فبطلان دعائهم الذي هو من أخص أنواع التأله فرع على بطلان ربوبيتهم، فلم يخلقوا شيئا، وليس لهم شرك يجوز دعاءهم، فهم مربوبون مقهورون لا استقلال لهم بتدبير أمرهم فضلا عن أمر غيرهم!!!
و "شرك": نكرة في سياق الاستفهام الإنكاري التوبيخي، فتفيد العموم، فليس لهم شرك، أي شرك في السماوات يجوز دعاءهم كما تقدم.
وفي تكرار الأمر بـ: "ائتوني" بعد "أروني": مزيد تبكيت، ودخول: "من" الجنسية على: "علم": أبلغ في نفيه، فدلالتها الجنسية تدل على عموم التحدي بالإتيان بأي علم يسوغ ما وقعوا فيه من شرك، واتساع دائرة التحدي مع فشلهم فيه دليل دامغ على بطلان دعواهم.
وقد ختمت الآية بشرط يفيد التحدي بإلهاب مشارع المتحدى وتهييجها إمعانا في بيان عجزه.
وعودة إلى آية آل عمران:
، فهو الله: إثباتا، وقد أكد ذلك بنفي صفة الألوهية عمن سواه: "لا إله إلا هو"، و"أل" في: "الحي" و "القيوم": جنسية استغراقية لمعاني الحياة والقيومية، فالاستغراق هنا: استغراق أوصاف لا أعيان، إذ ذات الموصوف واحدة لا تتعدد بتعدد أوصافه، بل يزداد كماله بزيادة أوصافه جمالا وجلالا، والحياة: أصل صفات الذات، فله الحياة الكاملة، وصف ذات، وهو المحيي لغيره: وصف فعل يتعلق بمشيئته، وهو الذي يوقع فعل الإحياء إذا شاء متى شاء كيف شاء، وفي التنزيل: (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فطابق بين الإحياء والإماتة فعلا لاستيفاء القسمة العقلية.
و: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
فالله هو المعبود بحق، وقد أكد ذلك بتعريف الجزأين: "الله" و "الحق"، وضمير الفصل: "هو"، واسمية الجملة، وعطف على المعلول علته، فعلة كمال ألوهيته: أنه يحيي الموتى، فهذا خاص، وأنه على كل شيء قدير فهذا عام، وأكد الإحياء بـ: "أن"، وكررها توكيدا في بيان قدرته العامة، والإتيان بالمضارع: "يحيي" يدل على الاستمرار، والمصدر المؤول أبلغ في تقرير ذلك من المصدر الصريح: "محيي الموتى".
والقيومية: أصل صفات الأفعال، فهو القائم بنفسه المقيم لغيره المحصي لعمله، فهو: (قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ).
وفي موضع تال من أول سورة آل عمران يقول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
ففي قوله: (إن الله لا يخفى): توكيد بـ: "إن" واسمية الجملة ودلالة المضارع في خبرها على الاستمرار، و تنكير: "شيء" في سياق النفي، فيفيد العموم، فلا يخفى عليه أي شيء في الأرض ولا في السماء، وكرر النفي في: "ولا في السماء" من باب التوكيد، أيضا، و "أل" في: "الأرض" و "السماء": جنسية استغراقية، فلا يخفى عليه أي شيء في أي أرض أو أي سماء، فهو الذي أحاط بكل الكائنات سمعا وبصرا وعلما، والعلم من أخص أوصاف الربوبية.
و: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ)، فالإتيان بالموصول وصلته: المضارع: "يصوركم" أبلغ في تقرير المعنى من جهة دلالة المضارع على الاستمرار، ومن جهة استرعاء الانتباه بإجمال الموصول الذي بينته الصلة، فالبيان بعد الإجمال مظنة تقرير المعنى، فلا ينسى الإنسان عادة بيان ما استشكل عليه.
وفي الآية تعريض بالنصارى المثلثة، فهو الذي يصور العباد في أرحامهم، والمسيح عليه السلام الذي غلوا فيه، واحد منهم، فبم امتاز عليهم ليكون إلها معبودا، وهو مثلهم: مربوب يفتقر إلى ربه، فبطلان ألوهيته فرع على بطلان ربوبيته، كما أن كمال ألوهية الله، عز وجل، فرع على كمال ربوبيته، فالتعريض بافتقار المسيح عليه السلام إلى عطاء الربوبية، ينبه بمفهومه على كمال غنى ربه، عز وجل، فيكون هو المستحق لكمال الألوهية كما تقدم.
ولذلك عقب بإثبات انفراد الله، عز وجل، بالألوهية الحقة، فقال: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وتستمر ثنائية: الربوبية والألوهية مطردة في آي الكتاب العزيز.
والله أعلى وأعلم.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[16 - 12 - 2008, 07:52 ص]ـ
قبل قليل كنت أقرأ في مشاركتك السابقة من سورة المائدة، فبارك الله فيك،
وزادك علما ونورا وهداية، وحفظك ورعاك وتولاك.(/)
سر حذف ياء المتكلم الزائدة المتصلة بالفعل الماضي
ـ[العرابلي]ــــــــ[16 - 12 - 2008, 12:53 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
حذف ياء المتكلم الزائدة المتصلة بالفعل الماضي
حذفت في تسع مواضع
1 - ءاتن الله: حذفت ياء آتاني في موضع واحد؛
في قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا ءاتَانِ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا ءاتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) النمل.
ما قدمته ملكة سبأ هو شيء يسير منقطع، تريد بهديتها صرف سليمان عليه السلام عن ملكها، وما آتاه الله سبحانه وتعالى لسليمان هو عطاء دائم في حياته؛ من تسخير الرياح، والبنائين والغواصين من الجن الذين يعملون له ما يشاء، وجعل جيشه يتكون من الإنس والجن والطير ....
فماذا يكون عطاؤها هذا مع عطاء الله لسليمان عليه السلام حتى يسكت عنها، فحذفت ياء آتاني لبيان ديمومة عطاء الله له واستمراره؛ الذي يغنيه عن الحاجة لأي عطاء آخر.
وأثبت الياء في أربع مواضع أخرى؛
في قوله تعالى: (قَالَ يَاقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَءاتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) هود.
وفي قوله تعالى: (قَالَ يَاقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَءاتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) هود.
وفي قوله تعالى: (رَبِّ قَدْ ءاتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) يوسف.
وفي قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءاتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) مريم.
وكان إثباتها في هذه المواضع الأربعة؛ لأن أقوالهم كانت لبيان أن الله تعالى آتاهم ما لم يكن عندهم، فقد حول إليهم ما ذكروا وصُرف عن غيرهم؛ فآتى نوح عليه السلام رحمة من عنده وهي النبوة، ومثلها لصالح عليه السلام في الموضع الثاني من سورة هود، وآتى يوسف عليه السلام الملك بعد أن كان عبدًا مملوكًا وسجينًا، وكذلك آتى الكتاب لعيسى عليه السلام.
أما قول سليمان عليه السلام من قبل؛ فهو لبيان أن ما آتاه الله تعالى أغناه عن غيره، وليس لبيان أن ما آتاه الله لم يكن عنده من قبل؛ فلما اختلف بيان القائلين اختلف الرسم في إثبات وحذف الياء.
2 - أخرتن: حذفت في موضع واحد؛
في قوله تعالى: (قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً (62) الإسراء.
حذفت ياء (أخرتني) لأن طلب الشيطان هو؛ أن يؤخر ويستمر تأخيره إلى يوم القيامة؛ حتى يتمكن من إغواء بني آدم بقدر ما يستطيع، فطلبه فلم يكن طلبه ليطول عمره فقط؛ بل لتطول فتنته للبشر.
وأثبتت في قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) المنافقون.
وكان إثباتها لأن الطلب فيها؛ أن يؤخر من حضره الموت تأخيرًا يسيراً، يتمكن فيه من التصدق والإنفاق مما رزقه الله، ويعمل صالحًا ينجيه من العذاب ويكون من الصالحين. فطلبه لأجل قصير ينقطع، وليس لأجل طويل يستمر، فالفاء في (فَأَصَّدَّقَ) التي تفيد التعقيب دون تراخ؛ تبين مراد القائل في طلبه.
3 - اتبعن: حذفت ياء اتبعني في الموضعين الوحيدين؛
في قوله تعالى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ ءَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) آل عمران.
وفي قوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف.
(يُتْبَعُ)
(/)
حذفت ياء (اتبعني) في هذين الموضعين؛ لأنه من يكون مع الرسول، ويحمل صفته في إسلام وجه لله، أو يعمل عمله في الدعوة إلى الله، ويضمه الله إلى جانب رسوله في مخاطبة المشركين؛ لا يكون إلا دائم الإتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، ومستمر على دين الله، سواءً أكان المتبع له في حياته، أو في أي عصر كان بعد مماته. وظل التابعون من هذه الأمة على اتباعهم لدعوة نبيهم عليه الصلاة والسلام، بينما انقطعت دعوة الأنبياء من قبله، أو أبدلت بما هو غريب عنها.
4 - دعان: حذفت ياء دعاني في موضع وحيد:
في قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة.
كان حذف ياء (دعائي) علامة على أن الدعاء المستجاب من الله تعالى هو لمن دام توجهه إلى الله تعالى، واستمر في لجوئه إليه، ولذلك يحب الله تعالى من عبده الإلحاح في الدعاء؛ لأن ذلك من علامات صدق استمرار اللجوء إلى الله عز وجل. والاستجابة من الله عندئذ محققة؛ إما بتعجيل طلبه، أو صرف السوء عنه، أو تأخير أجره ليوم القيامة؛ ما لم يعجل الإجابة، أو كان في دعائه إثم أو قطيعة رحم.
5 - أشركتمون: حذفت ياء أشركتموني في موضع وحيد؛
في قوله تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ ..... إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم.
حذفت ياء (أشركتموني) في هذا الموضع لأن الذي استمر على إشراكه بالشيطان؛ هو الذي حشر معه في نار جهنم، وأما الذي لم يشرك به، أو انقطع إشراكه به؛ فقد نجا وفاز بالجنة.
فالشيطان يخاطب الذين داموا على إشراكهم به، ولا يخاطب المنقطعين عن إشراكهم به، أو الذين لم يشركوا به من قبل. .
6 - كذبون: حذفت ياء كذبوني في ثلاثة مواضع؛
في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26)، (39) المؤمنون.
وفي قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) الشعراء.
وقد حذفت ياء (كذبوني) في المواضع الثلاثة؛ لأن دعوة نوح وهود عليهما السلام على قوميهما في هذه المواضع كان بعد طول تكذيب لهما، واستمرارهم على تكذيبهما.
7 - أكرمن: حذفت ياء أكرمني في موضع وحيد؛
في قوله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) الفجر
حذفت ياء (أكرمني) لأن القائل يقصد إكراماً دائمًا مستمرًا له من الله؛ بسبب طول التنعم بعطاه الله له، ولا يتوقع زوال النعمة عنه.
8 - أهانن: حذفت ياء أهانني في موضع وحيد؛
في قوله تعالى: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر.
حذفت ياء (أهانني) لأن القائل يقصد إهانة دائمة مستمرة له؛ بسبب طول التقطير عليه، وضيق العيش، ويائس من سعة في الرزق تفرج عنه.
9 - هدان: حذفت ياء هداني في موضع واحد؛
في قوله تعالى: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) الأنعام.
حذفت ياء (هداني) في الموضع الأول من الأنعام لأن محاججة قوم إبراهيم عليه السلام له كانت في طريق الهداية الذي يستمر في السير عليه، وقد جاء قبلها: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام.
وأثبتت ياء هداني في موضعين:
في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (161) الأنعام.
وكان إثباتها في هذا الموضع؛ لأن الحديث فيها عن هداية جديدة، وليس الاستمرار على هداية قائمة قبل النبوة، وإن كانت هي ما كان عليه إبراهيم عليه السلام، لكن الذين أرسل إليهم كانوا مشركين بالله، وعبادًا للأصنام.
وثبتت في قوله تعالى: (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) الزمر.
وكان إثباتها في هذا الموضع؛ لأن الحديث فيها عن هداية لم يتخذها سبيلا، أو انقطع عنها ولم يستمر عليها، وقد انقطعت بانقطاع الدنيا؛ فتحسر على ما فرط فيها كما جاء في الآية السابقة لها: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56)، وتمنى لو أن الله هداه لكان من المتقين، أي تمنى لو أن أمره في الدنيا انتهى على هدى، وكان من المهتدين المتقين، أما في الآخرة فكل واحد قد رأى صدق ما وعد به من قبل، وبصره يومئذ حديد.
هذه الأفعال التسعة التي حذفت فيها ياء المتكلم الزائدة المتصلة بالفعل الماضي.
وبعدها إن شاء الله تعالى؛ الأفعال التي حذفت في ياء المتكلم الزائدة المتصلة بالفعل المضارع.
أبو مُسْلِم/ عبْد المَجِيد العَرَابْلِي(/)
ما الفرق بين القصر والحصر؟
ـ[عزوز2]ــــــــ[17 - 12 - 2008, 12:11 ص]ـ
ما الفرق بين القصر والحصر؟
ـ[ابوخالد التميمي]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 11:27 م]ـ
لا فرق بينهما(/)
سؤال في المجاز المرسل؟؟
ـ[عزوز2]ــــــــ[17 - 12 - 2008, 12:16 ص]ـ
في المثال (سكنتُ مصر) مجاز مرسل علاقته كلية
السؤال: هل يوجد نفس المجاز في المثال التالي:
(سكنتُ في مصر)
ـ[هرمز]ــــــــ[18 - 12 - 2008, 08:00 م]ـ
اعتقد ان حرف الجر قد ازال فائدة المجاز فصار التعبير مما يجري على ألسنة العامة اذ نقول عادة اسكن في حي كذا و الا كان كلامنا كله مجازا و التعبير اذا شاع و انتشر صار عرفا و ما تعارفت عليه العرب من المجاز يصير كالحقيقة
و الله أعلم(/)
من خطاب هرقل
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 12 - 2008, 09:00 ص]ـ
من خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى هرقل:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
خير استهلال بالتسمية على تقدير باسم الله أبدا خطابي لك، أو: بداية خطابي لك: باسم الله، والتقدير تابع للأمر المشروع فيه، وهو هنا خطاب مكتوب.
من محمد بن عبد الله: من: لابتداء الغاية.
إلى هرقل: انتهاء الغاية وهو الترتيب العقلي الصحيح لصدور الخطاب من المخاطِب إلى المخاطَب.
عظيم الروم: تأليف للقلب، بلقب لا مداهنة فيه، فلم يصفه بأوصاف الملك إذ ملكه باطل شرعا، ولم يجرده من أوصاف الرياسة لقومه فإثباتها له لا يتضمن معنى يخالف الشرع.
سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى: تأليف آخر بلا مداهنة، وقد يحمل التنكير على التعظيم بضميمة: "من اتبع الهدى"، وفيه إغراء للمخاطب بسلوك طريق الهدى حتى يناله النصيب الأوفر من ذلك السلام العظيم.
أَمَّا بَعْدُ: شروع في المطلوب.
فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ: إجمال تتشوف النفس إلى بيانه.
أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ:
بيان ما أجمل.
وفي: "أسلم تسلم": جناس يدل على معنى السلامة الكلي، فإن الإسلام سبيل السلامة المعنوية والحسية في الدنيا والآخرة، وفيه إيجاز بحذف الشرط الذي جزم جواب الطلب، فتقدير الكلام أسلم: إن تسلم تسلم، وفي حذفه تعجيل بالمسرة استمالة للمخاطب، فانتقل إلى النتيجة مباشرة دون تعريج على المقدمة، لدلالة السياق عليها، والتعجيل بالمسرة في مقام البشرى أو الدعوة إلى الحق بذكر الوعد المترتب على ذلك مقصد من مقاصد البلغاء، وقد عجل المسرة الدنيوية ابتداء، لكونه يخاطب ملكا يضن بملكه، فبشره بالسلامة العاجلة ليهدأ خاطره، ومن ثم ثنى بذكر الثواب الآجل:
أسلم يؤتك الله أجرك مرتين: فلو قلنا بأن جملة: "يؤتك الله .......... " بدل من جملة: "تسلم" الأولى، فهي بيان ثان، فتكون الأولى بمنزلة الموطئة للثانية بذكر الوعد بالسلامة إجمالا ثم تفصيله: فالأجر أجران: أجر إيمانه بعيسى عليه السلام، وأجر إيمانه بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو أجر إيمانه ابتداء وأجر إيمان قومه تبعا له، كما أشار إلى ذلك الحافظ، رحمه الله، في الفتح.
وقد يقال: القسمة ثنائية: فالأولى تدل على السلامة الدنيوية، والثانية تدل على السلامة الأخروية، فيكون في الثانية تأسيس معنى جديد لم تدل عليه الأولى، بخلاف التقدير الأول، فإن الثانية بينت إجمال الأولى فلم تأت بمدلول جديد.
فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ: شرط فيه معنى الوعيد، فهو خبري المبنى طلبي المعنى، وفيه نوع مقابلة لـ: "يؤتك الله أجرك مرتين"، فكما أن له الأجر مضاعفا إن أسلم، فيسلم بإسلامه فئام من قومه، فيكون سببا في هدايتهم، فكذلك عليه الوزر مضاعفا إن كفر، فيكفر بكفرانه فئام من قومه، فيكون سببا في إضلالهم.
وقدم "فعليك" وحقه التأخير إمعانا في الوعيد إن كفر، وفي السياق عموما: ترغيب فترهيب، وهذه طريقة الوحي المطردة في المزاوجة بين الوعد والوعيد.
وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
يا: نداء فيه مئنة من غفلة المخاطَب وعلو شأن المخاطِب.
تعالوا: تلطف معهم في الخطاب يقتضيه مقام الدعوة، ففي الفعل معنى التعالى عن سفاسف الأمور إلى معاليها وذلك مما اتفق جمهور العقلاء عليه.
أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ: كمال تأله لله عز وجل.
وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ: نفي متمم للإثبات المتقدم، فهو من عطف اللازم على ملزومه، إذ لازم إفراد الله، عز وجل، بالعبادة: نفي الشرك واتخاذ الأرباب من دونه.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ: تعريض بهم بفحوى الخطاب، إن تولوا، فإثبات الإسلام لنا يستلزم نفيه عمن خالفنا في أصل المعتقد فليس ثم إلا: إسلام وكفر، وداخل الإسلام تتفاوت المقالات قربا وبعدا من المقالة الأولى: مقالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي نزل بها الروح الأمين وحملها الصحب الكرام، رضي الله عنهم، إلى أمم الأرض شرقا وغربا.
والله أعلى وأعلم.(/)
ما الفرق بين الطباق و التضاد؟؟
ـ[الخريف]ــــــــ[17 - 12 - 2008, 11:20 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
كيف نفرق بين الطباق و التضاد؟
و جزاكم الله خير.
ـ[هاني السمعو]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 12:54 م]ـ
أعتقد وحسب معلوماتي البسيطة أن الطباق والتضاد وإن كانا يشيرا إلى معنى واحد فبينهما اختلاف حيث الطباق هو من المحسنات البديعية أما التضاد فهو عبارة عن علاقة تكون بين الألفاظ مثلها مثل الترادف وإن اختلفت عنه في المعنى ....
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 09:52 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
كيف نفرق بين الطباق و التضاد؟
و جزاكم الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إن كنت تقصد بالسؤال ما يتعلق بالمصطلح البلاغي، فلا فرق؛ إذ كلاهما يطلقان على ذلك المحسن البديعي المعنوي الذي يجمع بين الشيء وضده.
يقال: طباق، ويقال له أيضًا: مطابقة، وتطبيق، وتضاد، والأشهر: طباق، ومطابقة.
والله - تعالى - أعلم.
ـ[الخريف]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 11:28 م]ـ
جزاكم الله خيرًا على الإجابة.
ـ[[ذهب]]ــــــــ[20 - 12 - 2008, 03:02 م]ـ
الطباق: تضاد بين مفردات
والمقابلة: تضاد بين جمل
ويندرج كلا اللفظين تحت مسمى التضاد
أرجو التعليق إن كان ثمة خطأ
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 12:07 ص]ـ
اختلف البلاغيون في أمر المقابلة؛ فمنهم من يجعلها فنًّا مستقلا من فنون البديع (وهذا هو الأشهر)، ومنهم من يجعلها نوعًا من الطباق أو المطابقة، ويدخلها في إيهام التضاد، على اعتبار أن الطباق إذا جاوز الضدين صار مقابلة.
والفرق بين الطباق والمقابلة يأتي من وجهين:
أحدهما: الطباق لا يكون إلا بالجمع بين ضدين، أما المقابلة فتكون - غالبًا - بالجمع بين أربعة أضداد: ضدين في صدر الكلام، وضدين في آخره.
ثانيهما: الطباق لا يكون إلا بالأضداد، على حين أن المقابلة تكون بالأضداد وغير الأضداد.
والله - تعالى - أعلم.
ـ[باتل]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 05:20 م]ـ
بارك الله فيكم جميعًا
وجدت رابطًا - بالمنتدى - جامعًا مانعًا في الفرق بين الطباق والمقابلة.
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=25251(/)
الموت والحياة
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[18 - 12 - 2008, 04:53 م]ـ
كثيرة هي الآيات التي تحدث عن الموت وعن الحياة .. وقد اقترنت المفردتان في الآية الثانية من سورة الملك قال تعالى:
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)
ولعلنا نلاحظ ذكر الموت قبل ذكر الحياة .. وقد اجتهد المفسرون في تفسير ذلك
ففي تفسير الجلالين: " (الذي خلق الموت) في الدنيا (والحياة) في الآخرة أوهما في الدنيا فالنطفة تعرض لها الحياة وهي ما به الاحساس والموت ضدها أو عدمها قولان والخلق على الثاني بمعنى التقدير (ليبلوكم) ليختبركم في الحياة (أيكم أحسن عملا) أطوع لله (وهو العزيز) في انتقامه ممن عصاه (الغفور) لمن تاب إليه "
أما في التفسير الميسر: " الذي خلق الموت والحياة؛ ليختبركم - أيها الناس-: أيكم خيرٌ عملا وأخلصه؟ وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء, الغفور لمن تاب من عباده. وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات, وزجر عن اقتراف المعاصي."
وما يهمنا هنا ذكر الموت وترتيبه في السياق القرآني، إذ جاء أولا، وقبل ذكر الحياة .. ولم يكن ذلك - والله أعلم - إلا لعلة بلاغية، تتقاطع مع علة إعجازية .. وأسوق هنا نقلا عن المسألة يتمثل في الآتي:
" خلق الموت قبل خلق الحياة معناه أن الأجل مقدر في داخل الخلية الحية، وأن كلا من الأمراض والأحداث العارضة، والشيخوخة، وغيرها من الأحداث الحيوية مقدر كذلك ومدون في الشيفرة الوراثية، وقد ثبت أن طول الأغطية الطرفية للصبغيات يحدد عدد مرات انقسام كل خلية حية، وبالتالي يحدد أجلها قبل خروج الحمل من بطن أمه " ..
وليس أدل على ما سبق إلا قوله تعالى: (ِلكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)
وقوله تعالى: " (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).
والحديث الذي رواه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم:
" يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة، فيقول: يا رب أشقي أو سعيدٌ؟ فيكتبان، فيقول: يا رب أذكر أو أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، تم تطْوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص ".
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 10:55 م]ـ
زادك الله من فضله أستاذي الكريم ..
وقد يكون في تقديم الموت على الحياة دعوة لإحسان العمل، وتدارك ما كان من زلل، فإن الحياة صائرة إلى زوال، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا متى ينتهي أجلها.
يقول سيد قطب - رحمه الله -: " ليبلوكم أيكم أحسن عملا .. " استقرار هذه الحقيقة في الضمير يدعه أبدًا يقظًا، حذرًا، متلفتًا، واعيًا للصغيرة والكبيرة في النية المستسرة، والعمل الظاهر، ولا يدعه يغفل أو يلهو ". (الظلال: 29/ 3632)
والله - تعالى - أعلم.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 11:03 م]ـ
مرور عطر أستاذتي الكريمة
لك الشكر على إضافتك الماتعة
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[20 - 12 - 2008, 09:39 ص]ـ
:::
ترتيب الموت والحياة
قال تعالى في الآية 24 من سورة الجاثية:
"وَقَالُوا مَاهِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ".
الدهريون الزنادقة لا يعترفون أساسا بالخلق ولا بالبعث بعد الموت، لأن الأمر بالنسبة إليهم أزلي أبدي، ومسألة الموت والحياة بالنسبة إليهم عبارة عن متوالية حسابية لا بداية لها ولا نهاية، موت ثم حياة، ثم موت ثم حياة، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية، لذلك فالترتيب في قولهم هنا غير وارد ولا معنى له لأنه في اعتقادهم جزء من متوالية حسابية أزلية لانهائية صماء، فهم لا يعترفون بالبداية فيكون هذا الأول، ولا يعترفون بالنهاية فيكون ذاك الأخير، والأمر لديهم سيان، وسواء عليهم أقالوا "نموت ونحيا" أم قالوا "نحيا ونموت".
وهذه الحقيقة الرياضية تؤيد ماذهب إليه البصريون من أن الواو هنا لمطلق الجمع وليست للترتيب.
قال تعالى في الآية 156 منسورة آل عمران:
"كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (البقرة 28)
وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
إذن، فالقرآن يفسر بالقرآن، والترتيب موت فحياة ثم موت ثم حياة.
والله تعالى أعلم، ودمتم،
منذر أبو هواش
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[20 - 12 - 2008, 11:00 ص]ـ
بارك الله لك أخي الكريم مغربي على هذه اللفتات الطيبة، ومن حكمة تقديم الموت هو ترسيخ مفهوم الموت في الذهن لأنه كما يقول العلماء في تقديم الموت، لأن الموت دليل قهر الإنسان في هذه الحياة وأنه بعد الموت ليس للإنسان خيار ثالث، وبذلك يبقي الإنسان يتذكر الموت أمامه حاضراً فيردعه، وأما في الحياة فتنتفي هذه الصفات والله أعلم.(/)
المسند
ـ[فوفو 1407]ــــــــ[18 - 12 - 2008, 09:47 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد ثلاثة أمثلة من القرآن، وثلاثة من السنة لتقدم المسند والمسند إليه على متعلقات الفعل.(/)
من سيد الاستغفار
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 09:12 ص]ـ
ومن سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي:
استحضار للمخاطب، وإن كان غائبا عن الأبصار فقد رأته بصائر أهل الإيمان، على وزان قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)، فالرؤية البصرية محالة في الدنيا، والرؤية القلبية حاصلة لأولي الإحسان.
وفي السياق حصر بتعريف الجزأين: "أنت" و: "ربي"، والربوبية: ربوبية خلق وإيجاد، وربوبية إعداد وإمداد، فهو المربي لعباده مؤمنهم وكافرهم بنعمته العامة، فالخلق كلهم له مربوبون، ولعطاء ربوبيته مفتقرون، وهو المربي لأوليائه وأصفيائه بنعمته الخاصة، نعمة الإيمان: عطائه لأولي العرفان.
لا إله إلا أنت: استحضار آخر، وفيه الإشارة إلى معنى الألوهية، فرعا على ما تقدم من معنى الربوبية في: "أنت ربي" فهي ثنائية تكاد كل نصوص الوحي: كتابا وسنة تصب في قناتها.
خلقتني وأنا عبدك:
خلقتني: لازم ربوبية: "أنت ربي"، و: "أنا عبدك": لازم ألوهية: "لا إله إلا أنت"، فيكون في الكلام لف ونشر مرتبين، فقدم ذكر الربوبية لكونها الدليل، وقدم لازمها من الخلق والتقدير، وثنى بذكر الألوهية لكونها المدلول، وثنى بلازمها من العبودية الاختيارية: عبودية الطاعة والانقياد.
فهي عبودية خاصة غير عبودية الخلق العامة، فالأولى: انقياد لأمر التشريع، فلا تكون إلا لخواص عباده من المؤمنين الذين امتثلوا أمره فعلا ونهيه تركا، والثانية: انقياد لأمر التكوين فتعم: المؤمن والكافر، المقر والجاحد.
والحصر بتعريف الجزأين في: أنا عبدك" في مقابل الحصر بتعريف الجزأين في: "أنت ربي"، فتلك عبودية مطلقة في مقابل ربوبية مطلقة، فالقسمة ثنائية لا ثالث لها: رب معبود وعبد مربوب مقهور.
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت: إطناب في بيان لوازم الألوهية يقتضيه مقام العبودية المفتقرة إلى عطاء الربوبية، وفيه إشارة لطيفة إلى ملزومها من الربوبية، فالداعي مقر بعجزه، مقدم لعذره: "ما استطعت"، ولسان حاله: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين).
وفي تقديم واجب الألوهية بين يدي السؤال من عطاء الربوبية: براعة في الاستهلال، فبعد أن أقر بضعفه وعجزه بادر بالطلب فقال:
أعوذ بك من شر ما صنعت: ولا تكون الاستعاذة إلا برب قادر على أن يصرف عن عبده السوء، وفي التنزيل: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، فلما حقق مقام الألوهية: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)، نال عطاء الربوبية: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، وعطف بالفاء التعقيبية الجزائية، إشارة إلى عظيم قدرة الرب، جل وعلا، وفي ذلك لكل داع عبرة، فإن من حقق شرط العبودية نال مشروط الربوبية: ربوبية النصرة والنجدة والتأييد، والخلق في ذلك على مراتب لا يحصيها إلا الرب، جل وعلا، وبقدر تحقيق الشرط يكون حظ العبد من المشروط، فمن كانت عبوديته أكمل، كانت نجدته وذهاب غمه أسرع.
أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي:
إقرار بالتقصير في مقام الألوهية في مقابل تمام الربوبية، فخير نازل، وشر صاعد، وفيه من التوطئة لما بعده من:
فاغفر لي: تأله بالدعاء بعد الاعتراف بالذنب في مقابل النعمة، وبالتقصير في مقابل التمام، فرب يربي بالنعمة، وعبد يبارز بالمعصية.
وعلة ذلك:
فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت: فكأن في السياق سؤال مقدرا: وما علة طلب المغفرة من الله، عز وجل، دون من سواه من الرهبان والشيوخ والأولياء ......... إلخ.
فجاء الجواب:
مؤكدا بـ: "إن"، وضمير الشأن، وأقوى أساليب القصر: النفي والاستثناء، فضلا عن تسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل: "يغفر" فأفاد عموم نفي المغفرة عمن سوى الله، عز وجل، ولا زال استحضار مقام الربوبية مطردا فجاء الضمير: "أنت" في نداء من غاب عن أبصار المكلفين وإن لم يغب عن قلوب الموحدين.
وبقدرتمكن هذا المعنى من قلب العبد يكون كمال التأله للرب، عز وجل، فإن من أيقن أن ذنبه لا يغفره إلا ربه، لم يتوجه بدعائه إلى أحد سواه، وكلما ضعف ذلك في قلب العبد استهوته شياطين الجن والإنس فزينت له دعاء غير الله، فتنقص عبوديته ويقل افتقاره إلى الرب، جل وعلا، بقدر عبوديته وافتقاره إلى غيره.
والله أعلى وأعلم.(/)
هل هناك دعوة لتيسير تعلم البلاغة
ـ[عنتر الجزائري]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 11:19 ص]ـ
السلام عليكم أساتذتي الكرام و زملائي
بودي أن استفسر: هل توجد دعوات لتسهيل تعلم البلاغة وهل اهتمت المجامع العربية بهذا؟
ويهمني من هذا دور المجامع. فمن له دراية بالموضوع أن يرشدني إلى توصيات ومقررات المجامع وفي أي أعداد مجلتها أجد المبتغى؟
أو يرشدنا الى أهم الكتب التي تناولت تيسير البلاغة.
ودتم في خير وحفظ من الله
ـ[عنتر الجزائري]ــــــــ[20 - 12 - 2008, 08:47 م]ـ
دور المجامع. فمن له دراية بالموضوع أن يرشدني إلى توصيات ومقررات المجامع وفي أي أعداد مجلتها أجد المبتغى؟(/)
جمال اللغة العربية -زيادة المعنى حُسنا بزيادة لفظ!
ـ[أحلام]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 01:37 م]ـ
- زيادة المعنى حُسنا بزيادة لفظ
- هي من سنن العرب، كما تقول: زَيْدٌ لَيْثٌ، إنَّما شَبَّهْتَهُ بليثٍ في شَجاعته. فإذا قال: زيدٌ كاللَّيثِ الغَضبان، فقد زاد المعنى حُسناً، وكسا الكلامَ رونَقاً، كما قال الشاعر:
شَدَدْنا شِدَّةَ اللَّيثِ * عَدا واللَّيثُ غَضبانُ
وكما قال امرؤ القيس:
تَرائِبُها مَصْقولَةٌ كالسِّجَنْجَلِ
فلم يزد على تشبيهها بالمرآة. وذكر ذو الرُّمَّة أخرى، فزاد في المعنى حيثُ قال:
ووَجْهٌ كمِرآةِ الغَريبةِ أسْجَحُ
لأنَّ الغريبة لا يكون لها من يُعْلمها مَحاسِنها من مَساويها، فهي تحتاج إلى أن تكون مِرآتُها أصفى وأنقى لِتُريها ما تحتاج إلى رؤيته من محاسِن وَجهِها ومساويه. ومن هذا المعنى قول الأعشى:
تروح على آلِ المُحَلِّق جَفْنَةٌ * كَجابِيَةِ الشَّيخ العِراقيِّ تَفْهَقُ
فَشَبَّهَ الجَفْنَةَ بالجابية، وهو الحوض، وقيَّدها بذكر العِراقيِّ لأنَّ العِراقيّ إذا كان بالبرِّ ولم يعرِف مواضع الماء، ومواقع الغيث، فهو على جمع الماء الكثير أحْرصُ من البَدوي العارف بالمناقِع والأحْساء. وقال ابن الروميّ:
مِنْ مُدامٍ كأنَّها دَمْعَةُ المَهجُورِ يَبْكي وعَيْنُهُ مَرْهاءُ
فَشَبَّهها بدمعة المهجور في الرِّقَّةِ، وزاد في الرَّفَّة بأن وصف عينه بالمَرَه، وهو طول العهد بالكحل، لِيكون الدَّمع مع رِقَّتِهِ أصْفى وأسلم مما يَشوبُهُ، وهذا من لطائف الشعراء(/)
الجمع الذي ليس بينه وبين واحده إلا الهاء
ـ[أحلام]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 01:59 م]ـ
- هذا الجمع يذكَّر ويؤنث، وهو كقولهم: تَمرٌ وتَمْرَةٌ، وسحاب وسحابة، وصَخرٌ وصَخْرَةٌ، وروضٌ وروضَةٌ، وشَجَرٌ وشَجَرةٌ، ونَخلٌ ونَخلَةٌ. وفي القرآن العزيز: "والنَّخْلَ باسِقات لَها طَلْعٌ نَضيدٌ" وقال تعالى: "إنَّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَينا" وقال: "والسَّحابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّماء والأرضِ لآياتٍ لِقَومٍ يَعْقِلون" فذكَّر. وقال في مكان آخر: "حتى إذا أقَلَّتْ سَحابا" فأنَّث، ثم قال: "سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ" فرَدَّهُ إلى أصل التذكير.(/)
جمال اللغة العربية-الاستعارة
ـ[أحلام]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 02:10 م]ـ
الاستعارة
- ذلك من سنن العرب. هي أن تستعير للشيء ما يليق به، ويضعوا الكلمة مستعارة له من موضع آخر. كقولهم في استعارة الأعضاء لما ليس من الحيوان: رأسُ الأمرِ، رأسُ المال، وجهُ النَّار، عين الماءِ، حاجِبُ الشَّمس، أنفُ الجبل، أنفُ الباب، لِسانُ النَّارِ، رِيقُ المُزْنِ، يَدُ الدَّهرِ، جَناحُ الطَّريقِ، كَبِدُ السَّماءِ، ساقُ الشَّجَرَةِ.
وكقولهم في التَّفرُّق: انْشَقَّتْ عَصاهُمْ، شالَت نَعامَتهم، مرُّوا بين سمع الأرض وبَصرِها، فَسا بينَهم الظِّربان.
وكقولهم في اشتداد الأمر: كَشَفَتِ الحَرْبُ عن ساقِها، أبدى الشَّرُّ عن ناجِذَيه، حَمِيَ الوَطيسُ، دارَتْ رحى الحَربُ.
وكقولهم في ذكر الآثار العُلويَّة: افتَرَّ الصُبْحُ عن نواجِذَهُ، ضَرَبَ بِعَموده، سُلَّ سَيفُ الصُّبْحِ من غِمد الظَّلام، نَعَرَ الصُّبحُ في قفا الليل، باحَ الصُّبحُ بِسرِّهِ، وهي نطاق الجوزاء، انحَطَّ قِنْديلُ الثُرَيَّا، ذّرَّ قرْن الشَّمس/ ارتَفع النَّهار، ترحَّلت الشَّمس، رَمَتِ الشَّمس بِجَمَرات الظَّهيرَةِ، بَقَلَ وجهُ النَّهار، خَفَقَتْ راياتُ الظَّلام، نَوَّرت حدائِقُ الجوِّ، شابَ رأسُ الليل، لَبِسَت الشَّمس جِلبابها، قام خَطيب الرَّعد، خَفَقَ قَلب البَرق، انحَلَّ عِقْدُ السَّماء، وَهَى عِقد الأنداد، انْقَطَعَ شِريان الغَمام، تَنفَّسَ الرَّبيع، تَعَطَّرَ النَّسيمُ، تَبَرَّجَت الأرضُ، قَوِيَ سلطان الحرِّ، آنَ أن يَجيشَ مِرْجَلُهُ، ويثورَ قَسْطُلُه، انْحَسَرَ قِناع الصَّيف، جاشَت جُيوشُ الخَريفِ، حَلَّت الشَّمس الميزان، وعَدَل الزَّمان، دبَّت عَقاربُ البردِ، أقدمَ الشِّتاء بِكَلْكَلِه، شابَت مَفارِقُ الجِبالِ، يوم عبوسٌ قَمْطَرير، كشَّرَ عن نابِ الزَّمْهَرير.
وكقولهم في محاسن الكلام: الأدَبُ غِذاءُ الرُّوح، الشَّباب باكورَةُ الحَياةِ، الشَّيب عنوان الموت، النَّار فاكهة الشِّتاء، العِيال سوسُ المال، النَّبيذُ كيمْياء الفَرَح، الوحدة قَبر الحيِّ، الصَّبر مفْتاحُ الفَرَج، الدَّين داء الكرم، النَّمَّام جسرُ الشرِّ، الإرجافُ زَندُ الفِتنةِ، الشُّكرُ نسيمُ النَّعيم، الرَّبيع شبابُ الزَّمان، الولَدُ ريحانَةُ الروحِ، الشَّمس قَطيفَةُ المساكين، الطِّيب لسانُ المُروءة.
- من استعارات القرآن: "وإنَّهُ في أمِّ الكتاب" "لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرى ومَنْ حَولَها" "واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ منَ الرَّحمَةِ" "والصُّبحِ إذا تَنَفَّس" "فَأذاقَها اللهُ لِباسَ الجوعِ والخَوفِ" "كُلَّما أوْقَدوا ناراً للحَربِ أطْفَأها الله" "أحاطَ بِهمْ سُرادِقُها" فَما بَكَتْ عَلَيهمُ السَّماءُ والأرضُ" "وامْرَأتُهُ حمَّالَةَ الحَطَبِ" واشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيبا" "وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ" "فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذاب" "وَلَمَّا سَكَتَ عن موسى الغَضَبُ".
ومن الاستعارات في الأشعار العربية قول امرئ القيس:
فقلْتُ لهُ لمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ * وأرْدَفَ أعْجازاً وناءَ بِكَلْكَلِ
وقول زهير:
وَعُرَّى أفراسُ الصِّبا ورواحِلُهْ
وقول لبيد:
إذْ أصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمالِ زِمامُها
فأما أشعار المُحدَثينَ في الاستعارات فأكثر من أن تُحصى
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 09:31 م]ـ
حُسنٌ للعربية لا تنضب موارده، ولا تنقضي فرائده!
فتح الله عليك دكتورة أحلام.
ـ[بيان الإسلام]ــــــــ[22 - 12 - 2008, 06:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا لك دكتورة أحلام على هذه المعلومات القيمة والأمثلة
الجميلة عن الاستعارة والتي تعتبر مرجعا هاما لي في ميدان عملي
بارك الله فيك
ـ[أحلام]ــــــــ[22 - 12 - 2008, 11:14 م]ـ
الاخت الفاضلة ندى الرميح
يسرني مرورك الطيب
الاخت الفاضلة بيان الاسلام
شكرا على مرورك
ـ[د/نصر الدين عبد العظيم]ــــــــ[24 - 12 - 2008, 12:02 ص]ـ
الأخت الفاضلةأحلام شكر الله صنيعك
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[24 - 12 - 2008, 08:03 ص]ـ
موضوع قيّم، يدل على خبرة الكاتبة فيه.
بارك الله فيك أختي أحلام.
ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[24 - 12 - 2008, 06:38 م]ـ
أختنا أحلام, شكرا لك على التنقل بنا في حديقة الاستعارات, والتي تذكرنا بجمال لغتنا لعربية. هتان من الشكر
ـ[باسم67]ــــــــ[11 - 01 - 2009, 11:27 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
البيت لحسان بن ثابت:
لساني صارم لا عيب فيه ..... وبحري لا تكدره الدلاء
الرجاء توضيح الوجه البلاغي في الشطرة الثانية،
مع الشكر،
أخوكم باسم
عضو جديد
ـ[باتل]ــــــــ[12 - 01 - 2009, 07:09 م]ـ
جزيت الجنة أختاه على هذا العرض الشائق.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
البيت لحسان بن ثابت:
لساني صارم لا عيب فيه ..... وبحري لا تكدره الدلاء
الرجاء توضيح الوجه البلاغي في الشطرة الثانية،
مع الشكر،
أخوكم باسم
عضو جديد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي باسم.
زاد الفصيح إشراقا بانضمامك إليه.
أما عن الوجه البلاغي في الشطر الثاني من البيت ربما كناية عن شدة الجود والكرم وانتظر معك إجابة من علمائنا.(/)
طلب مساعدة إخواني
ـ[عبدالواحد]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 07:51 م]ـ
السلام عليكم
إخواني أريد مساعدتكم ...
أريد جملا غير مطابقة لمقتضى الحال ...
جزاكم الله خيرا
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 08:56 م]ـ
(مطابقة الكلام مقتضى الحال) موضوع يطول الحديث فيه، وعدم مطابقته له نقضٌ للحد - المقترن بالفصاحة - الذي وضع للبلاغة.
والتمثيل لعدم مطابقة الكلام مقتضى الحال بحاجة إلى معرفة قرائن الأحوال؛ حتى يحكم على التعبير بأن فيه مخالفةً ما.
من ذلك مثلا: مقام الأنس والتلذذ يقتضي الإطناب في الكلام، فإن جاء التعبير موجزًا مخلا بالوفاء بتلك الحال، عُد التعبير غير مطابق لها.
وكذا الأمر المستدعي للإيجاز - كنحو خطاب موجه يستدعي نقاطًا مركزة -، فإن جاء التعبير مسهبًا، عُدّ مخالفًا مقتضى الحال، وهكذا.
وتحفظ لنا كتب البلاغة أمثلة لتلك المخالفة، على نحو ما يطالعنا في إنشاد شاعر للخليفة هشام بن عبدالملك قوله:
صفراء قد كادت ولما تفعل ** كأنها في الأفق عين الأحول
هذا التشبيه مخالف مقتضى الحال كما يقرر البلاغيون؛ لأن الخليفة أحول! وكان مصير الشاعر الحبس!
ونُعي على البحتري هذا الابتداء غير المطابق مقتضى المدح:
لك الويل من ليل تقاصر آخره
وكذا جرير في ابتدائه مدحته لعبدالملك بن مروان:
أتصحو أم فؤادك غير صاح
فاستنكر الخليفة هذا الابتداء، وقال: بل فؤادك أنت!
والله - تعالى - أعلم.
ـ[عبدالواحد]ــــــــ[20 - 12 - 2008, 12:43 م]ـ
جزاك الله خيرا أختي ندى
هل يوجد كتاب يتناول أمثلة غير مطابقة لمقتضى الحال من الواقع المعيش ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[24 - 12 - 2008, 11:51 م]ـ
تجد ذلك أخي في جل كتب البلاغة عند تعرضها لتعريف البلاغة اصطلاحًا ..
وقد عثرت لك على مؤلف تناول هذه القضية، وبالإمكان ابتياعه من خلال الشبكة:
http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=egb104434-5104065&search=books
موفق أخي ..(/)
الفاصلة والسجع أرجو التوضيح
ـ[[ذهب]]ــــــــ[20 - 12 - 2008, 03:25 م]ـ
اختلفت مع بعض الزميلات حول الفاصلة في الإجابة على السؤال التالي:
استخرج من المثال مواضع السجع ثم حدد فواصله:
إذا ملك لم يكن ذا هبة، فدعه فدولته ذاهبة.
فبين قائلة أن الفاصلة هي الكلمة كاملة (هبة، ذاهبة)
وقائلة أنها الحروف المتشابهة التي تتكرر وتحدث السجع (هبة)
وقائلة أنهاالحرف الأخير فقط (ة)
أرجو التوضيح
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 12:24 ص]ـ
الفاصلة: هي الكلمة الأخيرة من الجملة.
وعليه: فالفاصلة كلمة (هبة) بأكملها في الشطر الأول، و (ذاهبة) بأكملها في الشطر الثاني.
والله - تعالى - أعلم.
ـ[أديب زمانه]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 10:46 ص]ـ
أشكر الأخت ندى الرميح على هذه المشاركة الجميلة وحلها للإشكال
وإلى مزيد من التقدم
ـ[أديب زمانه]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 10:47 ص]ـ
والرقي
ـ[ابن طي]ــــــــ[26 - 12 - 2008, 02:14 ص]ـ
في هذا المثال جناس تام بين:
ذا هبة , ذاهبة
ـ[محمد سعد]ــــــــ[26 - 12 - 2008, 03:34 ص]ـ
السجع: تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد، وهذا معنى قول السكاكي" الأسجاع في النثر كالقوافي في الشعر.
إذا توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرف الأخير
والسجع ثلاثة أضرب
المطرف: إذا اختلفت الفاصلتين في الوزن. كقوله تعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا 13 وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا 14} نوح
المرصع: إذا اتفقت معظم كلمات العبارة الأولى أو جميعها مع ما يقابلها في العبارة الثانية وزنا وقافية
قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} الإنفطار
المتوازي: إذا اتفقت الكلمتان وزنا وقافية
قال تعالى {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ (14)} الغاشية
ملحظة مرَّت في خاطري وأن أُعد المشاركة، وهي اشتراك الأمثلة الثلاثة في أرقام الآيات. سبحان الله
ـ[باتل]ــــــــ[26 - 12 - 2008, 12:38 م]ـ
السجع: هو توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرف الاخير- والفاصلة في النثر كالقافية في الشعر- وموطن السجع النثر، وأحسنه ما تساوت فقراته، كقوله تعالى: (في سدر مخضود وطلح منضود وظلّ ممدود)
والجناس: وهو تشابه لفظين، مع اختلافهما في المعنى،
أعتقد أن الافضل للسؤال أن يكون عن الجناس لا السجع فالتعريف صريح.
وعليه يكون (ذا هبة - ذاهبة) بينهما جناس تام.
ـ[[ذهب]]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 11:17 ص]ـ
الفاصلة: هي الكلمة الأخيرة من الجملة.
وعليه: فالفاصلة كلمة (هبة) بأكملها في الشطر الأول، و (ذاهبة) بأكملها في الشطر الثاني.
جزاكِ الله خير الجزاء أختي الفاضلة ندى الرميح
و بناء على ماتقدم؛ هل يكون السؤال قد صيغ بطريقة خاطئة إذ لا فرق بين موضع السجع وتحديد الفاصلة؟
ـ[[ذهب]]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 11:34 ص]ـ
السجع: تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد، وهذا معنى قول السكاكي" الأسجاع في النثر كالقوافي في الشعر.
إذا توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرف الأخير
[ b][center] ملاحظة مرَّت في خاطري وأنا أُعد المشاركة، وهي اشتراك الأمثلة الثلاثة في أرقام الآيات. سبحان الله
سبحان الله
جزاك الله أخي الفاضل خير الجزاء على هذا التوضيح والتفصيل
وسؤالي عن العبارة: الأسجاع في النثر كالقوافي في الشعر
وبما أن القافية أشمل من حرف الروي إذ تشمل آخر ساكنين في البيت الشعري وما بينهما من حروف. فعليه تكون الفاصلة هي مجموعة الحروف المتشابهة في نهايات الجمل.
أرجو زيادة التوضيح والفصل في اللبس كرما .. وجزاكم الله خيرا
ـ[[ذهب]]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 11:38 ص]ـ
أخي الفاضل/ سيبويه 8
أخي الفاضل / باتل
جزاكما الله خيرا صدقتما فإن أغلب السجع هو في الواقع جناسا تاما أو ناقصا
لكن سؤالي هنا حول السجع.
ثبت الله أجركما وبارك جهدكما وجزاكما خير الجزاء(/)
من مشكاة النبوة
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 12 - 2008, 08:53 ص]ـ
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قَالُوا وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)
من: اسم شرط يفيد العموم بوضعه، فالوعيد عام في حق من اقتطع حق امرئ مسلم، ولا يرد على ذلك أن مرتكب الكبيرة تحت المشيئة إن مات على التوحيد مصرا على كبيرته، لأن النص في هذا الموضع على الوعيد لا على نفاذه، فالوعيد عام في حق كل من ارتكب هذا الفعل، ونفاذه خاص بمن شاء الله، عز وجل، نفاذه في حقه عدلا، بخلاف من تجاوز عنه فضلا، فالكريم إذا أوعد جاز في حقه إخلاف الوعيد فضلا منه ونعمة.
اقتطع: الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى، فصيغة: "افتعل" تدل على التعمد والإصرار والسعي في اكتساب ذلك الفعل باجتهاد ومبالغة، بخلاف: "قطع"، كما في: "اكتسب" و "كسب".
حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: وصف المسلم لا مفهوم له على الراجح من أقوال أهل العلم، على خلاف في ذلك، إذ مال الذمي المعاهد والمستأمن محترم بخلاف الحربي الذي جاهر بعداوة الإسلام وأهله، تماما كما قيل في حديث: (لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ)، فوصف الأخوة هنا أيضا: طردي لا مفهوم له إذ خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له. فتحرم الخطبة على خطبة المعاهد والمستأمن.
بِيَمِينِهِ: قيد غير معتبر، أيضا، وإنما سيق مساق الغالب، فاليمين مظنة البطش والقوة، فلو اقتطعه بيساره أو بأي جارحة من جوارحه شمله الوعيد، تماما كما في قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وكسب الذنوب قد يقع بجوارح غير اليد.
وفي تقديم المسند إليه: "من" في هذا السياق نوع تشويق، فضلا عن إجمال الموصول الذي بينته جملة الصلة: "اقتطع"، ففي الإجمال ثم البيان شحذ لذهن السامع الذي يتلقى اللفظ المجمل فتتحرك نفسه شوقا إلى بيانه.
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ:
مقابلة بين جملة: "حرم"، و "أوجب"، وقد يقال، أيضا، بالطباق بينهما، من جهة اللفظ لا التركيب، وبالطباق بين: "النار" و "الجنة"، وفي عطف إيجاب النار على تحريم الجنة، وهو عطف متلازمين، زيادة في النكاية بالإطناب في تفصيل الوعيد، فذلك مما يزيد المتوعد مساءة، ويزيد غيره حذرا من ذلك الوعيد.
و "أل" في "الجنة": عهدية، تشير إلى جنة بعينها، وهي الجنة التي أعدت لمن لم يقترف تلك المعصية، فليست جنسية تفيد العموم، وإلا لزم من ذلك، صحة مذهب الخوارج الذين حكموا بخلود مرتكب الكبيرة في النار.
وكذلك "أل" في النار فهي، أيضا، عهدية، تشير إلى نار بعينها، هي النار التي أعدت لمقترف تلك المعصية خصوصا.
وقد يكون تحريم الجنة بمعنى التأخر، فيحجب عنها العصاة حينا، ثم يؤذن لهم في دخولها بعد الشفاعة، أو بعد تطهيرهم في النار التي أعدت لعصاة الموحدين، وكذلك الحال في إيجاب النار، فإنه لا يلزم من دخولها: الخلود فيها، بل يدخلها بعض العصاة ثم يخرجون منها إذا طهروا، أو إذا أذن الله، عز وجل، في الشفاعة، أو إذا شفع الشافعون وبقيت شفاعة الملك، تبارك وتعالى، كما دلت على ذلك النصوص الواردة في ذلك الشأن.
قَالُوا وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ:
في الكلام إيجاز بالحذف دل عليه السياق، فتقدير الكلام: وإن كان المقتطع شيئا يسيرا عوقب مقتطعه تلك العقوبة الشديدة، فحذف جواب الشرط استنادا إلى ما تقدم، فضلا عن كون السائل متلهفا إلى معرفة الجواب، فحسن أن يوجز مسألته انتقالا غلى محط الفائدة مباشرة.
و: "شيئا": موطئ لما بعده فليست المسألة عن الشيء، فإنه قد يكون عظيما، وقد يكون حقيرا، وإنما المسألة عن الشيء اليسير بعينه، فذلك مما لا يؤبه له عادة.
(يُتْبَعُ)
(/)
قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ: قد يكون الكلام على حقيقته، وقد يكون على سبيل المبالغة، كما قيل في حديث: (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ)، فوجبت طاعة من فوقه من باب أولى، وإن لم تتصور إمرته أصلا، وإذا كان المقام مقام وعيد فالأولى حمل الألفاظ على حقيقتها لئلا يستاهل العباد في الحقوق اليسيرة فيجرهم ذلك إلى التعدي على الحقوق الجسيمة التي تتعلق بها النفوس.
&&&&&
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ)
لا حسد: نكرة في سياق النفي فتفيد العموم.
والسياق سياق قصر بأقوى أدوات القصر: النفي والاستثناء.
إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ .............. توشيح بذكر الحكم مجملا ثم تفصيل أفراده، وفي ذلك تشويق وشحذ لذهن المخاطب.
رجل: خرج مخرج الغالب، فيعم النساء.
عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ: استشعار لفضل الله، عز وجل، بنسبة النعمة إليه، فهو الذي: (علم القرآن).
فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ: علم فعمل، فالتصور يسبق الإرادة، ولا حكم صحيح إلا بتصور صحيح، وأي تصور أصح من تصور من علمه الله القرآن، فهو مظنة صحة العمل، إلا من: (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)، فمناط الأمر: علم نافع وعمل صالح، وفي التنزيل: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)، فقدم العلم على الاستغفار إذ تصور المعلوم باعث على تصحيح النية وإتقان العمل.
فالجملة حالية واصفة لصاحبها مقيدة لعاملها، فليس كل من علم القرآن عالما ليغبط على ذلك، بل قد يتعلمه طلبا لعرض زائل أو حظ نفس من وجاهة أو رياسة لا دوام لها.
لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ: علو همة وسداد في الرأي، وإن لم يؤت مثله، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ: استعار الإهلاك الحسي الذي يقع على الأعيان للإنفاق الذي يقع على الأموال، ففي الكلام: استعارة تصريحية تبعية، إذ وقعت في الفعل: "يهلكه"، والحال هنا، أيضا، واصفة مقيدة.
&&&&&
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)
في الحديث تشبيه تمثيلي، إذ شبه الصورة المركبة من حاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الدنيا: بصورة مركبة من حال راكب قال ساعةً تحت شجرة، ثم استيقظ فمضى لحاله وتركها.
وفي تخصيص نوم القيلولة بالذكر مئنة من قصر العمر، فليست نومة كنومة الليل، وإنما محض غفوة، وفي تنكير الشجرة مئنة من الإهمال، فليست شجرة بعينها تقصد لمزيد فضل فيها من ظل أو ثمر، وإنما أي شجرة يتحقق بها المراد، فهو أمر يسير عابر لا يستدعي تكلفا في المفاضلة والاختيار فأي شجرة تؤدي الغرض.
وفي الاستفهام: إنكار على من ركن إلى الدنيا، فإذا كان هذا حال أفضل الخلق معها، فكيف يطمئن إليها عاقل، أو يأنس بها مستوحش؟!!.
&&&&&
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ).
وفي بعض الزيادات عند أحمد رحمه الله: (وَيُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ)
فالسياق: سياق خبري أريد به الإنشاء سواء قيل بالوجوب أو الندب، فالأمر متوجه بإفشاء السلام تأليفا للقلوب وجمعا للشتات.
وفي ذكر المتقابلات: استيفاء بديع لأوجه القسمة العقلية: الركوب والمشي، والمشي والقعود، والقلة والكثرة، والصغر والكبر.
ويتصل بهذا السياق:
(يُتْبَعُ)
(/)
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم)
ففيه تعظيم للأمر المقسم عليه وتشويق إلى معرفة كنهه.
وفي الكلام إيجاز بحذف نونات: "تدخلوا" و "تؤمنوا": تخفيفا.
وقوله عليه الصلاة والسلام: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا: مقدمة أولى.
وقوله: ولا تؤمنوا حتى تحابوا: مقدمة ثانية، انتقل منها مباشرة إلى الفائدة دون تعريج على النتيجة فهي معروفة بداهة: لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا، ففي الكلام إيجاز بالحذف دل عليه السياق.
أفلا أدلكم: تشويق آخر بالاستفهام و "ألا" التي تفيد العرض برفق في مقام الدعوة إلى الخير، وذلك أبلغ ما يكون في حمل المخاطب على الامتثال، فأطمعهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الفعل بتصدير كلامه ببيان ثوابه العظيم، ثم ترفق في عرضه عليهم، فانشرحت النفوس وشخذت الأذهان، فألقاه عليهم مباشرة دون فاصل: أفشوا السلام بينكم.
ويتصل به أيضا:
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).
فالنداء بـ: "يا" تنبيه للغافلين.
و "أل" في الناس إما تكون عهدية تشير إلى جماعة المؤمنين فهم المقصودون أصالة بخطاب المواجهة، وإما أن تكون جنسية استغراقية، فيدخلون فيها أصلا، ويدخل فيها من سواهم تبعا، ويرجح ذلك عموم خطابات الشارع، عز وجل، فهو الأصل الذي لا يعدل عنه إلا بقرينة صارفة، ولذلك كان الراجح من أقوال أهل العلم: خطاب الكفار الأصليين بفروع الشريعة كتلك المذكورات في الحديث، فهم مخاطبون بها وبما لا تصح إلا به.
أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام: سجع بديع لا تكلف فيه إذ هو تابع للمعنى، فيجليه بعبارة لطيفة يسهل حفظها واستحضارها.
و "أل" في: "السلام" و "الطعام": جنسية لبيان الماهية، و "أل" في "الأرحام": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، والحال: "والناس نيام" وصف كاشف لا مفهوم له، فالليل مظنة النوم، وإنما جاء تنبيها على علة الأمر في ذلك الوقت بعينه، إذ العبادة في أوقات الغفلة، والليل منها، مما تشهد له جملة من النصوص.
وعقب بذكر الجزاء مباشرة انتقالا إلى الفائدة وتعجيلا بالمسرة، فحذف الشرط المقدر الذي جزم به جواب الطلب، فتقدير الكلام: إن تفعلوا ذلك تدخلوا الجنة بسلام.
&&&&&
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله تعالى عنه) فـ: "أل" في: المسلم جنسية للاستغراق المجازي، إذ استغرقت أوصاف المسلم الكامل الإسلام بغض النظر عن عينه، فهو:
من سلم ........... : وهذا دليل آخر على عدم إرادة الأعيان، إذ عموم "من" الموصولة لا يتعلق بعين فلان أو فلان.
وكذلك الحال في: "المهاجر".
وفي كلا الشطرين جناس اشتقاقي بين الوصف والفعل: "المسلم" و "سلم"، و: "المهاجر" و "هجر"، إذ المعنى الكلي الجامع لكليهما واحد، فقد اشتقا من المصدر الجامد: "السلامة" و "الهجرة".
والله أعلى وأعلم.(/)
هل هذا من الالتفات؟
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 12 - 2008, 08:59 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في قوله تعالى: (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا)
هل في هاتين الكلمتين التفات، إذ مقتضى السياق في غير الكتاب العزيز: ألا يتخذوا، و: ليفسدن؟، وإذا كان كذلك فهل يقال بأن المراد منه في الأولى: التنبيه على ما أمروا به، وفي الثانية: التنبيه على إفسادهم في الأرض؟
وجزاكم الله خيرا.(/)
ذكر الريح والمطر في القرآن الكريم
ـ[أحلام]ــــــــ[21 - 12 - 2008, 10:23 م]ـ
الرّيح والمطر
- لم يأت لفظ الرِّيح في القرآن إلا في الشَّرِّ، والرِّياح إلا في الخير.
قال عزَّوجلَّ: "وفي عادٍ إذ أرْسَلْنا عليهِمُ الرِّيحَ العَقيمَ ما تَذَرُ مِنْ شَيءٍ أتتْ عَليهِ إلا جَعَلَتْهُ كَالرَّميم" وقال سبحانه:
"إنَّا أرْسَلْنا عَلَيهِمْ ريحاً صَرْصَراً في يَومِ نَحْسٍ مُسْتَمِرّ تَنْزِعُ النَّاس كَانَّهُمْ أعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ"
وقال جلَّ جَلالُه: "وهو الذي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بينَ يَدَي رَحْمَتِهِ" وقال: "ومِنْ آياتِهِ أنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ ولِيُذيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ولِتَجريَ الفُلْكُ بِأمْرِهِ ولِتَبْتَغوا مِن فَضْلِهِ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرونَ".
وعن عبد الله بن عمر: الرِّياح ثمان، فأربع رحمة وأربع عذاب.
فأمَّا التي للرَّحمة: فالمُبَشِّرات والمُرْسَلات والذَّرِيات والنَّاشِرات،
وأما التي للعذاب: فالصَّرصَرُ والعَقيمُ وهما في البرِّ، والعاصِفُ والقاصِفُ وهما في البحر، ولم يأتِ لفظُ الإمْطارِ في القرآن إلا للعذاب،
كما قال عزّ من قائل: "وأمْطَرْنا عَلَيهِمْ مَطَراً فساءَ مَطَرُ المُنْذَرين"
وقال عزّ وجلَّ: "ولقد أتَوا على القَرية التي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوءِ".
وقال تعالى: "هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بل هو ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ريحٌ فيها عَذابٌ أليم")
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[23 - 12 - 2008, 09:29 م]ـ
بارك الله فيكم
تعقيبا على ما أفدت
وردت كلمة الريح في غير العذاب في موضع واحد وهو قوله تعالى: " هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها ... " ولكنها وصفت بـ (طيبة) وهذا ما يؤكد جريان هذه الدلالة في القرآن
وذلك أن الريح تكون ذات إقبال من جهة واحدة، فتفسد ولا تصلح، أما البحر فإن مخر السفينة لعباب البحر يكون أكثر أمانا حين تهب الريح من جهة واحدة ولذلك نعتت ب (طيبة)
أما الرياح بلفظ الجمع فهو يحمل دلالة تعدد الاتجاهات، و يحصل بها خير عميم من تلقيح وإصلاح للأرض فحملت دلالة الخير والنفع في القرآن. والله أعلم
انظر إلى: من بلاغة القرآن، د. أحمد بدوي.
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[23 - 12 - 2008, 09:38 م]ـ
جزاكما الله خير الجزاء
عملٌ رائعٌ بورك فيكما ونفع الله الإسلام بكما.
ـ[د/نصر الدين عبد العظيم]ــــــــ[23 - 12 - 2008, 11:46 م]ـ
جزاكم الله خيرا وبعد: جاء في تفسير القرطبي قال الراغب كغيره: (إن عامة المواضع في القرآن الكريم التي ذكر الله فيهاارسال الريح بلفظ الواحد فعبارةعن العذاب، وكل موضع ذكر بلفظ الجمع فعبارة عن الرحمة) ولكن من خلال تتبع آيات القرآن الكريم نلحظ أن هناك ثلاثة مواضع وردت فيها لفظة الريح لاتعني معني العذاب كما في قوله تعالى: (ولسليمان الريح عاصفةتجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيءعالمين) سورة الأنبياءآية81وقوله تعالى: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر) سورةسبأآية12وقوله تعالى: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب) سورة ص آية 36 فكلمة الريح وردت ثلاث مرات في هذه الآيات الثلاث في سور مختلفة
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 12:59 ص]ـ
بارك الله فيكم، وزادكم بسطة في العلم والفضل.
ألمح في استعمال (الريح) دون (الرياح) في مواطن الحديث عن سليمان - عليه السلام - إشارةً لعظيم الإنعام عليه؛ إذ آتاه الله الريح القوية يصرفها كيف يشاء بأمره تعالى.
والله - تعالى - أعلم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 04:23 م]ـ
أرى أن الريح في جميع المواطن للعذاب حتى تلك التي في آيات سليمان عليه السلام، إذ كان يحمل فيها عصاة الجن كما تذكر بعض الروايات.
أما الأخرى فإن استخدمت الريح لغير العذاب فإنها توصف"وجرين بهم بريح طيبة"
والله أعلم(/)
"قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ"؟
ـ[تيما]ــــــــ[21 - 12 - 2008, 11:58 م]ـ
تحية طيبة،
يقول الله جل وعلا في سورة المؤمنون:
"قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" (86)
"سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ" (87)
بينما يقول سبحانه في سورة الرعد:
"قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ" (16)
ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة "لله" مرة و "الله" أخرى؟
مع الشكر الجزيل
.
.
ـ[تيما]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 06:54 م]ـ
خلال عملية البحث عن جواب لسؤالي السابق، وجدت إجابة للدكتور فاضل السامرائي فارتأيت أن أنقلها لكم:
وفي آية أخرى في سورة الرعد جاءت الآيات (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {16}).
من حيث اللغة لو سألنا من صاحب هذه الدار؟ يكون الجواب لفلان أو فلان. فهي من حيث اللغة جائزة أن نقول الله أو لله. أما لماذا اختار الله تعالى (الله) مرة و (لله) مرة؟ لأن السياق في آية المؤمنون كان في السؤال عن الملكية (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) وقوله في نفس السورة أيضاً (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {88} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ {89}) إذن السؤال عن الملكية فيكون الجواب (لله) ولأن السياق كله في الملكية جاء بلام الملكية.
أما في آية سورة الرعد (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {16}). فالسياق في مقام التوحيد وليس في مقام الملكية وإنما عن الذات الواحدة لذا جاء الجواب (الله).
والله أعلم
.
.
ـ[أحلام]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 09:42 م]ـ
جزاكِ الله خيرا على هذا البيان الرائع
بوركت يداكِ(/)
طلب مساعدة في مفهوم الإستدراك
ـ[النجادي]ــــــــ[23 - 12 - 2008, 10:55 ص]ـ
السلام عليكم
الأساتذة الأجلاء الإخوة الأفاضل
من يدلني على كتاب أو موقع أجد فيه عن (الإستدراك) مفهوماً وأدواةً وأنواعاً وما يتعلق به.
ولكم الشكر بعد الله من قبل ومن بعد.
محب العربية وأهلها.
ـ[منصور مهران]ــــــــ[23 - 12 - 2008, 01:19 م]ـ
تأمل في هذين المرجعين:
1 - معجم البلاغة العربية - بدوي طبانة - دار المنارة - ط 4 1418 هج = 1997 م، ص 223
2 - معجم المصطلحات البلاغية - أحمد مطلوب - مكتبة لبنان - ط 2 1996 م، ص 74
وبالله التوفيق.
ـ[النجادي]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 01:28 ص]ـ
الأستاذ الفاضل منصور مهران
جزاك الله خير الجزاء
فقد وجدت ضالتي فيما أرشدتني إليه
لك الشكر الجزيل
تحياتي العطرة لك(/)
حذف ياء المتكلم الزائدة المتصلة بالفعل المضارع
ـ[العرابلي]ــــــــ[24 - 12 - 2008, 10:24 ص]ـ
المبحث الخامس
بسم الله الرحمن الرحيم
حذف ياء المتكلم الزائدة المتصلة بالفعل المضارع
حذفت في أربعة وعشرين موضعاً
حذف ياء التحول يفيد دائمًا الاستمرار
1 - تؤتون:
في قوله تعالى: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ (ي) مَوْثِقًا مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا ءاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) يوسف.
قطع الموثق من الله هو عدم الوفاء به، ولا خروج من الموثق حتى ينتهي غياب أخيهم بالعودة، فلا بد من الاستمرار على الموثق للوفاء به؛ لذلك حذفت الياء لدلالة الاستمرار على الشرط الذي طلبه يعقوب عليه السلام من أبنائه لحفظ أخيهم سالمًا من مكرهم حتى يعود إليه.
2 - يؤتين:
في قوله تعالى: (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ (ي) خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) الكهف.
بعد تحذيره لصاحب الجنتين من كفره، واغتراره وتطاوله على صاحبه بكثرة المال والولد؛ توقع له زوال النعمة عنه بحسبان من السماء، وكان رجاؤه بالله أن يؤتيه خيرًا من جنتيه؛ عطاء ونعمة لا تزول، خلافًا لما توقعه لصاحب الجنتين؛ لذلك حذفت ياء التحول علامة لما كان يرجوه من عطاء دائم من الله تعالى.
3 - تتبعن:
في قوله تعالى: (قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ (ي) أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) طه.
عد موسى عليه السلام عدم فعل هارون عليه السلام شيئًا بتركهم أو ضرب عبادة قومهما للعجل بمن معه ولم يفتن بالعجل، هو قطع لما وصاه به من قبل؛ (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) الأعراف، وقد اعتذر هارون عليه السلام عن موقفه بقوله: (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي (150) الأعراف، وقوله: (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَاءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) طه، فكان حذف ياء التحول لأن الملامة لأخيه على ما ظنه الخروج على الاستمرار في التبعية له ولوصيته.
4 - تبشرون:
في قوله تعالى: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (نِي) (54) الحجر.
كان تعجب إبراهيم عليه السلام من البشرى؛ من بقاء واستمرار القدرة على الإنجاب بعد بلوغه الكبر، ومن زوجه التي وصفت نفسها بأنها عجوز عقيم؛ فكان حذف ياء التحول لدلالة البشرى بعدم انقطاع رجائهما بوجود ولد لهما، مع بلوغهما الحالة التي هما عليها.
5 - يحضرون:
في قوله تعالى: (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (ي) (98) المؤمنون.
التعوذ بالله من الشياطين هو تعوذ دائم لحضروهم، لأنهم أذىً في كل أحوالهم، فكان حذف ياء التحول لمراد المتعوذ استمرار عدم حضور الشياطين في كل وقت وحال.
6 - يحيين:
في قوله تعالى: (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (ي) (81) الشعراء.
الإحياء الثاني في الآخرة؛ هو إحياء دائم مستمر لا انقطاع له، بينما أثبتت ياء يميتني لأن هذه الإماتة إلى أجل ينتهي بالبعث يوم القيامة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن إثبات الياء يفيد التخصيص، والتخصيص يدل على وجود آخرين، فإن الإماتة تكون من فعل الله عز وجل ومن فعل غيره من عباده، كقتل اليهود للأنبياء، أما الإحياء فلا يكون إلا من الله عز وجل وحده، وما انفرد به فهو مستمر له؛ فكان إثبات الياء مع الإماتة، وحذفها مع الإحياء.
7 - ترن:
في قوله تعالى: (وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ (ي) أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا (39) الكهف
صاحب الجنتين يرى صاحبه على حالة دائمة مستمرة؛ من الفقر وقلة المال والولد لن تتغير، لذلك حذفت ياء التحول لدلالة هذا الاستعلاء والتطاول؛ على نظرة صاحب الجنتين لصاحبه.
8 - ترجمون:
في قوله تعالى: (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (ي) (20) الدخان.
(يُتْبَعُ)
(/)
حذف ياء ترجموني هو كحذف ياء يحضروني؛ لأن تعوذ موسى عليه السلام بالله هو تعوذ دائم من فرعون وقومه؛ بألا تصله أيديهم بأي أذى. ويحذر دائمًا من الشر والظلم والبطش من أي أحد كان.
9 - لتردين:
في قوله تعالى: (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (ي) (56) الصافات.
من تردى في نار جهنم كان ترديه دائمًا ومستمرًا، وكان فيها خالدًا مخلدًا؛ وهذا ما كان يخشاه الناجي من النار، والحامد لله على نعمة النجاة. ولم يكن كقرينه الذي رآه في وسط الجحيم.
10 - يردن:
في قوله تعالى: (ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ ءالِهَةً إِنْ يُرِدْنِ (ي) الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ (ي) عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ (ي) (23) يس
إرادة الله نافذة مستمرة؛ لا قاطع، ولا مانع، ولا راد، ولا محول لها. لذلك حذفت ياء التحول من يردني علامة لنفاذ إرادة الله عز وجل.
11 - يسقين:
في قوله تعالى: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (ي) (79) الشعراء.
السقاية هي جلب الشراب لطالبه والمحتاج له، والله عز وجل هو الذي ينزل الماء ليشرب الناس ويحيي الأرض بعد موتها، والناس لا صنعة لهم ولا عمل في إعداد الماء، فالسقاية من الله تعالى وحده على الدوام، لذلك حذفت ياء التحول منها.
بينما أثبتت ياء يطعمني؛ لأن من الطعام ما يكون جاهزًا للأكل مباشرة، ومنه ما لا يمكنه تناوله إلا بعد إعداد الناس له ليكون صالحًا للأكل، وقد يتعدد إعداد الطعام الواحد ويتنوع؛ لذلك ثبتت ياء التحول فيه.
وملاحظة أخرى أن الطعام لم يذكر في القرآن من غذاء أهل الجنة، ولم يأت من مادته إلا بمعنى مذاقه في سورة محمد في قوله تعالى: (وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ (15) محمد؛ لأن الطعام في معظمه يتغير مذاقه عن الأصل المصنع منه تغييرًا قليلا، أو كبيرًا يجعله شيئًا آخر.
وذكر الطعام من أكل الناس في الدنيا كقوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ (8) الإنسان، ومن أكل أهل النار كقوله تعالى: (وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) المزمل، لأنه مكان هذا الطعام في النار، والنار هي التي تغير الطعام.
فيفهم من كل ذلك أن الله يطعمه في الدنيا، ويسقيه في الدنيا والآخرة؛ فيكون الطعام لأجل وينقطع والسقاية مستمرة ودائمة في الدنيا والآخرة، وفي هذا إشارة إلى أنه لا يوجد في الجنة إلا ما هو طيب صالح للأكل من غير تدخل للإنسان في إصلاحه وإعداده، ولا مكان للنار في نضجه.
أما قوله تعالى:
في قوله تعالى: (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) الواقعة، فالآية لم تشر إلى طريقة جعله شهيًا، فقد يكون لحمه لا يحتاج إلى طهي وشواء، ولا تقاس أمور الآخرة على الدنيا في كل شيء.
12 - يشفين:
في قوله تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (ي) (80) الشعراء
شفاء المريض هو إخراجه من مرضه، وإن لم يخرج هلك، والهلاك هو نهاية الأجل، وتقدير ذلك لا يكون إلا لله تعالى، فخفت ياء التحول علامة لذلك.
وما يعالج به المرضى هو مما خلقه الله تعالى في النبات خاصة، وفي خصائص المواد، وهذه كلها من الله تعالى، ويكون فيها البحث عن العلاج، وقد يستفيد منها بعض الناس، ولا تنفع لغيرهم، وجميعها لا تحول بين الناس والموت الذي لا بد منه.
ناهيك عن الشفاء بالدعاء الذي لا يحتاج إلى دواء، والله هو الشافي في كل الأحوال على الدوام.
13 - تشاقون:
في قوله تعالى: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ (ني) فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) النحل.
هذا قول يخاطب به الله عز وجل يوم القيامة الذين استمروا على مشاققته في الدنيا، إلى أن لاقوه على إشراكهم، فكان حذف ياء التحول علامة استمرار المشاققة التي كانت سبب خزيهم والسوء الذي عليهم.
وسقطت مع حذف الياء نون الوقاية؛ لذهاب سببها.
14 - تشهدون:
في قوله تعالى: (قَالَتْ يَاأَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (ي) (32) النمل
(يُتْبَعُ)
(/)
تنفي ملكة سبأ من قطع أي أمر دون شهود الملأ، فهم يشهدون باستمرار تصرفها في أمور دولتها؛ لذلك كان حذف ياء التحول دلالة على إشهادها المستمر لهم في كل أمورها قبل أن تقطع رأيًا فيه.
15 - يطعمون:
في قوله تعالى: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (ي) (57) الذاريات.
إن الله عز وجل ليس بحاجة لرزق ولا طعام يعد، فالله تعالى هو الذي يهب الرزق للعباد، وما يهبه، هو مستغن عن حاجته إليه، فكان حذف الياء علامة غنى الله الدائم عما يحتاجه إليه الناس.
16 - ليعبدون:
في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (ي) (56) الذاريات.
العبادة هي السبب الذي خلق من أجله الجن والإنس، واستمرارهم عليها هو المطلوب حتى يلاقوه، لذلك حذفت الياء علامة استمرار السبب الذي من أجله كان خلقهم.
أما إثبات ياء التحول في قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) النور.
فلأن هناك وعدًا وشرطًا؛ ولا يتحقق التمكين في الدين، والاستخلاف الأرض، والأمن بعد الخوف للذين آمنوا وعملوا الصالحات إلا بعد الوفاء بالشرط؛ وهو أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، ولو حذف ياء التحول لكان الشرط بلا حد يقف عنده ليكون هناك تحقق للوعد، ولن يكون لهم عند ذلك تمكين في الأرض، لأن المخاطبين بها أمة لا تنتهي إلا بهلاك آخرها.
فإثبات الياء دل على أن الوعد يتحقق بعد عبادتهم لله تعالى بالقدر الذي يبين إخلاصهم لله في عبادته، وقد تحقق ذلك بعد غزوة الأحزاب التي نزلت هذه الآيات في سورتها.
فإن تحولوا بعد ذلك عن إخلاص العبادة الله تعالى؛ حول الله تعالى وعده لهم إلى خلافه.
17 - تعلمن:
في قوله تعالى: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ (ي) مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) الكهف.
هذا طلب من موسى عليه السلام من العبد الصالح أن يعلمه ما لا يعرف عنه شيئًا، ولا يعرف حدود ما سيتعلمه منه، فكان حذف الياء علامة على أن باب التعلم مفتوح؛ غير محدد بزمن، أو بعدد المسائل المتعلمة، لكن موسى عليه السلام قطع ذلك بعدم صبره على ما يراه مخالفًا في ظاهره لما يعلمه من الحق.
18 - تفندون:
في قوله تعالى: (وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُونِ (ي) (94) يوسف.
لقد عهد يعقوب عليه السلام من بنيه التفنيد الدائم له بإخفاء ما فعلوه بيوسف عليه السلام، وادعاء أكل الذئب له، واستمروا على تفنيدهم لأبيهم؛ فلما قال أبوهم: (إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)؛ قالوا: (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) يوسف، فقد استمروا على تفنيدهم، كما توقع منهم، وعلى ذلك كان حذف الياء علامة لذلك الاستمرار في التفنيد.
19 - يقتلون:
في قوله تعالى: (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (ي) (14) الشعراء
وفي قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (ي) (33) القصص
القتل إذا وقع استمر، ولا رجعة للحياة بعد وقوعه، لذلك حذفت ياء يقتلوني في الموضعين، فوق دأب فرعون وجنوده القتل لبني إسرائيل قوم موسى عليه السلام، وائتمارهم لقتله بعد أن قام بقتل واحد منهم؛ فنجاه الله منهم إلى مدين، بعيدًا عنهم فترة غيابه عنهم.
20 - يكذبون:
في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (ي) (12) الشعراء
وفي قوله تعالى: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (ي) (34) القصص
موسى عليه السلام من بني إسرائيل؛ القوم المستضعفين المستعبدين؛ الذين لا كلمة لهم عند فرعون وقومه، فكيف إذا جاء لهم بأمر يهدم فيه ألوهية فرعون؟!
ويجعله عبدًا لله، ويطلب منه الاستجابة لأمر الله وطاعته؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
ويكون هذا الطلب من فرد من بني إسرائيل؟!
فإن التكذيب هو الذي يتوقعه موسى عليه السلام من فرعون وقومه وملئه، واستمرارهم على التكذيب، وقد كان ذلك إلى أن أهلكهم الله تعالى بالغرق باليم، وعلى هذه الاستمرارية في التكذيب كان حذف الياء.
21 - أتمدونن:
في قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ (ي) بِمَالٍ فَمَا ءاتَانِ (ي) اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا ءاتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) النمل.
استنكر سليمان عليه السلام على رسل ملكة سبأ أن يمدوه بمال لم يطلبه، وما لا حاجة له به، وكأنه ملك همه زيادة ملكه وماله، بدلا من مجيئهم إليه مسلمون، فعلى ما قصد في استنكاره كان حذف الياء.
22 - ينقذون:
في قوله تعالى: (ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ ءالِهَةً إِنْ يُرِدْنِ (ي) الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ (ي) عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ (ي) (23) يس.
تكلمنا من قبل عن حذف ياء "يردن"، و"تغن"، وفي الآية حذف ثالث لياء "ينقذون"؛
ونفي المنقذ من عذاب وبطش الله بالمشركين به؛ هو نفي دائم، ولا كاشف لعقاب الله إذا وقع؛ فكان في حذف الياء بيان لنفي دائم لوجود منقذ ينقذ المشرك بالله من عقابه الله وعذابه.
23 - يهدِيْن: حذفت ياء يهديْني (بتسكين الياء) في أربعة مواضع، وأثبتت في موضع واحد فقط؛
في قوله تعالى: (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (ي) (62) الشعراء.
قال موسى عليه السلام ذلك؛ لأن الله تعالى هو الذي أمره بهذا الخروج، وهو الذي معه ويتولاه، وسيهديه سبيل النجاة الدائمة من فرعون، فكانت نجاة دائمة من فرعون بهلاكه هو وجنوده.
وحذفت في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (ي) (78) الشعراء.
قال إبراهيم عليه السلام ذلك؛ في بيان من هو ربه الذي يعبده؛ فنسب خلقه إليه، وأثبتت ياء خلقني لأن خلقه قد حدث، وانتهى الأمر بالوجود، أما الهداية فأمر يتجدد، والحاجة إلى الهداية الدائمة مستمرة، فكان حذف الياء علامة للاستمرار، كما كان إثباتها علامة للانقطاع والانتهاء.
وحذفت في قوله تعالى: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (ي) (99) الصافات.
وسبب حذفها مثل سبب حذفها في السابقتين، فإبراهيم عليه السلام معتمد على رب يهديه هداية دائمة، في كل مسعى وطريق، وكانت هجرته إلى ربه، فهداه إلى الأرض المباركة.
وحذفت في قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (ي) (27) الزخرف.
وهذا موضع آخر يبين إبراهيم عليه السلام علاقته بربه في معرض البراءة من شرك قومه؛ فربه الذي يؤمن به ويعتمد عليه سيديم هدايته كما هداه من قبل، لذلك حذفت الياء، لأن الحاجة للهداية باستمرار.
أما إثبات ياء فطرني في هذا الموضع وبقية المواضع؛ هو كإثبات ياء خلقني، لأنه فعل قد تحقق مرة واحدة بالوجود، لتبدأ بالمخلوق الحياة، وليس هو فعل متجددًا ويتكرر في ذات الفرد في حياته.
أما إثبات ياء "يهدني" في قوله تعالى: (فَلَمَّا رَءَا الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) الأنعام
فلأن إبراهيم عليه السلام قال قوله هذا؛ بعد تنقله من اتخاذ النجم رباً، إلى اتخاذ القمر ربًا، ولم يكن ذلك عن هدى من الله سابق، عندها طلب الهداية من الله ليقطع على نفسه طريق الضلال ويخرج منه؛ فالمسألة ليست في الاستمرار؛ ولكن في الخروج من الضلال والثبات على هدىً من الله؛ لذلك ثبتت الياء.
فإبراهيم عليه السلام لا يريد إلهًا يحضر ويغيب، كما كان يفعل أبوه آزر معه في السرداب .. فجعل مما مر به طريقًا لمعرفة الله عز وجل، واستدراج قومه ليؤمنوا بالله الذي آمن به.
24 - يهدِيَن: (بفتح الياء) حذف الياء في موضع واحد؛
في قوله تعالى: (إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ (ي) رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) الكهف
الهداية موجودة، فلما أحدث النسيان قطعًا لها، جاء الأمر بطلب الاستمرار للهداية من الله، وعلى ذلك كان حذف الياء.
أما إثباتها في قوله تعالى: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) القصص.
لأن سؤال موسى عليه السلام لربه كان في أمر واحد محدد هو طريق النجاة من كيد فرعون وملئه لقتله فنجاه الله وأوصله سالماً إلى مدين.
أبو مُسْلِم / عبْد المَجِيد العَرَابْلِي
المبحث السادس والسابع / الياء الزائدة المتصلة بفعل الأمر، وفعل النهي
المبحث الثامن / حذف ياء إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة
ـ[باتل]ــــــــ[24 - 12 - 2008, 08:13 م]ـ
جزاك الله خيرًا على تلك المعلومات الثمينة
لكن عندي سؤال:
هل هناك علل نحوية أوصرفية للحذف في المواضع السابقة؟
ربما يكون السؤال متعارض مع قسم البلاغة ولكن العلل النحوية والصرفية - إن وُجدت - لتلك المواضع سيوفيها حقها ويرسخها في الذهن بصورة أعمق.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[العرابلي]ــــــــ[24 - 12 - 2008, 08:50 م]ـ
جزاك الله خيرًا على تلك المعلومات الثمينة
لكن عندي سؤال:
هل هناك علل نحوية أوصرفية للحذف في المواضع السابقة؟
ربما يكون السؤال متعارض مع قسم البلاغة ولكن العلل النحوية والصرفية - إن وُجدت - لتلك المواضع سيوفيها حقها ويرسخها في الذهن بصورة أعمق.
وجزاك الله بكل خير
وبارك الله فيك
هذه المسائل خاصة بالرسم القرآني
وليس سببها علل نحوية ولا صرفية
فهي خارجه على قواعد النحو والصرف
فهي تعد من الأحجيات
ولذلك جرى دراسة أسبابها بدراسة المعاني التي قامت عليها
ـ[باتل]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 12:38 ص]ـ
هذه المسائل خاصة بالرسم القرآني
وليس سببها علل نحوية ولا صرفية
فهي خارجه على قواعد النحو والصرف
فهي تعد من الأحجيات
ولذلك جرى دراسة أسبابها بدراسة المعاني التي قامت عليها
أستاذي الفاضل مازلت أحبو على طريق العلم وأجهل لغة العلماء أرجو قليلا من الإيضاح.
ـ[العرابلي]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 04:40 م]ـ
أستاذي الفاضل مازلت أحبو على طريق العلم وأجهل لغة العلماء أرجو قليلا من الإيضاح.
أخي الكريم
فيك البركة والخير إن شاء الله تعالى
كل ما ورد في القرآن الكريم هو يجري على سنن العرب في النحو الصرف
وكتب المصحف بالإملاء الذي هم عليه
ولكن هناك كلمات رسمت في المصحف بالحذف أو الزيادة أو الإبدال أو البسط والقبض، أو القطع والوصل، وغير ذلك
على غير القاعدة المتبعة في الإملاء الاصطلاحي الذي قعد بعد مجيء الإسلام
واجتمعت الأمة على المحافظة على هذا الرسم من غير تبديل ولا تغيير
ولم يعرف لهذا الاختلاف تعليلا نحويلا أو صرفيًا يفسره
وقد قال أحد العلماء إن سبب هذا الاختلاف لن يعرف إلا بفتح رباني على أحد الناس.
ومعرفة السبب يتبين من دراسة الآيات التي ذكرت فيها الكلمات التي حصل فيها تغيير ومقارنتها بمثيلاتها في الآيات، ومعرفة معاني الحروف الهجائية نفسها.
وهذا ما عملت عليه منذ ما يقارب العشرين عامًا.
ـ[باتل]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 09:47 م]ـ
أشكرك أخى على إيضاحك.
وهذا ما عملت عليه منذ ما يقارب العشرين عامًا.
أسال الله العظيم أن يجعل هذه السنين في ميزان حسناتك، وأن يزيدك الله من علمه وينفعنا وأياك بهذا العلم الجليل.
ـ[العرابلي]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 04:13 م]ـ
أشكرك أخى على إيضاحك.
أسال الله العظيم أن يجعل هذه السنين في ميزان حسناتك، وأن يزيدك الله من علمه وينفعنا وأياك بهذا العلم الجليل.
بارك الله فيك
وأحسن الله إليك
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 04:16 م]ـ
بورك فيك يا أبا مسلم
جزاك الله خير الجزاء
وسلمك من كل شر
ـ[العرابلي]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 04:33 م]ـ
بورك فيك يا أبا مسلم
جزاك الله خير الجزاء
وسلمك من كل شر
سلمت وبارك الله فيك ولك في مرورك
وجزاك الله بكل خير وإحسان
ـ[ايام العمر]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 04:50 م]ـ
جزاك الله خيرًا
ـ[العرابلي]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 05:41 م]ـ
جزاك الله خيرًا
وجزاك الله بكل خير(/)
من أبدع التمثيل
ـ[أم سارة_2]ــــــــ[24 - 12 - 2008, 04:12 م]ـ
قال الله تعالى
(لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ)
[النحل: 25]
والأوزار: حقيقتها الأثقال، جمع وزر بكسر الواو وسكون الزاي وهو الثّقل. واستعمل في الجُرم والذنب، لأنّه يُثقل فاعله عن الخلاص من الألم والعناء، فأصل ذلك استعارة بتشبيه الجرم والذّنب بالوزر.
وشاعت هذه الاستعارة، قال تعالى: وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم في سورة الأنعام (31).
كما يعبّر عن الذنوب بالأثقال، قال تعالى: وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم (سورة العنكبوت: 13).
وحَمْل الأوزار تمثيل لحالة وقوعهم في تبعات جرائمهم بحالة حامل الثقل لا يستطيع تفصّياً منه، فلما شُبّه الإثم بالثقل فأطلق عليه الوِزر شبه التّورط في تبعاته بحمل الثّقل على طريقة التخييلية، وحصل من الاستعارتين المفرقتين استعارة تمثيلية للهيئة كلها.
وهذا من أبدع التمثيل أن تكون الاستعارة التمثيلية صالحة للتفريق إلى عدّة تشابيه أو استعارات.
وإضافة الأوزار إلى ضمير هم لأنّهم مصدرها.
ووصفت الأوزار بكاملة (تحقيقاً لوفائها وشدّة ثقلها ليسري ذلك إلى شدّة ارتباكهم في تبعاتها إذ هو المقصود من إضافة الحمل إلى الأوزار.
التحرير والتنوير
ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[24 - 12 - 2008, 06:25 م]ـ
أختي الكريمة, أم سارة, شكرا لك على هذه الومضات البلاغية الجميلة.(/)
من يرشدني؟
ـ[أديب زمانه]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 10:38 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك كتاب اسمه البلاغة لحنفي ناصف ومحمد دباب ومصطفى طموم و سلطان محمد وقد الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ وقد مدحه جمع من أهل العلم
لكن الإشكال أن هذا الكتاب مفقود فمن يرشديني إليه؟
أرجو الإجابة في أسرع وقت
ودمتم
ـ[أديب زمانه]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 10:39 ص]ـ
عفوا سقط
(وقد شرحه الشيخ محمد بن عثيمين ـرحمه الله ـ)(/)
المبالغة
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 04:14 م]ـ
من أجمل أبواب البلاغة العربية باب المبالغة، هلا فتحناه واقتحمنا مجاهيله، وذلك بإيراد نماذج من الشعر العربي قديمه وحديثه التي تناولت هذا الفن البلاغي الجميل، وأبدا مستعينا بالله،
يقول المتنبي:
كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 06:10 م]ـ
و من المبالغة الرفوضة شرعاً و لغةً قول أحدهم:
و لقد هممت بقتلها من حبها ... كيما تكون خصيمتي في المحشر
فيطول عند الصراط وقوفنا ... و تلذ عيني من لذيذ المنظر
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 07:27 م]ـ
ومن المبالغة الممقوته قول الشاعر مادحا الخليفة:
ماشئتَ ما لا شاءت الأقدار ... احكم فأنت الواحد القهار
أستغفر الله مما قال
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[25 - 12 - 2008, 08:02 م]ـ
وما وصل أحد قول أبي نواس:
وأخفت أهل الشرك حتى أنه .... تخافك النطف التي لم تخلق
ـ[الشاعر الصغير]ــــــــ[07 - 05 - 2009, 07:22 م]ـ
موضووع جميل جداا
ـ[وليد]ــــــــ[07 - 05 - 2009, 10:16 م]ـ
ولا ننسى المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
فالخيل والليل والبيداء تعرفني
والرمح والسيف والقرطاس والقلم
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 05 - 2009, 10:36 م]ـ
وقول أحدهم:
تقول وفي قولها حشمة ******* أتبكي بعين تراني بها
فقلت إذا استحسنت غيركم ******* أمرت الدموع بتأديبها.
وهذا رجل كاذب محترف! فإنه إما:
أن يكون سهم العشق قد أصاب قلبه فاخترع هذه الحجة معتذرا عن ضعفه أمام معشوقه، وقصص العشاق قد زادت عن ذلك حتى وصلت إلى حد إتلاف الأديان والأبدان. عياذا بك اللهم من عشق الصور المحرم فهو رق لقلب العاشق يشغله عن رق العبودية للمراد لذاته المحبوب لكماله: الباري عز وجل.
وإما أن يكون مصاب بالرمد! ونحن في موسمه الآن فلا يعدو الأمر مجرد حساسية أحسن استغلالها!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[ماريا.]ــــــــ[11 - 05 - 2009, 02:09 ص]ـ
موضوع جميل ...
ومن المبالغة قول حفصة الركونية: زهرة غرناطة:
أغار عليك من عيني وقلبي .... ومنك ومن زمانك والمكان ِ
ولو أني جعلتك في عيوني .... الى يوم القيامة ماكفاني(/)
وما الله يريد ظلماً للعالمين
ـ[المسند إليه]ــــــــ[27 - 12 - 2008, 06:46 ص]ـ
السلام عليكم ..
ما السر البلاغي لتقديم لفظ الجلالة على الفعل في قوله تعالى: " وما الله يريد ظلماً للعالمين "؟
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 12 - 2008, 09:12 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يبدو، والله أعلم، أن ذلك للتوكيد بتكرار الفاعل، فالمبتدأ: لفظ الجلالة: "الله": فاعل في المعنى، والضمير المستتر في جملة الخبر: "يريد" فاعل في اللفظ فحصل تكرار الفاعل: لفظا ومعنى، والتكرار مظنة التوكيد، كما قال البلاغيون في: محمد أكل، بأنه أبلغ في التوكيد من أكل محمد، ويمكن أن يقال أيضا بأن في الجملة الاسمية: الله يريد، من الاستمرار والثبوت ما ليس في الجملة الفعلية: يريد الله، وذلك، أيضا من التوكيد.
والله أعلى وأعلم.
ـ[المسند إليه]ــــــــ[27 - 12 - 2008, 02:24 م]ـ
بارك الله فيك وفي علمك أخي مهاجر.(/)
معَ التشبيهِ الضِّمْنيّ ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[27 - 12 - 2008, 12:00 م]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حينما يُلف التشبيه في غلالة من غموض شفيف، فلا يوضع المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه الصريح المعروف، وإنما يُلمح من السياق، ويفهم من المعنى ... عندها يسمى هذا اللون من التعبير المفتن باسم التشبيه الضمني.
والتشبيه الضمني يمتاز عن التشبيه الصريح بأنه يجعل المتلقي يلهث وراء المعنى، حتى إذا ظفر به، وجد لذة في إدراك ما لم يقدَّم إليه مباشرًا مسطحًا.
إنه من أمارات الشاعر الموهوب!
حينما تنفعل نفسه، وتجيش مشاعره، حتى إذا تبلور المعنى في نفسه، فإنه يسكبه في نسق تعبيري لا ينم عن التشبيه، بل يبدو ستارًا عليه، ولا ينجح المتلقي في تجلية ملامحه من نظرة مسطحة، أو رؤية عابرة، بل يحتاج إلى إجالة فكر، وترديد نظر.
عندئذ تزدهي أمام ناظريه صورة جديدة لم يألفها، وتخصب ذائقته بلون من التعبير أضفت عليه هذه الخصوصية ألقًا، وعلى الصورة أناقة.
قد يحلق الخيال بالشعر، ويسمو إلى آفاق تبدو غير مألوفة لأول وهلة، فيجد الشاعر نفسه بحاجة إلى احتواء هذا الاستغراب، وفي هذا الاحتواء إغراء للمتلقي؛ إذ يجد أن الشاعر حلق به في أفق خاص، محبب ... صيّر الغريب إلى الإلف، والمستحيل إلى الإمكان!
ومما جاء التعبير فيه في طي العبارة، غير سافر الوجه بيت ابن الرومي في غزليته الرقيقة هذه:
ويلاه إن نظرتْ وإن هي أعرضتْ ** وقعُ السهامِ ونزعهنَّ أليمُ!
إن الشاعر هنا يتلمظ في الحالتين!
فهو يشتد ألمه إن نظرت إليه المحبوبة، ويشتد – كذلك – إن هي أعرضت عنه!
ويزجي تلك التباريح بما يخفف عنه جواه؛ تارة بقوله: ويلاه، وتارة باستشعاره تساؤلا تمليه غرابة الشعور بالألم في الحالتين: كيف يشتد الألم من النظر؟ وكيف يشتد من الإعراض؟
فيسوق لنا الجواب: إن وقع السهام شديد الإيلام، ونزعها كذلك!
ذاك هو المعنى من البيت ...
غير أن النظر الفاحص في أطواء هذا المعنى، يملي على الفكر التريّث؛ لتبيّن القالب الذي صب فيه المعنى؛ ففي البيت تشبيه يستشف من العبارة؛ فهو يشبه حاله عند إقبال المحبوبة عليه وإعراضها عنه بحال من تقع السهام بجسمه، ثم تنزع عنه!
وفي صياغة التشبيه على هذا النحو سترٌ له، ومخاتلة عن وجوده؛ ليكون في إدراكه بعد الجهد في اكتشافه لذة ونشوة، وفيه - إلى جانب ذلك – إيناسٌ: يرد المستغربَ مألوفًا، والمستوحشَ مأنوسًا.
والله - تعالى - أعلم.
ـ[باتل]ــــــــ[27 - 12 - 2008, 10:26 م]ـ
أستاذة ندى شعرت كأني أقرأ مقطوعة أدبية لا درس بلاغي جزاك الله خيرا على هذا الاختيار الرائع للكلمات.
رجاء طرح أمثلة أخرى وتركها لنعمل فيها عقولنا.
ـ[السراج]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 07:55 ص]ـ
كما سطّر - باتل - من ملاحظة على إبداعك (ندى الرميح)، فما سقته في هذا الموضوع يستحق أن يكون مقطوعة بليغة فعلاً ..
وحُقّ لمن يقرأ هذه الكلمات أن يعي وأن يدرك مدى بلاغة اللغة الجميلة في تنوّع التشبيه، وهذا التنوّع دلالة واضحة على مخاطبة هذه اللغة لكل الفئات القارئة من الناس وتدرّج الفهم والفكر لدىيهم ..
وما التشبيه الضمني إلا نموذج - كما أبدعت - على سكب وإدخال لون من الضباب والسمة اللونية على التشبيه لإضافة الحسن وإعمال الفكر في معالجته وكشف منتهاه.
هذا البيت الذي استشهدت به من أكثر الأبيات التي شدتني - في التعليم - حينما كنت أسوق الأمثلة في درس التشبيه الضمني؛ فكنت أرى أن هذا الشاعر حاك البيت نسيجا رائعا متكاملاً، حتى حركة الضمائر أضفت عليه لونا بديعا مقصودا وجرسا موسيقيا إضافة لتكامل البيت في قالب عروضي واحد.
ومن بديع التشبيه الضمني:
قول أبي العتاهية:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ** إن السفينة لا تمشي على اليبس
وقول أبي تمام:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى ** فالسيل حربٌ للمكان العالي
شكرا لك - ندى الرميح
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 02:49 م]ـ
صدقت أستاذتنا التشبيه الضمني والكناية البعيدة أهم إمارات الشاعر الموهوب
ومن جميل التشبيهات الضمنية:
قال أحمد "وكان المعري يسمي كل شاعر باسمه أما إذا تحدث عن المتنبي قال: يقول الشاعر"
إذا قال أحمد:
من يهن يسهل الهوان عليه =ما لجرح بميت إيلام
وقال أيضا:
وما أنا منهم بالعيش فيهم = ولكن معدن الذهب الرغام
ويقول أبو تمام الطائي:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى =ما الحب إلا للحبيب الأول
وكم منزل في الأرض يألفه الفتى= وحنينه أبدا لأول منزل
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 12:06 ص]ـ
الأساتذة الأفاضل:
باتل، السراج، بحر الرمل:
أشكر حضوركم، ومداخلاتكم القيمة، ويطيب لنا - أخي باتلا - أن تسفر عن حسن التشبيه فيما وضعه الإخوة الكرام من انتقاءات تنم عن ذائقة سليمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[باتل]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 12:54 ص]ـ
ساختار من مشاركة أخي (السراج) قول أبي تمام:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى ** فالسيل حربٌ للمكان العالي
من معنى البيت يظهر التشبيه الضمني حيث أن الإنسان الكريم لا ينكر عليه أحد الغنى كما أن الجبال العالية لايستقر عليها الماء.
ومن أخي (بحر الرمل) ساختار قول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ** ما لجرح بميت إيلام
البيت بمثابة حكمة يفوح التشبيه الضمني منها فحالة من يرضى بالذل والهوان تشبه حالة الميت الذي ينعدم ألمه مهما تكرر جرحه.
رفقا بأخيكم إذا أخطأت:)(/)
مساعدة ....
ـ[احساس مرهف]ــــــــ[28 - 12 - 2008, 12:07 ص]ـ
لماذا عبدالقاهر يهتم في كتبين التجنيس والسجع؟؟؟
ضروري الرد اليوم؟.؟؟؟
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[29 - 12 - 2008, 08:56 م]ـ
ربما لأن التجنيسَ والسجعَ يُظن أن الحسنَ والمزيةَ فيهما راجعةٌ إلى اللفظِ، وهو مايقعُ في الخاطِر الأولِ لقوةِ الرنينِ والجرسِ، بينما يبينُ عبدُ القاهِر أن مناطَ المزيةِ عائدٌ إلى المعنى الذي أوجب تجنيسَ اللفظِ أو سجعَه.
فهو يؤكدُ أن المزيةَ في المعنى حتى في أدقِ مايمكنُ أن يُتصورَ أن المزيةَ فيه من طريقِ اللفظ ِ.
واللهُ أعلم.(/)
من قوله تعالى: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 12 - 2008, 09:36 ص]ـ
من قوله تعالى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا)
فقد استشكل بعض الأعاجم عندنا في مصر عطف "المقيمين" على "المؤمنون"، لأن الأولى منصوبة والثانية مرفوعة، والقاعدة أن العطف يوجب الاتحاد في الحكم، فإما أن تكون مرفوعة جميعا وإما أن تكون منصوبة جميعا، كما يقول ذلك الساذج، والقاعدة صحيحة، ولكنه أغفل، جهلا أو سوء طوية، أن كسر الإعراب أو "القطع"، في لغة العرب يكون لنكتة بلاغية لا يعرفها أمثاله، فالقطع أسلوب شائع في كلام العرب، وقد أشار إليه أئمة النحو في دواوينهم، فعلى سبيل المثال يقول ابن عقيل، رحمه الله، في شرحه على الألفية:
"وإن لم يكونا مفردين، بأن كانا مركبين، (أي: الاسم واللقب)، نحو: عبد الله أنف الناقة، أو مركبا ومفردا نحو: عبد الله كرز، (والكرز: هو القصير عظيم البطن والله أعلم)، وجب الإتباع، فتتبع الثاني، "أي: اللقب"، الأول، "أي: الاسم" في إعرابه، ويجوز القطع إلى الرفع أو النصب، (وهذا شاهد كلامنا)، نحو: مررت بزيد أنفُ الناقة، برفع أنف، على إضمار مبتدأ، فيكون تقدير الكلام: مررت بزيد هو أنفُ الناقة، والنصب على إضمار فعل، والتقدير: مررت بزيد أعني أنفَ الناقة، والقطع في لغة العرب لا يكون إلا إلى الرفع والنصب فلا قطع إلى الجر، فيصح أن تقول: هذا زيد أنفَ الناقة، بالقطع إلى النصب، ولا يجوز القطع إلى الجر، والله أعلم.
بتصرف من شرح ابن عقيل، رحمه الله، نسخة الشيخ محمد محيي الدين، رحمه الله، (1/ 104).
والقطع في المثال السابق للذم، ولذلك فإن الأنسب في القطع إلى النصب أن يكون العامل المقدر دالا على الذم نحو: مررت بزيد أذم، أو: أخص بالذم أنفَ الناقة.
وحذف المبتدأ عند القطع إلى الرفع من مواضع حذف المبتدأ وجوبا، وإليه أشار ابن عقيل، رحمه الله، بقوله:
"الأول، (أي: من مواضع حذف المبتدأ وجوبا): النعت المقطوع إلى الرفع: في مدح، نحو: "مررت بزيد الكريمُ" أو ذم، نحو: "مررت بزيد الخبيثُ" أو ترحم، نحو: "مررت بزيد المسكينُ" فالمبتدأ محذوف في هذه المثل ونحوها وجوبا، والتقدير: (هو الكريم، وهو الخبيث، وهو المسكين) ". اهـ
"شرح ابن عقيل"، (1/ 209).
ويقول إمام النحاة ابن هشام، رحمه الله، في "أوضح المسالك":
"ثم إن كان اللقب وما قبله مضافين، كـ: عبد الله زين العابدين، أو كان الأول مفردا والثاني مضافا كـ: كزيد زين العابدين، أو كانا العكس، كـ: عبد الله كرز، أتبعت الثاني للأول: إما بدلا، أو عطف بيان، أو قطعته عن التبعية، (وهو: شاهدنا في هذا الموضع)، إما برفعه خبرا لمبتدأ محذوف، أو بنصبه مفعولا لفعل محذوف".
بتصرف من "أوضح المسالك"، ص53.
ففي قولك: مررت بعبد الله زين العابدين، إما أن تتبع "زين"، لـ: "عبد" المجرورة، فتجرها كبدل أو عطف بيان، بدليل جواز إتيان الثانية محل الأولى دون أن يختل المعنى فتقول: مررت بزين العابدين، فـ "زين العابدين" هو "عبد الله" و "عبد الله" هو "زين العابدين".
وأما القطع: فقد سبقت الإشارة إليه في كلام ابن عقيل، رحمه الله، فالرفع بتقدير مبتدأ محذوف تقديره: هو، والنصب بتقدير فعل محذوف: أعني، والله أعلم.
وعليه يحمل قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، برفع ونصب "الرجيم"، فتقدير الرفع: أعوذ بالله من الشيطان هو الرجيمُ، وتقدير النصب: أعوذ بالله من الشيطان أذم الرجيمَ، من الذم، فالفعل المقدر يجب أن يكون مناسبا للسياق، والسياق هنا سياق ذم، والله أعلم.
ومنه أيضا:
قوله تعالى: (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)، بقطع: "أهلَ" إلى النصب مدحا لدلالة السياق على ذلك، فيكون تقدير الكلام: أعني أهلَ البيت، أو أخص بالمدح أهلَ البيت.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
"نحن معاشرَ الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة"
فالنصب على الاختصاص، فيؤول الكلام إلى: نحن أخص بالذكر: معاشرَ الأنبياء .....................
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
"إنا آلَ محمد لا تحل لنا الصدقة"
فالنصب على الاختصاص، أيضا،، فيؤول الكلام إلى: نحن أخص بالذكر: آلَ محمد .....................
وقول الشاعر:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل ******* ننعي ابن عفان بأطراف الأسل
فـ: "بني": منصوب على الاختصاص وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، فتقدير الكلام: نحن أخص بالذكر بني ضبة.
وقولهن:
نحن بناتِ طارق ******* نمشي على النمارق
فـ: "بناتِ": منصوب على الاختصاص وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم، فتقدير الكلام: نحن أخص بالذكر بناتِ طارق.
وقول الآخر:
لنا معشرَ الأنصار مجد مؤثل ******* بإرضائنا خير البرية أحمد
فـ: "معشرَ": منصوب على الاختصاص فتقدير الكلام: لنا أخص بالذكر معشرَ الأنصار ........................
والشواهد على ذلك كثيرة ويمكن الرجوع في ذلك إلى باب "الاختصاص" في كتب النحو سواء أكانت من كتب التراث أم من الكتب الحديثة.
ففي كل ما سبق بيان لجواز القطع في لغة العرب من جهة: الصناعة النحوية.
فيقال في الآية محل البحث:
وقع القطع في السياق مرتين: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)
فالسياق ابتداء جارٍ على الرفع: "الراسخون" و "المؤمنون"، ثم قطع إلى النصب على الاختصاص في: "والمقيمين"، ثم قطع إلى الرفع مرة أخرى ليرجع السياق إلى ما كان عليه، بتقدير مبتدأ محذوف لـ: "المؤتون"، فيكون تقدير الكلام: وأخص بالذكر المقيمين الصلاة، ثم يقطع إلى الرفع بتقدير: وهم المؤتون الزكاة.
وأما من جهة الصناعة البلاغية: فإن الكسر أو القطع في الإعراب، يلفت نظر السامع إلى معنى جديد في الكلام، فهو بمثابة جرس إنذار يسترعي انتباه القارئ لنكتة في هذا الموضع من السياق، إما أن تكون مدحا أو ذما أو تحذيرا أو ............... إلخ.
فمن أمثلة الذم:
قوله تعالى: (وامرأته حمالةَ الحطب): بنصب حمالةَ، فتقدير الكلام: وامرأته أعني حمالةَ الحطب، أو: وامرأته أذم حمالةَ الحطب، والله أعلم.
ومن أمثلة التحذير:
قوله تعالى: (فقال لهم رسول الله ناقةَ الله وسقياها)، بنصب "ناقةَ"، فسياق الكلام، للوهلة الأولى، يرجح رفع: "ناقة"، لأنها صدر جملة مقول القول، ولكنها نصبت هنا على التحذير، كما أشار إلى ذلك القرطبي، رحمه الله، فتقدير الكلام: احذروا ناقةَ الله، أو: احذروا أن تمسوا ناقةَ الله بسوء، والله أعلم.
ومن أمثلة المدح:
الآية التي بين أيدينا، فتقدير الكلام: لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وأخص بالذكر أو أمدح المقيمين الصلاة .......... ، والله أعلم.
وحديث كعب بن عجرة، رضي الله عنه، عند الطبراني، رحمه الله، في "المعجم الكبير"، وفيه: "نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْصَارِ آمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ، وَقَاتَلْنَا مَعَهُ"، فالنصب على الاختصاص مدحا.
وكذلك قول الشاعر:
إنا بني نهشل لا ندعي لأب *******
فتقدير الكلام: إنا أخص بالذكر أو المدح: بني نهشل.
يقول أبو زكريا التبريزي رحمه الله:
"وانتصاب: (بني) على إضمار فعل، كأنه قال: أذكر بني نهشل، وهذا على الاختصاص أو المدح، وخبر إن: (لا ندعي)، ولو رفع فقال: إنا بنو نهشل، على أن يكون خبرا، و: (لا ندعي) في موضع الحال، والفرق بين أن يكون اختصاصا وبين أن يكون خبرا صراحا هو: أنه لو جعله خبرا لكان قصده إلى تعريف نفسه عند المخاطب، وكان لا يخلو فعله ذلك من خمول فيهم أو جهل من عند المخاطب بشأنهم، فإذا جعل اختصاصا فقد أمن الأمرين جميعا". اهـ
نقلا عن حاشية: "منتهى الأرب" على شرح: "شذور الذهب"، ص246.
(يُتْبَعُ)
(/)
فالقطع كما تقدم يلفت الانتباه ويشحذ الذهن، بخلاف الرفع الصريح فإنه يعني خمول ذكر المتكلم حتى احتاج إلى أن يعرف نفسه، أو جهل المخاطب حتى احتاج إلى من يعرفه بالمتكلم.
&&&&&
وإلى أقوال أئمة التفسير في هذه الآية:
فالطبري، رحمه الله، بدأ بذكر بعض الروايات التي تذهب إلى أن هذا الأمر خطأ من الكاتب، وهي روايات تمسك بها مثيرو الشبهات، وقد أشار شيخ الإسلام، رحمه الله، إلى بطلانها، ومن أبرزها ما نسبوه لعثمان رضي الله عنه، من قوله: (إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها)، وكذا ما نسبوه لأم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، من قولها في هذه الآية وآيات أخرى لعروة بن الزبير رحمه الله: (يا ابن أخي، هذا خطأ من الكاتب).
وبطلان هذه الروايات أظهر من أن يشار إليه، إذ كيف يترك الصحابة، رضوان الله عليهم، هذه الأخطاء، لو صح أنها أخطاء كما يزعم المخالف، في المصحف، وهم أفصح العرب، وبلغتهم نزل القرآن، ثم إن أرباب الفصاحة من كفار قريش، لم يشيروا لهذه الأخطاء التي اكتشفها ذلك الساذج، بعد 14 قرنا من نزول القرآن، مع حرصهم الشديد على القدح في القرآن الكريم، معجزة الإسلام الخالدة، ولكنهم لما كانوا عربا خلصا لم تخالط العجمة ألسنتهم عرفوا هذه المعاني الدقيقة للوهلة الأولى، فأعياهم القرآن بنظمه المحكم، ولم يستطع أحدهم أن يأتي بآية من مثله.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الموضع: لما أورد الطبري، رحمه الله، هذه الروايات التي قد يتمسك بها بعض المغرضين في تفسيره؟!
والجواب: أن كتاب الطبري، رحمه الله، من اسمه، جامع، فهو يجمع كل الروايات التي وردت في تفسير آية معينة، مسندة إلى قائليها، بغض النظر عن صحتها، ومن أسند فقد أحال، أي أنه بإبراز سند الرواية التي يسوقها يكون قد خرج من عهدتها فكأنه يقول للناظر في كتابه: لقد أبرزت لك رجال رواياتي وعليك أن تبحث في حالهم جرحا وتعديلا، وتبحث في الرواية سندا ومتنا من جهة الشذوذ أو النكارة أو العلة الخفية القادحة ...... إلخ، وكذلك الحال في سفره العظيم في التاريخ: "تاريخ الرسل والملوك" فهو يبرز رجال الرواية ويترك بقية الأمر للمتخصص في علوم الرواية، فلا يصح لمستدل أن يقول دليلي ما رواه الطبري في تفسيره أو تاريخه، قبل أن يبحث في حال السند ويتأكد من توفر شروط الصحة فيه، لأن الطبري لم يشترط الصحة، فلم يصنع صنيع البخاري ومسلم، رحمها الله، ليحتج بكل رواية يوردها رأسا، دون بحث، كما هو حال أحاديث الصحيحين، بل إنه قد أكثر في تفسيره من الرواية عن شيخه ابن حميد، وابن حميد، متهم بالكذب، مع كونه حافظا، فهل يصلح إسناد فيه متهم بالكذب للاحتجاج؟!!!، ومما رواه عن ابن حميد، القول المنسوب لأم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، بوقوع الخطأ من الكاتب فسياق الإسناد في كتابه:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه سأل عائشة: ......... إلخ.
وهذا الأمر في غاية الدقة، لأنه بالبحث في رجال روايات الطبري في تفسيره وتاريخه يسد باب شر عظيم قد يلج منه المغرضون للطعن في القرآن، كما هو الحال في هذا الموضع، أو للطعن في الصحابة، رضوان الله عليهم، عند مطالعة الروايات التي أوردها في أحداث الفتنة التي وقعت في آخر عهد عثمان، رضي الله عنه، وما تلا ذلك من أحداث، والله أعلم.
وقد اعتذر، رحمه الله، عن ذلك في مقدمة تاريخه بقوله:
"فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا". اهـ
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعد ذلك أشار الطبري، رحمه الله، إلى الرأي المشهور في الآية محل البحث وهو أن النصب فيها: على الاختصاص بالمدح، وبالرغم ذلك، لم يرجح الطبري هذا الرأي، وإنما رجح الرأي القائل بأن تقدير الكلام: والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنزل إليك يا محمد من الكتاب وبما أنزل من قبلك من كتبي وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة، فيكون المقصود بـ "المقيمين الصلاة": الملائكة، فالموصوفون في الآية يؤمنون بالكتاب كله وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة.
يقول الطبري رحمه الله:
"وأولى الأقوال عندي بالصواب، أن يكون المقيمين في موضع خفض نسقاً على «ما» التي في قوله: {بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} وأن يوجه معنى المقيمين الصلاة إلى الملائكة، فيكون تأويل الكلام: والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنزل إليك يا محمد من الكتاب وبما أنزل من قبلك من كتبي وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة ثم يرجع إلى صفة الراسخين في العلم فيقول: لكن الراسخون في العلم منهم، والمؤمنون بالكتب، والمؤتون الزكاة، والمؤمنون بالله واليوم الآخر". اهـ
وأما الحافظ ابن كثير، رحمه الله، فيقول في تفسيره:
وقوله: {وَ?لْمُقِيمِينَ ?لصَّلَو?ةَ} هكذا هو في جميع مصاحف الأئمة، وكذا هو في مصحف أبي بن كعب، وذكر ابن جرير أنها في مصحف ابن مسعود: والمقيمون الصلاة، قال: والصحيح قراءة الجميع، ثم رد على من زعم أن ذلك من غلط الكتاب، ثم ذكر اختلاف الناس، فقال بعضهم: هو منصوب على المدح، كما جاء في قوله تعالى:
{وَ?لْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَـ?هَدُواْ وَ?لصَّابِرِينَ فِى ?لْبَأْسَآءِ و?لضَّرَّاءِ وَحِينَ ?لْبَأْسِ}
[البقرة: 177]، قال: وهذا سائغ في كلام العرب، كما قال الشاعر:
لا يبعدنْ قومي الذين هُمو ******* سُمُّ العُداةِ وآفَةُ الجزرِ
النازلين بكلِّ مُعْتَرَكٍ ******* والطيبون مَعاقِدَ الأُزْرِ
فلو كان الكلام على الإتباع، لقال: النازلون، ولكنه قطع إلى "النازلين".
وقال آخرون: هو مخفوض عطفاً على قوله: {بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} يعني: وبالمقيمين الصلاة، وكأنه يقول: وبإقامة الصلاة، أي: يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم، أو أن المراد بالمقيمين الصلاة: الملائكة، وهذا اختيار ابن جرير". اهـ بتصرف
فإما أن يكون المقصود الملائكة: مقيمي الصلاة، وهذا اختيار ابن جرير الطبري، رحمه الله، كما تقدم، أو الصلاة نفسها.
ويقول الزمخشري، غفر الله له، في "كشافه":
"و {وَالمقيمين} نصب على المدح لبيان فضل الصلاة، وهو باب واسع. وقد كسره سيبويه على أمثلة وشواهد. ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحناً في خط المصحف. وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وغبي عليه أنّ السابقين الأوّلين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذبّ المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدّها من بعدهم وخرقاً يرفوه من يلحق بهم. وقيل: هو عطف على {بِمآ أُنزَلَ إِلَيْكَ} أي يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء. وفي مصحف عبد الله: «والمقيمون»، بالواو. وهي قراءة مالك بن دينار، والجحدري، وعيسى الثقفي". اهـ
فالأولون كانوا أكثر غيرة على القرآن منا فما الذي منعهم من إقامة هذا اللحن المزعوم؟!!!.
والزمخشري يضيف هنا معنى جديدا وهو الإيمان بالأنبياء، فهم المعنيون بقوله تعالى: (والمقيمين الصلاة).
ويقول القرطبي، رحمه الله، في "جامعه":
"واختلف في نصبه على أقوال ستة، أصحها قول سيبويه بأنه نصِب على المدح، أي وأعني: المقيمين، قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب على التعظيم ومن ذلك «والمُقِيمِين الصَّلاَةَ» وأنشد:
وكل قومٍ أطاعوا أمر سيِدهم ******* إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
ويروى أمر مرشدهم.
الظّاعِنين ولما يُظْعِنُوا أحداً ******* والقائِلُونَ لِمَنْ دارٌ نُخَلِّيها
فلو كان الكلام على الإتباع لقال: "الظاعنون"، ولكنه قطع إلى "الظاعنين".
وينقل عن القُشيري قوله: وهذا المسلك باطل، لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة، فلا يظنّ بهم أنهم يدرجون في القرآن ما لم ينزل.
فلا يتصور اللحن من قوم كلامهم في حد ذاته حجة.
ويرجح القرطبي، رحمه الله، القطع إذ يقول:
"وأصح هذه الأقوال قول سيبويه وهو قول الخليل، أي القطع على الاختصاص، وقول الكسائي، أي أن المقصود هم: الملائكة، هو اختيار القَفّال والطبري، والله أعلم".
ويقول أبو حيان، رحمه الله، في "بحره المحيط":
"وانتصب المقيمين على المدح، وارتفع والمؤتون أيضاً على إضمار: وهم على سبيل القطع إلى الرفع، ..................... ، وهذا القطع لبيان فضل الصلاة والزكاة، فكثر الوصف بأن جعل في جمل".
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الحامدي]ــــــــ[29 - 12 - 2008, 06:50 م]ـ
جزاك الله خيرا، أخي الفاضل.
سبق لي مناقشة الموضوع نفسه في الرابط التالي:
مذاهب المفسرين والنحاة في إعراب "والمقيمين الصلاة". ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=17875)
مع تقديري لكم.
ـ[الحامدي]ــــــــ[29 - 12 - 2008, 06:55 م]ـ
جزاكم الله خيرا أخانا مهاجرا.
هذه أهم التوجيهات في كلمة "المقيمين" مع الاختصار والترتيب والترجيح:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما تفصيل الكلام في هذه التأويلات والتوجيهات فهو كما يلي:
ــ القول بالنصب على المدح (القطع)، وهو مذهب البصريين، لأدلة سماعية مأثورة عن العرب منها:
****** ويأوي إلى نسوة عطل .......... وشعثًا مراضيعَ مثل السعالى ********
ووافقهم في ذلك الفراء والنحاس والزجاج والزمخشري وابن هشام وأبو حيان. وهذا القول هو المرجح عند كثير من المحدثين.
أما الكوفيون فقد تأولوا الآية، وذهبوا إلى منع جواز نصب "والمقيمين" على المدح، لأنهم لا يجيزون النصب على المدح قبل تمام الكلام؛ والخبر في الآية عندهم أتى متأخرا عن الكلمة المقصودة.
ـــ العطف على "ما"، وإليه ذهب الكسائي وتبعه السيرافي، وأيده الطبري. فيكون التقدير:"والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، وبالمقيمين الصلاة" وهم الأنبياء أو الملائكة أو المذهب والدين، على اختلاف بين المفسرين القائلين بهذا التأويل، أو الناقلين له. واختار هذا القول أيضا مكي بن أبي طالب، وابن هشام.
ـــ عطف "والمقيمين" على الكاف في "من قبلك"، والتقدير: (وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين الصلاة). وممن ذكره وأجازه القرطبي، ومكي بن أبي طالب.
ـــ العطف على الهاء في "منهم"، فيكون التقدير: (ولكن الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين الصلاة)، وممن أجاز هذا الوجه مكي بن أبي طالب.
ـــ العطف على الكاف في "إليك"، والتقدير: (والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك .......... وإلى المقيمين الصلاة) وهم الأنبياء. وممن أجازه العكبري، والقرطبي.
ـــ تضمين "لكن" بالنسبة إليها لفظ "إلا"، فتعمل عملها في النصب. ويكون أن المعنى أن "المقيمين الصلاة" مستثنون ممن أعد الله لهم العذاب الأليم المذكورين في الآية السابقة. وذكره البقاعي، وأجازه على بُعد.
ويظهر أن المذهب الراجح هو النصب على المدح، وقال به جمهور البصريين، ووافقهم جماعة من الكوفيين لما يلي:
1ـــ السماع من العرب.
2ـــ لا دليل على منع النصب على المدح قبل تمام الكلام.
3ـــ احتمال أن يكون الخبر في الآية هو جملة "يؤمنون" وعليه فالكلام تام، ولا وجه للاعتراض.
وقد أخذت مشاركتي هذه من الرابط الذي أشرت إليه أعلاه، وهي تعود إلى تاريخ 20/ 01/2007م.
ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 01 - 2009, 09:22 ص]ـ
عذرا أخي الحامدي لم أدخل على الموضوع إلا الآن، ومشاركتي نافلة بعد الفريضة التي أديتها فالحمد لله رب العالمين.(/)
جزى الله المعين مجاورة الصادق الأمين
ـ[حبيبه]ــــــــ[28 - 12 - 2008, 09:52 ص]ـ
بسم الله الرحمن لرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني أنا طابة في السنة النهائية في الجامعة تخصص لغة عربية وآدابها
عنوان مذكرتي المجاز في القران لكريم بين النفي والإثبات
أبحث عن كتب في هذا الموضوع
أرجو أن تزودوني بمعلوماتكم في هذا المجال
ولمن عنده كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة أكون شاكرة له إذا دلني عليه
وفي الختام تقبلوا تحياتي
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[28 - 12 - 2008, 11:07 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قضية المجاز في اللغة عامة، وفي القرآن خاصة قضية حساسة جدًّا، والحديث عنها متوزع في مناحٍ عدة؛ فقد تناولها بالحديث اللغويون والنحاة، والأدباء والنقاد، والبلاغيون، والمفسرون والمحدثون، والأصوليون والفقهاء.
وأفضل كتاب تناول هذه القضية - فيما وقفت عليه - كتاب الدكتور عبد العظيم المطعني:
(المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع)
ويقع الكتاب في مجلدين، ويعد هذا الكتاب رصدًا لخط سير المجاز منذ نشأته إلى فتوته من مصادر أصيلة؛ حيث اعتمد فيه مؤلفه على أمهات الكتب.
أرجو أن تجدي فيه بغيتك.
أما كتاب تأويل مشكل القرآن، فبالإمكان تحميله من هذا الموقع:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=4626
موفقة أخية ..
ـ[حبيبه]ــــــــ[28 - 12 - 2008, 11:38 ص]ـ
مشكورة اختي الكريمة وجزاك الله خيرا
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 12 - 2008, 09:36 ص]ـ
ومن الرسائل التي تناولت هذا الأمر:
رسالة: منع جواز المجاز للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، على هذا الرابط:
http://rmdk.org/forum/showthread.php?t=7105
ولابن تيمية، رحمه الله، كلام على هذه المسألة في معرض مناقشته مقالة من ذهب إلى أن الإيمان مجاز في الأعمال فأخرجها من مسمى الإيمان وقصره على التصديق أو المعرفة، وبدايته على هذا الرابط من جملة: "ونحن نجيب بجوابين"، فبإمكانك كتابة هذه الجملة في أمر البحث من قائمة: Edit لتصلي إليه إن شاء الله عز وجل. ورقم الصفحة: (7/ 87) من "مجموع الفتاوى".
http://islamport.com/d/3/tym/1/40/269.html?zoom_highlightsub=%22%E6%E4%CD%E4+%E4%CC%ED%C8+%C8%CC%E6%C7%C8%ED%E4%22
وهما يمثلان المدرسة التي تمنع المجاز في الكتاب العزيز احترازا مما وقع فيه المتكلمون من تأويل لبعض المسائل الخبرية كمسائل الصفات، فضلا عن مسألة الإيمان، ودائرة الخلاف تضيق جدا إذا استثنينا المسائل العقدية التي صار المجاز فيها سلما إلى رد تأويل كثير من النصوص المحكمة بقرائن عقلية لا عمل لها في أخبار الغيبيات أصلا، إذ لا استقلال لها بإدراك معانيها بمعزل عن الوحي، فنص الوحي هو الحكم المتبوع في هذا الباب، وقياس العقل هو المحكوم التابع.
فما ذكر مكمل لما أشارت به الأستاذة ندى حفظها الله وسددها.
بحثا موفقا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[حبيبه]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 03:36 م]ـ
بارك الله فيك واحسن اليك(/)
النملة العاقلة:
ـ[أحلام]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 11:02 ص]ـ
:فى إجابة للدكتور فاضل السامرائى:
قال تعالى في سورة النمل (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {18}) فالنملة حذّرت ونادت ونصحت قومها وأنذرت وعممت وأكدّت وقصّرت وبالغت وغيره وكل هذا ليس مهماً فكل كلام يقال فيه أوجه بلاغية لكن المهم كيف عبّر عن ذلك. فالنملة بدأت مخاطبة قومها مخاطبة العقلاء وجاءت بلفظ مساكنكم ولم تقل بيوتكم أو جحوركم لأنهم في حالة حركة والحركة عكسها السكون فاختارت لفظ المساكن من السكون حتى يسكنوا فيها ولم تقل المساكن والجحور وإنما قالت مساكنكم أي أن لكل نملة مسكنها الخاص الذي تعلم مكان، ه ولم تقل ادخلن وإنما قالت ادخلوا، ثم أكدّت بالنداء بقولها (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) حرف النداء الدال على البعد حتى يسمعوا نداءها، وقالت سليمان وجنوده ولم تقل جنود سليمان حتى ترفع العذر عن سليمان أيضاً فلو قالت جنود سليمان لكان سليمان غير عالم إذا كان قاصداً أو غير قاصد وجاءت بلفظ سليمان بدون أي لقب له كالنبي سليمان للدلالة على أنه مشهور بدون أن يوصف، ثم حثتهم على الإسراع في التنفيذ قبل أن تنالهم المصيبة، ونسبت الفعل لسليمان (لا يحطمنكم) وفعل يحطمنكم مقصود في الآية لأنه ثبت علمياً أن جسم النمل يتركب معظمه من كمية كبيرة من السليكون الذي يدخل في صناعة الزجاج والتحطيم هو أنسب الأوصاف للفعل الدالّ على التكسير والتهشيم والشدة. إذن ليس المهم جمع أوجه بلاغية في التعبير لكن المهم كيف التعبير عن هذه الأوجه وهذا ما يتفرّد به القرآن الكريم.
* (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) النمل) لماذا لم يقل لكيلا يحطمنكم؟ (د. فاضل السامرائى)
يجب أن نعرف ما هي (لا) في الآية. يعتقد أن (لا) هذه نافية لكنها هي ناهية. مثل (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ (27) الأعراف) أي لا تفتتنوا بالشيطان. (لكي) تدخل على (لا النافية). (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) هذه لا الناهية وفي الآية (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ) لا هنا ناهية وليست نافية.
سؤال: ما الفرق بين التحطيم والتهشيم؟
التحطيم كسر الشيء اليابس تحديداً واختلفوا في التهشيم. التهشيم يقولون في كل شيء وليس في اليابس وحده حتى الرطب يمكن أن يهشَّم. هشم أي كسر قسم جعله في اليابس وقسم في اللغة قالوا هو عام. لكن السؤال هو (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)) في سورة النمل هم يقولون أن النمل وقسم من الحشرات فيها مادة السليكون ما يُصنع منه الزجاج وهو قابل للتحطيم فيقول تحطيم إذن التحطيم أخص والتهشيم أعم.
*ما دلالة (لا) في آية سورة النمل (لا يحطمنكم سليمان وجنوده)؟ (د. فاضل السامرائى)
لا هنا من باب النهي وليس النفي مثل قوله تعالى (لا تغرنّكم الحياة الدنيا) على رأي أكثر المفسرين بمعنى لا تتعرضوا لأن يحطمكم سليمان وجنوده. وهذ على خلاف ما جاء في قوله تعالى (لا تخاف دركاً ولا تخشى) حيث أن (لا) هنا للنفي. حتى في آية سورة النمل يمكن أن تكون (لا) للنفي أيضاً والله أعلم.
آية (19):
*ما إعراب كلمة ضاحكاًفي قوله تعالى (تبسّم ضاحكاً من قولها)؟ (د. فاضل السامرائى)
(فتبسّم ضاحكاً): حال مؤكدة (إسم فاعل).
*ما الفرق بين الحال المؤكّدة والحال المؤسسة؟ (د. فاضل السامرائى)
الحال المؤكدة: هي التي يستفاد معناها من غيرها ومما قبلها وهي مؤكدة لصاحبها أو لمعنى الجملة كقوله تعالى (فتبسّم ضاحكاً من قولها) والتبسّم هو الضحك. وكأن نقول مثلاً: قدر مستطيعاً.
الحال المؤسسة: هي التي لا يستفاد معناها من غيرها
ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 02:05 م]ـ
أختنا الكريمة أحلام, لقد قطفت لنا وردة جميلة من نفائس الدكتور السامرائي, وفي الحقيقة ,إنني انتهيت من قراءة المشاركة دون أن أشعر بالوقت.
فبورك فيك.
ـ[أحلام]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 02:53 م]ـ
الفاضل المدرس اللغوي
شكرا على هذا المرور الطيب
وجزى الله الدكتور فاضل صالح السامرائي خير جزاء(/)
كل عام وأنتم بخير!
ـ[ابوخالد التميمي]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 05:59 م]ـ
:::
لمناسبة العام الهجري 1430هـ أتقدم لكم جميعا بالتهنئة متمنيا أن يكون عام خير وبركة على الجميع،،،،،:)
ـ[بكري البكري]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 02:04 م]ـ
وأنتَ بخيرٍ ومن تحب وكل الفصحاء بشبكتنا لعلوم اللغةِ العربية
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 05:45 م]ـ
وأنت بخير ٍ وكل المُسلمين
وفرج الله كرب إخواننا بكل مكان
ونسأل الله أن تكون هذه السنة
سنة النهاية لكل أعداء الدين
والمتجبرين في عالمنا
ـ[السراج]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 10:49 م]ـ
كل عام وأنتم بخير(/)
حذف ياء المتكلم الزائدة بأفعال الأمر والنهي
ـ[العرابلي]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 04:18 م]ـ
المبحث السادس
بسم الله الرحمن الرحيم
وفاتحة الكتاب تظل نورًا ........... لأرواح الأحبة في القطاع
حذف ياء المتكلم الزائدة المتصلة بفعل الأمر
حذفت في اثني عشر موضعاً في الأمر
(حذف ياء التحول يفيد دائمًا الاستمرار)
1 - خافون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ (ي) إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران.
من لم يخف الله عز وجل، خاف من كل شيء؛ وذلك من تخويف الشيطان لأوليائه في كل باب. فكان حذف الياء لهذا الطلب الدائم من الله تعالى بالخوف منه وحده، فهو سبحانه الذي بيده مقادير كل شيء.
2 - فارهبون: ذكرت مرتين وحذفت الياء فيهما؛
في قوله تعالى: (يَابَنِي إِسْرَاءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (ي) (40) البقرة.
وفي قوله تعالى: (وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (ي) (51) النحل.
الرهبة من الخروج عن طاعة الله عز وجل، ومن عدم الوفاء بعهده، ومن صرف شيء من عبادته لغيره؛ هو طلب دائم من الله سبحانه وتعالى؛ فكان حذف الياء علامة للديمومة والاستمرار في هذا الطلب.
3 - واتقون: ذكرت خمس مرات وحذفت الياء فيها جميعًا؛
في قوله تعالى: (وَءامِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (ي) (41) البقرة.
وفي قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُون (ي) يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ (197) البقرة.
وفي قوله تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (ي) (2) النحل.
وفي قوله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (ي) (52) المؤمنون.
وفي قوله تعالى: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (ي) (16) الزمر.
طلب العمل بما يقي من عذاب الله هو طلب دائم؛ وذلك لأنه لا إله إلا هو، وأنه رب الجميع، وناره عظيمة يعذب بها من عصاه، فعليكم الإيمان بالله وعدم الكفر به، والتزود من الأعمال الصالحة لتقيكم نار الآخرة، وعدم التجارة بآيات الله.
والعمل بهذه الثلاث هو الأمان؛ فالخوف من معصية الله، والرهبة من الخروج عن طاعة الله، والعمل بما يقي من عذاب الله؛ هو الذي يحفظ المؤمن على استقامته على أمر الله وعدم الخروج عنه.
4 - واخشون: ذكرت ثلاث مرات وحذفت الياء في اثنتين منها؛
في قوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ (ي) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا .. (3) المائدة.
وفي قوله تعالى: (فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (ي) وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44) المائدة
حذفت ياء "اخشوني" في موضعي المائدة؛ لأن الخشية المطلوبة فيهما هي خشية دائمة لله، بعد النهي عن خشية الكفار الذين يأسوا من منع قيام دين الله وانتشاره في الأرض، وعدم خشية الناس والحذر من المتاجرة بآيات الله كما فعل أهل الكتاب من قبل.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما إثبات الياء في قوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) البقرة
فلأن طلب الخشية فيها كان طلبًا في مسألة واحدة؛ هي التوجه إلى القبلة الجديدة؛ أي إلى المسجد الحرام بدلاً من المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، والخشية تكون في بداية الأمر، ولما يستقر المسلمون على قبلتهم الجديدة؛ ينتهي الحديث في تغيير القبلة، ويصبح التوجه إلى غيرها هو الأمر المستغرب، وكان أثر هذا الحدث أثرًا محدودًا انتهى سريعًا؛ فلمحدودية الحدث أثبتت الياء.
وكان هذا التوجه الجديد حديث المنافقين، وأهل الكتاب خاصة، فجاء الطلب بخشية الله وعدم الالتفات إلى كلام أهل الكتاب والمنافقين، ومر الحدث، وأصبحت القبلة الجديدة هي قبلة المسلمين منذ ذلك اليوم.
5 - فاعبدون: ذكرت أربع مرات وحذفت الياء في ثلاث منها؛
في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (ي) (25) الأنبياء
وفي قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (ي) (92) الأنبياء
وفي قوله تعالى: (يَاعِبَادِي الَّذِينَ ءامَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (ي) (56) العنكبوت
لما كان طلب الدخول في عبادة الله في هذه الآيات يفيد الاستمرار عليها، وقصر العبادة على الله دون سواه؛ لقوله تعالى: (لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (ي)) – (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (ي)) – (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (ي)) [/ color]؛ حذفت ياء "اعبدوني" في المواضع الثلاثة؛
أما إثباتها في قوله تعالى: (وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) يس
فلأن الحديث في هذه الآية والسابقة لها عن عهد الله لبني آدم بترك عبادة الشيطان، وعبادة الله وحده؛ (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيكم يابَنِي ءادَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) يس،
كان في الآخرة، بعد الحديث عن حال أصحاب الجنة في الجنة، ثم انتقال الحديث عن أصحاب النار، لأنه قال لهم بعد ذلك: (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) يس، فذكرهم بما كان من عهده لهم في الحياة الدنيا؛ بترك عبادة الشيطان أولاً، والدخول في عبادة الله ثانيًا، والطلب بالاستمرار لا يكون إلا بعد الدخول، لأن المخاطبين لم يدخلوا بعد في العبادة الخالصة لله، لأن ترك عبادة الشيطان شرط في صحة العبادة لله قبل الاستمرار في العبادة، وهذا غير الطلب في مواضع الحذف؛ لأنه لم يكن هنالك طلب بترك شيء قبل الدخول في العبادة؛ فأثبتت الياء لما كان الطلب بالتحول إلى عبادة الله بعد قطع عبادة الشيطان. وهم لم يفعلوا ذلك فكان مصيرهم النار.
وقد جاءت (أن – لا) في الرسم مقطوعة ومجال الحديث عنها في المقطوع والموصول إن شاء الله تعالى.
6 - فاسمعون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (إِنِّي ءامَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (ي) (25) يس.
هذا قول الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة يتحدى قومه في إعلان إيمانه برب الرسل، فقتلوه، فجاء حذف الياء علامة لهذا الثبات والاستمرار الذي دل عليه تحديه لقومه في إعلان إيمانه.
7 - أطيعون: ذكرت إحدى عشرة مرة، وحذفت الياء فيها جميعًا؛
في قوله تعالى: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (ي) (50) آل عمران (108)، (110)، (126)، (131)، (144)، (150)، (163)، (179) الشعراء، (63) الزخرف.
وفي قوله تعالى: (أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (ي) (3) نوح.
(يُتْبَعُ)
(/)
طلب الأنبياء في هذه المواضع الأحد عشر من أقوامهم بالطاعة؛ هو طلب بالطاعة الدائمة لهم بصفتهم أنبياء من عند الله، مبلغين لما أرسلوا به من الأوامر والنواهي، ومنهج لحياة شامل لعلاقاتهم بالله، وبأنفسهم، وبالناس؛ فكان حذف الياء علامة هذا الاستمرار والديمومة في طلب الطاعة.
8 - فاعتزلون: ذكرت مرة واحدة وقد حذفت الياء فيها؛
في قوله تعالى: (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (ي) (21) الدخان
هذا قول موسى عليه السلام لفرعون وقومه، وقد طلب منهم أن يرسل معه بني إسرائيل، فهو يطلب منهم اعتزالاً دائمًا بخروجه ببني إسرائيل من مصر، فكان حذف الياء علامة لديمومة هذا الاعتزال المطلوب.
9 - ارجعون: ذكرت مرة واحدة، وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (ي) (99) المؤمنون.
هذا طلب ممن حضره الموت أن يرجعه ربه إلى الحياة رجعة طويلة؛ لقوله بعدها: (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)، فهو لم يعزم على العمل الصالح، وعلل العمل به، ولا يكون ذلك له إلا إذا استمرت رجعته زمنًا طويلاً، فعلى ذلك كان حذف الياء.
10 - واتبعون: ذكرت ثلاث مرات، وحذفت الياء في واحدة منها؛
في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ (ي) هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) الزخرف.
لا تعرف استقامة الطريق بمجرد الدخول فيه، دون استمرار فيه، فلا بد من الاستمرار فيه لإدراك وصفه بأنه صراط مستقيم؛ لذلك كان حذف ياء اتبعوني لمعنى الاستمرار في طلب الإتباع.
أما إثباتها في قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) آل عمران.
فلأن محبة الله وغفرانه للذنوب تحصل للمتبع للرسول صلى الله عليه وسلم من ساعة دخوله في الإسلام، فإن غير بعد ذلك غير الله عليه، ولو حذفت الياء لأفاد حذفها بأن المتبع لا ينال محبة الله وغفران ذنوبه إلا بعد الاستمرار في الاتباع زمنًا لا يعلمه إلا الله تعالى، وإن هلك قبل ذلك لم يعرف مآله، وهذا خلاف ما هو ما معلوم.
وأما إثباتها في قوله تعالى: (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) طه.
فلأن طلب الاتباع لم يرد به الاتباع الدائم المستمر، بل كان لمسألة واحدة؛ ألا وهي ترك عبادة العجل الذي اتخذوه إلهًا، واتباعه في عبادة الله وحده، وقد خلف هارون موسى عليهما السلام في غيابه إلى ميقات ربه، فما كان رد هم على هارون إلا قولهم: (قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) طه.
11 - فأرسلون: ذكرت مرة واحدة وقد حذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (ي) (45) يوسف.
هذا طلب فيه جرأة كبيرة من صاحب يوسف عليه السلام في السجن الذي أصبح ساقي الملك، وتجاوز لمكانته؛ لإرساله في إحضار تأويل رؤيا الملك، فيما عجز عنه ملأ الملك، ولكن الذي جرأه على هذا الإقدام هو ثقته بقدرة يوسف عليه السلام على تأويل الرؤيا، وقد صدق تأويله من قبل فيه وفي صاحبه في السجن؛ ولذلك حذفت الياء لأن هذا الإرسال هو إرسال دائم، فلا رجعة له ولا عودة دون إحضار تأويل رؤيا الملك؛ لذلك قال ليوسف عليه السلام: (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) يوسف.
12 - كيدون: ذكرت ثلاث مرات وحذفت الياء في اثنتين منها؛
في قوله تعالى: (قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ (ي) فَلا تُنظِرُونِ (ي) (195) الأعراف.
وهذا قول نوح عليه السلام لقومه، فيه تحدٍ مستمر مفتوح لهم، لم يحدد بزمن ينقطع فيه التحدي وينتهي؛ لذلك كان حذف الياء بيان لهذا الاستمرار في التحدي.
وحذفت في قوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (ي) (39) المرسلات.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا قول الله تعالى للمجرمين يوم القيامة، بعد بعثهم ليوم الفصل بينهم؛ أن يكيدوا كيدًا يخرجهم من عذاب الله، فهو طلب فيه تحد مستمر يظهر مدى عجزهم وضعفهم، وللاستمرارية في التحدي كان حذفت الياء.
أما إثباتها في قوله تعالى: (مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (ي) (55) هود.
فلأن طلب هود عليه السلام من عادٍ الكيد جاء ردًا على قولهم: (إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (ي) (55) هود، حتى يبين لهم كذب ادعائهم، فطلب منهم كيدًا سريعًا إن كانت لآلهتهم مقدرة على الكيد أو الإعانة على الكيد معهم، والفاء في "فيكيدوني" هي للتعقيب السريع بلا تراخٍ دال على طلبه السريع لتكذيب قولهم، بينما كان الطلب في سورة الأعراف من أمر الله عز وجل لنبيه ليتحداهم تحدٍ دائم لهم ومستمر.
المبحث السابع
بسم الله الرحمن الرحيم
حذف ياء المتكلم الزائدة المتصلة بأفعال النهي
حذفت في ثمانية مواضع
(حذف ياء التحول يفيد دائمًا الاستمرار)
1 - تكلمون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (ي) (108) المؤمنون.
هذا نهي دائم من الله عز وجل لأصحاب النار ردًا على طلبهم: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) المؤمنون، فكان حذف الياء علامة نهي أبدي خالد عن طلب الخروج من النار.
2 - تكفرون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (ي) (152) البقرة.
هذا نهي من الله تعالى بعدم الكفر بالذي لم يخلق الإنس والجن إلا لعبادته، فكان حذف الياء علامة لهذا النهي الدائم عن الكفر.
3 - تستعجلون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ ءايَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (ي) (37) الأنبياء.
هذا نهي دائم من الله عز وجل للكافرين بعدم استعجالهم الله تعالى في إنزال العقاب بهم، فالأمر كله إليه، ولا يفعل سبحانه وتعالى إلا ما يريده هو وقت ما يشاء، قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34) الأعراف. وفي ذلك تهديد لهم بتعجيل العذاب؛ فقد جاءت هذه الآية بين آيتين؛ فالتي قبلها بينت سخرية الكفار بالرسول صلى الله عليه وسلم من تعظيمهم لآلهتهم، وكفرهم بالله وكتابه، وهذا مما يغضب الله تعالى، ويوجب عضبه عليهم وعقابهم لهم؛ (وَإِذَا رَءاَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ ءاَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَانِ هُمْ كَافِرُونَ (36) الأنباء.
والتي جاءت بعدها يسألون فيها: متى هذا الوعد؟ استخفافًا بعذاب الله؛ قال تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) الأنبياء.
والله تعالى سيريهم آياته بنصرة نبيه، وعقاب من يظل على كفره في الدنيا والآخرة، وعلى هذا كان حذف الياء لهذا النهي الدائم؛ لأن عدم الأخذ به، يعجل عقابهم ونهايتهم، ولا يعود عليهم ذلك بأي خير.
4 - تنظرون: ذكرت ثلاث مرات، وقد حذفت الياء فيها جميعًا؛
في قوله تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (ي) (195) الأعراف.
طلب الله عز وجل من رسوله أن يتحدى قومه في آلهتهم القابعة في مكانها؛ بلا قدرة على المشي، ولا البطش، ولا الإبصار، ولا السمع؛ بأن يكيدوا له، وألا يمهلوه ولا ينظروه حتى لا يأخذ حذره؛ فكان حذف الياء علامة لشدة هذا التحدي الذي لا تراجع عنه، وثقته بالذي يعتمد عليه في تحديه، لذا جاء ما بعدها مبينًا سر هذه الثقة في التحدي؛ (إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) الأعراف.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومثل ذلك كان حذف الياء في تحدي نوح عليه السلام لقومه؛ في قوله تعالى: (فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (ي) (71) يونس.
ولنفس السبب كان حذف الياء في تحدي هود عليه السلام لعاد قومه؛ في قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (ي) (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) هود.
وقد نصر الله عز وجل أنبياءه وعصمهم من الكفار.
5 - تقربون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ (ي) (60) يوسف.
حذفت ياء تقربوني في نهي يوسف عليه السلام إخوته -الذين لم يعرفوه- أن يأتوا مصر إن لم يحضروا أخوهم معهم وجعل الإتيان به شرطًا لعودتهم؛ لشراء متاعًا لهم في سنين القحط التي مرت على مصر والشام في زمن يوسف عليه السلام، ولما كان النهي مشروطًا لا ينتهي إلا بالوفاء بالشرط؛ يعد النهي مستمرًا حتى يتم الوفاء بالشرط، وإحضار أخاهم معهم في حال قدومهم
6 - تفضحون: ذكرت مرة واحدة وحذفت فيها الياء؛
في قوله تعالى: (قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (ي) (68) الحجر.
لو قدر لقوم نوح عليه السلام الذين تعودوا فعل الفاحشة، أن يعتدوا على ضيفه لو كانوا من البشر، وهو على ما عليه من العجز في صدهم؛ لكانت فضيحة دائمة لا شيء يغسل عارها. لذلك حذفت الياء لمعنى الاستمرار فيما ينهاهم عنه من الفضيحة التي يريدون ارتكابها، وهو لا يدري أن ضيفه هم ملائكة العذاب المرسلون إليهم.
7 - تخزون: ذكرت مرتان وحذفت الياء فيهما؛
في قوله تعالى: (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (ي) فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) هود.
وهذه مثل السابقة في الخشية من خزي دائم لا يزول، كالخشية من فضيحة دائمة؛ إن فعلوا ما يريدون من الفاحشة، لذلك تم حذف الياء لمعنى الاستمرار في النهي عن فعل الفاحشة في ضيفه فيما يخزيه خزيًا دائمًا لا يمحى زولا يزول. .
وفي نفس الحادثة، ونفس الخشية من خزي دائم يلتصق به ولا يفارقه فيما ينهاهم عنه؛ كان حذف الياء في قوله تعالى: (قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (ي) (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (ي) (69) الحجر.
8 - تسألن: ذكرت مرتان؛ وحذفت الياء في أولاهما؛
في قوله تعالى: (قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْءَلْنِ (ي) مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (46) هود.
هذا نهي دائم من الله تعالى لنوح عليه السلام أن يسأله فيما ليس له به علم، ولا يحل لنوح عليه السلام فعله لما وصف الله تعالى فاعله بأنه من الجاهلين، فلم يرضاها الله تعالى لنبيه، ولا يرضاها لغيره. فلأجل ذلك كان حذف ياء تسألني في النهى عنه.
أما إثباتها ياء تسألني في قوله تعالى: (قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْءَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) الكهف.
فلأن نهي الرجل الصالح لموسى عليه السلام عن السؤال كان نهيًا مؤقتًا؛ لقوله (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) وبعد ذلك يحل لموسى عليه السلام أن يسأل ما بدا له من الأسئلة.
بهذا ينتهي بحمد الله تعالى؛ البحث في حذف الياءات الزائدة الملحقة في أفعال الماضي، والمضارع، والأمر والنهي، لنتحدث بعدها عن ياءات أخرى في مباحث جديدة إن شاء الله تعالى.
والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين
أبو مُسْلِم / عبْد المَجِيد العَرَابْلِي
المبحث الثامن / حذف ياء إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة
ـ[سامح]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 12:39 ص]ـ
العرابلي
شكر الله لك
ـ[العرابلي]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 08:18 ص]ـ
العرابلي
شكر الله لك
بارك الله فيك ولك في مرورك
وجزاك الله بكل خير وأحسن إليك
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[23 - 01 - 2009, 09:38 ص]ـ
أخي العرابلي
جعل الله ثواب ما كتبت في ميزان حسناتك
ـ[العرابلي]ــــــــ[23 - 01 - 2009, 09:56 ص]ـ
أخي العرابلي
جعل الله ثواب ما كتبت في ميزان حسناتك
وجزاك الله يا أخي بكل خير
وبارك الله فيك ولك(/)
مساعدة ....
ـ[احساس مرهف]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 04:59 م]ـ
لماذا استطاع الأدب والنقد النهوض واستعادة المكانة في مجال التأليف الحديث ولم تستطع البلاغة الوصول إلى ماوصل إليهما أو حتى مواكبتهما؟ ....
هل هناك أمل في التغير والتطور؟
أي كتاب تحدث عن الارتباط بين البلاغة في الحديث والقديم؟
ـ[سامح]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 12:33 ص]ـ
أظن أن تقعيد البلاغة , ووضعها في تقسيمات وفروع
جعلَ من الصعب على الباحث تطويرها ..
ولا تظلمي البلاغة , فثمة الكثير من التآليف الجيدة
والحديثة فيها ...
بوركت
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 09:21 م]ـ
تشكو كثير من المصنفات البلاغية الحديثة من أمرين رئيسين في ظني:
أما الأول: فهو التكرار والتقليد لنظرات السلف.
وأما الثاني: فهو الجمود في الإسفار عن مكنون الجمال في النكات البلاغية.
إن عدم توظيف الملمح البلاغي التوظيف الذي يجعلك تحس بالتعبير، وتعيش معه، فتنفعل به، وتدرك خلابته، يُذهب كثيرًا من عذب روائه!
ومن الظلم أن تعد تقسيمات البلاغة - التي ورّثها لنا الأجلاء - هي السبب في هذا الجمود؛ إذ لم توضع إلا لضبط الفن، ويبقى على الذائقة المدربة أن تنطلق منها، مسترشدة بخط سيرها، فتنفخ الروح فيما يصادفها من نماذج التعبير.
وكما أشار الأستاذ الكريم، فكثير من الدراسات الجادة والجيدة تنضوي تحت لواء المصنفات البلاغية الحديثة، وثمة علماء في البلاغة يشار إليهم بالبنان.
تحيتي ..
ـ[احساس مرهف]ــــــــ[04 - 01 - 2009, 12:11 ص]ـ
مشكورين الله يعطيكم الف عااااااااااااافيه(/)
طلب مساعدة بشرح قصيدة أبي ذؤيب الهذلي
ـ[الموفق]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 10:50 م]ـ
:::
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
هل من يساعدني أيها الكرام
في
البحث
شرح قصيدة أبوذؤيب الهذلي
في رثاء أبنائه الخمسة
أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
قالت أميمة مالجسمك شاحبا .. منذ ابتذلت، ومثل مالك ينفع
ونرغب في الشرح المفصل من الناحية البلاغية
ـ[سامح]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 12:29 ص]ـ
مرحباً بك أخي الموفق
ذكرتني بالأيام الخوالي
ماأجملها من قصيدة , وماأصدقها
حاول تحميل هذه الرسالة , وأتمنى أن تجد فيها مايفيد
شعر أبي ذؤيب الهذلي ( http://www.imamu.edu.sa/support_deanery/graduate/masterstudies/m0040/Pages/home.html)
وفقك الله لكل خير
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 08:31 م]ـ
حياك الله أخي الكريم في منتدى الفصيح ..
نرجو منك قبول اعتذارنا عن الإجابة عن طلبك؛ فمنتديات الفصيح ليست لحل الواجبات المدرسية، ولا تشجع على ذلك.
كما أن في توجيه الأستاذ الفاضل سامح بمثل هذه الدراسة الطيبة خير عون لك إن شاء الله.
نشكرك، ونقدر تفهمك.(/)
سؤال مطلوب من أختي في موضوع الفصل والوصل ساعدوووني
ـ[بنت الأتراك]ــــــــ[02 - 01 - 2009, 05:04 م]ـ
السؤال هو
اكتبي خمس جمل من إنشائك تجمع فيها بين الفصل والوصل مع التعليل؟؟؟؟؟؟ ;)
ـ[سامح]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 12:14 ص]ـ
...
اجعليها تعتمد على نفسها في إنجاز ماطلب منها
كي تتحقق لها الفائدة مما تعلمت.
وفقتم
ـ[بنت الأتراك]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 07:47 م]ـ
شكرا على الاطلاع
والله معاك حق في إلي تقوله
بس على الأقل لو بعطيها جملة وحده تبني عليها باقي الجمل
والباقي عليها
ـ[أبو طارق]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 08:03 م]ـ
انظري قواعد البلاغة ( http://saaid.net/book/10/3071.doc) تجدين فصلاً في الفصل والوصل
وليتك تعتمدين الفصحى في كتابتكِ
وفقكِ الله, وأرشد أختك إلى الصواب(/)
مساعدة في الكناية
ـ[غلاتي لذاتي]ــــــــ[02 - 01 - 2009, 05:28 م]ـ
:::
ممكن ومن خلال خبرتكم ..
أريد بيتًا أو بيتين في المديح النبوي يوجد به استعارة أوكناية أو مجاز ..
مع توضيح موقع الاستعارة فيها
ولكم كل الشكر
غلاتي لذاتي
ـ[السراج]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 11:42 ص]ـ
أختي الكريمة ..
في قصيدة أحمد شوقي - في مدح النبي الكريم - أبيات كثيرة تحوي الاستعارات والكنايات، وكذلك في قصيدة كعب بن زهير (البردة) وكذلك في قصيدة البوصيري ..
واخترت لك هذه الأبيات من قصيدة أحمد شوقي وتظهر الاستعارة في البيت الثالث.
لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ وَمَن" ** "يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللهِ يَغتَنِمِ
فَكُلُّ فَضلٍ وَإِحسانٍ وَعارِفَةٍ" ** "ما بَينَ مُستَلِمٍ مِنهُ وَمُلتَزِمِ
عَلَّقتُ مِن مَدحِهِ حَبلاً أُعَزُّ بِهِ" ** "في يَومِ لا عِزَّ بِالأَنسابِ وَاللُّحَمِ
يُزري قَريضي زُهَيرًا حينَ أَمدَحُهُ" ** "وَلا يُقاسُ إِلى جودي لَدى هَرِمِ
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 10:04 م]ـ
أريد بيتًا أو بيتين في المديح النبوي يوجد به استعارة أوكناية أو مجاز ..
حياك الله عزيزتي ..
أحب أن أنوه إلى أن الاستعارة هي أحد نوعي المجاز اللغوي.(/)
طالبة تطبيق و ستشرح " المجاز" تطلبكم الإجابة.
ـ[نوف]ــــــــ[02 - 01 - 2009, 06:30 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
أحبتي هنا أهل الفصيح أهل اللغة أهل المساعدة و البذل
تسألكم إحداهن ممن تسلك في هذا الفصل سبيل المعلم فتقول:
كيف لي أن أضبط النطق بالعربية الفصحى و أنا ألقي الدرس؟
و كيف أمهد لطالباتي - طالبات الصف الأول ثانوي - درس المجاز و أنهن جديدات على هذه المادة و هذا الدرس ليس بالسهل.
شاااااااااااكرة و مقدرة
و رأيكم يهمنا
ـ[سامح]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 12:10 ص]ـ
كيف لي أن أضبط النطق بالعربية الفصحى و أنا ألقي الدرس؟
هذه تحصل بالدربة , حاولي أن تتدربي على هذا
1 - القراءة المستمرة
2 - سماعُ المتحاورين بالفصحى
3 - استعمالها في التحاور الكتابي كالذي في المنتديات أو الماسنجر.
طرائق جيدة لانطلاق اللسان بالفصحى أثناء الحديث
أما المجاز , فيمكنك تمهيده بأي مثال من الحياة
وماأكثر الأمثلة التي يمكنكِ طرحها , حسب ماهو
موجود في الدرس الذي سيشرح.
وفقكِ الله:)
ـ[السراج]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 12:08 م]ـ
السلام عليكم
هذه الأبيات في المجاز بإمكانك توضيح الدرس للطلاب / الطالبات من خلالها، واقترح البيت الأول - فهو أوضح للطلاب /الطالبات - ليكون فاتحة للدرس (فقد أتى الشاعر بلفظة خاصة بالأحياء واستخدمها للجماد .. )
هذه الأبيات:
وقال أبو تمام في الرثاء:
وما مات حتى مات مضرب سيفه ** من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
وقول المتنبي:
نشرت ثلاث ذوائب من شعرها ** في ليلة فأرت ليالي أربعا
وقول المتنبي:
واستقبلت قمر السماء بوجهها ** فأرتني القمرين في وقت معا
وبإمكانك سوق أمثلة مكتوبة من حياة الناس أو من كلام الطالبات أنفسهن بحيث يكون تطبيقا للدرس في نهاية الحصة.
ـ[نوف]ــــــــ[05 - 01 - 2009, 11:13 م]ـ
شكرا جزيلا .. الله يجزاكم خير .. ونفع بكم
ـ[عبدالكافي]ــــــــ[11 - 01 - 2009, 03:27 م]ـ
الحل هو التمرن التمرن التمرن التمرن التمرن التمرن(/)
إنه من سليمان ... /بلاغة رائعة!
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[02 - 01 - 2009, 06:51 م]ـ
سئل جعفر بن يحيى عن أوجز كلام فقال: قول سليمان عليه السلام، إلى ملكة سبأ " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، أن لا تعلوا علي وائتوني مسلمين " فجمع في ثلاثة أحرف العنوان والكتاب والحاجة وإظهار الدين، وعرض الرشاد إلى المكتوب إليهم.
عن محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[02 - 01 - 2009, 08:36 م]ـ
جزيت الجنَة
ـ[السراج]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 11:21 ص]ـ
شكرا الغنام ..
احتوت الآية (الرسالة) كل مكونات الرسالة التقليدية (التقديم والعنوان والبسملة والحاجة - المتن) رغم أن آياتها قليلة جدا، يستحيل لدى أي أديب القيام بذلك في نفس عدد الألفاظ ..
بل وأضاف مرسل الرسالة في بداية الرسالة لإزالة التوهم ..
سبحانك ربي
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 03:15 م]ـ
جزيت الجنَة
وجزاك الله الجنة على المرور والدعاء العظيم والذي يحوي ينابيع الخير.
ـ[أم تُماضِر]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 04:38 م]ـ
سبحان الله!!!
جزاك الله خيرا
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 10:19 م]ـ
وقد سمى ابن جني الإيجاز - إيجاز الحذف -: (شجاعة العربية).
شكرًا لهطك الطيب في ربوع البلاغة أستاذ أحمد ... دامت ديمتك.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[05 - 01 - 2009, 02:46 م]ـ
شكرا الغنام ..
احتوت الآية (الرسالة) كل مكونات الرسالة التقليدية (التقديم والعنوان والبسملة والحاجة - المتن) رغم أن آياتها قليلة جدا، يستحيل لدى أي أديب القيام بذلك في نفس عدد الألفاظ ..
بل وأضاف مرسل الرسالة في بداية الرسالة لإزالة التوهم ..
سبحانك ربي
أخي الكريم السراج جزاك ربي الخير العميم، على التعقيب الجميل.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[07 - 01 - 2009, 06:27 م]ـ
سبحان الله!!!
جزاك الله خيرا
مرور كريم أختي الكريمة، وأثابك الله خيراً.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[07 - 01 - 2009, 06:29 م]ـ
وقد سمى ابن جني الإيجاز - إيجاز الحذف -: (شجاعة العربية).
شكرًا لهطك الطيب في ربوع البلاغة أستاذ أحمد ... دامت ديمتك.
إضافة ثرية أختي الفاضلة الرميح، فجزاك ربي خيراً.
ـ[الفداغي]ــــــــ[07 - 01 - 2009, 07:02 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أحلام]ــــــــ[08 - 01 - 2009, 02:50 م]ـ
الاخوة الافاضل:
جُزيتم خيرا على هذا البيان الطيب
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[15 - 01 - 2009, 11:18 ص]ـ
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} القصص 7
وحي وإخبار من الله يعقبه أمرين ونهيين وبشارتين وكل هذا الإيجاز البليغ في آية واحدة فسبحان الله!
ـ[ابراهيم100]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 09:17 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الأخ الكريم على هذه الفصاحة البليغة(/)
سؤال إلى أهل البلاغة:
ـ[أبو ريان]ــــــــ[02 - 01 - 2009, 07:16 م]ـ
1 - هل يستفاد من خروج الاستفهام إلى معنى التوبيخ دلالات أخرى كالتحضيض أو العرض؟
ماذا قال البلاغيون القدامى عن ذلك؟
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[02 - 01 - 2009, 08:56 م]ـ
نعم قد يكون ذلك، ولكنها تؤخذ عن طريق الإفادة لا الدلالة
لأنها لا تستنبط من حاق اللفظ بل من مفهوم التركيب
فهي على الأصوب من مستتبعات التراكيب، لأن التركيب له معاني عديدة قريبة وبعيدة.
أما البلاغيون القدامى فقد جعلوا الانتقال من المعنى الأصلي للاستفهام إلى المعاني الأخرى من قبيل المجاز، ونص بعضهم على أنه من المجاز المرسل.
ولكن القول بالمجاز فيه ضعف؛ لأن المجاز لا يخرج إلا معاني متعددة، بل يخرج إلى معنى.
وانظر إشارة السعد التفتازاني في المطول وحاشية الشريف و الدسوقي في خروج الاستفهام إلى معاني أخرى.
والله أعلم
ـ[أبو ريان]ــــــــ[02 - 01 - 2009, 10:37 م]ـ
لأنها لا تستنبط من حاق اللفظ بل من مفهوم التركيب
فهي على الأصوب من مستتبعات التراكيب، لأن التركيب له معاني عديدة قريبة وبعيدة.
هذا الكلام النفيس أين أجده في كتب البلاغة؟
رجائي يتطاول
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[02 - 01 - 2009, 11:44 م]ـ
هذا الكلام لخصته لك من محاضرات لشيخنا العلامة الأستاذ الدكتور محمود توفيق
وأحسب أنه يتبع ماذهب إليه شيخه أ. د/ محمد أبو موسى في البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري، وفي دلالات التراكيب انظر مثلا الأخير ص 219 من ط3 مكتبة وهبة وانظر البلاغة القرآنية ص 363 ومابعدها ط 2 مكتبة وهبة
وقد أشار فيه إلى نص لعبد الحكيم ذكر فيه مستتبعات التراكيب
والله أعلم(/)
أقسام أدوات الاستفهام: أريد توضيحا
ـ[زينب هداية]ــــــــ[04 - 01 - 2009, 11:37 م]ـ
قرأتُ مايلي، و لم أفهم، أرجو من أهل البلاغة الكرام توضيحًا، جزاكم الله خيرا.
أقسام أدوات الاستفهام
تنقسم أدوات الاستفهام إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ ما يطلب به التصوّر.
2 ـ ما يطلب به التصديق.
3 ـ ما يطلب به التصوّر مرة، والتصديق اخرى.
والتصوّر، هو إدراك المفرد، بمعنى أن لا يكون هناك نسبة، فـ (زيد) و (عمرو) و (القرآن) و (الله) .. ونحوها كلّها مفرد، فهي تصورات.
والتّصديق: هو إدراك النّّسبة، أي نسبة الفعل إلى فاعله أو المبتدأ إلى خبره، فـ (زيد قائم) و (الله عالم) (39) و (محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم نبيّ) .. ونحوها كلها نسبة، فهي تصديقات.
وجملة القول:
ان العلم إن كان إذعاناً للنسبة فتصديق، وإلا فتصورّ.
والتصديق كما يكون في الإثبات، نحو (محمد عادل) كذلك يكون في النفي، نحو (خالد فاسق).
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 01 - 2009, 04:45 م]ـ
وجزاك خيرا وبارك فيك.
هذه محاولة:
التصور يتعلق بالمفرد: ذاتا كان أو حدثا أو حالا أو ظرفا: ففي نحو:
أمحمد جاء أم عمرو: لا بد أن تكون الإجابة بأحدهما: محمد أو عمرو، فالسؤال ليس عن حدث المجيء فقد وقع وانتهى الأمر، وإنما الشأن: من الذي أسند إليه الفعل فجاء فعلا، فالمراد تصور عين الجائي لا حدث المجيء، هل الجائي: محمد أو عمرو، ولذلك لا يجاب عن هذا السؤال بـ: "نعم" أو"لا".
وكذلك في نحو: أأكل زيد أم شرب، المراد تصور أحد الفعلين مسندا إلى زيد، فالشأن ليس في وقوع فعل ما، فقد وقع وانتهى الأمر، وإنما الشأن في تصور عين هذا الفعل: هل هو الأكل أو الشرب؟.
وكذلك في نحو: أراكبا جاء زيد أم ماشيا: ليس الشأن في تصور المجيء، وإنما الشأن تصور هيئته: هل هي: الركوب أو المشي.
وكذلك في نحو: أيوم الخميس حضر محمد أم الجمعة: فليس الشأن، أيضا، في تصور المجيء، وإنما الشأن تصور زمانه: هل هو: يوم الخميس أو يوم الجمعة.
ويقاس على ما تقدم.
وأيضا لا بد أن يستوي الطرفان، فلا يقال: أجاء زيد أم عمرو، لأن عمرو لا يعادل جاء، فهو ذات والمجيء حدث، فلا يستويان، وإنما يكون معادل المجيء حدثا مثله كالمضي أو الركوب .............. إلخ.
وكذلك لا يقال: أمحمد ذهب أم جاء، لأن المجيء ليس ذاتا كمحمد ليعادلها، وإنما يقال: أمحمد جاء أم عمرو، فكلاهما ذات، فاستويا من هذه الجهة فصح السؤال عن أحدهما تصورا.
&&&&&
أما التصديق فهو مرحلة سابقة على التصور، فالشأن فيه إثبات حدث المجيء ابتداء، في نحو: أجاء محمد، فليثبت المجيء أولا، ومن ثم ينظر في عين الجائي، ولذلك فإن الجواب عن هذا السؤال يكون بـ: "نعم" أو "لا"، لأن الحدث يحتمل الإثبات بـ: "نعم"، أو النفي بـ: "لا"، لأنه غير محقق الوقوع كما تقدم.
&&&&&
وكضابط بسيط:
إن كانت الإجابة بـ: "نعم"، أو: "لا" فهو تصديق يراد به إثبات الأمر ابتداء.
وإن كانت الإجابة بذات أو حدث أو حال ............... إلخ فهو: تصور يلي وقوع الأمر.
والتصور يلي التصديق.
&&&&&
وقد امتازت الهمزة بكونها تأتي لكليهما فيقال:
أجاء زيد: تصديقا.
و: أجاء زيد أم ذهب: تصورا لأحد الحدثين.
ولذلك كانت أم الباب.
بينما: "هل" تأتي للتصديق فقط، فيقال: هل جاء زيد؟ فالجواب: "نعم" أو "لا".
بينما بقية الأدوات تأتي للتصور نحو: من جاء؟، فيقال: زيد.
والله أعلى وأعلم.
ـ[زينب هداية]ــــــــ[05 - 01 - 2009, 05:01 م]ـ
بارك الله فيك و زادك علما.
شرحٌ مفصّل مفيد، فجزاك الله خيرا كثيرا.
ـ[عبد الله إسماعيل]ــــــــ[22 - 11 - 2009, 09:39 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين
بارك الله في أعمالكم ...........................
ـ[أبو عبد الله القاهري]ــــــــ[25 - 11 - 2009, 04:30 ص]ـ
أما التصديق فهو مرحلة سابقة على التصور
...
والتصور يلي التصديق.
لو أذنت لي أخي الفاضل في تعقيب.
هذا البحث أصله منطقي.
فالمناطقة يقسمون علم المخلوق إلى تصور وتصديق.
يقول عبد الرحمن الأخضري -رحمه الله-:
إدراك مفرد تصورًا علم .. ودرك نسبة بتصديق وسم
وكل منهما ينقسم إلى ضروري ونظري [لكن هذا لا نحتاج إليه الآن].
فإذا قلنا مثلاً: "زيد قائم".
1 - فإدراك مسمى "زيد" (وهو الذات المشخصة) ---- تصور.
2 - وإدراك مسمى "القيام" ---- تصور.
3 - وإدراك نسبة "القيام" (وهو المحكوم به، ويسمى محمولاً) لـ "زيد" (وهو المحكوم عليه، ويسمى موضوعًا) ---- تصور
4 - وإذعان هذه النسبة، وهي نسبة القيام لزيد ---- تصديق.
فالتصديق وهو المرتبة الرابعة متأخر عن التصور.
والتصورات الثلاثة شروط له. [وفيها نزاع منطقي]
، لذا يقول الأخضري -رحمه الله-:
وقدم الأول عند الوضع .. لأنه مقدم بالطبع
(الأول) التصور.
(عند الوضع) الكتابة والتألف والتعلم والتعليم.
(مقدم بالطبع) أي بحسب الطبع. [وهو محل الشاهد]
والمتقدم بالطبع هو ما يتوقف الثاني عليه من غير أن يكون الأول علةً فيه، كالواحد والاثنين، فحصول الاثنين متوقف على حصول الواحد، وليس الواحد علة للاثنين.
فالمقصود أن التصور يسبق التصديق.
ولذلك اشتهر قولهم: «الحكم على الشيء فرع عن تصوره».
والحكم عند الفلاسفة مرادف للتصديق.
هذا باختصار، وللمناطقة تدقيقات وتذييلات تراجع في مظانها.
والله تعالى أعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[السراج]ــــــــ[25 - 11 - 2009, 10:49 ص]ـ
فالتصديق وهو المرتبة الرابعة متأخر عن التصور.
والتصورات الثلاثة شروط له. [وفيها نزاع منطقي]
، لذا يقول الأخضري -رحمه الله-:
وقدم الأول عند الوضع .. لأنه مقدم بالطبع
(الأول) التصور.
(عند الوضع) الكتابة والتألف والتعلم والتعليم.
(مقدم بالطبع) أي بحسب الطبع. [وهو محل الشاهد]
والمتقدم بالطبع هو ما يتوقف الثاني عليه من غير أن يكون الأول علةً فيه، كالواحد والاثنين، فحصول الاثنين متوقف على حصول الواحد، وليس الواحد علة للاثنين.
فالمقصود أن التصور يسبق التصديق.
لذا عدّ كبار النحاة (الهمزة) هي أصل أدوات الاستفهام لاشتمالها على النوعين ..
شكرا لكم ..
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 11 - 2009, 09:28 ص]ـ
جزى الله كل من مر أو عقب من الإخوة الأفاضل خيرا وبارك فيهم وفي عملهم.(/)
سؤال لأهل الخبرة
ـ[الفداغي]ــــــــ[07 - 01 - 2009, 07:09 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أي العبارتين أصح من الأخرى؟.
- أشكرك على حرصك على العمل.
-أشكرك لحرصك على العمل.
ولكم جزيل الشكر
ـ[ابوخالد التميمي]ــــــــ[13 - 01 - 2009, 11:08 م]ـ
أشكرك لحرصك
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[13 - 01 - 2009, 11:45 م]ـ
جاء في اللسان:
"والشُّكْرُ: مثل الحمد إِلا أَن الحمد أَعم منه، فإِنك تَحْمَدُ الإِنسانَ على صفاته الجميلة وعلى معروفه، ولا تشكره إِلا على معروفه دون صفاته. والشُّكْرُ: مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية، فيثني على المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته ويعتقد أَنه مُولِيها.
وفي الحديث: لا يَشْكُرُ الله من لا يَشْكُرُ الناسَ؛ معناه أَن الله لا يقبل شكر العبد على إِحسانه إِليه، إِذا كان العبد لا يَشكُرُ إِحسانَ الناس ويَكْفُر معروفَهم لاتصال أَحد الأَمرين بالآخر.
والشُّكْرُ: الثناءُ على المُحْسِنِ بما أَوْلاكَهُ من المعروف."
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 10:55 م]ـ
أرى كما رأى الأساتذة: أشكرك لحرصك
الحمد يكون بالقلب واللسان، والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح، لذا قال تعالى {اعملوا آل داود شكرا} استخدمت الآية"شكرا"مع العمل الذي يكون بالجوارح.
ـ[البرنسيسة]ــــــــ[15 - 01 - 2009, 12:14 ص]ـ
اشكرك لحرصك على العمل(/)
من قوله تعالى: (وَالصَّابِئُون)
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 01 - 2009, 08:30 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
فمن جهة الصناعة النحوية:
يقول ابن هشام، رحمه الله، عن هذه الآية:
في هذه الآية أوجه، أرجحها وجهان:
"أحدهما: أن يكون: "الذين هادوا" مرتفعا بالابتداء، و: "الصابئون والنصارى" عطفا عليه، والخبر محذوف، والجملة في نية التأخير عما في حيز "إن" من اسمها وخبرها، كأنه قيل: إن الذين آمنوا بألسنتهم من آمن منهم، أي بقلبه، بالله إلى آخر الآية.
ثم قيل: والذين هادوا والصابئون والنصارى كذلك". اهـ
"شرح شذور الذهب"، ص84
فيكون السياق: إن الذين آمنوا، مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، ثم يستأنف الكلام بـ: والذين هادوا والنصارى والصابئون كذلك، فالخبر المحذوف هو: "كذلك"، والإشارة فيه إلى خبر "إن" المتقدم، وهذا أولى من تكراره لفظا، إذ الإشارة إلى المذكور تغني عن تكراره فالإيجاز في هذا الموضع مراد للمتكلم احترازا من التطويل الممل، وعليه تكون الواو استئنافية.
ويواصل ابن هشام، رحمه الله، فيقول:
"والثاني: أن يكون الأمر على ما ذكرناه من ارتفاع: "الذين هادوا" بالابتداء، وكون ما بعده عطفا عليه، ولكن يكون الخبر المذكور له، ويكون خبر "إن" محذوفا مدلولا عليه بخبر المبتدأ، (أي: الذين هادوا)، كأنه قيل: إن الذين آمنوا من آمن منهم، ثم قيل: والذين هادوا .......... إلخ. اهـ
أي يكون السياق: الَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، فيكون الخبر: "فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" خاصا بالمبتدأ: "الذين هادوا"، لا: "الذين آمنوا"، كما في الوجه الأول، ومن ثم يستأنف الكلام بـ: والذين آمنوا كذلك، فيكون الخبر المحذوف: "كذلك"، خاصا بالمبتدأ الأول لا الثاني كما في الوجه الأول.
ويشهد لهذا الوجه قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما ******* عندك راضٍ والرأْيُ مختلِفُ
أي: أنت بما عندك راض، ونحن بما عندنا راضون، فدل خبر الثاني المذكور على خبر الأول المحذوف.
ويواصل ابن هشام، رحمه الله، فيقول:
"والوجه الأول أجود، لأن الحذف من الثاني لدلالة الأول أولى من العكس.
لأن المعنى في هذه الحالة يكتمل أولا ثم يدل على المحذوف من الجملة الثانية، خلاف الوجه الثاني الذي لا يكتمل فيه المعنى الأول، إلا بدلالة الثاني عليه، والأصل أن المتقدم يدل على المتأخر لا العكس". اهـ
بتصرف من "شرح شذور الذهب"، ص84.
ونظيره، قول ضابئ بن الحارث البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ******* فإني وقيار بها لغريب
أي: فإني بها لغريب وقيار كذلك، على الوجه الأول الذي يكتمل فيه معنى الجملة الأولى ومن ثم يدل خبرها على الخبر المحذوف من الجملة الثانية.
أو: قيار بها لغريب وإني لكذلك، على الوجه الثاني الذي يدل فيه المتأخر على المتقدم، وهو خلاف الأصل، كما تقدم، ويضعفه هنا أن دخول اللام على الخبر: "لغريب" دون المبتدأ: "قيار": شاذ، كما قيل في:
أم الحليس لعجوز شهربه ******* ترضى من اللحم بعظم الرقبه
و:
خالي لأنت ومن جرير خاله ******* ينل العلاء ويكرم الأخوالا
فدخلت اللام على الخبر: "لعجوز" و: "لأنت" شذوذا، أو على تقدير مبتدأ محذوف فيكون تقدير الكلام: وقيار لهو غريب، و: أم الحليس لهي عجوز، و: خالي لهو أنت، إذ لام الابتداء لا تدخل إلا على المبتدأ على تفصيل ليس هذا موضعه.
انظر غير مأمور لمزيد بيان: "شرح ابن عقيل رحمه الله"، (1/ 195).
ومنه ما أنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائل معين:
خليلي هل طب فإني وأنتما ******* وإن لم تبوحا بالهوى دنفان
أي: فإني دنف وأنتما وإن لم تبوحا بالهوى كذلك، على الوجه الأول.
(يُتْبَعُ)
(/)
أو: فأنتما، وإن لم تبوحا بالهوى دنفان وإني كذلك، ويبدو، للوهلة الأولى، أن هذا الوجه هو الأرجح هنا، لأن الخبر "دنفان" مثنى، فملائمته لـ: ضمير المخاطب المثنى: "أنتما" أكبر من ملائمته لياء المتكلم المفرد في: "فإني"، والله أعلم.
وقول الثالث:
وإلا فاعلموا أَنّا وأنتم ******* بُغاةٌ ما بقِينا في شقاق
أي: فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك.
أو: أنتم بغاة ونحن كذلك.
ومنه أيضا:
قوله تعالى: (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
في قراءة من رفع: "ملائكتُه"، فيكون تقدير الكلام:
إن الله يصلي على النبي وملائكته كذلك.
أو: ملائكة الله يصلون على النبي والله كذلك، وهذا الوجه، أيضا، يبدو، للوهلة الأولى، أرجح من الوجه الأول، خلاف الأصل، لأن الخبر: "يصلون" جاء على صيغة الجمع الملائمة لـ "ملائكته".
بتصرف من "منحة الجليل بنحقيق شرح ابن عقيل"، (1/ 304).
وإليه أشار ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب"، (2/ 262) بقوله:
"فكيف تصنع بقوله تعالى: (إنّ اللهَ وملائكتهُ يُصلّون على النبي) في قراءة مَنْ رفع، وذلك محمول عند البصريين على الحذف من الأول لدلالة الثاني، أي إن الله يصلي وملائكتُه يصلون. وليس عطفاً على الموضع و "يصلون": خبراً عنهما، لئلا يتوارد عاملان على معمول واحد، والصلاة المذكورة بمعنى الاستغفار، والمحذوفة بمعنى الرحمة". اهـ
فصلاة الله عز وجل: رحمة، وصلاة الملائكة: استغفار.
وجعله الكسائي، رحمه الله، من باب العطف على المحل، فيكون: "الصابئون": معطوفا على محل "إن" واسمها، ومحلهما الرفع بالابتداء، وهذا العطف خلاف الأصل، لأن الأصل أن يعطف على اللفظ لا المحل.
ونظيره قولك: إنك وزيد ذاهبان، برفع "زيد" عطفا على محل "إن" واسمها: "إنك".
بتصرف من: "مغني اللبيب"، (2/ 135)، و: "مباحث في علوم القرآن" للشيخ مناع القطان، رحمه الله، ص185، مبحث: "العطف".
واعترض البعض على ذلك بأنه لا يجوز العطف على "إن" ومحلها قبل الفراغ من الخبر، فقوله تعالى: (إن الذين آمنوا)، لم يكتمل خبره بعد ليصح عطف "الصابئون" على محله الابتدائي، وإلى ذلك أشار الزمخشري، غفر الله له، بقوله:
"لا يصحّ ذلك قبل الفراغ من الخبر، لا تقول: إن زيداً وعمرو منطلقان. اهـ
برفع "عمرو" عطفا على محل "إن" واسمها: "إن زيدا"، لأن "إن" لم تستوف خبرها: "منطلقان" بعد ليصح العطف على محلها". اهـ
والمطرد في التنزيل: الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، فيسهل الحذف استنادا إلى المذكور، فيكتفى بالإشارة إليه دون تكرار، وفي التنزيل:
(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)، أي: وأبصر بهم.
و: (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، أي: ونساء كثيرا.
و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، أي: ولا خلة فيه ولا شفاعة فيه، فلو ذكر الخبر بعد كل معطوف لصار الكلام معيبا بالتكرار لما أغنى المذكور، الخبر الأول: "فيه"، عن تكراره.
و: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ)، أي: والمحصنات من المؤمنات حل لكم.
وتتبع مسائل الحذف استنادا إلى ما تقدم ذكره صراحة، أو تصيد معناه من الكلام المتقدم في آي التنزيل أمر يستحق الإفراد بالبحث استقراء واستنتاجا.
وأشار ابن كثير، رحمه الله، إلى هذه المسألة إشارة سريعة فقال:
"لما طال الفصل حسن العطف بالرفع". اهـ
أي لما طال الفصل بين: "الذين آمنوا" و "وَالصَّابِئُونَ"، بـ: "الذين هادوا" حسن العطف بالرفع لا النصب، فيكون الرفع استئنافا لا نسقا.
وأشار الألوسي، رحمه الله، إلى وجه آخر بقوله:
(يُتْبَعُ)
(/)
"وقيل: {إنٍ} بمعنى نعم الجوابية ولا عمل لها حينئذ، فما بعدها مرفوع المحل على الابتداء والمرفوع معطوف عليه، وضعفه أبو حيان بأن ثبوت {إنٍ} بمعنى نعم فيه خلاف بين النحويين". اهـ
فلا تخرج آيات التنزيل على أوجه شاذة أو قليلة أو مختلف فيها مع إمكان تخريجها على ما لا خلاف فيه، فالمجمع عليه أولى بالقبول من المختلف فيه، وإن كان الخلاف معتبرا.
وإلى وجه لغة بلحارث الذين يلزمون المثنى الألف فيقاس عليه إلزام جمع المذكر السالم الواو، أشار الألوسي، رحمه الله، أيضا، بقوله:
"وقيل: إنه منصوب بفتحة مقدرة على الواو والعطف حينئذ مما لا خفاء فيه، واعترض بأن لغة بلحارث وغيرهم الذين جعلوا المثنى دائماً بالألف نحو رأيت الزيدان ومررت بالزيدان وأعربوه بحركات مقدرة، إنما هي في المثنى خاصة، ولم ينقل نحو ذلك عنهم في الجمع ........ والمسألة مما لا يجري فيها القياس فلا ينبغي تخريج القرآن العظيم على ذلك". اهـ
فاللغة توقيفية سماعية، فلا يقال بأن لغة بلحارث تجري على الجمع قياسا على المثنى، لأن هذه اللغة لم تسمع منهم، خاصة، إلا في المثنى.
فمن قاس: إن المحمدون مجدون، بإلزام جمع المذكر السالم على الواو ونصبه بفتحة مقدرة، على: إن المحمدان مجدان، بإلزام المثنى الألف ونصبه بفتحة مقدرة، فقد أجرى القياس فيما لا قياس فيه أصلا، إذ اللغة كما تقدم: سماعية مستندها النقل، وإن جاز القياس فيها فهو الاستثناء لا الأصل، فلا يكون في لغات قبائل بعينها لم تشتهر على ألسن بقية القبائل.
وقد قرأ أبيّ رضي الله عنه: «والصابئين»، بالنصب. وبها قرأ ابن كثير المكي، رحمه الله، وهي قراءة متواترة لا إشكال فيها.
&&&&&
ومن جهة الصناعة البلاغية:
ففائدة هذا التغيير في السياق:
"التنبيه على أن الصابئين يتاب عليهم إن صحّ منهم الإيمان والعمل الصالح، فما الظنّ بغيرهم. وذلك أن الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالاً وأشدّهم غياً، وما سموا صابئين إلا لأنهم صبئوا عن الأديان كلها". اهـ، من كلام الزمخشري في كشافه.
فالعرب إذا أرادت استرعاء انتباه المستمع إلى معنى معين، غيرت حركة إعرابه، لجذب انتباه المستمع، فلو كان السياق: إن الذين آمنوا .............. والصابئين، لما انتبه المستمع إلى المعنى الذي ذكره الزمخشري آنفا، فلما غيرت حركة إعراب: "الصابئون"، تنبه المستمع إلى وجود معنى ما اقتضى هذا التغيير الإعرابي.
"كما فعل الشاعر في البيت المتقدم:
وإلا فاعلموا أَنّا وأنتم ******* بُغاةٌ ما بقِينا في شقاق
إذ قدم قوله: (وأنتم) تنبيهاً على أن المخاطبين أوغل في الوصف بالبغاة من قومه، حيث عاجل به قبل الخبر الذي هو (بغاة) لئلا يدخل قومه في البغي قبلهم، مع كونهم أوغل فيه منهم وأثبت قدماً". اهـ، من كلام صاحب الكشاف أيضا.
فالتقديم والتأخير وتغيير السياق، كما تقدم، لا يكون إلا لنكتة بلاغية.
وعن معنى الصابئ يقول ابن كثير رحمه الله:
"وأظهر الأقوال، والله أعلم، قول مجاهد ومتابعيه، ووهب بن منبه: أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه، ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي، أي: أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك". اهـ
و "صبا" بمعنى: "مال" فكأن الصابئ قد مال عن الأديان فخرج منها جميعا.
وأشار أبو العباس ابن تيمية، رحمه الله، إلى أن: "الصابئين" صنفان:
صنف صبأ بمعنى "مال" عن أديان الأرض إلى دين الإسلام فدخل فيه، فهذا الصنف محمود السيرة، وهو المراد في هذه الآية، ولذا غيرت حركة إعرابه تنويها به، ليلتفت السامع متسائلا عن حال أولئك الصابئين، فيجاب بأنهم: قوم خرجوا من أديانهم ودخلوا في السلم كافة.
وإليه أشار بقوله: "الصائبون الحنفاء كالذين كانوا من العرب وغيرهم على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق قبل التبديل والنسخ.
(يُتْبَعُ)
(/)
فإن العرب من ولد إسماعيل وغيره الذين كانوا جيران البيت العتيق الذي بناه إبراهيم وإسماعيل كانوا حنفاء على ملة إبراهيم إلى أن غير دينه بعض ولاة خزاعة وهو عمرو بن لحي وهو أول من غير دين إبراهيم بالشرك وتحريم ما لم يحرمه الله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه، أي أمعاءه، في النار وهو أول من بحر البحيرة وسيب السوائب وغير دين إبراهيم". اهـ
وصنف مشرك يعبد الكواكب: كما في:
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
فإن لفظ "الصابئين" جاء منصوبا على القياس، لأن المقصود بهم هنا: عبدة الكواكب الصابئة، فلا ميزة لهم تستحق التنويه لأنهم مشركون.
وعن الآية الثانية يقول أبو السعود رحمه الله:
"وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} في حيِّز الرِّفعِ على أنَّه خبرٌ لإنَّ السَّابقةِ، وتصدير طرفَيْ الجملتين بحرفِ التَّحقيق لزيادة التَّقديرِ والتَّأكيدِ، أي يقضي بين المؤمنينَ وبين الفرقِ الخمسِ المتَّفقةِ على ملَّةِ الكُفرِ بإظهار المحقِّ من المبطل وتوفيةِ كلَ منهما حقَّهُ من الجزاء بإثابة الأوَّلِ وعقاب الثَّاني بحسب استحقاقِ أفراد كلَ منهما".
فجعل الصابئين داخلين في الأصناف الخمسة المقابلة لصنف المؤمنين، ولما كان المقام مقام مفاصلة، انضم الصابئون عبدة الكواكب إلى بقية طوائف الضلال المخالفة لطائفة المؤمنين، فلم يستحقوا التنويه بتغيير حركة إعراب أو سياق.
وهذه اللفتات مما يؤكد على بلاغة القرآن الكريم في الإشارة إلى معان كثيرة بإشارات موجزة، كحذف، أو تقديم وتأخير، أو تغيير حركة إعرابية ........... إلخ، فليست أخطاء نحوية كما يزعم بعض السذج من الأعاجم، وليت شعري، كيف خفيت هذه الأخطاء على أمثال الوليد بن المغيرة وأبي جهل وأمثالهم من فصحاء قريش، ليكتشفها أقوام لا يحسنون رفع الفاعل ونصب المفعول!!!!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[09 - 01 - 2009, 09:20 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي مهاجرا، ونشكرك على وقفاتك المتأنية والمفيدة في كتاب الله، وجعل الله ذلك في ميزان حسناتك.
ولكن اعذرني على هذا التنبيه:
كثير الكلام يُنسي بعضه بعضا، لوتختصر قليلا، أو تجزّئ المشاركة.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[09 - 01 - 2009, 10:50 م]ـ
ما شاء الله تبارك الله ..
اجتهاد طيب، وتخريج نحوي وبلاغي محكم للفظ قرآني ..
زادك الله من فضله أستاذ مهاجر، ونمني أنفسنا بالمزيد من هذا الفيض المبارك.(/)
عندي سؤال وأرجو الاجابة
ـ[الزعبي]ــــــــ[09 - 01 - 2009, 08:06 م]ـ
السلام عليكم
اريد معرفة اصل تسمية "المرآة" باللغة العربية "ميرور" يالانجليزية
لقد نسيتها
"حجنجل"
او شيء من هذا القابيل؟؟؟؟ ولقد نسيتها
ارجوكم المساعدة ... ؟؟؟؟؟؟
ودمتم بكل ود
ـ[منصور مهران]ــــــــ[09 - 01 - 2009, 08:08 م]ـ
سجنجل
وردت في شعر امرئ القيس
ـ[الزعبي]ــــــــ[09 - 01 - 2009, 09:09 م]ـ
سجنجل
وردت في شعر امرئ القيس
مشكور اخي العزيز منصور
وبارك الله بك
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[09 - 01 - 2009, 11:03 م]ـ
هي السجنجل كما ذكر أخي منصور
يقول امرؤ القيس:
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسجنجل
وقيل إن الكلمة رومية دخلت للعربية، وقال بعضهم زجنجل(/)
ما الوجه البلاغي
ـ[ابو روان العراقي]ــــــــ[10 - 01 - 2009, 10:20 م]ـ
قال الله تعالى في سورة الكهف ((سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم ويقولون خمسةُ سادسهم كلبهم ويقولون سبعةٌ وثامنهم كلبهم رجماً بالغيب))
السلام عليكم
في ألآية الكريمة يقول الباري عز وجل إنهم ثلاثة ورابعهم الكلب ويقولون خمسة والسادس الكلب .....
السؤال هو ... لو تفضلتم ... لماذا ترك رقماً فارغاً بين ألأرقام بمعنى لماذا لم يقل (الله جل وعلى) ثلاثة ورابعهم الكلب وأربعه والخامس الكلب.
ربما توجد في جعبتي الإجابة لكنني لا أستطيع أن أنطق بها أو أفسرها إلا بعد التأكد من الجواب والشرح الوافي
بارك الله فيكم
ـ[رسالة]ــــــــ[12 - 01 - 2009, 09:29 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإجابة نجدها في نفس سياق الآية الكريمة: " قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل، فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم أحدا."
فترك الأرقام إشارة بل رسالة لنا لترك مالا جدوى في معرفته. فكون الأرقام لم تذكر في الآية لم ينقص من فهمنا ووجودها لن يضيف لها شيئا. العبرة في وصول الغرض من الآية. وهو ترك الجدل فيما لا ينفع.
هذا والله اعلم(/)
حذف ياء إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة
ـ[العرابلي]ــــــــ[11 - 01 - 2009, 07:39 ص]ـ
المبحث الثامن في حذف الياء وإثباتها
بسم الله الرحمن الرحيم
إثبات الياء وحذفها في اسم إبراهيم عليه السلام
ورد اسم إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم؛ (69) مرة، وقد أثبتت ياء إبراهيم في سائر القرآن ماعدا سورة البقرة؛ حيث ورد اسم إبراهيم عليه السلام فيها (15) مرة، قد حذفت الياء فيها جميعًا. وكان سبب الحذف عائدًا إلى نفس السبب في استعمال الياء.
وقد بينا في الأبحاث السبعة السابقة أن استعمال الياء للدلالة على التحول، وأن التحول يفيد الانقطاع، وحذفها يفيد الاستمرار.
واستعمال الياء دال على مرحلة سابقة تحول عنها، ومرحلة لاحقة تحول إليها.
وقد تميز ذكر إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة عن بقية سور القرآن، بأن له السبق والأوَّلية في أمور عديدة لا سابق له قبلها، في أول سور القرآن بعد فاتحة الكتاب.
والسبق والأوَّلية يتنافى مع معنى التحول الذي يفيده استعمال الياء؛ لذلك كان حذف ياء إبراهيم عليه السلام في أول ذكر له، في أول سورة يذكر فيها، في أول صفات يحملها ابتداء دون سابق له.
1 – فإبراهيم عليه السلام هو أول من ابتلى بفتن عظيمة، فلم يجعل بينه وبين الله شيئًا؛ أب تبرأ منه، وأرض كُفْر ولد فيها في قوم كافرين فهجرها وهجرهم، وزوجه وولده الذي أتى بعد طول انتظار له أبعدهما إلى واد غير ذي زرع، لأمر يريده الله تعالى، وبلاء عظيم في أمر فيه ذبح ابنه الوحيد يومها، فلم يتردد في تنفيذ أمر الله.
بعد ثبات إبراهيم عليه السلام في هذه الابتلاءات، وإتمام أمر الله له فيها، بغير تردد ولا نقصان؛ جعله الله تعالى أول إمام للناس. وأهل الكتاب ينافسون المسلمين في جعل إبراهيم عليه السلام إمامًا لهم إلى يوم الدين؛ بادعائهم أنه كان يهوديًا أو نصرانيًا.
فلما لم يكن لإبراهيم عليه السلام تحول عن أمر الله مع عظم ما يبتلى به، وثبات إمامةٍ دائمة له غير مسبوقة؛ حذفت الياء من اسمه الدالة على التحول؛
قال تعالى: (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِـ (ي) ـمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) البقرة.
2 – ومقام إبراهيم عليه السلام هو المقام الوحيد الذي استمر بقاؤه لنبي، وبقاؤه من بقاء بيت الله الحرام إلى يوم القيامة؛ فهو أول من عبد الله تعالى في هذا البيت، لذلك حذفت ياء التحول لأجل ذلك.
قال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِـ (ي) ـمَ مُصَلًّى (125) البقرة.
3 – وإبراهيم عليه السلام هو أول من عُهِد إليه بتطهير بيتًا لله من الشرك والأصنام؛ لأن هذا البيت هو أول بيت وضع للناس، فكان هو أول من طهر بيتًا لله في الأرض، وإسماعيل عليه السلام كان تبعًا له؛ وعلى ذلك كان حذف الياء من اسمه عليه السلام؛
قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِـ (ي) ـمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة.
4 - وهو أول من غرب زوجه وولده إلى مكان خلاءٍ؛ واد غير ذي زرع، رغبة بوجود أمة بعيدة عن أرض الشرك والأصنام، وعن الانشغال بالزرع والضرع، لتفرغ نفسها لله برسالة الإسلام التي ستكلف بها، وكانت مكة أول قرية تنشأ على حياة التجارة، ولا تعتمد على الزراعة والرعي، ودعا الله أن يجعل ذلك المكان بلدًا آمنًا، فاستجاب الله له، واستمرت مكة بلدًا آمنًا وامتازت بالأمن على سائر البلدان، وكان دعاؤه أول دعاء لله في هذا الوادي، ليكون أكثر وأعظم مكان يدعى الله تعالى فيه؛ وعلى ذلك كان حذف الياء من اسمه عليه السلام.
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِـ (ي) ـمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا ءامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) البقرة.
وهذا غير دعائه عليه السلام في سورة إبراهيم بعد استجابة الله له، وأصبح ذلك المكان بلدًا آمنًا بعد أن كان واديًا قفرًا؛
(يُتْبَعُ)
(/)
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءامِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) إبراهيم، فثبتت فيه الياء، لأن هذا الدعاء لاحق وليس ابتداءً.
5 – وإبراهيم عليه السلام هو أول من رفع قواعد أول بيت لله في الأرض، وإسماعيل عليه السلام كان تبعًا له في ذلك ومساعدًا له، واستمرت القواعد مرفوعة بهذا البناء، وستستمر بإذن الله إلى آخر أيام الدنيا؛
قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِـ (ي) ـمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة.
وهذا غير الوارد في قوله تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) الحج.
فلأن رفع القواعد بالبناء من عمل إبراهيم عليه السلام، والقواعد ليست من عمله،
وثانيًا: أن القواعد سابقة للبناء الذي رفع على هذه القواعد.
وثالثًا: أن ما رفع هو الذي ظل ظاهرًا للناس، والقاعد عادة مستورة تحت البناء.
وقد قيل أن البيت بني في زمن آدم وطمرت قواعده بعد تهدمه بالطوفان، وهذا أمر لا يعرف إلا بالوحي، وليس ذلك مذكورًا في كتاب الله تعالى، ولا ذكر في رواية مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولو أردنا من باب التوفيق بين الأمرين نقول؛ إن القواعد هي التي طاف حولها آدم عليه السلام، وإبراهيم عليه السلام هو الذي رفع القواعد، فقد رُفع البيت على ثلاث مراحل؛ ثلث من إبراهيم عليه السلام، وثلث بعد ذلك من قريش، والثلث الأعلى من عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، وحكمه كحكم المسجد الأقصى الذي كان ساحة مكشوفة، ثم بني فيه المسجد المراوني الذي بني عليه المسجد الأقصى، وبني فيها كذلك قبة الصخرة.
ولكن هذا يتنافي مع كون دعاء إبراهيم عليه السلام هو أول دعاء في هذا الوادي، بالإضافة إلى عدم وجود وحي صحيح يثبت ذلك لآدم عليه السلام.
6 – وملة إبراهيم عليه السلام هي أول ملة كانت، واستمرت، والخروج عنها أو العدول إلى غيرها يعد عند الله سفهًا؛
قال تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِـ (ي) ـمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (130) البقرة.
7 – وملة إبراهيم عليه السلام هي الملة التي أوجب الله تعالى اتباعها، وجعل الهدى في اتباعها، فهي أول ملة مهدية؛
قال تعالى: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِـ (ي) ـمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (135) البقرة.
8 – وإبراهيم عليه السلام هو أول من وصى أبناءه بألا يموتوا إلا مسلمين، وهو الذي سماهم مسلمين من قبل، واستمر حمل هذا الاسم، وهم الأكثر عددًا في الأرض من اليهود والنصارى؛
قال تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِـ (ي) ـمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) البقرة.
9 – وإبراهيم عليه السلام هو أول من عُمَل بوصيته لبنيه بالإسلام؛ وكان ذلك في قول أبناء يعقوب عليه السلام، واستمر الاتباع على نفس الحنيفية المسلمة من قبل هذه الأمة.
قال تعالى: (كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَاهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِـ (ي) ـمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) البقرة.
10 - وإبراهيم عليه السلام هو أول وأسبق نبي أُمرنا أن نؤمن بما أنزل عليه من بين الأنبياء، وأول المذكورين في الآية، وأمرنا أن لا نفرق بينهم, وأن نسلم لله حيث جميع الأنبياء مسلمون؛
قال تعالى: (قُولُوا ءامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِـ (ي) ـمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة.
(يُتْبَعُ)
(/)
أمَّا ما ورد في سورة آل عمران التي ثبتت فيها ياء إبراهيم عليه السلام؛
في قوله تعالى: (قُلْ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) آل عمران،
فقد قدم ذكر النبي على ذكر إبراهيم عليهما السلام لأن الخطاب موجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ (قُلْ ءامَنَّا بِاللَّهِ)، وهو متأخر عنه، ومن ذريته،
أما في آية البقرة فقد كان الخطاب موجهًا للمسلمين؛ (قُولُوا ءامَنَّا بِاللَّهِ)، وإبراهيم عليه السلام يقارن بأنبياء مثله عليهم الصلاة والسلام.
ومثل هذا التقديم جاء في آيات كثيرة في غير سورة البقرة؛ مما لم يجعل لإبراهيم السبق والأوَّلية الذي ذكرناها سببًا؛ ميز ذكر إبراهيم في سورة البقرة عن بقية السور، حيث لم يقدم فيها ذكر أحد من الأنبياء عليه.
11 - وإبراهيم عليه السلام هو أول من برأه الله من الأنبياء الذين برأهم الله من أن يكون يهوديًا أو نصرانيًا؛ لأن التوراة والإنجيل لم تنزل إلا من بعده، وأهل الكتاب هم الذين يسمون بهذين الاسمين، واستمر وصف إبراهيم عليه السلام حنيفًا مسلماً باتباع هذه الأمة لملته؛
قال تعالى: (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِـ (ي) ـمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ ءَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) البقرة.
12+13+14 - وإبراهيم عليه السلام هو أول من أقام الحجة على مدعٍ للألوهية، وأخرسه، وحجته صالحة للرد على أي مدعٍ للألوهية في أي زمن كان؛
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِـ (ي) ـمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِـ (ي) ـمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِـ (ي) ـمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) البقرة.
15 - وإبراهيم عليه السلام هو أول من رأى كيف يحيي الله الموتى؛ ولم يتحقق ذلك لأحد من قبله، وقد رأى بنوا إسرائيل إحياء موتى بعده؛ في زمن موسى وعيسى عليهما السلام، وإحياء حمار الذي مر على القرية؛
في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِـ (ي) ـمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) البقرة.
وكذلك رأى الرجل الذي مر على القرية إحياء حماره بعد أن أصبح عظامًا بالية.
وخلاصة الحديث أن في إثبات لفظ الياء من اسم إبراهيم عليه السلام لإثبات الأوَّلية والسبق في الأمور التي أشارت إليها الآيات، وحذف صورتها لاستمراره إماما في هذه الأمور كلها.
أبو مُسْلِم / عبد المَجِيد العَرَابْلِي
المبحث التاسع / حذف إحدى الياءين
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[13 - 01 - 2009, 10:03 م]ـ
أخي الفاضل العرابلي وفقك الله
جاء في لسان العرب: ـ
وإبراهيم: اسم أَعجمي وفيه لغات: إبْراهامُ وإبْراهَم وإبْراهِمُ، بحذف الياء؛ وقال عبد المطلب: عُذْتُ بما عاذَ به إبْراهِمُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلةِ، وهْو قائمُ، إني لك اللَّهمَّ عانٍ راغِمُ وتصغيرُ إبراهيم أُبَيْرِةٌ، وذلك لأَن الأَلف من الأَصل لأن بعدَها أَربعة أَحرف أُصول، والهمزة لا تُلْحق ببَنات الأَربعة زائدة في أَوَّلها، وذلك يُوجِب حَذف آخره كما يُحذف من سَفَرْجَل فيقال سُفَيْرج، وكذلك القولُ في إسمعيل وإسرافيل، وهذا قولُ المبرّد، وبعضُهم يتوهَّم أن الهمزة زائدة إذا كان الاسم أعْجميّاً فلا يُعْلَم اشتِقاقُه، فيصغِّره على بُرَيْهِيمٍ وسُمَيْعيلٍ وسُرَيْفيلٍ، وهذا قول سيبويه وهو حسن، والأَوَّل قِياسٌ، ومنهم مَن يقول بُرَيْهٌ بطَرْح الهمزة والميم.
فهلا كان حذف الياء لغة من اللغات فحسب؟؟
والشكر موصول للجميع
ـ[العرابلي]ــــــــ[13 - 01 - 2009, 11:40 م]ـ
أخي الفاضل العرابلي وفقك الله
جاء في لسان العرب: ـ
وإبراهيم: اسم أَعجمي وفيه لغات: إبْراهامُ وإبْراهَم وإبْراهِمُ، بحذف الياء؛ وقال عبد المطلب: عُذْتُ بما عاذَ به إبْراهِمُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلةِ، وهْو قائمُ، إني لك اللَّهمَّ عانٍ راغِمُ وتصغيرُ إبراهيم أُبَيْرِةٌ، وذلك لأَن الأَلف من الأَصل لأن بعدَها أَربعة أَحرف أُصول، والهمزة لا تُلْحق ببَنات الأَربعة زائدة في أَوَّلها، وذلك يُوجِب حَذف آخره كما يُحذف من سَفَرْجَل فيقال سُفَيْرج، وكذلك القولُ في إسمعيل وإسرافيل، وهذا قولُ المبرّد، وبعضُهم يتوهَّم أن الهمزة زائدة إذا كان الاسم أعْجميّاً فلا يُعْلَم اشتِقاقُه، فيصغِّره على بُرَيْهِيمٍ وسُمَيْعيلٍ وسُرَيْفيلٍ، وهذا قول سيبويه وهو حسن، والأَوَّل قِياسٌ، ومنهم مَن يقول بُرَيْهٌ بطَرْح الهمزة والميم.
فهلا كان حذف الياء لغة من اللغات فحسب؟؟
والشكر موصول للجميع
بارك الله فيك أخي الكريم
القراء العشر قرأوا إبراهيم
إلا راوٍ واحد هو ابن ذكوان عن ابن عامر بخلف عنه بطيبة النشر عن الشاطبية
والحروف الأربعة الأصلية هي (برهم) والثلاثة الباقية هي زيادات (إ ا ي)
وقد تكلمنا عن حذف الألف في اسم إبراهيم عليه السلام في موضوع
(طبق آخر من أسرار الرسم القرآني في أسماء الأنبياء وغيرهم)(/)
فكرة تجبر إسرائيل وقف الحرب وانسحابها من غزة بعد ي
ـ[العرابلي]ــــــــ[11 - 01 - 2009, 10:40 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تجبر إسرائيل وقف الحرب وانسحابها من غزة بعد يومين
رب فكرة تنقذ غزة ... بل الأمة
كلنا نتابع مجازر اليهود في غزة بحسرة وألم
وكلنا ذرف الدموع على قتلى أطفال ونساء وشباب أهلنا في غزة
وكلنا يرى استخفاف اليهود والعالم بدمائنا
وكلنا يرى عجز حكامنا أن يفعلوا شيئًا
ويعيشون رعبًا أكثر من رعب أطفالنا في غزة
ويطالبون الطلب العجيب من إسرائيل
بضبط النفس وعدم تجاوز الشدة في ضرب أهلهم في غزة
وكلنا يرى أن مظاهرات الملايين في العالم لا أثر لها على أرض الواقع
وكلنا يتألم ويفكر في طريقة لإيقاف هذا العدوان الإجرامي الغاشم
فكرة ترهب اليهود
وترهب العالم المعادي للإسلام ليتدخل بسرعة لوقف الحرب
فكرة تجل بوش وبلير ومن بعد بلير وساركوزي وكل الدول التي تخشى على مصالحها أن يأتوا مهرولين إلى إسرائيل لتخويفها والتهديد بالتخلي عنها
إذا لم توقف الحرب على أهل غزة وفلسطين
والتخلي عن غزة .. بل التخلي أيضًا عن الضفة الغربية
وتطلب من العرب تولي تزويد غزة بالغاز والكهرباء
ويفتحوا الحدود بلا قيد ولا شرط لإعمار غزة وإغراقها بما تحتاجه من مواد
ويرهب الذين يخافون على عروشهم
فيجأروا إلى العالم للتدخل بوقف إسرائيل للحرب والانسحاب من غزة
فكرة واحدة يخشاها الغرب
فكرة أظهر بوش وبلير شدة الخوف منها
من وجود دولة إسلامية من إسبانيا إلى إندونيسيا
ويخشى أن يتحول الرأي العام في
البلاد العربية والبلاد الإسلامية إليها
وأن تخرج الأمة من شرق الأرض إلى غربها
تهتف بقلب واحد وبصوت واحد
خلافة خلافة إسلامية
ما يوحدنا إلا هي
خلافة خلافة إسلامية
ما يحررننا إلا هي
خلافة خلافة إسلامية
مالنا عز إلا هي
هذا الشعار الوحيد الذي يخوفهم
وكل الشعارات الأخرى لا تهز شعرت واحدة في أبدانهم
وسيزيد رعبهم ويرهب عزائمهم
إن لوحت الجماهير
براية رسول الله صلى الله عليه وسلم
وراية الخلفاء الراشدين من بعده
وراية الدولة العباسية
راية سوداء مكتوب عليها:
لا إله إلا الله محمدًا رسول الله
إنها الراية التي تسمى في كتب السيرة بالعُقاب
وإن فعل المسلمون ذلك في مظاهراتهم في الغرب
فإن الفرج السريع قادم إن شاء الله تعالى
فقد أرهق العدوان أهلنا في غزة
وأنا ضامن إن خرجت الأمة بهذا الهتاف
بأعداد كبيرة وصوت عالِ شديِد مرتفع
لن يستمر العدوان بعدها بأكثر من يومين
إن لم يتوقف في الحال
فقد قال السلطان عبد الحميد لليهود:
إن سقطت الخلافة فستأخذون فلسطين بدون ثمن
والتلويح لليهود والغرب بالخلافة يعني زوال ملكهم
وتحرير فلسطين منهم
وانقطاع نهبهم لثروات المسلمين وإذلالهم
فطوبى لمن يحقن دماء هذه الأمة
ودماء أهلنا في غزة
أرجو أن تعمم هذه الفكرة لتصل لكل المسلمين أينما وجدوا
وأن يعملوا بها لحقن دماء أهلنا النازفة في غزة
إن الله تعالى على كل شيء قدير
أبو مُسْلِم/ عبد المَجِيد العَرَابْلِي
ـ[أحلام]ــــــــ[11 - 01 - 2009, 06:57 م]ـ
جزاكم الله خيرا الأخ الفضل ابومسلم
على هذا العرض الواضح
اللهم انصر الأسلام وأعز المسلمين
ـ[العرابلي]ــــــــ[11 - 01 - 2009, 07:59 م]ـ
جزاكم الله خيرا الأخ الفضل ابومسلم
على هذا العرض الواضح
اللهم انصر الأسلام وأعز المسلمين
وجزاك الله بكل خير
وأحسن اله إليك
وختم الله لهذه الأمة بالعز والنصر والتمكين
وحق الله تعالى دماء أهلنا في غزة
ـ[باتل]ــــــــ[12 - 01 - 2009, 07:01 م]ـ
ما أسهلها من فكرة!
وما أصعب التنفيذ في زمن غثاء السيل!
ـ[العرابلي]ــــــــ[12 - 01 - 2009, 10:41 م]ـ
ما أسهلها من فكرة!
وما أصعب التنفيذ في زمن غثاء السيل!
صدقت ولم يمنعني ذلك من طرحه
ومشاعر المسلمين تساعد على ذلك
وإذا أراد الله شيئًا يسر العمل به
وبارك الله فيك
ـ[بسمه امل]ــــــــ[12 - 01 - 2009, 11:25 م]ـ
جزاكم الله كل خير
الا ان نصر الله قريب
والله متم نوره ولو كره الكافرون
اللهم انصر اخواننا المجاهدين فى كل مكان
اللهم امين
ـ[العرابلي]ــــــــ[13 - 01 - 2009, 01:14 ص]ـ
جزاكم الله كل خير
الا ان نصر الله قريب
والله متم نوره ولو كره الكافرون
اللهم انصر اخواننا المجاهدين فى كل مكان
اللهم امين
وجزاك الله بكل خير
وجزاك الله بكل خير
وختم الله بالنصر والعز وحقن دماء المستضعفين من المسلمين(/)
السحاب في اللغة العربية
ـ[أحلام]ــــــــ[11 - 01 - 2009, 09:31 م]ـ
أوَّلُ مَا يَنْشَأُ السَّحابُ، فَهُوَ النَّشْءُ
فإذا انْسَحَبَ في الهَوَاءِ، فَهُوَ السَّحابُ
فإذا تَغَيَّرَتْ له السّماء، فَهُوَ الغَمَامُ
فإذا كَانَ غَيْماً يَنْشَأ في عُرْضِ السّماءِ فلا تُبْصِرُهُ ولكنْ تَسْمَعُ رَعْدَهُ مِنْ بَعِيدٍ، فَهُوَ العَقْرُ
فإذا أَطَلَّ أظلَّ السّماءَ، فَهُوَ العَارِضُ
فإذا كَانَ ذَا رَعْدٍ وَبَرْق، فَهُوَ العَرَّاصُ
فإذا كَانَتِ السَّحَابَةُ قِطَعاً صِغَاراً مُتَدَانِياً بَعضُها من بَعْض، فهي النَّمِرَةُ
فإذا كَانَتْ مُتَفَرِّقةً، فَهِيَ القَزَعُ
فإذا كَانَتْ قِطَعاً مُتَرَاكِمَةً، فهي الكِرْفى
فإذا كَانَت كَأنّهَا قِطَعُ الجِبَالِ، فَهِيَ قَلَع وَكَنَهْوَرٌ (وَاحِدَتُهَا كَنْهورَةٌ)
فإذا كانت قِطعاً مُسْتَدِقَّةً رِقاقاَ، فهيَ الطَّخاريرُ (وَاحِدَتُهَا طُخْرُورٌ)
فإذا كَانَتْ حَوْلَها قِطَعٌ من السَّحابِ، فَهِيَ مُكَلَلَةٌ
فإذا كَانَتْ سَوْدَاءَ، فَهِيَ طَخْيَاءُ ومُتَطَخْطِخَةٌ
فإذا رَأيْتَهَا وَحَسِبْتَها مَاطِرَةً، فَهِيَ مُخِيلَة
فإذا غَلُظَ السَّحَابُ ورَكِبَ بَعْضُهُ بَعْضاً، فَهُوَ المُكْفَهِرُّ
فإذا ارتَفَعَ ولم يَنْبَسِطْ، فَهُوَ النَّشَاصُ
فإذا أنْقَطَعَ في أقْطَارِ السَّمَاءِ وتلبَّدَ بعضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، فهو القَرَدُ
فإذا ارْتَفَعَ وحَمَلَ المَاءَ وكَثُفَ وأطْبَقَ، فَهُوَ العَمَاءُ والعَمَايَةُ والطَّخَاءُ والطَّخَافُ والطَّهَاءُ
فإذا اعْتَرَضَ اعْتِرَاضَ الجَبَلِ قَبْلَ أن يُطَبِّقُ السّماءَ، فهو الحَبِيُّ
فإذا عَنَّ، فهو العَنانُ
فإذا أظلَ الأرْضَ، فَهُوَ الدَّجْنُ
فإذا اسْوَدَّ وتَرَاكَبَ، فَهُوَ المُحْمُومِيّ
فإذا تَعَلَّقَ سَحابٌ دُونَ السَّحَابِ، فهوَ الرَّبابُ
فإذا كانَ سَحاب فوق السَّحابِ، فَهُوَ الغِفَارَةُ
فإذا تَدَلَّى ودَنَا مِنَ الأرْضِ مِثْلَ هُدْبِ القَطِيفَةِ، فَهُو الهَيْدَبُ
فإذا كَانَ ذَا مَاءٍ كَثِيرٍ، فَهُو القَنِيفُ
فإذا كَانَ أبْيَضَ، فَهُوَ المُزْنُ والصَّبِيرُ
فإذا كَانَ لِرَعْدِهِ صَوت، فَهُوَ الهَزِيمُ
فإذا اشتَدَّ صَوْتُ رَعْدِهِ، فَهُوَ الأجَشُّ
فإذا كَانَ بَارِداً ولَيْسَ فِيهِ مَاء، فَهُوَ الصُّرادُ
فإذا كَانَ خَفِيفاَ تُسْفِرُهُ الرِّيحُ، فَهُوَ الزِّبْرِجُ
فإذا كَانَ ذَا صَوْتٍ شَدِيدٍ، فَهُوَ الصَّيِّبُ
فإذا هَرَاقَ ماءَهُ، فَهُوَ الجَهَامُ (ويُقَالُ: بَلْ هُوَ الذِي لا مَاءَ فِيهِ).
__________________________
ـ[باتل]ــــــــ[17 - 01 - 2009, 12:32 م]ـ
بارك الله فيك أستاذتنا الفضلى.
كل هذه الأسماء للسحاب فقط إذن كيف حاله إذا صار مطرا؟:)
معلومات قيّمة لكن يعصب حفظها والتفريق بينها لتقارب المعنى اعتقد أن الحل لإدراكها الشواهد.
جزاك الله خيرا وتقبلي مروري.
ـ[أنوار]ــــــــ[17 - 01 - 2009, 12:44 م]ـ
شكراً أستاذة أحلام .. عهدنا التميّز رفيقاً لكم ..
معلومات جداً قيمة .. بورك الانتقاء ..
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[20 - 01 - 2009, 09:09 ص]ـ
الشكر أجزله للأستاذة التي دائما تتحفنا بما يفيد
ذكرتني" الجهام" -التي لا ماء- فيها بقول الشاعر:
ومن الخير بطء سيبك عني ... أسرع السحب في المسير الجهام
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[20 - 01 - 2009, 02:25 م]ـ
جزاكِ الله خير الجزاء أخيتي
أحلام معلومات قيمة للغاية
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[20 - 01 - 2009, 02:28 م]ـ
بارك الله فيك أستاذتنا الفضلى.
كل هذه الأسماء للسحاب فقط إذن كيف حاله إذا صار مطرا؟:)
معلومات قيّمة لكن يعصب حفظها والتفريق بينها لتقارب المعنى اعتقد أن الحل لإدراكها الشواهد.
جزاك الله خيرا وتقبلي مروري.
إذا صار مطراً فهو
ينقسم علميا إلى ثلاثة أقسام: ـ
وهذا كما ورد في القرآن الكريم ,
القسم الأول: {السحاب الطبقي} ـ
لا ينزل المطر من السحاب الطبقي إلا إذا كان قطعاً فوق بعضها وأخذ مساحة كبيرة (أي بُسط في السماء)، وهذا النوع من السحاب لا يصاحبه رعد ولا برق ولا صواعق .... ـ
يقول الله تبارك وتعالى: ـ
" اللهُ الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كِسفاً
فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون "
القسم الثاني: {السحاب الركامي} ـ
يأخذ هذا النوع من السحاب في مراحله الأولى شكل يكون أوسطه كثيف عن محيطه، ثم يتحرك نحو خط يسمى خط التجمع حيث يتم تجمع السحاب وتألفه مع بعضه وتتولد طاقة بسبب التكثف، ويبدأ في التراكم ... ـ
أما في المرحلة الثانية فيزيد التراكم حتى يصير شكل السحاب كالجبال، وهنا يكون السحاب الركامي قد تكون وينزل المطر المصحوب بالرعد والبرق، وبعد دراسات ضخمة تأكد العلماء أن البرق لا يتكون إلا في السحاب الذي على شكل جبال، والذي يكون فيه البرد وأن البرد هو سبب تكون البرق، وقد أثبتت البحوث أيضاً أن النظر للبرق المصاحب للمطر يؤدي إلى الإصابة بالعمى المؤقت للناظر ... ـ
يقول الله تبارك وتعالى: ـ
" ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله
وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء
يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار "
القسم الثالث: {السحاب المعصر} ـ
السحاب من هذا النوع لا ينزل منه المطر دفعة واحدة، بل ينزل متقطعاً في دفعات، وكل دفعة تأخذ فترة زمنية ويكون نزول الماء صباً، ويكثر هذا النوع في المناطق الاستوائية، وتجد الأشجار كثيفة، شديدة الخصوبة ومن كثافة الأشجار نجدها (ملتفة بعضها على بعض) ... ـ
يقول الله تبارك وتعالى: ـ
" وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً لنخرج به حباً ونباتاً وجنات ألفافاً "
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[باتل]ــــــــ[20 - 01 - 2009, 05:50 م]ـ
بارك الله فيك أخي نور الدين وجزيت خيرا على حرصك على الرد.
لكن ما أراه أنك مازلت تتحدث عن السحاب ولم يصر مطرا بعد.
وإليك أسماء المطر.
والرَّذاذ: السَّاكن الصَّغير القطر كالغبار.
والطَّلُّ: أخفُّ المطر وأضعفه.
الرَّشّ والطَّشّ: أول المطر.
والدِّيمة: المطر الذي يدوم أياماً في سكون بلا رعد وبرق.
والمُزْنَة: المطْرة ويطلق أيضا على السحاب.
والنَّضْح والبَغْش والدَّثُ والرَّكّ والرِّهْمَة: أقوى من الرذاذ.
والهَطْل والتَّهْتَان: المطر الغزير السُّقوط.
والغَيْث: الذي يأتي عند الحاجة إليه.
والحَيا: الذي يُحيي الأرض بعد موتها.
العُباب: المطر الكثير.
والوابِل والصَّنْدِيْد والجَوْد: المطر الضَّخم القطر الشَّديد الوقع.
والوَدْق: المطر المستمر.
وحَبُّ المُزن وحبُّ الغَمَام: البَرَد.
الحميم: المطر الصيفي العظيم القطر والشديد الوقع.
الوليّ: المطر بعد المطر.
(منقول ربما يحتاج إلى تدقيق)
الرياح عامل حاسم في تحريك السحاب ونزول المطر ننتظر اسمها في اللغة هي الأخرى.
ـ[أنوار]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 07:02 ص]ـ
بوركتما أخوي على هذه المعلومات الثرية ..
وإليكم أسماء الرياح وأنواعها:
البَليل: الريح الباردة ذات الندى.
الجَامِلة والدَّرُوج والنَّؤُوج: الريح السريعة المَرّ.
الجَنوب: التي تهبّ من نقطة الجنوب.
الحاصِبة والحَصْبَاء والحَاصِب: التي تجيء بالحصباء.
الحَرْجَف والحُرْجُوج: الريح الباردة الشديدة.
الحَرور والبَارِح: الريح الحارة.
الحَنون والمِهْدَاج: التي لها حنين"صوت".
الخَريق: الشديدة البرد التي تخترق الثياب.
السَّجْسَج ورَيْدَة ورَيْدَانَة: اللينة المعتدلة.
الرَّاعفة: الشديدة المطر.
السَّموم: الريح الحارة.
السَّمْهَج: الريح السَّهْلَة.
الصَّبَا: التي تهبّ من نقطة الشرق.
الصَّرْصَر والخازِم والعَرِيَّة: الريح الباردة.
العاصِف والهَيَج والنَّيْرَج والنَّوْرَج: الريح الشديدة.
اللواقِح: التي تلقّح الشجر.
العَقِيم: التي لا تقلع الشجر ولا تحمل المطر.
المُتَنَاوِحَة: التي تهبّ من جهات مختلفة.
النافخة: الريح التي تبدأ بشدّة.
النَّسِيْم: الريح بنفَس ضعيف.
النَكْباء: الريح التي وقعت بين ريحين.
المِعْجَاج والهَبْوَة: التي تثير الغبار.
الهَجُوم: الشديدة التي تقتلع الخيام.
الهَيْف والهَوْجَاء: الحارة التي تهبّ من جهة اليمين.
الشَّمْل والشَّمَل والشَّمَال: التي تهبّ من نقطة الشمال.
المِلاح: التي تجري بها السفينة وبه سمِّي الملاَّح ملاَّحاً.
الزوبعة: التي تهبّ من الأرض نحو السماء مثل الإعصار.
رَادَة: الريح الهوجاء التي تذهب بكلِّ الاتجاهات.
الإعصار: الريح التي تهبّ من الأرض إلى السماء كالعمود.
السَّينهوج والسَّيْهَج والسَّيْهَجَة والسَّهُوجوالسَّيْهُوج: الريح الشديدة.
الزَّعْزاعوالزَّعْزَع والزَّعْزَعَان: التي تحرّك أغصان الشجر بشدّة وتقتلع الأشجار.
والله أعلم ..
ـ[محمد نسيم علي]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 02:44 م]ـ
بوركت أختي الفاضلة
على هذا الإثراء الكبير
والتوضيح الغزير
لمعنى السحاب
ولكِ كل الشكر والتقدير(/)
التقديم والتأخير
ـ[اشواق جابر محمد]ــــــــ[13 - 01 - 2009, 01:23 م]ـ
السلام عليكم
لايخفى على دارس اللغة العربية ما للتقديم والتاخير من اهمية كبيرة على صعيد اللغة العربية، وقد حضي باستعمال كثير في كتاب الله المجيد القران فقد رعى القران جانب التقديم والتاخير بشكل كبير في كثيرمن الايات الكريمة ولكن لفتت انتباهي اية قرآنية تقدم اسم الوصي على اسم النبي في قوله تعالى على لسان السحرة (آمنا برب هارون وموسى) وقد راجعت كتب التفسير فوجدت انها توعز ذلك الى السياق الموسيقي للايات التي سبقت الاية المباركة والتي كانت تنتهي بالالف المقصورة وهو تحليل ممتاز لمراعاة القران لهذه الجنبة ولكني اتسآل (هل لهذا السبب فقط يقدم اسم وصي على اسم نبي؟) سؤال اطرحه راجية الاجابة مع الشكر
ـ[أحلام]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 06:06 م]ـ
الفاضلة أشواق
جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الهام ويمكن أن أضيف:
التقديم والتأخير
مما يدرس في علم المعاني البلاغي تقديم اللفظ وتأخيره، لم تقدم ولم تأخر؟ وهل يجوز عكس الوضع دون تغيير المعنى أو اختلاله؟ وهل التقديم في وضعه الطبيعي بتقديم العامل على المعمول (أي المبتدأ على الخبر، والفعل على الفاعل والمفعول) أو هو تقديم عكسي، وما الداعي لكل حالة؟ وما الذي تضيفه للكلام؟
وفيما يلي عرض بسيط لبعض تلك الأحوال:
تقديم المبتدأ: مما يفيده تقديم المبتدأ
1ـ تمكين الخبر في ذهن السامع: أحق الناس في الدنيا بعيب … مسيء لا يبالي أن يعابا
2ـ تعجيل المسرة: (النجاح حليفك)
3ـ بناء الفعل عليه: " إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين "
4ـ الدلالة على العموم: ما كل رأي الفتى يدعو إلى رشد … فإن بدا لك رأي مشكل فقفِ
تقديم الخبر: مما يفيده تقديم الخبر
1ـ قصر المبتدأ على الخبر أي إفادة التخصيص: " لا فيها غول ولا هم عنها يُنزفون "
2ـ التشويق: ثلاثة ليس لها إياب … الوقت والجمال والشبابُ
3ـ تأكيد الاهتمام به: " أفي الله شك؟ "
4ـ إبداء التعجب: " قال أراغب أنت عن آلهتي با إبراهيم "
تقديم المعمول على العامل
الأغلب فيه أن يكون لإفادة التخصيص وإبداء الاهتمام
وأوضح مثال عليه قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين "
قدم إيا وهو ضمير المفعول على الفعل نعبد والفعل نستعين، والمعنى: نخصك بالعبادة لا نعبد غيرك، ونخصك بالاستعانة، ولو كانت الآية هكذا (نعبد إياك) لاحتمل المعنى التوحيد واحتمل إشراك غيره معه أي نعبدك ونعبد غيرك، أو نعيدك كما نعبد غيرك
---------------------
ـ[زينب هداية]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 07:01 م]ـ
أنتظر مع الأخت أشواق إجابة شافية، (آمنّا بربّ هارون وموسى)، لماذا تقدّم اسم الوصيّ على اسم النّبيّ؟
و جزاكم الله خيرا.
ـ[محمد الدكر]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 07:43 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليك الاجابة عن سؤالك على هذا الرابط من برنامج لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائي جزاه الله كل خير
http://www.youtube.com/watch?v=hTe6MC1Xho8
ـ[أحلام]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 08:38 م]ـ
إن ّالتقديم والتأخير أولاً للعلم ليس بالضرورة أن يتقدم من هو الأفضل أو ما هو أفضل وقد يتقدم المفضول بحسب السياق ويتأخر ما هو أفضل ليس بالضرورة أن يتقدم الأفضل إنما السياق يحدد. بالنسبة لهارون وموسى وموسى وهارون ذكرناها في أكثر من مناسبة في سورة طه قدم هارون على موسى (هَارُونَ وَمُوسَى) وفي الشعراء (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ). وقسم ذهبوا إلى أنه قدم موسى على هارون في طه لتواصل الفاصلة القرآنية باعتبار أن سورة طه أغلب آياتها في الألف (الفاصلة القرآنية) وفي الشعراء هي هكذا. الحقيقة في هاتين السورتين نلاحظ في سورة طه تكرر ذكر هارون كثيراً وجعله الله تعالى شريكاً لموسى في التبليغ ولم يذكر هذا في الشعراء. على سبيل المثال في طه قال (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ
(يُتْبَعُ)
(/)
قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)) كلها بالتثنية (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)) حتى خطاب فرعون كان لهما على سبيل التثنية (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)، قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)) في الشعراء مرة قال (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)) فقط والباقي كل الكلام مع موسى والخطاب موجه إلى موسى (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)) (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)) لم يقل ساحران. هنالك أمر آخر في طه ذكر خوف موسى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)) لكن لم يذكر أن هارون خاف موسى هو الذي خاف نحن لا نعلم إذا خاف هارون لكنه لم يذكرها وذكر خوف موسى. عندنا تقديم وتأخير، في حالة الخوف يقدّم هارون على موسى وفي حالة عدم الخوف قدم موسى على هارون إضافة إلى السياق إذن الحالتين ليستا متماثلتين. موسى خاف في سورة طه (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)) قدم هارون على موسى لأن موسى هو الذي خاف فأخّر الخائف.
*هل يجوز أن نقول أن للفاصلة القرآنية دخل في هذا التقديم والتأخير؟
- نحن لا ننكر، لكن لا ينبغي أن نقول نقصره على الفاصلة القرآنية لأنه أحياناً القرآن يضرب الفاصلة القرآنية إذا اقتضى الأمر (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)) (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)) ليس فيها مراعاة للفاصلة وكثيراً في القرآن لا ينظر إلى الفاصلة القرآنية.
هناك في قصة السحرة الذين جاء بهم فرعون مرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) ومرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه) فعندنا سبعين ساحراً منهم من قال (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) ومنهم من قال (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) قال بعض المفسرين أن الله تعالى حتى ينقل لنا الصورة كاملة نقلها بهذين الشكلين حتى يأتي لنا بالصورة كاملة لأنه ليس كل السحرة قالوا نفس القول؟ جمع الله تعالى الآيتين فأعطانا الصورة كاملة عما قاله السحرة.
عن الدكتور: فاضل صالح السامرائي
ـ[باتل]ــــــــ[15 - 01 - 2009, 11:29 ص]ـ
(قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء)
ومرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه)
كانت هناك مسألة جدل من خصوم الإسلام قالوا ماذا قال السحرة بالضبط؟ أقالوا الأولى أم الثانية؟
ولك أن تتصور جمهرة السحرة الذين حضروا المعركة، فكان رؤساؤهم وصفوتهم سبعين ساحرا، فما بالك بالمرؤوسين؟
إذن: هم كثيرون (1)،فهل يعقل مع هذه الكثرة وهذه الجمهرة أن يتحدوا في الحركة وفي القول؟ أم يكون لكل منهم انفعاله الخاص على حسسب مداركه الإيمانية؟
لاشك أنهم لم يتفقوا على قول واحد فمنهم من قال (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه)
كذلك كان منهم سطحي العبارة فقال (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) ولم يفطن إلى أن فرعون قد ادّعى الألوهية وقال أنا ربكم الأعلى فربما يفهم من قوله (رب موسى وهارون48) الشعراء. أنه فرعون، فهو الذي ربى موسى وهو صغير.
وآخر فطن إلى هذه المسألة فكان أدق في التعبير وأبعد موسى عن هذه الشبهة فقال (أمنا برب هارون وموسى 70) طه.
وجاء أولا بهارون الذي لا علاقة لفرعون بتربيته ولا فضل له عليه ثم جاء بعده بموسى.
إذن: هذه أقوال متعددة ولقطات مختلفة لمجتمع جماهيري لا تنضبط حركاته، ولا تتفق تعبيراته، وقد حكاها القرآن كما كانت، فليس لأحد بعد ذلك أن يقول إن كان القول الأول صحيحا فالقول الآخر خطأ أو العكس.
وما أشبه هذا الموقف الآن بمبارة رياضية يشهدها الآلاف ويعلقون هليها ترى أتتفق تعبيراتهم في وصف هذه المبارة؟
نقول إذن تعددت اللقطات وتعددت الأقوال للقصة الواحدة لينقل لنا القرآن كل ما حدث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اختُلف في عدد السحرة. قال محمد بن كعب: كانوا ثمانين ألفا. وقال القاسم بن أبي برة: كانوا سبعين ألفا. وقال السدى: بضعة وثلاثين ألفا. وقال كعب الأحبار: كانو اثني عشر ألفا. وعن ابن عباس: كانت السحرة سبعين رجلا. (أورد هذه الأقوال بن كثير في تفسيره)
(منقول من تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله)
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[اشواق جابر محمد]ــــــــ[27 - 01 - 2009, 07:18 م]ـ
الاستاذة الفاضلة احلام السلام عليكم اشكرك جزيل الشكرعلى المعلومات القيمة التي رفدتني بها واتمنى منك المزيد يا استاذتي العزيزة
ـ[اشواق جابر محمد]ــــــــ[23 - 05 - 2009, 11:38 ص]ـ
الاخ باتل المحترم جزيل الشكر لكم على هذه الاجابة الرائعة والتواصل
ـ[فتحي لزهر]ــــــــ[25 - 05 - 2009, 10:08 م]ـ
تحية طيبة وبعد: أشكرالجميع على خدمة الأمةالاسلامية العربية باللغة متمنيا المزيد من العمل في الميدان والله الموفق. ومن الجانب العلمي المتبادل بين أفراد الأمة وفي إيطار البحث العلمي أتوجه إلى كل من لديه مقالات أوكتب تتحدث على "الرتبة النحوية"أن يوافينا بها من أجل إتمام البحث والله لايضيع أجر المحسنين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(/)
خصائص من كلام العرب
ـ[أحلام]ــــــــ[13 - 01 - 2009, 08:41 م]ـ
خصائص من كلام العرب
- للعرب كلام تَخُصُّ به معاني في الخير والشَّرِّ وفي الليل والنهار وغيرهما فمن تلك التتابع والتَّهافُت لا يكونان إلا في الشَّرِّ.
وهاج الفحل، والشَّر، والحرب، والفتنة. ولا يُقال: هاج، لِما يؤدي إلى الخير.
وظَلَّ يفعل كذا، إذا فعله نهارا، وبات يفعل كذا، إذا فعله ليلا.
والتَّأويب: سير النَّهار لا تَعْريج فيه.
والإسْئادُ: سيرُ الليل لا تَعريس فيه.
ومن ذلك قوله تعالى: "فَجَعَلْناهُمْ أحاديثَ" أي مَثَّلنا بهم، ولا يُقال: جُعِلوا أحاديثَ إلا في الشَّرِّ.
ومن ذلك: التأبين: لا يكون إلا مدحا للميت.
والمساعاة: لا تكون إلا للزنا بالإماء، دون الحرائر.
ويُقال نَفَشَتِ الغَنَمُ لَيلاً، وهَمَلَتْ نهاراً.
وخُفِضَتِ الجاريةُ، ولا يُقال: خُفِضَ الغُلام.
ولَقَمَهُ بِبَعْرَةٍ إذا رماه بها، ولا يُقال ذلك لغيرها
-------------------------
ـ[السراج]ــــــــ[22 - 01 - 2009, 06:58 ص]ـ
إنها اللغة التي تسحرنا دائما بدقتها في التعبير عن المعاني وبتحديد الألفاظ الملائمة للمعنى المطلوب بضبط ورسم رفيع ..
شكرا لك
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[22 - 01 - 2009, 09:03 ص]ـ
أحسنتِ -أخت أحلام - وأنت دائما متميزة في انتقاءاتك
فيما يتعلق بالفعل هاج: هاج الفحل، هاج الشر، ولا يُستخدم للخير، فقد نُوقشت هذه المسألة في المنتدى اللغوي وأوردها الأستاذ عامر مشيش، وعلّقتُ عليها عندما استخدمها أحمد شوقي في البيت:
ورب حديث خير هاج خيرا ... وذكر شجاعة بعث الشجاعا
ولم يكن استخدام الفعل مع الخير مستساغا
جزاك الله خيرا
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[22 - 01 - 2009, 09:04 ص]ـ
وقفات دقيقة منك أختي الكريمة د. أحلام جزاك الله خيراً، وخير مانستشعد به بناء المجهول في القرآن هذه الآية {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} الجن 10
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[22 - 01 - 2009, 03:32 م]ـ
فمن تلك التتابع والتَّهافُت لا يكونان إلا في الشَّرِّ.
جميل ما سطرتِ أختنا أحلام، وقد توقفت كثيراً عند العبارة السابقة، و حاولت أن أقف على معنى التتابع فلم أجد ما يروي فؤادي بل وجدت عبارة زادت حيرتي يقول في اللسان:
والتَّقادُعُ: التَّتابُع والتهافت في الشر، وفي الصحاح: في الشيء
فلما نص على الشر، و لما أعقب بالشيء أشكل عليَّ.
بارك الله فيكم(/)
مساعدة
ـ[عنفوان الصبا]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 02:13 ص]ـ
عندي اسئلة بخصوص البلاغة واجو منكم الاجابة
1 - كيف القرار على الارزاء في بلدي
أن السفينة في الامواج تضطرب
2 - سألت الدياجي عن اماني شيبتي
فقالت ترامتها الرياح الجوانب
استخرجي الصور الفنية من الابيات وبين نوعها
السؤال الثاني
استخرج الاسلوب الانشائي من الابيات والغرض منها
1 - الم ترى ان القول المخلص يخلص لصدقه
وتأبي فما تركو لباغ بواطله
\استخرج المحسن البديعي من الجمل التاليه
1 - صديق في العلانيه وعدو في السر
2 - الصديق من وعد وفي ومن اعان كفى
اجيب عما هو مطلوب بين القوسين
جلبه (ترادف)
شمائل (مفرد)
اغلب (مؤنث)
خالصه (تضاد)
اتمنى احدكم يجب على الاسئلة
وموفقين لكل خير ان شاء الله
ودعواتي لكم بالخير
ـ[باتل]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 12:35 م]ـ
أعتقد أن الأسئلة واجب منزلي
ولأنّني لست ضليعا بالعربية سأجيب ولكن لا تعتمدي على إجابتى إذا كانت بالفعل واجبا منزليا لكن اسعى وحاولى تقنينها بنفسك.
السؤال الأول:
1ـ تشبيه تضميني
2 - استعارة مكنية
السؤال الثاني:
1 - أسلوب استفهام غرضه التقرير
2 - مقابلة تفيد توضيح المعنى وتأكيده
3 - سجع بين (وفى وكفى) يحدث جرسا موسيقيا يطرب الاذن ويجذب الانتباه.
السؤال الثالث:
1 - ضجيج
2 - شِمَال
3 - غلباء
4 - (كاملة) وقد يتغير هذا المضاد حسب السياق.
أكرر هذه إجابات لا يعتمد عليها لانها بالتأكيد تحتوي على أخطاء وفقك الله أختى.
ـ[عنفوان الصبا]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 02:01 م]ـ
اخي الكريم هذا ليس واجب منزلي
وانما اريد مامدى رؤية الاخر للابيات وهل يضفي عليها شئ وانما وضعتها لكي اتقوى من اجوبتكم
اضرب الرأي بالرأي لكي يتولد الصحيح
وشكرا للمرورك
ورؤيتك الباصرة لها
ـ[باتل]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 08:45 م]ـ
جُزيتِ الجنة أختي الفاضلة.
ننتظر اساتذتنا لإثراء المشاركة.
أشكلت علي مؤنث (أغلب) هل هو غلبا أم غلباء. وما الفارق؟
أقصد هل (أفعل فعلى) و (أفعل فعلاء) سماعي أم قياسي؟
معذرة كان الأفضل للسؤال قسم النحو لكن طرحته بحكم السياق للأسئلة.(/)
من يحقق لى أمنيتى فى الحياة؟
ـ[ابو حذيفة السلفى]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 03:19 م]ـ
اتمنى اْن اْكون فصيحا بليغا فما هى الطرق العملية الى ذلك؟
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 10:46 م]ـ
والله ما وجدت مثل كتاب الله مقوما للسان مصوبا للخطأ مهذبا للنطق، فالزمه قراءة وحفظا.
ثم حفظ أحاديث من قال عن نفسه" أنا أفصح العرب بيد أني من قريش" صلى الله عليه وسلم.
ثم عليك بتعلم النحو
ثم حفظ جواهر الأدب من خطب الفصحاء خاصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وحفظ عيون الشعر العربي.
متمنين لك التوفيق
ـ[باتل]ــــــــ[15 - 01 - 2009, 06:39 م]ـ
وفقنا الله وإياك أخي أبي حذيفة لفصيح القول وبلاغته.
جزيت خيرا أخى طارق إجابتك جامعة مانعة.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[15 - 01 - 2009, 07:11 م]ـ
والله ما وجدت مثل كتاب الله مقوما للسان مصوبا للخطأ مهذبا للنطق، فالزمه قراءة وحفظا.
ثم حفظ أحاديث من قال عن نفسه" أنا أفصح العرب بيد أني من قريش" صلى الله عليه وسلم.
ثم عليك بتعلم النحو
ثم حفظ جواهر الأدب من خطب الفصحاء خاصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وحفظ عيون الشعر العربي.
متمنين لك التوفيق
بارك الله فيك يا طارق، نعم إجابة جامعة مانعة.
واسألني أنا فكلما أكثرت من قراءة القرآن ومراجعته كلما سال لسانك بالفصاحة وقت القراءة، فلا تُتعتع ولا تتوقف ولا تتلكلك.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[15 - 01 - 2009, 09:53 م]ـ
جزى الله الجميع خيرا
وأدعو لأخينا أبي حذيفة تحقيق ما تمناه
ـ[ابو حذيفة السلفى]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 03:25 م]ـ
جزاك الله خيرا وأحسن إليك أخى الحبيب طارق على هذه النصيحة الغالية
أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم والعمل(/)
إنك أنت العزيز الحكيم
ـ[هاني السمعو]ــــــــ[15 - 01 - 2009, 10:41 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
((إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم))
عندما يقرأ أحد منا هذه الآية الكريمة ويصل لقوله تعالى ((وإن تغفر لهم)) فيظن الواحد منا أن سيدنا عيسى عليه السلام سيقول إنك الغفور الرحيم فلماذا قال ((إنك أنت العزيز الحكيم))؟؟؟؟؟
ـ[أحلام]ــــــــ[15 - 01 - 2009, 08:07 م]ـ
*الاخ الفاضل هاني السمعو جزاك الله خيراً
أورد لكم ماأجاد به الدكتور فاضل صالح السامرائي:
(وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم): ما اللمسة البيانية في هذه التركيبة اللغوية؟ لمَ لم يقل فأنت العزيز الحكيم؟
الضمير أنت هنا يسميه علماؤنا ضمير الفصل فيه معنى التأكيد لكن هو حقيقة المجيء به قالوا للفصل بين الخبر والصفة لأن أحياناً أنت تقول زيدٌ الكريم قادمٌ، كأن هناك زيد كريم وزيد بخيل فلو قلت زيد الكريم ووقفت لا يعلم السامع أنت تصف أم تُخبِر؟ سيكمل الكلام بعد ذلك؟ سيتم بمجيء خبر؟ فحتى يفرقوا: إذا قلت زيد هو الكريم إنتهى الكلام ولا ينتظر منك السامع أن تُكمل. (هو) فصلت بين الخبر والصفة. أن هذا خبر وليس نعتاً (لما تفصل لا ينتظر منك السامع إستكمال الكلام). زيد هو الكريم (الكريم خبر): (هو) ضمير فصل لا محل له من الإعراب أي لا يكون في موضع رفع ولا نصب ولا جرّ. (أنت) ضمير فصل للتأكيد. (فإنك أنت العزيز الحكيم) أنت: ضمير فصل فيه معنى التأكيد أي أنت وليس سواك، أنت دون غيرك.
أنت: هنا ضمير فصل فيه معنى التأكيد (فإنك أنت العزيز الحكيم) كأن فيه معنى الحصر، العزة والحكمة منحصرة في أنك سبحانك عما يصف الظالمون. (فإنك أنت العزيز الحكيم) ضمير فصل ويقال ليس له محل من الإعراب. ولا يعني لا محل له من الإعراب أي لا فائدة منه كما هو شائع بين الناس ولكن بمعنى أنه لا نقول في محل رفع أو في محل نصب أو في محل جرّ. عندما تقول (فإنك أنت) الكاف لها محل من الإعراب في محل نصب لكن كلمة (أنت) لا نقول في محل رفع أو نصب أو جر مثل الجملة الإبتدائية. لما تقول زيدٌ مجتهد: مبتدأ وخبر والجملة لا محل لها من الإعراب. يعني ما تستطيع أن تقول والجملة في محل رفع أو في محل نصب أو في محل جر. (لا محل له من الإعراب) الكثير يفهمه أنه ليس له معنى وشائع هذا الإستخدام في العاميّة: نقول: كلامك لا محل له من الإعراب بمعنى أنه لا فائدة منه. ولكن معناه أنه لا تستطيع أن تقول وهو في محل رفع أو في محل نصب أو في محل جر ولكن له فائدة في الجملة وكما رأينا هنا فيه فائدة التوكيد بل أكثر من ذلك حتى يشعر بمعنى الحصر.
*لماذا لم يقل في الآية مثلاً: فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت الله أو الإله أو الرب؟
لا يستقيم عند ذلك لأن الإله بمعنى المعبود. ما علاقة كلمة المعبود بمغفرة جُرم عظيم؟ (فإنك أنت الله) ما علاقة هذا بمادة الحديث؟ فإنك أنت الله: هو لا يريد هذا فقط وإنما هو يريد أن يبين أن جُرمهم عظيم لا يقضي فيه إلا عزيز حكيم فلا يستقيم سوى كلمة العزيز الحكيم مع هذا الجُرم الذي تحدث فيه عن مغفرة. الذي يقضي بالمغفرة. لم يشأ أن يقول الغفور الرحيم لأنه عند ذلك سيقربهم إلى الغفران وهو لا يريد أن يتدخل في هذا الموضوع بهذا القدر. وإنما مجرد الإشارة أنه هناك مجال للمغفرة والذي يغفر عزيز حكيم عزّ فحكم. هذا الذي يقضي في مثل هذا الجرم العظيم لأن جرمهم ليس سهلاً. ولو قال مثلاً: إن تعذبهم فهم يستحقون هذا العذاب، يفوت معنى العبودية. (فإنهم عبادك) يريد أن يذكر ذلك أنهم عباد لك صحيح أن السيد يتصرف بشأن العبيد ومع ذلك فيه إشارة وإلماح إلى هذا الإرتباط أنهم عبادك.
* (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ (116) المائدة) الله تعالى يعرف إن كان عيسى قد قال هذا الكلام أم لا فما دلالة السؤال؟
رب العالمين يعلم كل شيء لكن التقرير لما يتعلق به المحاسبة والجزاء. حتى لو كان يعلم لماذا يحاسب ربنا العباد؟ يحاسبهم ليتعلق بهم الجزاء الأمور لا توكل إلى علمه حتى يقيم الحجة، كيف يقيم الحجة غير بالمحاسبة. السؤال هنا استفهام أأنت فعلت كذا؟ حتى يقيم الحجة عليه أو له وهذا إستفهام غرضه تقرير يقرره بذلك. هو لم ينكر عليه ما ليس فاعله لأنه يعلم. هذا السؤال يتكرر كثيراً في القرآن الكريم غرضه البلاغي التقرير وقد يكون للتعجب أو الإنكار أو التقرير. (ألم نشرح لك صدرك) هذا استفهام غرضه التقرير، (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) المرسلات) والمسؤول يعلم، الإستفهام في اللغة نفهمه في سياق الدلالات الخاصة به ما غرضه؟ وقد يكون للتعجب (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ (72) هود) هذا استفهام غرضه التعجب.
اللمسة البيانية في السؤال هو أن هنالك من قال هذا الكلام يبقى من قال؟ أأنت قلت أم غيرك؟ قيل هذا الكلام يبقى من قاله أأنت قلته أم غيرك؟ ليس السؤال شك في المسألة قيل أم لم يُقل، لكن المسألة عن القائل. لم يكن عيسى عليع السلام هو القائل حتى يقيم الحجة له.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[هاني السمعو]ــــــــ[15 - 01 - 2009, 09:16 م]ـ
ما شاء الله بارك الله فيك (بنت البلد) وجزاك الله كل خير
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[15 - 01 - 2009, 10:01 م]ـ
أحسنتِ نقلا أخت أحلام وجزاك الله خيرا لإجلاء هذه المسالة(/)
أريد المعنى فقط لهذا البييت ضرورى
ـ[أحمد أبو فهر]ــــــــ[16 - 01 - 2009, 09:38 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد معنى لهذا البيت
فأنا لم أصل لمعناه
البيت
(أخجلتها بالعتب حتى جعلتها تميط الثريا بالهلال عن البدر)
أرجوكم ضروري جدا
ـ[أحمد أبو فهر]ــــــــ[20 - 01 - 2009, 04:58 م]ـ
أين المساعدون؟
أريد ولو المعنى الإجمالى؟(/)
اتمنى اعطائي الشواهد البلاغية في هذه الآية ......
ـ[محمدين]ــــــــ[16 - 01 - 2009, 10:17 م]ـ
اتمنى ممن يقرأ موضوعي ولديه الجواب أن يجيبني على سؤالي
أريد الشواهد البلاغية في قوله تعالى {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبي يقولن إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيراً} سورة الاحزاب اية (12)
اتمنى أن أجد الجواب عاجلا حيث اني طالب في مرحلة الماجستيرواننا الان في
ايام اختبارات وقد شل تفكيري تماما من المذاكرة واتمنى المساعدة ممن لدية الجواب الكافي
جزاكم الله خير الجزاء مقدماً
اخوكم محمدين
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 01 - 2009, 08:42 ص]ـ
وجزاك خير الجزاء.
هذه بعض الملاحظات التي تحتاج مزيد مراجعة:
وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض:
استحضار للصورة بإيراد المضارع عوضا عن الماضي، فالقياس في: "إذ" إضافتها إلى الماضي: وإذ قال، ولكن لما كان الأمر مهيبا، والنعمة عظيمة بجلاء الأحزاب، ذكر الله، عز وجل، المؤمنين، لحظات الشدة، وكأنها رأي عين، إمعانا في الامتنان عليهم بزوالها، فإن النفس إذا استحضرت ما كانت فيه من البلاء بعد حصول العافية كان ذلك أبلغ في الشكران.
وقد يكون ذلك لغرابة الشيء وخروجه عن حد المألوف كما في:
قوله تعالى: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي)، والقياس: وإذ خلقت، ولكنه أمر معجز يستحق الاستحضار عند تأمله فجيء بصيغة المضارع.
ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً: قصر بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء: وذلك مئنة من عظم تكذيبهم حتى حملهم ذلك على إنكار موعود الله، عز وجل، بالنصر، بهذا الأسلوب القاصر الحاصر، ونكرت: "غرورا" للتعظيم، فظنهم بالله، عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد ساء حتى اعتقدوا أن وعده ما هو إلا غرور عظيم. وذلك حال المرجفين في كل زمان في أي فتنة تقع، ولعل نازلة "غزة" في هذه الأيام قد كشفت كثيرا من أولئك المنافقين فلسان حالهم لسان مقال أسلافهم.
وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم:
قد يقال بأن في النداء بـ: "يا" وهي أداة نداء البعيد استرعاء لانتباه السامع، فهو يلبسون زي الناصح المتعقل ذي الرأي الأصيل والعقل الراجح ككثير من المتخاذلين في زماننا، ووصف: "أهل يثرب" فيه نوع تأليف لقلب السامع إذ نادوهم بوصف مشترك، والاشتراك مظنة الائتلاف، فلم ينادوهم بوصف الإيمان، إذ هم منه براء.
فارجعوا: بعد ارتداء زي الناصح جاء أمر الإرشاد، وهو في حقيقته: إهلاك لمن أطاعه وخذل الدين وأهله.
ويستئذن فريق منهم النبي:
صيغة المضارع تدل أيضا على استحضار الصورة.
يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة:
بيان لإجمال استئذانهم، فورد مجملا لتتشوف النفس إلى بيانه ثم عقب بالبيان، فاستئذانهم في حقيقته ما هو إلا هروب بحجة صيانة البيوت والعورات، تماما كما يحتج المتخاذلون اليوم بالحرص على: "الأمن القومي" فيوالون أعداء الملة للحفاظ على أمنهم الشخصي وعروشهم الورقية بحجة صيانة مقدرات الأمة!!!!.
وفي طباق السلب بين: إثبات العورة في قولهم والتعقيب بنفيها: "وما هي بعورة": مزيد بيان لكذبهم وزيف ادعائهم.
إن يريدون إلا فراراً: قصر آخر بأقوى أساليبه، فيه النص على حقيقة نواياهم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[هاني السمعو]ــــــــ[17 - 01 - 2009, 09:17 ص]ـ
ما شاء الله تبارك الله كل الشكر لك أخي مهاجر للتحليل البلاغي الجميل الذي زينته بإسقاط على واقعنا فما أروعك وما أبلغك!!!
ـ[محمدين]ــــــــ[19 - 01 - 2009, 12:02 ص]ـ
الأخ العزيز الفصيح مهاجر بعد السلام عليكم
أشكرك جزيل الشكر على هذه الدررالرائعة التي تنم عن ذائقة بلاغية أكثر من رائعة
وألتمس منك العذر لتأخري في تقديم الشكر لك إذ أنني لم أنتهي من الاختبار إلا بعد عشاء
هذا اليوم
فجزاك الله عني خير الجزاء ورحم الله والديك
ـ[محمد سعد]ــــــــ[19 - 01 - 2009, 12:19 ص]ـ
الأخ العزيز الفصيح مهاجر بعد السلام عليكم
أشكرك جزيل الشكر على هذه الدررالرائعة التي تنم عن ذائقة بلاغية أكثر من رائعة
وألتمس منك العذر لتأخري في تقديم الشكر لك إذ أنني لم أنتهِ من الاختبار إلا بعد عشاء
هذا اليوم
فجزاك الله عني خير الجزاء ورحم الله والديك
جزاك الله خيرا ولو جاء شكرك متأخرًا(/)
مساعدة جزاكم الله خيرا
ـ[إبنة أبيها]ــــــــ[18 - 01 - 2009, 11:32 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
ارجوكم اريد شرح للتشبيه لا سيما انواعه وبالتفصيل فإمتحاناتي على الأبواب وأنا لا أفهم شيئا ( ops
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[18 - 01 - 2009, 11:36 م]ـ
مرحبا بك أختي الكريمة
ستجدين ذلك هنا:
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=17465
ـ[إبنة أبيها]ــــــــ[20 - 01 - 2009, 10:54 م]ـ
اخي الاديب اللبيب شكرا لك ولكن انا:
وجدت غرض لكني مع ذلك لم افهم فهو لم يوضح كثيرا انا اريد ان يكون الشرح مدعما بالامثلة اكثر
وطلبي هو انواع التشبيه مع الامثلة والشرح
وجزاكم الله كل خير(/)
الأرض والجبال
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[18 - 01 - 2009, 11:33 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت قول الله تعالى:
(أفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ {20}
فلفت نظري ذكره تعالى للجبال ثم ذكره للأرض ودعوته إلى التأمل فيهما وإن كانت الدعوة أن نتأمل كيف نصب الجبال وكيف بسط الأرض لكن أليست الجبال من الأرض؟
وقد ذكر الله تعالى الجبال فاصلا بينها وبين الأرض في عدة آيات منها قوله تعالى:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} الأحزاب72
وقوله تعالى:
{وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} الحاقة14
وقوله تعالى:
{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً} المزمل14
وقوله تعالى:
{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً} مريم90
وقوله تعالى:
(إذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً {4} وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً {5}
فما وجه الفصل بين الأرض والجبال؟ وهل الجبال من الأرض؟
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 01 - 2009, 08:35 ص]ـ
مرحبا أخي عامر.
هل يكون من باب عطف الخاص على العام: حيث قدمت الأرض، والعام على الخاص حيث قدمت الجبال عناية بشأنها إذ هي أوتاد الأرض؟.
والله أعلى وأعلم.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[19 - 01 - 2009, 02:13 م]ـ
مرحبا أخي عامر.
هل يكون من باب عطف الخاص على العام: حيث قدمت الأرض، والعام على الخاص حيث قدمت الجبال عناية بشأنها إذ هي أوتاد الأرض؟.
والله أعلى وأعلم.
أحسنت أخي مهاجر هي كذلك
فإذا ذُكر الخاص (الجبال) بعد العام (الأرض) فإنه للتنبيه على فضل الخاص،
وإذا ذُكر العام (الأرض) بعد الخاص (الجبال) فإنه لإفادة العموم مع العناية بشأن الخاص.
لا عدمت نظرك أخي عامر.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[19 - 01 - 2009, 06:10 م]ـ
شكرا لحبيبيّ
لم أذهب إلى ما ذهبتما إليه ولا أراه كما تقولان إلا في قوله تعالى:
{وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} الحاقة14
فهذا ذكر الخاص بعد العام وكذلك في قوله تعالى:
{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً} المزمل14
لاشتراكهما في الفعل.
وأرى وأنا قاصر النظر أن الجبال ليست من جنس الأرض قال تعالى:
{وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} النبأ7
وبعد البحث على الشبكة العنكبية قرأت أن العلماء توصلوا إلى أن طبقة الجبال مختلفة عن القشرة الأرضية وأكبر من هذا آيات القرآن الكريم التي تتلى وكلها فصلت بين الأرض والجبال فمنها يتبين أن الجبال ليست من الأرض وأنها خلق وحدها ولعلها خلقت بعد الأرض مباشرة وألقيت على الأرض أوتادا ورواسي كما يضرب الوتد بالأرض وهذا هو الهدف من خلقها قال تعالى:
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} لقمان10
وهذه الرواسي هي الجبال ولو تأملنا قوله تعالى (ألقى) لوجدنا الكلمة تكررت في قوله تعالى:
{وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} الحجر19
وقوله تعالى:
{وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} النحل15
وقوله تعالى:
{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} ق7
وقد قال تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الرعد3
وقال تعالى:
{وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} الأنبياء31
وقال تعالى:
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} فصلت10
وكل الآيات السابقة توحي والله أعلم بأن الجبال ليست من الأرض ولا من جنسها؛ ولهذا لم ينسب الله الجبال إلى الأرض كما أضاف السهول إليها في قوله عز وجل:
{وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} الأعراف74
وكذلك حين تقوم الساعة تنسف الجبال وتسير وتبس وتدك قال تعالى:
{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} الكهف47
وقال عز وجل:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً} طه105
وقال سبحانه:
{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً} الواقعة5
فتزول هذه الرواسي وتكون قاعا صفصفا وترى الأرض بعد ذلك مستوية وعليها يحشرالناس.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[19 - 01 - 2009, 10:50 م]ـ
جهد تُشكر عليه أخي عامر، وقراءة جميلة جديدة بالنسبة إليّ،
الجبال ليست من جنس الأرض
ولكنها من ضمن الأرض، فمعروف أن الدنيا:
سماء، وأرض، وبحار.
والله أعلم.
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[20 - 01 - 2009, 03:33 ص]ـ
ورد في تفسير الطبراني:
(وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ)
يَقُولُ: وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ أُقِيمَتْ مُنْتَصِبَةٌ لَا تَسْقُطُ، فَتَنْبَسِطُ فِي الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهَا جَعْلُهَا بِقُدْرَتِهِ مُنْتَصِبَةً جَامِدَةً، لَا تَبْرَحُ مَكَانَهَا، وَلَا تَزُولُ عَنْ مَوْضِعِهَا.
وَقَدْ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) تَصَاعَدُ إِلَى الْجَبَلِ الصَّيْخُودِ عَامَّةَ يَوْمِكَ، فَإِذَا أَفْضَيْتَ إِلَى أَعْلَاهُ، أَفْضَيْتَ إِلَى عُيُونٍ مُتَفَجِّرَةٍ، وَثِمَارٍ مُتَهَدِّلَةٍ ثُمَّ لَمْ تَحْرُثْهُ الْأَيْدِي وَلَمْ تَعْمَلْهُ، نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ، وَبُلْغَةُ الْأَجَلِ.
وإني أرى بصفة شخصية أن الجبال ليست من جنس الأرض
ولكنها نسبت إلى الأرض بدليل أنها عليها وهذا إن دلَّ
يدل على شىء واحد عظمة الخالق في تسخير الأشياء
مع اختلاف عناصرها واختلاف ألوانها حتى أن الإنسان
نفسه لم يكن من الأرض في شىء فقد كان يسكن الجنة
ولكن الأرض متشاركة فيه بإذن الخالق فهو من طينتها
والروح من روح الله وهذا أيضاً كله يدل على أن خلائق
الله جميعها تتشارك في بعض العناصر وتتشابه في بعضها,
والجبال من بين هذه الأشياء التي خُلقت وزينت من قبل
البارىء المصور.
بورك فيك أخي عامر صورٌ جميلة وفهماً دقيقاً لم في الكون من جمال
سُبحان الله وبحمده سُبحان الله العظيم.
بورك فيك أيها الأخ المعطاء وكل من مر هُنا
ـ[القيصري]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 05:38 م]ـ
الجبال من الأرض ولم تلقى على الأرض أوتادا بهذا المعنى، سأفصل ذلك لاحقا فالموضوع ضمن اختصاصي
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 06:04 م]ـ
الجبال من الأرض ولم تلقى على الأرض أوتادا بهذا المعنى، سأفصل ذلك لاحقا فالموضوع ضمن اختصاصي
حياك الله يا دكتور
سننتظرك بلهفة(/)
أوصاف الحزن في اللغة العربية
ـ[أحلام]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 12:41 ص]ـ
أوْصَافِ الحُزْنِ
الكَمَدُ حُزْنٌ لا يُسْتَطَاعُ إمْضَاؤُهُ
البَثُّ أشَدُّ الحُزْنِ
الكَرْبُ الغَمُّ الّذي يَأْخُذُ بالنَّفْسِ
السَّدَمُ هَمّ في نَدَم
الأسَى واللَّهَفُ حزْن على الشَّيءِ يَفُوتُ
الوجوم حزْن يُسْكِتُ صَاحِبَهُ
الأسَفُ حُزْن مَعَ غَضَبِ. ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ولمَّا رَجَعَ مُوسَى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أسِفاً}
الكآبَةُ سُوءُ الحَاَلِ والانْكِسَارُ مَعَ الحُزْنِ
التَرَح ضِدُّ الفَرَحَ.
------(/)
من سنن العرب!
ـ[أحلام]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 01:04 ص]ـ
فيما ظاهره أمر وباطنه زجر
- هو من سنن العرب، تقول العرب: إذا لم تَستَحِ فافعل ما شِئتَ. وفي القرآن: "افعَلوا ما شِئتُم"، وقال جلّ وعلا: "ومن شاء فَلِيَكفُر".
وفي الحمل على اللفظ والمعنى للمجاورة- العرب تفعل ذلك، فتقول: هذا حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. والخرب نعت الحُجر لا نعت الضبِّ ولكن الجوار عمل عليه، كما قال امرؤ القيس:
كأن ثبيراً في عَرانين وَبلِهِ * كبيرُ أناسٍ في بِجاد مُزَمَّلِ
فالمُزَمَّل: نعت الشيخ لا نعت البِجاد، وحقه الرفع ولكن خفضه للجوار، وكما قال آخر:
يا ليت شَيْخَكِ قد غَدا * مُتَقلِّدا سَيفا ورُمحا
والرُمح لا يُتَقَلَّد، وإنما قال ذلك لمجاورته السيف. وفي القرآن: "فأَجْمِعوا أمْرَكُم وشُرَكاءَكُم" لا يقال: أجْمَعت الشُركاء وإنما يقال: جَمَعت شركائي، وأجمَعتُ أمري وإنما قال ذلك للمجاورة، وقال النبي صلى الله عايه وسلم: (ارجِعْنَ مأزورات غيرَ مَأجورات) وأصلها مَوزورات من الوزر ولكن أجراها مجرى المَأجورات للمجاورة بينهما، وكقوله: بالغدايا والعشايا، ولا يقال: الغدايا إذا أفردت عن العشايا لأنها الغدوات، والعامة تقول: جاء البرد والأكسية، والأكسية لا تجيء ولكن للجوار حقٌ في الكلام.
- والعرب تسمي الشيء باسم غيره، إذا كان مجاورا له أو كان منه بسبب، كتسميتهم المطر بالسماء لأنه منها ينزل، وفي القرآن: "يُرْسِلِ السَّماءَ عليكُم مِدْرَارا"، أي المطر وكما قال جلَّ اسمه: "إني أراني أعصِرُ خَمرا" أي عنبا، ولا خفاء بمناسبتها، وكما يقال: عفيف الإزار، أي عفيف الفرج، في أمثال له كثيرة.
ومن سنن العرب وصف الشيء بما يقع فيه أو يكون منه كما قال تعالى: "في يومٍ عاصِفٍ" أي يوم عاصف الريح، وكما تقول: ليل نائم، أي نام فيه وليل ساهر، أي يُسهر فيه(/)
ما هي جماليات أسلوب الاستفهام
ـ[محمد نسيم علي]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 02:29 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد صعب علي إيجاد أي كتاب لعلم المعاني يهتم بصورة واضحة وخاصة بجماليات كل من أسلوب القصر وأسلوب الاستفهام على أن يتم توضيح مميزات كل منهما.
ولهذا أتمنى أن يفيدني بها أحد منكم على أن يدعمها بكتب بلاغة ككتب علم المعاني, مع التوضيح بشكل أهم لمميزات وجماليات أسلوب الاستفهام بالذات إن أمكن.
مع العلم أنني أحتاج هذه المعلومات لضرورة معينة.
هذا ولكم الشكر والتقدير والسلام عليكم
أخوكم الأحمدي
محمد علي
من غزة
ـ[محمد سعد]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 02:55 م]ـ
أخي الحبيب
تجد هنا ما يفيدك إن شاء الله ( http://www.awu-dam.org/book/05/study05/269-H-J/book05-sd009.htm)
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 01 - 2009, 02:23 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حياك الله أخي محمد علي.
وبالإضافة لما تفضل به أستاذنا محمد حفظه الله وسدده.
تظهر جماليات القصر في القصر الإضافي لأنه ليس مقصودا أصالة، وإنما جاء لنكتة بلاغية كـ:
إبطال دعوى المخالف في مثل قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فليس المقصود حصر المحرمات في المذكورات، إذ يوجد محرمات غيرها، وإنما هو بمنزلة المبالغة في الإنكار على مستحلها، فكأن المقصود: لا حرام إلا ما استحللتموه، ولا يعني ذلك حصر المحرمات فيه، بمنزلة من قال: لا آكل اليوم إلا لحما، لمن نهاه عن أكل اللحم، مبالغة في عصيان أمره وإبطاله.
فلا يكون للقصر في هذه الصورة مفهوم، ليقال: المقصورات محرمات بدلالة المنطوق، وغيرها: مباحات بدلالة المفهوم، إذ النص على حكم المذكور لا يعني إثبات ضده لغير المذكور، بمنزلة قولك: جاء زيد، فإنه لا يتعرض لحكم مجيء غيره إثباتا أو نفيا، وإنما يستفاد ذلك من دليل آخر.
وإلى ذلك أشار الزركشي، رحمه الله، في "البرهان" بقوله:
"قال الشافعي ما معناه في معنى قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) الآية: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه نازلا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة فكأنه قال: لا حرام إلا ما حللتموه من الميتة والذم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ولم يقصد حل ما وراءه إذا القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل". اهـ
وهذا ما يعرف بقصر القلب.
وفي قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)
القصر: قصر إفراد، إذ اعتقدوا فيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الرسالة والخلود، فجاء القصر مصححا للأول، إذ هو رسول رب العالمين، مبطلا للثاني، فلا خلد لبشر، مصداق قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)
بخلاف قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)
فالقصر من جهة المبنى واحد: نفي بـ: "ما"، واستثناء بـ: "إلا"، ومع ذلك اختلف المراد تبعا لدلالة السياق، فهو في هذا الموضع: قصر قلب لاعتقاد المخاطب، فالمخاطب مثلث غلا في المسيح عليه السلام، فجاء القصر بضد معتقده الفاسد إبطالا له. وقل مثل ذلك في نحو قوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)، فليس عبدا فقط، بل هو رسول من أولي العزم، عليهم الصلاة والسلام، ولكن لما كان السياق سياق إبطال لما ادعي في حقه من الألوهية الباطلة جاء السياق قاصرا إياه على وصف العبودية في مقابل ما ادعي له من وصف الربوبية، فكان قلبا لمعتقد المخاطب من هذا الوجه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
القصر أيضا: قصر قلب لاعتقاد المخاطب.
يقول ابن هشام رحمه الله:
"وقوله، (أي: الزمخشري غفر الله له): إن دعوى الحصر هنا باطلة لاقتضائها أنه لم يوحَ إليه غيرُ التوحيد مردودٌ أيضاً بأنه حَصر مُقيد؛ إذ الخطابُ مع المشركين؛ فالمعنى ما أوحي إليَّ في أمر الربوبية إلا التوحيد، لا الإشراك، ويسمى ذلك قَصْر قَلْب؛ لقَلْب اعتقاد المخاطب". اهـ
"مغني اللبيب"، (1/ 62).
ومثله قوله تعالى: (إن هم إلا كالأنعام).
فليسوا كالأنعام من كل وجه، وإنما هم كالأنعام من جهة عدم الفهم والتدبر مع سلامة آلات الفهم فكأنها معدومة لعدم الانتفاع بها.
وقول أبي الحسنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ".
فإن القصر هنا، كما قرر أهل العلم، ينبغي أن يقيد ببغض علي، رضي الله عنه، بغضا دينيا، كأن يبغض من جهة إيمانه، أو صحبته للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو سابقته في الإسلام، فإن ذلك مئنة من النفاق بل الكفر، بخلاف بغضه من جهة أمر دنيوي، كما وقع من المروانية ومن انتحل النصب من أهل الشام، فإنهم، مع قبح بدعتهم، لم يكفروا بها، لأنهم ما أبغضوا عليا، رضي الله عنه، من جهة دينه، وإنما أبغضوه لأمر دنيوي وهو ما وقع بين الفريقين يوم صفين، فقد قتل من أهل الشام في ذلك اليوم من قتل، فكان ذلك مما أثار حفيظتهم على علي، رضي الله عنه، مع كون طائفته أدنى الطائفتين إلى الحق، بنص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك، فهو المصيب في تلك الفتنة، وإن كان خصمه معذورا باجتهاده بإجماع من يعتد بقوله.
وقد ورد ذلك، أيضا، في حق الأنصار، رضي الله عنهم، في حديث البراء، رضي الله عنه، مرفوعا: "الْأَنْصَارُ لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ".
فما قيل في حديث علي، رضي الله عنه، يقال فيه، إذ لا بد من تقييد القصر في الحديث بالبغض لأمر ديني لا دنيوي.
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للأعرابي الذي سأله عن الوضوء بعد أن توضأ أمامه كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "هذا الوضوء".
فإن القصر هنا بتعريف الجزأين: المبتدأ: "هذا"، والخبر: "الوضوء". ولا بد في هذا السياق، أيضا، من تقييده بكونه إضافيا من جهة الإجزاء، فتقدير الكلام: هذا الوضوء المجزئ، ومن هنا وقع الخلاف بين أهل العلم، في أمور شرعت في الوضوء ولم يرد ذكرها في هذا الحديث، هل هي من الواجبات أو المسنونات، كالتسمية، فمن يقول: هي مسنونة، يرجح أن القصر هنا: قصر إضافي مقيد بالإجزاء، فيكون الواجب المجزئ ما ورد في الحديث وما زاد عنه فهو نافلة مشروعة، فلا يبطل الوضوء بتركها، وإن نقص العمل بترك السنة. ومما يؤيد ذلك أن المقام مقام تعليم، فيحسن الاكتفاء بداية بالواجب الذي لا يصح العمل إلا به، لئلا يشق الأمر على المتعلم فإذا ما أتقنه صار أهلا حينئذ لتعلم المسنون الذي يجود به عمله. والحاجة قد قامت إلى بيان الوضوء بسؤال ذلك الأعرابي، فلو كانت التسمية مما لا يصح الوضوء إلا به لما وسعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم السكوت عن بيانها، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة في حقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قرر أهل العلم.
وهكذا يظهر من خلال التأمل في السياق مراد المتكلم من استعمال أسلوب القصر، فليس كل قصر حقيقيا، فالمبنى الموضوع واحد، والمعنى المراد متعدد بتعدد أغراض المتكلم.
ومما يذكر في هذا الشأن أيضا:
تدرج أساليب القصر في القوة تبعا لحال المخاطَب، فليس قولك: إنما الشاعر المتنبي، كقولك: ما الشاعر إلا المتنبي، فالأول يحسن في حق غير المنكر الذي يقر بشاعرية المتنبي فهي عنده من قبيل المسلمات بخلاف الثاني فإنه يحسن في حق المنكر، إذ القصر بالنفي والاستثناء أقوى دلالة من القصر بـ: "إنما".
وقد تكون البلاغة في إيراد المختلف فيه إيراد المسلمات، كالكاذب يدعي ما ليس له، فيورده إيراد المسلم الذي لا يقبل الجدال، كما في:
قوله تعالى: (إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، فهم مفسدون بلا شك، ولكنهم بالغوا في ادعاء ما ليس لهم من الحكمة والإصلاح حتى ظنوا أنه أمر قاطع لا يقبل الاحتمال وفتش في تصريحات كثير من منافقي زماننا وحاشية السوء التي تحيط بهم تجد مادة ثرية من هذا النوع!!!!
ومما يذكر أيضا:
أنه بتعيين المقصور والمقصور عليه يظهر مراد السامع، فليس قولك: إنما المتنبي شاعر، كقولك: إنما الشاعر المتنبي، فالثاني أبلغ في المدح من جهة قصر صفة الشاعرية على المتنبي فكأنه لا شاعر، عند التحقيق، إلا هو، فقد بلغ الذروة في ذلك، بخلاف الأول فالقصر فيه قصر موصوف على صفته، فلا يمنع ذلك من دخول غيره معه في ذلك الوصف، والانفراد مظنة المدح، والاشتراك لا مدح فيه إذ لا يظهر فيه تميز المذكور عن بقية أقرانه.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 08:11 م]ـ
جزى الله الأستاذين الفاضلين خير الجزاء ..
ومن باب زيادة الفائدة: توجد دراسة جيدة لأسلوب الاستفهام في القرآن الكريم، تناولت ألفًا ومئتين وستين موضعًا من مواضع الاستفهام.
عنوانها: التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم، للدكتور عبدالعظيم المطعني.
وتقع في ثلاثة مجلدات.
ـ[محمد نسيم علي]ــــــــ[02 - 02 - 2009, 11:59 ص]ـ
أشكركم جميعا على الإيضاح
تحيتي لكم جميعا(/)
من فضلكم دروس في ما يخص الصور البيانية
ـ[حوحو الجزائري]ــــــــ[22 - 01 - 2009, 01:33 م]ـ
السلام عليكم أريد دروس في ما يخص الصور البيانية التالية
الإستعارة المجاز الكناية لأني بصراحة لا أفرق بينهم
وشكرا
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[22 - 01 - 2009, 03:37 م]ـ
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=17465
ـ[حوحو الجزائري]ــــــــ[22 - 01 - 2009, 04:32 م]ـ
الأديب اللبيب بارك الله فيك أخي
ـ[علي علي محمد]ــــــــ[24 - 01 - 2009, 06:53 م]ـ
المجاز يقوم على علاقات عدة غير المشابهة وهو يعتمد على التجاور الدلالي لعلاقات مسبقة بينما الاستعارة تقوم على علاقة المشابهة وتتميز بالتوحد في الاستعارة التصريحية والتماهي في الاستعارة المكنية وهي لاتقوم على علاقات مسبقة والكناية تجمع بين المجاز والحقيقة وهي تتميز بالتماهي في الصورة التي تعكسها(/)
سر حذف إحدى الياءين في الرسم القرآني
ـ[العرابلي]ــــــــ[23 - 01 - 2009, 09:58 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث التاسع
حذف إحدى الياءين من المكررة
قبل الدخول في النوع الأول يجب التنبيه إلى سر استخدام حرف الياء في جمع المذكر السالم:
أولاً: الياء حرف مد، والمد زيادة في الأصل، والجمع زيادة في الواحد الذي هو أقل الأعداد وأصلها؛ لذلك صلحت الياء لتكون علامة للجمع.
وثانيًا: أن استعمال الياء هو لبيان وجود تحول، والتحول يكون في الغالب في الصفات، ولذلك استعملت علامة لجمع المذكر السالم الذي هو جمع لأصحاب الصفات.
وثالثًا: أن الرفع هو الأصل، والنصب والجر هو تحول عن الأصل، ولذلك كانت الياء علامة على هذا التحول في حالتي النصب والجر في جمع المذكر السالم.
ورابعًا: أن الياء لما كانت تفيد التحول، والتحول الأخير يلغي التحول السابق له إذا كان هناك أكثر من تحول؛ كتحول بعض الخضار أو الفاكهة الخضراء إلى صفراء أولاً، ثم إلى حمراء بعد ذلك، فالحمرة طمست ما قبلها من التحولات السابقة، فبقاء صورتين لياءين متتاليين تفيد بقاء تحولين متتاليين، خلافًا للواقع، مما يوجب حذف أحدهما، والمثال ضربناه لتوضيح المعاني بما يمكن إحساسه في الواقع، وليس المثال هو المقصود.
وخامسًا: أن الجمع يوحد أفراده على صفة واحدة؛ يتساوون في حملها، دون الإشارة إلى الفوارق بينهم، ودرجات حملهم لهذه الصفات، ولذلك كانت علامة اسم الفاعل هي التي تحذف للدلالة على تساوي أقراد الجمع في جمع المذكر السالم والمؤنث السالم، اللذان سنأتي عليهما في أبحاث قادمة إن شاء الله تعالى عند الحديث عن حذف الألف.
والياء في بحثنا هذا؛ هي علامة اسم الفاعل في الأمثلة اللاحقة التي سنأتي عليها، فهي الأحق في الحذف، وتبقى الياء التي هي علامة الجمع، والأولى أن ترسم ياء فارسية وعليها شدة للدلالة على الياء المحذوفة قيل الياء، وليس بعدها، لأن هذا هو الذي يوافق المعاني التي بني عليها الرسم القرآني، وإن كان الرسم لا يؤثر في القراءة ما دام هناك إشارة تدل على المحذوف.
النوع الثالث: حكم الياء المكررة وتنقسم إلى أربعة أقسام هي:
1 - حكم الياء المكررة وسطًا ولم تكن إحداهما صورة للهمزة؛
تكررت الياء في أسماء وأفعال؛
وقد جاءت الياء المكررة في خمسة أسماء؛ (ربانيين، حواريين، أميين، نبيين، عليين)
وحذفت الياء في أربعة منها؛ (ربانيين، الحواريين، الأميين، والنبيين)؛
ربانيين؛ ذكرت مرة واحدة؛ في قوله تعالى: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّـ (ي) ـنَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران.
وحواريين؛ ذكرت مرتين؛ في قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّـ (ي) ـنَ أَنْ ءَامِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا ءامَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) المائدة.
وفي قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـ (ي) ـن مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ (14) الصف.
وأميين؛ ذكرت ثلاث مرات؛ في قوله تعالى: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّـ (ي) ـنَ ءَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا (20) آل عمران.
وفي قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّـ (ي) ـنَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) آل عمران.
وفي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّـ (ي) ـنَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (2) الجمعة.
ونبيين ثلاث عشرة مرة؛ نذكر منها مثلا واحدًا؛
في قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّـ (ي) ـنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ (213) البقرة.
حذفت الياء لئلا تجتمع صورتان لياءين متتاليين، وأن هذه الجمع تساوى أفراده فيما ذكروا به،
فكل الحواريين؛ حواريون لعيسى عليه السلام.
والعرب الجاهليون كلهم أميون لم ينزل عليهم كتاب من الله تعالى قبل القرآن.
وكل الأنبياء هم نبيُّون من عند الله.
وكذلك كل الربانيين ربانيون لرب واحد.
(يُتْبَعُ)
(/)
لذلك كان حذف الياء رسماً لا لفظًا؛ فبقاء لفظها دل على الجمع، وحذف رسمها دل على تساوي أفراد هذا الجمع، وأغنت صورة الياء المرسومة عن صورة الياء المحذوفة لئلا تكون هناك صورتان لتحولين لا يصبح قيامهما معًا.
أما إثبات الياء في عليين؛
في قوله تعالى: (كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) المطففين.
فمعنى الأبرار في عليين؛ أي أنه مكتوب لهم في عليين، أو مصيرهم في عليين، أي في درجات الجنة ومنازلها العالية، ودرجات الجنة متفاوتة في نعيمها، وأصحاب الجنة كلٌ في درجته حسب عمله في الدنيا، والأبرار يتحولون بارتقاء إلى المنازل الأعلى فيها.
ولما كانت منازل الجنة ودرجاتها كلها ثابتة، وعالية في مكانها وعن النار وموقف الحساب؛ أثبتت الياءان في عليين، فمنازل الأبرار لم تطمس المنازل التي مروا عليها وتحولوا عنها إلى أن وصلوا أعالي الجنة، فلكل منزلة أصحابها، نسأل الله تعالى الفردوس الأعلى فيها.
وقد جاء كذر تكرار الياء في الأفعال التالية؛
في قوله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (122) الأنعام.
وفي قوله تعالى: (وَءَايَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) يس.
وفي قوله تعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) فاطر.
وفي قوله تعالى: (رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق.
وفي قوله تعالى: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) ق.
الأفعال في الأمثلة السابقة هي ماضية؛ (فأحييناه، أحييناها، فأحيينا، وأحيينا، أفعيينا)، والماضي منقطع الاستمرار، فناسب معها إثبات الياء فيها الدالة على التحول، والياء ياء لين وليست ياء مدية، كما كانت في الأسماء السابقة، وهي ساكنة بعد ياء متحركة فلا يجوز إدغامها فيها.
وأثبتت الياء كذلك في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَواةً طَيِّبَةً (97) النحل.
وفي قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ (66) الحج.
وردت (5) مرات
وفي قوله تعالى: (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) الشعراء.
وفي قوله تعالى: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) يس
وفي قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) النساء.
فهذه الأفعال: (ثم يحييكم، قل يحييها، وإذا حييتم، ثم يحييني، فلنحيينه)؛ متعلقة بالمستقبل، ولم يتم البدء فيها بعد، فهي بحاجة إلى توكيد وقوعها، لا توكيد استمرارها؛ لأن الاستمرار تبع للحدوث أولا، والحدث لم يقع بعد، فلا محل للحديث عن الاستمرار، فناسب ذلك إثبات الياء لا حذفها.
وقد اتصلت الأفعال في الأمثلة السابقة بضمائر متصلة فأصبحت الياء وسطًا، ولم تعد طرفًا كما حال الياء الأصلية والزائدة في النوع الأول والثاني؛ لذلك تم إفرادها في أبحاث خاصة بها.
وكان إثباتها في الأنواع السابقة يجعل الكلمة تنتهي بساكن؛ ومع السكون الإثبات وعدم الاستمرار، وحذفها يجعل الكلمة تنتهي بحركة؛ ومع الحركة الاستمرار وتبقى الكسرة دالة على الياء المحذوفة، والأطراف محل التغيير أكثر من الوسط.(/)
استفسار هام وضروري عن بيت شعر "كره الدجى فاسود"
ـ[خلاليدو]ــــــــ[23 - 01 - 2009, 12:36 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواني الأعزاء
أولاً أشكركم على جهودكم الكبيرة في المنتدى
ثانياً لدي قضية ربما تكون بسيطة بنظركم لكنها هامة بالنسبة لي ..
في شعر "كن بلسماً" لإيليا أبي ماضي
البيت: كره الدجى فاسود إلا شهبه بقيت لتضحك منه كيف تجهما
الصورة البلاغية في (كره الدجى) هي ...........
وأعتقد أنها إما استعارة تصريحية أو مكنية أو كناية .. لأن حدود منهجنا لا تخرج عن هذا ..
أرجو مساعدتكم: (
كل الشكر
ـ[خلاليدو]ــــــــ[23 - 01 - 2009, 03:41 م]ـ
اتمنى المساعدة
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 07:32 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
كرهُ الدجى، وتجهمه، وضحكُ الشهبة، كلها استعارات مكنية.
شبه الدجى بالإنسان الذي يكره، ويتجهم، بجامع التشاؤم في كل، حذف المشبه به - الإنسان - وأبقى على شيء من لوازمه، وهو التجهم، والكره.
كما شبه النجمة بالإنسان الذي يضحك، بجامع التفاؤل في كل، حذف المشبه به، وأبقى على خصيصة من خصائصه، وهو الضحك.
والله - تعالى - أعلم.
ـ[ماريا.]ــــــــ[26 - 01 - 2009, 01:42 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
كرهُ الدجى، وتجهمه، وضحكُ الشهبة، كلها استعارات مكنية.
شبه الدجى بالإنسان الذي يكره، ويتجهم، بجامع التشاؤم في كل، حذف المشبه به - الإنسان - وأبقى على شيء من لوازمه، وهو التجهم، والكره.
كما شبه النجمة بالإنسان الذي يضحك، بجامع التفاؤل في كل، حذف المشبه به، وأبقى على خصيصة من خصائصه، وهو الضحك.
والله - تعالى - أعلم.
وأنا أراها كذلك ...
ـ[أبو ضحى]ــــــــ[26 - 01 - 2009, 10:29 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
كرهُ الدجى، وتجهمه، وضحكُ الشهبة، كلها استعارات مكنية.
شبه الدجى بالإنسان الذي يكره، ويتجهم، بجامع التشاؤم في كل، حذف المشبه به - الإنسان - وأبقى على شيء من لوازمه، وهو التجهم، والكره.
كما شبه النجمة بالإنسان الذي يضحك، بجامع التفاؤل في كل، حذف المشبه به، وأبقى على خصيصة من خصائصه، وهو الضحك.
والله - تعالى - أعلم.
بارك الله فيكم "أوافقكم"(/)
أفتوني يا فصحاء
ـ[الفاتح حسن]ــــــــ[23 - 01 - 2009, 05:42 م]ـ
وردت كلمة (السفينة) في سورة الكهف في قصة العبد الصالح مع نبي الله موسى عليه السلام وردت معرفة في قوله تعالى: (فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا) (71) وكان ذلك أول ذكر للسفينة ومع ذلك وردت معرفة بعكس بقية المواقف والتي وردت فيها الكلمات نكرات مثل كلمة (غلام) في قوله تعالى: (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) (74) وكلمة (أهل قرية) في قوله تعالى: (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتّخذت عليه أجرا) (77)
فلماذا وردت السفينة معرفة في الوقت الذي وردت هذه الكلمات نكرات؟
وجزاكم الله خيرا [/ font] سورة الكهف الآيات 71 و74 [/ size] و77
ـ[الفاتح حسن]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 10:14 م]ـ
:::
إنّي في انتظاركم للإجابة على سؤالي لو تكرّمتم
أمّا إن كنت قد أخطأت في وضع سؤالي في هذا المكان فالرجاء أن تدلّوني على الصواب.
وجزاكم الله خيرا
ـ[محمد سعد]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 10:24 م]ـ
لا تتعجل أخي الكريم
حتى يمر أحد البلغاء من هنا
ـ[الفاتح حسن]ــــــــ[26 - 01 - 2009, 10:56 م]ـ
شكرا أخي
سننتظر مرورهم
ـ[الفاتح حسن]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 06:56 م]ـ
لا تتعجل أخي الكريم
حتى يمر أحد البلغاء من هنا
[ COLOR="Blue"][SIZE="5"] أستاذي الكريم محمد سعد
ما بال البلغاء تركوا المرور من هذا الطريق؟
ولكنّي سأنتظرهم فإنّهم حتماً سيأتون
(إنّ السماء ترجى حين تحتجب/ SIZE][/COLOR
ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 07:01 م]ـ
سأنقلها حيث مكانها ... لعلك لم تفطن إلى مخبئهم بعد:):)
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 11:48 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا أزعم بادئ بدء أنني من البلغاء أو الفصحاء، أو ممن يتجرأ على القول في كلام الله تعالى برأيه، والعياذ بالله.
وقد أعجبني سؤال الأخ الفاضل، وعجبت أن أحدا لم يتطرق فيما أذكر وأعلم إلى طرح هذا السؤال، وكأن الأمر واضح. بالقطع لم أتقص المسألة، وأراجع كل كتب التفسير أو اللغة، لكن السؤال جديد بالنسبة لي.
وما سوف أطرحه هنا ليس إلا محاولة لنبش الفكرة، وقد أكون مخطئا أو مصيبا.
من المعلوم أن أل عند النحاة نوعان؛ عهدية تفيد التعريف، وجنسية لا تفيد التعريف.
وأن العهدية إما أن تكون للعهد الذكري، أو العهد الذهني، أو العهد الحضوري.
وأن الجنسية إما أن تكون لاستغراق أو شمول أفراد الجنس، أو استغراق خصائص الأفراد أو لتعريف الماهية، وقال البعض لتعريف العهد الجنسي، فالمعهودات إما شخصية (فردية) أو جنسية.
نرجع إلى مسألة تعريف السفينة في الآية ولم يسبق لها ذكر.
أقول والله أعلم أن هناك ألفاظا جاءت في القرآن محلاة بأل دون ذكر سابق لها، كقوله تعالى: " ثاني إذ هما في الغار .. " وقوله تعالى: " إذ يبايعونك تحت الشجرة .. " وواضح هنا أن أل هنا للعهد الذهني لأن الرسول وأصحابه كانوا يعرفون الغار والشجرة. أما في السفينة فالأمر خلاف ذلك فليست تلك السفينة عينها معروفة لهم ولا لنا.
والذي يبدو لي والله أعلم بمراده أن أل هنا لتعريف العهد الجنسي، أو الماهية، أي ذلك الجنس من وسائل النقل المعروف. وتصدق على الجنس، والواحد منه. كما قال تعالى: " واصنع الفلك .. " و " ويصنع الفلك"
ألا ترى أننا نقول في كلامنا العادي سافر فلان بالطائرة، وذهبت إلى مصر بالباخرة، وأذهب إلى العمل بالتاكسي أو الباص أو الأتوبيس .. أي بواحدة من هذا الجنس المعهود.
فإذا نكرت الكلمة أحسست بتخصيص ما أو حاجة لتخصيص؛
كأن يقول قائل سافر فلان بالطائرة، فلا تشعر إلا بالخبر. فإذا قال سافر فلان بطائرة، فهمت فوق الخبر أن هذا ليس دأبه، أو توقعت تخصيصا للطائرة، كان تقول خاصة أو لأول مرة، أو نوع تعجب أو نحو ذلك.
أما تنكير غلام وأهل قرية فلا يصح دخول أل عليه لأنه ليس مقصودا أي غلام من جنس الغلمان ولا أي قرية من جنس القرى.
والفرق أنك إذا قلت لي سافرت بالطائرة، لا أسألك أي طائرة قد أسألك عن الشركة أو نوع الطائرة لكن لا أسأل عن شخص الطائرة، بخلاف الغلام والقرية.
هذا والله تعالى أعلم
ـ[سعد الحذيفي]ــــــــ[11 - 02 - 2009, 12:02 ص]ـ
ما شاء الله عليك أخي عبدالقيوم على هذا الجواب الذي أبهرني,,واجتهادك مقنع وصحيح في نظري القاصر,,ولا أقول إلا نفع الله بك وزادك الله علماً
ـ[تيما]ــــــــ[11 - 02 - 2009, 12:13 ص]ـ
وأنا أيضا لست من البلغاء لكن لفت نظري السؤال. فقد استوقفني مرة قوله تعالى في سورة يوسف "وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ" (13) فلماذا جاءت كلمة الذئب معرّفة بأل مع أن الذئب يرد للمرة الأولى؟
بحثت وهاك ما وجدت:
وأخاف أن يأكله الذئب ( http://www.55a.net/firas/arabic/?page=show_det&id=1742&select_page=9)
تجد على الرابط ما يدعم قول الأخ أبي عبدالقيوم.
وللدكتور فاضل السامرائي رأي بخصوص ذكر السفينة معرفة بأل تجده هنا ( http://www.55a.net/firas/arabic/?page=show_det&id=853&select_page=9).
كما وأنصحك بقراءة هذا الرابط، ( http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?t=35800) فقد أبدع فيه الأخ مهاجر أيما إبداع. فيه حديث مطول عن أل العهدية.
بالتوفيق
.
.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الفاتح حسن]ــــــــ[12 - 02 - 2009, 07:12 م]ـ
سأنقلها حيث مكانها ... لعلك لم تفطن إلى مخبئهم بعد:):)
جزاك الله عنّا كلّ خير فقد دللتني عليهم فخرجوا من مخبئهم، وأخرجوا درراً نسأل الله أن يثيبهم عليها أجرا عظيم.
ـ[الفاتح حسن]ــــــــ[12 - 02 - 2009, 07:19 م]ـ
ياأبا عبد القيوم ويا تيما
لقد شفيتم ما بي من حيرة، نفعنا الله بعلمكم وأكثر من أمثالكم، ونسأله تعالى أن يعلمنا ما جهلنا وينفعنا بما علمنا.
إنّه ولي ذلك والقادر عليه.
ومجددا لكم تحياتي وتقديري
ـ[أبوجود]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 03:53 م]ـ
قال الخطيب: "والمعرف بأل قد يأتي لواحد (أي مبهم) باعتبار عهديته في الذهن لمطابفته الحقيقة كقولك ادخل السوق وليس بينك وبين المخاطب سوق معهود في الخارج قال الشاعر - أحدشواهد الإيضاح-
ولقد أمر على (اللئيم) يسبني ... وهذايقرب من النكرة " البغية / 73
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 05:27 م]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[عهد الاصدقاء]ــــــــ[23 - 03 - 2009, 10:34 ص]ـ
انا لست من البلغاء على الاطلاق لكنني سأبحث لك عن الجواب الان ان شاء الله
ـ[عهد الاصدقاء]ــــــــ[23 - 03 - 2009, 10:44 ص]ـ
حسب التفسير ان الخضر وموسى عليه السلام لم يجدا سفينة لما ذهبا الى الساحل ثم جاءت سفينة مارة فنادوهما فعرفوا الخضر فحملوهم في السفينة دون اجر ولهذا جاءت معرفة لانها لم تكن اي سفينة اما الغلام فهما لقياه في طريقهم وليس غلاما محددا معروفا(/)
كيف تكونُ اسميةُ الجملةِ من مؤكداتِ الخبر؟
ـ[الصحبي جعيط]ــــــــ[23 - 01 - 2009, 09:49 م]ـ
السلام عليكم
في دراستي لأضرب الخبر و جدت من مؤكدات الخبر الجملة الاسمية ...
لكن دون أن يوضح الأمر ... فكيف تكون الجملة الاسمية وسيلة لتأكيد الخبر ... جزاكم الله كل خير
ـ[أبوالشيماء]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 05:52 م]ـ
المدرسةُ نظيفةٌ كل أرجائها.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 07:05 م]ـ
السلام عليكم
في دراستي لأضرب الخبر و جدت من مؤكدات الخبر الجملة الاسمية ...
لكن دون أن يوضح الأمر ... فكيف تكون الجملة الاسمية وسيلة لتأكيد الخبر ... جزاكم الله كل خير
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
من المعلوم في العربية: أن الاسم هو الذي يدل على ذات أو معنى، ومن المعلوم - أيضًا - أن الذات ثابتة، ومن هنا أفادت الجملة الاسمية التوكيد؛ لدلالتها على الثبوت، عكس الفعل الذي يدل على الحدوث والتجدد.
على أن من البلاغيين من يرى أن دلالة الجملة الاسمية على التوكيد ليست على سبيل الاستقلال، بل على سبيل التبعية؛ فإن كان هناك مؤكد آخر - كإن، أولام الابتداء، أوالقسم، أوضمير الفصل ... إلخ -، جعلت اسمية الجملة من المؤكدات، وإلا فلا. (ينظر - على سبيل المثال -: معجم البلاغة العربية، لبدوي طبانة).
والله - تعالى - أعلم.
ملاحظة: تم تغيير العنوان؛ ليدل على محتواه أكثر.
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 09:32 م]ـ
يمكن أن يقال كذلك إضافة إلى ما تفضلت به الأخت
أن مسالك القول في بعض الجمل يقع التأكيد فيها بالجملة الاسمية من جهتين الإظهار والإضمار
ومثال ذلك:
نقول: جاء محمد
ونقول: محمد جاء
فالجملة الثانية وقع التأكيد فيها من جهة تكرار الفاعل فتقدير الجملة (محمد جاء هو)
فأتى به من جهة الإظهار تارة ومن جهة الإضمار أخرى وهذا ما لا تقوم به الجملة الفعلية
والله أعلم.
ـ[د/نصر الدين عبد العظيم]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 11:00 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا لكم على هذه المعلومات القيمة(/)
لطيفةٌ قرآنيّة ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 08:58 م]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى في وصف الحور العين:
" وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ " (الصافات:48).
" وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ " (ص:52).
" فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ " (الرحمن:56).
وقاصرات الطرف معناه: حابسات أنظارهن حياءً وخفرًا، وهو كناية عن العفة التامة.
فما السر في إيثار النظم الكريم التعبير بـ (قاصرات الطرف) دون: (عفيفات) مثلاً؟
أشار ابن أبي الإصبع إلى هذه اللطيفة، بقوله:
" لأن كل من عفَّ، غضّ الطرف عن الطموح، فقد يمتد نظر الإنسان إلى شيء، وتشتهيه نفسه، ويعِفّ مع القدرة عليه لأمر آخر.
وقصرُ طرفِ المرأة على بعلها، أو قصر طرفها حياءً وخفرًا، أمر زائد على العفة؛ لأن من لا يطمح طرفُها لغير بعلها، أو لا يطمح حياءً وخفرًا، فإنها ضرورة تكون عفيفة، وليست كلُّ عفيفة قاصرةَ الطرف ".
بديع القرآن: (84).
إذًا ... المرأة تكون عفيفة، ولكنها قد تنظر إلى غير زوجها، أما قاصرة الطرف فقد جمعت بين العفة، وحبس نظرها لبعلها؛ فهي لا ترى أجمل، ولا أكمل، ولا أتم منه.
والله - تعالى - أعلم.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 09:43 م]ـ
بارك الله فيك يا أختي الفاضلة على هذه اللطائف.
ـ[ماريا.]ــــــــ[26 - 01 - 2009, 01:34 ص]ـ
زادك الله من علمه ...
جميل ما ذكرته ,ولك أجمل تحية
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 01 - 2009, 08:03 ص]ـ
جزاك الله خيرا أستاذة ندى وبارك فيك وفي علمك.
وما تفضلت به اصطلح أهل الأصول والمنطق على تسميته بـ: "العموم والخصوص المطلق"، إذ دائرة قاصرات الطرف أعم من دائرة العفيفات، ودائرة العفيفات أخص، فكل قاصرة عفيفة ولا عكس، كما تفضلت، وهذا حد العموم والخصوص المطلق.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طالبة_ماجستير]ــــــــ[26 - 01 - 2009, 09:14 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سبحان الله،،
لطيفة جميلة:)
جزاك الله خيرا
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[26 - 01 - 2009, 10:49 ص]ـ
أحسنت أخت ندى الرميح.
فلننظر جميعا في هذا القرآن ونتدبر ونتفكر، فعلا لا تنقضي عجائبه
ـ[قلم يبكي على صفحاتي]ــــــــ[30 - 06 - 2009, 10:51 م]ـ
جزاك الله كل خير
لطيفة جميلة ومنكم نستفيد
ـ[أبو عادل]ــــــــ[01 - 07 - 2009, 09:15 ص]ـ
جزاكم الله خيراً،،
وننتظر المزيد ..
تحياتي
ـ[احمد السنيد]ــــــــ[03 - 07 - 2009, 03:33 م]ـ
جزاك الله خيرا اختي الفاضله ولدي سؤال لأخواني الاعزاء عن ورود كلمة كسب وكلمت اقترف في القران الكريم وما الفرق بينهما كمايلي:
وردت كلمة يقترف ومشتقاتها في القران مقترنة بالعمل السيئ إلا في موضع واحد اقترن في العمل الحسن في قوله تعالى في سورة الشورى اية 23 (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)
{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} الأنعام113
{وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ} الأنعام120
{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} البقرة79 {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} النساء112
وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً} النساء111
{وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ} الأنعام120
{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} الأنعام129
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} الأعراف96
{فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} التوبة82
{سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ {أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يونس8
{فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} الحجر84
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} يس65
{قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الزمر50
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} غافر82
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فصلت17
{قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا ي {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} المطففين14َ
غْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ} الجاثية14
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابوعلي الفارسي]ــــــــ[03 - 07 - 2009, 05:40 م]ـ
انظر مادتي قرف وكسب من معجم مقاييس اللغة لابن فارس تشف غليلك بإذن الله تعالى.
ـ[احمد السنيد]ــــــــ[03 - 07 - 2009, 06:04 م]ـ
جزاك الله خيرا على هذا التوجيه(/)
وظيفة الصورة
ـ[باحثة عن الحق]ــــــــ[26 - 01 - 2009, 11:43 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد معرفة "وظيفة الصورة عند البلاغيين العرب مالها وما عليها"(/)
أيهما أبلغ "الإسلام هو الحل" أم "الحل هو الإسلام"؟
ـ[عزوز2]ــــــــ[28 - 01 - 2009, 03:09 ص]ـ
أيهما أبلغ: الاسلام هو الحل أم: الحل هو الاسلام؟ ولماذا؟
وشكرا
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 01 - 2009, 10:31 ص]ـ
ربما كان ذلك تابعا لمراد السائل أو المتكلم فإن كان المراد التنبيه على الإسلام فتقديم المسند: "الحل" مراد لتشويق السامع إلى معرفة ماهية الحل للإشكال الذي تعاني منه أمة الإسلام، وإن كان مراده توصيف الإسلام في عبارة موجزة كان تقديم المسند إليه في جملة: الإسلام هو الحل وهو: "الإسلام" مرادا لتشويق السامع أيضا إلى الحكم عليه بأنه هو الحل.
فالسائل عن الحل يختلف حاله عن السائل عن الإسلام، فيختلف الجواب تبعا لذلك.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عزوز2]ــــــــ[28 - 01 - 2009, 06:16 م]ـ
لا أنا اقصد من حيث الحصر والقصر
أي أريد أن أقول: لا حل إلا الاسلام.
فماذا أقول:
الاسلام هو الحل
الحل هو الاسلام
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[29 - 01 - 2009, 12:47 ص]ـ
التقديم والتأخير
الإسلام هو الحل
قال تعالى في سورة النازعات:
َفأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)
الأبلغ أن نقول: الإسلام هو الحل
لأن الإسلام مبتدأ مقصور على خبره (إنما الإسلام هو الحل) فوجب تقديمه،
ولخصوصية الإسلام، ولأن الجملة اسمية، ولاستواء المبتدأ والخبر في التعريف.
وأما ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر فهو لتأكيد الخبر.
والله أعلم،
منذر أبو هواش
ـ[عزوز2]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 12:32 ص]ـ
لو قلنا
محمد هو الرسول بمعنى: إنما محمد هو الرسول
لكان المعنى: ان أبرز صفة في محمد أنه رسول مع إمكانية وجود رسل أخر
أما لو قلنا
الرسول هو محمد بمعنى: إنما الرسول هو محمد
لكان المعنى: أن الرسول محمد ولا يوجد غيره رسل وهذا كفر
وعلى هذا قس
إنما الإسلام هو الحل
المعنى: حصر الاسلام بأنه حل مع إمكانية وجود حلول أخرى
أما: إنما الحل هو الاسلام
فالمعنى: أن الحل محصور في الاسلام ولا يوجد غيره حلول وهذا أبلغ من الاول
فالصواب: الحل هو الاسلام. والله أعلم
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 04:41 ص]ـ
القصر له قواعد وأصول
أخي الكريم،
توسط ضمير الفصل هو إحدى قواعد القصر التي حددها البلاغيون، وطبقا لهذه القاعدة يكون الخبر مقصورا والمبتدأ مقصورا عليه، ففي قولنا "الإسلام هو الحل" يكون الحل (الخبر) مقصورا على الإسلام (المبتدأ) أي أننا قصرنا الحل على الإسلام، وحصرناه فيه، أي "لا حل إلا الإسلام"، وفي هذه العبارة نوع أخر وقاعدة أخرى من قواعد القصر (النفي والاستثناء)، وطبقا لهذه القاعدة يكون ما بعد النفي وقبل الاستثناء مقصورا، في حين يكون ما بعد الاستثناء مقصورا عليه، فالمقصور هنا هو "الحل"، والمقصور عليه هو الإسلام"، أي أننا قصرنا الحل على الإسلام.
وهناك القصر بإنما وغير ذلك، ويمكنك الرجوع إلى التفاصيل في مظانها، علما بأن موضوع القصر موضوع شائك وأوسع من قواعده، وقد تختلط فيه التعابير، ولا يحدده أحيانا إلا السياق.
ودمتم، والله أعلم،
منذر أبو هواش
ـ[عزوز2]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 01:52 م]ـ
ففي قولنا "الإسلام هو الحل" يكون الحل (الخبر) مقصورا على الإسلام (المبتدأ) أي أننا قصرنا الحل على الإسلام، وحصرناه فيه،
هل من مراجع تبين القصر؟؟
وشكرا لك
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 04:33 م]ـ
كتاب مختصر المعاني للتفتازاني فيه باب جميل في القصر
وإليك هذه الروابط المتعلقة بالموضوع:
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=585
http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?t=883
http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?p=287741#post287741(/)
من حديث: (أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 01 - 2009, 10:21 ص]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
"أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ". اهـ
أعوذ برضاك من سخطك: استعاذة بصفات الله، عز وجل، فيها طباق بين الرضا وضده من السخط اللائقين بجلال الباري عز وجل.
وبمعافاتك من عقوبتك: صفتان هما فرعان على ما قبلهما، فالمعافاة فرع على الرضا، والعقوبة فرع على السخط، ففي الكلام عطف مسبَب على سببه، وفيه لف ونشر مرتبين، فمقابل الرضا المعافاة، ومقابل السخط العقوبة على الترتيب المتقدم.
وأعوذ بك منك: فمرجع كل تلك الصفات العلية إلى ذاتك القدسية، فإني إنما أستعيذ بصفات جمالك من صفات جلالك.
لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ:
لا أحصي: نفي تسلط على المصدر الكامن في "أحصي" فأفاد العموم فضلا عن عموم النكرة: "ثناء" في سياق النفي فمن ذا الذي يطيق إحصاء عموم ما يستحقه الباري عز وجل من الثناء، وفي المقابلة بين جملة نفي إحصاء الثناء من جهة العبد، وثباته من جهة الرب، ولقائل أن يقول هو: من طباق السلب بإثباات الإحصاء من وجه ونفيه من وجه آخر، في ذلك: ما يزيد ذلك المعنى بيانا.
وإلى طرف من ذلك أشار ابن أبي العز، رحمه الله، وهو من الربانيين الذين لهم لسان ناصح وقدم راسخة في الربانيات والإلهيات، ولا نزكيه على ربه، أشار بقوله:
"فتأمل ذكر استعاذته بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة، فالأول الصفة، والثاني لأثرها المرتب عليها، ثم ربط ذلك كله بذاته سبحانه، وأن ذلك كله راجع إليه وحده، لا إلى غيره، فما أعوذ منه واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك، إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فإعاذتي مما أكره ومنعه أن يحل بي، هي بمشيئتك أيضا، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك، فعياذي بك منك، وعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك. ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك، بل هو منك. فلا يعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية، إلا الراسخون في العلم بالله ومعرفته ومعرفة عبوديته". اهـ
"شرح العقيدة الطحاوية"، ص228، 229.
فالكل من الله: إن خيرا ففضل مراد لذاته، وإن شرا فعدل مراد لغيره فليس إلى الله شرعا، وإن كان له كونا فالشر ليس إليه، فهو شر في المقدور لا القدر، وسوء القضاء الذي أمرنا بالاستعاذة منه: في المقضي لا في القضاء: فعل الرب، جل وعلا، فإن فعله كله خير، عرفنا ذلك أو جهلناه، وإنما يكون تارة مرادا لذاته، كمحبوبات الله، عز وجل، من الطاعة، وأخرى مرادا لغيره كالمعاصي التي يستخرج بها من عبوديات التوبة والإنابة ما يستخرج، ولا يعني ذلك تحريها، فإن القدر لا يحتج به في المعائب الشرعية وإنما يحتج به في المصائب الكونية.
وإلى ذلك أشار ابن أبي العز، رحمه الله، بقوله:
"يقال أولا: نحن غير مأمورين بالرضا بكل ما يقضيه الله ويقدره، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنة، بل من المقضي ما يرضى به، ومنه ما يسخط ويمقت، كما لا يرضى به القاضي لأقضيته سبحانه، بل من القضاء ما يسخط، كما أن من الأعيان المقضية ما يغضب عليه ويمقت ويلعن ويذم.
ويقال ثانيا: هنا أمران:
قضاء الله؛ وهو فعل قائم بذات الله تعالى.
ومقضي: وهو المفعول المنفصل عنه. فالقضاء كله خير وعدل وحكمة، نرضى به كله، والمقضي قسمان: منه ما يرضى به، ومنه ما لا يرضى به.
ويقال ثالثا: القضاء له وجهان:
أحدهما: تعلقه بالرب تعالى، فمن هذا الوجه ونسبته إليه يرضى به.
والوجه الثاني: تعلقه بالعبد ونسبته إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به وإلى ما لا يرضى به. مثال ذلك: قتل النفس، له اعتباران: فمن حيث قدره الله وقضاه وكتبه وشاءه وجعله أجلا للمقتول ونهاية لعمره - يرضى به، ومن حيث صدر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره وعصى الله بفعله - نسخطه ولا نرضى به". اهـ
فالشر في فعل العبد لا في فعل الرب، جل وعلا، وفعل العبد لا يخرج عن إرادة الرب، جل علا، الكونية النافذة، وإن خرجت المعاصي عن إرادته الشرعية.
والله أعلى وأعلم.(/)
ما معنى الفاء في قوله تعالى: (فعَلِمَ ما لم تعلموا)
ـ[حمد]ــــــــ[29 - 01 - 2009, 12:15 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
في قوله تعالى: ((لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً))
هل الفاء في (فَعَلِم) للتفريع؟
ما معناها هنا؟
جزاكم الله خيراً
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 03:03 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبا أخي حمد.
وجزاك خيرا.
جعلها أبو السعود، رحمه الله، في تفسيره لمجرد التعقيب، وهي الدلالة الأساسية للفاء، ونص كلامه: "أي فعلمَ عَقيبَ ما أراهُ الرؤيا الصادقةَ ما لم تعلمُوا منَ الحكمةِ الداعيةِ إلى تقديمِ ما يشهدُ بالصدقِ علماً فعلياً". اهـ
وعلم الله، عز وجل، في هذا الموضع لا يعني حدوث شيء لم يكن علمه، عز وجل، وإنما علمه أزلا، ثم علمه بعد وقوعه، فتعلق العلم بالمقدور قبل وقوعه غير تعلقه به بعد وقوعه ولا منافاة بينهما، فهو، جل وعلا، العليم ابتداء وانتهاء قد أحاط بكل شيء علما.
والله أعلى وأعلم.(/)
من قوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 02:19 م]ـ
ومن قوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
فقد احتج بهذه الآية: بولص الراهب أسقف صيدا الذي نقض شيخ الإسلام: ابن تيمية، رحمه الله، رسالته في: "الجواب الصحيح"، احتج بها على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شاك في أمره فكيف يصح اتباع من ذلك حاله؟!!.
وفي ذلك قطع لهذا المقطع من الآية عن السياق الذي ورد فيه، إذ السياق: سياق مثبت غير شاك لكمال استقلال ربوبية الله، عز وجل، فقبله: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ * قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
ففيه سبر وتقسيم لأحوال الشركاء الذين زعمهم المشركون من دون الله، فإنهم: لا يملكون استقلالا، ولا شركا، وليسوا حتى ظهراء معاونين وإن لم يكن لهم ملك أو شرك، فلم يبق إلا المسكوت عنه، وهو أنهم مربوبون مقهورون كبقية الكائنات، وحذف ما دل عليه السياق أمر مطرد في التنزيل وهو مئنة من البلاغة إذ المنطوق دال على المسكوت، فذكر ما دل الدليل عليه حشو يتنزه عنه كلام آحاد العباد ممن لهم منطق بليغ فكيف بكلام رب العباد؟!!، فكيف يصح في الأذهان اتخاذهم شركاء لله، عز وجل، الرب المتفرد بكمال الخلق والإبداع والتدبير، وهل ذلك إلا من التسوية بين المختلفات التي تأباه العقول الصريحات؟!!، ولازم تفرده، جل وعلا، بكمال الربوبية: وجوب إفراده بكمال الألوهية، فإن ذلك السبر والتقسيم ما جاء إلا نفيا لصفات الربوبية عن تلك الآلهة وإثباتا لها للرب المتفرد جل وعلا.
ومع ذلك الإثبات الحاسم غير المتردد جاء نفي الشفاعة إلا لمن أذن الله، عز وجل، له، مع رضاه عن المشفوع له بأن يكون من أهل التوحيد، كما قرر ذلك أهل العلم باستقراء نصوص الشفاعة، وذلك، أيضا، مئنة من تمام ربوبيته، عز وجل، فإن ملوك الدنيا يفتقرون إلى الظهراء والمعاونين، فإذا شفع أولئك عندهم اضطروا إلى قبول شفاعاتهم استبقاء لولائهم، إذ لا غنى لهم عنهم، وذلك أمر فاش في المُلْك الجائر المستبد إذ يغض الملك طرفه عن كثير من تجاوزات أعوانه، ويقبل كثيرا من شفاعاتهم، وإن كانت باطلة، لأنه لا بقاء لعرشه إلا بمعونتهم، وذلك أمر يدل على نقص في الملك والتدبير، ومثل ذلك لا يتصور في حق الرب القاهر، جل وعلا، الذي علا بذاته وشأنه وقهره، فكل الكائنات مقهورة بإرادته الكونية النافذة، فظهر الفرق بنفي تلك الشفاعة الباطلة عن الرب، جل وعلا، مع ثبوتها في حق ملوك الدنيا، وإثبات الشفاعة الشرعية المقبولة بشرطيها: الإذن للشافع والرضا عن المشفوع له كما تقدم.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وجواب أهل السنة، (أي عن آيات نفي الشفاعة من قبيل قوله تعالى: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين")، أن هذا يراد به شيئان:
أحدهما: أنها لا تنفع المشركين كما قال تعالى في نعتهم: {ما سلككم في سقر} {قالوا لم نك من المصلين} {ولم نك نطعم المسكين} {وكنا نخوض مع الخائضين} {وكنا نكذب بيوم الدين} {حتى أتانا اليقين} {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} فهؤلاء نفي عنهم نفع شفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفارا.
والثاني: أنه يراد بذلك نفي الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك ومن شابههم من أهل البدع: من أهل الكتاب والمسلمين الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه كما يشفع الناس بعضهم عند بعض فيقبل المشفوع إليه شفاعة شافع لحاجته إليه رغبة ورهبة وكما يعامل المخلوق المخلوق بالمعاوضة". اهـ
"رسالة التوسل"، ص31.
(يُتْبَعُ)
(/)
فهل هذا النفي الحاصر القاصر بأقوى أساليب القصر: النفي والاستثناء: (وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) يصدر ممن يتشكك فيما أتى به؟!!!.
وبعد ذلك يأتي الاستفهام: "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ":، أي: الله يرزقكم، فحذف المسند إيجازا لدلالة السؤال عليه، وهو سؤال تقرير لا استعلام، فلم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجهل الجواب، وإنما أراد استنطاق الخصم بالحجة إمعانا في إلزامه بها، وذلك من أبلغ ما يكون في إقامة الحجة على المخالف، وجاء الرد عقيب ذلك مباشرة بلا شك أو تردد: الله، فهل هذا خطاب شاك متردد.
ثم جاء النص محل النزاع بعد كل تلك التقريرات الجازمة: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فجاء الظرف في الهدى ظرف استعلاء، إذ الهدى مظنة استعلاء صاحبه، مصداق قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، و: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، وجاء في الضلال ظرف إحاطة وانغماس وذلك بحال الضلال أليق فصاحبه منغمس فيه غارق في دياجيره.
وإلى ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: "واختلافُ الجارِين للإيذان بأنَّ الهاديَ كمن استعلى مناراً ينظرُ الأشياءَ ويتطلَّع عليها والضَّالُّ كأنَّه منغمسٌ في ظلامٍ لا يَرى شيئاً أو محبوسٌ في مطمورةٍ لا يستطيعُ الخروجَ منها". اهـ
وبقي أن يقال بأن استعمال "أو" في هذا السياق هو من باب: التنزل مع الخصم بإنصافه في الخطاب، ولو كان قوله باطلا وحجته متهافتة، على وزان قول المظلوم لمن ظلمه: قتل الله الظالم منا، والظالم معلوم ابتداء.
وإلى ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:
"وهذا من الإنصاف في الخطاب الذي كل من سمعه من ولى وعدو قال لمن خوطب به قد أنصفك صاحبك كما يقول العادل الذي ظهر عدله للظالم الذي ظهر ظلمه: الظالم أما أنا وإما أنت لا للشك في الأمر الظاهر ولكن لبيان أن أحدنا ظالم ظاهر الظلم وهو أنت لا أنا". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 91، 92).
وكذلك أشار إليه أبو السعود، رحمه الله، بقوله: "وهذا بعد ما سبق من التَّقرير البليغ النَّاطقِ بتعيين من هُو على الهدى ومن هو في الضَّلالِ أبلغ من التَّصريحِ بذلك لجريانه على سَننِ الإنصاف المُسكتِ للخَصمِ الألدِّ". اهـ
وأبو حيان، رحمه الله، في "البحر المحيط" بقوله:
"والمعنى: أن أحد الفريقين منا ومنكم لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال، أخرج الكلام مخرج الشك والاحتمال. ومعلوم أن من عبد الله ووحده هو على الهدى، وأن من عبد غيره من جماد أو غيره في ضلال. وهذه الجملة تضمنت الإنصاف واللطف في الدعوى إلى الله، وقد علم من سمعها أنه جملة اتصاف، والرد بالتورية والتعريض أبلغ من الرد بالتصريح، ونحوه قول العرب: أخزى الله الكاذب مني ومنك، يقول ذاك من يتيقن أن صاحبه هو الكاذب، ونظيره قوله الشاعر:
فأني ماوأيك كان شراً ******* فسيق إلى المقادة في هوان
وقال حسان:
أتهجوه ولست له بكفؤ ******* فشركما لخيركما الفداء. (وهل يشك عاقل في أن حسان، رضي الله عنه، كان يعلم خيرهما من شرهما، وهل أحد من البشر، مؤمنهم وكافرهم، خير من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكيف بخصومه الذين هجوه من الكفار الأصليين، أيتطرق الشك إلى نفس عاقل في أنه خير منهم وأعلى منزلة؟!!!).
وهذا النوع يسمى في علم البيان: استدراج المخاطب. يذكر له أمراً يسلمه، وإن كان بخلاف ما ذكر حتى يصغي إليه إلى ما يلقيه إليه، إذ لو بدأ به بما يكره لم يصغ، ولا يزال ينقله من حال إلى حال حتى يتبين له الحق ويقبله. وهنا لما سمعوا الترداد بينه وبينهم، ظهر لهم أنه غير جازم أن الحق معه، فقال لهم بطريق الاستدلال: إن آلهتكم لا تملك مثقال ذرة، ولا تنفع ولا تضر، لأنها جماد، وهم يعلمون ذلك، فتحقق أن الرازق لهم والنافع والضار هو الله سبحانه". اهـ
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا أسلوب جار على لسان العرب، وقد ورد نحوه في قوله تعالى في سورة مؤمن آل فرعون: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).
فقدم احتمال كونه كاذبا مع تيقنه من صدقه إمعانا في إظهار النصح لقومه، فليس منحازا إلى صفه، بل هو ناصح لهم مشفق عليهم مما قد يصيبهم إن كان صادقا في نفس الأمر، وذلك غاية الإنصاف في الخطاب.
وإليه أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله:
"ثم أخذَهُم بالاحتجاجِ من بابِ الاحتياطِ، فقالَ {وَإِن يَكُ كاذبا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} لا يتخطَّاهُ وبالُ كذبِه فيُحتاجَ في دفعه إلى قتلِه {وَإِن يَكُ صادقا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذى يَعِدُكُمْ} أيْ إنْ لَم يُصبكم كلُّه فلاَ أقلَّ منْ إصابةِ بعضِه لا سيَّما إنْ تعرضتُم له بسوءٍ، وهَذا كلامٌ صادرٌ عن غايةِ الإنصافِ وعدمِ التعصبِ ولذلكَ قدَّمَ من شِقَّيْ الترديدِ كونَهُ كاذباً أو يُصبْكُم ما يعدُكُم من عذابِ الدُّنيا وهو بعضُ ما يعدُهم كأنَّه خوَّفُهم بما هو أظهرُ احتمالاً عندَهُم". اهـ
وأبو حيان، رحمه الله، بقوله:
"وقال صاحب التحرير والتحبير: هذا نوع من أنواع علم البيان تسميه علماؤنا استدراج المخاطب، وذلك أنه لما رأى فرعون قد عزم على قتل موسى، والقوم على تكذيبه، أراد الانتصار له بطريق يخفي عليهم بها أنه متعصب له، وأنه من أتباعه، فجاءهم من طريق النصح والملاطفة فقال: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله}، ولم يذكر اسمه، بل قال رجلاً يوهم أنه لا يعرفه ولا يتعصب له، {أن يقول ربي الله}، ولم يقل رجلاً مؤمناً بالله، أو هو نبي الله، إذ لو قال شيئاً من ذلك لعلموا أنه متعصب.
ولم يقبلوا قوله، ثم اتبعه بما بعد ذلك، فقدم قوله: {وإن يك كاذباً}، موافقة لرأيهم فيه. ثم تلاه بقوله: {وإن يك صادقاً}، ولو قال هو صادق وكل ما يعدكم، لعلموا أنه متعصب، وأنه يزعم أنه نبي، وأنه يصدقه، فإن الأنبياء لا تخل بشيء مما يقولونه، ثم أتبعه بكلام يفهم منه أنه ليس بمصدق، وهو قوله: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب}. انتهى". اهـ
ومثله قوله تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
فجاء بالشرط: إن كنت على بينة من ربي، ولم يقل أحد بأنه شاك فيما جاء به من الحق، وإنما تنزل معهم في الخطاب استدراجا.
وإليه أشار أبو حيان، رحمه الله، في "البحر المحيط" بقوله: "قال: يا قوم أرأيتم إن كنت هذه مراجعة لطيفة واستنزال حسن، واستدعاء رقيق، ولذلك قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك خطيب الأنبياء» وهذا النوع يسمى استدراج المخاطب عند أرباب علم البيان، وهو نوع لطيف غريب المغزى يتوصل به إلى بلوغ الغرض، وقد ورد منه في قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه، وفي قصة نوح وهود وصالح، وفي قصة مؤمن آل فرعون مع قومه". اهـ
وذلك، عند التحقيق، مئنة من بلاغة الكتاب المنزل، لا داعٍ إلى التشكيك فيه، وعذر من توهم ذلك عجمة اللسان وقصور الفهم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 01 - 2009, 08:38 ص]ـ
ومثله في قطع النص عن سياقه الذي ورد فيه:
(يُتْبَعُ)
(/)
قوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، فاللام في: "لكم": مشعرة بالاختصاص وتقديم ما حقه التأخير مئنة من ذلك، فليس الأمر إقرارا بل هو براءة من دين الكفار، على وزان قوله تعالى: (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)، فإنه يقال فيه ما قد قيل في الآية السابقة من إشعار اللام بالاختصاص، وتقديم ما حقه التأخير، وجاء النص على البراءة من المخالف في هذا السياق قطعيا لا يقبل الظن على جهة المقابلة، التي استوفت حد البراءة من الطرفين، فإن البراءة أشد ما تكون إذا كانت متبادلة بين أطراف النزاع، فلا يبقي أحدهم على ود خصمه أو صلته، بل هي مفاصلة تامة.
والنظر إلى الآية في سياقها يزيل شبهة إقرار الكافر على كفره: إقرار الراضي المحب، إذ صدرت السورة بقوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، والنداء بالصفة المشبهة المشتقة من معنى الكفر الذي هو الجحود وستر الإيمان مئنة من الإنكار وعدم الإقرار، فهل يرضى أحد عن دين غيره إذا وصفه بالكافر، ولا يلزم من ذلك قتله إن كان معاهدا أو ظلمه إن كان بريئا، فإن الشأن في أمر العقائد غير الشأن في أمر المعاملات اليومية، فالأولى: خط أحمر بلغة ساسة العصر!!!، والثانية: مما يجمل بالمرء التسامح فيه، فأمور المعاش مما يستوي فيه البر والفاجر، فكل يأكل ويشرب وينام ................ إلخ فلا اختصاص لأحد بها لتصير معقد ولاء وبراء كالأديان التي هي محط الابتلاء وموضع الامتحان، فلا يمتحن الناس في قبورهم بأمر دنياهم وإنما يمتحنون بما كسبت قلوبهم.
وبعدها جاءت البراءة: "لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ" على طريقة المقابلة أيضا، وتسلط النفي على عموم: "ما" فلا أعبد الإله الذي صفته صفة إلهكم، وإن اشترك الكل في اسم: "الله"، فإن كلا يدعي أنه يعبد الله، والعبرة بالمعاني لا بالمباني.
ثم كرر ذلك توكيدا: "وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ"
ثم جاء النص باختصاص كلٍ بدينه، فلكل مقالته في الإلهيات، والحق واحد لا يتعدد، وهو ما جاءت به النبوات.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وكذلك قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}. فإن هذه الكلمة كقوله: {لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}. وهي كلمة توجب براءته من عملهم وبراءتهم من عمله فإن حرف اللام في لغة العرب يدل على الاختصاص فقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}: يدل على أنكم مختصون بدينكم لا أشرككم فيه وأنا مختص بديني لا تشركوني فيه كما قال: {لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} ولهذا قال النبي في: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}: "هي براءة من الشرك".
وليس في هذه الآية أنه رضي بدين المشركين ولا أهل الكتاب كما يظنه بعض الملحدين ولا أنه نهى عن جهادهم كما ظنه بعض الغالطين وجعلوها منسوخة بل فيها براءته من دينهم وبراءتهم من دينه وأنه لا تضره أعمالهم ولا يجزون بعمله ولا ينفعهم.
وهذا أمر محكم لا يقبل النسخ ولم يرض الرسول بدين المشركين ولا أهل الكتاب طرفة عين قط ومن زعم أنه رضي بدين الكفار واحتج بقوله تعالى: {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين}. فظن هذا الملحد أن قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} معناه أنه رضي بدين الكفار ثم قال هذه الآية منسوخة فيكون قد رضي بدين الكفار وهذا من أبين الكذب والافتراء على محمد فإنه لم يرض قط إلا بدين الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه ما رضي قط بدين الكفار لا من المشركين ولا من أهل الكتاب.
وقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} لا يدل على رضاه بدينهم بل ولا على إقرارهم عليه بل يدل على براءته من دينهم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذه السورة براءة من الشرك".
ونظير هذه الآية قوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}. وكذلك قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}. وقد يظن بعض الناس أيضا أن قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} الآية أني لا آمر بالقتال ولا أنهي عنه ولا أتعرض له بنفي ولا إثبات وإنما فيها أن دينكم لكم أنتم مختصون به وأنا بريء منه وديني لي وأنا مختص به وأنتم برآء منه.
وهذا أمر محكم لا يمكن نسخه بحال كما قال تعالى عن الخليل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} ". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 36، 37).
والله أعلى وأعلم.(/)
ما الفرق بين الإيضاح والتوضيح؟
ـ[طالبة_ماجستير]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 04:20 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
ما هو الفرق بين معنى الإيضاح والتوضيح؟
وفي أي المواطن أقول إيضاح وتوضيح؟
أرجو الإفادة
ـ[طالبة_ماجستير]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 08:38 م]ـ
أين أنتم؟؟
ـ[سيف بن ذي يزن]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 08:46 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
الايضاح: مصدر للفعل أوضح
التوضيح: مصدر للفعل وضّح الذي يفيد التكثر، فقد يكون التوضيح أكثر تفصيلا من الايضاح.
والله أعلم.
ـ[طالبة_ماجستير]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 08:52 م]ـ
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك على هذا التوضيح:)(/)
سؤال بارك الله فيكم
ـ[عزّي إيماني]ــــــــ[31 - 01 - 2009, 01:24 م]ـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
خلال قراءتي لسورة الكهف، دائما ما تستوقفني ثلاث آيات تثير الحيرة في نفسي ..
سأعرضها علّي أجد جوابا شافيا ..
من خلال قصة موسى مع العبد الصالح ..
تأملوا معي قوله تعالى
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً}
{وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً}
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} الكهف
__________
لماذا عند ذكر السفينة جاءت الصيغة " فأردت "
وعند قتل الغلام " فخشينا "
وعند ذكر الجدار " فأراد ربك "؟
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[31 - 01 - 2009, 03:59 م]ـ
الآيات هي:
الآية الاولى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) الآية 79
الآية الثانية: (فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) الآية 81
الآية الثالثة: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً) الآية 82
[ line]
الملاحظ في القرآن كله أن الله تعالى لا ينسب السوء إلى نفسه أما الخير والنِعم فكلها منسوبة إليه تعالى كما في قوله (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسّه الشر كان يؤوسا) ولا نجد في القرآن فهل زيّن لهم سوء أعمالهم أبدا إنما نجد (زُيّن لهم سوء أعمالهم) وكذلك في قول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (الذي يميتني ثم يحيين) وقوله (وإذا مرضت فهو يشفين) ولم يقل يمرضني تأدباً مع الله تعالى. (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً {79}) في هذه الآية الله تعالى لا ينسب العيب إلى نفسه أبداً فكان الخضر هو الذي عاب السفينة فجاء الفعل مفرداً.
(فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً {81}) في هذه الآية فيها اشتراك في العمل قتل الغلام والإبدال بخير منه حسن فجاء بالضمير الدالّ على الإشتراك. في الآية إذن جانب قتل وجانب إبدال فجاء جانب القتل من الخضر وجاء الإبدال من الله تعالى لذا جاء الفعل مثنّى.
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {82}) في هذه الآية الجدار كلّه خير فنسب الفعل لله وحده وأنه يدلّ على أن الله تعالى هو علاّم الغيوب وسبق في علمه أن هذا الجدار تحته كنز لهما وأنه لو سقط سيأخذ أهل القرية المال من الأولاد اليتامى وهذا ظلم لهم والله تعالى ينسب الخير لنفسه عزّ وجلّ. وهذا الفعل في الآية ليس فيه اشتراك وإنما هو خير محض للغلامين وأبوهما الصالح والله تعالى هو الذي يسوق الخير المحض. وجاء بكلمة رب في الآيات بدل لفظ الجلالة (الله) للدلالة على أن الرب هو المربي والمعلِّم والراعي والرازق والآيات كلها في معنى الرعاية والتعهد والتربية لذا ناسب بين الأمر المطلوب واسمه الكريم سبحانه.
سبحان الله العلي القدير.
[من إجابات الدكتور فاضل السامرائي في البرنامج المعروف لمسات بيانية]
ـ[عزّي إيماني]ــــــــ[01 - 02 - 2009, 09:09 ص]ـ
بارك الله فيك أخي وجزاك عني خير الجزاء(/)
الاستفهام و أغراضه؟؟ ..
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[31 - 01 - 2009, 08:41 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
[ line]
.. أتمنى أن أحصل على روابط عديدة تشرح لي بطريقة سهلة الأغراض البلاغية للإستفهام و التفريق بين بعض الأغراض القريبة كـ النفي و الإنكار .. و التهويل و التعظيم .. و النهي و الأمر .. مع كثرة الأمثلة القرآنية و الشعرية .. و شكرا لكم .. :)
[ line]
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[01 - 02 - 2009, 09:41 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
تفضل أخي:
http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?t=42503(/)
ضروبُ الجماعاتِ في اللغة ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[01 - 02 - 2009, 10:37 م]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1 - (في تَرْتِيب جَمَاعَاتِ النَّاسِ وَتَدْرِيجهَا مِنَ القِلَّةِ إلى الكَثْرَةِ عَلَى القِيَاسِ والتَّقْرِيبِ):
نَفَر، وَرَهْطٌ، ولُمة، وشِرْذِمَة.
ثُمَّ قَبِيل، وَعُصْبَة، وَطَائِفَةٌ.
ثُمَّ ثُبَة، وثُلَّة.
ثُمَّ فَوْجٌ، وفِرْقَةٌ.
ثُمَّ حِزْب، وزُمْرَة، وزُجْلَة.
ثُمَّ فِئَامٌ، وجِزْلَة، وحَزِيقٌ، وَقِبْصٌ، وَجُبلَةٌ، وجُبُلُّ.
http://www.alrumih.com/vb/images/uploads/216_7879497895ae87f42.gif
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[01 - 02 - 2009, 10:39 م]ـ
2 - (في تَفْصِيلِ ضُرُوبٍ مِنَ الجَمَاعَاتِ):
إذا كَانُوا أَخْلاَطًا وضُروبًا مُتَفَرِّقِينَ فَهُمْ: أفْنَاءُ، وأوْزَاعٌ، وأوْبَاشٌ، وأَعْنَاق، وأشَائِبُ.
فإذا احْتَشَدُوا في اجْتِمَاعِهِمْ فَهُمْ: حَشْدٌ.
فإذا حُشِروا لأَمْرٍ مَا فَهُمْ: حَشْرٌ.
فإذا ازْدَحَمُوا يَرْكَبُ بَعْضُهْم بَعْضًا فَهُمْ: دُفَّاع.
فإذا كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا مِنَ الرَّجَّالَةِ فَهُمْ: حَاصِب.
فإذا كَانُوا فُرْسَانًا فَهمْ: مَوكِبٌ.
فإذا كَانُوا بَفي أبٍ وَاحِدٍ فَهُمْ: قَبِيلةٌ.
فإذا كَانُوا بَفي أبِ واحدٍ وأمٍّ وَاحِدَةٍ فَهُم: بَنُو الأعْيَانِ.
فإذا كَانَ أبُوهُمْ واحِدًا وأُمَّهاتُهُمْ شَتَّى فَهُمْ: بَنُو الَعَلاَّتِ.
فإذا كَانَتْ أُمُّهُمْ وَاحِدَةً وآباؤهُمْ شَتَّى فَهُمْ: بَنُو الأَخْيَافِ.
http://www.alrumih.com/vb/images/uploads/216_7879497895ae87f42.gif
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[01 - 02 - 2009, 10:40 م]ـ
3 - (في تَدْرِيجِ القَبِيلَةِ مِنَ الكَثْرَةِ إلى القِلَّةِ):
الشَّعْبُ - بِفَتْحِ الشِّينِ - أَكْبَرُ مِنَ القَبِيلَةِ.
ثُمَّ القَبِيلَةُ.
ثُمَّ العِمَارَةً - بِكَسْرِ العَيْنِ -.
ثُمَّ البَطنُ.
ثُمَّ الفَخِذُ.
http://www.alrumih.com/vb/images/uploads/216_7879497895ae87f42.gif
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[01 - 02 - 2009, 10:42 م]ـ
4 - (تدريج آخر للقبيلة من الكثرة إلى القلة):
الشَّعْبُ.
ثُمَّ القَبِيلَةُ.
ثُمَّ الفَصِيلَةُ.
ثُمَّ العَشِيرَةُ.
ثُمَّ الذُّرِّيَّةُ.
ثُمَّ العِتْرَةُ.
ثُمَّ الأسْرَة.
http://www.alrumih.com/vb/images/uploads/216_7879497895ae87f42.gif
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[01 - 02 - 2009, 10:44 م]ـ
5 - (في تَفْصِيلِ جَمَاعَاتٍ شَتّى):
جِيلٌ مِنَ النَّاسِ.
كَوْكَبَةٌ مِنَ الفُرْسَانِ.
حِزْقَة مِنَ الغِلْمَانِ.
حَاصِب مِنَ الرِّجَالِ.
كَبْكَبَةٌ مِنَ الرَّجَّالَةِ.
لُمَّة مِنَ النِّسَاءِ.
رَعِيل مِنَ الخَيْلِ.
صِرْمَةٌ مِنَ الإِبِل.
قَطِيعٌ مِنَ الغَنَمِ.
عَرْجَلَة مِنَ السِّبَاعِ.
سِرْب مِنَ الظِّبَاءِ.
عِصَابَةٌ مِنَ الطَّيْرِ.
رِجْلٌ مِنَ الجَرَادِ.
خَشْرَمٌ مِنَ النَّحْلِ.
http://www.alrumih.com/vb/images/uploads/216_7879497895ae87f42.gif
من كتاب: فقه اللغة وسر العربية، لأبي منصور الثعالبي.(/)
{ .. وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ}
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[02 - 02 - 2009, 06:30 ص]ـ
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} الصف/5
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ}
معلوم أن (قد) مع الماضي تفيد التحقيق , فلم جيء بالفعل المضارع (تعلمون) ولم يؤتى بالفعل الماضي (علمتم)؟
إن صيغة المضارع تأتي للدلالة على الاستمرار، وقد جيء بالأداة {قد} مع الفعل المضارع للدلالة على تجدد علمهم بأنه رسول الله بتجدد الآيات والوحي، إذ لو جيء بالفعل الماضي لما دلّ على أكثر من حصول ذلك العلم فيما مضى, ولعله قد طرأ عليه ما يبطله, لأن الإنسان قد يعرف الشيء وينساه، ولكن النسيان يقل ويصعب إذا كان العلم بالشيء متجددا. وفي هذا المورد أقيمت الحجة على قوم موسى أكثر من مرة بتجدد التبليغ المرة تلو الأخرى تأكيدا على رسالة نبي الله موسى, وهذا يدعم استحقاقهم للتوبيخ بسبب إيذائهم لنبي الله موسى بعد توالي الحجج على نبوته بشكل متكرر.
قال الزمخشري في الكشاف:
" فإن قلت: ما معنى (قد) في قوله {قَدْ تَعْلَمُونَ}؟ قلت: معناه التوكيد كأنه قال: وتعلمون علماً يقينًا لا شبهة لكم فيه. "
ـ[بدر السياب]ــــــــ[19 - 02 - 2009, 02:55 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
جزاك الله خيرا أخي الفاضل على التوضيح:)
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[19 - 02 - 2009, 11:09 م]ـ
الأخ الكريم بدر السياب:
شكرا لتواصلكم.
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[03 - 05 - 2009, 06:45 م]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك لكم(/)
استقراء موارد "من" في لغة العرب
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 02 - 2009, 08:11 ص]ـ
يقول ابن هشام، رحمه الله، وهو من أصحاب الاستقراء التام في العربية:
"من" تأتي على خمسة عشر وجها:
أحدها:
ابتداء الغاية:
وهو الغالب عليها، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه، كما أشار إلى ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب" وتقع في:
الزمان: كقوله تعالى: (من أول يوم)، فالمعنى: ابتداء الغاية الزمانية من أول يوم.
وفي الحديث: (فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة)، فالمعنى: ابتداء غاية المطر من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة التالي، وهذا قول الكوفيين والأخفش والمبرد وابن درستويه.
والمكان: كقوله تعالى: (من المسجد الحرام)، قالمعنى: أن ابتداء الغاية المكانية من المسجد الحرام.
والأشخاص: كقوله تعالى: (إنه من سليمان)، أي أنه صادر من سليمان صلى الله عليه وسلم، فهو ابتداء غايته.
وذات الله عز وجل: كما في قوله تعالى: (وروح منه): فالمعنى: أن عيسى صلى الله عليه وسلم روح من الأرواح التي ابتدأ الله، عز وجل، خلقها، لا أنه جزء من ذات الله، عز وجل، كما قد علم من مقالة النصارى فـ: "من"، كما تقدم، قد تستخدم لغير التبعيض، فتستخدم لابتداء الغاية، كقولك: سافرت من القاهرة، أي: ابتدأت سفري من القاهرة، فلا يعقل أن يكون المعنى سافرت جزءا أو بعضا من القاهرة، وكذا في هذه الآية: (وروح منه)، أي روح من الأرواح التي ابتدأ الله، عز وجل، خلقها، وهذا وصف يصدق على كل إنسان، فالله، عز وجل، ابتدأ خلق أرواحنا جميعا، فهو الخالق المقدر، البارئ المخرج لخلقه من حيز العدم إلى حيز الوجود، المصور للكائنات بما يحصل به التمايز بينها، فصورة زيد تباين صورة عمرو، وإن تشابهتا في الأصل، فإنه لا بد من قدر فارق يتميز به كل فرد عن الآخر، وإنما خص المسيح صلى الله عليه وسلم بهذه الإضافة تشريفا، كإضافة البيت إلى ربه، والناقة إلى خالقها، فهي من إضافة المخلوق إلى خالقه، لا الصفة إلى موصوفها، فـ: "رب البيت": صاحبه، وهو مخلوق بائن من ذاته، فإضافته: إضافة مخلوق إلى خالقه، و: "رب العزة": صاحبها، وهي صفة قائمة بذاته، فإضافتها: إضافة صفة إلى موصوفها، وهذا فيصل بين مقالة أهل التوحيد ومقالة أهل التثليث في ذات المسيح عليه السلام، فجهة الإضافة عند الأولين: إضافة مخلوق إلى خالق، وجهة الإضافة عند الآخرين: إضافة صفة إلى موصوف، ودعوى أن أقنوم الكلمة الذي هو العلم قد اتحد بناسوت المسيح، عليه السلام، دعوى يحيلها العقل، إذ الصفة لا تتجسد في ذات، وإنما تقوم بها قيام صفة بذات متصفة بها، فالموصوف: ذات قامت بها صفات، فلا يتصور تجرد الذات عن الصفات في مقابل صفات قائمة بنفسها، إلا في الذهن، فإنه قد يجرد المعاني، فتصير مطلقة، فيتصور: كلمة مطلقة، وحياة مطلقة ........... إلخ، ودائرة التصور الذهني أوسع من دائرة الوجود الخارجي، فالذهن قد يتصور الممكنات أو يفرض المحالات، ولا يلزم من ذلك حصولها خارجه، يقول ابن أبي العز رحمه الله:
"وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى صِفَاتِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ أَنَّهُ " غَيْرُهُ "، وَلَا أَنَّهُ " لَيْسَ غَيْرَهُ ". لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِثْبَاتِ قَدْ يُشْعِرُ أَنَّ ذَلِكَ مُبَايِنٌ لَهُ، وَإِطْلَاقَ النَّفْيِ قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ هُوَ، إِذْ كَانَ لَفْظُ " الْغَيْرِ " فِيهِ إِجْمَالٌ، فَلَا يُطْلَقُ إِلَّا مَعَ الْبَيَانِ وَالتَّفْصِيلِ: فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ هُنَاكَ ذَاتًا مُجَرَّدَةً قَائِمَةً بِنَفْسِهَا مُنْفَصِلَةً عَنِ الصِّفَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا - فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ الصِّفَاتِ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ الَّتِي يُفْهَمُ مِنْ مَعْنَاهَا غَيْرُ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَعْنَى الصِّفَةِ - فَهَذَا حَقٌّ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الصِّفَاتِ، بَلِ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الثَّابِتَةِ لَهَا لَا تَنْفَصِلُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يَعْرِضُ للذِّهْنُ ذَات وَصِفَة، كُلٌّ وَحْدَهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي
(يُتْبَعُ)
(/)
الْخَارِجِ ذَاتٌ غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ، فَإِنَّ هَذَا مُحَالٌ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا صِفَةَ الْوُجُودِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْوْجُودِ، وَإِنْ كَانَ الذِّهْنُ يَفْرِضُ ذَاتًا وَوُجُودًا، يَتَصَوَّرُ هَذَا وَحْدَهُ، وَهَذَا وَحْدَهُ، لَكِنْ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ فِي الْخَارِجِ". اهـ
"شرح العقيدة الطحاوية"، ص77.
فدعوى النصارى أمر ذهني مطلق، تتجسد فيه المعاني في ذوات مستقلة توصف بها الذات الإلهية، فالأقنوم مع استقلاله الذاتي يصح وصف الذات الإلهية به، فينزل منزلة الوصف المعنوي، فيلزم من ذلك وصف الذات بالذات، أو قيام الذات المستقلة بذات أخرى مستقلة قيام الصفة بالموصوف، وهذا أمر محال لذاته لا تأتي به نبوة، إذ علوم النبوات الصحيحات لا تعارض العقول الصريحات.
فإذا تجسدت كلمة الله في ناسوت المسيح، وتجسدت حياته في أقنوم الروح القدس، صارت تلك الصفات إلى فناء بفناء تلك الأجساد، وفناء الصفة مئنة من فناء الموصوف، فتضمنت الدعوى:
جواز انفصال أو انبثاق الصفات عن موصوفها، وصيرورتها إلى الفناء بفناء الذوات أو الأقانيم التي تجسدت فيها.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وإن قالوا، (أي: النصارى)، المتحد به هو العلم فالعلم صفة لا تفارق العالم ولا تفارق الصفة الأخرى التي هي حياة فيمتنع أن يتحد به العلم دون الذات ودون الحياة ................ والعلم أيضا صفة والصفة لا تخلق ولا ترزق والمسيح نفسه ليس هو صفة قائمة بغيرها باتفاق العقلاء وأيضا فهو عندهم خالق السماوات والأرض فامتنع أن يكون المتحد به صفة فإن الإله المعبود هو الإله الحي العالم القادر وليس هو نفس الحياة ولا نفس العلم والكلام.
فلو قال قائل يا حياة الله أو يا علم الله أو يا كلام الله اغفر لي وارحمني واهدني كان هذا باطلا في صريح العقل ولهذا لم يجوز أحد من أهل الملل أن يقال للتوراة أو الإنجيل وغير ذلك من كلام الله اغفر لي وارحمني وإنما يقال للإله المتكلم بهذا الكلام اغفر لي وارحمني.
والمسيح عليه السلام عندكم هو الإله الخالق الذي يقال له اغفر لنا وارحمنا فلو كان هو نفس علم الله وكلامه لم يجز أن يكون إلها معبودا فكيف إذا لم يكن هو نفس علم الله وكلامه بل هو مخلوق بكلامه حيث قال له كن فيكون". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 133).
ويقال أيضا: تجسد المسيح عليه السلام من مريم البتول، عليها السلام، وروح القدس، عليه السلام، يلزم منه: حلول أقنومين في ذات واحدة، أو: حلول ذاتين في ذات واحدة، على ما تقرر من استقلال الأقانيم استقلال ذوات قائمة بنفسها، فالمسيح عليه السلام: أقنوم الكلمة، والروح القدس، عليه السلام، أقنوم الحياة، فتجسد أقنوما: الكلمة والحياة في ذات واحدة، مع ادعاء اتصاف الذات القدسية بكليهما، وذلك مما يزيد الأمر استحالة، فذات تتصف بذاتين، وإحداهما قد حلت فيها: ذاتان أو أقنومان!!!!.
وبتوالي اللوازم العقلية التي تحيل هذه المقالة يزداد الأمر تعقيدا فالخرق قد اتسع على الراتق الذي يرتقه من جانت فينفتق من آخر وهكذا في دائرة مفرغة إذ المقالة في نفسها باطلة وإن لم تقم الأدلة على ذلك، فالدليل الفطري المنزه للباري، عز وجل، عن النقائص يردها، والعقل الصريح يردها، ولا يدري الناظر كيف تقنع أنفس عوام النصارى بهذه المقالة المحالة في ذاتها، بدعوى أن ذلك أمر فوق طاقة العقل، فيكون الإيمان عندهم من جنس التكليف بالمحال، وهو غير واقع شرعا، وإن جوزه بعض المتكلمين عقلا، ولجواز وقوع الدعوى يجب أن تكون ابتداء: واجبة كصفات الكمال للباري، عز وجل، أو جائزة على أقل تقدير، فيتوقف فيها حتى يرد الدليل المرجح لصحتها أو بطلانها، وذلك لا يتلقى إلا من طريق النبوات، إذا كان محل النزاع مسألة خبرية لا تدرك إلا بنقل صحيح، فأقل الأحوال: الإمكان العقلي، أماأن يكون الأمر محالا شرعا وعقلا ويكلف به الإنسان فذلك مما لم تأت به النبوات فإن العقل الصريح لا يعارض النقل السمعي الصحيح، وإن توهمه من توهمه لنقص في العلم أو سوء طوية.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
(يُتْبَعُ)
(/)
"فإذا كان، (أي: المسيح عليه السلام)، تجسد من روح القدس ومريم فإن كان روح القدس هو حياة الله كما زعمتم فيكون المسيح كلمة الله وحياته، (فاجتمع فيه الأقنومان)، فيكون لاهوته أقنومين من الأقانيم الثلاثة وعندهم إنما هو أقنوم الكلمة فقط". اهـ
بتصرف من: "الجواب الصحيح"، (2/ 136).
وقياس الأقنومين على شعاع الشمس وحرارته كما ذهب إلى ذلك بعض علماء النصرانية: قياس مع الفارق إذ قيست فيه الذوات المستقلة على المعاني المقيدة بذوات متصفة بها على التفصيل المتقدم.
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
فابتداء تلك الدرجات من الله، عز وجل، فهو الذي تفضل بها على عباده المجاهدين، فمنه صدرت: صدور المخلوق من خالقه، إذ لا يتصور أن تكون تلك الدرجات جزءا من ذاته القدسية، فإنها منزهة عن الحلول في مخلوق، وعن حلول مخلوق فيها، وتلك الدرجات مَحَالٌ لعباده، فلا يتصور حلولهم في شيء من ذاته القدسية، وإنما المراد حلولهم في درجات من الجنان المخلوقة وعدهم الله، عز وجل، إياها، فهي صادرة منه، جل وعلا، صدور المخلوق من خالقه، فبقضائه الكوني النافذ وجدت، وإلى طرف من ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله:
"وقوله تعالى: {مِنْهُ} متعلق بمحذوف وقعَ صفةً لدرجاتٍ دالةً على فخامتها وجلالةِ قدْرِها أي درجاتٍ كائنةً منه تعالى. قال ابن محيريز: هي سبعون درجةً ما بين كلِّ درجتين عدْوُ الفرسِ الجوادِ المُضْمرِ سبعين خريفاً. وقال السدي: هي سبعُمائةِ درجةٍ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ في الجنةِ مائةَ درجةٍ أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماءِ والأرضِ» ". اهـ
فهي درجات في الجنة، والجنة مخلوقة فيكون ما تضمنته مخلوقا بالتبع.
ومنه أيضا:
قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ)، فهي، أيضا، صادرة منه صدور المخلوق من خالقه، فبكلماته الكونيات كانت، فليس المسخر في السماء والأرض بعضا من الله، عز وجل، إلا على قول أهل الاتحاد الذين فاقت مقالتهم مقالة النصارى فحشا، فقالوا باتحاد الذات القدسية بكل الكائنات وإن سفلت، ولهم في ذلك أقوال وأشعار تدل على كفر وزندقة قائلها وناظمها.
ومنه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذبح كبش الأضحية:
"اللهم هذا منك ولك".
فهذا منك: لأنك خلقته لا لأنه جزء منك، فابتداء غاية خلقه منك، لا أنه جزء من ذاتك القدسية فذلك أيضا من المحال الذاتي.
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)
فابتداء غاية خلق البشر من نفس آدم عليه السلام، وابتداء غاية خلق حواء عليها السلام من آدم، وقد يقال بأن "من" في: "وخلق منها" للتبعيض، أيضا، فقد خلقت من ضلعه، وضلعه بعضه، وابتداء غاية خلق ذريتهما: "منهما".
وقول القائل من الأنصار رضي الله عنهم: (مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ)
فـ: "منا": لابتداء الغاية، فابتداء غاية الإمارة من قبيلنا: قبيل الأنصار، وكذلك من المهاجرين، والأليق بـ: "من" في هذا السياق، وإن احتملت ابتداء الغاية، الأليق بها أن تكون جنسية بيانية، أي: من جنسنا أو فصيلنا أمير ومنكم أمير، وقد يقال بأنها للتبعيض، إذ الأمير فرد من الجماعة فهو بعضها، ولا مانع من حمل اللفظ على أكثر من معنى إن لم يقع التعارض بينها.
والغرض مما سبق بيان اطراد هذا المعنى وجريانه على لسان العرب، فكلما كثرت الشواهد ازداد الأمر بيانا، وإذا ما جمع إلى ما سبق: أدلة عبودية المسيح عليه السلام، ازداد الأمر وضوحا، وازدادت الشبهة اضمحلالا، فيكون الاستقراء من وجهين:
من وجه مثبت لاطراد استعمال "من" بهذا المعنى.
ووجه ناف للدعوى التي تمسك بها من تمسك من النصارى استنادا إلى لفظ متشابه.
&&&&&
(يُتْبَعُ)
(/)
والثاني: التبعيض، ومنه قوله تعالى: (منهم من كلم الله)، أي كلم الله، عز وجل، بعضهم، وعلامتها إمكان سد "بعض" مسدها كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (حتى تنفقوا بعض ما تحبون)، وهذا الاستعمال من أشهر استعمالاتها.
ولا يمنع القول به القول بابتداء الغاية، فلو قال قائل: أكلت من الكعكة لصح أن يقال: ابتداء غاية أكله كان من الكعكة وقد تحقق ذلك بأكل جزء منها، فاجتمع في قوله: ابتداء الغاية والتبعيض.
&&&&&
الثالث: بيان الجنس، وكثيرا ما تقع بعد "ما" و "مهما"، وهما بها أولى، لإفراط إبهامهما. اهـ.
والمقصود هنا بيان الجنس، والجنس عام يدخل تحته أنواع متعددة، كجنس الحيوان الذي يدخل تحته أنواع: الإنسان والفرس والشاة ......... إلخ، فناسب إبهامه من جهة عدم تعينه لتعدد الأنواع التي تدخل تحته، ناسب إبهامه: إبهام "ما" و "مهما"، فهما موغلتان في الإبهام كما قرر النحاة.
ومن ذلك:
قوله تعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)، أي ما يفتح الله للناس من جنس الرحمة، فسبقت بـ "ما"، المبهمة، فآل المعنى إلى: ما يفتح الله للناس من أي رحمة فلا ممسك لها، والله أعلم.
وقوله تعالى: (ما ننسخ من آية)، أي من جنس الآيات الشرعية لا آية بعينها.
وقوله تعالى: (مهما تأتنا به من آية)، أي من جنس المعجزات لا معجزة بذاتها.
ومن وقوعهما بعد غير "ما" و "مهما":
قوله تعالى: (يحلون فيها أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق)، أي يحلون فيها أساور من جنس الذهب، ويلبسون ثيابا خضرا قماشها من جنس السندس والإستبرق.
وقوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان)، أي: فاجتنبوا جنس الأوثان كله، لا الأوثان التي تتصف بالرجس دون التي لا تتصف به، فكلها موصوفة بالرجس.
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جليبيب رضي الله عنه:
"قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ"
أي: هو من جنسي، والجنسية هنا: جنسية إيمان وولاء، لا جنسية ذكورة أو مصر أو قبيلة ......... إلخ فهي الوصف الذي تعقد له ألوية الولاء والبراء في قلوب الموحدين.
وقد تجتمع المعاني الثلاثة السابقة في سياق واحد، كما لو قيل لك: ماذا أكلت؟، فأشرت إلى طعام قائلا: أكلت من هذا، فإن ابتداء غاية أكلك كان من جنس هذا الطعام وقد أكلت بعضه، فاجتمعت المعاني الثلاثة في إجابتك.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وأما قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}. فهو أمر بالقول لجميع الكافرين من المشركين وأهل الكتاب فإن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بما أنزل إليه من ربه كافرون قد شهد عليهم بالكفر وأمرهم بجهادهم وكفر من لم يجعلهم كافرين ويوجب جهادهم قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}.
وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}.
وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} وقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
وحرف من في هذه المواضع لبيان الجنس فتبين جنس المتقدم وإن كان ما قبلها يدخل في جميع الجنس الذي بعدها بخلاف ما إذا كان للتبعيض كقوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}. فإنه يدخل في الذين كفروا بعد مبعث النبي جميع المشركين وأهل الكتاب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكذلك دخل في الذين لا يؤمنون بالله والا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق جميع أهل الكتاب الذين بلغتهم دعوته ولم يؤمنوا به وكذلك قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
وإن كان جميعهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهذا إذا كان الجنس يتناول المذكورين.
وغيرهم ولكن لم يبق في الجنس إلا المذكورون كما يقول هنا رجل من بني عبد المطلب وإن لم يكن بقي منهم غيره". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 39).
فلا يقال إن لمنطوق قوله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب): مفهوما، فيكون منهم الكافر المنصوص عليه والمؤمن المسكوت عنه، بل الكل بعد بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كفار إن لم يصدقوا برسالته الخاتمة.
كما أنه لا يقال إن لمنطوق قوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) مفهوما فيكون من الأوثان رجس منصوص عليه وطهر غير منصوص عليه لا يجب اجتنابه، بل الكل رجس واجب الاجتناب.
ويقول ابن هشام رحمه الله:
"وفي كتاب المصاحف لابن الأنباري، رحمه الله، أن بعض الزنادقة تمسك بقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة)، في الطعن على بعض الصحابة، رضي الله عنهم، والحق أن من فيها للتبيين لا التبعيض، أي الذين آمنوا هم هؤلاء، ومثله قوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم)، وكلهم محسن ومتق، وقوله تعالى: (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم)، فالمقول فيهم ذلك كلهم كفار". اهـ
"مغني اللبيب"، (1/ 332).
فليس للآيات السابقة، أيضا، مفهوم مخالفة، ليقال: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة ومن لم يؤمن منهم ويعمل الصالحات فليس له نصيب في هذا الوعد، إذ كيف يجوز ذلك في حق آحاد المؤمنين الصادقين فضلا عن صفوة البشر بعد الأنبياء والمرسلين، عليهم الصلاة والسلام، الصدر الأول: خير طباق الأمة، رضي الله عنهم، وإنما المقصود وعد الله جنسهم أي: كلهم، لأن جنسية "من" تفيد، كما تقدم، العموم فيندرج تحتها جميع أفرادها.
وأهل البدعة كما عهدناهم: أسخف وأسمج الناس استدلالا، ولهم في قصر العمومات على أفراد بعينهم، وإنزال آيات الوعيد على صفوة الخلق من السابقين الأولين، لهم في ذلك باع طويل، فلا يكاد ينقضي عجب الناظر في تفاسيرهم الباطنية التي لا مستند لها من عقل أو نقل كما أشار ابن تيمية، رحمه الله، إلى طرف من ذلك في: "رسالة أصول التفسير".
وفي موضع آخر من التنزيل: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
فهي نص في أن الكل موعود بالحسنى وإن تفاوتت الدرجات تبعا للسبق والبذل في سبيل الله.
&&&&&
رابعا: التعليل، ومنه قوله تعالى: (مما خطيئاتهم أغرقوا)، أي بسبب خطيئاتهم أغرقوا.
ومنه قول الفرزدق يمدح عليا زين العابدين بن الحسين رحمه الله ورضي عن أبيه:
يغضي حياء ويغضى من مهابته ******* فما يكلم إلا حين يبتسم
أي يغضى بسبب مهابته.
ومنه قولك: هزلت من الجوع، أي بسبب الجوع.
&&&&&
خامسا: البدل، ومن ذلك:
قوله تعالى: (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة)، أي: بدل الآخرة.
وقوله تعالى: (لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون)، أي: لجعلنا بدلكم ملائكة في الأرض يمشون.
وقوله تعالى: (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا)، أي: لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم بدل طاعة الله أو بدل رحمة الله شيئا.
ومنه قول أبي نخيلة:
جارية لم تأكل المرققا ******* ولم تذق من البقول الفستقا
أي ولم تذق بدل البقول الفستق، كما أشار إلى ذلك ابن مالك، رحمه الله، أراد أنها بدوية لم تنعم برفاهية العيش في الحضر، وقال غيره: توهم الشاعر أن الفستق من البقول، وعليه تكون "من" عندهم للتبعيض.
وقال آخر يصف عاملي الزكاة بالجور:
أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ******* ظلما، ويكتب للأمير أفيلا
(يُتْبَعُ)
(/)
أي: أخذوا المخاض بدل الفصيل ظلما وجورا، والأفيل: الصغير، لأنه يأفل بين الإبل، أي يغيب، وانتصاب أفيلا على الحكاية، لأنهم يكتبون: أدى فلان أفيلا.
&&&&&
سادسا: مرادفة "عن"، ومنه:
قوله تعالى: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله)، أي: عن ذكر الله.
وقوله تعالى: (ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا)، أي: عن هذا.
&&&&&
سابعا: مرادفة الباء، ومنه قوله تعالى: (ينظرون من طرف خفي)، أي: بطرف خفي، قاله يونس، ويعلق ابن هشام، رحمه الله، على ذلك قائلا: والظاهر أنها للابتداء. اهـ، أي: يبدأ نظرهم من طرف خفي، فهم ينظرون ابتداء بطرف خفي، فلا يقال بأن نظرهم يتغير من جلي إلى خفي، وإنما هو خفي ابتداء، دلالة على الذل الذي ينتابهم من أول الأمر لما يرونه من سوء العذاب، والله أعلم.
&&&&&
ثامنا: مرادفة "في"، ومنه:
قوله تعالى: (أروني ماذا خلقوا من الأرض)، أي: في الأرض، ويرجح ابن هشام، رحمه الله، أنها لبيان الجنس كما في قوله تعالى: (ما ننسخ من آية).
وقوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة)، أي: في يوم الجمعة.
&&&&&
تاسعا: موافقة "عند"، ومنه:
قوله تعالى: (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا)، أي: عند الله، قاله أبو عبيدة، وقد مضى القول بأنها في ذلك للبدل، أي: بدل رحمة الله أو طاعة الله.
&&&&&
عاشرا: مرادفة "ربما"، وذلك إذا اتصلت بـ "ما" كقوله:
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ******* على رأسه تلقي اللسان من الفم
أي: ربما ضربنا الكبش ضربة على رأسه تلقي لسانه من فمه من شدتها.
قاله السيرافي وابن خروف وابن طاهر والأعلم، وخرجوا عليه قول سيبويه رحمه الله: واعلم أنهم مما يحذفون كذا، أي: ربما يحذفون كذا.
&&&&&
الحادي عشر: مرادفة "على"، ومنه قوله تعالى: (ونصرناه من القوم)، أي: نصرناه على القوم، وقد حقق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، هذه المسألة فقال ما معناه:
إما أن يبقى الفعل على أصله فتكون "من" بمعنى: على، لأن "نصر"، لا يتعدى إلا بـ "على".
وإما أن يضمن الفعل "نصر" معنى الفعل "منع"، فتبقى "من" على أصلها، لأن الفعل "منع" يتعدى بمن، يقال: منعته من كذا، أي منعت إيصال الأذى إليه من ذلك الشيء، ولا يقال منعته على كذا.
&&&&&
الثاني عشر: الفصل، وهي الداخلة على ثاني المتضادين، ومنه:
قوله تعالى: (والله يعلم المفسد من المصلح).
وقوله تعالى: (حتى يميز الخبيث من الطيب).
قاله ابن مالك، رحمه الله، ويستدرك ابن هشام، رحمه الله، بقوله: وفيه نظر، لأن الفصل مستفاد من العامل، أي "الفعل"، فإن ماز وميز، في الآية الثانية، بمعنى فصل، والعلم، في الآية الثانية، صفة توجب التمييز، والظاهر أن "من" في الآيتين للابتداء، أو بمعنى "عن". اهـ، فالفصل مستفاد من أول الأمر، لأن العلم بحقيقة الأشياء يستلزم الفصل بين حقائقها، والتمييز بين شيئين يوجب الفصل بينهما.
&&&&&
الثالث عشر: الغاية، قال سيبويه رحمه الله: وتقول: رأيته من ذلك الموضع، فجعلته غاية لرؤيتك، أي محلا للابتداء والانتهاء، قال: وكذا أخذته من زيد، وزعم ابن مالك، رحمه الله، أنها في هذه للمجاوزة، أي تجاوز الشيء المأخوذ زيدا إلي، والله أعلم.
ويعلق ابن هشام، رحمه الله، فيقول: والظاهر عندي أنها للابتداء، لأن الأخذ ابتدئ من عنده وانتهى إليك.
&&&&&
الرابع عشر: التنصيص على العموم، وهي الزائدة في نحو: ما جاءني من رجل، فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة، ولهذا يصح أن تقول: بل رجلان، ويمتنع ذلك بعد دخول "من".
فقولك: ما جاءني رجل، يحتمل نفي مجيء رجل واحد، ولا يلزم منه نفي مجيء أكثر من رجل، فلما أريد التنصيص على العموم المنفي جيء بـ "من"، فاستقر في ذهن المستمع أنه لم يأت أي رجل.
وكذا قولك: ما معي مال، فهو يحتمل أن معك مالا ولكنه من القلة بحيث لا يصح إطلاق اسم المال عليه، وأما قولك: ما معي من مال، فهو تنصيص على العموم المنفي، فليس معك أي مال ولو كان قليلا لا يغني، والله أعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي قوله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
فالأولى: لبيان الجنس.
والثانية: للتنصيص على العموم فلا يودون نزول أي خير على المسلمين.
والثالثة: لابتداء غاية الإنزال من الرب تبارك وتعالى.
&&&&&
الخامس عشر: توكيد العموم، وهو متصل بما سبق، فقولك: ما جاءني من أحد، يستفاد منه إثبات عموم نفي مجيء أي أحد والتأكيد على ذلك في نفس الوقت، وقد اشترط ابن هشام، رحمه الله، لصحة المعنيين 14 و 15، ثلاثة أمور:
أحدها: تقدم نفي أو نهي أو استفهام بـ "هل"، ومنه:
قوله تعالى: (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها)، فهي مسبوقة بـ "ما" النافية.
وقوله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور)، فاجتمع في هذه الآية: النفي بـ "ما" في شطرها الأول، والاستفهام بـ "هل" في شطرها الثاني، فـ "من" في الشطرين للتنصيص والتوكيد على العموم، والله أعلم.
وتقول: لا يقم من أحد، أي: أي أحد.
وزاد الفارسي الشرط، ومنه قول الشاعر:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ******* وإن خالها تخفى على الناس تعلم.
أي: ومهما تكن عند امرئ من أي خليقة يخفيها.
والثاني: تنكير مجرورها، كما في قوله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت)، فـ "تفاوت" نكرة، وهذا بين لأن النكرة تدل بأصل وضعها على العموم فإذا أضيفت عرفت كقولك: غلام زيد، وإذا وصفت خصصت كقولك: غلام صغير، والمقام مقام عموم، تنصيصا وتوكيدا فناسب أن يكون مجرور "من" الدالة عليه مفيدا للعموم بمادته، والله أعلم.
والثالث: كونه:
فاعلا، كما في قوله تعالى: (ما أتاهم من نذير)، فأصل الكلام: ما أتاهم نذير.
أو مفعولا به، كما في قوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك من رسول)، فأصل الكلام: وما أرسلنا قبلك رسولا.
أو مبتدأ، كما في قوله تعالى: (وما من إله إلا إله واحد)، فأصل الكلام: وما إله إلا إله واحد.
بتصرف من "مذكرة في أصول الفقه"، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، ص246، 247.
ولذا فإننا عند الإعراب، نرفع الفاعل والمبتدأ بعلامة رفع مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وكذا ننصب المفعول بعلامة نصب مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وبَيِنٌ أن الزيادة هنا لا تعني الحشو، بمعناه الدارج بل هي زيادة مفيدة نصت على العموم وأكدت عليه، كما سبق، وهذه معان مفيدة معتبرة في الكلام، والله أعلم.
بتصرف من "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام، رحمه الله، (1/ 331_335).
ومن هذا العرض الماتع لإمام العربية في زمانه، ابن هشام، رحمه الله، يتضح للناظر مدى سعة هذه اللغة العظيمة في دلالات ألفاظها، فها هو لفظ واحد من ألفاظها مكون من حرفين من حروف المعجم يدل على خمسة عشر معنى تختلف تبعا لاختلاف السياق، فمن أراد النظر في نص ما لابد أن يحيط علما بدلالات ألفاظه ويختار منها ما ينسجم مع سياق الكلام لا أن يتعسف في اختيار دلالة لا يستقيم معها السياق جهلا أو تحكما.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 09:32 ص]ـ
ومن هذا الباب أيضا:
استقراء بعض معاني لفظة: "الروح" في لغة العرب:
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=72525
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 02 - 2009, 09:35 ص]ـ
وعلى نفس الرابط أيضا بعض الفوائد عن استقراء بعض معاني: "الرؤية" و "المعية" و "الكلام" في لغة العرب، على ملفات Word مرفقة مع المداخلات المتتابعة.
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=72525
والله أعلى وأعلم.(/)
مساعدة عاجلة
ـ[حوحو الجزائري]ــــــــ[02 - 02 - 2009, 07:22 م]ـ
السلام عليكم
سم نوع الصورة البيانية مع الشرح
وعبدت درب النجاح (لشعب ذبيح)
مع شرح الكلمات التالية لم سمحتم
السنا. ألهمت. الورى. حنايا
ـ[الحامدي]ــــــــ[03 - 02 - 2009, 07:58 م]ـ
أخي حوحو، وفقك الله.
حاول، وسأصحح لك.
ـ[حوحو الجزائري]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 09:15 ص]ـ
شكرا أستادي الحامدي
هده محاولتي
الصورة البيانية هي كناية عن التضحية
شرح الكلمات
السنا = النور
. ألهمت= أولعت
. الورى=العقول، النهى
. حنايا = أعماق
ـ[حوحو الجزائري]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 07:33 م]ـ
هل من مساعدة
ـ[أبو طارق]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 08:19 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ابحث عن الكلمات هنا ( http://lexicons.sakhr.com/)
ـ[باتل]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 08:55 م]ـ
ألا تصح أن تكون استعارة تصريحية؟
ـ[حوحو الجزائري]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 03:59 م]ـ
باتل
لا أظن أنها قد تكون إستعارة تصريحية
لأن الشاعر هنا يقوم بتشبيه الشعب بشيء ما.
فالشعب مشبه وعندما لا يحدف المشبه لاتصح أن تكون استعارة تصريحية
ـ[حسان العاصمي]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 06:43 م]ـ
حوحو أنت موفق إنها كناية عن التضحية بورك فيك
ـ[حوحو الجزائري]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 08:45 م]ـ
حسان العاصمي
وفيك بارك الله أخي شكرا لك(/)
ماذا يعني ابن عاشور بمقولته .. ؟
ـ[سديم2001]ــــــــ[03 - 02 - 2009, 11:06 م]ـ
في قول الله عز وجل: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون)
يقول ابن عاشور: (وجمع الضمير في قوله: بنورهم) مع كونه بلصق الضمير المفرد في قوله (ماحوله) مراعاة للحال المشبهة وهي حال المنافقين لا للحال المشبه بها، وهي حال المستوقد اواحد على وجه بديع في الرجوع إلى الغرض الأصلي وهو انطماس نور الإيمان منهم، فهو عائد إلى المنافقين لا إلى (الذي) قريبا من رد العجز على الصدر فأشبه تجريد الاستعارة المفردة وهو من التفنين كقول طرفة:
وفي الحي أحوى ينفض المرد شادن مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد
وهذا رجوع بديع) (التحرير والتنوير: 1/ 304)
سؤلي هو: ماذا يعني ابن عاشور بالتفنين .. ؟
وهل هو فن بلاغي .. ؟
وهل هو الافتنان الذي عده بعض البلاغيين من المحسنات المعنوية .. وعرفوه بأنه الجمع بين فنين مختلفين، كالغزل والحماسة، والتعزية والتهنئة ... ؟
ولكم خااااااااااالص الشكر ..
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 03:55 ص]ـ
الذي يظهر من استخدام ابن عاشور لمصطلح " التفنن " أو " التفنين " أنه يريد به تلوين الكلام، أو مايرادف التنويع وضده التكرار، فهو غالبا ما يعلق بعد إيراده هذا المصطلح بالتنشيط، ودفع التكرار مما يعني أنه يريد به تلوين الكلام وتنويع طرائقه.
ولعل بحثا يتناول هذه القضية، قضية مصطلح " التفنن " عند ابن عاشور، فيستعرض مواضعها، ويكشف أسرارها ونكاتها، وتصنيفاتها عند ابن عاشور، لأني ألحظه تارة يطلقها على الكلمة والكلمة، وتارة على التركيب، وأخرى على المعاني السياقية والقصص
والتأمل في ذلك يفتح آفاقا، والله أعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 09:36 ص]ـ
ومن التنويع الذي أشار إليه أخونا أبو حاتم حفظه الله وسدده:
التنويع في قوله تعالى: (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)، والقياس: فمهل الكافرين مهلهم، ولكنه نوع فجاء بـ: "أمهلهم".
والله أعلى وأعلم.
ـ[سديم2001]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 04:03 ص]ـ
شكر الله لأبي حاتم ومهاجر.(/)
(((التفنين)))
ـ[سديم2001]ــــــــ[03 - 02 - 2009, 11:08 م]ـ
ماذا يعني التفنين .. ؟
وهل هو فن بلاغي .. ؟
وهل هو الافتنان الذي عده بعض البلاغيين من المحسنات المعنوية .. وعرفوه بأنه الجمع بين فنين مختلفين، كالغزل والحماسة، والتعزية والتهنئة ... ؟
ولكم خااااااااااالص الشكر ..
ـ[محمد سعد]ــــــــ[03 - 02 - 2009, 11:21 م]ـ
الأخت سديم
قد تجدين طلبك هنا إن شاء الله ( http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?t=8325)
ـ[سديم2001]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 04:03 ص]ـ
شكر الله لك أخ محمد.(/)
من قوله تعالى: (أولئك يرجون)
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 09:10 م]ـ
من قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
في السياق توكيد بـ: "إن" واسمية الجملة.
وفي الصلة: "آمنوا" بعد موصولها "الذين": بيان بعد إجمال فضلا عن تعلق الحكم بالوصف الذي اشتقت منه وهو: "الإيمان" وما عطف عليه من الهجرة والجهاد.
وعطف الهجرة والجهاد عليه: عطف خاص على عام، إذ هما منه حقيقة لا مجازا، كما قالت المرجئة الذين أخرجوا العمل من مسمى الإيمان، فليس العطف للمغايرة، وفي تقييدهما بالجار والمجرور: "في سبيل الله": احتراس من بقية صور الهجرة والجهاد، إذ لا يعتد شرعا إلا بما كان في سبيل الله على ما شرعه في الكتاب المنزل والسنة المطهرة.
أولئك: إشارة إليهم باسم الإشارة للبعيد تشريفا، فمكانتهم عالية بعيدة.
رحمة الله: سواء أكانت الصفة غير المخلوقة، فهم يرجونها، أم الجنة المخلوقة فهي رحمته التي يرجوها ويسألها كل مؤمن، وفي حدث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي).
وبالرجاء والخوف يسير العبد إلى الله، عز وجل، فرجاء يتعلق بصفات جمال الباري، عز وجل، يحمله على الفعل، وخوف يتعلق بصفات جلاله، عز وجل، يحمله على الترك، ومن رجا شيئا عمل له، فالرجاء يقتضي محبة المرجو وخوف فواته والعمل له، فرجاء بلا عمل محض أماني. ولا يرجون العبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه.
والله: إظهار في موضع الإضمار، فالقياس: الإضمار اكتفاء بتقدم ذكره في: "رحمة الله"، وفيه مزيد عناية بهم وهو ما يقتضيه سياق الثناء عليهم.
غفور رحيم: تذييل يناسب ما تقدم من معاني الرحمة والرجاء.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[04 - 02 - 2009, 10:47 م]ـ
جزاك الله أخي مهاجر
دائما تتحفنا بهذه الوقفات الجميلة في ظلال الآي الكريم(/)
نماذج للتحليل البلاغي
ـ[فافي]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 03:31 ص]ـ
السلام عليكم ...
انا سجلت اليوم في المنتدى عشان عندي ابيات شعريه واحاديث أبغى تحليلها ضروري يعني تطلعوا كل اللي فيها من الصور البلاغيه زي مجاز وزي كدا مع شرحها طبعا عشان عندي الإختبار فياريت اللي يعرف الإجابه يساعدني وجزاه الله ألف خير لانو مني عارفه حلها;)
وبسم الله نبدا ..
أول شي حكتب الأبيات الشعريه:
1 - لاينزل المجد إلا في منازلنا كالنوم ليس له مأوى سوى المقل
2 - إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق
3 - عظنا الدهر بنابه ليت ماحل بنابه
4 - أعلمه الرماية كل يوم فلما استد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافيه للجاني
5 - أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
6 - تسيل على حد الظباة نفوسنا وليس على غير الظباة تسيل
7 - والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
8 - الوجه مثل الصبح مبيض والشعر شبه الليل مسود
ضدان لما استجمع حسنا والضد يظهر حسنه الضد
ودي الأحاديث:
قال صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً)
وقال: (اليد العليا خير من اليد السفلى)
اتمنى انكم تردوا عليا في اقرب وقت لانو محتاجتها يوم الثلاثاء تاريخ 15
وشكرا ليكم ...
ـ[هاني السمعو]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 10:27 ص]ـ
إن استخدمتِ اللغة الفصيحة وحاولت الإجابة أولا فستجدين المساعدة إن شاء الله
ـ[محمد سعد]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 01:01 م]ـ
أخي هاني حتى لو كتبت بالعربية الفصيحة
نحن غير مطالبين بحل الواجبات
ـ[أم مصعب1]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 09:10 م]ـ
و عليكم السّلام ورحمة الله وبركاته
،
،
مرحبًا بكِ أخيّة
أستأذنكِ في إغلاق الموضوع؛ لأنّ الفصيح ليس مكانًا لحلّ الواجبات , ثمّ أنّكِ كتبتِ موضوعكِ باللهجة العامّية ..
فالمعذرة!
ـ[محمد سعد]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 09:14 م]ـ
كل الشكر لك أختنا أم مصعب على المتابعة
جئت لإغلاقه ولكن كنت السبَّاقة(/)
الاحتراس: (هام وعاجل)
ـ[سديم2001]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 04:27 ص]ـ
هل الاحتراس فن بلاغي وتحت أي علوم البلاغة يندرج .. ؟
ولك الشكر ..
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 07:30 م]ـ
ولك الشكر.
هو من فنون الإطناب، أي الاستطراد في الكلام لنكت بلاغية، وهو مندرج في مباحث علم المعاني.
والله أعلى وأعلم.
ـ[سديم2001]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 04:00 ص]ـ
جزيت خيرا أخي مهاجر(/)
فصاحة الكلمة عند يحيى بن حمزة العلوى
ـ[قلم 21]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 12:10 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحيى بن حمزة العلوى (ت) 749
رأَى أن الفصاحة فى الألفاظ المفردة تتمثل فيما يلى:
1" أن تكون اللفظة عربية قد تواضع عليها أهل اللغة "
2" أن تكون اللفظة جارية على العادة المألوفة فلا تكون خارجةً عن الاستعمال العربى فى المعنى والبنية "
3" أن تكون اللفظة خفيفة على الألسن لذيذة على الأسماع حُلوةً فى الذوق"
4" أن تكون اللفظة مألوفةً فى الأستعمال، فلا تكون وحشية، ويقرب معناها فلا يبعد تناوله، فيكون سهلاً بالاضافة الى لفظه سريع الوقوع فى النفوس بالاضافة الى معناه"
5" أن تستعمل الألفاظ القوية فى موطن القوة، والألفاظ الرقيقة فى مواطن الملاطفات واستجلاب المودة والبشارة بالوعد*
**********
ـ[تميمي]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 03:08 م]ـ
3" أن تكون اللفظة خفيفة على الألسن لذيذة على الأسماع حُلوةً فى الذوق"
حَسَنًا؛ ألفاظ العربِ في الجاهليةِ ليست عذبة.
هل معنى العذب كمعنى الخفَّة؟(/)
الأمر بما ظاهره أنه مما لا يطاق
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 07:41 م]ـ
من صور ذلك:
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه):
ففيه نهي مؤكد بـ: "نون التوكيد المثقلة"، فضلا عن العموم المستفاد من قوله: "أحدكم"، ويرد على ذلك أن ذلك مما لا يدخل تحت قدرة بشر، فليس لأحد أن ينهى الموت عن الحضور، ولذلك كانت الحال بعد: "إلا": عمدة في الكلام، على خلاف ما اطرد في لغة العرب من كون المنصوبات: فضلات يستغنى عنها، كالمفعول في: أكل فلان الكعكة، فإن المفعول فضلة يتم الكلام بدونه إلا إذا كان محط الفائدة كأن يكون السؤال عنه ابتداء فلا يستغنى عنه في الجواب انتهاء.
فالحال قيد لعاملها، فقيد ذلك بالمدوامة على إحسان الظن بالرب، جل وعلا، ولازمه من إحسان العمل.
&&&&&
ومنه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، فظاهر الآية: النهي عن الموت، وهذا أمر لا يدخل تحت طاقة البشر، فوجب صرف الآية عن ظاهرها لدلالة السياق على ذلك، فالنهي عن الموت ليس مطلقا، وإنما هو مقيد بالنهي عن الموت على غير ملة الإسلام، فجملة: (وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، جملة حالية، والحال قيد لعاملها، كما تقدم، أي: لا يأتينكم الموت إلا وأنتم على ملة الإسلام.
ولا يسمى ذلك تأويلا، كما اصطلح على ذلك المتكلمون، لأن قرينته مستفادة من نفس السياق، وتأويلات المتكلمين في مسائل الأسماء والصفات قرينتها، في الغالب، عقلية متوهمة في باب غيبي لا دور للعقل فيه أصلا إلا: التسليم والانقياد للوحي وتدبر المعنى دون الخوض في الكيفية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع.
&&&&&
ومنه: قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تغضب)، فهو ليس نهيا عن ذات الغضب، فإن ذلك تكليف بما لا يطاق، لأن الأمور الوجدانية مما لا يملك الإنسان دفعه، وإنما هو نهي عن تعاطي أسبابه، أو الاسترسال مع نتائجه.
وإلى ذلك أشار النووي، رحمه الله، بقوله: "لا تغضب معناه: لا تنفذ غضبك، وليس النهي راجعا إلى نفس الغضب لأنه من طباع البشر، ولا يمكن الإنسان دفعه". اهـ
فيكون النهي من قبيل: النهي عن السبب، وإرادة النهي عن المسَبَب، وهو نتيجة الغضب.
&&&&&
ومن ذلك قول أبي طلحة، رضي الله عنه، للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يوم أحد: (لَا تُشْرِفْ لَا يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ)، فليس مراده نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن إصابة المشركين له، فهذا مما لا يدخل تحت طاقته، وإنما المقصود تحذيره من الإشراف لئلا تصيبه سهام القوم، فالحديث من باب إطلاق المسبَبَ: الإصابة، وإرادة السبب: الإشراف، كما يقال: الرمي علة الإصابة، والإصابة علة الموت، فصح أن يطلق على الرمي أنه سبب الموت، لأن السبب يطلق على: علة العلة، كما قرر ذلك الأصوليون.
والله أعلى وأعلم.(/)
التعلق البلاغي
ـ[ضوء الليل]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 01:22 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لو سمحتم يا أهل البلاغة أريد أن أعرف معنى التعلق البلاغي، وما هي الكتب التي تناولته؟ وبأسرع وقت ممكن.
ـ[محمد سعد]ــــــــ[07 - 02 - 2009, 11:40 م]ـ
هنا ما يفيد إن شاء الله ( http://www.pdfbooks.net/vb/showthread.php?t=5092)
ـ[ضوء الليل]ــــــــ[08 - 02 - 2009, 03:54 م]ـ
شكرا أخي ولكن الرابط لا يعمل معي وأنا محتاجة إليه بسرعة(/)
من قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 08:55 م]ـ
من قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ: إيجاز بحذف جملة مقدرة عطف عليها ما بعد الواو، فتقدير الكلام: أقعدوا ولم يسيروا في الأرض، ففي الاستفهام معنى الإنكار والتوبيخ، وهو ما يلائم سياق الكلام عن المكذبين، فهم مظنة الغفلة والإعراض وقلة التدبر والقعود عن كل شأن عظيم والنهوض لكل آخر حقير، فالهمم بقدر ما وقر في القلوب من الإيمان.
في الأرض: ظرفية تفيد التمكين، فالسير يكون على الأرض لا فيها، فجيء بـ: "في" إمعانا في توكيد المعنى.
فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:
مسبب ما تقدم، فالفاء للسببية، ولذلك نصبت ما بعدها، فنظر البصر والبصيرة فرع على السير في الأرض: سير تفكر وتدبر لا سير لهو وغفلة كسير كثير من البشر في زماننا هذا.
وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً: وذلك أدعى للاعتبار، فإن هلاك الأقوى عبرة للأضعف لئلا يغتر بتمكين عارض مآله الزوال. ففي الإطناب هنا نوع احتراس لئلا يظن المخاطب أن أولئك لم يكن لهم من أسباب التمكين ما له، فهو الأشد قوة، وذلك أمان له مما حل بهم، فذاك محض وهم.
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ:
نفي لصفة العجر عن الباري، عز وجل، بالكون المنفي ولام الجحود في: "ليعجزه" وذلك أبلغ في باب التنزيه، فقوة المعنى فرع على قوة المبنى، ونفي الجحود من القوة بمكان.
و: "شيء": نكرة في سياق النفي المؤكد بـ: "من" التي تفيد التنصيص على العموم، فتفيد أقوى درجات العموم، فلا شيء، أي شيء في السماوات ولا في الأرض يعجز الباري، عز وجل، وخرج بالنص على الشيئية: المحال لذاته أو الممتنع، فليس شيئا أصلا لتتعلق به قدرة الله، عز وجل، فليس لقائل أن يقول: هل يعجز الله، عز وجل، عن إماتة نفسه؟!!، إذ اتصافه، عز وجل، بالموت نقص مطلق، والنقص المطلق في حقه، جل وعلا، محال ذاتي، لاتصافه بضده من الكمال المطلق.
وكرر النفي في: "ولا في الأرض": توكيدا.
والنفي في هذا الباب كما قرر أهل العلم: مراد لغيره، إذ ليس النفي المحض كمالا ليوصف به الله، عز وجل، بل الشأن أن يوصف بصفات الكمال الثبوتية، فالإثبات: أصل في هذا الباب الجليل، والنفي: فرع يقوم مقام الاحتراس عن وصف الذات القدسية بأي نقص، فلا يصير الفرع أصلا، فيطرد النفي في وصف الله، عز وجل، فيقال: ليس بكذا، وليس بكذا .......... إلخ من أوصاف النقص، فذلك مئنة من سوء الأدب وضحالة المعنى وفساد العبارة في مدح المخلوق فكيف بالخالق، عز وجل، المتصف بكل كمال المنزه عن كل نقص؟!!!، وإنما الشأن أن:
يجمل النفي كما في قوله تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
و: أن يتضمن إثبات كمال الضد من أوصاف الكمال، فنفي العجز ليس كمالا حتى يشفع بإثبات كمال الضد من القدرة.
و: أن لا يلجأ إليه إلا في المضائق كرد شبهة، أو نفي ما قد يعتقد كونه كمالا في حق الخالق لمجرد كونه كمالا في حق المخلوق كالصاحبة والولد، فذلك مما يمدح به المخلوق، ولا يصح وصف الخالق، عز وجل، به، لما فيه من معاني النقص والحاجة.
ولذلك ذيلت الآية بأوصاف ثبوتية يقتضيها نفي العجز، إذ: العجز لا يكون إلا عن جهل أو عجز، ولذلك نص على ضدهما من: العلم والقدرة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 02 - 2009, 09:10 م]ـ
ومن آيات القدرة أيضا:
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ
(يُتْبَعُ)
(/)
ينزل: الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى فالتضعيف يدل على تكرار النزول وتتابعه، وذلك بمقام المنة أليق.
الغيث: مسبب أريد به سببه، وهو المطر إذ هو سبب الغوث الذي منه تستمد الحياة الحيوانية الحساسة والحياة النباتية النامية أسبابها. فيكون في السياق مجاز مرسل عند من يقول بالمجاز علاقته المسببية.
مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا: أدعى لاستحضار مقام امتنان الرب، جل وعلا، على الكائنات، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، إذ الغوث بعد الشدة أعظم أثرا من غوث لا شدة قبله.
وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ: استعارة النشر الحسي للنشر المعنوي، أو يقال بأن الرحمة كناية عن المطر، فيكون في السياق نوع مجاز إذ أطلق السبب، وأراد المسبب، فإن رحمة الله، عز وجل، رحمة غير مخلوقة هي صفته العلية، وتلك غير مخلوقة، إذ هي وصف قائم بالذات القدسية المنزهة عن الحدوث يعد العدم، فالمطر مسبب عنها.
أو يقال بأن المطر من: الرحمة المخلوقة كالجنة التي يرحم الله، عز وجل، بها من شاء من عباده، ورحمة الغيث محل البحث، ورحمة النبوة في نحو قوله تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا).
وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ: حصر بتعريف الجزأين: "هو"، و: "الولي"، والتغاير في الأوصاف التي اشتقت منها الأخبار المتتالية: "الولي" و: "الحميد": من باب الزيادة في الثناء بزيادة أوصاف الكمال الثبوتية، وهو الأصل في هذا الباب، كما تقدم، فزيادة أوصاف الممدوح الثبوتية مئنة من كماله، ومن أحق من الباري، عز وجل، بكل مدح مطلق؟!!، وهو الذي اتصف بكل كمال مطلق أزلا وأبدا، فلم يحدث كمالا كان معطلا عنه فصفات الذات وأنواع صفات الأفعال أزلية أبدية وإن كانت أفراد الأفعال حادثة متعلقة بمشيئته النافذة فيخلق إذا شاء متى شاء، ويرزق إذا شاء متى شاء .............. ، ولم يفارقه كمال كان متصفا به، فله كمال صفات الذات والأفعال، أزلا وأبدا، كما تقدم.
والتذييل بهذين الاسمين مما يتلاءم مع سياق الامتنان على العباد، فهو الولي الذي يتولَّى عبادَهُ بالإحسان ونشرِ الرحمة {الحميد} المستحقُ للحمدِ على ذلك لا غيرُهُ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
والحميد: اسم جامع لكل خصال الجمال، والمقام مقام تفضل وامتنان برحمة منزلة من السماء، وذلك بصفات الجمال أليق، وهي التي يتعلق بها رجاء العباد، بخلاف صفات الجلال التي يتعلق بها خوف العباد وخشيتهم.
وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ:
ومن آياته: تقديم المسند وحقه التأخير تشويقا إلى المسند إليه.
خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: تقديرا فإيجادا.
وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ: عموم دلت عليه النكرة: "دابة" في عموم نفي "ما" المؤكد بـ "من" التي تفيد التنصيص على العموم.
فخلق الجهة والمكان وخلق الكائنات التي تحلق فيها وتدب عليها.
وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ: قدرة في سياق لا مفهوم له، ليقال بأن من الأشياء ما يقدر عليه الباري، عز وجل، ومنها ما لا يقدر عليه، كما ادعى نفاة القدر الذين نفوا خلق الباري، عز وجل، أفعال العباد، فهي عندهم غير مقدورة له، ومن توسط منهم قال بأن الخير مقدور له دون الشر، والصحيح أنه، جل وعلا، خالق الخير والشر، الطاعة والمعصية، فالأولى مقدورة له كونا وشرعا، والثانية مقدورة له كونا، وإن لم يرضها شرعا، وإنما أوجدها لحكمة إلهية تفوق مفسدة وقوعها، فالأولى مرادة لذاتها، والثانية مرادة لغيرها، ورد هذه الاشتباه إلى إحكام نحو قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ): أصل في هذا الباب.
والله أعلى وأعلم.(/)
أبو هلال العسكريّ ناقدًا
ـ[محمد سعد]ــــــــ[08 - 02 - 2009, 01:32 ص]ـ
هذا كتاب (أبو هلال العسكري ناقدًا) وهو عبارة عن رسالة علميَّة لصاحبته
(أمل المشايخ) وسوف يكون لنا معه وقفات لنرى شيئا جديدا عند أبي هلال العسكري وهي جوانب من متعدد يكشف عنها الكتاب.
يرى أبو هلال العسكري أن من حسن المقطع جودة الفاصلة، وحسن موقعها، وتمكنها في موضعها، ويجعل ذلك على ثلاثة أضرب:
الأول: أن يضيق على الشاعر وضع القافية، فيأتي بلفظ قصير، قليل الحروف فيتمم به البيت، وذلك كقول زهير:
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غدٍ عم
الثاني: أن يضيق المكان على الشاعر، ويعجز عن إيراد كلمة سالمة تحتاج إلى إعراب ليتم بها البيت، فيأتي بكلمة معتلة لا تحتاج إلى الإعراب فيتمه به كقول امرئ القيس:
بعثنا ربيا فبل ذاك مخملا ... كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي
الثالث: أن تكون الفاصلة لائقة بما تقدمها من ألفاظ الجزء من الرسالة أو البيت من الشعر .. حتى لا يسد مسدها غيرها وذلك كقوله تعالى: "وأنه هو اضحك وأبكى" النجم: 43(/)
اقتربت الساعة وانشق القمر
ـ[الحسن الهاشمي المختار]ــــــــ[08 - 02 - 2009, 10:57 ص]ـ
السلام عليكم
الإخوة الأفاضل
أشعر بالخجل لأني غبت عنكم مدة طويلة، فتحية لكم جميعا وخاصة للإخوة: لؤي الطيبي وجمال الشرباتي وموسى الزغاري.
عدت إليكم بالموضوع التالي عن انشقاق القمر:
الحمد لله العزيز الحكيم
اختلف المفسرون في تفسير سورة القمر، منهم من نفى انشقاقه في العهد النبوي:
َقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَمْرو الْبَزَّار حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى الْقُطَعِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن شُكْر حَدَّثَنَا اِبْن جُرَيْج عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ كُسِفَ الْقَمَر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا سَحَرَ الْقَمَر فَنَزَلَتْ " اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر -.
ِوفي تفسير القرطبي:
وَقَالَ قَوْم: لَمْ يَقَع اِنْشِقَاق الْقَمَر بَعْد وَهُوَ مُنْتَظَر ; أَيْ اِقْتَرَبَ قِيَام السَّاعَة وَانْشِقَاق الْقَمَر ; وَأَنَّ السَّاعَة إِذَا قَامَتْ اِنْشَقَّتْ السَّمَاء بِمَا فِيهَا مِنْ الْقَمَر وَغَيْره. وَكَذَا قَالَ الْقُشَيْرِيّ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ: أَنَّ هَذَا قَوْل الْجُمْهُور , وَقَالَ: لِأَنَّهُ إِذَا اِنْشَقَّ مَا بَقِيَ أَحَد إِلَّا رَآهُ ; لِأَنَّهُ آيَة وَالنَّاس فِي الْآيَات سَوَاء. وَقَالَ الْحَسَن: اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة فَإِذَا جَاءَتْ اِنْشَقَّ الْقَمَر بَعْد النَّفْخَة الثَّانِيَة. وَقِيلَ: " وَانْشَقَّ الْقَمَر " أَيْ وَضَحَ الْأَمْر وَظَهَرَ ; وَالْعَرَب تَضْرِب بِالْقَمَرِ مَثَلًا فِيمَا وَضَحَ.
وقال آخرون وهم الأغلبية إن القمر قد انشق فعلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم استنادا إلى الروايات المذكورة في كتب المحدثين.
أي القولين هو الصواب؟
لو رجحنا قول الأكثرية فترجيحنا لا يتحقق منه اليقين، فالشاهد هو الذي عنده الخبر اليقين، أما السامع الذي جاءه الخبر منقولا (رواية) فإنه حتى لو كان صحيحا فإن القاضي لا يحكم في القضايا إلا بناء على شهادة الشهود الذينَ حضروا الواقعة.
الشهيد في هذه القضية هو كتاب الله وكفى بالله شهيدا فهو القائل: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله، إن كان القمر قد انشق أو سينشق فسنجد الله قد يسر لنا ذكر الحقيقة وبيانها.
مثلا: رجل عاد إلى قريته بعد أن غاب عنها لمدة سنة فقيل له: إن بيتك الذي تركته يتردد عليه شخص بين الحين والآخر، و نفى آخرون أن يكونوا قد شاهدوا أحدا يدخل بيته.
لا شك أن أحد الخبرين صادق والآخر كاذب، وحتى لو رجح الخبر الذي يظنه صادقا وهو بالفعل خبر صحيح فإنه لا يفيد إلا الظن، أما إذا أراد اليقين فسيتبين له حين يدخل بيته، فسيجد من الأدلة ما يتيسر بها معرفة الحقيقة.
كذلك الرواية لا تفيد إلا الظن، والظن ليس علما، فقد قال تعالى: مالهم به من علم إلا اتباع الظن)، لا يقال عن ذلك الرجل قبل أن يدخل بيته إنه علم بما حدث في بيته، أما بعد دخوله وإدراكه للحقيقة بالأدلة التي تيسر وجودها فقدأصبح على علم، ذلك هو اليقين.
ترجيحنا لأحد الخبرين حتى وإن صح فهو لا يفيد إلا الظن، أما إذا أردنا اليقين فعلينا أن ندخل سورة القمر بعقولنا لنرى الأدلة التي تيسر لنا معرفة الحقيقة كما دخل ذلك الرجل بيته فأصبح على علم بما وقع أثناء غيابه.
تأملت في سورة القمر لعلي أجد فيها من الأدلة ما يتيسر بها الحكم فيما اختلف فيه المؤمنون بخصوص آية انشقاق القمر فوجدت أربعة أدلة ميسرة: قصص قوم نوح وقوم هود وثمود قوم صالح وقوم لوط.
هذه 4 أدلة ميسرة أكدالله ذكرها 4 مرات بقوله: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، عقب على كل قصة من القصص المذكورة في السورة بقوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ... ) فكأنه يقول لنا:
تذكروا وتدبروا هذه القصص فإنها هي الأدلة التي يتيسر بها علم اليقين بشأن انشقاق القمر.
هل هذه القصص المذكورة في السورة تبين لناأن القمر قد انشق فعلا في العهد النبوي؟
(يُتْبَعُ)
(/)
إذا عدنا الى بداية السورة وتوقفنا عند قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، فعل الماضي (انْشَقَّ) لا يتيسر به إدراك انشقاق القمر في الزمن الماضي فقد يعبر الماضي عن الحتمية مثل قوله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا).
لم نجد في سورة القمر أية آية تدل على حدوث الانشقاق في الماضي حتى تلك الأدلة الميسرة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ... ) لا تدل على حصول الانشقاق إلا إذا كان أهل مكة قد تعرضوا لطوفان كطوفان قوم نوح وريح كريح عاد ورجفة كرجفة ثمود وحجارة من سجيل كالحجارة التي أمطر بها قوم لوط.
أما إذا اعتبرنا انشقاق القمر سيحدث في المستقبل عند قيام الساعة فإن الأدلة الأربعة تعتبر وصفا دقيقا لما يترتب عن الانشقاق، فالقمر إذا انشق فلقتين فإن جاذبية الأرض ستتضاعف ضعفين، وأول ما يتأثر بالجاذبية هو الماء، فستغرق الأرض بمياه البحار وأمواج كالجبال شبيهة بالطوفان في زمن نوح، والأمواج سيتولد منها ريح عاتية تدمر كل شيء كريح ثمود، فرياح الأعاصير تتولد من هيجان البحار والمحيطات، وبما أن جاذبية الأرض ستتضاعف لتصبح أكثر من قوة الطرد المركزي فإن ذلك سيبب الزلازل فيصبح الناس في ديارهم جاثمين كما حصل لثمود، وستسقط فلقتا القمر بفعل قوة الجذب على الأرض فتجعل عاليها سافلها كما حصل لقوم لوط.
يحدث هذا حينما يكون من الناس من هم في مثل كفر قوم نوح، ومنهم من يكون في مثل ما كان عليه قوم عاد، ومنهم من يكون في مثل ما كانت عليه ثمود، ومنهم من يكون في مثل شذوذ قوم لوط، ومنهم من يكون في مثل طغيان فرعون.
هذه الحالات كانت تفصيلا لما سيحدث للأرض حين ينشق القمر، والإشارة إلى ذلك تبدو واضحة وميسرة للفهم حيث أنه تعالى وصف انشقاق القمر ب (النُّذُرُ) ونفس الوصف أطلق على كل حالات الأقوام المذكورة في السورة حيث عقب على كل حالة قوم بقوله (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ). وقوله تعالى في الآية الرابعة: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ)، الضمير المتصل في (جَاءَهُمْ) يعود على من سينشق القمر في عصرهم، والأنباء هي أنباء قصص الأقوام التي ذكرت بعد ذلك (قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط).
والله تعالى جعل في هذه الدنيا لكل شيء سببا، فقد ينشق القمر بسبب من الأسباب كأن يسقط عليه نيزك عظيم يشقه نصفين، والنيازك أجسام من نجم من النجوم المنفجرة، فقد يهوي بقايا نجم (نيزك) على القمر فيشقه نصفين، ولقد جاءت سورة القمر في المصحف ترتيبا بعد سورة النجم التي ابتدأت بقوله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى).
سقوط بقايا نجم على سطح القمر لن يتسبب في انشقاق القمر إلا إذا كان نجما ثاقبا يخترق قطره. وسورة القمر نزلت بعد سورة الطارق النجم الثاقب.
أليس في هذه الأدلة الميسرة للذكر والمرتبة ترتيبا محكما بيان لحقيقة إنشقاق القمر!!
بلى، فالعلم والبيان مبنيان على التيسير، لو لم ييسر الله القرآن لتعسر علينا علمه وبيانه لكنه تعالى رحمان يسر القرآن لنعلم آياته وبيانها، فكان من الحكمة أن تأتي بعد سورة القمر سورة تثبت هذه الحقيقة يقول الله فيها:
الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ.
إذن فآيات القرآن وسوره أحكم ترتيبها تنزيلا وأحكم ترتيبها في المصحف، فسورة الرحمن موضعها الترتيبي في المصحف ينبغي أن يكون بعد سورة القمر لعلاقة مطلعها بما تيسر من علم وبيان لسورة القمر، وترتيب نزولها ينبغي أن يكون بعد سورة الرعد التي قال الله في ختامها: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ. فالشهادة لرسول الله عليه الصلاة والسلام بالرسالة تتطلب علم القرآن وبيانه،، فأنزل الله بعدها: الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ...
ودمتم بخير
ـ[باتل]ــــــــ[09 - 02 - 2009, 10:49 ص]ـ
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
عودا حميدا أخي.
(يُتْبَعُ)
(/)
لم نجد في سورة القمر أية آية تدل على حدوث الانشقاق في الماضي حتى تلك الأدلة الميسرة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ... ) لا تدل على حصول الانشقاق إلا إذا كان أهل مكة قد تعرضوا لطوفان كطوفان قوم نوح وريح كريح عاد ورجفة كرجفة ثمود وحجارة من سجيل كالحجارة التي أمطر بها قوم لوط.
أخي هذه الحجة تتحدث عن الأسباب وتجاهلت المسبب. أين قدرة الله عز وجل من هذا التبرير فالله قادر على أن يشق القمر دون أن يؤثر ذلك على الأرض ومن فيها.
وقد ورد من الأحاديث ما يؤكد انشقاق القمر.
ففي الحديث (أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما) متفق عليه
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا) متفق عليه
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد رأيت جبل حراء من بين فلقتي القمر.
وهذه المعجزة إحدى علامات الساعة التي حدثت، ففي الحديث الصحيح (خمس قد مضين الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام) متفق عليه. واللزام: القحط، وقيل التصاق القتلى بعضهم ببعض يوم بدر، والبطشة: القتل الذي وقع يوم بدر.
ذكر هذه الحادثة في القرآن الكريم مقروناً باقتراب الساعة، قال تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} (القمر:1)، ولما كان من عادة قريش التعنت والتكذيب فقد أعرضوا عما جاءهم، ووصفوا ما رأوه بأنه سحر ساحر. وقد حكى القرآن لسان حالهم ومقالهم فقال تعالى: {وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر}
واحتجاجهم ذلك شبهة مدحوضة، وقد أُجيب عن مثل هذه الشبهة قديماً، فقد نُقل عن أبي إسحاق الزجاج في معاني القرآن أنه قال: "أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر، ولا إنكار للعقل فيه لأن القمر مخلوق لله، يفعل فيه ما يشاء، كما يكوره يوم البعث ويفنيه".
ومما احتج به البعض: أنه لو وقع ذلك الانشقاق لجاء متواتراً، ولاشترك أهل الأرض في معرفته، ولما اختص به أهل مكة.
وجوابه أن ذلك وقع ليلاً، وأكثر الناس نيام، والأبواب مغلقة، وقلَّ من يرصد السماء إلا النادر، وقد يقع في العادة أن يخسف القمر، وتبدو الكواكب العظام، وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها إلا الآحاد من الناس، فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقومٍ سألوا وتعنتوا، فلم يرصده غيرهم، ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذٍ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض، كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم.
ونُقل عن الخطابي قوله: "انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيءٌ من آيات الأنبياء، وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجاً من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع، فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر".
وقد أظهرت بعض الدراسات الحديثة التي اعتنت بدراسة سطح القمر أنه يوجد به آثار انشقاق وانقسام، مما كان له أثر في إسلام البعض لمّا علم أن القرآن تكلم عن ذلك قبل قرون، فسبحان الذي أظهر الدلائل والآيات الدالة على ألوهيته وعظيم خلقه، قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد}
ولو بحثت في الشبكة عن صور انشقاق القمر-التي بثتها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا - والتى أكدها كثير من العلماء ومنهم الاستاذ زغلول النجار استاذ الجيولوجيا ستجد العجب العجاب حتى أن ذلك كان سببا في إسلام بعضهم.
والله أعلم
ـ[الحسن الهاشمي المختار]ــــــــ[16 - 02 - 2009, 10:30 ص]ـ
السلام عليكم
أخي الفاضل باتل
بارك الله فيك، أشكرك على الرد وعلى الترحيب.
يقول خالق الناس والعليم بنفوسهم وطباعهم: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذه حقيقة تعكس واقع طباع الناس في أي مكان وأي زمان، مثلا: لو نشرت جريدة خبرا حتى ولو كان نادرا وقوعه فأن أكثر القراء أو كلهم تقريبا سيظنون أن الخبر صحيح باعتبار أن الجريدة لا تنشر إلا الحقيقة، إذن فتصديق الخبر مبني على الظن، والظن قد يصيب وقد يخطئ، فقد تكذب الجريدة في اليوم التالي الخبر السابق باعتباره كان كذبة فاتح أبريل، أو أن مصدرهم الموثوق تبين أنه لم يكن متأكدا من صحة الخبر.
وقد يطلق أحد إشاعة كاذبة فلا يصدقها إلا القليل، ثم مع مرور الزمن تنتشر بين الناس فيكثر مصدقوها فتكتسب حصانة وشرعية عندهم
مثلا: بعد انتهاء مدة رسالة المسيح عليه السلام روج أحدهم إشاعة تزعم أن المسيح هو الإله تجسد ليقتل صلبا ليخلص البشرية من الخطيئة، لم يصدق وقتها هذه الإشاعة إلا قلة من الناس لكنها بعد جيلين أو ثلاثة عمت كل النصارى، وأصبح من يكذب ألوهية المسيح وعقيدة الفداء يعتبرا كافرا.
ولماذا نذهب بعيدا في التاريخ فإشاعة ظهور صورة صدام حسين على القمر ما زالت طازجة على اليوتوب ولها أنصار يصدقونها ويدافعون عن صحتها، لو كان صدام هذا زعيما دينيا أو شيخ طريقة لأصبحت إشاعة ظهوره على القمر بعد قرن أو قرنين حقيقة عند أتباعه ولتعددت الروايات واعتبرت صحيحة متفق عليها.
هذه أمثلة بسيطة من الواقع قديما وحديثا اتضح لنا بها أن أكثر الناس يتبعون الظن، وأن الأقلية فقط هم الذين قد يكونوا انتبهوا إلى بطلانه.
إذن فعلينا أن نأخذ في الحسبان وفي الاعتبار الآية السابقة إذا واجهتنا مسألة يزعم أكثر الناس صحتها لنتأكد هل تصديقهم لها مبني على الظن أم على العلم.
مسألة انشقاق القمر هل اتبع الناس الظن في تصديقها أم اتبعوا اليقين؟
إن كانوا قد اتبعوا العلم فأين أدلتهم من الكتاب والحكمة؟
لا توجد أدلة لا من الكتاب ولا من الحكمة سوى أنها وصلتهم خبرا، والخبر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب.
إذن فأكثر الناس في هذه القضية اتبعوا الظن، والظن كما تقول الآية لا يغني من الحق شيئا، فلنبحث عن الحق في الكتاب والحكمة،
إن كان في صالحهم اتبعناه، وإن لم يكن نخالفهم ولو اعتبرونا شواذا فالآية السابقة تثبت أن الحق قد يكون مع الأقلية.
وجدنا في الكتاب دليلا قويا ينفي انشقاقه في الماضي إلا أنهم لم يلتفتوا إليه ولم يعيروه اهتمامهم وهو قوله تعالى:
وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا.
هذه الآية وحدها كافية لأقسم بالله العزيز الحكيم أن الحكيم لا يتراجع عن أقواله، فإذا قال لن يرسل فإنه لن يرسل أبدا آية حسية لأهل مكة فيكذبوا بها كما كذب الأولون.
وفي الكتاب وجدنا في سورة القمر تيسيرا لبيان حقيقة هذه المسألة، الله تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها التي ينبغي أن تكون فيها، فليس صدفة أو عبثا أن يأتي ذكر انشقاق القمر بعد ذكر نجم ثاقب هوى إلا أن يكون تيسيرا لعلم الأسباب، وهو ما أثبتته السورة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، وليس صدفة أو عبثا أن يأتي ذكر تأثير انشقاق القمر على الأرض مرتبا ترتيبا محكما مطابقا لما يمكن وقوعه فعلا في حالة لو انشق القمر بالأسباب.
إذن فذكر هذه الكوارث التي حلت بقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط ليست تكرارا لقصص سبق أن ذكرها القرآن في سور أخرى بل هي تيسيرا
لعلم حقيقة تبعات انشقاق القمر وبيانها: ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
وجدنا ذلك العلم والبيان الذي استفدناه من سورة القمر والذي حكم في ما نحن فيه مختلفون قد ذكره القرآن في الآيات الأربع الأولى من سورة الرحمن التي تلت سورة القمر.
ما الحكمة من تذكيرنا بتيسير القرآن وتأكيدهذا التيسير 4 مرات في سورة القمر؟
تأكيد التيسير يوحي بأن إدراك حقيقة انشقاق القمر متيسر حصرا في هذه السورة، فالذي يزعم أنه سييسر لك معرفة حقيقة انشقاق القمر من مصدر آخر غير القرآن فزعمه باطل، مثلا:
نويت أن أسافر لأزور أخي الذي يسكن في مدينة أخرى فنصحني أحد أقاربي قائلا: انهار السد المائي وقطعت الطريق.
العبارة واضحة لا تحتاج إلى زيادة توضيح، فالطريق مقطوعة بسبب مياه السد المنهار، لكن قريبي هذا خشي ألا أعمل بنصيحته فأتبع قولا آخر مناقضا للحقيقة التي هو على يقين بها لذلك تابع كلامه قائلا: تذكر أني نصحتك ويسرت لك معرفة الحقيقة لتكون على علم وبينة من الأمر.
كذلك قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، وأتى بسورة بعدها استهلها بقوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.).
ترتيب واضح يتبين منه أن القمر سينشق بسبب نجم يهوي، لا يحتاج إلى زيادة في التوضيح، لكنه تعالى علم أن من الناس من سيزعم أن انشقاق القمر لا علاقة له بالنجم الذي يهوي وأنه انشق لأهل مكة لذلك كان من الحكمة أن يذكرنا بأنه يسر لنا القرآن لنعلم منه وحده كيفية انشقاق القمر وبيانها.
إن تبين لأحد في سورة القمر علم وبيان يثبت انشقاق القمر في العهد النبوي فليأت به مشكورا.
وإذا كانت رسالة الإسلام قد جاءت لتعلمنا الكتاب والحكمة فإن لكل علم اختبار، والاختبار يأتي في مادة الكتاب والحكمة، فيأتي الاختبار عبارة عن باطل يناقض الكتاب والحكمة زاعما أنه الحق،
تلك هي سنة الله، يختبر الناس فيما آتاهم، ونفس الاختبار الذي تعرض له آدم يعيد نفسه كلما بعث الله رسولا، وعلينا أن نتعلم من أخطاء الأمم السابقة فلا نتبع سننهم.
إذن فأنا أشذ عن الجمهور الذين يثبتون انشقاق القمر لأهل مكة لأن الله لم يثبت في القرآن أن الحق مع الأكثرية بل أثبت أن أكثر الناس يتبعون الظن.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الحسن الهاشمي المختار]ــــــــ[16 - 02 - 2009, 11:09 ص]ـ
أما صورة وكالة ناسا التي يبدو فيها جدول أو وادي كما أسموه بطول 300 كلم تقريبا فليس ذلك الجدول هو الوحيد الذي صورته كاميراتهم بل عدة جداول متعامدة ومتعاكسة، منها ما هو في القطبين، وفي مناطق أخرى من القمر، تلك تضاريس قمرية لا علاقة لها بانشقاق للقمر، لو كان نهر المسيسبي جافا لبدا من الفضاء أكثر وأطول من جدول القمر الذي صورته ناسا، فهل إذا رأينا صورة ذلك على الأرض نقول إن الأرض هي الأخرى انشقت في الماضي!!
وكالة ناسا سمتها جداول Rilles ولم تسمها شقوقا.
ـ[باتل]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 01:43 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الحبيب.
بداية أرجو أن تتقبل مروري واجتهادي البسيط لحين مداخلة أحد من مشاخينا بالمنتدى حفظهم الله.
أراك متحيزا لموقف الأقلية رغم رجاحة رأي الجمهور. كما أنك لم تشر إلى الأحاديث التي وردت في الصحيحين بصورة واضحة بل اعتبرتها من الظن أو تحتمل الصدق والكذب كما أشرت.
لا توجد أدلة لا من الكتاب ولا من الحكمة سوى أنها وصلتهم خبرا، والخبر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب.
إذن فأكثر الناس في هذه القضية اتبعوا الظن، والظن كما تقول الآية لا يغني من الحق شيئا، فلنبحث عن الحق في الكتاب والحكمة،
كما أن الاية التي ذكرتها قال تعالى (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) 34 سورة يونس.
ليست في محلها فالأية تتحدث عن المشركين لا عن كل الناس كما أشرت فقضايا الايمان والقضاء والقدر والرزق وغيرها من الغيبيات التي تنسب للخالق عز وجل هي أمور ظنية للكفار والملاحدة لا للمؤمنين وقضيتنا لا علاقة لها بالايمان والكفر وسواء وقعت أم لم تقع فلا تأثير لذلك في عقيدة المؤمن.
ولماذا نذهب بعيدا في التاريخ فإشاعة ظهور صورة صدام حسين على القمر ما زالت طازجة على اليوتوب ولها أنصار يصدقونها ويدافعون عن صحتها، لو كان صدام هذا زعيما دينيا أو شيخ طريقة لأصبحت إشاعة ظهوره على القمر بعد قرن أو قرنين حقيقة عند أتباعه ولتعددت الروايات واعتبرت صحيحة متفق عليها
أخي إن من يصدق ذلك هم سفهاء الناس لا عامتهم.
كذلك قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، وأتى بسورة بعدها استهلها بقوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.).
ترتيب واضح يتبين منه أن القمر سينشق بسبب نجم يهوي، لا يحتاج إلى زيادة في التوضيح، لكنه تعالى علم أن من الناس من سيزعم أن انشقاق القمر لا علاقة له بالنجم الذي يهوي وأنه انشق لأهل مكة لذلك كان من الحكمة أن يذكرنا بأنه يسر لنا القرآن لنعلم منه وحده كيفية انشقاق القمر وبيانها.
أخي الحبيب تركت مسألة خلافية وتحججت بأخرى أشد خلافا فترتيب القرآن الكريم لم يتم عن طريق الوحي بل هو مسألة بشرية صرفة حدثت في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأفعال البشر تحتمل الصواب والخطأ ولا دليل على أن هذا الترتيب معجزة إلاهية ولم تشر التفاسير إلى قضية الترتيب بين السور ولو كانت ذا جدوى لوجدنا كل مفسر يبدأ تفسيره لكل سورة بالإشارة إلى الحكمة من ترتيب السورة ووضعها بين ما تسبقها وما تليها.
فلو سألنا سؤالا وقلنا لماذا أتت سورة ال عمران بعد البقرة ولم تأت سورة النساء رغم أن سورة النساء مليئة بأحكام النساء والمواريث والمنطق يقتضي البدأ بالقوانين قبل سرد القصص الواعظة في سورة ال عمران؟
وقد اطّلعت على بعض التفاسير فوجدت أن رأي الجمهور مع انشقاق القمر ومن الصعب سرد كل هذه التفاسير هنا لكن تخيرت تفسيرا حديثا حتى يكون جامعا لما قبله وفيه رد صريح لما ذكرته أخي.
* تفسير في ظلال القرآن/ سيد قطب (ت 1387 هـ) مصنف و مدقق.
والروايات عن انشقاق القمر ورؤية العرب له في حالة انشقاقه أخبار متواترة. تتفق كلها في إثبات وقوع الحادث، وتختلف في رواية هيئته تفصيلاً وإجمالاً:
من رواية أنس بن مالك - رضي الله عنه - .. قال الإمام أحمد: حدثنا معمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - آية.
(يُتْبَعُ)
(/)
فانشق القمر بمكة مرتين فقال: {اقتربت الساعة وانشق القمر} .. وقال البخاري: حدثني عبد الله بن عبد الوهاب. حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا سعيد بن أبي عروة، عن قتادة، عن أنس بن مالك. أن أهل مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية. فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما. وأخرجه الشيخان من طرق أخرى عن قتادة عن أنس .. ومن رواية جبير بن مطعم - رضي الله عنه - .. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سليمان ابن كثير، عن حصين بن عبد الرحمن، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فلقتين. فلقة على هذا الجبل وفلقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم .. تفرد به أحمد من هذا الوجه .. وأسنده البيهقي في الدلائل من طريق محمد بن كثير عن أخيه سليمان بن كثير، عن حصين بن عبد الرحمن .. ورواه ابن جرير والبيهقي من طرق أخرى عن جبير بن مطعم كذلك ..
ومن رواية عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -. قال البخاري: حدثنا يحيى بن كثير، حدثنا بكر، عن جعفر، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: انشق القمر في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - .. ورواه البخاري أيضاً ومسلم من طريق آخر عن عراك بسنده السابق إلى ابن عباس .. وروى ابن جرير من طريق أخرى إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قد مضى ذلك، كان قبل الهجرة، انشق القمر حتى رأوا شقيه .. وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا .. وقال الطبراني بسند آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كسف القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سحر القمر، فنزلت: {اقتربت الساعة وانشق القمر} - إلى قوله: {مستمر}.ومن رواية عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، قالا: حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر في قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} قال: وقد كان ذلك في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انشق فلقتين فلقة من دون الجبل وفلقة خلف الجبل. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
اللهم اشهد ". وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد ..
ومن رواية عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شقتين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اشهدوا " وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة. وأخرجاه كذلك من حديث الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة، عن ابن مسعود. وقال البخاري: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة. قال: فقالوا: انظروا ما يأتيكم من السفار، فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال: فجاء السفار فقالوا ذلك .. وروى البيهقي من طريق أخرى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود، بما يقرب من هذا. فهذه روايات متواترة من طرق شتى عن وقوع هذا الحادث، وتحديد مكانه في مكة - باستثناء رواية لم نذكرها عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه كان في منى - وتحديد زمانه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة. وتحديد هيئته - في معظم الروايات أنه انشق فلقتين، وفي رواية واحدة أنه كسف (أي خسف) .. فالحادث ثابت من هذه الروايات المتواترة المحددة للمكان والزمان والهيئة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهو حادث واجه به القرآن المشركين في حينه؛ ولم يرو عنهم تكذيب لوقوعه؛ فلا بد أن يكون قد وقع فعلاً بصورة يتعذر معها التكذيب، ولو على سبيل المراء الذي كانوا يمارونه في الآيات، لو وجدوا منفذاً للتكذيب. وكل ما روي عنهم أنهم قالوا: سحرنا! ولكنهم هم أنفسهم اختبروا الأمر، فعرفوا أنه ليس بسحر؛ فلئن كان قد سحرهم فإنه لا يسحر المسافرين خارج مكة الذين رأوا الحادث وشهدوا به حين سئلوا عنه.
بقيت لنا كلمة في الرواية التي تقول: إن المشركين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - آية. فانشق القمر. فإن هذه الرواية تصطدم مع مفهوم نص قرآني مدلوله أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرسل بخوارق من نوع الخوارق التي جاءت مع الرسل قبله، لسبب معين" {وما منعنآ أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون}
فمفهوم هذه الآية أن حكمة الله اقتضت منع الآيات - أي الخوارق - لما كان من تكذيب الأولين بها.
وفي كل مناسبة طلب المشركون آية من الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان الرد يفيد أن هذا الأمر خارج عن حدود وظيفته، وأنه ليس إلا بشراً رسولاً. وكان يردهم إلى القرآن يتحداهم به بوصفه معجزة هذا الدين الوحيدة:
{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل، فأبى أكثر الناس إلا كفوراً. وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً. أو تسقط السمآء - كما زعمت - علينا كسفاً، أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه. قل: سبحان ربي! هل كنت إلا بشراً رسولاً؟}
فالقول بأن انشقاق القمر كان استجابة لطلب المشركين آية - أي خارقة - يبدو بعيداً عن مفهوم النصوص القرآنية؛ وعن اتجاه هذه الرسالة الأخيرة إلى مخاطبة القلب البشري بالقرآن وحده، وما فيه من إعجاز ظاهر؛ ثم توجيه هذا القلب - عن طريق القرآن - إلى آيات الله القائمة في الأنفس والآفاق، وفي أحداث التاريخ سواء .. فأما ما وقع فعلاً للرسول - صلى الله عليه وسلم - من خوارق شهدت بها روايات صحيحة فكان إكراماً من الله لعبده، لا دليلاً لإثبات رسالته ..
ومن ثم نثبت الحادث - حادث انشقاق القمر - بالنص القرآني وبالروايات المتواترة التي تحدد مكان الحادث وزمانه وهيئته. ونتوقف في تعليله الذي ذكرته بعض الروايات. ونكتفي بإشارة القرآن إليه مع الإشارة إلى اقتراب الساعة. باعتبار هذه الإشارة لمسة للقلب البشري ليستيقظ ويستجيب ..
وانشقاق القمر إذن كان آية كونية يوجه القرآن القلوب والأنظار إليها، كما يوجهها دائماً إلى الآيات الكونية الأخرى؛ ويعجب من أمرهم وموقفهم إزاءها، كما يعجب من مواقفهم تجاه آيات الله الكونية الأخرى.
إن الخوارق الحسية قد تدهش القلب البشري في طفولته، قبل أن يتهيأ لإدراك الآيات الكونية القائمة الدائمة، والتأثر بإيقاعها الثابت الهادئ. وكل الخوارق التي ظهرت على أيدي الرسل - صلوات الله عليهم - قبل أن تبلغ البشرية الرشد والنضوج يوجد في الكون ما هو أكبر منها وأضخم، وإن كان لا يستثير الحس البدائي كما تستثيره تلك الخوارق!
ولنفرض أن انشقاق القمر جاء آية خارقة .. فإن القمر في ذاته آية أكبر! هذا الكوكب بحجمه، ووضعه، وشكله، وطبيعته، ومنازله، ودورته، وآثاره في حياة الأرض، وقيامه هكذا في الفضاء بغير عمد. هذه هي الآية الكبرى القائمة الدائمة حيال الأبصار وحيال القلوب، توقع إيقاعها وتلقي ظلالها، وتقوم أمام الحس شاهداً على القدرة المبدعة التي يصعب إنكارها إلا عناداً أو مراء!
ـ[الحسن الهاشمي المختار]ــــــــ[18 - 02 - 2009, 10:05 ص]ـ
أخي الفاضل باتل
أختلف معك في كون ترتيب السور من اجتهاد الصحابة بل هو توقيفي عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من الصحابة من رتبوا المصحف ترتيب النزول، فجمع عثمان رضي الله عنه المصاحف واعتمد فقط على النسخة التي رتبت بتوقيف من النبي عليه الصلاة والسلام,
إن مفتاح علم كيفية انشقاق القمر هو قوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
شهادة الله هذه التي كررها أربع مرات نفهم منها أن هناك شهادة أخرى كاذبة إلى جانب شهادة الحق، فأنت لا تقول لصاحبك إذا نصحته: تذكر أني وضحت لك الأمر ويسرت لك سبل المعرفة إلا إذا بدا لك أن الشخص الذي تخاطبه قد يخالف نصيحتك ويعمل بنصيحة أخرى مخالفة لنصيحتك.
أما إذا لم يوجد هذا الاحتمال فإنك تلقي إليه الكلام بشكل عادي:
لاتسلك هذا الطريق فإنه طريق محفوف بالمخاطر.
كذلك لا يقول الله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.)
إلا إذا وجدت شهادة كاذبة مناقضة لشهادة الحق، لو لم يكن لهذه الشهادة الكاذبة وجود لما كان لزاما للتذكير بتيسير القرآن.
كيف يثبت الله التيسير ثم ننفيه نحن فندعي أن انشقاق القمر لا علاقة له بهوي النجم الثاقب!!
لو لم يكن له علاقة لما رتب الانشقاق على نجم ثاقب هوى.
لو كان هذا الترتيب لا يفيد التيسير فهو في هذه الحالة تعسير.
أتفق معك أن انشقاق القمر أو عدم انشقاقه هي مسألة تتعلق بالفهم، فالمخطئ ليس مذنبا، وأن الآية (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا .. ) ذكرت بمناسبة ذكر المشركين إلا أنها حالة عامة تعبر عن طباع الناس. والله تعالى ليس معه شريك في شهادته على انشقاق القمر، فإما أن نقبل شهادة الله وحدها ونكتفي بها أو نأخذ بأقوال بشر لم يشهدهم الله كيفية انشقاق القمر.
الشهادة تقتضي أن يقسم الشاهد بالله إنه لمن الصادقين، لم نجد في الروايات قسم بالله على صدقهم.
لو أشهدهم الله كيفية انشقاق القمر لجاءت شهادتهم مطابقة لشهادة الله.
ودمت بخير وعافية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الحسن الهاشمي المختار]ــــــــ[19 - 02 - 2009, 10:22 ص]ـ
قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
السؤال المطروح في آخر الآية هو: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟، هذا هو الاختبار.
أي اختبار في أية مادة إنما هو اختبار للذاكرة، فالذي ذاكر دروسه هو الذي ستكون إجابته صائبة لأنه مدكر لما تعلمه.
آدم عليه السلام اختبر ليعلم بالحجة إن كان مدكرا للدرس الذي تعلمه أم نسيه، والدرس هو: فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فتشقى). لكن آدم لم يكن مدكرا بل نسي: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا.
إذن فالله يختبر الإنسان ليعلم بالحجة هل هو مدكر لما علمه الله أم أنه نسي، فإذا قال الله: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ. هذا هو العلم الذي يجب على المؤمن أن يتذكره.
وإذا قال بعدها: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟ هذا هو الاختبار، فهو ليس كلاما نظريا بل ينبغي أن يكون تطبيقيا يجعل الله له واقعا. والاختبار يأتي في صورة باطل يدعي أنه الحق، فالحق هو أن الله يسر في سورة القمر كيفية انشقاقه، أما الباطل فيأتي ليدعي العكس.
في السورة وجدنا ترتيبا تيسر منه علم كيفية الانشقاق وأنه لم يحصل بعد وإنما عند قيام الساعة.
أما الباطل فادعى العكس، إنه نفس الاختبار الذي اختبر به آدم، فالله تعالى أعلم آدم أن إبليس عدو له، فجاء إبليس ليدعي عكس ما قاله الله لآدم فقدم نفسه على أنه ناصح أمين.
إذن علينا أن نتذكر أن الله يسر لنا بيان حقيقة انشقاق القمر عند قيام الساعة، والتيسير مبني على الترتيب، فالقاموس مرتب أبجديا لتيسير البحث عن الكلمة، فلو لم يكن مرتبا ترتيبا أبجديا لتعسر البحث، كذلك الأسباب وتبعاتها جاءت مرتبة في سورة القمر لذلك حق أن توصف بالتيسير لنعلم بها أن ذلك سيحصل عند قيام الساعة، فإذا جاءت روايات تزعم عكس ذلك فهي باطلة ولو قالوا عنها إنها صحيحة.(/)
من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب)
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 02 - 2009, 08:56 م]ـ
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
نداء لاسترعاء انتباه السامع فيه مئنة من علو شأن المتكلم، جل وعلا، وقد تعلق الحكم بالوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة وهو: "الإيمان".
إن كثيرا: توكيد بـ: "إن"، واللام المزحلقة في: "ليأكلون"، ودلالة المضارع على الاستمرار مئنة من استمراء أولئك أكل تلك الحقوق في كل عصر ومصر، وهذا أمر فاش في رؤوس الضلال من أهل الملل أو النحل الذين يكتمون الحق ضنا برياساتهم الزائلة ومكاسبهم الفانية، فالعبرة بعموم المعنى وهو: كتمان الحق رعاية لمتاع زائل، وذلك وصف متعد لا يقتصر على ملة أو نحلة أو طائفة أو شخص بعينه.
مِنَ: بيانية جنسية وفيها معنى التبعيض، فضلا عن كونها لابتداء الغاية، إذ ابتداء ذلك صادر منهم وذلك معنى لا تنفك عنه "من" كما قرر بعض النحاة كما حكى ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب".
وفي الإتيان بلفظ: "الأكل" في: "ليأكلون": تمثيل لعموم الانتفاع بالأموال فلا يخصصه، وإنما ورد النص على تلك الصورة بعينها لأن غالب الانتفاع بالأموال إنما يتعلق بالأبدان، وحاجة الأبدان إلى المآكل حاجة ملحة لا تنقطع.
وإلى طرف من ذلك أشار القرطبي، رحمه الله، في معرض تفسير قوله تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)، بقوله:
"ليس المقصود صورة الأكل، وإنما المراد به الاستباحة بأي طريق كان، وهو المعني بقوله في الآية التي بعدها: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما).
وليس المراد نفس الأكل، إلا أن الأكل لما كان أوفى أنواع التمتع بالمال عبر عن التصرفات بالأكل.
ونظيره قوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) يعلم أن صورة البيع غير مقصودة، وإنما المقصود ما يشغله عن ذكر الله تعالى مثل النكاح وغيره، ولكن ذكر البيع لأنه أهم ما يشتغل به عن ذكر الله تعالى". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 24).
بِالْبَاطِلِ: حال مقيدة معتبرة المفهوم، إذ أكل الأموال بالحق لا جناح على فاعله.
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: عطف لازم على ملزومه، فإن عموم المكلفين إذا نظروا إلى حال أولئك المتأكلين بأديانهم، ساء ظنهم بالدين وأهله، وأي صد عن سبيل الله أعظم من ذلك؟!!!!، وهذا أمر مشاهد في سلوك كثير من شيوخ السوء والضلالة في العصر الحاضر وما أكثرهم!!!.
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ: تعليق آخر للحكم على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة، وهو كنز الأموال، وليس مطلق الكنز مذموما، وإنما قيد ذلك بالكنز المفضي إلى منع حقوق الله وحقوق العباد في المال المكتنز.
وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ: عطف لازم على ملزومه، فالكانز لا ينفق في سبيل الله بداهة، إذ قد ساء ظنه بربه، عز وجل، فشح بالنفقة خشية الفقر. وفي الإطناب في معرض الذم بعطف اللازم على ملزومه مزيد بيان لأوصاف أولئك تنفيرا من حالهم.
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ: دخلت الفاء على الخبر لما أشرب المبتدأ: "الذين"، معنى الشرطية، وفيه: استعارة عنادية تهكمية إذ البشرى والعذاب لا يجتمعان إلا على سبيل التهكم، وفي ذلك مزيد نكاية فيهم، والنص عام، إذ العبرة بعموم لفظه، والموصول: "الذين": نص في العموم، ويقال في مثل هذه المواضع: تعليق وقوع المشروط على شرطه في معرض الوعد أو الوعيد: خبر في مبناه، طلب في معناه، إذ الوعد يحمل المخاطب على الامتثال فعلا، والوعيد يحمله على الامتثال تركا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 02 - 2009, 09:43 م]ـ
ومثله في "الأكل":
قوله تعالى:
(يُتْبَعُ)
(/)
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ
سَعِيرًا).
فالآية مصدرة بالتوكيد بـ: "إن"، فضلا عن اسمية الجملة، و: "الذين" كما تقرر، مرارا، مجمل بينه ما بعده، إذ تعلق الحكم بالوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة المبينة: "يأكلون" وهو: "الأكل"، وهو، أيضا، من باب ذكر بعض أفراد العام فلا يخصصه، إذ المعنى العام الذي تعلق به الحكم هو: الانتفاع بمال اليتيم بلا وجه حق، وهو أمر متحقق في صورة الأكل والشرب واللبس ........... إلخ من صور الانتفاع، بل لو قال قائل إن المعنى العام هو: الإتلاف ما أبعد، فيدخل في ذلك كل صور الإتلاف من قبيل: الإحراق والإغراق .......... إلخ على وجه القياس المساوي الذي تجمع صوره علة الإتلاف فهي متحققة في كلٍ.
و: "ظُلْمًا": قيد معتبر المفهوم إذ أكل أموالهم بالحق لا جناح على فاعله.
"إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا": قصر إضافي للتوكيد على معنى الوعيد الذي تضمنه، والظرفية في: "في بطونهم": مئنة من خسة همة فاعله إذ تعلقت بملء بطنه كأي دابة لا تعقل.
وإلى ذلك أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:
"وخص البطون بالذكر لتبيين نقصهم، والتشنيع عليهم بضد مكارم الأخلاق". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 46).
وفيه أيضا نوع توكيد إذ الأكل لا يكون إلا في البطون، فجيء بظرف المأكول توكيدا، على وزان قوله تعالى: (وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ)، والطائر لا يطير إلا بجناحيه، فلا يكون للوصف هنا مفهوم إذ لا أكل في غير البطون ولا طيران بغير أجنحة.
و: "نارا": مجاز عند من يقول به، علاقته: المسببية، إذ أطلق المسبَب وهو "النار" وأراد سببه وهو: أكل أموال اليتامى ظلما، فهو سبب لدخول النار، إلا أن يشاء الله، عز وجل، غير ذلك، فيعفو لحسنات ماحيات أو مصائب مكفرات ......... إلخ من موانع نفاذ الوعيد، أو يعفو، جل وعلا، ابتداء، فضلا منه ومنة، فمرتكب الكبيرة تحت مشيئته: إن شاء غفر فضلا، وإن شاء عذب عدلا.
وقد جعله القرطبي، رحمه الله، من صور المجاز باعتبار ما يؤول إليه الأمر على وزان قوله تعالى: (إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا)، إذ مآل المعصور: الخمر، ومآل أكل أموال اليتامى ظلما: النار.
وحديث: (رأيت قوما لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟، قال: هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما)، على ضعف في إسناده يرجح الحقيقة على المجاز، إذ الأكل فيه: أكل حجارة حقيقية من نار.
وقوله: (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا): تعجيل بالمساءة، دلت عليه السين، من باب الزيادة في الوعيد، وقرأ أبو حيوة رحمه الله: "وسيصلون": بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من باب الزيادة في المعنى فرعا عن الزيادة في المبنى بالتضعيف، فتكون تصليتهم مرة بعد مرة، كما أشار إلى ذلك القرطبي رحمه الله.
والخبر، كأي وعد أو وعيد: خبري المبنى طلبي المعنى، ففيه إنشاء الزجر فرعا عن الإخبار بالعقوبة.
والله أعلى وأعلم.(/)
منظومة مائة المعاني والبيان
ـ[ناصر البيان]ــــــــ[09 - 02 - 2009, 01:00 م]ـ
هذه منظومة موجزة في علوم البلاغة لمحب الدين بن الشِّحنة الحنفي الحلبي
(749 - 815 هـ) اسماها (مائة المعاني والبيان) وتتميز عن منظومة الأخضري (الجوهر المكنون) بأنها موجزةٌ ومختصرةٌ إختصاراً ميسراً لطلبة العلم
الْحَمْدُ لِلّهِ وَصَلَّى اللّهُ
عَلَى رَسُولهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَا
وَبَعْدُ قَدْ أَحْيَيْتُ أَنِّي أَنْظِمَا
فِي عِلْمَيِ الْبَيَانِ وَالمَعَانِي
أَرْجُوزَةً لَطِيفَةَ المَعَانِي
أَبْيَاتُهَا عَنْ مِائَه لَمْ تَزِدِ
فَقُلْتُ غَيْرَ آمِنٍ مِنْ حَسَدِ
فَصَاحَةُ المُفْرَدِ فِي سَلاَمَتِهْ
مِنْ نُفْرَةٍ فِيهِ وَمِنْ غَرَابَتِهْ
وَكَونُهُ مُخَالف الْقِيَاسِ
ثُمَّ الفَصِيحُ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ
مَا كَانَ مِنْ تَنَافُرٍ سَلِيمَا
وَلَمْ يَكُنْ تَألِيفُهُ سَقِيمَا
وَهْوَ مِنَ التَعْقِيدِ أَيْضاً خالِي
وَإِنْ يَكُنْ مُطَابِقاً لِلْحَالِ
فَهْوَ الْبَلِيغُ وَالَّذِي يُؤَلِّفُهْ
وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ تَصِفُهْ
وَالصِّدْقُ أَنْ يُطَابِقَ الْوَاقِعَ مَا
يَقُولُهُ وَالْكذْبُ إِنْ ذَا يُعْدَمَا
وَعَرَبِيُّ اللَّفْظِ ذُو أَحْوَالِ
يَأْتِي بِهَا مُطَابِقاً لِلْحَالِ
عِرْفانُهَا عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي
مُنْحَصِرُ الأَبْوَابِ فِي ثَمَانِ
أَحْوَالُ الأِسْنَادِ الْخَبَرِيِّ
إِنْ قَصَدَ المُخْبِرُ نَفْسَ الحُكْمِ
فَسَمِّ ذَا فَائِدَه وَسَمِّ
إِنْ قَصَدَ الأِعْلاَ مَ بِالْعِلْمِ بِهِ
لاَزِمَهَا وَلِلْمَقَامِ انْتَبِهِ
إِنْ ابْتِدَائِيّاً فَلاَ يُؤَكِّدُ
أَوْ طَلَبِيّاً فَهْوَ فِيهِ يُحْمَدُ
وَوَاجِبٌ بِحَسَبِ الأِنكَارِ
وَيَحْسُنُ التَبْدِيلُ بِالأَغْيَارِ
وَالْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ إِنْ أَسْنَدَهُ
لِمَا لَهُ فِي ظَاهِرٍ ذَا عنْدَهُ
حَقِيقَةٌ عَقْلِيَّةٌ وَإِنْ إِلَى
غَيْرِ مُلاَبِسٍ مَجَازاً أَوَّلاَ
الْبَابُ الثَّانِي: أَحْوَالُ المُسْنَدِ إِلَيْهِ
الحَذْفُ لِلصَّوْنِ وَلِلإِنكَارِ
وَالإِحْتِرَازِ وَلِلإِخْتِبَارِ
وَالذِّكْرُ لِلتَعْظِيمِ وَالإِهَانَةِ
وَالْبَسْطِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْقَرِينَةِ
وَإِنْ بِإِضْمَارٍ تَكُنْ مُعَرِّفَا
فَلِلْمَقَامَاتِ اْلثَّلاَثِ فَاعْرِفا
وَالأَصْلُ فِي الْخِطَابِ لِلْمُعَيَّنِ
وَالتَّرْكُ فِيهِ لِلْعُمُومِ الْبيِّنِ
وَعَلَمِيَّةٌ فَلِلاْحْضَارِ
أَوْ قَصْدِ تَعْظِيِمٍ أَو احْتِقَارِ
وَصِلَةٌ لِلجَهلِ وَالتَّعْظِيمِ
لِلشَّانِ وَالإِيمَاءِ وَالتَّفْخِيمِ
وَبِإِشَارةٍ لِذِي فَهًمٍ بَطِي
فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ أَوِ التَّوَسُّطِ
وَأَلْ لِعَهْدٍ أَوْ حَقِيقَةٍ وَقَدْ
تُفِيدُ الاسْتِغْرَاقَ أَوْ لِمَا انْفَرَدْ
وَبإِضَافَةٍ فَلِلإِخْتِصَارِ
نَعَمْ وَلِلذَّمِّ أَوِ احْتِقَارِ
وَإنْ مُنكَّراً فلِلتَّحقِيرِ
وَالضِّدِّ وَالإِفْرَادِ وَالتكْثِيرِ
وَضِدِّهِ وَالْوَصْفُ لِلتَّبْيِين
وَالمَدْحِ وَالتَّخْصِيصِ وَالتَّعْيِينِ
وَكَوْنُهُ مُؤَكَّداً فَيَحْصُلُ
لِدَفْعِ وَهْمِ كَوْنِهِ لاَ يَشْمُلُ
وَالسَّهْوِ وَالتَّجَوُّزِ المُبَاحِ
ثُمَّ بَيَانُهُ فَلِلإِيضَاحِ
بِاسْمٍ بِهِ يَخْتَصُّ وَالإِبْدَالُ
يَزِيدُ تَقْريراً لِمَا يُقَالُ
الْعَطْفُ تَفْصِيلٌ مَعَ اقْتِرَابِ
أَوْ رَدِّ سَامِعٍ إِلَى الصَّوَابِ
وَالْفَصْلُ للتَّخْصِيصِ والتَقْدِيمُ
فَلاِهْتِمَامِ يَحْصُلُ التَّقْسِيمُ
كَالأَصْل وَالتَّمْكِينِ وَالتَّعَجُّلِ
وَقَدْ يُفِيدُ الاخْتِصَاصَ إِن وَلِي
نَفْياً وَقَدْ عَلَى خِلاَفِ الظَّاهِرِ
يَأْتِي كَالأُولَى وَالْتِفَاتٍ دَائِر
بِاسْمٍ بِهِ يَخْتَصُّ وَالإِبْدَالُ
يَزيدُ تَقْريراً لِمَا يُقَالُ
البابُ الثَّالِثُ: أَحوَالُ المُسْنَدِ
لِمَا مَضَى التَّرْكُ مَعَ القَرِينَهْ
وَالذِّكْرُ أَوْ يُفيِدُنَا تَعْيِينَهْ
وَكَونُهُ فِعْلاً فَلِلتَّقيدِ
بالْوَقتِ مَعْ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ
وَاسْماً فَلاِنْعِدَامِ ذَا وَمُفْرَدَا
لأنَّ نَفْسَ الحُكْمِ فيهِ قُصِدَا
وَالْفِعْلُ بِالْمَفْعُولِ إِنْ تَقَيَّدَا
وَنَحْوِهِ فَلِيُفِيدَ زَائِدَا
وَتَرْكُهُ لِمَانِعٍ مِنهُ وَإِنْ
بِالشَّرْطِ بِاعتِبارِ مَا يَجِيءُ مِنْ
(يُتْبَعُ)
(/)
آدَابِهِ وَالجَزْمُ أَصْلٌ فِي إِذَا
لاَ إِنْ وَلَوْ وَلاَ لِذَاكَ مَنْعُ ذَا
وَالْوَصْفُ وَالتَّعْرِيفُ وَالتَّأْخِيرُ
وَعَكْسُهُ يُعْرَفُ وَالتَّنكِيرُ
الْبَابُ الرَّابِع: أَحْوَالُ مُتَعَلَّقَاتِ الْفِعْلِ
ثُمَّ مَعَ المَفْعُّولِ حَالُ الفِعْلِ
كَحَالِهِ مَعْ فَاعِلٍ مِنْ أَجْلِ
تَلَبُّسٍ لاَ كَوْنُ ذَاكَ قَدْ جَرَى
وَإِنْ يُرَدْ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذُكِرَا
النَّفْيُ مُطلَقاً أَوِ الإِثْبَاتُ لَهْ
فَذَاكَ مِثْلُ لاَزِمٍ فِي المَنْزلَهْ
مِنْ غَيْر تَقْدِيرٍ وَإِلاَّ لَزِمَا
وَالحَذْفُ لِلْبَيَانِ فِيما أُبْهِمَا
أَوْ لِمَجِيءِ الذِّكْرِ أَوْ لِرَدِّ
تَوَهُّمِ سَامِعِ غيْرِ الْقَصْدِ
أَوْ هُوَ لِلتَّعْمِيمِ أَوْ لِلْفَاصِلَهْ
أَوْ هُوَ لاِ سْتِهْجَانِك المُقَابَلَه
وَقَدِّمِ المَفْعُولَ أَوْ شَبِيهَهُ
رَدّاً عَلَى مَنْ لمْ يُصِبْ تَعْيِينَهُ
وَبَعْضُ مَعْمُولٍ عَلَى بَعْضِ كَمَا
إِذَا اهْتِمَامٌ أَوْ لأصْلٍ عُلِمَا
الْبَابُ الخَامِسُ: الْقَصْرُ
القَّصْرُ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌ وَذَا
نَوْعَانِ وَالثَّانِي إضَافِيٌّ كَذَا
فَقَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ
وَعَكْسُهُ مِنْ نَوْعِهِ المَصْرُوفِ
طَرِيقُهُ النَّفْيُ وَالاِسْتِثْنَا هُمَا
وَالْعَطْفُ وَالتَقْدِيمُ ثُمَّ إِنَّمَا
دِلالَةُ التَّقْدِيمِ بِالفَحْوَى وَمَا
عَنَاهُ بِالْوَضْعِ وَأَيْضاً مِثْلَ مَا
الْقَصْرُ بَيْنَ خَبَرٍ وَمُبْتَدَا
يَكونُ بَيْن فاعِلٍ وَمَا بَدَا
مِنْهُ فَمَعْلُومٌ وَقَدْ يُنَزَّلُ
مَنْزِلَةَ المَجْهُولِ أَوْ ذَا يُبْدَلُ
الْبَابُ السَّادِسُ: الإنْشَاءُ
يَسْتَدْعِي الإِنْشَاءُ إِذَا كَانَ طَلَبْ
مَا هُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ وَالمُنْتَخَبْ
فِيهِ التَّمَنِّي وَلَهُ المَوْضُوعُ
لَيْتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوُقُوعُ
وَلَوْ وَهَلْ مِثْلُ لَعَلَّ الدَّاخِلَهْ
فِيهِ وَالاِسْتِفْهَامُ وَالمَوْضُوعُ لَهْ
هَلْ هَمْزَةٌ مَنْ مَا وَأَيٌّ أَيْنَا
كَم كَيْفَ أَيَّانَ مَتَى وَأَنَّى
فَهَلْ بِهَا يُطْلَبُ تَصْدِيقٌ وَمَا
هَمْزاً عَدَا تَصَوُّرٌ وَهْيَ هُمَا
وَقَدْ لِلاستِبْطَاءِ وَالتَّقْرِيرِ
وَغَيْرُ ذَا يَكُونُ وَالتَّحْقِيرِ
وَالأَمْرُ وَهْوَ طَلَبُ اسْتِعْلاَءِ
وَقَدْ لأَنْوَاع يَكُونُ جَائِي
وَالنَّهْيُ وَهْوَ مِثْلُهُ بِلاَ بَدَا
وَالشَّرْطُ بَعْدَ مَا يَجُوزُ وَالنِّدَا
وَقَدْ لِلاخْتِصَاصِ وَالإِغْرَاءِ
تَجِيءُ ثَمَّ مَوْقِعَ الإِنْشاءِ
قَدْ يَقَعُ الْخَبَرُ لِلتَّفَاؤُلِ
وَالْحِرْصُ أَوْ بِعَكْسِ ذا تأَمَّلِ
الْبَّابُ السَّابِعُ: الْفَصْلُ وَالْوَصُلُ
إِنْ نُزِّلَتْ تَالِيَةٌ مِنْ ثَانِيَهْ
كَنَفْسِهَا أَوْ نُزِّلَتْ كَالْعَارِيَهْ
فافْصِل وَإِنْ تَوَسُّطٌ فالْوَصْلُ
بِجَامِعٍ أَرْجَحُ ثُمَّ الْفَصْلُ
بِمَا لِحَالٍ أَصلُهَا قَدْ سَلِمَا
أَصْلٌ وَإِنْ مُرَجِّحٌ تَحَتَّما
الْبَابُ الثَّامِنُ: الإِيجَازُ وَالإِطْنَابُ
تَوْفِيَةُ المُرَادِ بِالنَّاقِصِ مِنْ
لَفْظٍ لَهُ الإِيجَازُ وَالإِطْنَابُ إِنْ
بِزَائِدٍ عَنْهُ وَضَرْبُ الأَوَّلِ
قَصْرٌ وَحَذْفُ جُمْلَه أَوْ جُمَلِ
أَوْ جُزْءِ جُمْلَةٍ وَمَا يَدُلُّ
عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ وَمِنْهَا الْعَقْلُ
وَجَاءَ لِلتَوشِيعِ بِالتَّفْصِيلِ
ثَانٍ وَالاعْتِرَاضُ وَالتَذْيِيلِ
عِلْمُ البيانِ
عِلْمُ الْبَيِّانِ مَا بِهِ يُعَرَّفُ
إيرَادُ مَا طُرُقُه تَخْتَلفُ
فِي كَوْنِهَا وَاضِحَةَ الدِّلالَهْ
فِما بِهِ لاَزِمُ مَا وُضِعِ لَهْ
إِمَّا مَجَازٌ مِنْهُ وَاستِعَارَةُ
تُنْبِي عَنِ التَّشْبِهِ أَوْ كِنَايَةُ
وَطَرَفَا التَّشْبِيهِ حسِّيَّانِ
وَلِّوْ خَيَالِيّاً وَعَقْلِيَّانِ
وَمِنْهُ بِالْوَهْمِ وَبِالْوُجْدَانِ
أَوْ فيهِمَا يَخْتَلِفُ الجُزْآنِ
وَوَجْهُهُ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ وَجَا
ذَا فِي حَقِيقتيهِمَا وَخَارِجَا
وَصْفاً فَحِسِّيٌّ وَعَقْلِيٌّ وَذَا
وَاحِداً أوْ فْي حُكْمِهِ أَوْ لاَ كَذَا
وَالْكَافُ أَوْ كَأَنَّ أَوْ كَمِثْلِ
أدَاتُهُ وَقَدْ بِذِكْرِ فِعْلِ
وَغَرَضٌ مِنْهُ عَلَى مُشَبَّهِ
يَعُودُ أَوْ عَلَى مُشَبَّهٍ بِهِ
فَبِاعْتِبَارِ كُلِّ رُكْنٍ أَقْسِما
أَنْوَاعَهُ ثُمَّ المَجَازُ فَافْهَمَا
مُفْرَدٌ أَوْ مُرَكَّبٌ وَتَارَهْ
يَكُونُ مُرْسَلاً أَوِ استِعَارَهْ
يُجْعَلُ ذَا ذَاكَ ادِّعَاءً أَوِّلَهْ
وَهْيَ إِنِ اسْمُ جِنْسٍ اسْتُعيرَ لَهْ
أَصْلِيَّةٌ أَوْ لاَ فَتَابعِيَّهْ
وَإِنْ تَكُنْ ضِدّاً تَهَكُّمِيَّهْ
وَمَا بِهِ لاَزِمُ مَعْنًى وَهْوَ لاَ
مُمتَنِعاً كِنَايَةٌ فَاقْسِمْ إِلَىْ
إِرَادَة النِّسْبَةِ أَوْ نَفْسِ الصِّفَهْ
أَوْ غَيْرِ هَذَيْنَ اجْتَهِدْ أَنْ تَعْرِفَهْ
عِلْمُ الْبَدِيعِ
عِلْمُ البَدِيعِ وَهْوَ تَحْسِيْنُ الكَلاَمْ
بَعْدَ رِعَايَةِ الْوُضُوحِ وَالمَقَامْ
ضَرْبَانِ لَفْظيٌّ كَتَجْنيسٍ وَرَدْ
وَسَجَعٍ أَوْ قَلْبٍ وَتَشْرِيعٍ وَرَدْ
وَالمَعْنَوِيُّ وَهْوَ كالتَّسْهِيمِ
وَالجَمعِ وَالتَّفْرِيقِ وَالتَّقْسِيمِ
وَالْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ وَالتَّجْرِيدِ
وَالْجدِّ وَالطِّبَاقِ وَالتَّأْكِيدِ
وَالْعَكْسِ وَالرُّجُوعِ وَالإِيهَامِ
وَاللَّفِّ وَالنَشْرِ وَالاِسْتِخْدَامِ
وَالسَّوْقِ وَالتَّوْجِيهِ وَالتَّوْفِيقِ
وَالبَحْثِ وَالتَّعْلِيلِ وَالتَّعْليقِ
الخَاتِمَةُ: فِي السَّرِقات الشِّعْرِيَّةِ
السَّرِقاتُ ظَاهِرٌ فالنَّسْخُ
يُذَمُّ لاَ إِنِ اسْتُطِيعَ المَسْخُ
وَالسَّلْخُ مِثْلُهُ وَغَيْرُ ظِّاهِرِ
كَوَضْعِ مَعْنًى فِي مَحَلِّ آخَرِ
أَوْ يَتَشَابَهَانِ أَوْ ذَا أَشْمَلُ
وَمِنْهُ قَلْبٌ وَاقْتِبِّاسٌ يُنْقَلْ
وَمِنْهُ تَضْمِيْنٌ وَتَّلْمِيحٌ وَحَلّ
وَمِنْهُ عَقْدٌ وَالتَّأَنُّقُ أنْ تَسَل
بَرَاعَةُ اسْتِهْلاَلِ وَانْتِقَالِ
حُسْنُ الْخِتَام مُنْتَهَي المَقَالِ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[تميمي]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 03:00 م]ـ
إذا سمحت.
هل من الممكن أن تشرح لي ماهو الاسناد؟
ـ[ناصر البيان]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 04:36 م]ـ
الإسناد أخي التميمي هو: الحكم بإثبات شيء لشيء أونفيه عنه.
فلو قلت: زيد مسافر فقد أسندت السفر إلى زيد وحكمت بإثباته له.
ولوقلت: لم يسافر زيد فقد أسندت عدم السفر إلى زيد وحكمت بنفيه عنه.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[11 - 07 - 2010, 12:05 م]ـ
من أراد نسخة مصححة للحفظ من المنظومة فليرسل لي بريده على الخاص.
ـ[عبود]ــــــــ[11 - 07 - 2010, 08:29 م]ـ
أحسنت(/)
أريد تحليلا بلاغيًّا لسورة العلق والنبأ
ـ[{رؤى الأحزان .. ]ــــــــ[09 - 02 - 2009, 04:58 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد تحليلا بلاغيا لسورة العلق و سورة النبأ ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 10:30 م]ـ
بعض التفاسير تحوي إشارات بلاغية يمكن الاستفادة منها، كالكشاف، وتفسير أبي السعود، والبحر المحيط، وحواشي تفسير البيضاوي، وروح المعاني، والتحرير والتنوير.
بالتوفيق عزيزتي ..(/)
(التشبيه: سهولته و جماله) .. حصري
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 12:13 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[ line]
.. البلاغة تنقسم إلى ثلاثة أقسام .. المعاني و البيان و البديع .. أسهله القسم الثالث و أجمله القسم الثاني و أضبطه للجمل الجزء الأول .. في القسم الثاني هناك قسم سهل و مهم للبلاغيين .. هو قسم التشبيه .. تقول:
محمد كالأسد في الشجاعة
.. أنت تشبه مَن؟ .. (محمد) إذا محمد هو (المشبه) تشبهه بماذا؟ .. (بالأسد) .. إذا الأسد هو (المشبه به) و حرف الكاف في لفظة الأسد هو أداة التشبيه .. ما هي الصفة المشتركة بين محمد و الأسد؟ .. (الشجاعة) إذا الشجاعة هي (وجه الشبه) .. معنى ذلك أنك تشبه محمد بالأسد في الشجاعة فقط .. الآن دعونا نحذف وجه الشبه:
محمد كالأسد
.. هكذا أصبحت الجملة أقوى في المعنى لأنك تشبه محمد بالأسد و لا تحدد صفة معينة فكأنك قلت محمد كالأسد في الشجاعة والتخطيط و القوة و كل صفاته .. ثم دعونا نحذف أداة التشبيه:
محمد أسد
.. هنا تتجلى بلاغة الجملة .. لأنك بأداة التشبيه تقول أن الأسد أقوى من محمد .. لأن الناس عادة تشبه الضعيف بالأقوى .. فإذا حذفت أداة التشبيه .. فأنت تقول أنه لا تفضيل بين محمد و الأسد .. هما سواء .. و قولنا (محمد أسد) يسمى في البلاغة (تشبيه بليغ) .. و هو أقوى من الأشكال السابقة.
.. هنا نقطة مهمة جدا .. تقول (الأمل بيت) و هذا تشبيه بليغ كما قلنا .. يمكنك أن تقلب الكلمتين فتقول (بيت الأمل) و هذا أيضا تشبيه بليغ .. و الشكل الثاني هو المستخدم بكثرة.
.. هناك ما يسمى بالتشبيه الضمني .. انظروا معي:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم .. و في الليلة الظلماء يُفتقد البدرُ
.. فالشاعر هنا يشبه حاله بالبدر ضمنا .. لأن أهله تركوه و سوف يفتقدون إليه كما يفتقد الإنسانُ البدرَ في الليلة الظلماء .. و يأتي التشبيه الضمني بأنك تقول حكمة أو مثلا و أنت تقصد أن تشبه شخص أو أشخاصا من وراء هذا المثل أو الحكمة .. يقول المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه .. ما لجرح ٍ بميت ٍ إيلام ُ
.. يقول المتنبي: أن من يهن أي: يصبح هينا .. يسهل عليه الهوان بعد ذلك .. و أورد مثلا [ما لجرح بميت إيلام] أي أن الجرح الميت لا يشعر بالألم و هنا يشبه المتنبي الرجل الهين بالجرح بعد موته فالرجل الهين لا يشعر بالألم والإهانة كما لا يشعر الجرح الميت بألمه أيضا ..
[ line]
.. هذا موضوع بسيط في التشبيه و أتمنى أن يعجبكم:) ..
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 12:22 ص]ـ
.. الموضوع لم ينته ِ بعد .. له بقية إن شاء الله .. :) ..
ـ[إياس]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 12:43 ص]ـ
مرحبا أخي جرول
موضوع مفيد و جميل
و يا حبذا لو أكثرت الأمثلة
فالتشبيه بابه واسع جدا
بالتوفيق لك في مواضيعك القادمة
ـ[الرادود]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 01:40 ص]ـ
أحسنت أخي المفضال على هذا الشرح
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 04:14 ص]ـ
.. شكرا لكم على هذه الردود .. سوف أقوم بإيراد أمثلة إضافية للتشبيه الضمني ثم ننقل للتشبيه التمثيلي ثم للتشبيه المقلوب .. في الرد القادم إن شاء الله:) ..
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 06:46 ص]ـ
ما شاء الله يا أخي
بارك الله فيك
وكثر من أمثالك
ـ[تميمي]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 02:53 م]ـ
شُكْرًا أَخِي فِي الله
جُزِيتَ خَيرًا
ـ[سرمد2]ــــــــ[18 - 02 - 2009, 06:57 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم بارك الله فيك على الموضوع sa_em00***********(/)
رجاء إجابة أو رأي
ـ[أبوعماد الجزائري]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 04:40 م]ـ
http://farm3.static.flickr.com/2277/2458638301_810046d8f4_o.gif (http://www.bibo4pc.com/)
لأهل اللغة والاختصاص .. أرجو تحديد الصورة البيانية في قول الشاعرالقروي:
وكأنّ عينيها لسان ناطق الشعر يفهمه وإن لم ينطق
وشكرا ..
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 05:40 م]ـ
فكر يا أخي:
هل الشعر يفهم؟ من الذي يفهم؟ هل ذكر الذي يفهم؟ إذن هو شبه الشعر بشيء فما الصفة التي ذكرها الشاعر و من خلالها قلنا أن الشاعر شبه الشعر بـ ... ،
حينما يأتي الشاعر بتشبيه و لا يذكر أحد طرفيه يسمى هذا في علم البيان بـ ......
جاء يكحلها أعماها:)
علمني أصيد سمكة واحدة أحب إلي من أن تعطيني ألف سمكة.
سمعت مثلاً قريباً منه من الشيخ زايد رحمه الله لكنني نسيت نصه.
دمت في حفظ الله
ـ[أبوعماد الجزائري]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 11:12 م]ـ
أخي أنا استبعدت ما ذهبت إليه .. لأن الشاعر قصد صاحب الشعر (الشاعر) وهنا يقصد نفسه .. فهل يكون الشعر مشبها بالإنسان في الفهم .. وهو تعبير - أي الشعر- عن عواطف الإنسان؟؟
ـ[المستبدة]ــــــــ[11 - 02 - 2009, 03:42 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة من الله وبركاته.
ليتك أخي الكريم عنونت موضوعك بـ: رأي.
وتركت كلمتي (رجاء) و (إجابة).
فالفصيح ليس لحلّ الواجبات.
لكن جميل أنك بدأت تفكر .. وتعطي لكي تأخذ.
جاء يكحلها أعماها
: rolleyes:
الأستاذ طاوي: منتدى الأدب ينتظرك.
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[12 - 02 - 2009, 12:01 ص]ـ
.. كأنه قال [الشعر كالإنسان يفهمه] المشبه هو: الشعر، المشبه به: الإنسان .. ذكر المشبه و حذف المشبه به فالإستعارة مكنية .. شكرا لك:)
ـ[أبوعماد الجزائري]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 11:06 م]ـ
أين فرسان اللغة؟؟ هل ترجّلوا جميعا؟؟
ـ[رسالة]ــــــــ[14 - 02 - 2009, 12:35 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما ترجل فارس من فرسان الفصيح. والدليل هذه الدعوة:
" علمني أصيد سمكة واحدة أحب إلي من أن تعطيني ألف سمكة."
فكر يا أخي:
هل الشعر يفهم؟ من الذي يفهم؟ هل ذكر الذي يفهم؟ إذن هو شبه الشعر بشيء فما الصفة التي ذكرها الشاعر و من خلالها قلنا أن الشاعر شبه الشعر بـ ... ،
حينما يأتي الشاعر بتشبيه و لا يذكر أحد طرفيه يسمى هذا في علم البيان بـ ......
هل هناك أجمل من هذه الإجابة؟
ـ[أبوعماد الجزائري]ــــــــ[06 - 03 - 2009, 02:18 ص]ـ
شكرا ...
http://farm4.static.flickr.com/3238/2458706065_3b86aa2cbe_o.gif (http://www.bibo4pc.com/)
ـ[أبوعماد الجزائري]ــــــــ[06 - 03 - 2009, 02:25 ص]ـ
شكرا ..
http://img174.imageshack.us/img174/7370/moba2228nb7ntib5om2.gif(/)
من آيات القتال
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 10:44 م]ـ
قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
كُتِبَ: لفظ يوحي بالوجوب، بل هو من ألفاظ الوجوب الصريحة، و: "عليكم": قرينة أخرى تؤكد معنى الوجوب إذ "على" مئنة من الإلزام.
وحذف الفاعل للعلم به، ففي الشرعيات لا موجب إلا الله، عز وجل، بوحي متلو أو على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام بوحي غير متلو، فمرجع التشريع كله إليه، عز وجل، فهو الرب المشرع الحاكم الآمر الناهي.
وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ: حال مقيدة تزيد التكليف مشقة، وإن كانت المشقة في الشرعيات غير مرادة لذاتها فالرب، جل وعلا، غني عن تعذيب عباده أنفسهم، وإنما تطرأ المشقة عرضا، لا أصلا، فالملة حنيفية سمحة لا تعسفية فجة.
وفي استعمال: "كره": وهو مصدر، في الإخبار عن القتال: نوع مبالغة، إذ القتل مكروه للنفوس حتى صح الإخبار عنه بأنه نفس الكره، فهو من باب: محمد عدل، فقد بلغ من العدل منزلة صح الإخبار به عنه.
فـ: "كره" بمعنى: "مكروه"، وذلك مما اصطلح على تسميته بـ: "تبادل الصيغ"، وهو باب واسع في لغة العرب.
وإلى طرف من ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله:" {وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} حالية أي والحال أنه مكروهٌ لكم طبعاً على أن الكُرهَ مصدرٌ وُصف به المفعولُ مبالغة، أو بمعنى المفعولِ كالخُبز بمعنى المخبوز". اهـ
وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ: "عسى" في القرآن واجبة، وفي الجملة نوع مقابلة بين: "تكرهوا" و "تحبوا"، و: "خير" و "شر".
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ: مقابلة أخرى، وإن شئت قلت: طباق بالسلب بين: "يعلم" و "لا تعلمون" تزيد المعنى بيانا، ففي مقابل إثبات العلم للرب، عز وجل، العليم بما يصلح عباده: عدم علم العباد بالمصلحة الدينية بل والدنيوية المعتبرة، فرؤيتهم قاصرة، إذ جل همهم تحصيل المصلحة العاجلة، وإن أدت إلى مفسدة آجلة، فالقعود عن القتال، كما هو حالنا في العصر الحاضر: مصلحة مؤقتة بحفظ نفوس مآلها البلى، تفضي إلى مفسدة عظيمة، مفسدة: (سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)، ولله در أبي الطيب إذ يقول:
عش عزيزاً أو مت وأنت كريمٌ ******* بين طعنِ القنا وخفقِ البنُدِ
ولله دره إذ يقول أيضا:
إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ ******* فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ ******* كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ
وحذف معمول: "يعلم" و "تعلمون" لدلالة السياق عليه، فتقدير الكلام: والله يعلم ما يصلح شأنكم في الأولى والآخرة إما في شأن القتال خاصة، أو في كل شأن عامة، وأنتم لا تعلمون ذلك، وحمل السياق على عموم المصلحة أولى، فالله، عز وجل، عليم بالكليات والجزئيات، حكيم فلا يشرع لعباده إلا ما فيه خير الدارين.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 02 - 2009, 07:29 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
فليقاتل: أمر يفيد الوجوب أو الاستحباب تبعا لطبيعة القتال هل هو من فروض الأعيان أو من فروض الكفايات، ولا أقل من حمله على الاستحباب، فهو طاعة، والطاعة لا تنفك عن كونها واجبة أو مستحبة على اقل تقدير، وفي تقديم الحكم الشرعي وإردافه بوصف المقاتلين، وهو وصف يبعث الهمم من سباتها، في ذلك: نوع تهييج وإلهاب للمخاطب على طريقة: إن كنتم رجالا فهلم إلى قتل وحرب تتمايز به أقدار الرجال وتظهر فيه معادنهم، فالقتال للرجال فقط، الذين من صفتهم أنهم:
يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ: فذكر الموصول مجملا ثم أردفه بالصلة المبينة، كما تقدم مرارا، وقيد القتال بأنه في سبيله، عز وجل، احترازا من أي راية أخرى، وفي حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، مرفوعا: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)، وفي الشراء استعارة مبادلة العين بثمنها لمبادلة الروح بنعيمها، والباء إنما تدخل على الثمن، فثمن الدنيا الفانية: الآخرة الباقية. وقد يقال بأنها استعارة تصريحية في الفعل: "يشرون" إذ ناب عن الفعل: "يستبدلون"، وهي تبعية في نفس الوقت إذ وقعت في الفعل وهو مشتق من مصدره، وذلك حد الاستعارة التبعية التي تقع في المشتقات لا الجوامد.
ثم أردف بذكر جزاء ذلك على سبيل الشرط حفزا للهمم، فهو خبري المبنى طلبي المعنى، فلن تنال النفس المشروط من الجزاء إلا بامتثال شرطه، ومن خطب الحسناء لم يغله المهر:
وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا:
فـ: "من" اسم شرط وهو نص في العموم، وهو محفوظ لا مخصص له، إذا استوفى المقاتل شرط القبول وانتفت عنه موانعه من قبيل الدَيْن، وما حكي عن أهل الأعراف في قول بأنهم الشهداء الذين خرجوا بلا إذن آبائهم في غير الفرض الواجب إذ لا استئذان في فروض الأعيان.
فيقتل أو يغلب: استيفاء لأوجه القسمة العقلية طمأنة للنفوس، فالمقاتل في سبيل الله رابح على كل حال، فإما شهادة وإما نصر، وقدم القتل إذ هو أسمى غايات المقاتل، والجزاء: أجر موطئ لما بعده من وصف العظمة، وتنكيره مئنة من عظمه فلا يعلم قدره إلا الله عز وجل.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 09:14 ص]ـ
جزاك الله خيرا أبا العباس على المرور والتعليق.
ومن قوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا)
التفات من الغيبة في: (وَمَنْ يُقَاتِلْ)، إلى الحضور في مقام المخاطبة في: (وما لكم)، والاستفهام إنكاري فيه معنى الحض والإلهاب والتهييج بذكر حال المستضعفين أولى الناس بالنصرة إن كان في القلب إيمان وإسلام، وفصل أعيان المستضعفين إمعانا في البيان فالإطناب في بيان أحوال من تجب نصرتهم في موضع تجيش فيه همم الرجال أمر مراد.
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا: أمر يفيد الدعاء، ودعاء المستضعف المظلوم مظنة الإطناب، أيضا، ولذلك أردفوا بقولهم: وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا، فوقع التكرار في العامل: "اجعل" مع التباين في المعمول: "وليا" و "نصيرا"، وإلى ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: "وتكريرُ الفعلِ ومتعلِّقَيْه للمبالغة في التضرع والابتهال". اهـ
وما تكرره قناة الجزيرة في فواصل برامجها من تسجيلات لأطفال غزة أصل في: "وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ"، وفي المقابل تستولي سلطات دول الجوار المساعدات الإنسانية المرسلة إليهم كما حدث بالأمس من الاستيلاء على 2000 طن من المعونات الإنسانية على معبر رفح فضلا عن إحباط محاولة تهريب آثمة لمعونات إنسانية إلى غزة!!!!. وليس للموحدين في غزة إلا التضرع بآخر هذه الآية، فثم ذكور ولا رجال لينجدوهم.
وإلى الله المشتكى.
ـ[هاني السمعو]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 10:31 ص]ـ
ما أبرعك أخي مهاجر في إدخال الواقع في تحليلك بوركت وحييت
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 09:59 م]ـ
فتح الله عليك أستاذنا الكريم، وزادك من فضله.
واسمح لي بهذا الملمح في قوله تعالى: " الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا "؛ حيث نسب الظلم إلى أهل القرية هنا على الحقيقة، ولم يأت عن طريق المجاز، كما في العديد من الآيات، نحو: " وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة " إلى قوله: " فكفرت بأنعم الله "، ونحو قوله: " وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ... ".
والغرض من العدول إلى الإسناد الحقيقي في الآية - موضع النظر - هو: أن المراد بالقرية هنا مكة المكرمة - حرسها الله -، فوقرت عن نسبة الظلم إليها؛ تشريفًا لها.
والله - تعالى - أعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 09:26 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على المرور والتعليق أيها الكرام الأفاضل.
ومن قوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)
في الموصول مئنة من تعليق حكم الخبر على الوصف الذي اشتقت منه صلته وهو وصف: "الإيمان"، فمن اتصف به هو الذي يقاتل فعلا في سبيل الله، وكذا الحال في الشطر الثاني من القسمة العقلية الثنائية: قسمة الحق والباطل، قسمة الإيمان والكفر، فمن قام به وصف الكفر الذي اشتقت منه صلة الموصول الثاني: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا" هم الذين يقاتلون فعلا في سبيل الطاغوت.
ففي الكلام مقابلة بين الشطرين تزيد المعنى بيانا باستيفاء احتمالات القسمة العقلية كما تقدم وبضدها تتميز الأشياء.
فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ: أمر على بابه يفيد الوجوب العيني أو الكفائي، وقتالهم يكون في كل ميدان فتارة يكون بالحجة والبرهان وأخرى يكون بالسيف والسنان، ولكل حلبة سلاحها.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن كيد الشيطان كان ضعيفا: علة ما قبله، وفيه من الإلهاب والتهييج للمقاتلين ما فيه إذ يزيل عنهم رهبة نزال أولياء عدو ضعيف، فهم بوصف الضعف أحق، إذ ليسوا سوى أذناب له، فإذا كان الأصل ضعيفا، فالفرع أضعف وأضعف.
وفي السياق: شبه كمال الاتصال بين العلة ومعلولها، مما سوغ الفصل، وقد أكدت العلة بـ: "إن" واسمية الجملة: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا".
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 05:43 م]ـ
ومن قوله تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا):
فقاتل: فيه إيجاز بحذف شرط مقدر، إذ تقدير الكلام: إذا كان الأمر كذلك فلتقاتل في سبيل الله، وفيه أيضا، تلوين في الخطاب بالالتفات من مخاطبة الجميع في قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) إلى مخاطبة الفرد، وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإلى ما سبق أشار أبو السعود، رحمه الله، وقد يقال بأن العموم مستفاد من جهة أن الأصل في خطابات الشارع، عز وجل، العموم، فخطاب المواجهة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصفه المبلغ عن ربه فيتوجه إليه الأمر والنهي أول ما يتوجه وأمته تبع له في ذلك.
وقوله تعالى: (لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ): تخفيف عن المكلف، فلا يتحمل وزر غيره على وزان قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، فلو كفر أهل الأرض جميعا ما ضر المؤمن من ذلك شيء إذا قام بواجب التكليف في نفسه والبلاغ والإرشاد لغيره، وليس عليه أن يؤمن غيره، إذ ذلك ليس له أصلا، فتكليفه به: تكليف بما لا يطاق.
وقوله تعالى: (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ): فلا يملك حملهم على الامتثال، إذ خلق إرادة الطاعة الجازمة والقدرة التامة في العباد مما اختص به الله، عز وجل، فليست هداية التوفيق إلا له، وإنما بعثت الرسل عليهم السلام بهداية الإرشاد.
وقوله: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا): عدة من الله، عز وجل، وهي واجبة، إذ لا يجوز في حقه، جل وعلا، إخلاف الوعد مصداق قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)، وإن جاز إخلاف الوعيد في حقه، جل وعلا، تكرما، فالكريم إذا وعد أوفى وإذا توعد صفح.
(وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا): إظهار الاسم الجليل: اسم الرب الكريم: لفظ الجلالة: "الله" في موضع الإضمار تربية للمهابة، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، وفي إعادة الخبر: "وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا" مزيد توكيد، فالإطناب في مقام الإلهاب للمؤمنين لحملهم على القتال والتهديد للكفار لحملهم على الإيمان مظنة البسط في العبارة.
وفي الآية: جناس بين "بأس" و: "بأسا" فمقابل بأسهم بأس الباري، عز وجل، وشتان!!!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 09:50 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
لا يستوي: نفي تسلط على المصدر الكامن في: "يستوي" فأفاد العموم وفي الخبر تعريض يلهب همة القاعد القادر ليقوم ذبا عن الملة.
من المؤمنين: احتراس، فهم مع نقصهم بالقعود: مؤمنون، فدل ذلك على زيادة الإيمان ونقصانه وتفاوت أهله فيه مع اشتراكهم في قدر كلي مجزئ في إثبات اسم الإيمان.
غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ: احتراس آخر، فالقدرة مناط التكليف.
فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً: إظهار في موضع الإضمار تأكيدا على المظهر فيصح في غير القرآن: فضل الله الآخرين على الأولين، ولكنه أظهر عناية ببيان الفارق بينهما، وتنكير درجة مئنة من التعظيم.
وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى: احتراس لئلا يقنط القاعدون فهم من أهل الوعد وإن قصروا في هذا الباب، فأبواب الدين كثيرة فمن قصر في باب أو حيل بينه وبين الولوج منه فليعدل إلى باب آخر يسره الله، عز وجل، له، فلن يعدم باب خير يليق بحاله، وذلك من فضل الله عز وجل. فمن فتح له باب من الصلاة فليلج منه، ومن فتح له باب من الزكاة فليلج منه ..... إلخ.
وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا: إطناب في معرض الوعد على غرار ما تقدم من إلهاب الهمم.
و "أجرا عظيما" ينزل منزلة البيان لإبهام: "درجة".
دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً: بيان بعد بيان، وفيه إطناب في معرض الوعد كما تقدم.
و: "من" في: "منه": لابتداء الغاية تشريفا لتلك الدرجات بإضافتها إلى خالقها، عز وجل، على وزان قوله تعالى: (وَرُوحٌ مِنْهُ)، فشرف روح المسيح عليه السلام بنسبتها إلى خالقها على جهة الاختصاص وإن كانت كل الأرواح منه خلقا، وشرف درجات الجنان المخلوقة بنسبتها إلى خالقها، عز وجل، إذ شرف الدرجة من شرف مانحها، وأي درجة أعظم من درجة أعدها الله، عز وجل، لعباده المؤمنين في دار المقامة؟!!.
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا: تذييل لفظي يناسب ما تقدم من الوعد.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 03 - 2009, 08:21 ص]ـ
قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
أمر بصيغة المفاعلة، فيه زيادة معنى بزيادة المبنى بألف المفاعلة على وزان قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
في سبيل الله: قيد فارق بين جهاد أهل الدين وجهاد أهل الدنيا.
الذين يقاتلونكم: قيد آخر، على القول بأن هذه الآية نص في الأمر بقتال الدفع ذبا عن الملة، إذ الأمر فيها مظنة الوجوب ولا صارف له، فتكون تالية في التشريع لقوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، على القول بأن الإذن فيها يعني الإباحة دون إلزام، كما أثر عن الصديق رضي الله عنه.
وفي السياق جناس بين: "وَقَاتِلُوا"، و "يُقَاتِلُونَكُمْ"، فمادة الاشتقاق: "القتل" واحدة، وهي علة الأمر، إذ دل عليها لفظ الحكم: "قاتلوا" وجملة الصلة: "يقاتلونكم" التي سيقت لبيان العلة إذ علق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه.
وتكون المرحلة التالية: الأمر بجهاد الطلب، إن تيسرت أسبابه حملا للرسالة، وإزاحة للطواغيت التي تحول بين نور الوحي وأمم الأرض، وهي التي جاء بها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، وقوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
وتكون المراحل على قول بعض أهل العلم: ناسخة لبعضها البعض، فتحريم في مكة، فإذن، فجهاد دفع، فجهاد طلب.
والنسخ في عرف المتقدمين يطلق على كل زيادة، وإن لم تكن ناسخة بالمعنى الاصطلاحي المعروف الذي يلزم منه رفع الحكم المتقدم بالحكم المتأخر، فزيادة الحكم في مسألة لا يلزم منها نسخ بقية الأحكام، إذ قد يكون في المسألة أكثر من صورة، ولكل صورة حكم، فلا تتعارض الأحكام، وإنما تتكامل، وإعمال النصوص أولى من إهمالها، كما قرر ذلك أهل العلم. فتكون آيات القتال على الصحيح من أقوال المحققين من أهل العلم: منسوءة لا منسوخة، فلكل حال حكم، فليست صورة القتال: قتال طلب فقط باعتبار كونه ناسخا لما قبله، فيؤمر المسلمون بغزو عدوهم وإن كانوا قلة مستضعفة يخشى فناؤها في قتال غير متكافئ، وإنما لكل صورة حكم، فأحيانا تكون المصلحة الشرعية في كف الأيدي وتحريم القتال، كما كان حال الفئة المستضعفة في مكة، إذ لو حملوا على قريش، لأفنتهم، والشريعة إنما يقام بنيانها على ملاحظة الأسباب، فليس من الحكمة إقحام المسلمين ابتداء في معارك غير متكافئة، بخلاف ما لو دهم العدو أرضهم، كما حدث في نازلة غزة الماضية، فلا مناص حينئذ من حمل السلاح دفعا للعدو عن محلة المسلمين.
وأحيانا يكون الأمر: أمر دفع، فيؤمر أهل المحلة كلهم بدفع عدوهم إن دهم أرضهم كل حسب استطاعته.
فإذا قويت شوكة المسلمين وصارت لهم الدولة وجب عليهم تجييش الجيوش وبدء العدو بالقتال، وجوبا كفائيا، فصار الحكم منوطا بعلله المختلفة التي تختلف باختلاف صوره، فمتى وجدت علة نوع من القتال وجد حكمه، ومتى تخلفت تخلف حكمه.
وإلى طرف مما سبق أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:
"وقال الجمهور من الأمة: أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استنفرهم تعين عليهم النفير لوجوب طاعته ............... قال ابن عطية: والذى استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين". اهـ
بتصرف من: "الجامع لأحكام القرآن"، (3/ 35).
(يُتْبَعُ)
(/)
وذلك التفاوت يقع أيضا في حكم الجهاد فإنه قد يكون محرما في حق بعض المكلفين، كجهاد التطوع بلا إذن الأبوين، وقد يكون مستحبا باعتبار الأفراد واجبا كفائيا باعتبار الجماعة، في أزمنة القوة والتمكين، وقد يكون واجبا عينيا، كجهاد الدفع إذا دهم العدو المحلة، كما تقدم، وكتعيين الإمام، إن كان للمسلمين إمام، لمكلف بعينه، فإنه يصير حينئذ واجبا في حقه، وإن لم يجب على غيره، فالأحكام تتفاوت تبعا لتفاوت أحوال المكلفين، وكحضور القتال فيحرم التولي إلا انحيازا إلى فئة.
وقوله: "ولا تعتدوا": احتراس لئلا يقع من الدافع تعد، فيكون القتال حينئذ كدفع الصائل الذي يرد عدوانه بما يردعه دون زيادة تعد، فإن دفع بالأدنى فقد حصل المطلوب فلا يصار إلى الأعلى ابتداء، وإنما الضرورة تقدر بقدرها، وهذا على القول بأن الآية في نص جهاد الدفع على التفصيل المتقدم.
وقد تسلط النهي على المصدر الكامن في: "تعتدوا": فأفاد العموم، وقد ذيلت الآية تذييلا لفظيا من جنس مادة: "العدوان" التي وقعت في حيز النهي بصيغة التعليل لما قبله بلا وصل، فصارت الصورة من صور: شبه كمال الاتصال، لقوة الرباط المعنوي بين المعلول المتقدم والعلة المتأخرة التي تولدت من السؤال المقدر بـ: وما علة ذلك النهي؟، فجاء الجواب مصدرا بـ: "إن" التوكيدية فأفاد معنى التعليل وإن لم يكن نصا صريحا فيه، وإنما جاز ذلك لدلالة القرينة السياقية عليه، وهي قرينة معتبرة في تحديد المعنى المراد.
وأكدت جملة التعليل أيضا بـ: اسمية الجملة، والفاعل المستتر في عامله: "يحب"، وجيء به مضارعا مئنة من التجدد، وذلك أدعى إلى دوام المراقبة لئلا يقع التعدي الذي لا يحبه الله، عز وجل، وقد علق الحكم على مادة العدوان التي اشتق منها النهي: "ولا تعتدوا" والصفة المشبهة: "المعتدين" فبينهما جناس اشتقاقي لاتحاد مادتهما، وذلك أبلغ في تقرير الحكم.
وقد يقال بأن في الآية: إيجازا بالحذف دل عليه السياق اقتضاء، على قول من قال بأن هذه الآية محكمة عامة في كل أحوال القتال، فيؤول المعنى إلى: وقاتلوا في سبيل الله الذين من شأنهم أن يقاتلوكم، وذلك عام في كل الأحوال: إذنا ودفعا وطلبا، فالمقاتِل من شأنه أن يقاتل المقاتََل بداهة، وإلا لم يقع قتال أصلا!!، ولا تعتدوا في رده إن كان الجهاد دفعا، ولا تعتدوا بقتل من نهيتم عن قتله من النساء والشيوخ والأطفال والرهبان، وقد يترجح هذا المعنى من جهة عمومه لكل صور القتال بخلاف المعنى الأول الذي اقتصر على صورة بعينها، وحمل النصوص على العموم أولى وأبلغ في تقرير جملة من الأحكام بلفظ واحد. .
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 03 - 2009, 07:52 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
قتال فيه: بدل اشتمال، أورد مورد الخاص بعد العام، أو المبين بعد المجمل تنويها بشأنه، فهو محط الفائدة المرادة بالحكم ابتداء، فالمبدل منه: "الشهر الحرام" على نية الطرح، وإنما جيء به توطئة لما بعده، ونكر القتال: إرادة العموم، فالسؤال عن حكم القتال في الشهر الحرام مطلقا، لا عن قتال بعينه، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، إذ الأصل في النصوص: العموم لتشمل كل الصور فتفيد أحكاما متكاثرة بألفاظ يسيرة المبنى عظيمة المعنى، والتنكير مظنته، والعبرة كما يقول الأصوليون بـ: عموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلا يخصص سبب النزول، وهو سرية ابن جحش رضي الله عنه، عموم النكرة: "قتال"، وإن كان قطعي الدخول فيها، فإن دخوله لا يمنع دخول غيره من صور القتال في الشهر الحرام، وإنما الشأن: شأن فرد من أفراد العام ذكر لكونه أولها
(يُتْبَعُ)
(/)
وأولاها بالحكم، لنزول الوحي بيانا له، فلا يخصص ذكره العموم كما قرر أهل الأصول.
و: "أل" في: "الشهر الحرام": جنسية استغراقية تفيد عموم ما دخلت عليه، فالسؤال عن القتال في الأشهر الحرم، لا شهر بعينه، وتلك جهة عموم أخرى، فليس السؤال عن القتال في رجب الفرد الذي وقعت في أول أيامه تلك الحادثة، فهي على وزان "أل" في قوله تعالى: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ)، أي: الأطفال.
قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ: مبتدأ خص بمتعلقه فساغ الابتداء به لما في التخصيص من نوع توضيح يرفع الإبهام ويسوغ الابتداء، وإن لم يحصل به التعريف، فهو كبير ولكن ما ارتكبتموه في حق الموحدين من الصد عن سبيل الله، والإخراج من المسجد الحرام، أكبر عند الله، فأفاد الجناس بين: "كبير"، و: "أكبر" مع الاستدراك عليهم بالإبطال لدعواهم بمعارضتها بدعوى أعظم، أفاد بيانا للمعنى المراد، فإن كل شر في المسلمين فهو في غيرهم أعظم، وكل خير في غيرهم، فهو فيهم أعظم، فلم تضمن العصمة لآحادهم، وإن ضمنت لجماعتهم، فلا يخرج الحق عنها.
وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ: "أل" عهدية تشير إلى فتنة الدين خصوصا، فتلك أعظم من القتل، إذ هلاك الأرواح أعظم من هلاك الأبدان.
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا: سنة كونية جارية، نشهد في كل زمان صورا لها، ذات معنى واحد، وإن اختلفت مبانيها، فبالسلاح تارة، وبالشُبَهِ أخرى، وبالقمح ثالثة!!!!.
وأضاف الدين إليهم حضا على التمسك به في وجه تلك الغارة الشرسة على وزان: (لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ)، فذلك أبلغ في العناية، يقول ابن دقيق العيد رحمه الله:
"فإن فيه زيادة، أي قوله: "صَلَاتِكُمْ"، ألا ترى أن لو قلنا: لا تغلبن على مالك: كان أشد تنفيرا من قولنا: لا تغلبن على مال أو على المال؟ لدلالة الإضافة على الاختصاص به". اهـ
"إحكام الأحكام"، ص182.
إذ النفس تغار لمملوكها فتحوطه بالعناية وتذب عنه الجناية.
وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ: شرط سيق مساق الوعيد مقيدا بحال الموت على الكفران، عياذا بالرحمن، ففيه بدلالة المفهوم من الحض على الاستمساك بالوحي المنزل والشرع المسطر ما فيه.
فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ:
إطناب في الوعيد زجرا، فأشار إليهم بإشارة البعيد تحقيرا، وأخبر عن بطلان أعمالهم في الدارين تعميما، وفي ذلك من النكاية والمساءة ما فيه، فلا أولى ولا آخرة: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)، فعيش نكد ومصير أنكد ثم فرع على ذلك: الخلود في النار نتيجة، وأعاد المسند إليه زيادة في المساءة على ما تقرر، فهم المخصوصون بذلك الوعيد تحقيقا لا غيرهم، وأكد ذلك بنسبتهم إلى دار العذاب نسبة الصاحب الملازم، واسمية الجملة وتعريف جزأيها، وضمير الفصل المؤكد وتقديم ما حقه التأخير: فيها"، فأي نكاية بعد ذلك؟!!.
فيكون عطف الجزاء الأخروي على فساد العمل الدنيوي من باب: عطف المسَبَب على سببه، وفي ذلك إقامة للحجة ببرهان عقلي دامغ، كما استعمل قياس الأولى في صدر الآية، فإن ما ارتكبوه في حق الموحدين أولى بالشجب والاستنكار!!!، مما ارتكبه الموحدون، فإذا صح توجه الإنكار إلى الآخرين، فللأولين منه أوفر نصيب.
والحبوط معنى كلي يفيد بمادته ا: لفساد، كما ذكر القرطبي، رحمه الله، فيتفرع عنه:
الحبوط المادي: كما تفسد الدابة إذا أسرفت في الطعام.
والحبوط المعنوي: حبوط الأعمال بالردة والكفران، ولكل مقام مقال، ولكل سياق دلالته. فهو من قبيل: "المشترك المعنوي" ذي الدلالة الكلية الجامعة: التي تتفرع عنها معان جزئية تبعا لمراد المتكلم، وذلك مئنة من الثراء المعنوي للسان العرب: لسان التنزيل.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 03 - 2009, 09:56 م]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
أمر على جهة الوجوب وفيه مزيد حض بدلالة سبب النزول، إذ مال بعض الأنصار، رضي الله عنهم، إلى إصلاح الأموال بعد نصرة الدين، وذلك مظنة التعلق بها، والتعلق بالمال سبب في الإمساك، فجاء الأمر حاسما لذلك، وإن لم يقع بعد.
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ: الباء زائدة في المبنى زيادةً في المعنى، وقد أطلق الأيدي، وهي بعض، وأراد الأنفس، وهي كل، على وزان قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، كما نقل ذلك القرطبي، رحمه الله، عن المبرد، رحمه الله، فتكون المسألة من باب: المجاز المرسل ذي العلاقة الجزئية، وقد نص على اليد لكونها آلة الاكتساب المعهودة، فبها يقع غالب كسب الإنسان الخير واكتسابه الشر.
وسبب النزول هنا، أيضا، فيصل في إزالة الإلباس الذي قد يرد على المتبادر إلى الذهن من هذه الآية، فإن المتكاسل يجدها حجة في القعود حفظا للنفس من التهلكة، فيحملها على غير ما نزلت فيه، فقد نزلت في ضد ذلك، إذ التهلكة في القعود عن نصرة الدين، فحفظ الأبدان من الضرورات، ولكن حفظ الأديان مقدم عليه، فإذا كان صلاح الدين بإتلاف البدن، فهي النجاة، وإن كان صلاح البدن بإتلاف الدين فهي الهلكة، فالأديان عمارة للقلوب بالإيمان، وللأبدان بصنوف الطاعات، وتلك الحياة حقيقة مصداق قوله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)، وكم من أبدان تلفت فجعل الله لها لسان صدق في الآخرين، وكم من أبدان سلمت وقد تخللتها أرواح ميتة، فهي أرطال من الطين الفاني بلا نور من الوحي الهادي.
وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ: جناس اشتقاقي بين: "أحسنوا" و: "المحسنين" يزيد المعنى بيانا إذ علق الحكم في جملة التعليل التي سيقت بلا وصل بمعلولها لشبه كمال الاتصال بينهما، علق الحكم على المعنى الذي اشتق منه الأمر: "أحسنوا"، فكان ذلك أدعى إلى امتثاله، وقد أكدت العلة بـ: "إن"، واسمية الجملة والمضارع وهو مئنة من تجدد الفعل بتجدد الإحسان، وإن كان قديم النوع، فهو من صفات الباري، عز وجل، الفعلية المتعلقة بمشيئته، فنوعه قديم أزلي بأزلية الذات القدسية، وآحاده حادثة بتجدد المشيئة الربانية، فمن وافق المشيئة الشرعية استحق المحبة الإلهية، ومن لا فلا، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، والكلام دال بمنطوقه مدحا، ومفهومه ذما.
وقد أورد المفسرون كالقرطبي، رحمه الله، في تفسير الإحسان معان مختلفة المبنى متحدة المعنى، فكلها من صور الإحسان، فلا إشكال في حمل الآية عليها إذ هي بمنزلة الأفراد لعموم يشملها، وتوسيع دائرة العموم المعنوي ليشمل صورا عديدة أمر مراد في بيان بلاغة الكتاب العزيز الذي تحوي ألفاظه الموجزة معان مطنبة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 03 - 2009, 10:49 ص]ـ
جزاك الله خيرا على المرور وتكرار الشكر فذلك مئنة من حسن الظن وكمال الفضل.
ومن قوله تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)
إن قيل بأن أصل وضع النكث للمحسوسات كالحبال المجدولات صار في الكلام: استعارة مكنية تبعية، إذ شبه اليمين المعنوية بالحبل المادي المحسوس، وحذف المشبه به، وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو النقض، وقد وقعت الاستعارة في الفعل المشتق: "نكث" فكانت تبعية من هذا الوجه.
وقد يقال بالعكس، فيكون الوضع الأول للمعاني والثاني للمحسوسات.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد يقال بالتوقف، وقد يقال على مذهب منكري المجاز: النكث معنى كلي مشترك يدل على النقض ماديا كان أو معنويا، ومن ثم قيدت أفراده بالمحسوسات الظاهرة أو المعلومات الباطنة تبعا للسياق الذي ترد فيه، فهي تندرج تحت المعنى العام اندراج الأفراد تحت عموماتها.
وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ: إطناب ببيان مجمل النكث، فهو من عطف المبين على المجمل، وقد يقال هو من عطف اللازم على ملزومه، أو هو من عطف المتغايرات، فيكون النكث سببا، والطعن سببا آخر، وذلك أدعى لقتالهم، وأيا كان فإن الإطناب في بيان علة الحكم أمر مراد لذاته لتقرر الأحكام بأدلتها فذلك أدعى إلى الامتثال، وإن كانت الطاعة ابتداء: فرضا لازما، مصداق قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا).
فقاتلوا: أمر فرع عما قبله، إذ قامت العلة بنكثهم فوجد الحكم تبعا لها، فيفيد الشرط بمنطوقه: وجود الحكم بوجود العلة، ويفيد بمفهومه: عدمه بعدمها، فلا يحل قتالهم ما التزموا العهد فلم يأتوا بناقض يحل قتالهم. وقد استدل بعض المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام، رحمه الله، في "الصارم المسلول" بهذه الآية على نقض عهد من تعرض لمقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالسب أو الانتقاص، وقد وقع ذلك من يهود، أعداء الرسل عليهم السلام، مؤخرا، ولم يتحرك أحد من زبائن موائد المفاوضات التي تحتسى عليها أنخاب السلام: الخيار الاستراتيجي الأول، ولو سب أحدهم لأقام الدنيا انتصارا لنفسه!!.
أئمة الكفر: تجريد، فالقياس: فقاتلوهم، وإنما عدل عنه بيانا لعلة قتالهم، فوصفهم بالإمامة في الكفر جار مجرى التعليل للأمر بقتالهم، أو يقال هو من باب الخاص الذي أريد به العام، فالأمر بقتال رؤسائهم أمر بقتال آحادهم من باب أولى، ولا يتوصل غالبا إلى قتال الرؤساء دون قتال الآحاد، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، في تفسيره.
إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ: مزيد إطناب في بيان علة الأمر بقتالهم، إذ انتفت أيمانهم نفيا عاما أفاده ورود النكرة: "أيمان" في سياق النفي، فقد نقضوا كل يمين بالطعن في دينكم، ولذلك حسن الفصل لشبه كمال الاتصال بين جملة العلة المصدرة بالتوكيد بـ: "إن" الذي رجح جانب العلية فيها، وجملة المعلول التي تقدمتها.
لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ: علة ثانية فقتالهم في هذه الصورة، لينتهوا عن غيهم، فإن انتهوا فقد زالت العلة فيزول الحكم تبعا لزوالها.
والله أعلى وأعلم.
وبطبيعة الحال لم تزل علة حكم قتال يهود الذين طعنوا في الدين بإهانة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، رغم تعطيل الحكم ابتداء خشية انهيار مفاوضات السلام!، فهى أولى بالاعتبار من عرض النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم!!!.
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 09:05 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
ألا تقاتلون: حض على قتال أولئك الناكثين، و: "قوما": نكرة في سياق الاستفهام الذي سيق مساق الإلهاب والتهييج فيفيد العموم المعنوي، فليس أي قوم يقاتلون، وإنما يعم الحكم من تحققت فيه صورة السبب المبيح لذلك من الأوصاف التي خصت بها النكرة: "نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ"، و: "وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ"، و: "وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ"، وفي الإطناب في وصفهم مزيد بيان لإجمال عموم "قوما" اللفظي، فإن الأوصاف تقيد الألفاظ، فتدل على معان بعينها، تصلح لأن تعلق عليها الأحكام، فضلا عما في تعداد جرائمهم من مزيد إلهاب لمشاعر المسلمين، وهو ما يتلاءم مع الاستفهام التحضيضي الذي صدرت به الآية.
أتخشونهم: استفهام إنكاري، فيه معنى العتاب، فإذا كان الأمر كذلك، فالله أحق أن تخشوه، فعطفها على ما تقدم بمنزلة الإبطال له، إذ خشية الله، عز وجل، مبطلة لخشية من سواه إلا إن كانت الخشية فيه، فتعظيم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والخشية من مخالفة أمره، مما يحمد صاحبه إذ ما فعله إلا خشية من الله، عز وجل، فخشية المرسَل فرع عن خشية مرسِله، وفي التنزيل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وبين: "أتخشونهم"، و: "أن تخشوه": جناس اشتقاقي فمادتهما واحدة، وذلك مما يزيد المعنى بيانا.
والإتيان بفعل الخشية في صورة المصدر المؤول من: "أن" وما دخلت عليه مئنة من الدوام والاستمرار، فذلك مما يحمد به العبد، إذ مراقبة الباري، عز وجل، واجبة في كل حال، في: السر والعلن، في الليل والنهار، في السراء والضراء .............. إلخ، فلا يخلو المكلف في كل أحواله من عبادة أو ذكر، فـ: للطعام ذكر، وللنوم ذكر، وللنكاح ذكر ............... إلخ. ومثله في التنزيل: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)، فاستحضار معنى الصيام طوال نهاره، مما يحمد فاعله، إذ هو أدعى إلى اجتناب ما يبطله أو يخدشه.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: شرط سيق مساق الإلهاب الذي اطرد في هذه الآية، على وزان: إن كنت رجلا فافعل، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا)، فليس للشرط في مثل هذا السياق مفهوم، ليقال: وإن لم تكونوا مؤمنين فلا حرج عليكم ألا تقاتلوهم، أو: إن لم تستطع ألا يرينها منك أحد، فلا جناح عليك في ترك الستر.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 03 - 2009, 09:21 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
فـ: "قاتلوهم": أمر سيق مساق الوجوب بقرينة ما تقدم من نكث الأيمان.
وفي السياق إيجاز بالحذف انتقالا إلى محط الفائدة التي يتلهف المخاطب في معرض الأمر إليها، فكل مأمور متلهف إلى معرفة جزائه إن امتثل، فحذف الشرط المقدر الذي جزم جواب الأمر فيه، وقد يقال من جهة أخرى: لا حذف إذ الأصل عدمه، وقد اطرد في كلام العرب جزم المضارع في جواب الأمر.
ثم أطنب في بيان الثواب حملا لنفوس المخاطبين على الامتثال، ففي القتال من المصالح:
تعذيب الكافرين عدلا، وخصت الأيدي بالذكر، وإن لم تكن آلة القتال الوحيدة: تغليبا، فالعراك مظنة استعمال الأيدي طلبا ودفعا.
وخزيهم: وهو فرع عن قهرهم بالسلاح.
وفي مقابل ذلك: وينصركم عليهم ويشفي صدوركم بإذهاب غيظها، فعطف إذهاب الغيظ على شفاء الصدور عطف سب على مسببه، فشفاء الصدور، كما تقدم، يكون بإذهاب غيظها، أو يقال بأنه من عطف اللازم على ملزومه فإذهاب الغيظ لازم شفاء الصدور.
وفي الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة تنبيها على المعنى الذي علقت عليه تلك المصالح، وهو الإيمان.
ويتوب: استئناف، إذ ما بعده لا يتعلق بما قبله، فما قبله في حق المؤمنين، وما بعده في حق الكافرين فلن يخلو الأمر من مصلحة للكافرين، فإن منهم من يكون قهره بالسلاح ووقوعه في الأسر سببا في هدايته، على وزان حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ("كنتم خير أمة أخرجت للناس"، قال: كنتم خير الناس للناس، تجيئون بهم في السلاسل، تدخلونهم في الإسلام).
وليس في ذلك مظنة إكراه، إذ إكراه الأسير على الإسلام غير مشروع إجماعا، وإنما يكون الأسر، كما تقدم، سببا في إسلامه، وتلك من حسنات الرق في دين الإسلام، إذ فيه نوع استصلاح للأسير، فيرى من دين المسلمين وأخلاقهم ما ينير بصيرته، ويذهب شبهات المبطلين من أعداء الملة الذين ملئوا قلبه غلا لدين الإرهابيين وكتابهم الذي يحض على الإرهاب والتطرف!!!!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 03 - 2009, 09:08 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
قاتلوا: أمر بجهاد الطلب لما توافرت أسبابه، فبلغ المسلمون من القوة الدينية والدنيوية ما يؤهلهم لحمل الرسالة إلى بقية الأمم، واقتضت سنة التدافع الكونية بوقوع الصدام الحتمي بين الحق والباطل، فلن يرضى رؤساء الباطل أن يصل الحق إلى الأتباع طواعية إذ في ذلك زوال رياساتهم.
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ: إطناب في بيان إجمال الموصول: "الذين" إذ تعلق الحكم بالأوصاف التي اشتقت منها جملة صلته وما عطف عليها، وكرر النفي مع كل وصف إمعانا في التوكيد، وتلك أوصاف تفيد بمنطوقها وجوب قتال من قامت به، وبمفهومها وجوب الكف عمن لم تقم به، ولا يكون ذلك إلى بالإسلام أو دفع الجزية حال الصغار.
وقد استوعبت الأوصاف أوجه الفساد: العلمي، والعملي، ثم جاء الوصف الأخير جامعا لهما، فدين الحق: عقيدة وشريعة، أخبار وأحكام، علم وعمل.
(يُتْبَعُ)
(/)
فإن قيل: أهل الكتاب مؤمنون بالله، إذ ليسوا كبقية الأمم ذات الآلهة الأرضية، فهم أصحاب شريعة سماوية، وإن بدلوا فيها ما بدلوا، فالجواب: أنهم حرفوا الرسالة: أخبارا وأحكاما، فمقالتهم في الإلهيات من أفسد المقالات، فصح نفي الإيمان بالله، عنهم، وإن أقروا باللفظ الدال على ذاته القدسية المتصفة بصفات الكمال الإلهية: "الله"، إذ ليس "الله"، عز وجل، هو من اعتقدوه إلها، ولفظ: "الله" كما يقول أحد الفضلاء المعاصرين: لفظ مشترك في جميع اللغات إذ لا تنفك أمة عن إله تعبده، ولا يلزم من ذلك الاشتراك اللفظي: الاشتراك في المعنى، فلا يلزم من الاشتراك في الاسم: الاشتراك في المسمى، بل لفظ: "الله" عند المسلمين دال على مسمى لا يدل عليه لفظ: "الله" عند النصارى أو اليهود أو ........... إلخ من أمم الأرض، فـ: "الله": عز وجل، عند المسلمين: إله كامل قد اتصف بصفات الكمال المطلق أزلا وأبدا، و "الله": عند النصارى قد اتصف بصفات نقص مطلق التزموها بل قرروها في أمانتهم، وهي أوصاف، كما تقدم في أكثر من مناسبة، تغني حكايتها عن إبطالها، فهي أظهر من أن ينقدها ناقد، فلا يرضاها إلا من ختم الله، عز وجل، على قلبه وبصيرته، فإنه لا يرى فسادها المناقض لصحائح المنقول من الرسالات وصرائح المعقول من البينات، وهكذا بتتبع آلهة بقية الأمم تظهر مزية مقالة المسلمين في هذا الباب فهي مقالة مستندها الوحي المعصوم ابتداء المحفوظ انتهاء وليس ذلك لأحد سوانا.
وهذا ضابط في الحكم على أي قول سواء أكان في العلم أو العمل، إذ لا يكفي الوقوف عند مبناه اللفظي دون النظر في معناه، فالمتكلم قد يريد باللفظ ما لا يريده المخاطب، واعتبر بألفاظ من قبيل: "الإرهاب" و "التطرف" ........... إلخ التي يتشدق بها الغرب فيتذرع بها لغزو الشرق المسلم، فإن حد الإرهاب في قاموسه الفكري ليس حده بالتأكيد في قاموس المسلمين الفكري، إذ لا يعني بتلك الألفاظ المنفرة إلا حرب دين الإسلام نفسه، لا حرب مظاهر الغلو والتطرف فيه، وإنما تلك الحجة الظاهرة لستر النية الباطنة.
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ: "من" جنسية بيانية.
و: "أل" في "الكتاب" عهدية: فالمراد الكتابان الأولان: التوراة والإنجيل.
حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ: غاية القتال، فتفيد بمفهومها وجوب نصب القتال ما امتنعوا عن دفع الجزية، وفي السياق إيجاز بحذف المفعول الأول، إذ دل السياق عليه، فتقدير الكلام: حتى يعطوكم، وقد دلت النصوص الأخرى من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)، على الغاية الأخرى فإما الإسلام، وإما الجزية، وإما السيف، ولو كان المراد مجرد القتل والسلب، ما كان لغاية الإسلام فائدة، فإن الإسلام يحقن الدم ويعصم المال، فلا يزال الملاك عن أراضيهم، بل لا يزال الملوك عن عروشهم إذا ارتضوا الإسلام دينا، فحكموا به أممهم، وكانت تلك سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع من أسلم من الملوك ورؤساء القبائل والعشائر، فلم يكن يولي عليهم إلا من ارتضوه منهم.
ولو كان القتل والسلب غاية ما كان للجزية فائدة فهي لا ترد طامعا، إذ ليست كمكوس الروم وفارس التي ضربوها على الزراع، الذين عرفوا صدق الرسالة من أخلاق الفاتحين، فكان إسلام أحدهم أحب إليهم من ماله وأرضه، وقد استاء خالد، رضي الله عنه، من أهل الحيرة لما اختاروا الجزية على الإسلام فقال: "تبا لكم، إن الكفر فلاة مضلة، فأحمق العرب من سلكها"، ولما فتحت دمشق: عنوة من جهة، وصلحا من جهة أخرى، أجروها صلحا، وقياس المصلحة الدنيوية العاجلة: جعلها عنوة ليغنمها الغزاة كاملة، أو على أقل تقدير: جعل النصف منها عنوة لئلا تضيع جهود المقتحمين، وليست تلك بأخلاق لصوص طامعين، وإنما تلك أخلاق غزاة فاتحين. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تسرد في هذه العجالة.
وسيف الإسلام كان سيف رحمة باعتراف كل منصف من أبناء البلاد المفتوحة، أزاح عن كواهل أهل الشام ومصر عبء قيصر، وأزاح عن كواهل أهل العراق وفارس عبء كسرى، ولم تعرف بلاد كمصر معنى الحرية الدينية التي يتشدق بها الغرب اليوم إلا على يد عمرو، رضي الله عنه، فتخلص نصارى مصر الأرثوذكس من طغيان الروم الكاثوليك، فانشرحت الصدور لدين التوحيد، فنبذ جل أهلها ديانة التثليث، وتلك صورة جديدة من صور فتح البلاد والقلوب بسيوف الحق الهادية، فكتاب هاد يبصر، وحديد ماضٍ ينصر، مصداق قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 03 - 2009, 09:01 ص]ـ
من المشاركة السابقة: "لا حرب مظاهر الغلو والتطرف فيه". اهـ
الأصح أن يقال: حرب مظاهر الغلو والتطرف في سلوك بعض المسلمين إذ ليس في الإسلام الصحيح النقي من البدع الذي بعث به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تطرف أصلا.
ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)
يا أيها: نداء للبعيد مئنة من علو منزلة المخاطِب واسترعاء لانتباه المخاطَب.
الذين آمنوا: تعليق للحكم على وصف الإيمان الذي اشتقت منه الصلة.
قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ: جهاد طلب لا يقوم به آحاد المكلفين، وإلا فهم منه وجوب قتال كل مسلم من جاوره من أهل الذمة!!.
و: "من": لبيان الجنس، فليس المراد نوعا بعينه من الكفار، وإنما المراد جنس الكفار، وفي ذلك ترجيح لمذهب أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله، في علة قتال الكفار، فليست علة قتالهم: اعتداؤهم على المسلمين، فإنهم قد لا يعتدون، وإن كان ذلك نادرا، فالسنة الكونية، كما تقدم، جارية بوقوع الصدام بين الحق والباطل، فلو هادن أهل الحق، لتجرأ أهل الباطل فعقدوا ألوية غزو المسلمين في دورهم كما هو واقع الآن، وإنما علة قتالهم: وصف الكفر، فذلك مما شرع لأجله قتالهم قتال طلب إن وجد المسلمون في أنفسهم قوة، إظهارا لشعار الدين، وتبليغا لرسالة خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً: أي شدة في القتال، ونكرها: تعظيما، فإن القتال من مواطن: الجلال التي يحسن فيها إظهار الشدة، فلا يحسن فيها إظهار اللين، إذ اللين بمواضع الجمال أليق، ولكل مقام مقال، فلجهاد الكلمة ما يناسبه من جمال القول، ولجهاد السيف ما يناسبه من جلال الفعل.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ: إن قصد بهم المخاطبون، فهو إظهار في موضع الإضمار تنبيها على الوصف الذي استحقوا به معية الله، عز وجل، الخاصة: معية النصرة والتأييد، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فالقياس في غير القرآن على توجه الخطاب إليهم: واعلموا أن الله معكم.
وإن قصد به جنس المتقين، فالأمر ظاهر، إذ علق الباري، عز وجل، حكم معيته الخاصة على وصف التقوى الذي اشتق منه اسم الفاعل: "المتقين"، فأفاد بمنطوقه: ثبوتها لمن اتقى، وبمفهومه: انتفاءها عمن لم يتق، فالأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 08:05 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)
أذن: شرعا، وقد حذف الفاعل للعلم به فلا يأذن في الشرعيات إلا رب البريات جل وعلا.
للذين يقاتلون: علة الإذن مشتقة من صلة الموصول.
وفي السياق إيجاز بالحذف لدلالة السياق عليه، فتقدير الكلام: أذن لهم في القتال فرعا عن قتال الكفار لهم، فبين العلة المذكورة والمعلول المقدر: جناس اشتقاقي يزيد المعنى بيانا، فقتال مقابل قتال.
بأنهم ظلموا: لأنهم ظلموا، فأشربت الباء معنى السببية.
وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ: تذييل معنوي يلائم السياق، فالقتال مظنة طلب النصرة من الرب، جل وعلا، إذ النصرة لا تكون إلا من قدير.
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
بيان لأحوال المقاتلين، فقد أخرجوا من ديارهم لا لشيء، وإنما كان ذنبهم: أنهم آمنوا بالله، عز وجل، ففي الكلام إيراد للمدح في صورة الذم على طريقة: فلان ما فيه عيب إلا أنه كريم.
وجيء بالمصدر مؤولا من: "أن" وما دخلت عليه توكيدا على علة إخراجهم فهو آكد من جهة الدلالة المعنوية من المصدر الصريح.
وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا: بيان لسنة التدافع بين الحق والباطل، وهي سنة كونية جارية. وخصت المساجد بوصف: "يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا"، إذ الأصل في الضمير أن يعود إلى أقرب مذكور تشريفا لها، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، لا سيما بعد نسخ شريعة اليهودية ذات الصلوات وشريعة النصرانية ذات البيع والصوامع.
وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ: توكيد بقسم محذوف دلت عليه اللام الموطئة فضلا عن دخول نون التوكيد المثقلة، وعلق الحكم على وصف النصرة على جهة المقابلة، فمن نصر الله نصره الله، ومن خذل الله خذله الله، فالقسم حاض بمنطوقه على نصرة الحق وأهله، زاجر بمفهومه عن خذلان الحق وأهله، فهو أحد صور قياس الطرد والعكس في الكتاب العزيز، والحكم عام لا يتعلق بشخص بعينه، ولذلك علق على: "من" الموصولة وهي نص في العموم.
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ: تذييل معنوي يلائم السياق، فالنصرة لا تكون إلى من قوي عزيز لا يغلب ولا يقهر. ومن أحق من الرب، جل وعلا، بذلك الوصف الأحمد.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 07:40 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم:
طباق بالسلب، يبين حقيقة عقيدة أهل الإسلام في القضاء والقدر، فلم تقتلوهم كونا، وإن باشرتم سبب ذلك شرعا، برميهم، فإن السبب، وإن كان مؤثرا في وقوع المسبب، إلا أن تأثيره لا يكون إلا بعد إذن الله، عز وجل، الكوني، بنفاذه، فلا بد له من شروط يستوفيها وموانع تنتفي، وفي ذلك من الحث على بذل الأسباب في القتال دون الركون إليها ما فيه، فيعد المجاهد عدته، ويستفرغ وسعه وطاقته، فيمتثل أمر الشرع، والله، عز وجل، هو الذي يجري النصر فضلا، أو الهزيمة عدلا.
وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى: طباق آخر بالسلب يزيد المعنى المتقدم بيانا، فهو بمنزلة التكرار المؤكد، فما رميت: رمي الإصابة، فذلك لا يكون إلا بإذن الله الكوني النافذ، إذ رميت: باذلا وسعك ممتثلا الأمر الشرعي بقتالهم، ولكن الله رمى: فيسر الأسباب ونفى الموانع، فأصاب رميك من العدو مقتله، فالرمي الكوني لا يعارض الرمي الشرعي، إذ رميت شرعا أولا، فرمى الله، عز وجل، لك كونا ثانيا، وتلك عقيدة أهل الإسلام: أخذ بالأسباب الشرعية مع تمام التوكل على مجري الأسباب الكونية.
وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا: أي نعمة، فالبلاء على ذلك من المتضادات إذ يدل على النعمة والنقمة معا، والسياق الذي يرد فيه اللفظ هو الذي يعين المعنى المراد، والسياق هنا: سياق امتنان على المؤمنين يشهد لمعنى النعمة، فضلا عن وصف البلاء بالحسن، فتلك قرينة لفظية تقطع بإرادة معنى النعمة، وتعليق البلاء الحسن على وصف الإيمان الذي اشتق منه وصف: "المؤمنين" مئنة من الحض على التزام ذلك الوصف لينال صاحبه تلك النعمة الربانية السابغة.
والله سميع عليم: تذييل معنوي يناسب السياق إذ سمع الله، عز وجل، دعاؤهم في أرض المعركة، وعلم صدق ما في قلوبهم، فرمى لهم، فكان نصر بدر الذي جرت بذكره الركبان.
والله أعلى وأعلم.
ـ[محب البيان]ــــــــ[20 - 03 - 2009, 03:13 م]ـ
جزاك الله عنا كل خير ...... وزادك من علمه وفضله ونفع بك المسلمين،،
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 03 - 2009, 08:15 ص]ـ
وجزاك خيرا أخي محب، وبارك فيك، ونفعك ونفع بك، وزودك من التقوى والعلم والفضل والأدب زادا لا ينفد، وعذرا على التأخر في الرد.
ومن قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)
توكيد في مقام الوعد، تعلق من جهة الفاعلية، بالرب، جل وعلا، إذ مقام الربوبية في الآية ظاهر من جهة: الابتلاء الكوني بالإخراج من الديار والأموال، وبمشقة الجهاد، وهي غير مرادة لذاتها، وإنما لزمت القتال لزوم المشقة أي تكليف، فلا يخلو التكليف من مشقة، وإن دقت، وذلك، أيضا، من السنن الكونية المتعلقة بربوبية الله، عز وجل، الذي قضى بحكمه الكوني النافذ بتلازم الفعل والمشقة.
ومن جهة: الوعد بالمغفرة والرحمة، فذلك لا يكون إلا من الرب الذي بيده مقاليد الكون: تدبيرا وتصريفا، يغفر لمن يشاء فضلا ويعذب من يشاء عدلا.
لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا:
تعلق آخر للوعد من جهة فعل العباد، فالتعلق الأول من جهة فعل رب العباد، فعلق الحكم على الأوصاف التي اشتقت منها الصلة ومتبوعاتها: الهجرة والجهاد والصبر، وعطف الصبر على الجهاد: عطف متلازمين فلا يكون جهاد إلا بصبر، بل لا تكون طاعة مطلقا إلا بصبر، وإنما نص على الصبر هنا، لكونه أظهر في تلك العبادة الشاقة من بقية العبادات.
تماما كما نص على الاستطاعة في عبادة الحج في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، إذ هي في الحج تزيد عن الاستطاعة التي تجب لكل عبادة، فقد فسرت في أحاديث لا تخلو أسانيدها من مقال بالزاد والراحلة، وذلك قدر زائد عن الاستطاعة التي يتعلق بها التكليف ببقية العبادات.
إن ربك: إطناب بالتكرار توكيدا، ولطول الفصل على وزان:
لقد علم الحي اليمانون أنني ******* إذا قلت أما بعد أني خطيبها.
لغفور رحيم: توكيد باللام في خبر الناسخ المؤكد، والتذييل بصفتي المغفرة والرحمة الخاصة: الرحمة بالمؤمنين: رحمة: "الرحيم": فيه من التناسب بينهما، إذ كلاهما لا يكون إلا بالمؤمنين، بخلاف الرحمة العامة: رحمة: "الرحمن" فهي بالغة المؤمن والكافر، فضلا عن التناسب مع بقية الآية، إذ الوعد بهما مقابل ما لقيه المؤمنون من ابتلاء يحمل المكلف على الصبر، بل الرضا، طمعا في عطاء المغفرة والرحمة، وذلك عطاء تفرد به الرب جل وعلا، فلا يكون لملك مقرب أو نبي مرسل.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 03 - 2009, 08:08 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)
وقاتلوا: أمر يفيد الوجوب على بابه، وقد علق الحكم على وصف الإشراك بالله، عز وجل، وهو شاهد لمذهب الشافعي، رحمه الله، بأن علة قتال المشركين: الشرك، لا اعتداؤهم على المسلمين ابتداء، فيجب على المسلمين متى ما توفرت لديهم أسباب جهاد الطلب أن يقاتلوا المشركين فلا يقبلوا إلا الإسلام أو الجزية عن يد صاغرة أو السيف، وسبقت الإشارة إلى ذلك في مداخلة سابقة على نفس النافذة.
كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً: مشاكلة في اللفظ والمعنى فكما يقاتلونكم كافة فالواجب عليكم قتالهم كافة، فإن السنة الكونية جارية بحتمية الصدام بين الحق والباطل، وإن تهادنا حينا، فكما قاتلوكم ويقاتلونكم وسيقاتلونكم على قلب رجل واحد، وإن اختلفت مللهم ونحلهم، فالواجب عليكم قتالهم أيضا مجتمعين على قلب رجل واحد.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ: توكيد بـ: "إن" وما دخلت عليه، فقد سدت مسد مفعولي: "اعلموا"، في مقام النصرة والتأييد يناسب السياق، فهو أبلغ من قولك في غير القرآن: واعلموا كينونة معية الله، عز وجل، المعية الخاصة مع عباده المتقين، في قتالهم المشركين كائنةً، والتذييل المعنوي بتلك المعية الخاصة: معية النصرة والتأييد، مما يلائم السياق كما تقدم، إذ المقاتل بحاجة إلى معونة الرب القاهر، جل وعلا، فإن الله، عز وجل، ناصر عباده الموحدين على أعدائهم من المشركين بصفات جلاله القاهرة، فلا يؤيد بنصره إلا من حقق وصف التقوى الذي علق عليه حكم المعية، وفي الآية: إظهار في موضع الإضمار، إذ القياس في غير التنزيل: واعلموا أن الله معكم، ولكنه عدل عن الإضمار إلى الإظهار بمشتق: "المتقين"، بيانا لتعلق الحكم بالوصف الذي اشتق منه، وهو وصف التقوى، كما تقدم، وذلك، كما تقرر في الأصول، قائم مقام التعليل للحكم، إذ علق على وصف بعينه، فلزم أن يكون ذلك الوصف مناطه، وإلا كان الكلام معيبا، وذلك مما يتنزه عنه الرب جل وعلا.
والكلام ترغيب بمنطوقه فالله، عز وجل، ناصر المتقين، ترهيب بمفهومه فهو خاذل الفجار المارقين، ففيه من الطرد والعكس ما اطرد في آي الكتاب العزيز، فمن اتصف بالتقوى اطردت معية النصرة الخاصة في حقه، ومن اتصف بضدها اطرد ضدها من الخذلان في حقه، وكل ميسر لما خلق له.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 07:58 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
جاء المبتدأ على صيغة الموصول مئنة من تعلق حكم الخبر على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة، وهو: "الجهاد"، كما تقرر مرارا، وفيه بيان بعد إجمال يسترعي انتباه السامع، وهو أعم من جهة المعنى من القتال، فكل قتال في سبيل الله، جهاد، ولا عكس، وإن كان الجهاد بالمال والنفس من آكد أنواع الجهاد، حتى صار هو المتبادر إلى الذهن عند إطلاق الجهاد حتى ترد قرينة تصرفه إلى غيره، أو لا تمنع دخول غيره معه، كما هو الحال في هذه الآية، إذ السياق لا يمنع دخول كل صور الجهاد في سبيل الله، في حكم الآية من جهاد النفس بطلب العلم الشرعي والعمل به وتعليمه، وجهاد الغير بالصبر على أذاهم حال نشر الحق وتعليم الخير، فإن شياطين الإنس لن يدعوا داعيا إلى الحق دون أن يناله من أذاهم ما يناله، سنة كونية جارية، مصداق قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، وذلك من آكد المواضع التي ينبغي سؤال الله، عز وجل، فيها العافية في الأديان والأبدان.
فِينَا: مجاز بالحذف عند من يقول بالمجاز، أو إيجاز بالحذف إذ تقدير الكلام: في سبيلنا، ومنكر المجاز يرى ذلك تكلفا إذ قد أبان السياق عن المراد بداهة.
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا: توكيد الحكم بإيراده جملة قسمية إنشائية، على مذهب من يجوز وقوع الخبر قسما، والمقام مقام: تثبيت للمجاهدين ليلزموا الصبر على مشقة الجهاد، فناسب أن يؤكد بالقسم الذي دلت عليه اللام الموطئة في: "لنهدينهم"، فضلا عن دخول نون التوكيد المثقلة عليه، ومن يمنع وقوع الخبر قسما، لا يماري فيما أورد من مؤكدات، ولكنه يقدر محذوفا يصح وقوعه خبرا قولا واحدا، فتصير المسألة عنده من مجاز الحذف، أيضا، بتقدير ما يلائم السياق على مذهبه، نحو: والذين جاهدوا فينا مقول فيهم: لنهدينهم سبلنا.
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ: معية نصرة وتأييد، وردت في سياق مؤكد بـ: "إن" واللام المزحلقة في خبر الناسخ المؤكد معلقة على وصف الإحسان، الذي أظهر في موضع الإضمار عناية بشأنه، كما تقدم، في المداخلة السابقة، في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 03 - 2009, 08:08 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)
حذف الفاعل للعلم به فإن الآيات الشرعيات لا ينزلها إلا رب البريات جل وعلا، والآيات الكونيات لا تجري إلا بكلماته التكوينيات النافذات، فهو مدبر الكون مقرر الشرع تبارك وتعالى.
و: "أن": تفسيرية، إذ مجمل ما قبلها قد فسره ما بعدها، فالآية الشرعية قد نزلت بالتكليف الإلهي فرعا عن التدبير الرباني، فإن من له ملك هذا الكون، وفيه تنفذ أحكامه القدرية، هو الذي يقرر ما شاء من الشرائع الحكمية، لتحفظ بها الأديان، وتساس بها الأبدان.
آمنوا بالله: أمر على بابه يفيد الوجوب والتكرار المستغرق لحياة المكلف بقرينة تعلق النجاة بامتثاله، فلا ينفك العبد عن تحصيل أسبابه، بتصديق الأخبار وامتثال الأحكام.
وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ: عطف خاص على عام تنويها بذكره، وهو في نفس الوقت من التلازم بمكان، إذ لا ينفك الإيمان عن جهاد في سبيل نصرته، وإعلاء كلمته، ولا يكون ذلك إلا مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حال حياته، وعلى سنته بعد وفاته، فالمعية: معية لذاته الشريفة حال حياته، ومعية لشرعه بعد وفاته، نصرة لدينه، وذبا عن عرضه، فبذلك يكون علو الذكر، فلكل مجاهد في سبيل نشر دينه وتقرير شرعه نصيب من قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)، كما ذكر ذلك المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام رحمه الله.
وأما المنافقون فلهم ضد ذلك من خمول الذكر، وسوء المنقلب في الأولى والآخرة، فمع سعتهم وقدرتهم: (قَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)، وقد حذف متعلق الاستئذان، لدلالة العطف التفسيري بـ: "و" عليه، إذ تقدير الكلام: استأذنوك في القعود، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فلما وردت مادة القعود في الجملة المفسرة: "قَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ"، دل المتأخر على المتقدم، فحذف إيجازا، والحذف بالإيجاز مئنة من بلاغة المتكلم كما قد علم من كلام البلاغيين.
وفي السياق حذف آخر، إذ حذف الشرط الذي جزم الفعل: "نكن" في جوابه، انتقالا إلى مرادهم، وفي ذلك تعريض بهم لظهور تعجلهم في الطلب، وما أخسه من طلب، فالنفوس قد ارتضت المهانة بالكينونة مع النساء والذريات وأصحاب الأعذار والحاجات.
والله أعلى وأعلم.
ـ[تلميذه]ــــــــ[25 - 03 - 2009, 10:38 ص]ـ
ما شاء الله
خطاب وإعراب ..
سآتي هنا كثيراً
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 03 - 2009, 08:17 ص]ـ
جزاك الله خيرا على المرور والتعليق، ونفعك ونفع بك، ويسر لك أمر الدين والدنيا.
ومن قوله تعالى: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ)
ففيه إطناب في ذمهم بإيراد وصف السوء الذي قام بهم، إذ رضوا بالكينونة مع الخوالف، وهن النساء الجالسات في الخيام، وإنما أطلق عليهم ذلك من باب المجاز، عند من يقول به، فالعرب، قد سمت الخيام باسم الخوالف، وهي الأوتاد التي تقوم عليها، ففيه مجاز الجزئية، إذ أطلق الجزء وأراد الكل، وإنما خص الوتد بذلك، لكونه عند التحقيق، الجزء الذي يقوم به الكل، فنزل منزلته، ومن ثم أطلقت الخوالف على ساكنيها، من باب المجاز المرسل الذي علاقته المحلية، إذ أطلق المحل وأراد الحال فيه، كما سمت العرب المرأة بالظعينة، فأطلقت المحل، وهو الهودج، وأرادت الحال فيه. ففي الكلام على هذا القول: مجاز بعد مجاز.
ومنكر المجاز يرد الأمر إلى استعمال العرب للكلمة لا لأصل وضعها، فقد صار إطلاق الخوالف على النساء مشتهرا، فلو سلم بأنه مجاز، فهو مجاز مشتهر نزل منزلة الحقيقة العرفية المتداولة وهي مقدمة بالإجماع على الحقيقة اللغوية، فآل الأمر إلى تعارض بين حقيقتين قدم أشهرهما وأكثرهما جريانا على لسان العرب، وطالما اشتهر اللفظ وجرت به الألسنة، فهو حقيقة إذ يتبادر منه معنى تدركه الأذهان ابتداء دون تكلف المجاز بعلاقاته المتشعبة وقرائنه العقلية.
وهذه محاججة مطردة بين الفريقين في كل موضع يقع الخلاف في وقوع المجاز فيه من عدمه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا، أيضا، من المواضع التي تصلح لأن تكون مثالا على الألفاظ التي استعملها العرب لغير ما وضعت له، على التسليم بالوضع الأول، حتى هجرت الحقيقة فلا يكاد يعرفها أحد، واشتهر المجاز، فنزل، كما تقدم، منزلة الحقيقة العرفية العامة التي يعرفها أكثر المتكلمين بلغة الضاد.
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك:
لفظ المراء: فقد نقل من مراء الحالب اللبن من الضرع، أي استخراجه إلى المراء في الجدال لأن المماري يحتال لاستخراج ما عند صاحبه، فالمعنى الأصلي مهجور والمعنى الفرعي هو المشهور.
والعذل: فقد نقل من الإحراق إلى اللوم، وكأن فيه استعارة الإحراق الحسي للإحراق المعنوي.
والإملاء: وهو يكون للدابة بإرخاء القيد، كما ذكر صاحب اللسان، رحمه الله، فنقل إلى إرخاء الأجل للكافرين استدراجا في نحو قوله تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)، فكأن فيه، أيضا، استعارة الإرخاء الحسي للإرخاء المعنوي.
والغائط: وأصله المكان المنخفض، ثم صار يطلق على الخارج لأن العرب كانت ترتاد الأماكن المنخفضة لقضاء حوائجها.
والعذرة: وأصلها فناء الدار، لأن العرب كانت تلقي المخلفات فيها، فصارت مجازا مشتهرا على الخارج وكاد الوضع الأول أن يندثر.
والمسألة تستحق إفرادها بالجمع والتحرير، ومن مظانها مبحث: الحقيقة والمجاز، لا سيما الحقيقة العرفية والمجاز المشتهر في كتب البلاغة وأصول الفقه.
وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ: كونا، فالله، عز وجل، أراد منهم الإيمان شرعا، ولكنه طبع على قلوبهم فحرمهم الهدى كونا، فحصل لهم من البيان الشرعي ما حصل للمؤمنين، مع سلامة أبدانهم وصحة آلاتهم، ولكنهم لم يوقفوا بخلق إرادة الخير في قلوبهم، فلم يعنهم الله، عز وجل، على الطاعة، كما أعان المؤمنين، وفي التنزيل: (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)، فجرى على الكافرين والمنافقين عدله، وجرى على المؤمنين فضله، وهو أعلم بحكمته البالغة بالمحال التي تقبل الهدى، فيضعه في قلوب أوليائه، ويحرمه قلوب أعدائه، فيصرف قلوب الأولين على الطاعة بمقتضى كلماته الشرعية، ويصرف قلوب الآخرين على المعصية بمقتضى كلماته الكونية، ولا استقلال لكليهما بفعله خلقا، وإن صح قيامه بهما وصفا، فالرب: خالق بكلماته التكوينية، والعبد فاعل بإرادته التأثيرية، فهي سبب خلقه الله، عز وجل، في عبده، والسبب المخلوق لا يخرج في عمله عن إرادة خالقه، فلا تخرج إرادة العبد المخلوقة عن إرادة الرب الخالقة.
فالجهة منفكة: جهة الرب خلقا وجهة العبد فعلا.
وفي الكلام: إيجاز بالحذف، إذ حذف فاعل الطبع للعلم به، وهو الله، عز وجل، على التفصيل المتقدم.
فهم لا يفقهون: في الفاء معنى الفورية والسببية كما اطرد من معانيها، فمسبَب الطبع الكوني: عدم الفقه الشرعي، فلا ينتفعون بما يبلغهم من الكلمات الشرعيات، لانسداد طرق الهدى إلى قلوبهم بموجب الكلمات الكونيات.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 03 - 2009, 08:38 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
استدراك ببيان الضد، على طريقة القرآن من الجمع بين المتقابلات إمعانا في بيان المتضادات، فمقابل تخاذلهم الصادر عن نفاقهم: (الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ)، ومعيتهم له: معية نصرة وتأييد، وإن استغنى بنصر الله، عز وجل، وتأييده، عن نصرة وتأييد سواه، مصداق قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، فهم معه بالانقياد الباطني، مشفوعا بالانقياد الظاهري جهادا بالنفس والمال، فدعواهم الإيمان مشفوعة بجهاد المال والأبدان، فهو ذروة سنام الملة، وبه يصان الدين وترتفع ألوية السنة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ: إشارة بالبعيد تشريفا، فلهم من المنازل أعلاها، وقدم متعلق الخبر: "لهم" حصرا وتوكيدا، و: "أل" في الخيرات: جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فعموم الخيرات كثرة: كيفا وكما، استفيد منها، وإن دخلت على جمع مؤنث سالم يفيد بأصل الوضع القلة.
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: إطناب بتكرار ذكر المسند إليه: "أولئك" في معرض الثناء بالوعد الحسن، فذلك مظنته، مع توكيد وصفهم بالفلاح بضمير الفصل: "هم": ففيه نوع قصر واختصاص، فهم، ومن سار على طريقتهم: المفلحون لا غير، فالعموم مستفاد من المعنى، وإن تعلق اللفظ بهم ابتداء، فهم أولى الناس بخطاب المواجهة لأنهم أشد الناس امتثالا لمضمونه، فلا يمنع ذلك من دخول غيرهم معهم فيه، إن امتثلوا مضمونه امتثالهم، أو قريبا من امتثالهم، إن شئت الدقة، فهم ذروة سنام طباق الأمة، فلا مطمع في درك منزلتهم، ولا مطمح في نيل رتبتهم، فهم السابقون الأولون، ومن بعدهم: (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، فاتباعهم بإحسان شرط في حصول النجاة، والمتبعون لهم المقتفون لآثارهم على تفاوت في ذلك لا يعلمه إلا الله، فمن مقل معرض ومن مستكثر مقبل. والسير على الطريقة المثلى: عطاء من الله، عز وجل، يؤتيه من شاء فضلا ويمنعه من شاء عدلا.
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ: إطناب اطرد في سياق الوعد على ما تقدم في الآية السابقة، وحسن الفصل فلا عاطف لشبه كمال الاتصال بين السياقين، فكلاهما في بيان ثواب الممدوحين بوصف الصحبة، والإيمان، والجهاد بالسيف والسنان وكرائم الأموال، وفيه دليل على خلق الجنات، إذ أعدت لساكنيها، وتزينت لمستحقيها، فأنهارها جارية ونعيمها خالد لا ينقطع، وداخلها خالد لا يفنى ولا يبيد، فلا يلحقه هرم ولا مرض. و: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وقد أشير إليه بإشارة البعيد على ما اطرد من علو المرتبة الحسية والمعنوية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 03 - 2009, 07:42 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)
نفي تسلط على المصدر الكامن في الفعل، فالاستئذان المنفي هو الاستئذان في الخروج إلى الجهاد، فأهل الإيمان لا ينتظرون الإذن في الطاعة بل يبادرون إلى الفعل، وقال بعض أهل العلم، كما ذكر أبو السعود، رحمه الله، بوقوع الإيجاز بالحذف لدلالة السياق على المحذوف، فالاستئذان يكون في التخلف والقعود عن الخروج، فيكون تقدير الكلام: لَا يَسْتَأْذِنُكَ المؤمنون في التخلف والقعود، فإن ذلك ليس من شيمهم. وذلك بخلاف الاستئذان في نحو قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فهو ممدوح، إذ المناط مختلف، فالأولون يستأذنون نكوصا عن الطاعة، والآخرون يستأذنون من المجلس أدبا، فلا ينصرفون من تلقاء أنفسهم، ولو كانت لهم حاجة تقتضي الانصراف، فلا يكون ذلك إلا بإذن صاحب المجلس صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا أكمل ما يكون في الطاعة والانضباط الذي تصلح به أمور الدين والدنيا، فالصلاة لا ينصرف المصلي منها حتى ينصرف الإمام يمينا أو يسارا، ومجالس السياسة والحرب لا ينصرف الإنسان منها حتى يأذن القائد.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى التقدير الأول يكون في الكلام حذف، أيضا، بتقدير: لا يستأذنك المؤمنون في أن يجاهدوا، فحذف الجار الذي دخل على المصدر المؤول من: "أن" ومدخولها، والإتيان به مؤولا لا صريحا، مطرد في المواضع التي تستلزم التوكيد والتجدد، إذ دلالة: "إن" عليهما أقوى من دلالة المصدر الصريح، والجهاد عبادة تتكرر بتكرار دواعيها طلبا أو دفعا.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ: تذييل معنوي يناسب السياق، فالله، عز وجل، عليم بالمتقين الذين صدقت نواياهم فلا يستأذنون في القيام بالطاعة الواجبة، ولا يتعللون بالحجج الواهيات إيثارا لسلامة عاجلة. وتعلق العلم بوصف التقوى إشارة لطيفة إلى علة الامتثال فإنه لا يبادر به إلا من اتصف بكمال التقوى.
وعلى الجانب الآخر، وعلى طريقة القرآن المطردة في بيان المتقابلات بإيرادها متعاقبة:
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ: فيقال فيه، أيضا، بإيجاز الحذف على تقدير إنما يستأذنك في القعود الذين لا يؤمنون بالآخرة ....... ، فتتحقق صورة المقابلة أو طباق السلب بين الآيتين: فالأولون: يؤمنون إيجابا، والآخرون: لا يؤمنون سلبا. والأولون: لا يستأذنون في القعود سلبا، والآخرون: يستأذنون في القعود إيجابا، فللمؤمنين من أوصاف المدح: الإيجاب، ومن أوصاف الذم: السلب، وللآخرين العكس، وهذا من أبلغ ما يكون في بيان الأمر بضده.
وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ: أي أنفسهم، فأسند الريبة إلى القلب لكونه محل المعاني والعقود، فبه تعقد الهمم طاعة أو معصية، وبه تنفسخ، فهو مناط التوفيق والخذلان، فمن شاء الله، عز وجل، وفقه إلى عقد الإيمان فضلا، ومن شاء خذله فانفسخ عقد إيمانه عدلا، فتصريف القلوب إقامة وإزاغة بين أصبعيه، وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، مرفوعا: (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ).
فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ: فمتى فسخ عقد الإيمان زال اليقين وحلت الريبة محله فصاحبها في أمر مريج، يتردد بين الإرادات المتعارضة، واعتبر بحال من أعرض عن الوحي في زماننا، فهو اليوم شيوعي وغدا رأسمالي وبعد غد ليبرالي .......... إلخ، فيتلون تلون الحرباء تبعا لتغير المصالح والأهواء.
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ: فلو أرادوا الخروج امتثالا للأمر الشرعي لبذلوا السبب، فإن الفعل يصدق القول، والعلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل، كما أثر عن بعض أهل العلم، ولكن الله، كره انبعاثهم لما علم ما في قلوبهم، فأراد منهم الخروج شرعا، ولكنه منعهم إياه كونا، فكرهه إلى نفوسهم بإرادته الكونية النافذة، لما علم أنهم ليسوا أهلا له، بل هم أهل للعقاب بالحرمان من الطاعة، فخذلهم وثبطهم عدلا،
وقيل: اقعدوا مع القاعدين: فالأمر فيه إهانة لهم، على وزان:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ******* واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وحذف الفاعل في: "وقيل" للعلم به، وقد يقال بأن فيه مزيد إهانة لهم بعدم ذكر اسم الله، عز وجل، فحرموا حتى جوار اسمه الكريم ولو في معرض الذم والتوبيخ.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 03 - 2009, 08:47 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)
(يُتْبَعُ)
(/)
استفهام إنكاري توبيخي على طريقة الالتفات من الغائب في الآية السابقة: "فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"، إلى المخاطب في قوله تعالى: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" إمعانا في التوبيخ بتوجهه إليهم مباشرة.
وفي الآية تشبيه فعل: "سِقَايَةَ الْحَاجِّ"، بعين: "مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ"، فوجب تقدير مضاف هنا أو هنا، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فيؤول الكلام إلى: أجعلتم من يسقي كمن يغزو، أو: أجعلتم فعل السقاية كفعل الجهاد.
آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: عطف الجهاد على الإيمان: عطف خاص على عام، كما تقدم مرارا، وأظهر لفظ الجلالة: "الله" في مقام الإضمار لسبق ذكره، فتقدير الكلام: وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِه، أظهره على التفصيل السابق تنويها بالجهاد المعتبر بتعظيم سبيله، فالجهاد وسيلة للنصرة، وعظمة النصرة من عظمة المنصور، وعظمة الجهاد من عظمة سبيله، فلا يستوي من جاهد في سبيل الله، ومن جاهد في سبيل الحرية والمساواة والإخاء والإنسانية والحب أحيانا! ......... إلخ.
لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ: فصل لانتقال السياق من الإنشاء بالتوبيخ إلى الإخبار عن حال الفريقين، وهو لا يخلو مع كونه خبرا محضا من جهة المبنى عن توبيخ بالتعريض من جهة المعنى، ويقويه في هذا الباب: التعريض بعدم هداية الظالمين، هداية التوفيق الكونية، وإن هدوا هداية البيان الشرعية كما تقدم مرارا.
فالتعريض بعدم التسوية بين:
القاعد عن الجهاد مكتفيا بزخرفة المساجد، كما هو حال كثير من حكام المسلمين اليوم، فكل ملك وأمير ورئيس يتفنن في بناء مسجد يخلد ذكراه وإن قصر العبودية على الصلاة فيه إن كان يصلي أصلا!.
والقائم في سبيل الله، فيه نوع توبيخ للقاعد شفع بتعريض آخر، أظهر فيه لفظ الجلالة في مقام الإضمار، مبالغة في الزجر، فعظم العقوبة من عظم من يوقعها، وأي عقوبة أعظم من سد منافذ الهداية عن قلوب الظالمين عدلا منه، عز وجل، جزاء وفاقا لمن ظلم بتكذيب الشرع أو مخالفة أحكامه.
وفي المقابل وعلى طريقة الكتاب العزيز في التثنية بذكر المتقابلات إمعانا في البيان:
الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ: استئناف ببيان حال الضد فيه إطناب على طريقة العام المشفوع بالخاص، تنويها بالهجرة والجهاد، والترتيب بينهما: ترتيب وجودي فالهجرة تسبق الجهاد غالبا كما وقع للصدر الأول، رضي الله عنهم، وفي ذكر محاسنهم تنويه بها وحض على الاتصاف بها، على طريقة التعريض، فأولئك هم: أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ، فقدم المسند إليه الذي جاء بصيغة الموصول تنبيها على علية ما اشتقت منه صلته والمعطوف عليها: الإيمان والهجرة والجهاد، للمسند: "أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ"، وأخر المسند تشويقا إليه، فإن النفوس لما علمت أوصاف أولئك السادة الممدوحين اشتاقت إلى معرفة جزائهم، وفي ذلك مزيد حض على امتثال طريقتهم.
وقد أطنب في الجزاء فذكره مجملا: "درجة"، وأثنى على أصحابه بوصف الفوز محصورا عليهم بدلالة ضمير الفصل: "هم"، ثم أتبع ذلك ببيان واف:
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ:
فالبشرى على حقيقتها بخلاف بشرى المشركين تهكما في نحو قوله تعالى: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
وأسند البشرى إلى الرب، جل وعلا، وخص المبشَرين بوصف الربوبية: تخصيصا في مقام الثناء، فهو ربهم ورب غيرهم: الربوبية العامة: ربوبية الخلق والتدبير، ولكنه ربهم هم وحدهم: الربوبية الخاصة: ربوبية الثواب فرعا عن الرضا عنهم والمحبة لهم.
والرحمة منه جل وعلا، وفي نسبتها إليه تعظيم لشأنها إن كانت صفة، فعظم الصفة من عظم الموصوف بها، فأي رحمة أعظم من رحمته، جل وعلا؟!.
وتشريف لها لا يخلو من تعظيم، إن قصد بها الجنة، الرحمة المخلوقة، فتكون من باب إضافة المخلوق إلى خالقه تشريفا، ويؤيد معنى العظمة: ورودها منكرة تفيد التقليل، فقليل الرحمة منه، جل وعلا، عظيم، على وزان:
قليل منك يكفيني و لكن ******* قليلك لا يقال له قليل
وقل مثل ذلك في الرضوان فأقل رضوان منه، جل وعلا، هو الفوز المبين، وأي فوز أعظم من الفوز برضا رب العالمين.
ويؤيد كون الرحمة هي الصفة لا الجنة المخلوقة، ورود ذكر الجنة بعد ذلك في سياق بيان جزائهم:
وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ: إذ الأصل في الكلام: عدم التكرار، فلو فسرت الرحمة بالجنة ابتداء، ثم ثني بذكرها انتهاء، كان الكلام من باب التوكيد، بخلاف ما لو فسرت بصفة الجمال الإلهية: الرحمة الخاصة: رحمة الرحيم بعباده المؤمنين وحدهم، فإن الكلام يكون من باب التأسيس، وإذا دار الكلام بين التوكيد والتأسيس فحمله على التأسيس أولى، إذ يفيد معنى جديدا، وفي ذلك إثراء للسياق بتعدد مدلولاته.
وقدم: "لهم": حصرا وتوكيدا على ما اطرد في كلام البلاغيين، واستعار وصف الإقامة للنعيم، وفيه مزيد بشرى، إذ نعيم الدنيا مهما عظم مفارَق، فإما أن يرحل وإما أن يرحل صاحبه، بخلاف النعيم المقيم، وأكد على ذلك إمعانا في البشرى: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا: فهو مقيم لا يفارقهم، وهم خالدون لا يفارقونه.
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ: تذييل معنوي يناسب ما اطرد في سياق أجر المؤمنين المجاهدين، وقد استغرق بيان ذلك الأجر آيتين وبضع آية، وهو لمن اعتبر باعث على امتثال التكليف الإلهي طمعا في الثواب الرباني.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 03 - 2009, 07:52 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
إن كان آباؤكم: شرط في سياق التهديد وقد استغرق المحبوبات التي تقعد المكلفين عن الجهاد من الأرحام: الآباء والإخوان والزوجات والعشائر، فقدمها إذ تعلق النفوس بها أعظم من تعلقها بالأموال، ثم ثنى بالأموال عموما، وعطف عليها التجارة خصوصا، إذ التجارة مما يستلزم المتابعة الدائمة التي تستهلك الأوقات والأعصاب كما هو مشاهد من أحوال كثير من التجار فيكاد الواحد منهم يقضي عمره بين دفاتر الأرباح والخسائر، إلا من رحم الله، ثم ثلث بالدور، فهي آخر متعلقات النفس، فإن كان كل ذلك:
أحب: وفيه شفقة بالمكلفين، بمراعاة ما جبلوا عليه من حب تلك المتعلقات، فتكليفهم بالإعراض عنها بالكلية: تكليف بما لا يطاق لم ترد به شريعتنا السمحة.
وفي تقديم المتعلقات السابقة على الخبر: "أحب": تشويق إذ تعددت أفراد المسند إليه فتطلعت النفس إلى معرفة الحكم الذي أسند إليها في معرض التهديد الذي يستلزم الحذر والترقب.
مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ: فعطفُ ذكرِ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذكر مرسِله، عز وجل، كالعطف بينهما في الشهادة، التي هي، عند التحقيق، إيجاز للملة ففيها أقسام التوحيد الثلاثة: فإفراده بالألوهية إنما يكون فرعا عن الشهادة له بكمال الربوبية، والشهادة له بكمال الربوبية إنما تكون فرعا عن الشهادة له بكمال الذات القدسية والأسماء الحسنى والصفات العلية، والشهادة لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرسالة داخلة في حد إفراده بالألوهية، إذ قد بعث عليه الصلاة والسلام، بالرسالة المتضمنة أحكام التأله له، عز وجل، تصديقا لخبره وامتثالا لأمره، ففيها كل العلوم الإلهية النافعة والأعمال الحكمية الصالحة في العبادات والمعاملات والأخلاق والسياسات.
وهي من جهة أخرى تستوفي القسمة الثنائية للتوحيد: توحيد المرسِل، وهو الله، عز وجل، المحبوب المراد لذاته، وتوحيد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالسير على طريقته وحده في العلم والعمل، فهي معقد النجاة، إذ لا رسالة بعد رسالته الخاتمة، وذلك أعظم ما يتقرب به إلى مرسِله، فمن أحب الرسول فقد أحب مرسِله، فتوسل بحب الأول إلى رضا الثاني، وعلامة المحبة: الاتباع لا محض الدعوى مع الابتداع، وفي التنزيل: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وعطف الجهاد عليهما: عطف خاص على عام تنويها بذكره، فهو مما ندب إليه الوحي المنزل من عند الله، والسنة الصادرة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل هو الوسيلة إلى نشرهما طلبا، والذب عنهما دفعا، فبه تصان الملة، وترفع ألوية السنة، وإفراده بالذكر مما يتواءم مع سياق التهديد لمن قعد عن نصرة الدين اشتغالا بعرض الدنيا الزائل.
والضمير في: "سبيله": عائد على غير أقرب مذكور، على خلاف الأصل، فهو عائد على الله، عز وجل، وقد يقال بعودته على المذكورين: الله ورسوله من جهة كون الجهاد، في حقيقته، إعلاء لمنهاج النبوة، ومنهاج النبوة عند التحقيق هو سيبل الله المنصور، وفي التنزيل: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، فقرن بينهما في سياق الغلبة والظهور.
(يُتْبَعُ)
(/)
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ: أمر يفيد التهديد على وزان قوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، وأبهم المصير: فلم يذكر كنه ذلك الأمر الكوني الآتي إمعانا في الزجر والتهديد، وأظهر اسم الجلالة في مقام الإضمار تربية للمهابة، كما اطرد في سياقات التهديد، وعرض بهم بالنص على عدم هداية الفاسقين، فأولى لكم ألا توافقوهم لئلا تجري عليكم أحكامهم طردا، وإنما السلامة أن تخالفوهم فيجري عليكم ضد أحكامهم عكسا، على ما اطرد في الكتاب العزيز من الطرد والعكس، فإن الكلام يفيد بمنطوقه: ذم الفاسقين وذم من سار على طريقتهم طردا، ويفيد بمفهومه: مدح المؤمنين ومدح من سار على طريقتهم طردا، ولا يكون ذلك بداهة إلا بعدم السير على طريقة الفاسقين عكسا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 04 - 2009, 07:52 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ: توكيد بإيراد المصدر النائب عن عامله، فدلالته في الثبوت المؤكد على وجوب الفعل أقوى من دلالة عامله المحذوف الذي يفيد التجدد بمادته، فكأن الأمر ثابت بداية فلا مجال للتردد أو المناقشة فيه، فهو: حتم لازم.
وإلى ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله:
" {فَضَرْبَ الرقاب} أصلُه فاضربُوا الرقابَ ضرباً فحُذفَ الفعلُ وقُدِّمَ المصدرُ وأُنيبَ مُنابَهُ مُضافاً إلى المفعولِ، وفيِه اختصارٌ وتأكيدٌ بليغٌ". اهـ
ووجه الاختصار فيه أنه لا يجمع بين البدل والمبدل منه في سياق واحد حذرا من التكرار المعيب، فيكتفى بإيراد أحدهما دالا على نفسه أصالة وعن الآخر نيابة، فيتحقق التوكيد معنى والاختصار لفظا.
وضرب الرقاب: كناية عن القتل فإنه يكون بغير ضرب الرقاب، ولكن الأظهر في ذلك الزمان: زمان القتال بالسيف، حصول القتل بضرب العنق، فهو أحق أفراد عموم القتل بالذكر، آنذاك، ولكل زمان سيفه، فلا يعني ذكر فرد من أفراد العموم تخصيصه، وإنما المراد وقوع النكاية بالقتل المشروع بلا تحريق أو مثلة على تفصيل ليس هذا موضعه.
حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ: فيوقع القتل المنكي فيهم أولا، ثم يتخذ الأسرى منهم ثانيا، فكنى بذكر الوثاق عن الموثَق به، إذ لا ينفك الأسير غالبا عن وثاق يقيده.
فالأمر على ذلك للندب، إذ ليس اتخاذ الأسرى بواجب، وإنما هو تبع للمصلحة الشرعية التي تتفاوت تبعا لتفاوت الحال، فيكون اتخاذهم أسرى أحيانا أولى، ويكون قتلهم أحيانا أخرى أولى، ولا ينظر في ذلك إلا أولوا الأمر والعلماء الربانيون الذين يملكون آلة الاجتهاد طلبا للمصلحة العظمى إذا تعارضت المصالح، فالمصلحة في تلك الصورة مترددة بين: قتلهم لإحداث النكاية في العدو، وإبقائهم للفداء أو المن عليهم إن كان يرجى إسلامهم ......... إلخ.
ولذلك قال: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)، وفيه إيجاز بحذف العامل وجوبا لدلالة المصدر النائب عنه عليه فلا يجمع بين البدل والمبدل منه كما تقدم.
فتقدير الكلام: فإما تمنون منا وإما تفدون فداء، فأما: تفريعية لأوجه القسمة العقلية في شأنهم.
ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ: كونا فالله، عز وجل، قادر ابتداء على إفنائهم بقدرته الكونية النافذة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ: شرعا فيستخرج بكفر الكافر المراد لغيره: إيمان المؤمن وقيامه إلى جهاد الكافر بالحجة والبرهان والسيف والسنان .......... إلخ من الحكم الشرعية المرادة لذاتها، فالأمر دائر بين: إرادة كونية نافذة تقع بها الحوادث سواء أكانت طاعات أم معاصٍ، وإرادة شرعية آمرة لا تتعلق إلا بمحاب الله، عز وجل، وقد تقع إن شاء الله، عز وجل، ذلك فتكون فضلا في حق الطائع، فلا يصطفي الله، عز وجل، لطاعته، ومن أعظم صورها: الجهاد، إلا من تفضل عليه بالهداية وتحمل المشاق طلبا لرضاه، تبارك وتعالى، وهو أجل الغايات، وقد لا تقع، فتكون عدلا في حق العاصي، فيخذله الله، عز وجل، فيقعد عن الطاعة، ويقعد عن الجهاد ويركن إلى الدنيا، كما هو حال أمة الإسلام اليوم.
يقول ابن القيم، رحمه الله، في "مدارج السالكين":
"وقد أجمع العارفون بالله: أن (التوفيق) هو أن لا يكلك الله إلى نفسك وأن (الخذلان) هو أن يخلى بينك وبين نفسك فالعبيد متقلبون بين توفيقه وخذلانه بل العبد في الساعة الواحدة ينال نصيبه من هذا وهذا فيطيعه ويرضيه ويذكره ويشكره بتوفيقه له ثم يعصيه ويخالفه ويسخطه ويغفل عنه بخذلانه له فهو دائر بين توفيقه وخذلانه فإن وفقه فبفضله ورحمته وإن خذله فبعدله وحكمته وهو المحمود على هذا وهذا له أتم حمد وأكمله ولم يمنع العبد شيئا هو له وإنما منعه ما هو مجرد فضله وعطائه وهو أعلم حيث يضعه وأين يجعله؟.
فمتى شهد العبد هذا المشهد وأعطاه حقه علم شدة ضرورته وحاجته إلى التوفيق في كل نفس وكل لحفظ وطرفة عين وأن إيمانه وتوحيده بيده تعالى لو تخلى عنه طرفة عين لثل عرش توحيده ولخرت سماء إيمانه على الأرض وأن الممسك له هو من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه فهجيرى قلبه ودأب لسانه: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك) ودعواه: (يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك) ". اهـ
وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ: خبر سيق مساق الشرط في معرض الإلهاب والتهييج على الامتثال.
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ: إطناب في مقام الوعد حضا على امتثال الأمر.
والهداية الشرعية في الدنيا موصلة إلى الهداية في الآخرة بمعرفة منازلهم في الجنة فهم أعرف بها من منازلهم في الدنيا.
وقال بعض أهل العلم: عرفها لهم، أي: طيبها لهم، من: "العَرْف" وهو: الريح الطيبة، ولا إشكال في الجمع بين المعنيين لعدم تعارضهما فقد عرفهم مكانها وعرفها لهم فهي طيبة النشر وذلك من تمام النعيم.
وإلى طرف مما سبق أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله:
" (وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ): في الدُّنيا بذكرِ أوصافِها بحيثُ اشتاقُوا إليها أو بيَّنها لهم بحيثُ يعلم كلُّ أحدٍ منزلَه ويهتدي إليهِ كأنه كان ساكنَهُ منذُ خُلقَ وعن مقاتل: أنَّ الملكَ الموكلَ بعملهِ في الدُّنيا يمشي بين يديِه فيعرفُه كلَّ شيءٍ أعطاهُ الله تعالى. أو طيَّبها لهم من العَرْفِ وهو طيبُ الرائحةِ، أو حدَّدها لهم وأفرزَها، من عَرفُ الدَّارِ فجنةُ كلَ منهم محددةٌ مفرزةٌ". اهـ
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 04 - 2009, 08:11 ص]ـ
ثم تطرقت الآيات إلى القانون العام والسنة الربانية المطردة في هذا الباب:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ:
(يُتْبَعُ)
(/)
فالشرط قد سيق مساق الإلهاب والتهييج، كما تقدم، مرارا، فله منطوق النصر بتحقق الشرط، ومفهوم الهزيمة، كما هو واقعنا اليوم، بتخلف الشرط، ففي السياق: جناس ومشاكلة بين النصرتين: نصرة العبد ربه بتصديق وحيه واتباع شرعه، فيصدق العمل العلم، ونصرة الرب عبده في ساحات الجهاد كافة، فليس الأمر مقصورا على ساحة الوغى، فتلك صورة من صور الجهاد، ولكل ساحة سلاحها، فالسنان سلاح الأبدان، والبرهان سلاح الألباب، فإن قصرت همتك عن نصرة الحق في ساحة، فلا أقل من ملء ثغرة في ساحة أخرى، ولكل طاقته، ولا يكلف الله، نفسا، إلا وسعها، فالقدرة مناط التكليف، ومن حيل الشيطان قصر أبواب الخير على أبواب بعينها قد يعجز عنها المكلف، فيصيبه الغم لفواتها، فينصرف عن غيرها، ودين الله، عز وجل، يتسع لكل المكلفين، فمنه ما يلائم القوي، ومنه ما يلائم الضعيف، ومنه ما يلائم الشجاع ومنه ما يلائم الجبان ......... إلخ.
وعند الطبراني، رحمه الله، من حديث: الْحُسَيْنِ بن عَلِيًّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي جَبَانٌ، وَإِنِّي ضَعِيفٌ، قَالَ: "هَلُمَّ إِلَى جِهَادٍ لا شَوْكَةَ فِيهِ، الْحَجُّ". اهـ
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ: فعطفه على عموم النصرة: عطف خاص على عام، فتثبيت الأقدام صورة من صور النصرة، وهو كناية عن التأييد، فقد تكون القدم أيضا: حسية في موضع القتال بالأبدان، فلا تمتنع إرادة الحقيقة، كما تقرر في حد الكناية عند البلاغيين، فيكون التثبيت للقلب كناية، وللقدم حقيقة، وخصت القدم بالذكر لأن بثباتها ثبات بقية البدن، كما خص القلب بأوصاف الجرأة والشجاعة إذ هو محلها، وقد تكون القدم: معنوية في موضع الجهاد بالحجة والبرهان، فقد يكون الحق مع المستدل، ولكن لسانه يعجز عن إفهامه، فيخذل الحق، لا لعيب فيه، وإنما لعيب في صاحبه، فالحق بلا حجة، كالسهم بلا رام، فمهما بلغ من جودة الصناعة، فإنه لا أثر له، ولا نكاية له في العدو إذ لم يصبه أصلا!، ومن كلام بعض المفكرين المعاصرين من أهل مصر ممن شهد لهم بالفضل وسطوع الحجة ما معناه: الإسلام قضية رابحة ولكن المحامي فاشل!، فيخسر أصحاب الدعوى القضية كما خسرها المسلمون اليوم، لا لأنهم على باطل، ولكن لأنهم محامون فاشلون، لا يصلحون للعمل في مهنة المحاماة ولو: تحت التمرين!.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ:
بيان لحال الطرف الثاني من القسمة الثنائية العقلية: مؤمن وكافر، على ما اطرد في الكتاب العزيز من الجمع بين المتقابلات زيادة في البيان.
والخبر دعائي، وهو آكد في النكاية من الخبر الصريح، على مذهب من يجوز وقوع الإنشاء خبرا، ومن لا يجوز، فإنه يقدر محذوفا يلائم السياق، فتكون الصورة عنده صورة: إيجاز بالحذف، على تقدير: والذين كفروا مقول فيهم: تعسا لهم، وأطنب في وعيدهم نكاية فيهم فلهم من الله، عز وجل، التعاسة، جزاء وفاقا، فهي عقوبة كونية فرعا عن مخالفة الأمر الشرعي، و: أضل أعمالهم، وحذف الفاعل للعلم به، ووقع فعل الإضلال على الأعمال، وإن كان الضال حقيقة هم أصحابها، على وزان قوله تعالى: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)، وهم الضالون.
وفي هذه الآية دليل على أن الله، عز وجل، يهدي من يشاء فضلا، ويضل من يشاء عدلا، فإضلاله لهم: حقيقة لا مجاز، فليس إضلاله لهم: تسميتهم ضلالا، كما زعمت القدرية، وإنما أضلهم بحجب نور الحق عن قلوبهم وغلق منافذ الهدى إليها، إذ سبق في علمه الأزلي بمقتضى حكمته البالغة أنهم ليسوا أهلا للإيمان، وإن خوطبوا به شرعا، إذ في إيمانهم فوات حكم تفوق حكمة هدايتهم إلى الحق، وللرب، جل وعلا، حكمة تعجز عقول البشر عن إدراكها، فالسلامة كل السلامة الكف عن الخوض في دقائقها، ولا يستغني العبد عن توفيق الله، عز وجل، بتيسير الخيرات، وصرف المنكرات، وفي الحديث: "يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ".
(يُتْبَعُ)
(/)
فلا التزام بالأمر الشرعي إلا إذا شاء الله، عز وجل، ذلك بإرادته الكونية النافذة تفضلا وتمننا منه على عبده، فليس للعبد سابقة عند الرب، وإنما يستعين به كونا: "إياك نستعين"، ليسدده شرعا: "إياك نعبد". وكل من وكل إلى نفسه خذل، فكم من همم فترت وكم من عزائم فسخت، وذلك أمر مشاهد ومجرب. عافانا الله من سوء الخاتمة.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ:
بيان لعلة ما نالهم من العقاب العظيم، وأي عقاب أعظم من صد العبد عن سبيل الهدى؟!، فذلك: على طريقة العرب في الإشارة إلى ما انقضى قريبا باسم الإشارة المستعمل للبعيد.
كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ: من الكلمات الشرعيات الآمرات.
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ: بقدره الكوني النافذ، فصدوا عن السبيل جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد.
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ: استفهام إنكاري توبيخي، يزداد معنى الإنكار فيه جزالة بتقدير محذوف من قبيل: أقعدوا فلم يسيروا في الأرض، فيلحقهم الذم من جهة القعود وعدم السير: سير التدبر في الآيات الكونيات الباهرات.
فَيَنْظُرُوا: نظر تأمل واعتبار.
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: إجمال تلاه البيان: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا: طردا على ما اطرد في الكتاب العزيز من الطرد، فيفيد السياق نجاة المؤمنين عكسا، فمن آمن فله العمار، ومن كفر فله الدمار، سنة كونية جارية لا تتخلف، مصداق قوله تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ:
فما تقدم فرع عن ولاية النصرة والتأييد للمؤمنين في مقابل عدمها للكافرين، ففي السياق: طباق بالسلب، إذ أثبت المولى للمؤمنين، وأعظم به من مولى وناصر!، ونفاه عن الكافرين، وإن كان لهم أولياء غير الله، عز وجل، فولايتهم عند التحقيق: كلا ولاية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 04 - 2009, 08:49 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
ففيه النداء في معرض التنبيه معلقا على وصف الإيمان المستلزم لامتثال الأمر الشرعي على ما اطرد مرارا، ولا يعني ذلك قصره عليهم بل هو لهم: أصل، وغيرهم عنهم: فرع، وإنما خصوا بالذكر إذ هم مظنة الامتثال، فهم أولى الناس بخطاب التكليف لاستيفائهم شروطه، وإن كلف به غيرهم، فرعا عن التكليف الأول: تكليف الإيمان.
لا تَكُونُوا: شرعا، فالنهي في أفعال العباد الاختيارية يتعلق بالتكليفات الشرعية لا المقدرات الكونية، فلم يؤمروا بمباينة الكفار في الخلقة البشرية، أو الخصائص الآدمية، فإن التكليف إنما يكون بأمثال: لا تكفر لا تقتل .......... إلخ، لا بأمثال: لا تأكل لا تشرب ........ إلخ من الأمور التي يشترك فيها البشر جبلة.
كَالَّذِينَ كَفَرُوا: فيه طباق بالإيجاب بين الإيمان والكفران يهيج السامع على التحلي بالأول والنفور من الثاني.
وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى:
(يُتْبَعُ)
(/)
عطف متلازمين، أو: عطف خاص على عام فإن فساد القول في مقالة القدر خاصة، فرع عن فساد القول في مقالة الإيمان عامة، فالمقالات الفاسدة متلازمة واعتبر بأقوال أهل الملل الباطلة والنحل المبتدعة كيف انتقلوا من باطل إلى باطل، فحادوا شبرا وانتهوا أميالا، كما ذكر بعض المحققين من أهل العلم، ويقال أيضا: فساد العلم والعمل متلازمان، فإن فساد عملهم بالقعود عن الضرب في الأرض وترك الغزو فرع عن فساد علمهم في باب القدر، فمبنى الأمر على: الإيمان بالأمر الكوني القدري وامتثال الأمر الشرعي الحكمي، فلا يغني حذر من قدر، ولا يحتج بقدر على معصية أو تفريط، وإنما يحتج به في المصائب الكونية التي لا يملك المكلف لها دفعا، أو المعايب الشرعية إذا تاب العبد منها وأقلع، بخلاف من هو قائم على الذنب مصر على المعصية فإن احتجاجه بالقدر احتجاج الذين أشركوا في قوله تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا).
وفي الإتيان بظرف الاستقبال في قوله: "إِذَا ضَرَبُوا" استحضار للصورة، وذلك مما يقرب المعنى إلى الأذهان.
لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا: لف ونشر مرتبان فمقابل: الضرب في الأرض: مصيبة الموت في سبيل طلب الرزق، ومقابل الغزو: منحة القتل في سبيل الله، وليس من مات في سبيل مباح، وإن لم يلحقه الذم، كمن مات في سبيل واجب أو مندوب.
لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ:
اللام: لام التعليل، والجعل: كوني قدري، فقد قدر الله، عز وجل، ذلك عليهم لحكمة بالغة، ونكرت الحسرة تعظيما وخص القلب بها لأنه موضعها، فهو مستودع الأسرار ومحل الأفراح والأتراح، فبه تقوم الأمور الوجدانية والمعاني النفسانية.
وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ: إبطال لمقالتهم في نسبة الحوادث إلى غير الله، عز وجل، على سبيل الاستقلال، فهي أسباب قضاها الله، عز وجل، عليهم أزلا، والسبب لا يستقل بإحداث المسبَب حتى يشاء خالقه نفاذه، فإن شاء أمضاه، وإن شاء أثناه، والطباق بالإيجاب بين: الإحياء والإماتة، مستوف لأوجه القسمة العقلية في ذلك الأمر، فالرب، جل وعلا، هو المتفرد القادر على الشيء وضده، فهو الذي: يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل ......... إلخ.
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ: تذييل معنوي يناسب السياق، فهو، عز وجل، عليم، بما يعملون ظاهرا، وما يعتقدون باطنا، ومناسبة البصر لعمل الجوارح أظهر، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
وقرئ بالياء: "يعملون": فيكون تهديدا لهم تحذيرا لغيرهم على سبيل التعريض، كما أشار إلى ذلك، أيضا، أبو السعود رحمه الله.
وأظهر لفظ الجلالة في: "وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" في موضع الإضمار، فالقياس: "وهو بما تعملون ......... " تربية للمهابة في مقام الوعيد والتحذير وذلك مما يلائم السياق ويزيده بيانا وجزالة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 04 - 2009, 08:25 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158))
قسم في معرض التوكيد على بطلان مقالتهم، فهو منزل منزلة الإضراب المبطل لها، واللام موطئة لقسم محذوف فاستغني بذكرها عن ذكره إيجازا بالحذف، كما اطرد في آي الكتاب العزيز فلا يجمع بين أمرين يغني ذكر أحدهما عن ذكر الآخر، تفاديا للتطويل بتكرار لا طائل من ورائه.
وقد وقع الإيجاز من وجه آخر، إذ اجتمع في صدر الآية: قسم وشرط يطلب كلاهما جوابا فاستغني بجواب أحدهما عن جواب الآخر، فجواب القسم: "لمغفرة": ساد عن نفسه أصالة وعن جواب الشرط نيابة.
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ: استيفاء للقسمة المتقدمة: القتل في سبيل الله، والموت حال الضرب في الأرض، وقدم القتل إذ هو أشرف عاقبة من الموت حتف الأنف.
(يُتْبَعُ)
(/)
لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ: توكيد بلام الابتداء تنويها بما بعدها، فأي شيء أعظم من مغفرة الله، عز وجل، وقد نكرت تقليلا، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، فأقل مغفرة منه، جل وعلا، خير مما يجمع الجامعون، وأفعل التفضيل: منزوعة الدلالة، فلا وجه للمقارنة بين مغفرة الله، عز وجل، وما يجمعون، ليقال بأنها على حقيقتها، و: "من": لابتداء الغاية، فهي قيد مراد للمتكلم، ورد في سياق الامتنان، فالتنبيه على عطاء الربوبية بالمغفرة مضافة إلى الله، عز وجل، فرع عن إتلاف المقاتل نفسه في قتال مضاف إلى الله، عز وجل، فكما التزم الأمر الإلهي بالقتال، استحق العطاء الرباني بالمغفرة: استحقاق تفضل وامتنان من الله، عز وجل، فلا حق للعبد على ربه إلا ما كتبه الرب، جل وعلا، على نفسه، تكرما منه على عباده، ولو شاء لعذبهم غير ظالم لهم، فهو المعافي فضلا، المبتلي عدلا.
وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ: وعطفت الرحمة على المغفرة من باب: عطف اللازم على الملزوم، أو النتيجة على السبب، فلازم المغفرة وستر الذنوب: الفوز بالرحمة الخاصة: رحمة الرحيم بعباده المؤمنين، ونكرت للتقليل، أيضا، على ما اطرد في سياق المنة الربانية، فأقل مغفرة منه وأقل رحمة منه، جل وعلا، خير مما جمع الجامعون، وكنز المكتنزون.
وحذف وصف الرحمة اكتفاء بالقيد الأول، إيجازا بدلالة المتقدم على المتأخر. فتقدير الكلام: لمغفرة من الله ورحمة من الله.
وحذف عائد الصلة، أيضا، في: "يجمعون" على ما اطرد من الإيجاز بحذف ما دل عليه السياق أو استقر عند أهل اللسان جواز حذفه، فشاع بينهم بلا نكير.
وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ: يقال فيه ما قيل في الآية السابقة، وإنما قدم القتل هناك لكونه مما يتبادر إلى الذهن وقوع المغفرة بعده، وقد ذيلت الآية بها، وقدم الموت هنا، لكونه مما يتبادر إلى الذهن وقوع الحشر بعده، وقد ذيلت الآية به، فهو عام لكل الخلائق: مؤمنين أو كافرين، فليس فيه مزية توجب تقديم القتل في سبيل الله، بخلاف المغفرة والرحمة التي يختص بها أهل الإيمان، لا سيما الشهداء، فذلك مما يوجب تقديم أصحابها.
وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور، رحمه الله، بقوله:
"وقُدّم القتل في الأولى والموتُ في الثانية اعتباراً بعطف ما يظنّ أنّه أبْعد عن الحكم فإنّ كون القتل في سبيل الله سبباً للمغفرة أمر قريب، ولكن كون الموت في غير السبيل مثل ذلك أمر خفي مستبعد، وكذلك تقديم الموت في الثَّانية لأنّ القتل في سبيل الله قد يظنّ أنَّه بعيد عن أن يعقبه الحشر، مع ما فيه من التفنّن، ومن ردّ العجز على الصدر وجعل القتل مبدأ الكلام وعوده". اهـ
فبدأ بالقتل فالموت فالموت فالقتل، فانتهى بما بدأ به الكلام.
وقوله: "لإلى الله تحشرون": فيه من فنون البلاغة: تقديم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا، فإلى الله، عز وجل، وحده، تحشرون، ففيه نوع إلهاب وتهييج على إخلاص النية في كل أمر إذ المآل إلى العليم بذات الصدور، الخبير بمكنونات القلوب، فلا تخفى عليه خافية من أمركم، ولا ينفع معه تملق أو مداهنة كملوك الدنيا الذين تحشر لهم الجيوش، وقد انطوت صدور أفرادها على الغل والحقد لهم، فلا يطلعون على شيء منها، وربما، بل كثيرا، ما يكون مصرع الملك على أيدي جنده الذين أظهروا الولاء وأبطنوا العداء!، وذلك مما اختص به الرب، جل وعلا، فلا يعلم ما تخفيه الضمائر إلا هو، ولك أن تتصور حال البشر لو كانت صفحات قلوبهم مبسوطة للقراء!. والحمد لله على نعمة الستر.
وتأمل تلك الآيات يقطع بكمال الرب، عز وجل، في مقابل نقص العبد، ففيه من التعريض به بإظهار كمال خالقه ما يحمله على امتثال أمره الشرعي، فإن من له تمام الربوبية: جلالا وجمالا، هو المستحق وحده للعبادة تصديقا وامتثالا، تصديقا بخبر النبوة الصادق، وامتثالا لأمر الشريعة الحاكم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 04 - 2009, 07:00 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)
فالتوكيد يلائم ما قد يرد في ذهن المخاطب من تعجب، إذ صورة القتل المادية أمام ناظريه، فناسب نفي تلك الصورة من ذهنه إيرادها مؤكدة إمعانا في تقرير الخبر، وإنما يؤتى من يؤتى في هذا الباب من قياس أحكام دار البرزخ الغيبية على دار الدنيا المشهودة، فليست الحياة كالحياة فرعا عن اختلاف الدارين، فلكل دار أحكامها، وقياس الغائب على الشاهد: قياس مع الفارق، فحياتهم برزخية للروح منها الصدارة، فهي الأصل والجسد فرع عنها، بخلاف حياتهم الدنيوية فإن للبدن منها الصدارة، فهو الأصل في النعيم أو العذاب، وهي الفرع عنه، فتنعم بتنعمه وتتألم بتألمه، بل تفارقه إن فسد فلم يعد محلا قابلا لها.
فالنفي قد تسلط على الموت في دار البرزخ لا الموت المعهود في دار الدنيا، فذلك حوض كل الناس عليه وارد، ثم زيد في تقرير ذلك بالإضراب إبطالا: بل أحياء، مع ما للطباق بالإيجاب بين: أمواتا وأحياء من تقرير للنفي بإيراد ضد المنفي في سياق الإثبات، وقيد الحياة بقيدي: "عِنْدَ رَبِّهِمْ" و "يُرْزَقُونَ"، احترازا عن الحياة الأولى، وشرف المضاف من شرف المضاف إليه، فحياتهم عند الله، عز وجل، أشرف من حياتهم عند غيره، فرعا عن عظم قدره، عز وجل، بالنسبة إلى غيره.
وفي: "يرزقون": تأكيدٌ لكونهم أحياءً وتحقيقٌ لمعنى حياتِهم، إذ الرزق لا يجري إلا على حي كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
وفي السياق أيضا: إيجاز بحذف مبتدأ الخبر: "أحياء" فتقدير الكلام: بل هم أحياء، وتقديره يزيد المعنى توكيدا فهم لا غيرهم الأحياء عند ربهم، بمنزلة من يقول: لست جانيا، فيقول المدعي: بل أنت الجاني، فهو بمنزلة: أنت لا غيرك الجاني توكيدا على ارتكابه الجناية.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 04 - 2009, 07:16 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)
فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ: صيغة مبالغة: "فرِح" تناسب سياق البشرى لمن قتل في سبيل الله، فحالهم: الفرح بسبب ما آتاهم الله من فضله، فليست الباء: باء عوض، إذ لا يقدر أحد، وإن قرض جلده في سبيل الله، على استيفاء شكر المنعم، جل وعلا، بل هو، عز وجل، الذي يشكر القليل، فينميه لصاحبه، كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا كَانَ إِنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ يُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ)، فحال العبد من الشكر: العجز، وحال الرب جل وعلا منه: القدرة بفضله وكرمه وكمال صفاته العلية ونفاذ مشيئته الربانية.
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ: إجمال للبشرى فيه نوع تشويق عقب بالبيان:
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ: فلا خوف عليهم من حاضر أو آت، ولا يحزنون على ماض. فاستوفى اللفظ القسمة العقلية لأحوال الإنسان.
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ: إطناب في مقام البشرى، فيستبشرون بالمسبَب وهو النعمة، والسبب: وهو فضل الله بإيتائها، فما قتلوا في سبيله نعمة إلا بعد أن اصطفاهم لنصرة دينه فضلا، وأي شرف أعظم من شرف الاستعمال في نصرة الحق وملء ثغوره؟!.
وفيه إيجاز بالحذف من المتأخر: "وفضل" لدلالة المتقدم: "بنعمة من الله" على المحذوف، فتقدير الكلام: يستبشرون بنعمة من الله وفضل منه.
وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ: تذييل يناسب ما تقدم فالله، عز وجل، لا يضيع أجر من أحسن عملا، وفي ذلك مزيد إلهاب على تصحيح المعتقد وتحرير النية وتجويد العمل، إذ لا يخشى العبد ظلم الرب، تبارك وتعالى، كما يخشى العامل في الدنيا ظلم مالكه أو مستأجره.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 04 - 2009, 09:47 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)
صيغة المضارع فيها استحضار لذلك الموقف، مع كونه ماضيا قد انقضى، لما فيه من العبر، فقد أرادوا شيئا وأراد الله، عز وجل، أمرا.
فظاهره محنة بمقارعة ذوي الشوكة، وحقيقته: منحة بما جرى يوم بدر من ظهور للحق وانكسار للباطل مع ما نالوه من الغنائم، فالنعمة يوم بدر سابغة: دينية بظهور الحق، ودنيوية بنيل المغنم.
وقوله: "أنها لكم": بدل مبين لإجمال ما قبله، فيه من تقرير الوعد ما يحملهم على امتثال الأمر رجاء تحققه، فإحدى الطائفتين لكم فلا ينفك الحال عن ظهور على الكفر وأهله.
وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور، رحمه الله، بقوله: "وجملة: {أنّها لكم} في تأويل مصدر، هو بدل اشتمال من إحدى الطائفتين، أي: يعدكم مصيرَ إحدى الطائفتين لكم، أي كونها معطاة لكم، وهو إعطاء النصر والغلبة عليها بين قتل وأسر وغنيمة.
واللام للملك وهو هنا ملك عُرفي، كما يقولون كان يومُ كذا لبني فلان على بني فلان، فيعرف أنه كان لهم فيه غلبة حرب وهي بالقتل والأسر والغنيمة". اهـ
وتودون: بحكم الجبلة البشرية التي تركن إلى السهل، وفي قوله: "ذَاتِ الشَّوْكَةِ": استعارة تزيد المعنى بيانا، فلازم الشوكة المعروفة: الألم إذا غرزت في الجلد، فكذلك سنان العدو إذا طعن به الجسد، فالذهن ينتقل من الملزوم المذكور وهو الأداة التي تقع بها النكاية إلى لازمها وهو: الألم الذي تنفر منه النفوس جبلة.
وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ: إرادة كونية نافذة بأن هيأ أسباب اللقاء من غير ميعاد سابق، وإرادة شرعية آمرة لكم بمناجزة العدو، وإن كرهت نفوسكم القتال، فتلك كراهة طبع لا يؤاخذ المكلف عليها، ولا يتعلق بها الذم إلا إن تمادى صاحبها فصيرها حجة للقعود عن نصرة الدين، فالعبد يسأل الله، عز وجل، السلامة في دينه وبدنه ما أمكن، ولا يقعده ذلك عن مباشرة أسباب نصرة الدين، ولا يحمله بذل السبب على استجلاب البلاء، واستعجال المواجهة بلا تحضير سابق، واصطناع الأعداء مع إمكان تأليف قلوبهم، فيبذل السبب الشرعي تعبدا، ويكل الأمر الكوني إلى مجري الأسباب، جل وعلا، فقد بذل وسعه و: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، فإن شاء الله، عز وجل، بارك عمله فضلا، وإن شاء رده وأحبطه عدلا، فإن أتي المكلف فمن قبل نفسه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، وإن ظهر فمن قبل ربه: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).
فأراد الله، عز وجل، يوم بدر: أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ: الكونيات النافذة، ولازم ذلك أن: َيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ بهزيمة كاسحة، فذيلت الآية بعطف اللازم على ملزومه، إمعانا في تقرير الحكمة الربانية الباهرة في وقوع ذلك اللقاء بلا ترتيب سابق.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 04 - 2009, 08:50 ص]ـ
ثم أكد الباري، عز وجل، تلك الحكمة الباهرة فقال: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)
فعطف بين متلازمين إذ: إحقاق الحق لازمه: إبطال الباطل، فهما متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان سواء أكان ذلك في الجماعات أم الأفراد، فالجماعة إما أن تحق الحق فترد ما تنازعت فيه من أمر دينها ودنياها إلى حكم الملك، عز وجل، وحكم رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصفه صاحب الشريعة الخاتمة، ففي أمر الدين: يكون الحكم مباشرا فإذا صح النقل سلم العقل، وفي أمر الدنيا: يكون الحكم مباشرا كسائر أحكام المعاملات التي نص الشارع عز وجل على أحكامها وعليها يقاس ما استحدث من جنسها كصور الربا المعاصرة وما أكثرها!، أو غير مباشر كسائر المصالح المرسلة التي أطلقها الشارع، عز وجل، فلم يعتبرها ولم يلغها، وإنما تركها للمكلفين ليجتهدوا في اعتبارها أو إلغائها بما يناسب المصلحة الشرعية فلها الاعتبار الأول في كل أمور الحياة. وإما أن تقر الباطل فتحكم نخالة أذهان فلان أو فلان من مشرعي البشر، فتتعدد مصادر تلقيها بتعدد مشرعيها!!، ولكل عقل ولكل هوى ولكل جدل عما شرع ولا فيصل بين تلك العقول المتنافرة إلا نصوص الوحي المنزلة.
وقل مثل ذلك في الفرد فإنه إما أن يجعل الوحي سلطانا نافذ الحكم على أقواله وأفعاله، وإما أن يجعله ديكورا يتجمل به أمام أقرانه، فيصير الوحي آيا تتلى باللسان لا بالفِعال.
وفي طباق الإيجاب بين الحق والباطل ما يزيد المعنى بيانا بإيراد المتضادين في معرض إثبات أحدهما وإقراره ونفي الآخر وإنكاره.
وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور، رحمه الله، بقوله:
" وأما قوله: {ويبطل الباطل} فهو ضد معنى قوله: {ليُحق الحق} وهو من لوازم معنى ليُحق الحق، لأنه إذا حصل الحق ذهب الباطل كما قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقٌ} [الأنبياء: 18]، ولما كان الباطل ضد الحق لزم من ثبوت أحدهما انتفاء الآخر. ومن لطائف عبد الله بن عباس أنه قال لعُمر بن أبي ربيعة: كم سِنّك فقال ابن أبي ربيعة وُلدت يوم مات عمر بن الخطاب، فقال ابن عباس: «أي حق رُفع وأيّ باطل وضع» أي في ذلك اليوم". اهـ
وفي: "يحق الحق"، و: "يبطل الباطل": جناس اشتقاقي إذ اللفظان في كل جملة قد اشتقا من مادة واحدة: "الحق" و: "الباطل".
ولو كره المجرمون: إيجاز بالحذف دل عليه ما تقدم من قوله: "لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ"، فتقدير الكلام: ولو كره المجرمون إحقاق الحق وإبطال الباطل فإن الله سيقضي بذلك، أو: ولو كره المجرمون ذلك إشارة إلى ما انقضى من الكلام.
والشرط قائم مقام الاحتراس، فلا ترد إرادتهم إرادته، عز وجل، فلو كرهوا ظهور الحق فأعدوا له الحد والحديد، فإن الله، عز وجل، ناصر دينه، ولو قعد أتباعه عن ذلك، فحاصل أمرهم: الذلة والمهانة ثم الاستبدال بقوم لا يكونوا أمثالهم، وفي التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، و: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 04 - 2009, 08:14 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)
استحضار للصورة المنقضية إمعانا في تقرير المنة الربانية عليهم يوم بدر، وذلك أمر اطرد في هذا السياق.
والخطاب في: "تستغيثون": إما أن يكون على حقيقته فيكون الكل قد استغاث، وذلك الظن بالصحابة، رضي الله عنهم، في ذلك الموطن، فهم أحرص الناس على طلب المدد الرباني بعد استفراغ الجهد ببذل السبب العادي.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإما أن يكون المستغيث هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الرواية المشهورة في دعائه في عريشه صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى أشفق عليه الصديق رضي الله عنه. فتكون من باب إطلاق الكل وإرادة البعض، فالصيغة: صيغة جمع والمراد واحد، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور، رحمه الله، كما قيل في قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، فـ: "الناس" الأولى: جماعة أريد بها واحد هو أبو سفيان، رضي الله عنه، أيام كان على الشرك، و: "الناس" الثانية: كذلك أيضا، وإن أريد بها واحد آخر هو نعيم بن مسعود، رضي الله عنه، أيام كان هو الآخر على الشرك. فتكون مجازا عند من يقول به بإرادة البعض بصيغة تدل على الكل فعلاقته: الكلية كما قرر مثبتو المجاز.
وهو عكس مجاز الجزئية في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ)، فالمخاطب واحد والمراد جماعة المؤمنين بقرينة ضمير الجمع في: "طَلَّقْتُمُ"، وتلك قرينة لفظية سياقية كفيلة بمنع المجاز في ذلك الموضع إذ السياق قيد في فهم المعنى لا يخرجه عن الحقيقة.
والأولى في الاستغاثة أن تكون على حقيقتها لما تقدم من حرص الصحابة، رضي الله عنهم، على الاستغاثة بالله، عز وجل، في مواضع القتال.
ربكم: علق الاستغاثة على وصف الربوبية، إذ تلك من أفعال الربوبية فلا يغيث المضطر إلا الرب ذو القدرة التامة والإرادة النافذة.
وفي إضافة اسم الرب إلى ضميرهم: مزيد إيناس لهم فهي ربوبية خاصة: ربوبية الحفظ والعناية. فليست الربوبيةَ العامة التي يصل عطاءها إلى المؤمن والكافر، البر والفاجر، بل تلك ربوبية لازمها النصر والتمكين، فعطاؤها أجل، عطاء: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، و: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)، و: (تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ).
فاستجاب: الفاء تفيد السببية والفورية، فاستجابته بقدره الكوني النافذ فرع عن امتثالكم الأمر الشرعي بالدعاء، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى بذل السبب الشرعي، كما يبذل السبب العادي من إعداد الجيوش وتجهيز السلاح، بل الأول آكد، إذ الأمر بيد الله، عز وجل، لا بيد فلان أو فلان من: صناع النصر! الذين أضاعوا النصر الرباني بشؤم مقالاتهم فنسبوا عطاء الربوبية بالظهور على العدو إلى أنفسهم، فسلب المسلمون ما أعطوا عدلا منه جل وعلا.
أَنِّي مُمِدُّكُمْ: بيان إجمال ما تقدمه على اختيار الطاهر بن عاشور، رحمه الله، من كونها: تفسيرية توكيدية، فهي مزيلة لإجمال ما تقدمها مؤكدة لما بعدها، وذلك في معرض الامتنان بالإمداد الرباني أبلغ، فدلالتها أقوى من قولك في غير القرآن: فاستجاب لكم بإمدادكم ......... ، وإن كان المصدر المؤول يؤول في نهاية الأمر من جهة المعنى الكلي إلى معنى المصدر الصريح، ولكن يبقى أنه يمتاز عنه بالدلالة التوكيدية للحرف المصدري الذي أول منه ومن مدخوله.
وذلك الإمداد، على ما تقدم، إمداد رباني يتعلق بالإرادة الكونية النافذة، فرعا عن التزام الأمر الشرعي الحاكم، فهو إمداد مخصوص لا يجري مجرى العموم.
بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ: لتتحقق صورة السبب، وإن كان الله، عز وجل، قادرا على نصرهم بكلمته التكوينية النافذة: "كن" ولكنه، جل وعلا، أقام شريعته على بذل الأسباب ويبقى النصر معلقا بإرادته النافذة: إن شاء نصر فضلا وإن شاء خذل عدلا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 04 - 2009, 07:57 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
(يُتْبَعُ)
(/)
قصر بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء يناسب مقام الامتنان بالبشرى التي نكرت تعظيما فهي بشرى عظيمة الشأن جليلة القدر، أيما جلال، وقد يقال من جهة أخرى: إن القصر إضافي إذ لم يكن ذلك الإنزال لتلك العلة فقط فقد تعددت علله فهو: بشرى للمؤمنين، وسبب في نصرهم، وعذاب لعدوهم، وجريان لسنة الله، عز وجل، الشرعية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) ............... إلخ.
وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ: إطناب في معرض الامتنان، وهو ما يؤكد أن القصر إضافي إذ تلك علة جديدة، وقدم المطمئِن، بالكسر، على المطمئَن، بالفتح، عناية بشأنه تقريرا لنعمة الله، عز وجل، أن تفضل به على الجيش الذي أخذ بالأسباب الشرعية فكوفئ بتصريف قلوب جنوده على الثبات، في حين صرفت قلوب خصومه على الرعب، فالتلازم مطرد بين تحقيق الأسباب الشرعية الآمرة والنصرة بالأسباب الكونية النافذة، واسأل الكافر والعاصي عن سبب رهبته من المؤمن والطائع، وإن كان أقل منه عددا وأضعف منه عدة، فلا تجد إلا السنة الكونية التي يعجز عن تفسيرها من يقيم أمره على الأسباب المادية فقط، فجماع الأمر: شرع بأخذ أسباب المادة، وقدر باستجلاب النصر ممن بيده مقادير الكون، فكلمته التكوينية النافذة فيصل بين المتنازعين، فينصر من شاء فضلا ويخذل من شاء عدلا.
وخص الطمأنينة بالقلوب إذ هي محلها.
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: قصر حقيقي بأقوى أساليبه مؤكد لما تقدم من نفاذ أمره الكوني، فلا نصر إلا بإذنه.
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ: تذييل معنوي يناسب ما تقدم فهو بمنزلة الجواب المبين لعلة ما تقدمه، فكأن المخاطب لما سمع قوله تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، تولد في ذهنه السؤال عن سبب ذلك، فجاء الجواب مفصولا بلا عاطف لشبه كمال الاتصال بينه وبين السؤال إذ هو علته، والتلازم بين العلة والمعلول تلازم قوي يحسن معه الفصل، فجواب سؤالك: لأن الله عزيز حكيم، والتذييل بصفة العزة وهي من صفات الجلال يناسب سياق النصرة، فلا ينصر إلا العزيز الذي لا ينال جانبه ولا جانب من التجأ إليه، وهو الحكيم الذي يضع الأمور في نصابها، فينصر من يستحق فضلا، ويخذل من لا يستحق عدلا، فأفعاله جارية على مقتضى: قدرته النافذة وحكمته الباهرة، وذلك فقه قدره، عز وجل، فالجمع بين: الحكمة ومتعلقها من الشرع، والقدرة ومتعلقها من القدر من أنفع ما يحصله المكلف من العلم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 04 - 2009, 08:30 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)
جريا على ما اطرد من استحضار الصورة بإيراد المضارع في بيان صورة منقضية استحضارا للمنة الربانية.
أمنة منه: فالنعاس في مواضع القتال من علامات الإيمان، و: "من" لابتداء الغاية، وابتداء غايته من الله، عز وجل، جار مجرى التشريف، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور، رحمه الله، وذلك على وزان قوله تعالى: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ)، فليس النصر من غير الله، عز وجل، كالنصر من عنده، فذاك: غلبة مادية، وهذا: ظهور حجة وبرهان بسيف وسنان الحق.
ومن جرب الغفوة اليسيرة التي تجدد النشاط عرف عظم امتنان الله، عز وجل، على أولئك النفر الكرام، رضي الله عنهم، بأن منحهم تلك الراحة القصيرة في زمنها العظيمة في نفعها في ذلك الموقف العصيب الذي يذهل فيه اللبيب، فتجدد نشاطهم وصاروا أقدر على بذل السبب الشرعي في نزال عدوهم.
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ: أي من السحاب، فيكون في الكلام مجاز عند من يقول به، إذ أطلق المحل وأراد الحال فيه، ومن ينكر المجاز يقول: السماء كل ما علاك، والسحاب يعلوك فهو سماء بالنسبة لك، فقد نزل المطر من العلو حقيقة لا مجازا.
مَاءً: نكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق الذي يستدل به الفقهاء في أحكام المياه.
لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ: حسا.
وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ: معنى.
والعطف بينهما: عطف متلازمين، فالغسل من الجنابة لازمه ذهاب الرجز والكسل الذي يعتري الإنسان إذا أجنب، فيزول عن نفسه خبثها، ويتجدد لها نشاطها، وذلك مما يقطع طرق الشيطان إليها، إذ بذل السبب الشرعي بالغل الواجب: طهارة للجسد موطئة لطهارة الروح، ولا أدل على ذلك من نوم المتوضئ إذا بدل السبب الشرعي بالحرص على الطهارة البدنية بالوضوء والطهارة الروحية بالأذكار وتخلية القلب من الأحقاد والضغائن التي تنغص على صاحبها نومه. والشرع خير كله: خير للروح والبدن، خير للمعاش والمعاد .......... إلخ.
وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ: معنى.
وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ: حسا.
وهما أيضا متلازمان: فإن الملك إذا ثبت، فثباته تثبت الأجناد، وإذا زاع انهزمت عساكره واستبيحت دساكره.
فقد عمت النعمة السابغة القلوب والأبدان لما التزمت الأمر الشرعي فصارت أهلا للمدد الرباني، وفي الإطناب بذكر موارد النفع من ذلك الماء المبارك تقرير بديع لتلك المنة الربانية.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 04 - 2009, 08:30 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)
اطراد لما تقدم من استحضار الصورة.
والوحي هنا: الأمر، وهو أمر نافذ إذ الملائكة: لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وفي ذكر الآمر، جل وعلا، بلفظ الربوبية الخاصة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مزيد عناية وتلطف به، فهو أولى الناس بذلك المقام، فقد بلغ أعلى مراتب العبودية بتحقيق مراد الله، عز وجل، الشرعي، فما وطئ الثرى عبد أكمل في عبوديته منه، وما نصر دين الله عز وجل وقام به نصرته وقيامه، فاستحق أعلى مراتب الربوبية: ربوبية العناية بالنعمة الربانية السابغة، وذلك أصل مطرد، وفي التنزيل: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)، فإذا حصل الذل بالسجود حصل القرب من الرب المعبود.
أَنِّي مَعَكُمْ: معية خاصة: معية النصرة والتأييد، فتلك لا تكون إلا لمن نصر الله، عز وجل، والسياق شاهد لها.
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا: تعليق للحكم بالوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة فلا يكون ذلك إلا للمؤمنين.
وعلى سبيل المقابلة أو طباق السلب:
فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ: تفصيل يناسب سياق الامتنان بقطع دابر الكافرين.
وخص الأعناق والبنان بالذكر لكونها مناط القوة، فالعنق: مناط قوة الحياة، والبنان: مناط قوة الضرب بالسيف، فتعطل كلاهما بضرب الملائكة كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور رحمه الله.
وفي ذلك اطراد لصورة السبب جريا على السنن التي أقام الله، عز وجل، عليها شريعته.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 04 - 2009, 08:20 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ)
ذَلِكَ: على ما اطرد من كلام العرب من الإشارة إلى المنقضي قريبا بإشارة البعيد، أو يقال هو من باب الإشارة ببعد مكانته على جهة التحقير إمعانا في النكاية فيهم على وزان قوله تعالى: (فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ)، أي: بعدا.
بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: الباء سببية في معرض بيان استحقاقهم لما تقدم من النكال.
وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ: شرط فيه معنى الوعيد، ذيل بما يناسب السياق، من شدة العقاب، فذلك أبلغ في الزجر، فعظم العقوبة من عظم صاحبها، وعظم الجناية التي تسببت فيها من عظم حق من وقعت في حقه، وأي جناية أعظم من الجناية في حق الله ورسوله بحرب دينه وأوليائه؟!.
والعموم في الآية محفوظ لا مخصص له إلا التوبة في نحو قوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى). وللآية كسائر آيات الوعيد: طرد في حق من قام به وصفها، عكس لمن قام به ضدها من نصرة الله ورسوله فله ضد العقاب الشديد من النعيم المقيم.
ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ: تكرار في معرض الوعيد إمعانا في النكاية فذوقوه في الدنيا وفي الآخرة: لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ، فعم العذاب الدارين، واستوفى السياق شطري القسمة العقلية: دار الفناء ودار البقاء، فترتيب النكاية في هذا السياق من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى، كما في قوله تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، على القول بأن العذاب الأدنى هو مصائب الدنيا أو عذاب القبر، والعذاب الأكبر هو عذاب النار.
وفي الآية إيجاز بحذف خبر المبتدأ، فتقدير الكلام: ذلكم العذاب فذوقوه، والفاء تفريعية لإظهار الشماتة، كما ذكر ذلك الطاهر بن عاشور، رحمه الله، فالأمر للإهانة والشماتة على وزان قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ).
(يُتْبَعُ)
(/)
والشماتة بأعداء الله إذا نزل بهم العقاب حق بخلاف الشماتة بأولياء الله، فالفعل واحد ولكن اختلاف متعلقه غير حكمه من حظر إلى إباحة، بل هو مما يرضاه الله عز وجل من عباده المؤمنين إذا شاهدوا أعدائه يعذبون في ناره بمقتضى عدله وحكمته البالغة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 04 - 2009, 07:45 ص]ـ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ:
نداء للتنبيه خص به المؤمنون مواجهة، وعم غيرهم لزوما على ما اطرد من عموم التكليف فيكون من الخاص الذي أريد به العام، فالوصف الذي اشتقت من الصلة فرض على كل مكلف.
إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا: على جهة المقابلة في سنة التدافع الكونية فالمؤمن في مواجهة الكافر: سنة جارية لا تتخلف وإن تهادنا حينا، فكل ينصر حجته، ويذب عن مقالته بلسانه حينا وبيده حينا، والعاقبة للمتقين، ولا تنال المطالب الدينية إلا بصبر ويقين، بهما تظهر أعلام الدين، وتحكم شريعة رب العالمين: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
زَحْفًا: حال جاءت على وزان المصدر، تقريرا للمعنى على وزان: طلع زيد بغتة، فذلك آكد في الدلالة من: طلع زيد مباغتا.
فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ: فاء رابطة لا تخلو من معنى السببية، فما قبلها من وقوع اللقاء كونا سبب لما بعدها من وجوب الثبات شرعا، فلقاء العدو ابتلاء كوني، وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ)، يستعان فيه بالتزام الأمر الشرعي، وخصت الأدبار بالذكر تقبيحا لصورة المنهزم في الأذهان، فليس ذلك وصف أهل الإيمان.
ومن يولهم: شرط سيق مساق التهديد.
إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ: استثناء مخرج لصور المستثنى من عموم الذم الذي أفاده الشرط.
فقد باء: رجع تحقيقا أفادته: "قد"، وكأنه قصد الرجوع بروحه سالمة فجاء الجزاء من جنس العمل فرجع ولكن بـ:.
بغضب: عظيم فالتنوين للتنكير، وازداد وصفه عظمة بابتداء غايته من الله، عز وجل، فليس كأي غضب صادر من غيره.
وَمَأْوَاهُ: على سبيل المقابلة، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فقد ابتغى لنفسه مأوى فهرب ولكن إلى:
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ: وفيه إطناب في أوصاف الذم في معرض التبكيت لمن خالف الأمر الشرعي.
وأخطر ما في الأمر أن تختل الموازين بحجة: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، فيوضع القرآن على غير ما أريد به.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 04 - 2009, 08:11 ص]ـ
وعن حال القوم الكافرين:
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ:
ففي بيان حالهم تهكما:
إن تستفتحوا بطلب الفتح: فقد جاءكم، وتسمية ما حل بهم فتحا: من صور التهكم، فهو فتح لأعدائهم مصيبة في أبدانهم وأموالهم.
وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ: مزيج من التهديد والترغيب في آن واحد، فإن تتوبوا فهو خير لكم ترغيبا، ومفهومه: وإن لم تتوبوا فويل لكم ترهيبا.
و: "خير" منزوعة الدلالة، فلا خير فيما هم فيه من الكفر ليقال بأن الإيمان خير منه.
وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ: تهديد آخر فيه جناس اشتقاقي بين الشرط وجوابه أفاد المعنى مزيد بيان فالجزاء من جنس العمل، فإن تعودوا للمعصية بمخالفة الأمر الشرعي وحرب الدين وأهله نعد بالعقوبة الكونية والهزيمة في الحرب.
وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا: نفي تسلط على المصدر الكامن في الفعل فأفاد العموم الذي أكد بـ: "شيئا" فلن تغني عنكم أي إغناء.
وَلَوْ كَثُرَتْ: تقييد بالحال احتراسا، فقد يظن الكافر لعدده وعتاده أنه ظاهر على المؤمن، فلا نصيب له، عند التحقيق، إلا في بذل الأسباب الكونية التي قام عليها ناموس الكون، دون التفات إلى الأسباب الشرعية التي يستجلب بها النصر، فإن ظهر فإنما ذلك لتقصير المؤمن في بذل السبب الشرعي، أو تواكله بعدم استفراغ الجهد في تحصيل السبب الكوني، وذلك عند التحقيق يرجع إلى التقصير الشرعي، إذ الشريعة قائمة على بذل السبب رجاء وقوع المسبب بإذن الله، فمن عطل الأسباب الظاهرة فقد عطل الشريعة الظاهرة، وتلك في حد ذاتها معصية تستوجب الانكسار عند اللقاء، واعتبر بحال من قعد في المساجد يقرأ صحيح البخاري لما دهم العدو أرضه رجاء دحره، فهل جعل الله، عز وجل، قراءة الصحيح سببا كونيا مؤثرا في إحداث النكاية في الأعداء أو هو سبب شرعي في تحصيل العلم، وواجب الوقت آنذاك: القتال لا طلب العلم، فمن اشتغل بأسباب عبادة في غير وقتها فقد قصر بإعراضه عن أسباب عبادة أخرى حل أوانها، ولكل مقام مقال، والواجبات تختلف تبعا لاختلاف الأعصار والأمصار وأعيان المكلفين، فلا يجب في حق زيد الفقير ما يجب في حق عمرو الغني من فرض الزكاة ........... إلخ.
وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ: إيجاز بحذف لام كي المعللة، فما تقدم لكون الله، عز وجل، مع عباده المؤمنين: معية نصرة وتأييد، فأنى لكم بالظفر بهم والظهور عليهم؟!.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 04 - 2009, 08:18 ص]ـ
ومن نصرتهم لباطلهم على طريقة: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ):
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ:
توكيد بالناسخ ودخول اللام على الخبر الذي يفيد التجدد، فصدهم عن سبيل الله دائم دائب، فلهم في ذلك همة هي فرع عن قدر الله، عز وجل، الكوني، إضلالا لهم، وفتنة لغيرهم، على مقتضى حكمته، عز وجل، بإجراء سنة التدافع بين الحق والباطل، فإن حكم عليهم بالضلال فبعدله، وإن هداهم إلى شرعه فبفضله، وإن فتن بهم ضعاف النفوس كونا، فبتقصيرهم في الأخذ بأسباب النجاة شرعا، فلا يستميلون إلا الهمل، برياسة أو مال أو شهوة ......... إلخ، وانظر إلى حال المنصرين إذ ليس لهم من الحجج الشرعية أو البراهين العقلية نصيب، فلا نقل عن النبوات الصحيحات ولا أقيسة توافق العقول الصريحات، وإنما محض خرافات تشبعت أنفس معتنقيها بالحقد، فتولد من الخرافة والحقد: تعصب أعمى حمل صاحبه على ظلم المخالف واستحلال دمه وعرضه وماله، واعتبر بحال أعداء الملة وأعداء السنة من الكفار الأصليين والمبتدعة تجد عجبا!. فقوم عادوا من لم يعرفوه أصلا، وأعملوا السيف في خصومهم تقليدا لمقالة درجوا عليها، فلا عقل ليزن الأمور، ومع ذلك يدعون: العقلانية والموضوعية، مع أنهم لم يعملوا عقولهم في مقالة مخالفهم إلا على سبيل القدح بإثارة شبهة أو التقاط زلة لا تنسب إلى الملة، فتعمل آلات الدعاية زورا، على وزان: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا)، و: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ)، فلسان حالكم: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا)، ومن أوتي أداة التكليف فعطلها، فلا يلومن إلا نفسه التي أهلكها.
فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ: إطناب في معرض النكاية، والتنكير في: "حسرة" للتعظيم، فحسرتهم على ما فرطوا عظيمة يوم لا تنفع حسرة، و: (لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ). فقد طبع على قلوبهم من الأزل كونا، فحرموا الفضل وعوملوا بالعدل، و: (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
واعتبر بحسرتهم العاجلة بفشل مخططاتهم، مع تخاذل أهل الحق عن نصرته، فضلا عن حسرتهم الآجلة، وهي أشد وأنكى.
وما ذلك إلا لقوة الحق الذاتية فلو وكل إلينا حفظه لزال من الوجود أثره، ولانتهى من قديم أمره!، فالحمد لله أن تكفل بحفظ دينه، فقيض له رجالا حملوا أمانته ونصروا رسالته.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ: مزيد إطناب للنكاية، وقدم المصير على فعل الحشر تعجيلا بالمساءة، فضلا عما اطرد من الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير.
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ:
متعلق الحشر فبه يحصل التمايز بين أهل الإيمان وأهل الأوثان.
أو الإنفاق، فمن مؤمن عوفي بالإنفاق في سبيل الرحمن، ومن كافر عوقب بالإنفاق في سبيل الشيطان، فاستعمل النعمة الكونية في حرب الطريقة الشرعية، ففيه يصدق وصف الخبث، فما وقع ذلك إلا ابتلاء وتمحيصا، وما كان ذلك على الله، عز وجل، خفيا، بل قد علمه علما أزليا، وإنما حصل التمايز في عالم الشهادة بعد رقمه في الكتاب الأول: إقامة للحجة، فبه يتعلق الثواب فضلا والعقاب عدلا، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى.
فصار ذلك الابتلاء الكوني بأهل الكفر: علة ظهور أهل الإيمان، ولو غلبوا حينا، فمآلهم إلى التمكين يقينا، فاستخرج به من الحكم الشرعية والمطالب الإلهية ما فاق مفسدة وقوعه، وتلك عين الحكمة الربانية، ولولا ظلمة الباطل ما علم العباد عظم المنة بإشراق شمس الحق المبين على عقول المكلفين، ببعث النبيين مبشرين ومنذرين، فالنبوات أعظم ما امتن به رب البريات، عز وجل، فبها صلاح كل الكائنات.
وذلك مما يثلج الصدر ويقوي القلب على السير في طريق الحق وإن قل سالكوه، فمن كان الله أنيسه فلا يستوحش، ومن كان الله ناصره فلن يغلب.
وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ:
ويجعل الخبيث حسا ومعنى فهما متلازمان، إذ خبث الأرواح مئنة من خبث الأبدان، وإن كانت الصورة في أصلها مليحة فإن للمعصية شؤما يصيرها قبيحة.
ومن فوائد هذا الركم ما أشار إليه الطاهر بن عاشور، رحمه الله، بقوله:
"لزيادة تمييزه عن الطيب، ولتشهير من كانوا يُسرون الكفر ويظهرون الإيمان، وفي جمعه بهذه الكيفية تذليل لهم وإيلام، إذ يجعل بعضهم على بعض حتى يصيروا رُكاماً". اهـ
أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ: توكيد على ما اطرد من تعريف الجزأين ووقع ضمير الفصل بين الركنين، وأشير إليهم بالبعيد على يقتضيه السياق من ذم وتحقير.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 04 - 2009, 08:54 ص]ـ
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ: ترغيب واستمالة لهم بشرط يلهب المخاطب ويحمله على التزامه رجاء تحقق المشروط، وحذف الفاعل للعلم به فلا يغفر الذنوب إلا الله.
وعلى ما اطرد في التنزيل من الجمع بين الترغيب والترهيب:
وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ: جارية لا تتخلف، فالنصرة للأنبياء وأتباعهم، والخسران للطواغيت وأذنابهم وإن مكنوا حينا تمحيصا للمؤمنين واستدراجا للكافرين.
وفي العدول عن خطاب المواجهة: "إن تنتهوا" إلى خطاب الغيبة: (إِنْ يَنْتَهُوا) نكتة لطيفة، إذ نزل الأمر منزلة الواقع المقرر عندهم، فصاروا كأنهم الرسل إلى من وراءهم من الكفار، ولن يكون ذلك إلا إن صدقوا الخبر وامتثلوا الأمر، فصاروا كأنهم هم المخاطبون بأمر الإبلاغ إلى غيرهم، فلم يعد في الصورة من يصح توجه الخطاب إليه إذ هو خطاب للكفار، فتوجه الخطاب إلى من غاب منهم، إذ الحاضرون ملزمون به إلزاما صح معه تنزيلهم منزلة المقرين، وإن لم يقع الإقرار منهم بعد، وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور، رحمه الله، بقوله: "وأسند الفعل في الجملة المحكية بالقول إلى ضمير الغائبين لأنه حكاية بالمعنى روعي فيها جانب المخاطب بالأمر تنبيهاً على أنه ليس حَظه مجرد تبليغ مقالة، فجُعل حَظه حظ لمخبر بالقضية الذي يُراد تقررها لديه قبل تبليغها، وهو إذا بلغ إليهم يبلغ إليهم ما أعلم به وبُلغ إليه، فيكون مخبراً بخبر وليس مجرد حامل لرسالة". اهـ
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ: بيان لعلة قتالهم عطف فيها إفراد الله، عز وجل بالدين، على نفي الفتنة عطف متلازمين، فلازم انتفاء الفتنة في الدين: ظهور أعلامه، والتزام أحكامه فيكون كله لله.
فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ: تذييل فيه معنى الترغيب، فإن انتهوا فالله عليم بصدق نواياهم إن صدقوا، فلن يترهم أعمالهم، وقد يقال بأن فيه نوع تهديد يناسب سياق القتال، فإن انتهوا، فالله، عز وجل، بصير بمكنون صدورهم أكفوا عن القتال وانتحلوا مقالة أهل الإيمان أم أضمروا الغدر وثبتوا على مقالة أهل الكفران.
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ: بشرى للمؤمنين تحملهم امتثال الأمر الشرعي بمناجزة من كفر علما وتولى عملا، فما تولى عن العمل إلا لفساد علمه، وقد صدرت البشرى بالأمر الذي أريد به إظهار الاهتمام والعناية بما بعده، والتوكيد بـ: "إن"، والولاية المثبتتة: ولاية النصرة بالتأييد الكوني فرعا عن التزام الأمر الشرعي، وذيلت الآية بما يناسب السياق بالإطناب في مقام المدح بكمال الولاية وكمال ما تفرع عنها من النصرة فهما متلازمان أيضا فمن كان الله، عز وجل، وليه، فهو المنصور قطعا، ولا ينال التأييد بالآيات الكونية إلا فرعا عن التزام الآيات الشرعية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 04 - 2009, 08:44 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
أمر يفيد عناية المتكلم بما يليه، فنبه المخاطب بما يحمله على الإصغاء، فالنفوس بطبعا تسمو إلى الكمال، والأمر بالعلم مظنته، ففيه نوع شحذ للهمم لتحسن تلقي الخبر بالتصديق أو الامتثال.
أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ: "ما": موصولة مجملة بيانها: "من شيء" إرادة التوكيد على العموم، فأي شيء غنمتموه فحقه الذي ورد في الآية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقوله تعالى: (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ): بيان لمصارف الخمس الذي يؤخذ من غنائم الكفار لا من أموال المسلمين كما يصنع بعض رؤوس الضلالة من سدنة المشاهد والأضرحة، وهو أمر فاش في كل ملة أو نحلة أسست على شفا جرف تقديس الرجال من دون الله، فعند قبر كل قديس أو إمام أو ولي: إن كانوا كذلك فعلا، عند قبورهم: طواغيت أسست رياساتها وملأت خزائنها من ذلك الوهم، فعبدت فئاما من البشر لغير الله، بسلطان الخلاص في الآخرة واستجابة الدعاء وقضاء الحاجات ........... إلخ في الدنيا، فالإرهاب الفكري بقرارات الحرمان الكنسي الظالم وغضب الإمام والولي الطالب الغالب يحمل الأتباع على الرضوخ وتقبيل العتبات .......... إلخ من مظاهر الغلو، ولكل قديس سر لا يعرفه إلا كاهنه، ولكل إمام أو ولي سادن يعلم الناس فنون الإشراك بالله! رجاء حصول النجاة، مع أن ما يدعون إليه آكد أسباب الهلاك!، فيدعون الناس إلى النار باسم الجنة، ويدعونهم إلى البدعة باسم السنة، ويسوغون الغلو والشرك باسم التعظيم والمحبة!، والغلو في الأفاضل آفة أصيبت بها البشرية من لدن قوم نوح عليه السلام وإلى يوم الناس هذا.
وقد بعث الأنبياء عليهم السلام لتحرير عقول وأبدان المكلفين من ذلك القيد، بإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد فأبى المبطلون إلا حرب الرسل عليهم السلام إذ ما بعثوا بتقريره: ناقض لرياساتهم مزيل لطغيانهم فلا بقاء لظلام الشرك إذا سطعت شمس الرسالة.
وفي السياق إيجاز بحذف مبتدأ أو خبر للمصدر المؤول من: "أن لله خمسه"، على تقدير: فحقه لله خمسه، والإتيان بالمصدر المؤول في مثل ذلك الموضع آكد في الدلالة التوكيدية في مقام يقتضي التوكيد من المصدر الصريح، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور، رحمه الله، كما في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، فهو آكد في بيان معية الله، عز وجل، الخاصة للمؤمنين من قولك في غير القرآن: واعلموا معية الله للمتقين.
إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ: شرط سيق مساق الإلهاب والتهييج.
والإضافة في: "يوم الفرقان": إضافة تشريف، بنسبة اليوم إلى ذلك الفرقان الذي وقع فيه بين معسكر الحق ومعسكر الباطل، و: "يوم التقى الجمعان": بدل جيء به زيادة في البيان، وقد يرد على ذلك أن المبدل منه على نية الطرح، فليس مراد ابتداء، وإنما جيء به توطئة لما بعده، والسياق يشهد بأن وصف الفرقان معتبر، فلا يليق أن يكون على نية الطرح إذ فيه من التشريف ما تقدم، فيحسن بناء على ذلك جعل: "يوم التقى الجمعان": عطف بيان، فيكون المعطوف عليه والمعطوف كلاهما مرادان للمتكلم.
والله على كل شيء قدير: تذييل يناسب السياق، ففي معرض ذكر ذلك اليوم الذي نصر الله، عز وجل، فيه الفئة القليلة على الفئة الكثيرة التي أقبلت بحدها وحديدها، في معرض ذلك تظهر آثار قدرة الله، عز وجل، الكونية، إذ قضى للمؤمنين بقدره الكوني النافذ نصرا وفتحا، فرعا عن امتثالهم قدره الشرعي الحاكم، فالسنة، كما تقرر مرارا، مطردة، فمتى كان شرع فثم نصر، وإن ديل على المؤمنين ابتداء فتمحيص وابتلاء يعقبه النصر والتمكين في الأرض، ومتى لم يكن شرع فذلة ومهانة، واستعلاء لأراذل الخلق عقوبة ربانية على مخالفة الإرادة الشرعية فليس ثم بين الله، عز وجل، وعباده من نسب إلا الطاعة، فطرد في الإيجاب والسلب: نصر لدين لله عز وجل يستلزم نصرا للمؤمنين إيجابا، وخذلان للشرع وأهله يستلزم خذلانا وانكسارا في ساحة الحرب سلبا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 04 - 2009, 09:42 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)
(يُتْبَعُ)
(/)
إذ أنتم: عطف بيان ثان لمشهد من مشاهد ذلك اليوم الجليل استحضارا للمنة الربانية السابغة فيه. وفيه تفصيل لحال أطراف النزاع، إن صح التعبير، فأنتم بالعدوة الدنيا، و "هم": كناية بضمير الغائب كراهة ذكرهم صراحة، فهم أحقر من أن يذكروا باسم أو وصف إلا وصف الذم القادح، أو ضمير البعيد الغائب، والركب أسفل منكم.
وفي ذلك العرض مزيد امتنان من الله، عز وجل، على عباده المؤمنين، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، إذ العدوة الدنيا لينة تسيخ فيها الأقدام، فنزل المطر فصلبت وبنى المسلمون حوضا يستقون منه وغوروا ما سواه، وهم بالعدوة القصوى قد جمعوا العدة والعتاد، وخرجوا دفاعا عن الأموال والتجارات، فنزل المطر فكان في حقهم عائقا، فالفعل واحد ولكنه: نعمة في حق أقوام نقمة في حق آخرين.
ولو قيس الأمر بميزان الدنيا ابتداء: لرجحت كفتهم، ولكن الشأن: شأن الإيمان الذي يثبت الله به قلوب أوليائه في مقابل الرعب الذي تطير منه أفئدة أعدائه إذا التقت الجيوش والتحمت الصفوف.
وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور رحمه الله:
"وقد أريد من هذا الظرف وما أضيف إليه تذكيرهم بحالة حرجة كان المسلمون فيها، وتنبيههم للطف عظيم حفّهم من الله تعالى، وهي حالة موقع جيش المسلمين من جيش المشركين، وكيف التقى الجيشان في مكان واحد عن غير ميعاد، ووجَد المسلمون أنفسهم أمام عدوّ قوي العِدّة والعُدّة والمَكانة من حسن الموقع. ولولا هذا المقصد من وصف هذه الهيئة لما كان من داع لهذا الإطناب إذ ليس من أغراض القرآن وصف المنازل إذا لم تكن فيه عبرة". اهـ
وذلك بخلاف الكتب الأخرى التي دخلها التبديل وزيد فيها ونقص منها تبعا لأهواء كُتابِها، فصارت أشبه بكتب السير، بل كتب السير أحسن حالا منها من جهة النقل سندا ومتنا، فضلا عن إسهاب مؤلفيها في سرد أسماء الأماكن بصورة جعلتها كتبا جغرافية! على ما فيها من ثغرات مكنت بعض النقاد من القدح في نسبتها إلى أصحابها، وجعلتها محل تندر بعض آخر كفولتير أحد مبشري العلمانية قبل ظهورها رسميا بميلاد الجمهورية الفرنسية.
وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا: قضاء كونيا نافذا لا مرد له، وإن لم يقع الترتيب منكم أو منهم، ولذلك حكمة ربانية بالغة أجملها بقوله: (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا)، ثم بين هذا الإجنال ببدل تلا مبدله تلاوة المبين مجمله، فبعد استثارة الأذهان بالأول جاء البيان الشافي بالثاني:
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ: مقابلة بين الفريقين: الهالك والناجي، فقد قامت الحجة الرسالية عليهما فلا عذر بعد حصول البيان، إذ ذلك مظنة الامتثال، فلا يستوي من علم، ومن جهل، وإن كان الجهل مظنة الذم، إذ لا يخلو صاحبه من نوع تقصير في طلب الحق فإن الله، عز وجل، قد أقام على الحق، لمن هدي فتأمل، البينات الواضحات الموضِحات، فمن تجرد في طلبه فإن الله، عز وجل، يهديه إليه فضلا، ولو شاء لأضله عدلا، ولا يظلم ربك أحدا.
والهلاك: معنوي للأديان، مادي للأبدان، ولا إشكال في الجمع بينهما، إذ الكافر: هالك في دينه هالك في بدنه إذا تصدى له مؤمن قد جمع أسباب القوة الروحية والمادية امتثال قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)، وإن ظهر الكافر فبرهة، فمآله: الهلاك، بينما المؤمن: ناج في كليهما فعقد قلبه سليم وبدنه صحيح، إن ظفر بعدوه، وإن أصيب، فإلى دار خير من الدار، وإلى حال أكمل من الحال، فيبدله الله، عز وجل، بدنا أكمل من بدنه، وأهلا خيرا من أهله، ودارا خير من داره، ورزقا خيرا من رزقه، وفي التنزيل: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ).
(يُتْبَعُ)
(/)
وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ: تذييل بصفة السمع لأقوال الألسنة، والعلم بمكنونات الصدور، فعم أحوال المكلفين: ظاهرا وباطنا، علانية وسرا، وتحت ظلال السيوف تظهر الحقائق وتنكشف المعائب، فيظهر معلوم الله، عز وجل، الأزلي، على ألسنة وجوارح المقاتلين، فيسمعها ربنا، جل وعلا، سمع إحاطة، وسمع إجابة لخواصه المؤمنين الذين تلهج ألسنتهم بالذكر والدعاء تأويلَ قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فله، جل وعلا، في ذلك الموطن، وفي كل موطن، كمال الصفات: ذاتا وأفعالا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 04 - 2009, 08:12 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)
استحضار للصورة على ما اطرد من تقرير المنة الربانية، فهون الخطب عليك ابتداء برؤيتهم قليلا في المنام، ومفهومه أنه لو رآهم كثيرا لحصل بذلك ما لا تحمد عقباه، وقد نص على ذلك المفهوم إمعانا في تقرير المنة، مع أنه متبادر إلى الذهن بالنظر في المنطوق، فحكم المنطوق يثبت عكسه للمفهوم بداهة، فلو رأيتهم كثيرا: وفي الكثرة مقابل القلة: طباق إيجاب استوفى القسمة العقلية لأحوال الجيوش عددا وعدة، فلو رأيتهم كذلك لوقع الفشل والنزاع، وعطف النزاع على الفشل: عطف لازم على ملزومه، فإن النفوس إذا جبنت عن اللقاء وقع بينها النزاع فتتضارب الأقوال، وتضطرب الأحوال، واعتبر بحال الجيوش المنهزمة كيف يقع الاضطراب في صفوفها فرعا عن فشلها، والثبات في الميدان نعمة ربانية لا تكون إلا لمن التزم الشرعة الإلهية، والأمر مطرد سلبا اطراده في الإيجاب فإن الفشل والتنازع عقوبة ربانية فرعا عن مخالفة الشرعة الإلهية.
وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ: فلطف بكم فضلا منه ومنة.
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ: فصل لشبه كمال الاتصال، فهو بمنزلة العلة لما قبله، والترابط بين العلة والمعلول وثيق كما تقدم في أكثر من مناسبة، فالتذييل بتلك العلة مما يناسب السياق، إذ الله، عز وجل، أعلم بما تكنه الصدور من أمور وجدانية جبل عليها البشر من صبر وجزع، وجرأة ونكول ............. إلخ، فدبر لكم أسباب النصر فضلا ودبر لعدوكم أسباب الهزيمة عدلا.
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ:
رؤية حقيقة للجيش كله عيانا بعد رؤية قائده لها مناما لتعم الطمأنينة، وفي المقابل: قللكم في أعينهم استدراجا لهم، فصار الفعل واحدا، ولكنه في حق فئة: نعمة جرأتهم، وفي حق أخرى: نقمة غرتهم فاستخفوا بعدوهم وتلك أولى خطوات الهزيمة، فما وكل أحد إلى نفسه إلا خذل. وفي التنزيل: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)
لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا: قضاء كونيا كما تقدم.
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ: تذييل يناسب ما تقدم من القضاء الكوني النافذ، فإليه ترجع المقادير فيحكم لا معقب لحكمه، فينصر من شاء فضلا، ويخذل من شاء عدلا، وقد يقال بعموم: "أل" الجنسية في الأمور: فتعم الأمر الشرعي فلا حق إلا ما شرعه، والأمر القدري فلا نافذ إلا ما قدره.
وفي السياق تقديم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا على ما اطرد مرارا فليس ذلك إلا لله عز وجل.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 04 - 2009, 08:34 ص]ـ
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
(يُتْبَعُ)
(/)
شرط للإلهاب والتهييج لا مفهوم له فالأمر بالثبات في الدين وذكر رب العالمين مطرد في كل حين إلا المواضع التي استثناها الشارع، عز وجل، من خلاء ونحوه.
وعطف ذكر الله على الثبات: عطف سبب على مسببه، فالذكر الدائم سبب في التثبيت، لا سيما في أزمنة الفتن التي تطيش فيها العقول تحت وطأة الشبهات والشهوات فلا يدفع ذلك البلاء إلا بالعلم النافع والعمل الصالح، فبالعلم تصان القلوب من الشبهات، وبالعمل تصان الجوارح من الشهوات، والذكر يشمل الأمرين فمنه العلم الذي يجري على الألسنة، ومنه الاشتغال بالتسبيح والتهليل ........ إلخ الذي تطمئن به القلوب، فهذا عمل مراد لذاته، إذ هو من جنس العبادات المحضة، ولا غنى لأي عبد في رحلته إلى الدار الباقية عن كلا الدرعين فبهما يتقي وساوس الثقلين، فشياطين الجن والإنس قد عقدوا العزم على إضلال عباد الرحمن، وفي التنزيل: (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينً)، و: (وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا)، فلهم من الهمة ما تقصر عنه نفوس كثير من أهل الحق، وأعمالهم، مع ذلك، زبد وإن علا، ولا محيص من وقوع الصدام بين الفريقين، وإن تهادنا حينا، فتلك من السنن الكونية الجارية ولعل ما نراه في زماننا من تدافع بين الحق والباطل في ميادين القتال بالأبدان، وميادين الحجاج بالأفكار ......... إلخ، ولعل تلك الهجمة الشرسة من سائر ملل ونحل الباطل على ملة الإسلام ونحلة أهل السنة خير شاهد على تلك السنة الكونية التي يستخرج بها الله، عز وجل، مكنون الصدور، و: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
وفي الكلام حذف لصفة الفئة لدلالة السياق عليها فهي مقابل الفئة المؤمنة ومقابل الإيمان: الكفر بداهة فلا حاجة إلى ذكرها، إذ القسمة العقلية في هذا الموضع ثنائية لا ثالث لها كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
وقوله: لعلكم تفلحون: معلول آخر للذكر هو أعم من المعلول الأول، إذ الفلاح أعم من الثبات في مواطن القتال، فلكل موطن أمر إلهي وتكليف شرعي، فمن هدي إلى مقال كل مقام فهو الموفق الفالح، فللحلم مواضع، وللانتصار مواضع، وللسان مواضع، ولليد مواضع كما أن لكل جارحة ما يليق بها من الأفعال.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 04 - 2009, 08:43 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: إيجابا، فطاعة الرسول من طاعة مرسله، فلا يستقل أحد من البشر بالطاعة المطلقة إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليس ذلك بموجب بشريتهم، إذ ذلك مما استووا فيه مع بقية البشر، وإن فاقوهم في بعض القوى، (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)، وإنما تكون تلك الطاعة لاصطفاء الله، عز وجل، لهم بالرسالة، وفي التنزيل: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، فهو من جهة التكوين: بشر، ومن جهة التشريع: يوحى إليه، فليس كلامه في معرض تقرير أو بيان الشريعة ككلام غيره، فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا من أوتي الوحي الرحماني، ولما كان الأمر: صحة دليل وصحة استدلال، وضع المحققون من أهل العلم مقدمتين لقبول أي خبر من أخبار
(يُتْبَعُ)
(/)
النبوات: صحة النقل، وذلك مما انفرد به أهل الإسلام، فليس لأمة من الأمم إسناد إلى النبي الذي تنتسب إليه، أو حتى المفكر أو المصلح الذي تنتحل مقالته إن كانت ممن لم تنعم بجنس النبوات، ليس لكل أولئك ولو سند واحد صحيح إلى معظميهم، بخلاف أمة الإسلام: أمة الإسناد.
ومعرفة مراد القائل: فإن كان قوله مترجما كأناجيل النصارى، لو سلم بأن المسيح عليه السلام قد نطق بكل ما فيها فهي أشبه إلى كتب السير منها إلى الوحي المنزل، إن كان كذلك فلا بد من التأكد من دقة الترجمة حتى لا تحمل الألفاظ المتشابهة من المعاني الباطلة ما تحمل، فقد تفسد الترجمة المعنى، وقد تصيره متشابها بعد أن كان محكما لاختلاف أعراف اللغات، فما تواتر في عصر فصار محكما معلوم المعنى قد يخفى معناه في عصر آخر حتى يصير مجملا يفتقر إلى البيان.
وإن كان قوله منقولا بلغته فلا بد من ملاحظة عرف الخطاب في عصره، فلا يفسر كلامه باصطلاح حادث بعده، ولذلك كان الصدر الأول، خير طباق الأمة، أعلم الناس بمراد الشارع، عز وجل، فرعا عن كونهم أهل اللسان الذي نزل به الوحي، فكانت لغة الوحي لغتهم قبل طروء العجمة، وقصر الألفاظ على معان اصطلاحية حادثة تعارف عليها أصحاب الفنون بعد تدوين العلوم.
وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا: عطف لازم على ملزومه، فإن لازم الطاعة لله ورسوله: عدم التنازع في الأمر، إذ لا مجال للتقدم بين يدي الله ورسوله، فتطرد الأقوال والأفعال، فلا يقع فيها ما يقع في الأقوال والأعمال المحدثة من تفاوت واضطراب تبعا لأهواء القائلين وعقول المفتين، فكل يستحسن ويستقبح بعقله، والوحي قد عزل عن منصب البيان. والفاء تفريعية سببية تفيد الفورية، فالفشل فرع عن التنازع، مسبب عنه، تال له.
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ: استعارة جريان الريح واطرادها لجريان أمر الجيش وظهوره إذا استقام على الطريقة النبوية فهو غالب منصور، ولكنه مبتلى بالثبات على الأمر الشرعي والرضا والتسليم بالأمر الكوني، وذلك يستلزم صبرا نص على الأمر به فقال:
وَاصْبِرُوا، وعلة ذلك: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، وحسن الفصل، كما تقدم مرارا، لشبه كمال الاتصال بين المعلول وعلته وهي قائمة مقام: التذييل اللفظي المشتق من مادة الأمر: "الصبر"، التي علق عليها حكم المعية الربانية الخاصة لأهل الصبر: معية النصرة والتأييد والتثبيت في مواضع الزلزلة ففي السياق إيماء إلى منفعة الصبر بدلالة منطوقه، وتعريض بمن لم يلتزمه بدلالة مفهومه، فقد علق الحكم إيجابا على وجود المعنى الذي اشتق منه وصف: "الصابرين"، وسلبا على زوال ذلك المعنى فالأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما كما قرر أهل العلم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 04 - 2009, 09:39 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)
نهي شرعي عطف على الأمر بالصبر، فالشريعة: إيجاب وسلب، إيجاب للممدوحات فعلا، سلب للمذمومات كفا، وأشار الطاهر بن عاشور، رحمه الله، إلى وجه آخر تكون فيه من باب عطف النهي على النهي بقوله: "جملة: {ولا تكونوا} معطوفة على {ولا تنازعوا} [الأنفال: 46] عطف نهي على نهي".
وأشار إلى وجه ثالث يكون العطف فيه على أمر آخر فقال:
"ويصحّ أن تكون معطوفة على جملة {فاثبتوا} [الأنفال: 45] عطف نهي على أمر، إكمالاً لأسباب النجاح والفوز عند اللقاء، بأن يتلبسوا بما يدنيهم من النصر، وأن يتجنّبوا ما يفسد إخلاصهم في الجهاد"
وأيا كان الأمر فإن ذلك العطف مما يستوجب استجلاب النصر باستكمال أسبابه من ثبات وصبر وخضوع وتواضع وإخلاص لله، عز وجل، بالنهي عن ضده من البطر والرياء، فإن النهي عن الشيء يستلزم الأمر بضده، كما قرر الأصوليون، وليس النهي بمنزلة الأمر، فالأخير أشرف منه، ولذلك كان فعل جنس الطاعات أشرف من ترك جنس المعاصي، إذ الأول مراد لذاته، بخلاف الثاني الذي يراد لذاته من جهة امتثال النهي، ولكنه في حقيقته مراد لغيره، إذ لازمه التلبس بضده من الطاعة، فهو كالقيد الاحترازي الذي يحمى به جانب الإيمان، بخلاف الطاعة التي هي جزء من بنيان الإيمان، فهي شرط لكماله الواجب للخروج من دائرة الذم الشرعي والوعيد بالعقاب الأخروي، وليس ما أريد لغيره كما أريد لذاته، فالثاني كما تقدم أشرف وأعلى رتبة.
وجاء الحال بالمصدر: بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ: مبالغة في الذم، على وزان: جاء زيد مشيا، فهو أبلغ في وصف حاله متلبسا بالفعل من جاء زيد ماشيا، أو جاء زيد: يمشي.
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: عدول عن الوصف بالاسم إلى الوصف بالفعل إرادة بيان التجدد والحدوث، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور، رحمه الله، فذلك دأبهم الدائم فليس وصفا عارضا، وإنما هم، كأهل الباطل في كل زمان، مصرون عليه ساعون فيه، قد عقدوا العزائم والنوايا على نصرته، وشمروا السواعد وأنفقوا الأموال وجندوا العقول والأذهان طلبا لغلبته، فالسنة الكونية مطردة إذ بجلدهم على الكفران تظهر مزية أهل الإيمان، فيقع التدافع بين الحق القديم والباطل المحدث.
والله بما يعملون محيط: تذييل بصفة علم الإحاطة الكونية، فقد علم الله، عز وجل، ما هم فاعلون أزلا، وفي ذلك تهديد ووعيد لهم، وتعريض بكل من زين له شيطانه محادة الله، عز وجل، وحرب أوليائه.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 04 - 2009, 09:11 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
إيجاز بحذف العامل، فتقدير الكلام: واذكر إذ، وتزيين الشيطان لهم، إنما هو بإرادة الله، عز وجل، الكونية، فهو عقوبة قدرية لمخالفة الأمر الشرعي، فلا يتسلط الشيطان ذو الكيد الضعيف على الإنسان إلا إذا ابتعد عن الله، عز وجل، فسقطت حصون إيمانه تحت وطأة حصار شياطين الإنس والجن لها، فلم يكن لهم أن يقتحموها إلا فرعا عن تفريطه الشرعي في جناب ربه العلي، فإرسالهم عليه: عقوبة كونية مقدرة، وفي التنزيل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا).
ثم جاء بيان ذلك التزيين بعد إجماله فأطنب في خداعهم فقال: لا غالب لكم اليوم، و: "أل" في: "اليوم": للعهد الحضوري أي: يوم بدر، و: "أل" في الناس: عهدية ذهنية تشير إلى المؤمنين أو على أصلها: جنسية استغراقية إمعانا في التغرير بهم بوعوده الكاذبة التي زادتهم بطرا ورئاء فظنوا أنهم الأعلون، وهم الأدنون، وواصل خداعه فقال وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ:، ثم كانت عاقبة الأمر: أن فر، وأطنب في الاحتجاج كما أطنب في الاستدراج، (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، وإظهار الاسم الكريم في موضع الإضمار في: (وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، فيه من بيان العظمة والجلالة الإلهية ما يناسب سياق وعيد من تصدى لحرب جند الرحمن من الملائكة الكرام والصحب الأخيار رضي الله عنهم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 04 - 2009, 09:04 ص]ـ
وقوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49))
استحضار لحال المنافقين، والذين في قلوبهم مرض، وهم صنف سرى الشك إليه، ولما يدخل الإيمان في قلبه، وإن حصل له إسلام في الجملة، وهم بالنسبة لجمهور المؤمنين قلة، بل إنهم عند التحقيق، خارجون عنهم، بائنون منهم، بدليل إشارة أولئك للمؤمنين بإشارة البعيد: "هؤلاء" فدل ذلك على أنهم لم يكونوا من الطائفة المنصورة آنذاك، وهذا أمر مشاهد في كل زمان، فتجد المؤمن الجازم، وتجد المؤمن المضطرب الشاك فهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وإن كان مؤمنا في الجملة إيمانا يخرجه عن حد الكفران، وتجد المنافق الذي يستخفي بنفاقه فإذا ما واتته أي فرصة أظهر مكنون صدره من غل وحقد على الدين وأهله، وتأمل حال العلمانيين في زماننا، وقد حصل لهم نوع تمكين إملاء واستدراجا لهم، وعقابا وابتلاء للمؤمنين، ففتنتهم عقاب لمن قصر في الأخذ بأسباب الشرع العاصم، ابتلاء لأهل الإيمان تجري به سنة التدافع بين الحق والباطل.
والقول في هذا السياق: قول لفظي في حق المنافقين فقد ظهر على ألسنتهم صراحة، وقول في النفس في حق ضعاف الإيمان فلم تنطق بها ألسنتهم، وإلا نافقوا بذلك، بل نزل شك صدورهم منزلة القول بجامع ظهور الحال بكليهما فاللسان لسانان: لسان مقال ولسان حال.
وقد استعار المرض الحسي للمرض المعنوي، ونص على موضع الداء، إذ الشبهات والشهوات إنما تصيب القلوب ابتداء فيظهر فسادها على الألسنة والجوارح انتهاء، فكل فساد عملي، فإنما هو فرع عن فساد القلب العلمي، فالحكم فرع عن التصور، بصلاحه يصلح وبفساده يفسد.
غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ: بأن وعدهم النصر، ففيه مجاز إسنادي، عند من يقول بالمجاز إذ نسب الفعل إلى الدين إجمالا، وإلى نصوص الوعد بالنصر والتمكين تحديدا، من قبيل: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)، وأشير إلى المسلمين إشارة البعيد مع عدم تقدم ذكرهم، فلا مرجع لاسم الإشارة، لدلالة السياق عليه، فكلام المنافقين ومرضى القلوب لن يتناول بالذم والثلب إلا المؤمنين.
وفي المقابل: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
فهو شرط سيق مساق الوعد، ففيه نوع حض على التوكل على الله، عز وجل، بعد الأخذ بأسباب النصر الكونية، إذ من توكل عليه فإنه: العزيز الذي لا يغلب ولا يغلب من التجأ إلى حماه، وهو الحكيم فلا يهب النصر لمن لا يستحق ممن عطل الشرع والكون، فلم يمتثل الأمر شرعا ولم يعد العدة كونا، فإن في ترك العمل بالشرع شؤما تباد به أعظم الجيوش، وفي ترك الأخذ بأسباب الكون: نقصا في العقول يستحق أصحابه التعزير إذ عطلوا السنن التي أقام الله، عز وجل، عليها كونه.
وكل يبذل السبب في تحصيل مراده ولكن المؤمن يمتاز عن غيره باستحضار النية التي تصير العادة الكونية العامة: عبادة شرعية خاصة.
وقد أظهر الاسم الكريم: "الله" في: "فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، وحقه الإضمار لتقدم ذكره تربية للمهابة في قلوب الكافرين المغلوبين، والعزة في قلوب المؤمنين الغالبين.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 04 - 2009, 09:45 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)
استحضار لحال الكفار حين الاحتضار، وقتلاهم في الحرب أولى الناس بالحكم، إذ هم الأعظم جناية بمباشرة أسباب الحرب لله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فضلا عن دلالة السياق على ذلك، فبعد فرار الشيطان الذي خذلهم، وقعت فيهم المقتلة والمأسرة، والتبكيت بالفعل: ضربا للوجوه والأدبار فعم ما أقبل وأدبر، والقول: ذوقوا عذاب الحريق، فالأمر: أمر إهانة، وجيء بالمصدر وصفا كناية عن شدة إحراق العذاب وإيلامه.
وجعله الطاهر بن عاشور، رحمه الله، من إضافة الجنس إلى نوعه بيانا، فنوع العذاب: عذاب الحريق.
ذلك: ما تقدم، بسبب أعمالكم، وخصت الأيدي بالذكر لأنها آكد ألات مباشرة الأفعال واكتسابها.
وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ: نفي وصف نقص عن الباري، عز وجل، أكد بالناسخ المؤكد: "أن"، واسمية الجملة، ودخول الباء على خبر الناسخ، ونفي النقص في باب الصفات الإلهية: يستلزم إثبات كمال ضده لرب البرية، جل وعلا، فليس النفي المحض مدحا حتى يقترن بإثبات كمال ضده، فمفهوم الكلام: بل هو أعدل العادلين وأحكم الحاكمين، فقد حكم عليهم بالكفر بإرادته الكونية النافذة لحكمة جريان سنة المدافعة بين الحق والباطل، ولم يظلمكم شيئا، إذ ليس مفتقرا إلى ما في أيديكم من عطاياه التي من بها عليكم ابتداء، ليس مفتقرا إليها ليظلمكم بسلبه إياها، فالهدى فيض من عطاياه، إن كان لكم من دونه فقد ظلمكم إياه، وليس ذلك بحق، بل هو محض عطائه يهبه من شاء فضلا ويمنعه من شاء عدلا.
وجيء بصيغة المبالغة إشارة إلى تعدد العبيد، فلا مفهوم لصيغة المبالغة ليقال ليس بظلام، ولكنه قد يكون ظالما، تعالى الملك عن ذلك علوا كبيرا.
وإليه أشار الطاهر بن عاشور، رحمه الله، بقوله:
"ونفي ظَلاَّم بصيغة المبالغة لا يفيد إثبات ظلم غير قوي؛ لأنّ الصيغ لا مفاهيم لها، وجرت عادة العلماء أن يجيبوا بأنّ المبالغة منصرفة إلى النفي كما جاء ذلك كثيراً في مثل هذا، ويزاد هنا الجواب باحتمال أنّ الكثرة باعتبار تعلّق الظلم المنفي، لو قدر ثبوته، بالعبيد الكثيرين، فعبّر بالمبالغة عن كثرة أعداد الظلم باعتبار تعدّد أفراد معموله.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 05 - 2009, 09:23 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)
قدم الحكم تنفيرا ممن حاله كذلك، فذلك أبلغ في مخالفة طريقته، فالأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما، وقد نزل بهم وصف الكفر إلى دركة الدواب، بل شرها، وذلك من الدناءة بمكان.
فهم لا يؤمنون: فرع عما تقدم، في معرض الإطناب في الذم، فلازم ذلك الوصف: هذا الحكم فلا يتصور إيمان على جهة التكليف من بهيم شرير.
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ:
إجابة عن سؤال مقدر عن حال أولئك لئلا يتلبس المكلف بوصفهم، فمن أولئك الذين استحقوا ذلك الذم؟: الذين، فيكون في السياق حذف للمبتدأ على تقدير: هم الذين، أو: يقال بنصب الموصول على جهة الذم، أو على جهة البدل أو عطف البيان من: "الذين كفروا"، وكلها مجلية موضحة لحالهم وإن امتاز كلٌ بمعنى لا يوجد في غيره.
فهم: الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: وصيغة المضارع، كما يقول أبو السعود، رحمه الله، مئنة من التجدد فتلك حالهم المطردة، فقد انطوت الصدور على نية الغدر سلفا، وإن تظاهروا بالوفاء حينا، فإن صارت المصلحة النفعية العاجلة في نقض العهود نقضت ومزقت، وتأمل حالهم من زمن الرسالة إلى يوم الناس هذا، فالغدر أصل والوفاء استثناء، وما ذلك إلا لفساد تصورهم العلمي، فلو قدروا الله، عز وجل، حق قدره، فعلموا أنه مطلع على سرائرهم لأورثهم ذلك نوع تعظيم للعهود والمواثيق، على جهة التدين، ولكنهم أساءوا الأدب معه فوصفوه بأوصاف النقص، فقل تعظيمه، جل وعلا، في نفوسهم، فتجرءوا على نقض عهده وقتل رسله وحرب أوليائه، وكل فساد في العمل فإنما مرجعه عند التحقيق لفساد في العلم عريض.
وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ: تذييل منزل منزلة العلة لما قبله، فهم لا يتقون رهبة ولا يرجون رغبة ليلتزموا أمرا شرعيا، فغايتهم تحصيل منفعة عاجلة ولو بأدنى الحيل وأخس الطرق.
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ: تفريع عما تقدم. وفي مقام الحث على قتالهم جيء بالتوكيد بالنون المثقلة، إذ ما تقدم من سوء وصفهم وفساد طريقتهم مظنة التوكيد على استئصالهم إذا جمعتنا بهم ساحة قتال.
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ: فلعل حرارة السيف توقظ قلوبهم من غفوتها، فتؤتي الشدة من الثمرة ما لا يؤتيه اللين، ولكل موضع، فمن الناس من تلائمه الحجة والبرهان، ومنهم من يلائمه السيف والسنان.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 05 - 2009, 10:46 ص]ـ
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ:
توكيد يناسب السياق، فلا يكفي مجرد الظن حتى يترجح، فيغلب على الظن أنهم خائنون لا محالة فيكون الخوف عندئذ قد صار بمنزلة الواقع الذي يلزم التصدي له.
والسياق عام في كل قوم، وقل مثل ذلك في الخيانة التي وردت منكرة في سياق الشرط.
فانبذ إليهم: ولا يكون إعداد العدة للقائهم إلا بعد إعلامهم. فيكون نبذك عهدهم على طريق مستو ظاهر لا لبس فيه لئلا يشوبك من ذلك شائبة خيانة كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله.
وعلة ما تقدم: إن الله لا يحب الخائنين، فهو بمنزلة التذييل اللفظي إذ مادة الخيانة قد وردت في سياق الشرط بصيغة المصدر، ثم وردت في العلة المؤكدة بـ: "إن" بصيغة اسم الفاعل: "الْخَائِنِينَ"، وحسن الفصل، كما تقدم مرارا، لشبه كمال الاتصال بين العلة والعلول فهي بمنزلة جواب لسؤال تولد مما تقدمها من الشرط، إذ التقدير: وما الموجب لالتزام ذلك الشرط؟، فجاء الجواب بالنص على ما ينفر المكلف من مخالفته، فأي شؤم أعظم من أن تنتفي محبة الله، عز وجل، لعبده، فرعا عن ذنب خالف به أمره الشرعي، وإن كان واقعا بأمره الكوني؟.
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ: في مقام تسلية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يحسبن أعداؤكم من الكفار أنهم سبقوا الله، أو سبقوكم، بنجاة مؤقتة، فمصيرهم الهلاك إما بسيوفكم، وإنا بعقوبة كونية عاجلة، فإن تأخرت العقوبة في الدنيا فالنار مثوى لهم.
وقوله تعالى: (إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ): تعليل سواء قرئ بالفتح على تقدير: لأنهم، أو الكسر، إلا أن الكسر يزيد عليه دلالة الاستئناف، إذ تكسر همزة إن وجوبا في صدر الكلام، كما أشار إلى ذلك صاحب الكشاف، غفر الله له، فهو على ما تقدم من التذييل المعنوي بورود العلة عقيب معلولها، فالنهي الذي أريد به التسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتبكيت والمساءة لأعدائه علته: أنهم لن يعجزوا الله، عز وجل، هربا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[02 - 05 - 2009, 02:02 م]ـ
أحسنت أخي الكريم أحسنَ اللهُ إليك َ .. بورك فيك وزادك علماً ورفعة .. وجعل هذا العمل في ميزان حسناتك ..
ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 05 - 2009, 09:46 ص]ـ
أحسن الله إليك: نور الدين: أيها الكريم، وجزاك خير الجزاء على المرور وحسن الظن.
ومن قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)
أمر على أصله للإيجاب، والقدرة مناط التكليف، فأعدوا لهم: (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)، وعطف رباط الخيل على القوة: عطف خاص على عام تنويها بذكره، إذ كانت الخيل من أعظم العدة في قتال الكفار، وليس النص عليها تخصيصا لعموم القوة، بل لكل زمان قوته، ولكل جيش عدته، فيقاس عليها من باب القياس المساوي بملاحظة المعنى الكلي الجامع وهو كونها مما يستعان به في الحروب من الآلات يقاس عليها كل سلاح حديث لا سيما ما شاركها الوصف الأخص من المدرعات وناقلات الجنود، فكل وسيلة لنقل الرجال والمؤن تقاس عليها قياسا مساويا.
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ: نص على علة ذلك الإعداد، فهو من باب سد الذرائع، إذ رؤيتهم عدتكم الحقيقية لا الوهمية التي نراها في العروض العسكرية الفلكلورية! لجيوش العالم الثالث المتهالكة، رؤيتهم لذلك مع تلمسهم لعقيدة قتالية شرعية لا وطنية تقدس التراب الوطني الذي تطؤه النعال ليل نهار!، كل أولئك مما يرهب قلوبهم فيكفوا عن قتالكم ويطلبوا سلمكم، وما نحن فيه اليوم من طلبهم لنا في كل مكان حتى في بلادنا إنما هو عقوبة كونية نافذة فرعا عن مخالفة هذا الأمر الشرعي.
وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ: طباق بالسلب يزيد المعنى بيانا في معرض بيان كمال علم الرب، جل وعلا، في مقابل نقصان علم العباد القاصر. وذلك أصل مطرد في كل صفة اشترك فيها الخالق، عز وجل، والمخلوق، فالاشتراك واقع في المعنى الكلي على سبيل الاشتراك المعنوي، دون كمال الوصف وحقيقته، فللرب، جل وعلا، منه الكمال المطلق والحقيقة الغيبية التي لا تدركها العقول القاصرات، وللمربوب منها الكمال المقيد بحاله التي لا تنفك عن النقصان بحكم الجبلة التكوينية ذات القدرات المحدودة، فليس سمع الباري، عز وجل، الذي وسع الأصوات كلها، كسمع المخلوق المحدود، وعلى هذا فقس، إذ لا بد من قدر مشترك لتدرك العقول المعاني، وقدر فارق يمتاز به الباري، عز وجل، المتصف بكل كمال مطلق ورد به الخبر فضلا عما حجب عنا من نعوت جماله وجلاله، يمتاز به عن المخلوق الناقص.
وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ: إلهاب بشرط سيق مساق الوعد، وهو تذييل معنوي بديع جار على ما تقدم من سياق إعداد العدة، إذ لا يكون ذلك إلا بالبذل، فيكون من باب عطف السبب على مسَبَبه.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 05 - 2009, 10:55 ص]ـ
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ:
أي مالوا: فاستعير فيه الجنوح الحسي للجنوح المعنوي، فإن طلبوا السلم فرعا عما رأوه من قوتكم المعنوية والمادية التي أدخلت الرهبة في قلوبهم: فاجنح لها: أمر إباحة أو إرشاد، فيه جناس أو مشاكلة بين: "جنحوا" و: "فاجنح" تزيد المعنى بيانا، فليس ذلك بواجب، بل هو منسوخ على قول طائفة من أهل العلم، منسوء على قول طائفة آخرى، وهو الراجح، فيرجع في ذلك إلى المصلحة الشرعية المعتبرة، فقد تكون المصلحة في المهادنة حينا لتجهيز العدة، أو لضعف اعترى المسلمين فلا يقدرون على النهوض لقتال أعدائهم، والأيام دول، والمرض يعتري الأمم كما يعتري الأبدان، فتصح تارة وتعتل أخرى، و: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، وقد تكون المصلحة الشرعية في نصب القتال لهم جهادَ دفع للذب عن بيضة الدين، أو طلبٍ لتبليغ رسالة رب العالمين، فيعمل في كلٍ بحكمه، إذ ليس حكم الضعيف كحكم القوي، فالأحكام ثابتة في مناطاتها، متباينة في تحقيقها تبعا لحال الأمة، والفقيه من نظر في أحوال زمانه، فألم بها قبل أن يقضي بفعل أو ترك، وميزان المصالح والمفاسد ميزان دقيق، والناس فيه ما بين مضيق وموسع، فمضيق لا أثر لروح الشريعة في قضائه، وموسع يتذرع بفقه المصالح والمفاسد لإهدار مصالح شرعية معتبرة باسم: "فقه الواقع"!، فيؤول حاله إلى تعطيل الشريعة باسم الشريعة تكلفا لسماحة هي إلى التفريط أقرب، وحسن النية لا يصلح ما يطرأ على الأقوال والأفعال من فساد بتخطي حاجز الشرع العاصم.
والاستدلال بهذه الآية على عقد المعاهدات الباطلة شرعا التي حُيِدَ فيها قطاع عريض من المسلمين وأقصي من ساحة النزال تحت شعار: التنمية، وحرب كذا: آخر الحروب، ومعركة السلام الوهمية التي اصطنع لها أبطال من ورق لا تقل ضراوة عن معركة الحرب التي قادها الأبطال من غرف العمليات المكيفة!، ثم تبجحوا بصناعة السلام صناعتهم النصر الذي من الله، عز وجل، به على ثلة من الضباط والجنود أخلصت النوايا لرب العالمين فلم تكن على طريقة القادة والزعماء الملهمين!، فكانت عاقبة تلك التبجح أن حل العقاب الرباني العاجل، وبيع النصر بعد ذلك بثمن بخس: دولارات معدودة، الاستدلال بهذه الآية على تلك المهزلة هو مثال قياسي لما أشار إليه ابن القيم، رحمه الله، في "إعلام الموقعين" من جناية التأويل الفاسد على الأديان.
وتوكل على الله: فهو القادر على رد عدوانهم إن أضمروا غدرا، فأظهروا نية السلم وأبطنوا نية الحرب، وعلة ذلك التوكل: إنه هو السميع العليم، فهو السميع لما يتناجون به، العليم بمكنونات صدورهم، فالتذييل بهذين الوصفين: تذييل معنوي بديع يناسب السياق، أيما مناسبة، وهو مفصول لشبه كمال الاتصال على ما اطرد في آي الكتاب من التلازم بين العلة ومعلولها.
فالسمع والعلم في حق المؤمنين: باعث على الطمأنينة إذ لازمه النصرة والتأييد بفضح مكنون صدور أعدائهم.
وفي حق الكافرين: باعث على الخوف إذ لازمه التهديد بكشف أمرهم وفضح سترهم.
فالألفاظ واحدة والموارد مختلفة تبعا لأحوال أصحابها قربا وبعدا من الإيمان: مناط النصر في الأولى والنجاة في الآخرة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 05 - 2009, 10:37 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
وفي مقام التسلية:
وإن يريدوا الخيانة بعقد الصلح ظاهرا ونية الغدر باطنا فجواب ذلك:
فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ: مؤكدا بـ: "إن" وتعريف الجزأين، فهو ناصرك وكافيك وحده، فالقصر هنا: قصر حقيقي.
(يُتْبَعُ)
(/)
ودليل ذلك: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)، فالفصل على ما اطرد من التعليل بطريق الاستئناف، لقوة التلازم بين العلة والمعلول، كما أشار إلى طرف من ذلك أبو السعود رحمه الله.
فأيدك بالفعل الذي يدل على ربوبيته القاهرة، فالنصر لا يكون إلا بكلمته التكوينية النافذة فرعا عن امتثال كلمته الشرعية الحاكمة وبالمؤمنين: فأعيد حرف الجر توكيدا بالتكرار، وزيد في المنة الربانية بذكر بالإشارة إلى حالهم قبل البعثة، والعرب قد جبلوا على اختلاف القلوب وقسوتها فلا ينتظمهم إلا سلك الرسالة التي ألفت بين قلوبهم، والتأليف بين قلوبٍ هكذا وصفها لا يكون إلا بأمر الرب، عز وجل، مصرف القلوب، فذلك مئنة من كمال ربوبيته إذ جمع من لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولا جمعت بين أبدانهم، فالجماعة قد تجلت في أبهى صورها في عصر الصدر الأول، رضي الله عنهم، قبل ظهور الأهواء، فكانت جماعة أديان باطنة وأبدان ظاهرة، فجمعهم عقد القلب، وجمعتهم المدينة النبوية، ولما تطاول الزمن، وظهرت الأهواء، في الأمصار النائية التي لم تشرق عليها شمس الرسالة إشراقها على مهبط الوحي، بدأ البنيان في التصدع، كما اطرد في السنة الكونية الجارية: فليس بعد التمام إلا النقصان، وإن بقيت طائفة من الأمة على الأمر الأول لا يضرها من خذلها، ولا ينال منها عدوها، فإن تطاول عليها بإيصال الأذى إلى الأبدان فلا سبيل له إلى التطاول عليها بتحريف الأديان، فدينها محفوظ وإجماعها معصوم والسائر على طريقها وإن قل منصور.
وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ: طباق بالإيجاب فنفى الفعل عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأثبته لنفسه إمعانا في بيان النعمة الربانية بتأليف القلوب على الوحي المنزل، وعلة ذلك: إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ: فإجراء القلوب على مراده من تمام عزته إذ العزيز لا يغلب، وهو مع ذلك حكيم لا يضع الهدى إلا في محل قابل، وأي محال قبلت بذرة الإيمان قبول قلوب الأصحاب، رضي الله عنهم؟!، لها، فهم خير طباق الأمة.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: نداء لبيان علو منزلة المنادى، فلم ينادَ في الكتاب العزيز إلا بوصف النبوة أو الرسالة، إجلالا لقدره صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
حسبك الله: توكيد بتكرار الحسب مقصورا بتعريف الجزأين، وحسب من اتبعك من المؤمنين، بتقدير مضاف اقتضاء، فهو كافيك وكافي أتباعك، فثبت للفرع حكم الأصل بجامع علة اتباع الرسالة الخاتمة، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، كما تكرر مرارا، ففيه نص بالمنطوق على حكم المتابعة كفاية ونصرا، وإشارة بالمفهوم على حكم المخالفة خذلانا وهزيمة، فإن السنة جارية طردا بالإيجاب والسلب، وفي ذلك إلهاب على امتثال أحكام الرسالة وترهيب من مخالفتها، فتلك النصوص، عند التحقيق، أخبار يراد بها الإنشاء بدلالة اللزوم، فليست إنشاءات صريحة، وليست أخبارا أريد بها الإنشاء قياسا، وإنما ورد عليها الإنشاء بطرد لوازمها على التفصيل المتقدم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 05 - 2009, 06:16 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
(يُتْبَعُ)
(/)
نداء بوصف النبوة الآمر الناهي فرعا عن أمر الشارع، عز وجل، ونهيه، فمقام النبوة مقام التبليغ عن رب العالمين: بلاغا معصوما لا يتطرق إليه الخطأ أو الذهول أو النسيان بخلاف إعلام بقية الموقعين من العلماء والمجتهدين فإنهم، وإن سمت نفوسهم واتسعت علومهم ليسوا براجي عصمة فيلزمهم أن يردوا قولهم إلى قول الوحي، فإن وافقه فعنه يصدرون، وإن خالفه لم يحظ بشرط القبول، وإن كان القائل أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم: أرشد الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
حرض: إلهابا لحماسهم فللأمر الشرعي أبلغ الأثر في قلوب المؤمنين الذين تعلق بهم الحكم ففيه تعريض بغيرهم ممن لم يستجب لداعي الشرع الآمر، فانصاع لداعي الطبع الغالب الذي يؤثر الدعة والسلامة، ولو ناله من ذلك الذل والمهانة، كحال أمة الإسلام التي أخلدت إلى الأرض فرضيت بالزرع واتبعت أذناب البقر!.
و: "أل" في "القتال": عهدية تشير إلى قتال أعداء الدين: أشرس قتال عرفته البشرية وإن رغمت أنوف العلمانيين والشيوعيين والماديين ممن قصروا علل الحروب على الأغراض المادية البحتة، فالإنسان عندهم لا يتحرك ولا يتعصب إلا لبطنه وفرجه!. وذلك طابع حيواني غلب على الشيوعية واقتبست العلمانية المعاصرة من شعبه ما اقتبست!. فقضاء الوطر أسمى أماني الفرد في المجتمع العلماني، وتأمل حالهم تجدهم كسائر من أعرض عن سلوك طريق النبوات فسار في مسالك الشبهات والشهوات، فالغالب عليهم الإلحاد، بلسان الحال أو المقال في كثير من الأحيان، فلا ترى من النصرانية إلا رسوما يجيد الساسة تفعيلها: "وقت اللزوم" لحشد الرعاع لحرب الإسلام مع أنهم علمانيون ملاحدة فلا تعظيم لأي دين في قلوبهم، ولكنه أداة فعالة في تحقيق أغراض الساسة، فقد صار الدين عندهم إما محض ذكريات تعسة تشمئز نفس الأوروبي العصري! من استحضارها، لما وقع فيها من كبت وحجر على العقول وتسلط على الأبدان بصنوف الإهانات وإما وسيلة فعالة في تجييش المشاعر ضد الخطر القادم من الشرق المسلم وجنوب المتوسط. وفي حرب البلقان، كما تقدم في مناسبات عديدة، كان الشعار: لا لكيان إسلامي في جنوب القارة العجوز، فتحرك عباد الصليب على ما بينهم من شقاق فرعا عن النزاع التاريخي بين الأرثوذكس والكاثوليك من لدن مجمع نيقية وإلى يوم الناس هذا، تحركوا تحت غطاء سياسي وعسكري أوروبي لاستئصال تلك الدولة الناشئة، وبالأمس كان بيندكت زعيم الكاثوليك يعرض بالإسلام، فانتقد تسييس الدين واستعماله في حشد الأتباع انتصارا لطائفة على أخرى!، وهو بذلك لا يعني إلا القضاء على عقيدة الولاء والبراء الإسلامية: أوثق عرى الإيمان فعلى المسلم أن ينسى أنه مسلم، ويكفيه أنه مصري أو ........ إلخ، وعلى الجانب الآخر تربى أجيال على كراهية الإسلام والطعن في ثوابته واستحلال محارمه، وليس ذلك تسييسا للدين!، وإنما تسييس الدين هو: امتثال أحكامه القلبية ولاء وبراء، و: رمتني بدائها وانسلت!.
وقيل عن الغرب النصراني: إنه علماني الأفراد، ديني الدولة، ففساد الأديان والأخلاق على المستوى الفردي فيه أظهر، وقيل عن الشرق المسلم: إنه ديني الأفراد، علماني الدولة، فأفراده مع ما هم عليه من فساد بتنحية الشرع المنزل في كثير من شئونهم أحسن حالا من أفراد المجتمع الأوروبي العلماني، ففي الشرق تجد تعظيما للدين وشعائره، وإن لم يلتزم بها المعظمون، وتجد من الشعائر اليومية التي تربط الناس بالوحي المنزل ما لا تجده هناك، وتجد من تعظيم الأعراض المصونة ما لا تجده هناك من أعراض صارت كلأ مباحا لكل راع وراتع، وفي المقابل: تجد دولته علمانية الطابع لا يحركها إلا المصالح السياسية والاقتصادية، فالمسألة عندها: لعبة توازنات استراتيجية، والولاء والبراء للتجمعات الدولية والإقليمية التي تخدم مصالحها المادية البحتة، وحتى في صراعها مع أصحاب المذاهب الهدامة تجدها تتعامل مع الأمر من وجهة سياسية وإن استعانت بالكوادر الدينية كما يحدث الآن في مصر في إطار الحملة على بدعة الغلو في آل البيت، رضي الله عنهم، وسب الصحابة، رضي الله عنهم، فمنتحلو تلك البدعة من العجم الذين تغلي قلوبهم حقدا على العرب حملة الرسالة يسيسون المذهب فيحشدون الأتباع
(يُتْبَعُ)
(/)
باسم حب الآل، رضي الله عنهم، وهدفهم التمدد السياسي لاستعادة إمبراطوريتهم التي داستها سنابك خيول الفتح في القادسية ونهاوند، وفي المقابل: الحكومة المصرية تدفع عن كيانها السياسي الضعيف بالحد من انتشار ذلك الفكر المؤذن بوقوع توتر طائفي آخر بالإضافة إلى التوتر الطائفي بين: المسلمين والنصارى! و: "خبطتين في الراس توجع" كما يقال عندنا في مصر.
الشاهد أن ذلك الإلحاد المتفشي في أوروبا: فساد علمي بتنحية النبوات، تفرع عنه الفساد العملي في الأخلاق والمعاملات، وذلك أمر مطرد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، فحيث صلح العلم: صلح العمل، إذ أدواته تبع لمستودع العلوم: القلب، وإذا فسد الأول أصلا فسد الثاني تبعا.
إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ: خبر أريد به إنشاء الأمر بمصابرة الواحد العشرةَ ابتداء، إذ كان المؤمنون قلة فشق التكليف فرعا عن قلة العدد والعتاد ثم جاء التخفيف لما زالت العلة بكثرة العدد وتوافر العدد. وقوله: بأنهم قوم لا يفقهون: تفريع بذكر السبب فيه من الذم لأهل الكفر ما هم له أهل فرعا عن ضلالهم بمخالفة الأمر الشرعي فإن ذلك مئنة من عدم الفقه، بل صار في أحيان كثيرة مئنة من عدم العقل: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ).
الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ: امتنان من الله، عز وجل، بورود التخفيف الشرعي، فورد الناسخ المخفف على المنسوخ المثقل. و "أل" في: "الآن": للعهد الحضوري.
وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا: علما أزليا، صار شهادة بوقوعه في دار التكليف فتعلق به حكم التخفيف إذ الأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما كما تقرر في التشريع.
فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ: خبر أريد به إنشاء الناسخ المخفف بمصابرة الواحد الاثنين.
بِإِذْنِ اللَّهِ: الكوني فرعا عن التزام أمره الشرعي المتقدم.
وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ: على الأمر امتثالا وعلى الألم احتسابا فهي معية خاصة، أظهر فيها الاسم الجليل وحقه الإضمار عناية بشأنهم، إذ معية النصرة والتأييد مظنة العناية والرعاية الربانية فرعا عن امتثال الشرعة الإلهية فالترابط بينهما أمر قد اطرد بيانه في نصوص الوحي المنزل.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 05 - 2009, 12:40 م]ـ
ومن قوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
نفي جحود يقتضي المبالغة في عتاب الرب، جل وعلا، نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ فعل خلاف الأولى، فأبقى على أسرى بدر، ترجيحا لرأي الصديق، رضي الله عنه، وهو من هو في الجمال، على رأي الفاروق الملهم، رضي الله عنه، وهو من هو في الجلال، فكان المشهد: مشهد جلال لا مشهد جمال إذ الأصل في القتال: جلال السيف الناصر، فللحديد الناصر ميدانه وللكتاب الهادي ميدانه، ولكل ساحة نزال رجالها، فأرباب القلم رجال ميادين الذب باللسان، وأرباب السيف رجال ميادين الذب بالسنان، ولا غنى لدين الإسلام عن كلا الصنفين، فصنف يقرر ويؤصل ويدحض شبهات الخصوم، وصنف يذب وينصر ويريق دماء أعداء الملة في ساحات الوغى، دفعا وطلبا، فيدفع العدوان، ويرفع العوائق التي أقامها طواغيت الأرض لصد الأمم عن الدين الخاتم: دين المنقول الصحيح والمعقول الصريح، فهو الدين الذي فطر الله، عز وجل، الناس عليه مصداق قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) فمن المحال أن يتناقض الدين الذي أنزله الله، عز وجل، على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع العقول والفطر التي ذرأها الله، عز وجل، فإن المصدر واحد، وتصور ذلك: إساءة ظن بالباري، عز وجل، ما بعدها إساءة، فهو الذي خلق هذا الإنسان وركب فيه ذلك العقل، وغرز فيه تلك الفطرة التي تحمله على التأله حملا فإن لم يتأله للمعبود الحق، جل وعلا، المتصف بكل كمال، المنزه عن كل نفص
(يُتْبَعُ)
(/)
، الذي أنعم عليه بالخلق ابتداء، فأوجده من عدم، ولم يك شيئا، ثم أعده فزوده بآلات الإدراك، ثم أمده بمدد النبوات، وليس له فيه غرض، فلم يتودد إليه تودد المخلوق الذي يصانع المخلوق لغاية يريدها منه، فإذا نالها أعرض ونأى بجانبه، وإنما خلقه ليكرمه في الدنيا باتباع روح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا)، وفي الآخرة بروح: (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ)، فروح الدنيا يستلزم روح الآخرة، ومن فاز به في الدنيا فاز به في الآخرة، فهنيئا له!، فهو في روح دائم يتنقل في رياض جنان الأرض، جنان: "إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا قَالُوا وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ حِلَقُ الذِّكْرِ"، فيرتع فيها فإذا ما انتقل إلى جوار الرب الكريم ذي الأفضال والمنن، جل في علاه، فهو مرتحل من جنان الذكر الأرضية إلى جنان الخلد السماوية حيث جوار الرحمن، تبارك زتعالى، والجزاء من جنس العمل، فإنه استحق الجوار الأخروي فرعا عن الجوار الدنيوي، فصبر نفسه مع الذين يدعون رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، فكان أهلا لـ: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي).
وعودة إلى سياق الآيات:
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ: مفهوم غاية، فلما بعد الغاية نقيض ما قبلها، فإن المصلحة الشرعية تقتضي الإثخان في العدو قتلا حتى إذا انهارت قواه، ووقعت النكاية في صفوفه: ساغ عندئذ اتخاذ الأسرى منه، إذ قد تحقق الغرض من الإثخان فزال الحكم بزوال علته، إذ المصلحة الشرعية بعد كسر شوكة العدو قد تكون في اتخاذ الأسرى لفداء أسرى المسلمين، أو لعل الأسرى من العدو يرون من عدل الإسلام وفضله ما يكون سببا في هدايتهم، وهذا أمر ظاهر، إذ المسلمون عموما وأهل السنة خصوصا، أعلم الناس بالحق وأرحمهم بالخلق، بشهادة خصومهم، فليسوا كغيرهم يرون القتل وإراقة الدماء تشفيا: غرضا مرادا لذاته، بل القتل عندهم مراد لغيره، فمتى حصل المراد بكسر شوكة العدو وإزالة العوائق أمام انتشار دعوة الحق صار حكم القتل على الجواز، فللإمام أن يمن ابتداء، وله أن يقبل الفداء، كما وقع يوم بدر، وله أن يقتل إن كانت المصلحة في ذلك، فإن القتل لم يصر محرما بمقتضى مفهوم الغاية، وإنما انتقل من مرتبة الوجوب إلى مرتبة الجواز، وتلك مسائل دقيقة لا يتقنها إلا علماء الشرع وأمراء الحرب، فالحكم يدور مع المصلحة الشرعية وجودا وعدما، فالمصلحة الشرعية المعتبرة في مسائل كتلك التي يسوغ الاجتهاد البشري فيها، إذ هي من باب الأحكام القضائية، تلك المصلحة هي قطب الرحى.
و: "نبي": نكرة في سياق النفي تفيد العموم، والأنبياء مقصودون أصلا بذلك العموم، ومن وراءهم من أقوامهم مقصودون بالتبع، إذ النبي المقاتل يجري قتاله مجرى التشريع لأمته، فمقام العصمة مظنة الاقتداء، إذ التسليم لأمر المعصوم هو عين العصمة.
وقد يقال في هذا الموضع: إن النفي: خبر أريد به إنشاء النهي، أو يقال كما قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: "وقد يجيء بمعنى أنه لا يصْلح، كما هُنا، لأن هذا الكلام جاء تمهيداً للعتاب فتعيّن أن يكون مراداً منه ما لا يصلح من حيث الرأي والسياسة". اهـ
فقد فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلاف الأولى فعاتبه، ربه، عز وجل، وذلك أليق بمقام النبوة.
تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
علة ما تقدم، ولذلك حسن الفصل إذ اقتران العلة بالمعلول: اقتران وثيق يسوغ الفصل، لشبه كمال الاتصال المعنوي بينهما.
وقد يقال بأن في السياق حذفا على تقدير استفهام إنكاري يلائم سياق العتاب، فيكون تقدير الكلام: أتريدون بذلك عرض الحياة الدنيا؟!.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي السياق طباق بين إرادتهم عرض الدنيا السريع الزوال، وإرادة الله، عز وجل، ثواب الآخرة، الذي حذف لدلالة المتقدم عليه على ما اطرد في كلام العرب، فالمتقدم المذكور يدل على المتأخر المحذوف، فحذف المضاف: "ثواب" وأقيم المضاف إليه: "الآخرة" مقامه، وقرينة السياق تدل على المحذوف إذ الكلام في معرض المقارنة بين عرض الديا الفاني وثواب الآخرة الباقي، وحسن ذكر المضاف مع الدنيا، لدلالة مادته على معنى العروض الطارئ الذي سرعان ما يزول، فهو يفيد بنفسه معنى زائدا يثري السياق، فهو وإن كان ثوابا، إلا أن معنى العروض لا ينفك عنه، وذلك أدعى إلى الزهد فيه، ولو كان ذهبا، وثواب الآخرة: خزفا، ما عدل العاقل عن الخزف الباقي إلى الذهب الفاني، إذ منفعة الخزف إن قدر له الدوام أعظم من منفعة الذهب المحكوم عليه بالفناء، وإن كان جنس الذهب أشرف من جنس الخزف، فكيف والدنيا هي الخزف الفاني، فاجتمع لها الجنس والوصف الأدنيان، والآخرة هي: الذهب الباقي، فاجتمع لها الوصفان الأعليان، أيستبدل العاقل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
وأظهر الاسم الكريم في موضع الإضمار في التذييل بقوله: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، تنويها بذكره، جل وعلا، وتربية للمهابة في مقام التعليم والتذييل بوصفي العزة والحكمة يلائم السياق، إذ العزيز مستغن عن غيره فكذلك شأن عباده أصحاب الهمم العالية، فالأليق بهم الاستغناء عن عرض الدنيا الزائل، ووصف: "الحكيم"، كما يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله: "يقتضي أنّه العالم بالمنافع الحقّ على ما هي عليه، لأنّ الحكمة العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه". فالمنفعة الحق فيما شرعه الله، عز وجل، في الإثخان في العدو في هذا الموضع خصوصا، وفي كل مواضع التشريع عموما، فحيث كان االشرع كانت المصلحة العاجلة والآجلة، وإن كان ظاهره المشقة، فهي مشقة غير معتبرة في مقابل المصلحة العظمى الحاصلة من إنفاذ أحكام الشرع المنزل، والمصلحة الخالصة في دار التكليف عزيزة إن لم تكن محالة، فالدنيا دار اجتمع فيها الخير والشر، فحيث غلب أحدهما على الفعل أو العين ترجح حكمه، وحيث استويا، إن تصور ذلك، غلب جانب التحريم احتياطا، إلا أن يقال بأن الأصل في الأعيان والأفعال الإباحة، ويرد على ذلك أن الأصل في بعض الأعيان والأفعال الحرمة كالأبضاع والذبائح.
بخلاف الآخرة فإن فيها دارين: دار خير خالص، و: دار شر خالص، فمن كان من أهل الخير الخالص كالمؤمن الذي استكمل شروط الإيمان المنجي، فمآله: دار الخير الخالص، ومن كان من أهل الشر الخالص كالكافر فمآله: دار الشر الخالص، ومن كان مخلطا معه أصل التوحيد فقد اجتمع فيه العنصران، فيدخل النار إلا أن يعفو عنه الباري، عز وجل، أو يشفع له شافع كما تقرر في أصول الدين، فكير النار يذهب خبث روحه فتخلص من الشوائب وتصير أهلا لجوار الباري، عز وجل، في دار الخير المحض، إذ قد طهرت فصارت من صنف الخير المحض الذي تلائمه دار الخير المحض.
وفي ذلك رد على المتكلمين من نفاة التعليل، وإن أثبتوه في الفروع، فقد تناقضوا بنفيه في الأصول وإثباته في الفروع، فجلهم يقول بالقياس، والقياس يستلزم تنقيح أو تخريج المناط الذي علق عليه حكم الأصل فهو العلة المتعدية إلى الفرع، فتعدى حكم الأصل إليه بجامع تلك العلة المشتركة، فالأحكام الشرعية ذات علل وحكم علمها من علمها وجهلها من جهلها، فلأفعاله، عز وجل، حكم، لا يستلزم إثباتها تعليل الأحكام بالأغراض التي تدل على حاجة الفاعل إليها، فتلك شبهتهم، إذ راموا تنزيه الباري، عز وجل، عن الافتقار إلى الأغراض، وما ذلك إلا فرع عن قياسهم أفعال الخالق، عز وجل، على أفعال المخلوق، فهو الذي يصح تعليل أفعاله بالأغراض، إذ هو مفتقر إليها، بخلاف الباري، عز وجل، الغني في ذاته، المغني لعباده، فلا يفتقر إلى ما سواه، بل كل الأسباب إليه مفتقرة، فهي عن خلقه صادرة، فهو الذي خلق السبب وجعله مئنة من وقوع مسببه بمقتضى سنته الكونية الجارية، فهي ماضية إلا أن يشاء الله، عز وجل، خرقها معجزة لنبي أو كرامة لولي أو فتنة بدجال غوي.
فأفعاله، عز وجل، أفعال حكيمة في نفسها، فوصف الحكمة ملازم لها إذ قد بلغت الغاية فيه، بخلاف ما قرره المتكلمون الذين جعلوا وقوع الحكم عقيبها من باب الاقتران غير المؤثر جريا على طريقتهم في الكسب، فنزعوا عنها وصف الجكمة، وتحيلوا في تخريج المنافع المترتبة عليها فجعلوها من باب الاتفاق العارض لا الإتقان المراد ابتداء، وتلك أقوال في غاية التكلف التزمها من التزمها تنزيها للباري، عز وجل، عن مشابهة المخلوق، فجردوه من كمال الأفعال إذ شبهوه أولا بالمخلوق فأفعاله كأفعال خلقه!، فنفرت نفوسهم من لازم ذلك القياس الفاسد، فاضطرهم ذلك إلى نفي صفة الكمال التي يشترك المخلوق معه فيها اشتراكا معنويا كليا لا يستلزم إثباته تشبيها أو تمثيلا، إذ هو مما يوجد في الأذهان مطلقا لا في الأعيان مقيدا بعين فلان أو فلان من خلقه ليقال بأن في ذلك الإثبات قياسه، عز وجل، أو قياس أسمائه الحسنى أو صفاته العلى أو أفعاله على خلقه، وهذا أصل مطرد في باب الأسماء التوقيفية والصفات الربانية.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 05 - 2009, 12:43 م]ـ
ومن قوله تعالى: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
ففيه جواب عن سؤال محذوف دل عليه السياق اقتضاء، فقد تطلعت أنفسهم رهبة إلى ما بعد قبول الفداء، فلسان حالهم، وما جزاء من عدل عن الفاضل بقتل الأسرى إلى المفضول بقبول الفداء منهم، فجاء الجواب:
امتناع وقوع العذاب فرعا عن وجود الكتاب الذي نكر مئنة من عمومه فهي سنة شرعية سبقت من الله، عز وجل، و: "من": لابتداء الغاية، فهي كبقية السنن الشرعية: إلهية المصدر، ولما كان المقام: مقام تشريع، ناسب أن يذكر متعلقه: اسم: "الله" إذ مقتضى السنة الشرعية: التأله بالتزامها تصديقا بالجنان فذلك حظه منها، وقولا باللسان فذلك، أيضا، حظه منها، وامتثالا بالفعل أو الترك، فذلك حظ الجوارح منها، وتواطؤ القلب واللسان والجوارح مئنة من كمال الإيمان، فيوافق عقد القلب الباطن، وهو الأصل لما بعده، فما سواه فرع عليه استقامة أو اعوجاجا، يوافق ذلك العقد الباطن، عقد اللسان الظاهر، وعقد الجوارح المصدق، فإنه لا بد للدعوى من دليل، ودليل دعوى الإيمان: استقامة الظاهر على مقتضى الشريعة الظاهرة، وفي التنزيل: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
لمسكم: أي أصابكم ففيه الكناية عن الفعل بذكر مبادئه فأول الإصابة: المس.
فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ: تعليل بـ: "في" على وزان قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ).
ونكر العذاب إمعانا في التحذير فضلا عن وصفه بالعظمة، فذكره في السياق موطئ لما بعده، إذ المراد بيان وصفه لا مجرد التنبيه على وقوعه، فإن وقوع العذاب لا يكون رادعا إلا إذا اقترن بوصف يزعج النفوس فيحملها على اجتناب أسبابه، فإن من خاف شيئا هجر أسبابه تركا، ومن رجا شيئا باشر أسبابه فعلا، ودعوى اللسان لا تكفي في مقام الابتلاء، فكم من ألسن باشرت القول فلما جاء وقت العمل قعدت الجوارح فخذل الله، عز وجل، صاحبها بعدله، ولو شاء لأقامها على مقتضى دعوتها بفضله، و: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ).
ومن قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
ففيه بث للطمأنينة في نفوسهم بعد ما انتابهم من اضطراب فرعا عما تقدم من ذكر العتاب.
والأمر في: "كلوا" دائر بين:
الإباحة: بقرينة حظر ذلك على الأمم السابقة، والأمر بعد الحظر يفيد الإباحة كما قرر الأصوليون، وعلى القول بأنه يفيد رجوع الشيء إلى ما كان عليه: إباحة أو ندبا أو وجوبا، فهو، أيضا، يفيد الإباحة، إذ الأكل مباح في أصله
والامتنان: على وزان قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).
ويرجحه وروده بعد الوعيد بالعذاب، وكونه مما اختصت به هذه الأمة، كما في حديث جابر، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: (وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي)، والاختصاص مظنة الامتنان.
وقد رجح الطاهر بن عاشور، رحمه الله، معنى الامتنان، فقال:
"والأمر في {كلوا} مستعمل في المنّة ولا يحمل على الإباحة هنا: لأنّ إباحة المغانم مقرّرة من قبله يوم بدر، وليكون قوله: {حلالاً} حالاً مؤسسّة لا مؤكّدة لمعنى الإباحة". اهـ
لأن الأمر لو كان للإباحة لصارت الحال: "حلالا" مؤكدة لمعنى الحلية الذي استفيد من الإباحة المتقدمة الذكر، بخلاف ما لو حمل الأمر على الامتنان، فتكون الحال مؤسسة لمعنى لم يتقدم ذكره، وقد تقرر في الأصول أن الأمر إذا دار بين التأسيس والتوكيد فحمله على التأسيس أولى، لإثراء السياق بمعنى جديد.
واتقوا الله: فلا تتعدوا بأكل ما لم يحل لكم، فإن التذكير بحدود الشرع في مواضع التوسع في تناول المباحات يكبح جماح النفس التي جبلت على التعدي، والتعدي مذموم ولو في تناول المباح، إذ الإفراط في تناوله: مظنة الخلل، ففضول المباحات من طعام وشراب ونوم وخلطة من أسباب فساد القلب وذلك أمر يعاني منه معظمنا فقل من يسلم من أحدها، وربما اجتمع فيه أكثر من واحدة، بل ربما اجتمعت فيه كلها، وإلى الله المشتكى.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: تذييل يناسب السياق، إذ الامتنان مظنة غفران الله، عز وجل، عدولهم عن الأولى بقتل الأسرى إلى أخذ الفدية، وهو من جهة أخرى قائم مقام التعليل لما قبله، ولذلك حسن الفصل لشبه كمال الاتصال بين العلة ومعلولها، فيقدر سؤال قد دل عليه السياق اقتضاء كأن يقال: وما علة ما تقدم من الامتنان بإباحة أكل الغنائم؟، فجاء الجواب: إن الله غفور رحيم قد تجاوز عنكم لما علم من ضعفكم فأباح لكم ما لم يبح لبقية الأمم السابقة، وأظهر الاسم الكريم: "الله" وحقه الإضمار لتقدم ذكره عناية بالشأن، إذ المغفرة والرحمة من الله، عز وجل، لا من غيره، وعظم شأن الصفة يكون فرعا عن عظم شأن الموصوف بها.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 05 - 2009, 07:46 م]ـ
ومن قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ: خطاب تشريع فهو خاص باعتبار المواجهة، عام باعتبار المعنى، بقرينة عموم التشريع إلا ما خص به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو غيره، وذلك خلاف الأصل.
قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ: جناس بين "خيرا" الأولى والثانية يزيد المعنى بيانا، فالأولى: نكرة في سياق شرط، والثانية: من باب أفعل التفضيل. وعلم الله، عز وجل، في هذا السياق هو العلم المتعلق بآحاد الأفعال بعد صيرورتها شهادة يؤاخذ فاعلها عليها، فليس العلم الأزلي بالأعيان والأحوال قبل إيجادها، فذلك مما لا يؤاخذ الله، عز وجل، عباده به، فمن رحمته، جل وعلا، أنه لا يجازي عباده بمعلومه الأزلي فيهم، فلا يجازون إلا بما قدمت أيديهم من الأفعال في عالم الشهادة.
وَيَغْفِرْ لَكُمْ: إطناب في الوعد ترغيبا في امتثال أمر الشارع، عز وجل، بإخلاص عقد القلب، وفيه تسلية لمن فاته شيء من حظ الدنيا، فما عند الله خير وأبقى، ومن ترك شيئا لله عوضه خيرا منه.
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ: تذييل يناسب السياق إذ المغفرة والرحمة من الباري، عز وجل، أعظم عوض، فلا يعدله فائت من عرض الدنيا الزائل، وهو، كما اطرد في التذييل بأوصاف كماله عز وجل، بمنزلة التعليل لما قبله، فعلة مغفرته لكم أنه هو: الغفور الرحيم، فلا يغفر الذنوب إلا هو، وذلك دال بدلالة اللزوم على قدرته، عز وجل، إذ ليست المغفرة لسواه فلا يقدر عليها غيره، فالمغفرة والحرمان ليست لأصحاب الصكوك ومن ضاهاهم من مبتدعة أهل القبلة ممن غلوا في الأئمة والشيوخ.
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ: فخيانة الرسالة المنزلة لا تكون إلا فرعا عن خيانة منزلها، عز وجل، فالجناس الاشتقاقي بين: "خِيَانَتَكَ" و: "خَانُوا" يزيد قبح فعلتهم بيانا.
فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ: إذ الخيانة نقص مطلق فلا تحسن مقابلتها بجنسها إذ لا تقبل الانقسام كصفات: المكر والخداع فيكون منها الممدوح الذي يليق بجلال الباري، عز وجل، وعظمته والمذموم بل كل صورها مذمومة، فهي خدعة في مقام الائتمان وذلك من القبح بمكان فلا يمكن معه تصور وجه حسن فيه، ولذلك قابل خيانتهم بالإمكان منهم.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ: تذييل يناسب السياق، فهو العليم بما في صدروهم الحكيم في تدبيره الكوني بالإمكان منهم.
والله أعلى وأعلم
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 05 - 2009, 05:04 ص]ـ
ومن قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: آمنوا أصلا، ثم تفرع عن إيمانهم خصوص أعمال هي من الإيمان، فالعطف من قبيل: عطف الخاص على العام، عناية بشأنه، فإن في الهجرة وترك الأوطان، من منافرة الطبع امتثالا لأمر الشارع، عز وجل، ما يدل على صحة الإيمان، فضلا عن الابتلاء بالجهاد بالأموال والأنفس، ففارقوا الأوطان، وبذلوا الأموال، بل والمهج في سبيل الله، جل وعلا، وذلك برهان صدق، لا يقوى عليه كثير من المدعين، فما أسهل الدعوى وأصعب الدليل، إذ الدليل: عملي، والأعمال أثقل شيء على النفوس، فهي الفاضحة التي يعرف بها من بكى ممن تباكى، والحمد لله على نعمة الستر بالمعافاة من البلايا التي تكشف معادن الرجال وهممهم.
وعلى طريقة الوحي في الإجمال ثم البيان في المواضع التي يحسن فيها التشويق، جيء بالموصول المجمل ابتداء، ثم عقب بالصلة المبينة مع ما عطف عليها، فالصفات التي اشتقت منها تلك المتعاطفات هي علل ما يأتي من الأحكام، فضلا عما في تقديم المسند إليه: "الذين" في مثل هذا الموضع من تشويق، فالتشويق داخل من الوجهين.
وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا: القسم الثاني وهم الأنصار، وما قيل في تعلق الحكم بالأوصاف التي اشتقت منها الصلة في القسم الأول يقال هنا، أيضا، فاستوفت القسمة المؤمنين الذين امتازوا بدار الإسلام، فهم فئة متميزة عن فئة الكفار.
(يُتْبَعُ)
(/)
أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ: إشارة البعيد تنويها بشأنهم، فلهم من علو المنزلة ما لهم. والولاية هنا: ولاية النصرة والتأييد، وأشار صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، إلى أن العبرة بعموم لفظ الولاية، فذكر ولاية النصرة خاص، والخاص أحد أفراد العام، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه، كما قرر أهل العلم، واستدل لذلك بحمل ابن عباس، رضي الله عنهما، الولاية هنا على صورة أخرى من صور الولاية لا تخرج عن معنى النصرة وهي الميراث الذي نسخ بقوله تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ).
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا: وهذا هو القسم الثالث من المؤمنين وهم فئة آمنت ولم تهاجر فلم يحصل لها التمايز الكامل عن فئة الكفار فليس لها من أحكام الولاية ما للفئة المتميزة بقسيمها: المهاجرين والأنصار، فتلك قد امتثلت من أمر الشارع، عز وجل، ما لم تلتزمه هذه، فلا يستويان في الحكم، فقد ثبت لمن امتثل لأمر الهجرة والجهاد من حكم النصرة ما لم يثبت لمن لم يمتثل، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وهو ما أفاده مفهوم الغاية في: "حتى يهاجروا"، فيثبت لهم بعد بلوغ غاية الهجرة من الولاية نقيض ما ثبت لهم من عدم الولاية قبلها. ومن قرأ بفتح الواو فالوَلاية بمعنى النصرة على بابها، ومن قرأ بالكسر وهو حمزة، رحمه الله، فقراءته محمولة على كون الولاية قد استمكنت من نفوسهم حتى صارت بمنزلة الصناعة كالخِياطة والقصارة، كما نقل ذلك الطاهر بن عاشور، رحمه الله، عن الزجاج، رحمه الله، وهو اختيار صاحب الكشاف غفر الله له وعفا عنه.
وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ:
شرط سيق مساق الإلهاب يشهد لذلك: استدعاء الفعل بالألف والسين والتاء وتعليل ذلك بالدين فهو آكد أسباب النصرة، فالفاء في: "في الدين": سببية، وتقديم ما يفيد الوجوب: "عليكم" وحقه التأخير، ودلالة: "أل" العهدية في: (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) على النصرة في الدين خصيصا بدلالة ما تقدم.
إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ: ووجه ذلك، كما ذكر الطاهر بن عاشور، رحمه الله، أنّ الميثاق يقتضي عدم قتالهم إلاّ إذا نكثوا عهدهم مع المسلمين، وعهدهم مع المسلمين لا يتعلّق إلاّ بالمسلمين المتميزين بجماعة ووطن واحد، وهم يومئذ المهاجرون والأنصار، فأمّا المسلمون الذين أسلموا ولم يهاجروا من دار الشرك فلا يتحمّل المسلمون تبعاتهم. اهـ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
تذييل يناسب السياق فالتنويه بذكر إحاطة الله، عز وجل، بأعمالهم إحاطة بصرية علمية بقرينة تعلقها بالأعمال، مع عدم امتناع الإحاطة البصرية الحقيقية إذ هما من المتلازمات، فدلالة كل منهما على الآخر دلالة لزوم، التنويه بذلك، مع تقديم ما حقه التأخير: "بما تعملون" حصرا وتوكيدا: يحمل المؤمنين على احترام المواثيق فلا يتعدون بنقضها طالما التزم الكفار بها، فليس من خلق أهل الإسلام الغدر ولو بالكفار أفسد الناس علما وعملا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 05 - 2009, 05:19 ص]ـ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ:
في مقابل الذين آمنوا على طريقة القرآن الكريم في ذكر المتقابلات.
فبعضهم أولياء بعض في مقابل ولاية المؤمنين بعضهم البعض. ومن آكد صور الولاية: صورة القتال، إذ لا تتحرك النفس حمية إلا للمثيل، فالعقيدة في القتال: عقيدة انتصار للرأي، وربما كانت للطبع، فأصحاب الطباع المتشابهة يتداعون إلى نصرة بعضهم البعض باليد واللسان، ولذلك كانت العقود الوطنية والقومية ............. إلخ أوهى العقود، إذ الوطن يجمع بشرا من مختلف الأهواء والمشارب، فلا يكفي اجتماعهم على أرض واحدة لكي يكونوا على قلب رجل واحد.
إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ: إن لا تفعلوا قطع ولاية الكفار بقرينة تحزب كل فريق:
(يُتْبَعُ)
(/)
تكن فتنة: عظيمة فالتنكير دال على ذلك، وأي فتنة أعظم من موالاة الكفار، ولو في الظاهر، فتمييع الحدود الفاصلة بين الأمم مما يخشاه العقلاء على الهوية الوطنية أو الأممية، فالأمم، وإن كانت على غير طريق الهدى، حريصة على الظهور بما يميزها عن بقية الأمم، فتراها تتوجس من الغزو الثقافي الخارجي، ولو كان في صورة نشاط ترفيهي كالسينما، أو غذائي، كمطاعم الوجبات السريعة، أو حتى في الملبس، فلا يشبه الزي الزي حتى يشبه القلب القلب، كما أثر عن ابن مسعود، رضي الله عنه، بإسناد متكلم فيه، والأمم الضعيفة مولعة بتقليد الأمم القوية كما ذكر ذلك ابن خلدون، رحمه الله، وانظر إلى توجس فرنسا ذات الشخصية القومية المتميزة، من غزو السينما الأمريكية ومطاعم الوجبات السريعة الأمريكية والمنتجات الأمريكية عموما فهي تخشى على ثقافتها، وتخشى على اقتصادها، مع كون الغزو آت من دولة تشاطرها الملة، وإن خالفتها النحلة، ولذلك تذمر كثير من الفرنسيين، من تبعية بلادهم لأمريكا، وهو أمر أخذ في الازدياد مذ وصل الرئيس الفرنسي ذو الأصول اليهودية: "نيكولا ساركوزي" إلى سدة الحكم، فتأثره بالإدارة الأمريكية المنصرمة، وهي من التطرف بما قد علم، تأثره بها أمر ظاهر جلب عليه كثيرا من انتقادات شعب يعتز بقوميته، وأهل الإسلام أولى بتلك الأنفة، فهم أولى الناس بالتميز لا عتصرية، وإنما صيانة لأركان الشخصية المسلمة من سرقة الطباع بانحلال عرى الاستقلالية والتميز فرعا عن: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)، والتسمية مظنة التميز، وإن فرطت الأمة المسلمة في ذلك، فإن بقية الأمم لا تفرط في تميزها، وإن كانت على الباطل، فذلك أمر جبلت عليه النفوس.
وَفَسَادٌ كَبِيرٌ: عطف لازم على ملزومه، فلازم الفتنة الفساد، والفساد: تغير يعتري الصحة، وهو عند من يقول بالمجاز: حقيقة في الأعيان مجاز في المعاني، وموالاة الكفار فساد في كليهما، فهو فساد لمعاني التوحيد والإخلاص والولاء لأولياء الله والبراء من أعدائهم ............. إلخ من عقود القلب المعنوية، وهو فساد لأبدان المكلفين بحملها على طريقة من فسدت فطرهم، وبتعريضها للعذاب إن هي والت أعداء الله، عز وجل، فذلك مظنة الخسران في دار الجزاء، وانظر إلى من سار على طريقتهم تجده في فساد حال في قوله وعمله وبدنه، وإن بدا في أكمل وأنظر صورة، إذ أولئك قوم قد حادوا عن الفطرة الأولى: فطرة التوحيد فاستتبع ذلك نكوص عن مقتضيات تلك الفطرة في القلوب والأبدان فوقعوا في فساد عريض هو مآل من سار على طريقتهم، وإن لم يشاركهم فساد فطرة التوحيد، فالنهي عن مشابهتهم، إنما هو صيانة لجانب التوحيد وسد لذرائع الخدش فيه ولو بالإعجاب بطريقة الكفار الظاهرة فيما اختصوا به، وذلك قيد من الأهمية بمكان، فالاشتراك فيما لا اختصاص فيه من أمور المأكل والمشرب والملبس المباحة لا يدخل في حد التشبه المذموم الذي يولد ولاء خفيا على التفصيل المتقدم، وتحرير ذلك من أشرف ما عمرت به الأوقات، إذ به تتميز الأمة المسلمة في كل علومها وأعمالها عن بقية الأمم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 06 - 2009, 05:07 م]ـ
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا: إطناب بذكر وجهي القسمة الثنائية لأهل الإيمان أصحاب الولاية الكاملة: المهاجرين والأنصار، وذكر جزائهم فـ: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ: نكرت تعظيما وقدم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا مع ما للام: "لهم" من دلالة الاختصاص فضلا وامتنانا من الله عز وجل. وَرِزْقٌ كَرِيمٌ: فهو من باب عطف المسبب على سببه، فالمغفرة: سبب الرزق الكريم في جنان الرحمن، ولقائل أن يقول: بل العطف من عطف الخاص على العام، فالمغفرة نوع تندرج تحته أفراد من المعاني والمحسوسات، والرزق الكريم منه أيضا: المعنوي: من العلم بالله، عز وجل، برؤيته في دار السلام، وتلك رأس النعم معنوية كانت أو حسية، ومنه الحسي المتبادر إلى الذهن من المطعم والمشرب والملبس والمنكح ........... إلخ من رزق الأبدان، فالجنة دار قد كفل لسكانها أرفع مراتب الرزق معنويا كان أو ماديا مع خلوصه مما ينغصه وذلك مما لا طمع فيه في دار الفناء، فالنعم محفوفة بالمنغصات ولو خوف زوالها أو الزوال عنها.
وذكر الرزق: موطئ لما بعده من وصف الكرامة إذ هو المقصود بالذكر أصالة، وفي وصفه بالكرم تعريض برزق الدنيا، وإن كان نعيما يستوجب شكر المنعم، جل وعلا، ولكنه في مقابل رزق الجنان: أسماء ومبان، فلا يجمعهما إلا الاسم والمعنى الكلي، بخلاف الحقيقة الخارجية فليس سواء رزق الفانية الذي يسرع إليه الفساد والعطب والتغير بحلول الأجواف التي تخرجه عن طبيعته فيستفيد منه البدن جزءا ويطرد جزءا فليست لذته كاملة ولا فائدته خالصة، ليس سواء رزق هكذا وصفه ورزق الآخرة الباقي الخالص اللذة والفائدة وبنقص الأولى عرف كمال الآخرة وبضدها تتميز الأشياء.
وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ: فقد حققوا وصف المهاجرين، فبهجرتهم انتفى عنهم ما كان مانعا من تمام ولايتهم، فأولئك: إشارة بالبعيد تنويها بشأنهم: منكم فلهم ما لكم وعليهم ما عليكم.
وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ: نسخ لتوارث المهاجرين والأنصار، فالأرحام أولى بالاعتبار في الميراث، وإنما شرع توارث الفريقين ابتداء تقوية لأواصر المحبة والولاء بينهما، فالميراث من أعظم الوشائج، ثم صارت المصلحة بعد ذلك في إرجاع الحكم الشرعي إلى ما كان عليه، فنسخ توارث ولاية النصرة والمحبة وأحكم توارث ولاية الدم، وذيلت الآية بإثبات وصف العلم لله، عز وجل، فـ: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). فعلم المصلحة في توارث الفريقين ابتداء فشرعه، وعلم المصلحة في نسخ ذلك بزوال علته فنسخه، فهو العليم، سبحانه بما يصلح شؤون عباده في معادهم ومعاشهم.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 06 - 2009, 05:22 ص]ـ
ومن صور التولي والنكوص على الأعقاب:
قصة موسى مع قومه الذي نكصوا عن قتال الجبارين فرعا عن استمرائهم الذلة والمسكنة في قصور فرعون عبيدا وإماء مسخرين.
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: تمهيد يناسب ما هم بصدده من التكليف الشرعي بالقتال، فناسب أن يذكرهم بنعم الله، عز وجل، متعلق ربوبيته الخاصة: ربوبية الإنعام والاصطفاء، فقد اصطفاهم بأن جعل جنس النبوة فيهم، وجعل منهم الملوك، فجمع لهم: القيادة الدينية والقيادة السياسية، وذلك مظنة الهدى بعلوم الأنبياء والتمكين بسياسات الملوك، وامتثال الأمر الإلهي بقتال أو نحوه إنما يكون فرعا عن تصور الربوبية تصورا صحيحا بتأمل أسماء الرب، وجل وعلا، وصفاته، وأفعاله، ففيها يظهر كمال ربوبيته، وذلك مظنة الاطمئنان لحكمه الشرعي إذ قد صدر عن رب كامل حكيم في أفعاله حالا ومآلا، فلا يخشى العاقل من امتثال أمر رب هذا وصفه من الكمال بخلاف أمر البشر، فطاعته إن لم تكن فرعا عن طاعة الرب، جل وعلا، مظنة الخسران، ففي التنزيل: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)، إذ لا يكون سلطان التشريع إلا لمن بيده سلطان التقدير، فهو الملِك المتصرف بالأمر والنهي فرعا عن كونه المالك المتصرف بالتدبير بمقتضى أحكام ربوبيته النافذة، بل ذلك مظنة الخسران حتى بأقيسة العقل التي لا تعرف إلا لغة الأرقام، فطاعة من يتذبذب في رأيه وحكمه تبعا لطروء النوازل فما استقبحه بالأمس بستحسنه اليوم، وما سنه بالأمس بيطله اليوم .......... إلخ من صور التذبذب، طاعة من هذا حاله مظنة التذبذب، فالعقل الناقص الذي يعتريه ما يعتريه من الجهل والغفلة ....... إلخ من العوارض البشرية لا ينتج تصورا وحكما كاملا، فتراه يفتقر إلى التعديل والتبديل بتوالي الأحداث، فأين ذلك من اتباع الشرع المعصوم الذي لا يتبدل إذ له من السعة ما يستوعب آحاد النوازل فرعا عن استيعابه أنواعها بقواعده الكلية المجملة، فمناطاته قد خرجت ومقاصده قد حررت، وإنما يقوم المجتهد أو الفقيه بإعمال تلك القواعد وتحقيق تلك المناطات ومراعاة تلك المقاصد في النازلة فيستنبط لها من الأحكام ما يلائمها وفق أصول ثابتة مطردة لا تناقض فيها ولا تذبذب، بخلاف أصول أهل التشريع الوضعي الذين ضاهوا بها التشريع الإلهي، فأنتجت عقولهم تلك المسوخ التشريعية التي تطفح بها مواد الدساتير الأرضية، فكيف يسوى بين الطرفين بل يغلب الطرف الخاسر فيصير هو المطرد في عالم اليوم: عالم الديمقراطية التي هي في حقيقتها ديكتاتورية الجماعة التي نصبت نفسها إلها يشرع، فاستبدلت عبادة بنات أفكارها الكاسدة بعبادة بنات أفكار الكنيسة البالية، فمن تطرف في تأليه الفرد إلى تطرف في تأليه الجماعة وكلا الإلهين فقير إلى ما يقيم أوده من أسباب الحياة، فكيف يكون حكمه عادلا وشرعه كاملا، وهو فقير في نفسه فقرا ذاتيا، والفقر مظنة الحيف والظلم إذ الفقير يتطلع دوما إلى سد فاقته، فيقع في قوله وفعله ما يقع من التجاوزات، وتأمل عظم الثغرات في الدساتير الأرضية كما وكيفا، فهي دليل دامغ على ذلك الفقر، إذ هي نتاج عقول ذات أهواء تفتقر إلى تلك الأهواء وإن كان فيها عطبها، فتزين ما استحسنته ولو كان قبيحا لحاجتها إلى إشباع نهمتها منه، ولكل شهوته، ولكل هواه الذي يبغي تحصيله بخلاف الباري، عز وجل، الغني عن كل حاجة، المنزه عن كل نقص أو فاقة أو شهوة، فحكمه لا يصدر إلا عن كمال استغنائه عن الأسباب، إذ هو خالقها ومجريها فكيف يفتقر إليها؟! وحكم غيره إنما يصدر عن كمال افتقاره إلى الأسباب التي تقوم بها حياته وشتان الحكمان!.
وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ: عموم بعد خصوص نعمتي: النبوة: أعظم النعم عند التحقيق، فبها صلاح الدين والدنيا، وعمار الآجلة محط الرحال، والعاجلة دار الانتقال، والملك: فبه تصلح أمور الرعية بإقامة الأحكام، وإدارة شئون الجماعة. فقد أوتوا من النعم عموما بعد تينك النعمتين خصوصا ما لم يؤته أحد من العالمين، و: "أل" في: "العالمين": عهدية تشير إلى عالمي زمانهم دون من سواهم، فقد أعطيت أمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعدهم من الخصائص ما لم تعطه أمة سواها فضلا من الله، عز وجل، واصطفاء.
يَا قَوْمِ: تكرار النداء بـ: "قوم" تأليفا لهم واستمالة.
ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ: فذلك أدعى إلى امتثال الأمر إذ قد كتبها الله، عز وجل، لكم، إما كونا، وإما شرعا بحصول المشروط إذا امتثل المخاطب مقتضى الشرط من بذل السبب الشرعي بجهاد سكانها من الجبارين، فالحكم دائر مع علته الشرعية وجودا وعدما، فمتى وجدت العلة بامتثال أمر الشارع، عز وجل، وجد الحكم بالنصرة والتأييد على العدو وتملك أرضه، إذ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، وأولى الناس بوراثتها من التزموا أمره الشرعي فاستحقوا عطاءه الرباني بالظهور على العدو ووراثة أرضه وماله.
وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ: وعيد بعد الوعد اكتمل به شقا التكليف، فهو أمر يرغب في امتثاله بالوعد، ونهي ينفر عن ارتكاب منهيه بالوعيد.
فعاقبة التولي:
فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ: فالفاء سببية تفريعية عما تقدم من النكوص والارتداد، إذ عاقبة السيئة سيئة تتبعها عدلا من الباري، عز وجل، وهو ما جرى لهم على ما يأتي بيانه إن شاء الله، فقد لحقتهم تبعة العقاب الكوني بالتيه فرعا عن مخالفتهم الأمر الشرعي بدخول الأرض المقدسة، وسنن الله، عز وجل، في الثواب والعقاب: مطردة لا تفرق بين شريف ووضيع، بل تلحق العقوبة أهل العصيان ولو كانوا برفقة الأنبياء والمرسلين.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 06 - 2009, 05:16 ص]ـ
قَالُوا يَا مُوسَى: تعد في الخطاب بقرينة السياق، فنداء البعيد للقريب مظنة رفع الصوت فضلا عن مخاطبته بالاسم المجرد عن وصف النبوة.
إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ: تقديم للعلة على معلولها.
وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا: المعلول، وفيه دلالة على كون لن ليست نصا في التأبيد، بخلاف ما ذهب إليه صاحب الكشاف، غفر الله له، إذ حدوا غاية امتناع دخولهم بخروج الجبارين منها.
وأكدوا امتناعهم بتصدير الجملة بـ: "إن" فضلا عن دلالة: "لن" على النفي المؤكد وإن لم يكن مؤبدا كما تقدم.
فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ: توكيد لما تقدم، فيه إشعار بلزومهم تلك الطريقة، فنصوا صراحة، ثم أكدوا بتعليق المشروط المأمور به، بالشرط الذي وافق هواهم، وإنما أمروا بالدخول مطلقا، فقيدوه بما استحسنته عقولهم، وذلك شأن كل من حاد عن الأمر الإلهي، فإنه لا بد أن يعارضه بقياس أو ذوق يرى فيه وجه المصلحة وإن ألغاها الشارع، عز وجل، فيعتبر ما ألغاه، ويلغي ما اعتبره، وذلك مظنة الخذلان، إذ معارضة الشرع بالعقل أو الذوق من أسباب فساد الأديان.
قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ: إيجاز بالحذف على تقدير: يخافون الله، وفيه تعريض بمن عداهما، إذ مفهومه أن نكوصهم عن دخول الأرض المقدسة فرع عن نقص الخوف من الله، عز وجل، في قلوبهم، فلو خافوه لسارعوا إلى تنفيذ أمره خشية عقابه، وفي التنزيل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا: إطناب في مدحهما بذكر وصف ثان لهما هو بمنزلة العلة لما تقدمه، فالخوف من الله، عز وجل، وهو من العبادات القلبية، نعمة منه، جل وعلا، وفضل، والتزام الطاعة والدوام على العبادة أعظم كرامة لمن تأملها إذ بها صلاح الدارين، فذلك الخوف الشرعي إنما هو فرع عن نعمة سابغة بتصريف قلوبهما عليه بمقتضى الأمر الكوني، وهذا أصل مطرد في باب القدر، إذ أفعال العباد من طاعات أو معاص لا تقع إلا بأمر كوني نافذ، فإذا كان الفعل طاعة، اجتمع له الإرادتان: الشرعية الآمرة والكونية النافذة، وإن كان معصية كان واقعا بمقتضى الأمر الكوني وإن كان على خلاف الأمر الشرعي لحكمة تفوق مفسدة وقوعه، فهو شر باعتبار نفسه، لا باعتبار فعل الله، عز وجل، ففعله كله خير، فالمحنة العاجلة بِشَر تكرهه النفوس: منحة آجلة لمن تدبره وعمل فيه بمقتضى أمر الشرع فاستخرج به من الخير الآجل ما تقر به عينه.
وخرجه بعض أهل العلم على كونه خبرا أريد به إنشاء الدعاء لهما، بالنعمة الربانية السابغة، فرعا عن التزامهما الحكم الإلهي الآمر، ولا إشكال في حمل الآية على ذلك، إذ الثناء في كلا الحالين متحقق، إما بالوصف الحسن، أو بالدعاء لهما بالتلبس بذلك الوصف.
وإلى طرف من ذلك، أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: " {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا} أي بالتثبيت وربْطِ الجأش والوقوف على شؤونه تعالى والثقة بوعده، أو بالإيمان وهو صفة ثانيةٌ لرجلان، أو اعتراض، وقيل: حال من الضمير في يخافون أو من رجلان لتخصّصه بالصفة". اهـ
فقوله: اعتراض: إشارة إلى الاعتراض بجملة الدعاء الإنشائية في سياق خبري.
وتخريجه على الحالية لا ينافي دلالته الوصفية، إذ الحال وصف في المعنى، بدليل كونها مشتقة أو مؤولة بالمشتق، فالدلالة المعنوية فيها بارزة، وقد سوغ مجيئها من النكرة: "رجلان" على هذا التخريج: وصفها، وهو ما أكسبها نوع تخصيص، فصارت إلى المعرفة أقرب وبها أشبه فجاز مجيء الحال منها.
ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ: أمر تحريض على الامتثال، وقدم "عليهم" وحقه التأخير إشارة إلى المراد أصالة وهو: دخولكم عليهم حال كونهم في بلدهم، لا دخولكم البلاد وقد خرجوا منها كما أردتم، فرعا عما استقر في قلوبكم من جبن وهلع.
وفي السياق إيجاز بحذف الجار على طريقة: "الحذف والإيصال"، فتقدير الكلام: ادخلوا عليهم من الباب، وفيه دلالة على معنى التمكن من الفعل، وذلك أبلغ في حثهم على الامتثال، وهو من جهة أخرى دليل على تخاذلهم حتى احتاجوا إلى كل تلك المحفزات، فعالي الهمة لا يحتاج من يحفزه، إذ همته، قد بلغت الغاية، بخلاف ساقط الهمة الذي يحتاج إلى الحث والحض باستمرار: ترغيبا وترهيبا، فلا يمتثل إلا إذا حمل على الامتثال حملا بوعد أو وعيد، وغالبا، ما يكون الوعيد في حقه أليق، إذ النفوس المعلقة بالدنيا، المفرطة في أمر الدين لا يناسبها إلا الترهيب بأوصاف الجلال الربانية لترجع إلى جادة الشرع خشية العقاب.
فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ: وعد في مقام التحريض على الفعل يلهب همة الناكص أو المتردد، وذلك حالهم فناسب أن يرد ذلك الشرط في معرض الأمر، على طريقة: تقدم ولا تخف فإنك منصور إن شاء الله. وأكد الجواب بـ: "إن" على ما اطرد من الحث والتحريض.
وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: إلهاب آخر لاستنهاض الهمم القاعدة، على طريقة: إن كنت رجلا فافعل، وفيه حصر وتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، فعلى الله وحده توكلوا، وفيه تعريض بمن نكص، إذ ذلك مئنة من ضعف توكله على الله، عز وجل، فينتفي عنه بدلالة المفهوم: وصف الإيمان بقدر ذلك الضعف، وتوارد هذا العدد من المحفزات مئنة من خسة همة المخاطب وضعف نفسه إذ كثرة التداوي مئنة من عظم الداء.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 06 - 2009, 04:59 ص]ـ
قَالُوا يَا مُوسَى: تكرار للنداء المجحف بمقام النبوة إمعانا في التمرد على الأمر الشرعي.
إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا: تكرار مؤكد للعصيان مع ما تقدم من الترغيب والترهيب، فتلك أمة قد استطابت مرارة الذلة لما فسدت النفوس وسقطت الهمم بمعالجة خسائس الأمور زمن حكم الفراعنة الجائر الذين، كانوا كبقية طواغيت البشر، يقتلون العزة في نفوس أتباعهم بالترغيب والترهيب إماتة للهمم وإسكاتا لأي حر يأبى قيد العبودية لبشر ناقص، وتلك وسيلة الطغاة في كل عصر ومصر، فمعظم الناس قد صاروا عبيدا لشهواتهم، فأولئك: يتلهون بما يعرض عليهم من الفتن فيفسد حالهم ابتداء دون كبير معالجة، فقد كفوا الطغاة مؤنتهم، ولذلك كان أعداء الإسلام أشد حرصا في الأعصار المتأخرة على الغزو الثقافي، إذ أثبت الغزو العسكري، ولا زال، فشله الذريع، بل إنه يأتي بنتائج عكسية بإيقاظ الهمم وإحياء روح الجهاد في النفوس الأبية، وتصحيح المفاهيم القومية والعلمانية لتصير ربانية إسلامية، ولعل احتلال أرض الرافدين أخيرا وظهور المقاومة ذات الطابع الإسلامي، على ما وقعت فيه بعض فصائلها من أخطاء وتعرضت له من مؤامرات أثرت على أدائها سلبا، لعل ذلك المثال الحي خير شاهد على ذلك، فكان الأولى والأقوى والآمن: بث الشبهات والشهوات في نفوس المسلمين ليتحقق النصر رخيصا بلا ثمن إلا ثمن إنتاج بضاعة مسمومة تروج عبر الأقمار الصناعية ووسائل البث الحديثة لكل فئة عمرية منها نصيب، فلم يسلم منها حتى الأطفال، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، فلهم منها نصيب، بل التركيز إنما يكون عليهم أساسا، إذ بفسادهم وطمس هويتهم: يتم القضاء على أي مستقبل واعد للإسلام، فإن البذرة إذا فسدت لم يرج منها، وإن نمت وأثمرت، ثمرة صالحة.
وذلك حال كثير من سلاطين العصر، ممن أقاموا رياساتهم على أنقاض ما هدموه من كرامة وأخلاق شعوبهم.
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا: أمر يوحي بالضجر والاستخفاف والسخرية مع ما فيه من سوء الأدب بقصر وصف الربوبية على موسى عليه السلام، وكأنه، عز وجل، ليس ربا لهم يلزمهم امتثال أمره الشرعي فرعا عن عموم ربوبيته القاهرة.
إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ: على ما اطرد من توكيدهم ما ارتضوه لأنفسهم من الذلة والمهانة والنكوص عن أمر الشرع، فصدروا كلامهم بـ: "إن"، فضلا عن الإشارة إلى مكان قعودهم بمعزل عن المكان الذي أمروا بدخوله.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 06 - 2009, 05:50 ص]ـ
قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي: اعتذار إلى الباري، عز وجل، بعد بذل السبب، فالقدرة مناط التكليف، ولا يقدر أحد على هداية غيره وحمله على الطاعة، ولو كان نبيا يوحى إليه، وفي التنزيل: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فلا يملك الهداية الكونية إلا الرب، جل وعلا، ولعل ذلك سبب تصدير الدعاء بالاسم الدال على الربوبية، إذ القدرة الكونية النافذة من أخص أوصاف الربوبية العامة، ومنها: ربوبية القلوب تصريفا على الطاعة أو المعصية، فغاية العبد أن يهدي غيره دلالة البيان والإرشاد وهي وظيفة الرسل عليهم السلام ومن سار على دربهم من الدعاة، مصداق قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ: فرقانا ينجينا من العقوبة الكونية إذا نزلت، كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، مصداق قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)، وقد علق الحكم على ما اشتقت منه الصفة المشبهة: "الفاسقين"، فإن الفسق علة في إظهار البراءة من صاحبه معذرة إلى الله، عز وجل، وهو يفيد بمفهومه: ولاء من اتصف بضده من الإيمان والتقوى، وذلك شأن كل وصف مشتق علق عليه حكم شرعي، فإنه يدور معه وجودا وعدما، دوران المعلول مع علته، والولاء والبراء من أخص أوصاف أهل الإيمان، فبه يصح عقد
(يُتْبَعُ)
(/)
القلب، فيظهر أثر ذلك على الجوارح ولو بإظهار الامتعاض من أهل الكفر والفسوق، فإن كل إناء بما فيه ينضح، فإناء القلب الباطن ينضح على الظاهر إقبالا على أهل الإيمان ونفورا من أهل الكفران.
قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ: تحريما كونيا فرعا عن مخالفتهم الأمر الإلهي، فالعقوبة النازلة بالقدر الكوني النافذ، فرع على مخالفة القدر الشرعي الآمر الناهي، فلما عصوا استحقوا التيه، فعوقبوا بالحرمان من دخول الأرض المقدسة التي كتبت لهم، جزاء وفاقا، إذ النكوص عن الطاعة سبب في الحرمان، كما أن مباشرة المعصية سبب فيه، ومن أعظم صور الحرمان: الحرمان من الطاعة، فلا يوفق العاصي إلى طاعة، بل ينتقل من معصية إلى أخرى حتى يحدث توبة، وعلى النقيض: يوفق الطائع إلى الطاعة، فينتقل من طاعة إلى طاعة، والتوفيق والخذلان من صور الربوبية القاهرة، إذ لا يوفق المطيع إلا بفضل الله، ولا يخذل العاصي إلا بعدله، فمن يسر للأول أسباب الطاعة، ويسر للثاني أسباب المعصية هو الرب المجري للأسباب الكونية وفق قدرته النافذة وحكمته البالغة.
وتصدير التحريم بالتوكيد في مقابل توكيدهم النكول عن امتثال الأمر بدخول الأرض المقدسة.
أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ: فيموت جيل جبان وينشأ جيل يستحق النصر، فتجري على الأول سنة الاستبدال، مصداق قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)، وتحري على الثاني: سنة الاصطفاء، و: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ).
وفي العصر الحاضر استبدلت أجيال ولا تزال من لدن سقطت خلافة آل عثمان الجامعة فتشرذم المسلمون دويلات متنافرة، ومن لدن سقط بيت المقدس، والسنة الكونية مطردة لا تعرف المجاملة لتستثني أمما بمجرد حمل الهويات الإسلامية بلا انقياد للتكليفات الشرعية.
فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ:
نهي إرشاد وتسلية فلا تأس عليهم، وكرر وصفهم بالفسق توكيدا على علة ذمهم التي ذكرها موسى عليه السلام في دعائه.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 06 - 2009, 06:15 ص]ـ
ومن صور النكوص الأخرى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى:
تكرار للتعجب من حالهم استنكارا وتوبيخا، على القول بتعلقه بما تقدم من قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ). كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله.
و: "من" الأولى: بيانية جنسية، إذ كان ذلك مراد جمعهم لا بعضهم.
و: "من" الثانية: لابتداء الغاية، فاستعمل اللفظ الواحد استعمال المشترك الذي دل السياق على المراد من معانيه فزال إجمال اشتراكه، والسياق، كما تقدم في أكثر من مناسبة، أصل في معرفة مراد المتكلم.
إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ: قيد للتعجب والاستنكار المتقدم.
ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: بعثا شرعيا على وزان قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، وفي السياق إيجاز بالحذف، إذ حذف الشرط الذي جزم فيه جواب الطلب: "نقاتل"، وفيه تجوز في السياق وصولا إلى محط الفائدة، فالقتال مطلب الجمهور، على مشقته التي لا يعرفها إلا من عالجه، فما أيسر الكلام، وأصعب الفعل، إذ تبلى السرائر والهمم في ساحات الوغى، وكثير من شجعان السلم ينكلون في أوقات الحرب، إذ تنفسخ همم كثير عند معاينة الموت، بل ذلك حال أغلب الناس، بل قد تنفسخ الهمم فيما دون ذلك من ابتلاءات كونية بمرض أو حبس أو نحوه، إذ القلوب بيد مقلبها فهو الذي يثبت من شاء فضلا، ويزيغ من شاء عدلا، فله من المكر وصف الكمال، إذ به يستخرج مكنون القلوب في أوقات الشدة، فكثير قد انطوى باطنه على ما يخالف ظاهره، فجاء الابتلاء كاشفا، ولأصحاب الدعاوى فاضحا، وهو ما وقع بالفعل كما يأتي من سياق القصة، ومناط الأمر: ربوبية قاهرة تصرف القلوب، وألوهية شارعة، فلكل حال حكم، فحال السلم غير حال الحرب، والفقيه من يسأل الله، عز وجل، السلامة في دينه ودنياه، فيستعين بالسبب الشرعي على دفع
(يُتْبَعُ)
(/)
البلاء ابتداء، فإذا ما وقع بمقتضى الإرادة الكونية النافذة، استعان بالسبب الشرعي على رفعه، كجهاد عدو أو درء شبهة ......... إلخ، فإن لم يمكنه ذلك، فله في عبودية الصبر عوض، فواجبه الشرعي إزاء ما عجز عن رده من القضاء الكوني: أن يصبر محتسبا، ولا يكون ذلك بعد بذل ما يقدر عليه من أسباب، والتوكل والصبر، عند التحقيق، زاد المبتلى سواء باشر السبب في رفع البلاء بقتال أو نحوه، فإن ذلك يستلزم توكلا وصبرا على مشقة معالجة الأسباب، وفي التنزيل: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)، أو استنفد الأسباب فالتوكل والصبر في حقه آكد، والترابط الوثيق بين ربوبية الابتلاء في مقابل عبودية الصبر والاحتساب مما يضبط هذا الباب الذي فرط فيه فريق فقعدوا عن نصرة الدين ابتداء خشية الابتلاء وهو واقع لا محالة فإن لم يكن في سبيل الله ففي سبيل غيره حتى وصل الأمر إلى تعلق الهمم وتشوف النفوس في بعض بلاد المسلمين إلى رغيف خبز تأنف البهائم من أكله، فلا يتجاوز طموح كثير من المسلمين: قضاء شهوة بطنه بالطعام والشراب وقضاء شهوة فرجه بالنكاح، وأفرط فيه فريق آخر فتمنوا الابتلاء وليسوا له بأهل، إذ لما تعد النفوس لتحمله بعد، فلا يعدو الأمر مجرد عاطفة سريعة الاشتعال سريعة الانطفاء، فما يأتي جملة يذهب جملة، والكلام في حال السلامة يسير، وامتثاله حال الابتلاء عسير، فليس أحد وكل إلى نفسه إلا خذل، ولذلك كان سؤال السلامة، كما تقدم، مئنة من فقه السائل، ولنا في ذلك أصل جليل ترد إليه فروع هذه المسألة: أصل: "أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ". فاسألوا الله العافية ابتداء فذلك شرع السلم، فإذا لقيتم العدو فاصبروا فذلك شرع الحرب، فلكل قدر كوني من سلم أو حرب ما يقابله من التكليف الشرعي بدعاء أو صبر، وتلازم الربوبية والألوهية، كما تقدم، أمر مطرد في كل أحوال المكلفين، فمن الرب: الابتلاء إظهارا لقدرته وحكمته، ومن العبد: الصبر والامتثال إظهارا لعبوديته.
وقد كان نبيهم عليما بدخائل النفوس فاستفهم محذرا:
قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا: والكتابة في هذا السياق شرعية بدليل مخالفة أكثرهم لمقتضاها لما جد الجد، ولو كانت كونية ما تخلف أحد منهم عن مقتضاها.
واستفهم عن حال النفي: "ألا تقاتلوا" ولم يستفهم عن حال الإثبات، فقد ترجح عنده نكوصهم عن القتال إذا فرض عليهم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، وذلك جار على ما تقدم من إفراط في الحماس لفظا فإذا جاء التكليف بالفعل خفتت الأصوات وانحلت العزمات.
قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا: استنكار لسؤال النبي، مع وجاهته، علته: "وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا"، على تقدير محذوف: وأبعدنا عن أبنائنا، أو يكون الإخراج من الأبناء بتسلط العامل في "ديارنا" على: "أبنائنا": آكد في البيان، فالإخراج فيه معنى القهر والظلم وذلك مما يهيج النفوس ويلهب الهمم، فلا يرفع الظلم إلا بحد السيف، وما سلب بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ومن غلب على أرضه وولده ضعف تعلقه بالحياة فصار القتال عليه أهون، كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، ولذلك اشترط يوشع بن نون، عليه السلام، على أتباعه التجرد من علائق الدنيا قبل دخول الأرض المقدسة فقال: (لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا وَلَا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا وَلَا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلَادَهَا).
ومع كل تلك الدعاوى العريضة:
لَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ: فصار فرضا شرعيا وتكليفا حتميا.
تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ: فوقع ما كان يخشاه نبيهم، بانفساخ هممهم وتثاقل أبدانهم، إلا قليلا منهم، أخلصوا النية لله، عز وجل، بتصديق الفعل القولَ، فثبت الرب، جل وعلا، جنانهم بمقتضى إرادته الكونية فرعا عن امتثالهم مقتضى إرادته الشرعية بفرض القتال. والتلازم بين الأمرين قد سبقت الإشارة إليه في أكثر من موضع فهو أصل يفزع إليه في كل تكليف شرعي، فلا تجتمع الإرادتان: الكونية النافذة والشرعية الآمرة إلا في المؤمن الذي استعان بالرب القادر على امتثال أمر الإله الشارع.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ: تذييل يناسب السياق فيه من التهديد للقاعدين ما يحملهم على امتثال الأمر فقد علم، عز وجل، أزلا من سيقعد ومن سيخرج، وعلم علما ثانيا يتعلق به الثواب والعقاب من قعد ومن خرج لما صار الغيب شهادة.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 06 - 2009, 05:12 ص]ـ
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا:
بعثا شرعيا، إذ لو كان كونيا ما وسعهم المخالفة، وقد خالفوا فدل ذلك على أنه من باب الشرع الآمر، ولا بد للجهاد من راية شرعية، فهو أمر لا يقوم به آحاد المكلفين، إلا في أحوال بعينها كمداهمة العدو أرض المسلمين.
وقد أكد الحكم بـ: "إن"، وناسب ذكر اسم: "الله" في معرض تقرير الشرع، على القول باشتقاقه من معنى التأله، وإنما يتأله العباد لربهم بامتثال أمره الشرعي الحاكم.
وفي اللام معنى الاختصاص، من باب التأنيس لهم فما بعث إلا لكم لتنتظم صفوفكم تحت قيادته.
قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا: استفهام فيه معنى الإنكار والتعجب، وذلك سوء أدب مع الملك، عز وجل، الذي امتن عليهم ببعث طالوت، فعارضوا الحكم الشرعي بقياسهم العقلي، وذلك مسلك إبليسي، فإبليس أول من عارض الحكم الشرعي بقياسه العقلي الفاسد، فالنار في قياسه أفضل من الطين، والفاضل لا يسجد للمفضول، وهو قياس فاسد المقدمة، إذ الطين أفضل من النار من جهة كونه مادة نماء لما بذر فيه بخلاف النار فهي مادة فناء لما ألقي فيها، وفساد النتيجة فرع عن فساد المقدمة.
وجاء الإنكار بـ: "أنى" التي تحتمل: كيف، ومن أين، ومتى، ولا مانع من حملها على كل تلك المعاني على سبيل الاشتراك لعدم التعارض، بل ذلك آكد في تصوير استنكارهم فرعا عن نتيجة قياسهم الفاسد.
وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ: دعوى في مقابل الأمر بتمليك طالوت.
وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ: حال معللة لدعواهم، فمناط الاستحقاق عندهم: سعة المال، وذلك قياس عقول أرباب الدنيا.
قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ: اصطفاء شرعيا فرعا عما وهبه من العطية الكونية: عطية العلم والجسم.
عطية: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ: فذلك منزل منزلة العلة للحكم الشرعي، وعموم اللفظ فيها معتبر وإن وردت على سبب خاص، فصحة الجسم، وسعة العلم، مما اشترطه الفقهاء في أصحاب الولايات الكبرى، فليس لجاهل بشرع الله، عز وجل، تولي ولاية عظمى، كما هو حال أغلب أصحاب الولايات من الحكام والوزراء .......... إلخ في عصرنا الحاضر.
وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ: يحتمل أن يكون من كلام النبي، أو هو من التذييل لكلامه، فيكون من كلام الباري، عز وجل، وعلى كل فهو منزل منزلة العلة الجامعة، فالله، عز وجل، لا يسأل عما يفعل من إيتاء وحرمان لتمام قدرته فهو يؤتي ملكه من يشاء، ولتمام حكمته فهو وَاسِعٌ: له من سعة الذات وسعة الصفات وسعة الملك وسعة التدبير ما يهب به من شاء فضلا ويمنع به من شاء عدلا فرعا عن كونه: عَلِيمٌا بعباده فيعلم من يستحق ممن لا يستحق، وفي التنزيل: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، وفيس على عطاء الرسالة كل عطاء كوني وهبه من شاء من خلقه بمقتضى عموم ربوبيته.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 06 - 2009, 05:56 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ): تكرار لطول العهد، على وزان:
لقد علم الحي اليمانون أنني ******* إذا قلت أما بعد أني خطيبها
وجعله أبو السعود، رحمه الله، من باب إيجاز الحذف لما دل عليه السياق اقتضاء، إذ هو مشعر بانقطاع ما سبق عما لحق، فكأنهم سألوه آية لملك طالوت، فوقع الأخذ والرد، فقال لهم بعده:
إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ: الكونية، فالآية هنا ليست شرعية إذ لا تكليف فيها، وإن تعلق بها التكليف من جهة لزوم التصديق والامتثال بعد ورود الآية الكونية، وإلا وقع العذاب على ما اطرد من سنة الله، عز وجل، الجارية بإهلاك من طلب آية بعينها، فجاءت كما طلب فكفر بعدها، إذ قد ظهر له من أمارات الصدق ما لم يظهر لمن لم يطلب، فكان تكذيبه أقبح، فاستحق العقوبة العاجلة، إذ عظم العقاب فرع عن عظم الذنب، فلما أخل بالتكليف الشرعي مع قيام الداعي لامتثاله من الإعجاز الكوني الذي اشترطه صار أهلا للعقوبة الكونية فرعا عن الإرادة النافذة، فالتكليف فرع عن الإرادة الشرعية، والعقوبة لمن أخل به فرع عن الإرادة الكونية، والتكليف فرع من صفة الحكمة الربانية، وهي
(يُتْبَعُ)
(/)
صفة جمال ذاتية، والعقوبة فرع من صفة الشدة في نحو قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وهي صفة جلال فعلية، فصفات الجمال القائمة بالذات القدسية تورث في النفس الرغبة في الأجر فرعا عن امتثال مقتضى الشرع، وصفات الجلال المتعلقة بالمشيئة الكونية تورث في النفس الرهبة خشية وقوع العقاب فرعا عن مخالفة مقتضى الشرع، وهذا أصل نفيس، أشار إليه ابن القيم، رحمه الله، إذ المحبة مرادة لذاتها فتعلقت بصفات الجمال الذاتية، والخوف مراد لغيره إذ به تجتنب المعاصي، فمتعلقه الكف، والفعل أشرف منه، فتعلق بصفات الجلال الفعلية.
أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ: في مستقبل أمركم لتمحض الفعل للاستقبال بدخول "أن" عليه، فضلا عما للمصدر المؤول من دلالة توكيدية تفوق دلالة المصدر الصريح، ولو من جهة زيادة المبنى فهو مئنة من زيادة المعنى كما اطرد في كلام البلاغيين.
و: "أل" في التابوت: عهدية ذهنية تشير إلى تابوت بعينه له من الأوصاف:
فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ: فالجملة الحالية وصفية في معناها، وتقديم ما حقه التأخير مئنة من الحصر والتوكيد، وذلك أبلغ في بث الطمأنينة في نفوسهم بإتيانه، ففيه يقينا لا في غيره السكينة التي بها يثبت الله، عز وجل، عباده المؤمنين في ساحات الوغى في مقابل نزعها من قلوب أعدائه، مصداق قوله تعالى: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)، وفي تنكير السكينة: تعظيم لقدرها، فضلا عن ابتداء غايتها من الله، عز وجل، فليست كأي سكينة من أي أحد، بل هي سكينة ممن بيده تصريف القلوب إقامة وإزاغة، فهو الرب الذي تجري الأمور وفق كلماته الكونيات النافذات، فمن شاء أقامه فضلا، ومن شاء أزاغه عدلا، وإنما تستخرج كوامن الصدور في أوقات الشدة، كما سيأتي إن شاء الله، فيقع الابتلاء الكوني بلقاء العدو، فبه تفتضح كثير من النفوس، بظهور خسة معدنها، وإن بدا نفيسا في أوقات الدعة، ولا يأمن مكر الله، عز وجل، إلا مغرور، ولا يتمنى الابتلاء إلا جاهل بعواقبه، ولا يسأل الله، عز وجل، السلامة، إلا مقر بضعفه مظهر لعجزه في مقابل قوة وقدرة الرب العلي القهار، جل وعلا، فمنه وحده التثبيت، وبه وحده التوفيق.
وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ: وفيه دليل على جواز التبرك بآثار الأنبياء عليهم السلام، وذلك بمقام الشدة أليق، ولا يعني ذلك اعتقاد النفع والضر في ذاتها بل هي سبب مشروع، فلا استقلال له بنفسه في التأثير بل هو تابع لإرادة مجري الأسباب جل وعلا.
تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ: حال ثانية تزيد وصف التابوت بيانا، وحملان الملائكة له مئنة من عظم شأنه، وتأنيس للمقاتلين وحفز لهممهم، إذ الملائكة من آكد أسباب النصر الغيبية.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: توكيد بـ: "إن" واللام المزحلقة في: "لآية"، في معرض الحض، والشرط للإلهاب على ما اطرد من طريقة: إن كنت رجلا فافعل، فإن كنتم مؤمنين حقا فتلك آية كونية أرسلت لكم فامتثلوا أمر نبيكم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 06 - 2009, 05:52 ص]ـ
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ:
إيجاز بحذف مقدرات دل عليها السياق إذ جاء التابوت آية لهم، فارتضوا طالوت ملكا، فأعد الجيش، وانتظم الجند فسار بهم طالوت حتى جاوزوا مساكنهم وفارقوا ديارهم طلبا لعدوهم، على وزان الحذف في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ)، أي: فأرسلوه فدخل على يوسف عليه السلام وقال له: يوسف ........... وذلك مما تطمح إليه نفوس البلاغيين دون النحويين، كما أشار إلى ذلك ابن هشام رحمه الله في "المغني"، إذ الحذف هنا من باب: حذف ما دل عليه السياق اقتضاء فليس له وجه نحوي كحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ........... إلخ من صور الحذف التي قررها النحاة في كتبهم فهي وثيقة الصلة بالمبنى لا بالمعنى،
(يُتْبَعُ)
(/)
بخلاف الصورة الأولى فهي إلى المعنى أقرب وبه أليق.
قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ: ابتلاء شرعيا، نسبه إلى الله، عز وجل، ولعل في نسبته إلى لفظ الجلالة: "الله"، على القول باشتقاقه لغة لا شرعا من التأله بمعنى التعبد، لعل في نسبته إلى اسم يتضمن معنى التعبد ما يؤكد كون الابتلاء شرعيا لتمحيص القلوب، فنسب إلى الإله الشارع دون اسم الرب الذي يتضمن معنى السيادة وتلك بالابتلاء الكوني أليق، وليس الابتلاء هنا كونيا، إذ لو كان كذلك لوقع لا محالة، ولكنه تخلف في حق معظم أفراد الجيش الذين رسبوا في أول اختبار شرعي جريا على سنة: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، فالغالب على العباد: مخالفة الأمر الشرعي دون الأمر الكوني الذي يجري على وجه الحتم والإلزام على كل العباد مؤمنهم وكافرهم، تقيهم وفاجرهم.
وقد أكد كلامه بتصدير الجملة بـ: "إن"، وذكر الابتلاء مجملا، فتشوفت النفوس إلى البيان، فعقب به مقرونا بالفاء الدالة على التعقيب، فليس بين الإجمال والبيان في كلامه فسحة، إذ قد قامت الحاجة إلى بيان الحكم، لقرب زمان الابتلاء، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي: "من" الأولى لابتداء الغاية، فابتداء غاية فعل الشرب تكون من النهر فيكون الشرط نصا فيمن كرع الماء بفيه كناية عن نهمه وقلة صبره على العطش، فذلك المتوعد بجواب الشرط دون من استثناه ممن اغترف غرفة بيده دفعا للضرر، فيكون فعله من باب الضرورة التي يرخص فيها بقدر ما ترتفع به، فالضرورات تقدر بقدرها.
و: "من" الثانية: "اتصالية" كما اصطلح بعض النحاة على تسميتها بذلك، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فاستعار انقطاع الاتصال الحسي بين الشارب والقائد لانقطاع الاتصال المعنوي بينهما، وقد يقال بأن كلا الأمرين مراد، بل هما متلازمين، إذ انقطاع الوصلة المعنوية بينهما سبب في انقطاع الوصلة الحسية بفصل العصاة الذين لم يمتثلوا الأمر عن بقية الجيش، لئلا يناله من شؤم معصيتهم ما يكون سببا في هزيمته، وهذا أصل في هجر العصاة تأديبا ودفعا لضررهم، فلا أضر على الجماعة من عصاتها، فهم سبب في استنزال العذاب ومحق البركة، مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ)، فكان فعل طالوت عين الحكمة الشرعية، وفي مقابل الترهيب بنفي العصاة:
جاء الترغيب على سبيل المقابلة بين شطري القسمة العقلية: من عصى فشرب فانتفت صلته بالقائد وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي: فصلته بالقائد باقية إذ قد اجتاز أول ابتلاء شرعي مُمَحِّص بنجاح، واستثنى مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ: دفعا لضرورته كما تقدم.
فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ: الفاء فصيحة على تقدير: فلم يمتثلوا الأمر فشربوا منه ............. ، واستثنى القلة المؤمنة، وقرئ برفع "قليل"، إذ في معنى إقدامهم على الشرب انتفاء امتثالهم الأمر بتركه لزوما، فكأن الاستثناء ورد على كلام تام منفي، على تقدير فلم يمتثلوا الأمر، فجاز فيه الوجهان: النصب على الاستثناء والرفع على البدلية من الضمير في: "يمتثلوا"، فآل المعنى إلى: فلم يمتثلوا الأمر إلا قليلٌ.
فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ: تعريض بمن لم يجاوز بإثبات وصف الإيمان لمن جاوز فهو يفيد بمفهومه نفيه عمن لم يجاوز، وإن لم يكفر بذلك، ولكنه لم يحقق الإيمان الواجب لتجاوز هذا الابتلاء فلم يصر أهلا لتلك الكرامة: كرامة التثبيت في أوقات الشدة، فتلك لا تكون إلا لمن شاء الله، عز وجل، له الثبات كونا، فرعا عن امتثاله الأمر ديانة، فلا يحظى بعطايا الربوبية، ومنها تثبيت الجنان وتصريفه على مقتضى الإيمان إلا من حقق تمام الألوهية.
قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ: لما لقيهم من نصب ومشقة.
قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ: أي يوقنون، فالظن هنا بمعنى اليقين لدلالة السياق على كونهم أرفع طبقات الجيش منزلة، وأصلبهم عودا، فرعا عن كمال إيمانهم. و: "أن" وما دخلت عليه قد سدت مسد مفعولي ظن. أو المفعول الأول لها والمفعول الثاني محذوف على تقدير: قال الذين يظنون ملاقاة الله كائنةً، وهذا اختيار الأخفش رحمه الله، وعلى كلا القولين يكون الإتيان بالجملة المصدرة بـ: "أن" المصدرية مع ما لها من دلالة توكيدية بأصل الوضع أبلغ في بيان يقينهم من الإتيان بالمصدر الصريح.
أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ: الإضافة للتخفيف.
كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ: طباق بين القلة والكثرة في معرض بيان القدرة الإلهية، والإذن هنا، كوني، بخلاف الإذن في نحو قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، أي: ما لم يشرعه الله عز وجل. وذلك الإذن الكوني فرع عن امتثال الأمر الشرعي كما تقدم في أكثر من موضع.
وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ: إظهار في موضع الإضمار، لبيان كمال العناية بهم بورود لفظ الجلالة في معرض معيته الخاصة لهم: معية النصرة والتأييد، وقد علق الحكم على الوصف المشتق من الصفة المشبهة: "الصابرين" التي ذيلت بها الآية فهي مما يلائم ما تقدمها من أحداث جسام تتطلب صبرا على البلاء وثباتا عند اللقاء.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 06 - 2009, 05:43 ص]ـ
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ: فتعين القتال على كل حاضر، وتلك أشد ساعات الابتلاء، ولا أشق على النفس من الفروض العينية فهي بطبعها تميل إلى التنصل والتملص من التكليف، فإن لم يقيدها صاحبها بقيد الشرع الحاكم تفلتت، وهذا حال أغلب المكلفين إلا من رحم الله، عز وجل، فالثبات على طريق الهداية أشق من معرفته والسير عليه، فالحجة الرسالية قائمة ببيان الطريق لكل مكلف، وتلك أيسر المنازل، ويليها السير على طريق الهداية، وتلك أعلى من الأولى فليس كل من علم عمل، بل لا تكون إرادة العبد في مباشرة الفعل إلا فرعا عن إرادة الله، عز وجل، الكونية بخلق تلك الإرادة فيه، وخلق ذات الفعل.
وأصعبها الثبات على طريق الحق، فكثير سار وقطع أشواطا إلى الله، عز وجل، ثم انقطع عن السير، إذ الطريق موحش، والسالكون قلة، فإن لم يثبت الله، عز وجل، العبد في سيره، زل وانفسخت همته فانقطع عن السير، وكذلك حال المقاتل ساعة لقاء العدو، وقد تعين القتال وصارت الأماني حقائق، مصداق قوله تعالى: (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ). ولذلك كان تمني ذلك الابتلاء مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خشية افتضاح صاحبه حيث لا محيص، فإن فر المقاتل في الدنيا موليا دبره، فأنى له الفرار يوم التناد، فقتال العدو: أمر ندب إليه الشارع، عز وجل، ولكنه لا يكون بحماسة يوكل صاحبها إلى نفسه، بل إظهار الضعف والتضرع كما صنع أولئك ساعة لقاء جالوت وجنوده هو مفتاح النصر.
فكان دعاؤهم:
رَبَّنَا: إذ استمدوه من عطاء ربوبيته: صبرا للجنان، وتثبيتا للأقدام، وعطفهما من قبيل عطف المتلازمات، إذ الجوارح الظاهرة تعكس صورة القلب الباطنة، فالعلم تصور والعمل حكم، ولا يصح حكم بلا تصور صحيح، فإذا صح القلب علما وعملا، كان ذلك مئنة من استقامة الجوارح على الطاعة، وصورتها يوم الزحف: الثبات وعدم التولي.
والإفراغ مئنة من الكثرة، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، فلقائل أن يقول: إن في السياق: استعارة الإفراغ الحسي للإفراغ المعنوي: استعارة مكنية تبعية، إذ شبه الصبر بالماء المصبوب بكثرة غامرة، فذلك المعنى المتبادر إلى الذهن من لفظ: "أفرغ"، وحذف المشبه به وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو فعل الإفراغ، ويؤيده تنكير الصبر تعظيما، فذلك مما يرجح مقابلته في الاستعارة بالماء الكثير الذي بلغ حد الصب بالإفراغ صبا غامرا متواليا لا ينقطع، فيكون مدد الصبر منه، جل وعلا، متجددا لا انقطاع له، فيحصل للمقاتل الصبر في كل مراحل المعركة، وآكدها الساعة الأخيرة فإنها أحرج ساعات القتال، والنصر لمن صبر فيها كما علم ذلك من باشر القتال وشدته.
وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ: عطف لازم على ملزومه، فالنصر فرع الصبر، كما تقدم، وفي وصفهم بالكافرين تضرع إلى الله، عز وجل، بمفهوم السياق، فهو توسل بإيمانهم في مقابل كفر خصمهم، وقد وعد الله، المؤمنين النصر في الأولى والآخرة، مصداق قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 07 - 2009, 07:04 ص]ـ
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ: الفاء للفورية إذ نزل النصر بتحقق أسبابه وشرائطه، ولو تخلفت الأسباب لتخلف النصر، فهو حكم كوني يماثل الحكم الشرعي في كونه يدور مع علله وأسبابه وجودا وعدما، فلما بذلوا الأسباب الشرعية من إعداد عدة وصبر على الابتلاء زمن الورود على النهر ودعاء وتضرع زمن اللقاء، لما استكملوا تلك الأسباب: نزل النصر بإذن الله، الكوني، فمدد الربوبية لا يستجلب إلا بكمال الألوهية، فلا يتنزل نصر على عصاة لم يستكملوا أسباب النصر الشرعية، وتلك سنن جارية لا تجامل ولا تداهن أحدا وإن كان الصحب الكرام، رضي الله عنهم، خير طباق الأمة، فقد تخلف الشرط في حقهم يوم أحد، وإن كانوا متأولين غير عامدين، فجرت عليهم سنة الابتلاء بما مسهم من القرح.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي السياق نوع تناسب وتلاؤم بين إذن الله، في قولهم: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)، في مقام التضرع، وقوله تعالى: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ)، في مقام الانتصار لأهل الإيمان، فكلاهما من: الإذن الكوني النافذ، وذلك من حسن السياق بمكان كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ: وذلك من الخاص بعد العام، وفيه مزيد بيان للنعمة الربانية على ذلك الجيش، إذ كانت الهزيمة ساحقة والضربة قاضية بمقتل رأس العدو، إذ قتل القائد مظنة انفراط عقد الجيش مهما بلغت قوته، والتاريخ العسكري شاهد بذلك، ويوم بلاط الشهداء، رجحت كفة المسلمين ابتداء حتى قتل الغافقي، رحمه الله، أعظم ولاة الأندلس في دورها الأول: دور الولاة، بل لعله من أعظم من تولى أمر الجماعة في أندلسنا المفقود، فلا يعادله إلا رجال من أمثال الداخل والناصر والحاجب المنصور، فلما قتل دبت الفوضى في صفوف المسلمين فكان ما كان من هزيمة البلاط الأليمة التي أوقفت زحف الإسلام نحو باريس، فكان ذلك سببا في تأخر أوروبا عن ركب الحضارة قرونا أخرى بعد أن تصدت في عنصرية بغيضة لشعاع النور الساطع من قرطبة.
وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ: وذلك، أيضا، من الخصوص بعد العموم إطنابا في بيان المنة الربانية على داود، عليه السلام خصوصا، فقد أوتي الملك والنبوة، والإطناب بذكر أفراد النعمة الربانية مما يلائم سياق الامتنان بها، ولم يجتمع الأمران لأحد قبله من بني إسرائيل إذ كانت النبوة في سبط والملك في سبط آخر.
وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ: من علوم النبوات، فهو من عطف اللازم على ملزومه، وهو جار على ما تقدم من الإطناب في معرض الامتنان.
وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ: وتلك سنة كونية جارية: سنة التدافع.
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ: باستيلاء أهل الفجور عليها، ولكن الله قيض لهم من يدحض حجتهم بالبرهان ويكسر شوكتهم بالسنان.
وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ: فلم تفسد الأرض، لما تقدم، من ظهور حجة الله البالغة، فلن تخلو الأرض من قائم لله بحجة. والتنكير في: "فضل": مئنة من التعظيم، ففضله على عباده عظيم: فضل كوني بأنواع الأسباب الكونية التي تقوم بها الأبدان، فهو، جل وعلا، المقيم المقيت لها بأنواع القوت الحسي، وفضل شرعي، وهو أعظم صور الفضل فبأنواع الأسباب الشرعية التي جاءت بها النبوات، تحيى القلوب بالعلوم النافعة والجوارح بالأعمال الصالحة، فهي قوت معنوي نافع أجراه الله، عز وجل، على القلوب إقامة لها على التوحيد العلمي، وعلى الأبدان إقامة لها على التوحيد العملي. فثنائية: العلم الذي يصح به التصور والعمل الذي يصدقه: ثنائية مطردة في دين الإسلام، فلا صلاح إلا بكليهما، فعلم بلا عمل مسلك الأمة الغضبية من يهود قتلة الرسل والأنبياء، وعمل بلا علم مسلك الأمة الضالة من النصارى عباد الصليب. وكل خير في مخالفتهما، وكل شر دخل على هذه الأمة فإنما يرجع عند التحقيق إلا اتباع طرائقهم العلمية والعملية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 07 - 2009, 06:40 ص]ـ
تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ:
أي ما تقدم على طريقة العرب في الإشارة إلى ما انقضى قريبا بإشارة البعيد، أو لبيان علو مكانة تلك الآيات، فهي آيات شرعية من جهة كونها أخبارا، وهي آيات كونيات من جهة دلالتها على تأييد الله، عز وجل، أنبياءه وأوليائه، وإن قلت فئتهم، فلهم من الأسباب الغيبية من تأييد الملائكة، مصداق قوله تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا)، فهي عامة في حق كل فئة مؤمنة، لهم من ذلك النصيب الوافر، وإن فاقهم عدوهم في الأسباب المشهودة من عدد وعدة وعتاد.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهي آية على صحة رسالته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ الإخبار بذلك الغيب الذي لا يعلمه إلا نبي مرسل، أو عالم قد باشر علوم الأولين، كأحبار يهود وقساوسة النصارى ممن لهم بالنبوات الأولى معرفة، الإخبار بذلك من قبل من لا علم سابق له به، بل لا علم له بالقراءة فهو أمي، إمعانا في تكريمه إذ علمه ربه، عز وجل، فلم يجلس إلى معلم من البشر، وإمعانا في إقامة الحجة على مخالفه بقطع كل أسباب العلم الكسبي عنه، فلا قراءة ولا كتابة ولا مخالطة لعلماء أهل الكتاب ليتلقى عنهم مشافهة، فلم يبق إلا القطع بأن علمه وهبي فرعا عن نبوة معصومة لا يتطرق الخطأ إلى خبرها، ولا البطلان إلى حكمها، فلا تنال النبوة باكتساب أو اجتهاد وإنما هي فضل وهب وامتنان من الرب الكريم المنان.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "الجواب الصحيح":
"وقد أتاهم، (أي: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، بجلية ما في الصحف الأولى كالتوراة والإنجيل مع علمهم بأنه لم يأخذ عن أهل الكتاب شيئا فإذا أخبرهم بالغيوب التي لا يعلمها إلا نبي أو من أخبره نبي وهم يعلمون أنه لم يعلم ذلك بخبر أحد من الأنبياء تبين لهم أنه نبي وتبين ذلك لسائر الأمم فإنه إذا كان قومه المعادون وغير المعادين له مقرين بأنه لم يجتمع بأحد يعلمه ذلك صار هذا منقولا بالتواتر وكان مما أقر به مخالفوه مع حرصهم على الطعن لو أمكن.
فهذه الأخبار بالغيوب المتقدمة قامت بها الحجة على قومه وعلى جميع من بلغه خبر ذلك وقد أخبر بالغيوب المستقبلة وهذه تقوم بها الحجة على من عرف تصديق ذلك الخبر كما قال تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ}.
ثم قال: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
وقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}.
فأخبر أنهم لن يفعلوا ذلك في المستقبل وكان كما أخبر وقال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}.
فأخبر أنه لا يقدر الإنس والجن إلى يوم القيامة أن يأتوا بمثل هذا القرآن وهذا الخبر قد مضى له أكثر من سبعمائة سنة، (في زمن المؤلف)، ولم يقدر أحد من الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن .......... وقد أيده تأييدا لا يؤيد به إلا الأنبياء بل لم يؤيد أحد من الأنبياء كما أيد به كما أنه بعث بأفضل الكتب إلى أفضل الأمم بأفضل الشرائع وجعله سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم". اهـ بتصرف.
والتقييد بالحال في قوله: (نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ): لا مفهوم له إذ هو من الوصف الكاشف، فلا يكون من الوحي ما يتلى بالباطل، وإنما هو من باب الإطناب في وصف تلك الآيات بأوصاف الكمال.
وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ: تذييل يلائم السياق بتوكيد الرسالة فرعا عن صحة أخبارها، ومنها ما تقدم من خبر طالوت وجالوت.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 07 - 2009, 08:05 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ):
(يُتْبَعُ)
(/)
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ: إشارة إلى الرسل عليهم السلام بإشارة البعيد مئنة من علو مكانتهم، مع وقوع التفاضل بينهم، فإن ذلك لا يعني انتقاص المفضول، وعلى ذلك خرج النهي عن المفاضلة بينهم، فالمنهي عنه: التفضيل المفضي إلى التعصب للفاضل وانتقاص المفضول، وهما أمران متلازمان لا انفكاك لهما، إذ لا يخلو المتعصب عادة من جهل مركب بحال الفاضل فيظنه على غير ما هو عليه غلوا كمن يعتقد صفات الألوهية في نبي أو إمام أو شيخ ......... إلخ، كحال غلاة الأمم، وجهل مركب آخر بحال المفضول فيظنه على غير ما هو عليه جفاء، وتأمل حال يهود الذين جفوا في حق المسيح عليه السلام حتى طعنوا في نسبه في مقابل غلو النصارى فيه حتى أنزلوه منزلة الألوهية، فلا الأولون نزهوه عما لا يليق بمقام النبوة، ولا الآخرون عرفوه بأوصاف النبوة الحقة بل خلعوا عليه من الأوصاف ما لا يجوز في حق بشر أصلا وإن كان من صفوتهم، بل من أولي العزم منهم، فكلاهما عند التحقيق لم يعرف مذمومه أو ممدوحه، فاليهود ذموا مسيحا لا وجود له، والنصارى أطروا مسيحا آخر لا وجود له، أيضا، والمسلمون عرفوا المسيح الحق عليه السلام فأعطوه حقه من أوصاف الكمال إثباتا، ونزهوه عما لا يليق بمقام النبوة نفيا، فهو: عبد الله: وتلك أشرف منازل العالمين عموما، والمرسلين خصوصا، فليس فيه ولا في غيره من أوصاف الألوهية شيء، بل هو من جهة أصل الخلقة: بشر كسائر البشر يجري عليه ما يجري عليهم من السنن الكونية من: مرض وموت وابتلاء بالآلام ......... إلخ، وإنما خص بوصف الرسالة تلقيا وأداء، وفي التنزيل: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فذلك القدر المشترك بين الرسل وبقية البشر، و: (يُوحَى إِلَيَّ) فذلك القدر الفارق، فمن نظر إلى القدر المشترك دون القدر الفارق: مال إلى جفاء يهود في حق الأنبياء فالتسوية بينهم وبين البشر من كل وجه كحال من يجعلهم: ساسة ومصلحين لهم قوى علمية وتأثيرية في العالم، فمؤدى قوله الحط من مقام النبوات بجعلها من جنس الملكات البشرية، فتصير قابلة للاكتساب بالدربة!، كما زعم غلاة الفلاسفة ومن سار على طريقتهم ممن يعظم الأنبياء تعظيم القادة والساسة، فيجعلهم من جنس نابليون أو جيفارا أو .......... إلخ، ومن نظر إلى القدر الفارق: القدر الغيبي الذي اختصوا به من الوحي الإلهي دون نظر إلى القدر المشترك مال إلى غلو النصارى فأطراهم بما ليس فيهم: فأصل خلقتهم من غير الطين الذي خلقت منه السلالة الآدمية، ولهم من علوم الغيب ما يضارع العلوم الربانية التي اختص بها الله، عز وجل ........... إلخ من صور الغلو التي تخرج بصاحبها عن جوهر التوحيد الذي بعث الرسل بتقريره إلى عين الشرك الذي بعثوا بإبطاله وتفنيده.
وتأمل حال غلاة المبتدعة الذين غلوا في آل البيت، رضي الله عنهم، وقدحوا في الأصحاب، رضي الله عنهم، فوقعوا في جنس ما وقعت فيه النصارى من الغلو، وجنس ما وقع فيه اليهود من الجفاء، فجمعوا السوأتين، إذ لا انفكاك لهما، كما تقدم، فلا هم، أيضا، عرفوا من يظهرون الانتصار له على حقيقته، ولا هم عرفوا من يقدحون فيه على حقيقته، بل غلوا في معدوم وجفوا في معدوم!، فالجهل المركب كائن في كليهما، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا صح التصور بعلم صحيح صح الحكم، وإذا فسد بجهل بسيط أو مركب فسد الحكم، ولذلك كان العلم أول منازل العمل، إذ به يصح نية وصفة، فتصحيح النية يكون بالعلم، وتصحيح العبادة صفة وهيئة يكون، أيضا، بالعلم.
وقاعدة القدر المشترك والقدر الفارق، كما قال المحققون من أهل العلم، أصل جليل في مثل تلك المضائق، فإنه لا بد من وجود قدر مشترك بين الموجودات ولو في أصل صفة الوجود، وقدر فارق يظهر به التباين بينها تبعا للتباين في أعيانها وأوصافها.
فوصف النبوة: قدر مشترك تساوى فيه الأنبياء عليهم السلام. وتفاضلوا في القدر الفارق، فأولوا العزم عليهم السلام أفضل ممن سواهم، وموسى عليه السلام، أفضل من نوح وعيسى، عليهما السلام، والخليل، عليه السلام، أفضل منهم، ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضلهم بل هو أفضل الخلق جميعا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ووصف الصحبة: قدر مشترك تساوى فيه الصحابة رضي الله عنهم. فتثبت الصحبة لكل من رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طالت الرؤية أو قصرت، لازمه أو لم يلازمه، كلمه أو لم يكلمه، روى عنه أو لم يرو، تثبت لكل من ذلك وصفه إذا مات على الإسلام ولو تخلل ذلك ردة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
وتفاضلوا في القدر الفارق، فالخلفاء الأربعة، رضي الله عنهم، أفضل ممن سواهم، وعثمان، أفضل من علي، رضي الله عنهما، وإن ساغ الخلاف في التفضيل لا في التقديم في الخلافة، فلا يضلل من قال بذلك ما لم يجره ذلك إلى انتقاص عثمان، رضي الله عنه، وإن كان قول جماهير أهل السنة، في هذه المسألة، أولى بالاتباع فرعا عن كونه ثابتا بإجماع أهل المدينة قبل تفرقهم في الأمصار، وعمر، رضي الله عنه، خير منهما، وأبو بكر، خيرهم، بل هو خير من وطئ الثرى بعد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، فهو الصديق الأعظم والولي الأول.
وقل مثل ذلك في مسائل كالإيمان واختلاف الناس في حقيقته:
فإن فيه قدرا مشتركا بين عموم المؤمنين: وهو مطلق التصديق الذي لا يثبت عقد الإسلام إلا به.
وقدرا فارقا: وهو ما يتفاضل فيه الناس من أعمال القلوب والجوارح.
فهو يزيد وينقص تبعا لزيادتها ونقصانها: زيادة الكل باستيفاء أجزائه أو نقصانه بتخلفها دون ذهابه بالكلية إلا إذا وقع في ناقض للأصل، بخلاف مطلق التصديق، وإن ذكر بعض أهل العلم أنه، أيضا، مما يتفاوت باعتبار النظر والتأمل في الأدلة فليس تصديق النبي أو الصديق كتصديق آحاد المؤمنين.
وفي باب الصفات:
يوجد قدر مشترك في بين أي موصوفين هو الحقائق الكلية المشتركة في الذهن، وقدر فارق في الحقائق الجزئية في الخارج. فلكل موصوف حقيقة مستقلة باستقلال ذاته تباين حقيقة بقية الموصوفات، وتباين الصفات فرع عن تباين ذوات الموصوفات.
وفي باب البلاغ: يلزم المبلِغ، لا سيما في أمور الديانة، وفي أمور الغيب التي تحار فيها العقول وإن كانت لا تجيلها إلا أنها مظنة الفتنة إذا كان المخاطب ضعيف العقل، يلزمه أن ينظر بعين الاعتبار إلى القدر المشترك بين أفهام الناس، فيحدثهم بما لا تستنكره العقول الصريحة والفطر السوية، ومن رحمة الله، عز وجل، أن علق النجاة على تصديق أخبار وامتثال أحكام لا غموض فيها ولا خفاء، فكل المكلفين يمكنهم إدراك معاني التوحيد، بل ذلك مما ركز في فطرهم فلا يجدون مشقة في تصديقه إجمالا، وتصديق بقية الغيبيات على سبيل الإجمال، أيضا، وامتثال الأحكام الشرعية من العبادات القولية والبدنية التي لا يجد المؤمن، وإن لم يكن من أهل العلم، صعوبة في أدائها بل الإقبال عليها لما يجده من أثرها البارز في صلاح دينه ودنياه، فهي حافظة للقلب حافظة للبدن، فبحفظ الدين: الضرورة الأولى: يحفظ القلب، وبحفظ النفس والعرض والعقل والمال يحفظ البدن: آلة التكليف، فالقصاص من القاتل يحفظه من التلف، وتحريم الفواحش يحفظ نسبه من الاختلاط المفضي إلى التشريد والضياع، وتحريم الخبائث من المسكرات يحفظ عقله من الزوال المفضي إلى فساد الرأي والعمل، وعقوبات الجنايات المالية من قطع للسارق وتعزير للمختلس والمنتهب ...... إلخ تحفظ المال الذي هو عصب الحياة فبه تحفظ الأديان والأبدان معا.
فذلك القدر المشترك بين عموم المكلفين.
وأما القدر الفارق من دقائق المسائل التي لا يدركها إلا أهل الاختصاص في كل فن، فتلك لا تنفع حكايتها لعموم المكلفين بل قد تضر إن كان فيها من الشبهات ما قد يعلق بالقلوب الضعيفة لا سيما مع قلة العلم وغلبة الجهل، إلا إن تعين ذكرها على سبيل التحذير من فتنة قد أثيرت، فيكون ذكرها من باب البيان الذي قد قامت الحاجة إليه، فتذكر على سبيل الرد لا على سبيل التقرير والبسط ابتداء دون حاجة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومثلها أخبار الفتنة التي وقعت بين الأصحاب، رضي الله عنهم، متأولين الحق مجتهدين في طلبه، فتلك من مراتع الكفار الأصليين وأهل البدعة المغلظة ومن سار على طريقتهم من أفراخ العلمانية المعاصرة، إذ هي مادة دسمة للطعن في دين الإسلام بالطعن في حملته، وتشكيك عموم المسلمين في أصل ملتهم، وذلك منتهى إرادة القوم، فهو نصر بارد لا عناء فيه سوى جمع القصص المكذوب من كتب كذبة الإخباريين الذين يسيرون على طريقة "ألف ليلة وليلة" التي تصلح لمؤانسة رواد المقاهي الشعبية!، فيصير الدين مجرد قصص وأساطير، وتلقى المصادر الأصلية من نصوص الكتاب والسنة خلف الظهور إذ فيها ما ينقض ذلك الغزل الواهي نقضا. فتلك، أيضا، مما لا يشرع الخوض فيه إلا على سبيل التحذير من مقالة فاسدة، وما أكثر مقالات السوء في الصحب، رضي الله عنهم، في هذا الزمن الذي انتفش فيه أهل الباطل من الكفار والمبتدعة، ولعل ما يتعرض له عمرو بن العاص، رضي الله عنه، على سبيل الخصوص، في مصر من حملات مسعورة من النصارى والعلمانيين الذين يسيرهم الكفار تارة والمبتدعة تارة أخرى، فهم مع من أظهر الطعن في الإسلام أيا كان شخصه، لعل تلك الحملات من قبيل مقالة حادثة أظهرها ساذج نعت عمرا، رضي الله عنه، بالمكر على طريقة دهاقنة السياسة المعاصرين فهو الذي يلعب بـ: "البيضة والحجر" كما يقال عندنا في مصر، والتطهير العرقي على طريقة سفاحي الحروب الحديثة، والإرهاب الفكري فهو عدو الفكر الإنساني الذي حرق مكتبة الإسكندرية .............. إلخ، لعل ذلك من أبرز أمثلة تلك الحملة المنظمة، وهي اتهامات تدل على جهل مركب حتى بالتاريخ المصري من منظور نصراني إذ لم يورد أحد من مؤرخي تلك الحقبة من النصارى شيئا من تلك الافتراءات، بل المتواتر عند عقلائهم ما نعم به أسلافهم من حرية دينية بعد زوال الاحتلال الروماني الذي يشاركهم الملة وإن خالفهم النحلة، إذ كانت مصر قبل الفتح الإسلامي نموذجا للاضطهاد الديني، بل المذهبي، وكان قبط مصر خير عون لجيش الفتح في الطريق إلى فتح الإسكندرية عاصمة مصر آنذاك، وكان من شروط اتفاقية الجلاء الروماني، إن صح التعبير، ألا يتعرض المسلمون لكنائس النصارى ولا يتدخلوا في شئونهم الدينية ولا تزال كنائسهم الأثرية باقية إلى يوم الناس هذا شاهد عدل آخر على وفاء المسلمين بعهودهم، ولك أن تقارن بنود تلك الاتفاقية ببنود اتفاقية استسلام غرناطة وكانت تتضمن هي الأخرى وعودا مؤكدة بالأيمان الملكية المغلظة بالحفاظ على حرية المسلمين الدينية ولكنها تبخرت بعد سنوات قليلة وظهرت إلى الوجود مأساة الموريسكيين ومحاكم التفتيش الكنسية التي يخجل أي نصراني ويشمئز أي آدمي من مجرد ذكرها أو تخيل ما نقل من صور التعذيب الوحشي في أقبيتها، لك أن تقارن بين أولئك وأولئك، والكل يحظى بلقب الفاتح، لتدرك الفارق بين فتح المسلمين وفتح غيرهم، ولكن قلوبا أعماها التعصب فبثت تلك الأراجيف وقلوبا أخرى أعماها الجهل فصدقتها وانتحلتها لا يستغرب منها التعدي على أولئك السادة بل قد تعدوا على من هو أعظم منهم من الرسل عليهم السلام لا سيما خاتمهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل قد تعدوا على رب العالمين بنعته بأوصاف يتنزه عنها آحاد المخلوقين فعلام العجب؟!.
والشاهد أن أهل الحق قد اضطروا في هذه الأزمنة إلى الخوض في تلك الدقائق مع كونها من القدر الفارق، لمصلحة تربو على مفسدة ما قد تحدثه من اضطراب لبعض الأفهام، والضرورة تقدر بقدرها، وقول علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون ; أتحبون أن يكذب الله ورسوله": أصل في هذا الباب.
وعودة إلى سياق الآية:
إذ وجه التفاضل في صدرها مجمل على طريقة التنزيل في إيراد المجمل من باب التشويق استحضارا لذهن المخاطب ثم التذييل بالمبين فيقع في النفس أبلغ موقع.
مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ: إشارة إلى الكليم عليه السلام، وفي السياق التفات من التكلم إلى الغيبة على ما اطرد من تربية المهابة في النفوس إذا كان ذلك في حق الله، عز وجل، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ: عالية رفيعة، فالتنكير للتعظيم، وقال بعض أهل العلم إن المراد هنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما أبهم ذكره تفخيما لأمره.
وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ: فلفظ الإيتاء أبلغ في بيان المنة الربانية على المسيح عليه السلام، إذ هو مما لا يقبل المطاوعة، وما لا يقبل المطاوعة كما قرر اللغويون أقوى دلالة على وقوع الفعل مما يقبل المطاوعة، فما يقبل من قبيل: كسرته يحتمل وقوع الفعل فيقال: كسرته فانكسر، أو عدم وقوعه فيقال: كسرته فما انكسر، بخلاف الإيتاء فهو واقع لا محالة، إذ النبوة منحة ربانية لا تقبل الرد، فمن اصطفاه الله، عز وجل، لحمل رسالته وتبليغ كلماته الشرعيات أخبارا وأحكاما لا يملك الاستقالة إذ الأمر على جهة اللزوم لا التخيير، وفي التنزيل: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ)، والأصل في الأمر الوجوب كما قرر الأصوليون، وذلك آكد واجب يتصور في حق البشر بعد إخلاص العبودية لله عز وجل.
وجاء التفصيل في مقام الامتنان على عيسى عليه السلام لدحض شبه الغلاة والجفاة فيه، فأما الجفاة من يهود فبالنص على تأييده بالروح الأمين، عليه السلام، وهو الملك الموكل بالوحي، ففيه النص على نبوته التي أنكروها، فليس تخصيصه بالذكر في هذا المقام بناف وقوع التأييد لغيره من الرسل بالروح الأمين عليه السلام، إذ السياق غير حاصر، وإنما هو من باب إثبات الحكم لفرد من العام فلا يلزم منه نفيه عن بقية الأفراد. وفي التنزيل: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ). فضلا عن كونه عليه السلام عدوهم اللدود فذكره في مقام التأييد تبكيت لهم إذ أظهروا العداوة لمن اختصه الله، عز وجل، بأشرف الوظائف الملكية، فهو النازل بأشرف الكلمات على أشرف أفراد النوع الإنساني الذين اصطفاهم الله، عز وجل، لأشرف وظيفة بشرية.
وأما الغلاة فبالنص على أن ما جاء به المسيح عليه السلام من البينات لم يكن إلا محض عطية ربانية له، فلا استقلال له بتكوين الطير أو إبراء الأكمه والأبرص أو إحياء الموتى أو الإخبار بالمغيبات، وفي التنزيل: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
فرد الأمر إلى الإذن التكويني النافذ، وإنما باشر عليه السلام السبب فصور الطين على هيئة الطير ونفخ فيه كما نفخ الروح الأمين في جيب درع أمه البتول عليها السلام، فتحققت صورة السبب، فسرت الحياة إلى الطير بإذن ربه.
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ: إذ مجيئها مظنة ارتفاع الخلاف، إذ
النقل قاطع لمادة الخلاف، ولكن الاختلاف في تأويله بالعقل أفسد الأديان، وصير المحكم متشابها، فلكل قياس عقله، فلم ترد المتشابهات إلى المحكمات ليرتفع الخلاف، بل عزل النص عن ولايته، وولي العقل مع عدم كفايته، ولاية المتغلب بسيف التأويل، فتصدر من حقه التأخير، ووسد أمر النبوات لغير أهله، والقتال في ساحات الوغى فرع عن المعركة الأولى: معركة إبليس: أول من قدم العقل على النقل فرجح قياس عقله على أمر ربه، فاستحق الرد فوسوس لذرية آدم بما وقع فيه، فلا تجد معارك الأبدان إلا فرعا عن معارك الأديان، إذ التصور سابق الحكم، ولا تجد معارك الأديان إلا فرعا عن تقديم الآراء والأذواق المضطربة على أخبار النبوات المطردة. فكل من استحسن مقالة، ولو كانت عين الباطل تكلف لها من التأويلات ما يرد به محكم الأخبار، وكلما ازداد بعد مقالته عن دائرة الحق زاد بطلان تأويله حتى يصير في بعض الأحيان لعبا أو جنونا يستحي من له أدنى مسكة من عقل.
(يُتْبَعُ)
(/)
َلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ: وذانك وجها القسمة العقلية، فكان وقوع القتال بالأبدان حتما فرعا عن وقوع الخلاف في الأديان، كما تقدم، فليست الحروب: حروب مصالح استراتيجية، وإن كانت تلك مما يأتي تبعا، بل هي حروب عقاد دينية فتلك: سنة ربانية جارية إذ التدافع بين الحزبين قائم حتي يأتي أمر الله بظهور الحق.
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا: توكيد بالتكرار على أن ذلك من السنن الربانية المتعلقة بالمشيئة الكونية النافذة، فلو شاء الله، كونا، ائتلاف القلوب على الحق، لنفذت مشيئته في خلقه، ولكنه شاء الاختلاف كونا، لتظهر معاني قدرته في خلق الضدين وحكمته في ابتلاء كل ضد بضده، فتعمل السنن الربانية في إتقان يظهر حكمته الكونية، فضلا عن سننه الشرعية التي جاء بها الرسل عليهم السلام فتلك، أيضا، مئنة من بلوغ حكمته الغاية في الإتقان فرعا عن علمه المحيط، فبالسير عليها، ومدافعة السنن الكونية بها، يصلح الحال والمآل.
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ: فهو الفعال لما يريد من الممكنات لا المحالات الذاتية فتلك ليس لها حقائق ابتداء لتتعلق بها الإرادة، والمضارع مئنة من دوام الاتصاف بأفعال الكمال على الوجه اللائق بجلاله، وتعلق الفعل بما يريده، جل وعلا، كونا، نص في إبطال مقالة الفلاسفة الذين نفوا صفات الله، عز وجل، فزعموا أنه فاعل بالطبع، لا بالإرادة والعلم، إذ لا تنفك الإرادة وهي حكم، عن علم سابق، فهو تصور، والحكم، كما تقدم، فرع عن التصور، فإرادته، عز وجل، الفعل، فرع عن علمه المحيط وحكمته البالغة، فاجتمع له، عز وجل، وصف الجلال بنفاذ الإرادة القاهرة، ووصف الجمال بالحكمة البالغة. فله الكمال: جلالا يحمل على الرهبة من عقابه، وجمالا يحمل على الرغبة في ثوابه.
والله أعلى وأعلم.
ـ[احمد السنيد]ــــــــ[15 - 07 - 2009, 08:36 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذا الاختيار الموفق , هكذا هو حال القران الكريم كلما تدبرت معانيه تشعر انه يتنزل على الواقع الذي انت فيه (لايخلق على كثرة الرد، و لاتنقضي عجائبه، من قال به صدق، و من عمل به أجر، و من حكم به عدل، و من دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)
ـ[احمد السنيد]ــــــــ[15 - 07 - 2009, 08:46 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذا الاختيار الموفق , هكذا هو حال القران الكريم كلما تدبرت معانيه تشعر انه يتنزل على الواقع الذي انت فيه (لايخلق على كثرة الرد، و لاتنقضي عجائبه، من قال به صدق، و من عمل به أجر، و من حكم به عدل، و من دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 07 - 2009, 06:28 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي أحمد، شكر الله لك المرور والتعليق ونفع بك عباده في تعليم كتابه العزيز، وجعلك من أهله وخاصته.
ومن قوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ):
فهو شرط سيق مساق التحذير من التعدي، إذ العقاب مظنته، فإن عاقبتم فاستوفوا الجزاء على قدر الجناية، ويؤيد ذلك سبب نزول الآية على القول بأنها نزلت في مقتل حمزة، سيد الشهداء، رضي الله عنه، والتمثيل بجثمانه، إذ أقسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن يمثل بسبعين من قريش إن أظفره الله بهم، ولا إشكال في حملها على هذا الوجه، وإن كانت السورة مكية، إذ ليس ذلك بمانع من ورود آيات مدنية فيها، فوصف المكي أو المدني إذا تعلق بالسورة إنما يراد به الوصف الأغلبي لا الشمولي كما قرر ذلك من صنف في علوم القرآن، وقد جعلها صاحب "الإتقان"، رحمه الله، مما تعدد نزوله على القول بوقوع ذلك، إذ الخلاف بين أهل العلم فيه، لا سيما من المتأخرين، معروف، فتكون قد نزلت في مكة آمرة المسلمين بالصبر على أذى الكفار، ثم نزلت يوم أحد، ثم نزلت يوم الفتح، إذ كان يوم المرحمة كما سماه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والعلماء يستدلون بهذه الآية على جواز التمثيل بالقاتل إن كان قد مثل بمقتوله ولو حرقا، فذلك مخصص للنهي عن القتل بالتحريق والتمثيل إذ قد نهي عن ذلك على جهة الابتداء لا على جهة الاقتصاص.
(يُتْبَعُ)
(/)
وذلك أمر يعم صورة السبب ويتعداه إلى بقية صور إزهاق الروح، أو ما دونها من العقوبات البدنية من قطع وضرب وحبس ....... إلخ، فالقول بعمومه أولى من تخصيصه بعين سبب النزول إذ لا دلالة في اللفظ على اختصاصه بحمزة، رضي الله عنه، أو اختصاصه بنوعه، بقصر العموم على صورة السبب وهي: التمثيل بقتلى المعارك، فالأولى حمل اللفظ على عمومه اللفظي لئلا تهدر دلالة عمومه على الأفراد التي تندرج تحته، وهذا أصل في النظر في نصوص الوحي، فالأصل فيها العموم سواء أكان مطلقا أم واردا على سبب، فلا يصار إلى التخصيص إلا إذا دلت القرينة المعتبرة على ذلك.
واختار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، وهو ممن له عناية كبيرة بعلم المناسبات، فكثيرا ما يشير إلى مناسبة الآية لما قبلها، ومناسبة السورة لما قبلها في بيان الوحدة الموضوعية للكتاب العزيز بأكمله، ووحدة السورة، بل الآية الواحدة تلمس فيها وحدة بين أولها وآخرها فيكون التذييل لفظيا كان أو معنويا ملائما للتصدير لا سيما في الآيات التي ذيلت بأوصاف الكمال الربانية، فتكون الآية مذيلة بصفات الجمال في سياق الوعد كما في قوله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، مذيلة بصفات الجلال في مقام الوعيد، كما في قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
اختار، رحمه الله، القول بأنها مما نزل بمكة، إذ السياق قبلها سياق دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان ذلك واجب الوقت في الفترة المكية، ولما كانت الدعوة مظنة تعرض صاحبها لصنوف من الأذى، وإن كان يريد الخير للمدعو، فتلك سنة كونية جارية، أمر بالصبر في الآية التالية، فإن كان معاقبا لا محالة فلا يتعد في استيفاء حقه.
وفي السياق مشاكلة بين: "عَاقَبْتُمْ"، و: "فَعَاقِبُوا" على حد قوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)، وقد يقال بأنها على حقيقتها من جهة أن قتال المشركين نوع عقوبة لهم على إعراضهم عن الدين وتكذيبهم بالوحي، وقتالهم للمؤمنين نوع عقوبة منهم للمؤمنين لما يظنونه جرما من تسفيه أحلامهم وعيب آلهتهم، كما أشار إلى طرف من ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وهذا أولى من حمل الكلام على المشاكلة، إذ هي خلاف الأصل، فالقول بوقوعها في الألفاظ لا أثر له، وإنما يظهر أثر ذلك في المعنى، إذ يحمل اللفظ على غير ما جرى به عرف اللسان، فتحمل العقوبة على معنيين: العقوبة المعهودة، والمعاملة على تضمين فعل: "عاقبتم" معنى الفعل: "عاملتم"، وذلك مما توصل به أهل التأويل في بعض المواضع إلى تأويل صفات الباري، عز وجل، ففي نحو قوله تعالى: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)، المشاكلة اللفظية لا أثر لها، وإنما ظهر الأثر بتأويل: "نفسك" بـ: غيرك، أو: عندك ........ إلخ، فتوصلوا بذلك إلى تأويل صفة النفس الثابتة لله، عز وجل، بنص التنزيل، على الوجه اللائق بجلاله، توصلوا بذلك إلى تأويلها بدعوى المشاكلة اللفظية التي تصير اللفظ المبين: مجملا، بحمله على معنيين متباينين، خلاف الأصل، فتصير دلالته: دلالة المشترك اللفظي المجمل على أحد معنييه، بعد أن كانت دلالته على معناه بينة لا إشكال فيها.
وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ: وهو مرجح لمن قال بمكية الآية فالأمر بالصبر إنما كان في الفترة المكية، إذ لا قوة للمسلمين آنذاك، وهذا أمر جار على كل أزمنة الضعف، فيكون الصبر خيرا من باب درء المفسدة الكبرى بتحمل المفسدة الصغرى، فالحكم منسوء لا منسوخ، كما تقرر في موضع سابق في معرض بيان تدرج الوحي في تشريع الجهاد، إذ وقوع القتال حال قلة العدد والعدة مظنة فناء الجماعة المسلمة فضلا عن وقوع الفتنة في كل بيت إذا قوتل أهله على الدين فالصبر تأليفا للقلوب خير للصابرين، وأظهر الوصف وحقه الإضمار على تقدير: "لهو خير لكم" إشارة إلى عموم المعنى الذي تعلق به المدح وهو الصبر، فليس المراد قوما بعينهم قام بهم هذا الوصف، وإنما المراد كل من تحلى بالصبر على جهة الديانة، فالصبر عبودية يعجز عن القيام بها معظم المكلفين لا سيما عند وقوع العدوان عليه.
ولما كان الصبر مرادا بالأصالة في هذا الموضع، إذ لم يعلق تعليقا شرطيا يحتمل الوقوع أو عدمه، وإنما سيق مساق الترغيب في التخلق به، لما كان كذلك، أكد سياقه بعدد من المؤكدات منها: اللام الموطئة في: "لئن"، ولام الجواب في: "لهو"، وهو ضمير مرجعه المصدر المتصيد من السياق، على تقدير: ولئن صبرتم فالصبر خير للصابرين.
وإليه أشار الطبري، رحمه الله، بقوله: "وهو من قوله: (لَهُوَ) كناية عن الصبر، وحسن ذلك، وإن لم يكن ذكر قبل ذلك الصبر لدلالة قوله: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) عليه". اهـ
فهو على حد قوله تعالى: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، أي: اعدلوا العدل، فمرجع الضمير أيضا: المصدر المتصيد من السياق.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 07 - 2009, 03:41 م]ـ
ومن قوله تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)
وَاصْبِرْ: صبر احتساب لا صبر اضطرار، والأمر فيه للإرشاد، ولا يمنع ذلك من حمله على دلالته الأصلية على الوجوب، فالصبر على المصيبة الكونية واجب، والصبر على التكليف الشرعي: أمرا ونهيا واجب، وهو أرفع من الصبر على النوازل الكونية التي لا يملك المكلف ردها، كما وقع للمؤمنين يوم أحد، وكما وقع لهم قبل ذلك من سنة الابتلاء الكونية في مكة، وقد يقال، كما اختار بعض أهل العلم، بأن هذا مما تتباين فيه أحوال المكلفين، فإن منهم من يصبر على الأمر الشرعي ولكنه يجزع عند وقوع الأمر الكوني بما لا يحب، فله من إياك نعبد نصيب، وليس له من إياك نستعين نصيب، ومنهم من يصبر على النوازل ولا يصبر على التكليف الشرعي، فله من إياك نستعين نصيب، وليس له من إياك نعبد نصيب، ومنهم من ليس له صبر على أمر شرعي أو نازلة كونية، فليس له نصيب من إياك نعبد ولا إياك نستعين وهذا أخبث نوع، ومهم من جمع بين المقامين: مقام العبودية الشرعية فله من الصبر على التكليف الشرعي نصيب، ومقام العبودية الكونية فله من الصبر على النوازل الكونية نصيب، فهو أعلى الأنواع قدرا إذ قد جمع بين الحسنيين: امتثال المأمور والصبر على المقدور، فله من ثنائية: الشرع والقدر أوفر نصيب، إذ لا تعارض بينهما عند من فقه سنن الله، عز وجل، فهو الذي يبتلي بكلماته الكونيات ليمحص القلوب، وفي التنزيل: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)، وهو الذي يبتلي بكلماته الشرعيات ليطهر القلوب ويزكي الأنفس بصنوف العلوم النافعة والأعمال الصالحة، فالذي قدر هو الذي شرع، ووقوع التناقض بين سننه التي هي فرع عن كلماته الكونية والشرعية محال إلا عند من لم يقدر الله، عز وجل، حق قدره، فأساء الظن بربه، لا سيما في أوقات النوازل التي تعظم فيها الظنون، وتضيق فيها الصدور.
ومَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ: إطناب في مقام الإرشاد إلى الطريقة المثلى، فالأمر بالصبر ظاهر من جهة المعنى، مجمل من جهة الكيف، فكل يعرف معنى الصبر، فهو حبس النفس عن التسخط والجزع، ولكن الشأن في ذلك: كيف يصبر الإنسان صبر المؤمن المحتسب؟، فجاء تعليق الصبر بالله، عز وجل، استعانة به: بذكره وإخلاص العبودية له في زمن الرخاء، وزمن الشدة من باب أولى، وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء)، جاء ذلك من باب البيان بعد الإجمال على تقدير سؤال اضطراري يتولد في ذهن كل مخاطب: وكيف يكون الصبر الإيماني لا الصبر الاضطراري؟، فجاء الجواب بأقوى أساليب القصر: النفي والاستثناء فلا صبر إلا بذلك، وإن تلهى العبد بصنوف الملهيات كما يقع لكثير من المبتلين فرارا من ألم المصيبة، وما أشده على النفس التي لا تستحضر المعنى الشرعي له، ولا تنظر إلى جانب الحكمة الربانية فيه، فلا ترى إلا جانب القدرة النافذة، ولا يكتمل الإيمان بالقضاء والقدر إلا بالنظر إلى كلا الوجهين: القدرة الربانية فبها تقع المقدرات والحكمة الربانية فبها يصنع الله، عز وجل، لعباده من المصالح العاجلة في الدنيا والآجلة في الآخرة ما تعجز عقولهم عن إدراكها ساعة نزول البلاء، فهي ساعة تضيق فيها العقول عن الفهم والقلوب عن الصبر، إلا من عصم الله، عز وجل، وهذا أمر لا ينفع فيه مقال إلا على جهة الإشارة إلى معان لا تقوم إلا بالنفوس الكبار، فكل يحسن القول زمن الرخاء، وقليل من يحسن العمل زمن الشدة، ولذلك كان الفقه، كل الفقه، أن يسأل العبد ربه، عز وجل، السلامة في دينه ودنياه إذ لا قبل له بابتلاء الباري، عز وجل، فإن وقع الابتلاء فليس ثم إلا الصبر ولو تجلدا للشامتين، وإلا هلك العبد لدخيلة سوء في نفسه استخرجها
(يُتْبَعُ)
(/)
الابتلاء بمقتضى عدله، عز وجل، إذ ليس له إلى عبده حاجة ليظلمه فيسلبه نعمة هو إليها مفتقر، فهو واهب النعم ابتداء، فإن شاء أقر العبد عليها فضلا، وإن شاء نزعها منه عدلا، وإن شاء ألهمه الصبر إذا وقع الابتلاء فضلا، وإن شاء وكله إلى نفسه فسخط وجزع عدلا، ومن علم ذلك: علم تمام افتقاره إلى ربه، عز وجل، في كل وقت: في أوقات السلم وأوقات الحرب، في أوقات الغنى وأوقات الفقر، في أوقات الصحة وأوقات المرض فهو ما بين نعمة يصونها بالشكر، ونقمة يستدفعها بالصبر، ولكل ابتلاؤه، ولكل مقامه عند ربه عز وجل.
ومن أهل العلم من اطرد قوله في مثل هذه المواضع فقال بأنها مما نسخ بآيات السيف المدنية، إذ السورة مكية، والأمر بالصبر جار على ما كان عليه المؤمنون في مكة، فكان كف الأيدي والصبر على أذى المشركين واجب الوقت، وذلك مما يرجح كون الآية مكية، كما تقدم من اختيار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، فالسياق السابق واللاحق شاهد بذلك، فالدعوة بالحكمة سباقا، والأمر بالصبر لحاقا من خصائص العهد المكي، إذ لا قوة لأهل الإسلام يدفعون بها عن أنفسهم، فصارت الحكمة في التزام السكينة والصبر على الأذى ترويضا للنفوس الأبية التي اعتادت الانتصار من الظالم المتعدي، وتربية لها على معاني الصبر على الابتلاء في ذات الله عز وجل.
والسياق، كما تقدم مرارا، أصل في معرفة مراد المتكلم.
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ: إذ تولوا عن الإيمان فإنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ما كسبوا، فذلك من سنة إملائه لأعدائه.
وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ: نفي تسلط على النكرة: "ضيق" فأفاد العموم وذلك في مقام التسلية آكد، فضلا عن تسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل: "تك"، مع حذف نونه إذ المقام مقام تسلية مصاب فيحسن فيه إيجاز المبنى وإطناب المعنى، والضيق واقع لا محالة، فالنهي عنه من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تغضب)، وليس أحد إلا يغضب، فهو مما جبلت عليه النفوس في مقام الانتصار من الظالم إذا كان المظلوم يقدر على إنفاذ غضبه، فإن عجز صار حقدا كامنا في النفس حتى تسنح فرصة لإنفاذه، وفي مواضع القدرة يظهر معنى النهي المتقدم فهو نهي عما يلي الغضب من التعدي في القول أو العمل وكذلك النهي عن الضيق نهي عما يليه من اليأس والقنوط، والعجز والقعود.
والنهي عن الحزن والضيق من لوازم الصبر فعطفهما عليه من باب عطف اللازم على ملزومه إمعانا في التوكيد كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 07 - 2009, 06:45 ص]ـ
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ:
تذييل لما تقدم من الأمر بالصبر، ومن آكد صوره، كما تقدم، الصبر عن شهوة البغي والتعدي في استيفاء الثأر من العدو، فإنما قوتل ابتداء على سبيل الديانة لا على سبيل الحمية، على حد حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ قَالَ وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا فَقَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فلو أسلم الحربي لصار من جماعة المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، ولانقلبت العداوة ولاية، والبغض محبة، فتلك معاقد الولاء والبراء التي تناط بها همم الموحدين، ويوم تبدلت المناطات فصارت قومية بعد أن كانت دينية شرعية، تخلفت المعية الربانية الخاصة: معية النصرة والتأييد، فصار القتال: جيشا لجيش، وعتادا لعتاد، وجند الباطل أكثر عددا، وأوفر عدة، فالسنة الكونية قاضية بظهورهم على أهل الإسلام المفرِّطين، وليس بين الله، عز وجل، وبين عباده أنساب إلا الطاعة: علة التمكين التي يدور معها وجودا وعدما، وليس التمكين: تمكين أبدان فحسب، فقد يمكن الإنسان إملاء واستدراجا، أو عقوبة لمفرِّط فيتسلط عليه بما عنده من القوة، وإنما التمكين: تمكين أديان ابتداء يلحقه تمكين
(يُتْبَعُ)
(/)
الأبدان إذ صلاحها بصلاح الأديان، وصلاح الأديان بالسير على طريق النبوات الهادية، فهي مادة صلاح هذا الكون، إذ بها ينعم الموافق ويأمن المخالف، على حد قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فبقاء النبوات أمان من نزول عذاب الاستئصال، والإيمان بها استدفاع له، فبالسنة الشرعية تدافع السنة الكونية وتلك طريقة أهل الإيمان في مباشرة الأسباب ولا يكون ذلك إلا فرعا عن قلب عمره التوكل، وهو من أعظم وأعسر العبوديات لا سيما في زمن طغت فيه الأسباب المادية المحسوسة، فصارت هي المعيار الوحيد في قياس الأمور، فذلك، أيضا، من المقامات التي لا ينفع فيها كثير كلام، فهي من جهة القول: يسيرة خفيفة على اللسان، ومن جهة الفعل: عسيرة ثقيلة على النفس، فلا: (يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، ولو كانت هينة لنالها كل مريد، ولكنها عزيزة لا تنالها إلا النفوس الكبار، والكلام عن أصحاب تلك النفوس ذريعة إلى التشبه بهم، وإن كان اللحاق بركابهم أمرا عسيرا، فـ: (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)، وفي ذلك سلوى لمن بطأ به السير، فحسبه أن يسدد ويقارب، ويسير على الطريق ولو ثقلت خطواته، فلا ينقطع لئلا يحرم ما يُنال بالنية إذا قصرت الهمة وضعف العزم، و: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ).
ولذلك حسن الفصل بين الآيتين، إذ العلة والمعلول متلازمان، كما تقدم مرارا، فبينهما شبه كمال اتصال يحسن معه الفصل ويقبح الوصل بعاطف أو نحوه، وصدرت بـ: "إن" المؤكدة، والتوكيد يحسن في مقام التعليل.
والمعية: معية نصرة وتأييد بقرينة السياق، فمادة: "مع": أصل في مطلق المصاحبة، فلا يلزم منه إثبات الحلول أو الممازجة أو نفيهما، وإنما القرينة هي التي تدل على مراد المتكلم، وآكدها في معرفة ذلك لا سيما في نصوص الإلهيات التي لا يدرك العقل حقيقتها الخارجية، آكدها: القرينة السياقية اللفظية، إذ السياق أصل في معرفة مراد المتكلم.
فقد يراد بها الممازجة في نحو: مزجت اللبن مع الماء، وهذا معنى لا يليق في حق الله، عز وجل، بل هو في غاية الفساد، إذ يلزم منه وصف الخالق، عز وجل، بأوصاف المخلوق، وذلك عين الانتقاص، فإنه لا بد أن يفقد المتمازجان أو المتحدان من أوصافهما ما يقع به الاتحاد بينهما، كاللبن الذي يفقد من قوامه ما يفقد إذا امتزج بالماء، والماء الذي يفقد من شفافيته ما يفقد إذا امتزج باللبن، ليتولد من امتزاجهما وسيط لا يوصف بأوصاف أحدهما على جهة الإطلاق، وتصور ذلك في حق الرب، جل وعلا، وإن قال به بعض مجانين البشر من عباد الصلبان ومن سار على طريقتهم من غلاة أهل الحلول والاتحاد، تصوره يثير في النفس الاشمئزاز تنزيها للباري، عز وجل، أن يعتريه من أوصاف النقص البشري ما يقدح في كماله الذاتي الأزلي الأبدي.
وقد يراد بالمعية:
المعية العامة على حد قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، فلا يستفاد منها مدح أو ذم، إذ هي لكل حي، بل لكل كائن، فالله، عز وجل، معه بعلمه المحيط وقدرته النافذة، معه بجنده الذين يحفظونه من أمره، وأول الآية: "يَعْلَمُ" وآخرها: "بَصِيرٌ" شاهد بذلك، على ما تقدم مرارا من كون القرينة السياقية أصلا في معرفة مراد المتكلم.
وكقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث كنت"، إذ ذلك يورث العبد دوام المراقبة لربه، جل وعلا، تصديقا بخبره وامتثالا لأمره، فرعا عن معيته العامة له فلا يخفى عليه شيء من سكناته أو حركاته.
وقد يراد بها:
معية النصرة والتأييد:
(يُتْبَعُ)
(/)
كما في هذا السياق إذ قرينة تعليق حكم المعية على أوصاف التقوى والإحسان، مئنة من كونها خاصة بعباده المتقين المحسنين، فعلتها: أوصاف التقوى والإحسان التي اشتقت منها جملة الصلة والمعطوف عليها، على ما تقرر مرارا، من كون الإتيان بالموصول في معرض ترتيب الأحكام على الأوصاف مظنة تعليق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه صلته، فذلك من أبرز أغراضه البلاغية.
وعليه فإن احتراز بعض أهل العلم بحمل المعية في هذا السياق على المجاز في التأييد والنصرة، قد يرد عليه أن دلالة اللفظ قد ظهرت بملاحظة السياق الذي ورد فيه، فعموم المصاحبة: ظاهر لفظ: "مع" في لغة العرب، ولكن ذلك الظاهر البسيط قد اقترنت به دلالة السياق على إرادة النصرة بتعليق الحكم على أوصاف التقوى والإحسان، وهي أوصاف ثناء يصح تعليق معنى النصرة عليها، فصار: "ظاهرا مركبا" في معنى النصرة والتأييد، فزال إجماله بانضمام القرينة إلى اللفظ، فالقول بأنه في هذا السياق: حقيقة في النصرة لما احتف به من القرائن أولى من القول بأنه مجاز، إذ الأصل في الكلام حمله على الحقيقة ما أمكن فلا يصار إلى المجاز وهو الفرع إلا بعد تعذر حمله على الأصل.
وقد يراد بها:
معية الثواب: كما تقدم في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ"
وحذف معمول التقوى مئنة من عموم الأمر، وقد ذكره في مواضع أخر، فيكون ذلك مما أجمل في موضع وبين في موضع آخر من التنزيل، وذلك من آكد وأسلم طرق تفسير الكتاب العزيز، إذ المتكلم أعلم بمراده، ولا تكتمل صورة الاستدلال إلا بمطالعة النصوص على جهة الاستقراء الكلي، لا الاستقطاع الجزئي، كما يصنع أهل الأهواء الذين يقتطعون من النصوص: المتشابه الذي يشهد لمقالتهم، ويعرضون عن المحكم الذي ينقضها نقضا على وزان: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ)!.
فالتقوى قد تضاف إلى لفظ الجلالة: "الله": ولفظ الجلالة اسم علم على الذات القدسية المتصفة بأوصاف وأفعال الكمال المطلق، ومنها أوصاف الجلال متعلق التقوى.
وقد تضاف إلى عقاب الله أو مكانه أو زمانه، كما في قوله تعالى: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)، فالنار: جنس العقاب ومكانه، فبها يقع التعذيب وهي علم على محله، و: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا)، فالتقوى من ذلك اليوم لا فيه، إذ قد انقطع التكليف في دار الجزاء.
وفي السياق ترقٍ من الأخص إلى الأعم، فإن التقوى من جهة الحد: أخص من الإحسان الأعم فهو أعلى مراتب الدين، كما في حديث جبريل عليه السلام، وإن كانت أعم من جهة الأفراد: فالمتقون أكثر من المحسنين، كما أن المسلمين أكثر من المتقين.
وتقديم التقوى على الإحسان من باب التخلية قبل التحلية كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، إذ:
الأصل في التقوى الكف عن الرذائل، ولذلك ترد دوما في سياق الترهيب مما يحذر: فيقال: اتق عذاب الله، أو: غضبه، أو: اتق شر من أحسنت إليه.
والأصل في الإحسان التحلي بالفضائل وذلك لا يكون إلا بعد تخلية المحل من المعائب فهو بمعنى الترغيب أليق، كما أن التقوى بمعنى الترهيب أليق، وجنس الترغيب في فعل المأمورات أشرف من جنس الترهيب من ارتكاب المحظورات، كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم كابن القيم، رحمه الله، إذ الأول مراد لذاته فعلا بينما الثاني مراد لغيره تركا فهو بمنزلة السياج الحامي للأول.
وإيراد التقوى بصيغة الفعل مئنة من الحدوث والتجدد بخلاف إيراد الإحسان بصيغة الاسم فذلك مئنة من الثبوت والاستمرار، إذ قد صار ملكة راسخة وشيمة أصيلة فيهم، وذلك مما يشهد، لما تقدم، من معنى الترقي من التقوى إلى الإحسان.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 07 - 2009, 07:28 ص]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا: نداء يسترعي الانتباه في معرض تقرير المنة الربانية.
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: ذكر شكر وثناء، وأجملت النعمة تشويقا، وأضيفت إلى الله، عز وجل، تشريفا، إن أريد بها ذات النعمة، أو إضافة وصف إلى موصوفه، إن أريد بها وصف إنعام الله، عز وجل، عليهم، وهو وصف فعل متعد به تقع النعمة على سبيل التجدد، فنعم الله، عز وجل، لا تنقطع عن عباده ليل نهار، سواء أكانت نعما كونية عامة تعم المؤمن والكافر، أم نعما شرعية خاصة يستأثر بها المؤمن، إذ خص بمزيد فضل من الرب تبارك وتعالى.
وإضافة النعمة إلى الله، عز وجل، مئنة من عمومها، وإن نزلت الآية على سبب خاص، فإن ورود العام على سبب لا يخصصه، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن كان السبب مقدما على بقية أفراد العام من جهة دخوله في حد العام دخولا قطعيا لا يقبل النسخ أو التخصيص بخلاف بقية الصور فدخولها في حده ظني يقبل النسخ أو التخصيص، فالعام يدل على السبب دلالة قطعية ويدل على بقية أفراده دلالة ظنية، فتلك مزية السبب، وهي مزية لازمة له لا تتعدى إلى بقية الأفراد بالإبطال، فلا يهدر عموم النصوص بتخصيص متوهم، وهذا أصل في نصوص التنزيل: حملها على العموم ما أمكن، لئلا تهدر دلالاتها.
ودعوى التخصيص بلا دليل من أبرز سمات مناهج الاستدلال عند أصحاب المقالات الردية، إذ يتصرف في النصوص بالتأويلات الباطلة التي لا يشهد لها نقل أو عقل أو لسان، فتخصص عموماتها وتهدر دلالاتها انتصارا لمقالة حادثة أو نحلة فاسدة.
إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ: بدل أريد بالحكم ابتداء فتقديم المبدل منه إنما كان توطئة له، كما قرر النحاة، فهو من قبيل البيان الوافي بعد حصول التشويق بإيراد المجمل، فنعمة الله، عز وجل، التي خصت بالذكر بعد العموم الموطئ، على سبيل التنويه بشأنها، هي: كَفُّ أَيْدِيَهِمْ عَنْكُمْ.
وقد قيل في سبب نزولها أنه: ما جرى للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع غَوْرَث بن الحارث، لما سل سيف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المعلق، ثم أقبل عليه صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ قال: "الله"! قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا: من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الله"! قال: فَشَام الأعرابي السيف، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خَبَرَ الأعرابي، وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه.
واستبعده صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، من جهة إطلاق القوم في الآية، والمذكور في القصة واحد.
وقد يجاب عن ذلك بأن ذلك من باب إطلاق الجمع وإرادة الواحد، فيكون ذلك من المجاز المرسل المفرد الذي علاقته: الكلية، إذ أطلق الكل وأراد الجزء أو البعض، على حد قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فهو، أيضا، اسم جمع لا مفرد له من لفظه أطلق والمراد به واحد بعينه.
قال ابن كثير، رحمه الله، عقب إخراج هذه الرواية: وقال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا، وذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي، وتأول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} الآية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وذلك مما يشير إلى كون الآية قد نزلت على سبب آخر، فتأولها في هذا السياق، إنما هو حملٌ لتلك الحادثة بعينها وهي من: الخاص على عموم لفظها، فالصورة: صورة دلالة عام على حكم أحد أفراده، وذلك مما يشهد لما تقدم من كون العام الوارد على سبب يدل على حكم بقية الأفراد فلا يخص بصورة السبب، إذ حكمه جار عليها وعلى بقية الصور، وإن كان حكمه عليها أقوى من حكمه على بقية الصور، فدخولها في حده كما تقدم: قطعي، ودخول بقية الصور: ظني.
وقد يحمل لفظ التأويل هنا أيضا: على تصديق الخبر على حد قول عائشة، رضي الله عنها: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ)، فتأويل الخبر: تصديقه، وتأويل الأمر كما في الحديث السابق: امتثاله، فكأن تلك الواقعة قد جاءت مصدقة لنص التنزيل، فيقال على سبيل المثال: يصح تأول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) بهذة الواقعة، وإن لم تكن سبب نزوله، ويقال كذلك: كل آية أو حديث في عصمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: عصمة البلاغ يصح تأولها بهذه الواقعة إذ عمومها المعنوي يشملها، وإن لم يكن لفظها دالا عليها بعينها، فهي حادثة واحدة، والنصوص الدالة على العصمة: متعددة. فلا يتصور كون تلك الحادثة بعينها سبب نزول خاص لكل تلك النصوص، وإنما هي، كما تقدم، مما يندرج تحت عموماتها.
فتأويل الخبر: حقيقته التي توجد خارج الذهن إذا وقع، فكأن وقوع تلك الحادثة حقيقة خارجية يصح تأويل الآية بها، وإن لم تكن سبب نزولها، فالعبرة، كما تقدم، بتحقق معنى الآية فيها على جهة العموم، لا بدلالة مبناها اللفظي عليها على جهة الخصوص، وذلك جار على ما سبقت الإشارة إليه من حمل النصوص على العموم ما أمكن لئلا تهدر دلالاتها اللفظية والمعنوية.
ويقال ذلك، أيضا، في قول محمد بن إسحاق، رحمه الله، في نزول الآية في عمرو بن جحاش الذي أراد قتل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإلقاء حجر عليه كما في حادثة إجلاء بني النضير لما نقضوا العهد.
فعمرو بن جحاش واحد فيكون اللفظ في الآية مجازا فيه، أو حقيقة باعتبار الماهية، أو حقيقة بالنظر إلى مجموع المتآمرين، فلم يكن ابن جحاش وحده المتولي لتلك الجناية بل صدر عن رأي جماعة أشراف بني النضير، فهم في الوزر سواء.
وذكر صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، احتمالات في تعيين أولئك القوم، منها ما تقدم، ولم يرتض منها شيئا، بل مال إلى الترجيح بموضع آخر من التنزيل، على طريقة المحققين من أهل العلم في تفسير آي التنزيل بالتنزيل ما أمكن، فهو أول ما يفزع إليه في هذا الشأن، فقال:
"وقد ذكر المفسّرون احتمالات في تعيين القوم المذكورين في هذه الآية. والّذي يبدو لي أنّ المراد قوم يعرفهم المسلمون يومئذٍ؛ فيتعيّن أن تكون إشارة إلى وقعة مشهورة أو قريبة من تاريخ نزول هذه السورة. ولم أر فيما ذكروه ما تطمئنّ له النّفس. والّذي أحسب أنّها تذكير بيوم الأحْزاب؛ لأنّها تشبه قوله: {يأيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها} [الأحزاب: 9] الآية". اهـ
فجعل التشابه في المعنى فرعا عن التشابه في اللفظ.
والشاهد مما تقدم: أنها نعمة ربانية جليلة: كفاية الله، عز وجل، المسلمين، شر القتال ابتداء، كما وقع يوم الأحزاب، فلا يعدل العاقل بالسلامة شيئا، كما تقرر في مواضع سابقة، وإنما أمر المسلمون ببذل الأسباب، مع كمال التسليم لرب الأسباب ومجريها، عز وجل، وفق سننه الكونية النافذة، فبيده ملكوت كل شيء، فقلوب الأعداء وأبدانهم تحت مشيئته، فلو شاء لانتصر منهم ابتداء، ولكنه قدر القتال إظهارا لمعاني حكمته الباهرة في جريان سنة التدافع الكونية، وإظهارا لمعاني قدرته النافذة في ظهور الحق وإن قل عدده وعتاده، على حد قوله تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ
(يُتْبَعُ)
(/)
قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ).
وتلك من صور افتقار العباد إلى ربهم، عز وجل، وهو افتقار لازم لا ينفك عنهم، ولكنه يظهر في أوقات الشدة ما لا يظهر في أوقات الرخاء، ففي ميدان النزال: يفتقر العباد إلى غوث ربهم، عز وجل، بإجراء أسباب النصر، إذ النصر من جملة المولدات التي تحصل بفعل العبد المقدور له، فهذا حد التكليف الشرعي، وبأسباب خارجة عن قدرته، فهذا حد التأييد الكوني، تأييد: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، فلا غنى للعبد عن ربه، عز وجل، في إقداره على مباشرة السبب على جهة التكليف، وحصول المراد على جهة التأييد.
وفي قوله تعالى: (أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ):
كناية أولى عن شدة سطوة العدو، إذ بسط اليد مظنة التمكن من تناول الشيء على جهة القهر، ولا تمنع تلك الكناية من إرادة المعنى الحقيقي إذ لا يقع العدوان عادة إلا باليد، فهي أداة العراك الرئيسة، وإن وقع بغيرها فعلى سبيل التبع، فذكرها من باب: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)، وإنما تكتسب الذنوب باليد والعين والقدم ........ إلخ، وإنما ذكرت اليد تغليبا، فلا مفهوم لها، بل يعم البسط في الآية كل صور البسط بالسوء على حد قوله تعالى: (ويبسطوا إليكم أيديَهم وألسنتهم بالسوء)، وفي الإتيان بالمضارع: "أن يبسطوا": استحضار لصورة منقضية إمعانا في التذكير بالنعمة الربانية وفي مقابل هذه الكناية:
كناية أخرى عن ردعهم وزجرهم عما هموا به من العدوان، فالكف مظنة الرد بقوة في مقابل البسط على سبيل التعدي والجور، فالكلام جار على سبيل الطباق بين: البسط والكف، على وزان: لا يفل الحديد غير الحديد، وذلك آكد في تقرير، ما تقدم، من المنة الربانية، بزجر أولئك وكفهم في مقابل همهم الجازم بإيقاع الأذى بالمؤمنين.
وَاتَّقُوا اللَّهَ: فذلك لازم النعمة الربانية، فبعد الامتنان بعطاء الربوبية: ربوبية النصرة والعناية، جاء النص على لازمها من الأمر بإفراد الرب القادر، عز وجل، بالألوهية، إذ التقوى بفعل المأمور واجتناب المحظور من آكد صورها، إن لم تكن هي الدين كله، فمداره على: تصديق الخبر وامتثال الشرع.
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ: إظهار في موضع الإضمار تربية للمهابة، كما اطرد في كلام المفسرين، فضلا عن دلالة الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، والتعريض بتعليق الحكم على وصف الإيمان فهو يفيد ذم من لم يقم به ذلك الوصف على حد: وعلى الله فليتوكل المؤمنون وحدهم أما الكافرون فلا حظ لهم في هذه العبودية الجليلة، فهم بمنأى عنها، فرعا عن نأي قلوبهم عن التصديق والإقرار الموجب لكمال التسليم والانقياد الظاهر والباطن.
وذكر التوكل في مقام رد العدوان فيه من تناسب المعنى ما يلتئم به السياق، فالشدة، كما تقدم، مظنة استخراج عبوديات التوكل والاستغاثة والاستعانة .......... إلخ من عبوديات القلب المفقودة في الأعصار المتأخرة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 08 - 2009, 08:21 ص]ـ
ومن قوله تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ:
قضاء شرعيا على جهة الإخبار، ولذلك عدي بـ: "إلى"، على تضمين "قضينا" معنى: أبلغنا، و: ووصلنا على حد قوله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، فالتعدية باللام من جنس التعدية بـ: "إلى" وإن لم تماثلها من كل وجه، أو تقدمنا إليهم بكذا، وهو بخلاف القضاء الشرعي على جهة الأمر في نحو قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، أي: قضى شرعا وإن لم يقع كونا، فذانك قسما القضاء الشرعي، وهو قسيم القضاء الكوني النافذ في نحو قوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)، فمادة القضاء في التنزيل تدور حول ذينك النوعين: الشرعي الحاكم ولازمه: تصديق الخبر،
(يُتْبَعُ)
(/)
وامتثال الأمر فعلا والنهي تركا فهو من مقامات الألوهية، و: الكوني النافذ ولازمه وقوع المقضي لا محالة فهو من مقامات الربوبية، والتلازم بينهما قطب رحى الملة، إذ الرب العليم الحكيم القدير: مدبر الكون بكلماته الكونيات النافذات هو الإله المستحق لتمام التأله بمقتضى كلماته الشرعيات التي جاءت بها النبوات وحيا: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)، والإنذار ترهيب بما بعد الموت من الغيب الذي لا يدركه العقل فلا يعلم إلا من جهة السمع، فانتظم ذلك أصول الإيمان: الإيمان بالرب الخالق والإله الشارع، والنبوات، والغيب الكائن في اليوم الآخر.
و: "أل": في "الكتاب": إما على العهد الذهني فيكون المراد: التوراة، أو الاستغراق الجنسي فيكون المراد: جنس الكتب المتقدمة.
وبعد إجمال القضاء جاء البيان:
لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ: إفسادا مؤكدا بلام جواب القسم المحذوف، ونون التوكيد المثقلة، وهو كائن بقدر الله، عز وجل، الكوني، فالله، عز وجل، لا يحب الفساد، على حد قوله تعالى: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ). فلا يحبه دينا وإن شاء وقوعه لحكمة بالغة تربو على مصلحة عدم وقوع المكروه، وتلك عين الحكمة الإلهية.
والإشارة بـ: "مرتين" إلى الملحمتين اللتين وقعتا ليهود مع:
البابليين والرومان، فالتثنية باعتبار جنس الملحمتين وإن تضمنتا من الوقائع الجزئية ما يزيد على المرتين كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله.
وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا: عطف لازم على ملزومه فإن من لوازم الإفساد في الأرض العلو والاستكبار بغير الحق، فهو مظنة البغي، وقد بلغ القوم غايته قبل أن تحل بهم الملحمتان على جهة العقوبة.
ومن علا في الأرض فإنه يتشبع بما لم يعطه من وصف الكمال المطلق، فالمتكبر مستغن عمن سواه بل قاهر له، وتلك معان جلال لا يصح إطلاقها على جهة المدح إلا في حق الله، عز وجل، إذ العلو وصفه: ذاتا وشأنا لازما وقهرا متعديا، قد قهر الخلق بإرادته الكونية النافذة، فالأسباب لا تجري إلا وفق إرادته، والأعيان لا توجد إلا وفق مشيئته، فيجري عليها من سننه الكونية ما يجري فإيجاد وإعدام، وشفاء وإعلال، وإغناء وإفقار ........... إلخ.
فمن جوز لنفسه الاتصاف بهذه الصفات، أو التلبس بها على جهة الزور والبهتان، إن شئت الدقة، عوقب بمقتضى سنة التدافع الكونية، فسلط عليه جبار أطغى منه وأظلم، ليقتص منه بجنس وصفه، فهو من باب المشاكلة، إن صح التعبير.
ومن تاريخ الأندلس الحبيب شاهد: إذ ظلم عبد الملك ابن جهور، ملك قرطبة رعيته، فسلط عليه يحيى بن ذي النون ملك طليطلة فاستنجد بالأمير الشهير: المعتمد بن عباد، صاحب إشبيلية، أعظم ملوك الطوائف، فتظاهر بنصرته، ثم استولى على حاضرة ملكه، فقال ابن جهور في معرض تضرع المظلوم الذي كان بالأمس القريب ظالما: "اللهم كما أجبت الدعاء علينا فأجب الدعاء لنا، فإننا اليوم مسلمون مظلومون"، فسلط الله، عز وجل، أمير المسلمين: يوسف بن تاشفين، رحمه الله، بطل الزلاقة، على المعتمد لما ظهر له تآمره مع ألفونسو السادس ملك النصارى، فحمله إلى أغمات مأسورا مقيدا، فكانت محنته الشهيرة التي ولدت أبياتا سارت بها الركبان:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة ... يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة ... أبصارهن حسيراتٍ مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافية ... كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
من بات بعدك في ملك يسر به ... فإنما بات بالأحلام مغرورا
فلما طغا القوم أولا بعث عليهم البابليون ابتداء:
(يُتْبَعُ)
(/)
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا: أولى الملحمتين: والوعد مصدر على تأويل الموعود، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، على حد قوله تعالى: (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)، فهو على حد مجاز التعلق الاشتقاقي أحد أقسام المجاز المرسل المفرد، كتأويل قوله تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)، بالمخلوق، وتأويل قوله تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) بالمصنوع، ومن ينكر وقوع المجاز في التنزيل يقول: لا حاجة إلى ذلك، فإن السياق دال بداهة على مجيء الوعد الذي هو فعل الرب، جل وعلا، إذ بكلمته التكوينية النافذة، تقع المقدورات في عالم الشهادة وفق ما علم وقدر أزلا، فيجيء الخلق مطابقا للعلم، إذ الموصوف بهما على حد الكمال المطلق: واحد، فمن علم أزلا هو الذي شاء الخلق في لحظة بعينها فشاء بوعده: أن تجيش بابل جيوشها لتغزو بيت المقدس عقوبة لأهلها، فمجيء فعله، عز وجل، وهو هنا: الوعد، بمعنى حدوث آحاده، بمقتضى مشيئته العامة، يلزم منه مجيء الموعود الذي يكون به، فالأمر الرباني يلزم منه وقوع المأمور الكوني، على حد قوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ)، ففيها تفرق الأمور الكونية بأوامر ربانية، وكذلك الوعد الرباني بمسرة أو مساءة يلزم منه وقوع الموعود، فالموعود فرع الوعد، فإذا أتى الأصل فإن الفرع آت بداهة، فالمخاطب يعلم بلا تكلف قرينة مجاز أن الآتي في عالم الشهادة هو مقتضى ذلك الوعد من خير أو شر، وقد يقال بأن إيثار الوعد بالذكر في هذا السياق على الموعود تنبيه على قدرة الله، عز وجل، النافذة، ففعله هو الأصل الذي صدر منه ذلك الغزو البابلي، فصدوره: صدور مخلوق مكون من خالقه بكلمة تكوينية نافذة، فهي العلة التامة المؤثرة التي يوجد المقدور عقبها، إذ ترجع إليها بقية الأسباب الكونية المخلوقة، فلا استقلال لها بالتأثير كاستقلال الكلمات الكونيات بالإيجاد والتدبير، فكل سبب لا بد له من سبب سابق إلى أن ترجع الأسباب إلى سبب كامل لا يفتقر إلى ما سواه، بل كل ما سواه هو المفتقر إليه على جهة الاضطرار، وتلك حقيقة الغنى الذاتي المطلق الذي يعاقب كل من انتحله من الخلق المربوبين، بتسليط سنة من سنن الكون عليه تكشف عواره وتفضح فقره واضطراره، لعله يرجع عن كبره وغيه، على حد قوله تعالى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)، و: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وقد انتحل فرعون والنمرود ذلك الوصف، وهو من أخص أوصاف الربوبية القاهرة، فكان من أمرهما ما كان، والسنة الربانية ماضية مطردة، فمآل مدعي الكمال افتضاح أمره بظهور نقيض ما ادعاه من النقصان، ومآل مدعي الغنى افتضاح أمره بادعاء نقيض ما ادعاه من الفقر الذاتي، وكل من نازع الجبار وصفا من أوصاف جلاله، فمآله جريان السنة الربانية بإهلاكه وإذلاله.
فلا يلتفت العاقل إلى الواقع في عالم الشهادة دون المقضي في عالم الغيب، فإن وقوع العقوبة الكونية مئنة من كمال ربوبيته، عز وجل، إذ أذن لسبب كوني أن يعمل بمقتضى مشيئته النافذة، فصرف قلوب البابليين على حشد الجمع، فبعث على بني إسرائيل بعثا كونيا نافذا، ضمن معنى التسلط إمعانا في العقوبة والنكاية، فالتسلط مظنة القهر، بخلاف البعث فإن منه الشرعي النافع، والكوني الماحق.
بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ:
ونكر العباد مئنة من عظم قواهم وكثرة عددهم وعتادهم، وزيد في الوصف إطنابا في معرض تقرير سنة العقوبة الكونية، فهم أولوا بأس شديد، فكيف ببأس خالقهم، عز وجل، الذي أذن لهم بقدرته وعدله وحكمته أن يقتحموا محلة يهود، ولو شاء لثبطهم وأقعدهم، فقلوبهم بيده، وذلك أمر تكرر في بعث المغول على حاضرة الخلافة، ولو شاء الله، عز وجل، لانتصر منهم، وحديثا بعثت أمم الشرق والغرب على أمة الإسلام فبعث السوفييت على بلاد الأفغان وبعث الصرب على مسلمي البلقان، وبعث الروم على حاضرة الخلافة كما بعث المغول عليها من قبل، فالمسمى واحد وإن اختلف الاسم ............... إلخ، وتلك عقوبة كونية نافذة، وفتنة وابتلاء، ليظهر مكنون الصدور، ويعلم المستيقن من الشاك المرتاب، فإن من غفل عن السنن الربانية في الظهور والتمكين فرعا عن الطاعة، وضعف الشوكة وانحسار الدولة فرعا عن المعصية، من غفل عن ذلك تطرق إليه الشك في صحة هذه الرسالة، لا سيما في الأعصار المتأخرة التي تقاس بها الأمور بأسباب الشهادة قياس الأرقام والمعادلات دون نظر في أسباب الغيب من سنن وكلمات تكوينيات.
فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ:
فاستباحوا المحلة بأكملها، وتخللوا طرقها وأحياءها جيئة وذهابا، وربما أقاموا نقاط تفتيش، فنصبوا أكمنة ومتاريس!.
و: "أل": في "الديار": عهدية تشير إلى ديار بعينها هي ديار بيت المقدس، إن اعتبر خصوص السبب، ولقائل أن يقول إن قياس الطرد القرآني في معرض الثواب والعقاب المعلقان على أسباب: الطاعة والمعصية، قرينة تُجَوِّز تعميم المعنى ليشمل غيرهم، فينظر إلى العموم المعنوي، وإن لم يكن اللفظ عاما، إذ هو بمنزلة العلة، والعلة: وصف عام يصح تعديه من الأصل المقيس عليه إلى الفرع المقيس.
وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا:
أي موعودا كونيا نافذا مفعولا، ووصفه باسم المفعول: "مفعولا" شاهد لما تقدم من إطلاق الوعد وإرادة الموعود، والتذييل به جار على ما تقدم من التوكيد على طلاقة القدرة الربانية في معرض بعث السنن الكونية بما ينفع أو يضر، وذلك، كما تقدم، شاهد لعظم شأن الرب، جل وعلا، من جهة نفاذ كلماته، ومن جهة إيجاد الأضداد بها، فلا يعجزه خلق الشيء وضده.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 08 - 2009, 07:28 ص]ـ
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ:
بمقتضى سنة التدافع، إذ كان ما أوقعه بختنصر بهم استدراجا له، وعقوبة لبني إسرائيل كما أثر ذلك عن دانيال عليه السلام، فلما استوجب بختنصر الهلاك ببغيه وإفساده، ورجع بنو إسرائيل إلى ربهم، عز وجل، إذ ذلك من منح البلايا، فهي التي تجمع بين العبد وربه، عز وجل، فاستوجبوا النجاة، فسلط الله، عز وجل، على البابليين ملك الفرس "كوروش"، فأعمل سيف الاستئصال فيهم، ورجع بنو إسرائيل إلى أورشليم مرة أخرى، فالحكم دائر مع علته وجودا وعدما، فذلك أصل عظيم في السنن الكونية والسنن الشرعية، على حد سواء، إذ قد أقيم الكون على أسباب تؤدي إلى مسبِّباتها، تصدر عن السبب الأول الذي لا سبب وراءه: كلمات الله، عز وجل، الكونيات، فهي العلة التامة المؤثرة في إيجاد الأسباب المغيبة والمشهودة وجريانها وفق سنن مطردة لتنتج مسبَّباتها، وكذلك الشرع قد أقيم كثير من أحكامه على علل معقولة، تدور معها الأحكام الشرعية وجودا وعدما، وذلك ما اصطلح الأصوليون على تسميته بالدوران الوجودي والعدمي للحكم مع أوصاف منضبطة مؤثرة يدرك العقل ارتباطها بمسبَّباتها، وذلك لا يكون في الأحكام التعبدية المحضة التي لا يدرك العقل وجه الحكمة فيها، وإنما ابتلي بامتثالها فرعا عن تصديق خبر الرسالات.
والشاهد أنهم قد استوجبوا الرجوع إلى أورشليم لما رجعوا إلى الله، عز وجل، فتحققت فيهم علة استحقاق سكنى الأرض المقدسة، إذ لا يسكنها إلا أتباع الرسالات على حد الاستمساك بالوحي لا التفريط فيه، فإذا فرطوا: سلط الله، عز وجل، عليهم، من الأمم من يسومهم سوء العذاب قتلا وسبيا وتشريدا، ومع ذلك كانت تلك الملاحم ذريعة إلى حقد فئام من يهود على النوع الإنساني، الذي أنزل بهم ذلك الكرب العظيم، فتبلورت العنصرية التلمودية في تلك الأجواء، فكتب التلمود دستورا لبني يهود، يعترف بسيادة جنسهم، لمجرد أنهم نسل إسرائيل، ولو كانوا أبعد الناس عن طريقة الأنبياء، عليهم السلام، فكان دستورهم دستور كل محدث في الدين يدعي لنفسه من أوصاف الكمال والنجاة ما ليس له، فدعواه عارية عن الصحة لا دليل يشهد لها من نقل صحيح أو عقل صريح، إذ القياس العقلي المطرد أن النجاة لا تتعلق بالأعيان، وإنما تتعلق بالأوصاف فمن تحققت فيه معاني التصديق والامتثال لأخبار النبوات وأحكامها، فهو الأحق بالنجاة، وإن كان جنسه أدنى الأجناس، ومن لم تتحقق فيه فليس أهلا لها وإن كان أشرف الأجناس قدرا، وأشرف الأعيان نسبا، وأبو لهب شاهد عدل على تلك القاعدة الربانية المطردة، قاعدة: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، وإن فضلت أجناس على أجناس، فذلك باعتبار الكل لا الجزء، فجنس العرب أفضل من بقية الأجناس جملة لا تفصيلا، إذ من العجم من يزن أمة من العرب، ولكن جملة العرب قد فضلوا على بقية الأمم بما اختصهم الله، عز وجل، به من أوصاف الكمال من: صحة عقل وفصاحة لسان، فحسن لذلك بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم، فكان المرجح الذي يعارض، إذ ذلك دليل قاطع على تفضيل جنسهم على بقية الأجناس إذ لا تبعث الرسل عليهم السلام إلا في أفضل الأمم بل لا تبعث إلا في نسب قومها، ولذلك كانت قريش أفضل العرب، وذلك أيضا باعتبار جملتها لا آحادها، فآحاد المؤمنين وإن لم يكونوا قرشيين خير من أبي جهل القرشي المخزومي النسيب، والتفضيل الجملي باعتبار الجنس الكلي لا الفرد الجزئي أصل جليل في باب التفضيل.
ولم يكن لبني إسرائيل من أصحاب الطريقة التلمودية، لم يكن لهم من ذلك نصيب إذ أعماهم التعصب، فلم يروا شريفا إلا من كان إسرائيليا، ولو كان تلموديا يهاجر بعداوة الرسالات، ولم يروا وضيعا بل بهيمة في مسلاخ البشر قد خلق لخدمة سادته من الشعب المختار! إلا بقية شعوب الأرض، وقد كان ذلك الشعب يوما ما مفضلا على بقية الشعوب لكون النبوة متواترة فيه، وذلك من بركات الوحي الذي يرفع الله، عز وجل، به أقواما ويضع أقواما، فكان على ما تقدم من قاعدة التفاضل بين الأجناس: خير أجناس الأمم وإن لم يكن أفراده خير أفراد البشر، إذ السائر على طريقة الأنبياء، عليهم السلام، هو
(يُتْبَعُ)
(/)
الفرد المفضل بإطلاق، ومن رحمة الله، عز وجل، أن ذلك الفرد المفضل: كلي مشترك لا يوجد إلا في الأذهان، فتصوره لا يمنع وقوع الشركة فيه إذ هو مفضل باعتبار وصف عام إذا تحقق في أي فرد في خارج الذهن استحق وصفه من التفضيل، على ما اطرد من دوران الحكم مع الوصف المعلِّل له وجودا أو عدما، فليس ذلك حكرا على أفراد بعينهم، وتلك قاعدة المدح والذم الشرعي، وما يلزم منهما من الثواب والعقاب الرباني.
قاعدة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ): فليست الخيرية في مقام التفضيل على بقية الأمم في الآية: عنصرية، كما ادعى أعداء الملة الخاتمة ومن التحق بركبهم من المستغربين والعلمانيين، بل هي خيرية: وصف: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، كما أثر ذلك عن عمر، رضي الله عنه، ومجاهد واختاره الزجاج، كما ذكر ذلك ابن الجوزي، رحمه الله، في "زاد المسير"، فهو متحقق في أمة الإجابة باعتبار جملتها، وأمة الإجابة: أمة عالمية لا عربية أو قرشية، على حد قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، فيدخل فيها المصري والشامي والمغربي والتركي والفارسي والأوروبي ........... إلخ من أجناس البشر إذا تحقق فيه وصف: (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)، إذ الأمر، كما تقدم، قد علق على وصف كلي جامع، يصلح لأي فرد في الخارج، بخلاف من يلمز أتباع الملة الخاتمة بالعنصرية، وهو لا يقبل تابعا يلتحق بركبه لئلا يتلطخ جنسه النقي بأدران الأمميين!، فليست أرض الميعاد إلا لليهود الخلص، مع أنهم عند التحقيق بتلك الملة ملصقون، ولنسبها مدعون، فليسوا إسرائيليين خلص، بل هم من شذاذ الآفاق من يهود الخزر ........... إلخ.
وقد كانوا بعد ذلك، مع ادعائهم الخيرية المطلقة أعدى أعداء المسيح عليه السلام، خاتم أنبياء بني إسرائيل قبل أن ترفع منهم النبوة فتنتقل إلى أبناء عمومتهم من بني إسماعيل الذين اختصهم الله، عز وجل، بأعظم كرامة إذ انتقلت القيادة من الفرع الإسحاقي إلى الفرع الإسماعيلي، فاختار الله، عز وجل، العرب، لحمل الرسالة الخاتمة إلى بقية الأمم برسم الفتح لا القهر، برسم الإيمان لا الطغيان كبقية الفتوحات العسكرية التي كانت فتحا للبلاد نهبا لخيراتها وقهرا لأهلها، ولذلك سرعان ما زالت بزوال دولها، إذ جرت عليها سنة الإهلاك والاستبدال، سنة: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، كما جرى للإسكندر، وللقياصرة والأكاسرة من بعده، فلم يعد لهم من الرسوم بعد زوال دولهم إلا آثار دارسة، بخلاف دولة الإسلام التي فتحت القلوب لخير الأديان، وأزالت الطغيان من البلدان، فتخلص أهل تلك البلاد بشهادة التاريخ: شاهد العدل في تلك المضائق، وشهادة المنصف وإن كان مخالفا، من قيد الرق الذي أصاب القلوب والأبدان، فكانت القلوب رقيقا لعقيدة قيصر أو كسرى، فلهما من القداسة ما يجوز عبادتهما، أو انتحال مقالتهما، جبرا بلا اختيار، فإذا تنصر قسطنطين، ومزج دين المسيح عليه السلام بوثنياته الرومية، فعلى شعوب الإمبراطورية أن تخضع للدين الجديد: دين الملكانيين، وعلى المتآمرين في مجمع نيقية أن يقروه، ولو بحد السيف، فلا أغلبية إلا حزب الإمبراطور وإن قلت، ولا أقلية إلا المعارضون وإن كثروا، إن صحت تلك الطريقة البرلمانية في تقرير العقائد الإلهية، فصار البشر في حاجة إلى إحداث مقالة تخالف مقالة النبوات بعد رفع صاحبها عليه السلام بنحو ثلاثة قرون!، وحسبك بذلك تحقيرا لأخبار الوحي وتعظيما لأهواء العقل، وحال المصريين، على سبيل المثال، وقد كانوا على طريقة اليعاقبة، وهي أشد فحشا وغلوا من طريقة الملكانيين، حالهم خير شاهد على سياسة القهر الروماني الذي سامهم خطة الخسف حتى جاءت خطة الفتح العَمْري بالرسم العُمَري: رسم: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، وإن كانوا كفارا، بل وإن كانوا أشد
(يُتْبَعُ)
(/)
كفرانا من الملكانيين الذين احتلوا أرضهم ونهبوا خيراتهم، وصيروا بلادهم بقرة تستحلب لإمداد روما بالمؤن والغلال، ولذلك كان فتح مصر، وقد جرى على رسم النبوة، سببا في إقبال المصريين على الدين الخاتم، إذ عاينوا القدر الفارق بين فتح أهل الإيمان وفتح الرومان، وقل مثل ذلك في حق أمم الشرق من أهل العراق وفارس وبلاد الترك وإلى الصين التي لا زال الإسلام في الأرض التابعة لها، ولو على سبيل الاحتلال والقهر، أرض: تركستان الشرقية: ظاهرا، رغم كل صور الاضطهاد الديني في دولة تزعم أن إلحادها الشيوعي: ديمقراطي يسمح بتعدد الأديان والأعراق!، والشاهد أن القلوب كانت رقيقا، والأبدان كانت لها في ذلك الرق تبعا، حتى جاءت جيوش الفتح التوحيدي برسم: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ). والتاريخ، كما تقدم، شاهد عدل في تلك المضائق، لا سيما وقد جرت السنة الكونية على أمة الإسلام الآن بانتزاع بيت المقدس منها، لما حادت عن السنة الشرعية ورأينا من صور التسامح التلمودي مع المقدسيين ما لا يخفى!، وذلك فتحهم وهذا فتحنا، ولكل عقل يزن به الأمور.
والشاهد أن السنة الكونية قد اطردت في حقهم وحق أعدائهم من أبناء بابل، فكانت لهم الكرة بأن رجعوا أعزة إلى نفس المكان الذي أخرجوا منه أذلة صاغرين برسم السبي، وذلك أبلغ في تقرير المنة الربانية، ثم أطنب في بيان تلك المنة، إذ يحسن التفصيل في مقام الامتنان: وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ: ونسبة الإمداد إلى الله، عز وجل، على التعظيم الذي دل عليه ضمير الجمع: "نا": أبلغ في بيان عظم تلك النعمة، إذ عظمها من عظم المنعم بها، جل وعلا، ونكرت الأموال والبنين تعظيما، فذلك، أيضا جار على ما تقدم من تقرير المنة الربانية على الشعب المسبي بالمعصية المعتق بالطاعة، وفي نفس السياق: وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا:
فالجعل في هذا السياق: كوني فرعا عن التزام الأمر الشرعي، والتفضيل إما باعتبار حالهم قبل السبي، أو باعتبار عددهم في مقابل عدد عدوهم كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله.
وبعد ذلك جاء القانون الكلي المطرد: قاتون الثواب والعقاب العام، إذ العبرة بعموم لفظه لا بخصوص سببه، فليس الأمر مقصورا على أمة أو جنس بعينه، بل هو عام، فالخطاب لهم باعتبار اللفظ، ولجميع المكلفين باعتبار المعنى فـ:
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ: فإن أحسنتم بامتثال الشرع، أحسنتم لأنفسكم باستدفاع محن القدر واستجلاب منحه، فمن يمن الطاعة: صلاح الدين أصلا والدنيا تبعا، ولو وقع الابتلاء ابتداء ليمتاز العباد وتمحص القلوب، فإن مآل الأمر ظهور أهل الحق، فلهم الدولة في الدنيا والآخرة على حد قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ". فالمشاكلة بين اللفظين باعتبار اختلاف المتعلقين: الشرعي في الإحسان الأول سواء أكان لازما في النفس أو متعديا في الغير فلا ينفك جنس الإحسان الشرعي عن ذينك النوعين كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، و: الكوني في الثاني، تلك المشاكلة تزيد المعنى بيانا وبهاء.
وجعلها صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، من باب تكرار الفعل تنويها بشأنه، والتجريد إمعانا في بيان معنى الإحسان، فكأن المحسن قد جردت منه ذات يتعدى إليها إحسانه، فهو المحسن إلى نفسه حقيقة، وإن كان فعل إحسانه متعديا إلى غيره، إذ لا ينفك عن طلب الثواب الأعظم في دار الجزاء فهمته، عند التحقيق، متعلقة بمصلحته، وإن كان ساعيا في مصلحة غيره ونص كلامه:
(يُتْبَعُ)
(/)
"وأسلوب إعادة الفعل عند إرادة تعلق شيء به أسلوب عربي فصيح يقصد به الاهتمام بذلك الفعل. وقد تكرر في القرآن، قال تعالى: {وإذا بطشتم بطشتم جبارين} [الشعراء: 130] وقال: {وإذا مروا باللغو مروا كراما} [الفرقان: 72].
وقوله: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) جاء على طريقة التجريد بأن جعلت نفس المحسن كذات يحسن لها. فاللام لتعدية فعل {أحسنتم}، يقال: أحسنت لفلان". اهـ
وعلى الجانب الآخر: من قبيل: الطباق أو المقابلة:
وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا: أي عليها، وذلك من شؤم المعصية في مقابل يمن الطاعة، فالحكم مطرد منعكس، فاطراده: ثبوت الحكم زيادة أو نقصانا لوجود العلة أو عدمها، فمتى كانت طاعة كان الإحسان بالزيادة، ومتى كانت معصية كانت الإساءة بالنقصان، فهذا قياس الطرد، وانعكاسه: ثبوت ضده بوجود ضد وصفه، فيثبت ضد الوعد من الوعيد إذا لم توجد علة الوعد من الطاعة، ويثبت ضد الوعيد من الوعد إذا لم توجد علة الوعيد من المعصية، فهذا قياس العكس، وهو أمر مطرد في كل سياق ورد فيه وعد أو وعيد، وهو عام، كما تقدم، بالنظر إلى معناه الكلي الجامع، فذلك الأصل في باب: الثواب والعقاب.
ولذلك: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا:
إذ كفروا، كما تقدم، بالمسيح عليه السلام، بل وسعوا في قتله، فأنجاه الله، عز وجل، منهم، وتحقق فيهم الوصف الموجب للعقوبة الكونية، فسلط الله، عز وجل، عليهم هذه المرة: "طيطس" القائد الروماني، كما نقل ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في "الجواب الصحيح" عن المؤرخ النصراني "ابن البطريق": "ذكر أن طيطس خرب البيت المقدس بعد المسيح بسبعين سنة بعد أن حاصرها وأصاب أهلها جوع عظيم وقتل كل من كان فيها من ذكر وأنثى حتى كانوا يشقون بطون الحبالى ويضربون بأطفالهم الصخور.
وخرب المدينة والهيكل وأضرم بها النار وأحصى القتلى على يديه فكانوا ثلاثة آلاف ألف"
فذلك وعد الآخرة في قوله تعالى: (وَعْدُ الْآَخِرَةِ).
وإسناد الإساءة إلى الوجوه من باب إطلاق المسبَّب وإرادة سببه مما يستجلب به سواد الوجوه من جنس الإهانة والإذلال الذي لا يفارق وجوه الأمم المغلوبة. إلا إن كان الفتح برسم النبوة، فإنه رحمة بالقلوب والأبدان فلا تعلو الوجوه به مهانة أو مذلة، إذ القلوب آمنة مطمئنة.
وقد فعل بهم طيطس ما فعل لما استباح بيت المقدس، وفعل عمر، رضي الله عنه، بهم ما فعل يوم فتح بيت المقدس، وكل يعمل على شاكلته، فذلك غزو طيطس وهذا فتح الخليفة الشهيد رضي الله عنه.
ودخولهم: دخول غزو غاشم لا فتح راحم، إذ ليس لسيفهم نصيب من تركة النبوة ليرحم المخالف أو يعدل معه، فلا حرية: "للآخر"!، ولا احترام لدينه أو مساجده أو سائر حرماته، ولعل ما اطرد بعد ذلك من دخول أعداء الملة الخاتمة بلاد المسلمين: برسم الغزو والاستباحة خير شاهد على ذلك، فدخولهم بيت المقدس بعد ذلك قد استبيحت فيه دماء سبعين ألفا من الموحدين، ودخولهم أرض البلقان قد استبيحت فيه دماء مئات الآلاف، ودخولهم العراق قد استبيحت به دماء أمة من البشر تجاوز عددها المليون، وذلك فرقان بين طريقة النبوة وطريقة أعدائها. فهي، كما تقدم، رحمة للموافق والمخالف، وتلك نقمة على الموافق قبل المخالف وحال جنود أمريكا خير شاهد على ذلك وعلى نفسها جنت براقش.
فمتى أحسنا رد إلينا المسجد الأسير، كما رد لعمر وصلاح الدين، ومتى أسأنا سلب منا كما سلب إبان الحملة الصليبية الغابرة، وإبان الحملة اليهودية المعاصرة، مع تبجح الزعيم الخالد آنذاك وتشدقه بعبارات الفتح!، ولم يكن الله، عز وجل، ليفتحها على يد عصابة من الأشرار نصبت العداء لدينه في أرض الإسلام، فذلك خلاف السنة الكونية التي سبقت الإشارة إليها مرارا، وبيت المقدس لا يفتح إلا برسم النبوة، وإن كابر صناع القرار من أصحاب موائد الحوار المستديرة!.
وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا: إمعان يالإطناب في تقرير العقوبة الكونية، كما أمعن بالإطناب في الآية السابقة في تقرير المنة الربانية بالرجوع وكثرة الأموال والبنين والنفير. فذلك جار على ما اطرد في التنزيل من الجمع بين المتقابلات إذ بضدها تتميز الأشياء كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.
والله أعلى وأعلم.(/)
أفضل التخصصات العربية؟
ـ[عارف الحمزي]ــــــــ[12 - 02 - 2009, 05:14 م]ـ
لم يعد لدي شك في أن التخصص في بلاغة القرآن الكريم وإعجازه هو أعلى الهرم في الدراسات اللغوية - على كثرتها -؛ ذلك أن أغلى ما يستفيده الدارس من تخصصه أن يكون وسيلة لتنمية فكره ونظرته لنظام الحياة ليقوده ذلك إلى التعامل الصحيح مع ذلك النظام.
ولا شك أن الدراسة البلاغية مرتبطة تماماً بنصوص القرآن المعظم والسنة المشرفة وأحاسن الشعر والنثر, وكلما زاد التمعن في تلك النصوص كلما نمى الفكر وأشرق وتنور حتى إن صاحبه ليجد من المتعة واللذة في إدراك أسرار القران والحديث وروائع المعاني الشعرية والنثرية ما يجعله في مصاف كبار السعداء.
ونفس المتعة يجدها في مقام التدريس والتعليم إذ يجد مجالاً لمعالجة الفكر ومناقشة القضايا السلوكية والحياتية لدى تلامذته من خلال النصوص التي يختارها لدعم قواعده ونظراته.
وفي نفس الوقت يجد أخوه الآخر المتخصص في جوانب اللغة الأخرى كالنحو والصرف ونحوهما العنت المتتالي في قرآءته الخاصة وعلى مستوى التدريس والإلقاء ذلك أن مقاصد الدراسة النحوية والصرفية قواعدية جافة بعيدة عن الفكروالحياة.
وهذا لا يعنى التنكر لأهمية الدراسات الأخرى غير البلاغية أو الغض من شأنها وإنما هو بيان لقدر كل منها وجوانب الفضل فيه كما يعنى الدعوة إلى اختيار ذلك التخصص لمن لم يحدد مساره حتى الآن.
ـ[د/صلاح]ــــــــ[12 - 02 - 2009, 08:03 م]ـ
لا يماري ذو نهية فيما ذهبت اليه، واني لاحسب ان الدارس والباحث في مجال البلاغة القرانية مرابط علي ثغر من ثغور الاسلام عظيم .. كيف لاوالبحث في الاعجاز القراني يثبت ويؤكد صحة الرسالة المحمدية وان القران الكريم كلام الله المعجز.
ـ[ضاد]ــــــــ[12 - 02 - 2009, 10:44 م]ـ
بارك الله فيكما.
اسمحا لي أن أخالفكما, فالبحث في القرآن الكريم رغم قيمته ومنزلته إلا أنه لا يقدم للعربية جديدا, بل يقدم للدين, ويأتي ليثبت ما هو ثابت منذ قرون. أرى من أولويات هذا العصر البحث في سبل تطوير العربية والدرس اللغوي للنهوض باللغة وتقريبها من متكلميها, فإن في هذا حفظا لها وللدين وللقرآن, لأن أجيالنا الحاضرة لا تفهم العربية ناهيك أن تفهم كتاب الله تعالى, ونخشى أن يأتي يوم يسمع أولادنا القرآن فيحسبونه أعجميا.
ـ[جلمود]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 01:04 ص]ـ
ويأتي ليثبت ما هو ثابت منذ قرون
إن معجزة القرآن الكريم الكبرى هي بلاغته، وبلاغته لا تنقضي مع الزمن، لذا فالبحث البلاغي لا يثبت ما هو ثابت منذ قرون، وإنما هو متجدد لا يبلى، وسنظل إلى يوم الدين نحاول أن نحيط ببلاغته ولن يخلق.
ـ[المستبدة]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 02:50 ص]ـ
فالبحث في القرآن الكريم رغم قيمته ومنزلته إلا أنه لا يقدم للعربية جديدا,
؟؟؟
!!!
ما هذا؟ إننا لا نستطيع أن نقول ذلك.
فالقرآن في معجزة، يقدم كل يوم جديدا لمن يطرق عظائمه و وقاره وبلاغته.
بل يمكن أن نقول: أننا لم نصل بعد إلى كثيرٍ من أسراره، وما يقدمه للعربية.
قد نكون نحن من يعترينا القصور في ربط كل جديد بينهما.
صحيح أنّ جلّ القواعد أُسِّست، لكن حين نعلم أنه (معجزة) سننتظر أكثر وأكثر.
أشعر أنّك لم تقرأ عبارتك جيدا:
(لا يقدم جديدا)؟؟!
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 08:45 ص]ـ
ـ قرأت مرة: إن البلاغة علم لم ينضج ولم يحترق.
ـ أستاذنا: "ضاد" يبدو أنه قد انغمس في الدراسات اللغوية الحديثة؛ التي هي كالوجبات السريعة، مع (الكاتشب) و (المايونيز):)
ـ وحتى لا يفهم أخونا: "ضاد" أنا لا نفهم ما الذي يريد أن يفهمنا إياه، نقول له إنا نفهم ذلك، أو على الأقل ندعي الفهم؛ ولكنا نخاف عليه أن يوغل أكثر؛ فإن كلا طرفي قصد الأمور ذميم!
ـ ولذلك فأنا معه في أن الدراسات الحديثة المعنية بدراسة البلاغة القرآنية بل وحتى البلاغة النبوية؛ لم تقدم أي جديد؛ لأسباب كثيرة منهجية وموضوعية ليس المجال مجال ذكرها الآن؛ بل إنها جُنِّدت لخدمة (أجندة) خاصة ـ ضيقة إلى حد بعيد ـ لا تعبر عن روح الدرس البلاغي والغاية المرادة منه.
ـ[ضاد]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 12:26 م]ـ
إن الدراسات القرآنية الحديثة لا تقدم للعربية الحديثة شيئا ولا تحل مشاكلها التي تعاني منها ولا تطور الدرس اللغوي الذي ينفر منه التلاميذ فلا يتعلمون لغتهم. من الجميل البحث في إعجاز القرآن وإبراز ذلك, ولكني لا أراه الأولوية الأولى في عصرنا هذا, لأن النشء لا يفهمون القرآن حتى تحدثهم عن إعجازه, فنحن كالباحث في جمال الضوء وعارضه على العميان. إن كان في البحث القرآني مجال لتطوير العربية وتسهيلها لدارسيها, فنعمّا هو, وإن لا فإنه مجال نخبوي ينفع الدين ولا ينفع العربية.
ليس للمسألة علاقة بالدراسات اللغوية الحديثة التي ليست كالمايوناز ولا كالكاتشاب (ما هكذا توصف العلوم التي أظهرها الله للناس لينتفعوا بها, ومقارنة بسيطة بين المستويات اللغوية والتقدم اللغوي في الغرب وفي عالمنا العربي تكفي لمن أراد دليلا) وإنما بمعرفة أولويات عصرنا وحاجات أمتنا, ففي ذلك والسعي إلى سد هذه الحاجات بالعلوم حفظ للسان العرب وللقرآن العظيم, لأن القرآن لا ينفع قوما لا يقرؤونه وإذا قرؤوه لا يفهمونه.
وفي الأخير, أنا لا أطالب بأن لا يُدرس القرآن ويبحث فيه, بل أطالب بأن لا يكون ذلك أولويتنا القصوى وأن لا يُتعسف القرآن بكل نظرية لغوية وعلمية, وأن يستخدم القرآن - إن أمكن ذلك - في تطوير العربية والدرس النحوي.
أعطيكم مثالا بسيطا جدا لا يرقى حتى لأن يكون مثالا:
عرضت عليّ لفظة render وهي مصطلح حاسوبي في التصميم ثلاثي الأبعاد ومعناها جعل التصميم الخطوطي يأخذ الشكل الحقيقي للأشياء, فتذكرت قوله تعالى: "وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما" فتصورت العملية الحاسوبية مثل فعل الله تعالى - ولله المثل الأعلى - كيف كسا العظام - التي تشبه الخطوط - لحما ليرجع الحمار لحما وعظما, وعلى ذلك قلت أن العملية الحاسوبية نترجمها بالكسو.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ضاد]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 01:43 م]ـ
وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ?
تصحيح الآية من فضلكم.
ـ[عارف الحمزي]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 09:19 م]ـ
الدرس البلاغي يبحث في أوجه إعجاز القرآن الكريم وتلك الأوجه وسائل لزيادة الإيمان بهذا القرآن الغظيم وأدلة لمصداقيته وأحقيته ومن المهم جداً أن يستفيد المتخصص اللغوي ما يقوّي إيمانه وعقيدته في ظل الدراسة التخصصية البحتة.
وهذا لا يتنافي مع توجيه الجهود إلى الدراسات اللغوية الأخرى التي تعني بتطوير اللغة وتطويعها لتناسب مستحدثات العصر وتطوراته.
ومن المهم أن نرقي بأساليب اللغة البلاغية لتكون وسيلة في التربية والتهذيب بدلاً من جعلها آلات تخصصية في بطون الكتب.
وينبغي أن يستخدم اللغويون ما لديهم من قدرات في الخطاب والإقناع في هداية الناس والتأثير فيهم بدلاً من الاختفاء وراء قضبان التخصص , وذلك لن يكون إلا بدارسة اللغة في ضوء كتاب الهداية الأكبر القرآن العظيم.
ـ[أبوجود]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 10:39 م]ـ
الإخوة طلبة العلم: طابت أوقاتكم .. عندي معادلة النجاح في اختيار التخصص:
(قدرات + رغبة +حاجة سوق العمل =اختيار ناجح بعد توفيق الله.)
واعلموا: أنا على ثغرات عظيمة وكل ميسرلما خلق له .. المهم أن ننال رضا الله وننهض بالأمة. نفع الله بناجميعا .. كل في تخصصه ..(/)
الكناية في لغة العرب
ـ[معتوق]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 10:27 ص]ـ
أيها الأخوة الفضلاء
كنت أقرأ في بعض كتب علم البيان عن الكنايات وحصلت لدي إشكالات لم أجد لها جوابا في الكتب التي كنت أقرأ فيها وهذه الإشكالات هي:
هل الكنايات في لغة العرب محددة ومحصورة أم أن أي شخص في عصرنا يستطيع إنشاء كنايات لم يذكرها العرب في عصر الاحتجاج؟
وما هو أفضل كتاب جمع فيه الكنايات العربية ووضح معانيها بشكل مبسط؟
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[14 - 02 - 2009, 06:35 ص]ـ
.. بالطبع يمكننا أن نقوم بصنع الكنايات .. و الأمر سهل للغاية ..
دعني أنقل لك فقرة مهمة:
(والمراد بالكناية هاهنا: أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومىء به إليه ويجعله دليلا عليه .. مثال ذلك قولهم هو طويل النجاد يريدون طويل القامة وكثير رماد القدر يعنون كثير القرى وفي المرأة نؤوم الضحى والمراد أنها مترفة مخدومة لها من يكفيها أمرها فقد أرادوا في هذا كله كما ترى معنى ثم لم يذكروه بلفظه الخاص به ولكنهم توصلوا إليه بذكر معنى آخر من شأنه أن يردفه في الوجود وأن يكون إذا كان .. أفلا ترى أن القامة إذا طالت طال النجاد؟ وإذا كثر القرى كثر رماد القدر؟ وإذا كانت المرأة مترفة لها من يكفيها أمرها ردف ذلك أن تنام إلى الضحى؟ .. )
.. من كتاب [دلائل الإعجاز ـ الإمام الجرجاني] ..
.. لتحميل الكتاب من هنا ( http://www.almeshkat.net/books/archive/books/dlael.zip)
.. لقد شرح الجرجاني في بداية كتابه الإستعارة و الكناية بشكل رائع .. أتمنى أن تستمتع بالكتاب:) ..
ـ[الباز]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 10:03 م]ـ
ومن ذلك هذه اللطيفة:
وقفت امرأة على قيس بن سعد بن عبادة فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان
قال: ما أحسن هذه الكناية .. املئوا لها بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً.
---------
لكن ما لفت انتباهي هو قول أسامة بن منقذ في كتابه "البديع في نقد الشعر"
في باب الكناية و الإشارة:
اعلم أن الفرق بين الكناية والإشارة أن الإشارة إلى كل شيء حسن والكناية عن كل شيء قبيح مثل قوله عز وجل: " فيهن قاصرات الطرف " إشارة إلى عفافهن
وقوله سبحانه:" كانا يأكلان الطعام " كناية عن قضاء الحاجة.
ومثل قول العرب: طويل نجاد السيف إشارة إلى ارتفاعه عن الدنايا.
وعظيم الرماد إشارة إلى كثرة القرى.
----
فهل هناك مَنْ يقول بهذا غيره؟؟
ـ[معتوق]ــــــــ[16 - 02 - 2009, 10:37 م]ـ
الأخوان جرول والباز شكرا لكما على مشاركتكما ولقد استفدت منها.
ـ[أبوجود]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 10:30 م]ـ
إليكم بعض الكنايات المشتهرة المعاصرة:
فلانة ناعمة الكفين: كناية عن الترف والدلال.
فلان يشار إليه بالبنان: كناية عن الشهرة.
فلان يمشي على بيض: إذا كان بطيئا في مشيته.
فلان مفتول العضلات: كناية عن القوة ..
ـ[محمد الغزالي]ــــــــ[19 - 06 - 2009, 10:20 ص]ـ
إليكم بعض الكنايات المشتهرة المعاصرة:
فلانة ناعمة الكفين: كناية عن الترف والدلال.
فلان يشار إليه بالبنان: كناية عن الشهرة.
فلان يمشي على بيض: إذا كان بطيئا في مشيته.
فلان مفتول العضلات: كناية عن القوة ..
وفلان وفلانة كناية عن أي صفة؟
ـ[محمد الغزالي]ــــــــ[23 - 12 - 2010, 06:29 م]ـ
للرفع ..
ـ[فتون]ــــــــ[24 - 12 - 2010, 04:22 ص]ـ
محاولة ...
وفلان وفلانة كناية عن أي صفة؟
فلن (لسان العرب)
فُلانٌ وفُلانَةُ: كناية عن أَسماء الآدميين.
إذا فهي كناية عن صفة؛ أليس اسم الإنسان صفة من صفاته؟؟
تحيتي
ـ[يحيى عيسى الشبيلي]ــــــــ[24 - 12 - 2010, 09:20 ص]ـ
معلومات قيمة شكراً لكم أساتذتي(/)
من سنن العرب (التصغير)
ـ[أحلام]ــــــــ[14 - 02 - 2009, 12:55 ص]ـ
التصغير
- من سنن العرب: تصغير الشيء على وجوه:
فمنها: تصغيره تحقيره، كقولهم: رُجَيل ودُوَيرَة.
ومنها: تصغير تكبير، كقولهم: عُيَيْرُ وحْدِهِ، وجُحَيْشُ وحدِهِ، وكقول الأنصاري: أنا جُذَيْلُها المُحَكَّكُ، وعُذَيْقُها المُرَجَّبُ. وكقول لبيد:
وكلُّ أناسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُمْ * دُوَيْهِيَهٌ تَصْفَرُّ مِنْها الأنامِلُ
ومنها: تصغير تنقيص، كما يقال: لم يبق من بيت المال إلا دُنَيْنيرَات، ومن بني فلان إلا بُيَيْت.
ومنها: تصغير تقريب، كقول امرؤ القيس:
بِضافٍ فُوَيْقَ الأرضِ لَيْسَ بِأعْزَلِ
وكقولك: أنا راحلٌ بُعَيدَ العيد، وجاءني فلان قُبَيلَ الظُّهر.
ومنها: تصغير إكرامٍ ورَحْمَةٍ، كقولهم: يا بُنَيَّ ويا أُخَيَّ ويا أُخَيَّة ويا بُنَيَّة، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: يا حُمَيراء.
ومنها: تصغير الجمع، كقولك: دُرَيْهِمات ودُنَيْنِرات وأُغَيْلِمَةَ، وكقول عيسى بن عمرو: والله إن كانت إلا أُثَيَّاباً في أُسَيْفاط.(/)
من قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 08:08 ص]ـ
من قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)
تسبح: المضارع مئنة من التجدد والحدوث فهي لا نزال مسبحة له، عز وجل، منزهة له عن كل نقيصة.
السماوات السبع والأرض ومن فيهن: استيفاء لأنواع الخلق، العلوي والسفلي ومن فيهما، و: "من": للتغليب، إذ العجماوات التي لا تعقل، والجمادات التي لا تنطق تسبح، أيضا، بحمده جل وعلا.
وإن من شيء: إطناب بذكر عموم آخر، مؤكد بـ: "من" التي هي للتنصيص على العموم، فالنكرة: "شيء" واقعة في حيز النفي المؤكد بـ: "من" فأفادت العموم، فضلا عن القصر بأقوى أدواته: النفي والاستثناء، وذلك أيضا: مئنة من التوكيد، وذاك عموم قد بلغ أوجه فلا مخصص له إلا إذا خرج الكافر باعتبار حاله لا باعتبار شخصه، فإن الشخوص، وإن أنكر أصحابها حق الألوهية، فآيات الربوبية فيها شاهدة بوحدانية من صورها وإن أنكرته ظلما وعلوا، مصداق قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ: تخلية من أوصاف النقص بالتسبيح فذاك من تمام نعت جلاله، فتحلية بأوصاف الكمال بالتحميد فذاك من تمام نعت جماله، ومن تأمل الجلال والجمال ظهر له من وصف الكمال ما يشرح الصدر وينير القلب ويبدد ظلمة العقل، فإن اتصاف الله، عز وجل، بالكمال المطلق: جلالا وجمالا، مطلب شرعي وعقلي ملح، فكل أدلة الفطرة والعقل والحس والشرع شاهدة بذلك، فلا تنسجم النفوس مع الكون إلا إذا سبحت كما يسبح.
لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ: نفي تسلط على المصدر الكامن في الفعل فأفاد العموم، والفقه في التنزيل إما أن يراد به:
مطلق الفهم كما يشهد له هذا السياق، فلا يدرك الإنسان بحواسه القاصرة تسبيح الجمادات والعجماوات، وليس عدم الوجدان دليلا على عدم الوجود، فقد يوجد الشيء، ولا تدركه العقول، امتحانا للمكلفين بالإيمان بالغيب.
وأرجع الضمير في: "تسبيحهم" على: "شيء" مع كونها مفردة اللفظ إذ معناها معنى الجمع، فالنكرة مظنة الشيوع فكيف إذا كانت في سياق نفي مؤكد، صيرها نصا قطعيا في العموم، والعموم مظنة الجمع.
وإما أن يراد به: الفقه في الدين عموما: أصلا وفرعا، كما في قوله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ).
ولما حدثت المصطلحات: صار الفقه عند المتأخرين حقيقة اصطلاحية، أو عرفية خاصة عند أهل الفقه العملي، فصار الفقه اسما لعلم الفروع العملية بعد أن كان اسما جامعا للأصول العلمية والفروع العملية، فحقيقته الاصطلاحية الحادثة أخص من حقيقته الشرعية، وحقيقته الشرعية أخص من حقيقته اللغوية، فمن فهم مطلق عام إلى فهم في الدين أصولا وفروعا، إلى فهم في الدين فروعا، ومن البلاغة: فهم مراد المتكلم، ولا يكون ذلك إلا بالنظر في السياق الذي ترد فيه تلك الألفاظ متعددة الدلالة، ليستدل على المعنى المراد بقرينة السياق، فهو قيد في فهم مراد المتكلم.
وإنما يقع الخلل في هذا الباب: بحمل المعاني القديمة على معان حادثة طارئة، كمن يحمل لفظ: "الإمامة" في التنزيل في نحو قوله تعالى: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، على الإمامة الاصطلاحية التي غلا فيها من غلا من أرباب البدع.
وقل مثل ذلك في حمل النصارى لفظ "الابن" على البنوة الاصطلاحية عندهم، فصيروا المسيح عليه السلام ابنا لله، مع أن اسم البنوة يقع في لسانهم على المحب المصطفى، وذلك وصف لا يختص به المسيح عليه السلام.
فلو رجعوا إلى النصوص التي تناولت مسألة البنوة رجوع المستقرئ لا المنتقي لوجدوا فيها ما ينقض مقالتهم، إذ البنوة وصف متعد لغير المسيح عليه السلام من سائر الأنبياء، بل من سائر البشر [/ size][/color]، فالبنوة تكون بالمحبة، كما تقدم، مصداق قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
والأصل في ذلك أنه: "إنما يحمل كلام الأنبياء عليهم السلام وغيرهم على معنى لغتهم التي جرت عادتهم بالتكليم بها لا على لغة يحدثها من بعدهم ويحمل كلامهم عليها". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 387).
وتتبع الألفاظ الاصطلاحية الحادثة التي تشترك في مبانيها مع حقائق شرعية أو لغوية سابقة أمر يستحق الاهتمام، فهو يصلح مادة لبحث مستقل.
والله أعلى وأعلم.
ـ[تميمي]ــــــــ[19 - 02 - 2009, 10:12 ص]ـ
أشكرك على هذه المعلومات القيِّمة(/)
خبر أم إنشاء؟
ـ[أبو ريان]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 12:44 م]ـ
هل تعد الجملة المصدرة بلفظ التمني أو معناه دون أدواته إنشائية؟
مثل الأفعال أتمنى، أود، وددت ....
ـ[ناصر البيان]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 03:29 م]ـ
الخبر هو ما يحتمل الصدق والكذب والإنشاء عكس ذلك
فعلى هذا التمني الذي هو نوع من الإنشاء الطلبي اصطلح العلماء فيه أنه طلب
المحبوب الذي لاطمع فيه.
وأداته ليت وقد تأتي لعل ولو وهل
للتمني أما هذه الأفعال التي ذكرت وغيرها تحتمل الصدق والكذب.
ـ[20338]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 08:47 م]ـ
اخواني اخواتي الاعزاء الله يجزاكم خير انا بصراحه ما افهم شي إلا مع ذكر المثال
اتمنى تذكرون الامثلة من شان استوعب صح الفكره في راسي يعطيكم العافيه
ـ[محمد سعد]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 09:09 م]ـ
إخواني أخواتي الأعزاء الله يجزاكم خير أنا بصراحه لا أفهم شيئا إلا مع ذكر المثال
أتمنى تذكرون الأمثلة حتى استوعب الفكرة صحيح في رأسي يعطيكم العافيه
............(/)
ما معنى المسلماني؟
ـ[قاسم أحمد]ــــــــ[16 - 02 - 2009, 07:53 م]ـ
مامعنى كلمة المسلماني الملونة بالأحمر في هذه الفقرة التي اقتطفتها من كتاب حاشية الدسوقي؟
أرجو الإجابة لأنها تهمني ولكم جزيل الشكر.
فقوله: إني لأرى لك بالإثبات (ورويت) أيضا (بالنفي) أي لا أرى لك متكلما (ابن القاسم) قال [ص: 250] بعد ما تقدم وأنا أراه ماضيا أي فلا تكلم لها (إلا لضرر بين) فلها التكلم (و) اختلف في جواب (هل) هو (وفاق) أو خلاف فقيل وفاق بتقييد كلام الإمام بعدم الضرر على رواية النفي أو بالضرر على رواية الإثبات فوافق ابن القاسم أو يكون كلام ابن القاسم بعد الوقوع لقوله أراه راضيا أي بعد الوقوع، وأما ابتداء فيقول بقول الإمام لكن هذا الثاني إنما بقول يأتي على رواية الإثبات وقيل خلاف بحمل كلام الإمام على إطلاقه سواء كانت الرواية عنه بالإثبات أو النفي أي كان هناك ضرر أم لا وابن القاسم يقول بالتفصيل بين الضرر البين وعدمه وإلى ذلك أشار بقوله (تأويلان) (والمولى) أي العتيق (وغير الشريف) أي الدنيء في نفسه كالمسلماني أو في حرفته كحمار وزبال (والأقل جاها) أي قدرا أو منصبا (كفء) للحرة أصالة والشريفة وذات الجاه أكثر منه (وفي) كفاءة (العبد) للحرة وعدم كفاءته لها على الأرجح (تأويلان).
ـ[الباز]ــــــــ[16 - 02 - 2009, 08:25 م]ـ
المسلماني هو المسلم -غير الشريف- نسبا أي أن يكون عجميا مسلما
جاء في العقد الفريد
العرب تسمي العجمي إذا أسلم: المفرج وهو المسلماني.
-------
يظهر لي أن هذه التسمية المجحفة ظهرت في عهود الإسلام المتأخرة
إذ يجب أن لا ننسى في هذا الصدد قول الرسول:=:
مَن أسْرع به عَمَلُه لم يُبْطِىء به حَسَبُه ومَن أَبطأ به عملُه
لم يسرعْ به حسَبُه
وقوله:=: لا فضل لعربيٍَ على عجميٍّ إلاّ بالتقوى
(و لي رأي شخصي في الموضوع هو أنني لا ألقي باللوم فقط على العرب
- و إن كانوا يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية- في هذا التفريق بين المسلمين بالنَّسب بل اللوم أيضا على العجم لأن كثيرين منهم دخلوا الإسلام نفاقا أو خوفا لأنه كان القوة المسيطرة ثم بدأوا الدسَّ والفتنةَ كل حسب موقعه مما جعل الثقة في من يُسلم من العجم تهتز .. )
ـ[قاسم أحمد]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 07:45 ص]ـ
جزاك الله كل خير يا أخي الباز وزادك علما نافعا.(/)
من إعجاز القرآن اللفظي .. النهار غلاف لليل.
ـ[فوّاز30]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 03:28 ص]ـ
((النهار الذي نعرفه نحن، لا يتعدى حدود الغلاف الجوي فإن تجاوزناه كنا في ظلام لا يعقبه نهار. وقد أشار إلى ذلك القرآن إشارة عجيبة في قوله: "وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) " يس .. فجعل النهار كالجلد الذي يُسلخ وأما الليل: فهو الأصل، وهو الكل، فشبّه الليل بالذبيحة، والنهار جلدها، فإن سُلخ الجلد ظهر الليل فجعل النهار غلافاً والليل هو الأصل))
د. فاضل السامرائي ..
ـ[الباحثة عن الحقيقة]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 03:44 ص]ـ
سبحان مقلب الليل والنهار
بارك الله فيك أخي فواز، زدنا مما لديك
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 12:04 م]ـ
?وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ? (يس:37).
على ضوء هذه الآية يقول العلماء أن الليل أوجد قبل النهر ..
وأكثر الايات التي تتحدث عن الليل والنهار في القرآن، يأتي ذكر الليل أولاً يليه النهار فهل لهذا التعاقب من فائدة على دليل من أوجد قبل من؟
والانسلاخ في الآية ماذا يفيد؟ وماعلاقة لفظ الانسلاخ بلفظ انسلاخ الأشهر الحرم في سورة براءة؟
رأيكم يهمنا ..
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 03:23 م]ـ
ترتيب الليل والنهار
الليل والنهار ظاهرتان متلازمتان، ولا يعرف الواحد منهما إلا بدلالة الآخر، والأدلة كلها تشير إلى أن تعاقب الليل والنهار تعاقب مكاني أي أنهما موجودان معا منذ وجد المكان، ولا أعرف سببا للقول بالتعاقب الزمني، وافتراض وجود أو خلق أحدهما قبل الآخر!
وأما عن الحكمة والسبب في العناية والاهتمام واقتضاء تقديم الليل على النهار في سياق التعبير القرآني، فأعتقد أن السبب هو تغليب الليل على النهار بسبب شمولية الليل كونيا، وجزئية النهار بالنسبة إليه.
ويتعزز هذا الاعتقاد بمصطلح الانسلاخ الوارد في قوله تعالى في الآية 37 من سورة يس: ?وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ?، لأن الانسلاخ يذكر بسلخ الأقل من الأكثر، كسلخ جلد الشاة من جسدها.
والله أعلم،
منذر أبو هواش
http://www.hdrmut.net/vb/attachments/10214d1146735562-a-jpg
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 04:01 م]ـ
ببساطة ما دامت الآرض كروية فقد وجدا معا
هنا ليل وهناك نهار
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 04:07 م]ـ
ففي أي وقت يكون الكون كله ليلا؟
ملاحظة: هي فترة بسيطة جدا قد تكون نصف دقيقة أو أقل وفي يوم معين في السنة
من يأتي بها وله حمل بعير
ـ[هشام محب العربية]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 06:27 م]ـ
السلام عليكم جميعا
الأصل في الكون الظلام، فبدون الغلاف الجوي لكنا في ظلام حتى مع وجود الشمس، هلا نظرت إلى صور الإنسان على ظهر القمر، فهذه صور أخذت في وجود الشمس، ففي حالة انعدام الغلاف الجوي تظهر الشمس كما لو كانت نجم هائل (في حجم القمر ليلة تمامه مثلا) شديد الإضاءة في سماء سوداء واسعة، فالشمس وحدها ليست سبب النهار.
أظن يوجد وجه إعجاز علمي في هذه الآية، ربما عدت لكم إن وجدته.
والحمد لله على نعمه التي لا تحصى والتي ننساها حتى نتذكرها مع مخالطة أمثال أهل هذا المنتدى.
والسلام عليكم.
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 08:02 م]ـ
ربما جاء القرآن الكريم مقدما لما قدمه العرب، واعتنوا به في معرفة الحساب والسنين، فإن الليل عند العرب مقدم على اليوم في التاريخ، لأن السنين عندهم مبنية على الشهور القمرية، لا الشمسية، وذلك لكون أغلبهم أهل ريف وبادية، يتعسر عليهم معرفة دخول الشهر إلا بالاستهلال، فإذا أبصروا الهلال أول الليل عرفوا دخول الشهر، فأول الشهر عندهم الليل.
فربما جاء القرآن الكريم موافقا لما كانوا عليه، خاصة وأن التاريخ القمري قد أقر في الإسلام.
والله أعلم.
ـ[احمد العموش]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 09:41 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انا طالب ماجستير باللغه العربيه ارغب المساعده في موضوع رسالتي وهو التلطف في اللغه العربيه لقد بحثت كثيرا وارغب مزيدا من المراجع اذا بالامكان ولكم جزيل الشكر
ـ[عنزي]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 10:45 م]ـ
السلام عليكم,
(يُتْبَعُ)
(/)
أولا أشكر الأستاذ احمد الغنام الذي افرز و صنف هذا الموضوع بجهة خاصة بعدما كان جزء من نقاش المعري و فكرة "الظلمة هي الأصل و النور حادث":
و النّورُ في حكمِ الخواطرِ محدَثٌ -- و الأوليُّ هوُ الزمان المُظلِمُ
http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?p=321459#post321459
و نوهت أن الكلام و القول هو عن النور و الظلمة اللاماديتين و التي لا علاقة لها بالعلوم المادية أو علوم الطبيعة. و القصد هنا هو استدراك لوجود مذهب فكري و عقائدي له من أساس أن "الأصل الظلمة".
الاستشهاد بالقرآن هي الوسيلة التي أعتمد عليها بالأصل. إن جئنا للحديث, انظر في ما هو موجود في سنن الترمذي في باب "كتاب الإيمان": " إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة فألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل". و كذالك في تفسير البغوي لسورة الأنعام أقتبس حديث: " خلق الله السموات قبل الأرض، والظلمة قبل النور، والجنة قبل النار". لا أدري صحة الحديثين و لكنه قد جئت بهما لعرض الفكرة و أرى فيهما في موضوع الظلمة ما يوازي القرآن في موضوع انسلاخ النهار عن الليل.
ربما جاء القرآن الكريم مقدما لما قدمه العرب، واعتنوا به في معرفة الحساب والسنين، فإن الليل عند العرب مقدم على اليوم في التاريخ
بالنسبة لموضوع فضل الليل في حساب و تقييم الأيام سأقتبس قولا قد قرأته:
" ... فكان حساب العجم تقدير النهار على الليل و زمانهم شمسي ... و كان حساب عامة العرب بتقديم الليل على النهار و زمانهم قمري فآياتهم ممحوة من ظواهرهم مصروفة إلى بواطنهم و اختصوا من بين سائر الأمم بالتجليات ... ", و هذا لعله لأن الظلمة و هي الليل, هي الأصل.
و المقارنة بين العرب و بني إسرائيل التي لم اقتبسها من نفس الفقرة, تشمل فكرة انسلاخ بلعام بن باعورا (و قصته معروفة) في قول عز و جل (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) ?الأعراف: 175? و كان بلعام هذا في بني إسرائيل و ليس من العرب فآياته ليست كالعرب. و أزيد في هذه الخاصية العربية: "و لما كان في الخضر قوة عربية للحوقه بنا لهذا ما عثر صاحبه [موسى عليه السلام] على السر الذي منه حكم بما حكم ... " و أعتقد كذالك الخضر هو نفسه "ملك صادق" الذي كان يحكم القدس في زمن إبراهيم عليه السلام عند أهل الإنجيل؛ أي كنعاني.
والله أعلم
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 04:16 ص]ـ
و المقارنة بين العرب و بني إسرائيل التي لم اقتبسها من نفس الفقرة, تشمل فكرة انسلاخ بلعام بن باعورا (و قصته معروفة) في قول عز و جل (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) ?الأعراف: 175? و كان بلعام هذا في بني إسرائيل و ليس من العرب فآياته ليست كالعرب. و أزيد في هذه الخاصية العربية: "و لما كان في الخضر قوة عربية للحوقه بنا لهذا ما عثر صاحبه [موسى عليه السلام] على السر الذي منه حكم بما حكم ... " و أعتقد كذالك الخضر هو نفسه "ملك صادق" الذي كان يحكم القدس في زمن إبراهيم عليه السلام عند أهل الإنجيل؛ أي كنعاني.
أخي الكريم،
لا أدري ما دخل الإسرائيليات بتفسير القرآن الكريم .. ؟! ولا أدري لماذا تقحمون هذا التفسير التوراتي المفترض للقرآن الكريم في هذا الموضوع ... ؟! وهل ينبغي علينا أن نصدق الروايات الصهيونية لتاريخ بني إسرائيل التي تحاول التأصيل لوجودهم التاريخي المزعوم في فلسطين ... ؟! وما الذي جعلك تعتقد بأن الخضر عليه السلام هو نفسه ملكي صادق ... ؟! وما هو الدليل التاريخي على حكمه للقدس إذا كان الإسرائيليون أنفسهم لم يعثروا على أي دليل علمي آثاري يثبت أيا من ادعاءاتهم الباطلة ولغاية الآن منذ تسللهم إلى فلسطين ... ؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد زعم بعض باحثي التوراة المحرفة التي فقدت تاريخانيتها ومصداقيتها مع تطور الاكتشافات العلمية والآثارية أن قبة "مسجد قبة الصخرة" التي بناها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في القدس هي "قبة الأرواح" وزعم بعضهم الآخر أن الصخرة تعلو "قدس أقداسهم". قاموا بالحفر تحت الصخرة وأحدثوا مغرا وكهوفا أخرى من أجل العثور على أي شيء يتعلق بـ "هيكلهم المزعوم". لكنهم لم يجدوا سوى الصخور الصماء. وزعموا أيضا أن "قبة مقام الخضر" المملوكية هي "قبة الأرواح" الحقيقيةّ!
لقد ثبت عدم مطابقة النص التوراتي التاريخي للواقع الحقيقي، وتأكد العلماء في عصرنا (ومنهم علماء يهود) بما بين أيديهم من وسائل ومن أدلة علمية ومن اكتشافات آثارية من عدم تطابق الوجود الفيزيائي التاريخي الحقيقي للمنطقة مع الوجود المزعوم في النص التوراتي الأمر الذي أدى إلى شكهم في مصداقية الرواية التوراتية.
وبعبارة أخرى فإن الوجود الافتراضي المفترض في النص التاريخي التوراتي قد ثبت تناقضه بشكل علمي أكيد مع الوجود الفيزيائي الواقعي على الأرض، وإن التناقض وعدم التطابق بين هذين الوجودين الذي ظهر من خلال الأدلة الآثارية قد أدى بالتالي إلى انهيار تاريخانية ذلك النص التاريخي التوراتي، وانهيار مصداقيته، والطعن والشك في صحته.
عالم الآثار / زئيف هرتسوغ / أستاذ قسم الآثار وحضارة الشرق القديم في جامعة ـ تل أبيب ـ نشر مقالة في جريدة / هارتس/ الإسرائيلية في شهر أكتوبر عام 1999، قال فيها: "خلال العشرين سنة الماضية حصل انقلاب حقيقي في نظرة علماء الآثار الإسرائيليين إلى التوراة باعتبارها مصدرا تاريخيا". ويضيف هرتزوغ:"إن معظم الإسرائيليين والعلماء الباحثين التوراتيين الذين قاموا بأبحاث وحفريات لتعزيز واقعية قصص العهد القديم يوافقون على حقيقة أن مراحل تشكل الشعب اليهودي كانت مختلفة تماما عن ما ورد في التوراة. لكن المجتمع الإسرائيلي ليس مستعدا بعد لمناقشة موضوع كهذا وهو يفضل تجاهل كامل المسألة برمتها". وكتب هرتزوغ: "إن من الصعب قبول هذه الحقيقة، ولكن من الواضح للعلماء والباحثين اليوم أن شعب إسرائيل ... لم يحتل فلسطين من خلال حملة عسكرية، ولم يتركها قط ميراثا لأسباط بني إسرائيل. والشيء الأصعب من هذا كله هو القبول بحقيقة أن المملكة الموحدة لداود وسليمان والتي وصفها العهد القديم كقوة إقليمية رئيسية لم تكن في أحسن الأحوال سوى مملكة صغيرة بسيطة".
وتقبلوا تحيتي،
منذر أبو هواش
ـ[أبو سارة]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 06:24 ص]ـ
الشكر الجزيل لجميع المشاركين
النور هو الأصل لا الظلام.
لكن الإشكال إنما يقع بسبب عين الإنسان التي لاتتمكن من مشاهدة الأشعة إلا حين انعكاسها على كتلة صلبة.
وأقرب دليل على هذا هو انعكاس أشعة الشمس على سطح الأرض والقمر والكواكب السيارة.
والمعنى أن مجموعتنا الشمسية مليئة بالأشعة والنور، لكنه بالنسبة لعين الإنسان ظلام دامس مالم تصطدم تلك الأشعة بجسم صلب ليعكسها فتتم رؤيته من قبل العين البشرية، ورؤيتنا بياض القمر ليلا إنما هي بسبب أن القمر مقابل لأشعة الشمس المحجوبة عنا بسبب ظلال حدبة الأرض.
والمعروف أن لحظة الغروب والشروق إنما هي لحظات متكررة كل ثانية على سطح الأرض متزامنة مع حركتها بالنسبة إلى سيرها المداري حول الشمس، والصورة المرفقة غير حقيقية.
والله تعالى أعلم
ـ[عنزي]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 07:19 ص]ـ
أخي منذر أبو هواش:
ولا أدري لماذا تقحمون هذا التفسير التوراتي المفترض للقرآن الكريم في هذا الموضوع ... ؟!
تالله إني اشاركك بنفس الغيرة على القدس. ربما اسأت مفهوم ما كنت أحاول قصده. لو تمعنت ببطء لوجدتني أقارن العرب و آياتهم بالنسبة للأمم الاخرى. و كانت الفقرة تحوي فضل العرب على بني إسرائيل بأن آياتهم باطنة و لها من العلم ما هو للعرب دون الغير و هي ليست ظاهرة و مؤقتة الى درجة سهولة الانسلاخ منها (كما في مثال بلعام بن باعورا لكونه من بني إسرائيل).
بالنسبة للملك الصادق و ابراهيم, لم يكن هناك وجود لليهود (حتى مجيء يعقوب)؛ السؤال هنا من أين افترضت اني زعمت أن لليهود مكان في القدس الشريف؟
و إن كانت القدس مذكورة في قصة باعورا فأني في داخلي أنكرها كهدف و منال قتال موسى وهذا من باب اعتقادي أن اليهود لم يكن لهم وجود في المدينة المقدسة. و نقدك للإسرائيليات ما كان صدفة لأنه كنت قد نويت أن أنتقدت حديث قد اقتبسته في أسطري.
و لا أود التمعن في المحضور و لكنه و جب عليّ لنفسي أن أشرح سبب اعتذاري لإقتباس حديث و أظنه متناقض و ليس له من الصحة في منظوري. و هذا سيكون في خانة أخرى.
ـ[عنزي]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 08:02 ص]ـ
أبو سارة الغالي:
وأقرب دليل على هذا هو انعكاس أشعة الشمس على سطح الأرض والقمر والكواكب السيارة.
والمعنى أن مجموعتنا الشمسية مليئة بالأشعة والنور
هل القصد هنا أن النور موجود دوما سواء كان من نار الشمس أو من الأزل و الأنعكاس هو تنقل ما كان بالدوم موجودا؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 10:13 ص]ـ
الخوض في مسألة الظلمة والنور يجب أن يكون لها أساس ترتكز عليه لا أن نجازف بالأقوال، يجب أن نعلم عمر الأرض التي نعيش عليها وخلق الشمس وخلق القمر وسائر النجوم ..
فهل أوجد الكون بكل مافيه هكذا دفعة واحدة؟
كما رأينا أن المفسرين يقولون بإيجاد الليل قبل النهار، وهل في هذا ضير أن يخلق الليل قبل النهار؟
الله عز وجل يقول أن الليل والنهار آيتان!
والمنطق يستوجب أن يكون هناك ظلمة من أجل أن يأتي نهار يبددها ..
وليس ذلك من باب التفضيل لواحد على الآخر، إنما حوادث طبيعية وآيات ربنا،
والله أعلم.
ـ[رسالة]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 01:42 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
((الظلمة سابقة النور في المحسوس والمعقول:
تقدمها في المحسوس معلوم بالخبر المنقول وتقدم الظلمة المعقولة معلوم بضرورة العقل قال سبحانه (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) فالجهل ظلمة معقولة، وهي متقدمة بالزمان على نور العلم ولذلك قال تعالى: (في ظلمات ثلاث) فهذه ثلاث محسوسات ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة، وثلاث معقولات وهي عدم الإدراكات الثلاثة المذكورة في الآية المتقدمة ‘ إذ لكل آية ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع وفي الحديث " إنّ الله خلق عباده في ظلمة ثمّ ألقى عليهم من نوره".))
المصدر: من بدائع الفوائد لابن قيم -ج1 – ص62
محاولة للتأمل:
" والليل نسلخ منه النهار" الحقيقة وقفت على لفظة " منه ":
مالحكمة البلاغية من ورود حرف منه في هذه الآية؟
أليس في الآية غلبة الليل على النهار من الناحية الحسية؟
إن كانت الإجابة بنعم، يقودني ذلك إلى مزيد من التأمل في معان أخرى:
لولا الظلمة لما عرفنا فضل النور، ولولا الليل ما عرفنا فضل النهار وإن كان لكلاهما فضل ففي تلازمهما استمرار لحياة الدنيا.
أنّ الحق والباطل في صراع دائم طالما تعاقب الليل والنهار. وأنّه لو غلب الباطل على الحق في الظاهر فإنّ الحق لابد له من الظهور إنّ كان قويا؛ فالعبرة ليست بغلبة الشيء.
وأنّه لولا الحق من عند ربنا جل جلاله لصار حالنا ظلاما سرمدا إلى يوم القيامة. فمن رحمته تعالى علينا وجود الحق.
فضل الله علينا بالنورالحسي في كشف الظلمة وإزالتها، والنور المعنوي المتمثل في كتابه الذي أنزله، فمن سلخ عنه نورالهداية فقد عرض نفسه للغم والهم والضياع في غيابات الظلمات ومن ثمّ الهلاك؛ لأنّه سيجد نفسه في ظلمة ما بعدها ظلمة، فأنى له النجاة من غير هاد ولا مرشد ولامعين يرجع إليه ويدله على الطريق.
اللهم اهدنا إلى الطريق المستقيم وأعنا وثبتنا عليه.
أرجو أن لا أكون استطردت وتأولت في تأملي.
ـ[عنزي]ــــــــ[23 - 02 - 2009, 08:20 ص]ـ
و عليكم السلام أختي "الرسالة",
لم أقرأ في السابق عن "ابن قيم" في مناهج بحثي الفكري. و لكن اقتباسك هذا ملائم و مشيّق عند التفكر عن حقيقة أيهما اسبق الظلمة أو النور.
الظلمة سابقة النور في المحسوس والمعقول: تقدمها في المحسوس معلوم بالخبر المنقول وتقدم الظلمة المعقولة معلوم بضرورة العقل
هذه العبارة أحذت الكثير مني لمحاولة فهمها. و كأنها عبارة تستعمل مفردات المنطق و لا أعرف أن كان تصنيفي صحيح.
لعل المقصود بالمحسوس هو: ما يُعرف بالنطاق التجريبي أو "بالاستدلال من المعلول عن العلة". و المعقول هو المعلوم "قبليا و بديهيا".
و لا أدري هل هو جائز كون الشيء محسوسا و معقولا في آن واحد (من الناحية الفلسفية) و لكن "ابن قيم" رتب طريق أدراك حقيقة الظلمة بحسب فهمه, الى حقيقة معقولة أولا ثم محسوسة ثانيا بحسب حالة الوجود و الحالتين لا تلتقيا.
و الذي له منهج في الفلسفة و المنطق و مفرداتها لعله يصحح ما قصرت فيه.
لولا الظلمة لما عرفنا فضل النور، ولولا الليل ما عرفنا فضل النهار
يل هل ترى إذا أنقصنا كلمة "فضل" هل نستطيع معرفة الليل و النهار بحد ذاتهم "كشيء بحد ذاته" من غير احتياج التضاد, و التضاد يكون هنا "حادث و طارئ؟ "
-------
بالاستدلال من المعلول عن العلة: a posteriori
قبليا و بديهيا: a priori
ـ[عنزي]ــــــــ[23 - 02 - 2009, 08:40 ص]ـ
أخي منذر أبو هواش ...
(يُتْبَعُ)
(/)
وزعموا أيضا أن "قبة مقام الخضر" المملوكية هي "قبة الأرواح" الحقيقيةّ!
سؤال خارج عن الموضوع: "قبة الأرواح" في العبرية ما هي؟ أقصد كيف لفضها؟
بودي أعرف أن كانت العبرية تجمع كلمة "الروح ".
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[23 - 02 - 2009, 10:19 ص]ـ
أخي منذر أبو هواش ...
سؤال خارج عن الموضوع: "قبة الأرواح" في العبرية ما هي؟ أقصد كيف لفضها؟
بودي أعرف أن كانت العبرية تجمع كلمة "الروح ".
أخي عنزي،
لست متخصصا في اللغة العبرية، ولا أعتقد (شخصيا) أن لهذه التسمية (الأرواح) جمعا أو إفرادا علاقة باللغة العبرية، فالتسمية عربية خالصة، وهي اسم أطلقه العرب على إحدى القباب الصغيرة الموجودة داخل حرم مسجد قبة الصخرة المشرفة.
لقد استهوت هذه التسمية (قبة الأرواح) باحثي التوراة الخبراء في لعبة التهويد الكلامية الاشتقاقية، لذلك فقد توقفوا عندها مليا، وامتلأت بها أدبياتهم، كيف لا وهم يبحثون عبثا عن مكونات هيكلهم المزعوم في هذا المكان التاريخي المقدس!
يتحدث اليهود في كتبهم عن قبة توراتية افتراضية يسمونها (قبة الألواح) ( Dome of Tablets)، ويدعون أنها تعلو (قدس أقداسهم)، وهم أثناء بحثهم المحموم عن أدلة تدعم مزاعمهم التقطوا هذا التشابه اللفظي بين الأرواح والألواح على افتراض أن اسم القبة التاريخي كان في البداية (قبة الألواح) ثم تعرض للتبديل اللفظي وأصبح لدى العرب (قبة الأرواح).
وقد ذهب اليهود في عملية التزوير الكلامية التاريخية هذه إلى أبعد الحدود، ولم يتركوا اسما مشتركا بين العربية والعبرية إلا وردوه إلى ملوكهم وأنبيائهم! فالسور الروماني الذي رممه السلطان المسلم سليمان القانوني أصبح سور الملك سليمان، والبرك التي بناها في فلسطين أصبحت هي الأخرى (برك الملك سليمان)، وقلعة الناصر داود القائد المسلم في مدينة القدس أصبحت بقدرة قادر (قلعة الملك داود)، وقبر الشيخ يوسف في مدينة نابلس أصبح (قبر النبي يوسف)! إلى غير ذلك من التسميات التي حرفوها وانطلت على المسلمين!
ويمكنك من خلال البحث عن اسمي في غوغول الوصول إلى مقالاتي الكثيرة المنشورة في موضوع التزويرات والتحريفات الاسرائيلية الأخرى.
وتقبل تحيتي، وأعتذر عن حرف مسار الموضوع للضرورة.
منذر أبو هواش
ـ[عنزي]ــــــــ[23 - 02 - 2009, 06:09 م]ـ
أخي منذر أبو هواش ...
ولم يتركوا اسما مشتركا بين العربية والعبرية إلا وردوه إلى ملوكهم وأنبيائهم
لم أنتبه في السابق لوجود هذه النقطة حتى ذكرتموها حضرتكم. وهذه معلومة بالنسبة, لي و لتحليلي لطبيعة اليهود التاريخية, معلومة جديدة.
نعم سأبحث في مقالاتك و أني متأكد سأكتشف باب جديد من خلالك.
أشكركم أخي.(/)
المجاز في القرآن والسنة النبوية بين الإجازة والمنع
ـ[عمر خطاب]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 12:28 م]ـ
المجاز فى القرآن والسنة النبوية بين الإجازة والمنع
انظر البحث في هذا الرابط
http://omarkhattab.blogspot.com/2009...89150307360471
ـ[عمر خطاب]ــــــــ[18 - 02 - 2009, 10:10 ص]ـ
الرابط الصحيح
http://omarkhattab.blogspot.com/(/)
الإسناد
ـ[زينب هداية]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 05:53 م]ـ
حدّدوا لي رجاءً أين المسند و المسند إليه في كلّ آية
((قل هو الله أحد))
((الله يتوفّى الأنفس حين موتها))
((مَن عمل صالحا فلنفسه))
((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة))
((إنّما الله اله واحد))
مشكوووووووووووريييييييييي ن
ـ[زينب هداية]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 07:23 م]ـ
سأحلّ وحدي ثمّ تصحّحون لي
((قل هو الله أحد)) المسند إليه: قُلْ، المسند: فاعل الفعل قل ضمير مستتر.
((الله يتوفّى الأنفس حين موتها)) المسند: يتوفّى، المسند إليه: لفظ الجلالة، و تقدّم الفاعل على الفعل هنا.
((مَن عمل صالحا فلنفسه)) المسند إليه: مَنْ، المسند: جملة"عمل صالحا"
((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة)) المسند إليه: فئةٍ (مجرور لفظا مرفوع محلاّ)، المسند: جملة "غلبت فئة كثيرة"
((إنّما الله اله واحد)) المسند إليه: لفظ الجلالة، المسند: جملة"الهٌ واحد"
أنتظر تصحيحًا
( ops(ops(ops
ـ[محمد سعد]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 07:29 م]ـ
مواضع المسند ثمانية:
1 - خبر المبتدأ
2 - الفعل التام
3 - اسم الفعل
4 - المبتدأ الوصف المستغني عن الخبر بمرفوعه كـ أعارف أخوك قدري؟
فقوله عارف: على وزن ((فاعل)) تعمل عمل الفعل: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمه الظاهرة على آخره.
أخوك: فاعل سد مسد الخبر مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الستة.
5 - أخبار النواسخ: كان وأخواتها وإن وأخواتها.
6 - المفعول الثاني من ظن وأخواتها.
7 - المفعول الثالث من أرى وأخواتها.
8 - المصدر النائب عن فعل الأمر كقوله صلى الله عليه وسلم ((صبراً آل ياسر)) ومعناه اصبروا آل ياسر.
مواضع المسند إليه ستة:
1 - المبتدأ الذي له خبر.
2 - الفاعل.
3 - أسماء النواسخ: كان وأخواتها وإن وأخواتها.
4 - المفعول الأول من ظن وأخواتها.
5 - المفعول الثاني: من أرى وأخواتها.
6 - نائب الفاعل.
ـ[زينب هداية]ــــــــ[17 - 02 - 2009, 07:56 م]ـ
جزاك الله خيرا كثيرا
ـ[زينب هداية]ــــــــ[18 - 02 - 2009, 11:06 ص]ـ
((الله يتوفّى الأنفس حين موتها)) المسند: يتوفّى، المسند إليه: لفظ الجلالة، و تقدّم الفاعل على الفعل هنا.
-----------
ما رأيكم؟ هل أنا على صواب؟
ـ[ناصر البيان]ــــــــ[18 - 02 - 2009, 03:55 م]ـ
قولكِ صحيح على رأي الكوفيين والبصريين
على رأي الكوفيين حيث أجازوا تقديم الفاعل على الفعل
وعلى رأي البصريين يكون لفظ الجلالة مبتدءاً ويكون الخبر الجملة الفعلية من الفعل (يتوفى)
والفاعل الضمير المستتر.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 11:16 م]ـ
سأحلّ وحدي ثمّ تصحّحون لي
((قل هو الله أحد)) المسند إليه: قُلْ، المسند: فاعل الفعل قل ضمير مستتر.
((الله يتوفّى الأنفس حين موتها)) المسند: يتوفّى، المسند إليه: لفظ الجلالة، و تقدّم الفاعل على الفعل هنا.
((مَن عمل صالحا فلنفسه)) المسند إليه: مَنْ، المسند: جملة"عمل صالحا"
((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة)) المسند إليه: فئةٍ (مجرور لفظا مرفوع محلاّ)، المسند: جملة "غلبت فئة كثيرة"
((إنّما الله اله واحد)) المسند إليه: لفظ الجلالة، المسند: جملة"الهٌ واحد"
أنتظر تصحيحًا
( ops(ops(ops
محاولة طيبة عزيزتي مريم ... تحتاج إلى قليل من المراجعة، وإليك التفصيل:
((قل هو الله أحد)) المسند إليه: قُلْ، المسند: فاعل الفعل قل ضمير مستتر.
المسند إليه: هو الضمير المستتر في الفعل (قل) تقديره: أنت، والمسند: (قل).
ويوجد إسناد آخر في الآية:
هو: مسند إليه (مبتدأ)، وجملة: (الله أحد): مسند (خبر). (الله: مسند إليه، أحد: مسند).
هذا إذا كان الضمير (هو) عائدًا على الإله المعبود الذي سئل عنه الرسول – صلى الله عليه وسلم -. (يراجع: سبب النزول).
((الله يتوفّى الأنفس حين موتها)) المسند: يتوفّى، المسند إليه: لفظ الجلالة.
صحيح.
((مَن عمل صالحا فلنفسه)) المسند إليه: مَنْ، المسند: جملة"عمل صالحا "
صحيح.
((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة)) المسند إليه: فئةٍ (مجرور لفظا مرفوع محلاّ)، المسند: جملة "غلبت فئة كثيرة"
أظن - والله أعلم - أن (كم) الخبرية هنا: في محل رفع مبتدأ (فهي المسند إليه)، وجملة: (غلبت فئة .. ) في محل رفع خبر كم، فهي المسند، وفيها إسناد آخر: (غلبت: مسند، الضمير المستتر (هي) مسند إليه).
أما: (من فئة) فهما جار ومجرور تمييز لكم الخبرية.
((إنّما الله إله واحد)) المسند إليه: لفظ الجلالة، المسند: جملة: "الهٌ واحد"
المسند إليه صحيح، ولكن المسند غير دقيق؛ إذ المسند هو الخبر المفرد (إله)، أما (واحد) فهو قيد للمسند (صفة).
والله – تعالى – أعلم.(/)
من كلام مانعي المجاز
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 02 - 2009, 03:51 م]ـ
من أشهر من تكلم في مسألة المجاز نفيا من المتأخرين: ابن تيمية، رحمه الله، ومن المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، وفي هذه النافذة نوع بيان لكلامهما في هذه المسألة من باب عرض آراء أهل العلم في مسألة ما، فالخلاف في هذه المسألة: خلاف شهير قد انتشر بين أهل اللغة والأصول، والمتكلمين في أصول الدين، لا سيما باب الصفات الإلهية، سواء أكانوا على طريقة السلف أم على طريقة المتكلمين، والخلاف تضيق دائرته في باب اللغويات وتتسع دائرته في الشرعيات لا سيما الخبريات الغيبية كالصفات الإلهية. فالمراد في هذا الموضع: بيان وجهة نظر في المسألة لا تقريرها.
فبداية: تعرض ابن تيمية، رحمه الله، لمسألة الحقيقة والمجاز بنوع تفصيل في كتابه "الإيمان" في معرض الرد على من قال بأن: الإيمان حقيقة في التصديق، مجاز في الأعمال، وعليه غلا القوم في مقالة الإرجاء حتى أخرجوا العمل بالكلية من مسمى الإيمان، فلم يعد تارك العمل عندهم مستحقا للوعيد، كما هو الحال عند:
أهل السنة: الذين يقولون بأن تارك العمل، معه مطلق الإيمان الذي لا يخرجه من حد الوعيد، وإن أخرجه من حد الخلود فيه، فتارك العمل عندهم مذموم، لأنه انتفى عنه بتركه العمل: كمال الإيمان الواجب للنجاة من الوعيد، فهو مؤمن ناقص الإيمان، أو: مسلم عاص لم ينتف عنه أصل التصديق بترك الواجب أو فعل المحرم، ما لم يستحل ذلك، فمعه أصل الإيمان، كما تقدم، على تفصيل في مسألة تارك العمل بالكلية ليس هذا موضعه، وإن كان ذلك، عند التحقيق، غير متحقق في أغلب صور المسألة، فلا يتصور وجود مسلم لم يطع الله، عز وجل، في حياته قط!!!، وعلى تفصيل في مسألة تارك الصلاة ولو كسلا، فالخلاف بين الحنابلة، رحمهم الله، من جهة، والجمهور من جهة أخرى في هذه المسألة، خلاف مشهور مبسوط في كتب الفقه.
ومرجئة الفقهاء: الذين قالوا بذم تارك العمل، تماما كأهل السنة، وإن أخرجوا العمل من مسمى الإيمان، فالخلاف عند ابن تيمية رحمه الله: خلاف لفظي، لأن كلا الفريقين اتفق على ذم تارك العمل، على التفصيل السابق، وفي المسألة أخذ ورد، وليس المقام مقام تحرير الخلاف بين الفريقين، ومعرفة هل هو لفظي أو حقيقي.
وقل مثل ذلك في قول المرجئة بأن تسمية المعصية كفرا في نصوص الوعيد: مجاز، والصحيح أنه كفر، منه: الكفر الأكبر سواء أكان اعتقادا أم قولا أم فعلا، ومنه الكفر الأصغر العملي كالنياحة على الميت في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ) ......... إلخ من المعاصي التي لا يخرج فاعلها من الملة ما لم يستحلها.
وفي باب الصفات الإلهية: صار المجاز ذريعة إلى نفي الصفات الإلهية فهي مجاز في حق الله، عز وجل، حقيقة في حق العبد، إذ اتصاف الله، عز وجل، بصفات يصح إطلاقها على البشر: تشبيه مذموم!!!، مع أن الاشتراك في هذا الباب إنما يكون في أصول المعاني التي لا تفهم الألفاظ إلا بإدراكها، وتلك أمور كلية مطلقة لا توجد خارج الذهن إلا جزئية مقيدة بموصوفها، فصفة فلان من البشر غير صفة فلان، مع اشتراكهما في أصل الصفة وكون كليهما مخلوقا تجري عليه الأقيسة العقلية، فإذا كان ذلك متصورا في حق مخلوق مقابل مخلوق فكيف بالخالق، عز وجل، الذي لا يجري عليه قياس إلا المثل الأعلى فله من كل كمال مطلق جاء به الوحي: المثل الأعلى، ولا يدرك كنه ذاته وصفاته وهم، كيف به، جل وعلا، في مقابل المخلوق، ألا يكون التباين حاصلا من باب أولى؟!!، وذلك أصل مطرد في هذا الباب الجليل، فإن الاشتراك كما تقدم لا يكون إلا في أصل المعنى، دون كماله، فكمال المعنى المطلق لله، عز وجل، ونقصانه للمخلوق، إذ كمال وصف الباري، عز وجل، فرع عن كمال ذاته، ونقصان وصف المخلوق فرع عن نقصان ذاته، ودون حقيقته: فحقيقة صفة الرب، جل وعلا، لا يعلمها إلا هو، بخلاف حقيقة صفة العبد التي تدركها حواس البشر، فمعنى السمع الكلي، على سبيل المثال، واحد، ولكن كمال سمع الرب، جل وعلا، مطلق، فـ: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ
(يُتْبَعُ)
(/)
قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)، ولم يكن ذلك لسمع عائشة، رضي الله عنها مع كونها في نفس الحجرة، وحقيقة سمعه، عز وجل، تباين حقيقة سمع زيد أو عمرو، فلا يدرك كنهها إلا المتصف بها، جل وعلا، فلا يحيط بشيء من علم الباري، عز وجل، خلق، إذ لا تدرك البصائر منه شيئا إلا ما شاء، مصداق قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)، ولا تدرك الأبصار منه إلا ما شاء لأهل دار المقامة فضلا منه ومنة، فليست رؤية أهل الجنان له: رؤية إحاطة، إذ كيف يحيط المخلوق بالخالق؟!!، بل هي رؤية تنعم.
فالضابط يدور على ثلاثة أمور:
أصل المعنى فذاك مما يصح النظر فيه، وكماله وحقيقته، فذانك مما لا قدرة لبشر عليه. وذلك، كما تقدم، أصل مطرد في كل الصفات الإلهية ذاتية كانت أو فعلية، معنوية كانت أو خبرية.
وفي مسألة الكلام تحديدا: وقع الخلاف فرعا على مقالة المجاز في باب الإلهيات الغيبيات، فنسبته إلى الله، عز وجل، نسبة مجازية، إذ هو مخلوق منفصل عنه، كما قال أصحاب مقالة خلق القرآن، إذ نسبته إلى الباري، عز وجل، عندهم، نسبة مخلوق إلى خالقه تشريفا، لا نسبة صفة إلى متصف بها تحقيقا كما هو قول أهل السنة.
وفي باب القدر: قال الجبرية: فاعل المفعولات واحد، وهو الله، عز وجل، فنسبته إلى البشر: نسبة مجازية، فليس الفعل فعل فلان على الحقيقة، وإنما قام به الفعل قيام الموت بالمكلف، فلا إرادة له فيه، فجعلوا: صلى وصام الاختياريين بمنزلة: مرض ومات!!!، وذلك في مقابل غلو نفاة القدر الذين ردوا الأمر كله للمكلف، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، فالحق وسط بينهما، إذ للعبد إرادة مؤثرة في إيقاع الفعل ولكنها لا تخرج عن إرادة الباري، عز وجل، الكونية، وإن خرجت عن أمره الشرعي حال المعصية، فلا يقع شيء في هذا الكون من الخير أو الشر دون إرادته، جل وعلا، الكونية النافذة، فبكلماته التكوينيات تكون الكائنات، وبكلماته الشرعيات تكون التكليفات.
الشاهد مما تقدم: بيان ما حصل بالتوسع في مقالة المجاز من فساد في الإلهيات، إذ المجاز، إن قيل بجوازه بابه: الأدبيات، إذ لا بد له من قرائن عقلية، والقرائن العقلية في باب السمعيات الغيبية تعد على مقام النبوة، إذ لا يدرك الغيب إلا من خبرها، فلا استقلال للعقل بإدراكه، إذ هو معزول عن منصب البيان فيما لا تدركه قواه من الغيبيات النسبية في عالم الشهادة، فكيف بالغيبات المطلقة كالصفات الإلهية وأخبار دار الجزاء الأخروية.
وقد غلا أقوام كالمعتزلة في هذا الباب حتى أولوا نصوصا غيبية من قبيل الحوض والميزان والصراط .......... إلخ بحجة أنها مجازات لأمور معنوية فليست مدركة بالحس كما دلت على ذلك ظواهر النصوص.
بل زاد آخرون على ذلك تأويل الأحكام العملية، فأولوا الصلاة والصيام والحج ....... إلخ بمعان باطنية بدعوى المجاز كما هو حال غلاة الباطنية. مع أن المجاز، إن قيل بجوازه في لسان العرب، إنما يكون في باب الخبر لا الإنشاء.
&&&&&
وبداية أشار ابن تيمية إلى أن اصطلاح المجاز:
اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"فهذا التقسيم هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم باحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين فى العلم كمالك والثوري والأوزاعي وأبى حنيفة والشافعي بل ولا تكلم به أئمة اللغة والنحو كالخليل وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء ونحوهم".
"الإيمان"، ص59.
فأهل اللسان ممن يحتج بقولهم وأهل العربية ممن يحتج بنقلهم لم يؤثر عنهم هذا التقسيم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأول من عرف أنه تكلم بهذا اللفظ: أبو عبيدة معمر بن المثنى، رحمه الله، في كتابه: "مجاز القرآن"، ولكنه لم يرد به المعنى الاصطلاحي الذي اشتهر بين المتأخرين، وإنما أراد به: ما يصح حمل الآية عليه من معنى جرى به اللسان العربي، ولا بد في هذا المقام من التنبيه على اختلاف المعنى المراد من اللفظ الواحد تبعا لزمن المتكلم، فاللفظ قد يستخدم في زمن ما لمعنى معين، ثم يتغير الاصطلاح، أو العرف، فيحمل هذا اللفظ على معنى آخر، قد يكون فرعا عن المعنى الأصلي، كأن يقيد العرف أو الاصطلاح المعنى اللغوي العام الذي عرفته العرب في كلامها، فيقصره على معنى لغوي خاص، فيأتي بعض المتأخرين ويحمل ألفاظ المتقدمين على ما استقر عنده من اصطلاح، فيحدث الخلل في تفسير كلامهم لأنه حمله على ما لم يرده المتكلم، بل لم يكن معروفا أصلا في زمانه.
فأبو عبيدة، رحمه الله، لم يكن يعرف المجاز الاصطلاحي المتأخر الذي هو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي وقرينة صارفة، وإنما تكلم بما تعورف عليه في زمانه، إذ كان المجاز يطلق في عصره على معنى الكلام. فمجاز الاستواء على سبيل المثال: العلو لا الاستيلاء كما زعم المتكلمون في باب الصفات الإلهية.
وكذا الحال في مصطلح النسخ، فالمتقدمون أطلقوه على كل صور صرف النص عن العمل به كـ: تخصيص العام، سواء كان مقارنا له أو متراخيا عنه، وتقييد المطلق، والنسخ الاصطلاحي عند المتأخرين، والزيادة على النص ............ إلخ، بينما قصره المتأخرون على: رفع الحكم الشرعي الثابت بخطاب متقدم بآخر متأخر متراخ عنه.
وقل مثل ذلك في "الكسب" الذي توسط أصحابه بين مقالة القدرية نفاة القدر من جهة، والجبرية من جهة أخرى، فجعلوا العبد مختارا في الظاهر مجبورا في الباطن، وذلك يرجع عند التحقيق إلى مقالة أهل الجبر، ولذلك عدهم بعض من صنف في المقالات، كابن حزم، رحمه الله، من طوائف الجبرية.
إذ حملوا لفظ "الكسب" في الكتاب العزيز على مصطلحهم الحادث، فالكسب في الكتاب العزيز في نحو قوله تعالى: (لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، إنما يأتي بمعنى الفعل الذي يفعله الإنسان بقدرة تامة مؤثرة في إيقاع الفعل وإرادة جازمة لا تخرج عن إرادة الله، عز وجل، الكونية النافذة، لا بمعنى قيام الفعل بالعبد بإرادة اقترانية غير مؤثرة يحدث الفعل عندها لا بها، فالنار عند أصحاب هذه المقالة يحدث الإحراق عندها لا بها، فمقالتهم تؤول في حقيقتها إلى نزع القوى المؤثرة في الأعيان والأسباب، فيصير مرد الأمر برمته إلى إرادة الله، عز وجل، الكونية، دون نظر إلى الإرادات والأسباب المخلوقة.
الشاهد أنه لا بد من تفسير النصوص، شرعية كانت أو غير شرعية بلغة عصرها لا بلغة حادثة بعدها، وإلى هذا أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:
"ولهذا ينبغي أن يقصد اذا ذكر لفظ من القرآن والحديث أن يذكر نظائر ذلك اللفظ ماذا عنى بها الله ورسوله فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث وسنة الله ورسوله التى يخاطب بها عباده وهى العادة المعروفة من كلامه ثم اذا كان لذلك نظائر فى كلام غيره وكانت النظائر كثيرة عرف أن تلك العادة واللغة مشتركة عامة لا يختص بها هو بل هي لغة قومه ولا يجوز أن يحمل كلامه على عادات حدثت بعده فى الخطاب لم تكن معروفة فى خطابه وخطاب أصحابه كما يفعله كثير من الناس وقد لا يعرفون انتفاء ذلك فى زمانه". اهـ
ويقول في موضع تال:
"ولا بد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ وكيف يفهم كلامه فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقة مراد الله ورسوله بكلامه وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون أنه دال عليه ولا يكون الأمر كذلك ويجعلون هذه الدلالة حقيقة وهذه مجازا كما أخطأ المرجئة فى اسم الإيمان، جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق وتناوله للأعمال مجازا".
"الإيمان"، ص75.
(يُتْبَعُ)
(/)
والشافعي، رحمه الله، وهو أول من صنف في "أصول الفقه"، لم يتعرض لهذه المسألة، وكذا محمد بن الحسن الشيباني، رحمه الله، الذي اشتهر عنه الكلام على مسائل مبنية على العربية في كتبه، كمسألة الأيمان، وقد تعرض لها أحمد، رحمه الله، تعرض أبي عبيدة، إذ لم يرد هو الآخر المعنى الاصطلاحي المتأخر، وإنما قال في كتابه: "الرد على الجهمية" في قوله: (إنا، نحن): هذا من مجاز اللغة، أي: مما يجوز في كلام العرب.
يقول ابن تيمية مشيرا إلى ما سبق:
"وهذا الشافعي هو أول من جرد الكلام فى أصول الفقه لم يقسم هذا التقسيم ولا تكلم بلفظ الحقيقة والمجاز وكذلك محمد بن الحسن له في المسائل المبنية على العربية كلام معروف في الجامع الكبير وغيره ولم يتكلم بلفظ الحقيقة والمجاز وكذلك سائر الأئمة لم يوجد لفظ المجاز فى كلام أحد منهم إلا فى كلام أحمد بن حنبل فإنه قال فى كتاب الرد على الجهمية فى قوله: (إنا، ونحن) ونحو ذلك فى القرآن: هذا من مجاز اللغة يقول الرجل إنا سنعطيك إنا سنفعل فذكر أن هذا مجاز اللغة"
"الإيمان"، ص59.
&&&&&
ويحكي ابن تيمة أقوال المتأخرين في هذه المسألة فيقول:
"وبهذا احتج على مذهبه من أصحابه، (أي: من أصحاب أحمد رحمه الله)، من قال إن في القرآن مجازا كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي الخطاب وغيرهم وآخرون من أصحابه منعوا أن يكون فى القرآن مجاز كأبي الحسن الخرزي وأبي عبد الله بن حامد وأبي الفضل التميمي بن أبي الحسن التميمي وكذلك منع أن يكون فى القرآن مجاز محمد بن خويز منداد وغيره من المالكية ومنع منه داود بن علي وابنه أبو بكر ومنذر بن سعيد البلوطي وصنف فيه مصنفا".
فكأن أتباع أحمد، رحمه الله، قد وقعوا فيما حذر منه ابن تيمية، إذ حملوا، لفظ المجاز في كلام أحمد، رحمه الله، على ما استقر عندهم من اصطلاح متأخر.
وإنكار الظاهرية من أمثال: داود بن علي وابنه أبي بكر ومنذر بن سعيد، رحم الله الجميع، إنكارهم المجاز يطرد مع مقالة أهل الظاهر التي انتحلوها، فإن المجاز خلاف الظاهر.
&&&&&
ووجه اعتراض ابن تيمية، رحمه الله، أنه لا يسلم بالوضع الأول، فالقائلون بتقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، يقولون:
الحقيقة: هي التي وضعت لبيان المعنى أولا.
والمجاز: هو الذي وضع ثانيا بقرينة صارفة عن الوضع الأول.
فعلى سبيل المثال: في لفظ: "أسد" قال مثبتو المجاز: وضع أولا للحيوان المفترس، ثم استعير للرجل الشجاع لعلاقة: الشجاعة، بقرينة صارفة: كقولك: رأيت أسدا يرمي، فالحيوان المفترس لا يقدر على الرماية، فيكون الأسد: حقيقة في الحيوان المفترس، مجازا في المقاتل الشجاع.
على أن الكلام لا يعلم معناه إلا بتأمل سياقه، فلا تنتزع الألفاظ من سياقاتها انتزاعا لتفسر بمعزل عنها، فمن سمع قول القائل: رأيت أسدا يرمي، علم من السياق أنه لا بد أن يكون المقصود بالأسد هنا: الرامي الشجاع، فلا مجاز هنا لأننا لم نضطر إلى الانتقال من معنى ظاهر إلى آخر مرجوح بقرينة صارفة، بل فهمنا المعنى ابتداء.
وقوله: "يرمي": قرينة سياقية، وملاحظة السياق الذي ورد فيه اللفظ أصل في فهم معناه، وليس ذلك من المجاز في شيء، لأن ظاهر اللفظ المفرد يتعين بما دل عليه ظاهر العبارة المركب.
وقل مثل ذلك في لفظ: "الجناح": فمثبتو المجاز بقولون: قد وضع اللفظ أولا: لجناح الطائر، ثم استعير لمعنى الميل في حق البشر، كما في قوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ)، وقوله تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً)، أي: لا تبعة، والتبعة إنما تكون فرعا عن ميل الإنسان عن الحق إلى الباطل فيصير بذلك موضع الذم والإنكار، فالميل
في حق الطائر إذ جناحه وسيلة ذلك: حقيقة، والميل في حق البشر: مجاز، إذ لا جناح حقيقي للإنسان، وإنما يكون جنوحه في المعنويات المدركة بالعقل لا الماديات المدركة بالحس.
(يُتْبَعُ)
(/)
والمانعون من المجاز ينكرون الوضع الأول، إذ هو عندهم دعوى لا دليل عليها، فلقائل أن يقول: بل وضع أولا للمعنويات ثم استعير للماديات، فدعوى مقابل دعوى!!!، ولآخر أن يقول: الميل والجنوح معنى كلي مطلق، فرع المتكلم عنه معان جزئية مقيدة، فيقيد بالحس في جناح الطائر، وبالمعنى في ميل المائل عن الحق، وعلى هذا فقس، فالكليات المطلقة لا يمتنع وقوع الشركة فيها، بخلاف الجزئيات المقيدة فإنها تبع للمتصف بها والسياق الذي وردت فيه، فهو قرينة تدل على المعنى المراد تحديدا كما تقدم.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ عُلِمَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْعَرَبِيَّةَ وُضِعَتْ أَوَّلًا لِمَعَانٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهَا؛ فَيَكُونُ لَهَا وَضْعٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ. وَهَذَا إنَّمَا صَحَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحِيَّةً فَيَدَّعِي أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْعُقَلَاءِ اجْتَمَعُوا وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُسَمُّوا هَذَا بِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا وَيَجْعَلَ هَذَا عَامًّا فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا نَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَهُ قَبْلَ أَبِي هَاشِمِ بْنِ الجبائي؛ فَإِنَّهُ وَأَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ كِلَاهُمَا قَرَأَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الجبائي لَكِنَّ الْأَشْعَرِيَّ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَخَالَفَهُمْ فِي الْقَدَرِ وَالْوَعِيدِ وَفِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَفِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَّنَ مِنْ تَنَاقُضِهِمْ وَفَسَادِ قَوْلِهِمْ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْهُ. فَتَنَازَعَ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ فِي مَبْدَأِ اللُّغَاتِ؛ فَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: هِيَ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ. ثُمَّ خَاضَ النَّاسُ بَعْدَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَقَالَ آخَرُونَ: بَعْضُهَا تَوْقِيفِيٌّ وَبَعْضُهَا اصْطِلَاحِيٌّ وَقَالَ فَرِيقٌ رَابِعٌ بِالْوَقْفِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَنْقُلَ عَنْ الْعَرَبِ بَلْ وَلَا عَنْ أُمَّةٍ مِنْ الْأُمَمِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فَوَضَعُوا جَمِيعَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ الْمَنْقُولُ بِالتَّوَاتُرِ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِيمَا عَنَوْهُ بِهَا مِنْ الْمَعَانِي فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ يَعْلَمُ وَضْعًا يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْطِلٌ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ". اهـ
"الإيمان"، ص60.
&&&&&
ويعرج ابن تيمية، رحمه الله، على مسألة "تعلم اللغات"، فيرى أن مدار الأمر على "الإلهام"، (وهو ممن يرى أن اللغة: إلهام، فلم يقل بالتوقيف أو الوضع)، فالله، عز وجل، ألهم الحيوان من الأصوات ما به يعرف بعضه مراد بعض، وكذا الطفل الصغير، يسمع والديه، فتتكون لديه، شيئا فشيئا، حصيلة لغوية، فلا يوقفه والداه على معاني الأشياء ابتداء، فيقولا له: هذا كتاب، وهذا قلم، وهذه ورقة .............. إلخ، وإنما يدرك هو ذلك بنفسه، فإذا ما استشكل عليه معرفة اسم شيء ما، لكونه يراه لأول مرة، ولم يسمع أحدا سماه من قبل فإنه يسأل والديه عن اسمه، ولو كانت اللغة وضعا أو اصطلاحا، لاضطر كل أبوين إلى عقد مجالس إملاء لسرد أسماء الأشياء على ابنهما، وهذا غير حاصل بطبيعة الحال.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وَكَذَلِكَ الْآدَمِيُّونَ؛ فَالْمَوْلُودُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ التَّمْيِيزُ سَمِعَ أَبَوَيْهِ أَوْ مَنْ يُرَبِّيهِ يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ وَيُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى فَصَارَ يَفْهَمُ أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْ: أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثُمَّ هَذَا يَسْمَعُ لَفْظًا بَعْدَ لَفْظٍ حَتَّى يَعْرِفَ لُغَةَ الْقَوْمِ الَّذِينَ نَشَأَ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا قَدْ اصْطَلَحُوا مَعَهُ عَلَى وَضْعٍ مُتَقَدِّمٍ؛ بَلْ وَلَا أَوْقَفُوهُ عَلَى مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَإِنْ
(يُتْبَعُ)
(/)
كَانَ أَحْيَانًا قَدْ يَسْأَلُ عَنْ مُسَمَّى بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَيُوقَفُ عَلَيْهَا كَمَا يُتَرْجَمُ لِلرَّجُلِ اللُّغَةُ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا فَيُوقَفُ عَلَى مَعَانِي أَلْفَاظِهَا وَإِنْ بَاشَرَ أَهْلُهَا مُدَّةَ عِلْمِ ذَلِكَ بِدُونِ تَوْقِيفٍ مِنْ أَحَدِهِمْ". اهـ
"الإيمان"، ص61.
وعن الإلهام في نطق اللغات يقول ابن تيمية رحمه الله:
"فَبِالْجُمْلَةِ نَحْنُ لَيْسَ غَرَضُنَا إقَامَةَ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ؛ بَلْ يَكْفِينَا أَنْ يُقَالَ: هَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وُجُودُهُ بَلْ الْإِلْهَامُ كَافٍ فِي النُّطْقِ بِاللُّغَاتِ مِنْ غَيْرِ مُوَاضَعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ؛ وَإِذَا سُمِّيَ هَذَا تَوْقِيفًا؛ فَلْيُسَمَّ تَوْقِيفًا وَحِينَئِذٍ فَمَنْ ادَّعَى وَضْعًا مُتَقَدِّمًا عَلَى اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ؛ فَقَدْ قَالَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَإِنَّمَا الْمَعْلُومُ بِلَا رَيْبٍ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ ثُمَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: تَتَمَيَّزُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِالِاكْتِفَاءِ بِاللَّفْظِ فَإِذَا دَلَّ اللَّفْظُ بِمُجَرَّدِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ إلَّا مَعَ الْقَرِينَةِ؛ فَهُوَ مَجَازٌ وَهَذَا أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى لَا بِوَضْعِ مُتَقَدِّمٍ". اهـ
"الإيمان"، ص63.
فهو يعول على السياق بغض النظر عن الدلالة الوضعية للألفاظ، مع أنه لا يسلم بها أصلا، ولكن: هب أن للألفاظ دلالة وضعية، فيكون لفظ: أسد قد وضع ابتداء للحيوان المفترس، فلا أحد، كما تقدم، يفهم من قولك: رأيت أسدا يرمي، أن الحيوان المفترس قد أمسك رمحا أو قوسا ليرمي، وإنما المتبادر إلى الذهن مباشرة دون أي وسائط عقلية: أنه رام شجاع، فلن يلجأ العقل إلى تصور الوضع اللفظي الأول، ومن ثم صرفه عن ظاهره لقرينة لفظية هي: "يرمي"، فتكون النتيجة: المقصود هنا ليس الأسد المعروف وإنما هو الرامي الشجاع، فهذه الخطوات المنطقية سيختزلها أي عقل اختزالا ليصل إلى المعنى المراد مباشرة لدلالة السياق عليه، فيكون الأسد في هذا السياق بعينه: حقيقة في المقاتل الشجاع، والاستعارة من الفنون البلاغية التي استعملها العرب في كلامهم، وطالما استعملت فقد صارت حقيقة في اللغة، بمثابة المجاز المشتهر الذي ينزل منزلة الحقيقة العرفية، التي تعارف الناس على استعمالها دون اللجوء في فهمها لتسلسل المجاز المنطقي، فـ:
كلمة "الغائط" على سبيل المثال: في الوضع الأول: تستعمل في الدلالة على المكان المنخفض، ومن ثم صارت مجازا مشتهرا في الدلالة على الخارج، لأن العرب كانت تتحرى الأماكن المنخفضة المطمئنة لقضاء حاجتها.
وكذا كلمة "العذرة": فهي في الوضع الأول: تستعمل في في الدلالة على فناء الدار، ومن ثم صارت مجازا مشتهرا في الدلالة على الخارج، أيضا، لأن العرب كانت تلقي بالمخلفات في أفنية الدور، فلما صارت مجازا مشتهرا، من باب: إطلاق المحل وإرادة الحال فيه، آلت إلى كونها حقيقة عرفية في كلام العرب، حتى هجر المعنى الأصلي لها، وصار مهملا فلم يعد كثير من الناس يعرفه أصلا، فانتقل اللفظ من باب: المجاز إلى الحقيقة.
وكذلك "المرحاض": فهو في اللغة المغتسل، ولكنه، أيضا، كناية عن موضع التخلي.
وقل مثل ذلك في نحو قول الشاعر:
أعرف منها الجيد والعينانا ******* ومنخرين أشبها ظبيانا.
فإن مثبت المجاز يقول: استعمال المنخر في الصوت الخارج من الأنف: مجاز علاقته المحلية، إذ أطلق المحل وهو المنخر أو الأنف، وأراد الحال فيه من الصوت، ومنكر المجاز يقول: المعنى المراد يعرف ابتداء بقرينة السياق، ففي البيت السابق: دل السياق على أن المراد بـ: "المنخر": الأنف، إذ شبه منخريها بمنخري رجل يسمى ظبيان، فتقدير الكلام: ومنخرين كمنخري ظبيان، وحذف المشبه به: "منخري"، على وزان قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)، ويأتي بيانه إن شاء الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
فكل تلك الأمثلة مما اشتهر في لغة العرب، فلو قيل بأنه مجاز فهو مجاز مشتهر ينزل منزلة الحقيقة العرفية التي تقدم على الحقيقة اللغوية، فتقديمه على الحقيقة اللغوية، مع كونه مجازا من جهة التقسيم الاصطلاحي، راجع إلى استعمال اللسان لا إلى قوانين المجاز العقلية.
فكذلك الاستعارة أكثر العرب من استعمالها، حتى صارت فنا من فنون التخاطب عندهم، فصارت حقيقة في كلامهم، لا سيما ونافي المجاز يعول دائما على السياق الذي يدل على المعنى المراد من اللفظ بلا كلفة عقلية.
الشاهد أنه لا بد من ملاحظة السياق الذي يرد فيه اللفظ قبل تفسيره، وإلا وقع الخطأ في تعين مراد المخاطب بنزع ألفاظه من سياقاتها، فتحمل ما لا تحتمل كحال كثير من أصحاب الأهواء والمقالات الحادثة الذين يقتطعون من النصوص ما يشهد لمقالاتهم دون نظر إلى السياق الذي ينقضها في كثير من الأحيان. فحالهم حال من يتتبع المتشابه القليل ويعرض عن المحكم الكثير.
فالنصارى يقتطعون من آية النساء قوله تعالى: (وَرُوحٌ مِنْهُ)، ويعرضون عن بقيتها: (فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ)، وهي ناقضة لقولهم بألوهية المسيح عليه السلام.
والمعتزلة يقتطعون من سياق آيات المدثر قوله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)، ليستدلوا به على نفي الشفاعة لعصاة الموحدين، وسياق الآيات إنما ورد في بيان حال الكفار لا أصحاب الكبائر من الموحدين.
يقول ابن القيم، رحمه الله، في معرض حجاج مثبتي المجاز، كما في "مختصر الصواعق المرسلة":
"إنكم فرقتم أيضا بينهما، (أي: بين الحقيقة والمجاز)، بأن المجاز ما يتبادر غيره إلى الذهن فالمدلول إن تبادر إلى الذهن عند الإطلاق كان حقيقة، وكان غير المتبادر مجازا. فإن الأسد إذا أطلق تبادر منه الحيوان المفترس دون الرجل الشجاع، فهذا الفرق مبني على دعوى باطلة وهي تجريد اللفظ عن القرائن بالكلية والنطق به وحده وحينئذ يتبادر منه الحقيقة عند التجرد. وهذا الفرض هو الذي أوقعكم في الوهم فإن اللفظ بدون القيد والتركيب بمنزلة الأصوات التي ينعق بها لا تفيد فائدة، وإنما يفيد تركيبه مع غيره تركيبا إسناديا يصح السكوت عليه وحينئذ فإنه يتبادر منه عند كل تركيب بحسب ما قيد به فيتبادر منه في هذا التركيب ما لا يتبادر منه في هذا التركيب الأخير". اهـ
فيكون "الأسد" في قولك: "رأيت أسدا يفترس غزالا": حقيقة في الحيوان المفترس بقرينة: "يفترس" وهي قرينة سياقية معتبرة في فهم مراد المتكلم، ويكون "الأسد" في قولك: "رأيت أسدا يرمي في الميدان": حقيقة بقرينة: "يرمي"، فلا يعلم مراد المتكلم إلا من سياق كلامه.
&&&&&
&&&&&
وتطرق ابن تيمية، رحمه الله، إلى نقض دعوى: نقل اللغة بالتواتر، إذ يلزم من ذلك أن الله، عز وجل، علم آدم، عليه السلام، كل اللغات المعروفة اليوم، على القول بوضع اللغات، وأن كل من كان بالسفينة مع نوح، عليه السلام، نقلوا ما نعرفه اليوم من لغات، وهذا أمر غير متصور، لأنهم كانوا عددا محدودا من البشر يعيش في بلد واحد، والعادة المطردة في أهل البلد الواحد: أنهم يتكلمون بلغة واحدة فقط، وإن حصل اختلاف في الألسنة فهو اختلاف لهجات لا لغات.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْ آدَمَ جَمِيعَ اللُّغَاتِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا جَمِيعُ النَّاسِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ تِلْكَ اللُّغَاتِ اتَّصَلَتْ إلَى أَوْلَادِهِ فَلَا يَتَكَلَّمُونَ إلَّا بِهَا فَإِنَّ دَعْوَى هَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا يُنْقَلُ عَنْهُ بَنُوهُ وَقَدْ أَغْرَقَ اللَّهُ عَامَ الطُّوفَانِ جَمِيعَ ذُرِّيَّتِهِ إلَّا مَنْ فِي السَّفِينَةِ وَأَهْلُ السَّفِينَةِ انْقَطَعَتْ ذُرِّيَّتُهُمْ إلَّا أَوْلَادَ نُوحٍ وَلَمْ يَكُونُوا يَتَكَلَّمُونَ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الْأُمَمُ بَعْدَهُمْ. فَإِنَّ "اللُّغَةَ الْوَاحِدَةَ" كَالْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ
(يُتْبَعُ)
(/)
وَالْأَنْوَاعِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ، وَالْعَرَبُ أَنْفُسُهُمْ لِكُلِّ قَوْمٍ لُغَاتٌ لَا يَفْهَمُهَا غَيْرُهُمْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُنْقَلَ هَذَا جَمِيعُهُ عَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ وَأُولَئِكَ جَمِيعُهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسْلٌ وَإِنَّمَا النَّسْلُ لِنُوحِ وَجَمِيعُ النَّاسِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ: سَامُ وحام ويافث كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}. فَلَمْ يَجْعَلْ بَاقِيًا إلَّا ذُرِّيَّتَهُ وَكَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّ أَوْلَادَهُ ثَلَاثَةٌ". رَوَاهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْطِقُوا بِهَذَا كُلِّهِ وَيَمْتَنِعُ نَقْلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ هَذِهِ اللُّغَةَ لَا يَعْرِفُونَ هَذِهِ، وَإِذَا كَانَ النَّاقِلُ ثَلَاثَةً؛ فَهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَوْلَادَهُمْ، وَأَوْلَادُهُمْ عَلِمُوا أَوْلَادَهُمْ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاتَّصَلَتْ. وَنَحْنُ نَجِدُ بَنِي الْأَبِ الْوَاحِدِ يَتَكَلَّمُ كُلُّ قَبِيلَةٍ مِنْهُمْ بِلُغَةِ لَا تَعْرِفُهَا الْأُخْرَى وَالْأَبُ وَاحِدٌ، لَا يُقَالُ: إنَّهُ عَلَّمَ أَحَدَ ابْنَيْهِ لُغَةً وَابْنَهُ الْآخَرَ لُغَةً؛ فَإِنَّ الْأَبَ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا ابْنَانِ وَاللُّغَاتُ فِي أَوْلَادِهِ أَضْعَافُ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي أَجْرَى اللَّهُ عَلَيْهِ عَادَةَ بَنِي آدَمَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ لُغَتَهُمْ الَّتِي يُخَاطِبُونَهُمْ بِهَا أَوْ يُخَاطِبُهُمْ بِهَا غَيْرُهُمْ فَأَمَّا لُغَاتٌ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِهَا فَلَا يُعَلِّمُونَهَا أَوْلَادَهُمْ". اهـ
"الإيمان"، ص61، 62.
فلم تكن اللغات الحادثة كالإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية .............. إلخ معروفة زمن نوح هليه السلام!!! لتنقل إلينا نقلا متواترا.
&&&&&
وأشار ابن تيمية إلى نكتة لطيفة في الفرق بين اللغات التي نزل بها الوحي واللغات الأرضية التي نطق بها أقوام لا كتاب لهم، فالأولى تزيد على الثانية ألفاظا لا تعلم إلا من جهة الشرع، كأيام الأسبوع.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللُّغَاتِ لَيْسَتْ مُتَلَقَّاةً عَنْ آدَمَ؛ أَنَّ أَكْثَرَ اللُّغَاتِ نَاقِصَةٌ عَنْ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَسْمَاءٌ خَاصَّةٌ لِلْأَوْلَادِ وَالْبُيُوتِ وَالْأَصْوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُضَافُ إلَى الْحَيَوَانِ؛ بَلْ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي ذَلِكَ الْإِضَافَةَ. فَلَوْ كَانَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّمَهَا الْجَمِيعَ لَعَلَّمَهَا مُتَنَاسِبَةً، وَأَيْضًا فَكُلُّ أُمَّةٍ لَيْسَ لَهَا كِتَابٌ لَيْسَ فِي لُغَتِهَا أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ فِي لُغَتِهَا اسْمُ الْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُرِفَ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ؛ فَوَضَعَتْ لَهُ الْأُمَمُ الْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ يَتْبَعُ التَّصَوُّرَ، وَأَمَّا الْأُسْبُوعُ فَلَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِالسَّمْعِ، لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ إلَّا بِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ شُرِعَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْأُسْبُوعِ يَوْمًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فِيهِ وَيَحْفَظُونَ بِهِ الْأُسْبُوعَ الْأَوَّلَ الَّذِي بَدَأَ اللَّهُ فِيهِ خَلْقَ هَذَا الْعَالَمِ؛ فَفِي لُغَةِ الْعَرَبِ والعِبْرانِيِّينَ، وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُمْ، أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ؛ بِخِلَافِ التُّرْكِ وَنَحْوِهِمْ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي لُغَتِهِمْ أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ فَلَمْ يُعَبِّرُوا عَنْهُ". اهـ
فالترك لا تعرف أيام الأسبوع إذ لا رسالة لها، والمسلمون واليهود والنصارى يعرفونها إذ جنس النبوة فيهم معلوم.
"الإيمان"، ص63.
&&&&&
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن ثم ناقش ابن تيمية، رحمه الله، تقسيم اللغويين للحقيقة، سواء أكانت قسمتهم ثناية (لغوية وعرفية)، أم ثلاثية (لغوية وعرفية وشرعية)، ورجح الحقيقة العرفية المشتهرة على الحقيقة اللغوية، واعتبر الأولى ناسخة للثانية، وهي مع كونها نقلت عن أصلها اللغوي بقرينة عرفية إلا أنها لم تصر: مجازا، وإنما بقيت على حقيقتها، وإن قيدت بكونها: عرفية، فهذه حقيقة، ومع ذلك لم يثبت لها وضع أول، بل على العكس من ذلك: الوضع الأول ثابت للحقيقة اللغوية التي نقلت منها، وعليه يبطل القول بأن مدار الحقيقة على أصل الوضع، إذ قد يكون اللفظ حقيقيا بوضع ثان نقل من وضع أول بتقييد عرفي.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"ثُمَّ يُقَسِّمُونَ الْحَقِيقَةَ إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ وَأَكْثَرُهُمْ يُقَسِّمُهَا إلَى ثَلَاثٍ: لُغَوِيَّةٍ وَشَرْعِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ. "فَالْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ": هِيَ مَا صَارَ اللَّفْظُ دَالًّا فِيهَا عَلَى الْمَعْنَى بِالْعُرْفِ لَا بِاللُّغَةِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى يَكُونُ تَارَةً أَعَمَّ مِنْ اللُّغَوِيِّ وَتَارَةً أَخَصَّ وَتَارَةً يَكُونُ مُبَايِنًا لَهُ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةٌ اُسْتُعْمِلَ لِأَجْلِهَا. فَالْأَوَّلُ: مِثْلُ لَفْظِ "الرَّقَبَةِ" وَ "الرَّأْسِ" وَنَحْوِهِمَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُضْوِ الْمَخْصُوصِ ثُمَّ صَارَ يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ. وَالثَّانِي مِثْلُ لَفْظِ "الدَّابَّةِ" وَنَحْوِهَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا دَبَّ ثُمَّ صَارَ يُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ بَعْضِ النَّاسِ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَفِي عُرْفِ بَعْضِ النَّاسِ فِي الْفَرَسِ وَفِي عُرْفِ بَعْضِهِمْ فِي الْحِمَارِ. وَالثَّالِثُ مِثْلُ لَفْظِ "الْغَائِطِ" وَ "الظَّعِينَة" وَ "الرَّاوِيَةِ" وَ "الْمَزَادَةِ" فَإِنَّ الْغَائِطَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ مِنْ الْأَرْضِ، فَلَمَّا كَانُوا يَنْتَابُونَهُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ سَمَّوْا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِنْسَانِ بِاسْمِ مَحَلِّهِ، وَالظَّعِينَةُ اسْمُ الدَّابَّةِ ثُمَّ سَمَّوْا الْمَرْأَةَ الَّتِي تَرْكَبُهَا بِاسْمِهَا وَنَظَائِرَ ذَلِكَ. وَ "الْمَقْصُودُ" أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ لَمْ تَصِرْ حَقِيقَةً لِجَمَاعَةِ تَوَاطَئُوا عَلَى نَقْلِهَا وَلَكِنْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ وَأَرَادَ بِهَا ذَلِكَ الْمَعْنَى الْعُرْفِيَّ ثُمَّ شَاعَ الِاسْتِعْمَالُ فَصَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً بِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ، وَلِهَذَا زَادَ مَنْ زَادَ مِنْهُمْ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا التَّخَاطُبُ ثُمَّ هُمْ يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى بَعْضِ الْأَلْفَاظِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ أَشْهَرَ فِيهِ وَلَا يَدُلُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا عَلَيْهِ فَتَصِيرُ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ نَاسِخَةً لِلْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ. وَاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ الْحَادِثِ لِلْعُرْفِيِّ وَهُوَ حَقِيقَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ ذَلِكَ تَقَدُّمُ وَضْعٍ، فَعُلِمَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْحَقِيقَةِ بِهَذَا لَا يَصِحُّ"
"الإيمان"، ص64.
&&&&&
وتطرق ابن تيمية، إلى مسألة غاية في الأهمية أشبعها بحثا في أكثر من موضع من كتبه، وهي مسألة:
الدلالة المطلقة والدلالة المقيدة للألفاظ، فعمدة من قال بالمجاز أنه جرد الألفاظ عن أي قيد، فجعلها مطلقة، وقال بأن هذا المعنى المطلق عن أي قيد هو: حقيقتها، مع أن أحدا لم ينطق بها مجردة، لعدم إفادتها مجردة معنى موجودا في الخارج، فاللفظ المطلق لا يوجد إلا في الأذهان، فإذا ما قيد صارت له حقيقة في خارج الذهن تبعا لمقيده، وهذه هي القاعدة التي أبطل بها ابن تيمية، رحمه الله، حجة القائلين بالوجود المطلق من الاتحادية، إذ جعلوا الوجود كله: واحدا بالعين، فوجود زيد هو عين وجود عمرو، ووجود الخالق، عز وجل، هو عين وجود المخلوق لمجرد الاشتراك في معنى الوجود الكلي المطلق!!!!، مع أن الصحيح أنه: واحد بالنوع، فنوع
(يُتْبَعُ)
(/)
الوجود: مطلق لا يوجد إلا في الأذهان، لا حقيقة له في الخارج، ولا يلزم من إثباته مطلقا، وقوع الشركة فيه في الأعيان المقيدة بأوصافها التي تتمايز بها، بل إذا قيد الوجود، فإنه يتباين تبعا لتباين الأفراد المتصفة به، ولا يقال بأنها عين واحدة، فوجود زيد مباين لوجود عمرو، كما تقدم، وإن اشتركا في معنى الوجود الكلي، الذي يمثل النوع هنا، فاتحد نوع الوصف واختلفت أفراده، تبعا لاختلاف ذواتها، فذات زيد لها وجود يختص بها، وذات عمرو لها وجود يختص بها، ولله المثل الأعلى، فله وجود يختص بذاته العلية، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أنه، عز وجل، ليس كمثله شيء في ذاته، فكذا في صفاته وأفعاله، فلا يندرج كفرد ضمن مجموعة أفراد تحت نوع واحد لمجرد الاشتراك في أصل معنى من معاني الكمال المطلق التي يجوز إطلاقها على الخلق، ويجب إثباتها للخالق، جل وعلا، من باب أولى، طالما جاءت بها النصوص، لا يندرج مع خلقه تحت نوع واحد، لمجرد الاشتراك في أمر كلي مطلق لا يمنع تصوره وقوع الشركة فيه بخلاف الأمور الجزئية المقيدة خارج الذهن، فإن نفس تصورها يمنع وقوع الشركة فيها، فتصور ذات زيد يمنع اشتراك عمرو معه فيها، وإذا كان ذلك التباين حاصلا بل واجبا بين الذوات المخلوقة مع اشتراكها في وصف الحدوث، فهو في حق الخالق، عز وجل، أولى وآكد، إذ ذاته العلية لا تشترك مع الذوات المخلوقة في وصف الحدوث، بل هي أزلية أبدية لا يعتريها نقص أو فناء، فلا يندرج الباري، عز وجل، قاعدة كلية شمولية، إذ كيف يصح ذلك وهو خالق هذه القاعدة الشمولية، وخالق ما يندرج تحتها من أفراد، فكيف يحكم بالأدنى على الأعلى؟!!!!.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"ثُمَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ هَذَا: نَجِدُ أَحَدَهُمْ يَأْتِي إلَى أَلْفَاظٍ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ إلَّا مُقَيَّدَةً فَيَنْطِقُ بِهَا مُجَرَّدَةً عَنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَقِيقَتُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا نُطِقَ بِهَا مُجَرَّدَةً وَلَا وُضِعَتْ مُجَرَّدَةً، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ حَقِيقَةُ الْعَيْنِ هُوَ الْعُضْوُ الْمُبْصِرُ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ عَيْنُ الشَّمْسِ وَالْعَيْنُ النَّابِعَةُ وَعَيْنُ الذَّهَبِ؛ لِلْمُشَابَهَةِ. لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ لَا مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ فَيُمَثِّلُ بِغَيْرِهِ مِثْلَ لَفْظِ الرَّأْسِ. يَقُولُونَ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ. ثُمَّ قَالُوا: رَأْسُ الدَّرْبِ لِأَوَّلِهِ وَرَأْسُ الْعَيْنِ لِمَنْبَعِهَا وَرَأْسُ الْقَوْمِ لِسَيِّدِهِمْ وَرَأْسُ الْأَمْرِ لِأَوَّلِهِ وَرَأْسُ الشَّهْرِ وَرَأْسُ الْحَوْلِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ. وَهُمْ لَا يَجِدُونَ قَطُّ أَنَّ لَفْظَ الرَّأْسِ اُسْتُعْمِلَ مُجَرَّدًا؛ بَلْ يَجِدُونَ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ بِالْقُيُودِ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ} وَنَحْوِهِ وَهَذَا الْقَيْدُ يَمْنَعُ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ تِلْكَ الْمَعَانِي. فَإِذَا قِيلَ: رَأْسُ الْعَيْنِ وَرَأْسُ الدَّرْبِ وَرَأْسُ النَّاسِ وَرَأْسُ الْأَمْرِ؛ فَهَذَا الْمُقَيِّدُ غَيْرُ ذَاكَ الْمُقَيِّدِ، وَمَجْمُوعُ اللَّفْظِ الدَّالِّ هُنَا غَيْرُ مَجْمُوعِ اللَّفْظِ الدَّالِّ هُنَاكَ؛ لَكِنْ اشْتَرَكَا فِي بَعْضِ اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكِ كُلِّ الْأَسْمَاءِ الْمُعَرَّفَةِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّاطِقَ بِاللُّغَةِ نَطَقَ بِلَفْظِ رَأْسِ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُتَصَوَّرُ رَأْسُهُ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَالتَّعْبِيرُ أَوَّلًا هُوَ عَمَّا يُتَصَوَّرُ أَوَّلًا، فَالنُّطْقُ بِهَذَا الْمُضَافِ أَوَّلًا لَا يَمْنَعُ أَنْ يُنْطَقَ بِهِ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ ثَانِيًا، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ الْمَجَازِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُضَافَاتِ فَإِذَا قِيلَ: ابْنُ آدَمَ أَوَّلًا؛ لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: ابْنُ الْفَرَسِ
(يُتْبَعُ)
(/)
وَابْنُ الْحِمَارِ مَجَازًا وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: بِنْتُ الْإِنْسَانِ؛ لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: بِنْتُ الْفَرَسِ مَجَازًا. وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: رَأْسُ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: رَأْسُ الْفَرَسِ مَجَازًا وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُضَافَاتِ إذَا قِيلَ: يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ". اهـ
"الإيمان"، ص64، 65.
وعليه فالمطلق المجرد عن أي قيد، لا يمكن ادعاء أنه أريد به ابتداء: معنى كذا، ثم نقل إلى: معنى كذا، فيقال، على سبيل المثال، بأن لفظ: "رأس" المطلق قصد به أولا: رأس الإنسان، فصار حقيقة فيه، ثم نقل إلى رأس الفرس فصار مجازا فيه، لأن البحث الآن في لفظ: "رأس" المطلق لا المقيد بكونه رأس إنسان، وهذا المطلق، كما تقدم، لا وجود له خارج الأذهان فلا يتصور إلا فيها، فكيف نتحكم بتقييده ابتداء بفرد من أفراده التي يدل عليها بعد تقييده، فيقال: المراد به، مع كونه مطلقا، الرأس المقيدة بكونها رأس إنسان؟!!!، ثم نقلت بعلاقة وقرينة مجازية إلى بقية الرؤوس.
فلا وجود للمطلق بشرط الإطلاق إلا في الأذهان، فمجرد إضافته خارج الذهن قيد فارق يجعله حقيقة في المضاف إليه، فرأس الإنسان: حقيقة في الإنسان، ورأس الفرس حقيقة في الفرس، فلا حاجة إلى تكلف وقوع المجاز وما يتفرع عنه من علاقات وقرائن عقلية.
ويقول في موضع تال مناقشا المناطقة في دعوى اللفظ المطلق من جميع القيود:
"وَأَيْضًا فَقَدْ بَيَّنَّا .............. أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ إلَّا بَيَّنَ مَعْنَاهُ لِلْمُخَاطَبِينَ وَلَمْ يحوجهم إلَى شَيْءٍ آخَرَ .............. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ هَؤُلَاءِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ مِنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ؛ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَدَّرًا فِي الْأَذْهَانِ لَا مَوْجُودًا فِي الْكَلَامِ الْمُسْتَعْمَلِ. كَمَا أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ الْمَنْطِقِيُّونَ مِنْ الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ مِنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَدَّرًا فِي الذِّهْنِ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ خَارِجٌ عَنْ كُلِّ قَيْدٍ". اهـ
بتصرف من: "الإيمان"، ص69، 70.
ويؤكد على أن هذا المعنى الكلي المشترك الذي تواطأت عليه هذه الأفراد لا يوجد إلا في الذهن فلا يلزم من إثباته تشبيه أو تمثيل، لأنه، كما تقدم، إنما يوجد في الأذهان دون الأعيان، فإذا ما قيد، كان تبعا لمقيده.
يقول ابن تيمية:
"وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ مُسَمَّيَاتِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ عَامٌّ لَا يُوجَدُ كُلِّيًّا عَامًّا إلَّا فِي الذِّهْنِ وَهُوَ مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ لَكِنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْعَامَّ الْكُلِّيَّ كَانَ أَهْلُ اللُّغَةِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَاجُونَ إلَى مَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ وَإِلَى مَا يُوجَدُ فِي الْقُلُوبِ فِي الْعَادَةِ. وَمَا لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ إلَّا مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ؛ لَا يُوجَدُ فِي الذِّهْنِ مُجَرَّدًا بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ غَيْرَ مُضَافٍ تَعَوَّدَتْ الْأَذْهَانُ تَصَوُّرَ مُسَمَّى الْإِنْسَانِ وَمُسَمَّى الْفَرَسِ بِخِلَافِ تَصَوُّرِ مُسَمَّى الْإِرَادَةِ وَمُسَمَّى الْعِلْمِ وَمُسَمَّى الْقُدْرَةِ وَمُسَمَّى الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الْعَامِّ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يُوجَدُ لَهُ فِي اللُّغَةِ لَفْظٌ مُطْلَقٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ لَا يُوجَدُ لَفْظُ الْإِرَادَةِ إلَّا مُقَيَّدًا بِالْمُرِيدِ وَلَا لَفْظُ الْعِلْمِ إلَّا مُقَيَّدًا بِالْعَالِمِ وَلَا لَفْظُ الْقُدْرَةِ إلَّا مُقَيَّدًا بِالْقَادِرِ. بَلْ وَهَكَذَا سَائِرُ الْأَعْرَاضِ لَمَّا لَمْ تُوجَدْ إلَّا فِي مَحَالِّهَا مُقَيَّدَةً بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي اللُّغَةِ لَفْظٌ إلَّا كَذَلِكَ". اهـ
"الإيمان"، ص71.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويضرب مثلا بألفاظ "السواد" و "البياض"، فإنها لا توجد في الخارج إلا مقيدة بمن يتصف بها، فيقال: هذا أسود، وهذا أبيض، يضرب المثل بذلك فيقول:
"فَلَا يُوجَدُ فِي اللُّغَةِ لَفْظُ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ إلَّا مُقَيَّدًا بِالْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ وَالطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا مُجَرَّدًا عَنْ كُلِّ قَيْدٍ؛ وَإِنَّمَا يُوجَدُ مُجَرَّدًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ مَا يُرِيدُونَ بِهِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ". اهـ
"الإيمان"، ص71.
وهذا صنيع أمثال ابن فارس، رحمه الله، في معجمه، فإنه اهتم ببيان مواد المعاني الكلية المطلقة، فيقول على سبيل المثال: (الباء والثاء أصلٌ واحد، وهو تفريق الشيء وإظهاره)، فعرف "البث" مطلقا، وهو إنما يوجد خارج الذهن مقيدا بباث ومبثوث بعينه، كما في قوله تعالى: (وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ)، فذلك معنى جزئي مقيد تفرع عن معنى البث الكلي المطلق وعلى هذا فقس في باب المعاني الكلية المجردة التي لا يعلم مراد المتكلم إلا بإثباتها.
ويقول في خاتمة هذا المبحث: "فما لم ينطق به إلا مضافا أولى أن لا يكون مجازا"، لأنه صار حقيقة في معناه بعد الإضافة، فلم يستعمل مطلقا ليقال بأن في تقييده بالإضافة صرفا له عن وضعه الأول بقرينة فيكون مجازا من هذا الوجه.
&&&&&
ثم عرض ابن تيمية لأهم الأيات التي استدل بها من قال بوقوع المجاز في القرآن، فذكر:
قوله تعالى: (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، إذ يقول مثبتو المجاز: إن الذوق وضع أولا للفم فصار حقيقة فيه، واللباس وضع أولا لما يلبس على البدن فصار حقيقة فيه، ومن ثم نقل بالاستعارة إلى المعنى المراد في الآية، والرد من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يسلم بهذا الوضع الأول، كما تقدم، فهو دعوى معارضة بدعوى، إذ ما المانع أن يكون الأمر بالعكس فيكون الذوق واللباس قد وضعا ابتداء للدلالة على المعنى الذي يدعون أنه مجاز، فيكون فيه حقيقة، ويكون في المعنى الذي أثبتوه حقيقةً: مجازاً، وهذه دعوى مطردة في كل ما ادعي أنه حقيقة في الوضع الأول في كذا، مجاز في الوضع الثاني في كذا.
والوجه الثاني: أن هذه الأفراد قد تشترك في معنى الذوق الكلي وهو: وجود طعم الشيء، ولا يلزم من ذلك تماثلها، وإنما يكون الأمر من باب: "التواطؤ اللفطي" أو: "الاشتراك المعنوي"، فهي مشتركة في أصل المعنى دون فرعه، إذ لا إشكال في وقوع الشركة في المعاني الكلية المطلقة.
يقول ابن تيمية:
"وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}. فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الذَّوْقُ حَقِيقَةٌ فِي الذَّوْقِ بِالْفَمِ، وَاللِّبَاسُ بِمَا يُلْبَسُ عَلَى الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا اُسْتُعِيرَ هَذَا وَهَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ قَالَ الْخَلِيلُ: الذَّوْقُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ وُجُودُ طَعْمِ الشَّيْءِ، (أي: مطلقا عن أي قيد)، وَالِاسْتِعْمَالُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، (أي: على المعنى المراد مقيدا). قَالَ تَعَالَى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}. وَقَالَ: {ذُقْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}. وَقَالَ: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا}. وَقَالَ: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} - {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} - {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} - {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا} {إلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدِ رَسُولًا". وَفِي بَعْضِ الْأَدْعِيَةِ: "أَذِقْنَا بَرْدَ عَفْوِك وَحَلَاوَةَ مَغْفِرَتِك". فَلَفْظُ "الذَّوْقِ" يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُحِسُّ بِهِ وَيَجِدُ أَلَمَهُ أَوْ لَذَّتَهُ فَدَعْوَى الْمُدَّعِي اخْتِصَاصَ لَفْظِ الذَّوْقِ
(يُتْبَعُ)
(/)
بِمَا يَكُونُ بِالْفَمِ تَحَكُّمٌ مِنْهُ، لَكِنَّ ذَاكَ مُقَيَّدٌ فَيُقَالُ: ذُقْت الطَّعَامَ وَذُقْت هَذَا الشَّرَابَ؛ فَيَكُونُ مَعَهُ مِنْ الْقُيُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَوْقٌ بِالْفَمِ وَإِذَا كَانَ الذَّوْقُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا يُحِسُّهُ الْإِنْسَانُ بِبَاطِنِهِ أَوْ بِظَاهِرِهِ؛ حَتَّى الْمَاءُ الْحَمِيمُ يُقَالُ: ذَاقَهُ فَالشَّرَابُ إذَا كَانَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا يُقَالُ: ذُقْت حَرَّهُ وَبَرْدَهُ. وَأَمَّا لَفْظُ "اللِّبَاسِ": فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي كُلِّ مَا يَغْشَى الْإِنْسَانَ وَيَلْتَبِسُ بِهِ، (وهذا أيضا: معنى كلي مطلق)، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا}. وَقَالَ: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}. وَقَالَ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}. وَمِنْهُ يُقَالُ: لَبَسَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ إذَا خَلَطَهُ بِهِ حَتَّى غَشِيَهُ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ. فَالْجُوعُ الَّذِي يَشْمَلُ أَلَمُهُ جَمِيعَ الْجَائِعِ: نَفْسَهُ وَبَدَنَهُ وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ الَّذِي يَلْبَسُ الْبَدَنَ. فَلَوْ قِيلَ: فَأَذَاقَهَا اللَّهُ الْجُوعَ وَالْخَوْفَ؛ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْجَائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ: لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ. وَلَوْ قَالَ فَأَلْبَسَهُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ ذَاقُوا مَا يُؤْلِمُهُمْ إلَّا بِالْعَقْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ الْجَائِعَ الْخَائِفَ يَأْلَمُ". اهـ
بتصرف من: "الإيمان"، ص71، 72.
&&&&&
وكذلك ادعى القوم المجاز في صفات الكمال المقيد كـ: "المكر" و: "الاستهزاء"، وهي حقيقة في بابها، لأنه لا نقص فيها بعد تقييدها، فالمكر المقيد بكونه بالماكرين كمال، خلاف "المكر" المطلق الذي يحتمل كمالا ويحتمل نقصا، فرفع التقييد احتمال النقص وصار اللفظ حقيقة في الكمال المقيد الثابت لله، جل وعلا، على الوجه اللائق بذاته العلية.
يقول ابن تيمية:
"وَكَذَلِكَ مَا ادَّعَوْا أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْقُرْآنِ كَلَفْظِ "الْمَكْرِ" وَ "الِاسْتِهْزَاءِ" وَ "السُّخْرِيَةِ" الْمُضَافِ إلَى اللَّهِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ مُسَمًّى بِاسْمِ مَا يُقَابِلُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُسَمَّيَاتُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ إذَا فُعِلَتْ بِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ كَانَتْ ظُلْمًا لَهُ وَأَمَّا إذَا فُعِلَتْ بِمَنْ فَعَلَهَا بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ كَانَتْ عَدْلًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}. فَكَادَ لَهُ كَمَا كَادَتْ إخْوَتُهُ لَمَّا قَالَ لَهُ أَبُوهُ: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}. وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} {وَأَكِيدُ كَيْدًا}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ}. وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ}. وَلِهَذَا كَانَ الِاسْتِهْزَاءُ بِهِمْ فِعْلًا يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ يُفْتَحُ لَهُمْ بَابٌ مِنْ الْجَنَّةِ وَهُمْ فِي النَّارِ فَيُسْرِعُونَ إلَيْهِ فَيُغْلَقُ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُمْ بَابٌ آخَرُ فَيُسْرِعُونَ إلَيْهِ فَيُغْلَقُ فَيَضْحَكُ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ. قَالَ تَعَالَى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ". اهـ
"الإيمان"، ص72.
&&&&&
(يُتْبَعُ)
(/)
وكذلك المثال المشهور وهو قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا)، إذ يقول مثبتو المجاز، بأن في الكلام: مجازا بالحذف، فتقدير الكلام: واسأل أهل القرية، ومن ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
والجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: أن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه، مما استعمله العرب في لغتهم، فصار باستعماله حقيقة في كلامهم، وإليه أشار ابن مالك، رحمه الله، في ألفيته بقوله:
وما يلي المضاف يأتي خلفا ******* عنه في الإعراب إذا ما حذفا
والثاني: أن المعنى المتبادر لذهن السامع هو: سؤال أهل القرية، لأن السياق يدل على ذلك، والقرينة العقلية تؤكد أن المراد: أهل القرية لا جدرها ومبانيها، فلا نحتاج إلى أي وسائط عقلية معقدة لمعرفة هذا المعنى، لأن البيوت والجدران لا تسأل بداهة.
والثالث: أن لفظ القرية والمدينة وأمثال هذه الألفاظ التي فيها الحال والمحل كلاهما داخل في الاسم، ثم قد يعود الحكم على الحال تارة وهو: السكان، وعلى المحل وهو: المكان تارة أخرى، والسياق هو الذي يحدد، وطالما رجع فهم المعنى المراد إلى الدلالة السياقية فلا مجاز، لأن السياق أصل في معرفة مراد المتكلم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
ففي قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، المراد هو الحال، وهم: سكان القرية، بقرينة: (أَوْ هُمْ قَائِلُونَ)، والبيوت والجدران لا تقيل، و: (فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، والبيوت والجدران لا تدعو، وإن كانت تسبح تسبيحا لا نفقهه، فعلم المعنى المراد دون الحاجة إلى القول بالمجاز.
وفي قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا)، المراد هو المحل، بقرينة: (خاوية على عروشها)، وهذا الوصف لا يطلق على ساكني القرى وإنما يطلق على القرى نفسها، فلا مجاز هنا، أيضا، لأن السياق هو الذي حدد المعنى المراد.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وَمِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَشْهُورَةِ لِمَنْ يُثْبِتُ الْمَجَازَ فِي الْقُرْآنِ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}. قَالُوا الْمُرَادُ بِهِ أَهْلُهَا فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَقِيلَ لَهُمْ: لَفْظُ الْقَرْيَةِ وَالْمَدِينَةِ وَالنَّهْرِ وَالْمِيزَابِ؛ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا الْحَالُّ وَالْمَحَالُّ كِلَاهُمَا دَاخِلٌ فِي الِاسْمِ. ثُمَّ قَدْ يَعُودُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَالِّ وَهُوَ السُّكَّانُ وَتَارَةً عَلَى الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَكَانُ وَكَذَلِكَ فِي النَّهْرِ يُقَالُ: حَفَرْت النَّهْرَ وَهُوَ الْمَحَلُّ. وَجَرَى النَّهْرُ وَهُوَ الْمَاءُ وَوَضَعْت الْمِيزَابَ وَهُوَ الْمَحَلُّ وَجَرَى الْمِيزَابُ وَهُوَ الْمَاءُ وَكَذَلِكَ الْقَرْيَةُ قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً}. وَقَوْلُهُ: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إلَّا أَنْ قَالُوا إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ}. فَجَعَلَ الْقُرَى هُمْ السُّكَّانُ. وَقَالَ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}. وَهُمْ السُّكَّانُ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}. وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}. فَهَذَا الْمَكَانُ لَا السُّكَّانُ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ أَنَّهُ كَانَ مَسْكُونًا؛ فَلَا يُسَمَّى قَرْيَةً إلَّا إذَا كَانَ قَدْ
(يُتْبَعُ)
(/)
عُمِّرَ لِلسُّكْنَى مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُرَى وَهُوَ الْجَمْعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إذَا جَمَعْته فِيهِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ لَفْظُ "الْإِنْسَانِ" يَتَنَاوَلُ الْجَسَدَ وَالرُّوحَ ثُمَّ الْأَحْكَامُ تَتَنَاوَلُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً لِتَلَازُمِهِمَا؛ فَكَذَلِكَ الْقَرْيَةُ إذَا عُذِّبَ أَهْلُهَا خَرِبَتْ وَإِذَا خَرِبَتْ كَانَ عَذَابًا لِأَهْلِهَا؛ فَمَا يُصِيبُ أَحَدَهُمَا مِنْ الشَّرِّ يَنَالُ الْآخَرَ؛ كَمَا يَنَالُ الْبَدَنَ وَالرُّوحَ مَا يُصِيبُ أَحَدَهُمَا. فَقَوْلُهُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}. مِثْلُ قَوْلِهِ {قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً}. فَاللَّفْظُ هُنَا يُرَادُ بِهِ السُّكَّانُ مِنْ غَيْرِ إضْمَارٍ وَلَا حَذْفٍ". اهـ
"الإيمان"، ص73.
فتكلف دلالة النص على مضاف محذوف اقتضاء لا حاجة إليه وإن كان صحيحا من جهة التصور العقلي، لا حاجة إليه إذ المخاطب قد أدرك المعنى المراد ابتداء دون حاجة إلى تقدير محذوف، والأصل عدم الحذف فلا يعدل عنه إلا لضرورة، ولا ضرورة هنا، كما تقدم، لوضوح المعنى المراد ابتداء.
&&&&&
وكذلك في قوله تعالى: (جدارا يريد أن ينقض)، إذ قال مثبتو المجاز: الإرادة حقيقة في الحيوان مجاز في الجماد، والجدار جماد، والرد، أيضا، من وجهين:
الأول: أن هذه دعوى مقابلة بدعوى: فما المانع أن تكون الإرادة قد ثبتت أولا للجماد ثم نقلت للحيوان، فكلا الطرفين عاجز عن إثبات الوضع الأول فتكافآ.
الثاني: أن المعنى الكلي للإرادة: الميل، والحيوان النامي والجدار الجامد كلاهما يشترك في المعنى الكلي المطلق للإرادة، فإذا ما قيد الميل بميل الجدار فهو: حقيقة فيه، وإذا ما قيد بميل الحيوان، فهو حقيقة فيه، فتكون المسألة من باب التواطؤ في معنى: "الميل" الكلي المطلق.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"فَمِنْ أَشْهَرِ مَا ذَكَرُوهُ قَوْله تَعَالَى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}. قَالُوا: وَالْجِدَارُ لَيْسَ بِحَيَوَانِ، وَالْإِرَادَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْحَيَوَانِ؛ فَاسْتِعْمَالُهَا فِي مَيْلِ الْجِدَارِ مَجَازٌ. فَقِيلَ لَهُمْ: لَفْظُ الْإِرَادَةِ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَيْلِ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ شُعُورٌ وَهُوَ مَيْلُ الْحَيِّ وَفِي الْمَيْلِ الَّذِي لَا شُعُورَ فِيهِ وَهُوَ مَيْلُ الْجَمَادِ وَهُوَ مِنْ مَشْهُورِ اللُّغَةِ؛ يُقَالُ هَذَا السَّقْفُ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ وَهَذِهِ الْأَرْضُ تُرِيدُ أَنْ تُحْرَثَ وَهَذَا الزَّرْعُ يُرِيدُ أَنْ يُسْقَى؛ وَهَذَا الثَّمَرُ يُرِيدُ أَنْ يُقْطَفَ وَهَذَا الثَّوْبُ يُرِيدُ أَنْ يُغْسَلَ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ"
"الإيمان"، ص70.
وبهذا التقرير رد، رحمه الله، على منكري صفات الأفعال كالغضب والضحك، لأنها، على حد قولهم تستلزم معان تقوم بالبشر يتنزه الباري، عز وجل، عنها، فكذلك الشأن من باب الإلزام في صفة الإرادة، فهي في حق البشر: ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة، وذلك معنى يتنزه عنه الباري، عز وجل، لتمام غناه عن خلقه فلا يحتاج إلى ما تحتاجه الخلائق من أسباب تستجلب بها المنافع وتستدفع بها المضار، فلماذا ينفى الغضب وتثبت الإرادة، أليس ذلك تفريقا بين متماثلين؟!، فإما:
أن يثبت الكل على الوجه اللائق بجلال الله، عز وجل، إذ الإثبات إنما يتوجه إلى المعاني الكلية، كما تقدم، ولا تشبيه مذموم في ذلك، فالتشبيه المذموم إنما يكون في الحقائق الجزئية لا المعاني الكلية، فيقول الممثل: له يد كيدي، تعالى الخالق، عز وجل، عن ذلك.
وإما أن ينكر الكل، فيكون قد وقع في التعطيل الكامل مذهب نفاة صفات الباري، عز وجل، بزعم تنزيهه عن مشابهة الحوادث!!!.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في الأصل الأول من "التدمرية":
(يُتْبَعُ)
(/)
"فإن كان المخاطب ممن يقول: بأن الله حي بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، مريد بإرادة، ويجعل ذلك كله حقيقة وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهته، فيجعل ذلك مجازا ويفسره، إما بالإرادة وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات، (وهذا مذهب المتكلمين المنتسبين إلى أبي الحسن الأشعري رحمه الله)، فيقال له: لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر، فإن قلت: إن إرادته مثل إرادة المخلوقين فكذلك محبته ورضاه وغضبه. وهذا هو التمثيل وإن قلت: أن له إرادة تليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به قيل لك: وكذلك له محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به وله رضا وغضب يليق به، وللمخلوق رضا وغضب يليق به وإن قلت: الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام فيقال له: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة فإن قلت: هذه إرادة المخلوق قيل لك: وهذا غضب المخلوق وكذلك يلزم القول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته، إن نفي عنه الغضب والمحبة والرضا ونحو ذلك مما هو من خصائص المخلوقين، فهذا منتف عن السمع والبصر والكلام وجميع الصفات وإن قال: أنه لا حقيقة لهذا إلا ما يختص بالمخلوقين، فيجب نفيه عنه قيل له: وهكذا السمع والبصر
والكلام والعلم والقدرة". اهـ
فالباب واحد إذ القول في بعض الصفات كالقول في بعض، فاختلاف القول في أفراد يجمعها باب واحد تناقض يأباه العقل الصريح.
&&&&&
ويتطرق ابن تيمية، رحمه الله، إلى مبحث آخر نفيس، سبقت الإشارة إلى طرف منه، وهو مسألة: الاصطلاحات الحادثة وحمل كلام المتقدمين عليها، لاسيما نصوص الوحي، إذ تفسيرها بلغة حدثت بعد نزولها، بعجمة لسان، أو بوضع أصحاب كل فن مصطلحات فنهم، خطا جسيم نجم عنه حمل كلام المتقدمين على غير محمله، كما وقع من الشافعية، رحمهم الله، لما حملوا الكراهة في كلام إمامهم على الكراهة الاصطلاحية التي حدثت بعد ذلك في كلام الأصوليين، مع أنه كان يقصد بها التحريم، وذلك أمر جرت به ألسنة العرب، وجاء به الكتاب العزيز في نحو قوله تعالى: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا)، فالكبائر التي بينتها الآيات السابقة لهذه الآية لا يمكن حمل حكمها على الكراهة الاصطلاحية الحادثة في كلام الأصوليين، فيثاب تاركها ولا يعاقب فاعلها!!!.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْحَقِيقَةَ مَا يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ فَمِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: إذَا كَانَ اللَّفْظُ لَمْ يُنْطَقْ بِهِ إلَّا مُقَيَّدًا؛ فَإِنَّهُ يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ. وَأَمَّا إذَا أُطْلِقَ؛ فَهُوَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْكَلَامِ مُطْلَقًا قَطُّ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَالُ إطْلَاقٍ مَحْضٍ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ الذِّهْنَ يَسْبِقُ إلَيْهِ أَمْ لَا. وَأَيْضًا: فَأَيُّ ذِهْنٍ فَإِنَّ الْعَرَبِيَّ الَّذِي يَفْهَمُ كَلَامَ الْعَرَبِ؛ يَسْبِقُ إلَى ذِهْنِهِ مِنْ اللَّفْظِ مَا لَا يَسْبِقُ إلَى ذِهْنِ النَّبَطِيِّ الَّذِي صَارَ يَسْتَعْمِلُ الْأَلْفَاظَ فِي غَيْرِ مَعَانِيهَا وَمِنْ هُنَا غَلِطَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ تَعَوَّدُوا مَا اعْتَادُوهُ إمَّا مِنْ خِطَابِ عَامَّتِهِمْ وَإِمَّا مِنْ خِطَابِ عُلَمَائِهِمْ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنًى فَإِذَا سَمِعُوهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ظَنُّوا أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى فَيَحْمِلُونَ كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى لُغَتِهِمْ النَّبَطِيَّةِ وَعَادَتِهِمْ الْحَادِثَةِ. وَهَذَا مِمَّا دَخَلَ بِهِ الْغَلَطُ عَلَى طَوَائِفَ، بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ تَعْرِفَ اللُّغَةَ وَالْعَادَةَ وَالْعُرْفَ الَّذِي نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَفْهَمُونَ مِنْ الرَّسُولِ عِنْدَ سَمَاعِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ؛ فَبِتِلْكَ اللُّغَةِ وَالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ خَاطَبَهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. لَا بِمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ". اهـ
"الإيمان"، ص69
(يُتْبَعُ)
(/)
ويقول في موضع تال: "وَالْحَالُ حَالُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُسْتَمِعِ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ فِي جَمِيعِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ إذَا عُرِفَ الْمُتَكَلِّمُ فُهِمَ مِنْ مَعْنَى كَلَامِهِ مَا لَا يُفْهَمُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يُعْرَفُ عَادَتُهُ فِي خِطَابِهِ، وَاللَّفْظُ إنَّمَا يَدُلُّ إذَا عُرِفَ لُغَةُ الْمُتَكَلِّمِ الَّتِي بِهَا يَتَكَلَّمُ وَهِيَ عَادَتُهُ وَعُرْفُهُ الَّتِي يَعْتَادُهَا فِي خِطَابِهِ، وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى دَلَالَةٌ قَصْدِيَّةٌ إرَادِيَّةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ، فَالْمُتَكَلِّمُ يُرِيدُ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى؛ فَإِذَا اعْتَادَ أَنْ يُعَبِّرَ بِاللَّفْظِ عَنْ الْمَعْنَى كَانَتْ تِلْكَ لُغَتَهُ وَلِهَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ عِنَايَةٌ بِأَلْفَاظِ الرَّسُولِ وَمُرَادِهِ بِهَا: عَرَفَ عَادَتَهُ فِي خِطَابِهِ وَتَبَيَّنَ لَهُ مِنْ مُرَادِهِ مَا لَا يَتَبَيَّنُ لِغَيْرِهِ. وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ إذَا ذُكِرَ لَفْظٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَنْ يَذْكُرَ نَظَائِرَ ذَلِكَ اللَّفْظِ؛ مَاذَا عَنَى بِهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَيَعْرِفُ بِذَلِكَ لُغَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَسُنَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الَّتِي يُخَاطِبُ بِهَا عِبَادَهُ وَهِيَ الْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ مِنْ كَلَامِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ لِذَلِكَ نَظَائِرُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَكَانَتْ النَّظَائِرُ كَثِيرَةً؛ عُرِفَ أَنَّ تِلْكَ الْعَادَةَ وَاللُّغَةَ مُشْتَرَكَةٌ عَامَّةٌ لَا يَخْتَصُّ بِهَا هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ هِيَ لُغَةُ قَوْمِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى عَادَاتٍ حَدَثَتْ بَعْدَهُ فِي الْخِطَابِ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً فِي خِطَابِهِ وَخِطَابِ أَصْحَابِهِ. كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَقَدْ لَا يَعْرِفُونَ انْتِفَاءَ ذَلِكَ فِي زَمَانِهِ"
"الإيمان"، ص74، 75.
ويلفت ابن تيمية الانتباه إلى أن أصل الخلل عند المتكلمين هو إفراطهم في الاعتماد على الحقائق اللغوية في مقابل تفريطهم في الاعتماد على الحقائق الشرعية، واللغة، وإن كانت ضرورية لفهم كلام الشارع، جل وعلا، إلا أن الخلل يقع إذا ما فسرت النصوص وفق لغة حادثة، كما تقدم، أو إذا ما كان في المسألة: نص يدل على حقيقة شرعية فيعدل الناظر عنها إلى الحقيقة اللغوية، مع أنه قد كفي مشقة البحث بورود المعنى الذي أراده الشارع، جل وعلا، منصوصا عليه، فلا كلام لأحد بعد بيان الشارع.
يقول ابن تيمية:
"وَقَدْ عَدَلَتْ " الْمُرْجِئَةُ " فِي هَذَا الْأَصْلِ، (أي: تفاوت الإيمان زيادة بالطاعة ونقصانا بترك الطاعة أو فعل المعصية)، عَنْ بَيَانِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَاعْتَمَدُوا عَلَى رَأْيِهِمْ وَعَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ بِفَهْمِهِمْ اللُّغَةَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد يَقُولُ: أَكْثَرُ مَا يُخْطِئُ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ وَالْقِيَاسِ. وَلِهَذَا تَجِدُ الْمُعْتَزِلَةَ وَالْمُرْجِئَةَ وَالرَّافِضَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِمْ وَمَعْقُولِهِمْ وَمَا تَأَوَّلُوهُ مِنْ اللُّغَةِ؛ وَلِهَذَا تَجِدُهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَا يَعْتَمِدُونَ لَا عَلَى السُّنَّةِ وَلَا عَلَى إجْمَاعِ السَّلَفِ وَآثَارِهِمْ؛ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْعَقْلِ وَاللُّغَةِ وَتَجِدُهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورَةِ وَالْحَدِيثِ؛ وَآثَارِ السَّلَفِ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى كُتُبِ الْأَدَبِ وَكُتُبِ الْكَلَامِ الَّتِي وَضَعَتْهَا رُءُوسُهُمْ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَلَاحِدَةِ أَيْضًا؛ إنَّمَا يَأْخُذُونَ مَا فِي كُتُبِ الْفَلْسَفَةِ وَكُتُبِ الْأَدَبِ وَاللُّغَةِ وَأَمَّا كُتُبُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ؛ فَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَيْهَا. هَؤُلَاءِ يُعْرِضُونَ عَنْ نُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ إذْ هِيَ عِنْدَهُمْ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ وَأُولَئِكَ يَتَأَوَّلُونَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِمْ وَفَهْمِهِمْ بِلَا آثَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَ أَحْمَد وَغَيْرِهِ فِي إنْكَارِ هَذَا وَجَعْلِهِ طَرِيقَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَإِذَا تَدَبَّرْتَ حُجَجَهُمْ وَجَدْت دَعَاوَى لَا يَقُومُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ". اهـ
"الإيمان"، ص75، 76.
وكلام الشيخ، رحمه الله، في هذه المسألة يكاد يكون منحصرا في كتاب "الإيمان" في مناقشة دعوى قصر الإيمان على التصديق.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله بعرض موجز لكلام الإمام محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، في هذه المسألة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 05:40 م]ـ
وقد بدأ الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، رسالة "منع جواز المجاز"، التي صنفها في هذه المسألة، بذكر الخلاف في أصل وقوع المجاز، فقال:
"اعلم أولا أن المجاز اختلف في أصل وقوعه، قال أبو إسحاق الإسفرائيني وأبو علي الفارسي: إنه لا مجاز في اللغة أصلا، كما عزاه لهما ابن السبكي في: "جمع الجوامع"، وإن نقل عن الفارسي تلميذه أبو الفتح (وهو ابن جني، إمام العربية، صاحب التصانيف): أن المجاز غالب على اللغات كما ذكره عنه صاحب الضياء اللامع". اهـ
حتى توسع بعض أهل العلم في صور صريحة في كونها حقائق لا تقبل المجاز من قبيل: ضرب زيد عمرا، فجعلوه مجازا علاقته الجزئية، إذ ضرب زيد ببعضه وهو يده بعض عمرو وهو العضو الذي وقع عليه الضرب، وفي ذلك من التكلف ما لا يخفى!!!.
وتبرز أهمية هذا العزو، إذا رجعنا، إلى كلام ابن القيم، رحمه الله، في: "الصواعق المرسلة"، حيث وسم أبا علي الفارسي، المتوفى سنة 377 هـ، وتلميذه ابن جني، المتوفى سنة 392 هـ، بالاعتزال (وهو الغالب على أئمة اللغة المتأخرين، خلاف المتقدمين كالخليل بن أحمد وسيبويه وغيرهما)، ورغم ذلك، نفى أبو علي، المجاز، رغم حاجته إليه في تقرير تأويلات المعتزلة في أبواب الإلهيات، فالقول بالمجاز، هو مستند من نفى الصفات الإلهية تحت ستار التأويل، بل ونقل عنه ذلك السبكي، رحمه الله، وهو على طريقة المتكلمين المتأخرين في الأصول، فلم يسلم من التأويل، أيضا، فحاجته إلى إثبات المجاز كحاجتهما إجمالا وإن كانت تأويلات المتكلمين أقل من تأويلات أهل الاعتزال، وحكايته ما ينقض مقالته مئنة من تحقيقه، بغض النظر عن بطلان التأويل الذي سلكه في باب الصفات الإلهية.
ثم ذكر الشيخ، رحمه الله، قاعدة نفيسة، سوف يعود إليها في نهاية الرسالة، في تخريج الآيات التي احتج بها المجوزون لوقوع المجاز في القرآن، هي أن: "كل ما يسميه القائلون بالمجاز مجازا فهو عند من يقول بنفي المجاز أسلوب من أساليب اللغة العربية".
وتطرق إلى مسألة الإطلاق والتقييد، فاللفظ قد يحتاج إلى قيد من السياق الذي ورد فيه إذا لم يظهر المعنى إلا به، وقد لا يحتاج، كقولك: رأيت أسدا يفترس غزالا، فإن الأسد في هذا السياق: حقيقة في الحيوان المفترس، فلا يحتاج إلى قيد من السياق، إذ المعنى قد ظهر ابتداء، فلا يلزم ذكر أوصاف الحيوان المفترس، فيقال على سبيل المثال: رأيت أسدا يمشي على أربع، أو ذا لبد .......... إلخ، بخلاف ما لو أردت المقاتل الشجاع، فإن اللفظ في هذه الحال يفتقر إلى قيد من السياق الذي ورد فيه، فيلزم ذكر وصف يختص بالمقاتل تمييزا له عن الحيوان المفترس، فيقال على سبيل المثال: رأيت أسدا يرمي في الميدان، فقرينة التقييد بوصف: "يرمي في الميدان": صيرت الأسد في هذا السياق: حقيقة، أيضا، ولكن في المقاتل الشجاع لا الحيوان المفترس، ولا يسمى ذلك تأويلا، ولا يلزم منه إثبات وقوع المجاز، إذ لم يحتج المخاطب في كلا القولين إلى إعمال علائق وقرائن المجاز العقلية، فقد ظهر المراد ابتداء بالإطلاق والتقييد، وكلاهما قرينة لفظية من ذات السياق، فلم يحتج المخاطب كما تقدم إلى قرائن خارجية تعين مراد المتكلم.
يقول الشيخ رحمه الله:
"فمن أساليبها، (أي: لغة العرب)، إطلاق الأسد مثلا على الحيوان المفترس المعروف، وأنه ينصرف إليه عند الإطلاق، وعدم التقيد بما يدل على أن المراد غيره.
ومن أساليبها إطلاقه على الرجل الشجاع إذا اقترن بما يدل على ذلك. ولا مانع من كون أحد الإطلاقين لا يحتاج إلى قيد والثاني يحتاج إليه، لأن بعض الأساليب يتضح فيها المقصود فلا يحتاج إلى قيد وبعضها لا يتعين المراد فيه إلا بقيد يدل عليه، وكل منهما حقيقة في محله. وقس على هذا جميع أنواع المجازات.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى هذا، فلا يمكن إثبات مجاز في اللغة العربية أصلا، كما حققه العلامة ابن القيم، رحمه الله، في "الصواعق". وإنما هي أساليب متنوعة بعضها لا يحتاج إلى دليل، وبعضها يحتاج إلى دليل يدل عليه، ومع الاقتران بالدليل يقوم مقام الظاهر المستغني عن الدليل، فقولك: "رأيت أسدا يرمي" يدل على الرجل الشجاع، كما يدل لفظ الأسد عند الإطلاق على الحيوان المفترس". اهـ
"رسالة منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز"، ص35.
وقوله رحمه الله: "ومع الاقتران بالدليل يقوم مقام الظاهر المستغني عن الدليل": إشارة إلى ما اصطلح أهل العلم على تسميته: "الظاهر المركب" الذي ينظر فيه إلى دلالة اللفظ على معناه وإلى السياق الذي ورد فيه فيتوقف فهمه على كلا الأمرين فهو مركب الدلالة من هذا الوجه بخلاف "الظاهر البسيط" فإنه، عند التحقيق، لا وجود له في كلام الناس، وإن وجد في المعاجم اللفظية، فإن الكلمة مجردة عن أي سياق لا تفيد معنى، فلا تسمى كلاما بلا قرينة من سياق حقيقي، كقولك: جاء محمد، أو: مقدر كقولك: محمد فيمن سألك: من جاء؟، فإن دلالة السؤال على العامل المحذوف في الجواب هو الذي سوغ حذفه، فلم يحذف ابتداء، فهو محذوف لفظا مقدر معنى، ولذلك أفاد اللفظ المفرد: "محمد" معنى مع كون الأصل في الألفاظ المفردة المجردة، كما تقدم، عدم حصول الفائدة بنطقها لتجردها عن القرائن.
فلا تسمى دلالة اللفظ على معناه دلالة مركبة على التفصيل المتقدم: تأويلا، لأنه لم يفسر إلا بالمتبادر إلى الذهن، وهو أمر، كما تقدم، لا يتوقف على مجرد مبنى اللفظ أو مادته المعجمية.
ففي نحو قوله تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)
فسر أهل العلم الإتيان، بالإهلاك، بخلاف قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)، فإن الإتيان فيه حقيقي على الوجه اللائق بجلال الله، عز وجل، لأن القرينة في الآية الأولى رجحت معنى الإهلاك، فالسياق سياق عذاب، فيكون الراجح المتبادر إلى الذهن ابتداء دون تأويل بصرف اللفظ عن معناه الأصلي إلى معنى فرعي لقرينة، يكون الراجح: إتيانه، عز وجل، بصفات جلاله القاهرة، لا إتيانه بذاته القدسية، فضلا عن استحالة أن يكون المراد إتيانه بذاته القدسية لما يستلزمه ذلك من معنى حلوله، عز وجل، في خلق من مخلوقاته وهو: البنيان المذكور في الآية، وذلك نقص مطلق يتنزه عنه الباري، عز وجل، بخلاف الإتيان في الآية الثانية فإنه لا قرينة من السياق تصرفه عن الإتيان الحقيقي، فيكون إتيانا بالذات القدسية على الوجه اللائق بها كما اطرد في صفات الفعال المتعلقة بمشيئته، جل وعلا، النافذة.
&&&&&
ثم ذكر، رحمه الله، فصلا في الرد على من قال بأن: (كل ما جاز في اللغة العربية جاز في القرآن لأنه بلسان عربي مبين).
فناقش الدعوى ابتداء من جهة القياس المنطقي، فأجراها مجرى القياس الشمولي المؤلف من:
مقدمة صغرى: وهي: المجاز جائز في لغة العرب، على قول من يجيزه مطلقا.
ومقدمة كبرى: وهي: كل جائز في لغة العرب جائز في القرآن.
فتتولد منهما نتيجة: المجاز جائز في القرآن.
انظر الرسالة: طبعة مكتبة السنة: ص39.
ثم شرع في نقض المقدمة الكبرى، بذكر أساليب بلاغية يصح وقوعها في اللغة ولا يصح وقوعها في الكتاب العزيز، فمن ذلك:
أولا: الرجوع:
وهو رجوع المتكلم، عن معنى تكلم به، إلى معنى آخر، كقول زهير:
قف بالديار التي لم يعفها القدم ******* بلى وغيرها الأرواح والديم.
والديم: جمع ديمة وهو المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق.
"فقوله: بلى وغيرها ........ إلخ. عندهم ينقض به قوله: "لم يعفها القدم" لأنه قال الكلام الأول من غير شعور، ثم ثاب إلى عقله فرجع إلى الحق، وهذا بليغ جدا في إظهار الحب والتأثر عند رؤية دار الحبيب، ولا شك أن مثل هذا لا يجوز في القرآن ضرورة". اهـ بتصرف.
(يُتْبَعُ)
(/)
فمعنى البيت: قف بالديارالتي لم تندرس آثارها ثم عدل عن ذلك بالإضراب بـ: "بلى" فقد كانت لحظ طرب تذكر فيها الديار أيام كانت عامرة، ثم ثاب إلى رشده فنظر فإذا هي أطلال قد عفا رسمها وغيرها تعاقب الليل والنهار، وتوالي الرياح والأمطار.
وذلك ممتنع في حق الله، عز وجل، إذ لا يجوز أن يريد معنى، ثم يرجع عنه إلى معنى آخر. وليس النسخ كذلك لأن المعنى المنسوخ كان مرادا زمن العمل به فلما انفكت الإرادة الإلهية الشرعية عنه وصارت الحكمة في المعنى الناسخ صار غير مراد، وتعلقت الإرادة الشرعية بناسخه. فليس في ذلك، كما تقدم، ما يوهم البداء، وهو طروء الشيء بعد أن لم يكن، كما في الرجوع، فإنه يذهب مذهبا ثم يبدو له ما كان ذاهلا عنه فيرجع إلى صوابه، ومجرد تصور ذلك في حق الله، عز وجل، أمر تشمئز منه الفطر السوية.
&&&&&
ثانيا: إيراد الجد في قالب الهزل:
كقول الشاعر:
إذا ما تميمي أتاك مفاخرا ******* فقل عد عن ذا كيف أكلك الضب.
فإن قوله: كيف أكلك للضب، يظهر أنه هزل صيغ في قالب جد، فهو يقصد به تعييرهم بأكلهم الضب. وهذا من البديع المعنوي فهو بديع المعنى، مع أنه لا يجوز في القرآن لاستحالة الهزل فيه، قال تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ).
&&&&&
ثالثا: حسن التعليل:
وهو استنباط علة مناسبة للشيء غير حقيقية، بحيث تكون على وجه لطيف بليغ، يحصل بها زيادة في المعنى على سبيل التمليح.
ومنه قول أبي الطيب المتنبي، مالئ الدنيا وشاغل الناس، المتوفى سنة 354 هـ:
لم تحك نائلك السحاب وإنما ******* حمت به فصبيبها الرحضاء.
فهذا بديع معنوي عند أهل البلاغة، ولا يخفى أن القرآن لا يجوز أن يقع فيه ذلك الكذب الذي يدعي صاحبه أن السحاب أصابته الحمى من الغيرة من كرم الممدوح، فانصب منه العرق لشدة الغيرة، وأن ماءه هو ذلك العرق الحادث من شدة الغيرة. وقد قيل: أعذب الشعر أكذبه!!!، ولا يتصور ذلك في الكتاب العزيز.
وقوله:
ما به قتل أعاديه ولكن ******* يتقي إخلاف ما ترجو الذئاب.
وهذا أيضا كذب ظاهر، للمبالغة في وصف الممدوح بالشجاعة، حتى أنه يقتل أعدائه، ليفي للذئاب بما وعدها من لحومهم، ومثل هذا لا يجوز وقوعه في القرآن.
وقول الآخر:
تقول وفي قولها حشمة ******* أتبكي بعين تراني بها
فقلت إذا استحسنت غيركم ******* أمرت الدموع بتأديبها
فهو كذب، يدعي صاحبه أنه ما بكى، عند رؤيتها، إلا ليؤدب عينه لما استحسنت صورة غيرها، وحقيقة الأمر، أنه ما أبكاه إلا عشق صورتها الذي ملك قلبه وأسال عينه.
&&&&&
رابعا: الإغراق والغلو:
o والإغراق هو: أن يدعي المتكلم لوصف ممكن عقلا، لا عادة، بلوغه في الشدة أو الضعف حدا مستبعدا أو مستحيلا.
ومنه قول الشاعر:
ونكرم جارنا ما دام فينا ******* ونتبعه الكرامة حيث مالا
فاتباعه الكرامة في كل مكان ارتحل إليه دائما مما تمنعه العادة، وإن جاز عقلا.
ومنه قول أبي الطيب:
كفى بجسمي نحولا أنني رجل ******* لولا مخاطبتي إياك لم ترني.
لأنه يجوز عقلا وصول الشخص في النحول إلى هذه الحال، وإن امتنع عادة، ومعلوم أن مثل ذلك الإغراق لا يجوز في القرآن.
o وأما الغلو فهو: أن يدعي المتكلم لوصف من الشدة أو الضعف مستحيلا عقلا وعادة، فهو أشد من الإغراق.
ومنه قول أبي نواس:
وأخفت أهل الشرك حتى أنه ******* لتخافك النطف التي لم تخلق.
ومثل هذا البيت لا يجوز عند أهل البلاغة، فما بالك في القرآن، ولكن الغلو يجوز عندهم في بعض الأحوال ككونه خارجا مخرج الهزل والخلاعة، كقوله:
أسكر بالأمس إن عزمت على ******* الشرب غدا إن ذا من العجب.
ثم انتقل الشيخ، رحمه الله، إلى رد زعم كثير من البلاغيين، وقوع الغلو في القرآن، مقترنا بما يجعله مقبولا، وهو اقترانه بما يقربه إلى الصحة، ممثلين بقوله تعالى: (يكاد زيتها يضيء)، فقال:
فإنه كلام باطل ومنكر من القول وزور ........ ، فهذا الكلام الذي قاله تعالى لا شك في أنه صحيح، وقوله: يكاد، معناه: يقرب، ولا شك أن ذلك الزيت يقرب من الإضاءة ولو لم تمسسه نار، ولكنه لم يضيء بالفعل كما هو مدلول الآية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولم يكتف الشيخ، رحمه الله، بهذا، بل قام يرد على من ادعى وقوع الإغراق، في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في حديث فاطمة بنت قيس: (وأبو جهم لا يضع عصاه عن عاتقه)، ومعلوم أنه يضعها في بعض الأوقات كأوقات النوم والصلاة وغير ذلك، وملخص جواب الشيخ، رحمه الله، أن هذا من قبيل الكناية لا الإغراق، وبينهما فرق دقيق وهو:
o أن الكناية لا تراد لذاتها، فلم يرد أنه لا يضع العصا عن عاتقه أبدا، وإنما أراد لازمها، وهو بيان غلظته مع النساء.
o وأما الإغراق، فيراد لذاته، فلو كان هذا إغراقا، لكان المعنى أنه دائم الحمل لعصاه، حتى في أوقات صلاته ونومه وطعامه وحاجته ..... الخ، وهو بالتأكيد غير مراد.
بتصرف من: الرسالة: ص48 _ 49.
&&&&&
خامسا: تجاهل العارف:
وهو سؤال المتكلم عما يعلمه حقيقة، تجاهلا لنكتة، ومن ذلك قول الشاعر:
بالله يا ظبيات الوادي قلن لنا ******* ليلاي منكن أم ليلى من البشر.
فهو يسأل سؤالا يعرف جوابه، فليلاه بالتأكيد من البشر، ولكنه سأل عنها متجاهلا، لنكتة، وهي بيان شبهها بالظبية في الحسن والخفة، ومعلوم أن ذلك التجاهل لا يجوز في كلام الله عز وجل.
&&&&&
سادسا: أن يذكر لفظا، وهو يقصد متعلقا، غير المتعلق الذي يتبادر لذهن المستمع:
أي أنه يقصد معنى آخر، غير المعنى المتبادر، وإن كان اللفظ واحدا.
ومن ذلك قول الشاعر:
لقد بهتوا لما رأوني شاحبا ******* فقالوا به عين فقلت وعارض.
أرادوا بالعين إصابة العائن، فحمله هو على إصابة عين المعشوق بذكر ملائمه الذي هو العارض في الأسنان كالبرد، فكأنه قال: صدقتم فإن بي عينا، لكن بي عينها وعارضها، لا عين العائن. اهـ.
ومعلوم أن ذلك لا يجوز في كلام الله، عز وجل، فلا يجوز أن يخاطبنا بلفظ يتبادر إلى الذهن معناه القريب، وهو يريد معناه البعيد، فيخاطبنا على سبيل المثال: بلفظ الرحمة، وهو يقصد إرادة الإنعام، كما يقول المتكلمون، إذ ما الذي يحمل آحاد البلغاء على العدول عن اللفظ الذي يبين مراده بلا إلباس إلى لفظ يحتمل أكثر من معنى، أو لا يدل على المعنى المراد أصلا إلا بتكلف تأويل يخالف قانون اللسان، فإذا كان ذلك ممتنعا في حق آحاد البلغاء من البشر، فكيف برب البشر، جل وعلا، الذي لا يشبه كلامه كلامهم، فلا يقدرون على مثله، مصداق قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
&&&&&
سابعا: الاستعارة التخيلية:
وهو تخيل شيء وهمي لا وجود له، فيستعيرون له موجودا تقريبا لصورته في الأذهان، كقول أبي تمام:
لا تسقني ماء الملام فإنني ******* صب قد استعذبت ماء بكائي.
فإنه توهم للملام شيئا يمازح، (هكذا في النسخة الموجودة لدي، ولعله أراد: يمازج)، الروح شبيها بالماء فأطلق اسمه عليه استعارة تخيلية.
ومنه قول الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، مصنف هذه الرسالة:
قد صدني حلم الأكابر عن لمي ******* شفة الفتاة الطفلة المغناج
ماء الشبيبة زارع في صدرها ******* رمانتي روض كحق العاج
ومحل الشاهد، البيت الثاني، فقد أراد به الشيخ، رحمه الله، وصف ثديي الفتاة البكر، فاستعار لهما وصف الرمانتين.
&&&&&
ثم انتقل الشيخ، رحمه الله، إلى فصل في بيان الإجابة عن آيات احتج بها مجوز المجاز على وقوع المجاز في آي القرآن، فذكر منها:
• قوله تعالى: (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض)، فنسبة الإرادة للجدار مجاز، والجواب: أنه لا مانع من حمله على حقيقة الإرادة المعروفة في اللغة، لأن الله يعلم للجمادات ما لا نعلمه لها، كما قال تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
وقد ثبت في صحيح البخاري حنين الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وعلى آله سلم قال: إني أعرف حجرا كان يسلم علي في مكة.
(يُتْبَعُ)
(/)
والعرب كثيرا ما تستعمل الإرادة في مشارفة الأمر، أي قرب وقوعه كقرب الجدار من الانقضاض، (وهذا ضابط مهم جدا، وهو استعمال العرب الكلمة لمعنى تدل عليه، فمتى ثبت الاستعمال، انتفى المجاز، لأن الاستعمال صيره حقيقة فيما أريد به، وإن لم تكن الدلالة مستفاده ابتداء من مبناه اللفظي).
ومنه قول الشاعر:
يريد الرمح صدر أبي براء ******* ويعدل عن دماء بني عقيل.
فقوله: يريد الرمح صدر أبي براء، أي يميل إليه.
وقد قرر شيخ الإسلام، رحمه الله، أن الميل ميلان: ميل ما شعور له، كميل القلب، و: ميل ما لا شعور له، كميل الجدار، فيقال هذا الجدار يريد أن يسقط، وهذا الثوب يريد أن يغسل .......... إلخ، وكل هذا من مشهور اللغة. كما سبقت الإشارة إلى ذلك في المداخلة الأولى.
&&&&&
• ومن ذلك قوله تعالى: (فقبضت قبضة من أثر الرسول)، حيث قال من جوز المجاز، بأن في هذه الآية: "مجازا بالحذف"، فتقدير الكلام: فقبضت قبضة من أثر حافر فرس الرسول، فحذفت ثلاث كلمات، والرد على ذلك يكون، بما سبق أن قرره ابن القيم، رحمه الله، من وجوب مراعاة سياق الكلام الذي ورد فيه اللفظ، فسياق الكلام هنا يدل على المعنى المراد، دون تكلف تقدير أي محذوف.
&&&&&
• وقوله تعالى: (ليس كمثله شيء)، فهو، عند مجوز المجاز، من: مجاز الزيادة، بزيادة كاف التشبيه فتقدير الكلام: ليس مثله شيء، والرد على ذلك:
أن العرب تطلق المثل وتريد الذات، فهو أيضا من أساليب اللغة العربية. وهو حقيقة في محله كقول العرب: مثلك لا يفعل هذا، يعنون: لا ينبغي لك أن تفعل هذا، ودليل هذا وجوده في القرآن، في نحو قوله تعالى: (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله)، أي شهد على القرآن أنه حق، فقصد بالمثل هنا، القرآن نفسه، إذ لا مثل للقرآن، فلا يقدر أحد من البشر على الإتيان بمثله مصداق قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
وإلى طرف من ذلك أشار ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب" فقال في الاستعماال الخامس من استعملات "الكاف":
"التوكيد: وهي الزائدة نحو: (ليسَ كمثلِه شيء) قال الأكثرون: التقدير ليس شيء مثله؛ إذ لو لم تُقدَّر زائدةً صار المعنى ليس شيء مثل مثله؛ فيلزم المحال، وهو إثبات المثل، وإنما زيدت لتوكيد نفي المثل؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانياً، قاله ابن جني، ولأنهم إذا بالغوا في نفي الفعل عن أحد قالوا: مثلُكَ لا يفعلُ كذا ومرادهم إنما هو النفي عن ذاته، ولكنهم إذا نفوهُ عمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه.
وقيل: الكاف في الآية غير زائدة، ثم اختلف؛ فقيل: الزائد مثل: كما زيدت في (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم بهِ) قالوا: وإنما زيدت هنا لتفصل الكاف من الضمير.
والقول بزيادة الحرف أولى من القول بزيادة الاسم، بل زيادةُ الاسم لم تثبت". اهـ
وقوله تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات)، يعني: كمن هو في الظلمات.
وقوله تعالى: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به)، أي بما آمنتم به، على أظهر الأقوال. ويدل عليه قراءة ابن عباس رضي الله عنهما: (فإن آمنوا بما آمنتم به)، وتروى هذه القراءة عن ابن مسعود رضي الله عنه أيضا.
o وممن تعرض لهذه الآية بالشرح والتبيين، الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، في شرح العقيدة الواسطية، فقال:
اختلفت عبارات النحويين في تخريج هذه الآية على أقوال:
? القول الأول: أن الكاف زائدة، (وهذا قول من أجاز وقوع مجاز الزيادة)، وتقدير الكلام: ليس مثله شيء، وهذا القول مريح، وزيادة الحروف في النفي كثيرة، كما في قوله تعالى: (وما تحمل من أنثى)، فيقولون: إن زيادة الحروف في اللغة العربية للتوكيد أمر مطرد، (فالزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى)، وهي هنا لتوكيد نفي المثلية.
? القول الثاني: أن الزائد هو "مثل"، ويكون تقدير الكلام: ليس كهو شيء، وهو قول ضعيف، لأن الزيادة في الأسماء في اللغة العربية قليلة جدا أو نادرة، بخلاف الحروف.
(يُتْبَعُ)
(/)
? القول الثالث: أن (مثل) بمعنى: صفة، والمعنى: ليس كصفته شيء، ومنه قوله تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون)، أي صفة الجنة، وهذا ليس ببعيد عن الصواب.
? القول الرابع: أنه ليس في الآية زيادة، لكن إذا قلت: (ليس كمثله شيء)، لزم من ذلك نفي المثل، وإذا كان ليس للمثل مثل، صار الموجود واحدا وعلى هذا فلا حاجة إلى أن نقدر شيئا، (وهذا القول هو قول من نفى المجاز)،. قالوا: وهذا قد وجد في اللغة العربية مثل قوله: ليس كمثل الفتى زهير. اهـ.
بتصرف من: "شرح العقيدة الواسطية"، ص128.
&&&&&
• وقوله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل)، فالجناح هنا مستعمل في حقيقته، لأن الجناح يطلق لغة حقيقة على يد الإنسان وعضده وإبطه. قال تعالى: (واضمم إليك جناحك من الرهب)، والخفض مستعمل في معناه الحقيقي الذي هو ضد الرفع، لأن مريد البطش يرفع جناحيه، ومظهر الذل والتواضع يخفض جناحيه، وإطلاق العرب خفض الجناح كناية عن التواضع ولين الجانب أسلوب معروف، ومنه قول الشاعر:
وأنت الشهير بخفض الجناح ******* فلا تك في رفعه أجدلا.
وأما إضافة الجناح إلى الذل في الآية، فهو من باب إضافة الموصوف للصفة، بمعنى: واخفض لهما الجناح الذليل من الرحمة، ونظيره في القرآن:
o قوله تعالى: (مطر السوء)، أي المطر الموصوف بالسوء.
o وقوله تعالى: (عذاب الهون)، أي العذاب الموصوف بالشدة، وإليه أشار الزمخشري، غفر الله له، بقوله: "والهون الشديد، وإضافة العذاب إليه كقولك: رجل سوء يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه". اهـ
o وقوله تعالى: (بجانب الغربي)، أي الجانب الغربي.
وعليه فلا مجاز لأن إسناد صفات الذات لبعض أجزائها من أساليب اللغة العربية.
وقال ابن القيم، رحمه الله، في "الصواعق":
إن معنى إضافة الجناح إلى الذل أن للذل جناحا معنويا يناسبه، لا جناح ريش،
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (وبلغت القلوب الحناجر)، فالقائل بالمجاز، يقول بأن في الآية مجازا عن شدة الخوف، لأن القلوب لا يمكن أن تتحرك من الصدور لتصل إلى الحناجر، والرد بأن ذلك أيضا من مشهور اللغة، وسياق الكلام يبين المقصود دون حاجة للقول بالمجاز.
(مستفاد من تعليقات الشيخ الدكتور عبد الرحمن المحمود، حفظه الله، على كتاب الإيمان لشيخ الإسلام رحمه الله).
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 02 - 2009, 08:43 ص]ـ
وفي هذا الرابط نص كامل لموضوع المشاركة مع بعض الزيادات التي من الله، عز وجل، بها على كاتب تلك الكلمات، ومرفق معه نسخة Word تتضمن تلك التعليقات، لعل الله، عز وجل، أن ينفع بها الكاتب والقارئ.
والله من وراء القصد.
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?p=394901#post394901(/)
{الْأَرْضِ الْجُرُزِ}
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[19 - 02 - 2009, 11:11 م]ـ
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} السجدة: 27
كلمة جرز تفيد الأرض الموات التي لا ينبت فيها الكلأ, بسبب الجفاف وقلّة المطر.
قال الفراء في المعاني:
" والجُرُز: التى لا نباتَ فيها: ويقال للناقة: إنها لجُرَاز إذا كانت تأكل كلّ شىء، وللإنسان: إنه لجَرُوز إذا كان أكولاً، وسيف جُرَاز إذا كان لا يُبقى شيئًا إلاَّ قطعه. "
يفتح القرآن الكريم نوافذ التأمل أمام العقل الإنساني , حيث يعطي القرآن في هذه الآية الشريفة مشهدا جماليا رائعا حول الأرض الميتة البور، التي تتحول إلى أرض خضراء ممرعة بالزرع النابض بالحياة , هذا الزرع الذي يعتبر غذاء للبشر و لأنعامهم.
إن تأمل هذا المشهد يعمق في الإنسان الشعور بعظمة قدرة الله المبدعة، التي تشيع الحياة والجمال في صفحات الوجود. {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ}
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 11:08 ص]ـ
جزاك الله خيرا د. حجي
وفي الآية لطائف بلاغية كثيرة، يمكنك التطرق لها أيضا، لكن ربما خوف الإطالة منعك.
1 - مثلا: الاستفهام وما يخرج إليه من غرض بلاغي
2 - نسوق، وظلالها الدلالية
3 - الماء، وليس المطر
وغيرها، أرجو أن تمتعنا أستاذي بها
ـ[معتوق]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 11:01 ص]ـ
ما العلاقة بين معنى الجرز للأرض التي لا ينبت الكلأ فيها وبين معنى الجرز للناقة التي تأكل كل شيء؟ وكذلك بين الانسان والأرض فهي للأخيرة موات وللأول أكول؟
وجزاك الله خيرا(/)
مَن يشرح لي هذه الأبيات من عقود الجمان للسيوطي؟
ـ[عزوز2]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 06:48 م]ـ
مَن يشرح لي هذه الأبيات من عقود الجمان للسيوطي؟
والاستعارة لدى يوسف أن يذكر ما من طرف التشبيه عن
مريدا الآخر بادعاء دخول ما شبه باقتفاء
في جنس مشبه به وقسما إلى مصرح ومكنى فما
ينوى مشبه فقط مصرحه وعكسها المكني قول رجحه
والتبعية إليها ردّا وشيخنا يقول عكس أجدى
وفي الحقيقة تمثيل دخل لديه والتخييل عكسه جعل
ـ[عزوز2]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 06:51 م]ـ
والاستعارة لدى يوسف أن ... يذكر ما من طرف التشبيه عن
مريدا الآخر بادعاء ... دخول ما شبه باقتفاء
في جنس مشبه به وقسما ... إلى مصرح ومكنى فما
ينوى مشبه فقط مصرحه ... وعكسها المكني قول رجحه
والتبعية إليها ردّا ... وشيخنا يقول عكس أجدى
وفي الحقيقة تمثيل دخل ... لديه والتخييل عكسه جعل
ـ[أبوجود]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 03:36 م]ـ
من شرح السيوطي على منظومته * ..
هذه الأبيات فيها مذهب السكاكي في الاستعارة وأقسامها، فعنده أن الاستعارة أن تَذْكُرَ أحدَ طرفي التشبيه، وتُريد به الآخر المتروك، مدعيًا دخول المشبه في جنس المشبه به، كما تقول: في الحمَّام أسدٌ، وأنت تريد الرجل الشجاع، مدعيًا/ أنه من جنس الأسود، فتثبت له ما يخص المشبه به، وهو اسم جنسه. وكما تقول: أنشبت المنية أظفارها، تريد بالمنية السبع بادعاء السبعية لها، فتثبت لها ما يخص السبع المشبه به، وهو الأظفار، ويسمى المشبه به مذكورًا أو متروكًا مستعارًا منه، واسم المشبه به مستعارًا والمشبه مستعارًا له.
ثم قسم الاستعارة إلى: مصرح بها، ومكني عنها، وفسر الأولى بأن يكون المذكور من طرفي التشبيه، هو المشبه به والمحذوف المشبه. والثانية بالعكس، بأن يكون المذكور المشبه والمحذوف المشبه به على أن المراد بالمنية في أنشبت المنية أظفارها هو السبع، بادّعاء السبعية بقرينة إضافة الأظفار، التي هي من خواصه إليها فقد ذكر المشبه، وهو المنية، وأراد المشبه به وهو السبع.
ورُدّ ذلك بأن لفظ المشبه فيها -وهو المنية- مستعمل فيما وضع له قطعا، وهو الموت، وإضافة الأظفار قرينة تشبيهها بالسبع المضمر في النفس، وهو ينافي تفسيره الاستعارة بذكر أحد الطرفين مرادًا به الآخر.
واختار السكاكي ردّ التبعية إلى المكني عنها، أي: جعلها قسمًا منها، بجعل قرينتها مكنيًا عنها، وجعل التبعية قرينة المكني عنها، ففي: نطقت الحال، جعل القوم "نطقت" استعارة عن دلت، بقرينة الحال، وهو حقيقة، وهو بجعل الحال استعارة بالكناية عن المتكلم، ونسبة النطق إليها قرينة الاستعارة.
وإنما اختار ذلك إيثارًا للضبط، وتقليلِ الأقسام، ورُدّ بأنه إن قدر التبعية حقيقة لم تكن تخييلية؛ لأنها مجاز عنده، حيث جعلها من أقسام المصرحة، المفسرة بذكر المشبه وإراده المشبه به، وحينئذ لا يكون المكني عنها مستلزمة للتخييلية، وذلك باطل بالاتفاق؛ إذ لا توجد مكنية بدون تخييلية قطعًا، وإن قدرها مجازًا فيكون استعارة ضرورة، ويحتاج إلى القول بها وعدها في الأقسام، وقال شيخنا
العلامة الكافيجي: لو قيل برجوع الاستعارة بالكناية إلى التبعية كان أولى؛ لكونها أظهر من الكناية.
وأما المصرحة فجعل السكاكي منها تحقيقية وتخييلية، وفسر التحقيقية بما تقدّم من تفسيرها، وَعَدَّ منها التمثيل، ورُدّ بأنه مستلزم للتركيب المنافي للأفراد، فلا يصح/ عَدَّه من الاستعارة، التي هي من أقسام المجاز المفرد.
وفسر التخييلية، بضدِّ تفسير التحقيقية، وهو ما لا تحقق لمعناه حسًا ولا عقلاً، بل هو صورة وهمية محضة، كلفظ الأظفار، فإنه لما شبَّهَ المنيةَ بالسبع في الاغتيال أخذ الوهم في تصويرها بصورة السبع، فاخترع لها صورة مثل صورة أظفاره، ثم أطلق عليها لفظ أظفاره، فتكون تصريحية لا مكنية؛ لأنه أطلق اسم المشبه به، وهوالأظفار المحققة [على المشبه، وهو صورة وهمية، شبيهة بصورة الأظفار المحققة] والقرينة إضافتها إلى المنية. فالتخييلية عنده قد تكون بدون المكنية، وهو مخالف لتفسير غيره، على ما فيه من التعسف بكثرة الاعتبارات، التي لا حاجة إليها ولا دليل عليها.
*وهي رسالة علمية قام بتحقيقهاإبراهيم بن محمد الجمعة - جامعةالإمام بالرياض
ـ[عزوز2]ــــــــ[25 - 02 - 2009, 01:40 ص]ـ
اخ أبوجود
شكرا لك وبارك الله بك
ولكن قلي: اين استطيع ان أجد شرح منظومة السيوطي كاملة؟
ـ[أبوجود]ــــــــ[25 - 02 - 2009, 07:11 م]ـ
أخي عزوز طابت أوقاتك .. عقود الجمان بشرح الإمام السيوطي وحاشية المرشدي مطبوع في مطبعة الحلبي بمصر .. وقد حقق الشرح في جامعة الإمام بالرياض .. نفع الله بنا جميعاً.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[28 - 06 - 2009, 12:09 م]ـ
ينظر هنا للفائدة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=166720
أخي أبا جود، هل يمكن الحصول على هذه الرسالة من جامعة الإمام؟
أو على الأقل معلومات عنها؟
وجزاكم الله خيرا
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو مهند المصري]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 09:27 م]ـ
ينظر هنا للفائدة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=166720
أخي أبا جود، هل يمكن الحصول على هذه الرسالة من جامعة الإمام؟
أو على الأقل معلومات عنها؟
وجزاكم الله خيرا
انظر هنا:
حمل لأول مرة ملخص رسالة دكتوراه: تحقيق ودراسة للسيوطي - ملتقى أهل الحديث ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=200510)
ونتمنى أن ترفع الرسالة كاملة.(/)
ما نوع الصورة البيانية في هذاالبيت الشعري؟
ـ[رشيدة]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 09:38 م]ـ
:::
قال الامام الشافعي:
ولا خير في ود امرىء متلون ... إذا الريح مالت مال حيث تميل
أرجو إفادتي بالشرح
ودمتم يا فصحاءنا.
ـ[غازي عوض العتيبي]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 09:49 م]ـ
البيت في استعارة مكنية في موضعين:
(امرئ متلون)، حيث شبه المرء بالحرباء، وحذف الحرباء وجاء بصفة من صفاتها، وهي التلون.
(الريح مالت)، نفس الكلام على الأولى، والمشبه به محذوف، تقديره: الإنسان، مثلاً.
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[22 - 02 - 2009, 02:15 م]ـ
.. أوافق أخي الغالي غازي العتيبي .. :)
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[23 - 02 - 2009, 09:16 ص]ـ
أوافق الأخ غازي، وهذا من باب الاستعارة لأن الاستعارة هي تشبيه حذف أحد طرفيه.
ـ[أبوجود]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 02:31 ص]ـ
وفيه أيضا: تشبيه ضمني / المشبه: البيت الأول ... والمشبه به: البيت الثاني.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 10:12 ص]ـ
أخي أبا جود
أولا المذكور بيت واحد وليس بيتين، كما ذكرتَ
لا ينطبق على ما سبق ضوابط التشبيه الضمني، المتمثلة في ذكر حكم أو قاعدة، ثم يأتي بما يثبت صحة الحكم أو القاعدة.
ـ[أبوجود]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 10:14 م]ـ
أخي: طارق أتراجع عن الخطأ لعلي سهوت .. جزاك الله خيرا.
ـ[نوال جواد]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 10:44 ص]ـ
السلام عليكم
أخي الأستاذ غازي
ألا يكون المشبه به لقول الشاعر الريح مالت
هو الغصن اللين الذي يتمايل مع الريح فعلا كيفما مالت
و ليس الإنسان كما ذكرته مثالا
فواقعا لا يميل الإنسان مع الريح
و قد أكون مخطئة فأرجو منكم العذر
دمت بود
أختك
نوال جواد
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 11:05 ص]ـ
السلام عليكم
أخي الأستاذ غازي
ألا يكون المشبه به لقول الشاعر الريح مالت
هو الغصن اللين الذي يتمايل مع الريح فعلا كيفما مالت
و ليس الإنسان كما ذكرته مثالا
فواقعا لا يميل الإنسان مع الريح
و قد أكون مخطئة فأرجو منكم العذر
دمت بود
أختك
نوال جواد
.. قد يكون المشبه به هنا هو الإنسان و أعني المرأة و أعني أيضا قول النبي صلى الله عليه و سلم في أحد أحاديثه (" ... مائلات مميلات .. ") إلى آخر الحديث .. فذكر أن المرأة قد تميل و هذه صفة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم .. وأيا كان أختي الكريمة فالإستعارة هنا مكنية كما ذكر صديقنا غازي:) .. شكرا لكم:) ..
ـ[محمد المهداوي]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 05:46 م]ـ
ليس في الشطر الأول استعارة إنما كلمة متلون تطلق على المنافق ولا دخل للحرباء بهذا، وفي الشطر الثاني استعارة مكنية مثلما قال أخونا العتيبي
ـ[نوال جواد]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 12:17 م]ـ
أخي الكريم
إنما قصدت هو أصل التشبيه في البيت
حيث ان الشاعر قد شبه الإنسان بالغصن اللين الذي يميل مع الريح كيفما مالت
يعني في الحقيقة الإنسان لا يميل مع الريح و لا المرأة تميل مع الريح كمادة و جسم
إنما الميل يكون في الأخلاق و العواطف .... الخ
فالميل في الغصن مع الريح مادي
و ميل الإنسان بعواطفه أو أخلاقه مثلا معنوي
و هنا الشاعر قد كنى عن ذلك في بيته و هذا ما اتفق فيه معك
دمت بخير و ود و عيش رغد
أختك
نوال جواد
ـ[إبراهيم جبر]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 04:11 م]ـ
طلبت الأخت الشرح: البيت يجري مجري الحكمة فلا فائدة من مصاحبة المنافق لأنه مثل الغصن بلا عواطف ولا قلب فهو يميل مع الريح أيا كانت(/)
التنبيه بالمثال على النوع إيجازا في البيان
ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 02 - 2009, 09:22 ص]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
"الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْعَظْمِ عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ"
فقوله: "الإيمان": "أل" فيه عهدية ذهنية تشير إلى معهود بعينه وهو الإيمان الشرعي، إذ السياق سياق شرعي لا لغوي أو عرفي ليعدل عن الحقيقة الشرعية إلى الحقيقة اللغوية أو العرفية.
وقد عرف الإيمان في هذا السياق بذكر شعبه مجملة، فهو تعريف باعتبار الأفراد، بخلاف من عرفه بنحو: ما وقر في القلب وصدقه العمل، فهو تعريف بالفائدة، أو عرفه بنحو: عقد القلب الجازم وقول اللسان المقر وعمل الجوارح المصدق، فهو تعريف بالأنواع التي تندرج تحتها الأفراد المذكورة في حديث الشعب، فنوع القلب تحته أفراد من الخوف والرجاء والتوكل ........ إلخ، ونوع اللسان تحته أفراد من التهليل والاستغفار والتسبيح ............. إلخ، ونوع الجوارح تحته أفراد من الصلاة والصيام والحج والجهاد ................ إلخ. وبخلاف ما عرف به في حديث وفد عبد القيس: (أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ)، فهو تعريف بالمباني الأساسية، وواجب الوقت الذي قامت الحاجة إلى بيانه في حق أولئك، لمجاورتهم المشركين، وذلك مظنة القتال إذا نزل الوحي بتشريعه، فلكل مقام مقال، ولكل تعريف موضعه، وقد يجب في حق زيد ما لا يجب في حق عمرو، كالغني الذي يجب في حقه من الزكاة ما لا يجب في حق الفقير.
وقد أجمل، كما تقدم، فذكر الشعب بلا تفصيل تشويقا للمخاطب إذ تتشوف نفسه إلى بيان هذا الإجمال.
ثم جاء البيان بنوع تفصيل فيه من الشمول ما ينزل منزلة النص على أعيان تلك الشعب، وإن لم تسرد كاملة، إذ عرف العام بذكر بعض أفراده، فعرف نوع القول بالشهادة، ونوع العمل بإماطة الأذى عن الطريق، ونوع القلب بالحياء، فاستوفى القسمة الثلاثية بذكر مثال لكل نوع، وقد تقرر في الأصول أن ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه فهو ينزل منزلة التعريف بالمثال، والذهن يقيس بقية الصور المسكوت عنها على الصور المنصوص عليها، وذلك مئنة من بلاغة المتكلم إذ استوفى الأركان بالبيان تمثيلا، لئلا يطول المقام فتسأم نفس المخاطب وتتحير بكثرة الشعب، فعنده من كل نوع مثال والنظير يلحق بنظيره، ولذلك اجتهد بعض أهل العلم، كابن حبان، رحمه الله، في استقصاء هذه الشعب باستقراء النصوص، إذ ذلك مما يصح إعمال آلة الاجتهاد في تحصيله، فقد سكت الشارع، عز وجل، عن بقيتها شخذا للهمم وتشميرا لسواعد الجد في تحريرها علما وامتثالها عملا.
وقل مثل ذلك في نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ)، فقد أشار بتلك الأمثلة إلى أجناس اللباس المحظور في الإحرام فكان تمثيلا في مقام البيان، فلا يخصص العام به، وإنما تقاس عليه بقية الصور فيلحق النظير بنظيره أيضا: فالقلنسوة تلحق بالعمامة، وما يغطي أسافل البدن من المخيط يلحق بالسراويل، وما يغطي أعاليه من المخيط يلحق بالقميص، وما يلتحف به فوق الثياب كالعباءة يلحق بالبرنس، وهكذا، وذلك، أيضا، مئنة من بلاغته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ اكتفى بالمثال في معرض البيان فعرف المراد بأوجز عبارة، إذ سرد أنواع اللباس مما يطول بل قد لا ينتهي، فالتنبيه عليها بالوصف دون الاسم كاف في حصول البيان المراد.
والله أعلى وأعلم.
أصل هذه الفائدة مستفاد من تعليق الشيخ صالح آل الشيخ، حفظه الله وسدده، على حديث شعب الإيمان في شرحه على الطحاوية، (1/ 817).
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 09:21 ص]ـ
ومثله قوله صلى الله عليه وعلى أله وسلم في الأضحية: (أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي)
فذكرها مجملة حيث قدم المسند إليه: "أربع" تشويقا، ثم فصل الإجمال بذكر الحكم: "لَا تُجْزِئُ"، ثم الأنواع: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ..........
و: "أل" في: "العوراء" جنسية لبيان الماهية ففيها، أيضا، نوع إجمال بينته جملة النعت: "الْبَيِّنُ عَوَرُهَا"، إذ خصت العور بنوع بعينه، وقل مثل ذلك في بقية الأنواع.
وقد نبه بها، أيضا، على نظائرها من العيوب التي تؤثر في اللحم بالنقصان، كما ذكر صاحب "منار السبيل"، وإلا لو سرد أعيان ما لا يجزئ ما انتهى الأمر فنبه بالمذكور على غير المذكور إيجازا في البيان.
والله أعلى وأعلم.(/)
منتدى البلاغة و النقد
ـ[الصحبي جعيط]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 01:31 ص]ـ
السلام عليكم
يقول المتنبي:
ولا تَشكَّ الى خلق فتشمته شكوى الجريح الى الغربان و الرخم
وجدت معنى البيت واضحا و لكني لم استطع تحديد نوع التشبيه ..
فهل يمكن مساعدتي ..
جزاكم الله خيرا ;) ;)
ـ[أبوجود]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 02:25 ص]ـ
أختي: طابت أوقاتك: اكتبي شرح البيت وسأبين لك مافيه من تشبيه.
ـ[الصحبي جعيط]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 05:16 م]ـ
السلام عليكم
يقول المتنبي:
ولا تَشكَّ الى خلق فتشمته شكوى الجريح الى الغربان و الرخم
وجدت معنى البيت واضحا و لكني لم استطع تحديد نوع التشبيه ..
فهل يمكن مساعدتي ..
جزاكم الله خيرا
الشرح: يقول الشاعر بأن الذي يشكو آلامه للناس فيشمتوا به كمن يشكو جرحه لغربان و رخم تتحين الفرصة للالتهامه
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 05:33 م]ـ
اممممممممم ممكن تشبيه تمثيلي!! أنا أتنظر جواب الفصحاء(/)
نوع الاستعارة
ـ[القادري]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 02:34 م]ـ
ممكن اعرف نوع الاستعارة في1 - قوله تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون) 2 - قال صلى الله عليه وسلم (لا تستضيؤ بنار المشركين) وجزاكم الله خيرا(/)
في البلاغة القرآنية
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 05:10 م]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الكرام أريد أن أسأل سؤال في البلاغة القرآنية وأتمنى أن أجد لديكم الجواب إن شاء الله
فى سورة الأحزاب:31
(ومن يقنت منكنَّ للهِ ورسولهِ وتعمل صالحاً)
لماذا جاء الفعل (يقنت) بصيغة المذكر والفعل (تعمل) بصيغة المؤنث مع أن الخطاب فى الحالتين لأمهات المؤمنين رضى الله عنهم جميعاً؟
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[25 - 02 - 2009, 02:13 ص]ـ
مازلت أنتظر ردود الفصحاء!!
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[25 - 02 - 2009, 02:48 ص]ـ
من تطلق على المذكر والمؤنث
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا [الأحزاب:31] (من): اسم موصول يطلق على المفرد المذكر والمؤنث، وعلى المثنى المذكر والمؤنث، وعلى جمع الذكور والإناث، فتقول: من جاء من الرجال؟ من جاء من النساء؟ وهكذا هنا. فقوله: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا [الأحزاب:31] أي: من أطاعت الله ورسوله وعملت الصالح، فإن الله أعد للمحسنات منهن أجراً عظيما.
(من) من الأسماء الموصولة المشتركة, وهو من حيث اللفظ مذكر, ومن حيث المعنى بحسبه. وهو في هذه والآية والتي قبلها مؤنث من حيث المعنى.
فمن قال (يأت) , و (يقنت) بالياء-وهم الجمهور- حمل الفعل على لفظ (من) , ومن قال (تأت) , و (تقنت) بالتاء فحمل الفعل على معنى (من) على أن قراءة الجمهور للآية (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا) فيها حمل الفعل (تعمل) على المعنى بعد الحمل على اللفظ.
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[25 - 02 - 2009, 03:18 ص]ـ
شكراً جزيلاً لك، لكن كنت أتمنى أن توضح لى البلاغة فى الآية، لأنى قرأت هذا السؤال وكان السؤال عبارة عن (وضح البلاغة) ولم أقصد من الناحية النحوية
بارك الله فيك
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[25 - 02 - 2009, 11:17 ص]ـ
لست متخصصا لكنني أعتقد أن البلاغة هنا تكمن في ترجيح أسلوب استخدام (من) مع الإتيان بالإفراد والتذكير أولا ثم الإتيان بما يدل على المعنى من تأنيث لأنه الأسلوب الأفصح والأبلغ عند العرب.
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 08:13 ص]ـ
من اللطائف البلاغية في العدول أن القنوت عمل قلبي تنافس فيه المرأة الرجل، وتستطيع مثل الرجل أن تبلغ فيه الغاية؛ ولذلك لحظ التذكير لفظ (من). أما العمل فهو من أفعال الجوارح، والمرأة مهما بلغت فإن طاقة الرجل أكبر من طاقة المرأة في أعمال الجوارح ولتأكيد هذه الحقيقة عدل إلى التأنيث رفقا بهن في عمل الجوارح والرضا بالمستطاع.
وأما قراءة من قرأ بالتذكير في كليهما فهو حث لهن على منازل الرجال.
والله أعلم.
انظر إلى:
- نظم الدرر (برهان الدين البقاعي).
- من أسرار التعبير القرآني: دراسة تحليلية لسورة الأحزاب (أ. د/ محمد أبو موسى)
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 03:29 م]ـ
[ quote= أبو حاتم;323495] من اللطائف البلاغية في العدول أن القنوت عمل قلبي تنافس فيه المرأة الرجل، وتستطيع مثل الرجل أن تبلغ فيه الغاية؛ ولذلك لحظ التذكير لفظ (من). أما العمل فهو من أفعال الجوارح، والمرأة مهما بلغت فإن طاقة الرجل أكبر من طاقة المرأة في أعمال الجوارح ولتأكيد هذه الحقيقة عدل إلى التأنيث رفقا بهن في عمل الجوارح والرضا بالمستطاع.
وأما قراءة من قرأ بالتذكير في كليهما فهو حث لهن على منازل الرجال.
جزاااااااااااااك الله خيراً
هذا ما كنت أريده من توضيح، بوركت
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 10:36 م]ـ
[ quote= أبو حاتم;323495] من اللطائف البلاغية في العدول أن القنوت عمل قلبي تنافس فيه المرأة الرجل، وتستطيع مثل الرجل أن تبلغ فيه الغاية؛ ولذلك لحظ التذكير لفظ (من). أما العمل فهو من أفعال الجوارح، والمرأة مهما بلغت فإن طاقة الرجل أكبر من طاقة المرأة في أعمال الجوارح ولتأكيد هذه الحقيقة عدل إلى التأنيث رفقا بهن في عمل الجوارح والرضا بالمستطاع.
وأما قراءة من قرأ بالتذكير في كليهما فهو حث لهن على منازل الرجال.
جزاك الله خيرا(/)
من نصوص الإيمان
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 02 - 2009, 09:16 ص]ـ
من قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)
حصر إضافي فتقدير الكلام: إنما المؤمنون الذين حققوا الإيمان الواجب، فإن من المؤمنين من يغفل قلبه فلا يعتريه الوجل إذا ذكر الله، عز وجل، وتلك مئنة من نقص الإيمان الواجب، ولكنه لا يعني خروجه من دائرة الإيمان بالكلية، إلا إن كان ذلك استخفافا بذكر الله، عز وجل، ووعيده، كحال كثير من المنافقين المظهرين للإيمان المبطنين للكفران، فإنه لا يتصور بقاء ذرة من الإيمان: أصلا أو فرعا، مع غياب عمل القلب بالكلية، فلا يخاف الله، عز وجل، مطلقا، أو لا يرجوه مطلقا، أو لا يتوكل عليه مطلقا، نعم قد يغان على قلب المؤمن فينقص الإيمان في قلبه تبعا لنقصان أعماله، بل قد يقع التفاوت في أصل الإيمان، وهو التصديق، فالتصديق يتضمن العمل، وإلا كانت دعوى بلا بينة، بل البينة شاهدة بضدها في حق تارك العمل، إذ لو كان تصديقه كاملا لانبعثت همته طلبا لكمال العمل، إذ لا يتصور الانفكاك بين التصديق القلبي والتصديق القولي والتصديق العملي مع تمام القدرة وجزم الإرادة، إذ كلها من الإيمان، فالتفريق بينها: تفريق بين متماثلات تأباها العقول الصريحات، بل إن التصديق القلبي دون نظر إلى بقية أفراد التصديق من القول والعمل، يتفاوت تبعا لتفاوت النظر في الأدلة الشرعية والأدلة الآفاقية، فليس تصديق الصديق، رضي الله عنه، كتصديق آحاد المؤمنين، وإن جمع الكل: معنى التصديق المطلق، فلكل منه نصيب، ولكن التفاوت يقع فيما زاد عليه.
وعليه يمكن القول بأن القصر في الآية:
قد يكون حقيقيا فيتوجه إلى أصل الإيمان، فيكون القلب الخالي من خوف الله، عز وجل، المستخف بوعيده، قلبا تربع على عرشه الكفران.
وقد يكون إضافيا فيتوجه إلى كمال الإيمان الواجب، فيكون القلب غافلا عن معاني الإيمان لا سيما إن كان صاحبه من أهل العصيان، بل قد يغفل بالتلهي بالمباح، فكيف بمن يقترف الذنوب؟!!.
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا: شرط ثان في معرض بيان وصف المؤمنين، فالإطناب في معرض بيان وصف الناجين مراد لذاته، ففيه نوع إلهاب للمخاطب ليمتثل أوصافهم فيكون من حزبهم، فهو، كما اطرد في باب الشرط الخبري: خبر في مبناه إنشاء في معناه.
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ: تقديم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا، فعلى ربهم وحده يتوكلون، والتوكل من أعمال القلوب المتعلقة بفعل الرب، جل وعلا، إذ القلب يتوكل على الله، عز وجل، بعد استيفاء الأسباب، فلا يبقى إلا الإذن الكوني بوقوع المطلوب، فإن أذن الباري، عز وجل، كان وإن سخط كل البشر، وإن لم يأذن لم يكن وإن رضي كل البشر، فمرد الأمر إلى كلمات الرب التكوينية، ولذلك كان ورود لفظ الرب في مقام التوكل أليق، إذ التوكل ألصق بأفعال الربوبية القاهرة على التفصيل المتقدم.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ: إطناب في بيان وصف من تقدم، إمعانا في البيان، وتهييجا للهمم على الامتثال، كما تقدم، فإما أن تكون أخبارا بعد أخبار، وإما أن يكون السياق مقطوعا إلى الرفع أو النصب تخصيصا وتنويها بالذكر، على تقدير: هم الذين ............. ، وكأن المخاطب قد ثار في نفسه سؤال: من أولئك الذين استحقوا أشرف الأسماء وأكمل الأوصاف: اسم الإيمان ووصفه، فجاء الجواب: هم الذين ......... ، أو على تقدير: وأخص بالذكر تشريفا وتنويها: ............... الذين، فعلق حكم المدح على الوصف الذي اشتقت منه صلة الموصول: "الذين" وهي: إقامة الصلاة، وجيء بالمضارع إشارة إلى التجدد والحدوث، فإيمانهم، وإن كان ثابت الأصل راسخا في القلب، إلا أنه كبقية المعاني التي تقوم بالنفوس يتفاوت زيادة ونقصانا، فليس حال من يقيم الصلاة
(يُتْبَعُ)
(/)
ويأتي بأركانها وواجباتها وسننها كاملة كحال من يباشر معصية، بل مباحا، بل طاعة من نفس الجنس، فتجد الصلاة واحدة وبين المعاني التي تقوم بقلوب المصلين من التفاوت ما بين السماء والأرض كما قرر أهل العلم ذلك.
وقل مثل ذلك فيما عطف على الصلة: فله حكمها، فالإيمان الذي دلت عليه الصفة المشبهة في صدر الآيات: "المؤمنون" قد علق أيضا على وصف الإنفاق، الذي جاء بصيغة المضارع، "ينفقون"، وتقديم ما حقه التأخير: "مما رزقناهم": مئنة من الحصر توكيدا على أنهم مستخلفون فيما بين أيديهم فليس الرزق منهم، وإنما جاء الفعل منسوبا إلى الرازق تعظيما: "رزقناهم"، فهو الذي رزق تفضلا، وأمر بإخراج البعض الذي دلت عليه: "من" تخفيفا عن النفوس التي جبلت على الشح، ولو أمر بإنفاق الكل ما ظلم العباد، إذ الرزق رزقه، والملك ملكه، ومن حكم في ملكه فما ظلم، فكيف والحاكم: أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين، فليست أحكامه جبرا بقدرة قاهرة بلا حكمة بالغة، بل أفعاله، عز وجل، صادرة من علم وحكمة سابقة، إذ علم فكتب المقادير في اللوح المحفوظ بحكمة قد تخفى ابتداء، وتظهر للبعض أحيانا، ثم شاء فخلق بقدرة نافذة فلا راد لحكمه الكوني ولا معقب لقضائه النافذ في عباده، وتلك مراتب الإيمان بقدره الجامع بين الحكمة والقدرة.
أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ:
إشارة إليهم بالبعيد تشريفا، وفي السياق حصر بتعريف الجزأين: "أولئك" و: "المؤمنون"، والتوكيد بالمصدر المحذوف الذي دل عليه وصفه: "حقا" فتقدير الكلام: أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فضلا عن ضمير الفصل: "هم".
لهم درجات: إطناب في مقام الوعد حضا على امتثال الأمر، وقدم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا، كما تقدم مرارا، ونكر الدرجات مئنة من عظمها، وخصها بوصف: "عند ربها" وذلك مئنة أخرى من عظمها فإن عظمة المُعطَى من عظمة المعطي.
وعطف: "المغفرة" منكرة على ما اطرد من الإطناب في مقام الوعد والتعظيم بالتنكير.
وعطف: "الرزق الكريم": لذات السبب، وخصه بالكرم مئنة من رفعته على بقية أجناس الرزق فالكريم من الشيء ما بلغ في الوصف أعلاه.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 09:07 ص]ـ
ومنها:
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)
فقد أكد الخبر بـ: "إن"، واسمية الجملة، واللام المزحلقة التي دخلت على المضارع الواقع في خبر الناسخ المؤكد، فضلا عن الفاعل المستتر فيه، فيكون الفاعل قد كرر مرتين توكيدا: معنويا ظاهرا وهو: اسم إن، ولفظيا مستترا في جملة الخبر.
والإتيان بالخبر بصيغة المضارع مئنة من تجدده، وذلك أمر يجده كل مكلف من نفسه، فالصراع بين قوى الخير والشر في نفسه مستمر لا انقطاع له إلا بخروج الروح وزوال التكليف، فينتصر الخير أحيانا، فيتجدد الإيمان، وينتصر الشر أحايين فيبلى الإيمان في القلب.
كما يخلق الثوب الخلق: تشبيه مرسل ذكرت فيه أركان التشبيه الثلاثة، وقد يقال بأن فيه نوع تمثيل إذ شبه الإيمان حال فتوره بصورة منتزعة من ثوب خلق، وتلك صورة مركبة فلم يقع التشبيه على الثوب مطلقا وإنما قيد بصورة بعينها هي صور البلى، فصارت صورة المشبه به مركبة.
فاسألوا الله: الفاء للسببية، إذ ما قبلها سبب في أن يلجأ العبد إلى ربه ليقيمه على الجادة فلا تفتر همته ولا تسأم نفسه.
وفي: "يجدد": استعارة التجدد المحسوس في الثياب البالية إذا أصلحت للتجدد المعنوي للإيمان إذا نقص فاحتاج الزيادة.
وفي قوله: "فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم": إظهار في موضع الإضمار، إذ يصح في غير هذا السياق أن يقال: فاسألوا الله أن يجدده، فأظهره عناية بشأنه، وأي شأن أعظم من شأن الإيمان؟!!!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 02:20 م]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
في النداء استرعاء لانتباه المخاطب، وقد علق الأمر على وصف الإيمان الذي اشتقت منه الصلة، ومع ذلك صح توجه الخطاب لغيرهم إذ الكل في وجوب التكليف سواء فيكون الخطاب موجها إليهم أصلا، ولغيرهم فرعا، فهم من جملة المكلفين، وذكر بعض أفراد العموم لا يخصصه، وإنما ذكروا لما تقدم من اختصاصهم بخطاب الوحي الذي آمنوا به فهم أولى الناس بالاستماع والامتثال، فضلا عن كون الخطاب مفتقرا إلى مسند يصح تعلقه به، وهذا أمر مشترك في جميع صور الخطاب سواء أكان المخاطب مؤمنا أم كافرا، ذكرا أم أنثى ......... إلخ.
هل أدلكم: تشويقية فيها معنى العرض برفق تلطفا مع المخاطب على وزان: (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى)
تجارة: استعارة تجارة أهل الدنيا لتجارة أهل الآخرة.
أليم: فعيل بمعنى اسم الفاعل من باب تبادل الصيغ مبالغة في التحذير من العذاب بسوقه على على أحد أوزان المبالغة.
تؤمنون: خبر أريد به الإنشاء مبالغة في التوكيد، فكأنهم لسرعة امتثالهم قد باشروا المأمور به فعلا.
وتجاهدون: عطف خاص على عام تنويها بذكره.
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ: إشارة إلى ما انقضى قريبا بإشارة البعيد مئنة من علو شأنه، أو على عادة العرب في ذلك، و: "لكم": دالة على اختصاص المخاطبين بالوعد، عناية بشأنهم.
خير: أفعل منزوعة التفضيل فلا وجه للمقارنة بين الإيمان في مقابل الكفران، والجهاد في مقابل القعود، ليقال بأن هذا خير من هذا إذ لا خير في الكفر والقعود أصلا.
وفي الشرط "إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ": إلهاب لامتثال الأمر على وزان: إن كنت رجلا فافعل.
يغفر: إيجاز بالحذف انتقالا إلى محط القائدة مباشرة، فحذف الشرط الذي جزم المضارع في جوابه، إذ تقدير الكلام: إن تؤمنوا بالله وتجاهدوا في سبيله يغفرلكم.
وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ:
إطناب يقتضيه مقام الوعد فعطف الخاص: "المساكن" على العام: "جنات"، أو الجزء على الكل.
وأشار إليه إشارة البعيد تعظيما على ما تقدم في: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 02:41 م]ـ
جزاك الله خيرا على هذا الجهد الطيب
ضاعف الله لك الأجر
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 07:22 ص]ـ
وجزاك خيرا أخي أبا سهيل وضاعف لك الأجر وأجزل لك المثوبة.
ومن قوله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
في السياق: طباق بين النصر والغلبة التي ترادف الهزيمة، فإن أفاض الله، عز وجل، عليكم من عطاء ربوبيته فأنزل عليكم نصره، وألهمكم مباشرة أسبابه من العلم والعمل، من عقد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح، من إعداد العدة ............... إلخ، فلا غالب لكم، فتسلط النفي على النكرة، فأفاد العموم، وفي ذلك من إلهاب الهمم وحملها على مباشرة أسباب النصر، فالشرط سيق مساق التهييج والإلهاب، شأنه في ذلك شأن كل شرط تضمن وعدا يحمل السامع على الفعل، أو وعيدا يحمله على الترك.
وإن يخذلكم: مقابلة بين النصر والخذلان في الشرط، والغلبة والنصرة في جواب الشرط
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ: استفهام إنكاري إبطالي إذ لا ناصر إلا الله، والاستفهام الإنكاري في سياق الوعيد أبلغ دلالة من الخبر المجرد، فهو أقوى في الزجر من قولك في غير القرآن: فلا ناصر لكم، فكما أن للرب، جل وعلا، عطاء بالنصر، فإن له منعا بقطع أسبابه، وذلك مئنة من كمال ربوبيته القاهرة، فهو الفعال لما يريد، خالق النصر وضده، معطي الخير ومانعه، مجري السبب ومبطله، فإن شاء نصر فضلا، وإن شاء خذل عدلا.
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ: تقديم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا، وعلق التوكل بالله، عز وجل، إشارة إلى واجب التأله على العبد، فرعا عن عطاء الربوبية من الرب، جل وعلا، فالتوكل عبادة قلبية، وتوحيد العبادة قلبية كانت أو لسانية أو بدنية: هو توحيد الألوهية المتعلق بوصف الألوهية الذي اشتق منه لفظ الجلالة: "الله"، مراد الله، عز وجل، من عباده، مصداق قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
وعلق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه الصفة المشبهة: وصف الإيمان، فليس ذلك إلا لمن وقر الإيمان في قلبه، وقد يقال بأن في السياق حذفا دل عليه السياق إذ تقدير الكلام: وعلى الله فليتوكل المؤمنون حقا، فإن وصف الكمال لا يناله إلا من أخلص العبادة، فحقق تمام التوكل، ولو أخذ في الاعتبار أن الخبر، أيضا، لإلهاب الهمم على وزان: المجتهد من ينجح في الامتحان، فإن فيه حضا ضمنيا على الاجتهاد، فكذلك في الآية: حض ضمني على إخلاص العبادة وإكمال الإيمان، ولا يتصور ذلك إلا إن كان المراد بوصف الإيمان فيها: الإيمان الكامل المستلزم للنجاة يوم العرض، فلا يتصور أن يكون المراد في سياق الحض: مجرد تحقيق مطلق الإيمان الذي يخرج به المكلف من حد الكفر!!!، أو الإيمان الناقص الذي لا يخرج صاحبه من دائرة الوعيد، كأن يكون من عصاة الموحدين أصحاب الكبائر، فإن معهم من الإيمان أصله دون كماله، وليس ذلك بصالح لأن يعلق عليه أمر تسعى إليه الهمم العالية والنفوس الكاملة.
والله أعلى وأعلم.(/)
ما نوع هذه الصورة البيانية ـ عاجل ـ
ـ[حسان العاصمي]ــــــــ[25 - 02 - 2009, 02:07 م]ـ
:) وانحنى يطبع ألطف قبلة على جبينها
وشكرا مسبقا
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 02 - 2009, 10:50 م]ـ
مرحبا بك أخي حسان.
ولك جزيل الشكر.
هل هي:
استعارة طبع الكلمات المكتوبة للقبلات المطبوعة فتكون من باب الاستعارة التصريحية إذ ناب الفعل "طبع" عن "قبل"، وهي تبعية لأنها وقعت في الفعل المشتق لا في الأصل الجامد؟!!!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[حسان العاصمي]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 01:21 ص]ـ
لماذا لاتكون استعارة مكنية بحيث حذف المشبه به ألا وهو الشيئ الذي يطبع أي الطابعة مثلا وصرح بأحد لوازمه وهو الطبع والغرض منه تقوية المعنى لتبيين حرارة القبلة. والله أعلم
من لديه رأي آخر خلاف ما ذكرت فليتفضل مشكور لأن هذا مجرد اجتهاد وليس باليقين
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 02:28 ص]ـ
.. يطبع القبلة .. القبلة لا تُطبع .. فهذه استعارة مكنية .. حيث شبه القبلة بشيء يُطبع و حذف المشبه به .. و لذلك فأنا أوافق كلام أخي حسان العاصمي .. شكرا لكم:) ..
ـ[محمد المهداوي]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 05:56 م]ـ
إخواني الأعزاء لو كان هذا المقصود منه إنسان يطبع ألطف ... فلا مجاز فيه وهي مبنية على الحقيقة فالقبلة تطبع من أجل المبالغة في المحبة فكأنَّ أثرها باقٍ لا يزول ولا استعارة فيه(/)
أيهما أقوى حذف الأداة أو وجه الشبه [في التشبيه]
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 10:56 ص]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
[ line]
.. هذا سؤال جميل و الإجابة عليه أجمل ..
.. لو قلنا .. محمد كالأسد في الشجاعة ..
.. لو حذفنا أداة التشبيه .. لأصبحت الجملة:
محمد أسد في الشجاعة ..
.. هنا بحذف أداة التشبيه تكون الجملة أقوى من جهة أن المشبه أصبح هو المشبه به ولا تفاضل بينهم فـ محمد في شجاعته كالأسد في شجاعته و لن يكون الأسد هنا أقوى من محمد .. الإثنان متساويان .. في الشجاعة.
.. لو عدنا للجملة الرئيسية .. و حذفنا وجه الشبه فقط:
محمد كالأسد
.. هنا بحذف وجه الشبه تكون الجملة أقوى من جهة أن المشبه يشبه المشبه به في كل الصفات و ليست فقط صفة واحدة فقط نحددها كالشجاعة .. فكأن محمد كالأسد في الشجاعة و التخطيط و الدفاع و الهجوم ووووووو .. و هلم جرا من صفات الأسد .. إذا فكل حذف أقوى من الآخر من ناحية معينة ..
[ line]
.. هذا موضوع بسيط أتمنى أن يعجبكم .. شكرا لكم:) ..
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 11:38 م]ـ
أخي الفاضل بارك الله فيك
الأقوى منهما هو: ـ
حذف الأداة ووجه الشبه معاً، فنقول: زيد أسد، ويسمى التشبيه البليغ.
والله أعلم
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 11:50 م]ـ
أخي الفاضل بارك الله فيك
الأقوى منهما هو: ـ
حذف الأداة ووجه الشبه معاً، فنقول: زيد أسد، ويسمى التشبيه البليغ.
والله أعلم
.. نعم أخي الكريم كلامك صحيح .. فالمعروف هو أن الأقوى هو حذف أداة التشبيه و وجه الشبه معا وهو ما يسمى بالتشبيه البليغ .. و لكنني في هذا الموضوع أردت المقارنة بين حذف الأول أو حذف الثاني و الفرق بين حذف كل منهما .. شكرا لك على المرور أخي الغالي:) ..
ـ[هاني السمعو]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 06:59 ص]ـ
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
بالنسبة لما ذكرت اخي أعتقد ان الأقوى هو حذف وجه شبه فيصبح فيها الإيحاء أكبر
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 05:00 م]ـ
.. شكرا لكم أيها الإخوة الأفاضل على هذا المرور الجميل:) ..(/)
تأملات في آيات
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 08:47 م]ـ
:::
خطر ببالي هذا السؤال وأنا أقرأ قوله تعالى (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم * ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء) المائدة:39 - 40
وقوله تعالى: (ومن لمن يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا * ولله ملك السوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) الفتح:13 - 14
ما البلاغة في تقديم ذكر العذاب على المغفرة في الأية الأولى رغم أن سباق السياق كان في ذكر المؤمنين؟!
وفي الأية الثانية جاء ذكر المغفرة مقدم على العذاب مع أن سباق السياق كان في ذكر الكافرين؟!
أنا حاولت أن أعرف البلاغة بمفردي وتوصلت إلى شيء؛ لكني لا أريد أن أذكره حتى لا أكون من القائلين في كتاب الله بغير علم! هل رأيي صواب؟!
أعنى هل إذا تأمل الإنسان في كتاب الله فتبين له نكتة ومعنى لطيف يجب عليه أن يكون من أهل العلم حتى يقول به؟!
جزاكم الله خيرا
ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 12:08 ص]ـ
سؤالك رائع أخت ينابيع ..
عزيزتي .. بمجرد إعمال العقل في كتاب الله .. أنت مأجورة عليه .. وكم آية مدح الله عزوجل المتفكرين وأولو الألباب ..
بإذنه تعالى .. سأبحث ولي عودة ..
جزاكِ الله خيراً أختي الكريمة ..
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 12:20 ص]ـ
وجزاك مثله
في إنتظار عودتك أختى الكريمة
سأخبرك بما توصلت إليه وأتمنى أن تصوبي لى إن أخطأت الفهم
في الآية الأولى جاء ذكر العذاب مقدم على المغفرة مع أن السباق كان في ذكر المؤمنين وذلك حتى لا يأمنوا مكر الله ففي الآية (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) قد يتغرر العبد بأن الله غفور رحيم ويوقعه هذا الأمر في المزيد من الظلم، (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) الإنفطار:6
ففيه تحذير للمؤمنين؛ فكما أنه قد غفر لهم ذنوبهم بعدما تابو فهو شديد العقاب إن رجعو (نبأ عبادي أنى أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم) الجحر: 49 - 50
أما في الآية الثانية فى سورة الفتح فجاء ذكر المغفرة مقدم على العذاب لبيان سعة عفوه وحلمه حتى على الكفار- إن تابو - وذلك كما في قوله تعالى (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا) البروج: 10
يفهم من الآية أنهم لو تابوا لتاب الله عليهم وهذا من عظيم وسعة عفوه فهؤلاء الكفار بعدما أحرقوا المؤمنين وفعلو بهم الأفاعيل لم يكن هذا الأمر - مع عظمه- حائلاً بينهم وبين التوبة إن تابو لكنهم أبو إلا الكفر.
هذا ما ظهر لي - والله أعلى وأعلم -وأستغفر الله العلي العظيم إن أخطأت، وأرجو من كل من وجد في كلامي مخالفة لنص صريح أو لحديث صحيح أن يعلمني وله جزيل الشكر.
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 09:11 ص]ـ
في الحياة العامة على الإنسان العادي أن لا يتكلم من دون علم ولا دليل، وعليه أن يحاول السؤال وتأكيد معلوماته ممن هم أعلم منه، وعليه أن لا ينشر آراءه إذا كان لديه أدنى شك في صحتها.
ليس في السؤال من حرج لأن السؤال من أفضل الطرق لتأكيد المعلومات.
تدبري القرآن الكريم واسألي لأن السؤال عن كتاب الله يؤدي إلى بحث ونقاش وتوسع وعودة إلى مراجع، وفي ذلك فائدة عظيمة للسائل وللمسئول ولكافة الأطراف، علما بأن التعبير عن الفهم الشخصي البريء والبعيد عن الغرض ليس كالقول في كتاب الله بغير علم.
كلنا طلاب علم، والله أعلم،
ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 12:54 م]ـ
السلام عليكم ..
إليكِ أختي الكريمة .. تفسيرها .. والله أعلم ..
في سورة المائدة ... يقول الله عز وجل:
" {وَ?لسَّارِقُ وَ?لسَّارِقَةُ فَ?قْطَعُو?اْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ?للَّهِ وَ?للَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( http://javascript<b></b>:Open_Menu()) } * { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ?للَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ?للَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( http://javascript<b></b>:Open_Menu()) } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ?للَّهَ لَهُ مُلْكُ ?لسَّمَ?وَ?تِ وَ?لأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَ?للَّهُ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( http://javascript<b></b>:Open_Menu()) } " (
(يُتْبَعُ)
(/)
38 – 39 – 40) ..
كان سياق الآيات السابقة لهذه الآية يعرض لبعض الأحكام التشريعية الأساسية في الحياة البشرية. وهي الأحكام المتعلقة بحماية النفس والحياة في المجتمع المسلم.
فكان حق العذاب التقديم للردع والزجر ..
يقول الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ..
واعلم أنه تعالى لما أوجب قطع اليد وعقاب الآخرة على السارق قبل التوبة، ثم ذكر أنه يقبل توبته إن تاب أردفه ببيان أن له أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فيعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، وإنما قدم التعذيب على المغفرة لأنه في مقابلة تقدم السرقة على التوبة.
وهذا ماذكره الزمخشري أيضاً في تفسيره .. الكشاف.
ويقول الألوسي في تفسيره " روح المعاني "
وقوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء}
- إما تقرير لكون ملكوت السماوات والأرض له سبحانه.
- وإما خبر آخر ـ لأن ـ وكان الظاهر لحديث " سبقت رحمتي غضبي " تقديم المغفرة على التعذيب، وإنما عكس هنا لأن التعذيب للمصر على السرقة، والمغفرة للتائب منها.
وقد قدمت السرقة في الآية أولاً ثم ذكرت التوبة بعدها فجاء هذا اللاحق على ترتيب السابق،
- أو لأن المراد بالتعذيب القطع، وبالمغفرة التجاوز عن حق الله تعالى.
والأول: في الدنيا، والثاني: في الآخرة، فجيء به على ترتيب الوجود، أو لأن المقام مقام الوعيد، أو لأن المقصود وصفه تعالى بالقدرة، والقدرة في تعذيب من يشاء أظهر من القدرة في مغفرته لأنه لا إباء في المغفرة من المغفور، وفي التعذيب إباء بين {وَ?للَّهُ عَلَى? كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} فيقدر على ما ذكر من التعذيب والمغفرة، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها.
***********************
***********************
وفي سورة الفتح ..
وقد كان عز وجل في سياق الآيات يوجه خطابه للمخلفين من الأعراب ..
يقول الله تعالى: "
{سَيَقُولُ لَكَ ?لْمُخَلَّفُونَ مِنَ ?لأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَ?سْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ?للَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ?للَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ( javascript:Open_Menu()) } * { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ?لرَّسُولُ وَ?لْمُؤْمِنُونَ إِلَى? أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ?لسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً ( javascript:Open_Menu()) } * { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِ?للَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً ( javascript:Open_Menu()) } * { وَلِلَّهِ مُلْكُ ?لسَّمَ?وَ?تِ وَ?لأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ?للَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ( javascript:Open_Menu()) } * الآيات " 11 - 12 - 13 - 14 "
فيقول أبو حيان في تفسيره .. البحر المحيط ..
قال مجاهد وغيره: {المخلفون من الأعراب}: هم جهينة، ومزينة، وغفار، وأشجع، والديل، وأسلم.
استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً، ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت. وأحرم هو صلى الله عليه وسلم، وساق معه الهدى ليعلم أنه لا يريد حرباً، ورأى أولئك الأعراب أنه يستقبل عدواً عظيماً من قريش وثقيف وكنانة والقبائل والمجاورين بمكة، ولم يكن الإيمان تمكن من قلوبهم، فقعدوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتخلفوا وقالوا: لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة، ففضحهم الله عز وجل في هذه الآية، وأعلم رسوله صلى الله عليه وسلم بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم.
فقالوا:
{شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا}: وهذا اعتلال منهم عن تخلفهم، أي لم يكن لهم من يقوم بحفظ أموالهم وأهليهم غيرهم، وبدؤا بذكر الأموال، لأن بها قِوام العيش؛ وعطفوا الأهل، لأنهم كانوا يحافظون على حفظ الأهل أكثر من حفظ المال.
ويقول الطاهر بن عاشور في تفسيره: التحرير والتنوير ..
وقدمت المغفرة هنا بقوله: {يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}
ليتقرر معنى الإطماع في نفوسهم فيبتدروا إلى استدراك ما فاتهم.
ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 03:22 م]ـ
أختي الكريمة .. ينابيع ..
وجه لكِ الجواب الأستاذ منذر .. جزاه الله خيراً ..
ونحن لا نفسر القرآن إعتماداً على آرائنا .. بل لا بد من العودة لكتب التفاسير ..
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 08:49 م]ـ
في الحياة العامة على الإنسان العادي أن لا يتكلم من دون علم ولا دليل، وعليه أن يحاول السؤال وتأكيد معلوماته ممن هم أعلم منه، وعليه أن لا ينشر آراءه إذا كان لديه أدنى شك في صحتها.
ليس في السؤال من حرج لأن السؤال من أفضل الطرق لتأكيد المعلومات.
تدبري القرآن الكريم واسألي لأن السؤال عن كتاب الله يؤدي إلى بحث ونقاش وتوسع وعودة إلى مراجع، وفي ذلك فائدة عظيمة للسائل وللمسئول ولكافة الأطراف، علما بأن التعبير عن الفهم الشخصي البريء والبعيد عن الغرض ليس كالقول في كتاب الله بغير علم.
كلنا طلاب علم، والله أعلم،
جزاك الله خيرا، أنا فعلاً أخطأت حينما عرضت رأئي قبل أن أسمع الجواب لكن هذا الخطأ لن يتكرر إن شاء الله.
وجزى الله خيرا الأخت أنوار لقد أبهرني الجواب، نفعنا الله بعلمك وبارك فيك(/)
ما نوع الصور البيانية التالية؟
ـ[محمود الدرويش]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 02:31 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
ما نوع الصور البيانية في القولين التاليين؟
1 - إنَّ مداد القصائد سمٌّ
2 - كسرت بشعري جدار الفضيلة
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 11:41 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذه محاولة:
إنَّ مداد القصائد سمٌّ:
هل هي تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه ووجهه، فتقدير الكلام: إن مداد القصائد كالسم في تأثيره.
كسرت بشعري جدار الفضيلة:
هل فيها استعارة مكنية، إذ شبه الشعر بأداة الهدم، كالفأس مثلا، وحذف المشبة به، وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو الكسر، وهي في ذات الوقت: تبعية، لأنها وقعت في الفعل المشتق: "كسرت".
وقد يقال مثل ذلك في: "جدار": إذ هو كناية عن الحاجز الذي تقي به الفضيلة صاحبها، ولكن الاستعارة هنا تصريحية، إذ حل: "الجدار" محل: "الحاجز" وهي أصلية لأنها وقعت في الاسم الجامد: "جدار".
والله أعلى وأعلم.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 11:50 م]ـ
أرى أن جدار الفضيلة " تشبيه بليغ إضافي "
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 07:25 ص]ـ
أحسن الله إليك أخي البحر.
هل من مزيد شرح للتشبيه البليغ الإضافي مع مثال موضح، أو أمثلة إن سمح وقتك!!!.
وجزاك الله خيرا.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 01:48 م]ـ
التشبيه البليغ الإضافي أحد أنواع التشبيه البليغ وكما تعرف أنه يأتي على أشكال عدة منها:
مبتدأ وخبره "العلم نور"
على شكل حال: بدت قمرا ومالت خوط بان ... ورنت غزالا وفاحت عنبرا
وقد يأتي على شكل مفعول مطلق: سار المقاتل سير الأسد
وأحد أشكال التشبيه البليغ أن يأتي على شكل مضاف ومضاف إليه ومفي هذه الحال
يأتي المشبه به مضافا والمشبه مضافا إليه كقول الجواهري:
سلام على نبعة الصامدين ... تعاصت على معول الكاسر
هنا شبه الصامدين بالنبعة "الشجرة"
وقول أبي ريشة:
كم لنا من ميسلون نفضت ... عن جناحيها غبار التعب
وهنا شبه التعب بالغبار
وقد يشتبه هذا النوع بالاستعارة ولكن هناك فرق بينهما
عندما تشبه بجزء من كل فالصورة استعارة مثلا لو قال الجواهري: "جذور الصامدين" لقلنا أنه شبه بالشجرة وحذف المشبه به وترك الجذور دلالة عليه وهذه استعارة
فالجذور جزء من كل
أما الشجرة هي الكل
وتقول سعاد صباح في القصيدة التي اقتبس منها الأخ السائل:
يقولون: إني اقتلعت بشعري جذور النفاق
هنا شبهت بالجذور التي هي جزء من كل بالتالي الصورة استعارة مكنية.
ارتجلت هذه المعلومات ارتجالا وقد آتنيك بما يشفي الغليل من كتب البلاغة.
والله تعالى أعلم(/)
أرجو المساعدة
ـ[زوجة اعظم رجل]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 02:29 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
انا جديدة عهد بالتدريس طوال سنواتي السابقة وانا ادرس المرحلة المتوسطة الرياضيات والعلوم لعدم وجود متخصصة لهذه المناهج وسوف ابدا بتدريس تخصصي لاول مرة منذ 5 سنوات وسوف ادرس الصف الاول ثانوي فعذرا ان اثقلت عليكم ....... .........
الدرس الذي ساشرحه واسال الله ان يعينني هو درس الخبر والانشاء للصف الاول ثانوي
كيف اشرح الدرس هل ااتي بامثلة خارجية .... لان امثلة الكتاب غير واضحة .....
وهل استطيع ان اضع في هذا الدرس جدول لتبسيطة كالنحو مثلا؟؟؟؟؟؟
وسؤال اخر ماهي الطريقة المناسبة لشرح البلاغة ....... انا محتاجة لمن يساعدني ارجوكم ولكم جزيل الشكر ...........
ـ[أم سارة_2]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 02:43 م]ـ
لعل قول الله تعالى (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ) خير ما يُبدأُ به.
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 04:57 م]ـ
.. أختي الفاضلة .. ذكر القزويني في كتابه [الإيضاح في علوم البلاغة] تلخيصا رائعا لفروع قسم المعاني في البلاغة فذكر هذه الشجرة:
أقسام علم المعاني:
* ثم المقصود من علم المعاني منحصر في ثمانية أبواب:
ـ أولها: أحوال الإسناد الخبري
ـ ثانيها: أحوال المسند إليه
ـ ثالثها: أحوال المسند
ـ رابعها: أحوال متعلقات الفعل
ـ خامسها: القصر
ـ سادسها: الإنشاء
ـ سابعها: الفصل و الوصل
ـ ثامنها: الإيجاز و الإطناب و المساواة
ثم ذكر تلخيصا لهذه الأبواب بكلام مبسط فقال:
.. ووجه الحصر: أن الكلام إما خبر أو إنشاء، لأنه إما أن يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه، أو لا يكون لها خارج. الأول الخبر، و الثاني الإنشاء، ثم الخبر لا بد له من إسناد و مسند إليه، و أحوال هذه الثلاثة هي الأبواب الثلاثة الأولى. ثم المسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلا، أو متصلا به، أو في معناه، كاسم الفاعل و نحوه، و هذا هو الباب الرابع. ثم الإسناد و التعلق كل واحد ٍ منهما يكون إما بقصر، أو بغير قصر، و هذا هو الباب الخامس. و الإنشاء هو الباب السادس، ثم الجملة إذا قرنت بأخرى فتكون الثانية إما معطوفة على الأولى، أو غير معطوفة ٍ، و هذا هو الباب السابع. و لفظ الكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة، أو غير زائد ٍ عليه، و هذا هو الباب الثامن.
.. و الأفضل هو الإبتداء مع الطلبة بجملة [الكلام إما خبر أو إنشاء] و إعطاء أمثلة على الخبر و أمثلة على الإنشاء .. كما هو معروف فالخبر هو جمل تحتمل التصديق و تحتمل التكذيب .. و الإنشاء هي جمل لا تحتمل التصديق و التكذيب كالأسئلة و النداءات و الأوامر و النهي .. و من هنا تكون التوسعة إن شاء الله .. أتمنى أنني قدمت شيئا نفعك أختي الفاضلة:) ..(/)
ما الفرق؟
ـ[أخفش عصره]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 05:29 م]ـ
:::
ما اللمسة البلاغية في حذف نون تكن في قوله تعالى ((ولا تك في ضيق مما يكمرون)) في سورة النحل الأية 127
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 10:56 م]ـ
*ما اللمسة البيانية في حذف نون (تكن) في قوله تعالى (ولا تك في ضيق مما يمكرون)!!؟
(د. فاضل السامرائى):
الحكم النحوي: جواز الحذف إذا كان الفعل مجزوماً بالسكون ولم يليه ساكن أو ضمير متصل. متى ما كان الفعل (كان) مجزوماً ويليه حرف متحرك ليس ساكناً على أن لا يكون ضميراً متصلاً يجوز فيه الحذف (يمكن القول لم يكن ولم يك) فتحذف النون تخفيفاً.
إما إذا كان ما بعده ساكناً فلا يجوز الحذف (لم يكن الرجل) لا يمكن القول لم يك الرجل.
ولا يجوز الحذف أيضاً لو كان ضمير متصل (لم يكن هو) لا يجوز قول لم يك هو.
إذن من حيث الحكم النحوي يجوز حذف النون ..
أما السبب البياني: على العموم سواء في (يكن) أو في غيرها من الحذوف (تفرّق وتتفرق) (اسطاعوا واستطاعوا) (تنزّل وتتنزّل) في القرآن الكريم يوجد حذوف كثيرة يجمعها أمرين: هل هي في مقام إيجاز وتفصيل أو هل الفعل مكتمل أو غير مكتمل. عندما يأتي بالصيغة كاملة يكون الحذف أتمّ. إذا كان الشيء مكتملاً لا يُقتطع منه وإذا كان غير مكتمل يُقتطع منه.
والآن نستعرض مثالين وردا في القرآن الكريم الأول في سورة النحل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127}) والثاني في سورة النمل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {69} وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {70})
آية سورة النحل نزلت على الرسول ? بعدما مثّل المشركون بحمزة عمّ الرسول في غزوة أُحُد فحزن الرسول ? عليه حزناً شديداً وقال لأمثّلن بسبعين رجلاً من المشركين فنزلت الآية تطلب من الرسول ? أن يعاقب بمثل ما عوقب به وأراد أن يُذهب الحزن من قلبه ولا يبقى فيه من الحزن شيء، وقوله تعالى (ولا تك في ضيق) بمعنى احذف الضيق من نفسك ولا تبقي شيئاً منه أبدا أي أن المطلوب ليس فقط عدم الحزن لكن مسح ونفي أي شيء من الحزن يمكن أن يكون في قلب الرسول ? فحذفت النون من الفعل. أما في آية سورة النمل فالآيات في دعوة الناس للسير في الأرض والتفكّر والمقام ليس مقام تصبير هنا فجاء الفعل مكتملاً (ولا تكن في ضيق).
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 11:00 م]ـ
*وفى إجابة أخرى للدكتور فاضل السامرائى:
في النهي عندما تقول لا تك أي تطلب منه النهي بقوة على أن لا يحصل من الفعل شيء مثال: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل) هذه الآية معروفة أنها نزلت بعد معركة أُحد عندما مرّ ? بحمزة وقال والله لأمثلن بسبعين فأنزل الله تعالى الآية (ولا تك) أي إمسح هذا الأمر من نفسك تماماً ولا تفكر به ولا تبقي منه شيئاً وهذا تهوين له إحذف هذا الأمر من نفسك تماماً.
قال تعالى في آية أخرى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (70) النمل) تمشي في الأرض هذا ليس مثل حمزة عم الرسول ? فلا يكون النهي بتلك المنزلة.
هناك طلب أن لا يحصل لتهوين الأمر وتخفيفه عليه. حتى في النفي لما يوغل في حصول النفي بحيث لم يحصل منه شيئاً يقول (تك) قول مريم (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) مريم) أي لم يحصل شيء من هذا، الفعل لم يتم أصلاً، نفي تماماً لم يحصل منه شيء لا مقدمات ولا معقبات ولا بوادر ولا شيء، الأمر برمّته منفي. مع زكريا قال (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) مريم) ليست بمثل تلك نحن لا نعلم عندما كان يدعو هل كانت تأتي كلها مائة بالمائة أم يأتي قسم منها هي ليست مثل تلك. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) النحل) وقال (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) القيامة) هذا في طور التكوين لم يكتمل الفعل، لما قال تعالى على الإنسان (ألم يكن نطفة) ما صار بعد وإنما يحتاج ليلتقي بالبويضة ليصير مضغة، لم يك أي هو قسم فقط لأن النطفة ماء الرجل فقط، لم يكتمل بعد ولا يكتمل إلا إذا التقى البويضة، إذا اكتمل الخلق اكتمل الفعل.
(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان) في الأولى قال (تك) بحذف النون وأثبتها في الثانية (فتكن). الأولى لم يذكر لها مكان بينما الثانية ذكر لها مكاناً واستقرّت فاستقرّت النون.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[01 - 03 - 2009, 12:38 ص]ـ
اللمسة البيانية في حذف نون يكن وتكن
ومن هذا كله أفهم باختصار أن قطع النون من (يكن) و (تكن) يفيد القطع والجزم والحزم والتأكيد والمفارقة، ويشير إلى أهمية السياق وعظمته، مع الدعوة الضمنية إلى اطمئنان النفس لأن الأمر قطعي وأكيد وبديهي ومفروغ منه وتحصيل حاصل فلا يكون في النفس أدنى شك فيه.
وقال (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37 القيامة)
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120 النحل)
(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16 لقمان)
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127 النحل)
وجزاكم الله عنا كل خير،
و:; allh
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[01 - 03 - 2009, 05:53 ص]ـ
اللمسة البيانية في حذف نون يكن وتكن
ومن هذا كله أفهم باختصار أن قطع النون من (يكن) و (تكن) يفيد القطع والجزم والحزم والتأكيد والمفارقة، ويشير إلى أهمية السياق وعظمته، مع الدعوة الضمنية إلى اطمئنان النفس لأن الأمر قطعي وأكيد وبديهي ومفروغ منه وتحصيل حاصل فلا يكون في النفس أدنى شك فيه.
وقال (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37 القيامة)
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120 النحل)
(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16 لقمان)
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127 النحل)
وجزاكم الله عنا كل خير،
و:; allh
هلا وغلا وألف مرحبا بشيخنا الحبيب الأستاذ اللغوي منذر
وشكرا لك، وبارك الله فيك
ودمت بودٍّ
ـ[أخفش عصره]ــــــــ[01 - 03 - 2009, 07:12 م]ـ
أشكركم جزيل الشكر وجعل ماذكرتم من علم في ميزين حسناتكم
ـ[الكردي]ــــــــ[12 - 03 - 2009, 08:52 م]ـ
من اي كتب د. فاضل السامرائى
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[12 - 03 - 2009, 09:16 م]ـ
أستاذنا مروان
جزاك الله خيرا
ذكرتَ ضرورة ألا يلي الفعل حرف ساكن أو ضمير متصل، لكنك مثّلتَ بضمير منفصل،
لم يكن هو
أرجو التوضيح، مع شكري لك(/)
ماذا يقصد الجاحظ بهذه العبارة؟
ـ[فيض طفولة]ــــــــ[02 - 03 - 2009, 07:52 م]ـ
:::
~
أحبتي أحببتُ أن أستفسر،،
بخصوص عبارة اقتبستها من كتاب الجاحظ {الحيوان ~
من موضوع القاضي والذبابة ..
[أشهد أن الذباب ألح من الخنفساء وأزهى من الغراب!
فماذا كان يقصد بعبارته هذه؟ .. أرجو التوضيح ( ops
وجزاكم الله خيرا مقدما ..
ـ[مسعود]ــــــــ[02 - 03 - 2009, 08:16 م]ـ
من شأن الخنفساء أن تلح في طلب الشيء، وكذلك الغراب من شأنه الزهو وهو الاختيال كما نرى ذلك في طريقة مشيه، وضُرب المثل بهما في ذلك. فذكر القاضي أن الذباب أشد منهما في ذلك، فهو مُلِح حتى لو طُرد ومزهو يقع على علية الناس حتى ربما وقع على الملوك كما سيذكر الجاحظ نفسه في موضع من كتابه الماتع.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[02 - 03 - 2009, 09:03 م]ـ
شكرا أخي مسعود
ويقال ألج من الخنفساء وأشد لجاجة من الخنفساء والخنفساء تطرد فترجع مرارا.
ـ[فوّاز30]ــــــــ[03 - 03 - 2009, 02:23 ص]ـ
لاتعرف اليأس هذه الخنفساء ..
لحكمة ..
ابن آدم تعلم من الغراب!
ـ[محب البيان]ــــــــ[20 - 03 - 2009, 02:14 م]ـ
يقولون أن الذباب سمي بهذا الاسم لأنه كلما ذب آب أي كلما أبعدته عنك عاد من جديد
والله أعلم ..
ـ[سراب]ــــــــ[30 - 03 - 2009, 10:44 ص]ـ
أجد أن هذه العبارة تدل على نظرته التشاؤمية فقد ذكر الذباب - الخنفساء - الغراب / ومدح الذباب ومن المعروف أن الذباب مصدر إزعاج للانسان , ألح من الخنفساء اي اكثرها عِناداً وإزعاجاً , ومن الغريب أيضاً إستخدام الغراب كرمزاً للزهو , ولكن كان التشبيه قريب لكون الذباب والغراب باللون الاسود وقدرتهما أيضاً على الطيران بالإضافة إلى الجناس بينهما.
ارجوا أن تكون كلماتي ذات فائدة ولو بقدر بسيط
وشكراً(/)
ضابط يميز الجناس من المشاكلة
ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 03 - 2009, 07:57 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل من ضابط يميز الجناس من المشاكلة ففي كليهما تشابه بين اللفظين من جهة اشتقاقهما من مادة واحدة.
وجزاكم الله خيرا.(/)
استجداء للمهتمين بالبلاغة القرآنية
ـ[سمر بندر]ــــــــ[04 - 03 - 2009, 01:04 ص]ـ
السلام عليكم ..
استجداء للمهتمين بالبلاغة القرآنية
بداية، أشكر القائمين على هذا المنتدى الشكر الجزيل
وبعد، أود أن أستفسر حول إمكانية عرض موضوع بحث، أو عرض بعض التساؤلات حول بعض فقرات البحث، رغبةً مني في إيجاد بعض الدوافع التي تساعدني في إنهاء الكتابة وسرعة الإنجاز.
مع العلم أن الوقت يداهمني، وأنا في أمس الحاجة للمساعدة من المهتمين بالبلاغة القرآنية ..
للسادة المسؤولين عن المنتدى، أتمنى أن يلقى موضوعي نصيباً من الاهتمام.
شاكرة ً لكم ومقدرة(/)
هل يصح استعمال الصور البيانية في الأسلوب العلمي؟
ـ[معتوق]ــــــــ[04 - 03 - 2009, 11:50 ص]ـ
أيها الفضلاء
هل استعمال الصور البيانية تضفي إلى الأسلوب العلمي جمالا وسحرا؟
أم أن استعمال الصور البيانية في الأسلوب العلمي يعد معيبا؟
أفيدونا وجزاكم الله خيرا.
ـ[نون النسوة]ــــــــ[04 - 03 - 2009, 05:49 م]ـ
لابد للكتابة العلمية أن تكون واضحة تماما لا تتخلها كلمة تحتمل الالتباس
والصور البيانية مجاز
نادرا ما أجدها في الكتابة العلمية وإن وجدت فهي قليلة جدا (أجدها عند بعض الناقدين)
أظنها تعد عيبا في هذا النوع من الخطاب أو بعبارة أدق كثرتها
رأي شخصي وأنتظر الرد معك من أهل العلم والخبرة
ـ[زُمرد]ــــــــ[06 - 03 - 2009, 07:40 ص]ـ
"
مرحبآ آخي معتوق ,,
آثنآء كتابتي لـ بحوثي , نبهت من قبل الدكتوره
ان يكون اسلوب الكتابه واضح وصريح بعيد
عن التأويل ..
.
وبالتوفيق آخي .. :)(/)
ما نمط هذا النص يا سادتي أهو السرد أم الاخبار؟
ـ[هرمز]ــــــــ[04 - 03 - 2009, 07:47 م]ـ
السلام عليكم لقد احتار مجموعة من الاساتذة في تحديد نمط هذا النص ارجو أن تساعدوني لتحديد نمطه أما انا فقلت لهم ان نمطه الغالب فهو سرد لحدث فما قولكم. وشكرا.
النص:
ركض الناس و جوانب الطريق مذعورين. وقد كان القصف يتلاحق و القنابل تنهال، فإذا بي ألقى صبيا في سنته الأولى مطروحا و الطريق، فما استطعت ان ادعه، فحملته بين ازيز الرصاص، ودوي القنابل، ورعد الطائرات، وسرت به وجدران المنازل الى اقرب ملجا.
ورايت في الملجا رجلا يسال ابنه كيف انت و اخوتك وسمعت صوتا يقول: ما للإنسان و الحرب!(/)
مالفرق بين خلاق ونصيب في القران الكريم
ـ[الطائر العراقي]ــــــــ[07 - 03 - 2009, 10:28 ص]ـ
:::
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} الشورى20
{فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} البقرة200
السؤال هو: مالفرق بين خلاق ونصيب؟
السؤال مرتبط ببحث التخرج الذي اكتبه فيرجى المساهمة لنصل الى نتائج طيبة
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[07 - 03 - 2009, 02:03 م]ـ
في فروق العسكري ص160
الفرق بين الخلاق والنصيب: أن الخلاق النصيب الوافر من الخير خاصة بالتقدير لصاحبه أن يكون نصيبا له، لأن إشتقاقه من الخلق وهو التقدير، ويجوز أن يكون من الخلق لأنه مما يوجبه الخلق الحسن.(/)
المصدر/ الفعل المؤول
ـ[تقوى الله]ــــــــ[07 - 03 - 2009, 02:37 م]ـ
السلام عليكم،
أود معرفة أيهما أقوى/ أجمل/ أكثر بلاغة في اللغة العربية، هل هو استخدام المصدر مباشرة أم استخدام أن المصدرية مع الفعل في تأويل المصدر
وأعطي مثالًا يوضح سؤالي،
1 - أريد أن أحفظ القرآن
2 - أريد حفظ القرآن.
أي القولين خير؟
مع وافر الشكر والتقدير.
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 12:22 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
ولك وافر الشكر والتقدير:
المصدر المؤول من: "أن" وما دخلت عليه أقوى من جهة الدلالة المعنوية، كما في قوله تعالى: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)، فهو أدعى إلى استحضار معنى الصوم، فينكف الصائم بذلك عما يبطل صيامه أو يخدشه. فذلك أبلغ من قولك في غير القرآن: وصيامكم خير لكم.
ومثله قوله تعالى: (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)، فإن نكاح الإماء ليس بالأمر المستحب، وإن لم يكن محرما، بل قد نزله بعض أهل العلم منزلة الضرورة التي تقدر بقدرها، ونظيره في حال العاجز عن نكاح الحرة: الصبر حتى ييسر الله، عز وجل، له نكاح الحرة، فناسب التأكيد على معنى الصبر من جهة استحضار معناه باستمرار أن يضاغ من المصدر المؤول فهو آكد من قولك في غير القرآن: الصبر خير لكم.
ومثله قوله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، فإن المقام مقام شح إذ حدث الطلاق بعد فرض المهر، فالنفس عندئذ تجنح إلى استيفاء حقها وربما حملها ذلك على البغي والطغيان الذي هو من طبيعتها الجبلية، فناسب ذلك أن يرد الحث على العفو بصيغة المصدر المؤول من: "أن" وما دخلت عليه استحضارا لمعناه.
ومثله المصدر المؤل بـ: "إن" المؤكدة وما دخلت عليه في نحو قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، فهو آكد من قولك في غير القرآن: واعلموا معية الله الخاصة المقتضية للنصر والتأييد ملازمة للمتقين.
وعليه يكون قولك: "أن أحفظ" آكد في الإرادة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 12:26 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم.
أما الأجمل والأقوى فهذا بوجه عام لا يحكم عليه إلا من خلال سياق معين، فقد يكون جميلا في سياق ما لا يجمل في سياق آخر، بحسب الأثر المطلوب إنشاؤه في نفس المتلقي.
أما بالنسبة لاستخدام المصدر المؤول والمصدر الصريح، فالمصدر المؤول يعطي زيادة لا يعطيها المصدر الصريح كالزمن والفاعل.
لو قلت يعجبني صدق القول يفهم منه إعجابي بصدق القول فحسب
يعجبني أن صدقتَ القول دل على إعجابي بصدقك القول في الزمن الماضي
يعجبني أن تصدق القول دل على إعجابي بصدقك القول حالا أو مستقبلا
ـ[تقوى الله]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 05:14 م]ـ
نعم، واضح جدًا ...
كفيتم ووفيتم بإجابتكم، فجزاكم الله خيرًا.(/)
" أنعم " و " نعم " في القرآن الكريم.
ـ[أبو الفضل الحوراني]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 11:43 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الأخوة الكرام ... حفظكم الله
قال تعالى: " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا و لم يك من المشركين. شاكرا لأنعمه اجتباه و هداه إلى سراط مستقيم " سورة النحل 16/ 120،121.
و قال تعالى: " ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض و أسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة " سورة لقمان 31/ 20.
السؤال المطروح للبحث و المناقشة:
لم استخدم الجمع " أنعم " في الآية الأولى، و " نعم " في الآية الثانية؟
أرجو أن تكون الأجوبة مدعمة بالأدلة ما أمكن، و لكم موفور الشكر، و بارك الله فيكم.
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 07:30 م]ـ
جمع القلة (أنعم) يعني العدد القليل من النعم، وهو لذلك يتناسب مع مقام الشكر لأن النعم كلما كثرت صعب شكرها. وجمع الكثرة (نعم) يعني العدد الكثير من النعم، وهو لذلك يتناسب مع مقام تعداد النعم الكثيرة التي أسبغها الله على عباده. وهذا ما أشار إليه الدكتور فاضل السامرائي في أحدى كتاباته.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[10 - 04 - 2009, 03:35 م]ـ
أنعم إما أن يكون جمع قلة لنعمة، وتكون النعمة جنسا، كما في قوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فيكون بمثابة جمع جمع غير قابل للحصر، أو يكون جمع قلة لنعم بضم النون بمعنى النعيم، والنعيم أيضا اسم جنس بمثابة جمع غير قابل للحصر.
وقد يكون جمع نعمة مفردة إشارة إلى النعم الثلاث المذكورة في الآية، وهي: القنوت، والحنيفية، والتوحيد، أي: شاكرا لهذه الأنعم الثلاثة التي من الله بها عليه، عليه السلام. وهذا ما أرجحه. والله أعلم.
ـ[ايمن احمد جاويش]ــــــــ[12 - 04 - 2009, 01:47 ص]ـ
لفظة اسبغ فيها ايحاء بالكثرة فيلائمها الجمع الكثير (نعم)
اما أنعم وهي جمع القلة يناسبها المقدرة علي الشكر من سيدنا ابراهيم وهو فرد وليس جمع كما في الاية السابقة (اسبغ عليكم نعمه) فهو يخاطب الجمع والله اعلم
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[13 - 04 - 2009, 08:46 ص]ـ
لفظة اسبغ فيها ايحاء بالكثرة فيلائمها الجمع الكثير (نعم)
اما أنعم وهي جمع القلة يناسبها المقدرة علي الشكر من سيدنا ابراهيم وهو فرد وليس جمع كما في الاية السابقة (اسبغ عليكم نعمه) فهو يخاطب الجمع والله اعلم
تعليلُ ورود جمع القلة بكون سيدنا إبراهيم فردا وهمٌ، فقد وردت الأنعم في آية أخرى والمحدث عنهم قرية كاملة:
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
ثم الشكر يكون بحسب الطاقة البشرية، فسيدنا إبراهيم كان شاكرا للنعم كلها بحسب طاقته، فلا معنى لأن يقال: استعمل جمع القلة ليكون سيدنا إبراهيم قادرا على شكرها، هذا وهم بلا شك.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[16 - 04 - 2009, 01:07 م]ـ
شكرا للدكتور العزيز بهاء الدين عبد الرحمن على بيانه الجميل.
{شَاكِراً لأَنْعُمِهِ}
يوجد جمال بياني في مجيء جمع القلة (أنعم) في قوله تعالى {شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ} , فنبي الله إبراهيم عليه السلام شاكر لأنعم الله حتى القليلة منها فكيف بالكثيرة, والمعنى أنمه عليه السلام لم يكن يخل بشكر أي نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى عليه.(/)
ما الفرق بين " سقاهم " و " أسقيناكم "؟
ـ[أبو الفضل الحوراني]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 11:50 ص]ـ
في قوله تعالى: " و سقاهم ربهم شرابا طهورا " سورة الإنسان 76/ 21
و قوله تعالى " و أسقيناكم ماء فراتا " سورة المرسلات 77/ 27
مع فائق الاحترام و التقدير لكم جميعا، و بارك الله فيكم.
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 01:21 م]ـ
سقى أسقى
زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، والألفاظ المترادفة تدل على معان مختلفة، فإذا وردت صيغتان بمعنى واحد، فلابد من فرق دلالي بينهما.
سقى: تقال في سياق الشراب عندما يكون جاهزا للشرب، حيث تتم عملية السقيا بشكل مباشر بسيط، وبدون أية إجراءات فرعية أو تدابير إضافية معقدة. ?وسقاهم ربهم شرابا طهورا? - (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً) – (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ).
أسقى: يوفر الساقي إمكانية السقيا للمسقي، ويترك له زمام المبادرة، واتخاذ بعض الخطوات والتدابير الإضافية بما فيها من تعقيدات من أجل إتمام عملية السقيا بمختلف أشكالها. (فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ) - ?وأسقيناكم ماء فراتا? - ?لأسقيناكم ماء غدقا?.
قال سيبويه: "سقيته فشرب، وأسقيته جعلت له ماء وسقيا، فسقيته مثل كسوته، وأسقيته مثل ألبسته".
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 05:24 م]ـ
سقى أسقى
زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، والألفاظ المترادفة تدل على معان مختلفة، فإذا وردت صيغتان بمعنى واحد، فلابد من فرق دلالي بينهما.
سقى: تقال في سياق الشراب عندما يكون جاهزا للشرب، حيث تتم عملية السقيا بشكل مباشر بسيط، وبدون أية إجراءات فرعية أو تدابير إضافية معقدة. ?وسقاهم ربهم شرابا طهورا? - (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً) – (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ).
أسقى: يوفر الساقي إمكانية السقيا للمسقي، ويترك له زمام المبادرة، واتخاذ بعض الخطوات والتدابير الإضافية بما فيها من تعقيدات من أجل إتمام عملية السقيا بمختلف أشكالها. (فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ) - ?وأسقيناكم ماء فراتا? - ?لأسقيناكم ماء غدقا?.
قال سيبويه: "سقيته فشرب، وأسقيته جعلت له ماء وسقيا، فسقيته مثل كسوته، وأسقيته مثل ألبسته".
1 - الآيتان الكريمتان المحددتان باللون الأزرق مع (أسقى) لا (سقى)، لأن حرف المضارعة لا يضم إلا مع الرباعي فقط.
2 - قال السيوطي رحمه الله في الإتقان: (ومن ذلك سقى وأسقى، فالأول لما لا كلفة فيه، ولهذا ذكر في شراب الجنة، نحو " وسقاهم ربهم شرابا طهورا" والثاني لما فيه كلفة، ولهذا ذكر في ماء الدنيا نحو "لأسقيناهم ماء غدقا"(/)
تسيل/ تسح
ـ[تقوى الله]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 05:26 م]ـ
السلام عليكم،
هل من معاجم توضح لنا الفرق بين الأفعال/ الأسماء المترادفة؟
مثال: أريد أن أقول
1 - حبات المطر تسح على زجاج النافذة
2 - حبات المطر تسيل على زجاج النافذة
بالنسبة لرأيي الشخصي، وليس لدي دليل عليه للأسف، أن
1 - تسح تعطي إحساسًا بالبطء بالحركة
2 - تسيل تعطي إحساسًا بسرعة انهمار حبات المطر على الزجاج.
هل أنا محقة؟
وهل هناك كتب/ معاجم توضح الفروق بين المترادفات، أم القراءة هي الحل.(/)
من غرائب اللغة
ـ[العوضي]ــــــــ[09 - 03 - 2009, 03:24 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين
من العجائب أن عدد الأحرف المعجمة التي وردت في أوائل سور القرآن الكريم أربعة عشر حرفا وهي المجموعه اجمالا في (طرق سمعك النصيحه) أو (من قطعك صله سحيرا) وهو ما يساوي نصف عدد أحرف اللغه؟؟؟ فهل أجد عند أهل الفصيح تفسيرا مسندا أرجو الأفاده جزاكم الله خيرا والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[10 - 03 - 2009, 01:56 م]ـ
سؤال مهم، وأنا انتظر الإجابة معك.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[11 - 03 - 2009, 11:43 ص]ـ
وبعضهم جمعها في " نصر حكيم قاطع له سر"
ولكن كونها نصف حروف العربية، فالأمريحتاج إلى بيان العلة
ـ[العوضي]ــــــــ[15 - 03 - 2009, 11:54 م]ـ
السلام عليكم يا اهل الفصيح ... لازلت انتظر الاجابه وانا علي ثقه من امتلاككم للغتنا وادواتها .. فقط ارجو البحث في كتب الاصول وكتب التراث التي بحوزتكم .. واشكر اخواني (شاعر وطارق لمشاركتي في البحث عن اجابة للسؤال) .. فهل من مجيب
ـ[العوضي]ــــــــ[14 - 01 - 2010, 08:02 م]ـ
ولن أبرح الباب حتي تصلني منكم اجابه يا أهل الفصيح ..... أنا مصر علي سؤالي لثقتي
بأنني لن أجد للسؤال اجابة الا عند اهل الفصيح ... فقط ارجو المحاوله أعزائي الأفاضل
. من فضلكم حاولوا مرة أخري
ـ[الطالب2]ــــــــ[18 - 01 - 2010, 01:34 ص]ـ
السلام عليكم حروف اللغة العربية كما عهدناها28 حرفا على الارجح فالحروف الاربعة عشر حرفا علىالاولى يجمعها قولك نص حكيم له سر قاطع\\ و فعلا هده الحروف لها سر لانها نورانية حتى دهب بعض الجاهليين ان كتبها على الاصنام لتجلب عبادها اما ما تبقى من الحروف و منها فجشتظخز التى خلت منها فاتحة الكتاب و تسمى سواقط الفاتحة عد الى كتاب ابن جنى لتعرف اكثر عن خصائص الحروف ان ما كتبته نقلا للاستئناس فقط تامله جيدا
ـ[مائى]ــــــــ[21 - 01 - 2010, 06:26 ص]ـ
ولن أبرح الباب حتي تصلني منكم اجابه يا أهل الفصيح ..... أنا مصر علي سؤالي لثقتي
بأنني لن أجد للسؤال اجابة الا عند اهل الفصيح ... فقط ارجو المحاوله أعزائي الأفاضل
. من فضلكم حاولوا مرة أخري
ستجد بغيتك أخى الحبيب - إن شاء الله تعالى - فى كتاب إعجاز القرآن للباقلانى .....
وهذا طرف من كلامه " والمعنى التاسع ص 66: " أن الحروف التى بنى عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفا، وعدد السور التى افتتح فيها بذكر الحروف ثمانية وعشرون سورة وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة، وهو أربعة عشر حرفا، ليدل بالمذكور على غيره، وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التى ينظمون بها كلامهم " ............... "
وهذا رابط تحميل الكتاب الكترونيا:
صيد الفوائد saaid.net (http://saaid.net/book/open.php?cat=104&book=1423)
نفعنا الله واياكم بما فيه ... آمين
ـ[العوضي]ــــــــ[26 - 01 - 2010, 11:05 م]ـ
بارك الله فيكم اعزائي واخواني الطالب 2 // مائي جزاكم الله خيرا. قد أثقلت عليكم .. شكرا لرحابة صدوركم واهتمامكم باخوانكم ... ويعجز اللسان عن تقديم كلمات الشكر لكم ... ودعائي لكم بظهر الغيب ....(/)
جهود الأشاعرة في علم البلاغة - الباقلاني نموذجا
ـ[عمر خطاب]ــــــــ[11 - 03 - 2009, 10:47 ص]ـ
جهود الأشاعرة في علم البلاغة – الباقلاني نموذجًا
التعريف بالباقلاني:
هو: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، القاضي، أبو بكر الباقلاني البصري، المتكلم المشهور، ولد سنة 338 هـ ونشأ بمدينة البصرة، كان تلميذا لأبي الحسن الأشعري، مؤيدا لمنهجه واعتقاده، وناصرا طريقته ... كان أوحد زمانه، وانتهت إليه الرياسة في مذهبه، وكان موصوفا بجودة الاستنباط، وسرعة الجواب، كثير التطويل في المناظرة، مشهورا بذلك عند الجماعة. وقد ساهم في علوم عديدة حتى أطلق عليه (سيف أهل السنة في زمانه، وإمام متكلمي أهل الحق في وقته، ولسان الأمة، المتكلم على مذهب المثبتة وأهل الحديث، وطريقة أبي الحسن الأشعري).
وقد وجهه عضد الدولة سفيرًا عنه إلى ملك الروم، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية بين يدي ملكها.
وللباقلاني مؤلفات عديدة تقارب الخمسين كتابا كما ذكرتها كتب التراجم التي ترجمت له، وأهمهما: (إعجاز القرآن الكريم) و (الإنصاف) و (دقائق الكلام) و (الملل والنحل) و (هداية المرشدين) و (الاستبصار) و (التمهيد، في الرد على الملحدة والمعطلة والخوارج والمعتزلة) ... وغير ذلك.
توفي رحمه الله ودفن في بغداد سنة 403 هـ
جهود الباقلاني في البحث البلاغي:
اهتم كتابه إعجاز القرآن بقضايا الإعجاز القرآني، وهو من أنضج الكتب التي ألف حول الإعجاز، إلا أنه في الوقت ذاته من المصادر البلاغية الأساسية، التي أسهمت في تحديد مسار البلاغة.
إن القضايا البلاغية ومباحثها المتعددة، تختلط في الكتاب بالقضايا الكلامية اختلاطا متوازنا، فتنفرد القضايا البلاغية ببعض الفصول، وكذلك الفصل الطويل الذي خصصه للحديث عن البديع من الكلام، وذلك في الفصل الأخير عن (وصف وجوه البلاغة) الذي يتتبع فيه وجوه البلاغة العشرة، التي سبق أن أوردها الرماني في كتابه (النكت في إعجاز القرآن).
وتنفرد القضايا الكلامية ببعض فصول الكتاب، كذلك الفصل الذي عده في أول الكتاب عن: أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم معجزتها القرآن، والبعض الثالث من فصول الكتاب شركة بين القضايا البلاغية والقضايا الكلامية، كالفصل الذي كتبه عن (جملة وجوه إعجاز القرآن) حيث يحصر الإعجاز القرآني في هذا الفصل في مجموعة وجوه، بعضها كلامي، وبعضها بلاغي.
والذي يهمنا هو التعرف على المباحث البلاغية في كتابه (إعجاز القرآن) ومدى تمثلها لطبيعة عصره، وأن نتعرف على إسهاماته في تطوير البحث البلاغي من ناحية أخرى.
ونظرة فاحصة ي الفصل الذي عقده الباقلاني في (جملة وجوه إعجاز القرآن) نجد أن حدد وجوه الإعجاز في ثلاثة وجوه أساسية، ينقلها عن أساتذته الأشاعرة.
أولها: إخباره الصادق عن الغيوب، الأمر الذي يخرج عن طوق البشر واستطاعتهم.
وثانيها: إخباره عن قصص الماضيين وسِيَر الأمم الخالية منذ عهد آدم عليه السلام، وحتى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم على الرغم من أمية الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم معرفته شيئا من كتب المتقدمين، وقصصهم وأخبارهم.
وثالثها: نظمه البديع، وتأليفه العجيب، وبلاغته المتناهية التي يعجز البشر عن محاكاتها.
بيد أن الباقلاني لا يقف طويلا أمام الوجهين الأولين، بل يوجه جل عنايته إلى الوجوه الثالث (البلاغي) حيث يحاول بطريقته الخاصة – طوال الكتاب – أن يثبت تميز الأسلوب القرآني، والبلاغة القرآنية على أسلوب البشر وبلاغتهم، وينهج في ذلك نهجا جديدا مغايرا للمناهج التي انتهجها السابقون في إثبات الإعجاز البلاغي للقرآن.
فهو يرفض فكرة إثبات الإعجاز البلاغي للقرآن عن طريق ما فيه من بديع، وذلك لأنه على حد تعبيره: «لا سبيل إلى معرفة إعجاز القران من البديع الذي ادّعوه في الشعر ووصفوه فيه وذلك أن هذا الفن ليس فيه ما يخرق العادة ويخرج عن العرف بل يمكن استدراكه بالتعلم والتدرب به والتصنع له كقول الشعر ورصف الخطب وصناعة الرسالة والحذق في البلاغة وله طريق يُسلك ووجه يِقصد وسلم يُرتقى فيه إليه «([1]) أي: أن البديع ببساطة لا يخرج عن طوق البشر، فلا يعجز أي إنسان أن يأتي في كلامه بتشبيه أو استعارة، أو طبا؛ لأن البديع في حد ذاته غير معجز، وإنما المعجز هو الصورة الباهرة التي وجد عليها في
(يُتْبَعُ)
(/)
القرآن، واتساقه مع سائر النظم القرآني اتساقا عجيبا ورائعا، بينما نجد أن الشعر والنثر البشري على يحتوي على التشبيه البليغ أو الاستعارة الجيدة ولكن يوجد إلى جوارها التعبير الساقط، واللفظ المبتذل، وهذا ما أجهد الباقلاني نفسه طوال الكتاب لإثباته.
والباقلاني يستخدم مصطلح البديع بمفهومه العام الشامل الذي كان متعارفا عليه في عصره، فالبديع عنده يشمل كل المباحث والفنون البلاغية، أي: أنه يضم مباحث علوم البلاغة الثلاثة - التي لم تكن في عصره – قد تحددت وتمايزت واستقلت، وهي: البيان، والمعاني، والبديع. فهو مثلا يرى أن الاستعارة والتشبيه من البديع، وهما كما نعلم أصبحا – فيما بعد – من أهم مباحث علم البيان، وهو يعتبر المساواة وبعض صور الإطناب من البديع، ونحن نعلم أنهما أصبحا من موضوعات علم المعاني. وهو يعتبر أن مجموعة من الصور البديعية التي استقرت فيما بعد تحت عنوان البديع، مثل المطابقة والتجنيس، ورد الأعجاز على الصدور وغيرها.
وكما يرفض الباقلاني فكرة التوصل إلى إثبات إعجاز القرآن عن طريق ما فيه من بديع، فإنه يرفض أيضا فكرة التوصل إلى إثبات إعجاز القرآن عن طريق أقسام البلاغة العشرة التي حددها الرماني، حيث عقد فصلا بعنوان (فصل في وصف وجوه البلاغة) لخَّص فيه أقوال الرماني الذي يشير إليه – وإن كان لا يصرح باسمه – حيث يقول (ذكر بعض أهل الأدب والكلام أن البلاغة على عشرة أقسام).
وبعد أن ينتهي من تلخيص آراء الرماني حول هذه المباحث، يشير إلى أن البعض يرى أنه من الممكن التوصل إلى إعجاز القرآن من هذه الوجوه، بيد أنه يرفض هذا الرأي، ثم يقرر أن هذه الوجوه العشرة تنقسم إلى قسمين:
1 - قسم يمكن الوقوع عليه والتعمل له، ويُدرك بالتعلم، فما كان كذلك فلا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن به.
2 - أما القسم الثاني فهو: (ما لا سبيل إليه بالتعمل من البلاغات، فذلك هو الذي يدل على إعجازه.
ويضرب لذلك مثلا، بأننا لو قلنا: بأن ما في القرآن من تشبيه معجز في ذاته، فسوف يعترض علينا بما في الأشعار من تشبيهات رائعة، ويمثل لذلك بما في شعر ابن المعتز من تشبيه بديع يشبه السحر.
وينتهي الباقلاني من ذلك، إلى أن مثل هذه الوجوه البلاغة ليست معجزة في حد ذاتها، وإنما المعجز في هذه الوجوه هو أولا: حسنها البالغ وسموها، وثانيها: ارتباطها واتساقها مع بقية الكلام، على نحو بالغ الروعة والتكامل، بحيث لا يحس القارئ بأي قدر من التفاوت البلاغي، في هذا الكلام الرباني، الذي يضارع بعضه بعضا في البلاغة والفصاحة.
والباقلاني يحصر الوجه البلاغي للإعجاز القرآني (أي: بديع نظمه) في وجوه عشرة، بعضها يرجع إلى القرآن في جملته، وبعضها يرجع إلى بعض أساليبه، وبعضها يرجع إلى مفرداته، وبعضها يرجع إلى حروفه.
وإن كان لا يصنف هذه الوجوه العشرة على النحو التالي:
1 - فمما يرجع إلى جملته، كونه خارجًا عن المألوف من كلام البشر، والمعروف من تنظيم خطابهم، فليس هو بالشعر، ولا بالنثر، وليس هو بالسجع ... إلى آخر ما هو معروف للبشر من أجناس الكلام، وهو يبذل جهدا كبيرًا في محاولة إثبات مخالفة القرآن في جملته لجنس الكلام البشري.
ومما يرجع إلى جملته أيضا، أنه لم يعهد للعرب كلام يشتمل على ما في القرآن من فصاحة وبلاغة، ومعان في مثل طول القرآن، وإنما عرفت لهم مقطوعات نثرية قصيرة، وقصائد شعرية معدودة لم تخل من نقص وعيب.
ومما يرجع إلى جملته كذلك: أنه على تعدد أغراضه ومراميه من قصص ومواعظ وأحكام، وترغيب وترهيب، لا يتفاوت في بلاغته، فهو دائما على درجة واحدة من البلاغة السامية، بينما نجد أن الشعراء والأدباء المجيدين، إنما يجيدون في بعض الأغراض دون سواها، فالذي يجيد في المدح لا يجيد في الهجاء مثلا، والذي يبرع في الخطب لا يبرع في الحكم والأمثال، ونحو ذلك.
2 - وأما ما يرجع إلى أساليبه، فيذكر من ذلك أن القرآن الكريم، قد اشتمل على كل الأساليب البلاغية، التي تنبني عليها أجناس الكلام البشري، من إيجاز وإطناب، ومجاز وحقيقة، واستعارة وتصريح، كل ذلك مما يتجاوز حدود كلامهم، في الفصاحة والإبداع والبلاغة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويذكر من ذلك أيضا أن بلاغته لا تتفاوت في الانتقال من أسلوب إلى أسلوب، ولا من طريقة من طرق القول إلى طريقة أخرى، ويذكر من ذلك – أخيرًا – أننا إذا أخذنا آية قرآنية ووضعناها في ثنايا أي كلام، نظمًا كان أو نثرا، فإنها تكون هي واسطة العقد في هذا الكلام (كالدرة التي ترى في عقد من الخرز) على حد تعبيره.
3 - وأما ما يرجع إلى مفرداته، فمن ذلك أنه استعمل بعض المفردات في معان ومدلولات جديدة، لم تكن مألوفة في البيئة العربية قبل الإسلام. ومن ذلك أيضا بُعده عن المفردات المستكرهة، الثقيلة على السمع.
4 - وأما ما يرجع إلى حروفه، فهو أن في القرآن ثمان وعشرين سورة افتتحت بحروف مقطعة من الحروف العربية الثمانية والعشرين، وقد اشتملت هذه السور على أربعة عشر حرفا من حروف الهجاء، أي نصف حروف الهجاء، وهذه الحروف الأربعة عشر اشتملت على نصف كل قسم من الأقسام التي انقسمت إليها حروف العربية، حيث اشتملت على نصف حروف الهمس ([2]) ونصف حروف الجهر ([3])، كما اشتملت على نصف حروف الحلق ([4])، ونصف حروف الإطباق ([5])، ونصف الحروف الشديدة ([6]) (الانفجارية).
وهذا التنظيم والتقسيم البديع، هو بدون شك وجه من وجوه الإعجاز الناصعة في القرآن الكريم.
وواضح لنا أن القاسم المشترك بين هذه الوجوه هو مخالفة البيان القرآني لكلام البشر، وهذه هي القضية الأساسية التي شغل الباقلاني (نفسه على امتداد صفحات كتابه) وهو في سبيل إثبات هذه القضية يعمل إلى تحليل بعض النماذج الأدبية الرائعة، التي اتفق الجميع على بلاغتها، ليبين ما فيها من عيوب تعبيرية، ويحلل في مقابل ذلك آيات وسورًا من القرآن، يبين ما فيها من بلاغة لا تتفاوت ولا تهبط.
وفي سبيل تفضيل الأسلوب القرآني على الأسلوب البشري ارتكب الباقلاني ألوانا من التعسف والتكلف، وأجهد نفسه في تمحل العيوب في نماذج الشعر التي اختارها، ولكنه حتى في تعسفه وتحامله كان يصدر عن ذوق نقدي بارع، هو الذي جعله يجرؤ على هذه المهمة الصعبة، فقد كان من بين النماذج التي اختارها وبيان ما فيها من عيوب (معلقة امرئ القيس، وقصيدة البحتري المشهورة). هذا وقد تناثرت خلال الكتاب مجموعة من الآراء البلاغية والنقدية الدقيقة، من مثل نظرته إلى ضرورة وحدة العمل الأدبي، وموقفه من قضية المحسنات البديعية، فللباقلاني موقف على قدر من النضج والتبلور، فيما يتصل بموضوع وحدة العمل الأدبي، وقد تجلى هذا الموقف في أكثر من موضع في الكتاب، وبأكثر من صورة.
موقف الباقلاني من المحسنات البديعية:
إن موقف الباقلاني من قضية (المحسنات البديعية) لم يكن أقل نضجا وتفتحا من موقفه من قضية (وحدة العمل الفني) فهو لا يفتأ يلح على انتقاد هذه المحسنات إذا لم يقتضها المعنى، ويستلزمها السياق الفني، أي: أنه يعد هذه المحسنات أدوات فنية تعبيرية، تكتسب قيمتها الفنية من الدور التعبيري الذي تؤديه، فإذا لم تؤد دورا في العمل الأدبي كانت عيبا من العيوب، وليست مزية من المزايا.
المصدر: كتاب المباحث البلاغية في ضوء قضية الإعجاز القرآني، نشأتها وتطورها حتى القرن السابع الهجري، تأليف الدكتور: أحمد جمال العمري، أستاذ الدراسات القرآنية، ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها بكليتي الآداب والتربية – جامعة الزقازيق، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة.
الهوامش:
([1]) إعجاز القرآن للباقلاني ص 111
([2]) الحروف المهموسة عشرة، هي: الحاء والهاء والخاء والكاف والشين والثاء والفاء والتاء والصاد والسين.
([3]) الحروف المجهورة وهي الحروف غير المهموسة، والمجهورة معناه: أنه حرف أشبع الاعتماد في موضعه.
([4]) حروف الحلق ستة، وهي: العين والحاء والهمزة والهاء والخاء والغين.
([5]) حروف الإطباق أو المطبقة أربعة وهي: الطاء والظاء، والصاد والضاد.
([6]) الحروف الشديدة، هي: التي تمنع الصوت أن يجري فيه، وهي: الهمزة والقاف، والكاف والجيم والظاء، والذال، والطاء، والباء
مرسلة بواسطة عمر خطاب عمر الرشيدي في 08:36 م(/)
هل هناك فرق بلاغي بين العبارتين
ـ[الكردي]ــــــــ[12 - 03 - 2009, 08:49 م]ـ
هل هناك فرق بلاغي بين العبارتين
اكل الطفل تفاحة
الطفل اكل تفاحة
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[12 - 03 - 2009, 09:19 م]ـ
نعم يا أخي، هناك فرق
الجملة الاسمية -الطفل أكل التفاحة - تدل على الثبوت والاستمرار
الجملة الفعلية -أكل الطفل التفاحة -تدل على التجدد والحدوث
ـ[قمر لبنان]ــــــــ[12 - 03 - 2009, 10:42 م]ـ
هل هناك فرق بلاغي بين العبارتين
اكل الطفل تفاحة
الطفل اكل تفاحة
نعم أخي الكريم
الجملة الثانية فيها حصر للطفل
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[13 - 03 - 2009, 12:53 ص]ـ
هل هناك فرق بلاغي بين العبارتين
اكل الطفل تفاحة
الطفل اكل تفاحة
.. في الجملة الأولى .. قدمت الفعل [أكل] لأنك تسأل: ماذا فعل الطفل؟ .. فتقدم الفعل لأنه الأهم لسؤالك .. أما الجملة الثانية فتقدم الطفل .. لأنك لا تعرف الفاعل .. فتقول: مَنْ أكل التفاحة؟ .. فتقدم الفاعل .. لأنه الأهم لسؤالك .. و يمكن أن تقدم المفعول به فتقول [التفاحة أكلَ الطفلُ] إذا كنت تسأل: ماذا أكل الطفل؟ .. فتقدم المفعول به لأنه الأهم لسؤالك .. شكرا لك أخي الغالي:) ..
ـ[وليد المعمري]ــــــــ[26 - 03 - 2009, 11:54 م]ـ
الذي أعرفه أنها تأخذ مسار الثبوت والحركة فإذا بدأنا باسم فهذه الجملة تدل على الثبوت وإذا كانت بُدأت بفعل فإنها تدل على الحركة
* من الممكن أن ترجع إلى كتاب البلاغة فنونها وأفنانها للدكتور فضل حسن عباس.
والله يرعاكم(/)
أحوال إلقاء الخبر (حصري) من أجمل الدروس ..
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[13 - 03 - 2009, 02:03 ص]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
[ line]
.. من أجمل الدروس البلاغية .. هذا الدرس .. و هو يتحدث عن أحوال إلقاء الخبر .. نبدأ:
[ line]
.. إذا كنت تتحدث مع صديق لك .. و أردت أن تخبره عن معلومة ما .. مثلا .. أردت أن تخبره بقدوم صديقك الآخر محمد، صديقك في هذه الحالة .. إما أنه لا يعرف أن صديقك قادم .. يعني أنه جاهل بقدوم صديقك .. و هذه هي الحالة الأولى المتوقعة .. و إما أنه يشك بقدوم محمد .. يعني أنه متردد .. فيسأل نفسه [هل محمد قادم؟] فهو ليس متأكدا .. و هذه هي الحالة الثانية .. و إما أنه غير مصدق أن صديقك قادم .. فهو منكر لهذا الشيء .. و هذه هي الحالة الثالثة ..
[ line]
.. في الحالة الأولى و هي حالة جهل صديقك بقدوم محمد .. في هذه الحالة .. نحن نلقي الخبر إليه بشكل طبيعي فنقول [محمدٌ قادمٌ] و في هذه الحالة يكون صديقك قد سمع المعلومة لأول مرة .. و الخبر هنا يسمى [إبتدائي]
.. أما في الحالة الثانية .. و هي حالة تردد صديقك و شكه في قدوم محمد .. في هذه الحالة عليك أن تضيف إلى الجملة أداة توكيد واحدة لتزيل عنه التشكيك و التردد .. فتقول مثلا [إنَّ محمدا ً قادمٌ] حيث قمت بتوكيد الجملة بأداة إن .. أو مثلا [لمحمدٌ قادمٌ] حيث تم التوكيد بلام الإبتداء .. و الخبر هنا يسمى [طلبي]
.. أما في الحالة الثالثة و هي حالة إنكار صديقك لقدوم محمد .. فيكون على مراحل .. فإذا كان الإنكار خفيفا يتم التوكيد بأداة واحدة .. فإن زاد الإنكار زاد التوكيد بأكثر من أداة .. كقولك مثلا [إنَّ محمدا ً لقادمٌ] و تضيف أكثر فتقول [والله إنَّ محمدا ً لقادمٌ] و هنا في الجملة الأخيرة وصل الإنكار إلى نهايته .. فلزم التوكيد بثلاثة أشياء .. القسم و إنَّ و اللام الواقعة في خبر إنَّ .. و الخبر هنا يسمى [إنكاري]
[ line]
.. هناك مثال مشهور ورد في كتب البلاغة .. و هي أن الكندي الفيلسوف المعروف .. قال للمبرِّد: إني أجد في كلام العرب حشوا .. يقولون [عبدالله قائم] و [إن عبدالله قائم] و [إن عبدالله لقائم]، و المعنى واحد .. فقال له المبرِّد: بل المعاني مختلفة، في الجواب الأول إخبار عن قيام عبدالله .. أما الثاني فهو جواب عن سؤال سائل .. أما الثالث فهو رد على إنكار منكر.
.. ( .. لله در المبرِّد .. ) ..
[ line]
.. مثال آخر .. ما ورد في سورة يس .. قال تعالى:
" إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ـ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ـ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ " .. لاحظوا في الآيات أنه لما زاد الجدال و الإنكار .. زادت أداة التوكيد.
[ line]
.. عندما يتم إلقاء الخبر على هذه الأوجه نقول أنها على تناسب مقتضى الحال .. أي حال المخاطب .. هذا و قد يتم إلقاء الخبر بغير مقتضى الحال .. يعني قد يتم مثلا توكيد الخبر مع أن المتكلم لم يتردد و لم يسأل مثلا .. لأغراض بلاغية .. سوف نتحدث عن هذه الأشياء في الرد القادم .. أتمنى أن يكون الجزء الأول من الموضوع قد أعجبكم:) ..
ـ[السراج]ــــــــ[15 - 03 - 2009, 09:49 ص]ـ
ما شاء الله ..
- من خلال رؤيتي لسنك - مستقبلٌ زاهرٌ بثمار اللغة اليانعة ..
حديث شائق وتلخيص مفيد وشواهد داعمة، فلك الشكر.
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 12:52 ص]ـ
ما شاء الله ..
- من خلال رؤيتي لسنك - مستقبلٌ زاهرٌ بثمار اللغة اليانعة ..
حديث شائق وتلخيص مفيد وشواهد داعمة، فلك الشكر.
.. مرور أعتز فيه .. شكرا لك أخي الغالي:) ..
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 01:05 ص]ـ
بارك الله فيك أخي جرول ونحن بالانتظار ...
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[20 - 03 - 2009, 10:56 م]ـ
أهلا بجرول
هذا درس عن ضروب الجملة الخبرية
فهي إما ابتدائية "خالية من المؤكدات "
أو طلبية " بمؤكد واحد "
أو إنكارية بأكثر من مؤكد
والمؤكدات في اللغة العربية كثيرة
"قد , القسم , لام الابتداء, نونا التوكيد ...................... "(/)
ما بين التّشبيهين الضّمني و الصّريح
ـ[زينب هداية]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 04:29 م]ـ
سؤال:
كيف أحوّل تشبيها ضمنيّا إلى تشبيه صريح؟ و العكس أيضا.
هل يكفي في ذلك ذكر أداة التّشبيه؟
مثال عن تشبيه ضمنيّ:
ترجو النّجاة و لم تسلك مسالكها؟ .. إنّ السّفينة لا تجري على اليبَسِ
تحويله إلى تشبيه صريح:
ترجو النّجاة و لم تسلك مسالكها، كأنّك ترجو من السّفينة أن تمشيَ على اليبس. (أصبح تشبيها صريحا، نوعه: تشبيه تمثيل).
ما رأيكم؟
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 05:15 م]ـ
إن التشبيه الضمني هو تشبيه تمثيلي في الأساس ولكن حذف منه الأداة
ويمكن إعادته إلى اصله التمثيلي بتقدير أداة تشبيه
ـ[زينب هداية]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 08:34 م]ـ
شكرا جزيلا أستاذي الكريم
يبدو أنّي بدأت أفهم أسرار البلاغة.(/)
ست وثلاثون بحثًا في المقطوع والموصول
ـ[العرابلي]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 09:16 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الأولى: قطع ووصل أن لا
جاء القطع والوصل في الرسم القرآني تبعًا للمعاني الواردة في الآيات، وموافقًا لها.
ونريد أن نقف مع الآيات وقفات نبين فيها سبب القطع أو الوصل الوارد في كل آية.
فلفظ (أن لا) ورد: (58) مرة؛ قطع في (11) موضعًا منها؛
في قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أن لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِي بَنِي إِسْرَاءِيلَ (105) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ (169) الأعراف.
قطعت (أن) عن (لا) في هذين الموضعين؛ لأن الأصل قطع نسب القول إلى الله تعالى؛ سواءً كان هذا القول من عامة الناس، أومن الأنبياء والرسل، إلا ما أمر الله به على الاستثناء؛ (إلا الحق)، والحق هو قول الله وأمره وما نسب إليه على الحقيقة وكان من الله.
وفي قوله تعالى: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أن لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إلا إِلَيْهِ (118) التوبة.
قطعت "أن لا" في هذا الموضع؛ لأنه لا ملاجئ للعباد من عذاب الله، إلا اللجوء إلى الله بالتوبة والاستغفار والعمل الصالح، وعلى ذلك جاء الرسم بالقطع.
وفي قوله تعالى: (فَإِلَمْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأن لا إِلَهَ إلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) هود.
عجز الكفار المدعين بأن القرآن الكريم مفترى؛ بأن يأتوا بمثل القرآن .. آية على أن القرآن نزل بعلم الله، وانعدام وجود آلهة كما يدعون، وأنه لا إله إلا الله، فلو كان هناك آلهة لأتوا لهم بمثل هذا القرآن؛ وعلى ذلك جاء الرسم بالقطع موافقًا لعجزهم، وانعدام الآلهة إلا الله تعالى.
وفي قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) هود.
خشية نوح عليه السلام على قومه بقوله: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ)؛ علامة على أنهم قطعوا العبادة الخالصة لله بما تلبسوا به من شرك بغير الله، فكان الرسم بالقطع موافقًا لحالهم في قطع عبادتهم لله، وطلب قطعهم عبادة غير الله.
وفي قوله تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أن لا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) الأنبياء.
وافق القطع في نداء يونس عليه السلام؛ براءته من إله غير الله تعالى يرجوه في إخراجه من ظلمات جوف الحوت الذي التقمه وهو مليم.
وفي قوله تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أن لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) الحج.
وافق القطع نشأت بيت خلص بناءه لله تعالى من أول يوم أسس فيه، ليظل الشرك مقطوعًا عنه .. فالتحذير من الشرك كان من زيادة الحرص على الإخلاص في التوحيد والعبادة لله، وفي هذا القطع براءة من الله لإبراهيم مما فعله المشركين بالبيت بعد ذلك.
وفي قوله تعالى: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي ءادَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) ... هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) يس.
هذا الخطاب يوم القيامة في تذكير المجرمين بعهد الله لهم في الدنيا بقطع العبادة عن الشيطان؛ بمن أرسله إليهم من الأنبياء والرسل، وما أنزله من الكتب. فوافق الرسم بالقطع حال الطلب منهم بالقطع، وانقطاع تلبسهم بعبادة الشيطان لزوال الحياة الدنيا بما فيها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي قوله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيم (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأن لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي ءاتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) الدخان.
وافق القطع دعوة موسى عليه السلام لفرعون وقومه؛ بقطع علوهم على أمر من الله لم يسبق لهم التبليغ به من قبل، وقطع استعبادهم لبني إسرائيل بالسماح له بالخروج بهم.
وفي قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أن لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) الممتحنة
يوافق هذا القطع في الرسم مبايعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم على القطع عن المذكور في الآية وعلى رأسها وأولها الشرك بالله الذي تخلين عنه.
وفي قوله تعالى: (فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أن لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) القلم.
وافق هذا القطع عزم أصحاب الجنة حرمان المساكين من ثمار الجنة وقطع أيديهم عنه؛ بقطع ثمارها قبل علمهم بذلك؛ لئلا يسألوهم منه شيئًا ... فكان الحرمان والقطع لهم جميعًا.
القطع في هذه المواضع أبقى نون النزع قائمًا ولم تدغم بلام الالتصاق، وهذه الصورة في الرسم توافق ما عليه النزع والقطع المذكور في هذه الآيات.
وصل أن لا
قطعت ان لا في أحد عشر موضًا، وقد بينا سبب القطع في أول بحث في هذا الموضوع.
وصلت "أن لا" في مواضع كثيرة، في (47) موضعًا؛ وكان لا بد من الوقوف علي كل آية فيها؛
فقد وصلت "أن لا" في المواضع التي جاءت فيها بعد استفهام عن صدق النية في القيام بعملٍ، أو استفهام إنكاري على ترك فعل، والمراد من هذا الإنكار على ترك الفعل؛ هو القيام به واستمرار العمل فيه، والمواصلة عليه ... وقد جاءت مجموعة من الآيات يعود سبب الوصل فيها إلى هذا السبب فكتبت موصولة على مراد الوصل، ويصح أن يحل محلها ألا أو ألاّ للتحضيض على القيام بالفعل، إذا حذفنا الاستفهام قبلها وجعلنا لها الصدارة.
فقد وصلت "أن لا" في سؤال نبي من بني إسرائيل لقومه عن صدق نيتهم؛ إن كتب عليهم مباشرة القتال، فكان الجواب العزم على مباشرتها؛
كما في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَاءِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أّلاّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا ألاّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إلاّ قلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) البقرة.
وفي العزم على التوكل على الله تعالى؛
في قوله تعالى: (وَمَا لَنَا ألاّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا ءاذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) إبراهيم
ووصلت في الاستفهام الإنكاري عن عدم مباشرة الأكل مما ذكر اسم الله عليه، وقد فُصل لهم
الحلال من الحرام، والأصل بقاء الإنسان بلا أكل، ولا يأكل إلا عند الحاجة، ولا يأخذ الأكل من وقته إلا القليل؛
في قوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ ألاّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) الأنعام.
وفي الاستفهام الإنكاري عن عدم مباشرة السجود؛
في قوله تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ ألاّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) الحجر.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي الاستفهام الإنكاري على عدم المتابعة؛
في قوله تعالى: (قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) ألاّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) طه.
وفي الحض على مباشرة الإنفاق؛
في قوله تعالى: (وَمَا لَهُمْ ألاّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) الأنفال.
واستنكار على عدم مباشرة الإنفاق؛
في قوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ ألاّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ والأرض لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد.
ورفع الحرج عمن لا يريد مباشرة تزكية نفسه بالإيمان بالله وترك الكفر والشرك؛
في قوله تعالى: (ومَا عَلَيْكَ ألاّ يَزَّكَّى (7) عبس.
وفي الخوف من عدم الالتزام بحدود الله؛
في قوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلا أَنْ يَخَافَا ألاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاح عَلَيْهِمَا فيما افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (229) البقرة.
والخوف من عدم الالتزام بالقسط والعدل، وعدم الخروج عنهما؛
في قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى ألاّ تَعُولُوا (3) النساء.
والتحذير من الخروج عن الالتزام بالعدل بسبب بغض قوم؛
في قوله تعالى: (ياأيهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى ألاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة.
وفي اليقين باستجابة الله للدعاء، والتمني أن يكون في الاستجابة الخير لا الشقاء؛
في قوله تعالى: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى ألاّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) مريم.
وفي الدعوة إلى الالتزام بعبادة الله وحده، وعدم الخروج عنها بالإشراك به؛
وفي قوله تعالى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) ألاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) هود
وفي قوله تعالى: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاب وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ألاّ تَعْبُدُوا إلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) الأحقاف.
وفي قوله تعالى: (إِذْ جَاءَتْهُمْ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ألاّ تَعْبُدُوا إلا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فصلت.
وفي قوله تعالى: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءابَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ أَمَرَ ألاّ تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) يوسف
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) الإسراء.
ونذكر إلى أنه قد جاءت: (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ)؛ مرة بالقطع، وخمسًا بالوصل، والسبب للقطع فقد بيناه من قبل، ويعود ذلك لاتهامهم بالشرك؛ لقول نوح عليه السلام لهم: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) هود، فكن الطلب فيه؛ قطع الشرك أولاً، والتوحيد لله في العباد ثانياً؛ فكتبت مقطوعة.
أمّا في مواضع الوصل فجاء الطلب في بتوحيد الله في العبادة، والدليل على ذلك في عدم التصريح باتهامهم بالشرك، وإن كانوا متلبسين بالشرك، وهو أسلوب آخر في الدعوة؛
ففي سورة هود: قال تعالى: (ألاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) هود
لقوله لهم بعد ذلك؛ (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) هود؛ لأنه لا تصح الدعوة لهم بترك ما هم عليه من الشرك قبل أن يدعوهم إلى البديل له، وهو توحيد الله في عبادته، وترغيبهم فيها؛ فقد قال لهم: (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ (3) هود.
أما قول هود عليه السلام في الأحقاف: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) الأحقاف، فهو دال على تلبسهم بالشرك بالله، ولكن هذه التحذير جاء بعد بيان فعل السابقين له: (وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ألاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ) بالحض على التمسك بعبادة الله تعالى، قبل تفشي الشرك به، واستحقاقهم للهلاك بعد ذلك.
ولنفس السبب كان وصلها؛ في قوله تعالى: (إِذْ جَاءَتْهُمْ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ألاّ تَعْبُدُوا إلا اللَّهَ (14) فصلت.
فالنذر الذين سبقوا لهؤلاء الأقوام كانت دعوتهم إلى التمسك بعبادة الله وحده: (ألا تَعْبُدُوا إلا اللَّهَ (14) فصلت، فهذا قول النذر السابقين بالدعوة إلى المحافظة على توحيد الله في عبادته، ولو كانت دعوهم إلى ترك الشرك، أو كان الشرك متفشيًا وغالبًا عليهم؛ لأهلكهم الله قبل أن يرسل إليهم هود وصالح عليهما السلام، ثم كان ردهم على رسلهم؛ (قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فصلت، وانتهى أمر عاد وثمود المقصودين في الآية بالهلاك.
أما في سورة يوسف والإسراء؛ فلم يأت مع الحض على عبادة الله وحده؛ ذكر الشرك، ولا العذاب.
وعلى نفس الحال يقاس وصل؛ (ألاَّ نعبد)؛
في قوله تعالى: (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألاّ نَعْبُدَ إلاّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) آل عمران.
ووصلت "أن لا" في مواضع التحذير الدائم من الشرك واتخاذ الأولياء من دون الله؛
في قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ألاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) الأنعام
وفي قوله تعالى: (وَءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَاءِيلَ ألاّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (2) الإسراء
والتحذير من طلب علو لم يكن لسبأ على سليمان عليه السلام من قبل، والإذعان لأمره؛
في قوله تعالى: (ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) النمل.
وفي النهي الدائم عن الطغيان في الميزان؛
(يُتْبَعُ)
(/)
في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) ألاّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) الرحمن.
وفي التأسف على استمرار بقائهم بغير إيمان؛
في قوله تعالى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ألاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) الشعراء.
وفي التأسف على استمرار بقائهم بغير سجود لله؛
وفي قوله تعالى: (ألاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) النمل
تفسير القرطبي: قرأ أبو عمرو ونافع وعاصم وحمزة: "ألاَّ يسجدوا لله" بتشديد "ألاَّ" قال ابن الأنباري: "المعنى: وزين لهم الشيطان ألاَّ يسجدوا. قال الأخفش: " أي وزين لهم لئلا يسجدوا لله ... وعلى هذه القراءة فليس بموضع سجدة; لأن ذلك خبر عنهم بترك السجود, إما بالتزيين, أو بالصد, أو بمنع الاهتداء. وقرأ الزهري والكسائي وغيرهما: "ألا يسجدوا لله" بمعنى يا هؤلاء اسجدوا; لأن "يا" ينادي بها الأسماء دون الأفعال.
قال الكسائي: ما كنت أسمع الأشياخ يقرءونها إلا بالتخفيف على نية الأمر.
وقال الزمخشري: فإن قلت أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أم في إحداهما؟ قلت هي واجبة فيهما جميعا; لأن مواضع السجدة إما أمر بها, أو مدح لمن أتى بها, أو ذم لمن تركها, وإحدى القراءتين أمر بالسجود والأخرى ذم للتارك.
وعلى التخفيف فهي كلمة واحدة خارجة عن موضوعنا، وأما بالتشديد فهي كلمتان وصلتا مع الإدغام والحذف للنون.
وقد وصلت في استمرار رفع الريبة بين المتبايعين:
في قوله تعالى: (وَلا تَسْـ (ءَ) ـمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى ألاّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ (282) البقرة.
وفي النفي الدائم لوجود حظ للكافرين في الآخرة:
في قوله تعالى: (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ ألاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) آل عمران.
وفي استمرار ادعائهم بعهد الله إليهم بأن لا يؤمنوا لنبي إلا بشرط:
في قوله تعالى: (الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا ألاّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) آل عمران.
وفي النفي الدائم لامتلاك الناس على الله حجة بعد أن أرسل إليهم الرسل:
في قوله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حكيمًا (165) النساء.
وفي النفي الدائم لامتلاك الناس حجة على المؤمنين بعد بيان أمر الله تعالى في كتابه؛
في قوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) البقرة.
وفائدة دخول لام التعليل على "ألا" في المواضع التي جاءت فيها "لئلا"؛ حتى تمنع ما يؤدي إلى القطع؛ فيبقى الكفار وأهل الكتاب دون حجة، ودون القدرة على تخصيص فضل الله لهم،
ووصلت "أن لا" في استمرار عدم قدرة الفقراء على الإنفاق:
في قوله تعالى: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا ألاّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) التوبة
وفي استمرار جهل الأعراب بحدود ما انزل الله لبقائهم في بواديهم:
في قوله تعالى: (الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ ألاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) التوبة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي العجز الدائم لعجل السامري على إرجاع القول إليهم:
في قوله تعالى: (أَفَلا يَرَوْنَ ألاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا (89) طه
وفي النفي الدائم للجوع لمن يسكن الجنة:
في قوله تعالى: (إِنَّ لَكَ ألاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) طه.
وفي النفي الدائم للخوف والحزن عن المؤمنين في الآخرة:
في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ ألاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت.
وفي قوله تعالى: (فَرِحِينَ بِمَا ءاتاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ألاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) آل عمران.
وفي النفي الدائم للظلم بحمل النفس أوزار غيرها:
في قوله تعالى: (ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) النجم
وفي استمرار أهل الكتاب على جهلهم وعدم قدرتهم على النيل من فضل الله تعالى؛
في قوله تعالى: (لِئلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ألاّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) الحديد
وفي استمرار الإنسان على حالٍ هو الأصل فيه؛ فالأصل ألا يكلم إلا لحاجة تتطلب الكلام؛
في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي ءايَةً قَالَ ءايَتُكَ ألاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إلاّ رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ (41) آل عمران.
وفي قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِي ءايَةً قَالَ ءايَتُكَ ألاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) مريم.
وفي حسبان دائم بعدم انبعاث فتنة؛
في قوله تعالى: (وَحَسِبُوا ألاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) المائدة.
وفي نهي دائم عن الحزن على ما حدث لها؛
وكما في قوله تعالى: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ألاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) مريم.
فجاءت بعد ذلك إلى قومها بكل شجاعة تحمل طفلها بين ذراعيها، لا تخشى ما يكون منهم.
فدخول "أن" للتوكيد على "لا" النافية، أو الناهية، جعلت النفي أو النهي دائمًا ومستمرًا، ولا منزع منه، وأفادت مع دخول أدوات الاستفهام على الجملة؛ عدم مباشرة الشيء الذكور، واستمرار البقاء خارجه، وبعيدًا عنه.
وقد حذفت نون النزع من صورة الكلمة، وكان بالإمكان إدغام النون في اللام في القراءة من غير حذف للنون، ولكن كمال تصوير المعنى؛ هو ذهاب صورة النون من الرسم، واتصال الكلمتين.
ـ[العرابلي]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 09:18 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثانية: قطع من ما
قطعت "من ما" في ثلاث مواضع، ووصلت في (122) موضعًا، ولبيان سبب القطع نقارن مواضع القطع بالمواضع المثيلة لها في الوصل:
الموضع الأول: في قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (25) النساء.
يبين الله تعالى لمن لم يستطع أن ينكح المحصنات المؤمنان، أن ينكح مما ملكت الأيمان، ولكن مما ملكت يمين غيره، وليس مما ملكت يمينه هو، فهي مقطوعة عنه؛ ولأن وضع ملك اليمين هو كوضع الزوجة، ولو كانت متصلة به لما كان الخطاب موجهًا له، لذلك قطعت في الرسم كما هي مقطوعة عنه في الواقع.
أما وصلها في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَءاتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي ءاتَاكُمْ (33) النور
(يُتْبَعُ)
(/)
فهذا مما ملكت يمين المخاطب في هذه الآية من الفتيان وليست من الفتيات، وأراد أن يكاتب مولاه على التحرر من العبودية؛ فوصلت لما كان هذا مما ملكت يمينه هو، وملك يمينه موصول به. فجاء الرسم موافقًا للحال الذي عليه ملك اليمين مع المخاطبين بشأنه.
الموضع الثاني: في قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) الروم
فهذا سؤال: هل يوجد مُلك يمين شريكاً لمالكه في ملكه؟
فكيف يكون شريكًا له وهو مُلك لصاحبه؟!
فهل يقبل مالك أن يكون مُلك يمينه شريكًا له؟
لذلك قطعت في هذا الموضع لعدم وجود مالك يقبل ذلك.
فكيف يكون لله شريكًا له من عبيده إذا كان البشر لا يقبل شراكة عبيدهم لهم؟!
فقطعت لذلك في الرسم كما هي مقطوعة في الواقع.
الموضع الثالث: في قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) المنافقون.
يطلب سبحانه وتعالى في هذه الآية من عباده الإنفاق مما رزقهم الله قبل مجيء الموت، فيندم على عدم إنفاقه، فيطلب تأخير أجله لكي يتصدق من المال الذي تركه خلفه، وانفصل عنه بالموت ... وهيهات أن يؤخر الأجل له؛ (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) نوح،
فجاءت "من ما" في هذه الآية مفصولة؛ لأن طلب الإنفاق كان من المال الزائد عن الحاجة، المفصول عنه بالموت، والباقي بعده لمن لا يدري في أي باب خير أو شر ينفق.
أمّا اتصالها في قوله تعالى: (فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا ءاتَاهَا (7) الطلاق
وقوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (7) الحديد،
وقوله تعالى: (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً (29) فاطر
وغير ذلك من المواضع فكلها فيها طلب الإنفاق من المال الذي بين أيدينا، ومتصل بنا، غير مقطوع عنا، ولم يربط بذكر الموت؛ فجاء الرسم فيها متصلاً لاتصال المال المنفق منه بمالكيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثالثة: قطع ووصل: إنّ ما
ورد لفظ "إنّ مَا" موصولاً في (146) موضعًا، ومقطوعًا في موضعٍ واحدٍ فقط؛
في قوله تعالى: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) الأنعام.
ويرجع القطع في هذا الموضع إلى أن الموعود به هو أمر سيحدث في المستقبل؛ فزمنه مقطوع عنا في الحاضر؛ فالوعد باليوم الآخر والحساب والجنة والنار ... كل ذلك سيكون في زمن مستقبل، علمه عند الله، وقدومه مجهول لدى كل البشر.
وأمّا اتصالها في قوله تعالى: (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) الذاريات.
وفي قوله تعالى: (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) المرسلات.
فيرجع ذلك إلى أن الآية تقرر أن الوعد صدق وأن الوعد ثابت وحق، لا تراجع عنه، والآيتان لا تتحدثان عن زمن الموعود وقدومه، كما في ءاية التي قطعت (إنما) فيها.
وأمّا اتصال "إنَّما" في بقية المواضع فهو لتأكيد وتقرير وتوثيق وتثبيت ما ارتبطت به، فكان حقها الوصل لا الفصل؛
كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ (171) النساء
وفي قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) البقرة.
وفي قوله تعالى: (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ (14) البقرة.
وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) الجن.
وإذا كانت "ما" زائدة فزيادتها جاءت من جواز الاستغناء عنها؛
إنَّما الله إله واحد = إنَّ الله إله واحد.
ولما كانت "ما" تفيد العموم والإبهام؛ فإن ذكر المعرف بعدها يكون تعظيمًا له، وشدة تأكيد له، فكأن هذا العموم اختزل فيه.
وإذا كانت "ما" مصدرية؛ قل إنَّما أدعو = قل إنَّ دعائي
(يُتْبَعُ)
(/)
فإنها أعم وأثبت لكونها؛ مصدرًا وكونها اسمًا، فتعطي ثباتًا للفعل المتجدد الحدوث؛ لا يتأتى ذلك من كونه فعلاً لوحده.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الرابعة: قطع ووصل عَنْ مَنْ
قطع حرف الجر (عَنْ) عن (مَنْ) الموصولة في موضعين، وليس في القرآن غيرهما؛
في قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ (43) النور.
فقد وافق القطع في هذا الموضع خبر قطع المطر وصرفه عنهم، ومنع وصوله إليهم.
وفي قوله تعالى: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا (29) النجم
فقد وافق القطع في هذا الموضع أيضًا؛ طلب الإعراض عمن هو معرض عن ذكر الله تعالى، وقاطع للوصل به، وليس بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبينهم إلا باب الدعوة لهم إلى الله، لأنه أرسل إليهم، وكان عليه واجب التبليغ بما أرسل به إليهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الخامسة: قطع ووصل عن ما
ورد لفظ "عَمَّا" (48) مرة في القرآن الكريم؛ قطع في موضعٍ واحد فقط؛
في قوله تعالى: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِـ (ءِ) ـينَ (166) الأعراف.
ويرجع القطع في هذا الموضع لانقطاعهم عن أمر النهي عن الصيد يوم السبت، وعدم الأخذ به، لا عن انقطاعهم عن معصيتهم فهم مستمرين عليها ومتصلين بها.
وأمّا وصلها كما في قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) المائدة.
فذلك لاتصالهم بالقول مستمرين عليه: بأن الله ثالث ثلاثة، فهم لم يتوقفوا ولم ينقطعوا عن قولهم بذلك.
وكما في قوله تعالى: (قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) المؤمنون. فما أنذورا به سيصبح واقعًا ملتصقًا بهم، لا انفكاك لهم منه، نادمين على استبعاد حدوث ذلك لهم.
وكذلك وردت "عَمَّا" متصلة في مواضع كثيرة اقتضى تنزيه الله تعالى عنها؛
كما في قوله تعالى: (سَبْحَانَهُ وَتعَالَى عَمَّا يَصِفُون (100) الأنعام.
ففيها تنزيه لله عن وصفهم الذي يصفون الله عز وجل به في (7) آيات؛ بأن له ولد، أو بنين وبنات، أو شريك في الملك، وهم لا يَدَعون وصفهم هذا.
وفي قوله تعالى: (سَبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَشْرِكُون (67) الزمر.
ففيها تنزيه لله في (12) آية عن الشريك الذي يشركون الله تعالى به، ولا ينقطعون عن ادعاء وجود أو اتخاذ الشريك لله فيها.
وباقي المواضع وصلها كمثل السابقات؛ يعود إلى وجود اتصال وارتباط والتصاق للقول أو العمل أو الوصف بأصحابه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السادسة: قطع ووصل إنْ ما
وردت "إمَّا" أربع مرات؛ قطعت في واحدة منها، ووصلت في ثلاث؛
في قوله تعالى: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) يونس.
وفي قوله تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) غافر.
فوصلها في هذين الموضعين راجع إلى أن كلمت العذاب قد حقت على هذه الفئة من الناس من رؤوس أهل الشرك والكفر، وسيرى الرسول صلى الله عليه وسلم العذاب واقعًا بهم؛ إما في حياته الدنيا بتعجيل العذاب لهم فيها، وإما في الآخرة بتأخير العذاب عنهم، فمرجعهم في نهاية الأمر إلى الله عز وجل؛ قصرت أعمارهم، أو طالت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك كان الوصل، وسقوط نون النزع بالإدغام في الميم توكيدًا بما توعدهم الله عز وجل مما لا منزع ولا مخرج لهم منه.
ووصلت في قوله تعالى: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) الزخرف.
(يُتْبَعُ)
(/)
فوصلها في هذا الموضع كسابقتيها، فالعذاب قد كتب عليهم، فينتقم الله منهم إذا أخرج الله تعالى الرسول من بينهم بالوفاة، أو بإخراجه بعيدًا عنهم بالهجرة. وهذه المواضع الثلاثة هي في سور مكية، وقد بطش الله تعالى بهم بعد ذلك؛ فقد أصاب العذاب من حارب الله ورسوله من رؤوس الكفر وغيرهم في بدر وما بعدها، أو مات على كفره كأبي لهب لعنه الله.
وقد قطعت في قوله تعالى: (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) الرعد. وهي سورة مدنية.
فقطع (إن ما) في هذا الموضع من سورة الرعد؛ راجع إلى أن العذاب الذي يتوعدهم الله به مقطوعًا عنهم، ولم يكتب عليهم حتى يتم الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ الذي عليه لهم، وحتى يتبين موقفهم من أمر الله تعالى.
وقد قطع العذاب عمن آمن بالله ورسوله، وتخلى عن كفره وشركه قبل موته، وأصبح من المسلمين، ومن المجاهدين في سبيل الله تعالى بعد ذلك؛ كخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنهم، وكثير ممن هاجر قبل الفتح أو أسلم بعد الفتح من أهل مكة خاصة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السابعة: قطع (أن لم)
وردت "أن لم" في موضعين فقط، وقطعت فيهما؛
في قوله تعالى: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) الأنعام.
قطعت "أن لم" في هذا الموضع؛ لأن فيه تنزيه لله سبحانه وتعالى عن الظلم، وعقابه مقطوع عن الظالم حتى يحذره، ويرسل له رسولاً يبين له ما هو فيه من الشرك والكفر الموجب لعقابه، ولا يأخذه وهو غافل عن نتائج عمله دون أن يعلمه بما يستحقه من العذاب قبل ذلك.
وقطعت في قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) البلد.
وكان القطع في هذا الموضع بما يوافق غفلة بعض الناس عن متابعة الله تعالى له، وهو السميع البصير، وظنه أنه سبحانه وتعالى لا يراه ولا يسمعه.
وهل لا يراه الذي جعل له عينين ليبصر بهما؟!
وهل لا يسمعه الذي جعل له لسانًا وشفتين ليتكلم بها؟!
فكيف يقدر قطع رؤية الله سبحانه وتعالى عن أفعاله؟!
فكان الرسم موافقًا لما أنكره الله تعالى على هذا أمثال هذا الجاهل الذي يظن أن رؤية الله مقطوعة عن فعله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثامنة: قطع إن لم
وردت "إن لم" في القرآن الكريم أربع مرات؛ قطعت في ثلاث منها:
في قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) المائدة.
ويرجع هذا القطع إلى أنه قد جاءهم نهي عن القول بأن الله ثالث ثلاثة، ووعيد لهم على كفرهم بهذا القول؛ فلم يأخذوا بالنهي، ولم يأبهوا بالوعيد لهم، وظلوا مقطوعين عن هذا النهي والوعيد؛ فكان القطع في الرسم تبعًا للقطع الحاصل منهم في الواقع.
وقطعت في قوله تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) البقرة.
الخطاب موجه للكافرين، وفيه تحدٍ لهم للإتيان بسورة من مثل القرآن؛ فلم يفعلوا، ولن يفعلوا، وسيظل القطع قائمًا بينهم وبين القدرة على الفعل؛ ولذلك جاء القطع في الرسم موافقًا للعجز والقطع في الواقع، وقد مرت أكثر من أربعة عشر قرنًا وعدة عقود على ذلك، فلم يقدروا على فعله، واستمر عجزهم عنه.
وقطعت في قوله تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) القصص.
(يُتْبَعُ)
(/)
أمر بالتبليغ بالقول؛ فيه تحد للإتيان بكتاب أهدى من القرآن والتوراة، وكان حالهم مثل الحال السابق في الآيتين، ثم قيل للنبي صلى الله عليه وسلم؛ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ)، وقد فارق عليه الصلاة والسلام الدنيا، وهم على نفس الحال من العجز وعدم القدرة والاستجابة، فكان القطع موافقًا لتحد منقطع، حده نهاية حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تواصل التحدي من الأمة التي حملت هذا التحدي من بعده، فأصبح التحدي هو تحديها كما يأتي في الآية التالية التي وصلت فيها.
ووصلت في قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) هود.
فكان وصلها في هذا الموضع؛ لأن الخطاب في الآية موجه للمسلمين؛ (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ)، والمسلمون أمة بدأت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، واستمرت إلى يومها هذا، وإلى ما شاء الله تعالى، وحاملة لهذا التحدي من بعده؛ فالتحدي قائم وموصول مع بدايته، ولا انقطاع له إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، ولذلك جاء الوصل موافقًا لتواصل التحدي للكافرين من الأمة التي حملته دون توقف ولا انقطاع.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة التاسعة: قطع أنّ ما
وردت "أنَّ ما" في القرآن الكريم في واحد وعشرين موضعًا؛ وصلت في تسعة عشر موضعًا منها، وقطعت في موضعين فقط؛
في قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) الحجّ.
وفي قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) لقمان.
في الآيتين تقرير من الله تعالى بنفس النص؛ بأن الذي يدعونه من دون الله تعالى هو باطل لا حقيقة له، ولا وجود له، وهو من اختلاقهم، وفساد عقولهم.
فكيف يكون وصل مع لا وجود له، فـ "أنَّ" جاءت تأكيدًا على أنه باطل، وليس تأكيدًا على صحة وجوده.
فجاء القطع صورة لما عليه واقع انقطاع أهل الكفر والشرك عن باطل يدعونه من دون الله عز وجل.
أما وصل "أَنَّمَا" في بقية المواضع فعائد إلى لزوم الأمر أو الوصف وما لا يمكن نقضه؛ كألوهية الله تعالى ووحدانية؛
في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (110) الكهف.
وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) الأنبياء.
وفي قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ (52) إبراهيم.
وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (6) فصلت.
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نذير، وعليه البلاغ بالحق الذي أنزل عليه من ربه؛
كما في قوله تعالى: (إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) ص.
وفي قوله تعالى: (وَأَطِيعُ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة.
وفي قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى (19) الرعد.
وفي قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ (14) هود.
وأن الأموال والغنائم وما يمدهم الله به في أيدي الناس هو ملتصق بهم، وأكثره فتنة لهم في الحياة الدنيا؛
كما في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... (41) الأنفال.
وفي قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) الأنفال.
وفي قوله تعالى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) المؤمنون.
وفي قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ (178) آل عمران.
وفي قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ (20) الحديد.
وأنه لا راد لما يريده الله بالكافرين من العذاب؛
في قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ (49) المائدة.
وان الكافرين يتبعون أهواءهم التي تصرفهم عن الحق ويتمسكون بها؛
في قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ (50) القصص.
وأن داود عليه السلام قد وقع فعلاً في الفتنة، فاستغفر وخر راكعًا، فغفر الله له؛
في قوله تعالى: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) ص.
وأن الشجر لا ينفك اتصاله بالأرض؛
في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ (27) لقمان.
وأن نسبة الخلق إلى الله ثابتة لا منكر لها، وإن حدث إنكار للسبب والبعث؛
في قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون.
والتصاق الدعوة بهم إلى ما ليس له دعوة في الدنيا والآخرة؛ فكان جزاؤهم نار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا؛
في قوله تعالى: (لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآَخِرَةِ (43) غافر.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[العرابلي]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 09:19 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة العاشرة: أم من
أم: حرف جر يستعمل لطلب التعيين لأحد الاثنين؛ وردا بلفظين أو جملتين.
وهو مكون من؛
الهمزة التي تفيد الامتداد المتصل، فهي تدل على وجود آخر متصل بالأول.
والميم التي تفيد الإحاطة، ولذلك لا تدغم الميم إلا في مثلها،
والإحاطة هنا بالأول والثاني وهما كل المذكور.
لذلك كان استعمال "أَمْ" لطلب تعيين أحد الاثنين؛ ولا يكون ذلك إلا بمعرفة الاثنين، والإحاطة بأحوالهما.
والتعيين سيكون لواحد منهما؛
:إما الأول الذي يعرض أولاً، وتسبق المعرفة به والإشارة إليه، وهو المعطوف عليه،
:وإمَّا الثاني الذي يعرض تاليًا ويعطف على الأول.
وكان سبب عرض الثاني هو عدم إقرار الأول، أو بيان فضل الأول من مقارنته بغيره، أو عطفه على مثله.
والتعيين لأحدهما يقتضي أن كل منهما يخالف الآخر، أو أن أحدهما دون الآخر.
فقد يساوى بين أمرين مختلفين، أو يكون أحدهما في حالة الإثبات والآخر في حالة النفي، وعند ذلك يؤتى بلفظ سواء وغيرها، وهمزة التسوية أو المعادلة؛
كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) البقرة.
وقد جاء الرسم القرآني في فصل وقطع "أمْ مَّنْ" تبعًا للمعنى؛
فإن كان التعيين لما بعد "أم"؛ أي المعطوف، وقرر هو دون المعطوف عليه، أو مما اتصلوا به وتعلقوا به، ولو كان باطلاً؛ اتصلت الكلمتان وأصبحتا كلمة واحدة "أمَّنْ".
وإن كان التعيين لما قبل "أم"، وليس للمعطوف بعدها، أو كان العطف على منفي مثله؛ تقطع الكلمتان ولا يتم وصلهما.
ذُكرت "أمَّنْ" في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعًا؛ قطعت في أربعة مواضع:
في قوله تعالى: (هَاأَنْتُمْ هَاؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) النساء.
المعطوف عليه: من يجادل الله عنهم يوم القيامة؟ ... لا أحد
المطوف: من يكون عليهم وكيلا؟ ... لا أحد
فلا وكيل ولا شفيع ولا صديق ولا حميم يتصل بهم يوم القيامة ويدافع عنهم، ويشفع لهم، بل المرء يفر من أقرب الناس إليه؛ لذلك قطعت في الرسم بما يوافق حال القطع الذي هم عليه يوم القيامة.
وفي قوله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) التوبة.
المعطوف عليه؛ من أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان؛ هو خير؟ ... نعم
المعطوف: من أسس بنيانه على شفا جرف هار .. ؛ هو خير؟ .... لا
من أسس بنيانه على جرف هار لا يثبت هو ولا بنيانه، وكذلك من بنى عقيدة فاسدة على هوى وضلال؛ فإنه ينهار هو وبناؤه في نار جهنم.
فعلى ذلك كان الرسم بالقطع يوافقه الحال الذي عليه المتأخر من القطع وعدم الثبات.
وفي قوله تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) الصافات.
المعطوف عليه: هل الناس هم أشد خلقًا؟ .... نعم
المعطوف: هل الملائكة والجن أشد خلقًا .... لا
كانت النظرة الأولى أن جواب الأول سيكون: لا، وجواب الثاني: نعم.
وعند النظر في الآية لوجود هذا القطع الذي يوجب مراجعة الإجابة؛ أن تغيرت الإجابة
فأشد خلقًا ليست هي مرادفة لأشد قوة.
ومن خلق من مادة جامدة وسائلة هو أشد خلقًا وأثقل ممن خلق من نار أو نور.
وشدة الشيء هي قوة تماسك أجزاءه وترابطها، نقول هذا حجر قاسٍ وهذا أشد منه قسوة.
وقد جاءت هذه الآية بعد ذكر تمكن الشياطين لخفتهم من استراق السمع في السماء، وقذفهم بالشهب التي أغلبها ذرات كذرات الرمل؛ تحترق لسرعتها العالية عند دخول جو الأرض.
وكان ختم الآية؛ (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) هو بيان لسر هذا القطع. وأن المذكور بعد "أم" ليس هو المعين كما يبدو في ظاهره.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي ءايَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي ءامِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت.
المعطوف عليه: هل من يلقى في النار هو خير؟ ... لا
المعطوف: هل من يأتي آمنًا يوم القيامة هو خير؟ .... نعم
ولكن لماذا كان القطع في هذا الموضع، وليس الوصل؟
السؤال بطريقة أخرى؛ من هو خير من اتصل بالنار ووقع فيها
أم من انقطع عن النار وأمن من العذاب فيها؟
الجواب: من انقطع عن النار وتجاوزها هو خير ممن وقع فيها، وظل متصلا بها.
فكان القطع في الرسم موافقًا للانقطاع عن النار الذي تحقق للآمن.
ووصلت "أمَّنْ" في أحد عشر موضعًا،
في الآيات الست التالية؛ المعين فيها بعد "أم"؛ الله عز وجل؛
وعلى ذلك كان وصلها؛
في قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) يونس.
وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَاهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) النمل.
وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَاهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) النمل.
وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَاهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) النمل.
وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءِلَاهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) النمل.
وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَءِلَاهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) النمل.
فهو سبحانه وتعالى الذي يملك السمع والبصر، وهو الذي خلق السموات والأرض، وهو الذي جعل الأرض قرارًا، وهو الذي يجيب المضطر ويكشف السوء، وهو الذي يهدي في ظلمات البر والبحر، وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده؛ فكان الوصل لأن هذه الأعمال من أفعاله سبحانه وتعالى.
ووصلت في قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) الملك.
فالمعين فيها في أمر موجب وقع بعد "أم"؛ وهو الذي يمشي سويًا على صراط مستقيم.
ووصلت في قوله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاءَ الَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9) الزمر.
فالمعين فيها في أمر موجب وقع بعد "أم"؛ من هو قانت آناء الله، وليس كمن يعبد الله عندما يمسه الضر، وينساه مع النعمة الوارد ذكره في الآية السابقة.
ووصلت في قوله تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ إِنْ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (20) الملك.
وفي قوله تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) الملك.
فما وقع بعد "أم" هو من تعلقوا به ورجوا نصرته في الآية الأولى، ورجوا منه الرزق في الآية الثانية، ولذلك وصفوا بأنهم في غرور، وأنهم لجوا في عتو ونفور؛ لشدة ارتباطاهم بضلالاتهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ووصلت في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) يونس.
فما وقع بعد "أم" هو من تعلقوا به، وجعلوه شريكًا لله؛ من رؤوس الكفر والضلالة والداعين إليها، كم قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ (31) التوبة، ومن تعلقوا به على حال لا يهتدي حتى يُهدى؛ فاستنكر الله تعالى عليهم هذا الانحطاط الذي هم عليه العباد برب العباد؛ بقوله: (فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) يونس.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الحادية عشرة: قطع لات حين
وردت لات حين مرة واحدة؛
في قوله تعالى: (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) ص.
قطعت التاء عن حين في ولا تحين، لتصبح في الرسم؛ "ولات حين"
والتاء أحد حروف المضارعة الأربعة المجموعة في كلمة "نأتي"
وسر استخدام هذه الحروف للمضارعة مبني على معانيها؛
فنون النزع استعملت علامة للمتكلم الجمع، لأنهم ينزعون أنفسهم عن البقية؛ نحن نزرع، نعمل، ...
وهمزة الامتداد المتصل؛ استعملت علامة للمتكلم الفرد؛ لأن المتكلم يضيف بكلامه وبفعله شيئًا جديدًا يظل متصلا به ومنسوبًا إليه؛ أنا أكتب، أقرأ، أفعل كذا، .....
وياء التحول استعملت علامة للمذكر الغائب، لأن المذكر هو المكلف بالعمل، وعدم وجوده في مكانه أو منزله هو بسبب التحول لعمل يؤديه بعيدًا عن أعين الحاضرين، هو يحرث، يسافر، ..
وتاء التراجع استعملت علامة للمؤنث الغائب، لأن تحول الأنثى هو تراجع لها إلى بيتها الذي خرجت منه فظهرت بحضورها،
والقول في لات أنها مشبهة بليس؛ واسمها محذوف؛ أي ولات الحين أو أحياننا حين مناص
وأن لا النافية للجنس زيدت عليها التاء.
وجاء في تفسير القرطبي لهذه الآية: "وكان الكسائي والفراء والخليل وسيبويه والأخفش يذهبون إلى أن «وَلاَتَ حِينَ» التاء منقطعة من حين، ويقولون معناها وليست".
ومعنى ولات حين مناص: لا وقت للفرار والنجاة، ولا وقت للتوبة والرجوع عن الذنوب.
وبهذا الرسم القائم على قطع التاء تحصل فوائد عديدة؛
- أن استقلال التاء وحدها ثم جعلها مع لا؛ أفادت النفي المطلق للتراجع؛ أي أنه لا تراجع لهم ينجيهم، لا بالفرار ولا بالتوبة.
- وبقطع التاء عن الفعل المضارع (تحين) الدال على تجدد الحدث، حوله إلى اسم ثابت (حين)، فالعذاب ثابت وقوعه بهم ولا مفر لهم منه، وهو مسلط عليهم في الآخرة ولا مخرج لهم منه، ولن يأت حين يكون فيه مناص لهم في الدنيا ولا في الآخرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثانية عشرة: قطع لام الجر عن مجرورها
حرف اللام حرف يستعمل للقرب والإلصاق في جذور اللغة، وفي حروف المعاني،
واستعمالات لام الجر كثيرة؛ للاختصاص وللاستحقاق، وللملك، وشبه الملك، وللتمليك، وشبه التمليك، والتعليل، والتبيين، والقسم، والتعدية، والصيرورة، والتعجب، والتبليغ، وتضمن معاني إلى، وفي، وعن، وعلى، وعند، وبعد، ومع، ومن، ولام الاستغاثة به، ولام المدح والذم، والزائدة.
وحيثما استعملت اللام، فإن استعمالها هو مبني على استعمالها للقرب والإلصاق، وحقها الاتصال بما بعدها.
وقد استعملت اللام كحرف جر في القرآن الكريم مرات كثيرة جدًا؛ إلا أنها لم تقطع عن مجروها إلا في أربعة مواضع فقط؛
وفي قوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف.
وسبب هذا القطع مبني على المعنى؛ لأن المجرمين يصدمون بحصر الكتاب لجميع أعمالهم، وإغلاق أبواب العتب والاعتذار والنجاة أمامهم، فهم يريدون بقولهم هذا أن تقطع عن الكتاب صفته في دقة رصد أعمالهم وحصرها عليهم، فجاء الرسم موافقًا لما قصدوا من قولهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقطعت اللام في قوله تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) الفرقان.
ويرجع هذا القطع لما أراده الكفار؛ بأن ينفصل الرسول صلى الله عليه وسلم عن حاجته لأكل الطعام، والسعي في الأسواق؛ ليصح أن يكون رسولاً عندهم؛ فقطعت اللام بما يوافق ما أرادوه بقولهم هذا. فهم لم يأتوا بذكر أكل الطعام والمشي في الأسواق لأجل تقريره، بل لأجل بيان أن من يتصف بالأكل والسعي في الأسواق لا يصح أن يكون رسولاً في رأيهم.
وقطعت اللام في قوله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) النساء.
ويرجع قطعها في هذا الموضع إلى أن الله تعالى يريد منهم أن ينفصلوا عن هذا الجهل، وعدم الفقه الذي هم عليه، وأن الأمور كلها؛ بخيرها وشرها بيد الله عز وجل، فمن مات أو قتل إنما كان موته بقدر من الله عز وجل، وليس لأنه كان في حرب، وأن قدر الله الذي قدره له بالموت سيلحق به أينما حل وأقام.
وقطعت اللام في قوله تعالى: (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) المعارج.
مُهْطِعِينَ: مسرعين نحوك، مادّي أعناقهم إليك، مقبلين بأبصارهم عليك.
عِزِينَ: فرقا شتى كل فرقة من ثلاثة أو أربعة، كانوا يجتمعون حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستهزئون بما جاء به. فاستنكر تعالى عليهم فعلهم، على قصد تركه وقطعه؛ فكان الرسم موافقًا لما أراد الله تعالى من ذكر ذلك عنهم.
وقد جاءت اللام في خبر "ما" حيث ما؛ اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، وكان الاستفهام في هذه المواضع هو استفهام استنكاري.
فلم يكن مجيء اللام في هذه المواضع الأربعة التي قطعت فيها؛ لأجل إقرار الخبر وتوكيده، بل لأجل الرغبة في قطعه وإبعاده، وعدم الاتصاف به، وعلى ذلك كان الرسم بالقطع.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثالثة عشرة: قطع حيث ما
وردت "حيث ما" في القرآن مرتان؛ وقد قطعت فيهما؛
في قوله تعالى: (قدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (144) البقرة.
وفي قوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (150) البقرة.
المخاطبين بهذه الآية هم من انقطع محلهم عن المسجد الحرام، وهذه الآيات نزلت في المدينة بعد الهجرة، فطلب منهم أن يتوجهوا إلى الشطر الذي فيه المسجد الحرام، وفي ذلك رفع الحرج عن الأمة إن مال التوجه قليلا عن يمين القبلة أو شمالها؛ وعلى ذلك كان القطع في الرسم موافقًا للقطع الكائن في الرؤية بين المصلي والمسجد الحرام.
أما من كان في مكة أو الحرم فلا يشكل عليه أمر التوجه إلى الكعبة لأنها تكون أمام عينيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الرابعة عشرة: قطع يوم هم
وردت "يوم هم" في القرآن سبع مرات؛ قطعت في موضعين منها؛
في قوله تعالى: (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) غافر.
في قوله تعالى: (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) الذاريات.
اسم الإشارة "هم" في هذين الموضعين هو مبتدأ؛ وخبره في الأولى بارزون، وفي الثانية جملة يفتنون في محل رفع خبر المبتدأ هم.
ويوم في الأولى بدل من يوم التلاق في الآية السابق لها، وهي ظرف منصوف لفعل مقدر بمعنى يأتي أو يجيء.
ولم يضف اسم الإشارة "هم" إلى الظرف الذي قبله "يومَ"، لذلك جرى القطع في الرسم لعدم وجود سبب لوصلهما، ولإبعاد مظنة الإضافة فيه المخلة في المعنى.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد وصلت "يومهم" في خمسة مواضع أخرى في القرآن الكريم؛ لأن اسم الإشارة فيها "هم" مضاف إلى الظرف الذي قبله "يوم"؛
في قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) الزخرف.
وفي قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) الذاريات.
وفي قوله تعالى: (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) الطور.
وفي قوله تعالى: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) المعارج.
واليوم يعرف بأشهر ما يكون فيه، وما يحدث فيه لأهل الكفر هو الأعظم يوم القيامة، وهم الأكثر يوم القيامة؛ لذلك وصف هذا اليوم بأنه يومهم من دون بقية الناس الناجين فيه من أصحاب الجنة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أصحاب الفردوس الأعلى فيها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الخامسة عشرة: ابن أم
ذكرت "ابن أم" في القرآن مرتين قطعت في أولاهما، ووصلت في الثانية منهما؛
في قوله تعالى: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) الأعراف.
ووصلت في قوله تعالى: (قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَاءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) طه.
لما رجع موسى عليه السلام إلى قومه بعد ميقات ربه؛ غضبان أسفًا على ما فعله قومه من عبادتهم للعجل أثناء غيابه عنهم، وكان غضبه شديدًا على أخيه هارون عليهما السلام، الذي استخلفه من بعده ... إذ كيف يحدث هذا أمام هارون عليه السلام، ولا يستطيع أن يمنعهم عنه، أو يتركهم فيلحق به؟!
فألقى الألواح وأخذ يجر أخيه إليه آخذًا برأسه ولحيته.
فالذي جرى بين موسى وهارون عليهما السلام في الآيتين؛ هو حدث واحد، في مكان واحد، في زمن واحد.
فلماذا قطعت إذن (ابن أم) في آية الأعراف، ووصلت (يبنؤم) في آية طه؟!
هارون هو الذي يخاطب موسى عليهما السلام في الآيتين، لكن الطلب اختلف فيها؛
في آية الأعراف يطلب هارون من موسى عليهما السلام أن يقربه ويضمه إليه، لأنه أبعده عنه بغضبه عليه؛ فقال له: (فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ)؛ بقطع الصلة بينهما، (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)؛ المبعدين الذين غضب عليهم موسى عليه السلام ...
ولا يطلب أن يقربه إليه إلا إذا كان مبعدًا ومفصولاً عنه؛ فكتبت (ابن أم) مفصولة على الحال والواقع الذي بين موسى وهارون عليهما السلام بسبب هذا الحدث.
أما في آية "طه"، فالوضع مختلف؛ فموسى عليه السلام ماسك برأس أخيه ولحيته، ولا يفكهما، وهو يجره بهما إليه، فهما مشتبكان ومتصلان جسديًا مع بعضهما، فكان طلب هارون من موسى عليهما السلام أن يتركه وينفصل عنه، ويفلت رأسه ولحيته من بين يديه الآخذتين بهما؛ (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)، فكتبت (ابن أم) موصولة؛ (يبنؤم)، ومعهما أيضًا أداة النداء "يا"، و"يا" في كل القرآن موصولة بالمنادى؛ لأن المنادى عليه موصول بالمنادي ويسمعه، ولا مناداة للبعيد الذي لا يسمع، فوافق الوصل في الرسم الوصل في الواقع.
فلاختلاف الطلب الحاصل في الآيتين، والواقع الذي كانا عليه؛ اختلف الرسم باختلافهما؛ فما كان في الواقع موصولاً؛ كتب موصولاً، وما كان في الواقع مقطوعاً؛ كتب مقطوعاً.
ـ[العرابلي]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 09:21 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السادسة عشرة: كل ما
وردت "كلما" في القرآن في ثمانية عشر موضعًا؛ قطعت في ثلاث منها؛
(يُتْبَعُ)
(/)
في قوله تعالى: (سَتَجِدُونَ ءاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا (91) النساء.
تفسير الآية كما جاء في تفسير الجلالين: (سَتَجِدُونَ ءاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ)؛ بإظهار الإيمان عندكم، (وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ)؛ بالكفر إذا رجعوا إليهم؛ وهم أسد وغطفان، (كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى ?لْفِتْنِةِ)؛ دعوا إلى الشرك، (أُرْكِسُواْ فِيِهَا)؛ وقعوا أشدّ وقوع.
فبعد أن يظهر هؤلاء إيمانًا بالله تعالى عند الرسول صلى الله عليه وسلم ويعاهدوه؛ يقطعوا عهودهم إذا دعاهم قومهم إلى الكفر ومحاربة المسلمين؛ فلهذا الحال كان الرسم بالقطع موافقًا لما هم عليه من قطع العهود والرجوع إلى الكفر والشرك ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة.
وقطعت في قوله تعالى: (وَءاتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) إبراهيم.
فبعد عطاء الله تعالى من النعم الظاهرة والباطنة التي لا يستطيع الإنسان عدها؛ لا يؤدي الشكر لواهبها له، فينقص من حق الله تعالى ليصرفه بظلمه إلى غيره، وإنكاره بكفره مسبب النعمة له؛ فكان القطع موافقًا لقطعهم العطاء عن الله المعطي لهم ما سألوه، ورغبوا فيه، وانصرافهم عنه بكفرهم وظلمهم بدلا من حمده وشكره.
وفي قوله تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44) المؤمنون.
لا يرسل جميع الرسل إذا أرسلوا إلى أمة واحدة في زمن واحد؛ فيتواصل إرسالهم زمنًا بعد زمن، وعلى ذلك تكتب "كلما" موصولة.
وأما إذا أرسل الرسل إلى أمم مختلفة كما في الآية، فقد يجمعهم زمن واحد، أو يكونوا في أزمنة مختلفة؛ لذلك رسمت كلما على القطع لتفرق الرسل على أمم مختلفة.
وكان وصل "كلما" في المواضع التي فيها تواصل مرة بعد مرة.
كالتواصل في المشي؛
في قوله تعالى: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا (20) البقرة.
وتواصل الرزق لأهل الجنة؛
في قوله تعالى: (كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ (25) البقرة.
وتواصل الرسل إلى بني إسرائيل؛
في قوله تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) البقرة،
والتواصل في مثلها؛ في قوله تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَاءِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) المائدة.
وتواصل اليهود نقضهم للعهود دون أي إشارة لوفائهم بشيء منها؛
في قوله تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100) البقرة. وهو خلق ملازم لهم.
وتواصل تعاهد زكريا عليه السلام لمريم؛ في قوله تعالى: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا (37) آل عمران.
وتواصل تبديل جلود الكافرين في النار بعد نضجها؛
في قوله تعالى: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ (56) النساء.
وتواصل تأجيج النار على الكافرين؛
في قوله تعالى: (مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) الإسراء.
وتواصل محاولة أهل النار الخروج منها؛
في قوله تعالى: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) الحج.
وفي قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة
وتواصل اليهود في إشعال الفتن؛
(يُتْبَعُ)
(/)
في قوله تعالى: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) المائدة.
وتواصل دخول أمم النار يوم القيامة إلى أن يكتملوا جميعًا فيها؛
في قوله تعالى: (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا (38) الأعراف.
ومثلها في قوله تعالى: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك.
وتواصل مرور قوم نوح عليه السلام عليه عندما كان يصنع السفينة؛
في قوله تعالى: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ (38) هود.
وتواصل دعوة نوح عليه السلام لقومه؛
في قوله تعالى: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي ءاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) نوح.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السابعة عشرة: قطع ووصل في ما
وردت "فيما" في القرآن: (33) مرة؛ وصلت في (22) موضعًا، وقطعت في (11) موضعًا؛
فقد قطعت في قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ في ما ءاتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (48) المائدة.
وقطعت في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ ألأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ في ما ءاتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) الأنعام.
ما أتانا الله تعالى هو عطاء منقطع للابتلاء، قد يزول، وقد يبدل في أي وقت، وقد يفارقه صاحبه ليكون من نصيب ورثته، وعين العطاء عمره قصير، ويجدد على انقطاع بغيره؛ كان العطاء مما تنبت الأرض، أو من بهيمة الأنعام، أو كان بناءً، وليس هو بالعطاء الدائم كعطاء الآخرة، وعلى ذلك فقد وافق الرسم حال العطاء في الحياة الدنيا.
وقطعت في قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ في ما رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) الروم.
وفي الآية مقطوعان؛ قطع لملك اليمين على الشراكة في مال مالكه، وقد بيناه في قطع "من ما"، وقطع للرزق عن صاحبه؛ لأنه من عطاء الله تعالى غير الدائم، وقد جاء الرسم بالقطع موافقًا لذلك، ومع ذلك هم لا يقبلون مما ملكت أيمانهم الذين أعملوهم في رزقهم شركاء لهم فيه.
فكيف يقبل الله عز وجل شراكة من أعملهم في الأرض واستعمرهم فيها؟!.
وقطعت في قوله تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ في ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) الأنعام.
الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يقطع بتحريم شيء إلا ما ورد في تحريمه نص؛ ولذلك جاء الرسم بالقطع موافقًا لما عليه الحكم بالإباحة إلا ما استثني بالتحريم.
وقطعت في قوله تعالى: (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسهَا وَهُمْ في ما اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) الأنبياء.
الأصل في الاشتهاء أن يكون للمفقود وغير الموجود، ونعيم الجنة من الكثرة بما لا يعد ولا يحصى، فيمر وقت طويل بالانشغال عن بعضها بما لذ وطاب من أنواع أخرى من النعيم، فعند ذلك تشتهيه أنفسهم، فيقولون؛ (كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا (25) البقرة. فقد وافق القطع حال المشتهي مع ما يشتهيه.
وقطعت في قوله تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ في ما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) النور.
(يُتْبَعُ)
(/)
فقد وافق القطع في الآية؛ قطعهم ما أفاضوا فيه من القول، بعد أن تبين لهم الحق، وان ما قد قيل في حادثة الإفك التي نزلت فيها هذه الآية؛ هو بهتان عظيم على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وقطعت في قوله تعالى: (أَتُتْرَكُونَ في ما هَاهُنَا ءامِنِينَ (146) الشعراء.
وقد وافق القطع تقريع صالح عليه السلام وتوبيخه لقومه؛ على التمسك والاغترار بالمنقطع الذي لا استمرار له ولا خلود، والمقطوع عنهم؛ لأنه لا يني عليه أجر في الآخرة من زكاة تخرج منه، أو نفقة، أو صدقات، وهو الذي قطعهم عن الله، فكفروا به، وبالآخرة.
وقطعت في قوله تعالى: (عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ في ما لا تعلمون (61) الواقعة.
وقد وافق القطع ما قطع عنا العلم به والمعرفة له مكانًا وزمانًا.
وقطعت في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) البقرة.
وقد وافق القطع رفع الحرج عن أهل الزوجة التي توفي عنها زوجها؛ إن قطعت الزوجة الوصية، وخرجت من بيت زوجها الذي وصى لها الانتفاع بالبيت حولاً كاملاً بعد وفاته عنها.
وقطعت في قوله تعالى: (قل اللهم َّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ في ما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر.
وقد وافق القطع الفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، وباعد بينهم في الدنيا؛ فمنهم من اتبع الحق، ومنهم من انصرف إلى الباطل، والبعد بينهم في الآخرة أشد وأعظم مما في الدنيا.
وقطعت في قوله تعالى: (ألا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ في ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِِبٌ كَفَّارٌ (3) الزمر.
وقد وافق القطع التفريق بينهم وبين من يعبدونه ليقربهم إلى الله زلفى؛ فقد جاء في تفسير هذه الآية في تفسير "مفاتيح الغيب" للفخر الرازي؛ "واعلم أن الضمير في قوله: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ?للَّهِ زُلْفَى) عائد على الأشياء التي عبدت من دون الله، وهي قسمان؛ العقلاء وغير العقلاء؛ أما العقلاء فهو أن قوماً عبدوا المسيح وعزيزاً والملائكة، وكثير من الناس يعبدون الشمس والقمر والنجوم، ويعتقدون فيها أنها أحياء عاقلة ناطقة، وأما الأشياء التي عبدت مع أنها ليست موصوفة بالحياة والعقل فهي الأصنام، إذا عرفت هذا فنقول الكلام الذي ذكره الكفار لائق بالعقلاء، أما بغير العقلاء فلا يليق" والحكم لا يكون إلا بين العقلاء.
فالقطع والتفريق هو بين المشركين وبين الذين عبدوهم من الملائكة وعيسى والعزير، أما الأصنام فإنها تجمع معهم في النار؛ (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) الأنبياء.
أما وصلها في الحكم فيما يختلفون فيه؛ فإن هذا الاختلاف كان على الحق، فمنهم من اتبعه، ومنهم من أنكره وانصرف عنه وكفر به، فالحكم سيكون بإثبات الحق، وعلى ذلك كان الوصل فيها.
و"فيما" مكونة من "في" المستعملة مع الحركة والانتقال، ووصلها مع "ما" الموصولة بمعنى "الذي" علامة على ثبات ما اتصلت به فهو حق في الدنيا مختلف فيه، وحق في الآخرة عند الانتقال والحول إليها.
والحكم سيكون بين من أقر به واتبعه وآمن به، ومن أنكره وكفر به.
فالوصل في الآيات العشرة التالية بألفاظ الحكم أو القضاء أو الفصل هي كلها في الاختلاف على الحق الثابت في الدنيا والآخرة، فلا قطع ولا إبطال له، ولأجل ذلك كان الوصل فيها جميعًا؛
في قوله تعالى: (وقال الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فيما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) آل عمران.
وفي قوله تعالى: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فيما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل.
وفي قوله تعالى: (اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) الحج.
وفي قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فيما اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) البقرة.
وفي قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساء
وفي قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَاءِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمْ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فيما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) يونس
وفي قوله تعالى: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس
وفي قوله تعالى: (وَءاتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الأمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا ألا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فيما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية
وفي قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فيما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة
وقد وصلت "فيما" بعد "فلا جناح" في ست الآيات؛
وقد وصلت في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فيما فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) البقرة. وهذه الآية تحدثت عن أمر آخر فيه الوصل، غير أمر قطع الوصية في آية البقرة التي ذكرناها من قبل.
فلا جناح عليكم بعد انقضاء عدتهن؛ فيما يفعلن من مواصلة التزيين الذي كن يفعلنه بأنفسهن من قبل، والتعرض للخطاب بالمعروف شرعًا.
ووصلت في قوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلا أَنْ يَخَافَ ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فيما افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (229) البقرة.
افتداء المرأة لطلاقها من زوجها إن لم تطيق بقاء زواجهما؛ هو رد ما أمهرها من مال إليه، كما فعلت المرأة التي سألت الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، ووافقت على رد حديقته إليه، فالمال الذي قدمه الزوج لها، وانفصل عنه بملكيتها له، عاد إليه مرة أخرى واتصل به، وعلى ذلك كان الوصل لا القطع.
(يُتْبَعُ)
(/)
ووصلت في قوله تعالى: (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) البقرة.
أجاز الشرع التعريض للمطلقة والتي توفي عنها لطلبها للزواج بعد انتهاء عدتها.
ووصلت في قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) النساء.
جاء ذكر الاستمتاع بالنساء بعد تعداد ما يحرم الزواج بهن، والمهر فريضة فرضها الله للزوجة، فهو من حقها، وللزوج أن يؤخر بعض المهر من بعد الاستمتاع بهن، ويظل حقًا لها في عنقه، وقد يعجز الزوج عن الوفاء به، أو يشق عليه، فلا جناح في التراضي في حطه بعضه، وعلى ذلك كان الوصل كما في الآية السابقة.
ووصلت في قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فيما طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَءامَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) المائدة,
الأصل في الطعام والشراب الحل لا التحريم، ولا يحرم إلا ما ورد فيه تحريمه وأمثاله بنص، فليس جناح في تناول أي طعام، وعلى الطاعم تقوى الله تعالى في التحري عن حل الطعام واجتناب المحرم منه، وعلى ذلك كان الوصل لا القطع.
وفي قوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا ءابَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) الأحزاب.
ليس جناح على من أخطأ في وصل أولاد التبني بغير آبائهم، ولم يعرف هذا الخطأ، واستمر التصاق الأولاد بمن ألحقوا بهم، وعلى ذلك كان الوصل لما فيه بقاء الوصل بالنسب.
وتلحق بهذه الآيات وصلها قوله تعالى: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الأحزاب.
ما فرض الله تعالى لنبيه بمن يحل له الزواج بهن من النساء اللاتي ذكرن قبل خاتمة هذه الآية، وما خصه الله به من أحكام خاصة تبقى محللة له، ومن ذا الذي يحرمها عليه، ويبطل ويقطع حكم الله عنه؛ وعلى هذا الوصل فيما أحل الله له كان الوصل في الرسم.
ووصلت فيما في قوله تعالى: (هاأَنْتُمْ هَاؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (66) آل عمران.
لقد حاججوا فيما لهم به؛ وهو أن إبراهيم عليه السلام كان قبل أن تنزل التوراة والإنجيل، يريدون أن يبطلوا قول الله تعالى بأن إبراهيم كان حنيفًا مسلمًا؛
فكيف يكون يهوديًا أو نصرانيًا من أتباع هذه الكتب التي نزلت بعده؟!
ويحاججون في أمور كثيرة ليس لهم بها علم، فما حاججوا بما علموا وبما لم يعلموا هو أمر حق وثابت لا مبطل له ولا ناقض له، وعلى ذلك جاء الرسم بالوصل لا القطع في الموضعين.
ووصلت في قوله تعالى: (فَلَمَّا ءاتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فيما ءاتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) الأعراف.
فما آتاهما الله تعالى من الولد يظل متصلا بهما؛ حيث هما أبواه، أشركا بالله أم لم يشركا؛ وعلى ذلك جاء الرسم بالوصل.
(يُتْبَعُ)
(/)
ووصلت في قوله تعالى: (لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فيما أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) الأنفال
فما أخذه المسلمون من الغنائم يوم بدر، وأصبح من ملك أيديهم، بقي لهم ولم ينزع منهم، بعد أن عفا الله عنهم وأحله لهم.
ووصلت في قوله تعالى: (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون.
مال الميت يكون موصولا به قبل موته، ومسئولاً عنه يوم القيامة أمام الله تعالى بعد موته؛ من أين اكتسبه؟، وفيم أنفقه؟، وهل أخرج منه حق الله مما افترضه عليه؟، وعلى ذلك كان الوصل، فلا انقطاع للمسؤولية عما يتركه الميت بعده.
ووصلت في قوله تعالى: (وَابْتَغِ فيما ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) القصص
خاطب بنو إسرائيل قارون فيما هو متصل به في حياته؛ مما آتاه الله تعالى من الكنوز والأموال؛ لينفق منها في سبيل الله ابتغاء الأجر والثواب بما عند الله تعالى، ويخرج حق الله فيها، وعلى ذلك كان الوصل في الرسم موافقًا للمال الموصول في الواقع بصاحبه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثامنة عشرة: وصل وقطع أن لو
وردت "أَنْ لَوْ" في القرآن أربع مرات؛ قطعت في ثلاث منها؛
في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) الأعراف.
بين الله تعالى في الآية أنه لو شاء لأصاب المشركين بالعذاب؛ فدل ذلك على أن العذاب لم يقع بهم، وأنه مقطوع عنهم، فكان القطع في الرسم موافقًا لما دل عليه سياق الآية، بأن العذاب مقطوع عنهم، وأن وقوعه مرتبط بمشيئة الله عز وجل.
وقطعت في قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَايْـ (ءَ) ـسْ الَّذِينَ ءامَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد.
لم يكن الناس جميعهم في يوم من الأيام على الهداية مهما جاءتهم من آيات من الله تعالى؛ ابتداء من ابني آدم إلى قيام الساعة؛ وسيظل هناك من تصيبه قارعة بذنبه إلى أن يأتي وعد الله؛ فكان القطع موافقًا لما هو عليه الحال الدائم للناس؛ أنهم لن يجتمعوا كلهم على الهدى.
وقطعت في قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) سبأ.
ما كان للجن أن يعلموا الغيب في السابق ولا لاحقًا، وعلم الغيب هو لله وحده، فجاء الرسم بما يوافق قطع علم الغيب عن الجن، من قبل ذلك ومن بعده، خلافًا لما يظن كثير من الجهلة أن لهم القدرة على الاطلاع على علم الغيب.
وقد وصلت "أَنْ لَوْ" في موضع واحد فقط؛
في قوله تعالى: (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) الجن.
ففي الآيات السابقة كان التمني لشيء لم يكن، فكان الرسم بالقطع، أما في هذه الآية فهو لشيء كان؛ فقد بينت الآية أنهم كانوا على الطريقة الحق المستقيمة، والتمني لو أنهم تواصلوا عليها بالاستقامة، فكان الوصل في الرسم لا القطع.
ووافق الوصل؛ سقوط نون النزع من الرسم بالإدغام بلام الالتصاق.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة التاسعة عشر: قطع إنْ مِنْ
وردت "إنْ مِنْ" خمس مرات مقطوعة في الجميع؛
و"إنْ" في الآيات التالية؛ هي "إنْ" النافية المشبهة بليس، التي تدخل على الجمل الاسمية، غير العاملة لاقتران خبرها بإلاَّ. و"مِنْ" حرف جر زائد للتوكيد، وزياد ة من بعد النفي فيها جعلت الاسم يعم الجنس، وجعلت المرفوع مجرورًا تأكيدًا على مطاوعته وعدم امتناعه في استقبال الفعل الواقع عليه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكان القطع موافقًا لما أُخبر عنه في الآيات التي جاءت فيها "إنِْ مِنْ"؛
فقد قطعت في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) النساء.
فأهل الكتاب سيقطعون القول بألوهية عيسى ابن مريم عليه السلام، وقولهم إن الله ثالث ثلاثة، تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا؛ وذلك بعد نزوله، وسيؤمنون بعيسى عليه السلام؛ عبدًا لله ورسوله، وكلمة منه ألقاها إلى مريم، كما أخبر ذلك الله تعالى عنه، ولا يصح الإيمان منهم إلا بعد قطع أقوالهم فيه أولاً، وعلى ذلك كان القطع في الرسم.
وقطعت في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) الحجر.
الشيء هنا هو الرزق الذي عرفوه مما قطع من خزائن الله تعالى ليكون رزقًا لهم، فلأجل ذلك كان القطع لها في الرسم.
وقطعت في قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء.
فكل شيء هو يسبح لله تعالى، ولكن هذا التسبيح مقطوع عنا الفقه فيه، وعلى ذلك كان القطع في الرسم.
وقطعت في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) الإسراء.
فهلاك القرية هو قطع لحياة أهلها، وقطع لاستعمارها الناس لها، وكل قرية هي هالكة قبل يوم القيامة، فمنها من يقطع بهلاكه عن شهود العذاب في قيام القيامة، وآخرهم هم ممن بقي في قلبه ذرة إيمان، ثم تقوم القيامة على شرار الناس، ووافق القطع في الرسم هذا القطع بالهلاك.
وقطعت في قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ (24) فاطر.
الأمم كثيرة، والرسل قبل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كانوا ينذرون أقوامهم يوم القيامة هم كثر؛ وقد انقطع وجوده قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام، وانقطع وجود أمم كثيرة كذلك.
فالقطع في هذه الآيات وافق القطع المخبر عنه، ووافق التعميم تفرق وتباعد الأمم على الأمكنة وفي الأزمنة.
ـ[العرابلي]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 09:22 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة العشرون: وصل وقطع أينما
وردت أينما (12) مرة؛ قطعت في (8) مواضع، ووصلت في (4) مواضع؛
فقد وصلت في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) البقرة.
الصلاة تصل إلى الله، ولا يقطعها بعد مكان إقامتها عن المسجد الحرام، ولا الجهة التي يقع فيها المسجد الحرام، وعلى ذلك كان الوصل على تأكيد بلوغ صلاتك لربك الذي تصلى له.
ووصلت في قوله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (78) النساء.
الموت موصول بالإنسان، ولا مفر لأحد منه إلى أي مكان قد يوجد فيه أو ينتقل إليه، وعلى ذلك كان الرسم بالوصل لا القطع، فلا مفر لمخلوق من إدراك الموت له.
ووصلت في قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ (76) النحل.
لا يغير حال الأبكم الكَلَّ على مولاه تغير الجهة التي يوجه إليها، وعجزه يظل متصلاً، وملصقًا به، وعلى ذلك كان الوصل في الرسم لا القطع.
ووصلت في قوله تعالى: (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) الأحزاب.
اللعنة تلاحق المنافقين والمرجفين أينما ثقفوا؛ أي أينما وجدوا وأي مكان ينطلقون إليه أو يدخلون متسللين فيه؛ فإن تثقيف السهم هو لتسهيل دخوله في الرمية ومروقه منها، وعلى ذلك كان الرسم بالوصل لا القطع لوصول اللعنة إليهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقطعت في قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) البقرة.
الجمع والإتيان يكون لما هو متفرق ومتباعد، وليس لما هو مجموع ومتقارب؛ وعلى ذلك جاء الرسم بالقطع لا الوصل.
وقطعت في قوله تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ (112) آل عمران
التفرق يلحق بأهله الذل والهوان، وقد قضى الله تعالى على بني إسرائيل التفرق أمما مشتتين في الأرض، إلا ما استثناه الله تعالى لبعض منهم؛ وعلى ذلك كان القطع لارتباط الذل بالتفرق.
وقطعت في قوله تعالى: (حَتَى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) الأعراف.
سؤال عما عبدوهم في الحياة الدنيا، ولا وجود له في الآخرة؛ فكان الرسم بالقطع موافقًا لما لا وجود له في الآخرة عند السؤال عنه.
وكان القطع لنفس السبب في آيتي الشعراء وغافر؛
في قوله تعالى: (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) الشعراء.
وفي قوله تعالى: (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) غافر.
وقطعت في قوله تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) مريم.
البركة لعيسى عليه السلام ليست محصورة بمكان ولادته، وأرض قومه؛ بل هي ملازمة له أينما انتقل ورحل، وتباعد عن قومه، وأرضهم؛ فجاء القطع موافقًا لما أخبر به عليه السلام عن نفسه.
وقطعت في قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد.
بسبب طبع الإنسان، وضروريات الحياة؛ فإنه لا يظل محصورًا في مكان واحد، وعليه الانتقال في الأرض، والانتشار فيها، وعلى ذلك كان الرسم بالقطع؛ وتظل معية الله لنا قائمة حيث كنا.
وقطعت في قوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا (7) المجادلة.
سبب القطع في هذا الموضع هو نفسه في الآية السابقة؛ مع زيادة في التفصيل؛ قل عددهم في أماكن تواجدهم أم كثر، جهروا بصوتهم، أم تناجوا بينهم؛ فالله السميع البصير هو معهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الحادية والعشرون: وصل وقطع بئسما
بئسما بالقطع والوصل كلها وردت في أهل الكتاب، وقد انقسم فعلهم على حالين؛ حالة يعودون فيه إلى المعصية أو الشرك والكفر بعد الخروج منه، وحالة يخرجون من إيمان وطاعة كانوا عليها؛ فإن كان العودة لكفر سابق كتب بالوصل، وإن كان الخروج من إيمان سابق كتب بالقطع.
وردت بئسما تسع مرات؛ قطعت في ستة مواضع، ووصلت في ثلاثة منها؛
فقد وصلت في قوله تعالى: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ (150) الأعراف.
كل رسول يرسل لقومه إنما يرسل لإخراجهم من البؤس الذي هم فيه، وعلى رأسه الإشراك بالله عز وجل؛ فعندما يرجعون إلى إشراكهم بالله بعد خروجهم منه؛ إنما هم يستمرون على الحال الذي كانوا عليه من قبل؛ وعلى ذلك كان الرسم بوصل بئسما.
ووصلت في قوله تعالى: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) البقرة.
كان هذا الفعل من أهل الكتاب الذين كانوا يبشرون بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ ويستفتحون على الذين كفروا به؛ فلما جاء النبي بالكتاب الذي نزل عليه مصدقًا لما معهم؛ كفروا به واستمروا على ما هم عليه من البؤس الذي هم فيه، فعلى ذلك كتبت بالوصل لا القطع.
(يُتْبَعُ)
(/)
ووصلت في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا ءاتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) البقرة.
فهذا تذكير لهم بكفرهم السابق أيام موسى عليه السلام وفساد فطرتهم في كفرهم بنبوة الرسول صلى الله عليه وما جاء به فكتبت مثل السابقات على الوصل لا القطع.
وقد قطعت في قوله تعالى: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) البقرة.
في الآية تحذير من تعلم السحر الذي يقطع الإيمان السابق قبل تعلمه؛ وعلى ذلك كتبت بالقطع لا الوصل
وقطعت في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) آل عمران.
فقد قطعوا العهد الذي أخذ عليهم بعدم كتم ما في الكتاب، وقد كتموا أمر الله إليهم بالإيمان بالنبي عليه الصلاة والسلام ونصرته، فالحديث عن كتم العلم وإنكاره، وقد حفظوه زمنًا طويلا من قبل، أما الكفر به فهو عودة لما كانوا عليه، وعلى قطعهم للعهد جاء الرسم بالقطع كذلك.
وقطعت في قوله تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) المائدة.
مسارعتهم في الإثم هو خروج عن طاعة الله تعالى؛ بعد أن تعلموا العلم الذي أوصلهم ليكونوا أحبارًا ورهبانًا، فأقدموا على قطع ذلك بالمعاصي والإثم وأكل السحت، وعلى ذلك جاء الرسم بالقطع كذلك.
وقطعت في قوله تعالى: (لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) المائدة.
والآية أيضًا متعلقة بالأحبار والرهبان الذين في الآية السابقة؛ ففيها بيان أيضًا بقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بالسكوت عن القائلين بالإثم والآكلين للسحت، فكان الرسم بالقطع موافقًا لهذا القطع منهم.
وقطعت في قوله تعالى: (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) المائدة.
لقد كان عندهم من الأحكام ما يجعلهم يفرقون ما هو معروف وما هو منكر؛ فقطعوا العمل بالمعروف إلى العمل بالمنكر، فعلى ذلك جاء الرسم بالقطع.
وقطعت في قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) المائدة.
فهؤلاء هم نفس السابقين؛ فتوليهم للذين كفروا هو قطع آخر منهم لما يؤمرون به في الكتاب الذي أنزل عليهم، فكذلك كان الرسم بالقطع أيضًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثانية والعشرون: وصل وقطع كيلا
"كيلا" مكونة من؛ "كي" و"لا"، وكي: حرف من حروف المعاني ينصب الأفعال المستقبلة، واستعماله لبيان علة وقوع الشيء، ودخلت على كي اللام للتوكيد، وألحقت بها لا النافية لقلب الإيجاب إلى السلب.
وقد ذكرت "لكيلا" في القرآن الكريم (7) مرات، إلا واحدة منها بغير لام؛ وقد وصلت في (4) مواضع، وقطعت في (3) مواضع؛ وكان الوصل والقطع تبعًا لما أراده الله تعالى من العباد فعله؛
فقد وصلت في قوله تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) آل عمران.
هذه الآية نزلت في غزوة أحد، وقد هزم المسلمون فيها بعد أن كان لهم النصر في بادئ الأمر، واستشهد منهم سبعون شهيدًا؛ أي عُشر الجيش الذي خرج في هذه الغزوة، وكانت صدمة كبيرة للمسلمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
والهزيمة تولد في الأمم الإحباط، وتغير سياستهم من الهجوم إلى الدفاع، والتقاعس عن القتال، والأمة الإسلامية التي أنزل الله عليها كتابه، وألزمهم بتبليغ رسالته إلى الناس، وأمرهم بالجهاد من أجل ذلك، وجعل أجر الشهيد الفوز بالجنة، فإن الأمة ستلاقي في مواضع كثيرة مثل ما لاقوه في أحد، وأشد من ذلك ودون ذلك، فعليهم ألا ينصرفوا عن القتال، وقطع الجهاد لمصيبة تصيبهم في الحرب أو هزيمة، ويجب عليهم مواصلة الجهاد في سبيل الله مهما فاتهم من غنائم أو أصابتهم من مصيبة.
وللمعنى الذي أراده تعالى، وحكمته التي أرادها في هزيمة المسلمين، وكان بقدرته منع ذلك؛ جعل من تلك الحادثة منهاجًا للمسلمين في الحرب على مر العصور؛ فكتبت (لكيلا) موصولة لتكون صورة لتواصل الجهاد وعدم قطعه مهما كانت نتائجه.
وكان عدم الأخذ بما هذه الآية بعد معركة بلاط الشهداء؛ اختفاء الإسلام بعد زمن من أرض الأندلس.
ووصلت في قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا ءاتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد
يبين الله تعالى في هذه الآيات أن ما يناله الإنسان من خير، أو يصيبه من مصيبة؛ قد كتب عليه من أن قبل أن يخلقه، وأنه لم يحدث له شيء إلا بعلمه سبحانه وتعالى.
وأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان إلا لعبادته؛ فلا يقطع عبادته لله تعالى إن أصابته مصيبة؛ فييأس، ويتقاعس عن العمل، أو يكفر بالله لأنه حرمه من خير الدنيا وأصابه بالمشقة فيها، وكذلك لا يبطر ويفسد في الأرض إن كثر الخير بين يديه، وليكن كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجبت لأمر المؤمن فأمره كل خير إن أصابته ضراء صبر وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له).
وعلى ذلك كتبت (لكيلا) موصولة على ما يريده الله تعالى من مواصلة العبادة له في الضراء والسراء.
ووصلت في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّاتِي ءاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ الَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) الأحزاب
محمد صلى الله عليه وسلم نبي هذه الأمة وإمامها ومعلمها؛ فهو أول من طبق أحكام الله فيها، وقد فرض الله له بعض الأحكام الخاصة به في ظاهرها، وفي طياتها إعانة من الله له في تبليغ رسالته، وتطبيق أحكامه؛ كإحلال الله له التزوج بأكثر من أربع نساء، وكان في زواجه من كل واحدة له أسبابه الخاصة به.
وقد بين تعالى في بداية السورة أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فهو وليهم ذكورًا وإناثا، وكبارًا وصغارًا، وبين تعالى في هذه الآية حكمًا لولا سبق بيانه للأمة؛ لكان للمنافقين والمرجفين، والذين في قلوبهم مرض حديث يخوضون فيه، وهذا الحكم هو زواج النبي صلى الله عليه وسلم ممن تعرض نفسها عليه لتكون زوجًا له، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين، ويدل هذا على أن العرض منها بدون إذن وليها، أو تطلب من وليها عرض ذلك عليه لمهابة المسلمين من فعل ذلك، والقبول يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل أنه لم تعرض نفسها إلا امرأة واحدة، ثم طلبت أن تقال من هذا العرض، ولم يكن هناك زواج للنبي عليه الصلاة والسلام عن طريق هذا الحكم.
والحكمة من هذا الحكم أنه لو كان رسول الله تقدم لامرأة ورغب في الزواج منها، أو كانت الرغبة منها هي؛ فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، ورفض ولي المرأة هذا الزواج، وفضل غير رسول الله عليه؛ لكان ذلك كفرًا منه، وهلاكًا له، فرحمة من الله بالمؤمنين بين هذا الحكم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وحتى يتواصل رفع الحرج عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يبقى لمتكلم كلام يأخذه عليه؛ فبين سبحانه وتعالى هذا الحكم، وعليه كتبت (لكيلا) بالوصل لما أراده الله بحكمته من هذا الحكم؛ من تواصل رفع الحرج عن رسوله عليه الصلاة والسلام.
ووصلت في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) الحج.
كتبت "لكيلا" في هذه الآية من سورة الحج بالوصل وفي الآية المشابهة لها من سورة النحل بالقطع وسر هذا الوصل وذاك القطع في الآيتين يعود إلى مقدمة كل آية منهما.
ففي بداية آية الحج يبين الله تعالى للمنكرين للبعث، والشاكين في حدوثه؛ ما يذكرهم كيف بدأ وجودهم في الحياة، ومراحل الضعف التي مروا بها؛ فبدايتهم من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة، وفي هذه المراحل لم يكن للإنسان صورة الإنسان، ويخشى عليه من السقوط، ثم يقر الله ما يشاء منهم في الأرحام إلى أجل يخرج بعدها طفلا لا يعلم شيئًا، ثم يعطيه تعالى من العلم والقوة حتى يبلغ أشده، وبعدها إما الموت المبكر له، وإما بلوغ أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئًا.
فقد فصل تعالى مراحل عمره وكلها في الضعف إلى مرحلة واحدة؛ هي بلوغ أشده من بين تلك المراحل، وفي نهاية أمره أنه انتهى إلى ما بدأ فيه من الضعف، فالضعف عاد إليه، واستمر في الضعف ابتداء وانتهاء، ولتواصل الضعف عليه؛ كتبت لكيلا موصولة لبيان هذا التواصل من الضعف فإن من التواصل العودة لما فارقه.
وتدل هذه الآية على أن القدرة له في حفظ العلم ضعفت ولم يبق من العلم إلا القليل، وقد بينت هذا أيضًا "من" التبعيضية (لكيلا يعلم من بعد علم)، أو أنه لم يأخذ من العلم إلا القليل، وفقده في آخر العمر؛ فتواصل عليه الضعف عودًا على بدء.
وأما قطعها في قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) النحل.
فقطعت (لكي لا) في هذا الموضع خلافًا لوصلها في الموضع السابق المشابه له من سورة الحج، ويكشف أيضًا سر هذا القطع مقدمة الآية؛ فقد بين تعالى أن الله خلقنا فأعطانا الحياة، ثم يتوفانا فينزع منا الحياة، وأعطانا العلم، ثم ينزعه ممن بلغ أرذل العمر منا؛ فالعلم أعطي ثم قطع كما أعطيت الحياة ثم قطعت بالوفاة، فجاءت كتابة (لكي لا) مقطوعة لتبين القطع الذي حدث للعلم ولم يؤت بمن التبعيض في هذه الآية كما جيء بها في السابقة.
والفرق بين الآيتين أن في آية الحج تواصل الضعف عليه وبقي من العلم القليل، وفي آية النحل قطع هذا العلم فلم يبق منه شيء، والمثالين موجودين في حياة الناس ممن بلغ أرذل العمر.
ومما لا شك فيه من الأمثلة التي يعرفها الناس أن فقدان العلم للعالم قليل، ويبق لديه مما يحفظ له شخصيته، وأما الجاهل قليل العلم ففقده كبير لما تعلمه في الحياة، فيسوء حاله في آخر عمره، حتى لا يحفظ شيئًا من أمور الحياة؛ وقد يضل عن بيته لذلك، فيظل تحت مراقبة أهله حتى لا يفقد أو يضع نفسه في مهلكة.
فهؤلاء الذين قطع عنهم العلم؛ لم يذكر تعالى في بداية الآية أنه أعطاهم علمًا، فهم في حكم الجهلاء قليلوا العلم، وهم الأشد سوءا عندما يبلغوا أرذل العمر، والله تعالى أعلم بعباده.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقطعت في قوله تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) الأحزاب.
كان ادعاء الأبناء وتبنيهم وجعلهم كالأولاد من الصلب عادة متأصلة عند العرب، حتى أن قريشًا عرضت على أبي طالب من أبنائها مقابل محمد عليه الصلاة والسلام ليقتلوه، وقد بين تعالى في بداية سورة الأحزاب حكمه في هذا الأمر بقوله تعالى: ( ... وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا ءابَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ (5) الأحزاب.
ولم يكف بيان الحكم عند الناس للأخذ به لشدة تأصله فيهم، فكان لا بد لاستئصال هذه العادة؛ أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بتطبيق ذلك الحكم بنفسه بزواجه من مطلقة زيد بن ثابت، الذي تبناه النبي قبل الإسلام، وكان يسمى بزيد بن محمد؛ ليكون في تطبيقه هذا الحكم الشديد عليه؛ قدوتهم وإمامهم في تطبيقه.
وقد أخبر سبحانه رسوله بذلك الأمر، وزيد يشكو من زينب بنت جحش للنبي عليه الصلاة والسلام، وامتناعها وتكبرها عليه، وقبل أن يوافقه على طلاق زوجه كان يقول له: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)؛ حتى يؤخر هذا التطبيق، أو يرفعه الله عنه، وقد كانت العرب ترى ذلك من العار الكبير؛ فثقل الأمر على رسول الله، وأخفى في نفسه ما بلغ به مما سيكون شأنه مع زوج دعيه السابق؛ (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)، وقد الله تعالى قضى هذا الأمر، وقضاؤه لا يرد؛ (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)؛ ففي فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بزواجه من مطلقة دعيه قطعًا لعادة التبني عند العرب.
ولذلك كتبت (لكي لا) مقطوعة تبعًا لمراد الله في قطع عادة التبني المتأصلة عند العرب، ولا يتحرج المؤمنون بعد ذلك من هذا الأمر.
وقطعت في قوله تعالى: (مَّآ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا ءاتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر.
أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون لليتامى، والمساكين، وابن السبيل، ولذي قربى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ممن لم يحضر الحرب، ولم يشارك بها، أو هو عاجز عن المشاركة فيها؛ نصيب من الغنائم التي لم تأت عن طريق القتال والتي تسمى بالفيء.
لهذا الشيء المراد من توزيع الفيء وتقطيعه ولا يجمع بأيدي فئة قليلة؛ كان رسم (كي لا) مقطوعًا ليكون موافقًا لحكم الله تعالى وصورة لما يريده في هذا المال ... والله تعالى هو العليم الحكيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثالثة والعشرون: وصل ويكأن
وردت "وي" كأن مرتين، وقد وصلت فيهما؛
في قوله تعالى: (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) القصص.
ويكأنه مكونة من؛ "وي" اسم فعل للندم والتفجع والتعجب، و"كأن" للتوكيد والتشبيه؛
وقيل مكونة من؛ "ويك" و "أنَّ" وأصل "ويك"؛ "ويلك" أسقطت اللام منها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقيل أنها مكونة من؛ "وي" و "الكاف" الداخلة على "أنَّ".
وقيل أنها كلمة واحدة.
ولم ترسم في المصحف إلا ككلمة واحدة.
ومعنى "ويكأنَّ" الله؛
ألم تر أنَّ الله يبسط الرزق، ألم أن الكافرين لا يفلحون.
اعلم أنَّ الله يبسط الرزق، اعلم أن الكافرين لا يفلحون.
وما حدث لقارون من الهلاك بالخسف به، وبداره؛ يثير الخوف والعجب،
ويجعل الذي تمنوا مكانه يتندمون على تمنيهم،
ويخشون من عقابهم على تمنيهم ذلك.
ويثير عجبهم من بسط الرزق لمن لا يحسن العمل به ولا يشكر الله عليه، ويكون من الكافرين.
وعجبهم من أن بسط الرزق للكافرين لا ينجيهم من عذاب الله.
وأن بسط الله تعالى الرزق لمن يشاء حقيقة دائمة
وأنه لا فلاح للكافرين حقيقة دائمة
وكان التعجب بـ "وي" مما له صفة الدوام.
فكان وصل (وي) التعجب بـ (كأنَّ) المؤكدة لما هو دائم ومستمر في الرسم موافق للمعاني التي استعملت لها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الرابعة والعشرون: وصل وقطع أنْ لنْ
وردت "أن لن" ثلاث عشرة مرة؛ قطعت في أحد عشر موضعًا، ووصلت في موضوعين؛
فقد وصلت في قوله تعالى: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) الكهف.
هذا الخطاب هو في يوم القيامة، بعد أن تحقق الوعد بإعادة خلقهم مرة أخرى، وأصبح الوعد حقيقة يعيشونها؛ فعلى ذلك كتبت بالوصل وليس بالقطع الذي ذكروا به من قبل، ولم يعد أحد يزعم به بعد قيامه.
وأما قطعها في قوله تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) التغابن.
فلأن هذا الزعم بالنفي للبعث قائم في الدنيا؛ وعليه كان القطع لا الوصل.
وقد وصلت في قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) القيامة.
والظن يكون فيما لم يأت بعد، والشك في شيء قد أتى، والحساب هو التقدير لشيء قائم، وعظام الإنسان مجموعة وقائمة فيه، وهو يقدر أن الله لن يعيدها مجموعة مرة أخرى؛ فعلى ذلك كان الرسم بالوصل لا القطع.
أما قطعها في قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) محمد.
فلأن الظن هو في شيء لم يأت، والتقدير أن الله لن يخرج أضغانهم، وقد قال تعالى بعدها: (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ (30) محمد؛ فجاء القطع موافقًا بالقطع الذي يظنوه وأن أضغانهم لن تخرج.
وأما قطعها في قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) البلد.
فالحساب كما قلنا لشيء قائم، وهو ينفق ماله كما يشاء، ولا يجد من يحاسبه عليه؛ (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) البلد. ولم ير من قدرة الله شيئًا يقع عليه عقابًا له؛ فعلى ذلك كان القطع؛ لقطع المحاسبة عنه على فعله إلى أن قال قوله.
وقطعت في قوله تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) الأنبياء.
ظن يونس عليه السلام أن الله تعالى لن يقدر عليه؛ أي لن يضيق عليه، فظنه أن ذلك بعيدًا عنه؛ فكان الرسم بالقطع على ما ظن، ولكن ما حدث له خلاف ما ظن فقد أصبح محصورًا مضيقًا عليه في بطن الحوت, في ظلمات لا يرى فيها نورًا؛ ضيقًا في المكان، وفي الرؤية عندما أقر بذنبه ونزه الله تعالى وشاهدًا له بالوحدانية، فأخرجه تعالى من الظلمات إلى البر.
وقطعت في قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) الحج.
كان قطع أن لن في الرسم موافقًا لمن يظن أن النصر مقطوع عنه.
وقطعت في قوله تعالى: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) الفتح.
وكان قطع أن لن في الرسم يوافق ظن المنافقين قطع المشركين عودة الرسول إذا قدم عليهم ليطوف بالبيت الحرام.
وقطعت في قوله تعالى: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) الجن.
وكان ظن الجن أن الإنس والجن لن تبلغ بقول عن الله كذبًا، وكان الرسم موافقًا لهذا الظن بالقطع.
وقطعت في قوله تعالى: (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) الجن.
وكذلك ظن الجن أن الله تعالى لن يبعث أحدًا بعد الرسل السابقين فكان الرسم موافقًا لما هم عليه من الظن.
وقطعت في قوله تعالى: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) الجن.
وكذلك ظن الجن أنهم لن يعجزوا الله فإعجاز الله مقطوع عنهم وكذلك جاء الرسم بالقطع.
وقطعت في قوله تعالى: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) الانشقاق.
ظن الكافر أنه مقطوع عن الرجوع إلى الله عز وجل، ولن يبعث مرة أخرى؛ وعلى ذلك كان الرسم بالقطع.
وفي قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْءانِ (20) المزمل.
علم الله تعالى أن الناس لن يقدروا على إحصاء الليل بالعبادة؛ فهذه القدرة مقطوعة عنهم، وكذلك جاء الرسم بالقطع موافقًا لذلك.
لم تأت "أن لن" مع "ظن" إلا مقطوعة؛ لأنها متعلقة بأمر مستقبل مقطوع عن الوجود حتى يأتي زمن قدومه،
وأما مع "زعم" و"حسب" فقد جاء الرسم بالقطع والوصل حسب المعنى
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[العرابلي]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 09:24 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الخامسة والعشرون: وصل ربماوردت "ربما" مرة واحدة فقط؛
في قوله تعالى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) الحجر
ربما تقرأ بتشديد الباء وتخفيفها،
قرأ نافع وحفص وأبو جعفر بالتخفيف، والباقي بالتشديد.
ورب حرف جر يدخل على الأسماء، فيفيد التقليل، وقد يفيد التكثير، ويعرف ذلك بالقرينة، وما المتصلة به إما تفسر على أنها كافة ومهيئة لدخول رب على الفعل، وقد حصر دخولها على الفعل الماضي، ولكن لما كان فعل المستقبل "يود" من إخبار الله تعالى فهو مقطوع به، كالقطع بحدوث الفعل الماضي.
وتفسر "ما" بمعنى شيء؛ أي؛ رب شيء يوده الكافرون أن يكونوا مسلمين.
وهذا التواد من الكافر يكون عندما يرى مقعده من النار عند الموت، أو لما يرى نجاة المسلمين يوم القيامة من العذاب، أو عندما يخرج عصاة من المسلمين من النار.
ووصلها يدل على أن الكفار لا يودون شيئًا آخر غير أن يكونوا مسلمين، فهو ما يودونه كلما يحدث ما يثيرهم ويذكرهم بخلودهم في النار.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السادسة والعشرون: وصل ممن
وردت "مِمَّنْ" في (36) موضعًا، وقد صلت فيها جميعًا، ولم تقطع في أي واحدة منها.
"ممن" مكونة من حرف الجر "مِنْ"، و"مَنْ" الموصولة؛ والتي تصلح للدلالة على المفرد والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث؛
وعندما يستعمل مع "مَنْ" الموصولة؛ "مِنْ" التبعيضية؛ فإن ذلك يحصر استعمالها للدلالة على الجمع المبهم، ولذلك صار بينهما نسب وتلازم لا انفكاك منه؛ لأن هذا البعض من ذاك الجمع؛ كان منهم، أو لحق بهم فأصبح منهم، فكتبت على ذلك في الرسم موصولة؛ واختفت بالإدغام نون النزع تأكيدًا لمعنى الوصل؛ وهذا الوضع مناسب مع "مَنْ: للاستفهام الاستنكاري التي جاءت في خمسة عشر موضعًا جاءت فيها: (ومن أظلم مِمَّنْ)؛
كما في قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) الصف.
وثلاث مواضع فيها: (ومن أضَلُّ مِمَّنْ)؛
كما في قوله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) الأحقاف.
أو كانت دلالتها على جمع، وإن لم يذكر معها أداة شرط؛
كما في قوله تعالى: (لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ص.
وفي قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ (282) البقرة.
وجاءت في آية واحد لا احتمال فيها إلا لواحد فقط؛
في قوله تعالى: (تَنزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا (4) طه.
لقد نسب الله تعالى نزول القرآن لمن أوصله لنبيه وهو جبريل عليه السلام، بالألفاظ؛ نزل به، ونزَّله؛ في قوله تعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) البقرة.
وفي قوله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) النحل
وفي قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) الشعراء،
لكن مع المصدر "تنزيل" فلا يذكر إلا الله عز وجل، لأنه هو تعالى مصدر تنزيل القرآن.
وفي آية طه جيء بـ"مَنْ" لحصر الإشارة إلى ذات الله تعالى، ومع أن "مَنْ" لها دلالات عديدة إلا أن القرينة؛ (مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا) تحصر دلالتها في ذات واحدة؛ هي ذات الله عز وجل، لأنه لا خالق للأرض والسموات إلا هو سبحانه وتعالى، ولولا ذلك لما صح الإتيان بها إذا لم تحدد بقرينة تدل عليه، والإتيان بمِنْ التي للتبعيض، لاستبعاد غير الله عز وجل التي تشير إليه في الآيات السابقة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السابعة والعشرون: وصل فيم
وردت "فيم" في القرآن الكريم مرتان؛
(يُتْبَعُ)
(/)
في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) النساء.
وفي قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) النازعات.
فيم مكونة من؛ حرف الجر "في"، ومن "ما" الموغلة في الإبهام، والمختصة في العموم.
حرف الجر "في" مكون من حرفين؛
حرف الفاء المستعمل للدلالة على الحركة، وقد استعمل هذا الحرف منفردًا للدلالة على التعقيب المباشر بغير انتظار ولا تمهل، أي أنه حدث للشيء أمر جديد لم يتوقف فيه عند الأمر السابق.
وتكونت كذلك من حرف الياء الذي يدل على التحول.
ولكون الكلمة مكونة من حرفين فإن الحرف الثاني أخذ معنى انحصار الحرف الوسط واستمرار الحرف الأخير؛ فكانت الياء بهذا الوضع دالة على التحول الدائم المستمر للحركة التي أفادها حرف الجر "في"؛ حركة وتنقل مستمرين.
وعلى ذلك كان استعمال حرف الجر "في" مع الحركة في القرآن؛ كالحركة في الأرض؛
في قوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) النمل.
وفي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك.
ولكن عند الموت والهلاك تنعدم حركة الناس؛ فكان استخدام "على" بدلا من "في"؛
في قوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ (61) النحل.
واستعملت "في" مع الحركة في البحر؛
في قوله تعالى: (وَمِنْ ءاَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ (32) الشورى.
أما عند سكون الريح وتوقف السفن عن الحركة فاستعملت "على" بدلا من "في"؛
في قوله تعالى: (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ (33) الشورى.
واستعملت "في" مع حركة موسى إلى فرعون لدعوته، وهو أمر رهيب يتوقف عنده من لا يملك سندًا يحميه من بطش فرعون؛
في قوله تعالى: (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) الذاريات.
واستعملت "في" مع الصلب لما لم أراد فرعون التنكيل بالمصلوبين؛ لتسيح لحومهم وشحومهم على جذوع النخل؛ ليكون ذلك أرهب لرعيته، ولم يرد مجرد تثبيتهم "على" الجذوع.
في قوله تعالى: (وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) طه.
و"فيم" ومكونة أيضًا من: "ما"؛ الموغلة في الإبهام، والمختصة في العموم.
وهي مكونة من حرف الميم الذي يفيد الإحاطة والغلبة، فهي شاملة وحاصرة لكل أفراد الجمع،
ومن الألف التي تفيد الامتداد المنفصل؛ أي أن هذا الجمع لم يتوحد فيه أفراد، وبقي لكل فرد ما يميزه عن الآخرين، ومستقلا عنهم؛
لذلك كان استعمال "ما" شديد الإبهام، وشامل لكل شيء وأكثر الأشياء؛ هي أشياء غير عاقلة.
وقد حذفت ألف التفصيل فيها؛ وبقيت "م" الإحاطة، ووصلت بـ"في" فأصبحت؛ فيم" وأصبحت أداة للاستفهام.
والسر في هذا التغير في الدلالة؛ أن فاء الحركة بقيت دلالتها على الحركة؛ وياء التحول انحصرت؛ فانحصر التحول بحصرها، فأصبحت الحركة في محصور، وميم الإحاطة والغلبة استمرت؛ فأحدث ذلك تساؤل في هذا التغيير فتحولت إلى استفهام عن السبب، وأصبحت دلالة الحركة والتحول في حرف الجر "في" محصورة في الذي أحاط بها وغلبها وحصرها؛ فلهذا الالتصاق اتصلت "في" بالميم ليصبحان؛ "فيم".
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثامنة والعشرون: وصل أمّا
وردت "أم ما" المكونة من "أم" لطلب التعيين، و"ما" الموصولة؛ ثلاث مرات؛ وقد صلت فيها جميعًا، وأدغمت فيها الميم في الميم؛
(يُتْبَعُ)
(/)
في قوله تعالى: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ ءَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (143) الأنعام.
وفي قوله تعالى: (وَمِنْ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ ءَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ (144) الأنعام.
الأنعام من نعم الله تعالى، خلقها منفعة للناس؛ بلحمها، ولبنها، وجلودها، وأصوافها وأشعارها وأوبارها، وما تؤديه من أعمال، وحمل الإنسان ومتاعه.
والتحريم هو قطع المنفعة بها، أو ببعض منافعها، وما اشتملت عليه الأرحام مقطوع عنه العمل بالتحريم والإبعاد حتى يخرج منها، فعلى ذلك كتبت موصولة، وقوَّى المعنى إدغام الميم في الميم لتصبح ميمًا واحدة محصورة، قد انحصرت دلالة الإحاطة والغلبة فيها.
ووصلت في قوله تعالى: (قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ءَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) النمل.
سؤال استفهام إنكاري لمن يشرك بالله: الله خير أم ما يشركون؟!
وما يشركون به، هو موصول بهم في اعتقادهم وعبادتهم له، ومطلوب منهم في هذا السؤال مراجعة أنفسهم، ولو أنهم قرروا أن الله خير؛ لما أشركوا به، ولما داموا على شركهم، وما هم عليه، وعلى ذلك كان الرسم بالوصل لا القطع.
ولا تدخل فيها "أمَّا" الشرطية حيث هي تعد كلمة واحدة؛
كقوله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) الضحى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة التاسعة والعشرون: وصل أمّاذا
وردت "أماذا" مرة واحدة؛
في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (84) النمل.
وهي مكونة من أم: لطلب التعيين، وما: للاستفهام، وذا: اسم إشارة.
"أماذا" سؤال للتبكيت فيما هو معلوم؛ على تكذيبهم من قبل أن يحيطوا علمًا بما أمروا به، وعملهم بالتكذيب،
و"ذا" هو اسم إشارة لما هو موجود، والموجود يومئذ هو عملهم؛
كما قال تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف.
فعملهم يومئذ متصل بهم، وأحصي عليهم، ولا مفر لهم مما صغر منه أو كبر؛ وعلى ذلك جاء الرسم بالوصل.
وأصبحت ميما الإحاطة ميمًا واحدة محصورة؛ فانحصرت معها الإحاطة بالعمل، فلا يد لهم عليه لتغييره أو تعديله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثلاثون: وصل نِعِمَّا
وردت "نِعِمَّا" مرتان؛
في قوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة.
في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) النساء.
"نعم" حرف ماض جامد مخصوص بالمدح، اتصل باسم الموصول "ما" الذي يدل في الآية الأولى على الصدقات، والعدل وأداء الأمانات في الآية الثانية؛ وكلها مما يلازمها المدح ولا يفارقها؛ وعلى ذلك جاء الرسم بالوصل لا القطع.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الحادية والثلاثون: وصل عمّ
وردت "عَمَّ" في موضع واحد فقط؛
في قوله تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) النبأ
"عمَّ" مكونة من حرف الجر: "عَنْ"، ومن اسم الاستفهام: "مَا"؛ وقد أدغمت النون في الميم، وحذفت من الرسم، ثم حذفت ألف ما.
ما يسألون عنه؛ هو يوم القيامة، مستبعدين قيامه بعد الموت، هو متصل به، ولا مفر لهم منه، ومحيط بهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
فأبدلت لذلك نون النزع بميم الإحاطة، وتم إدغامها في الميم الثانية فصارت ميمًا واحدة مشددة، علامة على شدة الإحاطة بهم، واختفت نون النزع في الرسم كما اختفى النطق بها؛ علامة على أنه لا مفر لهم مما سألوا عنه، ويستبعدون قيامه.
ولما كانت "ما" المكونة من ميم الإحاطة التي شملت كل شيء تجمعه فيها، وألف الامتداد المنفصل الدالة على إنفراد أفراد هذا الجمع كل واحد بصفته المتميز بها، فإن الجمع يوم القيامة شمل كل الناس بلا استثناء، في وقت واحد لا يتقدم ولا يتأخر فيه أحد عن أحد؛ فقد حذفت كذلك ألف التفصيل.
فهذه الحذف الذي تم في رسم (عَنْ مَا) لتصبح (عَمَّ) قد مثل حقيقة ما يسألون عنه، وسهولة وسرعة قيامه يوم يأتي أجله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثانية والثلاثون: وصل كالوهم،
والكلمة الثالثة والثلاثون: وصل وزنوهم
وردت كالوهم مرة واحدة، وكذلك وزنوهم مرة واحدة؛
في قوله تعالى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) المطففين.
وهاتان الكلمتان في وصلهما كلام، ذكر في تفاسير عديدة، وانقل من تفسير القرطبي ما يبين ذلك؛
جاء في تفسير القرطبي،، لهذه الآية:
قوله تعالى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).
فيه مسألتان:
الأولى ـ قوله تعالى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ)؛ أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذفت اللام، فتعدى الفعل فَنَصب؛ ومثله نصحتك ونصحت لك،
قال: ومن الناس من يجعلها توكيداً، ويجيز الوقف على «كالُوا» و «وزَنوا» والأوّل الاختيار؛ لأنها حرف واحد. هو قول الكسائيّ. قال أبو عبيد: وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين، ويقف على «كالوا» و «وزنوا» ويبتدىء «هُمْ يجسِرون» قال: وأحسب قراءة حمزة كذلك أيضاً. قال أبو عبيد: والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين: إحداهما: الخطّ؛ وذلك أنهم كتبوهما بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين لكانتا «كالوا» و «وزنوا» بالألف، والأخرى: أنه يقال: كِلْتك ووزنتُك بمعنى كلت لك، ووزنت لك، وهو كلام عربي؛
والوجه الآخر: أن يكون على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مُقامه، والمضاف هو المكيل والموزون. وعلى القراءة الثانية «هُمْ» في موضع رفع بالابتداء؛ أي وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم فهم يخسرون. ولا يصح؛ لأنه تكون الأُولى مُلغاة، ليس لها خبر، وإنما كانت تستقيم لو كان بعدها: وإذا كالوا هم يَنْقُصون، أو وزنوا هم يُخْسرون.
والرأي أن كالوهم كلمة واحدة، ووزنوهم كلمة واحدة، وليس فيهما وصل، وذكرناهما لأنهما ذكرا ضمن الكلمات المقطوعة وتم وصلهما في الرسم القرآني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الرابعة والثلاثون: وصل مم
وردت "مِمَّ" مرة واحدة في القرآن الكريم؛
في قوله تعالى: (فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) الطارق.
تشكلت مم؛ مِنْ حرف الجر: "مِنْ"، ومن اسم الاستفهام: "مَا"؛ فقلبت نون "مِنْ" إلى ميم، وأدغمت في ميم "مَا"، وسقطت النون رسمًا وصوتها، وتم أيضًا حذف ألف "مَا".
من التبعيضية مكونة من حرف الميم، وهو يفيد الإحاطة والغلبة، فهو جامع لكل شيء ومحيط به، وحرف النون الذي يفيد النزع، فدل ذلك على وجود نزع من هذا الجمع، فكان في ذلك إشارة إلى الشيء المنزوع، والمنزوع منه، فكان استعمل هذا الاجتماع لهذين الحرفين للدلالة على معنى التبعيض؛ فهو بعض ذلك الجمع.
وما مكونة من حرف الميم، وهو يفيد الإحاطة والغلبة، فهو جامع لكل شيء ومحيط به،
وحرف الألف الذي يفيد الامتداد المنفصل، فهو للتفصيل؛ أي أن ذلك الجمع مكون من أفراد
قد اختص كل فرد منهم بما يميزه عن الباقين.
وما خلق منه الإنسان أكثر من شيء؛ فجزء نزع من صلب الأب، وجزء نزع من ترائب الأم، فاجتمع هذان المنزوعان ليكونا وحدة كاملة مندمجة، فكان حذف صورة النون علامة لاتحاد هذين الجزأين من الصلب والترائب، وكان في حذف الألف علامة لهذا الاندماج والتداخل بينهما، واختفاء تفاصيل ما تكون منهما، وكان في تولد الميم المشددة علامة لشدة الاتحاد والاندماج من هذين الجزأين.
لقد كان في هذا الحذف والوصل والإدغام؛ صورة في الرسم للواقع الذي جرى الحديث عنه في الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الخامسة والثلاثون: وصل كأنَّمَا
وردت "كأنَّما" في القرآن؛ (6) مرات في (5) آيات؛
(يُتْبَعُ)
(/)
في قوله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32) المائدة.
وفي قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ (125) الأنعام.
وفي قوله تعالى: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) الأنفال.
وفي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنْ الَّيْلِ مُظْلِمًا (27) يونس.
وفي قوله تعالى: (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) الحج.
كأنَّما مكونة من حرف النصب والنسخ؛ "كأنَّ"، ومن "مَا" الكافة، التي كفت "كأنَّ" عن عملها، وهيئتها للدخول على الأفعال كما هو الحاصل في جميع المواضع التي ذكرت فيها.
وهذا يدل على قوة تأثير "ما" على عمل "كأنَّ، وهذا يدل على شدة الاتصال بها حتى كان لها هذا التأثير؛ لذلك رسما كلمة واحدة موصولة.
واستعمال "كأنََّ" يؤثر في المبتدأ فينصبه، ويبقي الخبر على رفعه، واستعمال "ما" هو للعموم، والغموض والإبهام؛ فتتساوى الأشياء فيها، فدخول "ما" على "كأنَّ" يلغي تأثيرها في المبتدأ دون الخبر، فيلغي عملها في النصب، ويلغي اختصاها بالأسماء فقط دون الأفعال، فيهيئها للدخول على الأفعال كذلك، وهذا هو سر تأثيرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السادسة والثلاثون: وصل مهما
وردت "مهما" مرة واحدة في القرآن الكريم؛
في قوله تعالى: (وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ ءايَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) الأعراف
وهي مكونة من كلمتين (مَهْ – مَا)
مهما اسم شرط لغير العاقل، يجزم فعلين مضارعين، الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه.
وهو اسم موغل في الإبهام، قيل بأن "مَهْمَا" مكونة من: "مَهْ" و"مَا"، وعلى ذلك كان استعمالها لغير العاقل من استعمال "مَا"، و"مَهْ" تعني صه أي اسكت.
وقد ظهر ذلك جليًا في استعمالها في الآية؛ فهم يريدون بقولها التوقف عن الإتيان بالآيات؛ لأنهم مصرين على عدم الإيمان بها.
"مَهْ" مكونة من حرفين؛ الميم للإحاطة والغلبة، وهاء لانتهاء.
ففي معنى الأمر بـ"مَهْ"؛ أي اسكت؛ إحاطة المخاطب وغلبته بمنعه من الكلام، وإنهاء دائم له عن الكلام.
وقيل أصلها من: "مَا" و"مَا"؛ قلبت الألف الأولى إلى هاء، ومع وصلهما صارا كلمة واحدة هي: "مَهْمَا"، فعلى اعتبار أنها موغلة في الإبهام؛ جاء من مضاعفة "مَا" الموغلة في الإبهام الذي أدى مضاعفة ذلك فيها، وأظنه زعم بعيد التأويل.
ولعدها في الأصل كلمتان؛ ضمت "مَهْمَا" لقائمة الكلمات التي وصلت في الرسم القرآني؛ لأن "مَهْ" تصلح أن تكون كلمة لوحدها، و"مَا" كلمة أخرى.
ووجه الوصل بين الكلمتين أن هذا الشرط فيه رفض موصول منهم بكل الآيات بلا استثناء.
أبو مُسْلِم / عبْد المَجِيد العَرَابْلِي
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[25 - 03 - 2009, 11:03 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي على هذه المعلومات القيمة
جعل الله ذلك في ميزان حسناتك
ولتسمح بتصويب العدد في العنوان: ستة وثلاثون بحثا
ـ[العرابلي]ــــــــ[25 - 03 - 2009, 06:12 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي على هذه المعلومات القيمة
جعل الله ذلك في ميزان حسناتك
ولتسمح بتصويب العدد في العنوان: ستة وثلاثون بحثا
وجزاك الله بكل خير
هناك أخطاء عديدة وقفل التصحيح لها يحول من تعديلها
وأشكر لك ملاحظتك واهتمامك
وبارك الله فيك
ـ[العرابلي]ــــــــ[08 - 04 - 2009, 02:26 م]ـ
تصويبات
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الرابعة عشرة: قطع يوم هم
وردت "يوم هم" في القرآن سبع مرات؛ قطعت في موضعين منها؛
(يُتْبَعُ)
(/)
في قوله تعالى: (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) غافر.
في قوله تعالى: (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) الذاريات.
الضمير "هم" في هذين الموضعين هو مبتدأ؛ وخبره في الأولى بارزون، وفي الثانية جملة يفتنون في محل رفع خبر المبتدأ هم.
ويوم في الأولى بدل من يوم التلاق في الآية السابق لها، وهي ظرف منصوف لفعل مقدر بمعنى يأتي أو يجيء.
ولم يضف إلى الضمير"هم" الظرف الذي قبله "يومَ"، لذلك جرى القطع في الرسم لعدم وجود سبب لوصلهما، ولإبعاد مظنة الإضافة المخلة في المعنى.
وقد وصلت "يومهم" في خمسة مواضع أخرى في القرآن الكريم؛ لأن اسم الضمير فيها؛ "هم" مضاف إليه الظرف الذي قبله "يوم"؛
في قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) الزخرف.
وفي قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) الذاريات.
وفي قوله تعالى: (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) الطور.
وفي قوله تعالى: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) المعارج.
واليوم يعرف بأشهر ما يكون فيه، وما يحدث فيه لأهل الكفر هو الأعظم يوم القيامة، وهم الأكثر يوم القيامة؛ لذلك وصف هذا اليوم بأنه يومهم من دون بقية الناس الناجين فيه من أصحاب الجنة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أصحاب الفردوس الأعلى فيها.
الكلمة العاشرة: أم من
أم: حرف عطف يستعمل لطلب التعيين لأحد الاثنين؛ وردا بلفظين أو جملتين.
وإكمال آية
الكلمة التاسعة: قطع أنّ ما [/ center]
وفي قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة.(/)
تخميس بردة البوصيري
ـ[اسحق]ــــــــ[17 - 03 - 2009, 11:01 ص]ـ
السلام عليكم
ارجو افادتي في توضيح الموضوع اعلاه
تخميس بردة البوصيري
ولكم جزيل الشكر
اخوكم اسحاق
فلسطين
ـ[أبوزيد الهلالي]ــــــــ[17 - 03 - 2009, 02:28 م]ـ
حياك الله - أخي إسحق- في منتدى الفصيح، ودونك إجابة السؤال- حسب معلوماتي وفهمي-
جاء في المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده (ت:458هـ):
(والمُخَمَّس من الشعر: ما كان على خمسة اجزاء، وليس ذلك في وضع العروض).
مثل:
كيف تبدو العين بالأثر = وهي تأبى الغير كالحصر
صح فيها قول معتبر = ليس عند الخلق من خبر
عنك يا أغلوطة الفكر
ونفيد من المختصين(/)
كيف ننفي جملة مركبة؟؟
ـ[محب البيان]ــــــــ[17 - 03 - 2009, 11:06 م]ـ
السلام عليكم إخواني الأعزاء:
قال تعالى في آية الكرسي: الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ... ))
ماالفارق أن نقول:
لا تأخذه سنة ونوم
لا تأخذه سنة أو نوم
لا تأخذه سنة ولا نوم؟؟؟؟
وبمثال أقرب إذا قلنا: نجح محمد وأحمد
هذه جملتين بينهما حرف عطف (أي جملة مركبة) كيف ننفيها؟
هل نقول لم ينجج محمد ولا أحمد
أم نقول لم ينجح محمد وأحمد
أو لم ينجح محمد أو أحمد؟ وما الفارق بين الجمل السابقة ولكم جزيل الشكر
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 07:36 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حياك الله أيها الأخ الكريم.
ولك جزيل الشكر.
لا تأخذه سنة ولا نوم: أبلغ في توكيد نفي تلك الصفات عن الباري، عز وجل، من: لا تأخذه سنة ونوم، لتكرار النفي بـ: "لا"، فالتكرار مظنة التوكيد.
والله أعلى وأعلم.
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 01:44 م]ـ
بارك الله فيكما: ـ
1ـ لا تأخذه سنة ونوم ـــــــــــ أي لا تأخذه سنة ونوم مع بعضهما ولكن قد تأخذه احداهما.
2ـ لا تأخذه سنة أو نوم ــــــــ هنا الكلام فيه شك ولكن احداهما غير حاصلة فمثلاً تقول: ذهب أحمد أو خالد. إذا كنت لست متأكد من ذهب منهما.
3ـ لا تأخذه سنة ولا نوم ـــــــــ هنا توكيد للأمرينير فكلا الأمرين منفي.
وقد ناقش النحويون مثل هذه القضية في هذا المثال (لا تشرب اللبن وتأكل السمك).
والله أعلم
ـ[ضاد]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 01:52 م]ـ
اللام الأولى تنفي السنة واللام الثانية تنفي النوم.
ـ[الجوهر الفرد]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 04:21 م]ـ
شكرا جزيلا على هذا الطرح الطيّب.
جاء في معرض حديثي ذات مرة قولي: ((المقاربة بالكفاءات تكمّل المقاربة بالأهداف، ولا تلغيها وتحل محلها.))، فوقع جدل بين الحاضرين عن مدى صحة التركيب. وكان ردّي أنه من الأسلم في المعنى والأصحّ تركيبا ألاّ نعطف المثبت على المنفي. والبتالي تكون"لا" لنفي الفعلين المعطوفين معا.
امّا إذا كان العطف بين اسمين فالأصحّ تكرار اداة النفي لجلاء المعنى وزوال الابهام أو الالتباس.
ومثال ذلك قوله تعالى:" صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين."
والله أعلى وأعلم.
ـ[محب البيان]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 10:55 م]ـ
شكرا لكم إخواني على ردودكم الطيبة المفيدة،،، في الحقيقة بحثت عن نفي الجمل التي فيها عطف سواء كانت اسمية أو فعلية ولم أجد ما يشفي غليلي فأرجو ممن له علم أن لا يبخل علينا بشيء من التفصيل المدعم بالأمثلة .. وجزاكم الله كل خير(/)
البيان البلاغي عند العرب معناه ... وأطواره
ـ[عمر خطاب]ــــــــ[18 - 03 - 2009, 04:50 م]ـ
الحمد لله الرحيم الرحمن علّم القرآن، خلق الإنسان علمه البيان، والصلاة والسلام على رسول الله أفصح من نطق وأبان وبعد:
فقد وردت كلمة "البيان" في المعاجم العربية بمعنى: ما تبين به الشيء من الدلالة وغيرها؛ تقول بان الشيء بيانا: اتّضح، فهو بيّن، والجمع: أبْيناء، والبيان: الفصاحة واللَّسَن، وكلام بيّن: فصيح، وفلان أبْين من فلان، أفصح وأوضح كلاماً منه، والبيان: الإفصاح مع ذكاء، والبيان إظهار المقصود بأدلّ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللَّسَن، وأصله الكشف والظهور.
فمادة البيان تدور حول معنى: الدلالة، والفصاحة، والوضوح، والكشف، والظهور، وقد استمرت هذه المعاني مستقرة حتى ظهرت باكورة الدراسات البيانية المتخصصة متمثلة في كتاب (البديع) لمؤلفه الأمير الشاعر ابن المعتز المتوفى سنة 296هـ؛ استجابة لدعوة الجاحظ المتوفى سنة 255هـ القائمة على تحقيق التأنق في رسم الصورة الأدبية، والكشف عن الوسائل التي تزدان بها تلك الصورة، وتزداد بها وضوحاً وروعة، وكتاباه: (البيان والتبيين)، (الحيوان) يمثلان أسلوبه ومنهجه في هذه الدعوة إلى النهج البياني، وبهما اعتبره البعض مؤسس البيان العربي المختلفة ()، بل إن لكل صناعة ألفاظها قد حصلت لأهلها بعد امتحان سواها، فلم تلزق بصناعتهم إلا بعد أن كانت مُشَاكِلاً بينها وبين تلك الصناعة.
وقبيح بالمتكلم أن يفتقر إلى ألفاظ المتكلمين في خطبة أو رسالة، أو مخاطبة العوام والتجار، أو في مخاطبة أهله وعبده، أو في حديثه إذا تحدّث، أو خبره إذا أخبر، وكذلك من الخطأ أن يجلب ألفاظ الأعراب، وألفاظ العوام وهو في صناعة الكلام داخل، ولكل مقام مقال، ولكل صناعة شكل ().
وعلى هذا فالبيان عند الجاحظ هو: الدلالة الظاهرة على المعنى الخفي، وهو اسم جامع لكل شيء كشف لك عن قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير؛ حتى يُفضَى السامع إلى حقيقته، لأن مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع؛ إنما هو: الفهم والإفهام؛ فبأي شيء بلغت الإفهام، وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع.
ثم إن أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة أشياء:
(1) اللفظ، (2) الإشارة، (3) العْقَدْ، (4) الخطّ، (5) الحال الدّالة التي تُسمى: نِصبة (بكسر النون).
وهكذا ترى أن المعنى اللغوي للبيان هو الذي سيطر على فكر الجاحظ، واستبدّ بخياله، وينتهي القرن الثالث الهجري الذي برز فيه الجاحظ، ويأتي القرن الرابع ليخرج أبو الحسين إسحاق بن وهب الكاتب كتابه: (البرهان في وجوه البيان) مقتفياً طريق الجاحظ في البيان والتبيين ناقداً إيَّاه، من حيث إنه وجد فيه أخباراً منتخلة، ولم يأت فيه بوصف البيان، ولا أتى على أقسامه في هذا اللسان، حتى بات هذا الكتاب غير مستحق لهذا الاسم الذي نسب إليه () والبيان عنده على أربعة أوجه:
(1) فمنه بيان الأشياء بذواتها، وإن لم تُبيّن بلغاتها، وهو بيان الاعتبار.
(2) ومنه البيان الذي يحصل في القلب عند إهمال الفكرة واللُّبّ، وهو بيان الاعتقاد.
(3) ومنه البيان: الذي هو نطق باللسان وهو: بيان العبارة.
(4) ومنه البيان بالكتاب: الذي يبلغ من بعُد، أو غاب ().
وإنك حين تتأمل في هذه الأوجه تجدها قريبة من صنوف البيان التي قالها من قبل؛ إذ بيان الاعتبار، والاعتقاد عند ابن وهب هما معاً: بيان ((النّصبة)) عند الجاحظ، وبيان العبارة هو بيان ((اللفظ)) عند الجاحظ، وبيان الكتاب هو: بيان ((الخط)) عند الجاحظ، فمحاولة ابن وهب إنما هي ترديد لما صنعه الجاحظ، فلا يدع أن يستمر البيان في نطاق معانيه اللغوية، ونجد عالماً آخر هو الرماني في كتابه: (النكت في إعجاز القرآن) يشرح البيان: بأنه الإحضار لما يظهر به تمييز الشيء من غيره، وأقسامه أربعة: كلام، وحال، وإشارة، وعلامة ().
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم يأتي القرن الخامس الهجري عصر النضج البلاغي، ولا نجد غير التعميم لكلمة: البيان، فنجدها مرادفة للظهور في تعريف الفصاحة عند ابن سنان الخفاجي المتوفى سنة 466هـ، كما وردت في معرض كلامه عن الأسباب التي لأجلها يغمض الكلام على السامع، ولا يعني بها إلا الظهور والإيضاح، وكذلك نراها في حديثه عن التشبيه، وحسن الاستعارة ()؛الاستعارة2؛ فلم ترد كلمة البيان إلا مرادفة للكشف والظهور والوضوح، وكذلك كان الأمر عند معاصره إمام البلاغة ومؤسسها عبد القاهر الجرجاني في كتابيه: دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة، فنراه يجعل البيان مرادفاً للفصاحة، والبلاغة، والبراعة وكلها تعني عنده: وصف الكلام بحُسن الدلالة، وتمامها فيما له كانت دلالة، ثم تبرجها في صورة هي أبهى وأزين، وأنقى وأعجب ().
ولم يكن ابن رشيق القيرواني المتوفى سنة 462هـ _صاحب (العمدة) () الذي عاش في المغرب- أبعد أثرا من معاصريه: الخفاجي، والجرجاني اللذين عاشا في المشرقن فكل ما صنعه أنه عقد باب ((البيان)) في كتابه، ونقل فيه تعريف الرُمَّاني للبيان، ثم ساق أمثلة للبيان الجيّد، وللبيان الموجز، وأتبع ذلك بأنماط من أقوال الخلفاء الراشدين؛ منهياً إلى أن الجاحظ _وهو عَلاَّمة وقته _ استفرغ الجهد وصنع فيه كتاباً لا يُبلَغ جودة وفضلا ثم ما ادّعى إحاطة بهذا الفن لكثرته، وأن كلام الناس لا يحيط به إلا الله عز وجل.
وظلت هذه المفاهيم: البيان، البلاغة، البراعة، الفصاحة، البديع متشابكة لا تحديد فيها، ومختلطة لا تمييز بينها، حتى كان تقسيم علوم البلاغة على يد صاحب (مفتاح العلوم) أبو يعقوب يوسف السكَّاكي المتوفى سنة 626هـ؛ حيث جعل البلاغة علمين هما: المعاني والبيان ()، وألحق وجوه تحسين الكلام وتزيينه بهذين العلمين ().
وبهذا التقسيم برز البيان الاصطلاحي الذي عرّفه السكاكي بقوله: "هو معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه، وبالنقصان؛ ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه" ().
ولقد سلم هذا التقسيم وذاك التحديد للسكاكي فكراً وتطبيقاً على الرغم من أن الزمخشري المتوفى في 528هـ هو أول من أطلق هذه التسمية! علم المعاني وعلم البيان، في مقدمة تفسيره المعروف بـ (الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل)؛ حيث قال: "ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني، وعلم البيان" ().
وواضح أن الزمخشري لم تظهر لديه الفروق بين أنواع هذين العلمين، فخلط بين هذه الأنواع، ولم تكن له مزية سوى السبق إلى هذه التسمية، على أنه مما لا شك فيه أن صنيع السكاكي قد شجع الخطيب القزويني على جعل علوم البلاغة ثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع، وشرح البيان بقوله: "علم يُعرَف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه" ().
وهذا التعريف على وجازته مقتبس من تعريف السكاكي؛ كما ترى.
ولما جاء السَّعد التفتازاني المتوفى سنة 792هـ صاحب المطوّل، والمختصر في شرح: تلخيص المفتاح للخطيب القزويني ذكر في كتابه المطول تعريف الخطيب السابق، وتعريفاً آخر للبيان قائلا: "والأقرب أن يُقال: علم البيان: علم يُبحث فيه عن التشبيه والمجاز، والكناية" ().
والذين جاءوا من بعد السعد من علماء البلاغة المتأخرين لم يزيدوا على ذلك شيئاً عن التعريفين المشهورين لدى البيانيين.
هذا ومن الوضوح بمكان أن ابن المعتز قد سمَّى كتابه ((البديع)) الذي أرسى به أسس البلاغة الفنية الخالصة، وهو غير البديع الذي جعله الخطيب علماً ثالثاً مستقلا عن علمي: المعاني، والبيان، ذلك أنه يعني بالبديع: الجديد المستحسن لطرافته وغرابته لدى النفوس، بل إن البديع تعبير عن مسلك تجديدي في الشعر العباسي كان يقوده الشعراء: مُسلم بن الوليد، وابن المعتز، وأبو تمام، والبحتري، وغيرهم ممن نهج طريق التجديد البديعي والصياغي.
(يُتْبَعُ)
(/)