلاصا لها منهم!، وحال كثير من دعاة الضلالة في سائر الأمصار والأعصار يدل على ذلك التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فلا بد أن يتحرك القلب أولا ليتحرك البدن، فعنه يصدر وبأمره يعمل. فكل إناء بما فيه ينضح، وكل صاحب مقالة يؤمن بها، يتحرك بدنه لنصرتها، وإنما تتفاوت الاستجابة والمسارعة تبعا للتفاوت في التصديق والإقرار الجازم بها، فيقع بين الناس من التفاوت في مراتب العمل ما لا يعلمه إلا الرب، جل وعلا، خالق التصورات والإرادات الباطنة، وما يصدر عنها من الأعمال الظاهرة المصدقة لها جزما لا شك فيه،
(يُتْبَعُ)
(/)
فتفاوت الثانية فرع عن تفاوت الأولى، ولذلك ندبت المسارعة إلى الخيرات: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)، و: (سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، و: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، لأنها برهان صحيح سالم من المعارضة على إيمان الفاعل، فمن دعي إلى شريعة الوحي الصادق، فإنه يلبي النداء بقدر ما وقر في قلبه من الإيمان، بخلاف المنافق، فإنه، وإن عمل بظاهره إلا أنه متكاسل متثاقل، فـ: "لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ"، لعظم المشقة التي تميز الخبيث من الطيب، وقل مثل ذلك في كل تكليف شرعي، فهو ابتلاء رباني لإظهار مكنون الصدور من الانقياد أو الانفلات، فتقام الحجة على المكلف من فعله، فـ: (قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، و: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)، فنفى كير أحد خبث المنافقين وعلمت حال كثير منهم، علما تقوم به الحجة فهو مناط الثواب والعقاب، فبه ظهر معلوم الرب، جل وعلا، الأول فيهم، فجاء اللاحق تأويلا للسابق بلا زيادة أو نقصان، كما تقدم، فعلمت أعيان كثير منهم: لا سيما رأسهم ومقدمهم: عبد الله بن أبي بن سلول، وعلمت أحوالهم فهي معايير عامة تصلح لتمييز المؤمن من المنافق حال ورود أي نازلة كونية يبتلي بها الرب، جل وعلا، عباده، ليمتازوا بظواهرهم تبعا لما قام ببواطنهم.
ومما يؤيد التفسير الثاني وهو: التكذيب، فالفجر مادة تدل على الكذب، كما أشار إلى ذلك صاحب "اللسان" رحمه الله بقوله: "وفَجَرَ فُجُوراً أَي فسق وفَجَر إِذا كذب وأَصله الميل والفاجرُ المائل". اهـ، مما يؤيد هذا التفسير الاستفهام: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ)، فذلك مئنة من التهكم الذي يدل على تكذيب صاحبه بالخبر، وذلك شأن المستهزئين في كل زمان، فهم مكذبون بيوم الدين، مستهزئون بوعيد رب العالمين فـ: (مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)، وما ذلك إلا لفساد تصورهم، فمقاصدهم قد بلغت الغاية في السوء، فعاقبهم الرب، جل وعلا، بقطع إمداد الحق عن قلوبهم ففسد تصورهم العلمي على نحو جعلهم يستهزئون بأمر ترتجف منه قلوب أهل العلم فـ: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، فالخشية العلم، والأمن من مكر الله، عز وجل، الذي يحمل صاحبه على التكذيب والاستهزاء، وهما متلازمان فالمكذب بالشيء مستخف به، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ)، فذلك الأمن هو عين الجهل الذي عوقبوا به، وأعظم من ذلك عقابهم بالختم على القلوب فلا تقبل آثار الوحي النافع، والختم على مدارك اليقين فلا يدركون النافع من الضار، فقد عدلوا عن النافع من العلم والإيمان إلى ضده من الجهل والكفران وهم يحسبون أنهم على شيء فـ: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)، فلسان حال الملاحدة ومن شايعهم من الزنادقة
(يُتْبَعُ)
(/)
والعلمانيين على تفاوت بينهم في المروق من الديانة، فلكل نصيب من الفسق والخروج عن أحكام الديانة بقدر فساد علمه فرعا عن فساد نيته وسوء مقصده، فالأمر، كما تقدم مرارا، محل فاسد علم الرب، جل وعلا، وقدر فساده أزلا بمقتضى حكمته في التنويع في خلقه ليقع التفاوت بينها دليلا على قدرته وحكمته بوضع الشيء في محله الذي يلائمه فيضع الإيمان في قلوب تليق به فقد أعدت لقبول آثاره، ويضع الكفر في قلوب تلائمه، ففسادها يواطئ فساده، فكل ميسر لما خلق له، ليقع تأويل المقدور الكوني في عالم الشهادة: تدافعا بين القبيلين تظهر فيه آثار جمال وجلال الرب، جل وعلا، فالقبيلان من لدن آدم وإبليس إلى يوم الناس هذا في تدافع مستمر لا ينقضي حتى يرث الله، عز وجل، الأرض ومن عليها، فيظهر باستمرار هذه السنة: دوام اتصاف الرب، جل وعلا، بصفاته الفاعلة في كونه، فينصر فضلا ويخذل عدلا، ويهدي بصفات جماله، ويضل بصفات جلاله ..... إلخ، فهو المتصف بكل كمال مطلق: ذاتا وصفات من الأزل إلى الأبد، فلكل محل ما يلائمه، فمحل أولئك قد فسد، فانقطع إمداد الخير من المعلوم الرحماني الصحيح: هواتف ونوازع خير، واتصل إمداد الشر من المعلوم الشيطاني الفاسد: وسواس ونوازع شر، يلقيها الشيطان فتتلقفها النفس الأمارة، فالهاتف يواطئ النازع صحة أو فسادا، فلمة ملك تواطئ نفسا لوامة فيتولد من ذلك من آثار الصلاح ما يرضي الرب، جل وعلا، فيظهر بذلك آثار صفات جماله رحمة وعناية بالمؤمنين، ووسواس شيطان يواطئ نفسا أمارة فيتولد من ذلك من آثار الفساد ما يسخط الرب، جل وعلا، فيظهر بذلك آثار صفات جلاله غضبا وعقابا للكافرين، فيتولد لكل تصور علمي يناسب إمداده: صحة أو فسادا، فيتولد في قلب أولئك المستهزئين، وهو محل الشاهد، إرادات فاسدة يظهر أثرها لزوما على ألسنتهم وجوارحهم، فالمحال معطلة عن كل فضيلة والألسن ناطقة بكل نقيصة، وما تخفي صدورهم أكبر، فما ينطق به العلمانيون في زماننا ما هو إلا شعبة مما حوته صدورهم، ففيها من الفساد ما يجبنون عن إظهاره، إلا في أزمنة الضعف، كزماننا، فقد غلظت مقالاتهم فسادا، وبعضهم قد جاهر بالردة الصريحة، فظهر من مكنون صدره ما كان يخفيه في أزمنة سابقة، كان للديانة نوع حشمة عامة تكبح جماح ألسنتهم، فلما قلت الحشمة والهيبة في القلوب، تجرأ أولئك فخرجوا علينا من جحورهم، ليعيثوا في القلوب والعقول فسادا، في الصحف، وفي وسائل الإعلام المسموع والمرئي، ففتنتهم قد عمت وطمت، فما استهزاء المستهزئين في كل زمان إلا أثر لتلك المتوالية المطردة في قلوب المجرمين: فساد محال ففساد إمداد من مصدر تلق فاسد: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ)، و: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)، و: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ)، ففساد تصور علمي، ففساد إرادة باطنة، ففساد قول وعمل ظاهر.
فلو حمل الاستفهام في: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) على البدلية من: (لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ)، فذلك من بدل الاشتمال فيكون الاستفهام من الفاجر، فيكون التهكم فيه بخبر الوحي خالصا، ولو حمل على الاستئناف فيجوز أن يكون من كلام رب العالمين، فيفيد التعجيب من إنكارهم البعث، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من العجب الثابت لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، عز وجل، فليس من جنس تعجب المخلوقين، فتعجب المخلوقين صادر عن جهل سابق، بخلاف عجب الرب، جل وعلا، فإنه لخروج النظير عن حكم نظائره، مع علمه بحال كليهما من الأزل، فليس صادرا عن جهل سابق، لاتصافه، جل وعلا، بضده من وصف العلم المحيط، وإلى ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، في "جامع الرسائل" بقوله:
(يُتْبَعُ)
(/)
"وأما القول بأن: التعجب استعظام للمتعجب منه - فيقال: نعم وقد يكون مقروناً بجهل بسبب التعجب، وقد يكون لما خرج عن نظائره، والله تعالى بكل شيء عليم، فلا يجوز عليه أن يعلم سبب ما تعجب منه بل يتعجب لخروجه عن نظائره تعظيماً له. والله تعالى يعظم ما هو عظيم ............. فإنه وصف بعض الخير بأنه عظيم. ووصف بعض الشر بأنه عظيم، فقال تعالى: (رب العرش العظيم)، وقال: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) وقال: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً، وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً)، وقال: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم)، وقال: (إن الشرك لظلم عظيم)، ولهذا قال تعالى: (بل عجبت ويسخرون) على قراءة الضم فهنا هو عجب من كفرهم مع وضوح الأدلة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي آثر هو وامرأته ضيفهما: "لقد عجب الله"، وفي لفظ في الصحيح: "لقد ضحك الله الليلة من صنعكما البارحة"، وقال: "إن الرب ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا"، وقال: "عجب ربك من شاب ليست له صبوة"، وقال: "عجب ربك من راعي غنم على رأس شظية يؤذن ويقيم فيقول الله: انظروا إلى عبدي" أو كمال قال ونحو ذلك". اهـ بتصرف
فيفيد الاستفهام قدرا زائدا، ففيه الإشارة إلى تهكم المكذب، وفيه العجب من حاله، إذ قد فسد علمه وعمله فتجرأ على مقام الرب، جل وعلا، بتكذيب خبره على جهة الاستهزاء فـ: "وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ"، فتلك حال المؤمن المصدق الذي اكتمل قياس عقله الصريح بتصديق خبر الوحي الصادق، فولد ذلك في قلبه لزوما خشية تدل على كمال عقله، بخلاف الكافر فهو من نقصان العقل وفساد القياس بمكان، لتكذيبه بخبر الوحي الذي لا يأتي إلا بما يوافق العقول الصحيحة، فما أنكره إلا صاحب عقل فساد وقياس باطل، ولذلك تجد من مسالك الكفار، وإن كانوا أذكياء في العلوم التجريبية، تجد منهم فسادا عريضا في المسلك الشخصي الذي يظهر رقي الإنسان أو دنوه، فهم من أفسد الناس طريقة في العلم والعمل.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 05 - 2010, 09:45 ص]ـ
ومن قوله تعالى:
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ: ففيه قراءاتان: بكسر الراء، بمعنى دهش وبهت، فيكون ذلك من المجاز العقلي عند من يقول به، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالدهشة والبهت مما يقوم بالإنسان، فيكون تخصيص البصر بإسناد الفعل إليه لكونه أول وأبرز ما تظهر عليه آثار الدهشة، فمن عيني الإنسان تعرف دواخله، فهما بمنزلة الحاجب للقلب: الملك المتربع على عرش الجوارح، فأسند الفعل إلى العضو، وأريد الإنسان، فذلك جار مجرى إطلاق الجزء وإرادة الكل، ومنكر المجاز يجعل ذلك من باب المبالغة فهو دال على شدة الملابسة، فالمعنى قد علم ابتداء بل حصل بإسناد الفعل إلى البصر مزيد بيان لعظم الهول حال قيام القيامة، فذلك من جنس فغر الفاه دهشة، فكلها أعراض تظهر على الجوارح تشي بما يعتمل في الباطن من الحركات والإرادات، فالعين تفضح المحب والمبغض، الشجاع والجبان، ...... إلخ، و: "أل" في "البصر": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فمعناها يؤول إلى عموم الأبصار، فهول يوم القيامة عام: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ): فـ: "كل" عموم محفوظ لا تستثنى منه مرضعة دون آخرى.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما القراءة الثانية، بفتح الراء، فهي محمولة على الحقيقة عند كلا الفريقين، فذلك من الأعراض التي تلحق بالبصر، فتلمع العين حال الدهشة والذهول، وذلك مما يشهد لأصحاب القول الثاني بإجراء الكلام على الحقيقة على كلا الوجهين، فالمعنى قد تبادر إلى الذهن في كليهما ابتداء، فعلم المخاطب من أول الأمر مراد المتكلم: فسياق الأهوال تصحبه الدهشة بداهة، والعين أول ما يظهر عليه ذلك، بل كل الحركات الباطنة إنما يظهر أثرها ابتداء على العين، فهي، كما تقدم، الفاضحة لما يعتمل بالنفس.
وتنوع المعاني والأحكام بتنوع القراءات أمر يستحق التتبع في الكتاب العزيز فتغير الحركات تتولد معان جديدة، فالمبنى واحد، والشكل متعدد، وبكل إعراب تتنوع فيه الحركات يظهر معنى جديد للمخاطب، فمن ذلك، ما أثر عن أهل الفقه في تأويل قول الرب جل وعلا: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ).
فلو حمل على التخفيف لاحتمل وقوع الطهارة بانقطاع الدم ورؤية علامات الطهر من قصة بيضاء أو جفاف، ولو حمل على التشديد، فهو من التفعل، والتفعل مئنة من التكلف والمبالغة، كما قرر الصرفيون، ولا يكون ذلك إلا بمباشرة أسباب التطهر، بالاغتسال أو التيمم، فلا يكون قربان إلا بعد الاغتسال، فشأنه في ذلك شأن الصلاة، بخلاف الصوم والطلاق، فيصحان، ولو قبل الاغتسال، فإذا طهرت المرأة ليلا ثم أخرت الغسل حتى طلع الفجر فصيامها صحيح خلافا لبعض أهل العلم كعبد الملك بن حبيب من المالكية رحمهم الله، فاشترط الغسل استصحابا لحال الحيض، وهي حال تبطل الصيام بالإجماع، ويرد على ذلك ارتفاع الحكم بارتفاع الوصف بحصول النقاء من دم الحيض، وإن لم يقع الاغتسال، فليس حال من يجري دمها كحال من جف وارتفع، فيتبدل الحكم بتبدل الوصف، فهو دائر معه وجودا وعدما كما قرر ذلك أهل الأصول، وهو أمر قد شهدت بصحته العقول.
وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ: فتلك من جملة أهوال يوم القيامة، فإذا كان ذلك:
يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ: فالمضارعة مئنة من استحضار الصورة المستقبلة تنويها بشأنها أو هي على أصلها للاستقبال فلما يقل الإنسان ذلك بعد، وإظهار الإنسان في هذا السياق جار على ما اطرد من أول السورة من إرادة الكافر بعينه لقرينة التكذيب والاستهزاء، فضلا عن التوكيد بتكراره، فذلك أليق بتقرير المعنى، فيقول على جهة العجز: أين المفر؟! فجاء الجواب إمعانا في التيئيس: كَلَّا لَا وَزَرَ: فأفاد النفي العموم فلا ملجأ من الله، عز وجل، يومئذ، فالوزر هو المكان الذي يحتمى فيه من المكروه، فتفسيره بالجبل، كما نقل ذلك البغوي، رحمه الله، في تفسيره عن السدي، ذلك التفسير جار مجرى ما تقدم مرارا من بيان العام بذكر فرد من أفراده، فضلا عن ملاءمته لما عهد عند العرب من كون الجبل مأوى الهاربين المستجيرين، فذلك من بلاغة التنزيل بخطاب كل أمة بالمعهود عندها من الظواهر الكونية والأحوال الاجتماعية، فالمثال الذي يقرب المعنى لذهن المخاطب لا بد أن يكون مما يدركه بحسه الظاهر ليقع البيان به على أتم الوجوه، ولذلك خاطب الرب، جل وعلا، العرب بالمعهود المحسوس عندها في معرض تقرير الألوهية ببيان جملة من الآيات الكونية: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ).
ومن الوز اشتق اسم الوزير على أحد الأقوال في معناه، فالوزير ملجأ الملك عند حلول الكوارث، وهو كبش الفداء الذي تطعمه الجماهير الثائرة إذا وقعت أزمة، أو انكشف مستور!.
ثم جاء الكلام على حد الاستئناف:
(يُتْبَعُ)
(/)
إلى ربك: فتقديم ما حقه التأخير في معرض نفي الملجأ والمفر آكد في التيئيس، فإلى ربك وحده لا إلى غيره: المستقر، فـ: "لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ"، و: (نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)، و: (حَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)، فأحاط الرب، جل وعلا، بهم في هذه الدار بعلمه المحيط، وأحاط بالكافرين بعذابه المحيط، وأحاط بهم في الدار الآخرة، فلم يغادر منهم أحدا، فبما أحصته الكتبة، أقيمت الحجة على أهل الظلم والبغي، فنادوا الخزنة: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ).
وأشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، إلى وجه آخر، تكون فيه الآية من كلام الكافر، فذلك منه إقرار بالهلكة فقد أحيط به، فلا يلتفت يمنة أو يسرة إلا وجد النار.
ومن قوله تعالى: (يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ):
فالمضارع مئنة من الاستقبال ولا يخلو من دلالة استحضارية لذلك الموقف العصيب، إذ ينبأ الكافر على ما اطرد من دلالة "أل" في الإنسان، على معهود بعينه هو جنس الكافر دون بقية الأجناس، فحصل الخصوص من هذا الوجه، وحصل العموم باعتبار شمول جنس الكافر أفراده، فلا يقتصر على كافر بعينه، بل هو عام في كل كافر، فعمومه من قبيل عموم الظالم في قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا): فإن "أل" في الآية بالنظر إلى سبب النزول: عهدية خاصة في فرد بعينه هو الشقي عقبة بن أبي معيط، وبالنظر إلى عموم المعنى: عهدية باعتبار اقتصارها على نوع الكافر فعدم اتباع الرسول على جهة الإجمال والتفصيل لا يكون إلا من الكافر الأصلي أو المرتد، بخلاف الفاسق الملي فإن له حظا من اتباع الرسول، فيقع له الندم، من جهة تقصيره بتفريط في واجب أو تعد بمحرم، ولكنه لا يبلغ حد الندم الذي يكون للكافر، فالتفاوت فيه من جنس التفاوت في عذاب كليهما، فالفاسق تحت المشيئة، فإما أن يعفو الرب، جل وعلا، عنه، وإما أن يعذبه عذابا غير مؤبد، فعذابه أدنى من عذاب الكافر والمنافق، فهو على جهة التأبيد، فلا يكون ندم من عذابه على جهة التأقيت كندم من عذابه على جهة التأبيد، فلكل دركته، فيصح القول بأنها عهدية في نوع الظالم، والكافر تحديدا، لقرينة السياق التي تدل على إرادة الظلم الأكبر، فذلك وجه الخصوص فيها، وهي مع ذلك: عامة في أفراد هذا المعهود، فتعم كل كافر فله حظ من هذا الندم المؤبد، وإن تفاوتت دركات أهل النار، فكل فيها مخلد، فيكون من ورد عليه العموم، وهو ابن أبي معيط، أوفر الظالمين نصيبا من هذا الندم، فهو أشدهم عضا على يديه، كناية عن شدة الندم.
فينبأ الإنسان على ما تقدم من إرادة الكافر تعيينا دون بقية أجناس البشر: ينبأ، يومئذ، فالتنوين قد دل على جملة محذوفة دل عليها قوله تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، فذلك جار على ما اطرد في لسان العرب من حذف المتأخر لدلالة المتقدم عليه لئلا يقع التكرار المعيب، فذلك من إيجاز الحذف البليغ، فينبأ بما قدم وأخر يوم بروق البصر، فذلك من استيفاء الأحوال باستيفاء شطري القسمة العقلية في معرض بيان إحاطة الرب، جل وعلا، العلمية، بعباده، فقد أحاط بهم أزلا بعلمه الأول، ثم أحاط بهم إحصاء بعلمه الثاني فلسان مقال الظالمين والكافرين والفاسقين وسائر أجناس المقصرين: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)، فالاستفهام جار مجرى التعجب من حال هذا الكتاب الذي أحصى ما نسيه العباد فـ: (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ) فوجدوا ما عملوا مما قدموا وأخروا حاضرا فلا يظلم ربك أحدا على جهة الاحتراس فلم يظلمهم، تبارك وتعالى، شيئا، بتحميلهم وزا لم يرتكبوه أو يسنوه، فلكل صاحب سنة نصيبه من سنته: إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وإنما وفاهم أجورهم فـ: "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا
(يُتْبَعُ)
(/)
فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ".
فينبأ بما قدم وأخر، فإن أنكر، فإن الرب، جل وعلا، يقيم عليه شاهدا من نفسه فينطق الجلود والجوارح بما اكتسبت: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فعلى هذا الوجه يكون الإنباء بالأعمال نفسها، وقد ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وجها آخر، يكون فيه الإنباء بلازم الأعمال من الجزاء عليها، فينبأ بما عمل بما يلاقيه من جزائه، فإنه دال عليه دلالة النتيجة على السبب، فلكل نتيجة سبب يتقدمها، فالتلازم بينهما تلازم عقلي وثيق، يدركه العقل بداهة فهو من جملة العلوم الضرورية، فلو ضرب الطفل الصغير الذي لا يدرك الأمور العقلية التي تكتسب بالنظر، فإنه سيلتفت بداهة ليرى من ضربه، فذلك من مدركاته الضرورية التي لا تحتاج إلى اكتساب كسائر المدركات النظرية التي تنبني على مقدمات عقلية لا يحسنها كل أحد، وكذلك الولد اللاحق فإنه دليل على النكاح السابق، فلا يكون ولد بلا نكاح إلا آية تجري مجرى الإعجاز الكوني، فهي خلاف الأصل فلا يقاس عليها، وكذلك هذا الكون المتقن الخلق، المحكم السنن، فإنه دال بداهة على صانع قدير حكيم مدبر، قد علم أزلا، فلا يكون خلق وإبداع بلا علم، فالكون دال على قدرة الرب، جل وعلا، وعلمه: دلالة النتيجة على السبب، فذلك، أيضا، من جملة المدركات الضرورية المركوزة في الفطرة البشرية التي تقر بوجود ووحدانية الصانع، تبارك وتعالى، بداهة، فهو الذي صنع هذا الكون، على هذا الوجه الباهر، فذلك مئنة من وجوده وقدرته، فلا مصنوع بلا صانع، كما تقدم، ولا صنع على هذا الوجه المتقن إلا بعلم وحكمة، ولا انتظام لأمر مصنوع على هذا الوجه الذي انتظم به أمر هذا الكون مع عظمه ودقة سننه وتعدد أجناسه وتوالي أحداثه .... إلخ، لا انتظام له على هذا الوجه المحكم إلا إذا كان مدبره واحدا لا شريك له في أمره ونهيه، فذلك دليل التمانع الذي قرره أهل النظر في معرض إثبات توحيد الرب، جل وعلا، بأفعاله، فهو الرب الخالق المالك المدبر، ومنه فرع المحققون من أهل العلم: دليل التمانع في الألوهية، فتفرده بالخلق والرزق والتدبير على جهة الخبر: سبب، وتفرده بالتأله والعبودية على جهة الأمر: نتيجة، فذلك جار مجرى ما تقدم من دلالة المسبَّب الناتج على السبب المنتِج، وهو ما أشار إليه صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، في هذه الآية، فيرى العامل جزاء عمله، فيكون في ذلك إنباء له عن عمله، فالجزاء فرع عنه فيدل عليه دلالة فرع على أصله، أو نتيجة على سبب، أو لازم تال على ملزوم سابق، فهو يضاد الكناية من هذا الوجه، إذ فيها ينتقل الذهن من الملزوم إلى اللازم، وأيا كان الأمر فإن الإنباء على جهة التقريع والتوبيخ له بمعاينة العذاب الذي يجزى به على سوء عمله، فيفتضح بسوء مصيره، إذ هو مئنة من سوء عمله، فذلك من قبيل: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ"، فلما عاينوا ذلك الجزاء المهين علموا بداهة سببه، فاستفهموا عنه، فأجابهم عالم السوء المخذول بقوله: "كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ"، فما يلقاه من الجزاء العادل إنباء عن سوء طريقته في الدنيا، فقبح النهاية مئنة من قبح البداية ولا يظلم ربك أحدا.
وقد يقال أيضا: بأن السياق وإن رجح إرادة الكافر إلا أن معنى الإنباء عام فيقع لكل عامل: مؤمنا كان أو كافرا، فالمؤمن يستره الرب، جل وعلا، بستره الجميل، فيكون حسن جزائه بالستر والإنعام مئنة من حسن عمله وإن شابه من الذنوب ما لا يسلم منه بشر إلا من عصم الرب، جل وعلا، من الرسل عليهم السلام.
فالمعنى من هذا الوجه عام يشمل الكافر بقرينة السياق فهو من أوله يشير إلى جملة من أحواله، والمؤمن بقرينة عموم الإنباء التي دلت عليها نصوص أخر لم تخصص ذلك بنوع دون آخر، ولا تعارض بين المعنيين فلكل وجه صحيح من الاستدلال.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 05 - 2010, 10:07 ص]ـ
ثم جاء الإضراب الانتقالي:
بل الإنسان: فذلك جار على ما اطرد من أول السورة من إرادة العهد بـ: "أل" في الإنسان، فهي ترجع على معهود بعينه هو الكافر، ويقال، أيضا، بأن العموم المعنوي يشمل كل البشر مؤمنهم وكافرهم فلكل على نفسه بصيرة.
وقد ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله أوجها لهذه الآية منها:
وجه يدل عليه ظاهر النظم، فالإنسان على نفسه بصير، فتكون زيادة التاء من باب المبالغة على وزان قولك: فلان علامة أو نسابة أو فهامة أو جماعة مئنة من سعة علمه فهو جامع لأصناف شتى من الفنون، وقدم الجار والمجرور عناية به، فهو المراد أصالة في معرض إقامة الحجة على الإنسان، فهو الذي يقيمها بنفسه على نفسه، فله من العلم بأحوالها وأهوائها ما ليس لغيره، فلا يعلم غيره منه إلا ما أظهر صدقا كان أو كذبا، ولذلك علقت الأحكام في دار الابتلاء على الظاهر، فلا يكلف الإنسان بالبحث والتنقير عن أحوال غيره، فذلك مئنة من الإفلاس، كما يقول بعض الفضلاء، فأولى له أن يشغل نفسه بالتفتيش في عيوبه ليصلحها، وأوجاعه ليعالجها، فيكون لنفسه طبيبا يداويها بدواء الوحي النافع، وما أكثر أوجاع النفوس في زماننا، فقد بلغت حدا يعسر معه حصر أنواعها، ولكل نفس منها جملة وافرة، فلو شغل كل مريض بمرضه ما التفت إلى غيره، فمرض نفسه، لو تدبر ونظر، أشد من مرض بدنه، وأدق مسلكا، فيعسر على كثير إدراكه حتى يفتك بالروح فيميت القلب وصاحبه لا يشعر فهو ميت في جملة الأحياء، فلا يكلف الإنسان بسبر أغوار غيره، وإنما يكفيه منه ما يظهره إلا إن دل دليل يقيني جازم على مخالفة الظاهر للباطن، كالزنديق الذي يستر الكفر ويظهر الإيمان تقية، فإذا ما ضعف سلطان الشرع الحاكم وكسر سيفه العادل، تجرأ فأظهر مكنون نفسه، فذلك لا يقبل منه ما أظهره من الإيمان إذ قد أظهر معه ما ينقضه من الكفران، فأتى بالدليل الناقل عن الأصل، فلم يكلف غيره مؤنة التفتيش في أحواله والحكم على ظاهره!، فيوكل أمر العقاب إلى من له ولاية عامة لئلا يقع التهارج فليس لكل أن يستوفي الحقوق العامة فذلك شأن ولي الأمر، إن كان للمؤمنين ولاية أمر جامعة!.
وعدي البصر بـ: "على"، والقياس تعديته بـ: "إلى"، لتضمينه معنى المراقبة ففيها قدر زائد على مجرد البصر، فالرقيب يدرك من أحوال من يراقبه ما لا يدركه المبصر الذي ينظر إلى الظاهر دون سبر للباطن، فخص كل إنسان بذلك السبر إذ لا سبيل لبشر عليه، فلا يعلم مكنون الصدر إلا الرب المحيط بعلمه، تبارك وتعالى، وصاحب الشأن الذي يعلم من حاله ما لا يعلمه غيره، فهو الرقيب على نفسه، فـ:
عليك منك إذا أخليت مرتقب ******* لم تأت في السر ما لم تأت إعلانا.
وفي الآية نيابة لصيغة: "فعيل" عن صيغة: "فاعل"، مئنة من المبالغة، فذلك جار مجرى مجاز التعلق الاشتقاقي، عند من يقول بالمجاز في الكتاب العزيز، و: "تبادل الصيغ" أو تناوبها في الدلالة على المعاني فذلك مما اطرد في لسان العرب، فاستعملته على وجه الحقيقة وإن خالف الدلالة المعجمية، فالدلالة الاستعمالية تصير ما كان على خلاف المعاني القياسية: حقيقة، فقد تهجر الحقيقة اللغوية فتصير مهملة لا يدركها إلا آحاد الناس ممن لهم دراية بلسان العرب، ويشتهر المجاز، فيقدم من هذا الوجه، بل يصير حقيقة عرفية كما اطرد من كلام الأصوليين والبلاغيين في مبحث الدلالات اللفظية.
ويحتمل أن يراد بالبصيرة: الحفظة التي تحصي أعمال الإنسان، فتكون زيادة التاء في بصيرة: مئنة من المبالغة، أيضا، بزيادة التاء، فللملك المحصي للأعمال من الاطلاع على حال من يحصي عمله ما ليس لغيره، فذلك مما هيأه الرب، جل وعلا، له، فأطلعه من العبد على ما لا يطلع عليه غيره من البشر ولو كان أخص خاصته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويحتمل أن يراد بالبصيرة: الحجة، فيكون في السياق: حذف للموصوف وإقامة للصفة مقامه، وذلك أمر قد اطرد في لسان العرب وفي التنزيل في مواضع عدة من قبيل قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، أي: عملا صالحا فحذف الموصوف وأقام الوصف مقامه، فهو جار مجرى إيجاز الحذف، وهو من أوجه البيان العربي الذي نزل به الوحي الإلهي، فتلك حجة من يطرد القول بنفي المجاز في التنزيل، بخلاف من يثبته فإنه يمثل بمثل هذا الوجه لمجاز الحذف، والخطب يسير في مواضع غير مشكلة، بخلاف ما أشكل من مواضع في الأخبار الغيبية لا يصح فيها إجراء القرائن العقلية بتقدير محذوف أو ترجيح مرجوح لقرينة عقلية في باب خبري .... إلخ من أوجه التأويل فذلك لا يكون إلا فيما يدركه العقل ابتداء ليسوغ له التصرف فيه، بخلاف ما لا يدرك حقائقه كسائر المغيبات، فحظه منها إدراك المعاني الكليات، فلا يجوز له الخوض فيما لم يدرك كنهه، فذلك جار على قياس العقل الصريح، إذ للعقل مدركات محدودة، فالخروج عنها: نقض للقياس بإجرائه فيما لا يجري فيه مما خرج عن مدركات العقل.
فيكون المعنى: بل على كل إنسان حجة بصيرة، فلكل من نفسه على نفسه حجة تفصح عما يخفيه، فهي كاشفة لما ستره عن الناس، فوصفها بالبصيرة مبالغة في معرض بيان قوتها، فهي حجة قوية دامغة، فلا يجدي خداع الغير شيئا، فالإنسان لا يقوى على خداع نفسه، بل يعلم منها يقينا صحة أو فساد طريقتها، بل إن كثيرا من أهل الضلال والزيغ: ينطقهم الرب، جل وعلا، بالحق إرغاما لأنوفهم، فهي حجة تبصر الإنسان بحاله حتى صح وصفها بأنها هي البصيرة وليس صاحبها، فذلك جار مجرى وصف الآيات الموسوية بالبصائر في قوله تعالى: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا)، فهي مبصِّرة على وجه حسن معه وصفها بأنها هي البصائر نفسها، فذلك، أيضا، من المجاز عند من يقول به، فأطلق المسبَّب الناتج وهو حصول الإبصار على السبب المبصِّر لصاحبه، فيكون ذلك من المجاز المرسل الذي علاقته: المسببية، ومنكر المجاز في التنزيل خصوصا، أو في لسان العرب عموما: يجري الأمر على ما تقدم من المبالغة في وصف الحجة بالبصر مئنة من وضوحها، فكأنها هي البصر نفسه، والمبالغة أمر قد جرى به اللسان العربي، فصار حقيقة من جهة ذيوع الاستعمال واشتهاره، على ما تقدم، من تنزيل المجاز المشتهر منزلة الحقيقة العرفية التي تقدم بالإجماع على الحقيقة اللغوية المعجمية.
ولو ألقى معاذيره:
فذلك من المبالغة لدلالة: "لو" الوصلية عليها في هذا الموضع ومواضع من قبيل قوله تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فعليه من نفسه حجة يعلمها يقينا ولو ألقى ما ألقى من المعاذير الظاهرة، فتلك قد يعتذر بها أمام البشر، فلا تجدي شيئا أمام رب البشر، جل وعلا، والإلقاء مئنة من الإخبار الصريح فذلك مما يجري حال الاعتذار مدافعة للعقاب فاستعير الإلقاء للقول، فالمعتذر ينطق بعذره كما يلقي المستسلم سلاحه، فيكون الإلقاء بقوة مئنة من كمال الاستسلام دفعا للأذى بقتل أو ضرب، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فكذلك المعتذر يكون نطقه بحجته بقوة، ولو كان كاذبا يعلم كذبه يقينا، دفعا للعقاب، فذلك من جنس الحلف كذبا والإصرار عليه استقطاعا لحق ليس له، فكذلك الكافر يحتج ويصر على حجته طلبا لما ليس له من النجاة، فلا يدحض حجته إلا شاهد من نفسه، كما تقدم من قوله تعالى: (وقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
والمعاذير، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، اسم جمع لا مفرد له من لفظه، فالمعذرة تجمع على معاذر لا معاذير.
وعلى حمل المعاذير على لغة أهل اليمن فهي جمع: معذار، بكسر الميم، وهو الستر، كما أشار إلى ذلك الضحاك، رحمه الله، تكون الاستعارة تمثيلية، إذ الستر بإلقاء الساتر المادي، كستر الكافر بجحد ما اقترفه، فجحده له من باب ستره لئلا يفتضح فذلك من الستر المعنوي، فاستعير الستر المادي للستر المعنوي، وذلك معنى لطيف يدل من وجه آخر على نزول حروف من التنزيل بلغات العرب من غير قريش، فنزوله بلسان قريش، كما تقدم في مواضع سابقة، أمر أغلبي، فلا يخلو من حروف بلسان غير لسان قريش، بل لا يخلو من ألفاظ أعجمية، وإن كانت عربية من جهة اشتهارها في لسان العرب، فضلا عن ورودها في تراكيب عربية، فلا يوجد في التنزيل تراكيب على غير ما جرى في نظم الكلام في لسان العرب، فلا يوجد فيه، على سبيل المثال، تقديم للصفة على موصوفها، فليس ذلك من معهود لسان العرب.
والمعاذير معرفة بالإضافة، وذلك نص في العموم، كما قرر أهل الأصول، والعموم مظنة الإجمال، وقد ورد بيانه في مواضع أخرى من التنزيل من قبيل قوله تعالى: {رب ارجعون لعليَ أعْمَلُ صالحاً فيما تركتُ} [المؤمنون: 99، 100] ومنها قولهم: {ما جاءَنا من بشير} [المائدة: 19] وقولهم: {هؤلاء أضَلونا} [الأعراف: 38]، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك جار على ما تقدم بيانه، مرارا، من تفسير آي التنزيل بالتنزيل.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 05 - 2010, 07:42 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ):
فذلك من النهي رفقا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ففيه معنى الإرشاد فلا تحرك به، أي: القرآن، فالضمير راجع على غير مذكور لنباهة ذكره، فلا تحرك بالقرآن لسانك حال نزوله، فقد كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعالج من التنزيل شدة، فيحرك لسانه به خشية النسيان، فيقرأ الروح الأمين، ويقرأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيحرك شفتيه، كما في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، وذلك من المشقة بمكان، فإن عمل اللسان بالكلام يعطل عمل الأذن بالسمع، فلا تتفرغ حاسة السمع لقبول آثار الوحي، فتكفل الرب، جل وعلا، عناية برسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بحفظ الكتاب العزيز في صدره، فعطف القرآن، وهو مصدر "قرأ" بمعنى جمع، على الجمع فذلك من عطف المترادفين توكيدا في مقام العناية بحفظ الكتاب العزيز في صدر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو أولى حلقات الإسناد البشري للكتاب العزيز، أو هو المخرج البشري لهذا الوحي فعليه تدور كل الأسانيد فلا بد أن يكون الأصل قد حفظ على وجه لا يتطرق إليه الشك أو النسيان المؤثر بإسقاط محكم، فالنسيان قد يرد ولكنه إما أن يكون من قبيل قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فينسي الرب، جل وعلا، الحفظة ما نسخ من لفظ الكتاب العزيز، فذلك من رحمته، جل وعلا، لئلا يختلط المحكم بالمنسوخ، فذلك قادح في نقل الكتاب العزيز، وإما أن يكون من قبيل النسيان الجبلي لما حفظ وأحكم، فهو من قبيل ما يعرض للإمام في الصلاة، من النسيان، فلا يقدح في نقل الكتاب العزيز، فذلك لا ينافي عصمة التبليغ، إذ لم يقع النسيان حال التلقي أو الأداء، فتلقى الرسول البشري الوحي من الرسول الملكي فحفظه وأداه كما سمعه، بلا زيادة أو نقصان، لمكان العصمة من الكذب والخطأ، لئلا تبطل الحجة الرسالية باحتمال الخطأ في تبليغ الوحي، فذلك مما عصم منه الرسل عليهم السلام، وتلقاه عنه الحفظة فأتقنوه، فإن عرض النسيان الجبلي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالحفظة قد جمعوا ما بلغه، فالكتاب العزيز محفوظ بالتواتر، إذ قد جمعه عدد يحصل به التواتر فالحفظة من الصحابة، رضي الله عنهم، كثير، وعن كل حمل جمع يحصل به التواتر لحرف قريش الذي جمع عثمان، رضي الله عنه، الناس عليه، فالأصل محفوظ لمكان العصمة، والنقل متواتر، لعناية الحفظة بجمعه ونقله، فذلك من حفظ الرب، جل وعلا، له، وذلك ما لم يكن لبقية الأمم التي وكل الحفظة فيها إلى أنفسهم، فزادوا ونقصوا، على جهة العمد أو الخطأ، فلم يعد لكتبهم ما للكتاب العزيز من العصمة، فكتبهم قد ترجمت عن أصول منقطعة الأسانيد، فلا تصمد لمعايير النقد العلمي: إسنادا أو متنا.
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ:
فالقراءة هنا بمعنى التلاوة، فذلك، أيضا، مصدر: "قرأ"، ولكنه هنا بمعنى يغاير معنى الجمع في الآية السابقة، من وجه، وإن كان يماثله من وجه آخر، فالتلاوة، أيضا، مظنة جمع الحروف والكلمات، والآيات والسور، وإن كان جمعها تلاوة يكون على اللسان، بخلاف جمعها حفظا فإنه يكون في الصدور، فحصل التباين من وجه، والتماثل من وجه آخر، ففيه وصف المشترك اللفظي لدلالته على معنيين متباينين: الحفظ والتلاوة، وفيه وصف المشترك المعنوي فكلاهما يرجع في معناه إلى معنى الجمع على الألسن أو في الصدور، كما تقدم، فضلا عن جمعه في المصاحف، فذلك وجه تسمية الكتاب المسطور: قرآنا، فالآيات فيه مقروءة مقرونة ببعضها، فذلك وجه آخر لتسميته بـ: "القران"، بتسهيل الهمزة، فآياته قد اقترنت فانضم بعضها إلى بعض، في سور، وسوره قد انضم بعضها إلى بعض في المصاحف، بخلاف ما ذهب إليه الشافعي، رحمه الله، من كون اللفظ علما جامدا على الكتاب العزيز، فهو من قبيل
(يُتْبَعُ)
(/)
العلم المرتجل، فلم يلحظ فيه معنى القرء أو الاقتران الذي اشتق منهما لفظا: "القرآن"، أو: "القران"، فإذا قرآناه: تلاوة بعد جمعه في صدرك، فيحصل البيان اللفظي بحفظ اللفظ وأدائه على الوجه الصحيح الذي تكلم به الرب العزيز فسمعه الروح الأمين فنزل به على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاتبع قرآنه: على جهة الإرشاد ولا يخلو من معنى العناية والامتنان، فاتبع ما امتن الله، عز وجل، عليك بتصحيح قراءته وجمع لفظه، وجاء الفعل مسندا إلى ضمير الفاعلين، مئنة من التعظيم في موضع يحسن فيه ذلك، فهو مقام عناية وامتنان، كما تقدم، وذلك مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، فقد يسر حفظه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولمن جاء بعده من الحفظة، فذلك، كما تقدم، من الحفظ الذي اختص به، جل وعلا، آخر كتبه وأعظمها وأجمعها لعلوم النبوات، فضلا عن عظم المقروء، فهو، كما تقدم، أعظم الكتب المنزلة، فمبناه أفصح المباني ومعناه أبلغ المعاني، وقد جعل صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، الإسناد في هذا الفعل من قبيل المجاز العقلي، بإسناد الفعل إلى الرب، جل وعلا، مع أن المتكلم هو جبريل عليه السلام، وقد يقال بأنه لا وجه للمجاز في هذا الموضع من وجهين:
الأول: أن الله، عز وجل، قد تكلم بهذا الكتاب حقيقة لا مجازا، على وجه يليق بجلاله، فلا يعلم كنهه إلا هو، فتكلم بصوت وحرف يليق بجلاله، فكلامه بالكتاب العزيز ككلامه لموسى الكليم، عليه السلام، فقد ناداه، ولا يكون النداء إلا بصوت مسموع، وقال له: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)، وتلك حروف مجموعة بعضها إلى بعض، فلم يخلق كلامه في غيره، كما يقول ضلال النصارى الذين قالوا بخلق الكلمة أو تجسدها في ناسوت المسيح عليه السلام، ولم يخلقه في شجرة، كما يقول المعتزلة، الذين ضلوا في هذه المسألة فأحدثوا مقالة خلق الكتاب العزيز، ولو صحت تلك المقالات الفاسدة، لنسب الوصف المخلوق إلى الرب الخالق، عز وجل، ولا ينفك المخلوق عن نقص، فهو من العدم آت وإلى الفناء ماض مع ما يعتريه بينهما من عوارض النقص الجبلية في كل المخلوقات الأرضية، حية كانت أو جامدة، فإذا صحت نسبة هذا النقص إلى الرب، جل وعلا، فأخبار النبوات التي نزهته عن كل نقص وأثبت له كل كمال: نصوص كاذبة، أو غامضة تفتقر إلى تأويلات أشبه ما تكون بالأساطير لتدل على ما يزعم أولئك أنه العقد الصحيح في الرب، جل وعلا، فلن يحصل خلاص ولن تكون نجاة إلا بنعت رب الأرض والسماء بالنقص الذي تنزه عنه بداهة، فذلك أمر قد أبان عنه الخبر الصحيح: خبر النبوات المتواتر، وأيده العقل الصريح، فلا يجد العاقل مشقة في تصور وتصديق أخبار الوحي، فلا تعارض بين النقل والعقل، كما قرر المحققون من أهل العلم.
والشاهد أنه لا تعارض بين تكلمه، عز وجل، بآي الكتاب العزيز، وتكلم الروح الأمين به، وتكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم به، فنسبة القراءة إلى كلٍ مختلفة، فتكلم به الرب، جل وعلا، على جهة الوصف اللازم لذاته باعتبار نوعه، الحادث باعتبار آحاده، فنسبته إليه نسبة: صفة إلى موصوف، وتكلم به جبريل عليه السلام، فنسبته إليه: نسبة تبليغ من الرب العلي، جل وعلا، إلى الرسول البشري، وتكلم به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنسبته إليه: نسبة تبليغ إلى عموم المكلفين، فبذلك يزول الإشكال في الجمع بين اختلاف نسبة الكتاب العزيز في مواضع من التنزيل من قبيل قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ)، فذلك هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، و: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)، فذلك هو الروح القدس عليه السلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
والثاني: أن نسبة الفعل إلى الرب، جل وعلا، في هذا الموضع من قبيل نسبة صفة القرب إليه، جل وعلا، في نحو قوله تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ)، فدلالة السياق تدل على قربه، جل وعلا، بجنده حال النزع الأخير، وليس ذلك من التأويل بشيء إذ قد دلت قرينة السياق على المعنى المراد، فكذلك الشأن في هذا الموضع فقراءته، عز وجل، له، ثابتة باعتبار اتصافه بالكلام ابتداء، وباعتبار تكلم رسوله: الروح الأمين، عليه السلام، به، فكلام الرسول كلام مرسله بداهة، وذلك مما اطرد في لسان العرب، فيقال: قال الملك كذا، ورسوله أو كتابه هو القائل، ويقال: أمر الملك بكذا والآمر رسوله، ويقال: بنى الملك كذا، والباني عماله.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ: فذلك من تمام المنة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالمنة قد شملت: حفظه وقراءته وبيانه، كما أشار إلى ذلك ابن كثير، رحمه الله، فاستوعبت المنة: اللفظ حفظا وتلاوة، والمعنى: بيانا، و: "ثم": للترتيب والتراخي عند جمع من الأصوليين، وبه استدلوا على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، كما نقل ذلك صاحب "المذكرة" رحمه الله، عن صاحب "الروضة" رحمه الله، فيجوز تأخيره عن وقت الخطاب ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، فإذا قامت الحاجة إلى البيان: تعين، فلا يجوز تأخيره، وهذا أصل جليل في تمييز المشروع من المحدث الذي لا أصل له، فمن ادعى في الديانة: زيادة، ليس لها أصل في زمن الرسالة، فلسان حاله: كتمان بيان ما أحدثه حتى جاء هو بإظهاره!، وذلك طعن في مقام الرسالة، فقد بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما قد أمر بتبليغه من العلم والعمل فلم يترك خيرا إلا دل عنه، ولا شرا إلا حذر منه، فلم يدع لأمته حاجة إلى تقرير غيره، فالشريعة كاملة محكمة، فاللفظ محفوظ، والمعنى بين لا خفاء فيه، ولم يسلم بذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فجعل التراخي الذي دلت عليه: "ثم" في هذا الموضع: تراخ في الرتبة لا في الزمن، فمرتبة البيان دون مرتبة الإنزال، وإن كانت المنة بكليهما حاصلة، فالتنزيل: لفظ منزل، وبيان موضح، واستدل بعض أهل العلم بهذه الآية على حجية السنة: الوحي الثاني، فيكون البيان في هذه الآية مخصوصا ببيان السنة فلا يخلو على هذا التأويل من دلالة العهد، فهو بيان معهود، فعموم البيان المضاف إلى ضمير الكتاب العزيز قد خص على هذا التأويل ببيان السنة، فيكون ذلك جاريا مجرى العموم الذي أريد به الخصوص، وقد يقال بأن عموم البيان أليق بالمنة، فتخصيصها مما ينغصها، فيكون البيان عاما من كل وجه، بما في ذلك: وجه السنة الشارحة لما غمض من نص التنزيل، المكملة له بإنشاء أحكام لم ترد فيه، المؤكدة لما قد قرره التنزيل، المبينة لمجمله، المخصصة لعمومه، المقيدة لمطلقه .... إلخ من صور البيان.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 05 - 2010, 05:57 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ):
فذلك من الزجر الذي لم يرد إلا في القرآن المكي باستقراء من صنف في أصول التفسير وعلوم التنزيل، فلم تأت: "كلا" إلا في القرآن المكي في النصف الثاني من التنزيل، وتحديدا من سورة مريم في قوله تعالى: (كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا)، وفد فسر إجمال الزجر ببيان الإضراب التالي له: "بل"، فجاء الزجر قارعا للأسماع مهيجا للأذهان، ثم جاء بيانه تاليا له فكان أوقع في النفس، وجاء المضارع مئنة من التجدد والاستمرار، فهو وصف ثابت لازم لهم، فقد تمكن حب العاجلة من قلوبهم فليس الأمر: ميلا عارضا، بل قد صار خلقا راسخا يصعب التحول عنه، فالخاطرة إن لم تدفع تمكنت من النفس وصارت عزما، فانتقلت من منطقة الخواطر التي لا حساب عليها إلى منطقة الكسب، ولو قلبيا، فليس الكسب بالجوارح الظاهرة فقط، بل قد يكون بالقلب فيعقد المكلف العزم على فعل ما، فلا يصرفه عنه إلا عارض كوني، فيكون هو والفاعل سواء، سواء أكان الفعل خيرا أم شرا، كما في حديث أبي كبشة الأنماري، رضي الله عنه، مرفوعا: "مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ
(يُتْبَعُ)
(/)
أَرْبَعَةِ نَفَرٍ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ فِي مَالِهِ فَيُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَا لِهَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِيهِ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ"، فالسيئة قد يعقد الإنسان العزم على ارتكابها فلا يصرفه إلا عجز فتكتب له سيئة، وقد يعقد العزم عليها ثم يصرف عنها، عناية من الرب، جل وعلا، به فلا تكتب له شيئا، وقد يعقد العزم عليها ثم يتركها تورعا فتكتب له حسنة، فضلا من الرب، جل وعلا، ونعمة، والشاهد أن حب الدنيا قد تمكن من قلوبهم فصحت مجيء المضارع من الفعل مئنة من رسوخ الملكة و: "العاجلة": علم منقول بالنظر إلى مدلوله، فـ: "أل": عهدية تشير إلى عاجلة معهودة هي الدنيا، فذلك وجه العلمية فيها، فهي دالة على مسمى بعينه هي دار الدنيا العاجلة، ومع كونه علما منقولا، إلا أنه ليس جامدا من كل وجه، كسائر الأعلام الجامدة التي تدل على مسماها دلالة محضة، بل دلالة المطابقة فيه كائنة، كسائر المشتقات الدالة على الموصوف بها، والصفة التي اشتقت منها معا، فذلك وجه المطابقة فيها، فدلالة العاجلة على الدنيا: دلالة تضمن، وكذلك دلالتها على وصف العجلة والتقدم، فهي السابقة، وقد انقضت، كما في قول علي رضي الله عنه: "ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ"، وقد علقه البخاري رحمه الله على جهة الجزم، ودلالتها على كليهما: دلالة مطابقة، فحصل من الوصف: تسمية من جهة العلمية، وبيان من جهة الوصفية، فالعاجلة هي دار الدنيا، والعجلة وصف الدنيا التي تطوى صفحاتها دون أن يشعر أهلها، فهم في غفلة يلعبون، فيشتغلون في شبيبتهم بـ: لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، فلعب، كما هي حال كثير من الشباب الذين أنفقوا الأيام والشهور والسنين في رياضة الأبدان، ولما تصح أرواحهم بعد، فهم في شغل بالطيني الفاني عن النوراني الباقي، ولهو بتتبع مظان الشهوات من صور تسكن بها النفوس الثائرة، فلا تزداد إلا ثورة، فإن النفس لا تسكن إلا بمعرفة خالقها، جل وعلا، على جهة الثناء بوصف الكمال، والتأله له على وجه الانقياد، فإن سكن ظاهرها بصورة فانية، فإن باطنها لما يزل ثائرا، فهو كالظاهر يطلب حظه من الاغتذاء، فلا يشبعه غذاء فاسد محرم، وإن حصل له الامتلاء، فهو امتلاء بمادة ضارة لا تزيده إلا ألما ومرضا، وإن أحس بلذة شبع طارئة، كحال من يطعم طعاما خبيثا فيحصل له الشبع، فيعرض عن الطيب لامتلاء جوفه بالخبيث، فإن تناوله فعلى سبيل التجشم، فإن امتلأت الأجواف: شعرا، وإن كان مباحا، لم تقو على تناول آي الكتاب العزيز، فالمحل الواحد لا يتسع لاثنين، وإن امتلأت شبهات علمية، لم تقول على تناول أخبار النبوات الصحيحة الصريحة، فلا تجتمع محكمات النبوات مع متشابهات أهل الزيغ والضلال، ولذلك كان الإعراض عن الشبهات وعدم التصدر لجمعها، ولو إرادة دحضها، هو الأصل، فإن اضطر أهل الإسلام والسنة إلى ذلك، فذلك خلاف الأصل فلا يتصدر له إلا أهل التحقيق ممن رسخت أقدامهم في العلم، فلا يأمن الناظر فيها، لا سيما إن وكل إلى نفسه، فلم يسأل الرب، جل وعلا، ثبات القلب وتصريفه على الإيمان، فاغتر بملكاته النفسانية والعقلية، لا يأمن من هذا حاله أن تعلق شبهة بقلبه تفسد عليه دينه ودنياه، فلا يحسن بالعاقل أن
(يُتْبَعُ)
(/)
يجعل قلبه كالإسفنج يتشرب أي مقالة ينظر فيها، بل إن نظر، فليمتلئ ابتداء بغذاء الوحي النافع، ثم لينظر نظر الناقد المستبصر، فقلبه كالزجاج الصافي تعرض عليه الشبهات ولا تنفذ منه فلا يزداد بمطالعتها وبيان أوجه فسادها إلا يقينا ورسوخا في الديانة، فقبل النظر في المتشابهات لا بد من إحكام المحكمات فهي بمنزلة اللقاح الواقي، الذي يقي صاحبه، بإذن ربه، جل وعلا، شر آفات القلوب القاتلة.
وإن امتلأت بالشهوات من صور محرمة، لم يتسع المحل لعمل صالح نافع، فالمحل، كما تقدم، لا يتسع للشيء وضده في نفس الوقت من نفس الوجه، بل إما خير ينفع، وإما شر يضر، فإما إرادات صالحة يحملها رحم القلب الحساس المتحرك فتلد في الجوارح أعمالا نافعة، وإما إرادة سوء لا تلد إلا مسخا من سيئ القول والعمل.
وزينة: كسائر صور الزينة الظاهرة والباطنة، زورا، فمن الناس من يزين ظاهره ليستر قبح باطنه، ومن الناس من يتشبع بما لم يعطه من الأقوال أو الأعمال أو الأحوال ليسد فاقة نفسه العاطلة من كل فضيلة، والقبيح هو الذي يفتقر دوما إلى ما يجمله، فبزخرف القول تجمل المقالات الحادثة، وبزخرف الزينة الظاهرة تستر عورات النفوس الباطنة، فتجد الصورة جميلة ناصعة والباطن قبيحا قاتما.
وتفاخر: فذلك من جملة الشهوات النفسية التي تغتذي عليها النفوس المفلسة، فـ:
إذا افتخرت بآباء لهم شرف ******* قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا.
والتفاعل مئنة من المفاعلة، كما قرر الصرفيون، وليس ذلك من التنافس المحمود، فالتنافس على تحصيل عرض الدنيا على جهة التفاخر من جنس تنافس الكلاب على الجيف:
وما هِيَ إلاَّ جِيفةٌ مستحيلة ******* عليها كلابٌ هَمُّهُنَّ اجتذابُها
فإنْ تَجْتَنبها كنتَ سِلْماً لأهلها ******* وإنْ تجتذبها نازعتك كِلابُها.
وتكاثر: فالولد شهوة، وهو عند التدبر والنظر، من جنس التفاخر بالنعم الكونية، فلا يحتسب من ذلك حاله في قضاء وطره، أو استيلاد زوجه، أو تنشئة ولده، فلا هم له إلا تحصيل مراده وحظه من لذة جسدية بقضاء الوطر، ولذة نفسانية بالتكاثر الجاري مجرى التفاعل، فهو، أيضا، مئنة من التنافس على عرض العاجلة الفاني، فالولد مآله إلى فراق، فلن تكتمل اللذة به فهي منغصة على صاحبها بما يعتريها من وجوه النقص والفساد المتكاثرة، فالولد قد يمرض بدنه فتكون آلامه عذابا لوالديه كما هي حال كثير من الآباء في زماننا فقد كثرت الأدواء المعضلة التي تفتك، بقدر الرب جل وعلا، بأجساد الناشئة الغضة، فذلك من العقاب الكوني العاجل على التفريط في الأمر الشرعي الحاكم، فقد عطل أهل الإسلام الدين في أفرادهم وجماعاتهم فضرب عليهم العذاب النفساني بتسليط الذل، والعذاب الجسدي بتسليط الأدواء والأوجاع التي لم تكن في أسلافنا، وقد يفسد خلقه فيكون وبالا على أبويه، بل قد يكون سببا في هلاكهما، ولذلك قتل الخضر الغلام، فقتله من باب دفع الصائل على الأديان، فلو عاش لأرهق أبويه كفرا، فدفعه أولى من دفع الصائل على الأبدان، فغاية الثاني إتلاف البدن، وهو إلى التلف صائر: به أو بغيره، بخلاف الأول فإن في عدوانه إفسادا للأديان: مناط النجاة في الدار الآجلة الباقية، فدفع الخضر عليه السلام المفسدة العظمى بالمفسدة الصغرى، وكثير من الأزواج والأولاد قد صالوا على الأديان فاستحقوا القتل لولا ما سبق في علم الرب، جل وعلا، من إطلاع الخضر عليه السلام على مآل ذلك الغلام، وحجب غيره، فقد قتل بوحي، وليس ذلك لكل أب، وإلا وقعت مقتلة عظيمة فـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فقدم متعلق الخبر شحذا للأذهان وتشويقا لمعرفة وصف أولئك المذكورين، والعدو مظنة المدافعة فيدافع بالقلب، كما هي الحال زمن الضعف والانحسار، ويدافع باللسان، وكثير من الآباء عن ذلك عاجز فقوامته قد انتقصت بل استلبت فهو العبد في صورة السيد!، ويدافع باليد، فـ: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي
(يُتْبَعُ)
(/)
الْمَضَاجِعِ"، فذلك من قبيل ضرب الاستصلاح لا الإهلاك، وكثير قد عجز عنه، بل حسبه أن يقي نفسه من استصلاح زوجه وذريته له!.
وقد جمعت آية آل عمران: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ): أوجه الزينة فحصرتها في خمسة أوجه:
فهي تشمل كل صور المتاع الزائل فحرث للأرض، وأنعام تحرث وتستدر فتلك زينة المطعوم والمشروب، وخيل تركب وعليها قيست كل المراكب الفارهة من العربات والقاطرات والطائرات، فتلك زينة المركوب، وذهب فتلك زينة الاكتناز والادخار فـ: "لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ"، وأولاد فتلك زينة الاستكثار من الذرية، فالأصل الفاني لما يزل طالبا لخلود الذكر ولو بفرع فان هو الآخر!، ففان يستكثر بفان، وليس ذلك إلا عين الفقر والإقلال لو تدبر صاحبه بعين الشرع الحاكم والعقل الباصر، ونساء يقضي بهن وطرا مآله كمآل البدن: فسرعان ما يضعف بضعف البدن، فتجري عليه سنة الهرم، فتهرم الأبدان، وتهرم القوى، وتهرم المشاعر، ولا يبقى للشيخ أو العجوز إلا ما قدم في شبابه حال القوة والفتوة، فمن قدم خيرا وجد أثره في زمن الشيب الذي لا لذات له، إلا لذات الثناء والتعظيم الوهمية، فيروق لكبار السن التعظيم ولو زورا ونفاقا، وليس ثم ثناء نافع إلا ما كان فرعا عن امتثال أمر الشارع، عز وجل، فكل ثناء سواه: كذب وزور، فهو من جملة: متاع الغرور.
فتلك صور خمسة، تزول، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين والتفصيل السابق كله له، تزول: ثلاث منها بالهرم فيزول:
التكاثر بالولد، فقد كبر وعق والديه!، فلم يحتسبا في إنجابه، فعقاه صغيرا بإهمال أمر دينه، فعقهما كبيرا، بإنكار الجميل، وارتكاب كل قبيح، كما هي حال كثير من أبناء هذا الزمان، وهذا أمر لم يسلم منه إلا من سلم الله، عز وجل، فهو سنة كونية جارية، فمن زرع حصد من جنس ما زرعه فلا يجنى العنب من الشوك، فكثير من الأولاد، وإن ظهر عليهم نوع صلاح، قد صاروا من جملة العقوبات الكونية المرسلة على آبائهم لتقصيرهم في القيام بأمر الديانة، وانشغالهم بأمر الدنيا جمعا وادخارا، فيتساءل الآباء في دهشة واستنكار: ما سر تلك الغلظة والجفاء من الأبناء؟!، وما ذلك إلا الجزاء الوفاق، فمن أنجب للدنيا، لم ينتفع بولده، إن كان فاسدا فلن يهبه منها شيئا وإن عظم نصيبه منها فأول من يضن عليه هو: أبواه لفساد خلقه وخبث نفسه، ولم يحصل له تمام الانتفاع به إن كان ولده صالحا فلم ينجبه للقيام بأمر الدين، وإنما أراد به تحصيل أمر الدنيا، وليس لابنه فيها كبير قدر، فإن حصل ابنه فضيلة دينية لم يجد أثرها النافع فيس له في الدين أرب، وإنما أربه التفاخر بالولد أو الاكتساب من ماله.
وتزول الزينة فالمحل قد صار غير قابل، مع أن كثيرا من أصحاب الأمل الطويل يجملون أجسادا قد علاها الوهن وكساها الصدأ، فيدافع السنن الكونية الجارية بهرم الأبدان وضعفها توطئة لفنائها.
وتزول لذة التفاخر، فلم يعد للشيوخ منها إلا وهم التعظيم الزائف، فغايته أن يكون إشفاقا عليه لضعفه وتهدم بنيانه!.
فلم يبق للشيخ إلا اللعب واللهو، فيلعب قتلا للوقت، وذلك مئنة من الإفلاس، فلم يدخر علما نافعا أو عملا صالحا لهذا اليوم، ويلهو بتحصيل شهوات لم يعد لها أهلا، فلا رصيد له من دين يعصمه أو دنيا تشغله، فيفتش في دنياه عما يسد فاقة نفسه إلى السعادة التي ضل أكثر الناس عن جنسها الحقيقي فليس لهم منها إلا ما زينه الشيطان من زخرف القول والعمل غرورا.
فذلك حال أهل العاجلة، فحب على جهة المضارعة يستوعب قوى الباطن والظاهر فيما لا طائل تحته، فالاشتغال بالمفضول عن الفاضل مئنة من عدم السداد، فكيف بالاشتغال بالمرذول.
وفي الطرف الآخر على جهة المقابلة:
وتذرون: فالغمد لا يتسع لسيفين، والمحل لا يقبل الضدين، فمن أحب دنياه أضر بأخراه، ومن أحب أخراه أضر بدنياه، ولكل ترجيجه العملي فرعا عن تصوره العلمي صحة أو فسادا، فمن رجح الآخرة فذلك مئنة من سداده وصحة تصوره العلمي، ومن رجح العاجلة فذلك من خذلانه وفساد تصوره العلمي، فـ: (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا)، و: (لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ).
وجاء الالتفات من الغائب إلى المخاطب زيادة في تقريع المخاطب، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وجاء الجمع بالنظر إلى عموم: "أل" الجنسي في: "الإنسان"، فاللفظ مفرد في مبناه، مجموع في معناه، فدلالته العهدية على جنس الكفار، لقرينة السياق، وإن كانت خاصة من هذا الوجه إلا أنها لا تنقض دلالته الجنسية المستغرقة لأفراد الكفار، بل إن معناها عند النظر والتدبر، يعم غير الكفار، فكثير من أهل الإسلام يحبون العاجلة، فيبذلون الآخرة رخيصة تحصيلا لمتاع العاجلة.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سنهور]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 12:37 م]ـ
جزاك الله خيرا على هذه الإفاضة التى قدمتها
سائلا الله أن يجعلك دائما من خدام كتابه
ويجزيك بذلك خير الجزاء
ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 06 - 2010, 12:52 م]ـ
وجزاك خيرا أستاذ أبا فهر وجعل لك ولكل الإخوة الكرام من دعائك الطيب أوفر نصيب.
ومن قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ):
فذلك جار مجرى ما تقدم من استيفاء أجزاء القسمة العقلية، فينقسم الناس يوم القيامة إلى فريقين فرعا عن انقسامهم في دار الدنيا إلى طائعين وعصاة، فالبداية ذريعة إلى النهاية، فبصلاحها يكون صلاح النهاية وإن كانت شديدة فالشدائد تصنع الرجال، وبكير النار يحصل النقاء، وما يدرك ذلك إلا المسددون الذين ألهمهم الرب، جل وعلا، معرفة السر وإدراك الكنه، فوقفوا على حكمة الابتلاء الكوني فكان ذلك ذريعة لهم إلى امتثال التكليف الشرعي بالأمر والنهي، فهو: متعلق الابتلاء الشرعي الذي يستعين به أولئك السادة على رد الابتلاء الكوني، أو دفعه إذا وقع، أو احتمال آثاره إن لم يملك له المكلف رفعا أو دفعا، فتلك البداية الكاملة التي يتذرع بها إلى كمال النهاية، فبصلاحها يكون صلاح النهاية، كما تقدم، وبفسادها يكون فساد النهاية، وإن أصاب صاحبها لذة طارئة في دار التكليف فذلك من جملة الغرور الذي يستدرج به الرب، جل وعلا، الكافرين، فيملي لهم بسعة طارئة في الدنيا مع تفريطهم في أمر الديانة، فذلك من كيده المتين، فيبتلي بالسراء ليشكر، ويبتلي بالضراء ليسأل، فـ: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فحض على التضرع حال البأس فذلك مسلك المسددين، فلا يخلو التحضيض بـ: "لولا" من زجر لهم، وحض لغيرهم لئلا يسلكوا مسلكهم المذموم بقرينة التذييل بتزيين الشيطان، فانقسم الناس باعتبار الحال إلى فريقين باعتبار المآل:
فـ:
وجوه: فتلك نكرة سوغ الابتداء بها التقسيم والتنويع، فذلك من مسوغات الابتداء بالنكرة، على وزان ما أورده ابن عقيل، رحمه الله، في شرحه على الألفية شاهدا على جواز الابتداء بالنكرة في معرض التنويع استيفاء أو ذكرا لوجوه محتملة، على وزان ما أورده في هذا الشأن من قول امرئ القيس:
فأقبلت زحفا على الركبتين ******* فثوب لبست، وثوب أجر
فوجوه يومئذ: فالتنوين عوض عن جملة مقدرة قد دل السياق على تقديرها، فالحال: حال بيان لدار الجزاء، فيكون المقدر من جنس ما تقدم، فذلك أولى من تقدير محذوف من غير السياق، فهذا أصل في تقدير المحذوف أشار إليه صاحب "التحرير والتنوير" إذ قدر المحذوف بـ: وجوه يوم إذ برق البصر، فقدر المحذوف التالي من جنس المذكور السابق، فوجوه يوم إذ برق البصر: ناضرة، فذلك مئنة من السعادة فنضرة الوجه الظاهر مئنة من نضرة القلب الباطن، فالظاهر، كما تقدم مرارا، مئنة من الباطن صحة أو فسادا، سرورا أو حزنا، فذلك من قبيل التكنية بالظاهر عن الباطن، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، فالوجه يفضح انفعالات القلب، وإن اجتهد صاحبه في إخفاء ما يكن صدره ويستجمع قلبه من المحبة أو البغض، من الفرح أو الحزن ..... إلخ من المشاعر الإنسانية المتقابلة، فـ:
"ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه"، كما أثر عن عثمان رضي الله عنه.
ثم جاء الخبر الثاني عن تلك الوجوه الوضيئة، فذلك من الإطناب في بيان حالهم في معرض المدح لهم والحض على سلوك طريقتهم رجاء بلوغ رتبتهم، فضلا عن كونه من قبيل: عطف العلة على المعلول، فعلة النضرة التي تعلو الوجوه: النظر إلى الرب، جل وعلا، فقد أكسبهم ذلك نضرة، من جنس النضرة التي اكتسبها وجه الكليم عليه السلام لما ناجى ربه، جل وعلا، فكيف بمن يراه كفاحا في دار النعيم فتلك الزيادة التي لا زيادة بعدها، فجنس تلك النعمة هو أشرف أجناس النعم في دار هي أشرف أجناس الدور، فلذة العلم بالرب، جل وعلا، في دار الابتلاء، معرفة لأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، أشرف أجناس اللذات العلمية، التي هي أشرف أجناس
(يُتْبَعُ)
(/)
اللذة، فلا تعدلها لذة جسد أو وهم بتعظيم أو تكريم بقول أو فعل، فاللذة أشرف أجناس الشعور، واللذة العلمية أشرف أجناسها، ورؤية الرب، جل وعلا، أشرف أجناس اللذة العلمية، ولا يكون ذلك إلا في أشرف أجناس الدور: دار المقامة، فاجتمعت صفات الشرف في تلك النعمة الجليلة، فهي، بحق، أعظم باعث للنفوس على تصديق الوحي أخبارا، وامتثاله أحكاما، وقدم المعمول مئنة من شرفه فهو محط الفائدة التي يحصل بها تمام المنة، فالنظر فعل مطلق سواء أكان عقليا أم بصريا، فيحتمل الكمال أو النقص، فلا يفيد معنى إلا بتقييده بمنظور بعينه، فالمنظور العقلي في الوحي الإلهي أشرف أجناس النظر العقلي، والرب، جل وعلا، أشرف ما تعدت الأبصار بالنظر إليه، وهو عند التحقيق لا يكون إلا فرعا عن النظر في رسالاته، فكمال نظر العقل في الشرائع في دار الابتلاء ذريعة إلى كمال نظر البصر إلى الرب، جل وعلا، في دار الجزاء، وتعدي الفعل بـ: "إلى" رافع لاحتمال الرؤية العقلية، الذي حمل عليه منكرو الرؤية: الرؤية في هذا السياق أو غيره من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ"، فجعلوا فعل الرؤية متعديا إلى مفعولين على ما اطرد في عمل فعل الرؤية العلمية، والصحيح أنه متعد إلى مفعول واحد. ولو حمل على الرؤية العلمية لفسد المعنى، فهل يقول عاقل بأن العلم بالرب، جل وعلا، قد حصل لهم في ذلك الوقت تحديدا فلم يكونوا يعلمون به من قبل!، فالنظر إذا تعدى بـ: "إلى": صار نصا في الرؤية البصرية، كما أنه إذا تعدى بـ: "في": صار نصا في الرؤية القلبية العلمية، فيقال: نظرت إلى كذا، بمعنى رأيته بالباصرة، و: نظرت في أمر فلان، بمعنى تدبرته بالبصيرة، وإن قطع فلم يتعد بالجار، فهو بمعنى الانتظار، وهو ما وقع فيه قبيل آخر من المعطلة، فأولوا النظر في هذه الآية بالانتظار، على تقدير محذوف من قبيل: نعمة ربها ناظرة، وهذا خلاف الأصل، فالتقدير خلاف الأصل، فلا يقدر المحذوف إلا لقرينة، ولا قرينة هنا من اللفظ أو المعنى تشهد لهذا التقدير، فلا وجه لمجاز الحذف في هذا الموضع، فذلك من جنس ما قدروه في نحو قوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)، فجعلوا المجيء: مجيء الأمر، فهذا، أيضا، خلاف الأصل، ولا قرينة من اللفظ أو المعنى تشهد له، فعطف مجيء الملائكة عليه على جهة الاصطفاف: "صفا صفا" رافع لاحتمال المجيء المعنوي فهو مجيء ذاتي يليق بجلال الرب، جل وعلا، فلا مطمع للعقل البشري في دار التكليف في إدراك كنهه فذلك مما حجب عنه، كما حجب عنه كمال ذات الرب، جل وعلا، وإن أثبتها ضرورة، فليس عدم الوجدان بالحس الظاهر دليلا على عدم الوجود في نفس الأمر، فذلك من الغيب الذي امتاز الإنسان بالقوة المدركة له المحصلة لأسبابه فيتصوره بعقله ولا يحيله لكمال آلته العقلية ولا يخوض في كنهه وحقيقته فذلك قدح في قياسه إذ الشيء لا يدرك إلا برؤيته أو رؤية نظيره أو خبر صادق عنه، وتلك ممنوعة في حقيقة ذات الرب، جل وعلا، أو حقيقة ما قام بها من أوصاف، ووصف المجيء منها، فيثبت المعنى الذي أثبتته النبوات وتفوض الحقيقة فذلك مما لم يأت به خبر الوحي، ولا يقوى على حده العقل، فوصف المجيء الفعلي ثابت له، تبارك وتعالى، على الوجه اللائق بجلاله، فلا يصار إلى المجاز، على القول بثبوته، إلا إذا استحال حمل الكلام على الحقيقة، فيعدل عنها إلى المجاز لقرينة صحيحة، وفي باب الأخبار لا تكون القرينة إلا لفظية، بخلاف قرائن المؤولة فكلها قرائن عقلية دفعوا بها ما توهموه من تشبيه لوصف الخالق، عز وجل، بوصف المخلوق، والعقل لا عمل له في الغيبيات المحجوبة عنه لقصور مداركه، لا عمل له فيها إلا الإثبات وتدبر المعاني الكلية دون خوض في الحقائق والكيفيات، فليس ذلك له، فهو تابع النقل في الأخبار تصديقا، وتابعه في الأحكام تنفيذا، وإن كان له في الأحكام مجال أرحب، فيدرك من علل الأحكام ما يصح به إجراء القياس الفقهي المعروف في باب الأحكام، بخلاف القياس في الأخبار، فهو محظور، كما قد نص على ذلك المحققون كابن عبد البر، رحمه الله،
(يُتْبَعُ)
(/)
فالقياس في الأخبار محظور، والقياس في الأحكام التي تدرك عللها جائز، فليس كل قياس في الأحكام جائزا، فالأمر، أيضا، مقيد بما يدرك العقل علته، فالأحكام التعبدية لا يجري فيها القياس لعدم إدراك العقل علتها أو حكمتها، فغايته أن يجتهد في إدراك لطائف من ذلك تجري مجرى الظن فلا يقين في هذا الشأن، فيدرك من حكمة العبادات كالصلاة والزكاة معان تزكو بها النفوس وتطمئن، ولكنها لا تصلح لقياس عبادة على أخرى من جنسها أومن غير جنسها، للجهل بعلة الحكم تحديدا، فلا تدرك علة نصاب الذهب ليقاس عليه نصاب غيره من الأموال، وإن أدرك العقل حكمة الزكاة من تطهير للنفوس والأموال، ولا تقاس صلاة المغرب على العصر فتصير أربعا، لعدم العلم بعلة جعل العصر أربعا، وإن أدرك العقل حكمة الصلاة من تطهير للنفوس وتزكية للقلوب وصلة بالله، عز وجل، على جهة التعبد والخضوع الذي تكمل به النفوس. فإذا انتفى القياس في باب الأخبار إلا قياس الأولى فلله المثل الأعلى، انتفت كل أوهام التشبيه التي حملت المؤولة على استنباط قرائن عقلية صرفوا بها نصوص الأخبار الغيبية عن ظواهرها، لما توهموه من دلالتها على معان يتنزه عنها الباري، عز وجل، فأصابوا إذ نفوا تلك المعاني، وأخطأوا إذ تصوروا دلالة نصوص الوحي على تلك المعاني الباطلة، فإن لازم ذلك أن الوحي لا تحصل به الهداية فهو مظنة الضلال والعماية حتى ينضم إليه ما أحدثوه من القرائن التي استحسنوها بعقولهم وأذواقهم المضطربة، فذلك من جنس ما يقع فيه من بدل الشرائع من استحسان للأحكام بعقله أو ذوقه، وإن خالفت أحكام الوحي، فيبدلونها أو يؤولونها لتوافق أهواءهم، فجنس ضلال الطائفتين واحد، وإنما ضل الأولون في باب الأخبار، وضل الآخرون في باب الأحكام.
فضلا عن فساد معنى انتظار نعمة الرب، جل وعلا، في دار الجزاء، فالانتظار ينغص على المتنعم نعمته، وذلك أمر منتف في دار الجزاء، دار النعيم الكامل فلا كدر يشوبه ولا ألم أو حرمان ينغصه.
وحصل بالجناس بين: "ناضرة" و: "ناظرة": مزيد حسن في البيان، فهو يدل من وجه على التلازم الوثيق بين النضرة وعلتها، فكأن التلازم قد عم المعنى واللفظ معا.
وفي المقابل وعلى سبيل المقابلة استيفاء لوجهي القسمة العقلية في معرض الجزاء قسمة: السعادة والشقاء.
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ:
فتلك حال وجوه الكفار، والتقسيم، كما تقدم، هو مسوغ الابتداء بالنكرة، فذلك شطر القسمة الثاني، فوجوه الكفار في مقابل وجوه المؤمنين، فهي باسرة كالحة شديدة العبوس، وفي "اللسان": "وَوَجْهٌ بَسْرٌ باسِرٌ وُصِفَ بالمصدر وفي التنزيل العزيز وَوُجُوهٌ يومئذٍ باسِرَةٌ وفيه ثم عَبَسَ وَبَسَرَ قال أَبو إِسحق بَسَرَ أَي نظر بكراهة شديدة وقوله ووجوه يومئذٍ باسِرة أَي مُقَطِّبَةٌ قد أَيقنت أَن العذاب نازل بها وبَسَرَ الرجلُ وَجْهَه بُسُوراً أَي كَلَحَ"، وقد ذيل بعلتها، فقد استيقن الهلاك، فالظن، هنا بمعنى: اليقين، فقد تيقن الفاقرة، وهي الداهية العظيمة، التي نكرت مئنة من الجنس والتعظيم، فجنس الفاقرة التي تحيق به عظيم، والفاقرة هي التي التي تكسر فقار الظهر، ومنه قيل للفقير: فقير، فإن العوز يكسر الظهر، فهي داهية عظيمة تكسر الظهر، وحذف الفاعل للعلم به، فالرب، جل وعلا، هو الذي يعذب عدلا ويغفر فضلا، فذلك من عظم القدرة وعموم المشيئة، وهي مشيئة مقرونة بالحكمة، فليست مشيئة محضة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من المتكلمين، فردوا الأمر إلى محض المشيئة، استدلالا بنحو قوله تعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)، وذلك إنما يكون لكمال قدرته ومشيئته معا، فلا يسأل عما يفعل، إذ فعله قد بلغ الغاية من الحكمة، ومشيئته عامة لا مخصص لها، فلا يجوز تخلفها، فأثرها كائن في عالم الشهادة لا محالة إذ لا تتخلف الإرادة الكونية، فلا تخرج عنها طاعة أو معصية، بخلاف الإرادة الشرعية فقد تتخلف، بل: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، ولم يقدح ذلك في وصفه، جل وعلا، فله الكمال أزلا وأبدا، فلا يخرج شيء من كونه عن إرادته الكونية النافذة.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سنهور]ــــــــ[06 - 06 - 2010, 01:21 ص]ـ
كلما قرأت ما تفيض به هذه القريحة العالية
لم أجد فى نفسى زهولا
فأسألها كيف لم يزهلك ما قرأت
فتجيبنى
الأ تعلم من كتبه
إنه مصرى
ننتظر منه الوزيد
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 06 - 2010, 11:51 ص]ـ
جزاك الله خيرا أيها الكريم على المرور والتعليق، ولو رجعت إلى أصول هذه التعليقات لا سيما كلام صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، لزال عجبك من هذه التعليقات وزاد، من جهة أخرى، من كلام المصنف، رحمه الله، فهو صاحب دقة في الفهم والاستنباط وبلاغة في اللفظ، تدل على تمكن كامل من علوم اللسان، ونية صالحة، ولا نزكيه على ربه جل وعلا، فيبعد أن يرزق مثل ذلك الفهم والذيوع بين الناس من لم تصلح نيته، فسنة الرب، جل وعلا، بخلاف ذلك.
ومن قوله تعالى:
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ: فذلك من الزجر بعد الزجر بـ: "كلا"، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وذلك مئنة من مكية السورة، فالزجر مما يناسب الحال في مكة، وقد كانت آنذاك: دار كفر فالخطاب فيها خطاب الترهيب حملا للمكلفين على الإيمان ونبذ الكفر والعصيان. والضمير راجع على غير مذكور وهي الروح لقرينة السياق، فسياق النزع يدل على أن المنزوع هو الروح. وعود الضمير على غير مذكور طريقة في العربية، عقد لها الثعالبي، رحمه الله، الفصل الرابع من الجزء الثاني من كتابه: "فقه اللغة وأسرار العربية"، فقال:
"فصل في الكناية عما لم يجر ذكره من قبل:
العرب تقدم عليها توسعاً واقتداراً واختصاراً ثقة بفهم المخاطب، كما قال عز ذكره: (كل من عليها فان)، أي: من على الأرض، وكما قال: (حتى توارت بالحجاب). يعني الشمس، وكما قال عز وجل: (كلا إذا بلغتت التراقي) يعني: الروح فكنى عن الأرض والشمس والروح من غير أن أجري ذكرها". اهـ
"فقه اللغة وأسرار العربية"، ص229.
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ: فنسب القول إلى غير معين، فليس محط الفائدة تعيين المتكلم، بل المراد بيان العجز واليأس الذي يعتري أهل الميت، فيتساءلون سؤال الحائر: من راق؟، والجواب قد دل عليه السياق فـ: لا أحد يرقيه.
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ: فذلك، أيضا، جار مجرى اليقين فقد تيقن من حلول الأجل، فعاين الملائكة، وبلغت الروح الحلقوم، فلا تنفع توبة، فقد طلعت شمسه من مغربها فلا توبة بعد معاينة العذاب، والضمير راجع على الإنسان الذي اطرد بيان وصفه في الآيات السابقة، فهو الكافر لما تقدم من قرائن إنكار البعث، فذلك الذي يصدق ولات حين مناص. وجاء التوكيد بـ: "أن" ومدخوليها، فسدت الجملة المؤكدة مسد مفعولي فعل الظن القلبي، فذلك مقام يناسبه التوكيد لعظم إنكار الكافر، فتقدير الكلام: وظن الفراق كائنا أو حاصلا.
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ: فـ: "أل"، قد نابت عن ضمير صاحب الساق، فتقدير الكلام: والتفت ساقه بساقه، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من قبيل قوله تعالى: (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، على تقدير: فإن الجنة هي مأواه، والسياق يحتمل:
الحقيقة: فتلك حال الميت حال النزع، وحاله حال التكفين، فتلتف ساقاه.
والمجاز: فذلك كناية عن هول الموقف وشدة الخطب، على وزان قولك: قامت الحرب على ساقها، وعليه حمل قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ)، فلم يحمل أصحاب هذا القول إطلاق لفظ الساق في هذه الآية على القيد الوارد في حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، مرفوعا: "يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا"، فالآية عنده ليست من آيات الصفات، فلو فسرها بالشدة، ما عد ذلك تأويلا إن لم يكن ممن اطرد التأويل في كلامه، إذ ليست الآية عنده من باب الخبر عن الرب، جل وعلا، وإنما هي من باب الخبر عن أهوال يوم القيامة، بخلاف الحديث فإنه نص في إثبات صفة الساق للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، ومن حمل مطلق الآية على القيد في الحديث فإنه يحتج بقرينة السياق
(يُتْبَعُ)
(/)
فبعد ذكر الساق مباشرة جاء ذكر السجود: (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ)، وذلك مما يواطئ لفظ الحديث، فيحمل المطلق على المقيد لاتحاد السياق.
ولا مانع من الجمع بين الحقيقة والمجاز في هذا السياق، بل ذلك مما يثري المعنى بتوارد الصورة المحسوسة: صورة التفاف الساقين، والصورة المعقولة: صورة الهول والشدة، وذلك شاهد لمن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز.
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ: فقدم ما حقه التأخير مئنة من القصر، فإلى ربك لا إلى غيره مساق المحتضر، فذلك جار مجرى قوله تعالى في أول السورة: (يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ)، فيكون ذلك من رد العجز على الصدر، و: "أل" في "المساق" جار مجرى: "أل" في الآية السابقة فإلى ربك وحده مساقه، وذلك أبلغ في الزجر، فلا ملجأ ولا منجى من الرب، جل وعلا، إلا إليه.
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى: فذلك مئنة من انتفاء الإيمان الباطن، فلا تصديق، والإسلام الظاهر: فلا صلاة، وفيه إشارة إلى دلالة الاقتران والافتراق بين الإيمان والإسلام، فعند الاقتران يختص الإيمان بالباطن، ومنه التصديق، فهو أصل الإيمان، فليس الإيمان هو عين التصديق، بل التصديق أول الإيمان، فيجب أن يكون التصديق: تصديق الجازم المنقاد لا تصديق العارف الجاحد على وزان من قال فيهم الرب جل وعلا: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)، ويختص الإسلام بالظاهر، وأعظم أركانه: الصلاة، فذلك مما قد يستدل به من يحكم على تارك الصلاة مطلقا، ولو كسلا بلا حجود، بالكفر، كما هو مذهب الحنابلة، رحمهم الله، خلافا للجمهور، فلا انقاد بباطنه فأقر وصدق، ولا انقاد بظاهره فخشع وصلى، واقتران التصديق الباطن بأداء الصلاة الظاهر جار مجرى ما سبقت الإشارة إليه مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فالتصديق الجازم بالخبر باطنا يولد لزوما انقيادا ظاهرا، فيتفق الباطن والظاهر في الدلالة، وتلك حال المؤمن، بخلاف المنافق الذي تخالف صورة ظاهره: فحوى باطنه، فاللفظ منه غير دال على معناه، والعمل منه غير دال على إرادة صالحة، بل محض صورة ظاهرة يبديها لمخالفه تقية، ولا تنفك أقواله وأفعاله، بل ولفتاته عن كاشف لحاله الباطنة، فاضح لنفاقه الأكبر الذي تمكن من قلبه فأزال أصل الإيمان منه لاستحالة اجتماع الأصلين في محل واحد، فلا يجتمع أصل الإيمان وأصل ضده من الكفران الظاهر، كما هو حال الكافر الأصلي أو المرتد، أو الكفران الباطن كما هو حال المنافق الساتر لكفره، بلفظ يبذله، وعمل يتكلفه.
وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى: فذلك مقابل التصديق والصلاة، فنقض عمل الباطن بالتكذيب فلم يصدق، ونقض عمل الظاهر بالتولي فلم يصل.
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى: فذلك مئنة من الكبر والاختيال وهو الذي لا ينفك عنه الكافر المكذب، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ)، وجاءت الحال مضارعة استحضارا للصورة ومئنة من دوام اتصاف صاحبها بها، فقيدت فعل الذهاب بقيد يستوجب لصاحبه الذم، فذلك من جنس انقلابهم في أهليهم في سورة المطففين: (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ).
أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى:
فذلك من الوعيد الذي جرى على لسان العرب، جريان المثل السائر مع لحوق ضمائر التكلم والغيبة والخطاب له، على خلاف ما يجري في بقية الأمثال التي يحكى لفظها كما ورد أول مرة.
فأولى لك فأولى: على إرادة قرب الهلاك في معرض التهديد فقد قاربك هلاكك، كما نقل ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله عن الأصمعي رحمه الله، وجعله أبو علي الفارسي، رحمه الله، من باب التفضيل فـ: أويل لك، ثم حصل فيه القلب تخفيفا، وعدل عن الغيبة إلى الخطاب لغير معين، على ما تقدم من نحو قول أبي الطيب:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكتهُ ******* وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
(يُتْبَعُ)
(/)
عدل عنه إلى الخطاب إمعانا في الزجر، ومن حمل الخطاب في هذا السياق على مخاطب بعينه هو أبو جهل، كما ورد في سبب نزول الآية، فإنه لا يمنع توجهه إلى غيره لقرينة عموم الزجر، فالأصل في نصوص الوعد والوعيد: العموم المعنوي وإن اختص اللفظ من جهة وروده بمخاطب بعينه، فذلك جار مجرى تفسير العام بذكر بعض أفراده فلا يخصصه، كما تقدم مرارا، من كلام أهل الأصول، ثم أعيد الوعيد بلفظه توكيدا يناسبه مقام الزجر.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 06 - 2010, 05:59 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى):
فذلك من الاستفهام الإنكاري الإبطالي لما بعده، فلا يخلو من إنكار على من هذه حاله، فمقالته: مقالة الدهريين الأوائل ومن سار على طريقتهم من الشيوعيين المعاصرين، ولم يسلم من ذلك كل من جوز لنفسه الخروج عن شرائع النبوات، شرائع: الوحي، فإنه يريد حرية بمعنى الانحلال والتفلت من كل شريعة، وتلك عين العبودية للهوى، فلم يستفد صاحبها إلا أن خرج من عبودية الرب، جل وعلا، المعبود بحق لكمال ربوبيته إلى عبودية هوى مضطرب، يخضع لشهوات ونزوات صاحبه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)، فكل من تكبر عن عبودية الرب، جل وعلا، أذله، بمقتضى السنة الكونية المطردة فعبد غيره إما بالفعل وإما بالقوة، كما هي حال المجتمعات الإنسانية القديمة كالمجتمع الروماني الوثني، فقد كان مفهوم الآلهة عنده وجدانيا لا تأثير له في الحياة العامة بتحليل أو تحريم، وإنما محض تصورات علمية ومدارس أرضية كالأبيقورية والرواقية.
يقول صاحب رسالة "العلمانية" حفظه الله وسدده وأتم شفاءه:
"وخلاصة القول أن الروم لم يعتنقوا دينا اعتناقاً جدياً يجعلهم يستمدون تصوراتهم وعقائدهم ونظام حياتهم منه وحده نعم كان لهم آلهة ولم تكن آلهة تقليدية، " لم تكن سوى محاكاة شاحبة للخرافات الوثنية اليونانية لقد كانت أشباحاً سكت عن وجودها حفظاً للعرف الاجتماعي ولم يكن يسمح لها قط بالتدخل في أمور الحياة الحقيقية"، (وتلك هي العلمانية الصريحة: آلهة أشبه ما تكون بالديكور تلبية لداعي الفطرة إلى اتخاذ معبود تسكن النفس، ولو ظاهرا، بالتأله له، وإذا لم يتحر المغتذي، فإنه جوفه يمتلئ بأي غذاء، ولو خبيثا، وهو ما يحصل لكل مبتغ للنجاة في غير منهاج النبوات).
وعليه نستطيع أن نجزم بأن المجتمع الروماني كان مجتمعاً مادياً لا دينياً يعانى عزلة حادة عن معتقداته – أيا كانت – وبين واقع حياته العملى.
وقد عبر "سيسرو" عن الانفصال العميق بين الدين ونظام الحياة عند الرومان بقوله: "لما كان الممثلون ينشدون في دور التمثيل أبياتا معناها أن الآلهة لا دخل لهم في أمور الدنيا يصغي إليها الناس ويسمعونها بكل رغبة"
ويقول الراهب "أوغسطين": "إن الروم الوثنيين كان يعبدون آلهتهم في المعابد ويهزأون بهم في دور التمثيل"، (وهذه حال العلمانيين المعاصرين مع أنهم قد لا يؤدون حتى الشعائر في أحايين كثيرة!).
ليس هذا فحسب، بل إن أبيقور، (ق4)، قبل الميلاد – ليعلن على الملأ دعوة علمانية صريحة، فهو يقول:
إن الآلهة لا يشغلون أنفسهم بأمور بني البشر، إنهم موجودون لأنهم يظهرون من آن لأخر للأشخاص (!) بيد أن مسائل العالم الأرضي لا تعنيهم، وما من علامة تدل على أنهم يعنون بعقاب الآثم وإثابة الصالح، أيمكن اعتقاد تدخلهم هذا ما نراه في هذا العالم؟.
(إن جوبيتير يرسل الآن بالصواعق على معبده، فهل سحق أبيقور الذي يجدف به)؟
(إن الآلهة يعيشون بعيداً عن العوالم ولا يهتمون إلا بشئونهم فلا تعنيهم أمورنا. إنهم يعيشون حكماء سعداء ويعظوننا بهذا المثال الذي يجب أن نسير على منواله فلنعظهم كمثل عليا يقتدى بها، غير أنه لا يجب علينا ان نشغل أنفسنا بما يريدونه منا، فإنهم لا يريدون منا شيئاً، هم لا يعيروننا بألا فلنفعل نحوهم كما يفعلون نحونا) ". اهـ
بتصرف من: "العلمانية"، ص54، 55.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهل هذا إلا عين الدين الوجداني الذي يظل حبيس القفص الصدري كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين.
ولعل ذلك سر ذيوع مذهب العلمانية المعاصرة في المجتمعات الأوروبية، وقبول أفرادها له على هذا النحو، فله جذور فكرية عميقة في النفسية الأوروبية التي لم تنجح النصرانية بعد تحريفها في تعريفها المعنى الحق لقضية الألوهية: القضية المصيرية الأولى في حياة أي مكلف، فلم تخرج النصرانية بعد ورود التحريف عليها، وخضوعها لسلطان السياسة كما قد جرى في مجمع "نيقية"، لم تخرج عن كونها صورة مهذبة من وثنية روما الأولى، فالدين في جملته: فرض عقلي محض لقضية محالة عقلا لما يلزم منها من وصف الرب، جل وعلا، بالنقص المطلق، وذلك من المحال الذاتي بمكان، بل ضده من اتصاف الرب، جل وعلا، بالكمال المطلق هو الواجب الذاتي الذي تثبته عقول الأسوياء ضرورة لا تفتقر إلى استدلال، بل هي، عند التحقيق، مقدمة بدهية يستدل بها في معرض إثبات الألوهية، فكمال الرب، جل وعلا، يدل بداهة، على وجوب إفراده بالعبودية، فتلك الصورة العقلية المحالة التي أضرت بالعقل الأوروبي النصراني، فأصابته باضطراب فكري، جعله يحصر مفهوم التدين في نفس الزاوية العقلية الضيقة التي حصره فيها العقل الأوروبي الروماني، فليس الدين إلا سلوكا فرديا من جهة التصور أو الشعائر أو الأخلاق، فلا يمس الشأن العام بتشريع ملزم يستند إلى وحي محكم يحل ويحرم، ويثيب ويعاقب في الدنيا والآخرة، فليس كالتشريع الأرضي الذي لا يعنى إلا بتقرير العقوبات العاجلة حفاظا على النظام العام دون أن ينمي في أفراد المجتمع ملكة المراقبة لله، عز وجل، ملكة: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)، وملكة التقوى للعذاب الآجل فهو أعظم قدرا ووصفا من العذاب العاجل، فلم يعد للدين قدسية في النفوس، كما هي حال كثير ممن أعرض عن اتباع الشرع المنزل، فذل وخضع لأحكام وأهواء الشرع المبدل، فمن خضوع لأمر المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصفه المبلغ عن ربه، جل وعلا، فهو، صاحب الرسالة، إلى خضوع لأمر أصحاب الأهواء من الشرق والغرب، أو من أي مصر، فإن ذلك، نوع عبادة، وإن لم تكن عبادة صريحة كالعبادة المعهودة التي صارت في ذهن أهل الأعصار المتأخرة تقتصر على الشعائر التعبدية المحضة من صلاة وزكاة وصيام وحج، فتلك ينكر كل ذي فطرة سوية، فضلا عن عقل وديانة، ولو رقيقة، ينكر صرفها لغير الرب، جل وعلا، فذلك مما ينكره كل عقل له من القياس الصحيح أدنى قدر، وإن صرفها كثير من أهل هذا العصر لغير الله، عز وجل، إما مباشرة، كحال كثير من نساك ورهبان الأمم، ومن حج إلى المعابد والمشاهد، وهل يعقل أن يكون أهل التكنولوجيا من الشرق الأدنى، مع عظم مدنيتهم ودقة صناعاتهم، عبادا لصنم لبوذا تغضب له النفوس وتحمر له الأنوف؟!، وذلك دليل على الفرقان العظيم بين الحضارة بمعناها الإنساني، فتلك لا تكون إلا فرعا عن ديانة صحيحة لم تنلها يد التحريف، وليس ذلك في زماننا إلا للنبوة الخاتمة التي صدقت ما قبلها من النبوات، وورثت خلاصة علومها وأعمالها، بل قد زادت عليها البيان لمجمل الأخبار، والتفصيل لشرائع الأحكام فأحكامها على رسم الوسطية قد نزلت، فجمعت بكمالها جلال وجمال الشرائع السابقة، فنسخت بأحكامها ما تقدمها، وجاءت مصدقة بنفسها لبشرى الرسالات بها، وجاءت مصدقة لأخبار ما تقدمها من الرسالات، فتلك هي الحضارة الإنسانية بمفهومها الصحيح، لا المدنية التي أثرت البشرية باكتشافات صارت وبالا عليها لما تملكتها أيد لم يسلك أصحابها مسلك النبوة، فاستعملت النعم في حرب دين من أنعم بها، تبارك وتعالى، بل قد استعملت في إفناء النوع الإنساني عموما!، وذلك فرقان بين النبوة وسائر المناهج الوضعية التي أحدثها البشر، إما عبادات محضة وإما شرائع ملزمة لأتباعها، فالبدعة بمفهومها الاصطلاحي الواسع تعم سائر ما أحدث في الشرائع والأحكام، فمنها البدع العلمية في الاعتقاد، ومنها البدع العملية في الشرائع التعبدية، ومنها البدع في الشرائع الحكمية، ومنها البدع في السياسات الجائرة التي يحدثها المتملكة صيانة لممالكهم ولو على غير رسم الخلافة للنبوة العاصمة، ومنها البدع في الأخلاق
(يُتْبَعُ)
(/)
والسلوك بسن طرائق التزكية الغالية كما هي حال غلاة المتنسكة من سائر الأمم، فالغلو من طبائع البشر، وردود الأفعال غالبا ما تتسم بالانفعال والارتجالية فتخرج عن شرائع السماء بزيادة ما لم يأذن به الله، عز وجل، من الشرع، وذلك معنى جامع ترد به سائر المحدثات في الديانة، فيقال لكل محدث: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، فكلمة الدين تعم سائر أمور الديانة من العلوم والأعمال والأحكام والسياسات والأخلاق.
فجاء الاستفهام إنكاريا كما تقدم، فـ: أيحسب، والحسبان هنا ينزل منزلة العلم، وهو مظنة اليقين، فذلك آكد في الإنكار عليه، إذ قد فسد تصوره، فظن أنه قد خلق سدى فلا يؤمر ولا ينهى، وذلك ما يلائم كثيرا من أصحاب الأهواء والشهوات، فلا يروق له إله معبود يأمر وينهى بمقتضى كمال ربوبيته، فحكمه الشرعي ملزم لمن خلق، فيريد المخلوق أن ينازع خالقه وصفه، فيحل ويحرم ما يشاء، وذلك من الفساد بمكان، وكثير يرضى بأن يصرف الشعائر للرب، جل وعلا، ويأبى أن ينقاد لحكمه، بل قد أبى بعضهم حتى التعبد له، جل وعلا، بما سن من الشرائع، فزاد فيها ونقص، ورام إبطالها، فأنكر وجوب بعضها، وشكك في مشروعية بعض، وتلك صورة متقدمة من صور العلمانية المتطرفة التي رامت اقتلاع الإسلام من جذوره، بتبديل شرائعه المعلومة من الدين بالضرورة لكل مسلم، بل قد علمها كثير من الكفار الأصليين بحكم الجوار والمخالطة للمسلمين، فبرسم التجديد تهدم الديانة، وبرسم الحوار تزعزع الثوابت في النفوس، فتزول الحواجز بين المسلم والكافر، وهي حواجز طبيعية لا تقبل الإزالة، فأي متباينين في الفكر والتوجه، ولو في غير أمور الديانة، يقع بينهما من التنافر، ما تحصل به المفاصلة فالمواجهة لزوما، فالتدافع سنة كونية جارية يروم كثير من المفتونين إبطالها، بنزع الحمية الطبعية التي تحفظ للقلب حياته، ولو زالت من نفس صاحب الحق، فلن تزول من نفس صاحب الباطل، فهو يرى ما عليه حقا، فينتصر له بقلبه وجوارحه، فإن لم يمتثل المحق لسنة التدافع، فإن المبطل لن يخالفها، بل هو بها يستمسك، وعليها يحرص، لحفظ هويته الفكرية، كما يقع في زماننا من الغرب الذي انتفض لطرد الإسلام الزاحف من الجنوب، بحرب مظاهره، والطعن في ثوابته، فالحد من حريات التعبد، ولو على المستوى الفردي، صورة من صور التدافع بين القبيلين، مع كون القبيل الشمالي يزعم لنفسه الحرية والمدنية التي تكفل لكل إنسان اختيار دينه، ولو اختار أن يكون ملحدا بلا دين، واختيار ردائه، ولو اختار أن يكون عاريا بلا رداء!، وتلك حرية مكفولة لكل الملاحدة والعراة، وليس لأهل الدين والحشمة منها نصيب، حتى في بعض أمصار المسلمين، التي تحارب صور التدين العام والخاص، وتسن القوانين التي تحد من أثره وتضيق على أهله، فلا بد من وقوع هذا التدافع، فهو مما جبلت عليه النفوس، فلا ينكره إلا من تجمدت دماء الحياة في عروقه، فأصابته دياثة فكرية لا يسلم منها غالبا سلوكه العام، فمن قلت غيرته في أمر الديانة، وهي أعظم ما يغار عليه، قلت ديانته في أمر الأخلاق وفي سائر أمور الحياة، فلا تجد إلا ميوعة الفكر والطبع، فحمية الشرع قد بردت في قلبه، مع كونه يدعي لنفسه صفة الإسلام، بل والتجديد فيه!، وهو محض متسول لأفكار وأموال أعداء الملة الخاتمة، فينتحل نحاتة أذهانهم، ويتسول من أموالهم ميزانيات مشاريعه الفكرية الهدامة التي تعمل تحت ستار أدبي جذاب، فمؤسسات بحث فكري، وصحف، ودوريات، ولجان تطوير للمناهج ...... إلخ، فمراد الآخر المزعوم نزع جذور الديانة من قلوب المسلمين، وإخراجهم من دائرة الإسلام الحقيقي، إلى إسلام هلامي لا تعرف له حدود وأركان فقد أصابته ميوعة، فلم يعد الناظر فيه يعرف الحد الفاصل بين المسلم والكافر، وفي المقابل يعزز الآخر ثقافته في قلوب أتباعه، بل يشن الحرب الفكرية والعسكرية على من يأبى الانقياد لمقرراته، فيروم فرض أفكاره على غيره فرضا، فميوعة برسم التسامح في الجنوب، وتعصب برسم الحفاظ على الهوية في الشمال، وذلك من الكيل بمكيالين، الذي كال به الغرب النصراني سائر مسائله الخلافية مع الشرق المسلم من لدن الحروب
(يُتْبَعُ)
(/)
الصليبية الأولى إلى يوم الناس هذا، فالإنسانية والمحبة للآخر، ولو كافرا زنديقا، واستيعاب الثقافات المشوهة وتقبل حامليها من المصابين بفيروسات فكرية قاتلة أثرها على الأديان أعظم من أثر فيروسات الأمراض الفتاكة على الأبدان، كل ذلك لا يروج له فقط إلا في الشرق المسلم، فهو الوحيد المأمور دوليا بتقبل الآخر!، والاندماج في حضارته ولو خالفت الوحي المنزل، وإدماج مقرراته في مقررات الإسلام، بتقريبها إلى الديانة تحت أسماء خداعة من قبيل: التسامح والبر بالمخالف .... إلخ، والبر بالمخالف أمر قد قرره الوحي بقيد: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ [/ COLOR] أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، وذلك قيد لا وجود له في الصراع المحتدم الآن بين الحضارة الإسلامية، والحضارة الغربية العلمانية فكرا، النصرانية ديانة، في مزيج عجيب يدل على مدى الاضطراب الفكري الذي يعاني منه العقل الأوروبي، [ COLOR="Blue"] فالجمع بين العلمانية في السلوك الفردي والنصرانية في السلوك الجماعي لا سيما في الصراع مع الشرق المسلم الذي لا يجد الغرب لواء غيره ليجمع أفراده تحته في حربه التاريخية الضروس مع الإسلام، ذلك الجمع بين هذين المتناقضين يصيب العقل الأوروبي بالحيرة، فهو مادي ملحد في باب، مؤمن بل متعصب في آخر!، والصراع لم يتوقف من لدن بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يوم الناس هذا، ولن يتوقف بمقتضى سنة التدافع الكونية، فغايته أن تهدأ حدته حينا بهدنة مؤقتة في جبهة فكرية أو عسكرية دون أخرى، فالغارة مستمرة، بل قد زادت حدتها بسقوط الخلافة العثمانية وزوال المنصب الروحي الجامع لشتات القلوب، وليس من العدل رد الظلم بالظلم، بل العدل مراد الشارع، عز وجل، فهو واجب على كل أحد لكل أحد، ولكن العدل لا يصير عدلا إن خرج عن حده الجامع المانع فصار مرادفا للميوعة والجهل برسم الحلم في غير موضعه فـ:
وضع الندى في موضع السيف بالعلي ******* مضر كوضع السيف في موضع الندى.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 06 - 2010, 05:58 ص]ـ
ومن قوله تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى:
فتسلط الاستفهام على النفي ينزل منزلة الإثبات، فنفي النفي إثبات، فذلك، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، آكد في تقرير المعنى فكأن المتكلم ينكر في معرض الاستفهام توسعة على المنكر إن أراد الإنكار، ومع ذلك يقر المنكر لقوة الدليل ووضوح وجه الاستدلال، فلا يملك إلا توكيد ما وسع له فيه المتكلم لينكره، فإنكاره ينقض أي قياس صريح، فيرد عطية المتكلم بنفسه، حفظا لماء وجهه، لئلا يوصم بفساد القياس واضطراب العقل بإنكار معلوم ضروري، لا ينكره إلا جاهل أو مسفسط.
فذلك نوع من استدراج المخاطب ثقة في عدم قدرته على الإنكار، فيظهر المتكلم نوعا من الإنصاف ليحمل المخاطب على الإقرار بنفسه، فذلك آكد في إقامة الحجة الدامغة على الخصم ودحض كل شبهاته الواهية، فمن ذلك قوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، والمهتدي والضال قد عرف ابتداء، بالدلائل النقلية والعقلية، وإلى طرف من ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:
"فلما ذكر ما دل على وجوب توحيده وبيان أن أهل التوحيد هم على الهدى وأن أهل الشرك على الضلال قال: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
يقول إن أحد الفريقين أهل التوحيد الذين لا يعبدون إلا الله وأهل الشرك لعلى هدى أو في ضلال مبين.
وهذا من الإنصاف في الخطاب الذي كل من سمعه من ولي وعدو قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك كما يقول العادل الذي ظهر عدله للظالم الذي ظهر ظلمه: الظالم أما أنا وإما أنت لا للشك في الأمر الظاهر ولكن لبيان أن أحدنا ظالم ظاهر الظلم وهو أنت لا أنا". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 91، 92).
(يُتْبَعُ)
(/)
ونكرت النطفة تحقيرا، فضلا عن دلالتها المعجمية فالنطفة مئنة من القطر، والقطر غالبا ما يكون حقير الجرم، فذلك آكد في بيان الحجة في معرض قياس الأولى في إثبات النشأة الآخرة، فثبوتها آكد من باب أولى قياسا على النشأة الأولى، فمن خلق من نطفة مذرة يستقذر الإنسان علوقها بثيابه، قادر على الإعادة من باب أولى، فذلك جار على ما تقدم مرارا من تقرير الربوبية في معرض إقامة الحجة على الكافر المنكر للألوهية، فالسياق، كما تقدم، قد اطرد في بيان إقامة الحجة على الكافر على ما تقدم من دلالة: "أل" العهدية في الإنسان.
و: "من": جنسية بيانية فجنس النطفة من المني الذي يراق، وعليه خرج بعض أهل العلم تسمية: "منى" بهذا الاسم، فالدماء فيها تراق، فيكون علما منقولا، واعترض صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، على ذلك فجعل تسمية منى من باب العلم المرتجل كسعاد وأدد، كما نص على ذلك صاحب "الألفية" رحمه الله، والتذييل بالحال على جهة المضارعة آكد في تقرير المعنى، ثم جاء العطف على جهة التراخي، مئنة من الترقي في الرتبة، فكان علقة من دم جامد يعلق بجدار الرحم، فخلقه الرب، جل وعلا، وسواه، فذلك، أيضا، جار مجرى رد العجز على الصدر فالتسوية في آخر السورة مطلقة، وفي أولها مقيدة بـ: "البنان"، فيكون ذلك جار مجرى العموم بعد الخصوص، فهو آكد في تقرير المعنى الذي تظهر به آثار قدرة الرب، جل وعلا، على الخلق تقديرا والتسوية إبداعا وتصويرا، ويقال من جهة الأخرى بأن التسوية المطلقة مجملة المعنى، فجاء بيان طرف منها بالتذييل بقوله تعالى: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)، فجعل من المني أو من جنس الإنسان الذي تكرر ذكره في السورة في معرض التوبيخ لإنكاره البعث والقيامة، جعل منه الذكر والأنثى فبلقائهما يحفظ النوع الإنساني بما يتولد منه من أجنة في أرحام الإناث.
فأطنب في بيان أطوار الخلق من النطفة إلى العلقة إلى الخلق في الأرحام وتسوية الهيئات إلى التنويع في الأجناس إلى ذكور وإناث، فذلك، جار على ما تقدم، من قياس الأولى، فمن هذا وصفه يقال في حقه: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)، فذلك جار مجرى ما تقدم من استنطاق الخصم بالحجة، بعد إقامة الأدلة النقلية الصحيحة والبراهين العقلية السالمة من المعارضة، فإن من بدأ الخلق على هذا النحو المحكم، فقدر في الأزل، وأنشأ من العدم، وسوى الخلق فقومه، قادر، من باب أولى على إحياء الموتى، وقد جعل صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، ذلك من باب التذييل بالعموم فـ: "الموتى" جمع محلى بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية، وذلك من صيغ العموم في لسان العرب، كما قرر ذلك الأصوليون، بخلاف "أل" العهدية في "الإنسان" فهي مئنة من خصوص نوع بعينه هو الكافر ذكرا كان أو أنثى، على ما اطرد في خطاب الشارع، عز وجل، من عموم التكليف لكلا الجنسين إلا ما ورد الدليل على اختصاصه بجنس بعينه، فيكون ذكر العموم في: "الموتى" بعد الخصوص في "الإنسان" من باب التذييل بالعموم بعد الخصوص إمعانا في تقرير المعنى، فالبعث عام في كل حي، مؤمنا كان أو كافرا، وإنما اختص الكافر بالجدال لإنكاره، بخلاف المقر، فثبوت البعث في حقه قد تقرر من باب أولى.
وقد ورد الدعاء بعد هذه الآية بـ: "سبحانك فبلى"، ونص الحنابلة، رحمهم الله، على سنية ذلك في الفرض والنفل معا، فالأصل التساوي بينهما إلا ما ورد الدليل بالتفريق فيه.
والله أعلى وأعلم.
ـ[الياسين]ــــــــ[22 - 06 - 2010, 06:06 م]ـ
وتعدي الفعل بـ: "إلى" رافع لاحتمال الرؤية العقلية
وماذا تقولون في قوله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الغاشية17 هل (إلى) هنا رفعت احتمال الرؤية العقلية؟!
وماذا تقولون في قول شاعرالنبي حسان بن ثابت:
وجوه يوم بدر ناظرات إلى الرحمن يأتي بالخلاص وفي رواية بالفلاح
ولكم بالغ الشكر والتقدير
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 06:38 ص]ـ
جزاك الله خيرا أيها الكريم على التنبيه، ولك بالغ الشكر والتقدير.
ذكر صاحب اللسان ما ملخصه أن التعدي بـ: "إلى" يحتمل أيضا، الرؤية العقلية، وإن كان المتبادر إلى الذهن منه الرؤية البصرية، فيكون ظاهرا راجحا في رؤية البصر فلا زال احتمال النظر العقلي قائما، فإذا أضيف إلى الاحتمال الراجح قرائن من قبيل تعليق النظر بالوجه، فآلة البصر المحسوس وهي العين فيه، وما ينفي احتمالا من قبيل حمل النظر على الانتظار لأنه لا يتعدى بـ: "إلى" أو "في" فضلا عما في الانتظار من تنغيص لا يناسب دار النعيم الخالص، وما تواتر من نصوص مثبتة للرؤية على وجه غير محتمل كحديث: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا"، إذا أضيف كل ذلك إلى الاحتمال الراجح وهو رؤية البصر فإنه يرفع الاحتمال المقابل، فيصير لفظ النظر هنا نصا جازما في رؤية البصر.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الياسين]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 10:34 م]ـ
ولماذا لا تكون الرؤية في الحديث بمعنى الرؤية العلمية، ويقصد به المعرفة لله سبحانه معرفة يقينية، فلا أريد أن أذهب بحلاوة طرحكم إلى مناقشة مسألة الرؤية من عدمها في الإسلام، ويكفينا آية من محكم كتابه حيث قال: (لا تدركه الأبصار وهو ويدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) فهل الله هنا يمدح نفسه؟ إن كان ذلك فكيف يحصل خلافه في الآخرة، إن كنتم ترون أن الرؤية نعمة أكبر فأقول: الله سبحانه يقول: (ورضوان من الله أكبر) بعد ذكر عظيم نعيمه على عباده، المهم في هذا أن ننظر في مآل كلامنا، ماذا يعني لكم الإيمان بأنكم سترون الله؟، بمعنى هل لهذه الثقافة أثر في حركة الإنسان في الحياة؟
كل هذا يحتاج إلى تأمل منا جميعا، لا أود أن نأخذ المسألة كجدل، بل أود أن نأخذها على أنها مسألة يبنى عليها معرفتنا بالله، وفقنا الله لتنزيهه عن كل ما يلزم منه نقص في حق كماله، إنه ولي المؤمنين والهادي سبيل المهتدين ...
ـ[الياسين]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 03:27 م]ـ
ما قولكم في معنى النظر المتعدي بإلى في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} آل عمران77
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 07 - 2010, 06:46 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذه الملاحظات.
الإدراك المنفي في الآية من جنس الإدراك المنفي في قوله تعالى: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فلا يلزم من نفي الإدراك نفي الرؤية، فتراءى الجمعان ولم يدرك جمع فرعون جمعَ موسى عليه السلام، نعم إدراك العبد للرب، جل وعلا، الذي لا تحده العقول أو الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، نعم ذلك مما يتنزه عنه الرب، جل وعلا، ولكن لا يلزم من ذلك نفي رؤيته، فالعين، كما أثر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قد ترى الشيء وهي مع ذلك لا تدركه بمعنى أنها لا تحيط به، كالسماء التي نراها ولا ندركها ببصرنا المحدود ولله المثل الأعلى، فليس في رؤية الرب، جل وعلا، نقص يتنزه عنه، لأنها رؤية تنعم لا إحاطة، فأي نعمة أعظم من نعمة رؤية الرب، جل وعلا، في دار النعيم، بل إن رؤيته هي أشرف أجناس اللذات فبها يقع تمام العلم به جل وعلا وهو المعنى الذي ذكرته، فأعلى درجات العلم رؤية الشيء، أو على الأقل هو أعلى من اليقين العلمي، فقد أثبت في مداخلتك اليقين العلمي فذلك محل اتفاق، وزاد من يثبت النظر درجة أعلى فهو متفق معك في درجة اليقين، ولكنه بإثبات النظر قد زاد عليك درجة فبلغ عين اليقين، أفليس ذلك مما يؤثر في حركة الإنسان في درجة الابتلاء شوقا إلى رؤية الرب، جل وعلا، في دار النعيم: رؤية تنعم، وهي التي يحجب عنها الكفار، فمجرد عدم التسوية بين الفريقين في الحكم باختصاص المؤمنين بالرؤية فهي تأويل ما آمنوا به في الدنيا، وإن لم يروه، دون الكافرين الذين حرموا في المقابل من رؤية من كفروا به في الدنيا، فالجزاء من جنس العمل، مجرد عدم التسوية بينهما في الحكم فرعا عن عدم تساويهما في الإيمان في دار الابتلاء، مجرد ذلك حكمة عظيمة فهي مئنة من كمال عدل وحكمة الرب جل وعلا فلم يسو بين المتباينين، بل لكل حكمه الملائم لحاله، فيرى من آمن، ولا يرى من لم يؤمن فهذا قياس عقلي صريح، في الأمر لو تأملت أيها الفاضل: حكم كثيرة كلها تقريبا تصب في قناة كرم الرب، جل وعلا، على عباده، برؤيته، وعدله وحكمته بجزاء كل بما يلائم حاله في الدنيا إيمانا أو إعراضا.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعض أهل العلم حمل نفي الإدراك في قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، على نفي الرؤية العينية فعلا، ولكن في دار الدنيا خلافا لمن غلا في هذا الباب _ لا سيما من أهل الطريق أصحاب الكشوفات _ فجوز رؤية الباري، عز وجل، في هذه الدار بالعين، وجوز رؤية الأنبياء عليهم السلام يقظة على ما قد اشتهر من أمرهم، وهو خلاف ما عليه جمهور المسلمين في هذا الباب.
ولدار الآخرة أحكام تباين دار الدنيا فليس كل ما لم يجز في هذه الدار لا يجوز في دار الجزاء، بل لدار البرزخ وهي دون دار الجزاء أحكام تباين دار الابتلاء التي نحن فيها، فهناك أمور كثيرة لا ندركها ولا نشعر بها في هذه الدار ندركها في دار البرزخ، فليس معنى امتناع رؤية الرب، جل وعلا، في هذه الدار، ليحصل الابتلاء بالإيمان بالغيب، ليس معنى ذلك امتناعه في دار النعيم، فهي ليست دار تكليف بل هي دار جزاء، فيكون جزاؤهم أن آمنوا بالرب، جل وعلا، ولم يروه، يكون جزاؤهم على ذلك أن يروه، فذلك، جار على ما تقدم من معنى العدل الإلهي بتوفية العامل أجره فآمن بما لم يره فاستحق رؤيته على جهة التنعم دون أن يلزم من ذلك إثبات نقص يتنزه عنه الرب جل وعلا لأن الأمر كله يدور في فلك: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فلم يقل المثبت بأن ذات الرب، جل وعلا، ثماثل أو تشبه في حقيقتها القمر مثلا أو أي ذات أخرى تمكن مشاهدتها بالعين، فالتشبيه في نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أما إنكم سترون ربكم عز و جل كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، تشبيه رؤية برؤية لا مرئي بمرئي، فالرب، جل وعلا، منزه عن قياس التمثيل أو الشمول، فليست حقيقة ذاته القدسية وصفاته العلية كحقيقة ذواتنا وصفاتنا الأرضية لمجرد الاشتراك في الاسم والمعنى الكلي المطلق للصفات من قبيل سمع وبصر وعلم ويد وعين ووجه ...... إلخ، فذلك لا يلزم منه الاشتراك في الحقيقة، فإذا أمن التشبيه والتكييف في هذا الباب فما المانع من إثبات كل ما أثبته الرب، جل وعلا، لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتحمل الأخبار في هذا الباب على ظاهرها اللائق بجلال الله، عز وجل، بنفي الاشتراك بين صفات الرب، جل وعلا، وصفات المخلوقين في الحقائق الخارجية وإن حصل الاشتراك في المعاني الكلية المطلقة التي لا توجد إلا في الأذهان من قبيل ما تقدم من معاني: العلم والسمع والبصر والعين والوجه واليد ....... إلخ.
والأمر يتطلب جمع أدلة الباب فلا يمكن الاكتفاء بدليل واحد بحمله على وجه فيه نوع تشابه دون رده إلى المحكم الذي لا يتصور إلا بالنظر في كل الأدلة لتكتمل صورة الاستدلال، ففي الآية التي تفضلت بعرضها في المداخلة الثانية، وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ): كلام جمهور المفسرين بما فيهم أصحاب الاتجاه النقلي كالطبري وابن كثير، رحمهما الله، يدل على معنى التعطف، فلا ينظر إليهم بعين العطف والرحمة، وهو معنى علمي، ولكنه لا ينفي النظر الحقيقي، بل هو لازم من لوازمه، فيكون ذلك من قبيل التفسير باللازم، فلا يلزم من ذلك نفي الأصل، وهو النظر بالعين، بل حتى في عالم الشهادة، ولله المثل الأعلى، يكون الإعراض عن النظر إلى الإنسان بالعين دليلا على البغض والكره، فيقول المعرِض: لا أطيق النظر إلى فلان، وهو يعني أنه يبغضه بغضا شديدا، ومع ذلك لا يلزم من ذلك نفي المعنى الأصلي للنظر وهو النظر بالعين، بل غالبا ما يتلازم الأمران، فلا ينظر الإنسان إلى من يكرهه لا بعينه ولا برحمته وشفقته، ولله المثل الأعلى، فما المانع من حمل الآية على هذا المعنى، لا سيما أن من فسر باللازم لم يلتزم نفي الأصل فينفي الرؤية الحقيقية لما يلزم من ذلك من لوازم قياس التمثيل الذي يقتضي تشبيه الخالق، عز وجل، بالمخلوق،
(يُتْبَعُ)
(/)
وذلك باطل بداهة، بل، كما تقدم، لكلٍ وصفه الذي يلائم ذاته، فليس وصف الخالق، عز وجل، الكامل كوصف المخلوق، والسياق أصل في معرفة المراد من اللفظ في السياق الذي يرد فيه بعينه، كما في هذه الآية، فإن السياق لما كان سياق وعيد ناسب ذلك حمل النظر المنفي على نظر العطف والرحمة والرعاية، فنفي تلك المعاني من لوازم الوعيد، ولذلك نظائر في التنزيل يكون السياق فيها هو الفيصل في تعيين المعنى دون أن يكون في ذلك تأويل، ودون أن يلزم من ذلك نفي أصل الصفة، كما في قوله تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، فالسياق سياق امتنان على الكليم عليه السلام، فناسب ذلك حمل العين هنا على عين الرعاية بدليل ما تقدمها: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)، دون أن يلزم منه نفي صفة العين بل تثبت هي الأخرى لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، فيكون تفسيرها هنا بلازم من لوازمها وهو الرعاية لقرينة السياق، كما تقدم، ويثبت أصل الصفة بجمع أدلة الباب من الكتاب والسنة والتي دلت على إثبات الصفة لله، عز وجل، على جهة الحقيقة، فينتهي الإشكال بحمل المتشابه على المحكم والنظر في الأدلة مجتمعة.
ومن مأثور كلام السلف، وإن كان سنده ضعيفا، ولكنه يفيد في هذا السياق، قول الحسن رحمه الله:
لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا.
فأي حرمان _ أجارني الله وإياك وكل المسلمين منه _ أعظم من الحرمان من رؤية الرب، جل وعلا، فهي من أعظم الدوافع لعمل الطاعات رجاء بلوغ تلك النعمة العظيمة. ولو لم يرد النص على ذلك لألح العقل في طلبه، وإن كان هذا الباب خبريا محضا لا دور للعقل فيه إلا التسليم بما يأتي به النقل الصحيح، ولكن العقل بالفعل لا يمنع بل يستحسن أن يثيب الرب، جل وعلا، من آمن بالغيب الذي لم يره بأن يراه، فذلك الجزاء الملائم له، فإذا احترز في ذلك من تشبيه الرب، جل وعلا، بخلقه، أو توهم إحاطة المخلوق به ..... إلخ من المعاني الباطلة، فضلا عن ورود النص بذلك، وهو عمدة هذا الباب كما تقدم، فما المانع من إثبات الرؤية فهي لا تتعارض مع المعنى العلمي الذي يثبته من أولها بالعلم، بل هي، كما تقدم، علم وزيادة، يرتقي صاحبها من درجة العلم بالله على جهة الغيب في هذه الدار، فيكون جزاء ذلك: العلم به برؤيته على جهة الشهادة في دار النعيم، إن من يثبت الرؤية على جهة الحقيقة، يزداد رسوخا في باب العلم بالله الذي هو محل اتفاق بين كل المسلمين، فعلمه بالله، عز وجل، يزداد في الدار الآخرة بحصول الرؤية الحقيقية فضلا عن أنه يملك حافزا لا يملكه غيره، ولذلك استعمله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحض على صلاة الفجر وصلاة العصر.
وإثبات الرؤية، عند التدبر والنظر، إثبات لكمال الرب، جل وعلا، لأن من يُرى أكمل ممن لا يرى، فمن يرى له أوصاف، ومن لا يرى هو أشبه بالعدم الذي لا وصف له، فيكون قريبا من الوجود المطلق الذي أثبته الفلاسفة في هذا الباب، وهو عين العدم لو تدبر الناظر فيه فليس له أي وصف يخرجه من حيز التصور العقلي إلى حيز الحقيقة!.
وطالما التزم الإنسان: الإثبات بلا تمثيل والتنزيه بلا تعطيل فهو في أمان في هذا الباب الجليل.
وعذرا على الخروج عن موضوع النقاش فليس هذا من أهداف المنتدى الرئيسة ولكنها مدارسة قد تفيد إن شاء الله.
وجزاك الله خيرا، مرة أخرى، على ملاحظاتك.
ـ[الياسين]ــــــــ[04 - 07 - 2010, 06:53 م]ـ
إليكم هذه المدارسة المفيدة
ـ[الياسين]ــــــــ[04 - 07 - 2010, 06:55 م]ـ
من العجيب أن تقوِّلوا الآية ما لم تقله، هل قالوا إنا لمدركون بالأبصار أم قالوا إنا لمدركون فحسب، وهل خشي أتباع موسى عليه السلام إلا أن يلحقهم فرعون فيحيطوا بهم فيصبحوا تحت عذابه، فقال لهم نبي الله الواثق بربه: كلا، كلا إنهم لن يلحقوا بنا فيقبضوا علينا كما تظنون، بل الله سيهدينا إلى مخرج و فرج من فرعون وقومه .. فكيف تقولون بأن نفي الإدراك في هذه الآية هو شبيه بنفي الإدراك في هذه الآية؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
وما ذهبتم إليه هو ما اعتمده ابن جرير الطبري بالتفريق بين الرؤية والإدراك على قوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} حيث نفى موسى ما توقعوه من إدراك عدوهم مع أن الترائي حصل بين الجانبين وتابعه ابن حزم. انظر الفصل في الملل والأهواء 3/ 2 ط مكتبة السلام العالمية.
لكن الحافظ ابن حجر العسقلاني نقله عن القرطبي صاحب المفهم وتعقبه الحافظ بقوله: ((وهو استدلال عجيب لأن متعلق الإدراك في آية الأنعام: البصر، فلما نفي كان ظاهُرهُ نفي الرؤية بخلاف الإدراك الذي في قصة موسى ولولا وجود الأخبار بثبوت الرؤية ما ساغ العدول عن هذا الظاهر)) انظر فتح الباري 8/ 607 المطبعة السلفية.
فها هو ابن حجر يستنكر ما ذهب إليه ابن جرير مع أنه يوضح بأن وجود الأخبار في ثبوت الرؤية لا يسوغ العدول عن ظاهر الكلام.
وعليه فإن الإدراك يتفاوت معناه بحسب تفاوت أنواع المدرِكات ـ بالكسر ـ فإدراك العين رؤيتها للشيء، وإدراك الأذن سماعها للصوت، وإدراك اليد حسيسها للجسم، وإدراك السيف وقعه على المضروب، وإدراك السهم إصابته للمرمى، وإدراك الرمح إصابته للمطعون، وإدراك العدو لعدوه تمكنه منه وقدرته على إنزال السوء به. وأصحاب موسى عليه السلام ما كانوا يتوقون مجرد رؤية عدوهم لهم وإنما كانوا يحذرون من تمكنه منهم.
قلتم: (فالعين، كما أثر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قد ترى الشيء وهي مع ذلك لا تدركه بمعنى أنها لا تحيط به، كالسماء التي نراها ولا ندركها ببصرنا المحدود ولله المثل الأعلى)
هل السماء لا تدركها الأبصار كما الله لا تدركه الأبصار؟ وما الفرق؟
وهل أحد في الوجود يقدر على أن يدركني ببصره بمعنى أن يحيطني؟!! إذن أنا لا تدركني الأبصار فهي لا تحيط عند رؤيتها لي إلا ما انعكس من الضوء من على جسدي وملابسي ولا تحيط بي عن يميني وشمالي وقدامي وورائي أليس كذلك؟!!!
قلتم: (فليس في رؤية الرب، جل وعلا، نقص يتنزه عنه، لأنها رؤية تنعم لا إحاطة، فأي نعمة أعظم من نعمة رؤية الرب، جل وعلا، في دار النعيم، بل إن رؤيته هي أشرف أجناس اللذات فبها يقع تمام العلم به جل وعلا وهو المعنى الذي ذكرته)
ألم يقل الله سبحانه: {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة72
أليس رضوانه أكبر كما علمنا سبحانه وفوز عظيم، فمن أين جئتم بالقول إنه أعظم نعمة؟!!
وهل أشد عذاب هو عدم رؤيته- تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -؟!!
وثنيتم بالقول: (فأعلى درجات العلم رؤية الشيء، أو على الأقل هو أعلى من اليقين العلمي)
هذا يناقض ما قلتموه، فلقد قلتم عن قريب: (إنها رؤية تنعم لا رؤية إحاطة) فها أنتم الآن تقولون إن الرؤية أعلى درجات العلم، فما علاقة رؤية التنعم بالعلم هل تفيد علما، فالله يقول (ولا يحيطون به علما)!!
ومن ثم أليس نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت، مؤديا إلى اليقين وهو ما وصل إليه الرسول الكريم؟!!
ثم هل طواغيت الكفر كأمثال أبي جهل و أبي لهب في ذلك اليوم يوم تبلى السرائر لا يعرفون الله ولا يؤمنون بأنه خالق السماوات والأرض محيي العظام وهي رميم؟؟!! أم أنهم في قمة اليقين بأن الله سبحانه خالق السماوات والأرضين محيي العظام وهي رميم، وأشد ما يفتقرون إليه حينها ليس النظر إلى الله –تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- بل هم في أمس الحاجة إلى رضوان الله عليهم بإخراجهم من لظى نزاعة الشوى!!
تأملوا في كلامكم جيدا: (فليس معنى امتناع رؤية الرب، جل وعلا، في هذه الدار، ليحصل الابتلاء بالإيمان بالغيب، ليس معنى ذلك امتناعه في دار النعيم، فهي ليست دار تكليف بل هي دار جزاء، فيكون جزاؤهم أن آمنوا بالرب، جل وعلا، ولم يروه، يكون جزاؤهم على ذلك أن يروه، فذلك)
أرجوكم أن تسمحوا لي أن أضع أمامكم حجتي في نفي الرؤية، فأقول وبالله التوفيق:
(يُتْبَعُ)
(/)
إن نفينا لرؤية الله سبحانه راجع لكون الرؤية ذاتها أمرا مستحيلا، بمعنى أن الرؤية تنسف مسألة الكمال فالرؤية لكي تتم يجب أن يكون المرئي جسما مفتقرا للمكان وفي جهة دون جهة و عند الرؤية يكون المرئي محكوما بالزمان أيضا، فكل هذا هو ما ننفيه حتى لا يتعارض مع كمال الله سبحانه وتعالى
وعليه فالرؤية مستحيلة كونها تضرب وتنسف مسألة الكمال وتأتي بالنقص، وعليه أوليس النقص ليس كمالا؟! وعليه لتعلموا أننا عندما ننفي الرؤية فوالله ليس تعصبا ولا ردا، ولكن إيمانا بعظمة من نعبده وكماله المطلق، فالروية من أحكام المخلوقات، والطريق إلى معرفة الله معرفة يقينية هي التأمل في هذا الكون البديع الذي ينطق بعظمة العظيم، ومن ثم أليس نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت، مؤديا إلى اليقين وهو ما وصل إليه الرسول الكريم؟!!
وأدل دليل على كلامي أليس القرآن كله يدعوا إلى التفكر والتدبر في المخلوقات في الكثير من الآيات وكذلك تكلم عن الجنة ونعيمها وحال المؤمنين فيها بمئات الآيات، ويذكر مسألة الرؤية على حد قولكم في آية واحدة أو آيتين وهي أعظم نعيم وأدل دليل على العلم اليقين!!! لو كان الأمر كما قلتم لدعانا الله إلى السعي من أجل أكبر نعمة ليكون بذلك باعثا على طاعته وامتثال أوامره!!
ولقد قلتم (في الآية التي تفضلت بعرضها في المداخلة الثانية، وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ): كلام جمهور المفسرين بما فيهم أصحاب الاتجاه النقلي كالطبري وابن كثير، رحمهما الله، يدل على معنى التعطف، فلا ينظر إليهم بعين العطف والرحمة، وهو معنى علمي، ولكنه لا ينفي النظر الحقيقي، بل هو لازم من لوازمه، فيكون ذلك من قبيل التفسير باللازم، فلا يلزم من ذلك نفي الأصل، وهو النظر بالعين، بل حتى في عالم الشهادة، ولله المثل الأعلى، يكون الإعراض عن النظر إلى الإنسان بالعين دليلا على البغض والكره، فيقول المعرِض: لا أطيق النظر إلى فلان، وهو يعني أنه يبغضه بغضا شديدا، ومع ذلك لا يلزم من ذلك نفي المعنى الأصلي للنظر وهو النظر بالعين، بل غالبا ما يتلازم الأمران، فلا ينظر الإنسان إلى من يكرهه لا بعينه ولا برحمته وشفقته، ولله المثل الأعلى، فما المانع من حمل الآية على هذا المعنى، لا سيما أن من فسر باللازم لم يلتزم نفي الأصل فينفي الرؤية الحقيقية لما يلزم من ذلك من لوازم قياس التمثيل الذي يقتضي تشبيه الخالق، عز وجل، بالمخلوق)
الذي أود التعليق عليه هنا هو أن النظر وإن تعدى بإلى قد يأتي بمعنى غير الرؤية العينية بدليل الآية، ويأتي بمعنى الرؤية العينية في آيات غيرها. فلا تقعدوا القواعد إلا بعد الاستقراء والتدقيق، نصيحة تنفعكم في البحث العلمي.
في سياق كلامكم: (كما في قوله تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، فالسياق سياق امتنان على الكليم عليه السلام، فناسب ذلك حمل العين هنا على عين الرعاية بدليل ما تقدمها: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)، دون أن يلزم منه نفي صفة العين بل تثبت هي الأخرى لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، فيكون تفسيرها هنا بلازم من لوازمها وهو الرعاية لقرينة السياق، كما تقدم، ويثبت أصل الصفة بجمع أدلة الباب من الكتاب والسنة والتي دلت على إثبات الصفة لله، عز وجل، على جهة الحقيقة، فينتهي الإشكال بحمل المتشابه على المحكم والنظر في الأدلة مجتمعة.)
أرى أن تعود إلى هذا الرابط فقد تناولنا الموضوع فأغلق:
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?58760-%C7%E1%CC%E6%C7%D1%CD-%E6%E3%DA%C7%E4%ED%E5%C7-%DD%ED-%C7%E1%C8%E1%C7%DB%C9
وستقرأ في الملف الذي رفعته بعنوان المجاز في القرآن الكريم ما تجده بإذن الله كافيا.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقلتم: (فأي حرمان _ أجارني الله وإياك وكل المسلمين منه _ أعظم من الحرمان من رؤية الرب، جل وعلا، فهي من أعظم الدوافع لعمل الطاعات رجاء بلوغ تلك النعمة العظيمة. ولو لم يرد النص على ذلك لألح العقل في طلبه، وإن كان هذا الباب خبريا محضا لا دور للعقل فيه إلا التسليم بما يأتي به النقل الصحيح، ولكن العقل بالفعل لا يمنع بل يستحسن أن يثيب الرب، جل وعلا، من آمن بالغيب الذي لم يره بأن يراه، فذلك الجزاء الملائم له، فإذا احترز في ذلك من تشبيه الرب، جل وعلا، بخلقه، أو توهم إحاطة المخلوق به ..... إلخ من المعاني الباطلة، فضلا عن ورود النص بذلك، وهو عمدة هذا الباب كما تقدم، فما المانع من إثبات الرؤية فهي لا تتعارض مع المعنى العلمي الذي يثبته من أولها بالعلم، بل هي، كما تقدم، علم وزيادة، يرتقي صاحبها من درجة العلم بالله على جهة الغيب في هذه الدار، فيكون جزاء ذلك: العلم به برؤيته على جهة الشهادة في دار النعيم، إن من يثبت الرؤية على جهة الحقيقة، يزداد رسوخا في باب العلم بالله الذي هو محل اتفاق بين)
أكرر القول لوكانت الرؤية من أعظم الدوافع لعمل الطاعات، لذكرها الله في القرآن أكثر من ذكر الجنان وأصناف النعيم!!!
وعندما تقولون: فإذا احترز في ذلك من تشبيه الرب، جل وعلا، بخلقه فما المانع من إثبات الرؤية فهي لا تتعارض مع المعنى العلمي الذي يثبته من أولها بالعلم، بل هي، كما تقدم، علم وزيادة. بتصرف.
كيف احترز من التشبيه و أنت تقول لي تراه عيانا رؤية حقيقية؟ هل تظن أن قولك بلا تكييف سيخمد ما أثرته من بواعث التشبيه؟! كلا، ما هي إلا مغالطات، فرؤية كهذه لا تدفع أصلا إلى عمل الطاعات عداك أن تكون أعظم دافع!!
قلتم: (وإثبات الرؤية، عند التدبر والنظر، إثبات لكمال الرب، جل وعلا، لأن من يُرى أكمل ممن لا يُرى، فمن يُرى له أوصاف، ومن لا يُرى هو أشبه بالعدم الذي لا وصف له، فيكون قريبا من الوجود المطلق الذي أثبته الفلاسفة في هذا الباب، وهو عين العدم لو تدبر الناظر فيه فليس له أي وصف يخرجه من حيز التصور العقلي إلى حيز الحقيقة!.)
إن قولكم -إن من يُرى أكمل ممن لا يُرى فمن يُرى له أوصاف، ومن لا يُرى هو أشبه بالعدم الذي لا وصف له- هو أكبر دليل على التشبيه والتجسيم والتخبط .. لأثبت ذلك تأمل، صفة الكمال لا يحكمها الرؤية أصلا فالعلم والقدرة والقوة من صفات الكمال ولا دخل للرؤية من قريب ولا من بعيد بكمالها أو نقصها، فمن أين لكم بهذا القول والخبط في الكلام!! كان الأبعد عن الخبط أن تقولوا إن من يَرى أكمل ممن لا يَرى ..
وعندما تجعلون من لا يُرى شبيها بالعدم الذي لا وصف له، أسألكم: بالله عليكم كيف آمنتم بالله رب العالمين؟ هل آمنتم به لأنكم سترونه في الآخرة وإلا لكان شبيها بالعدم -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا-؟!! أم أنكم آمنتم به لظهور آياته الناطقة بأنه القادر والعليم والسميع والبصير؟؟ وكيف ستقنع الكافر بوحود الله هل ستقنعه أولا بأنه يُرى حتى لا يعبد عدما!! ومن ثم تقنعه بآثاره وآياته الدالة عليه!!!! هذا أكيد فهي أعظم دافع على طاعته!!!!! وكيف أقنع الأنبياء أقوامهم بالعدم الذي لا يُرى؟! هل أقنعوهم بالعدم كونهم لا يرونه فلا هم يؤمنون بنبوتهم عداك بما جاؤوا به من كتب سماوية وأخبار إلهية؟ أم أقنعوهم بالعظيم القدير الحي القيوم الذي لا تدركه الأبصار ولا تأخذه سنة ولانوم؟!!
أرجو من الله أن يوفقنا للإخلاص له في كل ما نكتب، يا رب العالمين ...
ـ[الياسين]ــــــــ[18 - 09 - 2010, 09:05 م]ـ
الأخ الكريم مهاجر
سلام الله عليكم
هل لكم أن توضحوا رأيكم فيما توصلنا إليه ...
ولكم جزيل الشكر وأنا أنتظر ردكم(/)
سؤال .. في المجاز؟؟
ـ[يحيى زكريا1]ــــــــ[09 - 05 - 2010, 02:10 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما رأي حضراتكم فيمن يقول أن التوكيد بالمصدر ينفي المجاز؟
ـ[يحيى زكريا1]ــــــــ[09 - 05 - 2010, 07:37 م]ـ
أين أنتم يا أساتذة الفصيح!!!
هل من الممكن أن تجيبونا بسرعة
*
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[09 - 05 - 2010, 07:52 م]ـ
ليس حتى تضع هذه المشاركة في كل قسم
:)
لا تصدق أمزح
وضعتها هنا وفي قسم النحو لماذا(/)
من حديث: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ ...... "
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 05 - 2010, 07:37 ص]ـ
من حديث أبي بكرة، رضي الله عنه، مرفوعا:
"إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي فِيهَا وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي إِلَيْهَا أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ قَالَ يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ"
ففيه توكيد لوقوع الفتنة، فكينونتها فرع عن مشيئة الله، عز وجل، النافذة، وإن لم توافق إرادته الشرعية إذ لم يأمر الله، عز وجل، عباده بإيقاع الفتن، وإن قدر وقوعها كونا، لحكم بالغة تربو على مفسدة وقوعها. فالشر ليس إليه، وإن كان مخلوقا له، إذ فعله كله خير، وإنما يكون الشر في المقدور المخلوق لا القدر الذي يقع الخلق به، على أنه شر جزئي فليس شرا محضا من كل وجه، بل له من المآلات الحميدة ما يجعل وقوعه عين الحكمة، ولكن ذلك يخفى على العباد حال وقوع المصيبة إذ يريهم الشيطان الشر الكائن حالا، ويصرفهم عن الخير الكائن مآلا.
والتنكير في: فتنة: للتعظيم، وقد زيد في بيانها بالإطناب في ذكر أوصاف الداخلين فيها، فلكل نصيب من الذم بقدر ولوجه فيها، إلا أن يقوم في حقه عذر معتبر من تأويل سائغ، كما جرى في فتنة الجمل وصفين، إذ أثنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كلا الطائفتين بوصف: الإسلام، كما في حديث أبي بكرة، رضي الله عنه، مرفوعا: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ".
قال الحافظ، رحمه الله، في "الفتح": "وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَصْوِيب رَأْي مَنْ قَعَدَ عَنْ الْقِتَال مَعَ مُعَاوِيَة وَعَلِيي وَإِنْ كَانَ عَلِيّ أَحَقّ بِالْخِلَافَةِ وَأَقْرَب إِلَى الْحَقّ، وَهُوَ قَوْل سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَابْن عُمَر وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ وَسَائِر مَنْ اِعْتَزَلَ تِلْكَ الْحُرُوب". اهـ
فضلا عن وصفهما بالإيمان في قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فكلاهما بوصف الإيمان جدير، وإنما تأولت طائفة منهما فبغت على الأخرى مع كون الثانية: الأدنى إلى الحق، فوقعت الفتنة التي حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الولوج فيها، فاجتنبها جل الصحابة، رضي الله عنه، واجتهدت طائفة منهم، وهم للاجتهاد أهل، فترجح عندهم أن الحق مع طائفتهم فانتصروا لها انتصار طالب الحق لا طالب الهوى، ولما كان الراجح في مسائل الخلاف السائغ أن المصيب واحد بعينه أصابت طائفة علي، رضي الله عنه، أجري الاجتهاد ابتداء والإصابة انتهاء، واصابت الطائفة الأخرى سواء أكان ذلك في الجمل أو صفين أجر الاجتهاد دون الإصابة، فكلاهما ممدوح شرعا، وإن وقع منه ما لا يسلم منه بشر سوى الأنبياء فلم تكن إحدى الطائفتين راجية عصمة.
الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي فِيهَا وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي إِلَيْهَا: تناسب في الأطراف مع مع التدرج من الأدنى إلى الأعلى وذلك أصل في الحكم على الأفعال والأعيان، فليس الفعل مدحا أو ذما نمطا واحدا بل هو متفاوت بقدر ولوج صاحبه فيه، فليس من آمن إيمانا مجملا كمن ولج باب الإيمان فحصل من العلم والعمل ما انشرح به صدره واطمئن به قلبه ولهج به لسانه وعمرت به أركانه، وقل مثل ذلك في كل عمل، فإن البشر تتفاوت ملكاتهم وقدراتهم في الخير أو الشر فيقع التفاضل بينهم، وإن جمعهم وصف مدح أو ذم كلي، وكذلك يقع التفاوت في
(يُتْبَعُ)
(/)
الفعل الواحد وإن وصف إجمالا بالمدح ترغيبا، أو الذم ترهيبا، كما في هذا الحديث، وإن لم يلزم من ذم الفعل ذم فاعله، فقد يكون الفعل: كفرا ولا يكفر فاعله لقيام مانع من موانع التكفير من: جهل أو نسيان أو .............. إلخ، في حقه، فكيف بما هو دونه من المسائل العملية التي يسوغ الخلاف فيها، فلم يجر الخلاف فيها على قاعدة دينية كلية إذ هي من مسائل الخلاف في استيفاء حد من حدود الله، فلم ينكر أحدهما مشروعية الحد، بل لم ينكر أحد استحقاق قتلة الخليفة عثمان، رضي الله عنه، حد القصاص الشرعي، وإنما اختلفوا في التوقيت والكيفية تبعا للمصالح والمفاسد الشرعية المعتبرة التي قد تترتب على ذلك، فرأى فريق المصلحة في التأجيل حتى تهدأ الأحوال وتنطفئ نيران الفتنة المتقدة، ورأى فريق المصلحة في التعجيل انتصارا للخليفة الشهيد، رضي الله عنه، ولئلا يتجرأ مفسد على التطاول على مقام الخلافة الراشدة بعد ذلك، فيكون ذلك حسما لمادة الفتنة فيما يأتي من مستقبل الأيام. فإذا كان الأمر كذلك: أفلا يكون العذر بالاجتهاد والتأول كائنا فيها من باب أولى؟!
فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ: سبر وتقسيم باعتبار أصناف الأموال آنذاك، فهو حاصر من جهة الأحوال، لا من جهة الأعيان، فإذا وقعت الفتنة وعمت، ولمعتزلها مال من غير تلك الأجناس فإن الحكم يجري عليه، إذ ذكر تلك الأجناس من قبيل: ذكر بعض أفراد العام فلا يخصصه، وإنما وردت مورد التمثيل لا السبر والتقسيم.
وفي الإطناب بالتكرار زيادة في المعنى، فذلك أوقع في النفس بيانا لعظم تلك الفتنة وتحذيرا من الولوج فيها، وقد كان ذلك حال معظم الأصحاب، رضي الله عنهم، وصنيع سعد، رضي الله عنه، أصل في امتثال ذلك الأمر النبوي الرشيد.
يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ: كناية عن الكف عن القتال بإتلاف آلته، فليس المراد كسر السيف بكيفية بعينها، وإنما المراد كف البأس عن الجماعة بإغماد السيوف وما شاكلها من آلات الحرب، فهو، أيضا، من قبيل ذكر بعض أفراد العام فلا يخصصه.
فإرادة الكناية هنا ليست مرادة من جهة الحصر، وإن لم يمنع إيرادها إرادة الصورة المذكورة على حد الحقيقة كما تقرر في حد الكناية في كلام البلاغيين.
وفي الأمر بالنجاء بصيغة الشرط: ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ: إلهاب لهمة الفار لينجو ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 05 - 2010, 08:43 ص]ـ
ومن هذا الباب أيضا: قول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "إن هذه الفتنة فتنة باقرة كداء البطن، لا ندري أنى تؤتى، تأتيكم من مأمنكم وتدع الحليم كأنه ابن أمس، قطعوا أرحامكم وانتصلوا رماحكم"، وهذه رواية ابن أبي شيبة، رحمه الله، في "المصنف"، ورواية الطبري، رحمه الله، في تاريخه: "إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت بينت وإن هذه الفتنة باقرة كداء البطن تجرى بها الشمال والجنوب والصبا والدبور فتسكن أحيانا فلا يدرى من أين تأتي تذر الحليم كابن أمس شيموا سيوفكم واقصدوا رماحكم وأرسلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم والزموا بيوتكم".
ففي قوله على وجازته بيان بليغ لحال الفتنة فالمقابلة بين حال إقبالها وحال إدبارها بـ: "أقبلت شبهت"، و: "أدبرت بينت": مئنة من اشتباهها على ذوي الأفهام وإلا ما كانت فتنة بظهور الحق جليا في أول أمرها، وإنما يظهر وجه الحق فيها بعد انقضائها.
وفي قوله: "وإن هذه الفتنة باقرة": مجاز إسنادي بنسبة البقر، الذي هو القطع، للفتنة، ويمكن إجراؤه مجرى مجاز السببية إذ الفتنة سبب في وقوع البقر، ويمكن إجراؤه، أيضا، مجرى الاستعارة إذ استعار القطع الحسي للقطع المعنوي، ولا يمتنع الجمع بينهما إذ الفتنة مظنة القطع المعنوي بذهول العقول عن وجه الحق فيها، والقطع بإتلاف الأبدان.
وتشبيهها بداء البطن: تشبيه مرسل مجمل حذف فيه وجه الشبه لظهوره، فذكره فضلة لا حاجة إليها، إذ كلاهما مما يفسد الحال فالفتن مما يفسد القلوب، وداء البطن مما يفسد الأبدان.
وجريان الريح بها مئنة من سرعة سريانها، فاستعار الجريان الحسي للجريان المعنوي، فهي على وزان قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث الدجال: "كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ"، فلو أجريت الاستعارة على هذا الوجه لقيل: هي استعارة مكنية إذ شبه الفتنة بما تحمله الريح وحذف المشبه به وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو جريان الريح به، وهي من جهة أخرى: تبعية وقعت في الفعل المشتق: "تجري"، وهي تحقيقية إذ الصورة مما يمكن الإشارة إليه حسا، فحملان الريح لما دق من غيث أو غبار ......... إلخ أمر مدرك بالأبصار. وقد يقال بأن ذلك من باب تشبيه التمثيل، إذ انتزع من الريح التي تعصف تارة وتسكن أخرى صورة مركبة للفتنة التي توقد تارة وتخبو أخرى.
تذر الحليم كابن أمس: مبالغة في وصف اشتباهها على ذوي العقول فتذرهم كالرضع الذين لا عقل لهم.
وفي قوله: "شيموا سيوفكم واقصدوا رماحكم وأرسلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم والزموا بيوتكم".
سبر وتقسيم على ما تقدم بيانه فيه الأمر لهم إرشادا بالكف بإتلاف آلات القتال، والكف بالقرار في أجواف الدور.
وشيم السيوف: سلها أو غمدها، قال في اللسان": "وشامَ السيفَ شَيْماً سلَّه وأغمده وهو من الأضداد"، وسياق الكف عن القتال رافع لإجماله مزيل لإلباسه، فالمراد: كفها بالغمد. والسياق، كما تقدم في أكثر من مناسبة، قرينة معتبرة في معرفة مراد المتكلم.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد المحلاوى]ــــــــ[13 - 05 - 2010, 01:58 م]ـ
جزاك الله خيراً
موضوع متميز، أثرانى بالفعل
ـ[أحاول أن]ــــــــ[15 - 05 - 2010, 04:45 م]ـ
نسأل الله السلامة للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات ..
شكر الله لكم أستاذنا المهاجر هذه الموضوعات الفرائد، "الغريبة " وطوبى للغرباء!
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 05 - 2010, 08:11 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أيها الكرام الأفاضل على المرور والتعليق.
ومما يتعلق بهذا الشأن أيضا:
قول حذيفة رضي الله عنه: إياكم والفتن، لا يشخص لها أحد، والله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن، إنها مشبهة مقبلة، حتى يقول الجاهل: هذه تشبه مقبلة، وتبين مدبرة، فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم، واكسروا سيوفكم، وقطعوأ أوتاركم.
إياكم والفتن: تحذير إذ سيق الإغراء مساق التحذير.
لا يشخص لها أحد، والله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن:
تشبيه تمثيلي انتزع وجهه من صورة السيل إذ يجتاح بقايا الأبوال والأبعار المتبلدة، فكذلك الفتنة حال اجتياحها النفوس.
إنها مشبهة مقبلة حتى يقول الجاهل: هذه سنة وتبين مدبرة: مقابلة على وزان المقابلة في قول أبي موسى، رضي الله عنه، في المداخلة السابقة، فهي حال إقبالها مشتبهة حتى يقول الجاهل فيها بضد وصفها، فيرى الخير فيما ولج فيه فإذا ارتحلت علم وجه الحق فيها إذ الكف عن مباشرة أسبابها لمن لم يترجح له وجه فيها: أسلم عاقبة، فلا يعذر في تلك المضائق إلا أهل الاجتهاد الذين حصلوا آلته فبذلوا الجهد واستفرغوا الطاقة طلبا لوجه الحق، كما كان حال رءوس الأصحاب، رضي الله عنهم، في الجمل وصفين، لا عموم المكلفين الذين تشتبه عليهم الأمور فيخوضون في الأمر لمطمع عاجل أو هوى غالب وذلك الغالب على الناس زمن الفتن.
فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم، واكسروا سيوفكم، واقطعوا أوتادكم: على ما اطرد من أمر أبي موسى، رضي الله عنه، في معرض النصح والإرشاد.
والجثوم أبلغ اللزوم، إذ هو التلبد بالأَرض، كما ذكر صاحب اللسان، رحمه الله، فهو مئنة من التوكيد بالقرار في البيوت.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 05 - 2010, 09:14 ص]ـ
ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه:
كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، وتتخذ سنة، فإن غيرت يوما قيل: هذا منكر، وقالوا: ومتى ذاك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: ذاك إذا قلت أمناؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقل فقهاؤكم، وكثر قراؤكم، وتفقه لغير الدين، والتمست الدنيا بعمل الآخرة.
فالاستفهام قد أشرب معنى التعجب، والإنكار لتلك الحال، والإشفاق على من حضرته، والتحذير لمن عمته.
واستعار الملابسة الحسية للملابسة المعنوية، من باب الاستعارة التصريحية في الفعل: "لبس" الذي استعير للفعل: "عم"، على تقدير: إذا عمتكم، أو على سبيل الاستعارة المكنية، إذ شبهت الفتنة بالثوب الذي يلابس البدن، وحذف المشبه به وكني عنه بما يدل عليه، إذ اللبس دال على الملبوس دلالة لزوم عقلية، فلا ينفك اللابس عن ملبوس يستر به بدنه.
ومن ينكر المجاز فإن المسألة عنده من مسائل الحقيقة العرفية المشتهرة، إذ قد اطرد في لسان العرب استعمال العرب الملابسة في الدلالة على المخالطة، والمخالطة إما أن تكون حسية على وزان قوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)، مع احتمالها الملابسة المعنوية بما يكون بين الزوجين من مودة ورحمة، أو: معنوية، على وزان قوله تعالى: (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا)، قال في "اللسان": "وفي حديث جابر لما نزل قوله تعالى: (أَو يُلْبِسَكُم شِيَعا) ً اللَّبْس الخلْط يقال لَبَسْت الأَمر بالفتح أَلْبِسُه إِذا خَلَطت بعضه ببعض أَي يَجْعَلكم فِرَقاً مختلفين ومنه الحديث: (فَلَبَسَ عليه صَلاتَه) والحديث الآخر: من لَبَسَ على نفسه لَبْساً ............. ولابَسْتُ الأَمرَ خالَطْتُه وفيه لُبْسٌ ولُبْسَةٌ أَي التِباسٌ وفي التنزيل العزيز: (وللبَسْنا عليهم ما يَلْبِسُون) يقال لَبَسْت الأَمر على القوم أَلْبِسُه لَبْساً إِذا شَبَّهْتَه عليهم وجَعَلتَه مُشْكِلاً وكان رؤساء الكفار يَلْبِسُون على ضَعَفَتهم في أَمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا هَلاَّ
(يُتْبَعُ)
(/)
أُنزل إِلينا مَلَك؟ قال اللَّه تعالى ولو أَنزَلْنا مَلَكاً فرأَوْه يعني المَلَك رجُلاً لكان يَلْحَقهم فيه من اللَّبْس مثل ما لحق ضَعَفَتَهُم منه". اهـ
فلا حاجة إلى تكلف المجاز في لفظ قد عرفت دلالته ابتداء إذ تبادر إلى الذهن منه معنى صحيح على جهة الحقيقة.
يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير: إطناب في بيان تلك الفتنة، بذكر أوصافها على جهة المقابلة بين: "يربو فيها الصغير"، و: "ويهرم فيها الكبير" فذلك مئنة من عمومها لكل الأعيان فلا يسلم منها كبير ولا صغير.
وتتخذ سنة: مئنة من التكلف إذ الاتخاذ من الافتعال كالاكتساب الذي يتكلف فيه المكتسب ما لا يتكلفه الكاسب، وفي التنزيل: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)، فالكسب مئنة من التلقائية فالحسنة توافق الفطرة فلا تجد النفس تكلفا في عملها، والاكتساب مئنة من التكلف فالسيئة تخالف الفطرة فتجد تكلفا وعدم ارتياح في عملها إلا إن فسدت فصارت تلتذ بها فذلك من العقوبة المعجلة بموت القلب.
فإن غيرت يوما قيل: هذا منكر: فقد عمت الأزمان كما عمت الأعيان، فصار التعرض لها بالإنكار هو عين المنكر وإنما يكون ذلك في أزمان دروس العلم وانقطاعه بقبض العلماء كما في حديث عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، مرفوعا: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".
ذاك إذا قلت أمناؤكم: فيوسد الأمر لغير أهله.
وكثرت أمراؤكم: مع اتصافهم بعدم الأمانة، والطباق بين القلة والكثرة إيجابا فضلا عن ورود الأمراء في مقابل الأمناء مئنة من فشو الخيانة في الأمراء حتى صاروا في حد مقابل لحد الأمناء، فصارت القسمة: أمناء وأمراء، بعد أن كانت: أمناء وخونة!.
وقل فقهاؤكم، وكثر قراؤكم: على وزان ما تقدم من الطباق والمقابلة، فقد صار الغالب على القراء بعد زمن قراء الصحابة، رضي الله عنهم، صار الغالب عليهم: الجهل والغلو في الدين، ولنا في الخوارج عبرة، فقد جمعوا بين الاجتهاد في القراءة والغلو في العبادة في مقابل قلة الفقه، بل عدمه، فلم يعرف منهم راسخ في العلم أو حتى طالب له، فالغالب عليهم: التنطع في العمل بلا علم، على وزان طريقة الضالين من أمة النصارى الذين غلوا في العمل وجفوا في العلم، فعبدوا الله، عز وجل، بالبدع والمحدثات، وتعصبوا لباطلهم كأي جاهل بعلوم النبوات فليس عندهم منها إلا أثر دارس، فوقعت العداوة بينهم، مصداق قوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
وتفقه لغير الدين، والتمست الدنيا بعمل الآخرة: وذلك من عطف المسبَب على سببه، إذ قد فسدت الإرادات بإرادة الدنيا بعمل الآخرة، والطباق بينهما يزيد الجناية تصورا في الذهن فيستبشعها كل من له حظ من دين، إذ التمس الأدنى بالأعلى، فجعل الوسيلة غاية، والغاية وسيلة، وذلك من فساد التصور بمكان فرعا عن فساد النية والإرادة. وتلك طريقة المغضوب عليهم من أمة يهود الذين علموا الحق فكتموه مع قيام الحاجة إلى بيانه ليشتروا به ثمنا قليلا من جاه أو رياسة زائلة، مصداق قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)، فاستوفت مقالة ابن مسعود، رضي الله عنه، طرق الأمم المتقدمة إذ دخل عليهم الفساد في العلم كحال النصارى، أو العمل كاليهود، وإنما تقع النجاة: بعلم النبوات النافع، وما يتفرع عنها من أعمال صالحة، وفي التنزيل: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، فالعمل الصالح فرع عن
(يُتْبَعُ)
(/)
التوحيد أجل علوم النبوات، فلا يكفي العمل بمعزل عن العلم إذ هو مظنة الابتداع، ولا يكفي العلم بمعزل عن العمل إذ هو مظنة العصيان.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 05 - 2010, 10:34 ص]ـ
ومن ذلك أيضا:
قول أبي هريرة رضي الله عنه:
أيها الناس! أظللتكم فتنة كقطع الليل المظلم، أنجى الناس فيها - أو قال: منها - صاحب شاء يأكل من رسل غنمه، أو رجل وراء الدرب آخذ بعنان فرسه يأكل من سيفه.
ففي قوله: "أظلتكم": استعارة غشيان الظل الحسي لغشيان الفتنة المعنوي، فيجري مجرى الاستعارة التصريحية التحقيقية، إذ غشيان الظل أو الظلمة .......... إلخ مما يحيط بالشخوص، مما تمكن الإشارة إليه حسا.
وتشبيهها بقطع الليل المظلم: تشبيه مرسل مجمل، حذف فيه وجه الشبه، وهو عموم الفتنة وخفاء أمرها، ففيه توكيد للممنى المتقدم فهي فتنة عامة مشتبهة لا يظهر فيها وجه الحق الخالص إلا لقلة من المسددين، ولا يعذر فيها بالاجتهاد السائغ إلا قلة من سادات المؤمنين أصحاب الرأي والنظر على التفصيل المتقدم.
وفي تقديم إسناد وصف النجاة لمن يأتي بيان حالهم: نوع تشويق بتصدير الكلام بما تتشوف إليه النفوس من الحكم إذ يتلهف المخاطب على معرفته إذا كان محط الفائدة، لا سيما إن كان أحسن عاقبة فهو قائم مقام البشرى.
صاحب شاء: بيان بذكر أفراد المحكوم بعد إجمال حكم النجاة: و: "من": للتبعيض فضلا عما اطرد من دلالتها على ابتداء الغاية، فابتداء غاية أكله منها، والبيان، إذ أكله من جنس تلك الشياه بداهة.
أو رجل وراء الدرب آخذ بعنان فرسه يأكل من سيفه: للتقسيم وهو حاصر من جهة المعنى الكلي، غير حاصر من جهة الأفراد: فمراد أبي هريرة، رضي الله عنه، أن خير ما يفعل في زمن الفتن عموما: الاعتزال أو جهاد الكفار، فلم يرد النص على صورة الآكل من قطيعه أو المجاهد بسيفه خصوصا فالعبرة بالعموم لا بالأفراد المذكورة.
و: "من" في قوله: "يأكل من سيفه": سببية على ما اطرد في كلام البلاغيين ومن صنف في معاني الحروف من دلالات: "من" المتعددة، فالسيف آلة استخلاص الغنائم المأكولة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 08:07 ص]ـ
ومنه حديث عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، مرفوعا: (كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ أَوْ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقَالُوا وَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ):
يغربل فيه الناس: على سبيل الاستعارة، إذ الفتن تميز الناس كما يميز الغربال جيد الدقيق من رديئه، فتبقى الحثالة التي قد اختلطت أمورهم، وذلك حال من لابس الفتنة ولم يكن من الراسخين في العلم فإنه يخبط فيها خبط عشواء، والتشبيك بين الأصابع جار مجرى البيان بالإشارة، إذ استعار التداخل بين الأصابع حال التشبيك، للتداخل الحاصل زمن الفتن.
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ: مقابلة في العلم فتأخذون منه المعروف المشهور وتذرون في مقابله المنكر والشاذ، وتتبع غرائب العلم لغير التفقه مظنة الخذلان.
وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ: مقابلة في العمل فرعا عن العلم فتقبلون على أعمال الخاصة من أهل العلم وتذرون أعمال العامة التي يغلب عليها التخليط والابتداع، فهي وصية جامعة لترياق الفتن: العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلى وأعلم.
ـ[احمد عاطف]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 10:10 ص]ـ
موضوعاَ غاية في الروعة والجمال وشرح وافي للحديث اسئل الله أن يكفينا شر الفتن وجزاك الله خيراَ
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 08:26 ص]ـ
وجزاك خيرا أخي أبا يزيد، أيها الكريم، على المرور والتعليق، ووقاني وإياك وكل المسلمين شر الفتن.
ومن حديث حذيفة، أمين السر، رضي الله عنه:
(يُتْبَعُ)
(/)
كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ فَقَالَ قَوْمٌ نَحْنُ سَمِعْنَاهُ فَقَالَ لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ:
فذلك استفهام للاستعلام فيه نوع استدراك على ما جال بخواطرهم من الفتنة الصغرى، الفتنة في أمر الدنيا، فليست هي مراده، فهي، مع عظم خطرها، إذ هي مما يشغل القلب والعقل فاضطراب أمر الدنيا مفسد للمزاج مضعف للسائر في طريق الهداية الذي يتطلب السير فيه: همة مجموعة غير مصروفة، فإذا تجاذبت الشواغل والصوراف أطرافها انحل عقد القلب، وانفسخ رباط الهمة، فالاستكثار من فضول الدنيا: مفسد لأمر الدين، وكذلك الاستقلال من ضروراتها بترك مباشرة أسبابها: مفسد، أيضا، لأمر الدين، فالغنى المطغي والفقر المشغل كلاهما مادة فساد لحال العبد بصرف قلبه عما يصلحه من العلوم والأعمال، فالبطنة تذهب الفطنة والجوع بئس الضجيع، فلا إفراط ولا تفريط. وبذلك رد المحققون من أهل العلم كالشاطبي، رحمهم الله، مقالات أهل الطريق في التقلل من الدنيا بالانخلاع من أسبابها بالكلية فإن ذلك لم يكن معهودا زمن الرسالة فلما قال أبو لبابة رضي الله عنه: "إنّ من توبتي أن أنخلع إلى الله ورسوله من مالي صدقة"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يكفيك من ذلك الثلث! "، وكذلك روي عن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له نحوًا من ذلك، كما ذكر ذلك الطبري، رحمه الله، في تفسيره.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتجرون ويتكسبون، ولم يأمر أحدهم بالخروج من ماله بالكلية حتى في أوقات الشدة، كيوم الأحزاب وساعة العسرة. بل لم يقبل ذلك ممن أراده، كما في حديث صاحب البيضة، وإن قبله من رجال كأبي بكر، رضي الله عنه، إذ له من سابقة الإيمان وقوة الديانة ما يجبر نقصان أمر دنياه، ولأهله من الصبر على ضيق الحال ما ليس لغيرهم فضلا عن كونه تاجرا حاذقا يقوى على التكسب، فليس في إنفاق ماله على هذا الوجه ضرر عليه في نفسه لازم أو على غيره متعد، فإن الرجل لو علم من نفسه صبرا ولم يعلم من أهله نظيره، أو كان على يأس من الدنيا لمرض فزهدت نفسه في عرضها وأهله على رجاء منها لصحة ما جاز له أن يتركهم عالة يتكففون، وفي حديث سعد رضي الله عنه: "إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ"، وهذا مظهر آخر جلي من مظاهر وسطية الملة الخاتمة، فلا إفراط بمباشرة الأسباب لحد الشبع المثقل للأبدان المفتر للأذهان، ولا تفريط لحد الجوع المفسد للأمزجة والأبدان.
يقول الشاطبي رحمه الله:
"فالدخول في عمل على نية الإلتزام له إن كان في المعتاد بحيث إذا داوم عليه أورث مللا ينبغي أن يعتقد أن هذا الالتزام مكروه ابتداء إذ هو مؤد إلى أمور جميعها منهي عنه:
أحدها: أن الله ورسوله أهدى في هذا الدين التسهيل والتيسير وهذا الملتزم يشبه من لم يقبل هديته وذلك يضاهي ردها على مهديها وهو غير لائق بالمملوك مع سيده فكيف يليق بالعبد مع ربه؟
والثاني: خوف التقصير أو العجز عن القيام بما هو أولى وآكد في الشرع وقال صلى الله عليه و سلم إخبارا عن داود عليه السلام: "إنه كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى"، تنبيها على أنه لم يضعفه الصيام عن لقاء العدو فيفر ويترك الجهاد في مواطن تكبده بسبب ضعفه.
وقيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إنك لتقل الصوم فقال: إنه يشغلني عن قراءة القرآن وقراءة أحب إلي منه.
ولذلك كره مالك إحياء الليل كله وقال: لعله يصبح مغلوبا وفي رسوله الله صلى الله عليه و سلم أسوة ثم قال: لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد جاء في: صيام يوم عرفة أنه يكفر سنتين ثم إن الإفطار فيه للحاج أفضل لأنه قوة على الوقوف والدعاء ولابن وهب في ذلك حكاية وقد جاء في الحديث: "إن لأهلك عليك حقا ولزوارك عليك حقا ولنفسك عليك حقا"، فإذا انقطع إلى عباده لا تلزمه الأصل فربما أخل بشيء من هذه الحقوق ...... وهذا الحديث، (أي حديث سلمان، رضي الله عنه، وفيه "إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولضيفك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط لكل ذي حق حقه")، قد جمع التنبيه على حق الأهل بالوطء والاستمتاع وما يرجع إليه والضيف بالخدمة والتأنيس والمؤاكلة وغيرها والولد يالقيام عليهم بالاكتساب والخدمة والنفس بترك إدخال المشقات عليها وحق الرب سبحانه بجميع ما تقدم وبوظائف أخر فرائض ونوافل آكد مما هو فيه. (فيكون ذلك من باب تقديم المندوب المفضول على الفاضل سواء أكان واجبا يقع التقصير في أدائه بالمدوامة على المفضول الذي يجهد البدن والنفس، أم مندوبا مثله ولكنه يفضله في الأجر، فهو في كلا الوجهين قد فاته ما هو أولى).
والواجب أن يعطى لكل ذي حق حقه وإذا التزم الإنسان أمرا من الأمور المندوبة أو أمرين أو ثلاثة فقد يصده ذلك عن القيام بغيرها أو عن كماله على وجهة فيكون ملوما ....... والأدلة في هذا المعنى جميعها راجع إلى أنه لا حرج في الدين والحرج كما ينطبق على الحرج الحالي ـ كالشروع في عبادة شاقة في نفسها ـ كذلك ينطلق على الحرج المآلي إذ كان الحرج لازما مع الدوام".
بتصرف من "الاعتصام"، (1/ 289_294).
فذلك من جنس المشقة العاجلة التي يظهر أثرها حالا كمن لا يقدر على القيام في الصلاة ابتداء، أو المشقة الآجلة، كمن يقدر ابتداء على القيام ولكنه يجد مشقة تتراكم حتى توقعه في الحرج باعتبار المآل كأن يكون مريضا يتأخر برؤه بالقيام، فقد يغفل عن هذه المفسدة المتراكمة فيقوم لما يجد من نفسه من القدرة على القيام حال الصلاة دون نظر إلى المآل.
قَالُوا أَجَلْ قَالَ تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ:
و: "أل" في: "الصلاة"، و: "الصيام"، و: "الصدقة" جنسية لبيان الماهية، فجنس الصلاة والصيام والصدقة يكفر الصغائر، أو هي عهدية ذهنية تشير إلى معهود بعينه هو جنس الواجب منها بقرينة: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ"، وذلك إنما يكون بقيد التوبة وعدم الإصرار، فلا يقطع بتكفير الأعمال للصغائر وإنما ذلك على إحسان الظن وقوة الرجاء، وإلا صارت الصغائر في حكم المباحات وهذا نقض لعرى الشريعة.
وذكر تلك الأعمال في سياق المكفرات خارج مخرج التمثيل فلا تصح دعوى التخصيص، إذ الحج، وهو غير مذكور، مكفر من المكفرات، بل هو من أعظمها محوا للسيئات، مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ": فحذف وجه الشبه لدلالة السياق عليه، إذ الحديث قد سيق مساق الترغيب بالوقاية من السيئات تكفيرا، وإزالة عينها وأثرها تطهيرا.
فيقال بأن ذكر تلك الأفراد في سياق غير حاصر لا يخصص عموم التكفير للصغائر بصالح الأعمال، إذ ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه كما تقرر في الأصول.
وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ:
استدراك واستفهام للتشويق في معرض المدارسة تشحذ به الأذهان وتستحضر به القلوب والأسماع.
وفي قوله: الْفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ: تشبيه بليغ بالمصدر المبين للنوع على وزان: أقدم محمد إقدام الليث، وفي ذلك من التوكيد على عظم خطرها في مقابل الفتنة الأولى ما يزيد شوق المخاطب إلى استكناهها، وفي قوله: "تموج": استعارة لاضطراب الأمواج الحسي في الدلالة على اضطراب الفتن المعنوي، فالفعل مضمن معنى الاضطراب. وهذا حال الناس زمن الفتن إذ تتذبذب الآراء: ولاء وبراء، محبة وبغضا، صعودا وهبوطا، فما يستحسن صباحا يستقبح مساء، وما يكون إيمانا في أول النهار يكون كفرانا في آخره، وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا في بيان حال الفتن:
(يُتْبَعُ)
(/)
"يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا". وأبطال الأمس خونة اليوم، وتأمل حال الثورات المسلحة التي تقدم أبطالها إلى مقاصل الاستئصال وتعلقهم على أعواد المشانق، باسم التصحيح، فيتم التخلص من القيادات تباعا، ليضمن صناع الانقلاب تمام السيطرة على مقاليد الأمور، ولو ظهر إلى السطح أبطال اصطنعتهم الأيدي الخفية ليقوموا بأداء ما وكل إليهم من مهام، وثورة أتاتورك التي زال بها رسم الخلافة برسم البطولة الزائفة بنصر عسكري محدود متفق عليه كان ثمنه إزالة السلطان الجامع للمسلمين في حركة من أشد حركات العلمانية تطرفا، تلك الثورة خير شاهد على تلك السنة السيئة التي سارت عليها الانقلابات المتتالية في العالم الإسلامي كانقلاب يوليو 52 في مصر، وصناعة الشعارات والبطولات الوهمية فن تجيده أمة يهود: الأمة الغضبية التي أحسنت استغلال كلمات من قبيل: الحرية والإخاء والمساواة لهدم الأديان والأخلاق، وقدمت الكنيسة عدوها الديني اللدود، والإقطاع عدوها الدنيوي اللدود إلى المقصلة، وسيرت الغوغاء وفق ما أراد الله، عز وجل، وقوعه بمشيئته الكونية النافذة، فحلت عرى أديانهم وأخلاقهم وأطبقت على مصادر أقواتهم، فانتقلوا معها من سخرة الإقطاع الزراعي في ضياع الباباوات والنبلاء إلى سخرة الإقطاع الرأسمالي في مصانع أرباب رؤوس الأموال من بارونات عصر النهضة الجدد، فيهود عند التحقيق قد سبقوا الانقلابات والثورات المعاصرة، فهم الرواد في ذلك، فقد أحسنوا استغلال أولى ثورات أوروبا: الثورة الفرنسية المشئومة التي صيرت للعلمانية دولة لأول مرة في التاريخ الحديث.
قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَقُلْتُ أَنَا قَالَ أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوك: وهي كلمة تقال في معرض المدح، فيها من التعظيم كبير قدر، إذ نسبة الشيء إلى معظم مئنة من عظمه، فكيف بنسبته إلى الله، عز وجل، العظيم الذي استجمع أوصاف العظمة الذاتية والوصفية والفعلية؟!. وما ذلك إلا لكون حذيفة، رضي الله عنه، خبير الفتن، إذ كان دائم السؤال عنها، فوعى من خبرها ما لم يعه غيره، فهو القائل عن نفسه: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي".
قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا:
تشبيه مرسل مجمل حذف وجه الشبه فيه، إذ الحال: "عودا عودا": مؤولة بمشتق يكشف وصف المشبه به الذي علق عليه التشبيه، فهي مؤولة بـ: التتابع بلا فاصل، فكذلك الفتن تعرض على القلوب متتابعة بلا فاصل زمني، فمن حين اليقظة إلى المنام يتعرض المكلف إلى صنوف من الفتن شتى فمنها:
الخاص في نفسه: من سعة في الرزق امتحانا، أو ضيق فيه ابتلاء، أو سوء خلق زوج أو ولد، أو شبهة علمية تعرض لقلبه في زمن الشبهات الخاطفة، أو شهوة تعرض لجوارحه في زمن الشهوات الفاحشة، التي تستخف النفس وتستفزها، وتأمل شهوة النظر المحرم، إذ تملك جارحة العين ابتداء ثم تتسلل إلى مستودع أسراره الإيمانية فتفسد حاله، وتوهن عقده الإلهي، وتوثقه برباط عشق فاسد لصورة ناقصة، هي في حقيقتها قبيحة، ولكن شياطين الإنس والجن يتولون زخرفتها لتروج على سذج العصاة ممن فرطوا في جند قلبهم، فلم يوفروها للغاية التي سمت إليها أصحاب الهمم العالية، همة: "وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ".
(يُتْبَعُ)
(/)
ومنها العام: كالنوازل الدينية والدنيوية وما أكثرها في الأعصار المتأخرة، فالملة قد انتقص من قدرها، فنحيت عن الحكم العام، وضيق على من التزم حكمها الخاص، ولعل التضييق على ربات الحجاب، مع كونه من الفروض العينية الخاصة خير شاهد على ذلك، بل ضيق على أداء الشعائر التعبدية التي لا تتعرض للشأن العام، فالأنشطة التعبدية التي تحتاجها الأمم: مؤمنها وكافرها، إذ التأله فطرة كامنة في النفوس التي جبلت على الافتقار إلى رب قادر مدبر، فإن لم تتأله للإله الحق تألهت لسواه من معبودات الباطل، فحاجة الأمم إلى التأله، ولو فاسدا!، حاجة ماسة للحفاظ على تماسك المجتمع، ولو ظاهرا، فكيف بمن عنده عقد التأله النافع مرفوعا إلى خبر النبوات الصحيح والصريح، ومع ذلك أهمله بل ضيق عليه، فتولد من ذلك فتنة عامة، فتنة: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)، فأكد الفعل وحقه عدم التوكيد لوروده بعد ناف توكيدا على عموم الفتنة إذا كثر الخبث، إذ فساد الأديان العام مئنة من فساد الأبدان، فتضطرب أحوال الجماعة باضطراب أحوال أفرادها، إذ قد حل العقد العاصم من الفتن من قلوب الأفراد بانغماسها في الشهوات وتتبعها للشبهات، فحل العقد العام الذي يحفظ الجماعة، ففسد البناء تبعا لفساد لبناته، فأي فتنة عامة أعظم من ذلك؟!.
ولكل فتنة مصل واق بالدفع، وعلاج شاف بالرفع إذا وقعت، ولا يستقل ببيان ذلك سوى النبوات، فالتكليفات الشرعيات مما يستعان به على دفع جيوش الفتن النازلة بمقتضى الكلمات الكونيات.
فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا: صيغة عموم لا مخصص لها، فمادة القلوب خلقا: واحدة. واستعير الإشراب الحسي للإشراب المعنوي، فيتشرب القلب الفتنة كما تتشرب الخرقة المائع، وذلك مئنة من تمكن الشبهة أو الشهوة من القلب فيصعب استخلاصها، كالبقعة المستعصية على الزوال إلا أن يشاء الرب، جل وعلا، ذلك، فيستخلص أثر الذنب من القلب بمطهر الإيمان والاستغفار، فالاستغفار، كالأشنان أو الصابون ..... إلخ من المنظفات، يغسل دنس القلب ليرد الذكر بالتسبيح على محل طاهر فيزيده نقاء، كما أثر عن بعض المحققين من أهل هذا الشأن، فلا ينفع ورود التحلية قبل التخلية، فتحلية المحل الدنس إهدار لمادة التحلية، فلا بد من التطهير لا سيما في أزمنة الفتن، فـ: "كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ"، فكفوا الأيدي واشتغلوا بتزكية النفوس بالصلاة والزكاة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا أمثل من زماننا للعمل بهذه الآية، فقد اتسع الخرق على الراتق، فـ: "عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ"، بأمر النفس، ونصح الغير، إن كان لذلك سبيل!، في زمان الغربة التي صار فيه المنكر معروفا، والمعروف منكرا، فلا يسلم المُنْكِر على فاعل المُنْكَر، ولو كان إنكاره شرعيا بنصح لمن لا ولاية له عليه، لا يسلم من أذى، قد يشتد حينا حتى يصل إلى حد يسقط معه التكليف، فالمشقة تجلب التيسير، فيسقط الإنكار إذا غلب على الظن تولد مفسدة أعظم من المنكر الكائن، من أذى غير محتمل في النفس أو المال أو الذرية ..... إلخ، ويسقط إن غلب على الظن عدم استجابة الفاعل للنصح، بل قد يتمادى، لا سيما إن كان صاحب رياسة أو وجاهة، فهو من أكابر المجرمين، فالإنكار على مثله مظنة عدم الاستجابة، بل لحوق الأذى بالمنكِر!، وعليه حمل بعض أهل العلم قوله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى)، فيفيد بمفهومه عدم التذكير إن لم تنفع الذكرى، ومن مأثور قول الشافعي رحمه الله:
أأنثر درا بين سارحة النعم ******* وأنظم منثورا لراعية الغنم
لعمري لئن ضيعت في شر بلدة ******* فلست مضيعا بينهم غرر الحكم
(يُتْبَعُ)
(/)
وليس المراد الكبر والتعالي على المسلمين، لا سيما العصاة، فمنهم من قام بقلبه من أثر المعصية ذل وانكسار للرب، جل وعلا، هو أحب إليه من صولة الطاعة التي تورث النفوس الضعيفة عجبا ورياء، بل المراد التحلي بالحكمة بوضع الشيء في موضعه، فلا يوضع النصح حيث لا ينفع بل قد يضر، ولكل زمان فقهه، فليس فقه زمان القوة كفقه زمان الغربة، ولكل مكلف فقهه، فليس صاحب الولاية العامة الذي يملك الاحتساب على الجماعة، كصاحب الولاية الخاصة الذي لا يملك إلا ما تحت يده، وليس من له ولاية الأمر كمن ليس له إلا ولاية النصح.
نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ:
فحذف الفاعل للعلم به، ففاعل الفعل هو المكلف، وخالقه الذي شاء النكت في قلبه بمشيئته العامة، وإن كانت على خلاف مراده الشرعي، هو الرب الخالق، عز وجل، والنكث أثر يغاير المحل في لونه فهو مئنة من حصول الأثر بورود المؤثر على المحل بنقط محسوس كالنقط بلون يباين لون المحل، أو نقط معقول بشبهة او شهوة تعكر صفو القلب، وفي "اللسان": "وكُلُّ نَقْط في شيء خالف لَوْنَه نَكْتٌ ...... والنُّكْتَة كالنُّقْطَة وفي حديث الجمعة: فإِذا فيها نُكْتة سَوْداء أَي: أَثر قليل كالنُّقْطة شِبْهُ الوَسَخ في المرآة والسيف ونحوهما ..... والنُّكْتة أَيضاً شِبْه وسَخٍ في المِرْآة ونُقْطَةٌ سوداءُ في شيء صافٍ". اهـ بتصرف
ونائب الفاعل موطئ لما بعده فهو محط الفائدة، ولا يخلو التنكير من معنى التعظيم والتهويل فذلك من قبيل التحذير من التعرض إلى الشبهات، أو الوقوع في الشهوات المحرمة، فليحذر العاقل من شؤم المعصية فإن لها سوادا في القلب يظهر لزوما على الوجه، فشؤم المعصية عاجل العقوبة بالافتضاح، ولو بأثر الذنب دون عينه، فإن خفي الجرم فلا تخفى آثاره.
وفي المقابل، وعلى سبيل المقابلة:
وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ: فالقياس مطرد منعكس، فمن أشرب اسود قلبه، ومن أنكر ابيض قلبه، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: فذلك من الإجمال الذي يعقبه البيان فهو توشيح يزيد التشويق إلى بيان المجمل، فتصير القلوب على قلبين إجمالا بيانه:
عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا: فذلك تشبيه مجمل إذ وجه الشبه بين، فبياضه المعنوي الذي يحدثه الإيمان من جنس البياض الحسي للصفا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ: فذلك من العموم المحفوظ فلا تضره أي فتنة، ما دامت السماوات والأرض، فذلك من قبيل قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ)، فذلك مما عهد في اللسان العربي، فتقول على سبيل التأبيد: لا أكلمك ما دامت السماوات والأرض، وإن كانت ديمومتها على سبيل التأقيت، فليس ثم باق إلا الله، عز وجل، ومن شاء إبقاءه من الكائنات فـ: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)، وليس منها السماوات والأرض، بل تنشق السماء، وترج الأرض.
وتشبيهه بالصفا مئنة من كونه أملس فلا تعلق به فتنة، كما لا تعلق الشوائب بالحجر الأملس، كما ذكر ذلك القاضي عياض، رحمه الله، فذلك وجه شبه ثان، وهو ألطف من الأول، فالصفا: حجر أبيض أملس، فذلك من التشبيه الحسي الذي جاء وجه الشبه فيه:
مبصرا، فاللون من المدركات الحسية بالعين، فذلك من جنس تشبيه المرأة بالنهار المشرق والشعر بالليل المظلم، فبياض النهار وسواد الليل مما يدرك بالعين الباصرة.
وملموسا: فذلك وجه الشبه الثاني، فالملمس من المدركات الحسية بالجلد، فذلك من جنس تشبيه البشر بالحرير في نعومته، فذلك مما يدرك باليد اللامسة، فضلا عن كون الصفا حجرا صلبا يصعب تفتيته، فكذلك القلب المؤمن يصعب على الشبهات أو الشهوات اختراقه، فذلك وجه شبه ثالث، فصلابة الإيمان من جنس صلابة الحجر، فاستوفى التشبيه: اللون، فذلك نورالإيمان في القلب، والملمس، فلا تعلق به شبهة أو شهوة، فهو كالزجاج تعرض عليه الفتن ولا يتشربها كالإسفنج، كما أثر من نصيحة ابن تيمية لتلميذه ابن القيم، رحمه الله، وهو صلب يستعصي على الكسر، فهو من الأعلين في قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ
(يُتْبَعُ)
(/)
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فلا يكسر من تلك حاله، فقد تسترق الأبدان والقلوب حرة، وقد تطلق الأبدان والقلوب حبيسة في جب الشبهات والشهوات، فلا يهنأ صاحبها بعيش، وإن كان، بادي الرأي، حرا طليقا.
وأخطر ما ابتلينا به بلاء عاما لم يسلم منه أحد تقريبا من أهل زماننا، إلا من عصم الرب، جل وعلا، أخطر ذلك ما حل بالنفوس من الهزيمة وإن لم يكن ثم قتال فذلك مئنة من وقوع القلب في الأسر لا سيما مع الفتنة العامة بقوة الغرب المادية ومدنيته المزدهرة، وإن لم تتوج بمقومات الحضارة الحقيقية من دين وخلق، فذلك مما لا يكون إلا من النبوة، ولا حظ للغرب منها، طوال تاريخه، فهو إما وثني مشرك زمن الرومان، وإما نصراني بعد ورود التحريف الذي صير الملة تثليثية شركية تسلط فيها المتأكلون بالرياسات الدينية على أتباعهم، وإما أخيرا: علماني ملحد بلسان الحال وكثير، كما تقدم في مواضع أخر، قد ألحد بلسان المقال وانتهى الأمر!.
وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا: فذلك الشطر الثاني من القسمة العقلية على جهة الطباق بين الأبيض والأسود المرباد، فبياض الأول صاف لا تشوبه كدرة، وسواد الثاني: كدر، فالسواد المعنوي بالكفر والعصيان، أيضا، من جنس السواد الحسي، ثم جاء التشبيه المرسل بالكوز المائل، فالحال: "مجخيا": عمدة في المعنى وإن كانت فضلة في المبنى، فالكلام من جهة صناعة النحو قد اكتملت أركانه دون ذكرها: فيصح من جهة النحو أن يقال: قلب فلان كالكوز، ولكن المعنى المراد لا يقع في النفس إلا بالحال المقيدة، فإن الكوز يحمل المائع، فلو شبه الإيمان والعمل الصالح بالمائع الذي يحمله الكوز كما يحمل أي وعاء ما به من الموائع، فإن ذلك وصف المؤمن الذي يمتلئ وعاؤه الباطن بالإيمان، فليس المراد، كما تقدم، تشبيهه بالكوز حال استقامته، وإنما المراد تشبيهه بالكوز حال ميله، فيتدفق الإيمان من قلبه الذي مال بشبهة أو شهوة عرضت له، تدفق السائل من الكوز إذا أميل على جانبه، فصار ذكر المشبه به هنا وهو الكوز من باب التوطئة لما بعده من وصف الميل الذي دلت عليه الحال: "مجخيا" فذلك وجه كونها عمدة في المعنى، فلا يتم المراد إلا بذكرها، وإن استقام السياق اللفظي بدونها، فذلك من جنس التوطئة بالخبر في نحو قوله تعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)، فمحط الفائدة هو قوله: "واحد"، ففيه إثبات صفة الوحدانية لله، عز وجل، وذلك جوهر الملة، فليس المراد الإخبار عنه بأنه إله، فكلٌ يخبر عن إلهه بأنه إلهه، فذلك أمر بدهي، وإنما المراد بيان وحدانيته، فإن اعترض بأن غير المؤمنين يزعمون لآلهتم الوحدانية، فالتذييل بالحصر الثاني: (لا إله إلا هو)، وهو أقوى أساليب الحصر رافع للاحتمال الناشئ، ولو مرجوحا من الحصر الأول بـ: "إنما" فهو أضعف أساليب الحصر، وقد يقال بأن إيراد الأضعف هنا ليس تقصيرا في أداء المعنى، بل ذلك مما يزيده بيانا، فهو أمر من جملة العلوم الضرورية التي لا يماري فيها إلا من فسد عقله أو تبدلت فطرته التوحيدية الأولى، فحسن إيراده مصدرا بالأضعف لعدم الحاجة في تقريره إلى الأقوى، فلما وردت الشبهة، حسن في مقام الرد إيراد الحصر بالأقوى قطعا لكل احتمال.
ثم جاء التذييل بـ: "لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا"، فذلك بمنزلة البيان لما قبله، فليست لها قابلية حفظ الشرع فلا يعرف المعروف ليمتثله ولا يعرف المنكر ليجتنبه، فاستوفى الوصف الشطرين: الإيجابي بالجلب، والسلبي بالدفع، فليس له منهما نصيب، بل قد فسد المحل فصار يقبل المنكر على جهة الإقرار، والمعروف على جهة الإنكار، وقد أكد هذا المعنى في معرض الذم تنفيرا بتكرار أداة النفي: "لا"، ثم جاء الاستثناء: إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ
(يُتْبَعُ)
(/)
فذلك من الاستثناء المنقطع فلا يعرف إلا ما أشرب من هواه، على ما تقدم من تمكن الهوى من قلبه، فيقدر بـ: "لكن"، على وزان قوله تعالى: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)، فالمستثنى: "قيلا سلاما" ليس من جنس المستثنى منه: "لغوا ولا تأثيما" فلا يسمعون اللغو لكن يسمعون السلام تحية أهل الجنة، أو يقال بأنه من المدح الذي أريد به الذم، فالاستثناء من وصف السوء مظنة من تحقق وصف خير، ولو ضئيل، فجاء الاستثناء ليزيد وصف السوء بيانا وتقريرا، على وزان قولك: فلان ما فيه خير إلا أنه بخيل، فذلك ذم بعد ذم، بل هو آكد في الذم بإيهام المدح بالاستثناء.
قَالَ حُذَيْفَةُ: وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ قَالَ عُمَرُ أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ قُلْتُ لَا بَلْ يُكْسَرُ وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ: فشبه عمر، رضي الله عنه، بالباب الذي لا يفتح، بل يكسر قهرا، فلا يعود كما كان، فالكسر مئنة من الإكراه والغلبة، كما ذكر ذلك النووي، رحمه الله، في "شرح مسلم"، فذلك من جنس تشبيه أبي ذر، رضي الله عنه، له بقفل الفتنة، فلا يفتح، أيضا، وإنما يكسر قهرا، فعمر، رضي الله عنه، أمان من الفتن، فلا تجرؤ فتنة أن تطل برأسها في زمانه، وخبر صبيغ بن عسل على ذلك خير شاهد، فلا يطمع محدث في الديانة أن يزيد فيها وينقص وعمر لما يقبض، فأي رجل ذاك الذي اختاره الرب، جل وعلا، لهذا المنصب؟!، وأي شجاعة دينية وقرت في هذا القلب فارتج لها عرش كسرى وصاحبها يتوسد التراب في ثوب مرقوع؟!.
قد يدرك المجد الفتى وإزاره ******* خلق وجيب قميصه مرقوع.
والشاهد أن تشبيه عمر، رضي الله عنه، بالباب: من قبيل الاستعارة التصريحية فقد حذف المشبه وذكر المشبه به صراحة، وأجمل وجه الشبه لظهور معناه فلم يحسن إيراده، فالباب والقفل مئنة من الغلق والإحكام، فإذا كسرا دخلت الفتن، وقد كان، فقتل عثمان، رضي الله عنه، فكانت أول فتنة، ثم وقعت فتنة الجمل وصفين، ثم قتل علي، رضي الله عنه، ولم تزل الفتن الخاصة والعامة تتوالى حتى يومنا هذا، فينجوا آحاد وتهلك فئام، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم فألهمه سلوك طريق النبوات على جهة الاقتداء، فلا نجاة إلا باقتفاء الأثر على منهج السلف الذين صيروا القرآن المسطور، واقعا منظورا، فغيروا العالم القديم في سنوات معدودات بفتوحات أذهلت عقول المؤرخين المتأخرين لا سيما الغربيين الذين يغلب على فكرهم الطابع المادي لما أحدثته العلمانية في نفوسهم من إيمان مطلق بالسبب المحسوس، وإنكار مطلق للمشيئة العليا التي تدبر هذا الكون بمقتضى تلك الأسباب، فهي جملة من السنن الشرعية والكونية، فـ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، و: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، و: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، و: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) ..... إلخ، فتلك سنن كالسنن المنظورة من تعاقب الليل والنهار ودوران الكواكب حول الشموس ..... إلخ.
فلا تنفذ هذه السنن وتجري إلا بمشيئة الرب، جل وعلا، فهي عامة لا مخصص لها، وهي نافذة لا راد لها.
والله أعلى وأعلم.
ـ[سنهور]ــــــــ[05 - 06 - 2010, 10:37 ص]ـ
فتح الله عليك ومتعك بدوام الصحة وجزاك عن هذا خيرا
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 06 - 2010, 11:53 ص]ـ
وفتح عليك أيها الكريم ومتعك بالعافية وجزاك خيرا على المرور والتعليق.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن إخباره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما جرى من فتنة يوم الدار التي قتل فيها الخليفة الشهيد عثمان رضي الله عنه:
يا عثمان، لعل الله أن يقمصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه، فلا تخلعه.
فقوله: يا عثمان:
من النداء استرعاء لانتباه المخاطب، فالخبر أو الأمر عقيبه مظنة الاهتمام، فيشحذ النداء همة المنادى فيصير أقرب إلى تصديق الخبر وامتثال الأمر.
لعل الله أن يقمصك قميصا: فذلك من الإشفاق تمهيدا للأمر التالي عقيبه، وبعض أهل العلم يشير إلى هذا المعنى باسم التوقع فلا يكون إلا للأمر المكروه، وأي مكروه أعظم من قتل رئيس الجماعة المسلمة في فتنة هوجاء أثارها فئام من شذاذ الأمصار، وذلك بخلاف الترجي فهو يكون للأمر المحبوب، من قبيل قولك: لعل الله يرحمنا.
واستعير التقمص الحسي لتقمص منصب الخلافة، فذلك معنى جاء الوصف الحسي تقريبا له إلى الأذهان، والجناس الاشتقاقي بين: "خلعه"، و: "فلا تخلعه": آكد في تقرير المعنى.
فإن أرادوك: ففيه تضمين لمعنى الإرغام، واستعير لازم القميص في مقام النزع الحسي، للازم الخلافة في مقام العزل المعنوي.
وجاء طباق السلب بين: "فإن أرادوك على خلعه" فذلك من الإثبات، و: "فلا تخلعه" فذلك من النهي الذي يلزم منه انتفاء وجود المنهي عنه، جاء هذا الطباق في سياق الشرط، ليزيد الأمر توكيدا بتعليق المشروط على شرطه فذلك من اللزوم العقلي الوثيق.
وفي رواية ثانية:
يا عثمان، إن الله مقمصك قميصا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه:
فجاء السياق مؤكدا، بالناسخ: "إن"، واسمية الجملة، فضلا عن تكرار الفاعل بالنظر إلى الضمير المستكن في اسم الفاعل: "مقمصك"، فيحتمل ضميرا، وإن كان احتماله له أضعف من احتمال المضارع الذي ناب عنه، فالفعل أقوى احتمالا للضمير من الاسم، ولو كان مشتقا يعمل عمله، ودلالة الوصف المشتق الزمانية تطابق دلالة المضارع الذي ناب عنه، فذلك مئنة من الاستقبال باعتبار زمن التكلم، فلما يتول عثمان، رضي الله عنه، الخلافة بعد، وتصدير الكلام بالخبر المؤكد مما يشحذ ذهن المخاطب ويسترعي انتباهه لا سيما إن كان صاحب الشأن، فهو موطئ لما بعده، ودلالته التوكيدية توطئة أخرى لمعنى الإلزام في النهي، فليس ذلك إرشادا في معرض التحذير، بل هو إلزام في معرض التكليف.
ووصف الله، عز وجل، بـ: "المقمص"، جار على ما تقرر في الإلهيات من التفريق بين الاسم والوصف، فالاسم يطلق على الرب، جل وعلا، بلا قيد، والوصف لا يطلق إلا بقيد، فلا يسمى الله، عز وجل، بـ: "المقمص"، وإنما يوصف بأنه يقمص من شاء من عباده بمقتضى قدرته وحكمته قميص الخلافة أو الولاية، فذلك من وصف فعله المتعلق بمشيئته، عز وجل، فليس ملازما لذاته ملازمة الاسم كالعزيز أو وصف الذات كالقدرة: للذات، بل هو مما يحدثه متى شاء كيف شاء على الوجه اللائق بجلاله.
وفي رواية ثالثة:
إن كساك الله ثوبا فأراد المنافقون أن تخلعه، فلا تخلعه:
فتلك استعارة أخرى حذف فيها المشبه وهو الخلافة، وصرح فيها بالمشبه به وهو الثوب، على القول بجريانها في الاسم، وعلى القول بجريانها في الفعل: "كسى"، تكون الاستعارة تصريحية في الفعل الذي استعير لمعنى التكليف، فمنصب الخلافة تكليف شرعي يتلبس به صاحبه تلبسه بما يكسو بدنه من الشعار أو الدثار، وفعل الكساء مظنة السبوغ وهو مئنة من تمام التلبس بمنصب الخلافة فلا يجوز للخليفة أن يستقيل ما لم يكن ثم كفؤ يخلفه، فالأصل في منصب الإمامة العظمى: التأبيد، فلا يعزل الإمام العام للمسلمين إلا بعوارض ذكرها من صنف في مسائل الإمامة والسياسة من أهل العلم، وذلك بخلاف أمراء الأمصار، لا سيما أمراء الجور كما هي الحال في زماننا، فنعتهم بإمارة المؤمنين كما يقع في بعض الأمصار ومن بعض الأفراد والجماعات: نوع هزل تغلب عليه المداهنة التي لا مستند لها من شرع أو عقل، فليس لهم من التفويض الشرعي ما يؤهلهم لهذا المنصب الجليل، وليس لهم من قوة السلطان ما يبرر نعتهم بهذا الوصف الجليل، فلا حكومة دينية ولا حتى دنيوية، وإنما ضعف وذلة في الخارج، وبطش وإرهاب في الداخل، فتلك أدوات حكام الجور لحفظ رياساتهم الهشة، فلم يتولوا إلا جبرا، وإنما امتنع الخروج عليهم
(يُتْبَعُ)
(/)
امتثالا لأمر الشرع الحنيف درءا لمفسدة الخروج على أئمة الجور، لا كرامة لهم فليسوا لذلك بأهل، فمنصب الخلافة والإمارة أجل من أن يخلع على تلك المسوخ الشائهة، فلا يوضع وصف كهذا الوصف الشريف في محل خسيس لا يليق به، فذلك نقض لقياس العقل الصريح الذي به يتعلق الحكم بالمحل مدحا أو قدحا، فمن مدح من لا يستحق المدح فخلع عليه وصف ثناء، لا سيما إن كان شرعيا، وليس له بأهل بل هو مستحق لضده!، من فعل ذلك فقد أبطل دلالة العقل بالحكم على الشيء بنقيض ما يستحق، فالأمر، كما تقدم، شرعي عقلي في نفس الوقت، فلا يستقيم ذلك التجوز في الإطلاق لا شرعا فهو المعيار الأول في هذه المضائق، ولا حتى عقلا!.
وبمطالعة نقص حال الخلف في أمور الديانة والسياسة يظهر فضل السلف عليهم فهم أكمل منهم في كل شأن ديني ودنيوي، وإن حدث للآخرين من الوسائل ما لم يحدث للأولين، فإنهم لما استعملوها في ضد ما شرعت له، فصيروها أداة تخريب عادت بالوبال عليهم، بخلاف الأولين الذين صنعوا حضارة زاهرة بوسائل أقل بكثير من الوسائل المعاصرة فجاءت حكوماتهم السياسية، على سبيل المثال، أكمل الحكومات وأعدلها وأقواها وأبقاها ذكرا، وقل ما شئت من أوصاف الثناء، فهي حكومات دينية قد تأيدت بالوحي المعصوم لا حكومات كهنوتية تسترق البشر باسم الديانة، أو حكومات لا دينية تسترق الناس بشعارات الجاهلية الأولى.
وجاء متعلق فعل الإرادة مصدرا مؤولا: "أن تخلعه" فله دلالة توكيدية بزيادة مبناه على مبنى المصدر الصريح، فزيادة المبنى كما اطرد في كلام البلاغيين مئنة من زيادة المعنى، ودلالة زمانية باعتبار زمن التكلم، فـ: "أن" تمحض مدخولها للاستقبال، فلما يتول عثمان، رضي الله عنه، كما تقدم، الخلافة بعد ليريده المنافقون على نزعها.
وفي رواية رابعة:
ولا تنزعن قميص الله الذي قمصك:
فجاء النهي مؤكدا بنون التوكيد المثقلة، فذلك مئنة من اللزوم، كما تقدم، وأضيفت الخلافة التي استعير لها معنى القميص إلى الله، عز وجل، فذلك من إضافة التشريف، فهي ولاية دينية شريفة، ونعمة ربانية جليلة نزعت من الأمة من عقود ناهزت القرن، فوجد المسلمون من شؤم إبطالها طوال هذا القرن من المحن والبلايا ما لاقوا، فذلك سر إصرار عدوهم على إبطالها، ولو كانت صورية، فلم يرض الحلفاء عن أتاتورك، رائد العلمانية المعاصر وقدوة كل عدو للديانة متشح بثوب الزعامة الوهمية والبطولة الورقية، لم يرضوا عنه إلا بعد إبطال رسم الخلافة، مع أنه أبطل قبله رسم السلطنة فنزع من الخليفة وظيفته الرئيسة في سياسة الدنيا بأحكام الشريعة، وصيره رمزا بلا أثر، على وزان الملكيات الأوروبية المعاصرة التي لا سلطان للملك فيها إلا سلطان الرياسة المعنوية، فضن الغرب على المسلمين بالرمز، ولو أثرا بعد عين، لئلا يكون لهم رمز جامع يستمد سلطانه من الشريعة التي أوجبت على الأمة نصب الخليفة، فالبعد الديني في منصبه، ولو كان صوريا، بعد ظاهر، يذكر المسلمين بوحدتهم الدينية الجامعة، وهو ما سعى الغرب، ونجح إلى حد كبير، في محوه بإثارة النعرات الطائفية والوطنية التي قطعت أوصال الجسد الواحد، وأحدثت من الخصومات ما تنافرت لأجله القلوب، فصارت كالزجاج المكسور، فلا جبران لهذا الكسر إلا بمراجعة أحكام الدين الخاتم، دين: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).
وللعلماء في جواز إطلاق لفظ: "خليفة الله"، أو الخلافة عن الله، عز وجل، خلاف معروف، والأصل فيه اختلافهم في تفسير الخلافة في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً):
فقال بعض أهل العلم: هم خلفاء يخلف بعضهم بعضا.
وقال بعض آخر: هم خلفاء عن الله، عز وجل، خلافة ابتلاء، لا خلافة عن غائب كما يقع في عالم الشهادة من خلافة سلطان عام لسلطان خاص فذلك مئنة من عجز السلطان عن حكم سلطنته بنفسه، فلا بد له من خلفاء ينوبون عنه، وذلك معنى قد تنزه الرب، جل وعلا، عنه بداهة، فقدره نافذ وعلمه محيط بكل ذرات كونه، فلا يفتقر إلى الشريك المقاسم أو الظهير المعاون.
وإلى طرف من ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:
"بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَكُونُ خَلِيفَةً لِغَيْرِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا} وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ حَيٌّ شَهِيدٌ مُهَيْمِنٌ قَيُّومٌ رَقِيبٌ حَفِيظٌ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ وَلَا ظَهِيرٌ وَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَالْخَلِيفَةُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْتَخْلَفِ بِمَوْتِ أَوْ غَيْبَةٍ وَيَكُونُ لِحَاجَةِ الْمُسْتَخْلَفِ إلَى الِاسْتِخْلَافِ". اهـ
وأما الجعل في قوله تعالى: (يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى): فهو يحتمل الجعل الكوني، فيكون لازمه الشرعي: (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى)، ويحتمل الجعل الشرعي لما تقدم من شرعية منصب الخلافة على سبيل الإيجاب على الجماعة المسلمة فلا قيام لأي جماعة إنسانية، ولو على غير منهاج النبوة، إلا برأس يلتف حوله أفرادها.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سنهور]ــــــــ[06 - 06 - 2010, 12:57 ص]ـ
ليس غريبا عليك ما تقدمه
فمصر ولادة دائما بالعلماء
الذين نشروا العلم فى جميع بقاع الأرض
ونعلم أن نهرالعلم لم ينقص منه شيئا
ومازلنا واقفينا على شاطئه لنرتوى من مائه العذب
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 06 - 2010, 05:34 ص]ـ
جزاك الله خيرا على المرور وحسن الظن أيها الكريم.
ومن حديث أسامة، رضي الله عنه، مرفوعا: (أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ الْآطَامِ فَقَالَ هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى إِنِّي أَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ).
فالاستفهام قد أفاد التشويق الذي يسترعى به انتباه المخاطب، والرؤية البصرية التي وقعت في حيز الاستفهام قد استعيرت للرؤية العلمية، فذلك آكد في تقرير المعنى المعقول بإجرائه مجرى المعنى المشاهد المحسوس، فالفتن، وإن كانت تدرك آثارها بالحواس، إلا أنها، لا سيما إن كانت غيبا لما يقع، مما يدرك بالعقل ابتداء، فالشبهات والشهوات معان وإرادات تقوم بالنفس فتؤثر فيها بالزيغ في التصورات والفساد في الإرادات، فما من فتنة إلا ولها وجه تعلق بالعلم فتكون شبهة، أو العمل فتكون شهوة، وكثيرا ما يجتمع لها الوصفان فتكون أعظم أثرا في النفس فضررها قد طال القوة العلمية والقوة العملية، ففسد التصور العلمي الباطن، وفسد تبعا له الحكم العملي الظاهر، فالحكم فرع عن التصور كما قرر أهل النظر.
وقد يقال بأن: "هل" تحتمل: معنى النفي، فتقدير الكلام: ما ترون ما أرى!، استعظاما له، وإشفاقا على المخاطب فلا يرى لقصور نظره ما يرى المتكلم من العواقب والمآلات.
ثم جاء الجواب على جهة الفصل للتلازم الوثيق بين السؤال وجوابه، فبعد الإجمال تشويقا، جاء البيان عقيبه فذلك آكد في تقرير المعنى، فصدر بالناسخ المؤكد: إِنِّي أَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ، فذلك جار مجرى ما تقدم من استعارة رؤية البصر لرؤية العقل، ودخلت: "أل" الجنسية الاستغراقية على المرئي فأفادت العموم وهو مظنة التكثير، فهي فتن كثيرة، كما قد دل على ذلك التشبيه البليغ بإيراد المصدر، أو اسم المصدر: مواقع القطر، المبين لنوعه، فوجه الشبه بينهما: الكثرة، فالفتن تتوالى توالي حبات القطر المنهمر، وهو خبر باعتبار المبنى، إنشاء باعتبار مبناه فقد سيق مساق التحذير.
وشاهد الحال مصدق لذلك، فإن الفتن الخاصة والعامة ترد على القلب تباعا، فيغلي بها غليان المرجل، فلا ينقطع الابتلاء من حين اليقظة إلى المنام، ومن حين التكليف إلى الممات، فتعرض الشبهات للقوى العلمية فتصديق أخبار الوحي المحكمة أمان منها، وتعرض الشهوات فامتثال أحكام الوحي العادلة أمان منها، وتعرض الفتن والنوازل العامة، فيظن الظان حال ورود الفتنة أنها أعظم الفتن، فلو نجا منها فلا سبيل عليه!، فإذا أدبرت وأقبلت أخرى، عظمت في عينه حتى تمنى رجوع الأولى!، فكل فتنة أعظم من أختها، ولا ينجو من ذلك القطر المنهمر إلا من سدده الرب، جل وعلا، فآمن بالنبوة فصدق الخبر وامتثل الأمر.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 06 - 2010, 06:31 م]ـ
ومن حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، مرفوعا: (يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ).
فجاء بفعل المقاربة مئنة من قرب وقوع هذا الأمر، مع أن الزمان كان زمان نبوة وهي أكمل الأحوال، وقد يقال بأن كمالها مئنة من وقوع النقصان بعدها لزوما، فتلك سنة كونية جارية في الأديان والأبدان والدول، وانظر إلى حال كل دين كيف يظهر غريبا ثم يشتهر ثم يعود غريبا، فتلك حال نعيشها في زماننا، وهي تأويل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"، وذلك، عند التأمل، مع كونه حالا ناقصة، بانحسار أمر الديانة لما قل تعظيمها في النفوس، فكان العقاب تسليط الذل، فذلك أيضا تأويل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ
(يُتْبَعُ)
(/)
وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"، فذلك عند التأمل من أظهر دلائل نبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أخبر عن غيب لما يقع في زمانه، فحذر منه، وأرشد إلى ما يجب على من حضرته فتنة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر الاستطاعة، وإلا فالعزلة، برسم الفقه والسنة، فلا عزلة إلا بعد علم لئلا يضل المعتزل بما يرد عليه من أحوال، فزماننا خير شاهد على صحة هذا الخبر، فهو تأويل صحيح له، فقد وقع كما أخبر به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل قد وقع من الفتن ما وقع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولما ينقض قرنه، خير قرون هذه الأمة، فبدأت الفتنة تطل بمقتل عمر، رضي الله عنه، ثم وقعت بمقتل عثمان رضي الله عنه. فالمقاربة من هذا الوجه ظاهرة فبين وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومقتل عثمان، رضي الله عنه، 24 سنة، وهي لا تساوي شيئا في عمر الأمم، ومع ذلك أنجى الله، عز وجل، هذه الأمة من تلك الفتنة وما بعدها، وإن لم ترجع إلى سابق عهدها، فما زال الأمر في انتقاص من لدن تمام الرسالة إلى يوم الناس هذا، فليس زمان، إلا وما بعده شر منه، وذلك أمر يظهر حتى في الأخلاق والقيم الاجتماعية فضلا عن المثل الشرعية، وإن كان الوعد، وهو، أيضا، من أخبار النبوة التي لما يأت تأويلها، قد جاء بظهور هذا الدين، فذلك الظهور الثاني بعد ظهوره الأول، وإن كان ظاهرا في كل عصر ومصر بحجته الدامغة، فهو: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا). والشاهد أن الفتن في هذه الأمة ليست كالفتن في غيرها، فهي مرحومة، حتى حال فتنتها، فينتقص من قدرها بظهور الأمم الأخرى عليها، ولا ينتقص من دينها، فقد تكفل الرب، جل وعلا، بحفظه، فلم يكل الرسالة الخاتمة إلى أهلها كما قد وكل ما تقدمها من الرسالات إلى أهلها، فوقع في علومها من التحريف زيادة ونقصانا ما وقع، ووقع في أعمالها من الغلو والجفاء ما وقع، حتى ضاع الحق، فروايته منقطعة، ودرايته مبتدعة، فلا نقل صحيح ليسلم بحروفه، ولا عقل صريح ليسلم بحدوده.
والكثير، كما قرر النحاة، اقتران خبر أوشك بـ: "أن" فهي تمحضه للاستقبال، فالخبر زمن التكلم، لما يقع تأويله بعد كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وقدم الخبر، تشويقا إلى معرفة ماهية المال الذي يمدح اتخاذه زمن الفتن، فوصف بالخيرية، فـ: "خير" مئنة من التفضيل وإن لم تجر على وزنه القياسي، كما قد ذكر النحاة ذلك في باب: "خير" و: "شر"، وما ألحق بهما كـ: "حب"، فأصلها: "أحب"، ثم حذف أولها تخفيفا، ثم جاء بيان ماهية هذا المال فهو: "غنم": قد نكرت مئنة من النوعية، ثم زيد في بيانها بقيد الوصف التالي لها: "يتبع بها": فالمضارع، أيضا، مئنة من الاستقبال، فلما يقع ذلك بعد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع سابق، وهو يدل، مع ذلك، على تجدد الفعل وحدوثه، فتلك حال متصلة باتصال زمان الفتنة التي تطول غالبا: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ)، وفتن زماننا خير شاهد على ذلك، فزمانها متصل وأيامها شديدة الوطأة، وحصار الأحزاب شرقا وغربا لأهل غزة مثال حي على ذلك لا يدرك حقيقته إلا من كابد مشقته، فليس من عوفي، ولو ظاهرا، كمن ابتلي، وليس من شبع وراح ينظر في الأمر نظر المحلل السياسي والخبير العسكري!، فيعدل ويجرح وهو لم يلق شيئا مما لقيه أصحاب الشأن، ليس من تلك حاله كمن جاع ونام في العراء، فليت أصحاب العافية الظاهرة يدعون أصحاب الابتلاء، فلا ينالهم شر ألسنتهم، إن لم يقدروا على معونتهم، فالسكوت ممدوح إن كان عن الشر، ولا شر من القدح فيمن يظن به الخير والدين، فتلك من الحيل النفسية التي يتسلى بها العاجزون عن القيام بأمر الديانة ليبرروا لأنفسهم تقصيرهم الذي فضحه صمود أهل الابتلاء، وتداعي أصحاب الضمائر الحية، ولو كفارا، إلى فك الحصار وإجلاء الأحزاب، أو بمعنى أصح: إحراجها لترفع الحصار، لا سيما الأحزاب التي تدعي لنفسها ما ليس لها من الشهامة والتضحية في سبيل
(يُتْبَعُ)
(/)
نصرة القضية، فقد أنست الناس بتخاذلها ما قد فعله من سبقها من ضروب النجدة لأهل تلك البلاد التي بارك الرب، جل وعلا، حول مسجدها، فعلى أولئك يصدق قول القائل:
إذا افتخرت بآباء لهم شرف ******* قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا.
وإما أن تصنع شيئا فتخرس ألسنة النقد، أو تخرس أنت إن كنت عاجزا لا تقدر على شيء!.
والمضارع، أيضا، ذريعة إلى استحضار تلك الصورة التي يصير فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عديم الجدوى، فيصح، عندئذ، تأول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، باعتزال الشأن العام سواء أكان ذلك بغنم أم بغيره، فالمعنى أعم من خصوص صورة تتبع شعف الجبال ومواقع القطر، وإنما ذكرت تلك الصورة لتقريب المعنى إلى ذهن المخاطب بإيراد صورة قريبة إلى ذهنه، فالعربي يدرك من صورة الرعي وتتبع مواضع الماء والكلأ ما لا يدرك غيره، فتلك صورة حية من بيئته، فحسن ضرب المثل له من واقع حياته، ليكون ذلك أرسخ في ذهنه، فذلك من قبيل ضرب المثل في معرض بيان أدلة الربوبية في نحو قوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)، فتلك أمور يسهل على العربي في البيئة الصحراوية تأملها، فهي مفردات حياته اليومية إن صح التعبير، فيكون ذكر الغنم في الحديث جار مجرى ما سبقت الإشارة إليه مرارا من تفسير المعنى العام بذكر فرد من أفراده على سبيل التمثيل لا التخصيص، فذكر بعض أفراد العام في معرض التمثيل لا يخصصه، بل هو بمنزلة التعريف بالمثال، وهو أحد ضروب التعريف عند أهل النظر.
وقوله: "شعف الجبال" قد ورد بلفظين، فـ: "شعف": بالمعجمة، فهي أعلى الجبال، ولا إشكال فيها، و: "سعف"، بالمهملة، فقد ردها بعض أهل العلم فجعلها تصحيفا، وقبلها آخرون، فجعلوها من قبيل الاستعارة التصريحية الأصلية، فقد استعير فيها السعف، فمكانه أعالي النخيل، فكذلك حال الراعي الذي يتبع بغنمه أعالي الجبال.
وأما قوله: "ومواقع القطر": فهو من قبيل الدلالة على المحل بما يحل فيه، فمواقع القطر هي بطون الأودية التي تتجمع فيها مياه الأمطار، فتلك من قبيل الكناية عن الموصوف، فتجري مجرى الكناية عن القلب بأنه مجمع الأضغان.
وأشار الحافظ، رحمه الله، إلى وجه تخصيص شعف الجبال وبطون الأدوية بالذكر دون بقية المواضع، فهي مظان المرعى، فينبت فيها الكلأ ما لا ينبت في غيرها.
ثم جاء الاستئناف على جهة التعليل لما قد سبق، فحسن الفصل فلا عاطف للتلازم الوثيق بينهما، فبين العلة والمعلول شبه كمال اتصال يسوغ الفصل، فالمخاطب قد تولد في عقله السؤال عن علة كون الخيرية في هذا الفعل، فجاء الجواب على جهة المضارعة أيضا مئنة من استحضار تلك الحال: يفر بدينه، فالباء تحتمل السببية، فيكون دينه هو سبب فراره من الفتن، وتحتمل المصاحبة، فيفر بدينه صيانة له من الفتن، وكلا الوجهين صحيح، فلا إشكال في حمل السياق عليه، بل ذلك هو الأولى عند عدم التعارض إثراء للمعنى، فكثرة الأوجه تزيد اللفظ بيانا، وكذلك الحال في: "من"، فتحتمل السببية إن حملت الباء على المصاحبة، فيفر بدينه بسبب الفتن، وتحتمل الابتداء، فابتداء غاية الفرار من الفتن، وتحتمل الجنسية، فيفر بدينه من جنس الفتن، وتحتمل التبعيض، فيفر بدينه من بعض الفتن دون بعض، فمن الفتن ما يقدر المكلف على الثبات فيها فلا يشرع له الفرار، بل الأولى في حقه البقاء لإرشاد الناس وبذل النصح لهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ومنها فتن عامة لا يقدر على الثبات فيها إلا آحاد الراسخين، فإن لم يقدر المكلف على الصمود إليها، فليفر بدينه إلى شعف جبال، ولو في قعر بيته!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[امازيغية لله]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 11:34 ص]ـ
جازاكم الله خيرا على الموضوع الثري
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 07 - 2010, 06:30 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على المرور والتعليق ونفعكم ونفع بكم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن حديث: «يا عبد الله بن حوالة، كيف تصنع في فتنة في أقطار الأرض كأنها صياصي البقر، والتي بعدها كنفجة أرنب؟» فقال: ما خار الله لي ورسوله، فقال لي: «اتبع هذا، فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق». قال: فلحقت الرجل، فأخذت بمنكبيه، فلفته، فقلت: يا رسول الله هذا؟ قال: «نعم». فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه
فالنداء بالبعيد استنهاض لهمة المخاطَب ليقبل على المخاطِب بكليته، ثم جاء الاستفهام تشويقا إلى مراد المتكلم، وقد نكرت الفتنة تعظيما، ثم أطنب صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بيان أوصافها، فهي في أقطار الأرض، وفي رواية: "فِتْنَةٍ تَفُورُ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ"، فالفوران مئنة من الهيجان، كما حكى صاحب "اللسان" رحمه الله: "فارتِ القِدْرُ تَفُور فَوْراً وفَوَراناً إِذا غلت وجاشت وفار العِرْقُ فَوَراناً هاج ونَبَعَ"، فاستعار الفوران الحسي للفوران المعنوي، فذلك من قبيل الاستعار التصريحية التبعية للفعل: "فار" لمعنى الفعل: "انتشر"، فالهيجان والفوران مئنة من الانتشار، وفي رواية أخرى: "كيف تصنعون بفتنة تثور في أقطار الأرض"، والثورة، أيضا، مئنة من الانتشار، ففيه استعارة للثورة الحسية للثورة المعنوية التي تطير فيها الفتنة إلى سائر الأقطار، فذلك مئنة من العموم، وهو محمول على العموم العرفي آنذاك، لا العموم المستغرق، فلم تعم فتنة مقتل عثمان، رضي الله عنه، أقطار الأرض المعروفة الآن، ولا حتى في ذلك الزمان، فيكون العموم مخصوصا بالعرف أو بالعقل فالأرض أرض معهودة هي المدينة التي وقعت فيها أحداث الفتنة، أو هي دولة الإسلام في عهد الخليفة الراشد عثمان، رضي الله عنه، فيكون العموم محفوظا بالنظر إلى أرض المسلمين، مع أن ذلك لا يسلم لقائله من كل وجه، فلم تعم الفتنة بلاد المغرب، على سبيل المثال، وقد يقال بأن سائر أمصار المسلمين لم تسلم من آثار هذه الفتنة، فقد خرجت جموع الثوار من مصر والكوفة والبصرة، وجرت أحداث الفتنة في المدينة، وامتد أثرها إلى بلاد الشام، لما اجتهد معاوية، رضي الله عنه، فلم يبايع حتى يقتص لعثمان، رضي الله عنه، فهو ولي الدم، بوصفه آنذاك، شيخ بني أمية، رهط عثمان، فاجتهد علي، رضي الله عنه، وهو الأدنى إلى الحق، والأولى بالسمع والطاعة، لكونه ولي الأمر الشرعي، فرأى تأجيل القصاص حتى تهدأ ثائرة الفتنة، فكان ما كان في يوم صفين بين الطائفتين المؤمنتين، فنال أهل الشام من أثر هذه الفتنة ما نال أهل بقية الأمصار، وقد يقال بأن العموم هنا ادعائي، بوصف أرض المسلمين آنذاك هي الأرض حقا، فعليها تسطع شمس النبوات، وفيها من الكنوز والخيرات ما ادخره الرب، جل وعلا، لأهل تلك البلاد، وهم، مع ذلك الفيض الشرعي والكوني: أكمل الناس عقلا وأصحهم مزاجا، ثم شبهت الفتنة في شدتها وصعوبة الأمر فيها بأنها كصياصي البقر، وهي: قرونها، فذلك من التشبيه المرسل المجمل الذي حذف وجه التشبيه فيه لظهور المعنى من لفظ: "صياصي"، فقرون البقر حادة شديدة، فضررها إذا أصابت الإنسان عظيم فقد تتلف بدنه، فكذلك الفتن شديدة تتلف العقول والقلوب، فتشتبه على كثير من الناس، وهذا هو القول الثاني في وجه الشبه، وهو مأثور عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فهي كالبقر يشبه بعضه بعضا فيشتبه على كثير من الناظرين فلا يميز بينها إلا من له دراية بها، فيميز بقره من بقر غيره، فكذلك الفتن، فهي متشابهات تحير الناظر فيها، ما لم يكن راسخا، بل قد تشتبه على الراسخين، كما اشتبهت فتنة مقتل عثمان، رضي الله عنه، على أكابر الصحابة، كما أثر ذلك عن الزبير، رضي الله عنه، كما في تاريخ الطبري رحمه الله: "إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها فقال له مولاه أتسميها فتنة وتقاتل فيها قال ويحك إنا نبصر ولا نبصر ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإن لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر"، وفي إسناده: سليمان بن أرقم، وهو ضعيف، كما في "التقريب"، ولكن معناه صحيح فقد اشتبه الأمر على بعض الصحابة، رضي الله عنهم، فاجتهدوا في إصابة الحق ففاز بعضهم بأجر الاجتهاد، وفازت طائفة علي، رضي الله عنها، بوصف الأدنى إلى الحق، فمع الأخرى حق ولكنه لا
(يُتْبَعُ)
(/)
يبلغ الحق الذي معها، وفاز من قعد عن القتال من الصحابة، رضي الله عنهم، بأعظم نصيب من الحق، فالفتنة إذا أقبلت اشتبهت على أكثر الناس، وإذا ارتحلت علموا حقيقتها بعد فوات الأوان.
فذكر الصياصي هنا من باب ذكر بعض وإرادة كل، فالقرون جزء من هيئة البقر، والمراد تشابه الذوات لا القرون، وقد تحمل على القرون فلا حاجة إلى التقدير، فالشبه بينها، أيضا، كبير، فكلها على هيئة واحدة، فتشابه قرون البقر كتشابه ذواتها.
وشبه التي بعدها بقوله: "كنفجة أرنب"، فذلك تشبيه مرسل مجمل آخر فقد شبهها بثورة الأرنب مئنة من قصر مدتها، كما في "اللسان": "ومنه الحديث أَنه ذَكر فِتْنَتَين فقال ما الأُولى عند الآخرة إِلا كَنَفْجةِ أَرنبٍ أَي كَوَثْبَتِه من مَجْثَمِه يُريدُ تقليلَ مدتها"، ومن مأثور عمر رضي الله عنه: "والله ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب"، فذلك مئنة من قصر عمر الدنيا، فكذلك الفتن تأتي فيحار المرء فيها فتزول بسرعة، فإذا فتنة أعظم قد أقبلت، فلا يزال الإنسان مبتلى بالفتن الخاصة والعامة ما جرى عليه قلم التكليف.
فجاء جواب ابن حوالة رضي الله عنه: ما خار الله لي ورسوله، فتحتمل: "ما": الاستفهام، أو الموصولية، فما الذي يخاره الله ورسوله لي في هذه الفتنة؟، فذلك من تمام التسليم لأمر الوحي، فـ: (مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، فما خاره الوحي للمكلف خير مما خاره لنفسه، وما اختاره الرب، للعبد من المقدور: كونيا كان أو شرعيا، خير مما يظن أنه الخير، فذلك مما يوصد به المرء باب السخط على القدر الكوني، وقل من يسلم منه في زماننا، فلا يرضى إلا قليل باختيار الرب، جل وعلا، فيسخط بلسان مقاله أو حاله، وذلك مئنة من قلة الصبر وسرعة الجزع، ويوصد به، أيضا، باب الابتداع في الدين، فيرضى بشريعة الرب، جل وعلا، حكما في كل شئونه، فهي الحكم في عباداته ومعاملاته، وهي الحكم في الشأن الخاص والشأن العام، فالرضا بها حكما مئنة من الرضا بالله، عز وجل، ربا مدبرا مهيمنا.
وتحتمل الموصولية فأختار ما خار لي الله ورسوله، وهو، أيضا، معنى صحيح يدل على كمال التسليم لأمر الرب، جل وعلا، وأمر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم جاء رد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "اتبع هذا": فأشار إليه بإشارة البعيد مئنة من علو الشأن، فذلك من تعظيم قدره، رضي الله عنه، فالحق معه لا مع من ظلمه، ثم جاء التذييل بعلة ذلك: "فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق" فهو آكد في تقرير المعنى، فناسب ذلك أن يقرن بالفاء فمعنى السببية فيها ظاهر، وأن يصدر بالمؤكد الناسخ: "إن"، فذلك، كما تقدم، مئنة من التوكيد.
والله أعلى وأعلم.(/)
مساعدة ضروري
ـ[كااكاا]ــــــــ[12 - 05 - 2010, 12:07 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اول مشاركة لي واتمنى منكم المساعدة يا أهل اللغة والبلاغة
عندي بحث عن اسلوب الاستفهام في سورة الطور والنجم ..
واتمنى منكم انكم تساعدوني في استخراج الايات التي فيها استفهام من سورة الطور والنجم .. والمنعى
ولكم جزيل الشكر ..
ـ[الياسين]ــــــــ[12 - 05 - 2010, 07:08 م]ـ
أعانك الله يا أخي(/)
الجوارح ومعانيها في البلاغة
ـ[الياسين]ــــــــ[12 - 05 - 2010, 07:07 م]ـ
لماذا ارتبط بذكر اليد القوة والفضل، وبالعين الرعاية والحفظ، وبالوجه عن الذات، وباللسان على اللغة وغيرها؟؟؟
ما هو الفرق بين التعبير عن القوة بالقوة والتعبير عنها باليد؟ وهكذا
ـ[منتظر]ــــــــ[14 - 05 - 2010, 11:08 م]ـ
القران نزل بلغة العرب
والعرب تستخدم ذلك والشواهد لاتحضرني الان لكن لي عودة باذن الله
ـ[الياسين]ــــــــ[15 - 05 - 2010, 10:02 م]ـ
أشتاق لذلك .. مشكورا
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[16 - 05 - 2010, 07:45 ص]ـ
أعضاء الإنسان بين الحقيقة والمجاز ...
التعبير عن القوة بالقوة حقيقة، وذلك لأن الحقيقة هي استعمال اللفظ فيما وضع له بمعناه الحرفي، وأما التعبير عن القوة باليد فهو مجاز، والمجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وفي غير معناه الحرفي، بشرط وجود علاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المراد، وقيام قرينة تمنع إرادة المعنى الأصلي. ومتى اشْتُهِر اللفظُ في معناه المجازي صار حقيقةً عُرْفِيّةً له حُكْمُ الحقيقة. وقد اتفق غالبية العلماء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة.
القوة والقدرة من المعاني الرئيسية لليد عند العرب بسبب ما تملكه اليد من قدرات لا عد لها ولا حصر. واليد تحمل من المعاني بعدد ما تحمل من المهارات، فهي العضو المعروف من أعضاء الجسم، ولها أوجه متعددة من القوى والقدرات، فهذه اليد هي التي تساعد، وهي التي تبطش، وهي التي تبني، وهي التي تهدم، وهي التي تعطي، وهي التي تأخذ، وهي التي تسمح، وهي التي تمنع إلخ.
فمعنى (اليد) و (الأيد) تطور مع التطور الطبيعي للغة، واختلف عن المعنى الأصلي، وأصبح بمعنى (القوة)، لذا يقتضي الأمر مراعاة هذه الحقيقة اللغوية عند تفسير آيات الكتاب الكريم الذي نزل وفق سنن لسان العرب ولغتهم.
ونظرا لأن الإنسان يستخدم عيونه في الأعمال التي يلزمها ويشترط فيها الإبصار، مثل الرقابة والرعاية والحفظ، فقد ارتبطت العين بهذا المعنى، وأصبحت تطلق مجازا على من يفعل أفعال الرقابة والرعاية والحفظ، وسميت هذه العلاقة المجازية بالجزئية أي اطلاق الجزء على الكل، فقالوا: "بث الأمير العيون" أي "الجواسيس"، وفي التنزيل العزيز: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي): أي لِتُرَبَّى مَكْلوءا بعنايتي وحِفْظِي.
ونظرا لأن هوية الشخص يتم تحديدها من خلال الوجه في الغالب، فقد ارتبط الوجه بمعنى الهوية التي تميز ذات الشخص عن ذات شخص غيره، وتطور معنى الوجه وأصبح يستخدم للتحديد والتخصيص، وعندما يكنى عن الشيء بوجهه فهذا يعني أنه هو المقصود على وجه التحديد والحصر دون غيره فيقال: لوجه الشيء: أي لذات الشيء على وجه التحديد والخصوص دون غيره.
أمية بن أبي الصلت
أَنابَت لِوَجهِ اللَهِ ثُمَّ تَبتَّلَت --- فَسَّبَحَ عَنها لَومةَ المُتَلَوِّمِ
كعب بن زهير
لَأَستَشعِرَنَّ أَعلى دَريسَيَّ مُسلِماً --- لَوَجهِ الَّذي يُحيي الأَنامَ وَيَقتُلُ
مرداس بن أدية
اللَهُ يَعلَمُ أَنّي لا أُحِبُّهُمُ --- إِلّا لِوَجهِكَ دونَ العَمِّ وَالخالِ
بشار بن برد
إِنَّني واهِبٌ لِوَجهِكِ نَفسي --- فَاِقبَلي ما وَهَبتُ نَفساً وَقَلبا
"إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (الإنسان 9) "
(أي يطعمون الطعام حبا لله لا طمعا في الثواب)
"كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ" (أي إلا ما كان لوجهه)
أريد وجه الله (أريد الله لذاته دون غيره)
كذلك فقد ارتبط اللسان حقيقة ومجازا بالكلام، بل إن مجموعة اللغات المتقاربة أصبحت تسمى باللسان على الحقيقة مثلما أن (اللسان) يوصف بأنه (لغة) على المجاز، من باب إطلاق اسم الجزء على الكل. أما في القرآن الكريم فقد لزم استخدام كلمة (اللسان) بمعناها الحقيقي تمشيا مع السياق الذي وردت فيه، ولم يكن هناك سياق يوجب استخدام الكلمة بمعناها المجازي. واللسان لا يكون من غير صوت ونطق وكلام، وأما اللغة فقد تكون بلا صوت ولا نطق ولا كلام!
قال الشاعر:
وتعطلت (لغة الكلام) وخاطبت --- عيني في (لغة الهوى) عيناك ...
وهناك لغة العيون، ولغة الإشارة، ولغة الموسيقى، ولغة النبات ولغة الطير والحيوان ...
وقال تعالى:
لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (النحل 103)
والله أعلم،
منذر أبو هواش
ـ[أنوار]ــــــــ[16 - 05 - 2010, 08:06 ص]ـ
أستاذ منذر .. جزيل الشكر لكم
جوابٌ مسدد، وبيانٌ موفق
ـ[الياسين]ــــــــ[17 - 05 - 2010, 04:30 م]ـ
بارك الله فيكم سيدي الفاضل، ونفع بكم وزادكم علما .....
بقي لي هنا عتب على أستاذتنا الكريمة فلقد تكلمت عن المجاز من قبل وقلتم لي في ذلك الآتي [أستاذنا الكريم:
أعتذر، أنا من حذف الموضوع؛ لأن الأمر جدُّ خطير وخصوصًا أنه في ذات الله وصفاته، نوقشت هذه المسألة كثيرًا من القدماء والمحدثين - كما تعلم - ولا أمر إلا التفرقة والضلال.
أستاذنا الكريم هناك من العلم ما يكون وبالًا على صاحبه، وقد تتحدث وتظن أنك ستصل لعلم والحقيقة أن هذا الأمر يزرع في النفس الشك العقدي وهو أخطر ما يكون.]
لماذا كان الأمر جد خطير وأصبح الآن جوابٌ مسدد، وبيانٌ موفق؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!. لماذا لماذا هذا الانحياز؟؟؟؟!!!! فأستاذنا قد طرق آيات الصفات وذكر معناها حيث أشار إلى كونها مجازا، وعندما قلت نفس هذا القول شننتم التهويلات، وارجعوا إلى النص السابق الذي ذكرته لكم.
إن كان الحق يعرف بالرجال فإنه لعجب، وإلا فالرجال يعرفون بالحق.
أكرر الشكر والتقدير لأستاذنا القدير، وكتب الله أجر الجميع.
ولأستاذتنا الأخت أنوار شكر خاص على رحابة وسعة الصدر
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[17 - 05 - 2010, 05:32 م]ـ
المجاز أبلغ من الحقيقة ...
يجمع الجمهور على وقوع المجاز في القرآن الكريم، وينكره جماعة بدعوى أن المجاز أخو الكذب، فيعتبرون أن المتكلم لا يذهب إلى المجاز والاستعارة إلا إذا ضاقت به الحقيقة.
لكن الجمهور متفق على بطلان هذا الدليل بكافة المقاييس، وهو متفق على وقوع المجاز في كلام الله بالإجماع، وذلك لأن الكذب محال على الله، والله منزه عنه، ولأنه لو سقط المجاز من القرآن لسقط منه شطر الحسن، ولوجب خلوه من الحذف والتوكيد وتثنية القصص وغيرها.
ويقال إن غالبية العلماء قد اتفقوا على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وقد مثل بعضهم على هذه الحقيقة بقول العرب: "نزل السحاب" أو "نزل السماء" أو "أمطرت السماء نباتًا"، مع أن النازل هو المطر، فهذه حقائق مجازية وليست كذبا، قال الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم --- رعيناه وإن كانوا غضابا.
ـ[أنوار]ــــــــ[17 - 05 - 2010, 08:07 م]ـ
أستاذنا الكريم الياسين:
لك أن تضع ما شئت من علامات التعجب والاستنكار.
فهذا قول وذلك قول وشتان بينهما.
ـ[الياسين]ــــــــ[17 - 05 - 2010, 10:35 م]ـ
بارك الله فيكم سيدي الفاضل ......
كنت قد طرحت موضوع المجاز في القرآن وتناولته في آيات قرآنية مثل قوله تعالى: (بل يداه مبسوطتان) و (لتصنع على عيني) و (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) ووو. وقلنا بأن هذه جاءت على جهة المجاز بمعنى النعمة و الرعاية والحفظ على الترتيب. فشنت تهويلات لا داعي لها، وبعد أن طال النقاش تفاجأنا بحذف الموضوع بحجة مخالفة شروط الانتساب للمنتدى، وهذا الأمر مبرر، لا مشاحة فيه، لكن العجيب الطريقة في التعامل، فها أنتم تطرحون المجاز في الآيات التي ذكرتموها، ولا يمارس معكم ما مورس معي، وهذا الأمر طمأنني كثيرا وألقي عليكم مسؤلية طرقه، كون كلمتكم تلقى كل الترحيب، وإليكم هذا المرفق الذي تناول الموضوع المحذوف، أرجو أن تدلوا لي برأيكم في الحوار بشكل عام ...
ولكم جزيل الشكر
ـ[الياسين]ــــــــ[17 - 05 - 2010, 10:39 م]ـ
http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:X7BRea8EsaIJ:www.alfaseeh.com/vb/showthread.php%3F57808-%25C7%25E1%25E3%25CC%25C7%25D2-%25DD%25ED-%25C7%25E1%25DE%25D1%25C2%25E4-%25C7%25E1%25DF%25D1%25ED%25E3%26p%3D437311+%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86+%D8%A7%D9%84% D9%85%D8%AC%D8%A7%D8%B2&cd=7&hl=ar&ct=clnk&client=firefox-a
وهذا رابط من بداية الموضوع إلى منتصفه أو يقل
ـ[الياسين]ــــــــ[17 - 05 - 2010, 10:55 م]ـ
وللأستاذة الفاضلة أنوار أقول:
لكم عرفت أني بسيط في أسلوب الإقناع وتوصيل المعلومة لكم، وفعلا شتان ما بين هذا وذاك!
والذي يهمني هو أن تتفهموا ما قيل فيه: (جوابٌ مسدد، وبيانٌ موفق).
وكلمة شتان أظهرت لي البعد في التفكير! فكلانا قلنا أن معنى الآية (ولتصنع على عيني) بمعنى الرعاية والحفظ، بل هما سيان، ولربما نظري قصر عن تفاعلكم مع مشاركة أستاذنا منذر و ..... مع مشاركتي الجد خطيرة على حسب تعبيركم.
دعي كل ما قلت، وابحثي عن الحقيقة من أي مشرب رأيته موفقا مسددا، المهم أن يوفقنا الله لما بعد ما نعتقده في أن نتجه في تجسيد الثقافة التي نحملها، وبعدها سنرى أثناء تحركنا أثر كل معتقد نعتقده، فكلنا مؤمنون بأن الثقافة تؤثر على حركة الأمة سلبا وإيجابا.
ولكم جزيل الشكر والتقدير الخاص ...
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[18 - 05 - 2010, 12:26 ص]ـ
الغيب والاختلاف وتعدد الأوجه اللغوية ...
أخي الكريم،
أعتقد أن ظنونك أخي الكريم مبالغ بها، ولا أعتقد أن هناك فرقا مقصودا في تعامل مشرفي الفصيح ومسؤوليه مع الأعضاء، وأنا أنزههم عن ذلك، فضلا عن أنني لا أرى سببا لذلك، ولا أعرف شيئا يجعلني أختلف عنك، لكن الفرق قد يكون فرقا في الاجتهاد، أو في طريقة تناول المسألة وفهمها. لذلك فإنني أرجو منك سعة الصدر، والتركيز على الموضوع، وعدم الخروج عن مساره إلى نقاشات جانبية لن تفيد أحدا، وأرجو أن يوفقنا الله في تبسيط المسألة، وفي تأليف القلوب، والله الموفق.
القرأن الكريم لا يحاكم من خلال التفاسير، لأن التفاسير والاجتهادات ليست وحيا نازلا مع النص، لكنها عمل إنساني قد ترافقه هنا أو هناك بعض الالتباسات الناتجة عن تعدد الأوجه النحوية أو اللغوية، فضلا عن بعض الأخطاء والعيوب الإنسانية التي قد تنتج عن السهو أو نقص في المعلومة أو سوء في الفهم، هذا مع العلم بأن التفاسير لا يعتمد عليها في هدم أي شيء من أصول الدين.
كما أنني أعتقد من جهة أخرى أن معرفتنا بظاهرة تعدد الأوجه في لغة العرب وفي القرآن الكريم يجب أن تمنعنا من التعلق بوجه واحد منها دون الأوجه الأخرى دون مبرر ولا وجه حق، أو الاستدراك على القرآن الكريم والقطع جهلا بما نظن أنه الوجه الصحيح الوحيد كما يفعل المدلسون، فنتسبب من دون قصد منا بإثارة البلبلة والشك لدى بعض البسطاء من الناس.
نحن هنا نتناول المسألة من الناحية اللغوية، فالأيدي عند العرب (على سبيل المثال) هي (جمع يد) على الحقيقة والأصل، كما أنها تعني (القوة) في الوقت نفسه، وهذا ما أشار إليه ابن عاشور في تفسيره حيث ذكر أن معنى (الأيدي) قد تطور مع التطور الطبيعي للغة، وتمخض وأصبح مصدرا جديدا بمعنى "القوة" يختلف عن المعنى الأصلي وهو "جمع يد"، وأن العرب أصبح لديهم بذلك معنيان لفظهما واحد.
جماهير السلف أعرف منا باللغة وبالقرآن الكريم، وقد أجمعوا على تفسير (الأيدي) بالقوة، وأما معنى (أيدي الله) على الأصل والحقيقة ففي اعتقادي أنه معنى لا يمكن فهمه ولا تفسيره، ولا معنى للسؤال عن ماهيته لأنه أمر غيبي لا يعلم تفسيره إلا الله الذي ليس كمثله شيء.
والله أعلم،
منذر أبو هواش
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الياسين]ــــــــ[18 - 05 - 2010, 12:34 ص]ـ
الشكر موصول بكم لكل ما قدمتموه، ولي حوار معكم سيدي الكريم حول سبب استبعاد تفهم لغة القرآن ودلالتها عندما نناقش مسألة عقدية، ولضيق الوقت أستأذنكم في تأخير الجواب إلى الغد بإذن الله.
والدعاء وصيتي
ـ[الياسين]ــــــــ[18 - 05 - 2010, 02:18 م]ـ
سلام الله عليكم سيدي الكريم وأستاذنا الفاضل.
قلتم [وأما معنى (أيدي الله) على الأصل والحقيقة ففي اعتقادي أنه معنى لا يمكن فهمه ولا تفسيره، ولا معنى للسؤال عن ماهيته لأنه أمر غيبي لا يعلم تفسيره إلا الله الذي ليس كمثله شيء.]
قلتم بأن المعنى اللغوي الحقيقي لا يمكن فهمه ولا تفسيره، فهل هذا يعني وقوع وتحقق المعنى الأصلي دون معرفة معناه وتفسيره؟ أم أنه غير واقع لتعارضه مع قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) فنحمله على المجاز، أود طرح وجهة نظركم أستاذي الكريم بخصوص هذا ..
ولكم جزيل الشكر ..
ـ[أنوار]ــــــــ[18 - 05 - 2010, 04:00 م]ـ
السلام عليكم
أستاذنا الكريم الياسين:
لم يكن الرأي انحيازًا، ولا تعصبًا لأشخاص.
ولو نوقش الموضوع من جانب معنوي ولغوي - كهذا الموضوع -
فلا بأس، ولن تجد اعتراضًا عليه
ولكن كانت هناك مداخلات تناقش من ناحية حسيّة وتغرق بها،
بل وتسترسل في الكيفية ,,
وابحثي عن الحقيقة من أي مشرب رأيته موفقا مسددا
أرجو أن يمنّ الله عليّ بها ..
ـ[الياسين]ــــــــ[18 - 05 - 2010, 05:04 م]ـ
معلمتنا الفاضلة /أنوار
أنا لم أسترسل في كيفية قط، كوني أنكرها أصلا ولا أؤمن بما يلزم منه كيفية، فأنا لا أثبت إلا ما يزيدني معرفةً بالله سبحانه، فالله لا يقدم لنا معلومات عنه و آيات على صفاته لا نرى فيها عظمة، الله يقول: (بل يداه مبسوطتان) في رده على اليهود لعنهم الله إذ نسبوا إليه البخل- تعالى علوا كبيرا عن كل نقص- لينسف سوء نسبتهم، فيقول بل هو المتفضل عليكم، ولا نحمل الآية أكبر من معناها البديهي، كما قال في موضع آخر على سبيل المشاكلة: (نسوا الله فنسيهم) فيعني سبحانه إهمالهم وعدم اللطف بهم وعدم الإكتراث لما هم فيه من العذاب، فلا يصح أن نقول أنه وصف نفسه بـ النسيان على الوجه الذي يليق بجلاله، لأن ما يليق بجلاله هو ما أوردناه من معناها، ولا أريد هنا أن نحول نقاشنا إلى جدل فيه الأخذ والرد، بل أريد أن نحافظ على لغة القرآن ممن يمكن أن يلبسها غير ثوبها الذي جاء بها التنزيل، فنكون هنا جميعنا نؤدي دورا نؤجر عليه، نظرا لأننا ندرك أن الكلام وخصوصا في العقائد عندما يكون غامضا، فهو لا يقدم الإسلام بالطريقة التي تجعل منه ثقافة نتفاخر بنقلها عبر الأجيال، فبالأمس القريب، خلقنا الله إذ لم نكن شيئا مذكورا، واليوم نبتلى في ساحة امتحان الله سبحانه هو المطلع علينا، لينظر كيف تعملون، كلنا بأمس الحاجة لمعرفته سبحانه، لأن معرفته تعني الثقة به والإلتجاء إليه في السراء والضراء، تعني الوعي تعني أن ننطلق من خلال ما نراه من عجائب قدرته وعظيم مخلوقاته لأن نشهد له بالوحدانية، وحدانية المسيرة والحركة البشرية، وحدانية الامتثال والطاعة، فلا سلطة فوق سلطانه، يقول سبحانه: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) ليظهر لنا أهمية توحيده وتنزيهه عن كل ما لا يليق بالكمال المطلق، ووالله إننا لأحوج الناس نحن المتعلمين إلى تسديد الله وتوفيقه والرجوع إليه .. وفقنا الله وإياكم لما ينفعنا جميعا ...
ـ[أنوار]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 10:17 ص]ـ
الأخت الفاضلة /أنوار
أنا لم أسترسل في كيفية قط، كوني أنكرها أصلا ولا أؤمن بما يلزم منه كيفية، فأنا لا أثبت إلا ما يزيدني معرفةً بالله سبحانه،
أنتم لم تسترسلوا، ولكنكم تركتم الحبل على القارب لكل من يدلي بدلوه، ولم تناقشوا أو تعترضوا على من ناقش الموضوع من ناحية حسيّة أو بالأصح من ناحية " لا تليق بجلاله " وكنتُ أجد - والله أعلم في قراءتي القاصرة للموضوع - أنكم تعدون كل ذلك طرحا بين مؤيد ومعارض، وبفضل الله أن ما أعدتموه من الموضوع المحذوف خلا من مشاركة فيها من التجاوز الكثير الذي لا يليق بجلاله.
فالله لا يقدم لنا معلومات عنه و آيات على صفاته لا نرى فيها عظمة، الله يقول: (بل يداه مبسوطتان) في رده على اليهود لعنهم الله إذ نسبوا إليه البخل- تعالى علوا كبيرا عن كل نقص- لينسف سوء نسبتهم، فيقول بل هو المتفضل عليكم
أتساءل هل المجاز وقف عند آيات الصفات، أما في كتاب الله غيرها.
أما وقفتم عند قوله عزّ وجل " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ " مع أن الصورة المعهودة أو المتخيّلة العض على الأصابع، أو يد واحدة وليس اثنتين.
ولمَ صوِّرت السماء بقوله " فكانت وردة كالدهان " والجبال بالعهن تارة وبالعهن المنفوش أخرى.
، ولا نحمل الآية أكبر من معناها البديهي، كما قال في موضع آخر على سبيل المشاكلة: (نسوا الله فنسيهم) فيعني سبحانه إهمالهم وعدم اللطف بهم وعدم الإكتراث لما هم فيه من العذاب، فلا يصح أن نقول أنه وصف نفسه بـ النسيان على الوجه الذي يليق بجلاله، لأن ما يليق بجلاله هو ما أوردناه من معناها، ولا أريد هنا أن نحول نقاشنا إلى جدل فيه الأخذ والرد، بل أريد أن نحافظ على لغة القرآن ممن يمكن أن يلبسها غير ثوبها الذي جاء بها التنزيل، فنكون هنا جميعنا نؤدي دورا نؤجر عليه،
وسؤال أخير .. هل عاميتنا خلت من المجاز، هل حديثنا اليومي خلا منه، حتى يكون استخدام القرآن الكريم هذه الصور غريبًا على أفهامنا، بعيدًا عن مداركنا.
وفقكم الله للخير
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الياسين]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 10:31 م]ـ
ولم تناقشوا أو تعترضوا على من ناقش الموضوع من ناحية حسيّة أو بالأصح من ناحية " لا تليق بجلاله "
وبفضل الله أن ما أعدتموه من الموضوع المحذوف خلا من مشاركة فيها من التجاوز الكثير الذي لا يليق بجلاله.
لإزالة اللبس هل صاحب تلك المشاركة هو أنا؟
ـ[الياسين]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 10:49 م]ـ
أتساءل هل المجاز وقف عند آيات الصفات، أما في كتاب الله غيرها.
هل هذا يعني إثبات المجاز في القرآن فيما يتعلق بآيات الصفات وما لم يتعلق بها؟
وسؤال أخير .. هل عاميتنا خلت من المجاز، هل حديثنا اليومي خلا منه، حتى يكون استخدام القرآن الكريم هذه الصور غريبًا على أفهامنا، بعيدًا عن مداركنا.
لا، لكن هذا لا يعني أن العامية هي لغة القرآن، ويؤكد أثر حفظ الله لكتابه في حفظ لغته، فالمجاز يوجد في غير العربية كونه أبلغ في الكلام عند البشر، إذ يقدم المقصود بصورة أنسب من الكلام العادي (الحقيقي)؟
سيدتي الكريمة أود منكم أن تقدموا ما اتفقنا عليه بخصوص استخدام المجاز في آيات الصفات وغيرها في شكل نقاط، لنرى نتيجة البحث ونقيمه. وأرجو أن يكون ودي محل قبول لديكم ..
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 05 - 2010, 04:01 م]ـ
لإزالة اللبس هل صاحب تلك المشاركة هو أنا؟
ولكنكم أتحتم المجال ..
هل هذا يعني إثبات المجاز في القرآن فيما يتعلق بآيات الصفات وما لم يتعلق بها؟
لا أنفي وجود المجاز في كتاب الله - مع جهلي وقلة علمي -
ولكن لا أعلم سببًا لاصراركم على آيات الصفات، حتى وإن تمحور الحديثُ بعيدًا عنها.
ـ[الياسين]ــــــــ[23 - 05 - 2010, 09:35 م]ـ
لكن لا أعلم سببًا لاصراركم على آيات الصفات، حتى وإن تمحور الحديثُ بعيدًا عنها.
لأني أجد مسألة معرفة الله سبحانه، من أوليات الفرد المسلم، وحتى لا أنقل إلى غيري صورة ضعيفة عن الإسلام بجهلي و غموض فكرتي، بل أريد أن أنقله بحيث يفهمه العامي وغير العامي، فآياته كما نزلت لتكون دليلا عليه للمشركين وغيرهم هي نزلت لتعكس لنا الرؤية القرآنية في كل ما يتعلق بالله.
هو إصرار يكشف غموض وعدم معرفة بآياته، وأسأل الله أن يجعل هذا الإصرار صورة من صور اليقين، ودعوى أن هذا بعيد عن محور الحديث فهذا يكشف ضعف الإعتقاد، وأنصحكم بصدق أن تهضموا أمور دينكم وخصوصا فيما يترتب عليه من حركة الإنسان في الحياة، فكل شيء هالك إلا وجهه، كل تحرك يجب أن يكون بمحل لا يتعارض مع ما نعتقده نحوالله.
والهروب من نقاش المسألة بدعوى كونها بعيدة عن محور البحث أو بدعوى الإصرار لا يعفيكم من الإجابة الواضحة.
كل الشكر والتقدير لك أستاذتي القديرة، سأذهب إلى من أحلتموني إليهم ولن أنسى هذه اللحظات، ولي عودة بإذن الله في القريب العاجل.
ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 12:52 ص]ـ
لأني أجد مسألة معرفة الله سبحانه، من أوليات الفرد المسلم،
أتعتقد ذلك؟؟
أو تظن أن الإنسان فضلا عن المسلم يجهل الله!!
يقول تعالى: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف
يوما مآ أشكل عليّ فهم هذه الآية، وعجزتُ عن الوصول لتفسير مقنع لها، وكنتُ أتساءل، هذه الآية تحكي قصة عهد كانت بين الله وبني آدم، وقبل مجيء الإنسان للدنيا فيما يبدو للقارئ.
فهل كان للإنسان وجود قبل مجيئه للدنيا، وهل كان بكامل قواه العقلية؛ لأن العهد لا يؤخذ إلا ممن يعقل، وممن هو مسؤول.
وكيف لا يذكر الإنسان ذلك العهد، وجوابه اليقينيّ.
وبعد سؤال مضنٍ علمت أن ذلك العهد أخذ على الإنسان وهو في عالم الذرة. وبذلك تكون معرفة الله فطرية في كل نفس مؤمنة وكافرة على السواء.
ومنه سؤال رسول الله للجارية أين الله؟ فأشارت إلى السماء ..
والله أعلم وأجل.
وحتى لا أنقل إلى غيري صورة ضعيفة عن الإسلام بجهلي و غموض فكرتي، بل أريد أن أنقله بحيث يفهمه العامي وغير العامي، فآياته كما نزلت لتكون دليلا عليه للمشركين وغيرهم هي نزلت لتعكس لنا الرؤية القرآنية في كل ما يتعلق بالله.
هو إصرار يكشف غموض وعدم معرفة بآياته، وأسأل الله أن يجعل هذا الإصرار صورة من صور اليقين،
أسأل الله أن يكون كذلك.
ودعوى أن هذا بعيد عن محور الحديث فهذا يكشف ضعف الاعتقاد،
لمَ؟؟
ألا أوضحتم .. ؟؟
وأنصحكم بصدق أن تهضموا أمور دينكم وخصوصا فيما يترتب عليه من حركة الإنسان في الحياة،
سبحانك ربي .. !!
لستُ عالمة، وأنا ممن يخطئ ويصيب، وقد يتجاوز خطؤنا الصواب .. ولكني على يقين أن ما كان من كتابات سابقة كان به خطؤٌ فادح.
فكل شيء هالك إلا وجهه، كل تحرك يجب أن يكون بمحل لا يتعارض مع ما نعتقده نحو الله.
والهروب من نقاش المسألة بدعوى كونها بعيدة عن محور البحث أو بدعوى الإصرار لا يعفيكم من الإجابة الواضحة.
ليس هروبًا
ولكن بعدًا عن مسائل ينبغي الدقة والحذر في كل كلمة نذهب إليها.
وهذا رابط لكتاب ( http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot/gap.php?file=000011-www.al-mostafa.com.pdf) جمع به مؤلفه آراء الثقات في الأسماء والصفات لعلكم تجدون النفع به.
كل الشكر والتقدير لك أستاذتي القديرة، سأذهب إلى من أحلتموني إليهم ولن أنسى هذه اللحظات، ولي عودة بإذن الله في القريب العاجل.
أسأل الله أن يرينا الحقّ حقًا وأن يرزقنا اتباعه
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الياسين]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 05:49 م]ـ
ومنه سؤال رسول الله للجارية أين الله؟ فأشارت إلى السماء ..
وما تقولون في قوله تعالى: {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} الأنعام3
أو تظن أن الإنسان فضلا عن المسلم يجهل الله!!
بلى، وإلا لما أرسل رسله، وأقصد بقولي بلى أنهم يجهلون معرفته معرفة صحيحة. فهم أخطأوه والكل بطبيعته يلجأ للعبودية لكنه يخطئ معرفة معبوده.
ـ[أحمد المحلاوى]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 09:25 م]ـ
تأمل فى هذا الوقف جيد يرحمك الله
(وهو الله فى السماوات) (وفى الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) تأمل يرحمك الله
ثم تأمل
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھے ے ? ? ?
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
ثم تأمل كلام أهل العلم
قال ابن كثير عليه رحمة الله:"أى: هو إلهُ من فى السماء، وإلهُ من فى الأرض، يعبده أهلهما وكلهم خاضعون له، أذلاء بين يديه ... وهذه الآية كقوله:"وهو الله فى السماوات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون"أى: هو المدعوّ الله فى السماوات والأرض"اه
وقا الشيخ السعدى عليه رحمة الله:"يخبر تعالى أنه وحده المألوه المعبود فى السماوات والأرض فأهل السماوات كلهم، والمؤمنون من أهل الأرض، يعبدونه، ويعظمونه، ويخضعون لجلاله، ويفتقرون لكماله.
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
گ گ گ گ ? ? ?? ? ? ? ? ں ں
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
فهو تعالى المألوه المعبود، الذى يألهه الخلائق كلهم، طائعين مختارين، وكارهين. وهذه كقوله تعالى:"وهو الله فى السماوات وفى الأرض" أى: ألوهيته ومحبته فيهما. وأما هو فهو فوق عرشه، بائن من خلقه، متوحد بجلاله، متمجد بكماله"اه
فالأمر ليس غامضا ولا ملبسا ولا أى شىء ولكن دخول الأفكار الفلسفية العقلية فى تأويل كتاب ربنا ولى أعناق سنة نبينا كان ذلك هو الطامة الكبرى والداهية الدهياء
ذلك، حين أعملنا العقل بمعزل عن الشرع الأغر
فالعقل أخى الحبيب برهان وليس مصدرا والتوحيد وصاحب الوحدانية سبحانه إنما عرف بالوحى والرسالات لا بالعقل والتهيؤات والسفسطات سامح الله من ترجمها لنا وأدخلها متسلطة على ديننا حتى أفسدت العقول التى كانت نيرة بالشرع وأبعدتنا عن الشرب الأول زمن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فنهلنا من غير منهل ووردنا على غير مورد وصدرنا على غير هدى
أخى الحبيب نزل هذا القرآن العظيم على قلب محمد صلى الله عليه وسلم له وللصحابة وللأعراب ولأهل الجزيرة ثم لغيرهم من أهل الأمصار والبلدان فى العالمين
ولم يكن لينزل بلغة ملبسة لا يفهمها الناس ولا يعقلونها ولكنه نزل بهذه اللغة الشريفة القيمة التى تحمل دلالتها فى رحم ألفاظها
أرأيت قولهم
إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمينا
هل أراك تزعم أن عرابة كان أقطع اليدين مبتورهما؟!!! مع ما فى اللفظ من الدلالة على الاعتناء والقوة والفضل والاستباق والكرم، أترى اليد صفة نقص فى عرابة؟!!!
كذا أثبت حقيقة الألفاظ ثم در فى أفلاكها من كناياتها
واترك ما دارت عليه رحى الألم والشقاق وضياع الأمة وتشرذمها، حتى فككت أوصالها وتمزقت أمشاجها
وصرنا كالبهير الشارد والنعجة القاصية وهنا أكلنا الذئب وأخشى عليك منه فليس لك سلف صالحون فيما تطرح من كلام إلا كلام عالمي أو ثلاثة أورأربعة من أهل السنة واتفقت كلمة أهل السن على خطئهم فى ذلك
فكن مع الجماعة والزم شرب الأولين (فيد الله) هنالك معهم وفوق أيديهم
الزم دين الصبى فى الكتاب هكذا قال السلف الصاحون
تنبيه: مازلت فى امتحانات ولكن قلبى يتمزق_ كلما دلفت إلى هذا الموضوع_شفقة عليك فإنه ما طرق تلك السبيل أحد إلا رجعت عليه بالخسارة والخسران، والوبال وضياع الإيمان
سلمنى الله وإياك من الشر كله وألهمنا الخير كله
قال الله عز وجل:
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
? ? ? ? ? پ پ پ پ ?
?? ???? ??? ???? ???? ??? ??? ???????
ـ[الياسين]ــــــــ[26 - 05 - 2010, 06:19 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى من تمزق قلبه شفقة عليَّ أقول:
(يُتْبَعُ)
(/)
ما رأيك أن نترك لغة الشفقة والرأفة ونتجه إلى كلام رب العالمين، من دلنا على كل شيء فقال: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وكلنا يرى اختلاف الأمة في فهم كتاب ربها، فالله يقول: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} البقرة213
و يا أستاذي الكريم أود أن أسألك وتجيبني عن رأي الدين فيما أسأل عنه واحسبني رجلا مسلما أو غير مسلم فدين الله فيه إجابة عن كل تساؤلات الناس كافة، فاحسبني ما شئت المهم أجبني بعلم إن كنتم تعلمون ...
هل الله يحل في الأماكن؟
هل الله يتحول من مكان لآخر؟
أم أنه يتنزه عن هذا!!
أما ما يتعلق بما ورد في كلامكم فهاكم بعض الملاحظات:
1 - قلتم: (تأمل فى هذا الوقف جيد يرحمك الله
(وهو الله فى السماوات) (وفى الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) تأمل يرحمك الله
)
وأقول: لو كنتُ قلتُه لقلتم إنك تأتي بالكلام على ما تحب و و و و، أما أنتم فتقفون أينما تقفون، لا أحد يجرؤ على رد نظرتكم، هل الوقف فيه دليل أم أن الأصل عدم الوقف؟
وأدعوك إلى أن تدلنا على الوقف في هذه الآية أهو صحيح أم ماذا؟ يقول سبحانه: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) (ولا خمسة إلا هو سادسهم)!! ما رأيكم هل يجوز هنا الوقف؟
ومن ثم فأنا عندما أقول بأنه في السموات والأرض لا أقصد حلولا، لأن الحلول من خواص الأجسام الحالة والمفتقرة إلى مكان تحل فيه، ومعنى أنه في السموات والأرض واضح في قوله: (يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) ذكر كلمة يعلم مرتين ليلفتنا سبحانه بأن أي عمل نفعله في أي حالة قمنا به فهو حاضر معنا عليم، فهو أقرب إلينا من أقرب شيء إلينا وهو حبل الوريد، الله سبحانه يقول لنا كل ذلك، ليلفتنا إلى أن نخافه ونتقيه، فعندما يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} المجادلة7 ولو كنت متعنتا لقلت لك أخي أحمد ما تقول في هذا الآية، ما تقول عندما يقول الله إلا هو رابعهم، فقال هو ولم يقل شيئا آخر!! هل هذا يعني أنه في الأرض!! هذا ما تحمله ظاهرا، ولكن سياق الآية يختم بما يدل عليه خطاب الله لعباده فيقول: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لتتقوه لأنكم عندما تعلمون أنكم مراقبون من قبل أي جهة تكونون في انضباط و تقدير حسب شأن من يراقبك، وكفى بالله رقيبا.
أخي إن من يتجه لعبادة الله أصناف كثيرة منهم مقلد ومنهم أخذ دينه عن التفكر والتدبر لكتاب الله والتفهم لسنة نبيه، وعندما نأخذ ديننا من أفواه الرجال، وأقصد بالدين هنا معرفته سبحانه التي بها ندين له بكل ما ملكنا وإن كان الروح، فعندما تقول لي لقد قال ابن فلان وابن علان، هؤلاء أخي الكريم علماء بشر كانوا يوما ما أطفالا جهالا، فتعلموا فصاروا بالعلم علماء، لا أنبياء ولا رسل، إن وافق ما جاؤوا به كتاب الله، فهذا يدل على علمهم، وإلا فمن أصدق من الله حديثا، وأما سنة نبيه فكل الناس يدعي أن هذا حديث رسول رب العالمين، فالشيعة تأتي بأخبارها إلى رسول الله وكذلك من يتسمون بأهل السنة والجماعة , وأتباع السلف، بحجة خير القرون قرني ووو، مع العلم أن كل هذه الفرق تعود بالحديث النبوي إلى أؤلئك الذين عاشوا في قرن وزمن واحد، لكننا لو أخذنا بقاعدة ما وافق كتاب الله فهو من رسوله، وما خالفه فهو من غيره ولم يقله، وهذه القاعدة أكثر ما يمكن أن يطبق عليها ما يتعلق بالأمور العقدية لأن القرآن لم يجمل تلك الأمور في
(يُتْبَعُ)
(/)
القرآن إجمالا، بل أتى عليها تفصيلا، فأبان توحيد وعدله و وعده ووعيده وكل ما يعلم من الدين ضرورة، أما ما يتعلق بالتشريعات التفصيلية كتفاصيل الحج والصلاة والزكاة، مع أن هذا الأمر مثار حسرة أن تختلف الأمة في أمور كان يفعلها النبي أمام أمته خمس مرات يوميا، لكن لا طريق إلا البحث عن الحق من أهله الذين لم يخالفوا القرآن، وعليه فليحمل بعضنا بعضا على السلامة.
أما العقل الذي ما فتئنا نموضعه ونقزمه والله سبحانه يعتني به ويعلي من شأنه في أكثر من أية فيقول: (أفلا تعقلون)، (وهديناه النجدين) (هو الذي جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) و كل آية هي تخاطب العقل، لأنه مناط تكليف الإنسان، وإلا لعمَّ تكليفه على المجانين والأطفال ودون البشر، وعندما قلتم إعمال العقل بمعزل عن الشرع، أنبهكم على إعمال العقل في الشرع أولا لمعرفة أحقيته، وليكون إيمان على يقين، وبعد ذلك سيستنير العقل إذ توصل إلى أحقية الشرع، وإلا فلماذا نتكلم عن الإعجاز العلمي والبياني في القرآن؟ أليس لأن العقل رأى الحق (الحجة) واضحا وعندها يكون الإيمان عن نظر وفكر، فالقرآن جاء ليثير ما اندفن من دور العقول، حينما اتجهت تلك الأجساد دون تفكر لفعل ما تشتهيه الرغبات دون التأمل في عاقبة منقلبها، وسوء مآلها، جاء ليحيي الانسان {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} الأنعام122.
فلك أيها الأخ المسلم أنصح، واختر ما يراه عقلك المستنير بشرع ربك، هل القول بأن الله في السماء، أمر يأتي على الله بعظمة أم بنقص، لو فكرت بطريقتك ودعك عن لغة الفلاسقة العقليين، لقلت في نفسك: الله سبحانه غني عن الزمان والمكان لأنه خالقها وهو كائن إذ لم تكن شيئا، كان الله ولا مكان، ليس بذي أعضاء فيخلو من مكان دون آخر، إذن الله سبحانه أعظم من أن يحد بحدود، أو يحل بمكان، عندما ننفي كونه في السماء هذا لا يعني أنه في غيرها، بل هو الغني عن المكان، أما القول بأن الله في السماء لأن السلف قالوا ذلك، فهذا يدل على تقليد لا فهم ولاهضم لما قالوه بل نقل للكلام، دون حجة ولابرهان، وإن قلت علي أن أؤمن بأن الله في السماء لأن الله ذكر هذا في كتابه، فهذا ليس إيمانا لأنه يضع في النفوس شكا و تشبيها، وأكبر دليل على ذلك ألست تعبد ربا يحل في السماء؟!
وإن كنتم تدعون صحة وعظمة ما تعتقدون فأنا أتحدى أن تكتبوا عن مقالة حول (الله في السماء .... عظمة ما بعدها عظمة).
وإن ترد أن تتحداني أن أكتب مقالة عن (الله لا يحل في السماء ولا في الأرض ....... عظمة ما بعدها عظمة) فأنا مستعد أن أثبت وأترك في نفوس القارئ العظمة الملموسة من هذا الاعتقاد.
ـ[الياسين]ــــــــ[26 - 05 - 2010, 06:20 م]ـ
أعانكم الله على الاختبارات(/)
السلام عليكم هل يجوز استعمال حرف إلى
ـ[محمد اخوكم]ــــــــ[16 - 05 - 2010, 01:56 م]ـ
السلام عليكم هل يجوز استعمال حرف الى في معنى التعليل وفي معنى الملك اوفي معنى التخصيص فهل من دليل في كتب النحو والبلاغة؟(/)
التشبيه والتمثيل
ـ[سنهور]ــــــــ[16 - 05 - 2010, 11:30 م]ـ
أما فى اللغة فمعناهما يكاد يكون متفقا فكتب اللغة أجمعت على أن الشِّبه، والشّبَه، كالمِثل،
والمَثَل
أما عند علماء البيان: فقد اتفقت كلمتهم على أن التشبيه أعم من التمثيل، فكل تمثيل تشبيه وليس كل تشبيه تمثيل
لذا فقد قسموا التشبيه إلى قسمين 1ـ تشبيه غير تمثيلى، 2ـ تشبيه تمثيلى
واختلفوا فى تحقيق الفرق بين القسمين، وسنبين المشهور من هذه الفروق
وسيكون حديثنا بداية مع شيخ البلاغة الإمام عبد القاهر إن شاء الله
ـ[سنهور]ــــــــ[17 - 05 - 2010, 12:16 ص]ـ
رأى الشيخ عبد القاهر فى الفرق بين التشبيه والتمثيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التشبيه عنده على ضربين:
أحدهما: تشبيه غير تمثيلى، وهو (ما كان وجه الشبه فيه أمرا بيّنا بنفسه لا يحتاج إلى تأول وصرف عن الظاهر، لأن المشبه فيه مشارك للمشبه به فى صفته، وذلك يتحقق فى حالين
الأول: أن يكون الوجه حسيا، أى مدركا بإحدى الحواس الخمس الظاهرة 0
الثانى: أن يكون الوجه، عقليا حقيقيا، أى ثابتا متقررا فى ذات الموصوف
أمثلة الوجه الحسى:
1ـ تشبيه الشىء إذا استدار بالكرة فى وجه، أى إذا كان شبيها بها وبالحلقة فى وجه كذلك نقول: الأرض كالكرة، والتفوا حوله كالحلقة، والوجه فى كليهما الإتحاد فى الشكل والصورة
2ـ تشبيه الخد بالورد فى الحمرة، والشعر الأسود بالليل فى السواد، والوجه بالنهار فى البياض وسقط النار بعين الديك
3ـ تشبيه الثريا بعنقود الكرم المنور فى قول أبى قيس بن الأسلت:
وقد لاح فى الصبح الثريا لمن رأى كعنقود ملاحية حين نوّرا
فوجه الشبه مركب من اللون والشكل، لأنه عبارة عن اجتماع أجرام صغيرة بيضاء مستديرة متقاربة غير متلاصقة على شكل مثلث ذى قدر مخصوص
هذه الأمثلة مدركة بحاسة البصر
ومن الأمثلة المدركة بحاسة السمع
كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس إنقاض الفراريج
ومثال وجه الشبه المدرك بالذوق تشبيه بعض الفواكه ببعض
ومثال وجه الشبه المدرك باللمس تشبيه الجلد الناعم بالحرير
ومثال وجه الشبه المدرك بالشم تشبيه بعض الأشياء بالريحان
أمثلة الوجه العقلى الحقيقى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلان كحاتم فى الكرم، وكمادر فى البخل وكالأسد فى الشجاعة وكالذئب فى لؤم الخلق
{الوجه الثانى عند الإمام عبد القاهر} هو التشبيه التمثيلى: وهو ما لا يكون وجهه أمرا بينا بل يحتاج إلى تأول وصرف عن الظاهر لأن المشبه لم يشارك المشبه به فى صفته الظاهره
وهذ الضرب يتحقق فيما إذا كان الوجه ليس حسيا ولا من الأخلاق والغرائز والطباع العقلية الحقيقية ولكنه عقليا غير حقيقى
أمثلة ذلك
1ـ حجة كالشمس فى الظهور
2ـ ألفاظه كالعسل فى الحلاوة والنسيم فى الرقة، وكالماء فى السلاسة
ـ[سنهور]ــــــــ[17 - 05 - 2010, 12:17 ص]ـ
ولنا عودة لنكمل ما بدأناه إن شاء الله
ـ[محمد ابراهيم 2009]ــــــــ[18 - 05 - 2010, 03:35 ص]ـ
اذا سمحلي اخي صاحب الموضوع ان اضيف اضافة بسيطه
لاني قد قمت قبل حوالي الثلاثه اشهر من اعداد بحث في البلاغه باسم:- اسباب التشبيه والتمثيل عند عبدالقاهر الجرجاني
وانا اطرح عليكم بعضا مما كتبته وجمعته
-------------------------------------------
تعريف التشبيه والتمثيل والفرق بينهما:-
وتعريف التشبيه لغة:- "الشبة والشبيه المثل والمثيل ويقال شبهه إياه وشبهه به مثله" [1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn1) .
وفي الاصطلاح:- "أن تثبت لهذا المعنى معنى من ذالك أو حكمنا من أحكامه كإثباتك للرجل شجاعة الأسد، وهذا تعريف الجرجاني" [2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn2). " أو هي دلالة الأمر لأخر في المعنى" [3] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn3). وهو أسلوب في تصوير المعنى يقوم على مقارنه الشيء بأخر كمقارنة القلوب الحجارة في قوله تعالى {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة} [4] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn4).
وقد قسم عبدالقاهر الجرجاني التشبيه إلى قسمين:-
الأول:- أن يكون التشبيه شيء من جهة أمر بيين لا يحتاج فيه إلى تأويل أو إعمال ذهن كتشبيه الشيء بالشيء من جهة الصورة واللون.
(يُتْبَعُ)
(/)
الثاني:- أن يكون التشبيه محصلا بضرب من التأويل قيل:"حجه كالشمس في الظهور" فذالك التشبيه لا يتم إلا بالتأويل.
أذا فقد عرفنا الفرق بين القسمين "فاعلم أن التشبيه عام والتمثيل أخصه منه، فكل تمثيل تشبيه وليس كل تشبيه تمثيل" [5] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn5).
والفرق بين التشبيه والتمثيل:- أن وجه الشبه في التمثيل متنوع ومنزوع من عدة أمور لا يمكن فصل بعضها عن بعض ولا تقديم بعضها على بعض ولا حذف شيء منها.
وجاء بعده السكاكي فقيده بان يكون التشبيه عقلي مركب فقال " أعلم إن التشبيه متى كان وجهه غير حقيقي وكان منتزعا من عده أمور خص باسم التمثيل " [6] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn6).
-------------------------------------------------------------
[1] (http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref1) - أنظر (أهم استدراكات الخطيب على السكاكي ص 21 ومرجعه اللسان لإبن ج6 ص352.
[2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref2) - أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني تحقيق محمود محمد شاكر ص 87.
[3] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref3) - أنظر (أهم استدراكات الخطيب على السكاكي ص 21 ومرجعه الإيضاح ص 233.
[4] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref4) - سوره البقرة إيه 74
[5] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref5) - أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني تحقيق محمود محمد شاكر ص 90.
[6] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref6) - أنظر (أهم استدراكات الخطيب على السكاكي ص 21.
-------------------------------------------------------------
وقد كان السكاكي من أكثر البلاغين حصراً وتضيقاً لمفهوم التمثيل فكما نرى انه لا يدخل في التمثيل إلا ما كان عقلي ومركب.
وشواهد الجرجاني على التشبيه كثيرة منها:-
وقد لاح في الصبح الثريا لمن رأى كعنقود ملاحية حين نورا [1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn1)
نقول انه تشبيه حسن ولا نقول تمثيل ذلك لأنه يعني به تشبيه الأشياء الظاهرة بعضها ببعض ولا يوجد فيها طريق للتأويل.
ومن شواهد التمثيل عند عبد القاهر:-
اصبر على مضض الحسو د فان صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله [2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn2)
انه تمثيل لأنه شبه الحسود إذا صبر عليه وعلى حسده وسكت عنه وترك في غيضه حاله كخال النار إن لم تمد بالحطب فهي تضعف حتى تأكل بعضها بعضا , وهذا ما يستدعي إلى تأويل وإعمال ذهن.
----------------------------------------------------------------------------------
[1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref1) - بيت على الطويل لابي قيس ابن الاسلت أنظر كتاب أسرار البلاغة لعبدالقاهر الجرجاني تحقيق محمود محمد شاكر ص 95.
[2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref2) - نفس المرجع ص 97.
وشكرا
ـ[سنهور]ــــــــ[30 - 05 - 2010, 11:31 ص]ـ
جزاك الله خيرا على الإضافات الثمينة
ـ[الخلوفي]ــــــــ[02 - 06 - 2010, 10:02 م]ـ
بارك الله فيكما ونتطلع الى المزيد
لقد أعدتماني الى عهد الطلب فرحم الله ذلك العهد
ـ[الحطيئة]ــــــــ[02 - 06 - 2010, 10:56 م]ـ
لقد أعدتماني الى عهد الطلب فرحم الله ذلك العهد
و لكن تخصصك كما قلت: طالب علم!!!:)
ـ[سنهور]ــــــــ[06 - 06 - 2010, 12:42 ص]ـ
الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها طلبها
ـ[أحمد الصعيدي]ــــــــ[09 - 06 - 2010, 02:27 ص]ـ
بارك الله لكما ورحم الله شيخ البلاغة وفى انتظار المزيد للمتابعة والتأمل فى كلام الشيخ ما أحوجنى إليه جزيتما خيرا
ـ[عبود]ــــــــ[01 - 07 - 2010, 02:43 ص]ـ
مشكور
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[02 - 07 - 2010, 11:05 م]ـ
بارك الله فيكم على هذا الكلام الطيّب
واسمح لي أن أختصر ما فهمته:
- التمثيل عند عبد القاهر: هو ما كان وجه الشبه فيه عقليا سواء كان مفردًا أو مركبًا.
- التمثيل عند السكاكي: هو ما كان وجه الشبه فيه عقليا وكان مركبا.
- التمثيل عند المتأخريين بعد السكاكي: هو ما كان وجه الشبه فيه مركبا سواء كان عقليا أو حسيا.
ـ[عبود]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 12:06 م]ـ
بارك الله فيكم(/)
متى تصح أن تكون الاستعارة المكنية استعارة .. ؟
ـ[الياسين]ــــــــ[17 - 05 - 2010, 11:26 م]ـ
متى تصح أن تكون الاستعارة المكنية استعارة تصريحية؟
وما الفرق بينهما؟
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[18 - 05 - 2010, 12:19 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاستعارة المكنية هي استعارة حُذف منها المشبه به و ذكر شيء من لوازمه
مثال: (غرّد المنشد فأطربنا) شبه المنشد بالطائر ثم حذف المشبه به وهو (الطائر) وأتى بشيء يدل ويرمز إليه وهو الفعل (غرّد)
الاستعارة التصريحية: هي استعارة صرّح فيها بالمشبه به وحذف المشبه
مثال: أنشد البلبل قصيدة أبي العلاء، شبه المنشد بالبلبل بجامع جمال الصوت وحذف المشبه وهو (المنشد).
ـ[الياسين]ــــــــ[20 - 05 - 2010, 01:54 م]ـ
شكرا لكم
وسؤالي هل يصح أن تكون الاستعارة التصريحية استعارة مكنية في مثال واحد؟؟
فتكون استعارة مكنية باعتبار وتصريحية باعتبار آخر ..
ـ[الياسين]ــــــــ[20 - 05 - 2010, 02:05 م]ـ
مثاله: (ولما سكت عن موسى الغضب)
يقول د بكري شيخ أمين في ج2 البلاغة العربية في ثوبها الجديد ص128 بعنوان انقلاب الاستعارة التصريحية التبعية إلى استعارة مكنية: (شُبِّه الغضب بإنسان، بجامع ظهور الانفعال في كل، وحُذِف المشبه به وهو الانسان، واستعير اللفظ الدال عليه للمشبه .. على سبيل الاستعارة المكنية)
ـ[الياسين]ــــــــ[20 - 05 - 2010, 03:02 م]ـ
كيف هذا؟؟؟؟؟
ـ[أبو العزائم]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 12:39 ص]ـ
بقول البلاغيون:"كل استعارة تبعية قرينتها مكنية" وفي الآية: لنا أن نقول: في كلمة "سكت"استعارة تصريحية تبعية فقد شبه انتهاء الغضب بالسكوت بجامع الهدوء في كل، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو السكوت للمشبه وهو انتهاء الغضب ثم اشتق من السكوت الفعل "سكت "بمعنى انتهى .. على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية والقرينة " الغضب ". ولنا أن نجري الاستعارة في لفظة الغضب استعارة مكنية أصلية -كما قال الاستاذ بكري الذي ذكرتَه أنت. ونكتفي بإجراء الاستعارة في إحدى اللفظتين. ولا يمكن أن تكون اللفظة هنا تصريحية وفي الوقت نفسه مكنية. والله أعلم(/)
سؤال: أيهما أبلغ، أحر أم أعذب الأشواق؟
ـ[ابن غريب التميمي]ــــــــ[19 - 05 - 2010, 01:57 م]ـ
سؤال: أيهما أبلغ، أحر أم أعذب الأشواق؟
أرجو البيان مع ذكر السبب
ـ[أحمد المحلاوى]ــــــــ[19 - 05 - 2010, 02:33 م]ـ
أظن أن الشوق الذى تلفحه حرارة الإحساس لابد أن يكون عذبا
ـ[ابن غريب التميمي]ــــــــ[19 - 05 - 2010, 02:50 م]ـ
جمع موفق
ولكن إذا أردت أن أستعمل أحدهما فهل أستعمل (أحر) أم (أعذب)؟(/)
مناقشة مشاركاتكم في غرفة الفصيح الصوتية هتاف
ـ[محمد الجهالين]ــــــــ[20 - 05 - 2010, 02:10 م]ـ
السلام عليكم
يسر شبكة الفصيح أن ترحب بكم في غرفتها الصوتية هتاف على برنامج الإنسبيك ( http://www.inspeak.com/index.php?APP_current_action=view&APP_current_module=download)
تجدون خطوات دخول الغرفة في نهاية هذه المشاركة
ادعموا الغرفة بالاستماع فقط إن لم تشاركوا بالحديث الصوتي، فلتكن منكم تجربة واحدة وليكن منا ما قد يدفعكم إلى تكرار التجربة أو الثواء في هتاف كل يوم بتوقيت مكة من العاشرة ليلا حتى منتصف الليل.
من الليلة سنتناول بعض مشاركاتكم التي وضعتموها في منتديات الأدب العربي والإبداع وعلوم الشعر والعروض، وفي منتديات النحو والصرف والإملاء، ومنتديات أصول اللغة والترجمة، ومنتديات النقد والبلاغة والكتب والأبحاث، ومنتديات الأعضاء.
ننتظركم في هتاف العاشرة هذه الليلة ليكون لكم حق طلب مناقشة مشاركتكم حسب أولوية الحضور.
ولنا رجاء أن تعلقوا على هذه المشاركة إما بخبر الحضور وإما بخبر الغياب.
خطوات دخول الغرفة إن لم يكن عندكم برنامج الإنسبيك:
أولا: تنزيل البرنامج ( http://www.inspeak.com/index.php?APP_current_action=view&APP_current_module=download)
ثانيا: تسطيب (تهيئة) البرنامج
ثالثا: إنشاء اسم المستخدم وكلمة سر المستخدم
رابعا: دخول البرنامج ( inSpeak Communicator )
خامسا: إغلاق نافذتي ( inspeak- Welcome to in speak ) ،
( in speak notifiere )
سادسا: الذهاب إلى نافذة nspeak ثم قائمة chat ، ثم اختيار groups ثم اختيار Public: Arabic & Middle-East ثم البحث عن hetaf_ alfaseeh ثم دخول الغرفة بالنقر المزدوج أو بمفتاح الدخول.
ـ[أنوار]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 01:42 ص]ـ
جزيتم خيرًا أستاذنا الكريم
شكر الله صنيعكم وجهدكم
ـ[محمد الجهالين]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 12:07 م]ـ
أستاذتنا أنوارا
شكر الله وقفتكم في هتاف علما مفيدا وجهدا حميدا، وحضوركم في هتاف خلقا رفيعا وأدبا منيعا
ـ[نور القلم]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 03:04 م]ـ
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا على جهودكم المبذولة
أنار الله قلوبكم ودروبكم بالأمن والإيمان(/)