من قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ......... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 06 - 2008, 07:44 ص]ـ
من قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا).
قال رب: لأن المقام مقام افتقار إلى عطاء الربوبية من الولد، فناسب الدعاء بالرب لا الإله.
إني وهن: توكيد الضعف والافتقار بـ: "إن" المؤكدة، والإتيان بالفعل الماضي: "وهن" الذي يدل على وقوع الأمر تحقيقا لا احتمالا.
العظم: تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإن العظم هو أقوى أجزاء البدن وآخرها وهنا، فإذا وهن فقد وهن غيره من باب أولى.
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا: ولم يقل: واشتعل شيب الرأس، لأن الأولى تفيد عموم الاشتعال فقد صار الرأس كله أبيضا من الهرم، بخلاف الثانية فإنها تصدق باشتعال بضع شعرات بالشيب، ولو كان صاحبها فتى في ريعان الشباب.
وفي الإبهام بـ: "واشتعل الرأس"، ثم البيان بـ: "شيبا"، استرعاء لانتباه السامع، فكأن سؤالا قد تولد في ذهنه لما سمع: واشتعل الرأس، عن كنه هذا الاشتعال ونسبته، فجاء الجواب: شيبا.
وفيه: استعارة:
مكنية: إذ شبه بياض الشعر بالنار، ثم حذف المشبه به: "النار" وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو: الاشتعال.
تبعية: لأنها وقعت في الفعل "اشتعل" المشتق من المصدر: "اشتعال" على أصح أقوال النحاة.
وفي الدعاء إطناب بذكر أوجه الضعف، وهذا مما يتلاءم مع سياق دعاء المسألة الذي يظهر الداعي فيه الذلة والمسكنة، فيطنب في ذكر أوجه افتقاره إلى الباري عز وجل.
وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً: إحسان ظن بالله، عز وجل، فما دعاه طيلة عمره المديد إلا واستجاب له
والله أعلى وأعلم
ـ[عين الحياة]ــــــــ[26 - 06 - 2008, 07:33 م]ـ
يعطيك العااافية
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[04 - 07 - 2008, 09:48 م]ـ
رائع تحليل بلاغي ممتع .........
بقيت الإشارة إلى ان الآية من سورة مريم
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 08:55 ص]ـ
وهبكم الله حسن الثواب حالا ومآلا جزاء المرور وحسن الظن أيها الكريمان.(/)
سؤال مهم لأهل الاختصاص
ـ[العجيب10]ــــــــ[26 - 06 - 2008, 05:01 م]ـ
:::
أخوتي الأحباء ماهي الدار التي تنصحون بها لطباعة الرسائل وما الطريقة المناسبة في ذلك فالدور التي أتصلت بها لم أثق بكلامها وشكرا
ـ[عاشق البيان]ــــــــ[02 - 07 - 2008, 02:13 م]ـ
أرى أن دار العبيكان في السعودية جيده.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[02 - 07 - 2008, 05:45 م]ـ
دور النشر في سوريا ولبنان كثيرة ومميزة \دار القلم ودار المدى ودار نجيب الريس .....(/)
دعوة للنقاش
ـ[العجيب10]ــــــــ[27 - 06 - 2008, 05:45 م]ـ
:::
هل المجاز العقلي نوع من المجاز اللغوي أم أنه يستحق أن نفرد له مبحث مختلفا ضمن فنون المجاز؟
وهل المجاز بفنونه داخل في القرآن والسنة أم نقول إنه شقيق الكذب ولايبحث ضمن البلاغة القرآنية والنبوية؟
ـ[أم أسامة]ــــــــ[27 - 06 - 2008, 06:33 م]ـ
يا أخي لامجاز في القرآن.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[30 - 06 - 2008, 07:21 م]ـ
كيف لا مجاز في القرآن
ولا تخلطوا بين ما قاله المعتزلة وبين ما يقوله البلاغيون عن مجاز القرآن
فعندما يقول تعالى:
لا تأكلوا اموال اليتامى ..... ألأيس هذا بجاز
وعندما يقول:
وأسأل القرية .......
؟؟؟؟
فكيف هداك الله لا مجاز في القران المجاز موجود نعم ولا شأن لنا فيما يدعيه المعتزلة في صفات الخالق عز وجل
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 05:54 م]ـ
أنا بصراحة اثناء دراستي لعلم البيان والبديع مع الدكتورة الفاضلة
هند القاضي تطرقنا لهذة القضية
وقالت لامجاز في القرآن
واستشهدت لنا بآراء علماء
ـ[أم أسامة]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 05:57 م]ـ
شاكرة لك أخي بحر ..
لطفك وتصويب مشاركتي الخاطئة ..
فعلاً المجاز لايوجد في صفات الله سبحانه والأمور الغيبية ...
وكما تفضلت يوجد فيما سواه ...
أسفة على ما بدر مني ...
لعل عجلتي في أمري هي السبب.
.......
ـ[أم أسامة]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 06:02 م]ـ
أنا بصراحة اثناء دراستي لعلم البيان والبديع مع الدكتورة الفاضلة
هند القاضي تطرقنا لهذة القضية
وقالت لامجاز في القرآن
واستشهدت لنا بآراء علماء
أخية يبدو لي أننا في قاعة واحدة .... :)
أحب أستاذة هند وأكن لها وافر التقدير والإحترام.
الله يذكرها بالخير ...
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 06:02 م]ـ
نَفْي المجاز
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله، وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المصنف - رحمه الله تعالى-:
نفي المجاز: صرح بنفيه المحققون، ولم يُحفظ عن أحد من الأئمة القول به، وإنما حدث تقسيم الكلام إلى: حقيقة، ومجاز، بعد القرون المفضلة، فتذرع به الجهمية، والمعتزلة إلى الإلحاد في الصفات.
قال الشيخ: ولم يتكلم الرب به، ولا رسوله، ولا أصحابه، ولا التابعون لهم بإحسان، ومن يتكلم به من أهل اللغة، يقول في بعض الآيات: هذا من مجاز اللغة، ومراده أن هذا مما يجوز في اللغة، لم يرد هذا التقسيم الحادث، لا سيما، وقد قالوا: إن المجاز يصح نفيه، فكيف يصح حمل الآيات القرآنية على مثل ذلك، ولا يهولنّك إطباق المتأخرين عليه، فإنهم قد أطبقوا على ما هو شر منه.
وذكر ابن القيم خمسين وجها في بطلان القول بالمجاز، وكلام الله، وكلام رسوله منزه عن ذلك. المرجع:
أصول التفسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشتري
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 06:10 م]ـ
هذا مما استشهدت به لنا الدكتورة الفاضلة جزاها الله عنا خير الجزاء
وفرقوا بين الحقيقة، والمجاز بعدد من الفروق، منها:
أن الحقيقة لا يجوز نفيها، فإذا قلت: رأيت أسدا يأكل فريسته. لا يصح أن يقال لك: هذا ليس بأسد. أما إذا قلت: رأيت أسدا على المنبر، يوم الجمعة، يخطب. قيل لك: هذا شيخ، عالم، وليس أسدا.
ومن الفروق بينهما، أن الحقيقة لا تحتاج إلى قرينة، لأنها قد استعملت فيما وضعت له، بينما المجاز يحتاج إلى قرينة توضع، لأن المراد به غير الحقيقة.
إذا تقرر لنا شيء من الفروق، بين الحقيقة والمجاز، نقرر: هل يوجد في القرآن مجاز، أو ليس في القرآن مجاز؟ ينسب إلى الأكثرين، ويراد به أكثر المتأخرين، أن القرآن فيه مجاز، ويستدلون على ذلك بما ورد في النصوص، من استعمال ألفاظ في غير ما وضعت له، مثل قوله تعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ يعني المراد به: محبة العجل.
وقوله سبحانه: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا، يعني أهل القرية.
ويستدلون على ذلك ثانيا، بأن المجاز: استعمال لغوى، والقرآن قد جاء بلغة العرب، فيكون المجاز موجودا فيه. وهذا الاستدلال فيه ضعف بيّن، وذلك لأن القرآن لم يحتوِ على جميع أساليب العرب.
والقول الثاني بنفي المجاز في القرآن، وقد اختاره جماعات من العلماء، منهم: الظاهرية، وبعض المالكية، كابن خويزمنداد، ومحمد بن سعيد البويطي، وبعض الشافعية، واستدلوا على ذلك بأن القرآن يجب الإيمان به، والمجاز يجوز نفيه، والقرآن لا يصح نفي شيء منه، ودل ذلك على أن القرآن ليس فيه مجاز، إذا وجد فيه مجاز، لجاز نفيه، واستدلوا على ذلك أيضا بأن القرآن كله حق، وحينئذ لا يمكن أن يقال فيه ما ليس بحقيقة.
وقد ألف الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، صاحب "أضواء البيان" رسالة في منع المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز، وأجابوا عن الآيات التي استدل بها أصحاب القول الأول، بأن فيها مجازا بأن قالوا: ليس فيها مجاز، وأجابوا عنها بأجوبة تفصيلية، فقالوا: قوله تعالى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ليس المراد مجرد البنيان، فإن لفظ القرية في لغة العرب، يطلق على البنيان وساكنيه، ولذلك إذا لم يوجد في البلد سكان، فإنه لا يقال له قرية، وإنما يقال: هذه أطلال ومساكن، ولا يقال لها قرية. وهكذا أجابوا بإجابات تفصيلية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 09:10 م]ـ
اهلاً اختي ثلوج دوماً تتحدثين عن الفصيح واليوم اود أن تعرفي من أنا؟؟؟
سعيدة باللقاء بك خارج الكلية
وفي مجال علم اجتمعنا به
شكرا لك
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 11:32 ص]ـ
سيدتي الكريمة ما جعل بعض البلاغيون يهربون من دعوى المجاز في القرآن هو ما ادعته المعتزلة من افتراءات في صفات الخالق عز وجل
والقول بالمجاز لا يعني انتفاء الحقيقة
فالمجاز تعريفا استعمال الكلمة لغير معناها الذي لها في الحقيقة وأنا استشهدت ببعض الآيات
منها لا تأكلوا أموال اليتامى
أريد منك فقط أن تفسري الآية على ظاهرها وإن قلت لن تفسر على الظاهر فمعنى ذلك
أن الكلام لم يتعمل على حقيقته ولك أن تقارني هذه النتيجة بتعريف المجاز
انتظر الرد ........
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:12 م]ـ
أكثر الأصوليين، والبلاغيين على إثبات المجاز في لغة العرب، وقد أثبت المجاز في لغة العرب بعض من نفاه في القرآن، واستدلوا عليه بوجود ذلك في لغة العرب، وفي كلامهم، وحديثهم، وذهب جماعة إلى نفي وجود المجاز في لغة العرب، ومن أشهرهم أبو علي الفارسي، من كبار علماء اللغة، وأبو إسحاق الإسفراييني، من كبار الأصوليين، وقد اختاره شيخ الإسلام، ابن تيمية، كما ذكر المؤلف، واختاره ابن القيم -رحمه الله-، وخصص له ربع كتاب "الصواعق المرسلة" وجعله من الطواغيت التي يستند إليها أهل العقائد الفاسدة.
واستدلوا على نفي المجاز في لغة العرب، بأن قالوا: إن كون اللفظ مجازا، معناه ترك للحقيقة، ومخالفة للصدق، والواقع، ولا يصح لأهل لغة أن يكون الكذب، وترك الصدق منهجا لهم في لغتهم. واستدلوا عليه، بأن قالوا بأن تقسيم الألفاظ إلى: حقيقة، ومجاز، لم يوجد في العصور الأُوَل، ولو كان هذا التقسيم ثابتا، لتكلم به السلف، وتكلم به أهل اللغة، ولانتشر بينهم، ولعرفوه، ولكن هذا لم يوجد.
وإذا تأمل الإنسان في كلام شيخ الإسلام، ابن تيمية، ومن نحا نحوه، من نفي وجود المجاز في اللغة، وقارنه بكلام جمهور الأصوليين، والبلاغيين في إثبات المجاز في لغة العرب، نجد أن من أثبت المجاز، نظر إلى النفي مقررا، فقال: لفظ الأسد في قولنا: رأيت أسدا يأكل فريسته، استعمل في حقيقته، وهو الحيوان المفترس، ومن قال: رأيت أسدا يخطب، استعمله في غير حقيقته، وهو الرجل الشجاع، فيكون مجازا.
شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحا نحوه من نفي وجود المجاز في اللغة وقارنه بكلام جمهور الأصوليين والبلاغيين في إثبات المجاز في لغة العرب نجد أن من أثبتت المجاز نظر إلى اللفظ مفردا فقال: لفظ الأسد في قولنا: رأيت أسدا يأكل فريسته استعمل في حقيقته، وهو الحيوان المفترس، ومن قال رأيت أسدا يخطب استعمله في غير حقيقته، وهو الرجل الشجاع فيكون مجازا، فهم نظروا إلى اللفظ مجردا.
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه فإنهم يقولون: لا يصح لنا أن ننظر إلى الألفاظ مجردة وإنما ننظر إلى الجملة كاملة بدلالة أن العرب تأتي باللفظ المفرد فتضع معه حروف جر أو تضع في سياقه من الأدوات ما يقلب معناه، فأنت تقول ذهبت معه بمعنى رافقته، وذهبت إليه بمعنى أنك وصلت إليه، وذهبت به بمعنى أنك أخذته معك، وذهبت من السوق بمعنى أن السوق كان ابتداء انتقالك وتحركك من مكان إلى مكان، فاختلف باختلاف المتعلق الذي يكون معه.
وكذلك أوضح من هذا نجد أن العرب تستعمل اللفظ الواحد في معان مختلفة لا يدل عليها إلا السياق فتقول: (قال) ما معنى لفظة قال؟ قال بمعنى تكلم، وكذلك قال بمعنى نام القيلولة، من أين نفرق بين اللفظين في المدلول؟ من جهة السياق، فحينئذ قالوا: إن العرب لا تلتفت إلى الكلمة مجردة، وإنما تلتفت إلى السياق كاملا، وحينئذ إذا التفتنا إلى السياق كاملا "أسدا يخطب" لا يمكن أن يُراد به الحيوان المفترس، فيكون هذا من باب الاستعمال الحقيقي، لأن العرب لا يمكن أن تضع أو أن تستند بمثل هذا الإسناد، وتريد به الحيوان المفترس.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا المنهج أصوب من المنهج الأول بالالتفات إلى جميع السياق وجميع الجملة، لأننا إذا وضعنا اللفظ مفردا لم نأخذ منه معنى وحده، ولأن العرب لا يتكلمون باللفظ المفرد الذي ليس معه ألفاظ أخر، سواء كانت هذه الألفاظ مظهرات أو مضمرات، فلا يقولون أسد ويسكتون إلا بتقدير كأن يقولوا: هذا أسد أو نحوه، فحينئذ الصواب أننا ينبغي أن ننظر إلى جميع السياق ولا ننظر إلى اللفظ المفرد، ويدل على ذلك أن السياق يختلف به المعنى، والسياق يترتب عليه العديد من الأحكام.
ويمثلون لتأثير السياق على أخذ الحكم من الألفاظ بما ورد عن الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهما الله أن الإمام أحمد قال: لا يجوز للإنسان أن يبتلع القيء الخارج منه، واستدل على ذلك أن الإمام أحمد رأى أنه لا يجوز للإنسان أن يرجع في هبته، واستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه فقال الإمام الشافعي الكلب لا يحرم عليه العود في قيئه فكذلك العائد في هبته، فقال له الإمام أحمد في بقية الحديث: ليس لنا مثل السوء فدل ذلك على أننا لا نماثل مثل هذه المخلوقات في هذا الفعل، فكذلك لا نفعل الفعل المشبه به، فهنا التفت الإمام إلى دلالة السياق ليس لنا مثل السوء
قال المؤلف: هنا (نفي المجاز) تقدم معنى أن المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وُضِعَ له أولا، ونفيه - يعني نفي القول بإثبات المجاز- فلا يوجد في لغة العرب مجاز، وقد يراد به نفي وجود المجاز في القرآن، قال المؤلف (صرح) المراد بكلمة صرح يعني تكلموا بذلك بلا احتمال، فالصريح من الألفاظ هو الذي لا يوجد معه احتمال يدل على خلاف ذلك التصريح، (صرح بنفيه) يعني ينفي وجود المجاز في لغة العرب (المحققون) وتقدم أن ممن صرح بذلك أبو علي الفارسي وأبو إسحاق الإسفراييني، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
وقوله (المحققون) يريد به المؤلف مَن حقق المسائل، ورجَّح بين الأقوال باستيعاب أدلة هذه المسائل والنظر في المناقشات والأجوبة الواردة عليها، فعرف الراجح من خلال ذلك، قال: (ولم يُحفظ) يعني لم يُنقل (عن أحد من الأئمة) يعني في العصور الفاضلة مثل الأئمة الأربعة ومن وافقهم في زمانهم كالثوري وإسحاق أو من تقدمهم كالزهري والسفيانين وغيرهم من الأئمة (القول به) يعني إثبات وجود المجاز في لغة العرب أو في القرآن، فلم يُعهد عن أحد من هؤلاء الأئمة أنه قسم اللغة إلى حقيقة ومجاز وهذا كما هو منفي عن أئمة علماء الشرع كذلك هو منفي عن أئمة علماء اللغة، فلا نجد مثل ذلك في كلام الأصمعي ولا كلام الخليل بن أحمد ولا كلام سيبويه.
قال: (وإنما حدث تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز) يعني إنما وجد هذا التقسيم بعد أن لم يكن موجودا (إلى حقيقة ومجاز بعد القرون المفضلة) يعني بعد العصور والقرون الثلاثة التي وردت النصوص بأنها خير الأمة وأنها أفضل هذه الأمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
قال: (فتذرع به المعتزلة والجهمية إلى الإلحاد في الصفات) تذرع به يعني جعله المعتزلة والجهمية وسيلة إلى مقصودهم في الإلحاد في الصفات، فذريعةُ الشيء وسيلتُهُ التي يُتوصل إليه من خلالها، والمعتزلة: تقدم أن المراد بهم من اعتزلوا في الأصل مجلس الحسن البصري، وهم يبنون مذهبهم على أصول خمسة: كالتوحيد ويراد به نفي الصفات. والعدل ويراد به نفي القدر. والقول بالمنزلة بين المنزلتين والمراد بذلك أن صاحب الكبيرة في الدنيا ليس مؤمنا ولا كافرا، وإنما هو في منزلة بين المنزلتين وهو في الآخرة مخلد في نار جهنم، وهكذا إلى بقية أصولهم.
والجهمية أتباع جهم بن صفوان، وليُعلَم بأن النسبة إلى أهل هذه البدع يكون باعتماد المنهج الذي يسيرون عليه، فمن كان محكما للنصوص الشرعية في أبواب العقائد والصفات فإنه يكون من أهل السنة والجماعة، فلو قدر أنه خفي عليه نص من نصوص الصفات فلم يثبت الصفة لكونه قد خفي عليه ذلك النص فإننا حينئذ لا نجعله ممن خرج على مذهب أهل السنة والجماعة، ومثال ذلك ابن خزيمة فإنه لما جاء في حديث الصورة نهج منهجا مخالفا لأهل السنة، لكن ابن خزيمة سائر على منهج علماء الإسلام من تحكيم نصوص الوحيين: الكتاب والسنة في مباحث العقائد والصفات. فكونه لم يصل إليه ذلك اللفظ بطريق صحيح حسبما
(يُتْبَعُ)
(/)
يراه، سواء كان من جهة الدلالة أو من جهة السند فلم يُثبت الصفة، لذلك فإننا لا ننفي نسبته لأهل السنة والجماعة، لأنه يوافقهم في الأصل، وأما أصحاب المناهج الأخرى والبدع المغايرة لأهل السنة والجماعة فإننا ننظر إلى المنهج الذي اعتمدوه، ولذلك تجد بعضهم يقول في باب الصفات (المرجع إلى العقل) فما أثبته العقل أثبتُّه وما نفاه العقل نفيته، وما سكت عنه اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال، فهذا منهج بدعي، وحينئذ نصف صاحبه بانتسابه إلى تلك البدعة. قال المؤلف: (تذرعوا به إلى الإلحاد في الصفات) الإلحاد كما تقدم الميل عن الحق، (في الصفات) يعني في مباحث صفات الله سبحانه وتعالى، فقالوا بأن هذه الصفات ونصوص الصفات من باب المجاز ولا يراد بها الحقيقة، فمن خلال إثبات وجود المجاز في لغة العرب وفي القرآن الكريم قالوا: إن نصوص الصفات من باب المجاز، وليست من باب الحقيقة، فلما قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قالوا: ليس المراد بالاستواء ظاهره، وإنما المراد به الاستيلاء، وهذا من مجاز اللغة، وهذا مجاز، فجاز لنا نفي صفة الاستواء بناء على ذلك.
وأنتم تعلمون أن مثل هذا يعتبر تأويلا باطلا، لعدم قيام الدليل عليه، فليس جحدا للنص الذي وردت الصفة فيه، وأنتم تفرقون بين جحد النص والتكذيب به ورده وبين تأويله، ومن أمثلته أيضا ما ورد في النصوص من أنه سبحانه يتكلم متى شاء، ومن أنه سبحانه وتعالى يسمع الأمور أو المسموعات بعد حصولها ووجودها، ونحو ذلك مما لا يوافق عليه أصحابُ تلك العقائد الفاسدة.
قال المؤلف: (قال الشيخ: ولم يتكلم الرب به) لكن قبل هذا هل إثبات المجاز في اللغة أو في القرآن يلزم أن يكون عليه المثبت ممن ينفي الصفات؟
نقول: لا، لا يلزم فقد يُثبت الإنسان المجاز في اللغة أو في القرآن، ومع ذلك يقول بإثبات الصفات فلا يلزم من إثبات المجاز أن يكون المرء مبتدعا أو صاحب بدعة، لكنه قد يقال فيه إنه أخطأ أو لم يُوفق إلى الصواب في ذلك، فإذا كان خطؤه مع اجتهاده وتحريه للصواب فإنه حينئذ لا يأثم كما هو مقرر، (قال الشيخ) المراد بالشيخ شيخ الإسلام ابن تيمية (ولم يتكلم الرب به) المراد أن الله سبحانه وتعالى لم يتكلم بتقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، ولم يتكلم الرب بإثبات لفظ المجاز، وكلام الرب صفة من صفاته كما تقدم، (ولارسوله ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه من خير الأمة لم يثبتوا هذا التقسيم.
ومن تكلم به، يعني من تكلم بلفظ المجاز من أهل اللغة، ومن أمثلة ذلك ما ورد عن الإمام أحمد أنه لما احتج عليه بعض أهل البدع ببعض نصوص القرآن، قال هذا من مجاز اللغة، ومراده بهذا اللفظ (هذا من مجاز اللغة) يعني أن هذا اللفظ أو هذا الاستعمال مما يسوغ في لغة العرب، وهذا القائل: (هذا من مجاز اللغة) ليس مراده أبدا المجاز بحسب الاصطلاح المتأخر الذي يقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز (لاسيما) يعني ويدلك على أن الأئمة إذا قالوا: هذا من مجاز اللغة فليس مرادهم اصطلاح المجاز المتأخر.
وقد قالوا: إن المجاز يصح نفيه، يعني من الأمور المتقررة أن من الفروق بين الحقيقة والمجاز أن الحقيقة لا يصح نفيها، أما المجاز فإنه يصح نفيه، فإذا قلت: رأيت أسدا يخطب، قال لك قائل: الأسود لا تخطب، فنفيتُ كلامك، قال فكيف يصح حمل الآيات القرآنية على مثل ذلك؟ يعني فكيف نجعل القرآن مجازا؟ ويترتب عليه أنه يجوز نفيه، والقرآن لا يجوز نفي شيء منه، وأنت تعلم أن هذا الاستدلال في أحد المسألتين، وهي مسألة إثبات المجاز في القرآن وهي أخص من مسألة إثبات المجاز في لغة العرب.
قال: (ولا يهولنك) يعني لا يفزعك ولا يخوفك (إطباق المتأخرين عليه) يعني كون المتأخرين يتوسعون في هذا الاستعمال وهذا التقسيم للغة وللكلام إلى حقيقة ومجاز (فإنهم) يعني فإن المتأخرين (قد أطبقوا على ما هو شر من المجاز)، فإن عقائد كثير من المتأخرين مخالفة لعقيدة أهل الإسلام سواء في توحيد الربوبية أو توحيد الأسماء والصفات أو توحيد الألوهية، بل إن كثيرا من المتأخرين لم يسلموا ولم يؤمنوا بتوحيد الألوهية مع كونه أصل دين الإسلام، ولذلك نجد بعض هؤلاء يتوسل إلى بعض المقبورين ويتقرب إليهم ويعبدهم من دون الله ويذبح لهم ويصلي لهم ويسجد لهم، وهذه كلها من
(يُتْبَعُ)
(/)
الأمور المضادة لأصل توحيد الألوهية.
فإطباق المتأخرين عليه واتفاقهم عليه لا يدل علي صحته، وإنما المعول عليه في إثبات الأحكام وفي نفيها هو الأدلة الشرعية واستعمال أهل اللغة، ولا يوجد دليل شرعي يقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز كما لا يوجد في كلام العرب الأوائل وأئمة النحاة الأوائل من يقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز، وابن القيم رحمه الله تعالى -وابن القيم معلوم بأنه تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية- والقيم بمعنى المدير مدير المدرسة ونحوه، وذلك لأن والده كان قَيِّمًا على مدرسة الجوزية، ولذلك يقال: ابن قيم الجوزية، الجوزية المدرسة، والقيم بمعنى المدير، ولذلك فإن بعض المؤلفين يقول الأولى أن يقال ابن قيم الجوزية، لأن نظراء المدارس ومُدراءها وقيميها كُثُرٌ، قد عُرِف عن جماعة تسميتهم باسم ابن القيم، فيقال ابن قيم الجوزية تمييزا له وفصلا له عن غيره.
وابن القيم له مؤلفات عديدة ويمتاز بسلاسة أسلوبه، وقد نفع الله بكتبه، ومن مؤلفاته كتاب (الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة) وبيَّن أنهم بنوا طريقهم ومنهجهم على طواغيت أربعة ذكر منها قولهم في أخبار الآحاد، وذكر منها مذهبهم في التأويل، وذكر منها أيضا هذه المسألة وهي مسألة المجاز، وجعل المجاز طاغوتا، والمراد بالطاغوت ما تجاوز به العبد حده، وابن القيم أبطل القول في المجاز في هذا الكتاب من خمسين وجها.
المراد بالوجه الدليل، لأن لفظ الوجه يطلق على ثلاثة معان عند علماء الشريعة: المعنى الأول الدليل كاستعمال المؤلف هنا، والاستعمال الثاني للفظ الوجه طريقة الاستدلال بالدليل، وهو ما نعبر عنه الآن كثيرا بقولنا وجه الدلالة ووجه الاستدلال، والاستعمال الثالث في كلمة وجه هو قول الأصحاب، فإذا وجدت مسألة واختلف فيها الأصحاب ولا يوجد فيها نصوص عن الإمام، فإن أقوال الأصحاب تعتبر وجوها في المذهب. قال: (وذكر ابن القيم خمسين وجها في بطلان القول بالمجاز) يعني في بطلان تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، وكلام الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية منزه عن ذلك، وذلك لأن القرآن والسنة كلها حق يجب الإيمان بها، ولا يجوز نفي شيء منها، فدلنا ذلك على أنها ليست من المجاز في شيء.
منقول كلام الشيخ سعد بن ناصر الشتري شرح كتاب أصول التفسير
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:15 م]ـ
هذا رأي اكثر المحققين وكبار العلماء
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 10:48 م]ـ
انتظر الرد
ـ[ضاد]ــــــــ[07 - 07 - 2008, 02:44 م]ـ
المجاز مبني على التواضع اللغوي والتواضع المعرفي, والتواضع اللغوي هو أن نقول "أكل مال اليتيم" ولا نقول "شرب مال اليتيم", والتواضع المعرفي هو أن يكون بين المتكلم والمستمع توافقات معرفية تجعل من فك شفرة المعنى المجازي في المتناول, فعدم معرفة المستمع مثلا بمعنى الزرافة يجعله لا يفهم جملا مثل "رقبته كالزرافة". ومن هنا كانت الأسماء والصفات الربانية غير مبنية على تواضع معرفي بين الله تعالى وبيننا لأننا نعلم أن ليس يشبه الله شيء, وأن معارفنا الكلية لا تنسحب على الله إلا بالقدر الصغير, ولذلك فعقيدة أهل السنة والجماعة تنفي تكييف أسماء الله وصفاته حسب مفاهيمنا التي تواضعنا عليها, فصفة اليد عند الله تعالى لا نستطيع أن نكيفها حسب معرفتنا لليد, بل نقول أنها يد ليست كأيدينا وعلمها عند ربنا, وذلك لعلمنا أن التواضع المعرفي غير حاصل هنا, بل ثمة تواضع لغوي في كلمة اليد, وغير ذلك من صفتها وشكلها فهو غير معروف. أما ما وافق في القرآن والسنة معارفنا الكلية من أمور غير غيبية وإن كان مجازا فذلك قابل للفهم والتصور, وأرى أن تقسيم الحقيقة والمجاز تقسيم يستلزم منه معنى الكذب الذي انبرى الكل إلى تفنيده عن كلام الله ورسوله. فالمجاز موجود في اللغة وفي كلامنا اليومي ولا مجال لحذفه منه.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[08 - 07 - 2008, 06:19 م]ـ
سيدتي:
ما نوع الصورة في قوله تعالى:
واشتعل الرأس شيبا
؟؟؟؟
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[19 - 07 - 2008, 08:14 م]ـ
أخي الفاضل بحر الرمل:
ولكن لا يجوز ابداً ان يطلق المجاز في القرآن الكريم وإلا اصبح كل شيء مجازاً وقابلاً للتأويل
(يُتْبَعُ)
(/)
اما ان نقول ان هناك مجاز لكن لا نصرح به فهذا لا يجوز اخي الحبيب
فالمجاز لم يتكلم به لا السلف الصالح ولا الشافعي ولا ابو حنيفة ولا الامام مالك انما جاء المجاز بعد القرن الثالث عرف بمصطلح المجاز حتى يمرروا مقولتهم بتعطيل الصفات وغيرها
اما ما تكلمت عنة اخي الحبيب
(((إشتعال الرأس بالشيب)))
(إرادة الجدار للإنقضاض، جناح الذل، الغائط، الموريات قدحاً، تفجير الأرض عيوناً ... )
فقد وضحها وشرحها ابن تيمية شرحا كاملا بعيدا عن المجاز فاذا السلف الصالح لم يقولوا بالمجاز كيف نتكلم نحن عنه
وانا اسال من قال بالمجاز
ان قلت جاء الاسد رافعا سيفه البتار
(مجازا للرجل الشجاع) واذا أنت قلت لا انه ليس باسد انه رجل ايهما صحيح هل تكون انت على خطا ام انا
ولهذا قالوا ونحن نتفق مع شيوخنا ان المجاز يجوزن ان ينفى ويكذب
فقال الله في كتابه (اشتعل الراس شيبا) فاذا قال رجل لا لم يشتعل انما صار ابيض كيف يشتعل هل فيه نار
فهل يكون الرجل كاذب؟ اكيد لا لانه فعلا صار ابيض ولم يشتعل وهنا تكمن المشكلة
فنقوم بتكذيب القرءان او نفي ما صرح به وهذا والعياذ بالله كفر ان نكذب القرءان او ننفي ما جاء به
ارجو ان تكون الفكره قد وضحت
ومن هنا ننطلق الى الصفات والاسماء
فالله يقول بكتابه (يداه مبسوطتان) فاذا قال رجل لا ليس لله يد انما تعبير مجاز للعطاء يكون قد نفى امر في القرءان دون دليل صريح واوقف او ابطل امر قاله الله فكيف سوف نعلم ان هذا مجاز وهذا غير مجاز فيكون الحبل على الغارب وكل من هب ودب ياتي ويقول ان هذا مجاز اليد مجاز والاستواء مجاز والسميع مجاز والعين مجاز والبصير مجاز والعرش مجاز وغيرها وغيرها فما هي الضابطة للمجاز
ان الشيخ ابن تيمية وابن القيم لم يكونا وحدهما من قال بعدم المجاز هناك من الشافعية وهناك من المالكية وهناك جلة من العلماء قالوا عدم المجاز
فلا يصح ان نقول ان هناك مجاز ولكن لنسد على المتكلمين الباب نقول ليس هناك مجاز
لا يصح قولك ان هناك مجاز في القرءان لكن نغلقه حتى لا يستفاد منه الغير فتكون عطلت كلام الله والعياذ بالله وحاشاك ان تفعل
ولكن يبقى الكثير من الصور البيانية التي تعارف عليها العرب
نعم اخي العزيز ان لم تكن مجازا فلا ينقص من حقها بل تكون اعاجزا اكثر من لو كانت مجازا فالوصف بغير الحقيقه يجعل الامر على عدة اوجه اما ان يكون المتحدث لا يستطيع ان يصل بالصورة كما هي فيستعمل المجاز وهذا لا يليق برب الكون تعالى الله عما يصفون
واما ان يراد بها المبالغة وليس الامر حقيقه وهنا يحق للمقابل ان يحتج ويقول لا لاتبالغ ولم يشتعل الشيب فيكون قد رد على الله قوله والعياذ بالله
والقول الاخير ان لا مجاز في القرءان وهذا قول السلف الصالح ونحن نتبعهم باحسان ان شاء الله فلا يصح ان ناخذ من السلف شيء ونترك شيء خاصة في هذا الامر وعلى من يقول ان هناك مجاز في القرءان ان لله يد واستوى بحق ان يثبت القولين معا كيف فما ان يقول مجاز وينفي صفات الله واما ان يقول لا مجاز ويثبت لله ما اثبته لنفسه سبحان الله ولا اله الا الله الواحد القهار الذي لا يعجزه شيء ليستعيض بشيء الذي لا تنفذ كلمته لو كانت البحار مدادا
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[19 - 07 - 2008, 10:38 م]ـ
حوار رائع زانه الأدب والأخلاق والعلم.
أشكركم جميعًا (مبحرة في علم لا ينتهي - بحر الرمل - الثلوج الدافئة)
وأنتم قد أعدتم حوار العلماء الذين اختلفوا في المجاز.
جزاكم الله خيرًا، فقد استفدت من حواركم الشيء الكثير.
وعلى كل إذا قال البصريون: إن أفعل التعجب فعل، وقال الكوفيون: إنها اسم.
لا يعني أن نأخذ كلام البصريين، ونرمي كلام الكوفيين عرض الحائط.
أليس كذلك أيتها المبحرة؟
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[20 - 07 - 2008, 02:57 ص]ـ
نعم ....
استاذي الفاضل
اختلاف الرأي لايفسد للود قضية
ـ[العبد اللطيف]ــــــــ[20 - 07 - 2008, 02:16 م]ـ
سيدتي:
ما نوع الصورة في قوله تعالى:
واشتعل الرأس شيبا
؟؟؟؟
,وما نوع الصورة في قوله تعالى: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.
فلو لم نقل بالمجاز فكل أعمى في الدنيا فهو في الآخرة أعمى بل وأضل سبيلا. تعالى القرآن عن ذلك علواً كبيراً.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[21 - 07 - 2008, 12:16 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة للأفاضل، أسأل الله للجميع حسن القصد، وأن يجعل هذا النقاش من مجالس العلم.
هذه القضية - إثبات المجاز في القرآن من عدمه - من الأمور التي يطول فيها الأخذ والرد، وقد احتدم الخلاف بين علماء الأمة - قديمًا وحديثًا - حولها.
واكتسبت القضية أبعادًا لغوية نقدية، وبلاغية أدبية، ثم دينية شرعية.
لعلي ألخص فيما يلي القضية من وجهة نظر علمية:
إن القول بنفي المجاز عن القرآن الكريم بالكلية أمر تنكره الشواهد الكثيرة جدًا في القرآن الكريم، والمجاز لون من ألوان التعبير العربي، والقرآن إنما نزل على سنن العرب في كلامهم.
وغاية المقال في هذه العجالة بوصفي إحدى المنضويات تحت لواء البلاغة:
إن المجاز واقع في القرآن الكريم لا محالة، ولا خطر أو حظر من وقوعه فيه، إلا الآيات التي تتحدث عن أسماء الله - تعالى - وصفاته، فالمنهج فيها إنما هو منهج أهل السنة والجماعة، وهو " الإيمان بها بلا تعطيل، أو تمثيل، أو تشبيه، أو تأويل ".
وليس كل القرآن أسماء وصفات بطبيعة الحال .. فليُحْظرْ المجاز في ألفاظ الأسماء والصفات، وليُطْلقْ سراحه فيما عدا ذلك من أساليب مجازية عامرة بها الآيات الكريمة.
هذا والله من وراء القصد.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[21 - 07 - 2008, 01:12 ص]ـ
بارك الله فيك
وحياك الله في الفصيح(/)
الحدود بين التشبيه البليغ الإضافي والاستعارة المكنية ...
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[30 - 06 - 2008, 06:29 م]ـ
كثيرا ما يصادف المدرسون صعوبات في إيصال فكرة التشبيه البليغ الإضافي إلى طلبتهم ذلك لضعف الحدود بينه وبين الاستعارة
مثلا تقول سعاد الصباح:
واقتلعت جذور النفاق بشعري ....
قد يتساءل أحد لماذا لا تكون هذه تشبيه وليست استعارة
والجواهري يقول:
سلام على نبعة الصامدين ........
فلماذا الأولى استعارة والثانية تشبيه
بكب بساطة يمكن ان نقول:
الأولى تشبيه لان الشاعرة شبهت النفاق بجزء من كل وهو الجذر الذي هو جزء من الشجرة ومن باب اولى أن نقول بان الشاعرة شبهت بالكل ودلت على هذا التشبيه بشيء من لوازمه وهو الجذر
وإذا ما تاملنا المثال الثاني نجد شاعر العرب يشبه بالكل ولم يشبه بشيء من لوازمه او أجزائه فالنبعة هي الشجرة بكل أجزائها مما يعني ان المشبه به ظاهر بنفسه ولم ينب عنه لازم من لوازمه وإذا حضر ركنا التشبيه ينتفي كون الصورة استعارة فالاستعارة كما نعلم تشبيه حذف أحد طرفيه
الخلاصة أن الفرق بين التشبيه البليغ والاستعارة هو أنه إذا شبه الشاعر بجزء من كل فهذا يعني أن الصورة استعارة أما إذا شبه بالكل فالصورة تشبيه
والله تعالى أعلم
ـ[عاشق البيان]ــــــــ[02 - 07 - 2008, 02:02 م]ـ
مشكور يا بحر الرمل على هذا التفريق الدقيق، وبانتظار المزيد.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[02 - 07 - 2008, 03:57 م]ـ
شكرا لك على مرورك الرائع
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[15 - 10 - 2008, 02:09 م]ـ
......
ـ[سمية ع]ــــــــ[15 - 10 - 2008, 04:55 م]ـ
بارك الله فيك
شرح ميسر
وفيت وكفيت
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[15 - 10 - 2008, 04:56 م]ـ
أهلا بك أُخيتي ..
ـ[الشيزاوي]ــــــــ[17 - 10 - 2008, 02:12 ص]ـ
شكرًلك لك أخي الكريم على درسك المُبسط هذا ..
و بالفعل في كثير ٍ من الأحايين أقع في هذه المشكلة، و الفرق بينهما كان لي مجهول، فشكرا ً لإنارتي بـ علمك، و أنارك الله بنوره ..
الفاروق
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[17 - 10 - 2008, 11:17 م]ـ
أهلا بك أخي العزيز ... !!(/)
دراسة بلاغية في آية قرآنية
ـ[عاشق البيان]ــــــــ[01 - 07 - 2008, 04:13 ص]ـ
قال الله تعال:" وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها"
لا شك أن لكل لفظة في القرآن الكريم معناها الذي لا يمكن لأي لفظة أخرى أن تؤديه بكامله، ولو انتزعت لفظة من القرآن ثم أدير لسان العرب على غيرها لما وجد أنسب ولا أبلغ منها في مكانها، وهذل هو وجه إعجاز القرآن، وصورة من أروع صور النظم المعجز.
وفي هذه الآية الكريمة جاء وصف لأم موسى عليه السلام حين عثر آل فرعون على وليدها حيث فزعت وقلقت عليه، فوصف لنا القرآن حالها بدقة متناهية وبألفاظ موجزة، حيث وصف قلبها بالفؤاد مرة وبالقلب مرة أخرى.
جاء لفظ الفؤاد عندما كانت قلقة متوترة قد فقدت صبرها أو كادت، ثم لما ربط الله عليه وصبرها وأزال فزعها وقلقها جاء بلفظ القلب.
فما هو السر البياني في مجيء كلتا اللفظتين في هذه الآية مع أن المراد في الظاهر هو شيء واحد؟ هل هو مجرد تنوع في الألفاظ أم أن هناك سرا بيانييا؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل لا بد من الرجوع إلى أصل معنى المفردتين:
أولا: الفؤاد: مأخوذ من التفؤد وهو التقلب، يقال فأدت اللحم إذا شويته وقلبته على النار. ويقال للقلب فؤاد في حالة تقلبه وقلقه وعد اطمئنانه.
ثانيا: القلب: من التقلب، وسمي القلب قلبا لأنه بين يدي الرحمن يقلبه كيف شاء.
فلما كان قلب أم موسى قلقا متوترا وصفه الله تعالى بالفؤاد، ثم لما ربط الله عليه وصبرها وصفه بالقلب" آلا بذكر الله تطمئن القلوب"
فسبحان الله العظيم الحكيم.
ـ[أبو أسيد]ــــــــ[01 - 07 - 2008, 10:42 ص]ـ
بوركت(/)
ما السر البلاغي في هاته الايات
ـ[الأخفش الأوسط]ــــــــ[04 - 07 - 2008, 09:48 م]ـ
جمعة مباركة على الجميع
قرات اليوم في سورة الكهف قول الله تعالى حكاية عن حوار الخضر في قوله لموسى عليه السلام: اما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فاردت ان اعيبها)
وفي الثانية قال لموسى مبررا: (واما الغلام فكان ابواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا * فاردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه .. )
وفي الثالثة علل الخضر قائلا: (واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ... فاراد ربك ان يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما .. )
في الايات الكريمة السابقة لاحظت ورود كلمة: اراد ـ مرتين ـ واردنا ـ مرة واحدة ـ فهل من سر بلاغي في تعبير الخضر مرة بنسبه لامر لنفسة مفردا وتارة بالدلالة على الجمع الدال على الله عز وجل؟
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[04 - 07 - 2008, 10:19 م]ـ
أرى - والله أعلم -أن الإرادة في الآية الأولى مشتركة وواضحة لأن الأمر واقع مشهود يلحظه الكل لذلك عبر اللفظ القرآني عنه بالجمع
اما في الآية الثانية فالأمر يتعلق بالمستقبل والغيب وكا تعلم أن علم الغيب لله سبحانه دون خلقه لذلك جاء التعبير القرآني بقوله تعالى: فأراد ربك ........
والله تعالى أعلم وفقنا الله وغياكم إلى ما هو خير ورضى وصلاح
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 12:49 ص]ـ
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=27592
دمتم بخير
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 01:17 ص]ـ
رائع أبا سهيل بارك الله فيك
ـ[أم أسامة]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 03:28 ص]ـ
رائع التأمل في آيات القرآن الكريم ..
جزيت خير أبا سهيل.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 09:34 ص]ـ
بارك الله فيكم
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 12:02 م]ـ
أرى انني قد أصبت في بعض كلامي والحمد لله رب العالمين
الذي هدانا إلى هذا وما كنا مهتدين
جزيل الشكر لكم أساتذتي
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 04:48 م]ـ
تكلم المفرد بلسان الجمع
الأصل في المتكلم المفرد إذا تكلم عن أمر يخصه أن يتكلم بلسان المفرد، فإذا تكلم المفرد بلسان المفرد فقد جاء على الأصل، وما جاء على أصله لا يسأل عن علته، ولكن إذا خرج عن الأصل سئل عن العلة، وإذا تكلم المفرد بلسان الجماعة سئل عن العلة.
فإذا تكلم المفرد بلسان الجماعة في أمر يخصه وحده كان ذلك للدلالة على العظمة والتفخيم.
وإذا تكلم المفرد بلسان الجماعة في أمر لا يخصه وحده بل يخصه ويخص جماعته أيضا كان ذلك للدلالة على التواضع والابتعاد عن الأنانية والتفرد، والشعور بالجماعة، والتحدث باسم الجماعة، والانتماء إلى الجماعة، والذوبان في الجماعة.
وهذا سر من أسرار سورة الفاتحة أيضا إذ يناجي المسلم ربه، ويتكلم منفردا وحيدا بلسان الجماعة (إياك نعبد وإياك نستعين) (اهدنا الصراط المستقيم) ولا يقول (إياك اعبد وإياك أستعين) (اهدني الصراط المستقيم)، فلا يدعو بالهداية لنفسه فقط، وإنما يدعو للمؤمنين جميعاً، ويحشر نفسه في زمرتهم تواضعا وتضرعا وانتماء وأملا في الإجابة.
وبالله التوفيق و:; allh
منذر أبو هواش
:)(/)
جماليات الإيقاع القرآني
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:26 ص]ـ
جماليات الإيقاع القرآني
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
ربما يكون مفهوم الإيقاع من أكثر المفاهيم الشعرية إشكالاً لكونه يتعالق مع مفهوم (الوزن Meter ) عند أهل العروض، خاصة إذا ما نظرنا إلى مفهوم الإيقاع باعتباره نقلة موسيقية حدثت من شعر البحور إلى شعر التفعيلة. كذلك يزيد من إشكالية هذا المفهوم النظر إليه كمصطلح وافد لا علاقة له باللغة العربية مع أن العرب قد ميزوا بين (الإيقاع) و (النظم Verse ) منذ بداية اجتهادات الخليل في هذا المضمار.
ويرى بعض الباحثين أن الإيقاع " ليس شيئاً آخر سوى نظم التفعيلات في البيت الواحد، أو الانتقال من نظم الأبيات والبحور إلى شعر التفعيلة بما يتيح حرية أوسع في حركة تنظيم التفعيلات " ().
والوزن أو النظم من الناحية التاريخية أكثر التصاقاً بالشعر دون غيره من الفنون. فالوزن هو المقياس الذي: ينظم الخصائص الصوتية في اللغة، ويضبط الإيقاع في النثر، ويقربه من التساوي في الزمان، ومن ثم يبسط الصلة بين أطوال المقاطع الهجائية. كما أنه يبطئ التوقيت، ويطول أحرف المد بغية عرض لون الطبقة الصوتية أو النغمة الممدودة " (). وعلى هذا فإن مفهوم الوزن مهيمن على مفهوم الإيقاع وموجه له، وذلك لكون الوزن واقع في النثر كما هو واقع في الشعر.
ويرى د. كمال أبو ديب أن " للنثر إيقاعه، وبمعنى آخر أنه يقوم على إيقاع الفقرة أو السطر لأنه يستند بقوة إلى الفصل والوصل. فقد كانت مبادئ الفصل والوصل في الشعر الخليلي تقوم على طول التفعيلات وحدودها، وعلى الشطر ثم على السطر، والشطر والسطر محددان بالقافية ونهاية البيت. أما إيقاع النثر فيقوم على فصل ووصل من نمط مختلف ينشئه البعد الدلالي المتعلق بامتداد النفس، والضغط النابع من تموجات التجربة والقراءة، والحركة الداخلية للهجة الشعرية " ().
ويرى كوهن أن الوزن اعتماد تحليلي على توافر عدد معين من المقاطع يتكون منها البيت الشعري. وليست العبرة في هذا السياق عدد هذه المقاطع بل تكرارها في سياق البيت والأبيات اللاحقة، وذلك لأن " ليس عروضياً إلا لكونه متماثل الوزن، وهو ما يتيح له تحقيق تماثل وزني داخلي" (). فحقيقة الوزن هو توالي مقاطع صوتية طويلة وقصيرة على نحو منتظم ومتكرر، يوظف شكل الساكن والمتحرك للقيام بهذا الدور خلوصاً إلى تحديد شكل التفعيلة الصوتية التي يتم النسج على منوالها في سياق البحر الشعري.
والإيقاع بمفهومه العام هو (التنظيم) أي تنظيم أي شيء في هذه الحياة. أما الإيقاع كمصطلح فني له حدوده وقوانينه في الشعر والنثر معاً فإنه ينطلق من مفهوم العام وهو التنظيم ليمارس مثل هذا الدور في سياق المستويات اللغة، إذ يناط به تنظيمها ليسهل أداء الوظائف المبتغاة من استخدامها.
ولأن الشعر جزء من هذه اللغة فإنه يعد لغة فوق اللغة بمعنى أنه يُوَظِّف اللغة جمالياً (فنياً) في مفارقة واضحة للمستوى المعياري (المثالي) لهذه اللغة، فلغة الشعر" هي إعادة تنظيم للغة العادية " (). ويتم هذا التنظيم من خلال المستوى الصوتي للغة، والذي يقوم بهذا الدور التنظيمي هو الإيقاع لأنه الميزان الحاكم لهذه العملية. فالإيقاع هو الميزان، والميزان هو الإيقاع، والعلاقة بينهما كعلاقة العين والبصر، وذلك لأنن إذا أسندنا إلى الإيقاع وظيفة ما أصبح ميزاناً لهذه الوظيفة، وضابطاً لها ().
وغالباً ما تكون الوظيفة المنوط بالإيقاع تنظيمها هي تحقيق (الشعرية) للقول الشعري من خلال عناصر التشكيل الشعري (اللغوية، والتقنية، والشكلية). وهذا ما عُرِفَ في العصر الحديث عند جاكوبسن بـ (نحو الشعر) () فلا توجد كلمة في السياق الشعري منفصلة عن موسيقاها أو إيقاعها وذلك لأنها ليست مجرد كلمة، بل هي مجموعة من التراكمات النصية على مستوى النص كله. ولذا فإن الكلمة تكون حاملة لخصائص هذه المستويات النصية، وممثلة لها بما تحمله من خصائص ().
مستويات الإيقاع:
يمكننا أن نصنف مستويات الإيقاع في العربية في ثلاثة مستويات هي:
(يُتْبَعُ)
(/)
الأول: ويظهر فيه الإيقاع معتمداً على توزيع المقاطع في البنية اللغوية، وعندئذ يسمى الإيقاع الكمي ().
والمستوى الثاني: ويعتمد الإيقاع فيه على (النبر) في الجمل، إذ تنظم المقاطع تبعاً لانتظام النبر. فالإيقاع يعطي نوعاً من النظام للمقاطع المنبورة، ويمكن عده في اللغة العربي تبادلاً بين المقاطع المنبورة وغير المنبورة في داخل انتظامات إحصائية محددة ().
ويخضع النبر في اللغة العربية لانتظامات وقواعد محددة تتمثل في ():
1 - يقع النبر على المقطع الأخير من الكلمة إذا كان هذا المقطع طويلاً مثل كلمة (مكتوب).
2 - يقع النبر على المقطع قبل الأخير من الكلمة إذا كان هذا المقطع متوسطاً مثل كلمة (الأعلى).
3 - يقع النبر على المقطع ما قبل الأخير من الكلمة إذا كان هذا المقطع قصيراً مثل كلمة (عَلامَ، إلامَ).
ملحوظة: إذا كان المقطع الثاني من آخر الكلمة قصيراً فإن النبر يقع على ما قبله مثل كلمة (سيكتب).
وعلى هذا فإنه وفقاً للمقطع الأخير من الكلمة يتحدد موقع المقطع المنبور فيها ().
أما المستوى الثالث: فالإيقاع يعتمد فيه على (التنغيم) أي أصوات الجمل من صعود وانحدار وما شابه ذلك. ويرى د. سيد البحراوي أنه " حسبما تنتهي الجملة صوتياً ودلالياً يأخذ التنغيم شكله. فالجملة التقريرية (الإثبات، والنفي، والشرط، والدعاء) تنتهي بنغمة هابطة (/). كذلك الأمر بالنسبة للجملة الاستفهامية بغير الأداتين (هل والهمزة). أما الاستفهام بهاتين الأداتين فإن الجملة الاستفهامية تنتهي بنغمة صاعدة (\). لكن إذا وقف المتكلم قبل تمام المعنى وقف على نغمة مسطحة (ــ) لا هي بالصاعدة ولا بالهابطة " (). ويمكننا أن نمثل لهذا الإجمال بتفصيل جلي من خلال الآيات القرآنية كما يلي:
1 – النغمة الهابطة (/) Falling :
تتمثل النغمات الهابطة في الجمل التقريرية (الإثبات، والنفي، والشرط، والدعاء).
- فالإثبات يمثله قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (). فقد تم الوقوف على كلمة (القدر)، وهو وقوف على نغمة هابطة في سياق جملة مثبتة.
- والنفي يمثله قوله تعالى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) (). فالوقف هنا على كلمة (قلى) يمثل نغمة هابطة في سياق ختام جملة منفية.
- والشرط يمثله قوله تعالى: (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ) (). فالوقف هنا على لفظ الجلالة (الله) يمثل نغمة هابطة في سياق جملة جواب الشرط.
- والدعاء يمثله قوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً) (). فالوقف هنا متعدد لأنه سياق دعاء. فقد تم الوقوف على (لي) و (لوالدي)، و (مؤمناً) و (المؤمنات) و (تباراً) في تشكيلات بنائية لجملة دعاء متصلة السياق، نلمح من خلال هذا السياق نغمات هابطة في هذه الوقفات.
- والاستفهام بغير (هل والهمزة) يمثله قوله تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ) ()، وقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا) (). ونلمح هنا النغمات الهابطة في (يتساءلون) و (مرساها) و (ذكراها)، لأن الاستفهام هنا دلالي سياقي أكثر منه طلباً للإخبار.
2 – النغمة الصاعدة (\) Rising :
وتتمثل تلك النغمات في السياق الاستفهامي من خلال الأداتين (هل والهمزة)، وذلك كما يلي:
* الاستفهام بهل وهي متعددة المعاني والدلالات ().
- فتأتي لمعنى التقرير والإثبات كما في قوله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً) (). - وبمعنى (ما) كما في قوله تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ) ().
- وبمعنى (قد) كما في قوله تعالى: (هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى) ().
- وبمعنى (ألا) كما في قوله تعالى: (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً) ().
- وبمعنى الأمر كما في قوله تعالى: (فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) ().
(يُتْبَعُ)
(/)
- وبمعنى السؤال كما في قوله تعالى: (هَلْ مِن مَّزِيدٍ) ().
- وبمعنى التمني كما في قوله تعالى: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ) ().
- وبمعنى (أدعوك) كما في قوله تعالى: (هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى) ().
فالوقوف على كلمات (مذكوراً) و (الغمام) و (موسى) و (أعمالاً) و (منتهون) و (مَزِيد) و (حِجْر) و (تَزَكَّى) يتم في سياق نغمات صاعدة قوية تترصد الإجابة التي تستقر عندها هذه الأسئلة لتشكل هذه الإجابات نغمات هابطة قارة في هذا السياق. وتَرَصُّد الإجابات مرحلة تدوم فترة من الوقت ليظل المعنى القرآني مفتوحاً أما متلقيه، وليسهم بدوره في رصد هذه الإجابات بتأمل هذه السياقات.
أما الاستفهام بالهمزة فله دلالات أخر تتنوع في مراميها وأهدافها، فتأتي ():
- بمعنى الاستفهام كقوله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً) ().
- وبمعنى الإثبات كقوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ().
- وبمعنى الإنكار التوبيخي كقوله تعالى: (أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) ().
- وبمعنى التقرير كقوله تعالى: (أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ) ().
- وبمعنى التهكم كقوله تعالى: (أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) ().
- وبمعنى الأمر كقوله تعالى: (وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ) ().
- وبمعنى التعجب كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) ().
- وبمعنى الاستبطاء كقوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) ().
فالوقوف على نهايات الأسئلة بما تحمله من شحنات دلالية وسياقية يظل متصاعداً في سياق نغمي لأن الإجابات على هذه السياقات الاستفهامية لم يتم رصدها، وإن تم هذا الرصد في سياق لاحق على هذه الأسئلة، ومن ثم يظل المعنى مفتوحاً، وقابلاً لممارسة فعل التلقي والتأمل في إطار هذا السياق.
3 – النغمة المسطحة (ـــ):
هي تلك النغمة التي تقع (بين بين) أي بين النغمة الهابطة والنغمة الصاعدة لكون المعنى لم يتم عندها، لأن هذه النغمة لا تملك مقومات الأداء التصاعدي الموجود في سياق الاستفهام بهل والهمزة، كما أنها لا تملك الحس التقريري الذي تسمح بنية به الجمل التقريرية (الإثبات والنفي والشرط والدعاء) فتنتمي إلى سياق النغمة الهابطة، لكنها تتأرجح بين السياقين إلى أن يتم تغليب أحدهما، و إنهاء هذا التأرجح السياقي.
ونمثل لتلك النغمة المسطحة بقوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) (). فالوقوف على فواصل الآيات السابقة على فاصلة جواب الشرط (أخبارها) هو وقوف على نغمات مسطحة لم يتم المعنى عندها، ولم تستقر بالجواب، ويتمثل ذلك في الوقوف على كلمتي (زلزالها) و (أثقالها). أما الوقوف على كلمة (لها) فهو وقوف على نغمة هابطة في سياق استفهامي بغير (هل والهمزة)، وهو استفهام بالأداة (ما).
إن التنغيم بهذا الدور الصوتي الهام يؤدي وظيفة عظيمة تتمثل في " انسجام الأصوات حيث تكتمل فيه النغمات وتتآزر مؤدية المعاني والمقاصد " (). والتنغيم بهذا المفهوم ما هو إلا " تغييرات موسيقية تتناوب الصوت من صعود وهبوط، أو من انخفاض إلى ارتفاع، ويحصل في كلامنا وأحاديثنا لغاية وهدف، وذلك حسب المشاعر والأحاسيس التي تنتابنا من رضى وغضب، ويأس وأمل، وتأثر ولا مبالاة، وإعجاب واستفهام، وشك ويقين، ونفي وإثبات. فنستعين بهذا التغير النغمي الذي يقوم بدور كبير في التفريق بين الجمل. فنغمة الاستفهام تختلف عن نغمة الإخبار، ونغمة النفي تختلف عن نغمة الإثبات " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
والأمر بهذا الشكل له علاقة أكيدة، وصلة وثقى بحالة (المتكلم) وسيكولوجيته، وهذا جوهر ما أشار إليه د. سمير ستيتية إذ يقول: " قد تكون النغمة نغمة تفاؤل فيسميها بعضهم النغمة الوجدانية، وقد تكون نغمة تشكك أو ضجر أو يأس أو استسلام أو غير ذلك مما له علاقة بسيكولوجية المتكلم " ().
والتنغيم بهذا الشكل يلعب دوراً رائعاً في تغيير دلالات الجمل من تركيب إلى آخر، ومن باب إلى باب مثلما نجد أنفسنا في زخم دلالي وسياقي عند قراءة قوله تعالى: (قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ) (). فالنغم الموسيقي في هذه الآية له دلالة كبرى في الكلام. فالتنغيم في الجزء الثاني من الآية يُعَدُّ محوراً رئيساً في تحديد التركيب. فيمكن أن نقرأ كما يلي:
- جملة (قالوا جزاؤه) بنغمة الاستفهام، أي: ما جزاؤه؟!
- وجملة (من وجد في رحله فهو جزاؤه) على التقرير جملة واحدة.
- ونقرأ على التعجب والاستهجان (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه).
- ونقرأ على التبرم والانزعاج (من وجد في رحله فهو جزاؤه).
وهكذا في تقليبات تنغيمية في سياق الآية دون المساس بالأصل الدلالي، بل يتم التنويع في إطار هذا الأصل الدلالي ودون العدول عنه. وعلى هذا فإن المستويات الثلاثة المشكلة لجوهر الإيقاع من مقاطع ونبر وتنغيم هي في جوهرها منظومة متكاملة للمعنى الإيقاعي في سياق النص القرآني. كما أنها تسهم في إضفاء لمسة نظمية على سياق الإيقاع من ناحية، وتشييد بعد جمالي في إطار هذا النظم من ناحية أخرى، وما ذاك إلا تنويع على الوتر الصوتي الذي يمثله هذا المفهوم.
ويجب أن نقرر أن التعامل مع المستوى الأول من مستويات الإيقاع وهو المستوي (الكمي) هو الأكثر حضوراً في هذا السياق، وإن كان ذلك لا يمنع حضور المستويين الآخرين بشكل ضمني في سياق هذا المستوى. كما أنه يمكننا اعتماد الإيقاع كبنية بلاغية تنطلق من كون (الوزن) أساسه التعامل مع الكلمة، في حين أن الإيقاع لا يتعامل مع الكلمات، بل إن أساسه (الجملة الواحدة). وهذه البنية البلاغية تتمثل في مستويين هما ():
أ - المستوى الصوتي: ويهدف هذا المستوى إلى توظيف الجماليات البلاغية في إطار إيقاعي، مثل توظيف فنون البديع الصوتية (الجناس، والتكرار، والتوازي، التضمين، والمشاكلة، ورد الإعجاز على الصدور، والترديد) وغيرها مما سنتناوله فيما بعد.
ب – المستوى الدلالي: حيث يتم هنا استثمار دلالات التراكيب على المستوى الإفرادي (ما يخص الكلمة كالطباق)، وعلى المستوى الجملي (ما يخص التركيب كالمقابلة، والتقديم والتأخير، والفصل والوصل) وغير ذلك.
وبتعاضد هذين المستويين تتشكل بنية الإيقاع البلاغي بما يحمله من خصائص مائزة ومميزة تسهم في إبراز جمالية الأداء الصوتي، وما يلحقها من تأثيرات سياقية.
الإيقاع القرآني:
كما علمنا فإن الإيقاع يحدث بالإفادة من جرس الألفاظ وتناغم العبارات لإحداث التوافق الصوتي بين مجموعة من الحركات والسكنات لتأدية وظيفة سمعية والتأثير في المستمع. ويأتي الإيقاع من اختيار الكلمات من حيث كونها تعبر عن قيمة التأثير الذي تحدثه وظيفة الكلمة في مدلولها الإيقاعي، فهو إحداث استجابة ذوقية تمتع الحواس وتثير الانفعالات (). كما أن عدد الكلمات التي تكون الإيقاع بتركيباتها تعتمد تماماً على عدد الكلمات اللازمة لتوصيل المعنى في النثر.
والقرآن الكريم يمتاز في كل سورة منه وآية، وفي كل مقطع منه وفقرة، وفي كل مشهد فيه وقصة، وفي كل مطلع منه وختام بأسلوب إيقاعي فني (). فاللغة العربية لغة موسيقية شاعرة، والقرآن الكريم يسير على سنن العربية وأساليبها في التعبير فتميز أسلوبه بالإيقاع المعجز والجرس اللافت للنظر.
(يُتْبَعُ)
(/)
والإيقاع في القرآن الكريم صورة للتناسق الفني فيه، ومظهر من مظاهر تصوير معانيه، وآية من آيات الإعجاز الذي يتجلى في أسلوبه المتميز الرفيع. ويحوي القرآن الكريم إيقاعاً موسيقياً متعدد الأنواع ليؤدي وظائف جمالية متعددة إذ " إن الأثر الممتع للإيقاع ثلاثي: عقلي، وجمالي، ونفسي. أما العقلي فلتأكيده المستمر أن هناك نظاماً ودقة وهدفاً في العمل. وأما الجمالي فلأنه يخلق جواً من حالة التأمل الخيالي الذي يضفي نوعاً من الوجود الممتلئ في حالة شبه واعية على الموضوع كله. وأما النفسي فإن حياتنا إيقاعية: المشي والنوم والشهيق والزفير وانقباض القلب وانبساطه " ().
لقد جمع النسق القرآني بين مزايا الشعر والنثر، فهو قد تجاوز قيود القافية الموحدة والتفعيلات التامة، فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة. وتضمن في الوقت ذاته من خصائص الشعر الموسيقى الداخلية، والفواصل المتقاربة في الوزن التي تغني عن التفاعيل، والتقفية التي تغني عن القوافي. فالموسيقى القرآنية إشعاع للنظم الخاص في كل موضع، وتابعة لقصر الفواصل وطولها. كما أنها تابعة لانسجام الحروف في الكلمة المفردة، ولانسجام الألفاظ في الفاصلة الواحدة (). فالعطاء الموسيقي في القرآن الكريم يأتي من اللغة إذ أن الموسيقى فيه لا تنبع من وزن شعري كالذي عرفناه في تفعيلات الشعر العربي، ولكنها تنبع من اللغة نفسها، وهي ائتلاف الأصوات في اللفظة الواحدة، وفي سياق الألفاظ وتناسقها وتناغمها وأدائها للمعنى ودلالتها عليه.
ولا شك أن الانتظام في الإيقاع النثري قابل للتحقق دون موازين الخليل , وأكبر دليل على ذلك النص القرآني. ولنتأمل سورة الإخلاص مثالاً على ذلك. يقول تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) (). إن الانتظام هنا لا يتمثل في تكرار ظواهر صوتية معينة على مسافات معينة بقدر ما يتمثل في انتظام تزايد زخم الإيقاع النبري من نبرتين إلى أربع نبرات إلى خمس نبرات في الأخير، بعد أن كان استهل بنبرتين قويتين متتاليتين على الكلمتين (قل هو)، ونبرتين بعدهما على (الله أحد). أي أن النص شكل قدراً من التوازن أولاً ثم كسر هذا التوازن (أربع نبرات + نبرتين + أربع نبرات + خمس نبرات) خالقاً بذلك نسقه الإيقاعي الحاد حدة باترة من جهة، والمتلطف قليلاً من جهة أخرى (). ويمكننا أن نعد ذلك جوهر موقف القرآن الكريم من المذاهب التي تنسب لله ولداً. غير أن هذا الانتظام ليس له صيغة محددة تشترك بها نصوص عديدة , بل ينشأ حين ينشأ بنهج خاص بالنص الذي يحدث فيه. وينجلي ذلك بمقارنة إيقاع هذه السورة مع سور قصيرة مماثلة لها مثل سورة الناس , وسورة الفلق, وسورة المسد وغيرها.
إن منابع الإيقاع القرآني الظاهرة في العمل يمكن ردها إلى ما يأتي ():
1 - الموسيقى النابعة من تآلف أصوات الحروف في اللفظة الواحدة، كما لا يخفى أن الأصوات متفاوتة في الجرس يقرع بعضها بعضاً حين تجتمع في اللفظ، فينتج عن تقارعها المتناغم لغة موسيقية جميلة.
2 - الموسيقى النابعة من تآلف الكلمات حين تنتظم في الترتيب فقرات وجمل، فالألفاظ المفردة تقرع الألفاظ المفردة المجاورة لها سابقاً ولاحقاً، وينجم عن تقارعها المتناسق لغة موسيقية جميلة ().
وليست غاية الألفاظ للوصف والتصوير فحسب بل النغم أيضاً، والذي يأتي من طبيعة الحروف. وهذا النغم ليس غاية في ذاته وإنما هو وسيلة للإيحاء. وللألفاظ قيمة ذاتية إذ تقدم المتعة الحسية التي يجدها المتلقي مستمعاً أو قارئاً، فتنشأ من تتابع أجراس حروفها، ومن توالي الأصوات التي تتآلف منها في النطق، وفي الوقوع على الأسماع. كما أن التلاؤم يكون في الكلمة بائتلاف الحروف والأصوات وحلاوة الجرس، ويكون في الكلام بتناسق النظم وتناسب الفقرات وحسن الإيقاع (). وليست آيات القرآن الكريم موزونة حسب قواعد السجع، ولا يمكن أن نسمي ما فيه من جرس وإيقاع سجعاً، لأن هذا الاسم مأخوذ من مصدر بشري هو سجع الكهان، وسجعات القرآن توضع تحت اسم فاصلة ().
(يُتْبَعُ)
(/)
كما أن للقرآن الكريم نظام صوتي وجمال لغوي، ينتظم باتساقه وائتلافه في الحركات والسكنات والمدات والغنات اتساقاً عجيباً وائتلافاً رائعاً. فهذا الجمال الصوتي هو أول شيء أحسته الأذان العربية، أما الجمال اللغوي فيتميز برصف الحروف وترتيب الكلمات. كما أن للقرآن الكريم تعاملاً خاصاً مع الحرف والكلمة، فهو له تعابيره الفريدة، وكذلك قدراته التعبيرية لتقديم الصورة الفنية، وتعميق الملامح، وعرض التجربة كما لو كانت حية معاشة تتخلق أمامنا، فهو قد بُنِيَ على تقطيع الأصوات، وجرس الحروف، وإيقاع الكلمات. فما من قدرة تعبيرية للحرف والكلمة إلا فجرها كتاب الله - عز وجل - وبنى عليها معماره المتناسق الجميل ().
إعجاز النغم القرآني:
ونحن عند قراءتنا للقرآن قراءة سليمة ندرك أنه يمتاز بأسلوب إيقاعي ينبعث منه نغم ساحر يبهر الألباب، ويسترق الأسماع، ويستولي على الأحاسيس و المشاعر. وأن هذا النغم يبرز بروزاً واضحاً في السور القصار والفواصل السريعة، ومواضع التصوير والتشخيص بصفة عامة، ويتوارى قليلاً أو كثيراً في السور الطوال، ولكنه ـ على كل حال ـ يظل دوماً ملاحظ في بناء النظم القرآني.
و لعلنا لا نخطئ إن رددنا سحر هذا النغم إلى نسق القرآن الذي يجمع بين مزايا النثر والشعر جميعاً. يقول سيد قطب: " النسق القرآني قد جمع بين مزايا الشعر والنثر جميعاً، فقد أعفى التعبير من قيود القافية الموحدة والتفعيلات التامة، فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة، و أخذ في الوقت ذاته من خصائص الشعر؛ الموسيقى الداخلية، والفواصل المتقاربة في الوزن التي تغني عن التفاعيل، والتقفية التي تغني عن القوافي، وضم ذلك إلى الخصائص التي ذكرنا فجمع النثر والنظم جميعاً " ().
كما أن هذا النغم القرآني ليبدو في قمة السحر والتأثير في مقام الدعاء، إذا الدعاء ـ بطبيعته ـ ضرب من النشيد الصاعد إلى الله، فلا يحلو وقعه في نفس المبتهل إلا إذا كانت ألفاظه جميلة منتقاة، وجمله متناسقة متعانقة، و فواصله متساوية ذات إيقاع موسيقي متزن.
والقرآن الكريم لم ينطق عن لسان النبيين والصديقين والصالحين إلا بأحلى الدعاء نغماً , وأروعه سحراً وبياناً. كما أن النغم الصاعد من القرآن خلال الدعاء يثير بكل لفظةٍ صورةً، وينشئ في كل لحن مرتعاً للخيال فسيحاً. فتصور مثلاً ونحن نرتل دعاء سيدنا زكريا - عليه السلام - شيخاً جليلاً مهيباً على كل لفظه ينطق بها مسحة من رهبة، وشعاع من نور، و نتمثل هذا الشيخ الجليل ـ على وقاره ـ متأجج العاصفة، متهدج الصوت، طويل النفس، ما تبرح أصداء كلماته تتجاوب في أعماق شديدة التأثير، بل أن زكريا في دعائه ليحرك القلوب المتحجرة بتعبيره الصادق عن حزنه وأساه خوفاً من انقطاع عقبه، وهو قائم يصلي في المحراب لا ينئ ينادي اسم ربه نداء خفياً، ويكرر اسم (ربه) بكرة وعشياً، ويقول في لوعة الإنسان المحروم، وفي إيمان الصديق الصفي في هذه الآيات من سورة مريم: (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً {4} وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً {5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً {6}).
إن البيان لا يرقى هنا إلى وصف العذوبة التي تنتهي في فاصلة كل آية بيائها المشددة وتنوينها المحول عند الوقف ألفا لينة كأنها في الشعر ألف الإطلاق. فهذه الألف اللينة المرخية المنسابة تناسقت بها كلمات (شقياً) و (ولياً) و (رضياً) مع عبد الله زكريا ينادي ربه نداء خفياً، ولقد استشعرنا هذا الجو الغنائي ونحن نتصور نبياً يبتهل وحده في خلوة مع الله، وكدنا نصغي إلى ألحانه الخفية تتصاعد في السماء.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولو تصورنا جماعة من الصالحين مختلفي الأعمار، وهم يشتركون ذكرانا وإناثاً، شباناً وشيوخاً بأصوات رخيمة متناسقة تصعد معاً وتهبط معاً، وهي تجأر إلى الله و تنشد هذا النشيد الفخم الجليل في آيات من سورة آل عمران: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {191} رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ {192} رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ {193} رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ {194}). ففي تكرار عبارة (ربنا) ما يلين القلب، ويبعث فيه نداوة الإيمان، وفي الوقوف بالسكون على الراء المذلقة المسبوقة بهذه الألف اللينة ما يعين على الترخيم والترنيم.
و لئن كان في موقفي الدعاءين هذين نداوة ولين، ففي بعض مواقف الدعاء القرآني الأخرى صخب رهيب. ها هو ذا نوح - عليه السلام- يدأب ليلاً و نهاراً على دعوة قومه إلى الحق، ويصر على نصحهم سراً وعلانية، وهم يلجون في كفرهم وعنادهم، ويفرون من الهدى فراراً، ولا يزدادون إلا ضلالاً واستكباراً، فما على نوح ـ وقد أيس منهم ـ إلا أن يتملكه الغيظ و يمتلئ فمه بكلمات الدعاء الثائرة الغضبى تنطلق في الوجوه مديدة مجلجلة، بموسيقاها الرهيبة، وإيقاعها العنيف، وما تتخيل الجبال إلا دكاً، والسماء إلا متجهمة عابسة والأرض إلا مهتزة مزلزلة، والبحار إلا هائجة ثائرة، حين دعا نوح على قومه بالهلاك والتبار فقال في سورة نوح: (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً {26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً {27} رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً {28}).
أما الحناجر الكظيمة المكبوتة التي يتركها القرآن في بعض مشاهده تطلق أصواتها الحبيسة ـ بكل كربها وضيقها وبَحَّتِها وحشرجتها ـ فهي حناجر الكافرين النادمين يوم الحساب العسير، فيتحسرون ويحاولون التنفيس عن كربهم ببعض الأصوات المتقطعة المتهدجة، كأنهم بها يتخففون من أثقال الديْن، يدعون ربهم دعاء التائبين النادمين ويقولون في سورة الأحزاب: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ {67} رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً {68}).
إن هذه الموسيقى الداخلية لتنبعث في القرآن حتى من اللفظة المفردة في كل آية من آياته، فتكاد تستقل ـ بجرسها و نغمها ـ بتصوير لوحة كاملة فيها اللون زاهياً أو شاحباً، وفيها الظل شفيقاً أو كثيفاً. أرأيت لوناً أزهي من نضرة الوجوه السعيدة الناظرة إلى الله، ولوناً أشد تجهماً من سواد الوجوه الشقية الكالحة الباسرة في قوله تعالى في سورة القيامة: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {23} وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ {24} تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ {25}). لقد استقل الإيقاع في لوحة السعداء بلفظة (ناضرة) وبتصوير أزهى لون وأبهاه، كما استقل في لوحة الأشقياء لفظة (باسرة) برسم أمقت لون وأنكاه.
إن العلاقة بين القرآن الكريم والموسيقى اللغوية علاقة وطيدة، فموسيقى القرآن اللغوية من أروع أنواع الموسيقى اللغوية وأجملها على الإطلاق، وأشدها تجانساً، وأكثرها تناغماً وانسجاماً. وهي موسيقى ناشئة من تخير الكلمات وترتيب الحروف والجمل حسب أصواتها ومخارجها، وما بينها من تناسب في الجهر والهمس والشدة والرخاوة، إلى درجة أن الأستاذ مصطفى صادق الرافعي اعتبر في كتابه (إعجاز القرآن الكريم) أن هذه الموسيقى جزء من إعجاز القرآن الكريم، ولكن هذه الموسيقى لا تخرج عن كونها موسيقى لغوية هدفها هز مشاعر النفس وإذكاء الروح حتى تستجيب لأمر الله وتنقاد لشرعه ().
(يُتْبَعُ)
(/)
حقيقة الإيقاع القرآني:
يرى كثير من الباحثين أن الإيقاع القرآني يصعب شرحه لما يمتاز به من عمق وسحر لا يعرف مصدره تحديداً، وإن كان من الممكن الحديث عنه أو تفسيره تخمينا. يقول سيد قطب:" على أن هناك نوعاً من الموسيقى الداخلية يلحظ ولا يشرح، وهو كامن في نسيج اللفظة المفردة، وتركيب الجملة الواحدة، وهو يدرك بحاسة خفية وهبة لدنية " ().
وكثيراً ما نلمح في النص القرآني ما يعضد هذا الإيقاع، ويقوي أصوله، مثلما نلمح في قوله تعالى من سورة طه: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لاَ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَى {77} فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ {78} وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى {79}) كلمات في غاية الرقة مثل (يبساً) أو (لا تخاف دركاً) فالكلمات تذوب في يد خالقها، وتصطف وتتراص في معمار ورصف موسيقي فريد، هو نسيج وحده بين كل ما كتب بالعربية سابقاً ولا حقاً، لا شبيه بينه وبين الشعر الجاهلي، ولا بينه وبين الشعر والنثر المتأخر.
ويرى مصطفى صادق الرافعي أن هذا الإيقاع القرآني الفريد هو مناط الإعجاز والتحدي لقريش لما قرأه عليهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بدء الدعوة. يقول الرافعي: " لما قٍرئ عليهم [يعني قريشاً] القرآن رأوا حروفه في كلماته، وكلماته في جمله، ألحاناً لغوية رائعة، كأنها لائتلافها وتناسبها قطعة واحدة، قراءتها هي توقيعها، فلم يفتهم هذا المعنى وأنه أمر لا قبل لهم به؛ وكأن ذلك أبين في عجزهم حتى إن من عارضه منهم كمسيلمة جنح في خرافاته إلى ما حسبه نظماً موسيقياً أو باباً منه، وطوى عما وراء ذلك من التصرف في اللغة وأساليبها ومحاسنها ودقائق التركيب البياني، كأنه فطن إلى أن الصدمة الأولى للنفس العربية إنما هي في أوزان الكلمات وأجراس الحروف دون ما عداها. وليس يتفق ذلك في شيء من كلام العرب إلا أن يكون وزناً من الشعر أو السجع " ().
وقد حاول سيد قطب أن يشرح حقيقة الإيقاع الموسيقى في القرآن فقال: " إن في القرآن إيقاعاً موسيقياً متعدد الأنواع يتناسق مع الجو ويؤدي وظيفة أساسية في البيان. فالإيقاع الموسيقيي في القرآن الكريم ينبعث من تآلف الحروف في الكلمات، وتناسق الكلمات في الجمل، ومرده إلى الحس الداخلي. والإدراك الموسيقي الذي يفرق بين إيقاع موسيقي وإيقاع ولو اتحدت الفواصل والأوزان " ().
ويقترب الرافعي قليلاً من سر هذه الموسيقى فيقول: " فتألفت كلماته من حروف لو سقط واحد منها أو أبدل بغيره، أو أقحم معه حرف آخر، لكان ذلك خللاً بيناً أو ضعفاً ظاهراً في نسق الوزن وجرس النغمة، وفي حس السمع وذوق اللسان، وفي انسجام العبارة وبراعة المخرج وتساند الحروف وإفضاء بعضها إلى بعض، ولرأيت لذلك هجنة في السمع كالذي تنكره من كل مرئي لم تقع أجزاؤه على ترتيبها، ولم تتفق على طبقاتها، وخرج بعضها طولاً وبعضها عرضاً " ().
غير أننا يجب أن نلاحظ أن الإيقاع القرآني لا يعمل بصورة منفردة وبمعزل عن السياقات المتنوعة في النص القرآني، وذلك لأن النص القرآني منظومة متكاملة الأطراف يفضي بعضها إلى بعض في سياق تنظيمي فريد. فالإيقاع القرآني يتبع في نطاق عمله الموضوع الذي تتكلم عنه الآيات القرآنية.
ويرى سيد قطب- رحمه الله تعالى- أن الإيقاع القرآني يتنوع تبعاً للموضوع الذي تتحدث عنه الآيات القرآنية حيث يقول بأن " التكوين الموسيقي في قوله تعالى: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ {42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ {43}) يذهب طولاً وعرضاً في عمق وارتفاع، ليشترك في رسم الهول العريض العميق، والمدات المتوالية المتنوعة في التكوين اللفظي للآية تساعد في إكمال الإيقاع وتكوينه واتساقه مع جو المشهد الرهيب العميق " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا كانت العبارة القرآنية لا تقع على آذاننا اليوم موقع السحر والعجب والذهول، فالسبب هو التعود والألفة والمعايشة منذ الطفولة، والبلادة والإغراق في عامية مبتذلة أبعدتنا عن أصول لغتنا. ثم أسلوب الأداء الرتيب الممل الذي نسمعه من مرتلين محترفين يكررون السور من أولها إلى آخرها بنبرة واحدة لا يختلف فيها موقف الحزن من موقف الفرح من موقف الوعيد من موقف البشرى من موقف العبرة. نبرة واحدة رتيبة تموت فيها المعاني وتتسطح العبارات.
التشكل الإيقاعي في القرآن ():
تنبع من النظم القرآني خصائص نغمية وإيقاعية تتشكل وفقاً للتوجه السياقي في كل جملة من آياته. ويتم هذا التشكل من خلال وضع الحرف أو الكلمة أو الجملة على هذا النحو من الأنحاء وذلك قصدأً إلى ملامح فنية تأتي في مقدمتها الموسيقى، وبذلك يضحي التعبير أبرع والتأثير أروع.
إن دور الإيقاع في القرآن- هذا الدور الكبير- لا تنبع أهميته من أنه أحد عناصر الأسلوب الفني أو وسيلته البارزة وسيلة التصوير والتعبير والتأثير فحسب، بل لأن له هدفاً دينياً أولاً، ولأننا نستطيع أن نجعله- ثانياً- أساساً أو معياراً أو مفتاحاً- اختر ما شئت- لأحد علوم القرآن الكريم.
فالإيقاع ذو هدف ديني من جانبين: جانب الحافظ وجانب المستمع، فالأول يساعده على حفظ القرآن وتذكره وتلاوته، والثاني يجعله ينفعل له ويتأثر به. ولعلنا نلمح أن إدراك الطفل لنغم الكلام وجرسه يسبق إدراكه لمعناه وأخيلته، كما أن الإنسان لديه ميلاً غريزياً أو استعداداً فكرياً لالتقاط وتذكر جملة من المقاطع الصوتية المنغمة والمترددة أكثر بكثير من استعداده لالتقاط بعض المقاطع العادية غير المموسقة من الكلام، وكل من شاهد حفظة القرآن من الأطفال يعرف أنهم يجدون سهولة واضحة في حفظه وتذكره أكثر مما يجدون في حفظ غيره من النصوص وتذكرها لأن الإيقاع يساعدهم على هذا.
وبالإيقاع نستطيع أن نعرف المكي من المدني لا سيما في تلك السور التي وقع حولها خلاف فقيل إنها مكية كما قيل إنها مدنية (). ويمكن عن طريق فحص الموضوع والأسلوب وطريقة الأداء والوقوف عند نغم الآيات وإيقاعها أن نحدد - ونحن مطمئنون - مكية بعضها مثل: (التكاثر، والعاديات، والزلزلة، والرعد، والرحمن)، ومدنية بعضها الآخر مثل: (الجمعة، ومحمد، والحج، والنساء). ولنأخذ سورة الزلزلة مثالاً على هذا الإيضاح الإيقاعي (). يقول تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا {1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا {2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا {3} يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا {4} بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا {5} يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ {6} فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ {8}).
تبدأ حركة النص عنيفة قوية، إنه يوم القيامة حيث ترجف الأرض وتزلزل، وتنفض ما في جوفها، تتخفف من أثقالها التي حملتها وناءت بها، ويقف الإنسان دهشاً ضائعاً مذعوراً يتساءل: ما الأمر؟ ما لهذه الأرض ترج وتزلزل، ماذا أصابها؟ وتتحدث الأرض، تصف ما جرى لها، إنه أمر الله، أمرها أن تمور فمارت، أن تقذف ما في بطنها فقذفت، هنا والإنسان مشدوه يكاد لا يلتقط أنفاسه، خائف يترقب، في لمحة سريعة يعرض مشهد القيامة من البعث حتى الحساب، الناس يصدرون كالجراد، وينتشرون موزعين متخالفين، فقوة الزلزلة وهول البركان العظيم فرقهم، جعلهم مذعورين خائفين أشتاتاً أشتاتاً حيارى يهرعون في كل اتجاه، ولكن إلى أين؟ إلى الميزان ليحاسبوا، ليروا أعمالهم، فمن يعمل الخير أو الشر مهما يكن هذا أو ذاك ضئيلاً ودقيقاً سيجده ماثلاً إزاءه، يراه رأي العين.
(يُتْبَعُ)
(/)
إيقاع النص يساوق هذا المعنى ويحمله فهو مثله لاهث سريع يرجف كالأرض وكالإنسان فرقاً واضطرابا ً. كل ما فيه متحرك بارز ماثل، الكلمات في جرسها، في طباقها وتوافقها، فيما تنشره من أفياء وظلال. كلمات (الزلزلة، أثقال، مثقال، ذرة، أشتاتاَ، ليروا، يره) كلها تشي بالموقف وتعبر عنه، ومع ذلك فهذه الكلمات وسائر ما في المعجم من أمثالها لا تبلغ في وصف المشهد قدر ما يبلغه الخيال السمعي والبصري حين يتملى النص، فالسورة هزة، وهزة عنيفة للقلوب الغافلة، هزة يشترك فيها الموضوع والمشهد والإيقاع اللفظي، إنها صيحة قوية مزلزلة للأرض ومن عليها، فما يكادون يفيقون حتى يواجههم الحساب والوزن والجزاء في بضع فقرات قصار، فهل هذا أو بعض هذا مما يجيء في السور المدنية، أو تعبر عنه وتصفه السور المدنية؟! ().
مصدر الإيقاع القرآني:
أحياناً قد نتساءل: ما مصدر الإيقاع في القرآن؟ وإلامَ يرجع؟ أو َيرجع إلى الآيات بما فيها من قيم موسيقية؟ أم يرجع إلى التنغيم بما فيه من قيم إنشائية، أم يرجع إلى مصدر غيبي بما له من سحر خفي نحس أثره في النفس ولا نعرف منبعه؟ وبكلمات أخرى هل يعود الإيقاع في القرآن إلى النص، أو إلى المقرئ (التالي)، أو إلى المتلقي (السامع)؟ ولنناقش المصادر الثلاثة.
أولاً: مصدر النص:
قررنا فيما سبق أن الإيقاع من خصائص الشعر والنثر معاً، ولذا فإنه من المفترض بنا الآن أن نميز بين ثلاثة أنواع من الإيقاعات النثرية:
الأول: إيقاع النثر العادي أو العام الذي يفلت من عنصري الانتظام والتوقيت ().
والثاني: إيقاع النثر الفني الذي يعتمد بالصنعة عليهما.
والثالث: إيقاع القرآن الذي يباينهما لينشئ تدرجات صوتية مختلفة، وكيفيات نغمية تتراوح بين الانتظام والتناسب، وبين التوازن والتقابل، تبعاً للفكرة أو للموضوع، وللموقف أو للمعنى الذي يريد أن يعبر عنه أو يوصله. وفي كل سورة أو نص قرآني ينبع الإيقاع من اندماج عنصرين هما:
1 - نغمة خاصة تناسب الفكرة، وتقوم الفاصلة فيها بدور المفتاح.
2 - لحن ينتظم النغمات جميعاً على اختلاف درجاتها، وفي شكل منسجم، يخلف في روح المتلقي شعوراً ما.
وبالنغمات يوقع القرآن إيقاعات شتى على أوتار النفس، وباللحن المتساوق يترك وحده الأثر، والعلاقة بين النغمات التي تصنع اللحن علاقة ذات أساليب شتى، فقد تقوم على الشوق أو الترقب، أو على الترجيع أو على سواها حتى يثير القرآن في أنفسنا ألواناً من الانفعالات تنصهر أخيراً في بوتقة الإحساس النهائي حين تتجه إلى غايتها المنشودة. ولعل التطبيق الإيقاعي على أحد السور القرآنية يكون مفتاحاً لتبيان هذا التقرير التفصيلي لأنواع الإيقاع كما يلي:
سورة النازعات: مكية، وعدد آياتها (46) آية. تُقَسَّم إلى ستة محاور تبعاً للسياق القصصي فيها. يقول تعالى:
1 - وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً {1} وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً {2} وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً {3} فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً {4} فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً {5}.
2 - يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ {6} تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ {7} قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ {8} أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ {9} يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ {10} أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً {11} قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ {12} فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ {13} فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ {14}.
3 - هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى {15} إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى {16} اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى {17} فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى {18} وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى {19} فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى {20} فَكَذَّبَ وَعَصَى {21} ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى {22} فَحَشَرَ فَنَادَى {23} فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى {24} فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى {25} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى {26}.
(يُتْبَعُ)
(/)
4 - أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا {27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {33}.
5 - فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى {34} يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى {35} وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى {36} فَأَمَّا مَن طَغَى {37} وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا {38} فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى {39} وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى {40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {41}.
6 - يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا {42} فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا {43} إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا {44} إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا {45} كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا {46}.
المعنى الجامع:
موضوع السورة يوم البعث، وهذا الموضوع أكثر هيمنة في الآيات المكية عنها في المدنية. فهذا اليوم ينكره الكافرون ويهزأون به. فكيف يثيره القرآن في نفوسهم؟ لا بد أن يلفت نظرهم أولاً إلى واقع مادي مماثل يشاهدونه كل يوم، وليس لدى العربي أجمل من منظر الخيل المغيرة السابحة التي تكابد وتنزع في أعنتها حتى تنهي الحرب، وتدبر أمر الظفر والغلبة. ثم يستحضر لهم في المقابل واقعاً آخر من الغيب الذي يرفضونه ولا يؤمنون به، ويمثل لهم ما يحدث فيه من هزة عنيفة تغير الثابت من نظام الكون. ثم يأخذ بهم ثانياً في الماضي وفي الحاضر، فيما يسمعون من قصص الغابرين، وفيما يرون من آثارهم الدارسة أمامهم. ويعود بعد ذلك إلى القضية الأم، المسألة الأصل، يوم القيامة فيصف مآل الناس فيها إلى نعيم مقيم أو عذاب خالد، ويختم بالسؤال عن موعد هذا اليوم وعن ترقبه الداهم، وخفاء ذلك على كل البشر حتى المصطفى – صلى الله عليه وسلم -.
التحليل الإيقاعي:
يتألف إيقاع السورة من ست جمل موسيقية:
1 - الجملة الأولى واجفة مسرعة، تركض ركضاً، وتنزع نزعاً، وتستحيل في ارتفاع درجتها، وحدة جيشانها إلى خمسة تركيبات متساوية كأنها موزونة وزن الشعر (مستفعلن فعولن)، وهذا المطلع السريع يتفق مع ظل المعنى الغامض وإيماءاته المتعددة، وما يثيره في النفس من هزة ورهبة وتوجس. إن الأنفاس تكاد تتقطع ذعراً وارتجافاً وانبهاراً مرة بالموسيقى الخاطفة القارعة، ومرة بفيء المعنى الغامض.
2 - ثم تجيء الجملة الثانية طابعها من طابع المطلع، وإيقاعها من إيقاعه، كأنما المطلع لهذا المشهد إطار، الموسيقى ما زالت واجفة، هزاتها في الحس قوية، وتوجساتها في الشعور تهول وتروع.
3 - تتغير النغمة أو الإيقاع في العبارة الثالثة، فجو الحكاية وعرض الماضي واستحضار الذكريات لا تناسبه نغمات قارعة ولا واجفة، معها يهدأ الإيقاع وينساب، فتمتد العبارة، وتطول الجملة، ويتحول الخيال السمعي إلى خيال تأملي استرجاعي، ومما يوافق هذا الخيال نغمات لا تعنف ولا تشتد بل تبطئ وتسترخي.
4 - ترتفع نبرة النغمة في الجملة الرابعة حين ننتقل من ساحة التاريخ والذكرى إلى كتاب الكون المفتوح ومشاهده الهائلة، هنا يبدو التعبير قوي الأسر قوي الإيقاع، ولكنه لا يصل إلى درجة المطلع أو المشهد الأول في حدته، وإيقاعه اللاهث.
5 - وتجيء الجملة الخامسة في سياق مشهد الطامة الكبرى، فتعود النغمة حادة كما كانت في المطلع، تتسق معه قوة وعنفاً وبروزاً.
6 - في اللحظة التي يغمر فيها الوجدان ذلك الشعور المنبعث من التوقيعات المختلفة، واللمسات الموحية، يرتد السياق في الجملة الأخيرة إلى المكذبين بيوم الساعة بإيقاع حازم هائل وسريع يزيد من روعة الساعة وهولها وضخامتها في الحس وفي النفس، وتشارك الهاء الممدودة في تجسيم الهول وتشخيص الضخامة.
ولقد كانت الفاصلة (القافية) في النغمات جميعاً تقوم بدور المفتاح، فتلون النغمة وتمنحها درجتها، وتعددت الفواصل بتعدد النغمات حتى بدت كأنها النهايات الطبيعية التي كانت تصل إليها كل موجة متدفقة من موجات التعبير الزاخر بالحركة والجيشان.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما لحن السورة وهو مجموع النغمات بمفاتيحها وفواصلها في حالات ارتفاعاتها وانخفاضاتها فإنه يعتمد على لونين من الإيقاع:
- أولهما: إيقاع هادئ بطيء هو اللون الثانوي كما في الجملة الثانية.
- وثانيهما: إيقاع شديد بارز هو النغمة الرئيسة، ويبدو في حدة كلماته، وشدة نبراته ممثلاً في (النزع، والغرق، والراجفة، والرادفة، والزاجرة، والطامة، وطغى، وبرِّزت، والجحيم). وكان يتم الانتقال من نغمة إلى نغمة، أو من جملة إلى جملة ضمن الإيقاع العام، ويجمعها جميعاً صور من صور التعانق أو التآلف التي تسري فيها حركة واحدة رغم تموجها، هي حركة الإيقاع وحركة الصورة، وحركة الكون الخارجي، وحركة النفس الداخلية. وهي حركات تقوم على الرجف والوجف والاضطراب، وتكون النتيجة أن القلب البشري يحس في ذاته آثار الزلزلة والهول، ويهتز هزة الخوف والوجل، ويتهيأ لإدراك ما يصيب القلوب يوم الفزع الأكبر من ارتعاش لا ثبات معه، وبذلك يصل القرآن إلى مقصده.
هذا هو المصدر الأول لإيقاع القرآن متمثلاً في إيقاع النص , و يتجلى واضحاً لكل من عاش القرآن، واستلهم روحه، وأرهف السمع لنغماته.
ثانياً: مصدر المقرئ (التالي) – التنغيم:
نميز تلاوة القرآن من تنغيمه، فالتلاوة بطرائقها الثلاث: الترتيل والتدوير والحدر علم شرعي يتناول الحروف في مخارجها وصفاتها، وهو علم قديم له أصوله وقواعده التي ثبتت عبر العصور فلم تتغير، ولعل القرآن من هذه الجهة هو الحافظ الوحيد الذي حفظ العربية وطريقة نطق حروفها، ومن يستمع إلى المصحف المرتل يستطيع أن يتمثل أحكام النطق ومواقع النبرات في لغتنا.
أما التنغيم أو التغني فأمر آخر مختلف، إنه فن المقرئ الخاص، وكيفية أدائه للقرآن، مظهر من مظاهر الإبداع، أو محاولة من المرتل لإظهار براعته، علاوة على تعميق أثر النص الذي يقرؤه في نفوس سامعيه، وبهذه الدلالة للتغني يكون أقرب إلى الموسيقى منه إلى التلاوة، فهو والغناء صنوان يلتقيان في الأصل الإيقاعي وفي الجذر اللغوي ثم يفترقان أو يتخالفان.
ثالثاً: مصدر المتلقي:
لا شك أن في القرآن نوعاً من الموسيقى الخفية تلفظ ولا تشرح، لكن كيف ندرك هذه الموسيقى، وهذا الإيقاع؟ وهذا التساؤل يلحق به تساؤل آخر مكمل له هو: كيف نتلقى القرآن؟ فالدراسات النفسية والجمالية لعملية التلقي تثبت أن تركيب الأثر الفني لا يكون تاماً ولا كاملاً إلا إذا التقت في رحابه وتداخلت طاقتان الطاقة الكامنة في النص والطاقة المنبثقة عن التلقي ().
والتقاء عالَم النص وعالَم المتلقي أمر ضروري لحياة النص، فللنص حياة تعج بالحركة والامتداد بما يحمله من كلمات تعبيرية وصور فنية، وقيم موسيقية، وتركيبات بلاغية. أما عالم المتلقي فله حياة وخبرات جمالية وثقافية تتصف هي الأخرى بالحركة والتقابل والامتداد. ومن خلال عملية الإدراك تتصالح الحياتان، وتلتقي الطاقتان (الطاقة الكامنة في النص، والطاقة المنبثقة عن القارئ)، ولن يكون التلقي كاملاً، ولن يدرك القرآن إدراكاً كاملاً، إلا إذا تداخل العالمان وتناغما.
فالقرآن يملك قيمه الروحية والفنية الخاصة به، وهذه القيم لا تحضر إليه أو تفرض عليه، والمتلقي الذي يكابد قراءته وتدبره، ويعيش عالمه، ويحلله لا يجلب معه قيماً يتخيلها، أو لا يفترض في النص الذي بين يديه قيماً غير موجودة، إنه يكشف القيم الكامنة فيه. وفي حالة القرآن تبدو العلاقة بين النص وقارئه أقوى لأن الأمر يتعلق بالإيمان، بتلك الحالة النفسية التي اشترط بعضهم وجودها لإدراك ما في الكتاب من جمال ومن أداء ومن إعجاز. وحين يعايش المتلقي عالم الإيقاع القرآني يجد نفسه في واحد من أربعة مواقف ():
1 - أن يشعر بالإيقاع وجوداً ونوعاً ويعلله.
2 - ألا يلاحظ شيئاً اسمه إيقاع.
3 - أن يرى تناقضاً بين المعلومات التي يعرفها عن الإيقاع وهذا الذي يجده في النص.
4 - أن يحس الإيقاع ولكنه لا يستطيع أن يشرحه ويعلله، أو يحدد مصدره.
(يُتْبَعُ)
(/)
فالموقف الأول منطقي ومتماسك، والثاني يشير إلى أن إحدى الطاقتين الكامنة أو المنبثقة معطلة، والثالث يدعونا إلى أن نجعل من معلوماتنا أداة موظفة لخدمة الإحساس وإلا حكمنا بفسادها ولو جزئياً إذا ناقضته، أما الرابع فقد أغنانا عن التعليق عليه الخطابي حيث ذهب في رسالته عن إعجاز القرآن) إلى أن (السبب قد يخفى وأثره في النفس واضح، وهذا لا يقنع في باب العلم) ().
ودون أن نصل إلى ذلك نقول أن مجرد المحاولة لتلمس الظواهر الإيقاعية في التعبير القرآني مهما خفيت تظل ضرورية بغض النظر عن نتائجها. وتظل موسيقى القرآن هي موسيقى النفس، ويظل الإيقاع هو المعبر عن حالات تلك النفس، ويرتبط بحركة شعورها، لأنه في حقيقة الأمر هو صوت النفس البشرية، صوت حالاتها المتباينة، صوت فرحها وحزنها، أملها ويأسها، غضبها وسعادتها. لقد صور حركة إحساسها، وكان صدى مشاعرها وانفعالاتها، وبلغ في ذلك الغاية، وأربى على الغاية تعبيراً وتأثيراً.
إضاءة:
كان مما لاحظناه من خلال التنقيب في النص القرآني قيمتين صوتيتين تسهمان في تشكيل الإيقاع القرآني، وتؤديان إلى قيامه بأدواره المنوطة به. وهما: (التنوع، والتوقع). ونفصل القول في كل منهما لأهميتهما في سياق الإيقاع القرآني.
التنوع:
لعل أهم ما يميز الإيقاع النثري من الإيقاع الشعري أن الأول أكثر تنويعاً من الثاني، فمهما حاول الشعر أن يعفي نظمه من التفاعيل حتى ينطلق وراء الإيقاع يجد نفسه مصفداً بالوزن. أما النثر فليس لديه وزن يقيده، ولا أطوال أو أقدار يلتزم بها، لديه حرية كاملة في تخير الإيقاع الذي يلائم التعبير، وعندما يفك ذاته من ربقة القيد الوزني، تتدفق نغمات الإيقاع رخية سلسلة ذات ألوان لا حصر لها.
وعلى هذا فربما يكون في إيقاع القرآن ثلاث قواعد:
- أولاها: توحد الإيقاع مع اختلاف المعنى.
- وأخراها: تنوع الإيقاع بتنوع المعنى.
- وثالثتها: اتساق الإيقاع مع الجو العام للمعنى، وتعدده بتعدد هذا المعنى.
والفرق بين القاعدتين الأخيرتين هو الفرق بين المعنى والجو العام، فقد يكون الجو واحداً والمعنى متعدد، وقد يكون المعنى واحداً والجو متعدد. فإذا تم التوافق والانسجام بين الإيقاع وتعدد المعاني في السورة الواحدة فليس من الضروري أن يطَّرد بين الإيقاع والمعنى حيثما يرد. وهذا يعني:
-1أن يتسق الإيقاع مع المعنى في آية أو جملة من الآيات.
- 2أو يأتي واحداً في سورة متعددة المعاني.
- 3أو يتعدد بتعدد المعاني في السورة الواحدة.
- 4أن يتلون رغم توحد المعنى في غير سورة.
- 5أن يتغير بتغير الأجواء باطراد لا ينسى.
وفيما يلي نماذج تطبيقية لهذه الصور السابقة:
1 - في سورة (هود) يقص الله علينا قصة نبي الله نوح- عليه السلام - مع ابنه في سياق قصة الطوفان. يقول تعالى: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ {42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ {43}). إن التشكل الموسيقي للعبارة يتلاءم التلاؤم كله مع المعنى، فالمشهد عاصف، وموج عات كالجبال، وطوفان يغرق كل شيء، وناس بين الموت والحياة، وهتاف الأب بابنه أن يأتي، ونهاية بالغرق. ويجيء الإيقاع يحمل هذا المعنى فهو يتموج موجات طويلة في البداية، يمتد في عمق وارتفاع، ويشارك في رسم الهول العريض، والأسى الفاجع، وتساعد المدات المتوالية للألفاظ في تكوين الإيقاع عمقاً وسعة وبروزاً، حتى يتسق مع المعنى والمشهد العجيب، وينحسر في النهاية سريعاً كما انحسر الموج عن الغريق.
(يُتْبَعُ)
(/)
2 - في سورة قريش يقول تعالى: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ {1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {4}). المعنى هنا مختلف وكذلك الجو، كلاهما يشعر بالمودة والحنان والعطف، ويتشكل الإيقاع منسجماً ومتسقاً مع ذلك، ومع طول الرحلتين زماناً بين الشتاء والصيف، ومكاناً من الجنوب إلى الشمال فيجيء هادئاً رخياً منبسطاً ممتداً كله أمان وسلام وطمأنينة للنفس البشرية ولنفوس قريش في رحلتيها الآمنتين الرابحتين اللتين صارتا لهما عادة وألفاً.
-3في سورة التكاثر يقول تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلاَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلاَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلاَ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}). تصور السورة الحياة وكأنها ومضة خاطفة في شريط طويل، برهة عابرة، هكذا (ألهاكم التكاثر) في الدنيا حتى دفنتم في المقابر، وعبر عن الموت بالزيارة لأن الإقامة فيها هي الأخرى مهما امتدت (قصيرة)، وتنتهي ومضة الحياة وتنطوي صفحتها الصغيرة كما تنتهي وتنطوي ومضة الموت وصفحتها، ويمتد بعد ذلك الزمان وتمتد الأثقال.
ويقوم الإيقاع بهذا الإيحاء يحمل المعنى ويتسق معه، فهو يبدأ سريعاً صاعداً إلى بعيد، وينتهي رصيناً ذاهباً إلى القرار العميق، إيقاع يقرع قرعات متوالية، يقرع القلوب ثلاث مرات في كل سلم صعوداً وهبوطاً زاجراً في الأولى ومؤكداً في الثانية، إيقاع أشبه ما يكون بصوت النذير يقوم على شرف عال ماداً صوته، مدوياً بنبرته، يصيح بنوم غافلين سادرين أشرفوا على الهاوية عيونهم مغمضة وحسهم مسحور.
- 4 في سورة النجم وآياتها اثنتان وستون يتوحد الوزن – على غير نظام الشعر- مع الإيقاع والفواصل من بداية السورة حتى قبيل نهايتها، مع أنها تحمل موضوعات عدة، وتطرق أفكاراً مختلفة مثل قصة العروج إلى السماء، وملامح الجاهلية، وعبادة الأوثان، ومشكلة التوحيد والإيمان بالملائكة وحكاية الخلق ... إلخ. صحيح أننا نلحظ فروقاً دقيقة – رغم الفاصلة الواحدة – تتلامح في سرعة الإيقاع وبطئه، إلا أن نوع الإيقاع لا يتغير وإن تغيرت شدته أو درجته. وقد تراوح طول الآية بين ثلاث كلمات في قوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) () إلى أكثر من عشرين في قوله تعالى: (إِنْ هِيَ إِلاَ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) (). بيد أن أسلوب الأداء الموسيقي واحد في السورة جميعاً، فهو متوسط الزمن، مسترسل الروي حتى كأنه حديث يتلى، أو قصة تحكى.
-5وإذا كان الإيقاع قد توحد في السورة السابقة رغم طولها النسبي وتعدد معانيها، فإنه يتلون ويتغير في سورة أخرى أقصر منها كسورة النبأ، ونكتفي منها بهذه الآيات.
تبدأ السورة بقوله تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ {1} عَنِ النبأ الْعَظِيمِ {2} الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ {3} كَلَّا سَيَعْلَمُونَ {4} ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ {5}).
وتختم النهاية بقوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً {38} ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً {39} إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً {40}).
الفرق بين الإيقاعين لا يحتاج إلى مصطلحات فهو في الأولى دقات زاجرة، وطرقات عنيفة، وهذا ينسجم مع جو متحرك شديد الارتجال جو النبأ العظيم، وهو في الثانية جو هادئ ينسجم مع جو التأمل، جو المستقبل الذي يتطلب تملياً وتفكيراً.
(يُتْبَعُ)
(/)
6 - تحمل سور (التكوير، والانفطار، والانشقاق) على الأقل في بداياتها معاني واحدة، فهي تتحدث عن مشاهد الانقلاب الكونية يوم القيامة، وتقدم هذه المعاني أو المشاهد بثلاث إيقاعات مختلفة رغم توحد حرف الروي في فواصل آيات تلك السور على الشكل التالي:
* في سورة التكوير يقول تعالى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ {1} وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ {2} وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ {3} وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ {4} وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ {5} وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ {6} وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ {7} وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ {8} بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ {9} وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ {10} وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ {11} وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ {12} وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ {13} عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ {14}).
* في سورة الانفطار يقول تعالى: (إذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ {1} وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ {2} وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ {3} وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ {4} عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ {5}).
* في سورة الانشقاق يقول تعالى: (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ {1} وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ {2} وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ {3} وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ {4} وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ {5}).
الإيقاع الأول عاصف سريع متلاحق يختصر المسافات، ويطوي الأمكنة ويلفها، إنه حركة جائحة تنطلق من عقالها فتقلب كل شيء وتذهب بكل مألوف، وتهز النفس البشرية هزاً عنيفاً. والثاني متوسط الحركة لا يملك عنف العاصفة ولا لطف النسيم، إنه بين بين، هو أقرب إلى الانفطار بلفظة الواني منه إلى التكوير بجرسه الشديد الحاد. والثالث هادئ رخي عميق ينساب في دعة وخفوت واستسلام.
وقد تلونت الإيقاعات الثلاثة بلون الإطار أو الجو العام لكل سورة، فجو سورة التكوير التقريع الشديد والتهديد، ومما يناسب هذا الجو أن يكون الإيقاع عنيفاً، عاصفة مدمرة جارفة. وجو سورة الانفطار العتاب واللوم المبطن بالوعيد، ويتفق مع هذا الجو أن يكون الإيقاع أهدأ وأعمق وأرفق. وجو سورة الانشقاق الخضوع لله، ويتناغم مع هذا الجو أن يكون الإيقاع هو الآخر خاشعاً يسير في طواعية ويسر وإشفاق. وهذا وغيره أنواع من الإيقاع متعددة ومتغيرة، لا يضاهي تنوعها سوى وفرتها.
* التوقع:
التوقع أو الترقب مصطلح شعري كما هو مصطلح موسيقي، لأن الأداء هنا وهناك يقوم على افتراض أن السامع يتوقع بعد وقت معين إشارة إيقاعية في الوزن، ولذلك يقال أن الزمن في الموسيقى وفي الشعر زمن توقع. وتحديد التوقع يزداد كلما اتجه الكلام نحو الوزن أو الشعر بحيث يكاد يصبح التحديد في بعض الحالات التي تستعمل فيها القافية كاملاً، بل أكثر من ذلك أن وجود فترات زمنية منتظمة في الوزن أو في الإيقاع يمكننا من تحديد الوقت الذي سيحدث فيه ما نتوقع. وفي الإيقاع ينبغي ألا نتصور التوقع على أنه في الكلمات ذاتها، وإنما في الاستجابة التي نقوم بها لتلك الكلمات، وهكذا حين نستمع إلى بنغمة من النغمات نحاول أن نتوقع ورود النغمة التالية، وتستريح أنفسنا إلى ذلك، وهو أمر طبيعي. إلا أننا لا نكاد نسمع النغمة الثانية حتى نشعر بما يشبه الشوق أو الحنين إلى عودة النغمة الأولى، وقد لا يشبع الإيقاع هذا الحنين مباشرة فيأتينا بنغمة متوسطة تثير في أنفسنا مرة ثانية أو ثالثة إحساساً جديداً بالترقب، وعلى طريق هذا الجذب، الشوق أو التوتر تثار في أنفسنا ألوان شتى من الانفعالات ().
وتتبدى هذه الظاهرة الإيقاعية في القرآن بشكليها؛ شكل الفاصلة وشكل النغمة. فالأولى يترقبها القارئ لا سيما في الآيات الطوال ويفتش عنها ويحن إليها لأنها تلبي لديه إحساساً دفيناً بالراحة، أو تحدث تأثيراً نفسياً بتحقق النشوة. والثانية: النغمة يمكن تبينها في غير سورة كالمدثر والنازعات والانشقاق والبروج والفجر وسواها.
(يُتْبَعُ)
(/)
* ففي سورة المدثر مثلاً يبدأ اللحن بإيقاع سريع حاسم وقصير. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ {1} قُمْ فَأَنذِرْ {2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ {3}) ثم تتغير نغمة الإيقاع: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً {11} وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً {12} وَبَنِينَ شُهُوداً {13} وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً {14} ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ {15})، ثم يمتد أكثر ويطول طولاً لافتاً للسمع في سبع وخمسين كلمة: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إلاَ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ {31})، ثم يعود الإيقاع كما بدأ سريعاً حاسماً بآيات قصيرة: (كَلاَ وَالْقَمَرِ {32} وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ {33} وَالصُّبْحِ إِذ أَسْفَرَ {34} إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ {35} نَذِيراً لِّلْبَشَرِ {36}).
* وفي البروج يبدأ اللحن أقل سرعة. يقول تعالى: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ {1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ {2} وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ {3} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ {4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ {5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ {6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ {7})، في سبع آيات متجانسة النغمات.
ثم يسترخي الإيقاع في أربع آيات طويلة: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {9} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ {10} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ {11}). فتحس النفس بعدها بالحنين إلى النغمة الأولى الراكضة فسرعان ما تعود بقوله تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {12} إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ {13} وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ {14} ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ {15} فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ {16} هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ {17} فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ {18} بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ {19} وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ {20} بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ {21} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ {22}) في إحدى عشرة آية متعانقة تحمل شدة الإيقاع الأول ودرجته وارتفاعه.
وهذا كله معنى ما نقوله من أن القرآن يلجأ إلى أسلوب التوقع والترقب بأن يلقي في النفس أولاً نغمة ما، ثم يوقع على أحاسيسها ومشاعرها توقيعات شتى، يعود بعدها إلى نغمة البداية حيث تنتظرها النفس في شوق ولهفة وحنين.
تلك هي أهم خصائص الإيقاع القرآني وما يتبعه من أنساق دلالية وسياقية في إطار الدور الإبلاغي والجمالي للنص القرآني.
الهوامش:
1. - نديم الوزة، مدخل إلى الإيقاع الداخلي للشعر، 21.
2. - أوستن وارين ورينيه ويلك، نظرية الأدب، ترجمة: محيي الدين صبحي، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، دمشق، 1988، 225.
3. - د. كمال أبو ديب، في البنية الإيقاعية للشعر العربي، 221.
4. - جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، ترجمة: محمد العمري ومحمد الولي، دار توبقال، الدار البيضاء، 1986، 84.
5. - د. سيد البحراوي، الإيقاع وعروض الشعر العربي، 111.
6. - د. محمد العياشي، نظرية إيقاع الشعر العربي، دار الكتاب العربي، دمشق، 1986، 90.
7. - جاكوبسن، قضايا الشعرية، 19.
8. - د. سيد البحراوي، الإيقاع وعروض الشعر العربي، 245.
(يُتْبَعُ)
(/)
9. - ينظر: ليلى الشربيني وسيد البحراوي، إنتروبيا الإيقاع في العربية، مجلة فصول، مج 15، ع 4، شتاء 1997، 270.- د. سلمان العاني، التشكيل الصوتي،133.
10. - ينظر: د. سلمان العاني، التشكيل الصوتي، 134 – 135. - د. كمال أبو ديب، في البنية الإيقاعية، 297 – 298. - د. سيد البحراوي، الإيقاع، 118.
11. - - د. كمال أبو ديب، في البنية الإيقاعية، 302 – 303. د. عصام نور الدين، علم الأصوات اللغوية (الفنولوجيا)، 110 – 116.
12. - ينظر: د. ليلى الشربيني وسيد البحراوي، إنتروبيا الإيقاع في العربية، 272. – د. شكري عياد، موسيقى الشعر، 43 – 44.
13. - د. سيد البحراوي، الإيقاع، 127. وينظر: - د. تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، 230. – د. سلمان العاني، التشكيل الصوتي، 143 – 144.
14. - سورة القدر: آية رقم (1).
15. - سورة الضحى: آية رقم (3).
16. - سورة البقرة: آية رقم (284).
17. - سورة نوح: آية رقم (28).
18. - سورة النبأ: آية رقم (1).
19. - سورة النازعات: الآيتان رقم (42، 43).
20. - ينظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، 4/ 433 – 434. – ابن هشام، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق: د. مازن المبارك، دار الفكر، بيروت، 1998، 339 – 342.
21. - سورة الإنسان: آية رقم (1).
22. - سورة البقرة: آية رقم (210).
23. - سورة النازعات: آية رقم (15).
24. - سورة الكهف: آية رقم (103).
25. - سورة المائدة: آية رقم (91).
26. - سورة ق: آية رقم (30).
27. - سورة الفجر: آية رقم (5).
28. - سورة النازعات: آية رقم (18).
29. - ابن هشام، مغني اللبيب، 21 – 28.
30. - سورة الزمر: آية رقم (8).
31. - سورة الشرح: آية رقم (1).
32. - سورة الصافات: آية رقم (86).
33. - سورة الأنبياء: آية رقم (62).
34. - سورة هود: آية رقم (87).
35. - سورة آل عمران: آية رقم (20).
36. - سورة الفرقان: آية رقم (45).
37. - سورة الحديد: آية رقم (16).
38. - سورة الزلزلة: الآيات (1 - 5).
39. - د. عليان بن محمد الحازمي، التنغيم في التراث العربي، مجلة جامعة أم القرى، مكة المكرمة، مج 12، 1995، 283.
40. - د. عبد الكريم مجاهد، الدلالة اللغوية عند العرب، دار الحوار، دمشق، 2000، 178.
41. - د. سمير ستيتية، منهج التحليل اللغوي في النقد الأدبي، مجلة التراث العربي، دمشق، ع 15،يناير 1985، 154.
42. - سورة يوسف: الآيتان رقم (74، 75).
43. - نديم الوزة، مدخل إلى الإيقاع الداخلي للشعر، 282.
44. - د. عبد القادر فيدوح، الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1992، 335.
45. - ينظر: - د. صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1988، 334. - د. حامد صادق قنيبي، المشاهد في القرآن؛ دراسة تحليلية وصفية، مكتبة المنار، الأردن، 1998، 273.
46. - د. عز الدين إسماعيل، الأسس الجمالية في النقد الأدبي، دار الفكر العربي، القاهرة، ط3، 2001، 361.
47. - سيد قطب، التصوير الفني في القرآن، دار الشروق، القاهرة، ط14، 1993، 102.
48. - سورة الإخلاص: الآيات (1 – 4).
49. - د. كمال أبو ديب، جماليات الخروج والانقطاع، مجلة دراسات لسانية وسيميائية، الدار البيضاء، ع 22، 1999، 68.
50. - إبراهيم جنداري، الإيقاع في القصة القرآنية، مجلة الموقف الأدبي، دمشق، 379، تشرين الثاني، 2002، 186 – 173.
51. - د. مجيد عبد الحميد ناجي، الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1985، 41.
52. - د. بدوي طبانة، قضايا النقد الأدبي: (الوحدة، الالتزام، الوضوح والغموض، الإطار والمضمون)، دار المريخ، الرياض، 1988، 147.
53. - د. محمد الحسناوي، الفاصلة في القرآن، 100 – 124.
54. - د. عماد الدين خليل، مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1988، 28 – 29.
55. - سيد قطب، التصوير الفني في القرآن، 103.
56. - مصطفي صادق الرافعي، إعجاز القرآن، 167 – 168.
57. - سيد قطب، التصوير الفني، 106.
58. - الرافعي، إعجاز القرآن، 168 – 169.
59. - سيد قطب، التصوير الفني، 103 - 104.
60. - الرافعي، إعجاز القرآن، 171.
61. - سيد قطب، التصوير الفني، 113.
62. - د. نعيم اليافي، عودة إلى موسيقى القرآن، 166 – 170.
63. - ينظر: - الزركشي، البرهان في علوم القرآن، 1/ 187. – السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، 1/ 6.
64. - ينظر ما سطره د. نعيم اليافي في محاولاته المتعددة لإبراز الموسيقى القرآنية وأثرها على السياق المكي والمدني. - د. نعيم اليافي، عودة إلى موسيقى القرآن، 166 – 187.
65. - استعنا في هذا التحليل بما سطره الأسلاف العظام مثل: سيد قطب، ومصطفى صادق الرافعي في مؤلفاتهم الثرية، فعليهم رحمة الله تعالى.
66. - عناصر الإيقاع سبعة عناصر هي (النظام، والتغير، والتساوي، والتوازي، والتوازن، والتلازم، والتكرار). ينظر: - عز الدين إسماعيل، الأسس الجمالية في النقد العربي، 122.
67. - ينظر:- حاتم الصكر، ترويض النص، 51.– ميشال ريفاتير، معايير تحليل الأسلوب، 8. – رامان سلدن، النظرية الأدبية المعاصرة، 165 – 186. – روبرت سي هول، نظرية الاستقبال، 129 – 138. – د. محمد مفتاح، التلقي والتأويل، 86 – 94.
68. - د. نعيم اليافي، عودة إلى موسيقى القرآن، 188 - 193.
69. - الخطابي، القول في بيان إعجاز القرآن، 24.
70. - سورة النجم: آية رقم (1).
71. - سورة النجم: آية رقم (23).
72. - ينظر: - د. نعيم اليافي، قواعد تشكيل النغم في القرآن، 117 – 133.(/)
أثر التلوين الصوتي في انتقاء الكلمة القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:37 ص]ـ
أثر التلوين الصوتي في انتقاء الكلمة القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
في البدء يجب أن نقر بأن كل لفظ في النص القرآني قد وُضِعَ في موضعه المناسب تماماً كما أراد المولى - سبحانه وتعالى-، وهذا الترتيب في ذاته سر إعجازي فوق بقية الأسرار، فقرار اللفظ في مكانه متشابكاً مع سابقه ولاحقه في إطار منظومة سياقية نصية جمالية تقوم على هذا النسج القرآني للقرآن، وتتساوق معاً لأداء ما يراد من أغراض ومقاصد. وهذه الألفاظ القرآنية لم تُخْتَرْ اعتباطاً، أو توظف عبثاً بلا قصد، بل القصد كل القصد هو توظيفها في أماكنها المناسبة في ضوء ما يهدف من ورائها من مقاصد هي عين التوظيف.
ويرى د. أحمد أبو زيد أن " الكلمة القرآنية تختار بدقة متناهية، وتوضع في موضعها من الآية بإحكام تام يجمع لها بين مناسبة السياق القريب، ومناسبة السياق البعيد، وليس هناك أي تعارض بينهما " ().
ومن أدلة ما نقصده هنا ما نلمسه في سياق الآيات التالية من سورة الحج، يقول تعالى: ? هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ? ()، فالمشهد هنا عنيف ترتسم فيه مشاهد متنوعة من تقطيع الثياب من النار للمعذَّبين، ومن صب النار فوق الرؤوس ليصهر به ما في البطون والأمعاء والجلود، ثم ما أُعِدَّ لهم من مقامع مصنوعة من الحديد الذي ليس بحديد كالحديد.
وقد رُسِمَت هذه الصورة بالألفاظ المناسبة التي تألفت من الأصوات القوية والشديدة كالطاء المشددة، والقاف المضمومة في كلمة (قُطِّعَت)، والباء المشددة المضمومة، والصاد كلمة (يُصَبّ)، والهمزة المضمومة في كلمة (رؤوسهم)، والباء والطاء المضمومتين في كلمة (بطونهم)، والجيم المضمومة في كلمتي (الجلود) و (أن يخرجوا)، الدال المكسورة في كلمة (من حديد)، والذال المضمومة في كلمة (ذوقوا). كما أن صوت القلقلة الذي يتكرر في حروف الفاصلة في الآيات وهو الدال عامل إيقاعي مهم في إبراز هذه اللوحة.
وهكذا تتجمع الألفاظ بأصواتها في سياق تصويري رائع، يضاف إليه صفات هذه الأصوات كالجهر والشدة والاستعلاء والتفخيم والإطباق والقلقلة، وكلها من صفات القوة في الأصوات، بما يتوافق مع سياق الآية و الأداء التعبيري فيها. كما توزيع الحركات في هذا الإطار يعبر أيضاً عن عنف المشهد، فما الضمة والكسرة والتشديد بكل أجراسها القوية إلا عامل تجميلي لهذا السياق.
وانطلاقاً من الإقرار بهذه الدقة المتناهية في انتقاء الكلمة القرآنية وتوظيفها في سياقها النص، وأدائها للوظائف الجمالية المرادة منها، فإن ذلك يثسلمنا بالتأكيد إلى البحث في معايير هذا الانتقاء، والتفتيش عن الكيفية التي تمت بها صياغة الكلمة القرآنية، وذلك من خلال التنقيب عن الأداة التي تمت بها هذه الصياغة، وفرضيات التلاؤم والتنافر الحرفي المكون لهذه الكلمة. كذلك يفرض هذا علينا التعرض للكلمة في طولها الحرفي، وما يفيده ذلك من دلالات في السياق القريب والبعيد للكلمة والآية ثم السورة أيضاً. كما أن ملاحظة هذا الانتقاء للكلمة في الهيئات المختلفة يعدُّ أمراً ملحاً على مستوى إدراك الكلمة في حالة تعريفها أو تنكيرها، كذلك بيان الحالة التوظيفية لهذه الكلمة من حيث العدد.
ومحاولة البحث والتفتيش بهذا الشكل تحاط بمنظومة لغوية متكاملة تعتمد بالمقام الأول على المعطى الصوتي الذي هو بوصلة التوجيه لهذا الانتقاء، ثم تعاضد بقية معطيات اللغة من نحو وصرف ودلالة. وما محاولة الكشف عن هذه الجماليات إلا بحث في المرحلة الأولى من حياة الكلمة القرآنية، وهي مرحلة التشكيل، وهذا ما نحاول الولوج فيه الآن.
1 - التلاؤم والتنافر في الكلمة القرآنية:
(يُتْبَعُ)
(/)
بحثنا في الفصل الثاني عند الحديث عن الفصاحة كتلوين صوتي ما يتعلق بشروط فصاحة اللفظ المفرد؛ خاصة الشرط الأول الذي يتمحور حول ائتلاف الكلمة من حروف متباعدة المخارج تفادياً للتأليف المُشْكِل الذي قد يتكون نتيجة لقرب الأصوات في المخرج، وذلك بتفصيل هناك مكانه (). على أننا عند الاقتراب من الكلمة القرآنية في تآليفها الصوتية المتنوعة سواء بقرب المخارج أو بتباعها، وجدنا أن هناك معياراً يفرض نفسه وهو معيار (ما يستلذه السمع)، وهو المعيار الذي ألزم به ابن الأثير نفسه عند مناقشته لجمالية المفردة القرآنية. يقول ابن الأثير: " حاسة السمع هي الحاكمة في هذا المقام بحسن ما يحسن من الألفاظ، وقبح ما يقبح ... فإذا استحسنت لفظاً أو استقبحته، وُجِدَ ما تستحسنه متباعد المخارج، وما تستقبحه متقارب المخارج. واستحسانها واستقباحها إنما هو قبل اعتبار المخارج لا بعده " ().
فالأمر المعول عليه هنا هو جمالية الصوت ذاته، وهي جمالية محسوسة يحتكم فيها إلى الأذن لإدراك أركانها وأبعادها، فكأن للأذن مستوى من الاستيعاب الجمالي، فتَجْمُل الأصوات حين تفد على الأذن في هذا المستوى، وتَقْبُح حين ترتفع عنه أو تهبط دونه.
والتلاؤم الذي نقصده في معالجة الكلمة القرآنية يكمن في إثبات جمالية الائتلاف الحرفي حتى يكون للفظ حسناً في السمع، سهلاً في النطق به. وهذه العملية ليست بالآلية الجامدة بل هي عملية ذوقية تقوم على مخاطبة الفطرة، وتستدعي انتباه الحواس واستنفارها، وتيقظ الطبع.
ويرى الإمام الرُّماني أن للتلاؤم أثر جمالي في مظهر الحرف ومخبر الكلمة، ولذا يجعله مثل " قراءة الكتاب في أحسن ما يكون من الخط والحرف، وقراءته في أقبح ما يكون في الخط والحرف، فذلك متفاوت في الصورة، وإن كانت المعاني واحدة " ().
والجاحظ لم يكن غفلاً بعيداً عن تذوق الإحساس الجمالي المتولد عن التلاؤم بين الحروف إذ حدد بدقة ما يجب اقترانه منها معاً، وما لا يجب، وذلك اعتماداً على خبرته الجمالية، وذوقه البلاغي. يقول الجاحظ: " أما في الحروف فإن (الجيم) لا تقارن (الظاء، والقاف، ولا الطاء، ولا العين بتقديم ولا بتأخير. و (الزاي) لا تقارن (الظاء، ولا السين، ولا الضاد، ولا الذال بتقديم ولا بتأخير. وهذا باب كبير، وقد يستدل بذكر القليل حتى يستدل به على الغاية التي إليها يجري " ().
وهنا يثور سؤال: هل ينصرف التلاؤم إلى مجرد قبول الكلمة لحروفها الداخلية ثم لما يجاورها من كلمات، وعدم ثقلها النطقي في السياق التلفظي؟ والإجابة تكمن في كون هذا التلاؤم أعم من الحصر في هذا السياق الضيق، إذ أنه يتسع ليدرك برحابته ما يحقق التجانس الإيقاعي الموظف في هذا السياقات النصية.
كما أن النص القرآني في توظيفه للكلمة القرآنية يستخدم كلمات تقترن فيها حروف عدها أهل العربية مما لا يجب اقترانه. فمثلاً نجد (العين) تقارن (الجيم) بتقديم كما في قوله تعالى: ? وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ? () على غير ما قرره الجاحظ في هذا السياق.
والرماني حين يتحدث عن التلاؤم ودرجاته الثلاث ما بين المتنافر، والمتلائم في الطبقة الوسطى، والمتلائم في الطبقة العليا، إنما كان قاصداً أن يعود بهذا التلاؤم إلى تجانس الأصوات. ولما كانت أصوات القرآن على أتم ما يكون من التجانس، كان القرآن الكريم كله متلائماً من الطبقة العليا، وذلك بيّن لمن تأمله ().
ونظراً للطبيعة التركيبية المتفردة للعربية فإنها قد تمرست على فنية تعادل الأصوات وتوازنها، مما جعل لغة القرآن الكريم في الذروة من طلاوة الكلمة، والرقة في تجانس الأصوات والألفاظ، وما ذاك إلا دلالة قطعية على امتياز العربية في مجموع أصواتها، وسعة مدرجها الصوتي، ومقابلتها بهذه السعة ما حفلت به أصوات الطبيعة، وعدالة هذا التوزيع الصوتي المؤدي إلى التوازن والانسجام ().
وليس أدل على عبقرية التلاؤم الحرفي في النص القرآني من تأمل سياقات الابتداء بالحروف المقطعة التي تنطق بأصواتها للإفادة من هذه الصوتية عند الاستعمال دون الوقوف عند حرفيتها الجامدة. فالقرآن الكريم يفتتح (29 تسع وعشرين سورة) بحروف هجائية مقطعة، يمكن تصنيفها كما يلي ():
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - الابتداء بحرف مفرد، في ثلاث سور هي: (ص، وق، والقلم).
2 - الابتداء بحرفين، في عشر سور هي: (طه، والنمل، ويس، وحم التي تكررت في بداية سبع سور تعرف بالحواميم هي (غافر، وفصلت، والشورى، والدخان، والزخرف، والجاثية، والأحقاف).
3 - الابتداء بثلاثة حروف، في اثنتا عشرة سورة هي: (البقرة، وآل عمران، ويونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، والحجر، والشعراء، والقصص , والعنكبوت، والروم، والسجدة).
4 - الابتداء بأربعة حروف، في سورتين هما: (الأعراف، والرعد).
5 - الابتداء بخمسة حروف، في سورتين هما: (مريم، والشورى).
وهذه الأحرف المقطعة وقف عليها أهل التفسير بما استطاعوا من جهد واجتهاد في محاولة لتبيان مدلولاتها ومعانيها، وهذا محمود من جانبهم، لكن هذه الأحرف المقطعة من (محكمات القرآن)، إلا أن جمالها الصوتي هو مناط الأمر هنا رغم غاربة الائتلاف الحرفي فيها.
وقد اهتم الباحثون في الإعجاز القرآني بمحاولات التصنيف الصوتي لهذه الحروف المقطعة في فواتح السور إلى المهموس والمجهور، أو الشديد، أو المطبق وغير ذلك، ثم الاجتهاد في بيان بعض أسرارها التأليفية، وما يرتبط بها من دلالات صوتية. وكان الباقلاني في طليعة هؤلاء الأعلام إذ يقول: " إن الحروف التي بني عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفاً، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورة ()، وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة، وهو أربعة عشر حرفاً ليدل بالمذكور على غيره، والذي تنقسم إليه هذه الحروف أقساماً: فمن ذلك قسموها إلى حروف مهموسة وأخرى مجهورة، فالمهموسة منها عشرة هي: (الحاء، والهاء، والخاء، والكاف، والشين، والثاء، والفاء، والتاء، والصاد، والسين). وما سوى ذلك من الحروف فهي مجهورة. وقد عرفنا أن نصف الحروف المهموسة مذكورة في جملة الحروف المذكورة في أوائل السور، وكذلك نصف الحروف المجهورة على السواء لا زيادة ولا نقصان " (). وعلى هذا التحليل والتقسيم الذي ذهب إليه الباقلاني الإمام الطوسي في تفسيره ().
ويعرض الباقلاني لبعض التفاصيل الأخرى التي تتعلق بالحروف المقطعة رغبة منه في استقصاء ما يحيط بهذه الحروف من دلالات، واستكناه ما يمكن أن تسهم به من جماليات في السياق القرآني، فيعرض لتصنيفها تصنيفا آخر إلى الشديد والرخو، والمطبق، وحروف الحلق، دون أن يفسر دلالات هذا الورود الإعجازي على هذه الصفة والتصنيف. يقول الباقلاني: " نصف حروف الحلق (العين، والحاء، والهمزة، والخاء، والغين) مذكور في جملة هذه الحروف، وأن النصف المذكور هو (العين، والحاء، والهاء). وكذلك نصف عدة الحروف التي ليست من حروف الحلق مذكور في جملة هذه الحروف. وأن نصف الحروف الشديدة: (الهمزة، والقاف، والكاف، والجيم، والتاء، والدال، والطاء، والباء) مذكور في جملة هذه الحروف، والمذكور: (الطاء، والقاف، والكاف، والهمزة). وأن نصف الحروف المطبقة وهي (الطاء، والظاء، والصاد، والضاد) مذكور في جملة هذه الحروف، والمذكور هو (الصاد، والطاء) " ().
ومثل هذا الاهتمام المتكامل بهذا التشكيلات الصوتية في فواتح بعض سور القرآن الكريم يمكننا تلمسه أيضاً مثلما ورد عند الباقلاني في سياق مؤلفات الأعلام من أهل البلاغة والتفسير مثلما نجد عند كل من: ابن عطية، والسمرقندي، والزمخشري بتفصيل أكبر، والطبرسي، والطوسي، وأبي السعود، وابن الزملكاني، والزركشي، والرازي، وابن كثير، وأبو حيان، والسيوطي، في سياقات متنوعة مابين الإيجاز والإطناب، ونقل الآراء السابقة ().
(يُتْبَعُ)
(/)
كما أن هؤلاء الأعلام في تناولاتهم التحليلية الرائقة لهذه التشكيلات الصوتية قد وقفوا على معطيات جمالية لهذه الحروف المقطعة وربطوها بالمعطى الصوتي وما له من أثر بلاغي في سياق هذه التشكيلات. فمن ذلك ما أفاده الزركشي في تحليله لابتداء سورة (ق) بهذا الحرف، وما أفاده في السياق الكلي للسورة. يقول الزركشي: " تأمل السورة التي اجتمعت على الحروف المفردة، وكيف تجد السورة مبنية على ذلك الحرف. فمن ذلك ? ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ? () فإن السورة مبنية على الكلمات القافية من: ذكر القرآن، ومن ذكر الخلق، وتكرار القول ومراجعته مراراً، والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكين، وقول العتيد، وذكر الرقيب، وذكر السايق والقرين، والإلقاء في جهنم، والتقدم بالوعد، وذكر المتقين، وذكر القلب، والقرآن، والتنقيب في البلاد، وذكر القتل مرتين، وتشقق الأرض، وإلقاء الرواسي فيها، وسوق النخل، والرزق، وذكر القوم، وخوف الوعيد، وغير ذلك " ().
فهو هنا يتناول الدلالة الصوتية التي أداها توظيف حرف القاف في سياق السورة كلها، وكيف أن البناء الهيكلي للسورة قام في جوهره على كلمات اشتملت على هذا الحرف بكل ما يحتويه هذا الحرف من خصائص صوتية وسياقية التي تدور في مجملها على الشدة والقلقلة من جهة، وعلى الجهر والانفتاح من جهة أخرى.
كذلك نلمس مثل هذا التوجيه الدلالي للمعطى الصوتي لهذا الحروف المقطعة في السور القرآنية من خلال محاولة تفسير الخصوصية الصوتية للابتداء بالحرف (ص) في بداية سورة (ص)، وربط تلك الخصوصية بالدلالات المتنوعة بما يتناسب ودلالة هذا الصوت على الخصومات الشديدة، والجدال المفرط، وصدى ذلك على الأسماع، واشتمال ذلك كله على أحاديث السورة نفسها، في محاكاة لما تضمنته من أحاديث وجدالات موظفة في سياق آياتها. يقول الزركشي: " تأمل ما اشتملت عليه سورة ص من الخصومات الشديدة، فأولها خصومة الكفار مع النبي ? وقولهم: ? أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً? () إلى آخر كلامهم. ثم اختصام الخصمين عند داوود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم، وهو الدرجات والكفارات. ثم تخاصم إبليس واعتراضه على ربه وأمره بالسجود، ثم اختصامه ثانية في شأن بنيه، وحلفه ليغوينهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم " ().
هكذا نجد الزركشي في تنبيهاته الصوتية - سواء كان ناقلاً لها، أم مجمعاً لشتاتها، أم مبتدعاً لبعضها – يؤكد مدى ما وصله أهل العربية من تعمق وإدراك للدلالات الصوتية الناشئة عن توظيف الحروف المقطعة في أوائل بعض السور القرآنية، ومحاولاتهم إبراز حقائقها الجمالية، وإن كان ذلك لا يخرجها عن كونها حروف لها وقع سمعي صوتي مؤثر بعيداً عن إدراك مراميها الخافية عنا.
غير أنه يجب التنبه إلى حقيقة واقعة تتمثل في كون هذه الحروف تنطق كنطق الأصوات، ولا تلفظ كلفظ الحروف، بمعنى أننا نقول في قوله تعالى: ? ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ? () هكذا (نُون) صوتاً نطقياً، لا حرفاً مرسوماً (ن) أو (نْ). وكذلك سائر الحروف المقطعة في فواتح السور فكلها تنطق بأسماء تلك الحروف أصوااتاً، لا بأشكالها الهجائية المرسومة، مما يقرب منها البعد الصوتي المتوخي، في حين أنها كتبت في المصاحف على صورة الحرف لا صورة الأصوات ().
ولذا أشار الطوسي (ت 460 هـ) إلى جزء من صوتية هذه الحروف بملحظ الوقف عندها بقوله: " أجمع النحويون على أن هذه الحروف مبنية على الوقف لا تعرب، كما يبنى العدد على الوقف، ولأجل ذلك جاز أن يجمع بين ساكنين، كما جاز ذلك في العدد " ().
وهكذا ندرك الأثر الجمالي الناشئ عن هذه الحروف المقطعة في تعانق سياقاتها الصوتية مع سياقات الدلالة في السور التي تقع فيها.
أما اختيار النص القرآني للكلمات، وانتقاؤه للألفاظ فقد جرى مجرى عجيباً في هذا الإطار، إذ نجد في اختيار حروف الكلمة نوعاً من الإعجاز يغلف هذا الاختيار، فنجد الكلمة صافية الأصوات، جميلة الوقع في السمع، طيبة المجرى على اللسان، معتدلة التأليف، نازلة على أحسن ما يكون من هيئة في الإيقاع، موحية بكل ما تريده من دلالات ومقاصد وأغراض.
(يُتْبَعُ)
(/)
الكلمة القرآنية تنتقى في أحسن ما يكون من تراكيب الحروف، وتناسق الأصوات في الائتلاف ما بين الرخو الشديد، والمجهور والمهموس، والممدود والمقطوع. ولذا وجدنا طائفة من ألفاظ القرآن الكريم اتسمت بهذا الجمال الصوتي معتمدة في ذلك على حسن التأليف، وجمال الائتلاف. فحينما يتحدث القرآن الكريم عن النار وشدة العذاب يختار لهذا السياق ما يوافق مقامه من الأصوات والألفاظ الدالة على الشدة وإثارة الفزع كما يلي:
* اجتماع صوتي (الظاء، والشين) في قوله تعالى: ? يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ ? ().
* اجتماع صوتي (الشين، والهاء) في قوله تعالى: ? إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ ? ().
* الوضوح السمعي لحرف (الظاء) في قوله تعالى: ? فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى ? ().
* الوضوح السمعي لحرفي (الظاء، والفاء) في قوله تعالى: ? إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ? ().
فهذه الأحرف تنقل لنا في سياقها المؤتلف مع بقية أحرف الكلمة في الآيات السابقة صورة مشهدية متكاملة للنار مهتاجة مغتاظة غاضبة، تكاد تنقض على الكافر المعرض عن دعوة الله، الصاد عن سبيله ().
كما أن هناك نسبة كبيرة من الحروف يرتبط صوتها بما تؤديه من معنى ارتباطاً وثيقاً، وذلك وفقاً لما قاله ابن جني عند حديثه عن هذا الأمر بقوله: " فإنهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبَّر بها عنها " ().
وتأسيساً على هذا الطرح وجدنا النص القرآني يوظف مجموعة من الكلمات تم اختيارها بدقة لتحاكي أصواتها المؤلفة لها، وتستوحي دلالتها من جنس صياغتها، فجاءت دالة على ذاتها بذاتها. فمنها:
1 - دلالة مادة (صرخ) في القرآن الكريم وما تحمله من بعث الصرخات والصيحات المفزعة، والصراخ الشديد. نلمح ذلك في قوله تعالى: ? وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ? () مما يوحي بأن هذا الصراخ قد بلغ ذروته، وأن الاضطراب قد تجاوز مداه، فاصطدمت الأصوات الصارخة بعضها ببعض دونما إجابة لهذا الصراخ، فقد بلغ اليأس بهذه الصرخات مداه، ووصل القنوط إلى منتهاه (). وبتأمل هذا اللفظ الناشئ من توالي (الصاد) و (الطاء) ثم تقاطر (الراء) و (الخاء) ثم الترنم الرائق بالواو والنون، كل هذا يمثل في سياقه النصي (رنَّة) الاصطراخ المدوي ().
يقول الطبرسي (ت 548 هـ): " الاصطراخ الصياح والنداء والاستغاثة، افتعال من الصراخ، قلبت التاء طاءا لأجل الصاد الساكنة قبلها، وإنما نفعل ذلك لتعديل الحروف بحرف وسط بين حرفين، يوافق الصاد في الاستعلاء والإطباق، يوافق التاء في المخرج " ().
ونلمس دلالة المادة نفسها في قوله تعالى: ? فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ? () فنرى بأعيننا طرف يدعي البراءة التامة من كل الآثام والذنوب والعصيان، وطرف يعاني الإحباط التام، غير أن الطرفين في نهاية المطاف فلا يغني بعضهم عن بعض شيئاً، فلا منقذ ولا صريخ لهم من هذا المصير ().
كذلك ما نلمسه من سياق دلالي للمادة ذاتها في قوله تعالى: ? فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ? () بما يحمله هذا الاستصراخ من إلحاح في طلب النجدة والنصرة في فزع، ومحاولة الإنقاذ المرتقب، والاستعانة بما يردعه خصمه عن الإيقاع به. إننا نسمع بحق هذا الاستصراخ، بل نكاد نضع الأصابع في الآذان جراء هذا الإلحاح في هذا الطلب، ونتمنى إجابته رغبة في سكوته ().
2 - دلالة مادة (كبّ) التي تدور حول إسقاط الشيء على وجهه كما في قوله تعالى: ? وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ? (). ولأن الوجه أشرف مواضع الجسد، جاء التعبير بالكبّ دلالة على المهانة، وليس للكفار إلا هي بعد كفرهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتتعاضد هذه الدلالة الجمالية لمادة (كبَّ) مع نظائرها في القرآن الكريم كما نلمس ذلك في قوله تعالى: ? أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ? ()، كذلك في قوله تعالى: ? فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ? (). ويرى الراغب أن " الكبكبة تدهور الشيء في هوة " ().
وهذه الصيغة حَمَلَت اللفظ شحنات دلالية أخرى بتكرار أصواتها، زيادة على معنى التدهور كما أفاد العلامة الطيبي بقوله: " كرر الكبّ دلالة على الشدة " (). فما يراد بهذه المادة هو الدلالة الصوتية على معانيها، وحكاية أصواتها لأحداثها المعبِّرَة عنها، وهذا ما تم في سياقات المادة في النص القرآني.
3 - دلالة الكلمات الدالة على أسماء القيامة وأوصافها فكأنها تحكي عن هذا اليوم ووظيفة كل اسم من هذه الأسماء في قيامه بما يطلب منه في هذا اليوم العصيب. وهذه الأسماء بما تحويه من مقاطع صوتية مغرقة في الطول والمدّ والتشديد يوظفها النص القرآني في أجمل ما يكون من توظيف، فنستوحي من أدائها الصوتي مدى شدتها. ومن ذلك ما نلمسه في قوله تعالى: ? الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ ? ().
فلفظ (الحاقة) يستدعي نسبة عالية من الضغط على الأحرف خاصة على حرفي (الحاء) و (القاف المشددة)، وكذلك الأداء الجهوري الزاعق بما يتوافق نسبياً مع إرادة جلجلة الصوت دلالة على مقدار الفزع الهائل في هذا اليوم. يقول الفراء: " الحاقة: القيامة، سميت بذلك لأن فيها الثواب والجزاء " (). ويقول الطبرسي: " الحاقة اسم من أسماء القيامة في قول جميع المفسرين، وسميت بذلك لأنها ذات الحواق من الأمور، وهي الصادقة الواجبة الصدق لأن جميع أحكام القيامة واجبة الوقوع، صادقة الوجود. وقيل: سميت القيامة الحاقة لأنها تحق الكفار، من قولهم: حاققته فحققته، مثل: خاصمته فخصمته " ().
وعلى هذا التلوين يؤدي اللفظ ما أنيط به من حكاية أصواته لمعانيه وفقاً لمقدرات الأحداث التي وظف فيها هذا اللفظ. ويندرج في الإطار ذاته كلمات أخرى دالة على القيامة مثل كلمة (الصاخة) في قوله تعالى: ? فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ? ()، وكلمة (الطامة) في قوله تعالى: ? فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ? ()، وكلمة (القارعة) في قوله تعالى: ? الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ? ()، وكلمة (الواقعة) في قوله تعالى: ? إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ? ()، وكلمة (الآزفة) في قوله تعالى: ? أَزِفَتْ الْآزِفَةُ ? ()، وكلمة (الغاشية) في قوله تعالى: ? هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ? ().
وهكذا يتعامل النص القرآني مع كلماته من حيث الاختيار أولاً ثم من حيث فنيات التوظيف لهذا الكلمات بما تتضمنه من أصوات يقوم بتوزيعها في نسيج الكلمة ثم العبارة، مما يحقق التأثير المطلوب من هذا التوظيف والاختيار. كما أن هذا التوظيف للأصوات والكلمات في السياق القرآني يتم بحيث يتكون لهذه الأصوات " تأثير ذو إيقاع قوي إذا كانت نسبة الأصوات ذات الجرس القوي غالبة عليها، ويكون ذو إيقاع رخي إذا كانت نسبة الأصوات اللينة والضعيفة غالبة عليها " ().
4 - الدلالة الصوتية والجمالية لماد (مسَّ) في التوظيف القرآني، بما تضمه من صوت مهموس، ونظم رقيق متولد نتيجة تضعيف حرف الصفير (السين)، أو فك هذا التضعيف في مواضع أخرى مثلما نجد في قوله تعالى: ? وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ ? (). وهذه المادة في رقتها الصوتية، وشدتها الدلالة تدل على كل ما يعانيه الإنسان من أذى أو مكروه كما نلمس ذلك في سياق الآيات التالية:
* قوله تعالى: ? إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ? ().
* قوله تعالى: ? فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ? ().
* قوله تعالى: ? وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ? ().
* قوله تعالى: ? وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ ? ().
* قوله تعالى: ? وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ ? ().
(يُتْبَعُ)
(/)
* قوله تعالى: ? لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ? ().
فهذه الصيغ المتنوعة لمادة (مسّ) تدل دلالة أكيدة على شدة البلاء والابتلاء، وهو ل المصاب، رغم أن اللفظ فيها رقيق رفيق، لكن المعنى شديد عظيم.
كما أن هذه المادة قد وردت في سياق النص القرآني محملة بدلالات أخر تدل على استواء الأمرين في معانقتها لسياق السراء والضراء معاً كما نلمس ذلك في قوله تعالى: ? إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ? ()، فالسراء والضراء على حال واحد في مسهم، فلم يتغير اللفظ في الحالتين دلالة على شدة الملابسة.
كذلك عبرت مادة (مسّ) في القرآن الكريم على دلالة أخر مثل دلالتها على النكاح مثلما نجد في قوله تعالى: ? لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ ? ()، وقوله تعالى: ? أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ? (). أو دلالتها على الجنون كما في قوله تعالى: ? الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ? (). وما هذا التوظيف لسياقات مادة (مسّ) إلا تحقيقاً للاختيار الدقيق للمادة من حيث الائتلاف الصوتي والحرفي لها مع السياقات النصية لتوظيفاتها في النص القرآني، ووصولاً لأغراض دلالية وجمالية مرادة من هذا الاختيار والتوظيف.
وهكذا يلمح اتكاء المعطى الصوتي في انتقاء الكلمة القرآنية على مبدأ التلاؤم والائتلاف الحرفي في بنى هذه الكلمات من ناحية، ثم في مجاورتها لنظائرها السابقة واللاحقة في السياق الجملي والتركيبي من ناحية أخرى، بما يخدم المقاصد التي تم من أجلها هذا الاختيار.
2 - ائتلاف الحروف المتماثلة في الكلمة:
سلك النص القرآني طرقا من النظم في تأليف الألفاظ والأصوات تجنَّبَ بها كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التعقيد اللفظي، أو التنافر الصوتي، وأسبابهما لا شك كثيرة ومتنوعة. فقد يتأتى التنافر الصوتي من تتابع بعض الأصوات، أو تتابع بعض الحركات الثقيلة، أو من استعمال صيغ لفظية في نسق غير ملائم لها. وقد تجنب القرآن الكريم كل هذه الأسباب، وسخّر ما في العربية من طاقات وإمكانات صوتية وصرفية ونحوية ودلالية للتعبير الدقيق عن معاني الألفاظ، مع الحفاظ على جمالية النظم والتناسب الصوتي لهذه الألفاظ.
ومن أسباب التنافر الصوتي في العربية اجتماع الحروف المتماثلة في الكلمة الواحدة مما يقتضي العُسْر في النطق، والثقل في اللفظ بحسب المقاييس البشرية. نلمح ذلك جيدا في النص التالي. يقول الجرجاني في كتابه (الوساطة): " قال أبو نصر المرزباني: ثلاثة من الشعراء رؤساء؛ شلشل أحدهم، سلسل الثاني، وقلقل الثالث. فالذي شلشل هو الأعشى، وهو من رؤساء شعراء الجاهلية، وهو الذي يقول ():
وقدْ غَدَوْتُ إلى الحانوتِ يَتْبَعُنِي شاوٍ مُشْل شَلول شُلْشُل شُولُ
والذي سلسلَ مسلم بن الوليد، وهو من رؤساء المحدثين، قال ():
سُلَّتْ و سُلَّتْ ثم سُلَّ سَليلها فَاَتَى سَليلُ سَلِيلِها مَسْلُولا
وأما الذي قلقل فالمتنبي إذ يقول ():
فَقَلْقَلْتَ بالهمِّ الذي قَلْقَلَ الحشَا قَلاقِلَ عيسٍ كلهنّ قَلاقِلُ " ().
فهذا الخبر يحمل دلالة أكيدة على مدى التنافر الذي تكرهه العربية من اجتماع الحروف المتماثلة في أبنيتها على نحو يخرج بها عن النمط الجمال للتركيب الكلمي، ومن ثم الجملي. وبنظرة إلى الأبيات المضمنة في النص السابق نلاحظ أولاً تكرار حرف (الشين) بما يثره من الانتشار السمعي المستفاد من صفته وهي (التفشي)، وإن كان اجتماعه في البيت ليس على التماثل الكلي أي المجاورة، فخرج عن حد الاعتدال بهذا التكرار والتماثل. وكذلك الحال في البيت الثاني الذي كرر صوت (السين) الصفيري المهموس، وما يشيعه من أجواء. أما البيت الثالث الذي وظف صوت (القاف) مكرراً حتى وإن كان أنصع حروف العربية، وأثبتها جرساً، وأصفاها في النطق، وأوضحها في المخرج الصوتي، إلا أن ذلك لم يشفع لهذا التماثل والتكرار، فسمجت، وخرجت عن حد الاعتدال، وتنافرت صوتياً.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولنقارن هذا الصنيع البشري بتوظيفات القرآن الكريم لألفاظ محتوية على هذه الحروف السابقة، لكن بلا قلق أو تنافر صوتي أو ثقل نطقي مثلما نجد في قوله تعالى: ? ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ ? ()، فقد تم تكرار حرف (الشين) في الآية في لفظتي (شركاء) و (متشاكسون)، وهما يعبران معاً عن لغة المخاصمة والعناد والجدل في أخذ ورد لا يستقران. وقد جمعت كلمة (متشاكسون) نمطاً صوتياً جميلاً من خلال احتوائها على حرفي التفشي والصفير تعاقباً، تخللهما حرف الكاف من وسط الحلق، والواو والنون للمد والترنم، والتأثر بالحالة، فأعطت هذه الحروف مجتمعة نغماً موسيقياً خاصاً، حمَّلها أكثر من معنى الخصومة والجدل، مما أكسبها (أزيزاً) يوحي بتشكل خصام قائم بلغ الذروة.
وكذلك يوظف النص القرآني حرف (السين) بشكل تماثلي وتكراري رائق نلمسه بوضوح في قوله تعال: ? إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ? ()، فأصوات الصفير في الآية تبلغ ذروتها بوضوحها السمعي، ووقعها المميز بين الصوامت والصوائت. وهذه الأحرف ذات جرس صارخ يتضح من سياق الآية الكريمة، ومع تكرارها لا تسْمُج -حاشا لله – بل توحي بالنغم المراد، والهدف المقصود.
والنص الكريم حينما يختار منظومته الأدائية المؤلفة من حروف كلماته فإنها تأتي " خفيفة على السمع، رقيقة في الكلام، أنيقة في الكلمة، لا يصيبها في التأليف القرآني ما يصيبها في التأليف البشري، فكل حرف يصيب موقعه في الكلمة، ويقع موضعه في اللفظ، ويكون من الذوق بمكان، ولا عجب فهو وضع الحكيم الخبير، وتنزيل من الرحمن الرحيم " ().
وقد وردت الحروف المتماثلة في القرآن الكريم على وجهين:
أولهما: التماثل الحرفي في إطار الكلمة الواحدة، وعليه الآيات التالية:
1 - قوله تعالى: ? فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ ? ()، تماثل الكاف مع الكاف بلا فاصل.
2 - قوله تعالى: ? ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ ? ()، تماثل الهاء مع الهاء بلا فاصل.
3 - قوله تعالى: ? قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ ? ()، تماثل النون مع النون بلا فاصل.
4 - قوله تعالى: ? وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ? ()، تماثل الزاي مع الزاي بلا فاصل.
5 - قوله تعالى: ? مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ? ()، تماثل الكاف مع الكاف بلا فاصل.
وثانيهما: التماثل الحرفي في كلمتين متتاليتين، وعليه الآيات التالية:
1 - قوله تعالى: ? لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ? ()، بتماثل الحاء مع الحاء بلا فاصل.
2 - قوله تعلى: ? وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ? ()، تماثل الراء مع الراء بلا فاصل.
3 - قوله تعلى: ? ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ? ()، تماثل الهاء مع الهاء بلا فاصل.
4 - قوله تعلى: ? يا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً ? ()، تماثل الكاف مع الكاف بلا فاصل.
5 - قوله تعلى: ? شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ? ()، تماثل الراء مع الراء بلا فاصل.
والقرآن الكريم حافل بمثل هذه التماثلات الحرفية في نطاق الكلمة الواحدة، أو في نطاق الكلمتين المتجاورتين، ولا نجد فيه هذه الآيات ما نجده في الكلام البشري من تنافر أو ثقل بسبب التماثل والتكرار.
وتجدر الإشارة إلى موضوع الحروف المتماثلة وما يتعلق بها من أحكام قد بحث في مقام أكثر تفصيلاً وشمولاً عند أهل القراءات والتجويد في باب (الإدغام).
الهوامش:
-• د. أحمد أبو زيد، التناسب البياني في القرآن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1992، 176.
o سورة الحج: الآيات رقم (19 – 21).
o ينظر: الفصل الثاني: التلوينات الصوتية في القرآن الكريم.
o ابن الأثير، المثل السائر، 1/ 158.
o الرماني، النكت في إعجاز القرآن، 96.
o الجاحظ، البيان والتبيين، 1/ 69.
o سورة طه: آية رقم (84).
o ينظر: الرماني، النكت في إعجاز القرآن، 94.
(يُتْبَعُ)
(/)
o ينظر: - د. أحمد مطلوب، بحوث بلاغية، دار الفكر، عمان، 1987، 28. – د. محمد حسين الصغير، الصوت اللغوي في القرآن، دار المؤرخ، بيروت، 1993، 52.
o هذه السور هي: (البقرة، آل عمران، الأعراف، يونس، هود، يوسف، الرعد، إبراهيم، الحجر، مريم، طه، الشعراء، النمل، القصص، العنكبوت، الروم، لقمان، السجدة، يس، ص، غافر، فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، ق، القلم).
o غفل الباقلاني في هذا الأمر إذ أن مجموع السور التي بدأت بحروف مقطعة (29 تسعة وعشرون سورة).
o الباقلاني، إعجاز القرآن، 66.
o الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق: أحمد القصير، المطبعة العلمية، النجف الأشرف، ط2، 1988، 1/ 48.
o الباقلاني، إعجاز القرآن، 67 – 68.
• - ينظر على الترتيب الوارد في المتن: - ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/ 33. – السمرقندي، بحر العلوم، 1/ 4. - الزمخشري، الكشاف، 1/ 101 – 104. - الطبرسي، مجمع البيان، 1/ 33. – الطوسي، التبيان، 1/ 43 – 1/ 48. – أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 1/ 6 – 1/ 13. – ابن الزملكاني، البرهان الكاشف، 57. – الزركشي، البرهان، 1/ 168 – 1/ 173. – الرازي، مفاتيح الغيب، 2/ 1 – 2/ 11. – ابن كثير، 1/ 36. – أبو حيان، البحر المحيط، 1/ 21 – 1/ 25. – السيوطي، الإتقان، 2/ 27.
o سورة ق: آية رقم (1).
o الزركشي، البرهان في علوم القرآن، 1/ 169.
o سورة ص: آية رقم (5).
o الزركشي، البرهان، 1/ 170.
o سورة القلم: آية رقم (1).
o د. غانم قدوري الحمد، رسم المصحف، دراسة لغوية تاريخية، دار عمار، الأردن، 2003، 132.
o الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 1/ 50.
o سورة الرحمن: آية رقم (35).
o سورة الملك: آية رقم (7).
o سورة الليل: آية رقم (14).
o سورة الفرقان: آية رقم (12).
o ينظر: - د. أحمد بدوي، من بلاغة القرآن، دار نهضة مصر، القاهرة، 1978، 69. – د. عبد الفتاح لاشين، من أسرار التعبير في القرآن، 44.
o ابن جني، الخصائص، 2/ 146.
o سورة فاطر: آية رقم (37).
o ينظر: - سيد قطب، مشاهد القيامة في القرآن، دار الشروق، القاهرة، ط15، 2005، 117.
o ينظر: د. تمام حسان، البيان في روائع القرآن، 1/ 204.
o الطبرسي، مجمع البيان، 4/ 410.
o سورة إبراهيم: آية رقم (22).
o ينظر: أبو حيان، البحر المحيط، 7/ 145.
o سورة القصص: آية رقم (18).
o ينظر: ابن عطية، المحرر الوجيز، 4/ 235.
o سورة النمل: آية رقم (90).
o سورة الملك: آية رقم (22).
o سورة الشعراء: آية رقم (94).
o الراغب الأصفهاني، المفردات، 1/ 420.
o الطيبي، التبيان في المعاني والبديع والبيان، 474.
o سورة الحاقة: الآيتان رقم (1، 2).
o الفراء، معاني القرآن، 3/ 179.
o الطبرسي، مجمع البيان، 5/ 342.
o سورة عبس: آية رقم (33).
o سورة النازعات: آية رقم (34).
o سورة القارعة: الآيات من (1 - 3).
o سورة الواقعة: آية رقم (1).
o سورة النجم: آية رقم (57).
o سورة الغاشية: آية رقم (1).
o د. أحمد أبو زيد، التناسب البياني في القرآني، 307.
o سورة النور: آية رقم (35).
o سورة آل عمران: آية رقم (140).
o سورة الزمر: آية رقم (49).
o سورة الروم: آية رقم (33).
o سورة هود: آية رقم (10).
o سورة الأنبياء: آية رقم (46).
o سورة الأنفال: آية رقم (68).
o سورة المعارج: الآيتان رقم (20 – 21).
o سورة البقرة: آية رقم (236).
o سورة مريم: آية رقم (20).
o سورة البقرة: آية رقم (275).
o النص في معجم الشعراء للمرزباني. ينظر: المرزباني، معجم الشعراء، 372.
o ينظر: ابن قتيبة، الشعر والشعراء، 1/ 71. – التبريزي، شرح القصائد العشر، 272. – ابن عبد ربه، العقد الفريد، 5/ 360. (الشاو: الذي شوى. المشل: المطرد. الشلول: الخفيف. الشلشل: الخفيف القليل. الشول: الخفيف).
o ينظر: مسلم بن الوليد، الديوان، 57. – ابن قتيبة، الشعر والشعراء،1/ 838.– المرزباني، معجم الشعراء، 372. (سلّت: رقّت. سل: رقّ. سليلها: رقيقها. سليل: قديم. مسلولا: مرققاً).
o ينظر: المتنبي، الديوان، 3/ 293. (قلقلت: حركت. قلاقل العيس: النوق الخفيفة. قلاقل الثانية: جمع قلقلة بمعنى الحركة).
o ينظر: ابن قتيبة، الشعر والشعراء، 1/ 71، 2/ 838. – المرزباني، معجم الشعراء، 372. – الجرجاني، الوساطة، 83. – ابن عبد ربه، العقد الفريد، 5/ 360. التبريزي، شرح القصائد العشر، 272.
o سورة الزمر: آية رقم (29).
o سورة القمر: آية رقم (19).
o د. عبد الفتاح لاشين، من أسرار التعبير، 31.
o سورة البقرة: آية رقم (200).
o سورة الحجر: آية رقم (3).
o سورة الحجر: آية رقم (70).
o سورة الإسراء: آية رقم (64).
o سورة المدثر: آية رقم (43).
o سورة الكف: آية رقم (60).
o سورة الحج: آية رقم (2).
o سورة البقرة: آية رقم (2).
o سورة الانشقاق: آية رقم (6).
o سورة البقرة: آية رقم (185).(/)
طول الكلمة القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:42 ص]ـ
طول الكلمة القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
من اشتراطات أهل البلاغة لفصاحة اللفظة المفردة أن تكون معتدلة الوزن في التأليف، قليلة الحروف، وذلك ليسهل النطق بها، وتكون لذيذة في السمع، طيبة المجرى على اللسان.
ولا جدال في أن اعتدال الكلمة في تأليف حروفها يقربها من أذن السامع، فلا يشعر بثقل نغمها الصوتي. غير أن مسألة الاعتدال هذه إنما ترجع في كثير من جوانبها إلى فنية الاختيار، ودقة هذا الاختيار، ثم يلي ذلك مسألة قبول المتلقي لهذا الاختيار بالقبول والاستحسان، أو بالرفض والاستهجان. ونلمس ذلك بوضوح عندما نستعرض ما ذكره ابن الأثير تعليقاً على كلمة (سويداواتها) الواردة في بيت المتنبي:
إنَّ الكرامَ بلا كِرَام منهم مثل ُ القُلُوب بلا سويداواتها
فينكر أن يكون الطول الذي تتميز به كلمة (سويداواتها) هو الذي قبح هذه المفردة مثلما قال ابن سنان ()، وإنما مناط الأمر فيها أنها هي نفسها قبيحة بهذا التركيب الجديد، فقد كانت رائقة المعنى حينما كانت مفردة (سويداء). ويدلل ابن الأثير على صدق ما ذهب إليه بإيراد أمثلة من القرآن الكريم تدليلاً على طول الكلمة وتألق معانيها رغم هذا الطول الحرفي. يقول ابن الأثير: " قال (يريد ابن سنان): إن لفظة سويداواتها طويلة فلهذا قبحت، وليس الأمر كما ذكره، فإن قبح هذه اللفظة لم يكن بسبب طولها، وإنما لأنها في نفسها قبيحة، وقد كانت وهي مفردة حسنة، فلما جمعت قبحت لا بسبب الطول. والدليل على ذلك أنه قد ورد في القرآن الكريم ألفاظ طوال، وهي مع ذلك حسنة كقوله تعالى: ? فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ? () فإن هذه اللفظة تسعة أحرف، وكقوله تعالى: ? لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ? ()، فإن هذه اللفظة عشرة أحرف ()، وكلتاهما حسنة رائقة، ولو كان الطول مما يوجب قبحاً لقبحت هاتان اللفظتان " ().
غير أن ابن الأثير حين يثبت الجمالية لكلمة (سويداواتها) استئناساً بتوظيف القرآن الكريم لكلمات طوال مثل (فسيكفيكهم) و (ليستخلفنهم) فإنه بذلك يصب رونق النظم في النص القرآني على قالب الشعر، وهذا مستبعد تماماً، ذلك أن القرآن الكريم يخضع في اختيارات كلماته وألفاظه لمعايير صوتية وصرفية وتركيبية وجمالية أرفع وأدق بما لا يحصر عن محددات التعبير في النص البشري المتمثل في الشعر.
وفي الإطار ذاته يدلي الرافعي في هذا المسألة بقوله: " وردت في القرآن ألفاظ هي أطول الكلام عدد حروف ومقاطع مما يكون مستثقلاً بطبيعة وضعه أو تركيبه، ولكنها بتلك الطريقة التي أومأنا إليها قد خرجت في نظمه مخرجاً سرياً، فكانت من أحضر الألفاظ حلاوة، وأعذبها منطقاً، وأخفها تركيباً، غذ تراه قد هيّأ لها أسباباً عجيبة من تكرار الحروف، وتنوع الحركات، فلم يجرها في نظمه إلا وقد وجد ذلك فيها كقوله: ? لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ? ()، فهي كلمة من عشرة أحرف ()، وقد جاءت عذوبتها من تنوع مخارج الحروف، ومن نظم حركاتها، فإنها بذلك صارت في النطق كأنها أربع كلمات، إذ تنطق على أربعة مقاطع. وقوله: ? فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ? ()، فإنها كلمة من تسعة أحرف، وهي ثلاثة مقاطع، وقد تكررت فيها الياء والكاف، وتوسط بين الكافين هذا المد الذي هو سر الفصاحة في الكلمة كلها " ().
و الذوق العربي يسلك في تأليف الكلمة مسلك الاعتدال والتوسط فيجعلها على البناء الثلاثي الأصول، ولذا جاءت أكثر الكلمات على هذا البناء، واستوحش ما كان خماسياً، وجعل التأليف على أربعة من متوسطات التأليف للكلمة. غير أن النص القرآني جاء بتوظيف الكلمات الطوال في سعة ورحابة وطلاقة، فوظف ما شاء من هذه الكلمات بما شاء من تآليف على أحسن ما يكون من نسق وأتمه، فجاءت كلماته كلها درراً منتظمة، وغرراً براقة.
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك تجدر الإشارة إلى أن ما استعمله الشعراء من كلمات طوال في أبياتهم الشعرية إنما كان مرادهم منها توظيف كلمة طويلة متحدة اللفظ والمعنى. في حين أن القرآن الكريم حين يوظف هذه الفئة من الكلمات بتلويناتها الصوتية والجمالية فإنه يعمد إلى كلمات تتحد بالسوابق واللواحق التصريفية ليتم تأليفها، أي أننا يمكننا عدّها ثلاث كلمات يمثلها الشكل التالي: السوابق + الكلمة المجردة + اللواحق.
ونطبقها على كلمة (فسيكفيكهم) فهي تصير بالتقطيع المورفولوجي إلى الشكل التالي:
الفاء + السين + علامة المضارع + الفعل المجرد + ضمير المخاطب للمفرد + ضمير الغائب للجمع
عاطفة + للاستقبال + الياء + كفى + الكاف + هم
وهذا التوظيف خاص بالنص القرآني حين تعامله مع الألفاظ القرآنية الطوال، مراعياً البعد الصوتي والصرفي والدلالي كل في آن.
وبإحصاء توظيف القرآن الكريم للألفاظ الطوال وجدنا بعض الظواهر التوظيفية في هذا السياق تتمثل في:
*وظف القرآن الكريم (126 مائة وست وعشرين كلمة) مبنية على تسعة حروف يوضحها الجدول التالي:
م السورة رقم الآية الآية الكلمة
1 - البقرة 61 قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ أَتَسْتَبْدِلُونَ
2 - ... 72 وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا فَادَّارَأْتُمْ
3 - ... 92 وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ بِالْبَيِّنَاتِ
4 - ... 137 فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَسَيَكْفِيكَهُمُ
5 - ... 155 وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ لَنَبْلُوَنَّكُمْ
6 - ... 177 وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ َالسَّآئِلِينَ
7 - ... 187 وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تُبَاشِرُوهُنَّ
8 - ... 231 فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فَأَمْسِكُوهُنَّ
9 - ... 235 وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً تُوَاعِدُوهُنَّ
10 - ... 242 وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ َلِلْمُطَلَّقَاتِ
11 - آل عمران 137 كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ الْمُكَذَّبِينَ
12 - ... 187 لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ لَتُبَيِّنُنَّهُ
13 - ... 195 وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لأُدْخِلَنَّهُمْ
14 - النساء 15 فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَأَمْسِكُوهُنَّ
15 - ... 15 حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ يَتَوَفَّاهُنَّ
16 - ... 19 فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ كَرِهْتُمُوهُنَّ
17 - النساء 61 رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً الْمُنَافِقِينَ
18 - ... 69 معَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ َالصِّدِّيقِينَ
19 - ... 87 اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ
20 - ... 90 وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ
21 - ... 119 وَلأُضِلَّنَّهُمْ لأُضِلَّنَّهُمْ
22 - ... 119 وَلآمُرَنَّهُمْ لآمُرَنَّهُمْ
23 - ... 119 فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ فَلَيُبَتِّكُنَّ
24 - ... 119 وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ فَلَيُغَيِّرُنَّ
25 - المائدة 3 وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ َالْمُتَرَدِّيَةُ
26 - ... 12 وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ َعزَّرْتُمُوهُمْ
27 - ... 12 وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لأُدْخِلَنَّكُمْ
28 - ... 74 أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ يَسْتَغْفِرُونَهُ
29 - ... 94 لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ لَيَبْلُوَنَّكُمُ
30 - المائدة 106 تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ َتحْبِسُونَهُمَا
31 - الأنعام 6 فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم
32 - ... 80 قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ أَتُحَاجُّونِّي
33 - ... 117 وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ بِالْمُهْتَدِينَ
34 - ... 121 لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ِليُجَادِلُوكُمْ
35 - الأعراف 17 ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ لآتِيَنَّهُم
(يُتْبَعُ)
(/)
36 - ... 37 حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ يَتَوَفَّوْنَهُمْ
37 - ... 71 أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا سَمَّيْتُمُوهَا
38 - ... 71 إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ الْمُنتَظِرِينَ
39 - ... 150 إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي اسْتَضْعَفُونِي
40 - ... 182 سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ سَنَسْتَدْرِجُهُم
41 - الأنفال 72 وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ اسْتَنصَرُوكُمْ
42 - التوبة 24 وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا اقْتَرَفْتُمُوهَا
43 - **** 70 وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ الْمُؤْتَفِكَاتِ
44 - ... 75 لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ لَنَصَّدَّقَنَّ
45 - ... 81 فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ الْمُخَلَّفُونَ
46 - التوبة 90 وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ الْمُعَذِّرُونَ
47 - ... 93 إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء يَسْتَأْذِنُونَكَ
48 - يونس 46 وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ نَتَوَفَّيَنَّكَ
49 - ... 53 وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ يَسْتَنبِئُونَكَ
50 - هود 61 فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ فَاسْتَغْفِرُوهُ
51 - ... 71 فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ فَبَشَّرْنَاهَا
52 - ... 92 وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً َاتَّخَذْتُمُوهُ
53 - ... 114 ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ لِلذَّاكِرِينَ
54 - الرعد 6 وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ َيَسْتَعْجِلُونَكَ
55 - إبراهيم 12 وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا آذَيْتُمُونَا
56 - ... 13 لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا َلنُخْرِجَنَّكُم
57 - ... 14 وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ لَنُسْكِنَنَّكُمُ
58 - الحجر 39 وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ لأُغْوِيَنَّهُمْ
59 - ... 90 كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ المُقْتَسِمِينَ
60 - ... 92 فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ
61 - النحل 97 فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً فَلَنُحْيِيَنَّهُ
62 - ... 97 وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم لَنَجْزِيَنَّهُمْ
63 - الإسراء 16 فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً فَدَمَّرْنَاهَا
64 - ... 25 فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً لِلأَوَّابِينَ
65 - ... 52 يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ فَتَسْتَجِيبُونَ
66 - الكهف 77 فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا يُضَيِّفُوهُمَا
67 - ... 103 قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ِبالْأَخْسَرِينَ
68 - مريم 68 فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ َلنَحْشُرَنَّهُمْ
69 - ... 68 ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً لَنُحْضِرَنَّهُمْ
70 - طه 58 فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَلَنَأْتِيَنَّكَ
71 - ... 80 وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَوَاعَدْنَاكُمْ
72 - ... 97 لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ّلَنُحَرِّقَنَّهُ
73 - ... 117 فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى يُخْرِجَنَّكُمَا
74 - الأنبياء 36 وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً يَتَّخِذُونَكَ
75 - ... 55 أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ اللَّاعِبِينَ
76 - ... 79 فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً فَفَهَّمْنَاهَا
77 - الحج 58 لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً لَيَرْزُقَنَّهُمُ
78 - ... 59 لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ َليُدْخِلَنَّهُم
79 - ... 72 أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ َأفَأُنَبِّئُكُم
80 - المؤمنون 8 وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ لِأَمَانَاتِهِمْ
81 - ... 48 فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ فَكَذَّبُوهُمَا
82 - النور 31 وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ لِبُعُولَتِهِنَّ
(يُتْبَعُ)
(/)
83 - ... 58 لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ
84 - النمل 14 وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً َاسْتَيْقَنَتْهَا
85 - ... 21 لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً لَأُعَذِّبَنَّهُ
86 - النمل 37 وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ لَنُخْرِجَنَّهُم
87 - ... 49 قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ لَنُبَيِّتَنَّهُ
88 - ... 93 سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا فَتَعْرِفُونَهَا
89 - القصص 42 وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ الْمَقْبُوحِينَ
90 - ... 81 وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ المُنتَصِرِينَ
91 - العنكبوت 9 لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ َلنُدْخِلَنَّهُمْ
92 - ... 32 لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ لَنُنَجِّيَنَّهُ
93 - ... 53 وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ لَيَأْتِيَنَّهُم
94 - ... 69 وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
95 - الروم 60 وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ يَسْتَخِفَّنَّكَ
96 - السجدة 21 وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ َلَنُذِيقَنَّهُمْ
97 - الأحزاب 37 فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا زَوَّجْنَاكَهَا
98 - ... 53 وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ سَأَلْتُمُوهُنَّ
99 - الأحزاب 59 يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ جَلَابِيبِهِنَّ
100 - سبأ 3 قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ لَتَأْتِيَنَّكُمْ
101 - يس 18 لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ
102 - يس 18 وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ َلَيَمَسَّنَّكُم
103 - ص 63 أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ أَتَّخَذْنَاهُمْ
104 - الزخرف 37 وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ لَيَصُدُّونَهُمْ
105 - الجاثية 32 إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ بِمُسْتَيْقِنِينَ
106 - محمد 4 حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ أَثْخَنتُمُوهُمْ
107 - ... 30 وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ َأَرَيْنَاكَهُمْ
108 - ... 30 وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ لَتَعْرِفَنَّهُمْ
109 - ... 37 إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا يَسْأَلْكُمُوهَا
110 - الحشر 11 وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ
111 - الممتحنة 4 إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ لَأَسْتَغْفِرَنَّ
112 - ... 10 فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ َعلِمْتُمُوهُنَّ
113 - الطلاق 1 فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ فَطَلِّقُوهُنَّ
114 - التحريم 10 فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فَخَانَتَاهُمَا
115 - المعارج 11 يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي يُبَصَّرُونَهُمْ
116 - ... 33 وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ بِشَهَادَاتِهِمْ
117 - الجن 16 لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً َأَسْقَيْنَاهُم
118 - الإنسان 6 يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً يُفَجِّرُونَهَا
119 - المرسلات 2 فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً فَالْعَاصِفَاتِ
120 - ... 4 فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً فَالْفَارِقَاتِ
121 - ... 5 فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً فَالْمُلْقِيَاتِ
122 - المطففين 1 وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ لِّلْمُطَفِّفِينَ
123 - ... 21 يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ الْمُقَرَّبُونَ
124 - الفجر 27 يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ الْمُطْمَئِنَّةُ
125 - العاديات 2 فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً فَالْمُورِيَاتِ
126 - العاديات 3 فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً فَالْمُغِيرَاتِ
المجموع: (126 مائة وست وعشرون كلمة)
جدول رقم (1)
(يُتْبَعُ)
(/)
فهذا التوظيف الجمالي للمفردات تساعية الأحرف في سياق الآيات المشار إليها في الجدول السابق إنما ينطق بطلاقة التوظيف، وجمالية الاستعمال بعيداً عما يمكن أن يكون مسوغاً للثقل والتنافر الناتج عن هذا الطول، وعن زيادة الأحرف في الكلمات. وهذا من فرائد القرآن الكريم في توظيفاته الجمالية والنصية.
كما أن هذه الكلمات التساعية لم ترد على وتيرة نصية واحدة بل تنوعت إلى أسماء وأفعال حتى لا نتوهم أن الأفعال هي وحدها التي تقبل من حيث البناء السوابق واللواحق، ولذا تطول الكلمة إذا كانت فعلاً. وتتوزع هذه الكلمات التساعية إلى: (32 اسماً + 94 فعلاً)، توزعت كما يلي:
• الأسماء: لفظتان مفردتان + 30 ثلاثون لفظاً جمعاً.
• الأفعال توزعت كما يلي:
نوع الفعل ماض مضارع أمر المجموع
العدد 25 63 6 94
جدول رقم (2)
وما ذلك إلا استثمار للغة في شتى الصور التي ترد عليها أبنيتها، مع الاتكاء على التوظيف الجمالي لهذه الأبنية لتثوير دلالاتها، والوقوف على الفنيات الجمالية المرادة من هذا التوظيف.
• كما وظف القرآن الكريم في سياق آياته (36 ست وثلاثين كلمة) من الكلمات ذات البناء العشري في الحروف، توزعت هذه الكلمات كما في الجدول التالي:
م السورة رقم الآية الآية الكلمة
1 - البقرة 76 قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ أَتُحَدِّثُونَهُم
2 - ... 144 فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَلَنُوَلِّيَنَّكَ
3 - ... 222 إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ الْمُتَطَهِّرِينَ
4 - ... 235 عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ سَتَذْكُرُونَهُنَّ
5 - ... 237 وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ
6 - آل عمران 17 وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ الْمُسْتَغْفِرِينَ
7 - ** 52 قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ الْحَوَارِيُّونَ
8 - ... 159 إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ
9 - النساء 75 وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء َالْمُسْتَضْعَفِينَ
10 - النساء 119 وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ َلأُمَنِّيَنَّهُمْ
11 - المائدة 4 وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ تُعَلِّمُونَهُنَّ
12 - المائدة 5 إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ آتَيْتُمُوهُنَّ
13 - ... 44 وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ َالرَّبَّانِيُّونَ
14 - الأنفال 36 فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً فَسَيُنفِقُونَهَا
15 - التوبة 79 الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطَّوِّعِينَ
16 - ... 108 وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ الْمُطَّهِّرِينَ
17 - هود 28 أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ أَنُلْزِمُكُمُوهَا
18 - يوسف 15 وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا َلتُنَبِّئَنَّهُم
19 - الحجر 24 وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ الْمُسْتَقْدِمِينَ
20 - ... 24 وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الْمُسْتَأْخِرِينَ
21 - ... 54 قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ أَبَشَّرْتُمُونِي
22 - ... 75 إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ِّالْمُتَوَسِّمِينَ
23 - ... 95 إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ
24 - النحل 29 فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ
25 - ... 41 لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً لَنُبَوِّئَنَّهُمْ
26 - ... 80 مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا تَسْتَخِفُّونَهَا
27 - الإسراء 76 وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لَيَسْتَفِزُّونَكَ
28 - الكهف 16 وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ
29 - ... 50 أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي أَفَتَتَّخِذُونَهُ
30 - النور 55 وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً لَيُبَدِّلَنَّهُم
(يُتْبَعُ)
(/)
31 - النمل 37 ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ
32 - ص 86 وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ الْمُتَكَلِّفِينَ
33 - ق 17 إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ الْمُتَلَقِّيَانِ
34 - الطور 31 فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ الْمُتَرَبِّصِينَ
35 - النازعات 5 فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً فَالْمُدَبِّرَاتِ
36 - المطففين 26 وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ الْمُتَنَافِسُونَ
جدول رقم (3)
فنلحظ في هذا التوظيف للكلمات العشرية نوعاً من التناسق الجمالي في سياقات هذا التوظيف لاعتماده على فنية التنويع بين الاسمية والفعلية في سياق تعادلي بين الاثنين. فقد توزعت الكلمات العشرية إلى: (18 ثمانية عشر اسماً + 18 ثمانية عشر فعلاً).
توزعت الأسماء فيها إلى:
(لفظ وحيد للمثنى + 17 سبعة عشر لفظاً للجمع).
أما الأفعال فقد توزعت كما يلي:
نوع الفعل ماض مضارع أمر المجموع
العدد 0 14 4 18
جدول رقم (4)
وما هذا التوزيع إلى دلالة أخرى على فنيان التوظيف الجمالي لهذه الكلمات الطويلة.
• كذلك وظف النص القرآني (3 ثلاث كلمات طوال) بلغ طول كل منها (11 أحد عشر حرفاً)، وقد تمثلت هذه الكلمات في الجدول التالي:
م السورة رقم الآية الآية الكلمة
1 - الحجر 22 فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ
2 - المؤمنون 110 فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ
3 - النور 55 لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم
جدول رقم (5)
نلمس هنا قمة التوظيف الجمالي للكلمات الطوال في النص القرآني إذ وردت (ثلاث كلمات) بلغ طول كل منها (11 أحد عشر حرفاً)، ومع ذلك لا نجد لهذا التوظيف الفريد ثقلاً أو تنافراً ناتجاً عن كثرة الحروف في هذه الكلمات. ويعلق ابن الأثير على هذا الأمر بقوله: " ألا ترى أن قوله تعالى: ? لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ? ثلاث كلمات في المعنى، جمعت فصارت في اللفظ كلمة واحدة، وذلك لأن الأصل فيها: (ليستخلفنَّ اللهُ المؤمنين). إلا أنه لما جاء بذكر المؤمنين مظهراً في أول الآية في قوله: ? وَعَدَ اللَّهُ ? ()، لم يحتج لذكرهم ثانية إلى الإظهار، بل اقتصر على ضميرهم " ().
وهذا تحليل دقيق رائق يعتمد على نظرة جمالية نصية تتكئ على مبدأ الاقتصاد اللغوي، فما يحتاج إلى إيجاز يوجز، وما لا يحتاج إلى ذلك فلا حاجة إليه، والإيجاز في هذه الآية كما أوضح ابن الأثير أجمل وأقوى.
ويرى د. عبد الفتاح لاشين أننا " عندما نتأمل هذه الكلمات التي يوهم ظاهرها الطول – عند النظرة الأولى – نراها على المستوى اللائق من الخفة على اللسان، والسهولة في المخرج، والعذوبة في السمع، والبعد الكامل عن الثقل والتنافر مع طولها الذي جاوز في بعضها عشرة حروف " ().
كما أننا عند بحثنا لهذه الطائفة من الكلمات الطوال لا بد وأن نضعها في إطارها السياقي والجمالي التي وظفت فيه، ولا نعمد إلى نزعها من هذا السياق، وذلك كي تتضح لنا الصورة الكلية التي تحكم جماليات التوظيف لهذه الكلمات. كما أن الوقوف على شكل التوزيع المقطعي لهذه الكلمات، وبيان اعتماد القرآن الكريم في تشكيلها وتأليفها على أي نوع من المقاطع اللغوية يعد من الأمور المساعدة على تلمس مثل هذه الجماليات.
ومن المعلوم أن الكلمات اللغوية تتكون من مقاطع متتابعة، ولكل مقطع سماته الصوتية المميزة له. ولهذا كان هناك ترتيب معين لهذه المقاطع داخل بنية الكلمات. هذا الترتيب ذو أثر كبير في إحداث نوع من الإيقاع الداخلي، تنبع جمالياته من فنية التناسب في تأليف هذه المقاطع، وذلك لأن " اللغة التي تقوم على مبدأ المقاطع الممدودة والمقصورة، لغة إيقاعية أكثر من غيرها كالعربية، وذلك لأن المقاطع الصوتية ذات وزن مختلف يتراوح بين الثقل والخفة، فإذا تناسب الثقل والخفة اندرج الإيقاع اللذيذ فيها بيسر لأنه يجد الظروف الملائمة لانبعاثه، فيضفي على العبارة مزيداً من الحسن " (). فحلاوة الإيقاع في الكلام العربي المنثور والمنظوم إنما يرجع في خالص معانيه إلى فنية
(يُتْبَعُ)
(/)
التناسب في ترتيب المقاطع وتركيباتها الجمالية في بنية الكلمات.
ومن هذا المنطلق يضاف إلى إعجازات القرآن المتعددة؛ إعجازه وفرادته في تناسب المقاطع الصوتية التي تتألف منها كلماته بإيقاعها الزمني والصوتي، لأن حلاوة السمع فيه لا توجد إلا مع وجود التناسب في هذه المقاطع. وكأني بهذا الترتيب المتناسب للمقاطع الصوتية في الكلمات القرآنية هو الذي يسر تضمين الآيات أو أجزاء منها في الأبيات والقصائد الشعرية.
كذلك يؤدي ترتيب المقاطع وتوزيعها في بنية الكلمات القرآنية إلى استنطاق الجمالية الصوتية والنصية في هذه الكلمات بإسهامها في جعل الصورة السمعية متناسبة الأجزاء، معتدلة التركيب، بالإضافة إلى مناسبة الدلالات المرادة من وراء هذا الترتيب. ويمكننا تلمس مثل هذه الجمالية للتوزيع المقطعي لبعض آيات القرآن الكريم، وذلك للوقوف على هذا التميز التوظيفي والجمالي. فمثلاً:
نجد القرآن الكريم يوظف المقاطع المقفلة للتعبير عن معنى الجد الفاصل الذي لا مجال فيه لتهاون أو تردد. يقول تعالى: ? إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ? (). فالمقاطع في هاتين الآيتين مقاطع مقفلة حادة تناسب معنى الفصل القاطع. وقد عمد القرآن الكريم إلى توظيف مقطع مفتوح ينتهي بمدّ في وسط هذه السلسلة من المقاطع المقفلة، فوظف (ما) ليعبر بها عن النفي المؤكد الذي يعم كل هزل.
كذلك نلمس مثل هذا التوظيف للمقاطع المقفلة في سياق الوصف الدقيق للأوامر الربانية للمصطفى ? في بدء البعثة. يقول تعالى: ? يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ? (). فهذه آيات مثيرة تتضمن أوامر تكليفية للمصطفى ? بتبليغ الدعوة، وتربوية حافلة بآداب وأخلاق إنسانية، روعي في صياغتها وإيقاعها أن تكون مناسبة لجدية الأوامر الإلهية، وما يستلزمه ذلك من الحزم والصرامة والصبر من جانب المصطفى ?. وقد جاء ترتيب المقاطع الصوتية في هذا المقام مناسباً للمعنى، فمعظمها مقاطع مقفلة منتهية بالسكون. غير أنه لطف من حدة توالي المقاطع المقفلة بتوظيف بعض المقاطع المفتوحة التي جاءت متباعدة في مواقعها مثل (يا) و (لا)، لكنها اندرجت في غمرة المقاطع المقفلة فلم يلحظ تأثيرها الصوتي، استمر الإيقاع سريعاً حاداً يتناسب مع الأمر الجدي في هذا المقام.
وما نلمسه في توظيف القرآن للمقاطع المغلقة في قوله تعالى: ? وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ? ()، فنلمس البيان الجليّ المعبِّر عن التصميم القاطع للقيام بالأمر الذي تحاوله كل أمة في محاربتها الدعوة التي يقوم بها كل رسول مرسل. ونلحظ تتابع المقاطع المقفلة المنتهية بالسكون الحيّ مما يعدّ خير تعبير عن هذا المعنى الدلالي، فارتبط المقطع الصوتي بدلالته السياقية، وشارك نطق هذه المقاطع في تصوير هذا المعنى، وذلك لأن الميم المشددة التي تكررت في (همّت) و (أمّة) جعلت القارئ بلا شعور يشدّ على شفتيه بقوة متتابعة، فرسمت بذلك صورة للإنسان الحانق الذي صمم على أمر يهمه كثيراً.
وتوظيف القرآن لهذا النوع من المقاطع المنتهية بالسكون الحيّ أي: سكون التركيز الذي يضيف إلى المتحرك السابق عليه قوة، فيشاركه بتلك القوة في المجال الصوتي الضيق. ويعرف الإمام القسطلاني هذا السكون بقوله: " أما السكون فنوعان: حيّ وميّت. فالثاني الألف وأختاها، لأنهن لا حيز ولا مقطع لهن، فإذا انفتح ما قبل الواو والياء فسكونها حيّ لأخذ اللسان الياء والشفتين والواو كسائر الحروف " (). والإيقاع المتولد عن هذا السكون له دلالات متنوعة، ذلك لأن حركته الإيقاعية " تكون حادة عنيفة، بخلاف السكون الميت فهو كما يقولون: (سكون استغراق) ومعنى ذلك أنه يمتد عند النطق فيستغرق كل الوقت المخصص له، وهو سكون يتميز باللين والاسترخاء " ().
أما توظيف القرآن الكريم للمقاطع الممدود (الطويلة) فقد جاء توظيفها على نسق جمالي فريد في سياقات النص الكريم، نمثل لها بما يلي:
(يُتْبَعُ)
(/)
ما وظفه القرآن الكريم من هذه المقاطع في سياقات التعبير عن المعاني المتعددة، والمشاهد التصويرية المختلفة كالتذكير والتقريع والتهديد، وإبراز مواقف التندم والتحسر، أو في مواقف الدعوة إلى الخير، ووصف النعم السابغة. نلمح ذلك في قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ? (). يقول الشيخ محمد عبده: " يا أيها الإنسان السادر في غلوائه، الصادر في عمله عن أهوائه، الغافل عن مصيره، الجائر عن جادة الحق في مسيره، لا تظن أنك خالد مقيم فيما أنت له جاهد، وأنك إن آذيت الخلق، وازدريت الحق، واغتررت بالحول والقوة، وسلمت عنانك للشهوة، ضمنت لنفسك التمتع بما تكسب، والبقاء فيما تتعب وتنصب، كلا إنك مجد في المسير إلى ربك، وإن كنت لا تشعر بجدك، أو إن شعرت لهوت عنه، وكل خطوة في عمرك، فهي في الحقيقة خطوة إلى أجلك " ().
فهذا بيان لدلالة الآية وما تحويه من معانٍ وفرائد سياقية في إطار التقريع والتذكير بالمصير الذي هو غاية الإنسان عموماً. وقد عبّرت المقاطع (المفتوحة) التي تخللتها حروف المدّ الطويل، أصدق تعبير عن هذا المعنى. وهذا النوع من المقاطع يستدعي امتداد الصوت عند التلاوة مما يكسب الدلالة الصوتية فنية التعبير عن الامتداد في الزمن المستغرق في الكدح والتعب والنصب، وكأن المراد من توظيف هذه المقاطع الممدودة مشاركة الإيقاع الصوتي للآية في أداء المعنى، وبعث الإحساس لدى المخاطب بأنه لا مفرّ من هذا المصير مهما طال العمر.
كذلك يكثر توظيف المقاطع المفتوحة (الممدودة) في مواقف التلطف في الخطاب، والدعوة إلى الخير. ومن أوضح الأمثلة القرآنية على ذلك قوله تعالى: ? وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً ? ()، إذ الخطاب هنا خير معبِّر عن التزام الأدب في الحوار، والتلطف في إيصال رسالة الدعوة من جانب سيدنا إبراهيم – عليه السلام- تجاه المخاطَب في الآيات وهو (آزر)؛ إذ يدعوه إلى التوحيد، وترك عبادة الأوثان.
ونلمح تكرار النداء (يا أبت) في دلالة صريحة وجميلة على رقة هذا الخطاب الدعوي. وقد كان للمقاطع الممدودة التي ترددت بكثرة ملحوظة في الكلمات تأثير واضح في زيادة حظ هذا الخطاب من اللطافة والرقة بما تراوحت به من المقاطع المنتهية بالألف الممدودة، والمنتهية بالياء الممدودة، مما يحقق المناسبة بين المعاني والإيقاع الصوتي في هذا المقام، وذلك بما تثيره أصوات المدّ من إيقاعات موحية متموجة رخية متساوقة في الجمال والدلالة. وهكذا يكون القرآن الكريم في توظيفاته الصوتية المتنوعة.
الهوامش:
1. - ينظر: ابن سنان، سر الفصاحة، 76.
2. - سورة البقرة: آية رقم (137).
3. - سورة النور: آية رقم (55).
4. - هذه اللفظة أحد عشر حرفاً، ذلك لأن (النون) هنا مشددة، فهي بحرفين، لا كما ابن الأثير بأنها عشرة حروف فقط.
5. - ابن الأثير، المثل السائر، 1/ 188.
6. - سورة النور: آية رقم (55).
7. - نلحظ الخطأ ذاته الذي وقع فيه ابن الأثير من قبل هو هو الذي وقع فيه الرافعي إذ عدها عشرة حروف وهي أحد عشر حرفاً.
8. - سورة البقرة: آية رقم (137).
9. - الرافعي، إعجاز القرآن، 229.
10. - سورة النور: آية رقم (55).
11. - ابن الأثير، الجامع الكبير، 59.
12. - د. عبد الفتاح لاشين، من أسرار التعبير، 40.
13. - د. محمد العياشي، نظرية إيقاع الشعر العربي، 58.
14. - سورة الطارق: الآيتان رقم (13، 14).
15. - سورة المدثر: الآيات من (1 – 6).
16. - سورة غافر: آية رقم (5).
17. - القسطلاني، لطائف الإشارات، 1/ 187.
18. - د. محمد العياشي، نظرية إيقاع الشعر العربي، 321.
19. - سورة الانشقاق: آية رقم (6).
20. - الشيخ محمد عبده، تفسير جزء عم، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1987، 40.
21. - سورة مريم: الآيات من (41 – 45).(/)
حركات الحروف في الكلمة القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:45 ص]ـ
حركات الحروف في الكلمة القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
اشترط أهل اللغة لفصاحة الكلمة أن تكون خفيفة الحركات ليسهل النطق بها، وتلذ في المسمع، فتنأى بذلك عن حيز الثقل والتنافر. ولذا قرر أهل الفصاحة استثقال الضمة على الواو، والكسرة على الياء، لأن الضمة من جنس الواو، والكسرة من جنس الياء، فتكون عند ذلك كأنها حركتان ثقيلتان.
وتوزيع الحركات جزء من نظم الكلام، وتأليف الأصوات في الصياغة اللفظية، لأن منها ما هو خفيف، ومنها ما هو ثقيل. وخفة الحركات من شروط فصاحة التعبير. يقول ابن الأثير: " إذا توالى حركتان خفيفتان في كلمة واحدة لم يستثقل، وبخلاف ذلك الحركات الثقيلة، فإنه إذا توالى حركتان منها في الكلمة استثقلت. ومن أجل ذلك استثقلت الضمة على الواو والكسرة على الياء " ().
وأهل اللغة يميلون بطبعهم إلى تخفيف الكلام توفيراً للجهد العضلي المبذول فيه، ولذا ينزعون إلى تغيير بعض الأصوات ما أمكنهم التخفيف في نطقها، والانسجام الصوتي فيها. وأجود ما تكون الكلمة إذا كانت ساكنة الوسط، وإن توالت فيها ثلاث فتحات، فهذا أخف من وجود الضم في الوسط، ولذلك فإن كلمة (سَمَكاً) أخف كثيراً من كلمة (عَضُد).
ويرى د. أحمد عفيفي أنه نظراً لأن " الجهاز النطقي يمتلك إمكانية محددة في نطق الكلمات مع الحركات الموجودة على حروفها، فلم نسمع عن توالي أربعة متحركات في كلمة، أو خمسة في كلمتين، لثقل ذلك على الجهاز النطقي " ().
ونتيجة لهذا نجد أن الفصحى تضحي ببعض الحركات لطلباً للتناسب الحركي والخفة النطقية، وجريان موسيقى الأصوات. فاللسان العربي يكره الخروج والانتقال من الكسر إلى الضم في الحركات اللازمة في البناء الثابت، وذلك لان في هذا الانتقال خروجاً مما هو جزء من الياء (الكسر) إلى الضم الذي هو شيء من التفخيم. ويرى أهل الصرف أن هذا الانتقال من الكسر إلى الضم ثقيل، وثقله " ليس راجعاً إلى الحروف، وإنما هو استثقال منهم للخروج من ثقيل إلى ما هو أثقل " (). وقد أنكر الرضي حدوث مثل هذا الانتقال تماماً، ونسبته - إن وجد – إلى الشواذ نظراً لقلة ما ورد عليه من كلمات وندرته ().
وقد حدا هذا الثقل بالصرفيين إلى تقرير ما تنهجه العربية الآن للتخلص من دواعي الثقل في ألفاظها، وذلك من خلال هجوم الحركات على الحركات، أو الإبدال للحركة المناسبة، أو الإتباع، وذلك طلباً للخفة والتوافق الحركي، الذي هو " تأثير الحركة الأساسية في الكلمات أو المقاطع على الحركة التالية أو السابقة بالمماثلة " ().
وعلى الرغم من هذه التقريرات اللغوية في جانب استثقال بعض الانتقالات بين الحركات، وتنافر الجمع بين الحركات الثقيلة إذا توالت في كلمة واحدة، فإننا نجد القرآن الكريم يوظف هذا الملحظ في السياق النصي وفقاً لمقتضيات جمالية رائعة. ويتضح ذلك بصورة أكبر عندما نضع أيدينا على المواضع التي وظف فيها القرآن الكريم ملحظ توالي الحركات بلا ثقل أو تنافر من خلال الجدول التالي:
م السورة رقم الآية الآية الوصف الحركي
1 - البقرة 67 إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً توالي ثلاث ضمات
2 - **** 169 إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء توالي ثلاث ضمات
3 - النساء 11 وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ توالي ثلاث ضمات
4 - ... 11 فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ توالي ثلاث ضمات
5 - **** 11 فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ توالي ثلاث ضمات
6 - **** 12 فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم توالي ثلاث ضمات
7 - الأنعام 61 تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ توالي ثلاث ضمات
8 - التوبة 61 وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ توالي ثلاث ضمات
9 - **** 70 أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ توالي أربع ضمات
10 - هود 81 قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ توالي ثلاث ضمات
11 - الرعد 35 أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا توالي ثلاث ضمات
12 - الإسراء 59 وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ توالي أربع فتحات
(يُتْبَعُ)
(/)
13 - الأنبياء 44 حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ توالي ثلاث ضمات
14 - الشعراء 137 إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ توالي ثلاث ضمات
15 - القصص 45 فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ توالي ثلاث ضمات
16 - الروم 9 وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ توالي أربع ضمات
17 - فاطر 25 جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ توالي أربع ضمات
18 - يس 65 وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ توالي أربع ضمات
19 - الزمر 71 أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ توالي ثلاث ضمات
20 - غافر 22 كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ توالي أربع ضمات
21 - **** 50 أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ توالي أربع ضمات
22 - **** 83 فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ توالي أربع ضمات
23 - الواقعة 56 هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ توالي أربع ضمات
24 - التغابن 6 كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ توالي أربع ضمات
25 - الملك 20 يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ توالي أربع ضمات
26 - **** 21 أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ توالي أربع ضمات
27 - الانفطار 1 إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ توالي ثلاث فتحات
28 - **** 2 وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ توالي ثلاث فتحات
29 - **** 7 الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ توالي أربع فتحات
30 - **** 7 فَعَدَلَكَ توالي خمس فتحات
المجموع: (30 ثلاثون موضعاً).
جدول رقم (6)
ومن التدقيق في نتائج الجدول السابق يتضح لنا:
• وردت أثقل الحركات (الضمة) متتالية على أحرف الكلمات في (24 أربعة وعشرين موضعاً) بلا تنافر أو ثقل سمعي داخل بنية هذه الكلمات، وبالتالي داخل السياق القرآني التي وظفت فيه. كما نجد أن هذه الحركات الثقيلة توالت على الأحرف في تنوع عددي جميل، فقد توالت ثلاثية ورباعية على أحرف هذه الكلمات كما يتضح من الجدول التالي:
نوع الحركات ثلاثية رباعية المجموع
عددها 14 10 24
جدول رقم (7)
وهذا الضم المتتابع في بنية هذه الكلمات إنما يعبِّر عما في هذا الضم من الشدة والعنف بما يتناسب مع الغرض السياقي في هذه التوظيفات القرآنية لهذه الكلمات مثلما يتضح من المثال التالي:
* قوله تعالى: ? أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ? ()، ففي كلمة (ينصركم) توالى الضم على حروف (الصاد، والراء، والكاف) بما يشمله الضم هنا من شدة في توجيه هذا السؤال الذي يعبِّر عن مقدار من السخرية والتهكم من هؤلاء الكفار إذ توهموا النصر من عند غير الله، وظنوا الاستطاعة والقدرة في مجابهة حزب الله، والانتصار عليهم. ولذا جاء تعقيب الآية الكريمة بقوله تعالى: ? إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ?، وهذا أبلغ رد على هذا الظن والتوهم. ويلحظ هنا دلالة الضم الصوتية في أدائها المعطى السياقي والنصي، وانسجامهما معاً في تصوير هذه الدلالة.
* قوله تعالى: ? إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ? ()، بسياق الضم المتوالي على حروف (الميم، والراء، والكاف)، إنما هو تعبير صوتي عن مدى جدية الأمر في هذه القضية، وما هم بصدده من الر في مقتل هذا القتيل الذي وجد على باب قريتهم، وما أدى إليه ذلك من مشكلات وإلغازات، إلى أن جاء البيان الواضح من الله على لسان نبيه موسى –عليه السلام- بذبح البقرة (). ولذا ناسب بهذا الضم المتوالي شدة الأمر وقوته، لأنهم أهل لجاجة وجدال، فناسب بهذه الشدة طبيعتهم، واقتضى المقام هذا التصنيف الآمر.
ويطرد الأمر على هذا السياق في بقية الكلمات التي ورد فيها الضم متتابعاً على أحرفها، في ضوء المراعاة النصية لارتباط هذه التواليات الحركية مع السياق القرآني الذي وردت فيه.
* من الملاحظ في هذه السياق التي توالت فيها الحركات على الحروف أن كلمة (رسل) تتابعت فيها حركات الضم في سياق (10 عشر آيات) من جملة مواضع الجدول بنسبة (45%) من جملة هذه الآيات. وبإنعام النظر في السياقات القرآنية التي وردت فيها هذه الكلمة نجد أن الضم فيها ضرورة حتمية يوجبها السياق النصي، وتفرضها جمالية الأداء، لأن الدلالة فيها معقودة عل معنى الشدة والتعنيف لأقوام هؤلاء الرسل في معانداتهم إياهم، وعدم قبولهم الدعوة بالهداية والإيمان، فناسبت الحركة سياقها الدلالي، فجاء الصوت بدلالته، وجاءت الدلالة بما يدعمها من تلوينات صوتية.
الهوامش:
1. - ابن الأثير، المثل السائر، 1/ 268.
2. - د. أحمد عفيفي، ظاهرة التخفيف في العربية، 149.
3. - ابن جني، سر صناعة الإعراب، 1/ 21.
4. - الرضي، شرح الشافية، 1/ 38.
5. - د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية، 196.
6. - سورة الملك: آية رقم (20).
7. - سورة البقرة: آية رقم (67).
8. - ينظر: الزمخشري، الكشاف، 1/ 148. – البيضاوي، أنوار التنزيل، 1/ 87.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عاشقة الضاد]ــــــــ[07 - 07 - 2008, 03:38 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
ندعو الله أن يجعل أجر هذا العمل في ميزان حسناتك و ميزان حسنات دكتورنا.
ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[07 - 07 - 2008, 11:06 م]ـ
جزاك الله خيراً على مواضيعك الرائعة دكتورنا الفاضل ...
هل عدم تسكين حرف "الهاء" في كلمة (نَهَر) الواردة في قوله تعالى: ((و فجرنا خلالهما نَهَرَا)) يُعد من قبيل الكلمات السابقة؟(/)
جماليات التعريف والتنكير في الكلمة القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:48 ص]ـ
جماليات التعريف والتنكير في الكلمة القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
ينهج القرآن الكريم منهجاً فريداً في انتقاء الكلمة القرآنية مراعياً أبعادها الصوتية والصرفية، ثم في توظيفها بعد ذلك في السياق التركيبي، ولذا فالكلمة القرآنية في هذا الإطار تتمتع بكل عناية واهتمام منذ لحظة الانتقاء إلى لحظة التوظيف النصي. ومن ضمن أسس الانتقاء؛ التوظيف السياقي للكلمة القرآنية في هيئات النكرة والمعرفة، وما ذاك إلا قصداً لدلالات بعينها.
وتوظيف الكلمة منكرة أو معرفة إنما يخضع في خصوصيته لمحددات السياق النصي، وفنيات التوظيف الجمالي. يقول الزملكاني: " قد يظن ظانٍ أن المعرفة أجلى، فهي من النكرة أولى ن ويخفى عليه أن الإبهام في مواطن خليق، وأن سلوك الإيضاح ليس بسلوك للطريق. وعلة ذلك أن النكرة ليس لمفردها مقدار مخصوص، بخلاف المعرفة، فإنها لواحد بعينه، يثبت الذهن عنده، ويسكن إليه " ().
فالزملكاني يقرر هنا أن النكرة اصل والتعريف فرع عليه، إذ قد يراد من وراء توظيف النكرة الدلالة على عموم وشمول لا تستطيع المعرفة أن تدل عليها. لكن ذلك لا يلغي أهمية التوظيف للمعرفة في سياقها النصي الخليق بها ().
ولنحاول الوقوف على بعض سياقات التعريف والتنكير في كلمات القرآن الكريم، رغبة في إدراك بعض جماليات التوظيف لهذه الفنية في السياق القرآني.
* فمن ذلك قوله تعالى: ? وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ? ()، فقد وظف النص القرآني في هذه الآية كلمة (نفحة) منكرة، وهي لم ترد في القرآن الكريم كله إلا في هذا الموضع. والمعنى يدور في الآية على سياق (التقليل)، وهذا كما يقول القزويني: " مستفاد من البناء للمرة، ومن نفس الكلمة لأنها إما من قولهم: (نَفَحَتْ الريحُ) إذا هبَّتْ، أي هبة. أو من قولهم: (نَفَحَ الطيبُ) إذا فاح، أي فَوْحَة. كما يقال: (نسمة). واستعماله بهذا المعنى في الشر استعارة، إذ أصله أن يستعمل في الخير، يقال له: (نفحة طيبة) أي: هبة من الخير " ().
وفي تنكير التقليل في (نفحة) ملحظ أسلوبي لطيف، فإذا كانت النفحة الواحدة من العذاب تذكرهم بالويل المنتظر، وبالظلم الذي اكتسبوه، فما بالهم بما وراءها من لفحات العذاب. والتنكير هنا في إفادته التقليل، يقوم أيضاً على لإفادة التوبيخ والتنبيه على أن مسّ قدر يسير من العذاب لأمثال هؤلاء حقه أن يكون في حكم المقطوع به.
وربما استدعت البنية الصوتية لكلمة (نفحة) كلمة أخرى تدنو منها في تلك البنية، ألا وهي كلمة (لفحة) التي تخالفها في المدلول الإيحائي. وهذا الاستدعاء الصوتي نوع من " العلاقات الإيحائية التي تعني أن العلاقة (الرمز) يمكنها أن توحي بمدلول علامات أخرى مشابهة صوتياً لها من الناحية النحوية، أو من ناحية المعنى، اعتماداً على هذا التناسب أو التشابه الصوتي " ().
ونستطيع أن نتخيل المعنى لو وردت كلمة (نفحة) معرفة، لانعقد المعنى حينئذ – في غير القرآن – على إفادة معنى الحصر لهذا العذاب، إذ هي (النفحة) التي تعقبها نفحات، سرعان -حاشا لله – ما تنتهي وتزول. وهذا بالطبع يتناقض مع سياق التعذيب الدائم والمستمر لهؤلاء المعاندين.
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ? (). فقد وردت هنا كلمتان معرفتان هما (العزيز) و (الكريم). وبمقارنة سياق ورود هاتين الكلمتين في القرٌآن الكريم نجد أنهما قد وردتا منكرتين في آيات أخرى مثل قوله تعالى: ? عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم ? ()، وقوله تعالى: ? مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ? ()، قوله تعالى: ? إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ? ()، وقوله تعالى: ? أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ? ()، وقوله تعالى: ? وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزا ? ().
(يُتْبَعُ)
(/)
ولذا نجد أنفسنا إزاء العديد من الأسئلة أهمها على الإطلاق: ما سر التعريف في موضع، والتنكير للفظة نفسها في موضع آخر؟ وللإجابة عن هذا السؤال لا بد أولاً من التأمل الدقيق في هاتين الكلمتين في حال تعريفهما بـ (ال) لندرك سر هذا التعريف. يقول الإمام عبد القاهر: " اعلم أنك تجد الألف واللام في الخبر على معنى الجنس، ثم ترى له في ذلك وجوهاً: أحدها أن تقصر جنس المعنى على المخبر عنه لقصدك المبالغة، وذلك قولك: (زيد هو الجواد)، و (عمرو هو الشجاع)، تريد أنه الكامل، إلا أنك تخرج الكلام في صورة توهم أن الجود والشجاعة لم توجد إلا منه، وذلك لأنك لم تعتد ما كان من غيره لقصوره عن أن يبلغ الكمال " ().
فالتعريف بأل هنا على دلالة قصر جنس المعنى على المخبَر عنه لقصد المبالغة، فكأن العزة والكرامة لم توجد إلا في هذا الشخص. يقول د. محمد العبد: " لننظر إلى التعريف بأل في (العزيز) و (الكريم) حتى نرى أثره في بنية الدلالة المفارقية، كأن كلا من هذين الوصفين، وبالتالي عكسهما تماماً – كما نريد المفارقة حقيقة أن تقول – قد تناهى في الظهور على الموصوف، حتى امتنع خفاؤه " ().
فالآية بهذا التعريف تقصد معنى التهكم والسخرية من هذا العزيز الكريم (أبي جهل)؛ ذلك لأن معاني العزة والكرامة على نحوهما الدقيق مما لا يعرف له سبيل عند هذا الرجل، فليس له نصيب من العزة والكرامة إطلاقاً. ولذا فإن التعريف هنا أبلغ ما يكون، وأدق ما يوصف به توظيف، بعيداً عن سياقات التنكير التي كانت - عندئذ – ستغرقنا في دائرة العمومية والإيهام، وهو غير ما يُقْصَد هنا.
* ومن ذلك قوله تعالى: ? وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ? ()، وذلك في الكلام على سيدنا يحيى -عليه السلام -، وقوله تعالى: ? وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ? ()، في سياق الحديث عن سيدنا عيسى -عليه السلام-. ولنا أن نتعجب من إيراد لفظ السلام في الآيتين ما بين والتنكير في جانب سيدنا يحيى والتعريف في جانب سيدنا عيسى، فما السر في ذلك؟. والإجابة تتمثل في أن لفظ (السلام) قد عُدِل به من التنكير إلى التعريف لثلاث فوائد:
أولها: أن (السلام) يشعر بذكر الله تعالى؛ لأنه اسم من أسمائه جل ذكره.
والفائدة الثانية: أنه يشعر بطلب السلامة والأمان منه جل وعلا؛ لأنك متى ذكرت اسمًا من أسماء الله تعالى تعرضت لطلب المعنى الذي اشتق منه ذلك الاسم؛ نحو قولك: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام.
والفائدة الثالثة: أنه يشعر بعموم التحية، وأنها غير مقصورة على المتكلم وحده. فأنت ترى أن قولك: سلام عليك، ليس بمنزلة قولك: السلام عليك، في العموم.
وقد اجتمعت هذه الفوائد الثلاث في تسليم عيسى - عليه السلام- على نفسه في قوله تعالى: ? وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ?، ولم تكن واحد من هذه الفوائد الثلاث في تسليم الله تعالى على يحيى- عليه السلام- في قوله تعالى: ? وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ?؛ لاستغناء هذه المواطن الثلاثة عنها؛ وهي يوم الولادة، ويوم الموت، ويوم البعث؛ لأن المتكلم - هنا- هو الله جل جلاله، فلم يقصد تبركًا بذكر الاسم، الذي هو (السلام)، ولا طلبًا لمعنى السلامة، ولا عمومًا في التحية منه، لأن سلامًا منه سبحانه كاف عن كل سلام، ومغن عن كل تحية، ومرب عن كل أمنية - كما يقول السهيلي ().
ولهذا لم يكن لذكر الألف واللام- ههنا- معنى؛ كما كان لهما- هنالك- لأن عيسى- عليه السلام- يحتاج كلامه إلى هذه الفوائد، وأوكدها كلها: العموم، فلذلك كان لا بد في تحيته من تعريف السلام بأل الجنسية، التي تفيد الاستغراق والعموم. وعلى هذا يكون معنى تسليم عيسى- عليه السلام- على نفسه: السلام كله عليَّ خاصَّة. أي: جنس السلام. وإذا كان كذلك، فلم يبق لأعدائه غير اللعنة. فكأنه بهذا التعريف يعرِّض باللعنة على متهمي مريم - عليها السلام- وأعدائها من اليهود ().
ومثل هذا التلوين الصوتي في تنويع التوظيف النصي للنكرة والمعرفة في إطار الكلمة ذاتها إنما مداره في النص القرآني على شمولية النظرة إلى الصورة القرآنية كاملة، لا إلى مفردة من أجزائها، أو أحد أركانها. والتلوين بهذا التناول الصوتي والصرفي والتركيبي والسياقي للكلمة يومئ إلى الدلالات الجمالية، ويفجر أسرارها النصية، وهذا هو المقصد هنا.
الهوامش:
1. - الزملكاني، البرهان الكاشف عن سر الإعجاز، 136.
2. - ينظر: عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 132. – السكاكي، مفتاح العلوم، 85. – العلوي، الطراز، 208.
3. - سورة الأنبياء: آية رقم (46).
4. - القزويني، الإيضاح، 54.
5. - د. محمد العبد، المفارقة القرآنية، 80. وينظر:– د. منذر عياشي، مقالات في الأسلوبية الصوتية، 356.
6. - سورة الدخان: آية رقم (49).
7. - سورة التوبة: آية رقم (138).
8. - سورة يوسف: آية رقم (31).
9. - سورة الحاقة: آية رقم (40).
10. - سورة الأنفال: آية رقم (74).
11. - سورة الفتح: آية رقم (3).
12. - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، 138.
13. - د. محمد العبد، المفارقة القرآنية، 69.
14. - سورة مريم: آية رقم (15).
15. - سورة مريم: آية رقم (33).
16. - ينظر: السهيلي، نتائج الفكر، 416 – 418.
17. - ينظر: د. فضل حسن عباس، تأملات في القصص القرآني، دار الفكر، دمشق، 2001، 354 – 360.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد سعد]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 09:11 ص]ـ
عرض بياني ماتع د. أسامة
جدير بالمتابعة
ـ[عاشقة الضاد]ــــــــ[07 - 07 - 2008, 03:44 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
نشكرك أخي على هذا الجهد الطيب و نفع بك. و بارك الله في علم الدكتور أسامة و نفع به(/)
الكلمة القرآنية بين الإفراد والجمع
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:50 ص]ـ
الكلمة القرآنية بين الإفراد والجمع
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
من وسائل القرآن الكريم في اختياره ما يحقق التناسب الصوتي، والانسجام التأليفي للآيات القرآنية؛ اعتماده توظيف بعض الكلمات في صورتها المفردة في سياقات، ثم توظيفها مرة أخرى في صورتها الجمعية في سياقات أخرى، وما ذاك إلا مراعاة للتلوين الصوتي لهذه الكلمات، وقصداً لما يراد من وراء هذا التلوين من توابع دلالية وجمالية موظفة في هذه السياقات.
* فالنص القرآني لم يستعمل بعض الألفاظ إلا مجموعة دوماَ، فإذا احتاج إلى توظيف مفرد اللفظة المجموعة عدل عن هذا المفرد إلى استعمال المرادف. ومن ذلك ما نلمسه في التوظيف القرآني من عدم توظيف لفظ (اللُبّ) على الصورة المفردة، فهو لم يرد في القرآن الكريم إلا مجموعاً دائماً، وقد ورد في (16 ست عشرة آية) () منها: قوله تعالى: ? إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ? ()، وقوله تعالى: ? إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ? ()، وقوله تعالى: ? فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? ()، وقوله تعالى: ? وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ? (). وعندما يحتم السياق القرآني استعمال المفرد من هذا اللفظ يعدل القرآن إلى استعمال لفظ (القلب)،والسبب في ذلك راجع إلى طبيعة التركيب الصوتي لكلمة (اللب) في هيئة المفرد. يقول الرافعي: " ذلك لأن لفظ الباء شديد مجتمع، ولا يفضي إلى هذه الشدة إلا من اللام الشديدة المسترخية، فلما لم يكن ثم فصل بين الحرفين يتهيأ معه هذا الانتقال على نسبة بين الرخاوة والشدة، تحسن اللفظ مهما كانت حركة الإعراب فيها نصباً أو رفعاً أو جراً، فأسقطها من نظمه بتة، على سعة ما بين أوله وآخرة، ولو حسنت على وجه من تلك الوجوه لجاء بها حسنة رائعة، وهذا على أن فيه فظة (الجبّ) وهي في وزنها ونطقها لولا حسن الائتلاف بين الجيم والباء من هذه الشَّدة في الجيم المضمومة " ().
وهذا التوجيه الجمالي الرائع من جانب الرافعي الذي اعتمد فيه على المعطيات الذوقية الخالصة لأصوات كلمة (اللبّ)، وما أدى إليه ذلك من استحالة توظيف المفرد منها والعدول إلى الجمع في السياق التوظيفي للقرآن الكريم، وذلك لاجتماع اللام المشددة مع الباء الشفوية الشديدة، مما أدى إلى نوع من الثقل النطقي والسمعي أدى إلى هذا العدول، وتوظيف لفظة (القلب) بدلاً منها.
* وعلى هذا النهج نلمس في التوظيف القرآني كلمات وردت مجموعة دون توظيف مفردها، منها كلمة (أكواب) في قوله تعالى: ? وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ? ()، فلفظة المفرد منها لم توظف هنا " لأنه لا يتيهأ فيها ما يجعلها في النطق من الظهور والرقة والانكشاف وحسن التناسب ما في لفظ (أكواب) الذي هو جمع " ().
* كذلك وظف القرآن الكريم كلمة (أرجاء) مجموعة دون توظيف مفردها في موضعها الوحيد في القرآن، وذلك في قوله تعلى: ? وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ? ()، ذلك لأن مفرد كلمة (أرجاء) الذي هو (رَجَى) وهو مقصور، ليس فيه من العذوبة والرقة ما في جمعه ().
* وعلى عكس هذا التوظيف لكلمات في حالة الجمع دون مفردها، نجد القرآن الكريم يوظف كلمات في هيئة المفرد دون العروج على جمعها، ولك مثلما نلحظ في توظيف كلمة (الأرض) التي لم ترد في القرآن الكريم إلا مفردو دائماً في كل المواضع التي ذكرت فيها والبالغ مجموعها (461 أربعمائة وإحدى وستون موضعاً) () بكل صورها؛ من التعريف والتنكير وشتى الحالات الإعرابية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وحتى إذا ذكرت كلمة (السماء) مجموعة جيء بكلمة (الأرض) معها مفردة في كل موضع، ولما احتاج القرآن إلى توظيف الجمع لكلمة (الأرض) عدل عنها إلى تعبير يفيد الجمع لكنه ليس بجمع لها، وذلك في قوله تعالى: ? اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ? ()، فلم يقل (سبع أرضين)، واكتفي بجمع لفظ (مثلهن).
وكلمة (الأرض) لو أريد جمعها على قياس جموع التكسير لقيل (آراض) كأجمال، أو (آروض) كفلوس. إلا أن هذا الأمر مستثقل لأن جمع كلمة (الأرض) على هذا النحو " ليس فيه من الفصاحة والحسن والعذوبة ما في لفظ السماوات، وأنت تجد السمع ينبو عنه بمقدار ما يستحسن لفظ السماوات. ولفظ السماوات يلج في السمع بغير استئذان لنصاعته وعذوبته. ولفظ (الأراضي) لا يأذن له السمع إلى على كره. ولهذا نفادوا من جمعه إذا أرادوه بثلاثة ألفاظ تدل على التعدد كما قال تعالى: ? سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ?، كل هذا تفادياً من أن يقال أراض، وآرض " ().
أما كلمة السماوات فقد وردت مجموعة ومفردة في الكثير من الآيات القرآنية، وما يحدد ذلك المقصد من التنويع الصوتي في التعبير بالكلمة حسب (العدد) إنما هو السياق الذي ترد فيه. فمثلاً قوله تعالى: ? وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ? ()، وقوله تعالى: ? عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ? (). فقد عبر بلفظ (السماء) مفرداً في سياق الآية الأولى، ومجموعة في سياق الآية الثانية، فما سر ذلك العدول العددي لتوظيف المفردة في الآيتين؟
إن السر الجمالي في هذا العدول يكمن في أن إرادة (الإطلاق) في سورة يونس هي التي سوغت إفراد الكلمة دلالة على الوصف الشامل، والفوق المطلق دون إرادة تحديد سماء بعينها مخصوصة. يقول السهيلي: " قد يرد لفظ السماء عبارة عن كل ما علا من سماوات فما فوقها إلى العرش، وغير ذلك من المعاني العلوية المختصة بالربوبية، فيكون اللفظ بصيغة الإفراد كالوصف المُعَيَّر به عن الموصوف " ().
أما آية سورة سبأ فإن التناسب بين الدلالات هو الذي اقتضى جمع كلمة (السماوات)، وذلك لأن قبلها ذكر سبحانه وتعالى سعة الملك، والمحل كله ملكه، والأرض جميعها قبضته. فلذا ناب هذا المعنى جمع كلمة (السماوات) لإرادة الشمول والإحاطة بهذا الملك، ولو أفرد لظُنَّ أن الحكم منه سبحانه وتعالى على هذه المفردة فقط -حاشاه تعالى -. فإرادة المناسبة هنا هي المسوغ الرئيس لهذا الجمع.
كما نلحظ أن القرآن الكريم كلما عبر بلفظة (السماء) مفردة فإن ذلك يكون في سياقات تتطلب هذا الإفراد، مثلما نلمسه فيما يلي:
• إرادة إثبات صفة العلو له سبحانه في قوله تعالى: ? أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ ? ().
• إرادة عموم الجنس في قوله تعالى: ? فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ? ().
• الدلالة على عموم الرزق في قوله تعالى: ? وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ? ().
• مناسبة المقام كقوله تعالى: ? اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ ? ()
وما هذا كله إلا تأكيد لما نهجه القرآن الكريم من منهج دقيق في انتقاء كلماته مراعياً سياقها الجمالي، ونسقها الصوتي، وارتباط هذا النسق الصوتي بالدلالات النصية في القرآن الكريم.
* وقد يهجر القرآن الكريم التعبير بالكلمة المفردة إذ لم تكن فيه العذوبة التي تسم جمعه، وذلك مراعاة لجرس الكلمة، وخفة سريانها وجريانها على اللسان. نلمح ذلك في توظيف القرآن لكلمة (جَدَث) مجموعة دون المفرد كما في قوله تعالى: ? فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ? ()، وقوله تعالى ?: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً ? (). ولعل سبب هذا العدول عن توظيف مفرد الكلمة ما في هذا المفرد من الثقل بسبب اجتماع حرفين متقاربين في المخرج الصوتي هما (الدال) و (الثاء)، فلما فُصِل بينهما بألف المدّ في صيغة الجمع خفّ اللفظ، وراق وعذب، ولذا تم العدول عن هذا المفرد إلى الجمع ().
الهوامش:
1. - محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، 744.
2. - سورة الزمر: آية رقم (21).
3. - سورة آل عمران: آية رقم (190).
4. - سورة المائدة: آية رقم (100).
5. - سورة البقرة: آية رقم (197).
6. - الرافعي، إعجاز القرآن، 182.
7. - سورة الإنسان: آية رقم (15).
8. - د. أحمد أبو زيد، التناسب البياني، 305.
9. - سورة الحاقة: آية رقم (17).
10. - ينظر: ابن الأثير، المثل السائر، 1/ 384. – الرافعي، إعجاز القرآن، 183.
11. - محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، 33 - 40.
12. - سورة الطلاق: آية رقم (12).
13. - ابن قيم الجوزية، بدائع الفوائد، 1/ 103.
14. - سورة يونس: آية رقم (61).
15. - سورة سبأ: آية رقم (3).
16. - السهيلي، نتائج الفكر، 161.
17. - سورة الملك: آية رقم (16).
18. - سورة الذاريات: آية رقم (23).
19. - سورة الذاريات: آية رقم (22).
20. - سورة الروم: آية رقم (48).
21. - سورة يس: آية رقم (51).
22. - سورة المعارج: آية رقم (43).
23. - ينظر: د. محمد الأمين الخضري، الإعجاز البياني، مطبعة الحسين، القاهرة، 1993، 97.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد سعد]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 09:05 ص]ـ
شكرا لك د. ابن عبد العزيز على هذا العرض الرائع
دام قلمك سيَّالا علما
ـ[عاشقة الضاد]ــــــــ[07 - 07 - 2008, 03:48 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته.
بحث قيم ومفيد. نرجو من الله تعالى أن يجعل أجره في ميزان من أنجزه و من نقله.
ـ[أحلام]ــــــــ[09 - 07 - 2008, 11:37 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[اليافع]ــــــــ[28 - 05 - 2009, 05:25 ص]ـ
كنت أحب لو يتوجنا الباحث بما ذكره بعض الأقدمين حول أهمية النبر في الفصاحة
ـ[ابوعلي الفارسي]ــــــــ[14 - 06 - 2009, 05:32 م]ـ
أحسنت على ما دبجت يمينك، ونثه يراعك، غير أني أقول إن اللفظ القرآني لم يتخير على أساس لفظي صرف، فإن الألفاظ خدم للمعاني، فالمعنى حاكم على اللفظ، وليس العكس، وذلك في كتاب الله، أما في كلام البشر العاديين فقد يغلب اللفظ المعنى، وإنما يكون هذا لأن البشر لايحيطون باللغة إحاطة الباري تعالى بها، ومن الخطأ أن يقاس الله في كلامه بكلام خلقه، فقد يحذف أحدهم حرفا من آخر الجملة طلبا للسجع فحسب، أما في كتاب الله فلا يفعل ذلك لغرض الفاصلة خاصة، فهذا أمر لفظي ربما ضيع المعنى، ولكن لأن المعنى يقتضي ذلك. قال الزمخشري في الكشاف:" ... كما لا يحسن تخير الألفاظ المونقة في السمع السلسة على اللسان، إلا مع مجيئها منقادة للمعاني الصحيحة المنتظمة، فأما أن تهمل المعاني، ويهتم بتحسين اللفظ وحده، غير منظور فيه إلى مؤداه على بال، فليس من البلاغة في فتيل أو نقير" انظر: بلاغة تصريف القول في القرآن الكريم: ج1، ص/355.،وقال الشريف الرضي: "وأنا أقول أبدا إن الألفاظ خدم للمعاني؛ لأنها تعمل في تحسين معارضها وتنميق مطالعها"انظر تلخيص البيان ص330والله سبحانه وحده العالم.
ـ[الحسام]ــــــــ[01 - 07 - 2009, 12:59 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين السلام عليك ورحمة الله وبركاته فهناك كتاب لفضيلة الدكتور محمد الأمين الخضري بعنوان الإعجاز البياني في صيغ الألفاظ دراسة تحليلية للإفراد والجمع في القرآن الكريم، كتبه في عام 1413هـ 1993م.
وهذا الكتاب يعد مرجعا في بابه لا يستغنى عنه
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
ـ[احمد السنيد]ــــــــ[14 - 07 - 2009, 09:54 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذه المقتطفات الرائعه من كتاب الله عز وجل(/)
" ... والطير صافات ويقبضن ... "
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 10:23 ص]ـ
نعلم أن الجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار، والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتجدد، والمتأمل في وصف القرآن لحالة الطير يجد أن الآية عبرت أصدق تعبير: إذ استعملت الاسم صافات للوضع الأكثر حدوثا وهو بسط الطائر لجناحيه، والفعل يقبضن للحالة الأقل حدوثا وهي ضم الطائر جناحيه
والمتابع لحركة طيران الطائر يجد هذا ماثلا
ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 07 - 2008, 09:53 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي طارق.
ومما يشهد لتخريجك:
قوله تعالى: (وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ)
يقول أبو السعود رحمه الله: "وإيثارُ صيغة الفاعل للدلالة على وجوب استمرار الوفاءِ". اهـ
فاسم الفاعل يدل على الثبوت والاستمرار بخلاف الفعل الذي يفيد التجدد والحدوث فناسب في مقام الخصال التي دعا الشرع الحنيف إلى التمسك بها: الإتيان بالاسم الدال على الثبوت.
*****
وقد يكون الإتيان بالفعل أبلغ، كما في:
قوله تعالى: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)، فالإتيان بالاسم المؤول من "أن" والفعل الذي دخلت عليه أبلغ من الإتيان بالاسم الصريح: وصيامكم، لما في الفعل من معنى التجدد الذي يناسب عبادة الصيام المتجددة في كل لحظة من لحظات اليوم، فكأن الصائم تحدثه نفسه باستمرار بإفساد صيامه ولكنه يجاهدها طلبا لفرحتي: الفطر ولقاء الرب جل وعلا.
وكذا في قوله تعالى: (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ)، فـ: "أن تقوموا" أبلغ في العناية بشأن اليتيم من: وقيامكم لليتامى بالقسط.
*****
ويشبهه إلى حد ما: قوله تعالى: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ)، فالإتيان بـ: "إن" ومعموليها أبلغ في التوكيد من الإتيان بالاسم الصريح: علم الله ذكركم إياهن.
وقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ)، فهو أبلغ في بيان قبح كفرهم من: إلا كفرهم بالله.
ولكل مسألة ذوق خاص.
والله أعلى وأعلم.
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[09 - 07 - 2008, 05:46 م]ـ
بارك الله بكم جميعاً معلومات رائعة لكن من أين يمكنني التزود بمثلها؟؛ و دمتم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 09:46 ص]ـ
دونك تفاسير أمثال: أبي السعود والزمخشري والرازي وأبي حيان والقرطبي، وإن كان الأخير دونها من جهة بسط العبارة في المباحث اللغوية، وفي "التحرير والتنوير" زاد نافع لطلاب البلاغة، مع الحذر من المباحث الكلامية التي أوردها بعض العلماء المتقدمين في كتبهم، والتي خالفوا فيها أصول أهل السنة، لاسيما الزمخشري والرازي رحمهما الله.
والله أعلى وأعلم.
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 05:43 م]ـ
جزيت خيراً؛؛ مهاجر؛؛ و نصيحتك حول الحذر من المباحث الكلامية ستؤخذ بعين الاعتبار بإذن الباري جلَّ في علاه.
ـ[أحلام]ــــــــ[11 - 07 - 2008, 05:12 م]ـ
الاخوة الافاضل
جزاكم الله خيرا(/)
تعاور المترادفات دلالياً في القرآن الكريم
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[08 - 07 - 2008, 01:24 ص]ـ
تعاور المترادفات دلالياً في القرآن الكريم
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب - جامعة كفر الشيخ
لا شك في أن الامتياز الانتقائي الذي اتسم به القرآن الكريم في اختيار ألفاظه ومفرداته جعل أهل اللغة والبلاغة شغوفين بمحاولة الوقوف على فنيات هذه الألوان من الاختيارات، ومنبهرين بهذا الانتقاء الرائع، ومقرين بالعجز التام أمام هذا اللون من الإعجاز. يقول الجاحظ في وصف هذه الظاهرة: " قد يستخف الناس ألفاظاً ويستعملونها، وغيرها أحق بذلك منها. ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر في القرآن (الجوع) إلا في موضع العقاب، أو في موضع الفقر المدقع، والعجز الظاهر. والناس لا يذكرون (السَّغَب) ويذكرون (الجوع) في موضع القدرة والسلامة. وكذلك ذكر (المطر) لأنك لا تجد القرآن يلفظ به إلا في موضع الانتقام. والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر (المطر) وبين ذكر (الغيث). وإذا ذكر (سبع سماوات) لم يقل (الأرضين)، ألا تراه لا يجمع (الأرض) أرضين، ولا السمع (اسماعاً). والجاري على أفواه العامة غير ذلك، لا يتفقدون من الألفاظ ما هو أحق بالذكر، وأولى بالاستعمال " ().
فالجاحظ هنا يدرك بذائقته البلاغية مدى الارتباط الوثيق بين الاختيار للكلمات القرآنية، وبين الدلالة المتوخاة من وراء هذا الاختيار، وما توجيه الدلالة هنا إلا مراعاة نصية وسياقية لمحددات الاختيار التي تمت. فقد وجدنا الجاحظ يربط توظيف لفظ (الجوع) في القرآن الكريم بكونه مما يعبر به في مواضع التعذيب والعقاب مثلما نلمس ذلك في قوله تعالى: ? وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ? ()، وقوله تعالى: ? فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ? (). وهذا التعاضد السياقي إنما هو لمحة فريدة من ملاحظات الجاحظ في نص الآيات القرآنية التي تضمنت لفظ (الجوع).
كذلك وجدنا الجاحظ يربط بالمنهج ذاته بين مدلولات لفظ (المطر) وتوظيفه في سياقات العقاب أيضاً. وهذا ما نلمسه بوضوح في آيات القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ? وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ? ()، وقوله تعالى: ? وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ? ().
وتلك اللمحات التي وقف عليها الجاحظ إنما هي خير دليل على ذوق الرجل في نظراته البلاغية في القرآن الكريم، وكيف أنه يربط بين الألفاظ بصوتياتها وتركب حروفها بما تؤديه من دلالات في سياقاتها الخاصة.
كما نلمس عند الإمام الخطابي إشارات دالة على أن وضع كل مفردة في مكانها الأمثل، وسياقها اللائق بها هو منا الفصاحة، وعمود البلاغة. يقول الخطابي: " اعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل على فصول الكلام موضعه الأخص والأشكل به؛ الذي إذا بُدِّلَ مكانه غيره، جاء منه إما تبدل في المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة، ذلك أن في الكلام ألفاظاً متقاربة في المعاني يحسب أكثر الناس أنها مترادفة متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب، والأمر فيها وفي ترتيبها عند العلماء بخلاف ذلك، لأن لكل لفظة خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كانتا تشتركان في بعضها " ().
وهذا مدخل لطيف وذكي من الخطابي للحديث عن توظيف النص القرآني للمترادفات، وكيف أن اللفظة تحسن في مكان، ويحسن مرادفها في آخر، دون أن يكون هناك أي تعارض أو لبس. وما ذاك إلا لتعلق السياق باللفظة في هذا المكان، وتعلق سياق آخر بمرادفها. يقول الباقلاني: " أنت تحسب أن وضع لفظ (الصبح) موضع (الفجر) يحسن في كل كلام، إلا أن يكون شعراً أو سجعاً. وليس كذلك، فإن إحدى اللفظتين قد تنفر في موضع، وتزل عن مكان لا تزل عنه اللفظة الأخرى، بل تتمكن فيه، وتضرب بجرانها. وتجد الأخرى لو وضعت موضعها في محل نفار، ومرمى شراد، ونائية عن استقرار " ()
(يُتْبَعُ)
(/)
وترادف المفردات في سياقاتها التوظيفية في القرآن الكريم من الملامح الأسلوبية الفريدة، غذ يناط بكل مفردة في سياقها أداء الأغراض والدلالات التي قصد ت من وراء توظيفها في هذا السياق، والتي لا تقوم بها غيرها لو وضعت موضعها. وهذا التعاور في السياق القرآني إنما هو دليل إعجاز لغوي وبلاغي لا شك في هذا، لكن لا بد من الوقوف المتأني على بعض ألوان هذا الترادف لاستكناه جمالياته الدلالية في السياق القرآني. يقول ابن الأثير عن هذا المسلك القرآني في توظيف المترادفات: " من عجيب ذلك أنك ترى لفظتين تدلان على معنى واحد، وكلاهما حسن في الاستعمال، وهما على وزن واحد، وعدة واحدة، إلا أنه لا يحسن استعمال هذه في كل موضع تستعمل فيه هذه، بل يفرق بينهما في مواضع السبك " ().
فالسبك هو الذي يحدد مناط التوظيف لكل مفردة، وهذا السبك لا يدرك إلا بالذوق السليم، والفطرة البلاغية الرائقة. ولنحاول الآن الوقوف على بعض سياقات هذا التعاور الترادفي في معانقته للنص القرآني.
* فمن ذلك قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ? ().
* قوله تعالى: ? وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? ().
ومناط التحليل هنا هو كلمتا (هامدة) في آية سورة الحج، و (خاشعة) في آية سورة فصلت. ويتضح من المعنى تقارب الكلمتين دلالياً وترادفهما، فما سر هذا التبادل التوظيفي في الآيتين؟ ولم عبر بهذه في موضعها ولم يعبر بالأخرى في هذا الموضع أو العكس؟ يلاحظ أولاً أن (الهمود) و (الخشوع) يتحدان في المعنى العام لهما، ويستدل بهما في الآيتين على قدرة الخالق -جل وعلا- على البعث والإحياء، فما بعد هذا السكون والهمود إلا حركة وحياة دالة على طلاقة القدرة، وعظيم الصنعة. أما من الناحية التأصيلية للفظين فإننا نجد بعض الإيضاحات للفروق بين اللفظين عند الراغب إذ يقول في تفسير لفظ (الخشوع): " الخشوع: الضراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح. والضراعة أكثر ما يستعمل فيما يوجد في القلب " ().
أما لفظة (هامدة) فيقول في تفسيرها: " يقال: همَدَت النار طَفَأَت، ومنه أرض هامدة: لا نبات فيها. ونبات هامد: يابس. قال تعالى: ? وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً ?. والإهماد الإقامة بالمكان كأنه صار ذا همد. وقيل الإهماد السرعة " ().
ويلاحظ أن الجو العام في سياق آية سورة الحج يدور في إطار الحديث عن البعث والإحياء والإخراج، ومما يتسق مع هذا الجو في ضوء ما قرره الراغب من معان لمادة (الهمود). وتصوير الأرض بالهامدة أي القاحلة التي لا نبات فيها، هو تصوير متسق مع سياقات البعث في الآية، لأن الأرض بإنزال المطر تربو وتهتز من بعد موات، فتعود خضراء رابية كأنما بعثت من بعد موت، وهي كذلك.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما السياق في آية سورة فصلت فالحديث الأهم فيه يدور على معنى العبادة واستلزام الخشوع لله ?، واستحقاق المولى الكريم للعبادة، وعدم الاستكبار عنها. ولذا استعير الوصف للأرض هنا بالخشوع (الذي هو خاص بالجوارح على رأي الراغب)، وهذه الاستعارة موظفة بدقة، لأنه مثلما يكون الخشوع للبشر سبيلاً للمغفرة والارتقاء الروحي، يكون خشوع الأرض انتظاراً للحظة معانقة المطر كي تحيا وتربو. فاستعير الوصف باللفظ هنا اتساقاً مع السياق التصويري للآية ().
* ومن ذلك قوله تعالى: ? وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ? ().
* وقوله تعالى: ? وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? ().
ومناط التحليل هنا كلمتا) (انفجرت) في آية سورة البقرة، (انبجست) في آية سورة الأعراف.، وكلتاهما في وصف حال الحَجَر حين أُمِرَ موسى –عليه السلام – بضربه ليسقي قومه. فما دلالة هذا التعاور بين المفردتين المترادفتين؟ يقول الراغب: " يقال بَجَسَ الماء وانبجس: انفجر. لكن الانبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيق، والانفجار يستعمل فيه وفيما يخرج من شيء واسع، ولذاك قال ?: ? فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ?، وقال في موضع آخر: ? الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ?، فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظان " ().
والراغب يلمح بذائقته الجمالية كيف أن انبجاس الماء مرحلة سابقة على انفجار ه، إذ أن الانبجاس لما يخرج من شيء ضيق، والانفجار لما يخرج من شيء واسع، فالانبجاس يتوالى ويتوالى حتى يتسع مخرج الماء فينفجر، فكأن الانبجاس هو باكورة الانفجار. يقول د. صلاح الخالدي: " من اللطيف القول أن المرحلتين المتتابعتين مرتبتان في القرآن حسب ترتيب نزول القرآن. فالمرحلة الأولى التي انبجست فيها اثنتا عشرة عيناً، أخبرت عنها آية سورة الأعراف المكية. والمرحلة الثانية التي انفجرت فيها العيون، أخبرت عنها آية سورة البقرة المدنية " ().
وهذه نكتة لطيفة تراعي مناسبات النزول وأوقاته مع مناسبات السياق النص والجمالي، وتربط بينهما.
أما ابن الزبير الغرناطي (ت 708 هـ) فيرى أن " الواقع في الأعراف طلب بني إسرائيل من موسى ? السقيا، والوارد في سورة البقرة طلب موسى ? من ربه. فطلبهم ابتداء فأشبه الابتداء، وطلب موسى غاية لطلبهم لأنه واقع بعده ومرتب عليه، فأشبه الابتداء الابتداء، والغاية الغاية. فقيل جواباً لطلبهم: فانبجست، وقيل إجابة لطلبه: فانفجرت، وتناسب على ذلك " ().
وهذا أيضاً تأويل جميل من جانب ابن الزبير إذ جعل ما في جانب العاصي حين يَطْلُب الماء أن يُجاب بما يقيم أوده، ويحفظ حياته. وذلك بخلاف طلب النبي فإنه يُجاب بما يفيض كرامة له.
وللكرماني توجيه جميل في هذه الفروق بين التعبير بالمترادفين، غذ يربط بين سياق آخر في الآية بهذه أو تلك، فيجعل من ذكره سبحانه وتعالى لكلمة (واشربوا) في آية سورة البقرة دليل على المبالغة لمناسبة للفظ فقال (فانفجرت)، أما في آية سورة الأعراف فلم يقل (اشربوا) واكتفى سبحانه بلفظ (كلوا)، ولذا لم يبالغ في اللفظ فعبر بكلمة (فانبجست). يقول الكرماني: " الانفجار: انصباب الماء بكثرة، والانبجاس ظهور الماء. وكان في هذه السورة (واشربوا) فذكر بلفظ بليغ، وفي الأعراف (كلوا) وليس فيه (واشربوا) فلم يبالغ فيه " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
وهكذا كان لكل وجهة تأويلية منهجها في تبيان سلوك القرآن لهذا المسلك الجمالي في إيراد المترادفين في سياقه النصي الذي يلائمه ويناسبه تمام المناسبة.
*ومنه قوله تعالى: ? فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ? ()، وقوله تعالى: ? فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ? (). فلم عبَّر عن القيامة في هاتين الآيتين بلفظين مترادفين في الدلالة على هذا اليوم؟ يقول الراغب: " الصاخة: شدة صوت ذي النطق. يقال: صَخَّ يَصُخُ صَخاً فهو صاخٍ. قال تعالى: ? فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ?، وهي عبارة عن القيامة " (). ويقول: " الطمّ: البحر المطموم، يقال له: الطمّ والرمّ، وطمّ على كذا، سميت القيامة طامة لذلك " (). وبملاحظة الآيتين يتضح أن لفظ (الطامة) لفظ شديد يستعمل في الأمور الحادة التي تنسى عندها الشدائد، لأنها تطمّ (تستُر) ما عداها. والقيامة هي الطامة الكبرى لأنها تُنسي ما تقدّم عنها من شدائد الدنيا، وهذا المعنى يناسب تماماً ما سبق في سياق السورة من إيراد سياقات التخويف والإنذار من ذكر النازعات الناشطات السابحات السابقات، ثم إيراد ما يعتري السماء والأرض من زلزلة ورجفة، ثم سياق ما ادعاه فرعون من ربوبية وألوهية، فتعاضدت السياقات معاً، فناسب ذلك كله أن يتم التعبير بكلمة شديدة فارقة فكانت كلمة (الطامة). يقول ابن الزبير: " أما وجه التناسب في ورود هذا اللفظ في سورة النازعات، فهو أنها تضمنت ذكر ما أتى به فرعون من الطامة الكبرى في الكفر حيث قال: ? أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ? ()، فهذه في الكبائر كشدة الآخرة في الشدائد، فكأنه قرن إلى ذكر الكبيرة الموفية على أمثالها ذكر الطامة الكبرى " ().
أما الصاخة فهي صيحة تعمّ الآذان، وهي صيحة شديدة، ولشدة صوتها تكون سبباً في الإحياء للناس يوم القيامة. وقد خصت آية سورة عبس بهذه اللفظة لأنها لم تبنَ على التخويف الشديد مثلما هو الحال في سورة النازعات، وإنما بنيت السورة على ذكر قصة ابن أم مكتوم، وإيراد النعم. فناسب بكل اسم من أسماء القيامة ما يلائم سياق الآيات.
ويرى الكرماني أن النازعات خصت بالطامة " لأن الطمّ قبل الصخّ، والقرْع قبل الصوت، فكانت هي السابقة. وخصت سورة عبس بالصاخة لأنها بعدها وهي اللاحقة " ().
ويطول بنا المقام إذا ما حاولنا إحصاء ما يناظر هذا التعاور الدلالي بين الكلمات المترادفة في سياق القرآن الكريم، لكننا نكتفي بهذه الإشارات الدالة على هذا الملمح الأسلوبي في السياق القرآني.
الهوامش:
1. - الجاحظ، البيان والتبيين، 1/ 20.
2. - سورة البقرة: آية رقم (155).
3. - سورة النحل: آية رقم (112).
4. - سورة الأعراف: آية رقم (84).
5. - سورة الشعراء: آية رقم (173).
6. - الخطابي، بيان إعجاز القرآن، 26.
7. - الباقلاني، إعجاز القرآن، 185.
8. - ابن الأثير، المثل السائر، 1/ 150.
9. - سورة الحج: آية رقم (5).
10. - سورة فصلت: الآيات من (37 – 39).
11. - الراغب، المفردات، 1/ 142.
12. - السابق، 2/ 223.
13. - ينظر: سيد قطب، التصوير الفني، 99.
14. - سورة البقرة: آية رقم (60).
15. - سورة الأعراف: آية رقم (160).
16. - الراغب، المقردات، 1/ 36.
17. - د. صلاح الخالدي، إعجاز القرآن البياني، دار عمار، الأردن، 2000، 225.
18. - ابن الزبير الغرناطي، ملاك التأويل، تحقيق: سعد القلاح، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1983، 1/ 68
19. - الكرماني، البرهان في متشابه القرآن، 112.
20. - سورة النازعات: آية رقم (34).
21. - سورة عبس: آية رقم (33).
22. - الراغب، المفردات، 2/ 3.
23. - نفسه.
24. - سورة النازعات: آية رقم (24).
25. - ابن الزبير، ملاك التأويل، 2/ 136.
26. - الكرماني، البرهان، 321.(/)
تغاير الصيغ توظيفياً في القرآن الكريم
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[08 - 07 - 2008, 01:29 ص]ـ
تغاير الصيغ توظيفياً في القرآن الكريم
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب - جامعة كفر الشيخ
من مظاهر الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم تنوع توظيف الصيغ المشتقة من أصل واحد. فمن المعلوم أن لكل كلمة عربية مشتقة جذراً لغوياً هو الأصل في كل الصيغ التي اشتقت منه. وهذا الجذر غالباً ما يكون ثلاثياً مكون من ثلاثة أحرف. وهذا الأساس الاشتقاقي موظف في السياق القرآني على شكل جمالي فريد، ولذا كان لا بد من الوقوف على تنوعات الاشتقاق من الجذر الواحد في هذا السياق، وإدراك فنيات التلاؤم الدلالي بين هذه الصيغ.
وعند البحث في ظاهرة مثل هذه لا بد من تقسيمها إلى جزئيات ليتسنى لنا الوقوف بالتفصيل على مفرداتها. ويمكننا تقسيم ظاهرة تغاير الصيغ إلى ثلاثة أقسام هي:
1 - تغاير الصيغ الفعلية ذات الأصل الاشتقاقي الواحد.
2 - تغاير صيغ المشتقات ذات الأصل الاشتقاقي الواحد.
3 - تغاير صيغ المصادر الراجعة إلى أصل اشتقاقي واحد.
ولنقف الآن على فنيات التوظيف في كل قسم.
أولاً: تغاير الصيغ الفعلية ذات الأصل الاشتقاقي الواحد
ينهج القرآن الكريم في توظيفه للأفعال نهجاً فريداً، إذ يوظف هذه الأفعال بكل تشكيلاتها الصرفية في سياقات متنوعة، تتلاءم وهذه السياقات. هذا بالرغم من الاتحاد الصيغي لهذه الأفعال في عودتها إلى (مادة لغوية واحدة)، لكن مراعاة مبدأ التناسب النصي والدلالي هو الحاكم في هذا التنوع الوظيفي. ولذا فإننا هنا معنيون بالوقوف على حكمة اختصاص كل آية بصيغة فعلية موظفة فيها، لأنه من المعلوم أن لا ترادف بين الصيغ الفعلية، ولا بد من وجود فروق دلالية دقيقة بين هذه الصيغ.
ويرى د. عودة الله القيسي أن محاولة الوقوف على الفروق الدلالية الدقيقة بين الصيغ الفعلية المشتقة يتحدد بثلاثة عناصر " الأول: مادة الكلمة والجذر الثلاثي لها، وهو أساس معناها. والثاني: صيغة الكلمة الاشتقاقية؛ فعلاً أو اسم فاعل أو صيغة مبالغة. والثالث: موضوع وهدف السياق الذي وردت فيه " ().
ولنمثل الآن ببعض الأمثلة القرآنية للتدليل على هذه الظاهرة.
* من ذلك قوله تعالى: ? إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ? ().
* وقوله تعالى: ? أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? ().
فقد وظف القرآن الكريم في الآيتين فعلين هما (يبْدَأ) على وزن (يفْعَل) وماضيه (فَعَلَ)، و (يُبْدِئ) على وزن (يُفْعِل) وماضيه (أَفْعَل)، وهما من أصل اشتقاقي واحد هو (البدء)، غير أنهما لا يعودان إلى صيغة اشتقاقية واحدة. فالفعل (يَبْدَأ) هو مضارع الثلاثي (بَدَأَ) تقول: (بدَأَ، يبْدَأ، بَدءا)، والفعل (يُبْدِئ) رباعي، تقول: (أبْدَأُ، يُبْدِئُ، إِبْدَاء).
وقد ورد الفعل (يَبْدَأ) بهذا اللفظ في القرآن الكريم في (6 ستة مواضع) ()، تدور جميعها على سياق بدء الخلق وإعادته مرة أخرى، وعن نفي هذه القدرة عن غير الله سبحانه وتعالى، وقصرها عليه وحده عز وجل. يقول تعالى: ? إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ? ()، فالكلام في الآية يدور على معنى خلق الكون والكائنات عند بداية الخلق. يقول الزمخشري: " الغرض ومقتضى الحكمة بابتداء الخلق وإعادته هو جزاء المكلفين على أعمالهم "
(يُتْبَعُ)
(/)
(). فالحديث يدور في هذه الآيات التي وظف فيها الفعل (يَبْدَأ) على معنى ابتداء الخلق ثن إعادته مرة أخرى، مما يدل على عظمة الخالق، وطلاقة قدرته.
أما الفعل (يُبْدِئ) فقد ورد في القرآن الكريم في (3 ثلاثة مواضع) فقط هي:
1 - قوله تعالى: ? أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ? ().
2 - قوله تعالى: ? قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ? ().
3 - قوله تعالى: ? إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ? ().
والحديث يدور في هذه الآيات على سياق إعادة الخلق مرة أخرى. وهذا ليس ابتداء للخلق بل هو استئناف له. يقول ابن جزي: " المعنى أو لم ير الكفار أن الله خلق الخلق، فيستدلون بالخلقة الأولى على الإعادة في الحشر" (). فالمعنى هنا على أن الله (يُبْدِئُ الْخَلْقَ) أي: يستأنف الخلق الأول الموجود. ويستدل على ذلك أن الله تعالى قال في سورة العنكبوت: ? أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ?، ثم عقب ذلك قال في الآية اللاحقة: ? قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ?. فدل بتوظيف الفعل (بَدَأ) في الآية اللاحقة على أن الخلق هنا ابتداء، وفي الآية السابقة بتوظيف الفعل (يُبْدِئ) على الخلق فيها استئناف. والبيان القرآني يفرق بين التوظيف الدلالي للفعلين، إذ يجعل الفعل (يَبْدَأ) موظفاً في السياقات الدالة على ابتداء الخلق من العدم، في حين يجعل من توظيف الفعل (يُبْدِئ) دلالة على إعادة الخلق بعد إفنائه، فتعاضدت بذلك الدلالتان دلالة على القدرة الإلهية.
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ? ().
* وقوله تعالى: ? أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ? ().
فقد وظف النص القرآني في الآيتين فعلين هما (جرحوا) في آية سورة الأنعام، وهو ثلاثي صحيح، و (اجترحوا) في آية سورة الجاثية، وهو خماسي على وزن (افتَعَلَ) مزيد بالهمزة والتاء. وكلاهما يعود إلى أصل اشتقاقي واحد هو مادة (جَرَحَ) الدالة على الكسب. فلم تم هذا التغاير التوظيفي للفعلين في الآيتين؟
يقول الراغب: " الجرح: أثر دام في الجلد، يقال: جرحه جرحاً، فهو جريح ومجروح. قال تعالى: ? وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ? (). وسمي القَدْح في الشاهد جرحاً تشبيهاً بهن. وتسمى الصائدة من الكلاب والفهود والطيور جارحة، وجمعها جوارح، إما لأنها تجرح، وإما لأنها تكسب. قال عز وجل: ? وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ? (). وسميت الأعضاء الكاسبة جوارح تشبيهاً بها لأحد هذين. والاجتراح: اكتساب الإثم، وأصله من الجراحة " ().
ويمكننا في ضوء هذا التحليل الدقيق تلمس سياقات كل فعل في الآية التي وظف فيها. فالحديث في آية سورة الأنعام يدور على الخطاب العام للناس جميعاً، واستعراض ما أفاض الله به عليهم من نعم مثل النوم بالليل، والحركة والسعي والكسب بالنهار، وما يؤديه ذلك من جراح لأنفسهم بكسب الأفعال بكل الجوارح. وهذه الأفعال قد تكون شراً أو خيراً، ولذا نجد التعبير الدقيق في الآية بـ (ما) الموصولة التي تدل على العموم أيضاً، مما يشيع جواً من هذا العموم للناس جميعا دون اختصاص طائفة بهذا الخطاب.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما الحديث في آية سورة الجاثية فيدور على المفارقة، إذ الخطاب لأهل الكفر في سياق التقريع والتوبيخ لهم، والتهكم من ظنهم المساواة مع أهل الإيمان، إذ كيف يكون هذا وأهل الكفر قد (اجترحوا) السيئات، فالافتعال هنا طلب وبحث وحرص على هذا الاجتراح، هن قصدية واضحة تميز هذا السعي للإثم. ولذا كان الراغب رائعاً إذ خص الاجتراح بأنه اكتساب الإثم، فهذا هو مناط الاجتراح.
كما أن الجرح في آية سورة الأنعام (عام) يضم اكتساب الخير أو الشر دون تحديد لأنه كسب الجوارح في أثناء السعي بالنهار، أما الاجتراح فهو (خاص) باكتساب السيئات من جانب أهل الكفر والفسوق.
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ? (). فقد وظف القرآن الكريم في هذه الآية فعلين هما (كَسَبَ) ثلاثي صحيح، و (اكْتَسَبَ) خماسي على وزن (افْتَعَلَ)، وكلاهما يعود إلى أصل اشتقاقي واحد هو مادة (كسب). فلم هذا التغاير التوظيفي في الفعلين؟
لنقف أولاً على مدلولات كل منهما. يقول الراغب: " الكسب: ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع، وتحصيل حظ، ككسب المال. وقد يستعمل فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعة، ثم اجتلب به مضرة. والكسب يقال فيما أخذه لنفسه ولغيره، ولهذا قد يتعدى إلى مفعولين فيقال: كسبت فلاناً كذا. والاكتساب لا يقال إلا فيما استفدته لنفسك. فكل اكتساب كسب، وليس كل كسب اكتساباً " ().
إذن فالكسب للخير والشر معاً، وللنفس والغير أيضاً، بخلاف الاكتساب فهو في جانب النفس فقط، ولا يتعدى إلى الغير. يقول الإمام الأنصاري (ت 926 هـ): " قوله: ? لَهَا مَا كَسَبَتْ ? أي: في الخير، و ? وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ? أي: في الشر. فإن قلت: ما الدليل على أن الأول للخير، والثاني للشر؟ قلت: (اللام) في الأول، و (على) في الثاني، لأنهما يستعملان لذلك عند تقاربهما " ().
فالأنصاري يوجه الدلالة هنا وفقاً لسياق حرف الجر الموظف مع كل فعل، فالكسب للخير لأنه قد تعدى بحرف الجر (اللام)، في حين أن الاكتساب للشر لأنه قد تعدى بحرف الجر (على).
ويتناول ابن أبي الإصبع الآية بالتحليل من جهة ما يستفاد من الزيادة في الفعل. يقول: " كان يمكن أن تأتي اللفظتان بغير زيادة فيقال: (لها ما كسبت وعليها ما كسبت)، وإنما منعَ من ذلك ما يجعل للنظم من العيب، وإغماض المعنى الذي قصد. أما العيب فاستثقال تكرار لفظة (كسب) بغير زيادة، في نظم قربت فيه الثانية من الأولى فسمجَ. وأما الإغماض فلأن المراد الإشارة إلى الفطرة التي فطر الله –سبحانه وتعالى – الناس عليها، فطرة الخير. فالإنسان بتلك الفطرة السابقة في أصل الخلق لا يحسن أن ينسب إليه إلا كسب الحسنات، وما يعمله من السيئان فيعمله لمخالفته الفطرة، فكأنه تكلف من ذلك ما ليس في جبلّته، فوجب زيادة التاء التي للافتعال، فحصلت بزيادته إماطة العيب عن النظم لمخالفة إحدى اللفظتين أختها، والإشارة إلى المعنى المراد " ().
وهذا التحليل الفني الجميل لما تم من زيادة في مبنى الفعل محافظة على النظم، وخلوصاً من النكرار الذي – إن حدث – لصار مسوغاً للتنافر والثقل.
و لفظ (الاكتساب) يُشْعِر الكلفة والمشقة والمبالغة في جانب السيئة لثقلها على النفس. " والاكتساب فيه اعتمال، والشر تشتهيه النفس، وتنجذب إليه، فكانت أجد في تحصيله بخلاف الخير، ولأن في ذلك إشارة إلى كرامة الله تعالى وتفضله على الخلق حيث أثابهم على فعل الخير من غير جد واعتمال، ولم يؤاخذهم على فعل الشر إلا بالجد والاعتمال " ().
فهو هنا يجعل النية في إصدار الفعل محكماً لهذا الفعل، ويربط ذلك بما قرره الله تعالى من ثواب أو عقاب على هذا الفعل، حسب ما قررته النية من إرادة الخير أو الشر.
إننا نلاحظ هنا أن التنويع الذي حدث في التعبير بصيغ الأفعال كان مقصده فتح باب الدلالة على مصراعيه، وكسر أفق التوقعات لهذا الأسلوب بتوظيف ما يخالف الظن في السياق إرادة لمقاصد جمالية ودلالية هي المبتغى من مثل هذا التوظيف.
(يُتْبَعُ)
(/)
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً ? (). فقد وظف القرآن الكريم في هذه الآية فعلين هما (اسطاعوا) و (استطاعوا)، وكلاهما يعود إلى أصل اشتقاقي واحد هو مادة (طَوَعَ). يقول الراغب: " الاستطاعة: استفالة من الطوْع، وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتياً، وهي ع المحققين اسم للمعاني التي يتمكن بها الإنسان مما يريده من إحداث الفعل. وهي أربعة أشياء: بنية مخصوصة للفاعل، وتصور للفعل، ومادة قابلة لتأثيره، وآلة إن كان الفعل آلياً كالكتابة " ().
وقد توارد أهل التفسير والبلاغة على أن حذف تاء الافتعال في (اسطاعوا) إنما هو للتخفيف، ذلك لأن (التاء) قريبة في المخرج الصوتي من (الطاء) ().
أما الخطيب الإسكافي (ت 420 هـ) فيرى أن " الصيغة الثانية تعدّت إلى اسم وهو قوله ?: ? نَقْباً ?، فخفّفَ متعلقها، فاحتملت أن يتم لفظها. أما الأولى فإنها تعلق مكان مفعولها بأن والفعل بعدها، وهي أربعة أشياء؛ (أن والفعل والفاعل والمفعول) الذي هو الهاء. فثقل لفظ (استطاعوا) وكان يجوز تخفيفه حيث لا يقارنه ما يزيده ثقلاً، فلما اجتمع الثقيلان، واحتملت الأولى التخفيف، ألزم الأول دون الثاني الذي حفّ متعلقه واحتمل " ().
ويوجه ابن الزبير نظرنا إلى لفتة سياقية يفسر من خلالها هذا التغاير في إيراد صيغتين لفعل واحد في الآية الكريمة إذ يقول: " لا شك أن الظهور عليه أيسر من النقب، والنقب اشق عليهم وأثقل، فجيء بالفعل خفيفاً مع الأخف، وجيء به مستوفي مع الأثقل فتناسب، ولو قدر بالعكس لما تناسب " ().
وهذا يتسق مع حكم العقل والمنطق، إذ الصعود على السدّ المصنوع من رماد الجبل وزبر الحديد والنحاس المذاب عليهما أيسر، ويتطلب زمناً أقصر من إحداث نقب في جسد مثل هذا السد المنيع. فناسب بالحذف من الفعل الأول ليجانس الحدث والزمن المستغرق لإنجازه. وذلك بخلاف الحدث الثاني لطول الزمن المستغرق في إنجازه، ومشقة هذا الإنجاز، مما ناسب معه الإتيان بالفعل في هيئته الفعلية الطويلة.
على أننا يجب أن نذكر هنا عدم استحسان د. حسن طبل لهذه التأويلات في تفسير سبب تغاير الصيغتين للفعل، وكيف أن هذه التفسيرات نحوي تحيّف واضح للأسرار اللغوية والدلالية في هذا السياق. كما أن الصيغتين تحلان في ذاتهما لون من الإعجاز يتمثل في ورود " كل منهما في سياق النفي أي: العجز، غير أن العجز في (وما استطاعو ا) هو العجز عن الشيء بعد التعلق به، وتكلف محاولته ن وبذل الجهد في سبيل تحقيقه. أما العجز في (فما اسطاعوا) فهو العجز المؤيس الذي يئد في النفس بواعث الأمل في الحصول على المراد، ويصرفها كلية عن التعلق به، أو بذل أي جهد في سبيل تحقيقه " ().
وهذا الذي ذهب إليه د. طبل تأويل جميل يتسق أيضاً مع هيئة السدّ الذي هو غاية في الارتفاع لأنه بين جبلين، وغاية في المنعة والملاسة لقوة ومتانة مبناه، فبذلك يكون هناك يأس من محاولة تسلقه، ولذا جاء العجز عن الفعل مستفاد من نفي الاستطاعة بقوله (فما اسطاعوا) مناسباً لهذا العجز. في حين جاء العجز الآخر قابلاً للمحاولة والتحقق، فعبر في جانبه بالفعل كاملاً مع نفيه دلالة على هذا العجز فقال (وما استطاعوا).
* ومن هذا أيضاً توظيف القرآن الكريم لصيغتي (فَعَّلَ) و (أَفْعَلَ) من أصل اشتقاقي واحد، وبدلالات متنوعة لكل منهما مثلما نلمس في صيغ:
1 - (كَرَّمَ) و (أَكْرَمَ) في قوله تعالى: ? وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ? ()، وقوله تعالى: ? فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ? ().
(يُتْبَعُ)
(/)
2 - (وَصَّى) و (أَوْصَى) في قوله تعالى: ? وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ? ()، وقوله تعالى: ? وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ? ().
3 - (نَزَّلَ) و (أَنْزَلَ) في قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ? ()، وقوله تعالى: ? نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ? ().
4 - (نَجَّى) و (أَنْجَى) في قوله تعالى: ? وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ? ()، وقوله تعالى: ? فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ? ().
5 - (نَبَّأَ) و (أَنْبَأَ) في قوله تعالى: ? وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ? ().
ومثل هذا التوظيف لا بد من الوقوف عليه لبيان ما يحمله من شحنات دلالية وجمالية تبرز الأثر الصوتي للتنويع الصرفي في الصيغ الفعلية، وما يتبع هذا التنويع من إثراءات سياقية في الآيات القرآنية. ويجب علينا بداية التنبيه أن التعبير بصيغة (فَعَّلَ) مضعف العين إنما هو على معنى التكثير والمبالغة في القيام بالفعل، وما تقتضيه هذه المبالغة من استلزام الزمن الطويل للقيام بهذا الفعل مضاعفاً، وهذا ما لا يتوافر دلالياً في صيغة (أَفْعَلَ) التي تتوقف دلالاتها عند معنى التعدية.
كما أن التضعيف في صيغة (فَعَّلَ) لا يخلو من كونه قضية صوتية، ولذا يقول ابن عصفور الإشبيلي (ت 669 هـ): " اعلم أن التضعيف لا يخلو أن يكون من باب إدغام المتقاربين، أو من باب إدغام المتماثلين. فإن كان من باب إدغام المتقاربين فلا يلزم أن يكون أحد الحرفين زائداً وأن يكون أصلاً. وإن كان من جنس إدغام المتماثلين كان أحد المثلين زائداً، إلا أن يقوم دليل على أصالتهما " ().
ولنحاول أن نقف على مثال قرآني وظف هاتين الصيغتين الفعليتين. فمثلا قوله تعالى: ? نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ?. فقد وظف القرآن الكريم في هذه الآية (نَزَّلَ) و (أَنْزَلَ)، مع اقتران صيغة (نَزَّلَ) بالقرآن الكريم، واقتران صيغة (أَنْزَلَ) بسياق إنزال التوراة والإنجيل، فما السر الجمالي في هذا التغاير التوظيفي؟
ونقر بداية أن أهل التفسير قد نهجوا في التفريق بين الفعلين على أساس اعتماد الزيادة الصرفية كمحوّل للدلالة، فصيغة (فَعّلَ) للمبالغة والتكثير، وهذا مما يناسب القرآن الكريم الذي نزل منجماً على فترة زمنية محددة بـ (23 ثلاث وعشرين سنة)، بخلاف التوراة والإنجيل اللذين نزلا دفعة واحدة. ولذا تمت المخالفة هنا في السياق التوظيفي للفعلين على إرادة المبالغة في جانب صيغة (فَعَّلَ)، وإرادة معنى النزول فقط في صيغة (أَفْعَلَ) ().
وهذا التفسير إنما اعتمد في جوهره على المعطى الصرفي ومدلولاته فقط دون ربط هذا المعطي الصرفي بالسياقات النصية في مواقعها المختلفة. فقد عبّر القرآن الكريم عن إنزال القرآن بصيغة (أَنْزَلَ) التي لا تدل على معنى المبالغة والكثرة، وذلك في قوله تعالى: ? أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ? ()، وقوله تعالى: ? ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ? (). فكيف ندلل على أن الإنزال هنا كان دفعة واحدة
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا في جانب القرآن الكريم؟ يقول الراغب: " الفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة، أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقاً، ومرة بعد أخرى. والإنزال عام " ().
وعلى هذا فإن معنى التدرّج والتكرار في الإنزال مما يستفاد من التعبير بصيغة (نَزَّلَ)، لأنها تقتضي الإنزال (مرة بعد أخرى). وعلى هذا فإن معنى المبالغة، ومعنى التكرار والتدرج في الإنزال هما سمة مميزة لهذه الصيغة. يقول ابن الزبير: " إن لفظ (نَزَّلَ) يقتضي التكرار لأجل التضعيف " ().
وبهذا فإن صيغة (نَزَّلَ) يصير لها أربع دلالات تتمثل في: (المبالغة، والتكثير، والتدرج، والتكرار). وذلك بخلاف صيغة (أَنْزَلَ) التي تقف حدودها الدلالية عند عمومية الإنزال وشموليته. ولعلنا ندرك هنا أن التبادل الموقعي لهاتين الصيغتين إنما تحدده المقامات السياقية التي تتطلب مثل هذا التوظيف أو ذاك. وأليس من المناسب أيضاً أن ندرك أن قوله تعالى: ? إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ? () على أن الإنزال الذي تم فيها للقرآن الكريم دفعة واحدة إلى السماء الدنيا في بيت العزة من اللوح المحفوظ، ولا يناسب التعبير هنا إلا صيغة (أَنْزَلَ) بخلاف صيغة (نَزَّلَ) التي تقتضي المبالغة، وهذا ما لا يتناسب مع المعنى هنا.
كذلك أليس من المناسب تماماً ما ذكره القرآن الكريم عن إنزال الحديد إلى الأرض بصيغة (أَنْزَلَ) لأن هذا في حقيقة الأمر تم دفعة واحدة في مرحلة الخلق كما في قوله تعالى: ? لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ? (). يقول د. عبد المجيد الزنداني: " التعبير هنا بكلمة (أَنْزَلَ) دقيق يتسق مع معطيات العلم الحديث التي تؤكد استحالة تكون معدن الحديد على سطح الكرة الأرضية، ذلك لأن اندماج ذرتين من هذا العنصر يتطلب فوق (3 ثلاثة ملايين درجة حرارة مئوية) فقط لاندماج ذرتين منه، فكيف بهذه الكميات الهائلة التي تشغل باطن الكرة الأرضية؟! وليس على سطح الكرة الأرضية أي وجود لمثل هذه الطاقة الهائلة والمطلوبة لمثل هذه الاندماجات. لذا لا بد من الإقرار بأن هذا العنصر لم يتكون على سطح الأرض، بل هو مُنْزَل إليها " ().
هكذا تدور الصيغ في فلك سياقات جمالية مستقاة من تلك العلاقات والوشائج القرآنية بما يحيط بها من تقاطعات تتعلق بوجوب إدراك الصورة القرآنية في إطارها الكلي لا الجزئي حتى لا تتشتت الرؤية في إطار التفصيلات الجزئية.
ثانياً: تغاير صيغ المشتقات ذات الأصل الاشتقاقي الواحد
تتنوع صيغ المشتقات ذات الأصل الاشتقاقي الواحد في سياقات القرآن الكريم بما يعضد دلالاتها الجمالية، ويثري جوانبها التوظيفية، مع الحفاظ على اللمحات الإعجازية لهذا التوظيف في آيات النص الكريم. كما أن الموجه للدلالة في هذه السياقات إنما هو الآية التي ترد فيها هذه الصيغ، بالإضافة إلى السياق العام للسورة. وكل ذلك يتم في إطار اتساق تام ومتكامل مع فنيات الانتقاء والاختيار لهذه الصيغ كما تم على أدق ولأتم هيئة. ولذا فإننا هنا نحاول الوقوف على بعض هذه التنويعات في الصيغ الاشتقاقية لتبيان ما تحويه من دلالات، وما تهدفه من مقاصد جمالية.
* فمن ذلك توظيف القرآن لصيغة اسم الفاعل (شَاكِر) في قوله تعالى: ? إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ? ()، وتوظيفه لصيغة المبالغة (شَكُور) في قوله تعالى: ? ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ? ()، والصيغتان من أصل اشتقاقي واحد هو مادة (شَكَرَ). وقد ورد اسم الفاعل من هذه الصيغة في القرآن الكريم في (13 ثلاثة عشر موضعاً) ()، في حين وردت صيغة المبلغة من هذا الفعل في (10 عشرة مواضع) (). ومن هذه المواضع التعبيرية في القرآن موضعان:
(يُتْبَعُ)
(/)
الأول: في وصف الله تعالى للخليل إبراهيم ? بصيغة اسم الفاعل في قوله تعالى: ? إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ?.
والثاني: في وصف الله تعالى لنوح ? بصيغة المبالغة في قوله تعالى ? ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ?. فلم تمت هذه المخالفة التعبيرية بالصيغ الاشتقاقية في سياق وصف اثنين من أنبياء الله لهما من المنزلة العليا ما لهما، كما أنهما من أولى العزم من الرسل؟
ونلاحظ بداية أن صيغة اسم الفاعل عبارة عن وصف مأخوذ من فعل مضارع مبني للمعلوم للدلالة على من قام بالفعل. ويؤخذ من المضارع أساساً لأنه " وصف يدل على حدث وزمن، ودلالته على الزمن ترتبط بالحال والمستقبل، وهذا هو زمن المضارع، فكلاهما يدل على الاستمرار. ويكون المضارع المأخوذ منه مبنياً للفاعل لأن المأخوذ منه يكون وصفاً للفاعل أيضاً " ().
واسم الفاعل في حقيقة أمره نعت كما يقول الميداني (ت 518 هـ): " كل فعل ماضيه على (فَعَلَ) بفتح العين فإن النعت منه على فاعل نحو: ناصِر، وضارِب " (). وهذا بالتأكيد لأن اسم الفاعل مأخوذ من دلالة الفعل على الاسم القائم بهذا الفعل، ووصفه بأنه نعت فيه كثير من التخصيص، لأن النعت نوع من أنواع الوصف العام، لأنه يشمل في طياته اسم الفاعل وأخواته من المشتقات.
كما أن الكوفيين يسمون اسم الفاعل بالفعل الدائم، ويجعلونه قسماً ثالثاً من أقسام الفعل، حيث رفضوا فعل الأمر وجعلوه مقتطعاً من المضارع. ويرى د. مهدي المخزومي أن: " تقسيم الفعل إلى ماض ومضارع ودائم، تقسيم يؤيده الاستعمال، وتؤيده النصوص اللغوية التي صدر عنها الكوفيون في مقالتهم بالفعل الدائم " ().
وغنما سُميَ اسم الفاعل بالفعل الدائم عند نحاة الكوفة مراعاة لإيحاءاته الدلالية التي يفرضها سياقه التوظيفي، فهو دال على وصف الفاعل بالحدث. وهذه الدلالة عي المعنى الصرفي لاسم الفاعل بصفة عامة، والوظيفة الصرفية المنوطة به كذلك على سبيل الحدوث والتجدد في حالة دلالته على الحال أو الاستقبال. أما إذا دلَّ على الماضي فهو مثل الأسماء يكون مضافاً مثلما هو قوله تعالى: ? كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ? ()، بإضافة اسم الفاعل (ذائقة) إلى كلمة (الموت). وتعليل ذلك أن الزمن الماضي قد تم حدوثه ووقع فأصبح أمراً مؤكداً وثابتاً كثبات دلالة الاسمية في الأسماء ().
أما صيغة المبالغة على وزن (فَعُول)، فالأصل فيها أنها اسم فاعل حُوِّلَ إلى صيغة أخرى هي صيغة المبالغة بقصد التأكيد والمبالغة والتكثير في القيام بالفعل. يقول أبو حيان: " المبالغة بأحد أمرين: إما بالنسبة لتكرير وقوع الوصف. وإما بالنسبة إلى تكثير المتعلق " (). فصيغة المبالغة تدل على كثرة المعنى كماً وكيفاً. ويرى د. أحمد مختار عمر أن وزن (فَعُول) يتميز " بنوع من المبالغة ناتج عن كثرة هذا الوزن للدلالة على اسم الشيء الذي يُفْعَل به نحو الوَضُوء، والوَقُود، والثَقُوب. فكأن استخدامه في المبالغة باعتبار أنه آلة معدة لإيقاع الفعل " ().
ونلمس عند أبي هلال العسكري نوعاً من الرقي التحليلي عند وصفه لتدرجات المبالغة في صيغ المبالغة، وقوة عمل كل منها. يقول العسكري: " إذا كان الرجل قوياً على الفعل قيل: (فَعُول) مثل صَبُور، وشَكُور. وإذا فعل الفعل وقتاً بعد وقت قيل: (فَعّال) مثل عَلاَّم، وصَبَّار. وإذا كان عادة له قيل: (مِفْعَال) مثل مِعْوَان، و مِعْطَاء. ومن لا يتحقق المعاني يظن أن ذلك كله يُفيد المبالغة فقط، وليس الأمر كذلك، بل هي مع إفادتها المبالغة تفيد المعاني التي ذكرناها " (). وهذا التحليل الدقيق للعسكري يوقفنا على معنى صيغة (فَعُول) التي تقتضي القدرة على الفعل، والقوة في أدائه.
ويمكننا مناظرة الآيتين في ضوء هذه التفصيلات اللغوية للوقوف على السياق العدولي فيهما من ناحية تغاير الصيغ الاشتقاقية:
(يُتْبَعُ)
(/)
أ- يقول تعالى: ? إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ?.
ب - يقول تعالى: ? ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ?.
فالمناظرة إذن بين (شاكر) و (شكور)، بين (فاعِل) و (فَعُول)، رغم أن الأصل الاشتقاقي لهما واحد وهو مادة (شَكَرَ). ويلاحظ في آية سورة النحل أن اسم الفاعل (شاكر) جاء في سياق تعداد صفات الخليل إبراهيم ? والثناء عليه من الله سبحانه وتعالى، فهو (أمة وحده، وقانت، وحنيف، وغير مشرك، وشاكر)، وكلها صفات مدحية غاية في الروعة والجمال. يقول البيضاوي في تعليقه على التعبير بصيغة (شاكر) في هذه الآية: " ذكر بلفظ القلة للتنبيه على أنه كان لا يخل بشكر النعم القليلة فكيف بالكثيرة " ().
فالتعبير بهذه الصيغة أفاد (الشكر على القليل)، وهذا المعنى مستفاد من التعبير كلمة (أنْعُم) التي هي جمع قلة، وما حققه هذا الجمع من مقاصد تتمثل في:
* المبالغة في وصف الخليل بشكر ربه ومداومته عليه، لكون الشاكر على قليل النعم أكثر شكراً على الكثير منها.
* التناسب البديع في سياق المقابلة بين صنيع إبراهيم ? من الشكر، بصنيع أهل الكفر من النكران لنعم الله. لذا كانت المكافأة الإلهية لهذا الشكر القليل: ? اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ?، فما بالنا بثواب الشكر الكثير!
إذن الوصف باسم الفاعل هنا وصف حال لا وصف ذات، أي وصف حال خليل الرحمن ? حال تلقيه النعم، لا حاله على الدوام. ولذا فإن صفة (الشكر) متأصلة فيه، لكن السياق هنا حتم التعبير باسم الفاعل (شاكر) مناسبة لما بعده من التعبير بجمع القلة، فناسب القليل بالقليل.
أما التعبير بصيغة المبالغة (شَكُور) في آية سورة الإسراء في وصف نبي الله نوح ?، فذلك في سياق إيضاح حال هذا النبي الكريم مع المولى عز وجل. ويقول الإمام ابن جزي (ت 741 هـ): " شكور أي كثير الشكر، كان يحمد الله على كل حال " (). و يقول الإمام ابن كثير (ت 774 هـ): " ورد في الحديث وفي الأثر عن السلف أن نوحاً عليه السلام كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله، فلهذا سمي عبداً شكوراً " ().
فهذا الوصف بصيغة المبالغة، وصف ذات لا وصف حال.
إن الفيصل هنا في التفريق بين التعبير بكل صيغة إنما معقده السياق الذي وردت فيه كل صيغة، وما يقتضيه هذا السياق من وصل دلالي وجمالي بالسوابق واللواحق على الصيغة. فالثابت أن كل الأنبياء أهل شكر على نعم الله، وكلهم (شَكُور). ولذا نرى المولى ? يعبر عن فضيلة الشكر وعلو مقامها بتوظيف صيغة المبالغة في قوله: ? اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ? ()، فهذا حال العباد في مقام الشكر، قليل منهم فقط الشكور.
ولعل أجمل ما ورد في الوصف بصيغة اسم الفاعل (شاكر) ما ورد في وصف الإنسان في قوله تعالى: ? إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ? ()، فقد عبّر في جانب النعمة بصيغة اسم الفاعل (شاكر) الدالة على قلة من يؤديها، وعبّر في جانب كفران النعم وجحودها بصيغة المبالغة من مادة (كَفَرَ) وهي (كَفُور) للدلالة على كثرة هذه الفئة. فناسب بالقليل القليل، وبالكثير المبالغة. وهذا هو جوهر التعبير في صيغتي اسم الفاعل والمبالغة.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ? ()، وقوله تعالى: ? بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ? ().
فقد عبّر في الآيتين بصيغتين اشتقاقيتين من أصل واحد هما؛ الصفة المشبهة باسم الفاعل (زهوق) في آية سورة الإسراء، وصيغة اسم الفاعل (زاهق) في آية سورة الأنبياء، فلم هذا التنويع في التعبير بصيغة ذات الأصل الواحد؟
(يُتْبَعُ)
(/)
وأهل البلاغة على تقرير معنى المبالغة للتعبير بصيغة الصفة المشبهة باسم الفاعل كما الحال في التعبير بصيغة المبالغة، وأيضاً على معنى التكثير. ففي سياق آية سورة الأنبياء يدور المعنى حول انتصار الحق على الباطل، وهزيمة هذا الباطل أمام نور الحق. وهذا مستفاد من توظيف الفعل (نقْذِف) فكأننا نشاهد الحق قذيفة مندفعة سريعة تصل إلى قلب الباطل فتدمغه (تسحقه). يقول الراغب: " يدمغه: أي يكسر دماغه. وحجة دامغة كذلك. ويقال للطَلْعَة تخرج من أصل النخلة فتفسده إذا لم تقطع: دامغة، وللحديدة التي تشد على آخر الرحل: دامغة. وكل ذلك استعارة من الدمغ الذي هو كسر الدماغ " ().
فالمعنى هنا على تصوير قوة الحق، وإزهاقه للباطل بمجرد تلاقيهما، إذ يفيد التعبير ب (إذا) الفجائية إلى سرعة الاندحار والانكسار أمام للحق. ولذا لا ضرورة هنا لاستعمال الصفة المشبهة، إذ الأمر قد تم بسرعة وقوة في آن.
أما سياق الآية في سورة الإسراء فيدل على صورة تعبيرية لها مقدمات مفردة هي: (جاء الحق ــــــ زهق الباطل)، وهذه نتيجة حتمية للمعطى الإلهي. لكن الأهم هنا ليست هذه المقدمات بل الناتج الإلهي، وهو وصف الباطل بصفة دائمة ومتكررة، وهي لهذا التكرار توصف بالصفة المشبهة (زهوق)، إذ الناتج النهائي المتمثل في قوله تعالى: ? إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ?، فهذه قاعدة دائمة، وسنة مطردة. الباطل زهوق مضمحل لا قوة له أمام الحق، الباطل وإن كبر واستفحل أمره في فترة ما، فسرعان ما يضمحل ويزول.
وهذا المعنى لا يناسبه إلا توظيف الصفة المشبهة باسم الفاعل التي تشير إلى وصف دائم وملازم للباطل، لا يكفي فيه مجرد التعبير بصيغة اسم الفاعل. وهنا لفتة جمالية مفادها: أن مادة (زهق) سبق توظيفها في سياق الآية بقوله تعالى: ? وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ?، فالباطل هنا قد زهق، فهو الفاعل هنا أي هو (الزاهق)، ولذا لو كرر ثانية فقال في غير القرآن (إن الباطل كان زاهقاً) لما أفاد معنى جديداً لأنه كرر. لكن العدول إلى التعبير بالصفة المشبهة أفاد معنى جديداً، ودلالة جمالية في سياقات الآية ().
هكذا يكون منهج النص القرآني في توظيفه للصيغ الاشتقاقية ذات الأصل اللغوي الواحد، وما يتبع هذا التوظيف من إثراءات صوتية ملحقة بالدلالات الجمالية، والمقاصد النصية التي تتضمنها هذه السياقات.
ثالثاً: تغاير صيغ المصادر الراجعة إلى أصل اشتقاقي واحد.
المصدر هو الاسم الدال على الحدث مجرداً من الحدث والشخص والزمان والمكان، وهو عند البصريين اصل المشتقات. واختلف القدماء حول المصدر والفعل أيهما اصل وأيهما فرع. فقد ذهب البصريون إلى أن المصدر أصل الفعل، وذهب الكوفيون إلى أن الفعل هو الأصل، والمصدر فرع عليه (). والمصدر يختلف عن الفعل في كونه اسماً، ويتفق معه في الدلالة على الحدث، مع زيادة الفعل على المصدر في اقترانه بالزمن الذي هو جزء منه.
وقد تتعدد صيغ المصدر لأصل لغوي واحد دلالة على ثراء اللغة وعبقريتها، وتنوع موادها. ومن أمثلة ذلك ما جاء في تعليق أبي عبيدة (ت 210 هـ) على المصدر (أَمَنَة) في قوله تعالى: ? إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ ? ()، بقوله: " وهي مصدر بمنزلة أَمَنْتُ أَمَنَة وأَمَاناً وأَمْناً، كلهن سواء " ().
فهذا التعليق بقوله: (وكلهن سواء) دلالة على أنه وقف على الصيغة في مظهرها اللغوي فقط، أي أنه اكتفى بوصف الظاهرة دون الإمعان في تحليها جمالياً.
كذلك نجد الأخفش (ت 215 هـ) يقف أمام كلمة (المحيض) في قوله تعالى: ? وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ ? ()، فيقول: " وهو الحيض. وإنما أكثر الكلام في المصدر إذا بُنِيَ هكذا أن يراد به (المَفْعَل) نحو قولك: (ما في بُرَك مَكَال) أي: كَيْل. وقد قيلت الأخرى أي قيل: مَكِيل " ().
فنظر إلى الأمر من ناحية تعداد الأوزان الصرفية فقط دون أن يحاول تفسير لم ورد مثل هذا التعدد؟
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد وظف النص القرآني هذه الظاهرة أجمل توظيف في سياق الآيات، وفق كل إمكانات هذه المصادر من الناحية اللغوية والصرفية والصوتية والدلالية، وكل هذا يتم في سياق منظومة جمالية تتسم بالإعجاز في شتى مناحيه.
فالقرآن الكريم يورد في سياق آياته ثلاثة مصادر لمادة (رَشَدَ) هي: (الرُّشْد، والرَّشَد، والرَّشَاد). ومصدرين لمادة (تَوَبَ) هما: (التَّوْب، والتَّوْبَة)، ومادة (ضَلَّ) هما: (الضَّلَال، والضَّلالَة)، ومادة (أَمَنَ) هما: (الأَمْن، والأَمَنَة)، ومادة (خَلَدَ) هما: (الخُلْد، والخُلُود)، ومادة (شَكَرَ) هما: (الشُّكْر، والشُكُور)، ومادة (بَأَسَ) هما (البَأْس، والبَأْسَاء). ولنحاول أن نقف على بعض الفروق الدلالية والسياقية لتوظيف هذه المصادر في سياق الآيات القرآنية.
* فمن ذلك قوله تعالى: ? قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ? (). فقد وظف النص القرآني في هذه الآية مصدرين هما (الضلال) و (الضلالة) لفعل واحد هو (ضَلَّ) مضعف العين. فلم كان هذا التلوين في توظيف المصدر؟
والراغب يفصل القول في تبيان معاني المصدر من هذه المادة بقوله: " الضلال: العدول عن الطريق المستقيم، ويضاده الهداية. قال تعالى: ? مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ? (). ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج، عمداً كان أو سهواً، يسيراً كان أو كثيراً " ().
وقد ورد المصدر من (ضَلَّ) بصيغة (ضلال) في القرآن الكريم في (38 ثمانية وثلاثين موضعاً)، وورد بصيغة (ضلالة) في (9 تسعة مواضع) (). فالضلال أكثر توظيفاً كمصدر صريح من الضلالة التي هي اسم مرة.
وفي آية سورة الأعراف نجد أن سياق الآية يشير إلى وصف قوم نوح ? له بأنه في ضلال مبين، ثم دفاعه ? عن نفسه بنفي هذه الضلالة. وقد كان مقتضى السياق أن يتم نفي ما وُصِفَ به وهو (الضلال)، فلم عدل عن التعبير بصيغة (الضلال) إلى توظيف اسم المرة (الضلالة)؟ يقول الزمخشري: " إن قلت لم قال ? لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ ?، ولم يقل ضلال كما قالوا. قلت: الضلالة تخص من الضلال، فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه، كأنه قال: ليس بي شيء من الضلال " ().
وهذا التوجيه يعتمد على دلالات التعبير بمصدر اسم المرة، ومن باب نفي الأقل. لكن أليس من المقبول عقلاً أن يكون هذا النفي غير عام، أو غير محيط، فاحتمل الأمر أن يتسرب إلى النفس بعض الشك في أنه لو عبّر بنفي المصدر لكان ذلك أتم وأشمل، وذلك لأن قولك: (هذا ليس بإنسان) لم يستلزم ذلك أن لا يكون حيواناً. لكننا لو قلنا: (هذا ليس بحيوان) لاستلزم ذلك أن يكون إنساناً، فنفي الأعم أبلغ هنا من نفي الأخصّ. ولذا فإن (الضلالة) أدنى من (الضلال) وأقلّ، لكونها لا تطلق إلا على الفعلة الواحدة من (الضلالة) فهي اسم مرة. أما (الضلال) فكما أشار الراغب (يطلق على القليل والكثير) ().
وهذا الالتفات عن صيغة المصدر إلى اسم المرة، وإيقاع هذه الصيغة في هيئة النكرة مع توظيف حرف الجر الملاصق وهو (الباء)، كل ذلك يتعاضد معاً لإفادة معنى النفي القاطع في أن يكون قد علق بنوح ? أدنى قدر من هذه الضلالة ().
وهذا أيضاً يحتاج إلى شيء من التدقيق في توجيه الدلالة بالاستفادة من النفي الموظف في الآية يفصله ابن الأثير بقوله: " إن قيل لا فرق بين الضلالة والضلال، وكلاهما مصدر قولنا: ضَلَّ يَضِلّ ضَلالا، وضَلَّ يَضِلَ ضَلاَلَة. كما يقال: لذَّ يَلِذّ (لَذَاذاً) و (لَذَاذَة). فالجواب عن ذلك أن الضلالة تكون مصدراً كما قلت، وتكون عبارة عن المرة الواحدة. تقول: ضَلّ يَضِلّ ضَلالَة: أي مرة واحدة، كما تقول: ضَرَبَ يَضْرِب ضَرْبَة، وقَامَ يَقُوم قَوْمَة، وأَكَلَ يَأْكُل أَكْلَة. والمراد بالضلالة في هذه الآية هو عبارة عن المرة الواحدة من الضلال الخاص، ولا يدلّ نفي الخاص على نفي العام " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
فإذا كان هناك مصدران أحدهما يتسم بالعمومية مثل (ضلال)، والآخر يتسم ببعض الخصوصية مثل (ضلالة)، فإن استعمال العام في حالة النفي أبلغ من استعماله في حالة الإثبات، كما أن استعمال الخاص في حالة الإثبات أبلغ من استعماله في حالة النفي، وذلك لأن ثبوت الخاص يدلّ بالتالي على ثبوت الخاص، ولا يدلّ نفي الخاص على نفي العام ().
ونلمح عند ابن النقيب (ت 698 هـ) لفتة سياقية جميلة إذ يقول: " لو قال: ليس بي ضلال، لما صحّ، لأن اسم الجنس يقال على الكثير والقليل، فيجوز أن يكون المنفي هو الكثير " (). وبالتالي فإن هذا القليل لم يشمله النفي، فيكون ذلك مستقبحاً في حق نبي من أنبياء الله الكرام.
هكذا يكون التوظيف القرآني للمصدرين من صيغة واحدة في سياق آية واحدة، مراعياً تعلقات السياق، وتفصيلات الصورة في إطارها الكامل.
* ومن ذلك أيضاً توظيف القرآن الكريم لثلاثة مصادر متنوعة من مادة (رَهَبَ) هي: (الرَّهْب، والرَّهَب، والرَّهْبَة)، وردت على التوالي في الآيات التالية:
1 - الرَّهْب: ورد في موضع وحيد في قوله تعالى: ? اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ? ().
2 - الرَّهَب، ورد في موضع وحيد في قوله تعالى: ? فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ? ().
3 - الرَّهْبَة، ورد في موضع وحيد في قوله تعالى: ? لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ? ().
والمعنى الجامع لهذه الصيغ يجمله الراغب بقوله: " الرَّهْبَة والرَّهَب: مخافة مع تحرّز واضطراب " ().
فالمصدر الأول؛ الرَّهْب بإسكان الهاء، ورد في ساق إخبار الله تعالى عن موقف المناجاة لنبيه موسى ?، وما أعقب هذا الموقف من البشارات والمعجزات التأيدية التي منها (اضمم إليك جناحك من الرَّهْب)، أي كلما أصبت بالخوف والاضطراب اضمم يدل إلى صدرك، وضعها موضع قلبك، فسيزول عنك هذا الاضطراب، وتعود إليك السكينة ().
والمصدر الثاني؛ الرَّهَب بفتح الهاء موظف في سياق حديث المولى عز وجل عن طائفة خاصة من أهل الإيمان هم الأنبياء والصالحون الذين هم بين الرّغَب في الثواب والمغفرة من الله عز وجل، ونوال ما عنده، والرَّهَب من عقوبته وجبروته. ونلمح هنا تناسباً سياقياً وإيقاعياً متوازناً مستمداً من توافق (رَغَبَاً) و (رَهَباًَ) في الوزن والحركات. وهذا التوازن تصوير لحالة هؤلاء الصالحين إذ أنهم دوماً ما بين الخوف والرجاء، ما بين الرغب والرَّهَب. وفي سياق آية سورة الأنبياء يكون هذا الرَّغَب والرَّهَب وارداً في سياق مدح نبي الله زكريا ? وزوجه حال عبادتهم!
أما المصدر الثالث؛ الرَّهْبَة ورد في سياق وصف حال أهل النفاق في تحالفه مع اليهود ضد المسلمين، فأهل النفاق اشد خوفاً وفزعاً من المسلمين، هم يتميزون بالجبن الشديد. وهذا الذمّ الإلهي لهم لكونهم أكثر مخافة لبشر مثلهم؛ هم المسلمون دون خوفهم من الله سبحانه وتعالى. يقول الأنصاري: " إن علق قوله? مِّنَ اللَّهِ ? بأشد، لزم ثبوت الخوف لله، وهو محال. أو بالرهبة، لزم كون المؤمنين اشد خوفاً من المذكورين، وليس مراداً؟ قلت: الرهبة مصدر رُهِبَ بالبناء للمفعول هنا، فالمعنى: أشد مرهوبية، يعني أنكم في صدورهم أهيب من كون الله تعالى فيها " ().
فالرهبة مصدر موظف على إرادة البناء للمجهول، وذلك لإفادة الإمعان في الوصف، فهم أكثر رُعْباً وخوفاً ورهْبَة.
وبذلك فإن الفروق الدلالية والسياقية في التعبير بتلك المصادر تتمثل في:
1 - الرَّهْب: خوف طبيعي عرضي سريع، حالة خاصة بنبي الله موسى ? حينما حان وقت حمله للرسالة، سرعان ما زال عنه بإرشاد الله تعالى له.
2 - الرّهَب: حالة خوف دائم ممزوج بالرجاء الدائم، فهما مختلطان. وهو مصاحب لقلوب أهل الإيمان في عبادتهم لله سبحانه وتعالى، وهو خوف الممدوح.
3 - الرَّهْبَة: الخوف الممزوج بالجبن المذموم، وهي حالة دائمة لأهل النفاق واليهود.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا كله يدور في سياق التوظيف القرآني لهذه المصادر التي تغايرت في الصيغة، بما يعضد فرادة التوظيف القرآني لهذه الصيغ، وما يتبع ذلك من جمالية في الأداء، ودلالية في السياقات.
الهوامش:
1. - د. عودة الله القيسي، سر الإعجاز البياني في القرآن، دار البشير، الأردن، 1996، 328.
2. - سورة يونس: آية رقم (4).
3. - سورة العنكبوت: الآيتان رقم (19، 20).
4. - محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس، 141.
5. - سورة يونس: الآيتان رقم (3، 4).
6. - الزمخشري، الكشاف، 2/ 328.
7. - سورة العنكبوت: آية رقم (19).
8. - سورة سبأ: آية رقم (49).
9. - سورة البروج: آية رقم (13).
10. - ابن جزي، التسهيل لعلوم التنزيل، 3/ 249.
11. - سورة الأنعام: آية رقم (60).
12. - سورة الجاثية: آية رقم (21).
13. - سورة المائدة: آية رقم (45).
14. - سورة المائدة: آية رقم (4).
15. - الراغب، المفردات، 1/ 86.
16. - سورة البقرة: آية رقم (286).
17. - الراغب، المفردات، 1/ 141.
18. - الأنصاري، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن، تحقيق: بهاء محمد، دار الكتاب الجامعي، القاهرة،1987، 44.
19. - ابن أبي الإصبع، بديع القرآن، 305.
20. - الأنصاري، فتح الرحمن، 45.
21. - سورة الكهف: آية رقم (97).
22. - الراغب، المفردات، 2/ 34.
23. - ينظر: الزمخشري، الكشاف، 2/ 402. – أبو السعود، إرشاد العقل السليم / 5/ 246.– الرازي، مفاتيح الغيب، 10/ 173.- البيضاوي، أنوار التنزيل، 3/ 236.
24. - الإسكافي، درة التنزيل وغرة التأويل، تحقيق: محمد آيدين، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 2002، 2/ 884.
25. - ابن الزبير، ملاك التأويل، 2/ 655.
26. - د. حسن طبل، أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1998، 95.
27. - سورة الإسراء: آية رقم (70).
28. - سورة الفجر: آية رقم (15).
29. - سورة العنكبوت: آية رقم (8).
30. - سورة مريم: آية رقم (31).
31. - سورة النساء: آية رقم (136).
32. - سورة آل عمران: آية رقم (3).
33. - سورة البقرة: آية رقم (50).
34. - سورة العنكبوت: آية رقم (24).
35. - سورة التحريم: آية رقم (3).
36. - ابن عصفور، الممتع في التصريف، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، دار الأفاق الجديدة، بيروت، ط3، 1978،1/ 295.
37. - ينظر: - ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/ 287. – الزمخشري، الكشاف، 1/ 174. – أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 2/ 4. – الرازي، مفاتيح الغيب، 7/ 105. – البيضاوي، أنوار التنزيل، 2/ 2.
38. - سورة العنكبوت: آية رقم (51).
39. - سورة محمد: آية رقم (9).
40. - الراغب، المفردات، 2/ 194.
41. - ابن الزبير، ملاك التأويل، 1/ 141.
42. - سورة القدر: آية رقم (1).
43. - سورة الحديد: آية رقم (25).
44. - د. عبد المجيد الزنداني، القرآن والعلم، دار القلم، دمشق، 1999، 113.
45. - سورة النحل: الآيتان رقم (120، 121).
46. - سورة الإسراء: آية رقم (3).
47. - محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس، 474 – 475.
48. - نفسه.
49. - د. عبد الصبور شاهين، المنهج الصوتي للبنية العربية، 114.
50. - الميداني، نزهة الطرف في علم الصرف، دار الأفاق الجديدة، بيروت، 1981، 231.
51. - د. مهدي المخزومي، النحو العربي، نقد وتوجيه، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط2، 1979، 119.
52. - سورة آل عمران: آية رقم (185).
53. - ينظر: د. صفية مطهري، الدلالات الإيحائية في الصيغ الإفرادية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003، 84.
54. - أبو حيان، البحر المحيط، 1/ 136.
55. - د. أحمد مختار عمر، أسماء الله الحسنى، دراسة في البنية والدلالة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،1997، 96.
56. - أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، دار الأفاق الجديدة، بيروت، ط4، 1980، 12 – 13.
57. - البيضاوي، أنوار التنزيل، 3/ 281.
58. - ابن جزي، التسهيل لعلوم التنزيل، 2/ 304.
59. - ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 3/ 28.
(يُتْبَعُ)
(/)
60. - سورة سبأ: آية رقم (13).
61. - سورة الإنسان: آية رقم (3).
62. - سورة الإسراء: آية رقم (81).
63. - سورة الأنبياء: آية رقم (18).
64. - الراغب، المفردات، 1/ 163.
65. - ينظر: - د. صلاح الخالدي، إعجاز القرآن البياني، 296. – د. عودة الله القيسي، سر الإعجاز، 155.
66. - ابن الأنباري، الإنصاف في مسائل الخلاف، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، دمشق، ط 2، 1987،1/ 230.
67. - سورة الأنفال: آية رقم (11).
68. - أبو عبيدة، مجاز القرآن، تحقيق: محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1988، 1/ 242.
69. - سورة البقرة: آية رقم (222).
70. - الأخفش، معاني القرآن، تحقيق: د. هدى قراعة، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1990، 1/ 368.
71. - سورة الأعراف: الآيتان رقم (60، 61).
72. - سورة الإسراء: آية رقم (15).
73. - الراغب، المفردات، 2/ 22.
74. - محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس، 520 – 521.
75. - الزمخشري، الكشاف، 2/ 113.
76. - ينظر: - الرازي، مفاتيح الغيب، 4/ 157. – أبو حيان، البحر المحيط، 4/ 321.
77. - ينظر: أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 3/ 235.
78. - ابن الأثير، المثل السائر، 2/ 31.
79. - ينظر: - الطوفي، الإكسير في علم التفسير، 240. – ابن الأثير، الجامع الكبير، 169.
80. - ابن النقيب، مقدمة تفسير ابن النقيب، تحقيق: د. زكريا سعيد، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1995، 381.
81. - سورة القصص: آية رقم (32).
82. - سورة الأنبياء: آية رقم (90).
83. - سورة الحشر: آية رقم (13).
84. - الراغب، المفردات، 1/ 193.
85. - ينظر: ابن جزي، التسهيل، 3/ 229. – أبو حيان، النهر الماد، 2/ 654. – البيضاوي، أنوار التنزيل، 4/ 225.
86. - الأنصاري، فتح الرحمن، 353.(/)
البسملة ........ !!!
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[08 - 07 - 2008, 04:56 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا وردت صفتي الخالق المشتقتين من الرحمة على وزنين مختلفين
الصفة الأولى الرحمن على وزن فعلان يقول الصرفيون أن هذا الوزن لا يدل على الثبوت والاستمرار
فيقال جوعان فالجوع صفة آنية مؤقتة تذهب
اما الصفة الثانية على وزن فعيل هي التي تدل على الاستمرار والثبات فيقال مثلا طويل
ومن المفسرين من يقول أن الدنيا آنية ومؤقتة لذلك كانت صفة الله في الرحمة
أنه رحمان في الدنيا ورحيم في الآخرة
على اعتبار أن الآخرة دائمة مستمرة
والله تعالى أعلم
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 07 - 2008, 06:04 م]ـ
ويؤيد ما ذهبت إليه ما قاله المفسرون أيضا من عموم رحمة الرحمن لكل الخلائق مؤمنهم وكافرهم، فتكون مؤقتة من جهة أن الكافر لا تشمله الرحمة الخاصة: رحمة الرحيم، يوم القيامة، وهي الرحمة الأبدية السرمدية لعباده المؤمنين، جعلنا الله وإياك وكل إخواننا الموحدين ممن شملهم الرحمن برحمته العامة في الأولى، ورحمته الخاصة في الآخرة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[العبد اللطيف]ــــــــ[08 - 07 - 2008, 06:10 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا وردت صفتي الخالق المشتقتين من الرحمة على وزنين مختلفين
الصفة الأولى الرحمن على وزن فعلان يقول الصرفيون أن هذا الوزن لا يدل على الثبوت والاستمرار
فيقال جوعان فالجوع صفة آنية مؤقتة تذهب
اما الصفة الثانية على وزن فعيل هي التي تدل على الاستمرار والثبات فيقال مثلا طويل
ومن المفسرين من يقول أن الدنيا آنية ومؤقتة لذلك كانت صفة الله في الرحمة
أنه رحمان في الدنيا ورحيم في الآخرة
على اعتبار أن الآخرة دائمة مستمرة
والله تعالى أعلم
لقد كنت مبدعا في كتابة الموضوع
مؤثر في غيرك
كتبت فقرأ الجميع
شاركت فاسعدت الجميع
فواصل السير
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[08 - 07 - 2008, 06:11 م]ـ
أشكركما على التواصل ........(/)
هل هناك دراسات حديثة تكلمت عن البلاغة في سورة الشمس؟
ـ[أيمن الدوسري]ــــــــ[09 - 07 - 2008, 12:37 م]ـ
هل هناك دراسات حديثة تكلمت عن البلاغة في سورة الشمس؟
خصوصًا فواصلها والجانب الصوتي فيها
جزاكم الله خيرًا
ـ[د. عدنان الاسعد]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 08:30 م]ـ
نعم أخي الحبيب , وسأرفدك بها وأرسلها لك , فاترك بريدك هنا , أو أرسله لي ,,,,
ـ[أيمن الدوسري]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 11:36 م]ـ
جزاك الله خيرًا
وأتقصد البريد الإلكتروني؟
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 11:46 م]ـ
و أنا أسأل هل هناك دراسات حديثة تكلمت عن البلاغة في سورة القيامة؟؟
ـ[أيمن الدوسري]ــــــــ[11 - 07 - 2008, 01:20 م]ـ
وهذا هو بريدي الإلكتروني إن كان هو المقصود:
zaal2004*************
وشكرالله لك(/)
سؤال عن نور الأقاح وأرجوزة التصريف
ـ[ابونيار]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 07:24 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله:
أريد الاستفسار والاستفصال من المشايخ الفضلاء والإخوة النبلاء عما يلي:
المفاضلة بين كتاب نور الأقاح للشنقيطي وعقود الجمان للسيوطي
وبين كتاب أرجوزة التصريف للأثيوبي ونظم الشافية للنيسابوري
من حيث:
1 - الحفظ
2 - الشروح مكتوبة أم مسجلة
3 - العناية والمدارسة
وبارك الله فيكم وفي علمكم
ـ[ابونيار]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 08:02 م]ـ
يا مشايخ غفر الله لكم:
أريد منكم ولو نصف إجابة!!!!!!!! (ابتسامة)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 10:30 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=33376
ـ[ابونيار]ــــــــ[13 - 07 - 2008, 11:08 ص]ـ
شكرا يا شيخنا الفاضل فقد اطلعت على هذا الرابط سابقا
لكن هل من مزيد؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[22 - 09 - 2009, 07:37 ص]ـ
نظم الشافية للنيساري في نحو 1200 بيت
وأرجوزة التصريف في نحو 800 بيت(/)
كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 09:35 ص]ـ
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.
كن: أمر إرشاد.
غريب أو عابر سبيل: ترقي من الأدنى إلى الأعلى، فإن الغريب قد يقيم في البلد مع كونه من غير أهلها بخلاف عابر السبيل فإنه غير مقيم، قولا واحدا، وهذا أبلغ في التخفف من متاع الدنيا الزائل إلا ما كان عونا على إقامة الدين.
فتكون "أو": من باب الإضراب، فيؤول المعنى إلى: كن في الدنيا كأنك غريب بل عابر سبيل، كما في قوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)، أي: بل يزيدون.
إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ:
مقابلة بين جملتين: "إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ"، و: "وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ".
وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ: طباق إيجاب بين: "صحتك" و "مرضك".
وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ: طباق إيجاب، أيضا، بين: "حياتك" و "موتك".
فيكون أبلغ في أداء المعنى فبضدها تتميز الأشياء.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 02:16 م]ـ
جميل ما أتيت به وإنا لنطمع منك بالشيء الكثير.
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 11:53 م]ـ
رائع و لا نستغني عن المزيد!! أثابك المولى.
ـ[العبد اللطيف]ــــــــ[11 - 07 - 2008, 10:30 ص]ـ
نعم مثال ذلك الدنيا والآخرة: المسافرون خارج أوطانهم غرباء من أجل العمل
والمال، نراهم يعيشون عيشة الغرباء حتى الأغنياء منهم، بيوتهم بسيطة و
أثاثها بسيط ومستعمل فى الغالب و إذا أضطر لشراء سيارة فتكون بسيطة،
حتى الملابس
على قدر الضرورة و تجد كلا منهم همه دائما أن يرسل بأمواله و مقتنياته إلى
وطنه، إلى وطنه حيث دار الاستقرار. و ربما يظل الواحد هناك فى الغربة
عشرين سنة أو ثلاثين سنة و مشاعره هى هى، غريب لا يحدث نفسه بطول
البقاء هناك، مع أنه ربما يموت هناك.
ـ[العبد اللطيف]ــــــــ[11 - 07 - 2008, 10:36 ص]ـ
يُحكى أن رجلاً كان يحاسب نفسه، فحسب يوماً
سني عمره، فوجدها ستين سنة. فحسب أيامها، فوجدها واحداً وعشرين ألف يوم
وخمسمائة يوم. فصرخ صرخة، و خرّ مغشياً عليه. فلما أفاق قال: يا ويلتاه، أنا آتي
ربي بواحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب؟!
يقول هذا لو كان يقترف ذنباً واحداً في كل يوم، فكيف بذنوب كثيرة لا تحصي؟
ثم قال: آه عليّ، عمرت دنياي، وخربت أخراي، وعصيت مولاي، ثم لا أشتهي
النقلة من العمران إلى الخراب. وأنشد:
منازل دنياك شيّدتها ... وخرّبت دارك في الآخرة
فأصبحت تكرهها للخراب ... وترغب في دارك العامرة(/)
من الكلام الموجز البليغ في أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم)
ـ[محمد سعد]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 11:29 ص]ـ
كلام رسول الله:=
قالوا: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعشر كلمات، حمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: " أيها الناس، إن لكم معالم، فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهايةً، فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين، بين أجلٍ قد مضى لا يدري ما الله صانعٌ به، وبين أجلٍ قد بقى لا يدري ما الله قاضٍ فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت، والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دارٍ إلا الجنة أو النار ".
ومن كلامه الموجز عليه السلام: " الناس كلهم سواءٌ كأسنان المشط ".
و " المرء كثيرٌ بأخيه، ولا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل الذي يرى لنفسه ".
وذكر الخيل فقال " بطونها كنزٌ وظهورها حرز ".
وقال: " نهيتكم عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعٍ، وهات ".
وقال: " الناس كالإبل ترى المائة لا ترى فيها راحلةً ".
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 05:50 م]ـ
بارك الله فيك؛ و صلى الله و سلم على أعرب العرب(/)
جمال اللغة العربية -4 - يقال ولا يقال؟؟
ـ[أحلام]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 02:59 م]ـ
لا يُقالُ كأسٌ إلاّ إذا كان فيها شَرَاب، وإلا فهي زُجَاجة
ولا يُقَالُ مائدةٌ إلاّ إذا كان عليها طَعَامٌ، و إلاّ فهي خِوَان
لا يُقالُ كُوزٌ إلا إذا كانَتْ له عُرْوَة، وإلا فهو كُوب
لا يُقالُ قلَمٌ إلاّ إذا كانَ مبريًّا، وإلاّ فهو أُنْبوبَة
ولا يُقالُ خاتَمٌ إلاّ إذا كانَ فيه فَصّ، وإلاّ فَهُوَ فَتْخَةٌ
ولا يُقالُ فَرْوٌ إلاّ إذا كانَ عَلَيْهِ صُوف، وإلاّ فَهُوَ جِلْد
ولا يُقالُ رَيْطَةٌ إلاّ إذا لم تَكُنْ لِفْقَيْنِ، وإلاّ فَهِيَ مُلاءَة
ولا يُقال أَرِيكة إلاّ إذا كانَ عليها حَجَلَةٌ، وإلاّ فهيَ سَرِير
ولا يُقالُ لَطِيمة إلاّ إذا كان فيها طِيب، وإلا ّفهي عِير
ولا يُقال رُمْح إلاّ إذا كانَ عَلَيهِ سِنَانٌ، وإلا فهو قناة.
لا يُقالُ نَفَقٌ إلاّ إذا كان له مَنْفَذ، وإلاّ فهو سَرَبٌ
و لا يُقَالُ عِهْن إلاّ إذا كان مَصْبُوُغاً وإلا فهو صُوفٌ
و لا يُقالُ لحم قديدٌ إلاّ إذا كان مُعالجاً بتوابِلَ، وإلاّ فهو طَبِيخٌ
و لا يُقالُ خِدْرٌ إلاّ إذا كانَ مُشَتَمِلاً على جارِيَةٍ مُخَدَرَةٍ، و إلاّ فهو سِتْر
ولا يُقالُ مِغْوَلٌ إلاّ إذَا كانَ في جَوفِ سَوْطِ وٍإلاّ فهو مِشْمَل
ولا يُقالُ رَكِيَّة إلاّ إذا كانَ فيها ماء، قَلَّ أوْ كَثُرَ، وإلاّ فهي بئرٌ
و لا يُقال مِحْجَن إلاّ إذا كانَ في طَرفِهِ عُقّافَة وإلاّ فهو ر عَصًا
ولا يُقالُ وَقُود إلاّ إذا اتَّقدَتْ فيهِ النارُ، وإلاّ فهو حَطَب
ولا يًقالُ سَيَاعٌ إلاّ إذا كانَ فيهِ تِبْن وإلاّ فهو طِين
ولا يُقالُ عَوِيلٌ إلاّ إذا كانَ مَعَهُ رَفع صَوْتٍ، وإلاّ فهو بُكَاء
ولا يُقالُ مُورٌ للغُبَارِ إلاّ إذا كان بالرِّيحِ، وإلاّ فهو رَهَجٌ
و لا يُقالُ ثَرًى إلاّ إذا كان نَدِيًّا، وإلاّ فهو تُراب
ولا يُقالُ مَأْزِق ومأْقِط إلاّ في الحَرْبِ، وإلاّ فهو مَضِيق
ولا يُقالُ مُغَلْغَلَةٌ إلاّ إذا كانتْ مَحْمُولةً منْ بَلدٍ إلى بَلدٍ، و إلاّ فهي رِسالة
ولا يُقَالُ قراحٌ إلا إذا كانتْ مُهيّأَةً للزِّرَاعةِ وإلاّ فهي بَرَاح
لا يُقالُ لِلْعبْدِ ابِق إلاّ إذا كانَ ذهَابُهُ مِن غَيْرِ خَوْفٍ ولا كَدِّ عَمَل، وإلاّ فهو هارِب
لا يُقالُ لِماءِ الفَمِ رُضاب إلاّ ما دامَ في الْفَمِ، فإذا فارقَهُ فهو بُزَاق
لا يُقالُ للّشجاع كَمِيّ إلا إذا كان شاكيَ السِّلاحِ، وإلاّ فهو بَطَل
من فقه اللغة
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 05:55 م]ـ
رائع أكثرها جديدة!!
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 07:02 م]ـ
شكرا ......
أعتقد أن المصدر فقه اللغة للثعالبي
ـ[أحلام]ــــــــ[11 - 07 - 2008, 05:10 م]ـ
الاخوة الأفاضل:
شكرا للمرور الطيب
ونعم إنّه من كتاب فقه الللغة للثعالبي(/)
جمال اللغة العربية -5 - يقال ولا يقال؟؟
ـ[أحلام]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 03:08 م]ـ
لا يقالُ للطَّبَقِ مِهْدىً إلاّ ما دامَتْ عليه الهَدِيَّةُ
ولا يُقالُ للبعيرِ رَاويةٌ إلاّ ما دامَ عليهِ الماءُ
لا يُقالُ للمرأةِ ظَعينةٌ إلاّ ما دامَتْ راكِبةً في الهَوْدَج
لا يُقالُ للسَّرْجينِ فَرْثٌ إلاّ ما دَامَ في الكرِشِ.
لا يقالِ لِلدَّلْوِ سَجْل إلاّ ما دامَ فيها ماء قلَّ أو كَثُرَ
ولا يُقالُ لها ذَنوب إلاَ إذا كانتْ مَلأَى
ولا يُقالُ للسَّرِيرِ نَعْش إلاّ ما دامَ عليهِ الميَتُ
لا يُقالُ للعَظْمِ عَرْق إلا ما دامَ عليهِ لَحم
لا يُقالُ للْخَيْطِ سِمْطٌ إلاّ ما دَامَ فيهِ الخَرَزُ
لا يُقالُ للثًوبِ حُلَّة إلاّ إذا كانَ ثَوبَيْنِ اثنينِ منْ جِنْس واحدٍ
لا يُقالُ للحَبْلِ قَرَن إلاّ أنْ يُقْرَنَ فيهِ بَعِيرَانِ
لا يُقالُ لِلقَوم رُفْقةٌ إلاّ ما دَامُوا مُنْضَمِّينَ في مَجْلِس واحدٍ أو في مَسِيرٍ واحدٍ، فإذا تَفَرَّقوا ذَهَبَ عَنهُمً اسمُ الرُفقَة. ولم يَذْهَبْ عنهُم اسمُ الرّفيق
لا يُقالُ للبِطِّيخ حَدَج إلاّ ما دامَتْ صِغاراً خُضْراً
لا يُقَالُ للذَهب تِبْر إلاَّ ما دامَ غَيْرَ مَصُوغ
لا يُقالُ لِلحجَارَةِ رَضْف إلا إذا كانَتْ مُحْمَاةً بالشَّمسِ أوَ النَّارِ
لا يُقالُ للشَّمسِ الغَزَالةُ إلاّعِنْد ارْتِفاعِ النَهارِ
لا يُقالُ للثَوْب مُطْرَف إلاّ إذا كانَ في طَرَفَيْهِ عَلَمَانِ
لا يُقالُ للمَجْلِسِ النَّاتِي إلاّ إذا كانَ فيهِ أهْلُهَ
لا يُقال للريحِ بَلِيل إلاّ إذا كانتْ بارِدَةً ومعها ندًى
لا يُقالُ للمرأَةِ عَاتِق إلاّ ما دامتْ في بَيْتِ أَبويْها.(/)
التلوين الصوتي بالعدول في النص القرآني
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[10 - 07 - 2008, 04:38 م]ـ
التلوين الصوتي بالعدول في النص القرآني
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
تتعدد المصطلحات البلاغية الدالة على كسر النسق التعبيري، ومخالفة السياق الكلامي إلى نسق آخر رغبة في قصدية ما. فالموروث البلاغي يحوي طائفة من المصطلحات الدالة على هذا الشكل من التعبير، مثلما نجد في سياقات المصطلحات الآتية مثل: (الصّرْف) و (العُدول) و (الانصراف) و (التَّلَوُّن) و (مخالفة مقتضى الظاهر) و (شجاعة العربية) (). وهي تشترك جميعاً في التحول أو الانحراف عن المألوف من أنساق التعبير، وهذا التحول في خالص أمره ظاهرة أسلوبية تحقق مبدأي الانزياح والاختيار، وكسر أفق التوقعات المعتادة ().
وأهل البلاغة رغم إيمانهم بوجود مستويين من مستويات التعبير لأي نمط إبداعي يتمثلان في؛ المستوى الأصلي (المثالي) أو ما يطلق عليه حديثاً (البنية العميقة Deep structure) ، والمستوى السطحي (الفني) أو ما يطلق عليه (البنية السطحية Surface Structure ) ، إلا أنهم لا يعطون البنية المثالية أي أهمية إلا من حيث كونها نقطة انطلاق لدراساتهم التحليلية لتحولات البنية في الأشكال البلاغية عن القواعد المثالية إلى الصورة العدولية، فتصبح القاعدة المثالية اصل محايد يبرز جماليات الشكل البلاغي، ويوّجه مرتكزاته السياقية والدلالية في إطار خطابه للمتلقي حين يستحضر الأصل المثالي ويقارنه بالناتج الصياغي النهائي ().
يقول ابن أبي الإصبع: " العرب متى أرادت المبالغة التامة في شيء، قلبت الكلام فيه عن وجهه، ليتنبه السامع عندما يرد على سمعه كلام قد خولف فيه عادة أهل اللسان، إلى أن هذا إنما ورد لفائدة، فينتظر فيرى حصول زيادة الكلام مبالغة، ولو لم يقلب لم تحصل " ().
ويمدح ابن الأثير مثل هذا الانزياح التعبيري للصيغ في العربية، ويجعله أمارة دالة على مدى بلاغة المبدِع، وثراء اللغة، لأن هذا الانزياح يكسب النص جمالاً فنياً ينبع من غموض المعنى الذي هو لبّ الفن والأدب. يقول ابن الأثير: " اعلم أيها المتوشح لمعرفة علم البيان أن العدول عن صيغة من الألفاظ إلى صيغة أخرى، لا يكون إلا لنوع خصوصيته اقتضت ذلك. وهو لا يتوخاه في كلامه إلا العارف برموز الفصاحة والبلاغة، الذي اطلع على أسرارها، وفتّش عن دفائنها. ولا تجد ذلك في كلام فإنه من أشكل ضروب علم البيان، وأدقها فهماً، وأغمضها طريقاً " ().
وهذا العدول الجمالي لون من فنيات التلوين الصوتي والدلالي في اللغة، بل هو أعلاها جمالية، وأسماها نصية. يقول الإمام عبد القاهر: " إن صور المعاني لا تتغير بنقلها من لفظ إلى لفظ، حتى يكون هناك اتساع ومجاز، وحتى لا يراد من الألفاظ ظواهر ما وُضِعت له ف اللغة، ولكن يشار بمعانيها إلى معانٍ أخر " ().
وبمعاودة النظر في القرآن الكريم لوحظ توظيف القرآن الكريم لألوان متنوعة من العدول في سياقاته، تكتسب هذه الألوان الكثير من الجماليات في هذه السياقات القرآنية، مما يوجب علينا أن نتعرض لمثل هذه التلوينات من العدول في هذه السياقات، ومحاولة تثوير الدلالات فيها، والغوص على نصيات المقام في مراميها، رغبة في استكناه هذا اللون من الإعجاز التوظيفي للنص القرآني.
ا – العدول عن نظائر المفردة:
لا شك أن ألفاظ القرآن الكريم تمكن في أماكنها، ولا يمكن أن يحل محلّ أي لفظ في القرآن غيره، غذ هو الذي يراد هنا لا غيره. واختيار اللفظ القرآني يخضع - كما قلنا من قبل – لمحددات عديدة، كما يخضع لسياق السورة التي ورد فيها، و روحها، ويخضع للسياق النصي القريب والبعيد، ويخضع للتناسب الدلالي، والتناسق التعبيري.
والنص القرآني حين اختار المفردة إنما انتقاها من بين نظائرها المتعددة التي تؤدي معناها، بل عن بعضها يزيد عن معناها في غير القرآن الكريم. لكن التوظيف القرآني لهذه المفردة دون نظائرها أمر مقصود ومراد، لا يُنْظَر إليه في وضعها المفرد، بل لا بد من الإحاطة بالصورة الكلية التي وظفت المفردة في إطارها.
(يُتْبَعُ)
(/)
* فمثلاً قوله تعالى: ? كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ? (). فإن لفظ (ليأخذوه) هنا موظف دلالياً بمعنى (ليقتلوه)، لكن لمَ لمْ يوظف هذا المرادف الدال على المعنى، وعدل إلى لفظ مناظر دون اللفظ الأصل؟ يقول الباقلاني: " هل تقع موقع (ليأخذوه) كلمة؟ وهل تقوم مقامه في الجزالة لفظة؟ وهل يسد مسده في الأصالة نكتة؟ لو وُضِعَ موضع ذلك (ليقتلوه) أو (ليرجموه) أو (ليطردوه) أو (ليهلكوه) أو (ليذلوه) أو نحو هذا، ما كان ذلك بديعاً، ولا بارعاً ولا عجيباً ولا بالغاً ... فانْقُد موضع الكلمة تعلم بها ما نذهب غليه من تخيُّر الكلام، وانتقاء الألفاظ، والاهتداء إلى المعاني " ().
ولعلّ وقوف الباقلاني أما لفظة (ليأخذوه) في الآية الكريمة مسوّغه أن النص القرآني قد اختار لفظة تحمل في دلالاتها الواسعة كل معاني المفردات التي عددها، وهذا مما يتناسب مع نية كل أمة لا تؤمن برسولها، إذ تتنوع النوايا السيئة بين المعاني التي عددها الباقلاني من قتل أو نفي أو طرد أو إهلاك أو إيذاء. ولا تجد لفظة تحمل شحنات هذه الدلالات مجتمعة بشمولها وعموميتها سوى ما عبّر به القرآن الكريم في لفظة (ليأخذوه).
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ? (). إذ نجد التعبير (بين أيديهم) يمكن أن يستدعي في الذهن الظرف (أمامهم) لمناسبة الظرف اللاحق وهو (خلفهم)، فيمكن أن يكون أصل الكلام - في غير القرآن-: (يعلم ما أمامهم وما خلفهم)، ولكن ذلك لم يتم التعبير به فلمَ حدث هذا؟
ومن فرائد التوظيف أن القرآن الكريم يجمع بين التعبير بظرف المكان (بين) + كلمة (اليد) في تجاور دلالي مع الظرف (خلفهم) في (15 خمس عشرة آية) ()، مما يجعل من التركيب الظرفي (بين + اليد) مساوياً في المعنى لكلمة (أمام) التي هي أيضا ظرف، وذلك ليتم إيجاد نوع من التناسب اللفظي في سياق هذه الآيات، لكن ذلك لم يتم! يقول الزمخشري: " ? يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ?، ما كان قبلهم، وما يكون بعدهم. والضمير لما في السماوات والأرض لأن فيهم العقلاء " ().
فقد جعل الظرفين هنا غير متعيّنين للمكان بل هما للزمان، إذ دلّا دلالة شاملة على استغراق الزمن الماضي والزمن الآتي، وهذا مما يتسق مع علم المولى عز وجل فهو العليم الحكيم. غير أن الزمخشري جعل من التصاق الضمائر بهذين الظرفين إضماراً لأهل السماوات والأرض، لكونهم أشد تعلقاً بما يحدث من أحداث في هذا الزمن.
ونجد عند أبي حيان لمحة تفصيلية أكبر إذ يقول: " ضمر الجمع عائد على ما وهم الخلق، غلب على من يعقل، فجمع الضمير جمع من يعقل. وهو عائد على من يعقل من الأنبياء والملائكة مراعاة لقوله ? مَن ذَا الَّذِي ?. قال ابن عباس: (ما بين أيديهم) أمر الآخرة، و (ما خلفهم) أمر الدنيا. والذي يظهر أن هذا كناية عن إحاطة علمه تعالى بسائر المخلوقات من جميع الجهات. وكنى بهاتين الجهتين عن سائر الجهات لأحوال المعلومات، والإحاطة تقتضي الحفوف بالشيء من جميع جهاته " ().
فقد أبان هنا عن المعنى الذي من أجله جاء التعبير (بين أيديهم) وهو إفادة الإحاطة الزمنية لا المكانية، ولو عبّر بالظرف (أمام) لالتبس الأمر هنا بالمكان لا الزمان. كذلك لو عبّر بالظرف (أمامهم) لتطرق الذهن إلى تشخيص الجهات مما لم يذكر هنا، وهذا بالطبع محال في علم الله، إذ علمه محيط شامل.
(يُتْبَعُ)
(/)
هكذا نرى في عدول النص القرآني عن نظائر المفردة تلويناً دلالياً أكثر شمولاً واتساعاً من الحصر في نطاق دلالة معينة، لأن مناط التوظيف هنا هو الاتساق مع السياق.
هذا وقد لمسنا في القرآن الكريم بعض المواضع التي عدل فيها عن نظائر المفردة إلى مفردة بعينها يجملها الجدول التالي:
م السورة رقم الآية الآية النظائر
1 - البقرة 61 الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ أعلى- أفضل
2 - **** 66 نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا أمامها
3 - **** 88 وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ محجوبة - مستورة - ممنوعة
4 - **** 97 مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ قبله - أمامه
5 - **** 184 وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ يستطيعونه - يتحملونه
6 - **** 220 وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ أتعبكم- شدّد عليكم
7 - **** 255 يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ أمامهم
8 - النساء 2 إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً ظلما- جورا -حيفا - إجحافا
9 - **** 3 فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء تيسّر
10 - **** 3 ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ تظلموا - تجوروا
11 - **** 4 وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً هبة - فريضة - عطية
12 - **** 100 يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً مُهَاجرا
13 - المائدة 12 وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ عظّمتموهم
14 - **** 14 فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء هيّجنا - أجرينا
15 - الأنعام 70 وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ تُحْبس- تُمنَع - تُرهَن
16 - النور 50 يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ يجور- يظلم
17 - لقمان 32 وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ غدّار
18 - سبا 52 وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ التأخير
19 - الصافات 14 وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ يسخرون
20 - الشورى 34 أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ يهلكهن
21 - الزخرف 55 فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ أغضبونا
22 - الأحقاف 22 قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا لتصرفنا
23 - محمد 35 وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ يظلمكم
24 - الحجرات 14 لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً ينقصكم
25 - الحشر 5 مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً نخلة
26 - القلم 25 وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ حقد - غضب
جدول رقم (8)
وذكرنا لهذه المواضع التي تم فيها العدول عن نظائر المفردة إلى التعبير بها هو من باب التدليل على فرادة التوظيف في النص القرآني، وليس ذلك طلباً للغريب من الألفاظ فيه، إذ لهذا مواضعه من كتب الغريب، وإنما الأمر فقط على تحري جمالية التوظيف لمثل هذه الأساليب العدولية في سياقاته الكريمة.
ب: العدول عن الملائم إلى المجاور:
يلجأ النص القرآني في توظيفه للمفردة إلى إيراد بعض الألفاظ المجاورة لها في المعنى بعيداً عن الترادف، وهذا التجاور في حقيقة أمره عدول سياقي عن ألفاظ أكثر مناسبة - في غير القرآن - لهذه المفردة من هذا المجاور الدلالي. فعلى سبيل المثال نلمس في الآيات التالية:
1 - قوله تعالى: ? اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ? (). عدول عن اللفظ الملائم للفعل (كفروا) وهو لفظ (الكافرين) إلى مجاور دلالي هو لفظ (الفاسقين).
2 - قوله تعالى: ? وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ? ()، عدول عن اللفظ الملائم للفعل (كفروا) وهو لفظ (كافرين) إلى مجاور دلالي هو لفظ (فاسقين).
(يُتْبَعُ)
(/)
3 - قوله تعالى: ? بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ? ()، عدول عن الملائم للفعل (كذب) وهو (الكاذبين) إلى مجاور دلالي هو لفظ (الظالمين).
4 - قوله تعالى: ? وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ? ()، عدول عن اللفظ الملائم للفعل (توكلوا) وهو لفظ (متوكلين) إلى مجاور دلالي هو لفظ (مسلمين).
5 - قوله تعالى: ? مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ? ()، عدول عن اللفظ الملائم للفعل (يضلل) وهو لفظ (الضالون) إلى مجاور دلالي هو لفظ (الخاسرون).
6 - قوله تعالى: ? إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ? ()، عدول عن اللفظ الملائم للفعل (يتوكل) وهو لفظ (المتوكلون) إلى مجاور دلالي هو لفظ (المؤمنون).
وهذه الألوان من العدول عن الملائم إلى المجاور الدلالي تجمل شحنات سياقية ونصية فريدة. فمثلاً ما نلمسه في قوله تعالى في سورة (إبراهيم: 11): ? إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ?. تم العدول عن كلمة (المتوكلون) كفاصلة للآية، وملائمة في الوقت نفسه للفعل (يتوكل) قبلها، إلى التعبير بكلمة مجاورة في الدلالة هي كلمة (المؤمنون)، فلم تم هذا العدول؟
نلاحظ أن هذا العدول تم في إطار الحفاظ على النسق الإيقاعي للفاصلة، وتجنب تكرارها مرة أخرى، إذ أن الفاصلة في الآية التالية لهذه الآية مبنية على كلمة (المتوكلون) في قوله تعالى: ? وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ? ()، فعدل إلى لفظة أعمّ تحمل في دلالاتها صفة التوكل، وهي كلمة (المؤمنون)، فأفاد بذلك الحفاظ على نسق الفواصل بعدم تكرارها، والتعبير بالأعم الذي يضم الأخص في جنباته.
أما بخصوص السياق في كل آية، فالمعنى في الآية الأولى يدور على دلالة المناجاة والجدل من جانب أنبياء الله لأقوامهم، وكيف أن هذه النبوة ليست اجتهاداً من عند أنفسهم، بل هي منة من الله عليهم، وليس في مقدور أي نبي أن يعدكم بأي سلطان أو ملك إلا بإذن الله. ولذا فإن الموعود بهذه النعم والخيرات إنما هو من اتبع هذا السبيل فآمن، وتوكل على الله، فعندئذ يكون له من الله كل الخير والثواب، ولن يحظ بهذا كله إلا المؤمنون المتوكلون على الله.
والسياق في الآية الثانية على تفصيل معنى التوكل على الله وتفويض الأمر إليه من جانب هؤلاء المرسلين، فهو الذي هداهم لهذا الطريق، واصطفاهم للنبوة، فحري بهم الصبر على كل الأذى من جانب هؤلاء الكفار، والاستمرار في الدعوة إلى سبيل الله مهما كانت الصعوبات والعراقيل، ثقة به وفي الله، لأن من توكل عليه أفلح ونجا.
فالآية الأولى تدور على توكيد معنى الإيمان أولاً، فناسب ذلك أن تكون فاصلتها معقودة بكلمة (المؤمنون)، أما الآية الثانية فالمعنى فيها على توكيد معنى التوكل، فناسب ذلك ذكر الفاصلة مبنية على كلمة (المتوكلون)، رعاية لسياق المعنى في كل آية. يقول الأنصاري: " قوله: ? وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ? قال ذلك هنا، وقال بعد ذلك: ? وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ? لأن الإيمان سابق على التوكل " ().
وهذا يتسق مع ما ذكرناه هنا في سياق التحليل.
(يُتْبَعُ)
(/)
* ومن ذلك قوله تعالى: ? مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ? ()، إذ تم العدول عن اللفظ الملائم للفعل (يضلل) وهو لفظ (الضالون) إلى مجاور دلالي هو لفظ (الخاسرون). يقول الزمخشري: " ? فَهُوَ الْمُهْتَدِي ? حمْل على اللفظ، و ? فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ? حمْل على المعنى " ().
فهذا حُمِلَ على اللفظ إذ قال (يهدي) فجاء اللفظ مناسباً لمعنى الفعل أي (المهتَدي). أما اللفظ الآخر فجاء مناسباً للمعنى لا اللفظ لما قال (يضلل)، فناسبه بالمجاور المعنوي للضلال وهي كلمة (الخاسرون).
أما البيضاوي فينظر من زاوية التعبير بالمفرد في جانب الهداية، والتعبير بالجمع في جانب الضلال، وذلك مناسبة لسياقات سابقة في السورة. يقول: " هذا تصريح بأن الهدى والضلال من الله، وأن هداية الله تختص ببعض دون بعض، وأنها مستلزمة للاهتداء والإفراد في الأول، والجمع في الثاني باعتبار اللفظ، والمعنى على أن المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم بخلاف الضالين. والاقتصار عمن هاده الله (بالمهتدي) تعظيم لشأن الاهتداء، وتنبيه على أنه في نفسه كمال جسيم، ونفع عظيم، لو لم يحصل له غيره لكفاه، وأنه المستلزم للفوز بالنعم الآجلة والعنوان لها " ().
فقد جعل هنا أهل الهداية فرداً واحداً لاتحاد طريقهم الإيماني، لأن صراط الله المستقيم واحد، فناسب ذلك الإفراد في جانب الهداية، وناسب بالجمع في جانب الإضلال والخسران لأنه متشعب الطرق، مختلف السبل. يقول أبو حيان: " ناسب الإفراد هناك لأن المهتدي قليل، وناسب الجمع في الثانية لأن الضالين كثير " ().
غير أن هؤلاء الأعلام عبروا بالكناية فقد عن سبب العدول عن لفظة (الضالون) إلى لفظة (الخاسرون)، فدار حديثهم عن الثواب العظيم لأهل الهداية، وما ينتظرهم من ثواب ونعيم مقيم، فيهم هنا على سبيل التضمين والكناية ما ينتظر الفئة الضالة من عقاب وعذاب أليم. وباستقراء الأمر نجد أن المولى - عز وجل – يجعل التعبير في الآية بلفظ (الخاسرون) وتوكيده بالضمير (هم) بعد اسم الإشارة (أولئك)، كل ذلك يتم في سياق التعبير بالمآل لا الوصف للحال. فلو كان المراد الوصف للحال لجاء اللفظ مناسباً للفعل (يضلل) فقال (هم الضالون)، لكن السياق المقامي يقتضي تبيان المآل والعاقبة، فلذا جاء توظيف لفظ (الخاسرون) مناسباً لسياق التعبير بالفعل (يضلل) مسنداً إلى لفظ الجلالة (الله)، غذ كيف يستقيم أن يضل الله أحداً فيكون (ضالاً) فقط، ثم يقبل المنطق العقلي (تخيّلاً) أنه قد يهتدي فيما بعد. لكن الأمر عندما يكون من الله فلا هداية مطلقاً فقد أضله الله فخسر وخسر، ولذا عبر بالاسم الثابت الدلالة (الخاسرون)، فالأمر هنا على ثبوت الحكم قطعياً لا ظنياً.
وهكذا فإن العدول عن الملائم هنا إلى المجاور كان أكثر مناسبة للمعنى، وأكثر إثراءً للسياق النصي، وأكثر تعضيداً للجمالية الدلالية المبنية على التوازي والتوازن معاً.
ج – العدول عن الاسمية إلى الفعلية والعكس:
يوظف القرآن بنية الكلمة في حالات الاسمية والفعلية بما يخدم سياق الآيات، ويحفظ رونق التعبير. إذ من المعلوم أن التعبير بالفعل يدل على التجدد والاستمرار، في حين أن التعبير بالاسم يقتضي التأكيد على معنى الثبات والدوام. يقول الإمام عبد القاهر: " إن موضوع الاسم على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أ يقتضي تجدده شيئاً بعد شيء. وأما الفعل فموضوعه على أن يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئاً بعد شيء " ().
وعلى هذا التأسيس البلاغي يكون طرح الأمثلة القرآنية التي وظفها النص القرآني في سياق عدول يتراوح توظيفياً بين الاسمية والفعلية لبعض الكلمات.
* فمن ذلك قوله تعالى: ? إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ? (). فقد وظف في الآية الفعل (يُخْرِج) مع حالة الخلق، ووظف الاسم بصيغة اسم الفاعل (مُخْرِج) مع الإفناء. فلم هذا العدول التوظيفي لبنية لغوية واحدة تعود إلى مادة (خرج)، تنوعت هنا بين الاسمية والفعلية؟
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول د. فاضل السامرائي: " استعمل الفعل مع الحي فقال (يُخْرِج)، واستعمل الاسم مع الميّت فقال (مُخْرِج)، وذلك لأن أبرز صفات الحيّ الحركة والتجدد، فجاء معه بالصيغة الفعلية الدالة على الحركة والتجدد. ولأن الميّت في حالة همود وسكون وثبات جاء معه الصيغة الاسمية الدالة على الثبات " ().
فاقتضاء التوازي الإيقاعي في الآية يوجب أن يكون شكل الجمل - في غير القرآن - كما يلي:
يُخْرِجُ الحيّ من الميّت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يُخْرِجُ الميّت من الحيّ
فكُسِرَ هذا النسق التعبيري إرادة للدلالات المبتغاة من التعبير بالفعل في حالة الإيجاد الحياتي لاستلزام ذلك الحركة، وتجدد الفعل والحدث دلالة على قدرة الخالق. واستلزم التعبير بالاسم من الصيغة ذاتها حين وصف عملية الإفناء، للتأكيد على ثبوت هذا المعنى في حقه سبحانه وتعالى وحده.
غير أننا نجد في القرآن الكريم ما يستوي فيه الطرفان في التعبير بالفعلية مثلما نجد في:
* قوله تعالى: ? تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب ? ().
* وقوله تعالى: ? قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ? ().
* وقوله تعالى: ? يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ? ().
فلمَ عدل في هذه الآيات عن التعبير بالاسمية، واعتمد التعبير بالفعلية في صيغة الفعل (خَرَجَ) في الطرفين بخلاف آية سورة الأنعام؟ والإجابة عن هذا العدول نجد ظلالها عن الإمام الأنصاري إذ يقول: " قوله ? يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ? () قال ذلك هنا، وقال في آل عمران ويونس والروم ? وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ? بالفعل لأن ما هنا وقع بعد اسم فاعل وهو (فالق). وقيل اسمي فاعل هما (فالق) و (جاعل)، فناسب ذكر (مُخْرِج) لكونه اسم فاعل، وخُصّ بالاسم لتكرار الاسمين بعده، وخص (يُخْرِج الحيّ) قبله بالفعل إذ لم يتقدمه إلا اسم واحد. وما في بقية السور لم يقع قبله إلا أفعال فناسب ذكره بالفعل " ().
فما ورد في سورة آل عمران من التعبير بالاسم (مُخْرِج) لأنه وقع بين اسمي فاعل هما (فالق الحبَّ) و (فالق الإصباح)، واسم الفاعل يشبه الاسم من وجهٍ؛ فيدخله الألف واللام والتنوين والجار. ويشبه الفعل من وجهٍ، فيعمل عمل الفعل، ولهذا جاز العطف عليه بالاسم، وجاز العطف عليه بالفعل. وعلى ضوء قاعدة العمل بالشبيهين بالنسبة لاسم الفاعل، ناسب بذكر الاسم ما قبله من أسماء، وناسب بذكر الفعل ما قبله وبعده من أفعال ().
وهكذا يكون تفسير هذا العدول الجمالي من الفعلية إلى الاسمية، في سياق الآيات القرآنية متصلاً بالسياقات القبلية والبعدية لهذه الآيات.
* ومنه قوله تعالى: ? وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ? (). فعدل عن التعبير بالفعلية في جانب المصطفى ? إلى التعبير بالاسم بقوله (تابع) بدلاً من بالفعل (تبعت)، فلمَ تمّ هذا العدول؟
(يُتْبَعُ)
(/)
بدايةً: المعنى في الآية القرآنية يدور حول فكرة تسلية الرسول ? عن عدم متابعة أهل الكتاب له، وعدم الإيمان به، والإخبار ببراءته عليه ? من اتباع قبلة هؤلاء اليهود (). وعلى هذا المعنى يمكننا التأسيس والتفسير لهذا العدول. فالمعنى على إرادة التجدد لحدوث الفعل في جانب اليهود بأنهم لم يتّبعوا ولن يتّبعوا الرسول ? في هذا الوقت، لكن إرادة التجدد يمكن أن تشمل هؤلاء اليهود فيؤمنوا فيما بعد. فالأمر هنا مستفاد من التعبير بالفعلية في جانب اليهود، وإمكانية تغيّر هذا الموقف فيما بعد.
أما التعبير بالاسمية بكلمة (تابع) اسم الفاعل في جانب الرسول ?، فالدلالة فيه على الثبات في الاستمرارية لهذه الصفة، فهي لن تتغير لاستحالة أن يُغَيِّر المصطفى ? دينه، ويتبع دين اليهود، فهذا مما لا سبيل إليه على الإطلاق. فناسب التعبير بالاسمية هنا في هذا الموقف، وجاء العدول ملائماً للسياق النصي لهذه الآية.
* والقرآن الكريم يوظف الصيغ الاسمية في سياقات قرآنية متعددة رغم دلالتها على حدث لم يحدث بعد، يعني أنه متجدد ومستمر في الحدوث، وهذا أيضاً من العدول التوظيفي إذ يجعل الأمر الذي لم يحدث بعد بمنزلة الحادث فعلاً، والمستقر الثابت في حدوثه. فمن ذلك قوله تعالى: ? وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ? (). فالأمر في الآية أنه لم يجعل هذا الخليفة وقت هذا الكلام، فكيف يُعَبِّر بالاسم (جاعل) للدلالة على سياق حدث متجدد حتى حدوثه؟ وهذا يتم لأن الأمر على صفة الحدوث المؤكَّد، لذا ورد بصيغة اسم الفاعل (جاعِل) دون الفعل (سأَجْعَل)، فالأمر حادث لا محالة، فكأنه تمّ واستقر وثَبَت.
ويندرج في الإطار ذاته قوله تعالى: ? وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ? (). إذ عَدَلَ عن التعبير بصيغة الفعل (سيغرقون) إلى التعبير بصيغة اسم المفعول (مُغْرَقون) في وصف حدث لم يحدث بعد، لكنه صادر عن الله سبحانه وتعالى، فكأنه تمّ واستقر.
وكذلك قوله تعالى: ? وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ? (). إذ عَدَلَ عن التعبير بصيغة الفعل (سنهلك) إلى التعبير بصيغة اسم الفاعل للجمع (مهلِكُو) في وصف حدث لم يحدث بعد، لكنه معنى ثبوت الحدث، فكأنه تمّ واستقر وانتهى.
وهذا التوظيف العدولي للصيغ يُعَدّ من تفردات النص القرآني في توظيف الكلمة القرآنية في إطارات وتشكيلات لغوية فريدة، وما نتج عنها من جماليات إذا ما وظفت في السياق القرآني.
* أما العدول عن الاسمية إلى الفعلية فقد تلمسناه في النص القرآني في قوله تعالى: ? وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ? (). فقد عدل عن التعبير بصيغة الاسم (مأكلهم) إلى الصيغة الفعلية (يَأْكُلون)، وهذا العدول على معنى التجدد والاستمرار في الحدث وهو (الأكل)، وذلك أن هذه الأنعام خُلِقَت أولاً من أجل مهمة محددة وهي (توفير الراحلة)، ثم تأتي مهمة كونها طعاماً وزاداً لهم ثانية لا أولى ().
ولذا فإنه لمّا عبّر بالاسم (رَكُوب) إنما أراد ثبات هذه الصفة ودوامها / فالأنعام خُلِقَت من أجل هذا الغرض أولاً، ولذا فإن الأمر يقتضي هنا التأكيد على ثبات واستقرار هذه الصفة. أما التعبير بالفعل في (يأكلون) إفادة للتجدد والاستمرار في هذا الفعل، ولو عبَّر بالاسمية فيه فقال - في غير القرآن – (مأكلهم) لاستلزم ذلك أن الأنعام جميعها بلا استثناء أهل للمأكَل، وهذا مما تنقضه العادة، ويكذبه الواقع. ولذا فإن جمالية التعبير بالفعلية هنا ملمَح ذكي في هذا الانتقاء للمفردة، وتأكيد فنية الاختيار والانتقاء لما ي} كَل من هذه الأنعام.
(يُتْبَعُ)
(/)
* ومن هذا أيضاً قوله تعالى: ? أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ? (). فقد تمّ العدول عن التعبير بالاسمية إلى الفعلية في كلمة (يَحِلُّون). وهذا العدول الذي تم كان سياق - في غير القرآن - (لا هنّ حلُ لهم ولا هم حلُّ لهنّ، فلمَ تم هذا العدول؟
فالآية تدور على معنى دلالي واحد وهو الحديث عن المؤمنات من أهل مكة اللائي هاجرن دون أزواجهنّ الكفرة، وكيفية التأكد من صدق إيمانهنّ، والأمر بعدم إرجاعهنّ لأزواجهنّ الكفار. يقول الزمخشري: " فلا تردوهنّ إلى أزواجهنّ المشركين، لأنه لا حلّ بين المؤمنة والمشرك " ().
فالتعبير هنا منقسم قسمين هما:
الأول: (لا هنّ حلّ لهم)، أي أن هؤلاء المؤمنات أصبحن في حرمة على أزواجهنّ المشركين، لأنه لا يجوز لمؤمنة أن تكون زوجة لمشرك بعد إسلامها. فعبّرَ بالصيغة الاسمية (حلّ) تأكيداً على هذا المعنى، وتثبيتاً لهذه الصفة التي لا يمكن أن يُغَيِّرها أي شيء لأنها من أحكام الإسلام.
والقسم الثاني: (لا هم يحلون لهنّ) أي أن هؤلاء المشركين انتفت عنهم صفة الزوجية من هؤلاء المسلمات بإسلامهنّ. ولكن الرحمة الإلهية عَدَلَت عن التعبير بالاسمية في كلمة (حل) إلى التعبير بالفعلية لإمكانية أن يُدرِك هؤلاء المشركون الإسلام فيعودون إلى أزواجهم مرة أخرى. فأفاد التعبير بالفعلية هنا على معنى الرحمة في التشريع، وفتح الباب أما هؤلاء لتجديد الفعل بالإسلام، واسترجاع الحلّة مرة أخرى. ولو عبّر بالصيغة الاسمية لامتنعت عودة هؤلاء الأزواج إلى نسائهم المؤمنات، وذلك بإفادة التعبير بالاسم معنى الثبات والاستقرار، وهذا ما لم يتم.
هكذا يكون النسق التعبيري في القرآن الكريم حين يتعامل مع العدول بين صيغ الكلمة في اسميتها وفعليتها رعاية لمقاصد جمالية، ومرادات سياقية في هذه الآيات.
د – العدول عن توظيف المفردة إلى توظيف التركيب والعكس:
من فرائد التعبير في النص القرآني في إطار السياق العدولي، تبني القرآن الكريم لفنية العدول عن التعبير بالكلمة المفردة إلى التعبير بالتركيب، وعن التعبير بالتركيب إلى التعبير بالكلمة المفردة، وذلك في إطار تبادلي فريد.
* فمن ذلك قوله تعالى: ? اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ? (). فالتوازن الإيقاعي كان يستلزم أن يكون التعبير - في غير القرآن -: (جعل لكم الليل لتسكنوا والنهار لتبصروا فيه). لكن تم العدول عن التعبير بالتركيب (لتبصروا فيه) إلى التعبير بكلمة مفردة هي (مبصراً)، فلمَ تمّ هذا العدول التعبيري مع أن الاستعمال الحقيقي والواقعي للغة يقتضي أن النهار مما يُبْصَرُ فيه وليس مما يُبْصِر؟
والأمر في الآية الكريمة على نهج الجمع بين الحقيقة والمجاز في حيّز دلالي واحد، ولو جعلهما بصورة تعبيرية واحدة أي بصيغة (التركيب) لفاتت المزية الفنية. فلو عبّر بالاسمية في جانب الليل تحقيقاً لمبدأ توازي الجمل إيقاعياً فقال - في غير القرآن -: (هو الذي جعل الليل ساكناً) لانتفت الدلالة على نعمة الله على الخلق من ناحية، ولأصبح موقع (لكم) على الزيادة، كما أن المجازية هنا تنتفي لأن الليل يصح أن يُوصَف بالسكون فنقول: (ليل ساكن). فالعدول إلى الصيغة الاسمية في جانب الليل - لو تمّ – لما كلن له أي فائدة دلالية أو قيمة فنية جمالية، أو تذكير العباد بما أنعم الله عليهم بأن جعل لهم الليل ليسكنوا فيه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتحقيقاً للفنية الدلالية أيضاً عدل في جانب النهار عن التعبير بالتركيب الجملي (لتبصروا فيه) إلى التعبير بالكلمة المفردة (مُبْصِراً)، فجمع بين الحقيقة والمجاز، ذلك أن النهار لا يُبْصِر هو، بل يُبْصَر فيه ز فدلّ على المقصد الأهم وهو الدلالة على نعمة الله على عباده. كما أنه حقق الجمالية الفنية في التعبير بالجمع بين الحقيقة والمجاز. ولم تم إعمال مبدأ توازن الجمل وتوازنها لاختل هذا النظم الفريد، إذ كيف يكون شكل التعبير لو قلنا - في غير القرآن: (الليل لتسكنوا فيه والنهار لتبصروا فيه)، أو قلنا: (الليل ساكناً والنهار مبصراً)، فلو تم هذا العدول لفاتت الدلالة على النعمة، ولانتفى القصد الجمالي بتوظيف المجاز في الآية ().
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ? (). فقد عدل في الآية عن التعبير بالمفردة (يهديه) إلى التعبير بالتركيب الجملي (يجعله على صراط مستقيم)، فكيف يفسَّر هذا العدول؟
المعنى في الآية الكريمة يدور على ذمّ أهل الجهل المعاندين لدعوة الهداية، والمكذبين للرسالة، وكيف أن الله وحده بيده مقاليد الأمور في الهداية والإضلال (). يقول أبو السعود (ت 951 هـ): " (مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ) تحقيق للحق، وتقرير لما سبق ممن حالهم ببيان أنهم من أهل الطبع لا يتأتى منهم الإيمان أصلاً. فمن مبتدأ خبره ما بدعه، ومفعول المشيئة محذوف على القاعدة المستمرة من وقوعها شرطاً، وكونها مفعول مضمن الجزاء، وانتفاء الغرابة في تعلقها به، أي: من يشأ الله إضلاله، أي يخلق فيه الضلال ... وقس عليه قوله تعالى: (وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، لا يضلّ من ذهب إليه، ولا يزل من ثبت قدمه عليه " ().
والتوازي الإيقاعي الحادث في الآية بين فعلي الله ? في جانبي الهداية والإضلال يمكن تمثيله بالشكل التالي:
هداية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خسران
يجعله على صراط مستقيم ++++++++ ----------------- يضلله
فالفاعل واحد هو ?، لكن موضوع الفعل متنوع:
قالفعل الأول (يُضْلِله): من يشأ الله يُضْلله.
والفعل الثاني (يهديه): من يشأ الله يجعله على صراط مستقيم.
والمعنى على تقدير فعل قبل فعل الجزاء، فيصير شكل الجملتين - في غير القرآن – كما يلي:
- من يشأ الله أن يُضلّه (يُضلله) ــــــــــــــــــــــــــــــــــ نتيجة فورية (آنية).
- من يشأ الله أن يهديه (يجعله على صراط مستقيم) ــــــــــــــــــــــــــــــــــ (بيان الطرق).
فالجملة الأولى تضمنت التعبير بكلمة فعلية هي (يضلله) على معنى تجدد الفعل والحدث، لا على الحكم القطعي. والجملة الثانية عدلت إلى اصطفاء التركيب (يجعله على صراط مستقيم) لمناظرة ما قبلها في الحكم، ذلك لأن الهداية أمر نهائي لا بد من سلوك الطريق إليها، ولذا بين المولى ? هذا الطريق لمن أراد هدايته بأن يهديه فيجعله على صراط مستقيم. ولعل لنا من قوله تعالى: ? اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ? () شاهد ودليل على هذا المعنى. يقول السمرقندي (ت 396 هـ): " (من يشأ الله يُضْلله) يعني يخذله فيموت على الكفر، (و من يشأ الله يجعله على صراط مستقيم) يعني يستنقذه من الكفر فيرفقه للإسلام " (). وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من تحليل للعدول في الآية.
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ? (). فقد عدل عن التعبير بالتركيب الجملي المحقق لبنية التوازن الإيقاعي في الآية وهو (الذين كذبوا) إلى التعبير بكلمة مفردة دالة على معنى هذا التركيب وهي (الكاذبين). فما دلالة هذا العدول؟
(يُتْبَعُ)
(/)
والمعنى في الآية الكريمة على معاتبة الرسول? في إذنه لهؤلاء المرتابين في إيمانهم لمّا أرادوا التخلف عن الجهاد في سبيل الله. يقول ابن كثير: " قال مجاهد: نزلت هذه الآية في أناس قالوا: استأذنوا رسول الله ? فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا. ولهذا قال تعالى: ?حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ ? أي: في إبداء الأعذار " ().
ومن جميل التأويل ما لمحه أبو السعود في الآية بقوله: " وتغيير الأسلوب بأن عبّر عن الفريق الأول بالموصول الذي صلته فعل دال على الحدوث، وعن الفريق الثاني باسم الفاعل المفيد للدوام، للإيذان بأن ما ظهر من الأولين صدق حادث في أمر خاص غير مصحح لنظمهم في سلك الصادقين، وأن ما صدر من الآخرين وإن كان كذباً حادثاً بأمر خاص، لكنه أمر جار على عادتهم المستمرة، ناشئ عن رسوخهم في الكذب " ().
وهذا التحليل الدقيق للإمام أبي السعود يصيب الهدف ويربو على ذلك، فقد لمح في التعبير بالصيغة الفعلية (صدقوا) تجدداً حادثاً لهذا الفعل، وإن كان هذا الصدق منظور إليه بحذر. وهذا واضح من سياق الآية؛ إذ عبّر قبل هذا الفعل بفعل آخر اشد في التحري هو (يتَبَيَّن)، وليس التبيّن هنا هو صدق العذر أو كذبه، بل مدار الأمر على تبيّن مدلول الخبر عموماً لا الخبر ذاته.
أما التعبير بالكلمة المفردة (الكاذبين) بعد العدول عن التعبير بالتركيب الجملي (الذين كذبوا)، فقد ورد في سياق الذين كذبوا في أعذارهم، فذلك من باب التأكيد على هذه الصفة الثابتة فيهم الملازمة لهم؛ وهي صفة الكذب. فجاء بالكلمة المفردة (اسم الفاعل للجمع) تأكيداً على هذه الصفة الخبيثة، ولذا جاء بالفعل (تعلم) أي: المعرفة اليقينية بهذه الفئة، بخلاف الفرقة الأولى إذ قال في جانبها (يتبيّن)، حفاظاً على هذه الدلالة.
هـ - العدول في توظيف الصيغ الاشتقاقية:
من أشكال التوظيف القرآني لألوان العدول ما نلمسه في توظيف الصيغ الاشتقاقية كاسم الفاعل واسم المفعول وصيغة المبالغة وغيرها، من تنوع هذا التوظيف، وتعدد استعمالاته. فقد يستعمل النص القرآني صيغة اشتقاقية في مكان ما تمكن في مكانها، ثم يعدل عنها في موضع آخر بتوظيف صيغة أخرى، وذلك مراعاة لمقتضيات السياق.
* فمن ذلك قوله تعالى: ? إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ? ()، فقد تم العدول في هذه الآية عن صيغة اسم الفاعل في كلمة (كافورا) إلى توظيف صيغة المبالغة تحقيقاً للمبالغة ذاتها في جنب الجحود والنكران من جانب الإنسان. وهذا العدول يحقق غايتين هما:
الأولى: الحفاظ على التوازن الإيقاعي بين فواصل الآيات في السورة، إذ قبل هذه الآية وبعدها فواصل مبنية على روي (الراء) المتلوَّة بألف الإطلاق، والمردفة بالمدّ الواوي أو اليائي مثل (مذكورا، و بصيرا، وسعيرا). ولم تم العدول عن صيغة المبالغة إلى توظيف صيغة اسم الفاعل لافتقِد الردف الذي تتوازن به فاصلة الآية مع قريناتها في السياق ().
والثانية: معنى المبالغة المتولد من توظيف صيغة المبالغة. إذ تُبْرِز الآية معنى إقبال الإنسان على الكفر والنكران بكثرة، وقلة الإقبال على الشكر والامتنان. يقول أبو السعود: " إيراد الكفور لمراعاة الفواصل، والإشعار بأن الإنسان قلّما يخلو من كفران، وإنما المؤاخذ عليه الكفر المفرط " ().
إذن تم العدول هنا رعاية للفاصلة، وحفاظاً على دلالة المبالغة الموصوف بها الإنسان في جانب كفرانه لنعم الله، وعدم شكره على هذه النعم.
* ومن ذلك قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ? (). فقد تم العدول هنا عن توظيف صيغة اسم الفاعل (مُنْذِراً) إلى توظيف صيغة المبالغة (نذيراً)، فلمَتمّ هذا العدول في الآية الكريمة مع أن السياق النصي في الآية يعتمد التعبير باسم الفاعل في سياق الآية كلها مثل (شاهداً، ومبشِّراً)، وكذلك في سياق الآية التالية (داعياً)، فلم تم هذا العدول؟
(يُتْبَعُ)
(/)
والآية الكريمة واردة في سياق مدح النبي ? بهذه الأوصاف من ربه ?، وذلك تسلية للنبي ? وتسرية له عما أصابه من عنت المعاندين، وجحود الكافرين. والبلاغيون يعرضون لهذه الآية في سياق الحديث عن النظم وأثره الجمالي في الكلام، ويدرجونها تحت باب (تنسيق الصفات) ()، وكذلك في باب (المدح والذمّ) () بلا إشارة إلى ما تم من عدول بين الصيغ هنا.
ونلاحظ أن هذا العدول تم في إطار الحفاظ على جانبين هما:
الأول: الإيقاع الصوتي المتمثِّل في ورود الفاصلة القرآنية متسقة مع سياقات الآيات بعدها من حيث البناء على روي (الراء) المتلوَّة بألف الإطلاق، المتلوة بالمد اليائي مثل (منيراً، و كبيراً).
والثاني: إرادة المبالغة في هذه الصفة وهي (الإنذار)، غذ لو عبّر بصيغة اسم الفاعل (مُنْذِراً) لما شعرنا بأهمية التأكيد على هذا الإنذار، ذلك أن جانب الإنذار في الدعوة أهم من البشارة التي تأتي دوماً لاحقة في المرتبة الدعوية.
ونلمح في سياق القرآن الكريم أن مادة البشارة إذا وردت على صيغة اسم الفاعل أو صيغة المبالغة تكون سابقة على مادة الإنذار دوماً، وهذا ممثل في النص القرآني في (14 أربعة عشر موضعاً) () ما عدا موضعين تقدمت فيهما مادة (الإنذار) هما: قوله تعالى: ? قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ? (). وقوله تعالى: ? أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ? (). وهما في سياق الخطاب المباشر الذي يقتضي تقديم (الإنذار) للترهيب على (البشارة).
ونلمح أيضاً أن اسم الفاعل من مادة (أَنْذَرَ) لم يرد في حالة الإفراد مقترناً باسم الفاعل (مُبَشِّر) على الإطلاق في السياق القرآني، وإذا ما اقترنا فإن ذلك يكون فقط في حالة جمع الصيغتين مثلما نجد في قوله تعالى: ? كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ? ()، وقوله تعالى: ? وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ? ().
وإذا وظف اسم الفاعل من (أَنْذَرَ) في صورة المفرد فإنه لا يقترن باسم الفاعل أو صيغة المبالغة من مادة (بَشَّر)، بل يوظف منفردا مثلما نجد في قوله تعالى: ? إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ? ().
وعلى هذا النهج يمكننا فهم العدول الذي تم في سياقات آية سورة الأحزاب من حيث عدم التعبير بصيغة اسم الفاعل، واختيار صيغة المبالغة لما سبق تقريره من دلالات.
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ? (). فقد تم العدول في هذه الآية عن التعبير بصيغة اسم الفاعل (مُرْتَقِب) إلى التعبير بصيغة المبالغة (رقيب)، وتفسير ذلك العدول كما يلي:
والآية تدور على معنى الحوار الذي تم بين نبي الله شعيب ? وقومه من المعاندين له، وكيف أن الله ? سينصره في نهاية الأمر، فاعملوا ما أنتم عاملون، فالنهاية قريبة، وكلنا سيرى تلك النهاية ويرقبها ().
لكن ما تفسير العدول هنا؟ إن اقتضاء المقام - في غير القرآن – يوجب أن المشتق من الفعل (ارتَقَبَ) هو اسم الفاعل (مُرْتَقِب) وليس صيغة المبالغة (رقيب)، لكن الذي وظف في الآية هو صيغة المبالغة وليس اسم الفاعل. يقول أبو السعود في تفسير هذا العدول الصيغي: " (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) منتظِر، فعيل بمعنى الرَّاقب كالصريم، أو المُرَاقِب كالعشير، أو المُرْتَقِب كالرفيع " ().
فقد فسّر صيغة المبالغة (رقيب) في الآية بأنها على معانٍ هي:
1 - اسم الفاعل من الثلاثي (رَقَبَ) فهو (رَاقِب)، مثل (الصّرِيم) بمعنى (الصَّارِم).
2 - اسم الفاعل من الرباعي (رَاقَبَ) فهو (مُرَاقِب)، مثل (العشير) بمعنى (المُعَاشِر).
3 - اسم الفاعل من الرباعي (ارْتَقَبَ) فهو (مُرْتَقِب)، مثل (الرفيع) بمعنى (المُرْتَفِع).
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا التوجيه الجميل يفيد أن الصيغة هنا على شمول كل تلك الصيغ في معناها الأعم، وليست مقصورة على الدلالة الخاصة للفظ هنا. فالصيغة هنا شملت معنيين هما (الفاعلية الثابتة المستقرة + المبالغة في تلك الفاعلية). أي أن الأمر هنا جدير بالمراقبة والارتقاب لأنه يدور على رؤية عقاب الله لمن عصاه. فقد عبّر باللفظ الدال على كل صيغ الفاعلية من الفعل (رقب) وزياداته، وهذا لون من الإعجاز التوظيفي، إذ يدل باللفظ الواحد على كل معانيه في مختلف أحواله.
هكذا يتم العدول بين الصيغ الاشتقاقية في سياق النص القرآني، بما يراد من وراء هذا العدول من مقاصد جمالية، وتلوينات سياقية هي في مجملها إحدى نواتج التوظيف القرآني لمثل هذه الألوان من العدول.
الهوامش:
1. - ينظر: ابن وهب، البرهان في وجوه البيان، تحقيق: د. حفني شرف، دار نهضة مصر، القاهرة، 1978،103.– الزمخشري، الكشاف،2/ 186. – ابن الأثير، الجامع الكبير، 98. السجلماسي، المنزع البديع، 446. العلوي، الطراز، 2/ 131.
2. - ينظر: د. حسن طبل، أسلوب الالتفات، 11.
3. - ينظر: د. أسامة البحيري، تحولات البنية في البلاغة العربية، دار الحضارة للطباعة، طنطا، 2000، 38.
4. - ابن أبي الإصبع، بديع القرآن، 153.
5. - ابن الأثير، المثل السائر، 2/ 180.
6. - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، 265.
7. - سورة غافر: آية رقم (5).
8. - الباقلاني، إعجاز القرآن، 198.
9. -4 - سورة البقرة: آية رقم (255).
10. - محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، 859 – 860.
11. - الزمخشري، الكشاف، 1/ 301.
12. - أبو حيان، النهر الماد، 1/ 254.
13. - سورة التوبة: آية رقم (80).
14. - سورة التوبة: آية رقم (84).
15. - سورة يونس: آية رقم (39).
16. - سورة يونس: آية رقم (84).
17. - سورة الأعراف: آية رقم (178).
18. - سورة إبراهيم: آية رقم (11).
19. - سورة إبراهيم: آية رقم (12).
20. - الأنصاري، فتح الرحمن، 171. وينظر: - الكرماني، البرهان في توجيه متشابه القرآن، 212.
21. - سورة الأعراف: آية رقم (178).
22. - الزمخشري، الكشاف، 2/ 179.
23. - البيضاوي، أنوار التنزيل، 2/ 344.
24. - أبو حيان، النهر الماد، 1/ 888.
25. - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، 133. وينظر: - الرازي، نهاية الإيجاز، 156.
26. - سورة الأنعام: آية رقم (95).
27. - د. فاضل صالح السامرائي، التعبير القرآني، دار عمار، الأردن، 1998، 23.
28. - سورة آل عمران: آية رقم (27).
29. - سورة يونس: آية رقم (31).
30. - سورة الروم: آية رقم (19).
31. - سورة الأنعام: آية رقم (95).
32. - الأنصاري، فتح الرحمن، 99.
33. - ينظر: الإسكافي، درة التنزيل، 2/ 528. – الكرماني، البرهان، 156. – الرازي، مفاتيح الغيب، 13/ 98.
34. - سورة البقرة: آية رقم (145).
35. - ينظر: الزمخشري، الكشاف، 1/ 203. – ابن جزي، التسهيل، 1/ 110. – أبو حيان، النهر الماد، 1/ 148.
36. - سورة البقرة: آية رقم (30).
37. - سورة هود: آية رقم (37).
38. - سورة العنكبوت: آية رقم (31).
39. - سورة يس: آية رقم (72).
40. - ينظر: الزمخشري، الكشاف، 4/ 28. – البيضاوي، أنوار التنزيل، 4/ 438.
41. - سورة الممتحنة: آية رقم (10).
42. - الزمخشري، الكشاف، 4/ 517. وينظر: أبو حيان، النهر الماد، 3/ 1093.– البيضاوي، أنوار التنزيل، 5/ 298.
43. - سورة غافر: آية رقم (61).
44. - ينظر: الزمخشري، الكشاف، 3/ 58. – البيضاوي، أنوار التنزيل، 5/ 16.
45. - سورة الأنعام: آية رقم (39).
46. - ينظر: ابن كثير، تفسير القرآن، 2/ 133. – البيضاوي، أنوار التنزيل، 2/ 168.
47. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 2/ 35.
48. - سورة الفاتحة: آية رقم (6).
49. - السمرقندي، بحر العلوم، تحقيق: على محمد معوض وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993، 2/ 158.
50. - سورة التوبة: آية رقم (43).
51. - ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/ 362.
52. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 2/ 97.
53. - سورة الإنسان: آية رقم (3).
54. - ينظر: د. محمد الحسناوي، الفاصلة في القرآن، 242.
55. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 7/ 146. – وينظر: البيضاوي، أنوار التنزيل، 5/ 164.
56. - سورة الأحزاب: الآيتان رقم (45، 46).
57. - ينظر: البحراني، مقدمة شرح نهج البلاغة، تحقيق: د. عبد القادر حسين، دار الشروق، القاهرة، 1997، 138.– الوطواط، حدائق السحر، ترجمة: د. إبراهيم أمين، مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة، 1945، 150.– الرازي، نهاية الإيجاز، 291.
58. - ينظر: ابن النقيب، مقدمة تفسير ابن النقيب، 400.
59. - محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، 147.
60. - سورة الأعراف: آية رقم (188).
61. - سورة هود: آية رقم (2).
62. - سورة البقرة: آية رقم (213).
63. - سورة الأنعام: آية رقم (48).
64. - سورة النازعات: آية رقم (45).
65. - سورة هود: آية رقم (93).
66. - ينظر: الزمخشري، الكشاف، 2/ 224. – البيضاوي، أنوار التنزيل، 3/ 40.
67. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 3/ 717.(/)
التلوين الصوتي بالتكرار في القرآن الكريم
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[12 - 07 - 2008, 01:16 ص]ـ
التلوين الصوتي بالحذف في القرآن الكريم
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
الحذف في اللغة سواء كان قياسياً أو سماعياً وسيلة من وسائل التخفيف من الثقل النطقي للفظ داخل البيئة اللغوية. ولذا اشترط أهل اللغة بعض الشروط التي يجب أن تكون حاكمة لبنية الحذف منها ():
1 - ألا يؤدي هذا الحذف إلى التباس لفظ بآخر، بحيث تتشابه الألفاظ مما يؤدي إلى التباس المعاني.
2 - إلا يؤدي الحذف إلى إنتاج صور مرفوضة، أو صور لفظية ثقيلة، كأن يؤدي الحذف مثلاً إلى توالي أربعة متحركات، أو تجاور حرفين ثقيلين، أو تجاور ساكنين. فالحذف إذا أدى إلى هذه الأشكال فهو مرفوض. يقول ابن جني: " العرب إذا حذفت من الكلمة حرفاً، إما لضرورة، أو إيثاراً، فإنها تصور تلك الكلمة بعد الحذف منها تصويراً تقبله أمثلة كلامها، ولا تعافه وتمجّه لخروجه عنها " ().
3 - ألا يؤدي الحذف إلى غموض الدلالة في سياقها.
4 - أن يوجَد دليل على المحذوف، لكي يكون اعتبار وجوده قائماً في المعنى.
ونظراً لأننا نخص الكلمة هنا بالتحليل والدراسة فإننا سوف نعالج فنية الحذف كأحد التلوينات الصوتية في تعانقات سياقاتها مع سياقات الكلمة، وبيان الأثر الجمالي الناشئ عن هذه التعانقات.
أ – حذف الحروف في الكلمة القرآنية:
تلجأ العربية إلى حذف بعض حروف الكلمة قصداً لأغراض دلالية مبعثها الأهمّ التخفيف أو الترخيم وفقاً لمعطيات السياق، ذلك لأن " الحذف في اللفظ وثيق الصلة بالمعنى " (). وحذف الحروف من اللفظ له أسباب منها:
1 - الحذف لكثرة الاستعمال:
وهو من الحقائق المقررة عند المحدثين من علماء اللغة، وذلك لأن كثرة الاستعمال تُبْلِي الألفاظ، وتجعلها عرضة لقصّ أطرافها (). ونلمس ذلك عند الأخفش عند تعليله حذف ألف (اسم) من الخط تخفيفاً لكثرة الاستعمال ().
وكذلك تنبّه الفراء لهذه الظاهرة عند حديثه عن حذف الألف في (بسم الله) تخفيفاً لكثرة الاستعمال (). وتعليله الجميل لحذف (الياء) من كلمة (أم) في قوله تعالى: ? قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ? ()، وهي ياء المتكلم التي تعدّ ضميراً مستقلاً، أي أن حذفها ليس كحذف حرف من بنية الكلمة. يقول: " ذلك لأنه كثر في الكلام، فحذفت العرب منه الياء. ولا يكادون يحذفون الياء إلا من الاسم المنادى يضيفه المنادي إلى نفسه، إلا قولهم: يا ابن عمِّ، ويا ابن أمِّ، وذلك أنه يكثر استعمالها في كلامهم " ().
2 - الحذف كراهة التقاء الساكنين:
تكره العربية توالي الساكنين في مبانيها، ولذا تلجأ إلى التخلص من هذه الكراهة بعدة وسائل منها الحذف. وقد ارتأى المحدثون من علماء اللغة أن الحذف لكراهة التقاء الساكنين اختصت به العربية من بين سائر اللغات مراعاة للتكافؤ والانسجام في بنية الكلمة الواحدة، وفي اتصال الكلمة بغيرها، حتى يجيء الكلام العربي على هيئة مخصوصة، وبنية موسيقية منسجمة ().
فإذا التقى ساكنان في كلمة واحدة أو كلمتين جب التخلص من هذا الالتقاء إما بحذف أو لهما أو تحريكه، فيحذف الأول صوتاً وخطاً إن كان حرف مدّ (والحذف هنا في الحقيقة تقصير للصائت الطويل)، سواء كان الثاني منهما جزء من الكلمة، أو كالجزء منها ().
وقد فطن أبو عبيدة إلى هذه الظاهرة إيماء عندما تعرض لتعليل سبب حذف الألف من كلمة (اسجدوا) في قوله تعالى: ? أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ? () فقال: " وهذه الياء التي قبل الألف في (اسجدوا) تزيدها العرب للتنبيه إذا كانت ألف الأمر فيها من ألفات الوصل نحو قولك: اضرب يا فتى، واسجد، واسلم " (). فحذف الألف هنا مرتهن بزيادة الياء التي هي للتنبيه، ولذا جاز حذف الألف من الكلمة اكتفاءا بالياء. وعلى هذا التوجيه كل من الفراء والأخفش ().
3 - الحذف للوقف:
(يُتْبَعُ)
(/)
عرض سيبويه لقضية الحذف في باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف إذ يقول: " أما الأفعال فلا يُحذَف منها شيء لأنها لا تذهب في الوصل في حال، وذلك: لا أقضي، وهو يقضي ويغزو ويرمي. إلا أنهم قالوا: (لا أدرِ) في الوقف، لأنه كثر في كلامهم " ().
ويرى أبو عبيدة في الحذف للوقف أنه من مناهج العرب في تعاملهم مع الكلمة حين يراد الوقف على آخرها فيحذفون وقفاً. يقول في تعيليه لحذف حرف الياء من كلمة (يسرِ) في قوله تعالى: ? وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ? (): " العرب تحذف هذه الياء في موضع الرفع، ومثل ذلك (لا أدرِ) " ().
ويناقش الأخفش هذه المسألة في تحليله الدقيق لحذف ياء الإضافة بقوله: " فإذا كان شيء من هذا الدعاء حذفت منه الياء نحو: ? يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ? (). ومن العرب من يحذف هذه الياءات في الدعاء وغيره من كل شيء، وذلك قبيح في رؤوس الآي، فإنه يحذف في الوقف. كما تحذف العرب في أشعارها من القوافي " ().
4 - الحذف كراهة توالي الأمثال:
فمن ذلك ما عرضه أبو عبيدة من تحليل دقيق لتوالي حرف (النون) في كلمة (تبَشِّرونِ) في قوله تعالى: ? فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ? () بكسر نون الفعل، وهي قراءة ابن كثير ونافع، وبفتحها على قراءة أبي عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي (). يقول أبو عبيدة: " قوم يكسرون النون، وكان أبو عمرو يفتحها ويقول: إنها إن أضيفت لم تكن إلا بنونين لأنها في موضع رفع، فاحتج مَنْ أضافها بغير أن يُلحِق فيها نوناً أخرى بالحذف؛ حذف أحد الحرفين إذا كانا من لفظ واحد " (). وهذا الحذف الذي تم هنا إنما هو في سياق الحذف لتوالي الأمثال.
وهذا أيضاً ما ذهب إليه الأخفش في تناوله للآية السابقة بقوله: " فأذهب إحدى النونين استثقالاً لاجتماعهما " ().
5 - حذف الياء والواو والاجتزاء عنهما بالحركة المجانسة:
وهذا من عادات العرب في كلامها. و الفراء في تعليقه على قوله تعالى: ? فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ? ()، وتعليله سبب إثبات الياء في كلمة (اخشوني) في الآية، وعدم إثباتها في مواضع أخرى من القرآن الكريم، يقول: " أثبتت فيها الياء ولم تثبت في غيرها، وكل ذلك صواب. وإنما استجازوا حذف الياء لأن كسرة النون تدلّ عليها، وليست تهيب العرب حذف الياء من آخر الكلام إذا كان ما قبلها مكسوراً. من ذلك ? رَبِّي أَكْرَمَنِ ? ()، و ? أَهَانَنِ ? () في سورة الفجر، و قوله ? أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ? (). ومن غير النون ? الْمُنَادِ ? ()، و ? الدَّاعِ ? ()، وهو كثير يُكتفى من الياء بكسرة ما قبلها، ومن الواو بضمة ما قبلها " ().
ويرى بعض الباحثين أن هذه الحروف المحذوفة في مثل قوله تعالى: ? وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ ? ()، حيث حُذِفَت الواو من الفعل (يدع)، إنما تم الحذف فيها لدلالات سياقية مثل الدلالة على سرعة حدوث الفعل، أو سهولته على فاعله، أو شدة قبول المنفعل به في الوجود ().
تلك هي أهم أسباب حدوث الحذف في سياق الكلمة العربية. وعلى هذا التأسيس يمكننا تلمس بعض نماذج الحذف الحرفي في الكلمة القرآنية، ومحاولة تبيان الناتج الدلالي للتلوين الصوتي بالحذف في هذه السياقات القرآنية.
ا – حذف التاء في أول الفعل المضارع:
ويتم ذلك إذا التقت التاء الأولى بتاء أخرى في أوله. وهذا يوجد في ثلاث صيغ هي: (تَفَعَّلَ، و تَفَاعَلَ، و تَفَعْلَلَ). ويعلل الحذف هنا بأنه لتوالي الأمثال (). وفي القرآن الكريم أمثلة كثيرة تدلل على الحذف في هذه الصيغ كما في:
• قوله تعالى: ? فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ? ().
• قوله تعالى: ? فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ? ().
• قوله تعالى: ? تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ? ().
• قوله تعالى: ? وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ? ().
(يُتْبَعُ)
(/)
فقد تم حذف التاء الأولى في الأفعال (تصدّى، وتلهّى، وتنزّل، وتحاضّون). وأصل البناء في هذه الأفعال على الصورة التالية: (تتصدّى، وتتلهّى، وتتنزّل، وتتحاضون). يقول د. رمضان عبد التواب: " فالكثير في العربية الاكتفاء بتاء واحدة، وفي القرآن أمثلة كثيرة لذلك، ففيه مثلاً (تَذَكّرون) سبع عشرة مرة بالحذف، في مقابل (تتذكّرُون) ثلاث مرات بلا حذف " ().
وكلمة (تتَذكَّرُون) مثلاً مكونة من المقاطع التالية:
1 - تَ: مقطع قصير مفتوح من النوع الأول (صامت + حركة قصيرة).
2 - تَ: مقطع قصير مفتوح من النوع الأول (صامت + حركة قصيرة).
3 - ذَكْ: مقطع قصير مغلق من النوع الثالث (صامت + حركة قصيرة + صامت).
4 - كَ: مقطع قصير مفتوح من النوع الأول (صامت + حركة قصيرة).
5 - رو: مقطع قصير مفتوح من النوع الثاني (صامت + حركة طويلة).
6 - نَ: مقطع قصير مفتوح من النوع الأول (صامت + حركة قصيرة).
7 - رونْ: في حالة الوقف، مقطع مغرق في الطول، مغلق من النوع الرابع (صامت+حركة طويلة+صامت).
وحين النطق بهذه الكلمة بحذف التاء يتغيّر عدد مقاطعها من خمسة أو ستة مقاطع إلى أربعة أو خمسة فقط ().
وقد أشار برجشتراسر عند حديثه عن ظاهرة الترخيم إلى أن " من الترخيم ما هو جنس من التخالف، وهو حذف أحد مقطعين متتاليين أولهما حرفان مثلان أو شبهان، نحو تذكرون بدلاً من تتذكرون، وأمثال ذلك في القرآن عديدة " (). فالمقطع المحذوف في هذه الكلمة مقطع مورفيمي تصريفي يتمثل في التاء المفتوحة سواء كانت تاء المضارعة أم تاء المطاوعة في الماضي. وقد أشار ابن جني لهذه الظاهرة بقوله: " يكره اجتماع المثلين زائدين، فيحذف الثاني منهما طلباً للخفة بذلك " ().
والملاحظ أن التاءين في الأفعال (تصدّى، وتلهّى، وتنزّل، وتحاضّون) زائدتان، والحذف فيهما جائز لا واجب. يقول سيبويه: " أنت بالخيار، إن شئت أثبتهما، وإن شئت حذفت إحداهما " ().
وهذا ما جاء ممثلاً بدقة في التوظيف القرآني لهذه الصيغ من الأفعال، إذ وظفها القرآن كاملة في مواضع، ومحذوفة التاء في مواضع أخرى. فمن ذلك قوله تعالى: ? وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ? () بإثبات التاءين في الفعل (تتبدّلوا). وتوظيف الفعل ذاته بحذف إحدى التاءين في قوله تعالى: ? لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ? ().
فالآية الأولى ورد فيها الفعل (تتبدلوا) على صورته الكاملة بلا حذف في إطار خطاب المولى عز وجل للمؤمنين بأن يعطوا اليتامى أموالهم كاملة بلا نقصان، فناسب الأمر شكل الأداء، فورد الفعل على الصورة الكاملة دلالة على الاتساق مع الأمر المندوب هنا.
والآية الثانية ورد الفعل (تبدّلوا) على صورته المحذوفة، وهي في خطاب النبي ? بشأن زواجه من النساء، وكيف أن الله ? قد كفاه بما عنده من زوجات. فجاء الفعل هنا مناسب لهذا الأمر من حيث عدم التزيد في الزواج، وقصره على ما تحته من الزوجات. فاقتصر من الفعل أيضاً مناسبة لهذا السياق.
وهكذا ارتبط الحذف أو عدمه بالدلالة السياقية للآية كلها في ضوء ما تم من حذف في سياق الكلمة.
* ومن ذلك أيضاً ورود الفعل (تنزّل) محذوف التاء في قوله تعالى: ? هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ? (). ووروده بصورته الكاملة في قوله تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ? ().
والسياق في آيتي سورة الشعراء على أن التنزّل فيها أقل، ذلك لأن الشياطين لا تتنزّل بكثرة على كل الكفرة، وإنما تتنزّل على طائفة دون أخرى، أو على الكهنة كما في سياق الآية، وهم الموصوفون بالإفك والإثم. ولا شك أن هؤلاء ليسوا كثرة في الناس، وهم قلة، فاقتطع من الحدث ما يناسب أهله وفاعله ().
(يُتْبَعُ)
(/)
أما السياق في آية سورة فصلت فهو يدور على استبشار من حضره الموت من أهل الإيمان برؤية الملائكة حين الاحتضار لتبشرهم بالجنة (). فالتنزّل هنا أكثر، ذلك لأنه في كل لحظة يموت مؤمن مستقيم، فتتنزل الملائكة لتبشره بالجنة. فأعطى الفعل كل صيغته ولم يحذف منه شيئاً مناسبة لهذا السياق.
* ومن ذلك أيضاً ورود الفعل (تولّوا) محذوف التاء في قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ? ()، ووروده تام الصورة في قوله تعالى: ? وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ? ().
والسياق في آية سورة الأنفال على خطاب أهل الإيمان، وهو أهل طاعة، ولذا فإن تولّيهم أقل. بخلاف سياق آية سورة هود الدائر على خطاب الكافرين من قوم هود، فهم أهل عصيان، وطبيعي أن يكون تولّيهم عن نبيهم أكثر. فلمّا كان تولّي المؤمنين أقل حذف من الفعل ما يدل على هذا الإقلال من الفعل المشين، فجاء الفعل محذوف التاء. في حين دلّ بإثبات صيغة الفعل كاملة في حقّ أهل الكفر في آية سورة هود دلالة على كثرة تولّي هؤلاء عن الطاعة والإيمان، ونصرة الأنبياء ().
وهكذا يرتبط السياق الحذفي في حروف الكلمة بدلالات السياق في إطار الآية التي وردت فيها الكلمة، مع مراعاة روح السورة التي وظفت فيها هذه الآية، مما يجعل الدلالة تتشابك في نسيج نصي متكامل.
ب – حذف ياء المتكلم:
كثيراً ما نلمس في القرآن الكريم حذف ياء المتكلم مع الاجتزاء عنها بالكسرة، وذلك لا يكون إلا لغرض دلالي ن فإنه قد تذكر الياء في مقام الإطالة والتفصيل، وتحذف ويُجْتَزَأ عنها بالكسرة في مقام الإيجاز والاختصار، أو تحذف لغرض سياقي يقتضيه المقام.
* فمن ذلك ما نلمسه في قوله تعالى: ? وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ? () بإثبات ياء المتكلم في الفعل (اخشوني). وقوله تعالى: ? حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ? ()، بحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة من الفعل (اخشونِ).
والسرّ في ذلك يكمن في مناسبات السياق في هذه الآيات. فالسياق في آية سورة البقرة يدور على دلالات حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام، وما أثاره ذلك من فتنة وملاحاة من المشركين واليهود، حتى قال المشركون إن محمداً تحيّرَ في دينه، وحتى ارتدّ قسم من ضِعاف الإيمان (). يقول ابن عطية: " قوله تعالى: ? فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ? تحقير لشأنهم، وأمر باطراح أمرهم، ومراعاة أمره " ().
أما آية سورة المائدة فهي في سياق تعداد نعم الله ? على عباده بذكر ما حرّم عليهم من أطعمة، مراعاة لهم، وصيانة لأنفسهم، وحفاظاً على أبدانهم ().
(يُتْبَعُ)
(/)
فاقتضى السياق مناسبة الزيادة في بناء الفعل في آية سورة البقرة، وذكر المولى ? نفسه بالضمير في الفعل (اخشوني) للتخويف منه، وإظهار نفسه لخشيته. ولا شك أن التحول عن القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة فيه من الإرجافات والفتن، ومظنة الارتداد عن الدين الكثير، مما اقتضى هنا إظهار ذاته سبحانه، بإظهار الياء في الفعل ليرد على صورته الكاملة قصداً إلى هذه الدلالات.
أما آية سورة المائدة فليس فيها من المجادلة أو المماراة أي قدر، إذ هي في مقام تعداد النعم بتحريم ما يضرّ من الأطعمة. فناسب المقام من باب شكر النعمة الاختصار والحذف في بنية الفعل، بعيداً عن إظهار (الياء) الدالة عليه سبحانه وتعالى، إذ ليس المقام هنا مقام تخويف، بل هو مقام شكر وحمد ().
* ومن ذلك ورود الفعل (تسألنِ) محذوف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة في قوله تعالى: ? يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ? ()، ووروده بصورته الكاملة في قوله تعالى: ? قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ? ().
وبتدقيق النظر نجد أن سياق الآية في سورة هود في معرض الحديث عن سؤال نوح ? لربه في شأن ابنه عند بدء الطوفان، ومحاول نوح ? الشفاعة فيه، لكن الله ? رده إلى جادة الصواب، وبيّن له كيف أن ابنه قد عصى، ولذا فهو ليس من الناجين، فالتزم نوح ? بهذا الأمر تماماً ().
أما آية سورة الكهف فهي في سياق اشتراط الخضر ? على نبي الله موسى ? ما يراه من شرط الصحبة، فلا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يخبره عنه أولاً (). وبمقارنة السياقين نجد:
* أن السؤال هو محور السياق في الآيتين، غير أن السؤال كان مفرداً في آية سورة هود، وعن أمر واحد. في حين أن السؤال في آية سورة الكهف متعدد بحسب المشاهد التي يراها موسى ?، ويفعلها الخضر أمامه، ولذا فإن نطاق الإلحاح في السؤال في شأن موسى أكثر اتساعاً.
* كذلك تختلف نوعية السؤال في الآيتين، ففي سورة هود هو سؤال الطلب والحاجة، ولذا تعدى الفعل بنفسه دون الحاجة إلى حرف جر. أما في سورة الكهف فهي أسئلة استفهام واستفسار واستعلام عن حقيقة أمور وأحداث، ولذا تعدى الفعل فيها بحرف الجر (عن).
ولذا ناسب في آية سورة هود حذف الياء من الفعل والاجتزاء عنها بالكسرة مناسبة لسياق الالتزام بأمر الله بعدم مناقشة الأمر، وإطاعة ما نهاه الله عنه في فحوى سؤاله. أما سياق آية سورة الكهف فإنه يقتضي الإطالة في بنية الفعل، والتفصيل وفقاً للأحداث، فذكر الياء في الفعل مناسبة لهذا الصنيع.
ج – حذف ياء المنقوص:
يكثر في النص القرآني حذف ياء الاسم المنقوص لغير التقاء الساكنين. يقول العلوي: " وهذا إنما يكون وارداً على جهة السماع لا يُقاس. وهذا إنما يكون في الألفاظ التي تستعمل على جهة الكثرة دون ما عداها " ().
ومن الأمثلة القرآنية التي وظفت حذف ياء الاسم المنقوص ما يلي:
- قوله تعالى: ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ? ().
- قوله تعالى: ? لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ? ().
- قوله تعالى: ? عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ? ().
- قوله تعالى: ? وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ? ().
- قوله تعالى: ? وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ? ().
- قوله تعالى: ? لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ? ().
- قوله تعالى: ? وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ? ().
- قوله تعالى: ? وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ? ().
- قوله تعالى: ? وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ? ().
- قوله تعالى: ? فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ ? ().
(يُتْبَعُ)
(/)
- قوله تعالى: ? وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ? ().
- قوله تعالى: ? كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ? ().
- قوله تعالى: ? وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ? ().
- قوله تعالى: ? وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ? ().
وقد وظفت الأسماء المنقوصة في هذه الآيات في سياق الفاصلة في مواضع منها: (الرعد (9)، و غافر (15)، و غافر (32)، والرحمن (26)، والقيامة (27)، والفجر (9)). ولعل المسوغ الأهم في هذا الحذف الذي تم في هذه الآيات رعاية الفاصلة من حيث السياق الإيقاعي في توافقها مع نظائرها من الفواصل السابقة واللاحقة. فمثلاً قوله تعالى: ? أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ? (). وقد رُوعِيَ فيها بناء الفاصلة على حرف (الدال) بما يحمله من شحنات سياقية ودلالية دالة على الاضطراب والقلق والشدة، وكان من الممكن أن ينكسر النسق الإيقاعي للفاصلة إذا ما اكتملت كلمة (الواد) لتصبح (الوادي)، مما يشكل انكساراً حاداً في هذا النسق. ولذا جاء الحذف لياء المنقوص حفاظاً على هذا السياق النغمي، وانسجاماً مع معاني الاضطراب والشدة التي بنيت عليها الآيات ().
وترى د. عائشة عبد الرحمن أن هذا التأويل بالحذف لأجل رعاية الفاصلة في الآية السابقة مستبد، ولا ينبغي لنا الالتفات إلى أثره، لأنه غير قائم في هذا المقام. كما أننا إذا أردنا تفسير سياقات هذا الحذف فلا بد من استقصاؤه في القرآن الكريم كله للوقوف على المواضع كلها. تقول: " أفلا يكون القائلون بالحذف لرعاية الفواصل قد تعجلوا بمثل هذا القول في آيات الفجر ونظائرها، محتكمين إلى قواعد اللغويين والنحاة في المعتل الآخر والمنقوص حين ينبغي أن نرفض قواعدهم على ما يهدي إليه الاستقراء لكل مواضع الحذف والإثبات في الكتاب الحكيم " ().
وهذا الرأي يتسق في جانب منه مع ذهابنا إلى أهمية الدور الذي يؤديه السياق عندما يعانق مثل هذه الظواهر، مع عدم إهمال النظرة الكلية لهذه الفنيات في إطار النص القرآني كله، دون الاكتفاء بالنظرة الجزئية الضيقة.
أما بقية الأسماء المنقوصة التي ورد فيها حذف الياء وليست بفاصلة، وهي في دواخل الجمل، فإن السياق فيها على مراعاة أحكام الوقف والوصل كما سيأتي بيانه في فصل البلاغة الصوتية في القراءات إن شاء الله.
د – الحذف لالتقاء الساكنين:
وهذا من نماذج التلوين الصوتي في القرآن الكريم، وهو على السعة والكثرة في السياقات القرآنية. ومثل هذا الحذف في كلام العرب كثير. وقد تعرض لبيان هذا النوع من الحذف الكثير من علماء العربية مثلما نجد عند العكبري، و ابن يعيش، والرضي ().
* ومن أمثلة ذلك الحذف ما نلمسه في قوله تعالى: ? قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ? (). فقد قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو عمرو، والسلمي، وسعيد بن المسيب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود وأصحابه (يَقْضِ الحقّ) بسكون القاف، وبدون ياء على التقدير: القضاء الحقّ، أو يقضي بالحقّ، وحذف الخافض (). قال الزجاج: " هذه كتبت هنا بغير ياء على اللفظ، لأن الياء أُسقطَت لالتقاء الساكنين " ().
فقد علل الحذف هنا لالتقاء الساكنين وهما: (الياء) من الفعل (يقضِي)، وألفا الوصل في كلمة (الحقّ)، فحذفت الياء تخلصاً من هذا الثقل.
* ومن ذلك أيضاً مل نجده في قوله تعالى: ? سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ? (). فقد كتِبَت كلمة (سنَدْعُ) بدون واو مع أن الخطاب للجمع. فالواو سقطت في الوصل لالتقاء الساكنين (). يقول البنا الدمياطي (ت 1117 هـ): " بحذف الواو للكل للرسم " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى هذه الآية قوله تعالى: ? وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ? ()، وقوله تعالى: ? إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ? (). يقول ابن جني: " كُتِبَت كذلك بغير واو دليلاً في الخط على الوقوف عليه بغير واو في اللفظ " ().
* ومن ذلك قوله تعالى: ? إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ? (). فقد قرأ القراء ما عدا يعقوب الحضرمي بحذف الياء من كلمة (آت) في الوقف والوصل، وأثبتها يعقوب في الوقف (). يقول الداني: " كل اسم مخفوض أو مرفوع لحقه التنوين فإن المصاحف اتفقت على حذف الياء من آخرها رسماً " ().
ويرى ابن الأنباري أن الحذف في كلمة (لآتٍ) قد تم في إطار التخلص من التقاء الساكنين خاصة الضمة على ياء الاسم المنقوص. يقول: " استثقلوا الضمة في الياء فحذفوها، فسكنت الياء فسقطت لسكونها وسكون التنوين " ().
فالحذف الذي تم هنا في كلمة (لآت) تم على مرحلتين هما:
- الأولى: حذف الضمة (العلامة الإعرابية) على كلمة (آت) خبر إنّ، فحذفت للثقل المتولد عنها على الياء.
- والثانية: حذف الياء بعد سقوط الضمة، لأنها سكنت بعد حذف الحركة، فالتقى ساكنان؛ (سكون الياء، وسكون التنوين)، ولزم التخلص من أحدهما، فحذفت الياء لأنها أسهل في الحذف. ولذا فإن ما تم هنا هو حذف أدَّى إلى حذف آخر، فكان الحذف الأول سبباً في الحذف الثاني.
* ومن ذلك أيضاً ما نلمسه في قوله تعالى: قوله تعالى: ? لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ? (). فقد تم حذف الياء من كلمة (غواشٍ). يقول مكي بن أبي طالب: " غواش: مبتدأ والمجرور خبرها، وأصلها إلا تنصرف، لأنها على فواعل مثل (سلاسِل) في ترك الصرف ... إلا أن التنوين دخلها عوض من ذهاب حركة الياء المحذوفة. فلمّا التقى ساكنان؛ سكون الياء لثقل الضمة عليها، التنوين، حذفت الياء لالتقاء الساكنين، فصار التنوين تابعاً للكسرة التي كانت قبل الياء المحذوفة " ().
وهذه النماذج من التلوين الصوتي بحذف الحرف تخلصاً من التقاء الساكنين إنما مقصدها التخفيف، وطلب السلاسة اللفظية على أداء اللسان، إذ أن هذا التخلص هو إحدى وسائل العربية لنفي الثقل النطقي في أبنيتها، والحفاظ على جمالية أصواتها في التآليف المختلفة.
ونخلص مما سبق:
أن فنية الحذف في السياق اللفظي المفرد تتسق في كل تعانقاتها النصية في القرآن الكريم مع الدلالة، إذ يُناط بهذا الحذف في الكلمة المفردة أداء مقاصد ودلالات مالية تتعاضد في مجملها العام مع ألوان السياقات داخل النص القرآني، فضلاً عن فرادة مثل هذا التوظيف للسياق الحذفي في الآيات القرآنية.
الهوامش:
1. - ينظر: سيبويه، الكتاب، 1/ 320.– المبرد، المقتضب، 3/ 225.– ابن جني، الخصائص، 2/ 260.– ابن يعيش، شرح المفصل، 1/ 90 – 105. – الرضي، شرح الكافية، 1/ 275 – 284.
2. - ابن جني، الخصائص، 3/ 112.
3. - ينظر: د. طاهر حمودة، ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي، الدار المصرية للنشر، الإسكندرية، 1997، 111 - 128.
4. - د. محمد أبو موسى، خصائص التراكيب، 114.
5. - ينظر: د. رمضان عبد التواب، التطور اللغوي، 95.
6. - ينظر: الأخفش، معاني القرآن، 1/ 147 – 155.
7. - ينظر: الفراء، معاني القرآن، 1/ 28.
8. - سورة الأعراف: آية رقم (150).
9. - الفراء، معاني القرآن، 1/ 394. – و ينظر: أبو عبيدة، مجاز القرآن، 2/ 25.
10. - ينظر: د. إبراهيم السامرائي، التطور اللغوي والتاريخي للغة العربية، دار المعرفة، بيروت، ط3، 1987، 73.
11. - ينظر: د. طاهر حمودة، ظاهرة الحذف، 73.
12. - سورة النمل: آية رقم (25).
13. - أبو عبيدة، مجاز القرآن، 2/ 93.
14. - ينظر: الفراء، معاني القرآن، 1/ 431. – الأخفش، معاني القرآن، 2/ 649.
15. - سيبويه، الكتاب، 4/ 184.
16. - سورة الفجر: آية رقم (4).
17. - أبو عبيدة، مجاز القرآن، 2/ 297.
18. - سورة الزمر: آية رقم (16).
19. - الأخفش، معاني القرآن، 1/ 239.
20. - سورة الحجر: آية رقم (54).
21. - ينظر: ابن مجاهد، السبعة في القراءات، 367.
(يُتْبَعُ)
(/)
22. - أبو عبيدة، مجاز القرآن، 1/ 352.
23. - الأخفش، معاني القرآن، 1/ 443.
24. - سورة البقرة: آية رقم (150).
25. - سورة الفجر: آية رقم (15).
26. - سورة الفجر: آية رقم (16).
27. - سورة النمل: آية رقم (36).
28. - سورة ق: آية رقم (41).
29. - سورة القمر: آية رقم (6).
30. - الفراء، معاني القرآن، 1/ 90.
31. - سورة الإسراء، آية رقم (11).
32. - ينظر: د. غانم قدوري الحمد، رسم المصحف، دراسة لغوية تاريخية، دار عمار، الأردن، 2003، 240.– د. عيسى شحاتة، العربية والنص القرآني، دار قباء للنشر، القاهرة، 2000، 108.
33. - ينظر: د. طاهر حمودة، ظاهرة الحذف، 191.
34. - سورة عبس: آية رقم (6).
35. - سورة عبس: آية رقم (10).
36. - سورة القدر: آية رقم (4).
37. - سورة الفجر: آية رقم (18).
38. - د. رمضان عبد التواب، التطور اللغوي، 45.
39. - ينظر: د. أحمد هريدي، حذف تاء تتفعّل وتتفاعل في القرآن الكريم، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1998، 162.
40. - برجشتراسر، التطور النحوي، 70.
41. - ابن جني، المحتسب، 2/ 111.
42. - سيبويه، الكتاب، 4/ 476.
43. - سورة النساء: آية رقم (2).
44. - سورة الأحزاب: آية رقم (52).
45. - سورة الشعراء: الآيتان رقم (221، 222).
46. - سورة فصلت: آية رقم (30).
47. - ينظر: د. فاضل السامرائي، بلاغة الكلمة في القرآن، 13.
48. - ينظر: الشوكاني، فتح القدير، 4/ 501. – الألوسي، روح المعاني، 24/ 121.
49. - سورة الأنفال: آية رقم (20).
50. - سورة هود: آية رقم (52).
51. - ينظر: ابن كثير، تفسير القرآن، 4/ 189. – أبو حيان، البحر المحيط، 8/ 86. – الشوكاني، فتح القدير، 5/ 41.
52. - سورة البقرة: آية رقم (150).
53. - سورة المائدة: آية رقم (3).
54. - ينظر: الشوكاني، فتح القدير، 1/ 136. – الألوسي، روح المعاني، 1/ 235.
55. - ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/ 143.
56. - ينظر: أبو حيان، البحر المحيط، 2/ 202.
57. - ينظر: د. فاضل السامرائي، بلاغة الكلمة، 26.
58. - سورة هود: آية رقم (46).
59. - سورة الكهف: آية رقم (70).
60. - ينظر: ابن عطية، المحرر الوجيز، 3/ 145. – أبو حيان، البحر، 6/ 324.
61. - ينظر: ابن عطية، المحرر الوجيز، 3/ 426. – أبو حيان، البحر، 8/ 55.
62. - العلوي، الطراز، 256.
63. - سورة البقرة: آية رقم (186).
64. - سورة الأعراف: آية رقم (41).
65. - سورة الرعد: آية رقم (9).
66. - سورة الحج: آية رقم (25).
67. - سورة الحج: آية رقم (54).
68. - غافر: آية رقم (15).
69. - سورة غافر: آية رقم (32).
70. - سورة الشورى: آية رقم (32).
71. - سورة ق: آية رقم (41).
72. - سورة القمر: آية رقم (6).
73. - سورة الرحمن: آية رقم (24).
74. - سورة الرحمن: آية رقم (26).
75. - سورة القيامة: آية رقم (27).
76. - سورة الفجر: آية رقم (9).
77. - سورة الفجر: الآيات من (6 - 9).
78. - ينظر: د. مجدي حسين، الوقف في القراءات القرآنية، دار ابن خلدون، الإسكندرية، 2002، 167.
79. - د. عائشة عبد الرحمن، الإعجاز البياني في القرآن، 251.
80. - ينظر: العكبري، التبيان في إعراب القرآن، 1/ 82. – ابن يعيش، شرح المفصل، 9/ 123. – الرضي، شرح الشافية، 5/ 225.
81. - سورة الأنعام: آية رقم (57).
82. - ينظر: الفراء، معاني القرآن،1/ 338.– ابن مجاهد، السبعة،259.– الداني، التيسير،103.– أبو حيان، البحر، 4/ 142.
83. - الزجاج، معاني القرآن وإعرابه، تحقيق: د. عبد الجليل شلبي، دار الجيل، بيروت، 1988، 2/ 256.
84. - سورة العلق: آية رقم (18).
85. - ينظر: النحاس، إعراب القرآن، 3/ 740. - ابن عطية، المحرر الوجيز، 5/ 516.
86. - أحمد البنا الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر، تحقيق: د. شعبان إسماعيل، عالم الكتب، القاهرة، 1987، 105.
87. - سورة الشورى: آية رقم (24).
88. - سورة الصافات: آية رقم (163).
89. - ابن جني، المحتسب، 2/ 228.
90. - سورة الأنعام: آية رقم (134).
91. - ينظر: ابن الجزري، النشر، 2/ 182. – الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر، 114. - المرعشي، جهد المقل، 310.
92. - الداني، المقنع في رسم مصاحف الأمصار، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1978، 42.
93. - ابن الأنباري، إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل، تحقيق: د. محيي الدين رمضان، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1971، 234.
94. - سورة الأعراف: آية رقم (41).
95. - مكي بن أبي طالب القيسي، مشكل إعراب القرآن، 1/ 315.(/)
مفاتيح الدراسة البلاغية لسور القرآن ..
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[13 - 07 - 2008, 11:24 م]ـ
حينما أقوم بإعداد بحث أجمع فيه الأوجه البلاغية في سورة من سور القرآن الكريم؛
1/ ما هي الأمور الأساسية التي يجب وضعها أمامي لبحث كهذا؟
2/ ما هو التقسيم المعروف هل يكون على أساس موضوعات السورة؛ أم على حسب علوم البلاغة الثلاثة فأجعل لكل علم فصل و إدرج فيه الشواهد من السورة المدروسة؟؟
3/ أريد توجيهي إلى دراسات تناولت سوراً من القرآن من جانب البلاغة العربية!
** برجاء من يعرف ليّ جواباً أو نصيحة من هذا النوع؛ أن يتكرم عليّ بكل ما عنده؛ مع الشكر والدعاء المقدم ..
.
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[15 - 07 - 2008, 01:13 ص]ـ
رجاءً أريد إجابة ً
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 07 - 2008, 09:26 ص]ـ
بالنسبة للسؤال الثاني يمكن اتباع طريقة المفسرين فيه:
فبعضهم يفسر السورة آية آية، فيذكر كل علوم الآية في محلها.
وبعضهم يلجأ إلى التفسير مقطعا مقطعا، وعليه يمكن تقسيم اللمحات البلاغية تبعا لعلوم البلاغة الثلاثة، وهي طريقة أقعد، ولكنها لا تتيح حرية التأمل كطريقة التحليل آية آية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[15 - 07 - 2008, 02:47 م]ـ
شكراً لك مهاجر " تمنيت مثل إجابتك منذ مدة (فشكراً لك)(/)
الجار قبل الدار مثل مأخوذ من (القران الكريم) ..
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[14 - 07 - 2008, 01:49 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لدينا مثل نقوله منذ القدم ألا وهو (الجار قبل الدار)، وهذا المثل يبين مدى أهمية اختيار الجار وما له وما عليه، وإنه يحببك في منزلك ويجعلك تتمسك به وقد يكون على النقيض من ذلك.
فتم حفظ هذا المثل وتناقلناه بيننا ولكن لم ننظر من أين استمدينا هذا المثل؟؟؟؟
الجواب إنه / من القران الكريم.
قال تعالى {وضرب الله مثلا للذين ءامنوا امراة فرعون إذ قالت ربي ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ..... }.
انظر إلى قوله تعالى (ابن لي عند بيت في الجنة) ولم تأتي الآية (ابن لي بيتا في الجنة عندك)
فقد قدمت هذه المرأة المؤمنه شبه الجملة (عندك) وتقديم شبه الجملة يفيد الاختصاص والقصر، فهذه المرأة لا تريد إلا جوار ربها ولا تريد جوار غيره، فكان جوار ربها أهم إليها من البيت وذلك لأن جوار ربها يعني أنها في غاية السعادة والنعيم.
فلله درها من امرأة مؤمنة عاقلة ولله دره من مطلب.
ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا عنده بيتاً في الجنة.
ـ[أحلام]ــــــــ[15 - 07 - 2008, 06:24 م]ـ
ماشاء الله تبارك الله
وايضاً
من أجل عين تكرم مرج عيون في قوله تعالى مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الأنفال33
إنّ تواجد الرسول عليه الصلاة والسلام بين ظهرانيهم فهم في أمان لأصحابه
فوجوده أمان لهذه الامة المرحومة -بإذن الله -
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[18 - 07 - 2008, 01:49 ص]ـ
شكرا لك أختي الفاضلة
ومما زاد الموضوع قيمة ردكِ الكريم
فجزاك الله خيرا
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[18 - 07 - 2008, 02:03 ص]ـ
بارك الله فيكما، ونفع الله بكما؛ فلقد استفدت، واستمتعت بما ذكرتما.
أسأل الله لي ولكم ولكل قارئ الجنة عند مليك مقتدر.(/)
من قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ
ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 07 - 2008, 09:57 ص]ـ
من قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)
"ولد": نكرة في سياق نفي بـ: "ما" مؤكد بـ: "من" الدالة على التنصيص على عموم النفي، فتفيد أقوى درجات عموم النفي، فما اتخذ الله، عز وجل، من ولد، أي ولد، فهو الغني عن الولد، وإنما يحتاج الولد من يخشى مستقبل الأيام، فيرغب في ذرية تعينه إذا ما تقدم عمره وكلت قواه.
ونفي اللازم: "الولد" يستلزم نفي "الملزوم": الصاحبة، فأغنى النص على نفي أحدهما عن نفي الآخر لتلازمهما، وهذا ضرب من ضروب الإيجاز البليغ، إذ يكتفى بذكر أحد المتلازمين، فيدرك السامع الآخر بداهة.
إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ: جواب لشرط محذوف تقديره: لو كان فيهما آلهة إلا الله إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ، ففيه أيضا: إيجاز بالحذف.
إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: سبر وتقسيم، كما يقول المناطقة، فالمستدل يحصر الاحتمالات الممكنة، ويختبرها ليصل إلى نتيجة صحيحة، فلو كان فيهما آلهة إلا الله، للزم من ذلك:
استقلال كل إله بعابديه: وهذا غير حاصل، فالكون كله خاضع لإرادة قاهرة واحدة، وما ادعى أحد نفاذ إرادته في الكون من ساحر أو كاهن ......... إلخ إلا فضحه الله، عز وجل، على رؤوس الأشهاد.
أو: علو القوي على الضعيف فيسلبه ملكه، كما هو مشاهد بين ملوك الدنيا، وهذا، أيضا، يكذبه الحس، فإن انتظام طريقة الكون على سنة واحدة، دليل على وحدانية مدبره جل وعلا، فلا شريك له في مِلْكه أو مُلْكه، فهو مالك أعيان خلقه، ومدبر أمرهم.
وإما أن يكون ملوك الدنيا كلهم مربوبين مقهورين لرب واحد لا شريك له، وهذا هو الاحتمال الصحيح بعد سبر احتمالات هذه القضية العقلية.
وأهل العلم يقولون: التمانع في الربوبية يدل على التمانع في الألوهية، فكما أنه هو الرب المتفرد بالخلق والملك والتدبير والرزق والإحياء والإماتة .......... إلخ، فهو الإله المستحق لصنوف العبادة وحده جل وعلا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[14 - 07 - 2008, 12:05 م]ـ
"أحسنت تحليل بلاغي مفيد ......(/)
من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ ال
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 07 - 2008, 02:58 م]ـ
من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
يا: النداء للبعيد وهو في هذا المقام يدل على غفلة المخاطب، ولو كان النداء للمؤمنين لكان مظنة استرعاء انتباههم، أو عتابهم إن كانوا مقصرين.
أنتم الفقراء: حصر بتعريف الجزأين: المبتدأ والخبر، ففقر الناس إلى ربهم: ذاتي متأصل يناسبه التوكيد.
والله هو الغني: إظهار في موضع الإضمار، تبركا وتيمنا بذكر لفظ الجلالة: "الله"، فيصح في غير القرآن: أنتم الفقراء إلى الله، وهو الغني الحميد.
والله هو الغني الحميد: توكيد بـ:
اسمية الجملة التي تدل على الثبوت والاستمرار.
وتعريف الجزأين: "والله هو الغني".
وضمير الفصل: "هو" الذي يفيد الحصر والتوكيد.
والله أعلى وأعلم.(/)
ماهية الجملة
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[17 - 07 - 2008, 12:48 ص]ـ
ماهية الجملة
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
الجملة هي الأساس الذي تقوم عليه الدراسة النحوية، ودراستها هي الهدف الحقيقي من هذه الدراسة، وهي الوحدة التي يتألف منها كل كلام، كما أنها المركب الذي يحمل في ثناياه فكرة تامة، وهي الوسيلة التي يعبر بها المتكلم عما في نفسه من أفكار، فهي وسيلة نقل هذه الأفكار إلى الناس. فكل كلام ليس إلا مجموعة من الجمل المفيدة، والجملة المفيدة في اللغة العربية على نوعين هما: جملة اسمية، وجملة فعلية، ولكل نوع ركنان أساسيان لا يمكن الاستغناء عنهما، ولا يتم معنى الجملة إلى بهما معاً. وما عدا هذين الركنين فهو فضلات، أو مكملات، لكل منها وظيفتها التي توضح المعنى الأساسي في الجملة أو تفصله، أو تحدده، أو تخصصه تخصيصاً دلالياً.
ومع أن دراسة الجملة هي غاية النحو، إلا أن حظها من عناية النحاة كان قليلاً، إذ لم يخصصوا لها أبواباً مستقلة، وإنما عرضوا لها في ثنايا بحثهم موضوعات أخرى مثل؛ الخبر الجملة، والنعت الجملة، والحال الجملة.
وقد استعملت (الجملة) من قبل النحاة بمعنىً اصطلاحي مرادف للكلام في القرن الثالث الهجري، ولعلّ المبرّد أوّل من استعملها بهذا المعنى في مواضع متفرّقة من كتابه (المقتضب)، حيث قال: " وإنّما كان الفاعل رفعاً؛ لأنه هو والفعل جملة يحسن السكوت عليها وتجب بها الفائدة " ().
ويقول الفارسيّ (ت 377 هـ) في تعريفه الموجز للجملة أنها: " ما ائتلف من هذه الألفاظ الثلاثة [الاسم والفعل والحرف] كان كلاماً، وهو الذي يسمّيه أهل العربيّة: الجمل " ().
وربّما كان الرمّاني من أوائل من عرّفها أيضاً بقوله: " الجملة هي المبنيّة من موضوع ومحمول للفائدة " (). وهو تعريف يمنحها مضموناً مماثلاً لمضمون الكلام اصطلاحاً.
ويساوي ابن جنّي بين الكلام والجملة إذ يقول: " أمّا الكلام: فكل لفظ مستقلّ بنفسه مفيد لمعناه، وهو الذي يسمّيه النحويّون: الجَُمل " ().
وقد درج على استعمالها بهذا المعنى جمع من النحاة كعبد القاهرالجرجاني ()، والزمخشري ()، وابن الخشّاب (ت 567 هـ) ()، وأبي البقاء العكبري ()، وابن يعيش (). وجاء ابن مالك فصرّح بالفرق بين الجملة والكلام، إذ عرّف الكلام بقوله: " الكلام ما تضمّن من الكلم إسناداً مفيداً مقصوداً لذاته " ().
وقد أراد بقيد (لذاته) إخراج ما هو مقصود لغيره كجملة الصلة ()، نحو: (جاءَ أبوه)، من قولنا: (جاء الذي قام أبوه)، فهي جملة وليست كلاماً؛ لاَنّ الإسناد فيها " ليس مقصوداً لذاته، بل لتعيين الموصول وتوضيحه، ومثلها الجملة الخبرية والحالية والنعتيّة " ()؛ إذ لم تقصد لذاتها، بل لغيرها، فليست كلاماً، بل جزء كلام.
وذهب الرضي هذا المذهب أيضاً فقال: " والفرق بين الجملة والكلام: أنّ الجملة ما تضمّنَ الإسناد الأصلي، سواءً كانت مقصودة لذاتها أو لا ... فكل كلام جملة ولا ينعكس " ().
وقد عرّف ابن هشام الكلام والجملة للتفرقة بينهما، فقال في تعريف الكلام: " هو القول المفيد بالقصد. والمراد بالمفيد ما دلّ على معنى يحسن السكوت عليه " (). أما تعريف الجملة فيرى أنها " عبارة عن الفعل وفاعله، كـ (قام زيدٌ)، والمبتدأ والخبر كـ (زيد قائم)، وما كان بمنزلة أحدهما نحو: ضُرِبَ اللصُّ، وأقائم الزيدان، وكان زيدُ قائماً، وظننته قائماً " ().
ويتابع ابن هشام النحويين في التفرقة بين الكلام والجملة، فقد قال بعد تعريف كلّ من الكلام والجملة: " أنهما ليسا مترادفين ... والصواب أنّها أعمّ منه؛ إذ شرطه الإفادة بخلافها " ()، " فكلّ كلام جملة ولا ينعكس، ألا ترى أنّ نحو (إنْ قام زيد) من قولك: (إنْ قام زيد قام عمرو) يسمّى جملة ولا يسمّى كلاماً " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
وتابعهم السيوطي قائلاً: " وعلى هذا فحدّ الجملة: القول المركّب، كما أفصح شيخنا العلاّمة الكافيچي، لكنه قد عدل عن هذا واختار (الترادف). قال: لاَنّا نعلم بالضرورة أنّ كلّ مركّب لا يطلق عليه الجملة، وسبقه إلى اختيار ذلك ناظر الجيش وقال: إنّه الذي يقتضيه كلام النحاة، قال: وأمّا إطلاق الجملة على ما ذكر من الواقعة شرطاً أو جواباً أو صلة، فإطلاقٌ مجازيّ؛ لاَنّ كلاًّ منها كان جملة قبل، فأُطلقت الجملة عليه باعتبار ما كان، كإطلاق اليتامى على البالغين؛ نظراً إلى أنّهم كانوا كذلك " ().
وعليه فالجملة في خالص أمرها هي كل كلام يحسن السكوت عليه، أي تحصل منه الفائدة، ويدلّ على معنى. وعليه فإن جملة الصلة، وجملة الشرط، وجملة الجواب، كل ذلك ليس مفيداً لعدم تمام الفائدة منه ().
فالجملة تتشكل وفق مفهوم الإسناد المفيد لمعنى، فإذا تم بالمسند والمسند إليه تمت الجملة، وقد يستدعي أحدهما أو كلاهما كلاماً آخر لإتمام المعنى، يقال له الفضلة، وربما يحتاج ذلك كله إلى أدوات تسمى أدوات الربط. ولهذا فالكلام هو القول المفيد بالقصد. والمراد بالمفيد ما دل على معنىً يحسن السكوت عليه. فإذا لم يُفِد معنىً تاماً مكتفياً بنفسه فلا يسمى كلاماً.
والجملة كما قال د. إبراهيم أنيس: " أقل قدر من الكلام يفيد السامع معنىً مستقلاً بنفسه؛ سواء تركب هذا القدر من كلمة واحدة أو أكثر " (). وإلا فلا تسمى جملة مفيدة ولا ينطبق عليها تعريف الكلام. ونلحظ في بناء الجملة تقدم الذات الفاعلة على أنها (المسند إليه) دائماً؛ والذات أبداً تأتي اسماً ثابتاً في حين أنّ الفعل متغير؛ بمعنى أن الذات سبقت الحدث في الوجود. ولهذا قُدِّمت الجملة المسبوقة بالاسم على الجملة المسبوقة بالفعل عند البلاغيين، وأهل اللغة في إطار المسند والمسند إليه، ولا عبرة للفضلة في تقسيمها، أو لأدوات الربط بينها وبينهما.
والجملة إما أن تكون جملة اسمية أو جملة فعلية؛ في حين قسمها ابن هشام باعتبار صدرها إلى ثلاثة أقسام؛ فما صدرها اسم هي جملة اسمية، وما صدرها فِعْل هي جملة فعلية؛ وما صدرها ظرف هي جملة ظرفية (). وزاد الزمخشري الجملة الشرطية (). واستنكر ابن هشام الجملة الشرطية وردَّها إلى الفعلية؛ وذلك تبعاً لتقدير المعنى في الكلام (). فإن قولنا: أعندك زيدٌ؟ وقدرنا الكلام (بكائن أو مستقر)، فالجملة اسمية؛ ويعرب زيد (مبتدأ)؛ وإن قدرناه فاعلاً لفعل محذوف تقديره (استقر) فالجملة فعلية. ويقاس على ذلك كل كلام يحتاج إلى تقدير سواء صُدِّر بظرف أم غيره.
أما الفضلة فهي اسم يذكر لتتميم معنى الجملة (المكونة من المسند والمسند إليه) إذا لم يتم بهما معنى مفيد. وقد يلزم التركيب وجود أدواتٍ تربط أجزاء الجملة كالشرط والقسم والاستفهام والتمني والترجي. وتقع الأدوات حرفاً واسماً، وتسمى أدوات الربط.
وبناء على ذلك كله تنقسم الجملة إلى قسمين: (الاسمية والفعلية)، باعتبار ركنيها فقط؛ وسنوضح ذلك في إطار مفهوم البلاغة لا النحْو:
أ ـ الجملة الاسمية:
هي كل جملة تصدَّرت باسم، ووضعت لإفادة ثبوت المسند للمسند إليه؛ أو استمراره بالقرائن الدالة عليه؛ أو الثبوت أو الاستمرار معاً. ولها عدة أشكال تتوارد عليها منها: المبتدأ والخبر؛ والاسم والخبر مع إن وأخواتها، ولا النافية للجنس، واسم الفعل ().
والأصل في الخبر أن يأتي نكرة مشتقة في ذلك كله، وقد يأتي جامداً؛ نحو: (هذا حَجَرٌ). وكذلك الأصل في الجملة الاسمية أن تدل على الثبات ودوامه كقولنا: (الشمسُ مضيئةُ)، أو كقولنا: (الماءُ تجمُّدُهُ في درجة الصفر). فالمبتدأ مسند إليه لأنه لم يسبقه عامل، وهو الشمس، والخبر أسند إليه (مضيئة)، وتمت به الفائدة. والإضاءة ثابتة لها على الدوام والاستمرار في الفعل؛ وكذا التجمد. فالجملة الاسمية تفيد الاستمرار بالقرائن إذا لم يكن في خبرها فعل؛ نحو: (العلمُ نافعٌ)، فالعلم نفعه مستمر - هذا هو الأصل فيه- والسياق لا ينكره كما أن المنطق والعقل لا ينكره. وعليه قوله تعالى في وصف رسول الله ?: ? وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ? (). فهذه الصفة من الخُلُق الكَريم مقترنة على الدوام بذكر رسول الله؛ ومدعاة
(يُتْبَعُ)
(/)
لتمثلها من قبل الناس أجمعين.
ويطلق على هذا النمط من الاستمرار الاستمرارُ التجددي الذي يعرف كثيراً باستخدام الجملة الاسمية للقرائن فيها كما في قول النَّضْر بن جُؤَيَّة يتمدَّح الغنى والكرم ():
لا يألف الدرهمُ المضروب صُرَّتَنا لكنْ يمرُّ عليها؛ وهو منطلقُ
فالشاهد قوله: (وهو منطلق) فالدرهم لا يستقر عنده؛ لذلك فهو باستمرار ينطلق كرماً وإغاثة للمحتاجين. وقد قدَّم السياق القرائن الدالة على ذلك، وعليه قوله تعالى: ? وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ? (). فالأخذ على يد المجرم حياة للمجتمع واطمئنان له.
وقد يكون السياق في معرض ذم يراد به الاستمرار والثبوت معاً كما في قوله تعالى: ? إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ? ()، فالشاهد (وهو خادعهم)؛ فالسياق أن المخادع ما يخدع إلا نفسه، ولن يوقعه فعله إلا في الشرور على الدوام والثبات، ولهذا كان الفعل (يخادعون) مفيداً للتجدد مرة بعد مرة، ولم يقيد بزمن وإن كانت صورته صورة المضارع، فقوَّى المعنى في (خادعهم).
وأما إذا كان خبر الجملة الاسمية جملة فعلية فإنها تفيد لفت السامع إلى حدوث الفعل مجدداً في زمن ما؛ وصار على وجه الثبات كقولنا: (زيدٌ سافرَ). وهذا مغاير تماماً لقولنا: (سافرَ زيدٌ)، فهنا زيد لم يسافر إلا مرة واحدة في وقت مضى، فالزمن الماضي المخصوص بالسفر محدد. وكذا نقول في الزمن المضارع (الحاضر) فهو مخصوص بوقت ما وإن تضمن معنى التجدد والاستمرار من بعدُ، نحو: (زيدُ يدرسُ)، و (محمدٌ يأكلُ)، فالفعل ليس على جهة الدوام الأزلي، أو الثبات المطلق. فقد يأتي وقت لا يدرس فيه زيد، ولا يأكل فيه محمد ().
ومن الشواهد الشعرية على الحَدَث الذي جرى في الزمن الماضي المخصوص ما قاله المتنبي لسيف الدولة في تكثير حساده؛ (أنت الذي صيرتهم)، وخاطبه بصيغة الأمر في مطلع البيت بقوله ():
أَزِلْ حَسَدَ الحُسَّاد عني بكبْتهم فأنتَ الذي صَيَّرْتَهم لي حُسَّدا
ب ـ الجملة الفعلية:
هي كل جملة صدرها فعل، وتوضع لإفادة الحدوث في زمن مخصوص كالماضي والمضارع مع الاختصار؛ أو تفيد الاستمرار التجددي إذا دلت عليه القرائن. ولها أشكال تتوارد عليها منها: الفعل التام مع فاعله أو نائبه، والفعل الناقص مع الاسم والخبر؛ والفعل اللازم والمتعدي؛ والجامد والمتصرف. فمن الجمل التي تفيْد الحدوث في زمن مخصوص قولنا: (وَصَلَ زيدُ إلى المدينة). فالمتكلم أراد إفادة السامع بأن زيداً وصل في الزمن الماضي. ويصبح هذا الزمن أكثر خصوصية؛ إذا قلنا: (وَصَلَ زيدٌ إلى المدينة مساءً). أما إذا قلنا: (يَصِلُ زيدُ إلى المدينة) فالزمن مخصوص بالحاضر لا الماضي. وقد يفيد الفعل سواء كان ماضياً أم مضارعاً التجدد والاستمرار إذا وجدت القرائن؛ كقوله تعالى: ? كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ? ()، فالخيرية ما زالت مستمرة دوام تجدد هذه الأمة وبقاء البشرية على الأرض. وعليه قوله تعالى: ? لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ? (). أراد: لو استمر في إطاعتكم وقتاً بعد وقت لحصل لكم مشقة وَعَنَتٌ.
وكلما زاد القيد زادت الخصوصية؛ ومن ثم زادت الفائدة بزيادة الخصوصية. ويرى د. شوقي ضيف أن لواحق الجملة الاسمية التي جاء خبرها فعلاً تزيد على الجملة الفعلية، فكل ما يحمله الفعل من لواحق تحمله الجملة الاسمية معه، كقولنا: (زيدٌ كتبَ مقالةً كتابةً حسنةً) (). ومن لواحق الجملة الاسمية التوابع كالنعت والعطف والبدل والتوكيد.
وهذا كله جعل علماء المعاني لا يتبعون خطوات النحويين كلها فتراهم يقسمون الجملة إلى جملة رئيسية وجملة غير رئيسية. فالرئيسية ما لم تكن قيداً في غيرها؛ وغير الرئيسية ما كانت قيداً في غيرها وليست مستقلة بنفسها. ويخلصون من ذلك إلى أن المسند والمسند إليه ركنا الجملة وكل ما عداهما يعد زائداً عليها، وهو من القيود التي تقدم فائدة ما تبعاً لنوع القيد وطبيعته. وبناء على ذلك كله فأقسام المسند والمسند إليه أربعة؛ هي:
1 ـ أن يكون المسند والمسند إليه كلمتين حقيقة، نحو: (زيدٌ قائمٌ).
(يُتْبَعُ)
(/)
2 ـ أو أن يكونا كلمتين حكماً؛ نحو: (لا إله إلا الله)؛ فقائلها ينجو من النار؛ لأنها تعني؛ توحيدُ الله نجاةٌ من النار.
3 ـ أو أن يكون المسند إليه كلمة (حكماً) والمسند كلمة (حقيقة) كالمثل المشهور: تسمع بالمُعَيْدِي خَيرٌ من أن تراه؛ أي: سماعُكَ بالمعيدي خَيْرٌ من رؤيته ().
4 ـ أو أن يكون المسند إليه كلمة (حقيقة) والمسند كلمة (حكماً) كقولنا: (الأميرُ يحكمُ بالعدلِ).
فالحقيقة في المسند أو المسند إليه أن تكون ثابتة لا تؤول ولا تقدَّر؛ بينما الحكم فيهما يقدَّر؛ أو يؤول على النحْو الذي يحتاج إليه أي منهما، أو كلاهما مع تمام الفائدة في المعنى.
ومن المهم هنا أن نسوق ما أثبته د. صلاح فضل حول مفهوم البلاغيين الغربيين للتغير التركيبي في الجمل الناجم عن النَّحو سواء كان النَّحو التحويلي أو الاتجاه الوظيفي في اللغة. فالوصف النحوي المنطقي لا يستبعد القيم الدلالية. ونعتذر - مسبقاً- عن طول النص المقتبس إذ لا مناص لنا من ذكره كاملاً. يقول: " إن ترتيب الكلمات في معظم اللغات المعروفة يستجيب لعوامل عدة طبقاً لمنطق المعنى، كما يستجيب لتتابع الأفعَال طبقاً لترتيب الأحداث الزمني. ويجعل الأولوية للفاعل على المفعُول؛ فهو بطل الرسالة، إلى غير ذلك من المراتب المحددة. وهذا يعني كما يقول البلاغيون الجدد أنه بدون أن نتخلى عن تمديد التغيرات التركيبية طبقاً للمنظور التوزيعي ( distributionnel) لا ننسى أنها تعمل بطريقة ملائمة لارتباط المحتوى بالتعبير. وهنا يطرح هؤلاء الباحثون سؤالاً أولياً عن درجة الصفر النحوية موازياً لما أشرنا إليه من قبل عن درجة الصفر البلاغية. ويقولون: إنه بدون الدخول في مناقشات مطولة عن الجملة والعبارة وقواعدها فإن علينا أن نقيم نموذجاً بسيطاً مقبولاً من غالبية الباحثين يخدم هدفنا كمنطلق أولي. ويرون أن درجة الصفر النَّحْوَية يمكن أن تنحصر في اللغة الفرنسية- ومثلها في ذلك العربية بشكل عام- في وصف عملي لما يطلق عليه (الحد الأدنى من الجملة التامة) ويتكون من وحدتين إحداهما اسمية والأخرى فعلية، ومن ترتيبهما، بل يكون مبتدأ و خبراً، أو فعلاً وفاعلاً، ومن التوافق الضروري بين علاميتهما. هاتان الوحدتان تعرفان تركيباً بسيطاً يتمثل في حضور اسم معرف وفعل محدد الزمن والشخص والعدد. وسواء كان الأمر يتعلق بالمنظور البلاغي أو النحوي فإن ترتيب الكلمات هو المظهر الرئيسي للتركيب وما ينجم عنه من مسائل التقديم والتأخير. وعندما يتلاعب الشاعر بالجملة العادية ليجري على نظامها عشرات التحويلات فإنه يعطينا فكرة واضحة عن التنويعات المختلفة التي يقدمها توزيع الوحدات بعناصرها العديدة. ولا يمكن أن تكون هذه التنويعات دون جدوى. وربما يكون من المثمر على المستوى البلاغي أن نقيم تمييزاً بين النظام العقلي والنظام العاطفي للكلمات " ().
فنقطة الصفر البلاغية تتمثل في الحد الأدنى للجملة المكونة من المسند والمسند إليه في العربية، ثم تأتي التنوعات في الفضلة والأداة لتزيد فيهما تنوعاً آخر، وتُحَوِّل الشكل المعياري إلى شكل بلاغي مثير. فالجملة الصغيرة المكونة من الحد الأدنى (المسند والمسند إليه) على قيمة الانزياح اللغوي فيها تبقى ذات عناصر أولية مكونة للجملة البلاغية؛ في حالة التقديم والتأخير، والحذف والذكر والفصل والوصل. وهو عينه الذي انتهى إليه عبد القاهر الجرجاني فسبق به (جاكبسون) وأمثاله كما تحدث عنهم د. صلاح فضل. فعلم الدلالة البنيوي الحديث؛ على إصلاحه للنظم المعيارية التراكمية ظل متصلاً بالدرس البلاغي والدلالي الذي نشأ في مفهوم الجملة نحوياً وبلاغياً عند العرب، وإن عمد أصحابه الجدد إلى وصف العمليات البلاغية " باعتبارها تحولات أو انحرافات تتضمن تصورات عديدة " ()، وتوحي بنظريات متطورة ابتعدت كثيراً عن الأصل.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهنا لا يفوتنا أن نشير إلى نزعة الاقتصاد في أساليب القول التي فَضَّلتها العربية، والتي تقوم على أركان عديدة. وفيها تميل العربية إلى التقليل من الفضلة والأدوات إلا إذا اقتضتها البلاغة، واحتاجت إليها الدلالة. وإضافة أي كلمة إلى المسند أو المسند إليه في الاستهلال أو الوسط أو الختام إنما يكون لاستيفاء العناصر التي تشكل الجملة البلاغية المفيدة. ومن هنا يصبح لترتيب الكلمات في أشكالها النحوية ثم البلاغية غايات كبرى في الدلالة والتأثير. وبهذا الترتيب تتنوع أساليب البلاغة العربية، فضلاً عن تنوعها بسبب تنوع الكلمة وبنيتها. فالتوزيع في التركيب النَّحْوي ليس إلا شكلاً بلاغياً في الجملة العربية؛ ويتفاوت أصحابه بمدى قدرتهم على امتلاك هذا النسق اللغوي البلاغي في الإمتاع والإفادة. وهو نسق مليء بالمجازات البلاغية والعلاقات الدلالية.
ولم يأت دو سوسيير بشيء كثير في حديثه عن نظام الجملة اللغوية ونسقِها عما هو موجود في العربية؛ وإن اخترع نظام العلاقات اللغوية القائم على محورين: أحدهما استبدالي، والآخر تركيبي، وبهما تكتسب كل كلمة قيمتها ودلالتها من نظام وضعها في إطارهما وعلاقاتهما. وما تفعله اللغة الأدبية هي أنها تقوم بتكثيف وتوظيف هذه الممارسات المجازية، مما يجعل الاستبدال فيها أصعب منالاً وأعز طلباً. وذلك نتيجة لتوخي العلاقات البعيدة، أو لارتباطها بمنظومات قيَميَّة ثقافية ليست في متناول الجميع ().
ولعل هذا الكلام الجميل يعد إنجازاً في ذاته حين أدرك طبيعية الجملة الثابتة؛ وعبر عنها بـ (التركيبي) وهو يقابل في العربية ركني الجملة (المسند والمسند إليه)، ويقصر عنهما لما يمتلكانه من خصائص أسلوبية في العربية؛ وكذلك حين أدرك طبيعة الجملة المتغيرة بما يلحقها من تحولات في المحور الاستبدالي. وهذا كله موجود في لواحق المسند والمسند إليه في العربية من الفضلة والأدوات، فضلاً عن التبدُّل الذي يطرأ على ترتيب المسند والمسند إليه، وتعريفهما، أو تنكير أحدهما. وأسلوب الجملة في نهاية المطاف لغةً، ولكنه لغة ذات نظام خاص.
وقد تحدث علماء العربية عن ذلك ابتداءً بسيبويه واللغويين وليس انتهاء بالجرجاني والبلاغيين جميعاً. ورأوا في أسلوب الجملة مستويين المستوى الحقيقي المباشر للدلالة، والمستوى البعيد غير المباشر وفيه تتكثف دلالات رمزية كثيرة، وتتغير طبيعة المستويين بتغير الإضافات ونمط التأليف وتناسبه.
إن المتغيرات الأسلوبية في الجملة ترتبط بالصوت والتركيب والدلالة، وهذا كله مما عُنِيَ به في البلاغة العربية، والنحْو العربي وصرفه. فكل شكل يظهر للجملة يمكن أن يتخذ وجوهاً عدة نتيجة التحولات التي تطرأ عليه بدخول الفضلة والأداة، فحين نقول: (محمدٌ رسولُ الله)؛ فإن دلالة هذه الجملة تختلف عن دلالتها لو قلنا: (ما محمدٌ إلا رسولٌ). وكذا الأمر حين نقول: (ذهبَ محمدٌ)؛ فهذا غير قولنا: (أينَ ذهبَ محمدٌ؟)، فأي أداة أو فضلة لا تترك طبيعة التركيب ثابتة في العربية. فالجملة الأولى جملة خبرية، والثانية إنشائية. فبلاغة الجملة العربية منذ وجود العربية ليست سكونية جامدة، وإنما تتجسد كائناً إبداعياً يتجاوز الظرف الوصفي، وتربو فوقه إلى إبداعية خالصة نابعة من تجلياتها الشاملة لكل مستوياتها.
وعليه فالجملة البلاغية العربية في خالص صورها تستند إلى عناصرها المرتبطة بالكلمة ثم بالجملة. في وحداتها المعنوية الصغرى، ولو اتصلت بالسياق النصي فهو سياق مرتبط بالفضلة والأداة. فمفهوم البلاغة وإن راعى مقتضى الحال والمقام عند المتكلم والمخاطب ظل مشدوداً - كما قلنا من قبل- إلى نزعة الاقتصاد اللغوي والبلاغي، فالبلاغة الإيجاز عند العرب. لهذا لا تنظر البلاغة العربية إلى النص المتكامل باعتباره وحدة بنيوية عضوية متعاونة. ولا يعيبها أنها بنيت على ذلك التصور لأنها نتيجة فطرية طبيعية وحتمية للبنية الفكرية والنفسية والاجتماعية للذهنية العربية الأصيلة المتجذرة بالاعتزاز الذاتي الفردي؛ وإن اعتز الفرد منهم بجماعته.
(يُتْبَعُ)
(/)
لهذا يصبح اختيار الصورة اللغوية في حالة الأشكال البلاغية رفضاً مطلقاً للوضوح المباشر الذي يميز العلاقات اللغوية الثابتة في نظام (دي سوسيير) التركيبي. وتغدو الوظيفة البلاغية متنوعة وثرية بثراء أساليب البلاغة العربية؛ بحيث لا نجد نظائر لها في أية لغة من لغات الأمم الحية. ولا يمكن للبلاغي أن يتجاوز تلك الإشارات الهامة للجملة عند بعض الباحثين الغربيين أمثال (جوليا كريستيفا، وجيرار جينيت، وتودورف، ورولان بارت)، وقد تخطت إشاراتهم عالم الأسلوبية إلى ما بعدها. فالجملة يعرفها (تودوروف) في سياق مفهومه للنص بقوله: " يمكن للنص أن يكون جملة، كما يمكنه أن يكون كتاباً تاماً، وهو يعرف باستقلاله وانغلاقه " ().
وترى كريستيفا أن للجملة دور هام في إنتاجية نص ما، فباعتبار " أن المحتمل الدلالي شرط أوّليّ لكل ملفوظ، فإنه يتطلّب في لحظة ثانية (مُكَمِّلُهُ)، أي البنية التركيبية (الجملة) التي ستملأ بتمفصلاتها الفضاء الذي رسم الجمع الدلالي ملامحه الأولى " (). فالجملة هي النص الشاغل للنص المنتج، أو النص الأهم في البناء المهم.
وتربط كريستيفا بين النحو والبلاغة من خلال الجملة فهي البنية الوصلية بينهما لإدراك ما يناط من مقاصد جمالية من تعانق النحو بالحكاية (البلاغة). تقول كريستيفا: " الحكاية (البلاغة) تتبع الخيط التركيبي للجملة. فالمركبات البلاغية للحكاية هي امتدادات للمركبات النحوية " ().
والجملة في العربية قد تأخذ الموقع نفسه الذي أراده (تودوروف)، في كونها نصاً، وفي كونها تتمتع بالانغلاق، فالمتلقي ليس له الحق في تغييرها، وإن كان له الحق في إثرائها بواسطة تأملها تأملاً واعياً. فالجملة البلاغية العربية تتضمن في ذاتها قيماً أسلوبية؛ ثم تستمد قيماً جديدة متحولة من النص والموقف والبيئة، ومن طبيعة اللغة التي تنتمي إليها؛ وفي إطار العناصر المكونة لها والعلاقات التي تربط بينها. ومن هنا نقول: إن مفهوم الجملة باعتبارها نصّاً لدى الغربيين يخالف على نحو ما مفهوم الجملة البلاغية عند العرب في أساليبها المتنوعة.
1 - الجملة القرآنية و صياغتها:
إن خير ما تُوصف به الجملة في القرآن الكريم أنها بناء أُحْكِمَت لبناته، ونسقت أدق تنسيق، لا نحس فيها بكلمة تضيق بمكانها، أو تنبو عن موضعها، أو لا تتعايش مع أخواتها. يقول ابن عطية: " وكتاب الله لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد، ونحن يتبيَّن لنا البراعة في أكثره، ويخفى علينا وجهها في مواضع، لقصورنا عن مرتبة العرب – يومئذ – في سلامة الذوق، وجودة القريحة " ().
ويتحدث الرافعي عن هذا الإعجاز في بناء الجملة القرآنية بقوله: " وإنك لتحار إذا تأملت تركيب القرآن ونظم كلماته في الوجوه المختلفة، التي يتصرف فيها، وتقعد بك العبارة إذا أنت حاولت أن تمضي في وصفه، حتى لا ترى في اللغة كلها أدلّ على غرضك، وأجمع لما في نفسك، وأبين لهذه الحقيقة غير كلمة الإعجاز ... فترى اللفظ قارّاً في موضعه، لأنه الأليق به في النظم، ثم لأنه مع ذلك الأوسع في المعنى، ومع ذلك الأقوى في الدلالة، ومع ذلك الأحكم في الإبانة، ومع ذلك الأبدع في وجوه البلاغة، ومع ذلك الأكثر مناسبة لمفردات الآية، مما يتقدمه أو يترادف عليه " ().
والجملة القرآنية تَتَبَّع المعنى النفسي، فتصوره بألفاظها لتلقيه في النفس، حتى إذا استكملت الجملة أركانها، برز المعنى ظاهراً، فليس تقديم كلمة على أحرى صناعة لفظية فحسب، ولكن المعنى هو الذي جعل ترتيب الجملة ضرورة لا مَحيد عنها، وإلاّ اختلَّ وانهار.
* فقوله تعالى: ? وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ? ()، نجد فيها كلمة (إسماعيل) معطوفة على (إبراهيم)، فهو كأبيه يقوم بالفعل، يرفع القواعد من البيت الحرام، لكن تأخره في الذكر دون المعطوف عليه، يوحي بأن دوره في هذا الفعل دور ثانوي، أما الدور الأساس فقد قام به إبراهيم ?. يقو الزمخشري: " قيل: كان إبراهيم يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
* وكذلك قوله تعالى: ? وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ? (). إذ نجد " المستعان عليه في الآية غير مذكور، لا تخفّفاً من ذكره، ولكن ليوحي هذا الحذف إلى النفس أن كل ما يقوم أمام المرء من مشقة، وما يعترضه من صعوبات، يُستعان على التغلّب عليه بالصبر والصلاة " ().
ودراسة الجملة القرآنية تتصل اتصالاً مباشراً بدراسة المفردة القرآنية لأنها أساس الجملة، ومنها تركيبها. وإذا كان علماء البلاغة يجعلون البلاغة درجات، فإنهم مقرون دون جدل أن صياغة العبارة القرآنية في الطرف الأعلى من البلاغة الذي هو الإعجاز ذاته. وللإعجاز فيها وجوه كثيرة، فمنها:
* ما تجده من التلاؤم والاتساق الكاملين بين كلماتها، وبين ملاحق حركاتها، وسكناتها، فالجملة في القرآن تجدها دائماً مؤلفة من كلمات وحروف، وأصوات يستريح لتألفها السمع والصوت والمنطق، ويتكون من تضامها نسق جميل ينطوي على إيقاع رائع، ما كان ليتم لو نقصت من الجملة كلمة أو حرف أو اختلف ترتيب ما بينها بشكل من الأشكال. لنقرأ قوله تعالى: ? فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ? ()، و لنتأمل تناسق الكلمات في كل جملة منها، ثم ندقق النظر في تألف الحروف الرخوة مع الشديدة والمهموسة والمجهورة وغيرها، ثم نتمعن في تأليف وتعاطف الحركات والسكنات والمدود اللاحقة ببعضها، لنعلم أن هذه الجملة القرآنية إنما صبت من الكلمات والحروف والحركات في مقدار، وأن ذلك إنما قدر تقديراً بعلم اللطيف الخبير، وهيهات للمقاييس البشرية أن تضبط الكلام بهذه القوالب الدقيقة.
* ومنها: إنك تجد الجملة القرآنية تدل بأقصر عبارة على أوسع معنى تام متكامل، لا يكاد الإنسان يستطيع التعبير عنه إلا بأسطر وجمل كثيرة، دون أن تجد فيه اختصاراً مخلا، أو ضعفاً في الأدلة. لنقرأ قوله تعالى: ? خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ? ()، ثم لنتأمل كيف جمع الله بهذا الكلام كل خُلُقٍ عظيمٍ، لأن في أخذ العفو صلة القاطعين والصفح عن الظالمين.
*ولنقرأ قوله تعالى مخاطباً آدم ?: ? إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ? ()، لنقف على فرادة التعبير بهذه الجمل إذ جمع الله بها أصول معايش الإنسان كلها من طعام وشراب وملبس، ومأوى.
* ولنقرأ قوله تعالى: ? وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ? ()، و لنتأمل كيف جمعت هذه الآية الكريمة بين أمْريْن ونهيين وخبرين وبشارتين. أما الأمرين فهما: (أرضعيه، وألقيه في اليم). وأما النهيان فهما: (لا تخافي، ولا تحزني). وأما الخبران فهما: (أوحينا، وخفت). وأما البشارتان فهما: (إنا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين).
*ولنتأمل سورة الكوثر ? إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ? ()، إذ هي ثلاثة آيات قصار كيف تضمنت على قلة آياتها الأخبار عن مُغَيَّبَيْن: أحدهما الإخبار عن الكوثر، وهو نهر في الجنة وعظمته وسعته وكثرة أوانيه , والثاني: الإخبار عن الوليد بن المغيرة، وكان عند نزولها ذا مال وولد، ثم أهلكَ الله سبحانه ماله وولده، وانقطع نسله.
ومنها: أخراج المعنى المجرد في مظهر الأمر المحس الملموس، ثم بث الروح و الحركة في هذا المظهر نفسه. ومكمن الإعجاز في ذلك، أن الألفاظ ليست إلا حروفاً جامدة ذات دلالة لغوية على ما أنيط بها من المعاني، فمن العسير جداً أن تصبح هذه الألفاظ وسيلة لصب المعاني الفكرية المجردة في قوالب من الشخوص والأجرام والمحسوسات، تتحرك في داخل الخيال كأنها قصة تمر أحداثها على مسرح يفيض بالحياة و الحركة المشاهدة الملموسة. أستمع إلى القرآن الكريم و هو يصور لك قيام الكون على أساس من النظام الرتيب و التنسيق البديع الذي لا يتخلف، و لا يلحقه الفساد، فيقول: ?
(يُتْبَعُ)
(/)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر? () إنه يصور لك هذا المعنى في مظهر من الحركة المحسوسة الدائرة بين عينيك، و كأنها أمام آلات تتحرك بسرعة دائبة في نظام مستمر يعيها و تصورها الشعور و الخيال.
كما أن النظم السائد على أجزائه، والذي يظهر في التعبير بأركان ثلاثة هي:
1 - انسجام أجزاء الكلام والتئامها.
2 - وضع كل لفظ في موضعه اللائق.
3 - رعاية قوانين اللغة وقواعدها.
فالقرآن بلغ من ترابط أجزائه وتماسك كلماته وجمله وآياته مبلغاً لا يدانيه فيه أي كلام آخر مع طول نفسه، وتنوّع مقاصده، وافتنانه وتلوينه في الموضوع الواحد، فبين كلمات الجملة الواحدة من التآخي والتناسق ما جعلها رائعة التجانس والتجاذب، وبين جمل السورة الواحدة من التشابك والترابط ما جعلها واحدة متعانقة الآيات، ولأجل ذلك يقول سبحانه: ? قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ? ().
وبما أن قرينة الترابط والتآخي في الآيات القرآنية واضحة لمن أمعن فيها، فلذلك نطوي الكلام عن الإكثار فيها ونعطف الكلام إلى الأمر الثاني وهو: وضع كل كلمة في موضعها:
فلكل نوع من المعنى نوعٌ من اللفظ هو به أولى وأنسب، وكان إلى الفهم أقرب وبالقبول أليق، وكان السمع له أدعى والنفس إليه أميل، وهذا حكم سائر حتى في الألفاظ المتقاربة من حيث المعنى، كالحمد والشكر، والبخل والشح، والقعود والجلوس، والعلم والمعرفة وغير ذلك من الحروف والأسماء والأفعال، فإن لكل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كانا يشتركان في بعضها. وقد اهتم القرآن، باستعمال كل كلمة في موضعها بحيث لو أزيلت الكلمة أقيم مكانها ما يظن كونه مرادفاً لها، لفسد المعنى، وزال الرونق، ولأجل إيضاح ذلك نأتي بنماذج:
* نرى أنه سبحانه يأمر بالحمد فيقول: ? وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ? (). وفي موضع آخر يأمر بالشكر ويقول: ? اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ? ().
وما هذا إلا لأن الحمد هو الثناء على الجميل، والشكر هو الثناء في مقابل المعروف، فالحمد ضد الذم، والشكر ضد الكفران. والآية الأولى ناظرة إلى صفة الله سبحانه وتعالى أي التنزه عن الولد والشريك فناسب الأمر بالحمد. والآية الثانية ناظرة إلى معروفه وإحسانه تعالى على آل داود فناسب الأمر بالشكر على المعروف.
* جاءت كلمة السهو في القرآن تارة متعدية بلفظة (في) في قوله تعالى: ? الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ) ?).وأخرى بلفظة (عن) في قوله تعالى: ? الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ? ().
وما هذا إلا لأن المراد في الآية الأولى أن الغفلة تعلوهم وتغمرهم، فناسب لفظة (في) الدالة على الظرفية، ولكن المراد من الآية الثانية هو السهو عن نفس الصلاة فناسب لفظة (عن).
ومن هنا نقف على سبب ما اشتهر بين أئمة البلاغة من أن الكلمة في نظم القرآن، تأخذ أعدل مكان في بناء هذا البنيان، ولا يصلح للحلول مكانها أي كلمة أخرى، لاستلزامه إما فساد المعنى، أو عدم إفادة المقصود.
الهوامش:
1. - المبرد، المقتضب، 1/ 8.
2. - أبو علي الفارسي، المسائل العسكريات، تحقيق: علي جابر المنصوري، دار القلم، دمشق، 1988، 83.
3. - الرماني، الحدود في النحو، ضمن كتاب «رسائل في النحو واللغة» تحقيق: مصطفى جواد ويوسف مسكوني، دار المعرفة، بيروت، 1978،39.
4. - ابن جني، الخصائص، 1/ 17. وينظر: ابن جني، اللمع، تحقيق: فائز فارس، دار الفكر، دمشق، 1995، 26.
5. - ينظر: عبد القاهر الجرجاني، المقتصد في شرح الإيضاح في النحو، تحقيق: د. كاظم بحر المرجان، دار الرشيد، بغداد، 1982، 1/ 68.
6. - ينظر: الزمخشري، المفصل في علم العربية، 6.
7. - ينظر: ابن الخشاب، المرتجل في النحو، تحقيق: علي حيدر، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1988، 28، 340.
(يُتْبَعُ)
(/)
8. - ينظر: العكبري، مسائل خلافية في النحو، تحقيق: محمد الحلواني، دار المدني، القاهرة، 1992، 31.
9. - ينظر: ابن يعيش، شرح المفصل، 1/ 21.
10. - ابن مالك، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، ابن مالك، تحقيق محمّد كامل بركات، دار المعرفة، بيروت، 1995، 3.
11. - ينظر: الأشموني، شرح ألفية ابن مالك، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التوفيقية، القاهرة، 2000، 1/ 21.
12. - الصبان، حاشية الصبان على شرح الأشموني للألفية، المكتبة التوفيقية، القاهرة، 2000، 1/ 21.
13. - الرضي، شرح الكافية، 1/ 33.
14. - ابن هشام، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، دار الفكر، بيروت، 1998، 363.
15. - نفسه.
16. - نفسه.
17. - ابن هشام، الإعراب عن قواعد الإعراب، تحقيق: رشيد العبيدي، دار النفائس، بيروت، 2001، 60.
18. - السيوطي، همع الهوامع، تحقيق: عبد السلام هارون وعبد العال سالم مكرم، عالم الكتب، القاهرة، 1997،1|37.
19. - ينظر: د. مهدي المخزومي، في النحو العربي، 39. – د. أحمد ماهر البقري، النواسخ الفعلية والحرفية، دار المعارف، القاهرة، 1984، 20. – د. عبد الله جاد الكريم، المعنى والنحو، مكتبة الآداب، القاهرة، 2002، 59.
20. - د. إبراهيم أنيس، من أسرار اللغة، 276.
21. - ينظر: ابن هشام، مغني اللبيب، 346.
22. - ينظر: الزمخشري، المفصل، 7.
23. - ينظر: ابن هشام، مغني اللبيب، 346.
24. - ينظر: عبد القاهر، المقتصد،1/ 337.- ابن يعيش، شرح المفصل،1/ 94.– ابن مالك، شرح التسهيل،1/ 265.- ابن هشام، مغني اللبيب، 364.
25. - سورة القلم: آية رقم (4).
26. - ينظر: العباسي، معاهد التنصيص، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، 1979،1/ 207.
27. - سورة البقرة: آية رقم (179).
28. - سورة النساء: آية رقم (142).
29. - ينظر: د. شوقي ضيف، تجديد النحو، دار المعارف، القاهرة، 1982، 253 – 255.
30. - ينظر: المتنبي، الديوان، 1/ 286.
31. - سورة آل عمران: آية رقم (110).
32. - سورة الحجرات: آية رقم (7).
33. - ينظر: د. شوقي ضيف، تجديد النحو، 254.
34. - ينظر: الميداني، مجمع الأمثال، 3/ 345.
35. - د. صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، 86.
36. - السابق، 83.
37. - د. صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، 216.
38. - د. منذر عياشي، مقالات في الأسلوبية، 128.
39. - جوليا كريستيفا، علم النص، 58.
40. - نفسه.
41. - ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/ 44.
42. - الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، 282.
43. - سورة البقرة: آية رقم (127).
44. - الزمخشري، الكشاف، 1/ 361.
45. - سورة البقرة: آية رقم (45).
46. - د. منير سلطان، بلاغة الكلمة والجملة والجمل، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1993، 108.
47. - سورة القمر: الآيتان رقم (11، 12).
48. - سورة الأعراف: آية رقم (199).
49. - سورة طه: الآيتان رقم (118، 119).
50. - سورة القصص: آية رقم (7).
51. - سورة الكوثر: الآيات من (1 – 3).
52. - سورة الأعراف: آية رقم (54).
53. - سورة الزمر: آية رقم (28).
54. - سورة الإسراء: آية رقم (111).
55. - سورة سبأ: آية رقم (13).
56. - سورة الذاريات: آية رقم (11).
57. - سورة الماعون: آية رقم (5).(/)
الجملة القرآنية بين الاسمية والفعلية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[17 - 07 - 2008, 12:53 ص]ـ
الجملة القرآنية بين الاسمية والفعلية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب - جامعة كفر الشيخ
أشرنا من قبل أن الجملة تتألف من ركنين أساسين هما: المسند والمسند إليه. وهذان الركنان هما عمدة الكلام. ويظهر تأليف الجملة – تبعاً للمسند – بصورتين هما:
الأولى: فعل + اسم، وبالتعبير الاصطلاحي (فعل وفاعل أو نائبه). والأصل فيها أن يتقدم الفعل على الاسم المسند إليه (الفاعل)، ولا يتقدم المسند إليه على الفعل إلا لغرض يقتضيه المقام.
والثانية: اسم + اسم، أو المبتدأ والخبر. والأصل فيها أن يتقدم المسند إليه (المبتدأ) على المسند (الخبر)، ولا يخالف ذلك إلى لأغراض يقتضيها السياق، أو طبيعة الكلام.
والفرق الدلالي بين الصورتين؛ أن الجملة التي مسندها فعل إنما تدور على معنى دلالي هو (الحدوث) لارتباط هذا الفعل (المسند) بالزمن، لأن الزمن جزء منه. وهذا الحدوث مستفاد سواء تقدم الفعل أو تأخر.
وقد تفيد هذه الصورة الدلالة على الاستمرارية في الحدوث بالقرائن السياقية التي تتضافر معها لإفادة هذه الاستمرارية، مثلما نلمس ذلك في قوله تعالى: ? هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ? ()، إ الدلالة في جملة (يرزقكم) تنعقد على أن الرزق من الله متجدد ومستمر، لا ينقطع ولا يزول. فالحدث هنا على الاستمرارية المستفادة من التعبير بالفعل المضارع في جملته الفعلية. أما الجملة الاسمية التي مسندها (اسم = خبر) فإنها تدل على معنى (الثبوت)، وربما أفادت معنى الدوام بالقرائن المختلفة ().
وإذا كانت الجملة الاسمية على دلالة إفادة معنى الثبات والدوام، والجملة الفعلية على إفادة معنى التجدد والحدوث، فإن الجملة الاسمية في دلالاتها تتسع في نطاقها النصي لتدل على معنى أوفى مما تدلّ عليه الجملة الفعلية، ولهذا ذهب أهل البلاغة إلى أن الجملة الاسمية نفيد بهيئتها التركيبية تأكيد المعنى، ولذا تؤثر في بعض المقامات على الجملة الفعلية ().
هذا ولأهل البلاغة في هذا المقام تفصيل جميل، غذ جعلوا من حركية المسند إليه مؤشراً دلالياً على نوع الجملة، ومن ثم القصد منها إلى أغراض ومقاصد دلالية متنوعة. نلمس ذلك في ثنايا حديثهم عن ملمح التقديم والتأخير في سياق الخبر المثبت (). وهذه العناية من جانبهم قائمة على إبراز الفروق التعبيرية المتولدة عن توظيف المركب الاسمي أو الفعلي، وما ينعقد عليها من مقاصد جمالية في سياقات النص.
وعبد القاهر الجرجاني حين يتخذ من فنية التقديم والتأخير في سياق معانقاتها للسياق الخبري، إنما كان مقصده الأول والأهم هو المعنى، إذ يدور في فلكه، ويبغيه من وراء تحليله، لكنه ليس المعنى في ذاته، المعنى الشريف أو الخسيس، لكنه المعنى المبتغى من وراء التركيب، المعنى نتاج تزاوج الدلالة بين النحو والبلاغة، بين التراكيب ومعانيها. فيرى الإمام أننا و أردنا أن نتحدث عن فاعل ما فقدمنا ذكره، ثم تليناه بالفعل الذي قام به فنقول: (زيدٌ قد فعل) و (أنا فعلت) فإن قصدك من ذلك هو الفاعل (معنى)، وليس قصدك هنا الفاعل (رتبة). يقول: " فإذا عمدت إلى الذي أردت أن تحدث عنه بفعل، فقدمت ذكره، ثم بنيت الفعل عليه فقلت: زيدٌ قد فعل، وأنا فعلت، وأنت فعلت. اقتضى ذلك أن يكون القصد إلى الفاعل " ().
لكن عبد القاهر يجعل المعنى المتولد من قصدية هذا الأسلوب على قسمين هما:
الأول: واضح لا غموض فيه. وهو أن يكون الفعل لفاعل منصوص عليه دون غيره، وانفراده بهذا الفعل دون سواه. مثل قولك: (أنا كتبت هذه الورقة)، و (أنت قمت بهذه الزيارة). ويتضح هنا في هذا القسم تخصيص ضمائر المتكلم والمخاطب بهذا الفعل، فهما مما يساعد على أداء هذا المعنى المقصود.
أما القسم الثاني: وهو أن يكون الفعل لفاعل ما دون تخصيصه. فالفعل مثبت لفاعل غير معين كقولك: (هو كتب هذه الورقة)، فاستخدام ضمير الغائب هو الذي سوغ عدم تعيين هذا الفاعل (معنى) وليس (رتبة).
(يُتْبَعُ)
(/)
إن الإمام هنا لما تحدث عن تقديم الاسم المخصص بالذكر كان يتحدث عن تقديم رتبي، بمعنى أن هذا الاسم المقدم سيصير (مبتدأ به)، والفعل المثبت له بعده هو الخبر الرتبي (خبر جملة فعلية). كذلك كان هذا التقديم أيضاً (معنوياً) بمعنى الإقرار بهذا الفعل لهذا الفاعل، وتخصيصه بالفعل، أو عدم تخصيصه وتعيينه بهذا الفعل.
وعبد القاهر في القسم الأول قصر الفاعلية على الذات المفردة دون غيرها، وذلك باتخاذ ضميري المتكلم والمخاطب وسيلة لذلك، وجعلهما مسندا إليهما أي (مبتدأ). في حين أنه في القسم الثاني أثبت الفعل لفاعل ما، مع التركيز على إثبات هذا الفعل والتنبيه على ذلك دون التعريض بغير الفاعل، أو الحط من شأنه، وقد تحقق له ذلك باستخدام (ضمير المخاطب) مصدرًا به الكلام مسنداً إليه (مبتدأ به).
وهذا الذي ذهب إليه عبد القاهر من استخدام الضمائر في تأدية هذا المعنى، ليس معناه قصر هذا الأداء على هذه الضمائر، بل إنه عمم ذلك لما أشار إلى تقديم الاسم المراد تقديمه وبناء الفعل عليه. وعلى هذا فإن كل اسم ابتدئ به في صدارة الكلام يستلزم من الفعل المبني عليه بعده ضميراً يعود على المبتدأ؛ هذا الضمير هو ما يحدد خط سير الاسم من حيث كونه متكلماً أو مخاطباً أو غائباً، وبالتالي يتحدد مسار المعنى المستفاد من وراء هذا الأسلوب.
ويشير عبد القاهر إلى أنه لم يتفرد بذكر هذا الأسلوب بل سبقه إليه إمام النحويين سيبويه في (الكتاب)، يقول عبد القاهر: " هذا الذي ذكرت لك من أن تقديم المحدث عنه يفيد التنبيه له، قد ذكره صاحب الكتاب في المفعول الذي قدم فرفع بالابتداء، وبني الفعل الناصب كان له عليه، وعدي إلى ضميره فشغل به. كقولنا في (ضربتُ عبدَ الله) و (عبدُ الله ضربتُه) فقال: وإنما قلت: عبدُ الله فنبهته له، ثم بنيت عليه الفعل، ورفعته بالابتداء " ().
وإشارة عبد القاهر هنا إنما ساقها ليدلل على رأيه بأن تقديم الاسم وبناء الفعل عليه قد يخرج عن غرض القصر إلى غرض التنبيه، وهذا ما أشار إليه سيبويه (). كذلك أشار إلى خروج هذا الأسلوب إلى غرض التأكيد.
وعبد القاهر يجعل من تقديم الاسم (المسند إليه) وبناء الفعل عليه، مع وجود ضمير عائد على المتقدم أبلغ من سياقه مجرداً من التقديم. يقول: " ليس إعلامك الشيء بغتة غفلاً، مثل إعلامك له بعد التنبيه عليه، والتقدمة له، لأن ذلك يجري مجرى تكرير الإعلام في التأكيد والأحكام، ومن هنا قالوا: إن الشيء إذا أضمر ثم فسر كان ذلك أفخم له من أن يذكر من غير تقدمة إضمار " (). واستشهد عبد القاهر بالكثير من الآيات القرآنية للتدليل على رأيه الذي ساقه في هذه الجزئية. وقد عدد عبد القاهر مواطناً يكثر فيها تقديم المحدث عنه (المسند إليه) والغرض منه تأكيد الخبر وتحققه هي ():
1 - عند إنكار منكر، نحو قوله تعالى:] وَيَقُولُونَ عَلَى الْلَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [()، فقد وردت هذه الآية في الرد على إنكار المنكرين لهذا الدين، فجاء تقديم المحدث عنه تأكيداً لهذا الفعل.
2 - فيما اعترض فيه شك، وهو سوق الخبر على وجه الشك أو التردد في أمر ما.
3 - في تكذيب من ادعى أمراً ما، نحو قوله تعالى:] وَإِذَا جَاؤُكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ [(). فقولهم: (آمنا) دعوى لنفي صفة الكفر عن أنفسهم وهذا كذب.
4 - في استحالة القياس على مماثل، مثلما قاس الكفار على صفة الخلق للخالق، فوصفوا آلهتهم بالخلق افتراء، وهذا قياس فاسد، لأنهم يعبدون ما خلق بأيديهم، فكيف يكون المخلوق خالقاً؟! وعليه قوله تعالى:] وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [().
5 - ما جاء على خلاف المعتاد، وذلك ممن علم حاله، وثباته على صفة ما أو على فعل ما، ثم أخبر عنه بما يناقض ذلك، فلا يصدق. كالإخبار عن جبان رعديد بأنه قاتل العدو في خطوط المواجهة.
6 - في الوعد والضمان كقولك: (أنا أقوم بهذا الأمر عنه).
7 - في المدح، فالمدح يمنع السامع من الشك في الممدوح، ويبعده عن الشبهة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعدا هذه المواطن يؤتى بالفعل ثم يبنى عليه الاسم، وذلك إذا كان الفعل مما لا يشك فيه ولا ينكر. يقول عبد القاهر: " إذا كان الفعل مما لا يشك فيه ولا ينكر بحال لم يكد يجئ على هذا الوجه، ولكن يؤتى به غير مبني على اسم، فإذا أخبرت بالخروج عن رجل من عادته أن يخرج في الغداة قلت: (قد خرج) ولم تحتج إلى أن تقول: (هو قد خرج)، ذاك لأنه ليس بشيء يشك فيه السامع فتحتاج أن تحققه، وإلى أن تقدم فيه ذكر المحدث عنه " ().
ويحسن بناء الفعل على اسم في حالة عدم الشك في الفعل أو إنكاره، إذا كان الكلام في جملة حال مثل: (جئته وقد ركب)، وذلك لأن حكم المعنى يتغير في هذا الموضع، ويصير إلى الشك ولو بقدر بسيط. ويصف عبد القاهر هذا الأسلوب بقوله: " هذا وهو كلام لا يكاد يجيء إلا نابياً، وإنما الكلام البليغ هو أن تبدأ بالاسم وتبني الفعل عليه كقوله: قَدْ اغْتَدِي وَالطَّيْرُ لَمْ تُكَلَّمِ
فإذا كان الفعل فيما بعد هذه الواو التي يراد بها الحال مضارعاً لم يصح إلا مبنياً على اسم كقولك: (رأيته وهو يكتب) " (). والمعنى لا يستقيم إلا على هذا المنوال، وهو ما استخدمه النص القرآني في آيات كثيرة وهو أبلغ. أما في الخبر المنفي، فالأمر يقتضي الصنيع نفسه، كقوله تعالى:] وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ [()، وقوله تعالى:] لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [().
فهذه المعاني تعاورها أهل البلاغة من بعد عبد القاهر بلا زيادة، وأوردوا شواهده مضافاً إليها بعض الشاهد الأخرى على تفصيله وتحليله.
ومن جميل التوظيف القرآني لسياقات التركيب الاسمي والفعلي أنه يستعملهما استعمالاً متناسباً مع وقع الحدث في الحياة، فإذا كان الحدث مما يتكرر حدوثه ويتجدد استعماله، استعمله القرآن الكريم بالصورة الفعلية، وإن لم يكن كذلك وظّفَ الجملة الاسمية.
* فمن ذلك مثلاً توظيف القرآن الكريم للفعل (يُنْفِق)، إذ وظفه في سياق تجددي مستمر قائم على التناغم مع لغة الحياة المقتضية لهذا الفعل، ولذا وظفه القرآن في صورته الفعلية في:
- قوله تعالى: ? الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً ? ().
- قوله تعالى: ? بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ? ().
- قوله تعالى: ? قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً? ().
- قوله تعالى: ? وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ? ().
- قوله تعالى: ? يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ? ().
فقد وظف في هذه الآيات سياقات الفعل المضارع الدال على التجدد في حدوث الفعل، ذلك لأن الإنفاق أمر يتجدد. ولم يرد هذا الفعل بالصورة الاسمية إلا في قوله تعالى: ? الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ? ()، ذلك لأنه وارد في سياق تعداد أوصاف المؤمنين الدالة على الثبات والاستقرار لهذه الصفات في نفوس هذه الفئة. يقول ابن عاشور في تفسير فنية الجمع بين هذه الصفات بالواو العاطفة: " إذا عطفت فقد نزلت كل صفة منزلة ذات مستقلة، وما ذلك إلاّ لقوة الموصوف في تلك الصفة، حتى كأنّ الواحد صار عدداً " ().
فهذه الصفات جزء أصيل منهم، لا يتغير بتغير الحوادث، بل هو ثابت مستقر فيهم، وهذا مستفاد بالطبع من سياق التعبير بالصيغة الاسمية دون الفعلية في هذه الصفات.
* ومن ذلك السياق التعبيري في سورة الكافرون، يقول تعالى: ? قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {6} ?. إذ تنوع السياق في السورة الكريمة بين الجمل الاسمية والفعلية على النحو التالي:
1 - لا أعبد ـــــــــــــــــــــــــ جملة فعلية (فعل مضارع + فاعل مستتر وجوباً؛ ضمير متكلم).
(يُتْبَعُ)
(/)
2 - ما تعبدون ــــــــــــــــــــــ جملة فعلية (فعل مضارع + الفاعل؛ واو الجماعة).
3 - ولا أنتم عابدون ــــــــــــــ جملة اسمية (مبتدأ + خبر مفرد).
4 - ما أعبد ــــــــــــــــــــــــــ جملة فعلية (فعل مضارع + فاعل مستتر وجوباً؛ ضمير متكلم).
5 - ولا أنا عابد ــــــــــــــــــــ جملة اسمية (مبتدأ + خبر مفرد).
6 - ما عبدتم ــــــــــــــــــــــــ جملة فعلية (فعل ماض + فاعل؛ تاء الخطاب).
7 - ولا أنتم عابدون ــــــــــــــ جملة اسمية (مبتدأ + خبر مفرد).
8 - ما أعبد ــــــــــــــــــــــــــ جملة فعلية (فعل مضارع + فاعل مستتر وجوباً؛ ضمير متكلم).
فقد وردت ثلاث جمل اسمية في سياق التعبير بـ (5 خمس جمل فعلية)، إذ السياق التركيبي في السورة دائر على إفادة تجدد الأحداث والمعاني كلٌّ في جانبه.
* ففي جانب المصطفى ? تم التعبير بالجمل التالية:
1 - لا أعبد ــــــــــــــــــ جملة فعلية منفية.
2 - ما أعبد ــــــــــــــــــ جملة فعلية.
3 - ولا أنا عابد ــــــــــــ جملة اسمية منفية.
4 - ما أعبد ــــــــــــــــــ جملة فعلية.
فالجملة الاسمية هنا تدور على دلالة الثبات والاستقرار في نفي هذه العبادة من جانب المصطفى ? لآلهة المشركين. ومزاوجة النفي هنا بدخوله على المسند إليه (المبتدأ أنا) على معنى إثبات فعل الفاعل لكن لغير هذا الفاعل، بمعنى إثبات فعل عبادة هذه الأوثان، لكن في جانب المشركين لا في حق المصطفى ?. فالنفي هنا متسلط على نفي صاحب الفعل لا الفعل ذاته. يقول الإمام عبد القاهر: " إذا قلت: ما أنا قلت هذا، كنت نفيت القائل له، وكانت المناظرة في شيء ثبت أنه مقول " ().
أما التعبير بالجمل الفعلية في حق المصطفى ? فقد تواردت على معنين هما:
الأول: نفي العبادة من جانبه ? لهذه الآلهة، وذلك بتوظيف حرف النفي (لا) مع الفعل المضارع المسند إلى ضمير المتكلم (أنا)، وهو (أعبد) على معنى بلاغي متولد من هذه المعانقة الدلالية بين الفعل المضارع والنفي؛ هذا المعنى يدور على نفي فعل لم يثبت أنه فُعِلَ، ذلك لأن نفي العبادة هنا عن النبي ? لا يقتضي وقوعها أصلاً. يقول الإمام الرازي: " النفي إذا أدخلته على الفعل قلت: (ما ضربتُ زيداً) كنت نفيت فعلاً لم يثبت أنه مفعول، لأنك نفيت عن نفسك ضرباً واقعاً بزيد، وذلك لا يقتضي كونه مضروباً، بل ربما لا يكون مضروباً أصلاً " ().
والثاني: أن التعبير بجملة فعلية مكررة هي (ما أعبد) في سياق التعبير بالفعل المضارع المثبت الدال على التجدد الدائم والمستمر في هذا الفعل من جانب المصطفى ? في حق الله سبحانه وتعالى.
* وفي جانب الكافرين عبر بالجمل التالية:
1 - ما تعبدون ــــــــــــــــــــ جملة فعلية.
2 - ولا أنتم عابدون ــــــــــــ جملة اسمية منفية.
3 - ما عبدتم ــــــــــــــــــــــ جملة فعلية.
4 - ولا أنتم عابدون ــــــــــــ جملة اسمية منفية.
فعبر بالجملة الاسمية المنفية مكررة ليفيد المعنى هنا الثبات والاستقرار لهذا الفعل منهم، فهم على النفور من عبادة الإله الواحد، والإشراك به. ودخول النفي على الاسم في الجملة على معنى نفي الفعل عن فاعله مع تعيّن ثبوته لغير هذا الفاعل، وهو المعنى المستفاد هنا.
أما التعبير بالجملة الفعلية في سياق المضارع والماضي فهي على استمرارهم في القيام بالفعل أي (العبادة) لكن في حق الآلهة الأوثان، فهم ما زالوا مقيمين على هذا الفعل إذ يتجدد منهم ويستمر.
وبتدقيق النظر في السورة الكريمة نجد أن الرسول ? نفى عبادة الأصنام عن نفسه بالصيغتين الفعلية والاسمية (لا أعبد ما تعبدون) و (ولا أنا عابد ما عبدتم)، ونفى عن الكافرين العبادة الحقة بصيغة واحدة مرتين هي الصيغة الاسمية (ولا أنتم عابدون ما أعبد)، وذلك لكونهم قد اتصفوا بصفة الكفر على وجه الثبات، فنفى عنهم عبادة الله أيضاً على وجه الثبات (). وهكذا يؤدي التركيب الاسمي والفعلي دوره في إثراء الدلالة السياقية المنوطة به في سياقات الآيات الكريمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
* ومن ذلك توظيف القرآن الكريم للفعل (سبّح)، فقد ورد موظفاً في التركيب الفعلي بكثرة لدلالته على التجدد والحدوث حيناً بعد حين كما في قوله تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ ? ().
- وقوله تعالى: ? سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ? ().
- قوله تعالى: ? سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ? ().
- قوله تعالى: ? يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ? ().
فقد تنوعت صيغ الفعل ما بين المضارع والماضي دلالة على شمولية هذا الفعل للزمنية، واتساقاً مع النعم المسبغة على العباد من الله، فوجب له تجديد التسبيح والشكر على هذه النعم.
غير أن هذا الفعل وظف في القرآن الكريم بالصيغة الاسمية في موضعين هما:
الأول: في وصف نبي الله يونس عليه السلام، في سياق قصته مع قومه ومع الحوت عند ابتلاعه إياه، ثم عفو الله عنه وعن قومه. يقول تعالى: ? فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ? (). فالمعنى هنا على أن هذا التسبيح هو وصف يونس عليه السلام الثابت له، فنجا من محنته بتخلقه بهذا الوصف الدائم.
والثاني: في سياق حديث الملائكة الكرام عن أنفسهم بأنهم هم المسبحون في قوله تعالى: ? وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ? (). وذلك لأن الصفة ثابتة لهم ومنهم، ودائمة على مر الأزمان، فهي خاصة بهم. فناسب بالتعبير الفعلي ما يوافقه من السياق، وكذلك بالتعبير الاسمي في نسيج الآيات القرآنية.
تلك هي أهم التلوينات الصوتية التي تولدت عن التنوع التعبيري بالجملة القرآنية في تركيباتها الاسمية والفعلية، مراعية السياق القرآني وتوظيفاته النصية لهذه التركيبات، ومتناسبة في الوقت ذاته مع معطيات الأداء التعبيري لهذه السياقات، مع القصد إلى جماليات متنوعة تتكئ في أساسها على فنية التلوين لأنها مناط الجمالية في هذه السياقات.
الهوامش:
1. - سورة الإسراء: آية رقم (111).
2. - سورة سبأ: آية رقم (13).
3. - سورة الذاريات: آية رقم (11).
4. - سورة الماعون: آية رقم (5).
5. - سورة قاطر: آية رقم (3).
6. - ينظر: د. فضل عباس، البلاغة؛ فنونها وأفنانها (علم المعاني)، دار الفرقان، الأردن، 1989، 29.
7. - ينظر: العلوي، الطراز، 2/ 25.
8. - ينظر: عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 128 – 136. – الرازي، نهاية الإيجاز، 307 – 310. – الزنجاني، معيار النظار، 46 – 48. – البحراني، مقدمة شرح نهج البلاغة، 144 – 145. – الزملكاني، المجيد، 114 – 116.
9. -عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 128.
10. - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، 131.
11. - سيبويه، الكتاب، 1/ 41.
12. - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، 132.
13. - المرجع السابق، 133 - 138.
14. - سورة آل عمران: آية رقم (78).
15. - سورة المائدة: آية رقم (61).
16. - سورة الفرقان: آية رقم (3).
17. - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، 135.
18. - المرجع السابق، 136.
19. - سورة المؤمنون: آية رقم (59).
20. - سورة يس: آية رقم (7).
21. - سورة البقرة: آية رقم (274).
22. - سورة المائدة: آية رقم (64).
23. - سورة إبراهيم: آية رقم (3 1).
24. - سورة الحج: آية رقم (35).
25. - سورة السجدة: آية رقم (16).
26. - سورة آل عمران: آية رقم (17).
27. - محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، 3/ 302.
28. - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، 114.
29. - الرازي، نهاية الإيجاز، 305.
30. - ينظر: د. فاضل السامرائي، التعبير القرآني، دار عمار، الأردن، 1998. 29.
31. - سورة الأعراف: آية رقم (206).
32. - سورة الحديد: آية رقم (1).
33. - سورة الحشر: آية رقم (1).
34. - سورة الجمعة: آية رقم (1).
35. - سورة الصافات: الآيتان رقم (143 – 144).
36. - سورة الصافات: الآيتان رقم (165 – 166).
ـ[أحلام]ــــــــ[18 - 07 - 2008, 01:55 م]ـ
جزاكم الله خيرا
وجعل الله ذلك في ميزان حسناتكم
ـ[أبو مهند المصري]ــــــــ[10 - 09 - 2009, 06:03 م]ـ
السلام عليكم
بحث قيم، كنت أريد معرفة بريدكم الإلكتروني يا دكتور أسامة للتواصل بأمر مهم، وجزاكم الله خيرًا.(/)
تلوينات العدول في الجملة القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[17 - 07 - 2008, 12:57 ص]ـ
تلوينات العدول في الجملة القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
أينما وُجِدَ العدول في التعبير اللغوي وُجِدَ التركيب الفني والجمالي، فما العدول في حقيقته إلا اللغة في بنيتها السطحية (الفنية)، مبتعدة في اتجاه مضاد لمستوى البنية العميقة (المعيارية)، التي هي أصل بنية العدول.
والقرآن الكريم كأثمن نص تعبيري باللغة العربية وظّف هذه البنية العدولية في مبانيه الجملية والتركيبية على أروع نسق، وأجمل هيئة تعبيرية، ذلك لأن فنية العدول في القرآن تتسع لتشمل في فضائها ألوان متنوعة تتمثل في:
1 - العدول الرتبي (التقديم والتأخير الرتبي).
2 - العدول المعنوي (التقديم والتأخير المعنوي).
3 - العدول الضمائري (أسلوب الالتفات).
ولذا فالتلوين بالعدول في سياقات التوظيف القرآني للتراكيب يهدف أولاً وقبل كل شيء إلى إثبات فرادة النص الكريم، وثانياً إلى تثوير الدلالات الجمالية المتولدة عن مثل هذا العدول. ولنحاول الآن الوقوف مع كل لون من هذه الألوان العدولية من خلال السياقات القرآنية، محاولين تلمس جماليات التوظيف النصي في هذه السياقات.
أولاً: العدول الرتبي (التقديم والتأخير الرتبي)
أصبح من المسلم به أن معنى الجملة ليس هو مجموع معاني المفردات التي تتألف منها، بل هو حصيلة تركيب هذه المفردات في نمط معين حسب قواعد لغوية محددة، تماما كما أن الساعة مثلاً، ليست مجموع القطع المعدنية التي تتألف منها، وإنما هي آلة تتكون من هذه القطع حسب قواعد معدنية، لتؤدي وظيفة لا تؤديها أي من القطع وحدها، ولا تؤديها كل القطع مجتمعة إلا إذا ركبت بطريقة محددة ().
كما أن نسق الجملة وكيفية ترتيب الأجزاء فيها مما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في أثناء عملية الاختيار البنائي للجملة. يقول الجرجاني: " وإن أردت أن ترى ذلك عياناً فاعمد إلى أي كلام شئت وأزل أجزاءه عن مواضعها وضعها وضعا يمتنع معه دخول شيء من معاني النحو فيها فقل في:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ
(من نبك قفا حبيب ذكرى منزل) ثم انظر هل يتعلق منك فكر بمعنى كلمة منها " (). ذلك لأن المعنى إنما يتولد فقط من ترتيب الألفاظ والعبارات، والمعاني هي معاني النحو بالتقديم والتأخير (). ومعنى هذا أن لكل تركيب نظمه وترتيبه ومواقع ألفاظه، وقد صرح باسكال بأن الكلمات المختلفة الترتيب يكون لها معنى مختلف، وأن المعاني المختلفة الترتيب يكون لها تأثيرات مختلفة أيضا ().
إن تقديم ما هو متأخر، وتأخير ما هو متقدم لمناسبة تقتضي ذلك جائز لا مشاحة فيه. وهذا الجواز ليس مجانياً، بل ما من مقدَّم أو مؤخَّر يُزَال عن موضعه إلا ويترك ظلالاً معنويةً يخالف الوضع الثاني فيها الوضع الأول، ومن ثم كان تقسيم التقديم إلى مفيد وغير مفيد، مما أثار حفيظة عبد القاهر فقال: " واعلم أن من الخطأ أن يقسم الأمر في تقديم الشيء وتأخيره قسمين، فيجعل مفيداً في بعض الكلام وغير مفيد في بعض، وأن يعلل تارةً بالعناية وأخرى بأنه توسعة على الشاعر والكاتب، حتى تطرد لهذا قوافيه ولذلك سجعه، ذاك لأن من البعيد أن يكون في جملة النظم ما يدل تارة ولا يدل أخرى، فمتى ثبت في تقديم المفعول مثلاً على الفعل في كثير من الكلام أنه قد اختص بفائدة لا تكون تلك الفائدة مع التأخير، فقد وجب أن تكون تلك قضية في كل شيء وفي كل حال، ومن سبيل من يجعل التقديم وترك التقديم سواء أن يدعي أنه كذلك في عموم الأحوال، فأما أن يجعله شريجين فيزعم أنه للفائدة في بعضها، وللتصرف في اللفظ من غير معنى في بعض، فمما ينبغي أن يرغب عن القول به " ().
لقد حاول البلاغيون التدليل على اختلاف الدلالات باختلاف التراكيب بالتقديم والتأخير، واجتهدوا في بيان الفروق الدقيقة بين عبارات أصبحت رائجة في مصادرهم قديمها وحديثها من مثل: (زيداً ضربتُ)، و (ضربتُ زيداً)، و (زيدٌ المنطلقُ)، و (المنطلقُ زيدٌ)، و (جاءَ زيدٌ ضاحكاً)، و (جاءَ ضاحكاً زيدٌ). وكان تحليلهم لها مؤذناً بفهم دقيق واعي. فمن ذلك مثلاً تفريقهم بين:
(يُتْبَعُ)
(/)
* (زيداً ضربتُ)، و (ضربتُ زيداً): عبارتان ليستا بمعنى واحد " فإن في قولك: (زيداً ضربتُ) تخصيصاً له بالضرب دون غيره، بخلاف قولك: (ضربتُ زيداً)، وبيانه هو أنك إذا قدمت الفعل فإنك تكون بالخيار في إيقاعه على أي مفعول أردت بأن تقول: ضربتُ زيداً أو عمراً أو بكراً أو خالداً، وإذا أخرت الفعل وقدمت مفعوله فإنه يلزم الاختصاص للمفعول على أنك لم تضرب أحدا سواه " ().
* (زيدٌ المنطلقُ)، و (المنطلقُ زيدٌ): وأما قولك (المنطلقُ زيدٌ) والفرق بينه وبين أن تقول (زيدٌ المنطلقُ)، فالقول في ذلك أنك وإن كنت ترى في الظاهر أنهما سواء من حيث كان الغرض في الحالين إثبات انطلاق قد سبق العلم به لزيد، فليس الأمر كذلك. بل بين الكلامين فصل ظاهر وبيانه: أنك إذا قلت: (زيدٌ المنطلقُ) فأنت في حديث انطلاق قد كان وعرف السامع كونه، إلا أنه لم يعلم أمن زيد كان أم من عمرو، فإذا قلت: (زيدٌ المنطلقُ) أزلت عنه الشك وجعلته يقطع بأنه كان من زيد بعد أن كان يرى ذلك على سبيل الجواز، وليس كذلك إذا قدمت (المنطلق)، فقلت: (المنطلقُ زيدٌ)، بل يكون المعنى حينئذ على انك رأيت إنساناً ينطلق بالبعد عنك، فلم تثبته ولم تعلم أنه أزيد هو أم عمرو، فقال لك صاحبك: (المنطلقُ زيدٌ)، أي هذا الشخص الذي تراه من بُعد هو زيد ().
وقد أثارت محاولات البلاغيين التمييز بين هذه العبارات د. إبراهيم أنيس فقال عن الجرجاني: " وقد حاول عبد القاهر الجرجاني أن يفرق بين مثلين من صنعه هما: (زيدٌ المنطلقُ)، و (المنطلقُ زيدٌ) فلقي من العنت والمشقة ما أجهده وأجهدنا معه، ويظهر أن صعوبة تمييز المسند من المسند إليه في مثل هذه الجمل هو الذي ألجأ عبد القاهر وغيره إلى تكلف الشطط في علاجها. وهذه المزاوجات لا تعدو أن تكون أمر أسلوب إذ لا يكاد المعنى يختلف بتأخير أحدهما أو تقديمه " ().
ولعل د. إبراهيم أنيس حين أصدر حكمه هذا كان واقعاً تحت تأثير التصور النحوي الذي لا شأن له بالدلالات الجزئية، فالمعنى لا يختلف سواء قدّمنا أو أخّرنا، بينما يحدث التغيير في الدلالة ذاتها ففي قوله تعالى: ? وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ ? () وجدنا المعنى العام أنهم جعلوا الجن شركاءَ وعبدوهم مع الله، أما الدلالة فتأتي من وراء الصياغة الإبداعية في التقديم والتأخير ().
ولهذا لم يستطع برجشتراسر أن يقف عند حدود فارقة بين التعبير بالتركيب الفعلي (جاءَ زيدٌ)، و التركيب الاسمي (زيدٌ جاءَ). يقول: " والأقرب إلى الاحتمال هو أن يكون معنى (زيد جاء) عين معنى (جاء زيد)، وإنما الفرق بينهما أنه إذا قلت: (جاء زيد) أخبرت عن مجيئه إخباراً محضاً ولا يخالطه شيء غيره، فتقديم الفعل هو العبارة المألوفة، وإذا قلت: (زيد جاء) كان مرادي أن أنبه به السامع إلى أن الذي جاء هو زيد، كأني قلت: زيد جاء لا غيره. فتقديم الفاعل عبارة عن أن الأهم كون زيد هو الفاعل لا كونه فَعَلَ الفعل، وما ينبه به السامع على هذا المعنى شيئان:
الأول: تغيير الترتيب العادي، فكل شيء يخالف العادة هو أكثر تأثيراً في الفهم من المألوف.
والثاني: أن أول كلمة في الجملة هي على العموم المضغوطة في اللغة العربية إذا صرفنا نظرنا عما تبتدئ به الجملة من الأدوات كإن وأخواتها إلى غير ذلك " ().
فبرجشتراسر لم يجد بداً من الاعتراف بهذه الفروق الدلالية الدقيقة وإرجاعها إلى تغيير الترتيب الذي يجعل بداية الجملة مضغوطة معتنى بشأنها، وهذا الضغط هو ما سماه تمام حسان (المعنى الشأني) أو (البؤري) ()، وهو ما يفهم من تحديد بؤرة الاهتمام بمضمون اللفظ بواسطة التقديم والتأخير.
(يُتْبَعُ)
(/)
يمكن أن نستخلص مما سبق أن أي تغيير في النظام التركيبي للجملة يترتب عليه بالضرورة تغير الدلالة وانتقالها من مستوى إلى مستوى آخر، ومِلاك ذلك كله وتمامه الجامع له – كما ينص عليه البلاغيون ويلخصه القاضي الجرجاني- صحة الطبع وإدمان الرياضة فإنهما أمران ما اجتمعا في شخص فقصرا في إيصال صاحبهما عن غايته ورضيا له بدون نهايته – وأقل الناس حظاً في هذه الصناعة لا يعبأ باختلاف الترتيب واضطراب النظم وسوء التأليف، ولا يقابل بين الألفاظ ومعانيها ولا يسبر ما بينهما من نسب ولا يمتحن ما يجتمعان فيه من سبب ().
إن اختيار المتكلم لترتيب دون ترتيب باعتبار الظروف والمقاصد التي يريدها، أي باعتبار نظام القيم، ينتج عنه كون التقديم أو التأخير من نتائج الاختيار النحوي، إذ يعود عدد الاختيارات الممكنة إلى بنية اللغة بالذات، ففي بعض الأحوال لا يكون هناك سوى بديل واحد كتقديم الفاعل أو تأخيره، فالمتحدث يختار أبنية لغوية تخضع لقواعد نحوية إجبارية في صياغتها لا مفر من اتباعها. وتظل هناك بعد ذلك مجموعة إمكانيات التعبير الاختيارية المتعادلة دلالياً بشكل أو بآخر يستطيع المتحدث أن يمارس فيها اختياراته الأسلوبية ().
وبهذا يكون التقديم والتأخير نمطاً من الأنماط الدالة، وهو وجه من أوجه الاختيار التي تُؤَدَّى بها المعاني، وانتقاء بديل من البدائل الأسلوبية المتاحة تمثل مجالاً لتباري المبدعين باعتبار أن هناك ممكنات يختص قوم دون قوم بإدراكها واكتشافها، فتكون التراتيب اللغوية المناسبة لها ملكاً لأولئك الذين يدركون كيفية استعمالها. وقد رأينا استحسان الجرجاني للتراكيب والتراتيب المنتقاة والتي عمها الحسن من جهة أن قدّمت فيها كلمة وأخّرت أخرى.
العدول في الأسلوب:
لكل أسلوب بياني دوافعه وأهدافه، ولكل مبدع أسلوبه وطريقته في التعبير، وإذا كانت بعض المدارس تجعل الأسلوب انتقاءً واختياراً، وتلزمنا بمعرفة البدائل المتاحة، تلك التي يعمل المنشئ فيها فكره بالاختيار والاستبعاد. فإن بعض الاتجاهات تحدد الأسلوب بأنه مفارقة أو انحراف أو عدول عن أنموذج آخر من القول ينظر إليه على أنه معيار (). إن مدرسة الأسلوب باعتباره انحرافاً عن النمط تحاول أن تعزف على وتر المفارقة بين البنية السطحية والبنية العميقة خاصة في الحالات التي توصف فيها البنية السطحية بأنها غير نحوية، إذ يلاحظ أصحاب هذه المدرسة كثرة ورود الجمل غير النحوية في لغة الشعر تلك الجمل التي لا يعود انعدام النحوية فيها أو انحرافها إلى جانب التركيب فحسب، وإنما قد يكون له جانبه الدلالي أيضاً ().
ولهذا كان بيروسلي يرى " أن الأسلوب هو التفصيل الدلالي، أو هو الدلالة على نطاق مصغر. أما كيفية التعرف على التفصيل الدلالي من غيره فيحددها بأنها هي التي تعتمد على معيار الانحراف في اللفظ عن القاعدة العامة لتكوينه ونظمه، فأي اختلاف في النظم يؤدي إلى اختلاف في الأسلوب " ().
إن هذه العوارض والاختلافات التي تقع في بناء الجملة لا تتم بالنظر إلى البنية الأساسية أو الأصل أو القاعدة، فلولا اعتبار هذه الأمور بالنسبة للتركيب في التحليل النحوي لما وجدنا ما يسمى بالتقديم أو التأخير أو الحذف. وهذان العارضان من أدل الدلائل على أن النحو العربي في تحليله لبناء الجملة كان يراعي الأصل والبنية الأساسية ().
والبنية الأساسية تمثل النسق المحايد الذي يراد به مجرد الإخبار، وحينما يريد المتكلم أن يجذب انتباه السامع إلى عنصر معين في الجملة، أو يريد التركيز على عنصر معين لأنه يمثل في نظره زبدة البحث اللغوي، فإنه يلجأ حينئذ إلى خرق هذا النسق بالانحراف عنه، لأن لغة الفن لها بديل سابق عليها، والمستوى الفني لا يقف عند هذا البديل، بل ربما يدفعه الموقف المعين إلى أن يعدل عن ذلك الأصل بتغيير مواقع الكلم فيه أو بالزيادة أو الحذف. وهو لا يفعل ذلك عبثاً وإنما لينقل إلى السامع دلالة يرى أن أصل الوضع قد لا يفي بأدائها. إن العدول عن الأصل يمثل نوعاً من الخروج عن اللغة النفعية إلى اللغة الإبداعية ().
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن هنا وجه البلاغيون اهتماماً خاصاً لهذا المبحث، ورصدوا عوارض بناء الجملة، واعتبروا التقديم أحد هذه العوارض، فوضع الكلمة في غير موضعها انحرافاً بها عن الأصل أو القاعدة لداعٍ من الدواعي التي تتغير به الدلالة تغيراً يوجب لها المزية والفضيلة (). إن درجة الوعي في اختيار المتكلم أو المؤلف للمواد التي يوظفها أسلوبياً أو ينحرف عنها تختلف بين قيم تعبيرية لا شعورية تقريباً، وتتكون من العناصر الاجتماعية والنفسية اللازمة للتعبير، وبين قيم صياغة واعية ومقصودة شعورياً. يقول د. صلاح فضل: " بيد أنه إذا كان التمييز بين هذين اللونين من الاختيار صالحاً نظرياً فغالباً ما يصعب تطبيقه من الوجهة العلمية، وهناك بلا شك حالات تتوفر فيها لدينا قرائن كافية للتدليل على أن الاختيار قد تم بشكل واع مقصود. فاللجوء المنظم للأدوات الأسلوبية مؤشر لا يخطئ على النشاط الواعي المقصود " ().
وقد ألح الجرجاني على الوعي بالترتيب، وجعله شرطاً في ترتيب الكلام، ووضع الألفاظ موضعها. يقول: " وجملة الأمر أنه لا يكون ترتيب في شيء حتى يكون هناك قصد إلى صورة وصفة إن لم يقدم فيه ما قدّم ولم يؤخّر ما أخر، وبدئ بالذي ثُنِّيَ أو ثَنَّي بالذي ثَلَّثَ به لم تحصل لك تلك الصورة وتلك الصفة، وإذا كان كذلك فينبغي أن ننظر إلى الذي يقصد واضع الكلام " (). وعملية الترتيب جزء من عملية الاختيار، وهي عملية واعية مقصودة، فمؤلِّف القول يفكر في المعنى الذي يريد أن يصوره، ويرتب هذا المعنى في نفسه، ثم يختار النظم المناسب لأدائه، يُقدّم فيه ما تَقَدَّم في نفسه ويؤخِّر ما تأخَّر فيها.
أسلوبية العدول الرتبي:
يقع مبحث التقديم والتأخير في بؤرة مباحث الأسلوب الدائرة حول التركيب، ويكتسب هذا المبحث أهمية خاصة من حقيقة أنه يخضع في كل لغة للطابع الخاص بها فيما يتعلق بترتيب الأجزاء داخل الجملة. وهو من الظواهر الأسلوبية الشائعة في القرآن الكريم وذلك لما له من تأثير في المعنى واللفظ معاً ().
وهو مظهر من مظاهر أسلوبية كثيرة تمثل قدرات إبانة أو طاقات تعبيرية يديرها المتكلم إدارةً حيةً واعيةً فيسخرها تسخيراً منضبطاً للبوح بأفكاره. ومواقع الكلمات من الجملة عظيمة المرونة كما هي شديدة الحساسية، وأي تغيير فيها يحدث تغييرات جوهرية في تشكيل المعاني وألوان الحس وظلال النفس (). فالذي تظهر به المزية في الأساليب " ليس إلا الإبدال – الاختيار- الذي يختص الكلمات، أو التقديم والتأخير الذي يختص الموقع، أو الحركات التي تختص الإعراب، فبذلك تقع المباينة " ().
وقد وصف فندريس البحث القائم على تحديد القيمة الفنية أو الأسلوبية للتغيير في مواقع الكلمات بأنه " في غاية الدقة، ويتطلب حساً لغوياً مدرباً ولطفاً عالياً في الذوق الأدبي، يضاف إليها معرفة نادرة بالظروف الفيلولوجية للغة المدروسة " ().
كما أن المعاني التي تكون أسبق وجوداً في الذهن من غيرها – والتي يلزم تقديمها اللفظي بحسب تقدمها الرتبي المعنوي- كثيرة متعددة بحسب تعدد أسبابها الموجبة لها النابعة من أبعادها ومواقعها في النفس، ولا يعدل بها عن مواقعها ومراتبها التي استحقتها، إلا إذا اقتضت التجربة الشعورية ذلك لأغراض وأبعاد نفسية معينة. وهذا هو الضرب الثاني من ضروب التقديم والتأخير القائم على أساس تقديم ما حقه التأخير وتأخير ما رتبته التقديم (). فقد يعمد المبدع إلى هذا الضرب من الأسلوب في التعبير، فيرتب الألفاظ على غير ما يقتضيه ترتيبها ووجودها الذهني، وذلك من أجل تحقيق أبعاد نفسية معينة تنبع من طبيعة التجربة الشعورية والمعنى المراد نقله، ومن ظروف وأحوال المقام الذي سيق فيه التخاطب، مما يحتم على المتكلم تقديم ما حقه التأخير أو تأخير ما حقه التقديم. تقول: (زيدُ جاءني) إذا أردت أن تفيد فوق الإخبار بالمجيء ضرباً من الاهتمام بزيد والحفاوة بأمره، وتوكيد تلك الحقيقة لسامعك لأهميتها، أو لأنه على حال لا يتوقع مجيء زيد. وما شابه ذلك من تلك الألوان النفسية التي يبوح بها تقديم المسند إليه فإذا قلت: (جاءني زيدٌ) انقطع هذا الفيض من الهواجس والخواطر، وكان الكلام كلاماً مرسلاً يجري في سياق خال من تلك النبضات التي جرى فيها السياق الأول، لأنك لما
(يُتْبَعُ)
(/)
زحزحت (زيد) ورميت به قريباً من الصدر صار قريباً من رأس الفكرة وبؤرة الاهتمام ().
وكذلك الألفاظ التي تأتي حكماً في صدر الكلام وفي مطلع الجمل فإنها تحمل شحنات أسلوبية معينة، فهي تشبه المفاتيح الموسيقية التي تكون فاتحة القطعة الموسيقية التي تحدد تنغيمها (). كما إن الترتيبات المختلفة تصنف باعتبار درجتها البلاغية، وكثيراً ما نقرأ في كتب المتقدمين أن هذا أبلغ من هذا، وأن هذا القول أبلغ من ذاك، ونعثر على مثل هذا في كتابات الجرجاني. وغاية الأمر فيه أن هذا الرجل يبين بالاعتماد على النظرية النحوية نجاح اختيار المتكلمين لترتيباتهم وما تبعها من مجازات. يقول الجرجاني متحدثاً عن أبيات البحتري التي يقول فيها:
بَلَوْنَا ضَرَائِبَ مَنْ قَدْْ نَرَى فَمَا إِنْ رَأَيْنا لِفَتْحٍ ضَرِيباً
هُوَ المَرْءُ أبْدَتْ لَهُ الحادِثَا تُ عَزْماً وَشِيكاً وَرَأْياً صَلِيباً
تَنَقَّلَ في خُلُقَيْ سُؤْدَدٍ سَماحاً مُرَجَّى وَبَأساً مهيباً
فكَالسّيْفِ إنْ جِئْتَهُ صَارِخاً وكالبَحْرِ إنْ جِئْتَهُ مُسْتَثِيباً
(الضرائب: الطبيعة والخُلُق. الضريب: النظير والشبيه. مستثيبا: يطلب الثواب).
: " فإذا أنت رأيتها قد راقتك وكثرت عندك ووجدت لها اهتزازات في نفسك، فعد فانظر في السبب، واستقص في النظر، فإنك تعلم ضرورة أن ليس إلا أنه قَدَّمَ وأخَّرَ وعَرَّفَ ونَكَّرَ وحَذَفَ وأَضْمَرَ، وتوخَّى على الجملة وجهاً من الوجوه التي يقتضيها علم النحو فأصاب في ذلك كله، ثم لطف موضع صوابه، وأتى مأتى يوجب الفضيلة " ().
إذن فأسلوبية التقديم أكيدة في العبارة العربية حاضرة في الذوق الأدبي، تهب الجمال وتنزعه، وتقوي الحكم وترفعه أو تضعه. يقول الرازي معلقاً على قول إبراهيم بن العباس:
فلو إذْ نَبَا دهرٌ وَأُنْكِرَ صَاحِبٌ وسَُلَِطَ أعْدَاءٌ وغَابَ نَصِيرُ
تكُونُ عَنِ الأهْوَازِ دَاري بنَجْوَةٍ ولكن مَقَاديرُ جَرَتْ وأُمُورُ
: " لم تجد لما فيه من الرونق والطلاوة والحسن والحلاوة شيئاً إلا من أجل تقديم الظرف الذي هو (إذ نبا) على عامله الذي هو (تكون) وإن لم يقل: فلو تكون عن الأهواز داري بنجوة إذ نبا دهر … وكل ذلك من معاني النحو كما ترى " (). فاختيار تقديم الظرف – من جملة البدائل الأسلوبية المتاحة - هو الذي حقق للشاعر هذا المسلك البديع الذي اكسب عبارته وقعاً وجمالاً.
ومما لا شك فيه أن اختلاف العبارتين يترتب عليه اختلاف في المعنى وفي الحسن. يقول د. تمام حسان: " إذا اختلفت عبارتان وقد أفهمتا معنى واحداً، فالفرق بينهما منوط بالأسلوب لا محالة، وأول ما يميز أسلوباً عن أسلوب هو تفضيل طريقة تركيبية على طريقة تركيبية أخرى، أضف إلى ذلك أن الطرق الأسلوبية تكشف عن الكثير من المميزات المزاجية لأصحابها حتى يمكن من خلال الأسلوب أن نحدد الشخصية " (). ولذلك كان القدماء يوصون المتكلم بأن يجتهد في ترتيب ألفاظه وتهذيبها وصيانتها من كل ما يخل بالدلالة، ويعوق دون الإبانة، ولم يريدوا أن خير الكلام ما كان (غفلاً عرياناً)، مثلما يتراجعه الصبيان ويتكلم به العامة في السوق ().
علل التقديم وإفادته:
كان الدارسون قبل عبد القاهر يكتفي أكثرهم ببيان أصل العبارة في دراسة التقديم دون أن يحاولوا الكشف عن المعاني الإضافية للنصوص المختلفة بإدراك جانب من العلاقات الداخلية، فالفراء لا يتجاوز تلك النظرة المحدودة التي تحصر التقديم والتأخير في وضع كلمة موضع الأخرى، وتبادل مكان الكلمتين فتفسح إحداهما مكانها للأخرى كما يقول في قوله تعالى: ?وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى? (): " يريد: ولولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاماً، مُقَدَّم ومُؤَخَّر " ().
وقد سار على هذا النهج كل من أبي عبيدة في مجاز القرآن، وابن فارس، والثعالبي، دون أن يقفوا على الأسرار البلاغية والدلالية لأسلوب التقديم والتأخير ().
(يُتْبَعُ)
(/)
وتناوله ابن قتيبة بقوله: " ومن المقدم والمؤخر قوله تعالى: ?الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً? () أراد: أنزل الكتاب قيماً، ولم يجعل له عوجاً. ومنه: ? فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ? ()، أي بشرناها فضحكت. وقوله: ? فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا? ()، أي فعقروها فكذبوه بالعقر " ().
إلا أن الكتابات البلاغية تجاوزت بيان أصل العبارة بالنظر في أسباب التقديم ودلالاته، وتوصل أصحابها إلى أن ما قدّم أو أخّر لا يكون إلا لعلة بلاغية، وجعلوا علم المعاني مجال درسه وخاصة منه ما يتعلق بتقديم المسند والمسند إليه ومتعلقات الفعل، وجعلوا لكل قسم عللاً وأغراضاً. فالمسند إليه يتقدم ():
1 - لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه، كتقديم الفاعل على المفعول، والمبتدأ على الخبر.
2 - أو ليتمكن في ذهن السامع لأن في المبتدأ تشويقاً إليه.
3 - أن يقصد تعجيل المسرة إن كان في ذكره تفاؤل، أو المساءة إن كان فيه ما يتطير به.
4 - أو إيهام أن المسند إليه لا يزول عن الخاطر.
5 - أو إيهام التلذذ بذكره.
6 - أو تخصيص المسند إليه بالخبر الفعلي إن ولي حرف النفي.
7 - أو تقوية الحكم وتقريره.
8 - أو لإفادة العموم.
* كما يتقدم المسند لأغراض منها ():
1 - تخصيص المسند بالمسند إليه كقوله تعالى: ?وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ? ().
2 - التنبيه من أول الأمر على أنه خبر لا نعت.
3 - التفاؤل بتقديم ما يسر مثل: عليه من الرحمن ما يستحقه.
4 - التشويق إلى ذكر المسند إليه.
* ومن أغراض تقديم متعلقات الفعل ():
1 - الاختصاص: كقوله تعالى: ? إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ? ().
2 - الاهتمام بالمقدم كقوله تعالى: ? قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ? ().
3 - التبرك: مثل قولك: قرآناً قرأت.
4 - رعاية الفاصلة كقوله تعالى: ? فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ? ().
وهذه العلل أو الإفادات أو الأغراض يمكن تقسيمها إلى قسمين:
أ - قسم لفظي له صلة بالنظم، والهدف منه تحسين العبارة من الناحية الشكلية، وإضفاء طابع الجمالية والانسياب على العبارة كمراعاة الفاصلة والضرورة الشعرية.
ب - قسم دلالي يختص بالمعاني الإضافية المتولدة عن التقديم كالعناية والاهتمام والتخصيص والتقوية.
التقديم والعناية:
لقد صاغ البلاغيون بعض المبادئ التي يجدر بنا الوقوف عندها في أثناء مقاربة التقديم والتأخير منطلقين من مبدأ عام يتعلق بإفادات العلاقات النظمية، ثم عن مصدر تلك الإفادات. والبلاغيون فسروا ظاهرة التقديم على أنها تركيز العناية والاهتمام بالعنصر المقدَّم، فالمتكلم يختار ترتيباً دون آخر باعتبار الظروف والمقاصد، وهو يقدم ما العناية به أشد، قصداً إلى التأثير في السامع الذي أصبح معتبراً في العملية التواصلية. إن مفهوم العناية يمكّننا من النظر في التحويلات الممكنة للتراكيب، فرغم أن كل مكونات الجملة تهم المتكلم إلا أن هذا الاهتمام وهذه العناية ليسا على درجة واحدة، فالمقدم درجة الاهتمام به تفوق غيره. يقول الجرجاني: " وإنما يكون التقديم والتأخير على قدر العناية والاهتمام " ().
إذن فالأهم واجب التقديم، وهذا أصل في تعليل التقديم -أو كالأصل- وهو من جوامع الكلم، وله اطراد في تعليل حالات التقديم والتأخير المختلفة. فتقديم المسند إليه، وتقديم المسند، وتقديم متعلقات الفعل، كل ذلك يكون من أجل العناية والاهتمام ولهذا عدَّ د. إلياس ديب بيان الأهمية أهم الدواعي البيانية لتعليل التقديم، وأصلاً لباقي المتعلقات البلاغية الأخرى (). وتفسير هذا: أن التقديم دليل على أن المقدَّم هو الغرض الأهم. ففي قوله تعالى: ? لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ ? ()، فقد قدّم اسم الإشارة الذي يريد به البعث، فكان دليلاً على أهمية البعث، وأن الكلام قد سيق لأجله. وفي قوله تعالى: ? لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ? () قدَّم (نحن وآباؤنا) على اسم الإشارة (هذا)، فكان ذلك دليلاً على أهمية المبعوثين، وهم القصد من الحديث وليس البعث.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن قضية العناية التي تناولها علماء النحو والبلاغة واللغة وما زلنا نقرأ عنها حتى يومنا هذا في كتب النحو والنقد والبلاغة، أساسها من صنع سيبويه فهو أول من أشار إليها وطرق بابها، يقول في (باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى المفعول): " فإذا قدمت المفعول وأخرت الفاعل كقولك: ضربَ زيداً عبدُ الله، وكان حظ اللفظ فيه أن يكون الفاعل مقدماً، وهو عربي جيد كثير، كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم لهم، وهم ببيانه أعنى وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم " ().
وفي باب (كَسَى وما ينصب مفعولين ليسا المبتدأ والخبر) يرى أن التقديم لبيان العناية والاهتمام كما كان في تقديم المفعول على الفاعل. يقول: " وإن شئت قدَّمت وأخَّرت فقلت: كَسَي الثوبَ زيدُ، وأعْطَي المالَ عبدُ الله، كما قلت: ضربَ زيداً عبدُ الله، فالأمر في هذا كالأمر في الفاعل " (). كما يرى هذه العناية والاهتمام في تقديم الظرف أيضاً (). ويقول في باب (إنَّ): " واعلم أن التقديم والتأخير والعناية والاهتمام ههنا مثله في باب كان " ().
ويرى الزركشي أن وضع سيبويه للتقديم والتأخير قاعدة عامة هي أنهم يقدمون ما يعنون به " وذلك أن من عادة العرب الفصحاء إذا أخبرت عن مخبر ما – وأناطت به حكماً- وقد يشركه غيره في ذلك الحكم أو فيما أخبر به عنه، وقد عطفت أحدهما على الآخر بالواو المقتضية عدم الترتيب، فإنهم مع ذلك يبدءون بالأهم والأولى. قال سيبويه: (كأنهم يقدمون الذي شأنه أهم لهم) " ().
ولعل سيبويه بلفته النظر إلى هذا السر البلاغي الذي تلقفه علماء النحو والبلاغة يكون قد أثرى كثيرا من المباحث البلاغية. ولا شك أن هذا يدل على أنه كان من الأوائل الذين أسهموا في تأسيس البعد التعليلي النظري للتقديم، وفيه ما فيه من مراعاة موقع الوحدات داخل الرسالة اللسانية والشروط التي يفرضها عليه المقام التخاطبي.
ولعل من أهم الذين انتفعوا بمبدأ الاهتمام الذي أقره سيبويه عبد القاهر الجرجاني، فقد سعى إلى تسويغ تقدم اللفظ أو تأخره بالنظر إلى ما يمثله في السياق، وذلك بتوظيف (الاعتبارات) في البحث عن مصدر اهتمام المتكلم ببعض الجزاء الكلامية دون بعض. يقول الجرجاني: " واعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئاً يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام قال صاحب الكتاب وهو يذكر الفاعل والمفعول: كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم … إن معنى ذلك أنه قد يكون من أغراض الناس في فعل ما أن يقع بإنسان بعينه ولا يبالون من أوقعه، كمثل ما يعلم في حال الخارجي، يخرج فيعيث ويفسد ويكثر به الأذى، أنهم يريدون قتله ولا يبالون من كان القتل منه، ولا يعنيهم منه شيء، فإذا قُتل وأراد مريد الإخبار بذلك، فإنه يقدم ذكر الخارجي فيقول: قتلَ الخارجيَّ زيدٌ، ولا يقول: قتل زيدٌ الخارجيَّ، لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له (زيد) جدوى وفائدة فيعنيهم ذكره ويهمهم " ().
وقال في المقتصد معقباً على قول سيبويه: " يريد أنهم كانوا يقصدون ذكر كل واحد من المفعول والفاعل في قولك: ضرب الأميرَ زيدٌ، فإنهم يقدمون الذي هو أجزل حظاً من العناية والاهتمام مفعولاً كان أو فاعلاً " ().
فالتعليل بالعناية عند الجرجاني ذو طابع عقلي. يقول د. تامر سلوم: " وفي التقديم نرى أن المعنى الوجداني ليس أصلاً في حديث عبد القاهر الجرجاني، إذ القول بالأهمية، أو العناية، وتأكيد الحكم، ودعوى الانفراد ذو صبغة عقلية، لا يتضح فيه تلمس الجانب الوجداني أو المعنى الأدبي " ().
لقد أصبح مبدأ العناية والاهتمام أصلاً معتمداً عند البلاغيين المتأخرين الذين تابعوا سيبويه والجرجاني في دعوتهما إلى تسويغ تقدم اللفظ أو تأخره بالنظر إلى ما يمثله في السياق. يقول الزمخشري في تعليقه على قوله تعالى: ? إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ? (): " هذا كلام جامع لا يزاد عليه. فإن قلت: كيف جعل (خير من استأجرت) اسماً (لإن)، و (القوي الأمين) خبرا؟ قلت هو مثل قوله:
أَلا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ حياً وهالكاً أَسيرُ ثقيف عِنْدَهُم فِي السَّلاسِلِ
في أن العناية هي سبب التقديم " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
ويقول في تفسيره لتقديم كلمة (راغب) في قوله تعالى: ? قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ? (): " لأنه أهم عنده وأعنى، وفيه ضرب من التعجب والإنكار لرغبته عن آلهته، وأن آلهته ما ينبغي أن يرغب عنها أحد " (). وقريب منه قول ابن الأثير في الآية نفسها: " ولم يقل: أأنت راغب لأنه كان أهم عنده، وهو به شديد العناية " ().
ولم يخرج السكاكي عن ملاحظة سيبويه في التقديم. يقول: " والحالة المقتضية هي كون العناية بما يقدم أتمّ، وإيراده في الذكر أهمّ، والعناية التامة بتقديم ما يقدم والاهتمام بشأنه نوعان: أحدهما أن يكون أصل الكلام في ذلك هو التقديم، ولا يكون في مقتضى الحال ما يدعو إلى العدول عنه. وثانيهما: أن تكون العناية بتقديمه والاهتمام بشأنه لكونه في نفسه نصب عينيك، وأن التفات الخاطر إليه في التزايد، كما تجدك قد منيت بهجر حبيبك وقيل لك: ما تتمنى؟ تقول: وجه الحبيب أتمنى " ().
لقد جعل السكاكي التقديم للعناية مطلقاً أي سواء كان المقدم من معمولات الفعل أو غيرها. كما جعل الأهمية ههنا قسيماً لكون الأصل التقديم، ومراده بالأهمية؛ الأهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم أو السامع بشأنه، واهتمامه بحاله لغرض من الأغراض كقولك: قتلَ الخارجيَّ فلانٌ، بتقديم المفعول، لأن المقصود الأهم قتل الخارجي ليتخلص الناس من شره ().
مظاهر العناية والاهتمام:
إن تقديم بعض المعمولات على بعض لا يكون إلا بكون ذلك البعض أهم، لكن ينبغي أن يفسر وجه العناية بشأنه، ويعرف له معنى، ولا يكفي أن يقال: قدم للعناية والاهتمام، من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية؟ وقد وقع في ظنون الناس أنه يكفي أن يقال: إنه قدم للعناية، ولتخيلهم ذلك قد قصر أمر التقديم والتأخير في نفوسهم وهونوا الخطب فيه، ولعل ذلك ما ذهب بهم عن معرفة البلاغة ومنعهم أن يعرفوا مقاديرها ().
يقول ابن يعقوب المغربي: " ثم كون الذكر أهم لا يكفي في علة التقديم لذاته، لأن الأهمية نفسها حكم يفتقر إلى علة توجبها، إذ الأهمية بالشيء هي الاعتناء به، والاعتناء لا بد له من سبب، فلذلك لو قيل: هذا أهم من ذلك، كان هذا القائل بصدد أن يقال له لماذا كان أهم؟ ومن أي وجه كانوا به أعنى؟ " ().
وبهذا يكون ذكر الأهمية كالقانون الجامع الذي سنسعى إلى تفصيله من خلال عرض بعض مظاهر وتجليات العناية الدائرة في فلك الانفعالات النفسية من تعجب واستعظام وفرح وحزن وتفاؤل وتشاؤم ومدح وذم وتشويق وتبكيت، باعتبار أن الأهمية هي المعنى المقتضي للتقديم، وجميع المذكورات تفاصيل له.
إن معظم علل التقديم هو من مظاهر العناية بالمقدَّم، وهو تفاصيل للعناية، إذ كانت العناية بمثابة القانون الجامع، وكانت هذه المعاني النفسية مظهراً لها، وهي لا تنحصر. والذي يطبع هذه الظاهرة الأسلوبية البلاغية ويحكمها هو الأبعاد النفسية الانطباعية، ذلك أن النفس تُعنى وتتطلع إلى تقديم الذي بيانه لها أهم، وهي بشأنه أعنى، فقد يشغل نفسَ المتلقي أمرٌ من الأمور، وتتطلع إلى خبره، وتتشوق إلى ما تم بشأنه، لكون التعرف عليه مهماً لديها، أو لأن أموراً مهمة تترتب عليه، فحينئذ ولكي يكون التعبير أكثر قدرة وقابلية على التأثير والإثارة، يقدَّم فيه ما انعقد القلب به، وإن كان حقه الترتيبي من حيث الوجود الذهني التأخير، وذلك حتى يعجل للنفس ما تريد التعرف عليه فتطمئن وتستقر، وإلا فقَدَ النص قيمته لانشغال النفس عما يرد فيه بما تعلقت به وتأخر بيانه في النطق ().
وقد كان عبد القاهر أقرب البلاغيين إلى تفهُّم حقيقة هذه الظاهرة والكشف عن بعدها النفسي حينما ذهب إلى أن النفس إنما تُعنى بتقديم ما تهتم بشأنه، وذلك لأنه ماثلٌ نصب العينين، وأن التفات الخاطر إليه في ازدياد.
لقد اتضح من خلال ما سبق – بما لا يدع مجالاً للشك – أن العناية ومظاهرها أصل من أصول التعليل البلاغي لظاهرة التقديم والتأخير، وأن ارتباطها بالملكات النفسية المعبر عنها بما تفرع عن العناية الدالة على حسن مراعاة المخاطب وسبر أغوار نفسه أمر لا يمكن تجاهله البتة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى هذا الأساس يمكننا تفسير التلوين الصوتي المتولد عن العدول التركيبي في الجمل بمعانقتها لسياقات التقديم والتأخير الرتبي بما يحمله من مظاهر العناية والاهتمام، وتفريعات أهل النحو والبلاغة في هذا المقام.
* فمن هذا النموذج ما نلمسه من عدول تركيبي يتمثل في تقديم المسند إليه (المبتدأ) وهو في صورته المنكرة، حيث إن حقه التأخير قفي هذه الحالة. وقد تناول البلاغيون مسألة (الابتداء بالنكرة) في أثناء حديثهم عن " تنكير المسند إليه "، وقد جعلوا لهذا التنكير أغراضاً هي ():
1 - للإفراد؛ أي القصد إلى فرد بعينه دونما تحديد.
2 - للنوعية؛ أي القصد إلى نوع بعينه محدد.
3 - للتعظيم.
4 - للتكثير.
5 - للتقليل.
6 - لإرادة العموم.
فإذا أردنا هنا في هذا المقام تلمس هذه الأغراض في الآيات التي وردت مبتدأٌ فيها بالنكرة، يكون النسق كالتالي:
* ما ورد من النكرة للتعظيم، تمثل في الآيات التالية:
- قوله تعالى: ? فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ? سورة الذاريات (آية رقم 60).
- قوله تعالى: ? فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ? سورة الطور آية رقم (11).
- قوله تعالى: ? لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ ? سورة الطور آية رقم (23). تعظيماً لشأن الجنة، وتميزها عن الدنيا.
- قوله تعالى: ? فوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ? سورة المرسلات الآيات رقم (15 – 19 – 24 – 28 – 34 – 37 – 40 – 45 – 47 – 49).
- قوله تعالى: ? وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ? سورة المطففين آية رقم (1).
- قوله تعالى: ? فوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ? سورة المطففين آية رقم (10).
- قوله تعالى: ? وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ? سورة الهمزة آية رقم (1).
- قوله تعالى: ? فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ? (). يقول الزمخشري: " فويل للمصلين على معنى: فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم؛ لأنهم كانوا مع التكذيب، وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين " ().
وكل ما ورد من نكرة مبتدأ بها بغرض الدعاء، وبلفظ (ويل) فلا شك في أن إرادة تهويل العذاب المنتظر لهذه الفئات، هو عين المراد هنا، ليكون ذلك أقوى رادع، وأشد مخوف لهم.
* أما ما ورد من النكرة ويراد به التكثير، فيتمثل في الآيات التالية:
- قوله تعالى: ? ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ? سورة الواقعة آية رقم (13). فهذه الفئة المؤمنة من أصحاب رسول الله ? هم أكثر أهل الجنة، وهم أهل المنزلة العالية. وهم لهذه الصحبة، ولهذا البلاء الحسن (ثلة) كبيرة كثيرة آثرت الآخرة فنالوها معاً، واستحقوا ما وعدهم الله من عظيم الجزاء والثواب.
- قوله تعالى: ? وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ? سورة القيامة آية رقم (24).
- قوله تعالى: ? قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ? سورة النازعات آية رقم (8).
- قوله تعالى: ? وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ? سورة عبس آية رقم (40).
- قوله تعالى: ? وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ? سورة الغاشية آية رقم (2).
فهذه الأصناف جميعها من الفئات التي ضلت وأضلت، ولذا كان الأصل فيها أن تكون كثيرة في جانب أصحاب النار. فقد جاء سياق النكرة هنا دالاً على كثرة هذه الفئات يوم القيامة، فقد ورد سياق الحديث بها في سياق الحديث عن القيامة وما يتبعها من أحداث، لم تخالف آية منها في ذلك السياق. وجاءت النكرة في هذه الآيات مدللة على فداحة الخطب، وكثرة الفئات الضالة في ذلك اليوم لأنه يوم الحساب، فهو يوم العرض، والمجازاة بالأعمال.
* أما ما ورد من النكرة ويراد بها التقليل، فيتمثل في الآيات التالية:
- قوله تعالى: ? وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ? سورة الواقعة آية رقم (14).
- قوله تعالى: ? وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ? سورة القيامة آية رقم (22).
- قوله تعالى: ? وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ? سورة عبس آية رقم (38).
- قوله تعالى: ? وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ? سورة الغاشية آية رقم (8).
(يُتْبَعُ)
(/)
فالسياق هنا سياق تقليل لهذه الفئات الناجية يوم القيامة؛ فالسابقون الأولون أكثريتهم من الأولين، وأقلهم من المتأخرين. ومن ينعم برؤية المولى ? منا هم فئة ناجية استحقت بإخلاصها هذه المنحة والمنة العظمى. ولذا كان سياق النكرة في هذه الآيات سياق تقليل، وذلك لإبراز تميز هذه الفئات وتفردها بهذا المقام، وهذه المكانة السامقة.
* وما ورد من النكرة للنوعية، فيتمثل في الآية التالية:
- قوله تعالى: ? فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ? سورة الواقعة آية رقم (91). أي أن هذا السلام مختلف تماماً عما عهدناه من سلامات، فهو سلام أهل الجنة للنبي ? سلام أصحاب اليمين، مبلغا من قبل رب العزة ? فهو سلام مختلف في نوعه، مختلف في مصدره، مختلف في منتهاه، مختلف تماما فيمن يبلغه ويحمله. ويجوز هنا حمل النكرة على أن الغرض منها في هذه الآية هو (التكثير)، وذلك لكون أهل اليمين في الجنة كثير، وهم يسلمون على النبي ? فتحمل النكرة هنا على هذا الغرض.
وهكذا فإن سياقات العدول في تقديم النكرة جاءت متناسبة مع السياق العام لهذه الآيات، ومتناغمة مع النسيج النصي الذي وظفت فيه، رعاية للبعد الدلالي والجمالي لهذه التوظيفات.
* كذلك من ألوان التلوين العدولي بالتقديم والتأخير ما أشار إليه أهل البلاغة من فروق دلالية بين الابتداء بأحد المعرفتين في السياق التركيبي، أي عندما يكون المبتدأ والخبر معرفتين. فقد كان تقرير النحويين لهيكل الجملة الاسمية صريحا إذ جعلوا لهيكلها الرئيسي ركنين رئيسيين هما: (المبتدأ) + (الخبر). وقد يتم اختراق هذا الهيكل لأغراض ومقاصد متعمدة.
وفي إطار البحث في هذه الأغراض والمقاصد المؤدية إلى هذا الاختلال التركيبي للنسق المثالي لهيكل الجملة الاسمية، تناول النحويون بالتحليل أحد فروض هذه الهيكلة، وهو (التعريف والتنكير في ركني الجملة الاسمية). وما يقصد بالتعريف والتنكير هو فروض شكلية تتخذ شكلاً من الأشكال الآتية:
1 - (مبتدأ معرفة) + (خبر نكرة).
2 - (مبتدأ معرفة) + (خبر معرفة).
3 - (مبتدأ نكرة) + (خبر نكرة).
هذه الأشكال هي التي حكمت مسألة التعريف والتنكير لركني الجملة الاسمية. لكن أي هذه الأشكال هو الأصل الأول لتشكيل الهيكل التركيبي للجملة الاسمية؟ وأيها يأتي تاليا بعد ذلك؟ والإجابة على هذا التساؤل نجدها عند الكثير من النحويين. فابن السراج يشير إلى أنه: " إذا اجتمع اسمان معرفة ونكرة، فحق المعرفة أن تكون هي المبتدأ، وأن تكون النكرة الخبر، لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدك تنبيه السامع بذكر الاسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده، فالخبر هو الذي ينْكِره ولا يعرفه، ويستفيده، والاسم لا فائدة له لمعرفته به، وإنما ذكرته لتسند الخبر إليه " ().
فهو يجعل من الشكل الأول (الأصل)، فالمبتدأ حقه التعريف، والخبر حقه التنكير ليصح الإخبار عنه، والتنبيه عليه. وتأمل قوله: (لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدك تنبيه السامع بذكر الاسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده) فقد جعل غرض هذا التعريف والتنكير هو تنبيه السامع ولفت انتباهه للخبر الذي لا يعرفه، وذلك عن طريق المبتدأ الذي يعلمه جيداً. وهذا هو أسلوب البلاغة في أداء المعاني، بالدلالة على المجهول بما هو معلوم ليكون ذلك أوكد للمعاني في الذهن.
والسهيلي يرى هذا الشكل الأصل المقرر إذ يقول: " حق المبتدأ أن يكون معرفة أو مخصوصاً، وإلا لا فائدة في الإخبار عنه، فإن لم يكن منعوتاً أو مخصوصاً ولا مستفهماً عنه ولا منفياً نحو: ? َلا لَغْوٌ فِيهَا ? () فلا يخبر عنه " ().
والمهلبي (ت583 هـ) يفصل المسألة أكثر بقوله: " حكم الاسم المبتدأ أن يكون معرفة لأنه إذ لم يعرف في نفسه فأجدر أن لا يعرف في غيره، ولأنك إنما تخبر الرجل عمن لا يعلمه بما يعلمه، فتقع الفائدة بإخبارك إياه، فأما إذا أخبرته عمن لا يعلمه بما لا يعلمه لم تقع بذلك فائدة " ().
وعلى النهج نفسه يسلك ابن يعيش في المسألة باحثاً في جوانبها بقوله: " أصل المبتدأ أن يكون معرفة، وأصل الخبر أن يكون نكرة، وذلك لأن الغرض في الإخبارات إفادة المخاطب ما ليس عنده، وتنزيله منزلتك في علم ذلك الخبر، والإخبار عن النكرة لا فائدة فيه " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
والنحويون على هذا الرأي، إذ يقررون هذا الأصل ويعتمدوه في مؤلفاتهم، كلّ بأسلوبه وطريقته الخاصة (). أما حديثهم عن الشكلين الأول والثاني وهما كون المبتدأ والخبر معرفتين أو نكرتين معاً، فقد فصل بعض النحويون القول في الابتداء بأحدهما. فقد أشار سيبويه إلى أنه إذا اجتمع معرفتان فالفيصل في الابتداء بأحدهما واعتماده (مبتدأ)، واعتماد الثاني منهما (خبراً) هو المتلقي نفسه. يقول: " إذا كانا معرفتين فأنت فيهما بالخيار، أيهما جعلته فاعلاً ورفعته، ونصبت الآخر كما فعلت ذلك في (ضَربَ) وذلك قولك: كان أخوك زيداً، وكان زيدٌ أخاك، وكان هذا زيداً، وكان المتكلم أخاك " ().
فسيبويه هنا يجعل مقاليد الأمور كلها في يد المتلقي تأمل قوله: (فأنت فيهما بالخيار) أليس هذا معناه أنه لا فرق في المعني إذا ابتدأت بأحدهما؟! لأنك بالخيار، فلا فرق في الدلالة بين التركيبي (زيدٌ أخوك) و (أخوك زيدٌ). وهذا مستغرب على سيبويه الذي يكرر في كتابه الكثير من الإشارات في بيان الفروق الدلالية بين التراكيب، والمتولدة عن حركية أحد أركان الجملة في ذات الجملة إيجاباً وسلباً ().
والمبرد يتناول المسألة من سيبويه، لكنه يبرز الفروق المتولدة من الابتداء بأحد المعرفتين إذ يقول: " إذا قلت: (ظننت زيدا أخاك) فإنما يقع الشك في الأخوة، فإن قلت: (ظننت أخاك زيداً) أوقعت الشك في التسمية " ().
أما ابن يعيش فيسلك في تحليل هذه المسألة سبيل البلاغة إذ يغوص على الفروق الدلالية المتولدة من كون المبتدأ والخبر معرفة والابتداء بأحدهما، فيجعل لكل منهما دلالات خاصة. يقول: " قد يكون المبتدأ والخبر معرفتين معاً نحو: (أخوك زيدٌ) و (عمرو المنطلقُ) و (الله إلهُنا) و (محمدٌ نبيُنا)، فإذا قلت: (زيدٌ أخوك) وأنت تريد أخوة النسب، فإنما يجوز مثل هذا إذا كان المخاطب يعرف زيداً على انفراده، ولا يعلم أنه أخوه لفرقة كانت بينهما أو لسبب آخر، أو يعلم أن له أخاً ولا يدري أنه زيد هذا، فتقول: (زيدٌ أخوك) أي هذا الذي عرفته هو أخوك الذي كنت علمته، فتكون الفائدة في مجموعهما، فإن كان يعرفهما مجتمعين لم يكن في الإخبار فائدة " ().
فهو في هذا النص يجعل للابتداء بأحد المعرفتين (زيد) و (أخوك) ضربين من الجمل هما: (أخوك زيدٌ) و (زيدٌ أخوك). ويفصل القول فيما يتولد منهما من دلالات. فالابتداء بـ (زيد) يجعل المعنى المراد متمحوراً حول التنبيه على أخوة النسب، وهذا عنده يجوز لأمور منها: معرفة المخاطب زيداً منفرداً، أو جهله بهذا النسب بينه وبين زيد لافتراق كان بينهما، أو لمعرفة المخاطب بهذه الأخوة لكنه يجهل تعيين هذا الأخ. وتنتفي هذه الدلالات تماماً عند الابتداء بـ (أخوك) إذ يكون التعيين هنا هو العامل المميز لهذه الجملة، وذلك لأن الاستعانة بـ (كاف الخطاب) والتي تجعل هذا التعيين واقعاً في الابتداء، فيكون المعنى: (هذا أخوك زيدٌ). فالمعنى عمدة في تحليله في هذه المسألة.
أما ابن هشام فقد تناول المسألة أثناء حديثه عما يميز المبتدأ من الخبر، وخاصة إذا كانا معرفتين، فيدير المعاني في المسألة على النسق البلاغي، يقول: " فإن كان المخاطب يعلم أحدهما دون الآخر فالمعلوم الاسم والمجهول الخبر؛ فيقال: (كان زيدٌ أخا عمرو) لمن علم زيداً وجهل أخوته لعمرو، و (كان أخو عمرو زيداً) لمن يعلم أخاً لعمرو، ويجهل أن اسمه زيد. وإن كان يعلمهما ويجهل انتساب أحدهما إلى الآخر، فإن كان أحدهما أعرف فالمختار جعله الاسم فتقول: (كان زيدٌ القائم) لمن كان سمع بزيد وسمع برجل قائم، فعرف كل منهما بقلبه، ولم يعلم أن أحدهما هو الآخر. ويجوز قليلاً: (كان القائمُ زيداً). وإن لم يكن أحدهما أعرف فأنت مخير نحو: (كان زيدٌ أخا عمرو) و (كان أخو عمرو زيداً) " ().
فابن هشام يدير الدلالات نفسها التي أثارها ابن يعيش في تناوله للمسألة، لكن ما يحسب له بحق هو إشارته إلى كون أحد المعرفتين ضميراً أو اسم إشارة ودخلت عليهما كان، فالأرجح في هذا المقام تعيين هذا الضمير مبتدأ وذلك لمكان التنبيه المتصل به ().
(يُتْبَعُ)
(/)
أما السيوطي فينقل في هذه المسألة رأي ابن الخباز النحوي الذي يقول فيه: " إن قلت: ما الفرق بين (زيدٌ أخوك) و (أخوك زيدٌ)؟ قلت من وجهين: أحدهما: أن (زيدٌ أخوك) تعريف للقرابة، و (أخوك زيدٌ) تعريف للاسم. والثاني: أن (زيدٌ أخوك) لا ينفي أن يكون له أخ غيره لأنك أخبرت بالعام عن الخاص، و (أخوك زيدٌ) ينفي أن يكون له أخ غيره، لأنك أخبرت بالخاص عن العام " ().
ألا يتضح مما سبق دوران النحويين حول دلالة - تكاد تكون واحدة تقريبا- متولدة من الابتداء بأحد المعرفتين، هذه الدلالة هي من ابتكارات المبرد أولاً، ولم يشر أحد من النحويين إلى ذلك.
ومسألة الابتداء بأحد المعرفتين تحمل في طياتها الكثير من أوجه البلاغة، والغوص على المعاني التي مدار البلاغة وعنوان مباحثها. وتناول النحويين لهذه المسألة كان ينحو نحو الجانب التأملي في دلالات التراكيب، لكون هذه التراكيب جاءت على غير الأصل المقرر في هيكلة الجملة الاسمية.
وخلاصة الرأي النحوي: أنه إذا اجتمع معرفتان أو نكرتان كلاهما نكرة محضة، فإنه يمتنع تقديم الخبر فيهما لأمن اللبس، وذلك عند انعدام القرينة الدالة على تعيين أحدهما ومنحه حق الصدارة. وهذا الأمر على أقسام:
الأول: المتقدم مبتدأ والمؤخر خبر سواء تساويا في درجة التعريف أو تفاوتا، وهو الظاهر من رأي ابن عقيل ().
والثاني: يجوز جعل كل واحد منهما مبتدأ لصحة الابتداء بهما جميعاً ().
والثالث: إذا كان أحدهما مشتقا والآخر جامدًا، فالمشتق هو الخبر سواء تقدّم أو تأخّر، وإلاّ إن كانا جامدين أو كلاهما مشتقاً فالمقدم هو المبتدأ ().
والرابع: المبتدأ هو الأعرف عند المخاطب، سواء تقدّم أم تأخّر، فإن تساويا في المعرفة عند المخاطب فالمقدم المبتدأ ().
تلك هي آراء النحويين في مسألة اجتماع المعرفتين والابتداء بأحدهما، وقد دارت كلها حول إبراز الفروق بين التركيبين من خلال الاتكاء على الجانب الدلالي واستثماره أفضل استثمار، فخرج النحويون في هذه المسألة من العباءة النحوية إلى حيز أرحب وأوسع، ولمسوا بحق ما يسميه البلاغيون بـ (معنى المعنى).
أما بحث المسألة عند البلاغيين فقد اتخذت مدار المعنى سبيلاً لها، وتناولوها بالفحص والدرس والتحليل الدقيق، وإن كان بدء هذا التحليل – كما هو دوماً – على يد عبد القاهر الجرجاني، فلم نجد فيما سبقه من مؤلفات بلاغية أي إشارة إلى هذه المسألة من الوجهة البلاغية التحليلية.
فقد بدأ عبد القاهر ببحث المسألة بحثاً مفصلاً بقوله: " أما قولنا: (المنطلقُ زيدٌ) والفرق بينه وبين أن تقول: (زيدٌ المنطلقُ)، فالقول في ذلك: أنك وإن كنت تريد في الظاهر أنهما سواء من حيث كان الغرض في الحالين إثبات انطلاق قد سبق العلم به لزيد، فليس الأمر كذلك، بل بين الكلامين فصل ظاهر " ().
ثم يشرع بعد ذلك في تفصيل ما بين الكلامين من فروق دلالية، وخلاصة قوله: أن قولك: (زيدٌ المنطلقُ) المعنى فيه ثبوت صفة (الانطلاق) لشخص ما دون تعيينه، فيكون الشك في فاعل هذا الفعل، فتعين هذا الفاعل بقولك: (زيد)، فبذلك يعلم السامع أن فعل (الانطلاق) قد ثبت لفاعل (معنى لا رتبة) هو (زيد)، فالفعل في هذه الجملة تمّ وانتهى. أما قولك: (المنطلقُ زيدٌ) فهو على معنى أن فعل الانطلاق يتم ويتكون الآن، ولكن السامع لم يعين من صاحب هذا الانطلاق الذي يتم في هذا الوقت، والابتداء بـ (زيد) هنا يعين صاحب هذا الفعل (الانطلاق).
إذن عبد القاهر يتخذ من زمنية الحدث معياراً للتفرقة الدلالية بين الجملتين، فهذا الزمن في جملة (المنطلقُ زيدٌ) في طور النمو والتشكل، أما في جملة (زيدٌ المنطلقُ) فقد تمّ واكتمل.
(يُتْبَعُ)
(/)
لكن عبد القاهر يشير إلى لمحة دلالية غاية في الجمال والروعة إذ يجعل المعنى المتولد من الجملتين السابقتين ليس على إطلاقه، لكن هناك بعض الاستثناءات؛ منها: إذا كان أحد المعرفتين (اسم فاعل) أو (صفة) وبدئ به كان الغرض الدلالي مختلفاً عما سبقت الإشارة إليه. ومثال ذلك: قولك: (اللابسُ الديباجَ صاحبُك) فليس الغرض هنا إثبات لبس الديباج له، لأن معاينتك إياه تنبئك عن ذلك. يقول عبد القاهر: " متى رأيت اسم فاعل أو صفة من الصفات قد بدئ به فَجُعِلَ مبتدأ، وجعل الذي هو صاحب الصفة في المعنى خبراً، فاعلم أن الغرض هناك غير الغرض إذا كان اسم الفاعل أو الصفة خبرا، كقولك: (زيدٌ المنطلقُ) " ().
وينعي عبد القاهر على سيبويه رأيه الذي يجعل فيه الابتداء بأحد المعرفتين (بالخيار) ()، ويُعرِّض به دون أن ينص على اسمه، ثم ينقض رأيه ويدلل على فساده بسوق العديد من الأمثلة والشواهد الشعرية ().
أما الزمخشري فيسلك المسلك التطبيقي للتدليل على رأيه الذي ذهب إليه، ففي تفسيره لقوله تعالى: ? وَظَنُّوا أَنَّهُمُ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اْلَّلهِ? () يقوم بتعيين المعرفتين وهما (مانِعَتُهم) و (حصُونُهم) ثم يعتمد (مانعتهم) خبراً مقدماً، و (حصونهم) مبتدأ مؤخراً، ويجعل مدار النظم في هذه الآية هي الدلالة. يقول: " فإن قلت: أي فرق بين قولك: (وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم) وبين النظم الذي جاء عليه؟ قلت: في تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم، وفي تصيير ضميرهم اسما لـ (إن) وإسناد الجملة إليه، دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة، لا يبالي معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم، وليس ذلك في قولك: وظنوا أن حصونهم تمنعهم " ().
فهو يجعل المعنى في الآية على النظم الذي وردت به في الذكر الحكيم، على فرط ثقتهم بحصانة ومنعة هذه الحصون، أي إثبات فعل المنع لكن لمن؟ فيكون تعيين الحصون بهذا الفعل وهذا هو المقصد من نظم هذه الآية. بينما لو قدم (حصونهم) لكان المعنى على استمرار الثقة بفعل التحصن، وهذا ما لا يستقيم مع الأحداث إذ أجلاهم المصطفي? عن هذه الحصون فكيف يستمر فعل التحصن وهو منقوض. هكذا يطبق الزمخشري نظرة عبد القاهر في النظم كما أرادها، يطبقها تطبيقاً جلياً على هذه الآية الكريمة، ويخرج لنا بالدلالات الرائعة والمعاني الجليلة.
والرازي يسوق المسألة بشيء من التفصيل فيجعل المعنى في قولك: (زيدٌ المنطلقُ) على ثبوت صفة (الانطلاق) لكن ليس لمتعين، ولذا فقولك: (زيد) تعيين لصاحب هذه الصفة، أي حصر هذه الصفة في جانب هذا المتعين (). أما قولك: (المنطلقُ زيدٌ) فعناه على اعتقاد من اعتقد انطلاق إنسان ما ولم يعينه، فيجعل من تقديم (المنطلق) تعيين لهذا الإنسان وتخصيص له ().
ويلخص الرازي المسألة بقوله: " الحاصل أن الإخبار يجب أن يكون عما يعرف بما لا يعرف، فإذا قلنا: (المنطلقُ زيدٌ) فالمنطلق معلوم، أما الشخص الذي هو المنطلق فمجهول. وإذا قلت: (زيدٌ المنطلقُ) كان المقصود إما حصر انطلاق معين، أو حصر حقيقة الانطلاق " ().
لكن الرأي العجيب الذي جاء به الرازي في نهاية بحثه للمسألة إذ يقول: " المبتدأ موصوف، والخبر صفة، فكما وجب أن يكون أحدهما في الوجود أولى بأن يكون موصوفاً، والآخر صفة، فكذلك في اللفظ، فإذا قلنا: (اللهُ خالقُنا) و (محمدٌ نبيُّنا)، فالخالقية صفة لله تعالى، والنبوة صفة لمحمد ? فهما في الحقيقة متعينان للخبرية، ولا يصلحان للمبتدئية " ().
إن الرازي لما حاول هنا تقسيم المسألة ساق ما يخالف الإجماع، فقد أراد جعل كل ما يصلح صفة (خبراً) سواء قدّم أو أخّر، وعلة ذلك عنده أن الصفات لا تصلح إلا للخبرية. وهو في هذا الرأي مخالف لما قرره النحويون في هذه المسألة، وكذلك مخالف لرأي عبد القاهر، ولم يذكر حجة أو دليل على صحة ما ذهب إليه.
ويسير السكاكي على الدرب نفسه (). ويتبعه على النهج ذاته القزويني دونما تجديد يذكر ().
تنوير:
(يُتْبَعُ)
(/)
كان نظر البلاغيين لجزئية الابتداء بأحد المعرفتين متمحوراً في الاستشهاد القرآني حول آية قرآنية وحيدة هي قوله تعالى: ? وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ ? (). فقد وردت المعرفتان هنا (مانعتهم) + (حصونهم) معرفتان بالإضافة إلى الضمير. ونلمح تواتر البلاغيين على تناول هذه الآية بشيء من التفصيل والتحليل كما يلي:
فضياء الدين (ابن الأثير) في (المثل السائر) يتعرض للآية في أثناء بحثه باب " التقديم والتأخير "، ويخرج الآية على أنها من باب (تقديم الخبر على المبتدأ)، وذلك بإقرار (مانعتهم) خبرا مقدما على (حصونهم) المبتدأ المؤخر، ثم يفلسف هذا التخريج معتمدا على ذوقه التحليلي، وتحليله الذوقي فيقول: " إنما قال ذلك ولم يقل: (وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو (مانعتهم) لأن في تقديم الخبر الذي هو (مانعتهم) على المبتدأ الذي هو (حصونهم) دليلا على فرط اعتقادهم في حصانتها، وزيادة وثوقهم بمنعها إياهم، وفي تصويب ضميرهم اسما لـ (أن)، وإسناد الجملة إليه دليل على تقريرهم في أنفسهم أنهم في عزة وامتناع لا يبالي معها قصد قاصد، ولا تعرض متعرض، وليس شيء من ذلك في قولك: (وظنوا أن حصونهم مانعتهم من الله) " ().
إذن التقديم هنا لغرض محدد ومقصود هو إبراز الخلفية النفسية لهؤلاء اليهود المتحصنين بهذه الحصون؛ إذ إنهم قوم ماديون يحتاجون دوما إلى الوثوق بما يلمس أي بالمادة، دون ما يحس. ألم يقولوا لنبي الله موسى ? حكي القرآن الكريم: ? فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً? (). فهذه المادية هي عين المعنى المراد في آية سورة الحشر، فقد وثقوا بالحصون وبأنها تمنعهم – حتى من الله – وقد خاب ظنهم فطردوا منها على يد المصطفي?.
والعلوي في (الطراز) يسير على النهج نفسه، إذ يصنف الآية على أنها من باب (تقديم الخبر على المبتدأ) بل ويكاد ينقل لنا نص (ابن الأثير) مع بعض التغيير في هيكل النص دون روحه، يقول: " إنما قدّم قوله (مانعتهم حصونهم من الله) وهو حبر المبتدأ في أحد وجهيه، ليدل بذلك على فرط اعتقادهم لحصانتها، ومبالغة في شدة وثوقهم بمنعها إياهم، وأنهم لا يبالون معها بأحد، ولا ينال فيهم نيل. وفي تقرير ضمير (هم) اسما وإسناد المنع والحصول إليهم، دلالة بالغة على تقريرهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة، لا ترمى حوزتهم، ولا يغزون في عقر دارهم، ولو أخر الخبر لم يعط شيئا من هذه الفوائد " ().
فالنص هنا يكاد يتطابق مع نص (ابن الأثير) تطابقا تاما، ولا يتميز عنه سوى بإدراك (العلوي) لمسألة (الابتداء بأحد المعرفتين)، يلمح ذلك من قوله: (في أحد وجهيه) أي أن هذا الخبر المقدم قد يتحرك (سلبا) فيكون خبراً مؤخراً، أو ينسخ حكمه فيكون في موقعه مبتدأً. إن العلوي لم يسمح لنفسه أن ينطلق بفكره، فلم يهتم باستنباط الدلالات الممكنة من وراء هذا التأخير، واكتفي بتكرار عبارة ابن الأثير بمعناها فقال: (ولو أخر الخبر لم يعط شيئاً من هذه الفوائد).
ونلحظ أن كلاً من ابن الأثير والعلوي من أنصار مدرسة التجديد أو محاولات التجديد التالية لمحاولات السكاكي وأنصاره المدرسيين المنطقيين. والسؤال الآن هل تناول السكاكي هذه المسألة هو وتلامذته بالبحث والتحليل؟ والإجابة أن السكاكي قد بحث هذه الجزئية في بحثه لأحوال المسند عندما تعرض لـ (تعريف المسند). فقد أشار السكاكي إلى أن تعريف المسند لا بد أن يعتمد قبل ذلك على تعريف المسند إليه، وهو ما قرره النحويون أن الأصل في الجملة الاسمية أن يُعرَّف المبتدأ ويُنَكَّر الخبر. لكن السكاكي يجعل تعريف (المسند) واجباً في حالة واحدة هي: إذا كان المسند عند السامع أو المتلقي متشخصاً أي (معروفاً) بأحد طرق التعريف، وذلك لأن تعريف المسند استلزم قبل ذلك كون المسند إليه معرفة ().
(يُتْبَعُ)
(/)
لكن ماذا يستفيد السامع من تعريف المسند إليه والمسند؟ يجيب السكاكي: " يستفيد إما لازم الحكم، كما ترى في قولك لمن أثنى عليك بالغيب: الذى أثنى علي بالغيب أنت. معرفاً لأنك عالم بذلك. أو الحكم كما ترى في قولك لمن تعرف أن له أخاً، ويعف إنسانا يسمى زيداً، أو يعرفه يحفظ التوراة، أو تراه بين يديه، لكن لا يعرف أن ذلك الإنسان هو أخوه، إذا قلت له: أخوك زيدٌ، أو أخوك الذي يحفظ التوراة، أو أخوك هذا، فقدمت الأخّ، أو إذا قلت: زيدٌ أخوك، أو الذي يحفظ التوراة أخوك، أو هذا أخوك، فأخرت الأخ معرفاً له في جميع ذلك " ().
فالسكاكي هنا يجعل تعريف المسند إليه والمسند يفيدان أحد أمرين هما:
الأول: إفادة لازم الحكم، ومعناه: الحكم على أمر معلوم بآخر معلوم، أي أنه يتناص هنا مع الأغراض المستفادة من الخبر، خاصة مع ما يسمى (لازم فائدة الخبر). وهذا مغاير لعلم المخاطب بالحكم، فقولك: أنت الذي مدحني بالقصيدة الرائعة، معلوم لك أنه هو، لكنك أردت أن تؤكد الحكم هنا.
والثاني: إفادة الحكم، ومعناه: الحكم على أمر معلوم للسامع، ومعرف بطريقة من طرق التعريف، بأمر آخر غير معلوم له، وذلك لأنه يجب عند تعريف المسند تعريف المسند إليه، إذ ليس في كلام العرب مسند إليه نكرة ومسند معرفة، فقولك: أخوك زيد اقتضى جهل السامع بأحد المعرفتين، فلذا وجب إفادته حكماً بأن له أخاً هو زيد. فالأمر هنا على إفادة حكم لا لازم حكم.
ويعود السكاكى لينقل لنا رأياً مستفاداً من رأي النحويين في هذه المسألة، مفاده: أنه إذا أتت معرفتان فليس كل منهما صالحا للابتداء، بل هناك منهما من هو متعين دوماً للخبرية ولا يصلح للابتداء به، ومنهما من يصلح دوماً للمبتدئية ولا يصلح للإخبار به ().
وقد تواتر على هذا الرأي أتباع المدرسة السكاكية، دون أي تجديد أو إضافة، اللهم ما كان من بعضهم من توظيف بعض آيات النص القرآني في هذه المسألة، مثلما فعل (الطيبي) الذي حاول إبراز ذاته التجديدية في إطار النظرية السكاكية بتوظيف الآي القرآني في هذه المسألة، وقد تأتى له ذلك بصورة جميلة ()، أو إضافة بعض أبيات الشعر ()، أو الإفاضة في الشرح فقط ().
ورغم تخريج النحويين والبلاغيين لهذه المسألة، وإبراز الآراء والأقوال فيها، إلا أن حدود هذه الآراء لم يكن لتشمل دلالات آيات النص القرآني في توظيفه لهذه المسألة. فمثلاً قوله تعالى: ? سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? ()، فتعريف المبتدأ والخبر هنا لا يفيدنا لازم الحكم أو الحكم إطلاقاً. فالمسند إليه والمسند معرفتان وفي لازم الحكم تدل بأمر معلوم (هو) الدال على الذات الإلهية، على أمر آخر معلوم (العزيز) وهو دال أيضاً على الذات الإلهية، والاثنان معلومان في الذهن الإنساني بما لا يدع مجالاً لدلالة هذا على ذاك، ولا ذاك على هذا.
والمتأمل لعظمة التركيب في الآية القرآنية كما يلي: (هو العزيز الحكيم) يجد أن البنية التركيبية تعطى دلالات تتضافر دون شك مع البنية السياقية للآية ومن ثم البنية السياقية للسورة. فالسياق في الآية في يتناول الحديث عن عبودية كل مخلوقات الله لله، وتسبيحهم إياه على الدوام. تأمل دلالة التعبير بالفعل الماضي (سَبَّحَ) فليس المقصود هنا انتهاء فعل التسبيح، بل المعنى على أن هذه المخلوقات جميعها سبحت - وتسبح وستظل تسبح - لله ? قبلك أيها الإنسان، وما زلت بجهلك وعنادك، فاستلزم الأمر أن نرسل لك رسلاً وكتباً، ولم تستدل مثل هذه المخلوقات على إلهك مباشرة، بل أعملت عنادك، فانظر وتأمل صبر الله عليك وحبه لك لما أرسل لك الرسل والكتب رغم ما أنت فيه من كفر وجهل وعناد، ولم يأخذك أخذ عزيز مقتدر (وهو العزيز الحكيم).
(يُتْبَعُ)
(/)
فالسياق هنا يقتضي الابتداء بالضمير الدال على الذات الإلهية لإشعار الرهبة في النفس عند سماعه. و (هو) ضمير دال مؤثر في مثل هذا السياق، ثم أتبع بصفة واسم دال على التمكن من الأمور، وطلاقة التصرف فيها والقدرة عليها، وذلك بمطلق العلم بل بمطلق الحكمة. لكن هل يمكن أن تستفاد هذه المعاني والدلالات من تأخر الضمير المبتدأ به (هو) ليصير خبراً؟ تأمل مثلاً قولنا: (والعزيز الحكيم هو) أننا بذلك نرى استقامة في البنية الهيكلية، وفي المعنى الدلالي في غير القرآن، لأن المعنى حينئذ: أن هناك أعزاء كثيرون فاقتضى منك ذلك تحديد المقصود بهذه العزة فقلت: (هو)، وحاش لله أن يكون هذا المقصود.
إذن التخريج النحوي والبلاغي لهذه المسألة يطرد على مادون القرآن، أما النص القرآني فالمسألة تحتاج إلى دقة نظر عند بحث هذه الآيات، دون قولبة الأغراض البلاغية الجاهزة، وصبها على هيكل الآيات القرآنية دون وعي، فلكل آية ذوق وطعم لمن أراد أن يتذوق.
وخلاصة القول: أن الرأي النحوي وقف في بحث هذه المسألة على الأصل الذي ينبغي أن تكون عليه هذه الهيكلة من حيث كون (المبتدأ) معرفة و (الخبر) نكرة، فهذا هو الهيكل النسقي للجملة الاسمية عندهم. وإن كان بعض النحويون قد تطرق بالتحليل إلى المعاني المتولدة من إتيان (المبتدأ والخبر) معرفتين مثلما فعل المبرد وابن يعيش، رغم أن هذه الإشارة لم تكن كافية من جانب النحويين، فقد كان الأولى بهم أن يفصلوا وهم أهلٌ لذلك دون غيرهم.
أما البلاغيون فقد استبان الأمر عندهم، فتناولوا المسألة مقرين إياها بداية، ومحللين لكل تركيب على حدة من حيث المعاني المتوخاة منه، فلكلٍ دلالات تختلف تماماً عن الآخر. وقد وجدنا صدى هذا الجهد الذي فتق مباحثه عبد القاهر، عند الزمخشري والرازي والسكاكي والقزويني. والتحليل البلاغي في هذه المسألة لم يتخذ الأساس النحوي منطلقاً له، بل اتخذه مرمى للنقد، وغرضاً للهدم، وذلك لعدم اتكاء الأساس النحوي في هذه المسألة على روح التراكيب، وفنية الأداء، واكتفائه برصد الهيكلة الجملية التي تحكم علاقات الأركان فيها.
تلك هي بعض إشارات التلوين الصوتي بالعدول الرتبي، أي بتوظيف فنية التقديم والتأخير في سياقات الجمل القرآنية، وما اعتمدت عليه من تخريجات للنحويين والبلاغيين، دارت معظمها على القواعد الجامدة دون مراعاة لروح النص القرآني وتفردات سياقاته.
الهوامش:
1. - ينظر: د. فايز الداية، علم الدلالة العربي، معهد الإنماء العربي، حلب، 1995، 21.
2. - عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 10.
3. - ينظر: أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، 1/ 121.
4. - ينظر: د. عبد الحكيم راضي، نظرية اللغة في النقد العربي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1997، 213.
5. - عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 111.
6. - العلوي، الطراز، 2/ 66.
7. - ينظر: عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 186. – الرازي، نهاية الإيجاز، 159. – الرضي، شرح الكافية، 1/ 100.
8. - د. إبراهيم أنيس، من أسرار اللغة، 323.
9. - سورة الأنعام: آية رقم (100).
10. - ينظر: د. محمد عبد المطلب، البلاغة و الأسلوبية، 252.
11. - برجشتراسر، التطور النحوي، 133.
12. - ينظر: د. تمام حسان، الأصول، 385.
13. - ينظر: القاضي الجرجاني، الوساطة، 412 – 413.
14. - ينظر: د. صلاح فضل، علم الأسلوب، 89 – 90.
15. - ينظر: د. سعد مصلوح، الدراسة الإحصائية للأسلوب، 106.
16. - ينظر: د. عبد الحكيم راضي، نظرية اللغة، 489.
17. - د. صلاح فضل، علم الأسلوب، 81.
18. - ينظر: د. تمام حسان، الأصول، 47.
19. - ينظر: د. يحيى أحمد، الاتجاه الوظيفي ودوره في تحليل اللغة، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1998، 76.
20. - ينظر: د. محمد عبد المطلب، البلاغة والأسلوبية، 248.
21. - د. صلاح فضل، علم الأسلوب، 93.
22. - عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 364.
23. - ينظر: د. عبد الحكيم راضي، نظرية اللغة، 211.
24. - ينظر: د. محمد أبو موسى، دلالات التراكيب، 175.
(يُتْبَعُ)
(/)
25. - ينظر: عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، إعجاز القرآن، تحقيق: أمين الخولي، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، 1966، 16/ 199.
26. - ج. فندريس، اللغة، 187.
27. - ينظر: د. مجيد ناجي، الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت،1995، 114.
28. - ينظر: د. محمد أبو موسى، دلالات التركيب، 177.
29. - ينظر: د. ريمون طحان، الألسنية العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، 1994، 2/ 85.
30. - عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 85.
31. - الرازي، نهاية الإيجاز، 284.
32. - د. تمام حسان، الأصول، 84.
33. - ينظر: الجاحظ، البيان والتبيين، 1/ 135. ابن رشيق، العمدة، 1/ 176.
34. - سورة طه: آية رقم (129).
35. - الفراء، معاني القرآن، 2/ 195.
36. - ينظر: أبو عبيدة، مجاز القرآن، 1/ 124، 2/ 13. – ابن فارس، الصاحبي، 412. – الثعالبي، فقه اللغة، 322.
37. - سورة الكهف: الآيتان رقم (1، 2).
38. - سورة هود: آية رقم (71).
39. - سورة الشمس: آية رقم (14).
40. - ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، تحقيق: السيد صقر، مكتبة التراث، القاهرة، 1989، 158.
41. - ينظر: السكاكي، مفتاح العلوم، 93. – القزويني، الإيضاح، 101. – ابن مالك، المصباح، 26.
42. - ينظر: السكاكي، مفتاح العلوم، 105. – ابن مالك، المصباح، 38. - الجرجاني، الإشارات والتنبيهات ـ 78.
43. - سورة النور: آية رقم (42).
44. - ينظر: الرازي، نهاية الإيجاز، 316. – الزركشي، البرهان، 3/ 153. – القزويني، الإيضاح، 53.
45. - سورة الفاتحة: آية رقم (5).
46. - سورة الأنعام: آية رقم (164).
47. - سورة الضحى: آية رقم (9).
48. - عبد القاهر الجرجاني، المقتصد في النحو، 1/ 330.
49. - د. إلياس ديب، أساليب التأكيد في اللغة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت،1999،66.
50. - سورة النمل: آية رقم (68).
51. - سورة المؤمنون: آية رقم (83).
52. - سيبويه، الكتاب، 1/ 14.
53. - السابق، 1/ 19.
54. - نفسه، 1/ 27.
55. - نفسه، 1/ 285.
56. - الزركشي، البرهان في علوم القرآن، 3/ 235.
57. - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، 107 – 108.
58. - عبد القاهر، المقتصد، 1/ 311.
59. - د. تامر سلوم، نظرية اللغة والجمال، دار النفائس، بيروت، 1988، 131.
60. - سورة القصص: آية رقم (26).
61. - الزمخشري، الكشاف، 3/ 403.
62. - سورة مريم: آية رقم (46).
63. - الزمخشري، الكشاف، 3/ 20.
64. - ابن الأثير، المثل السائر، 2/ 216.
65. - السكاكي، مفتاح العلوم، 236.
66. - التفتازاني، المطول، 202.
67. - ينظر: عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 108.
68. - ابن يعقوب المغربي، مواهب الفتاح، 1/ 389.
69. - ينظر: د. مجيد ناجي، الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية، 117.
70. - ينظر: السكاكي، مفتاح العلوم، 286 – 290. القزويني، الإيضاح، 52 – 54. الطيبي، التبيان، 257 – 260.
71. - سورة الماعون: آية رقم (4).
72. - الزمخشري، الكشاف، 4/ 804.
73. - ابن السراج، الأصول في النحو، 1/ 59.
74. - سورة الطور: آية رقم (23).
75. - السهيلي، نتائج الفكر،409.
76. - المهلبي، نظم الفرائد وحصر الشرائد، تحقيق: د. عبد الرحمن العثيمين، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1986،61.
77. - ابن يعيش، شرح المفصل، 1/ 85.
78. - ينظر: - ابن معطي، الفصول الخمسون، 198.- المرادي، توضيح المقاصد، 1/ 281. -ابن عقيل، شرح الألفية، 1/ 216. - ابن الناظم، شرح الألفية، 114. - المكودي، شرح الألفية، 1/ 180. - السيوطي، الأشباه والنظائر، 2/ 257.
79. - سيبويه، الكتاب، 1/ 50.
80. - السابق، 1/ 59، 2/ 88، 2/ 127.
81. - المبرد، المقتضب، 3/ 95.
82. - ابن يعيش، شرح المفصل، 1/ 98.
83. - ابن هشام، مغني اللبيب، تحقيق: د. مازن المبارك، دار الفكر، بيروت، ط1، 1989، 432.
84. 3 - السيوطي، الأشباه والنظائر، 2/ 268.
85. 1 - ابن عقيل، شرح الألفية، 2/ 221.
86. 2 - الخضري، حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، 1/ 222.
87. 3 - المرجع السابق، 1/ 223.
88. 4 - الرضي، شرح الكافية، 1/ 230.
89. - عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 187.
90. - عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 187.
91. - سيبويه، الكتاب، 1/ 50.
92. - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، 188 - 193.
93. - سورة الحشر: آية رقم (2).
94. - الزمخشري، الكشاف، 4/ 499.
95. - الرازي، نهاية الإيجاز، 160.
96. - المرجع السابق، 162.
97. - الرازي، نهاية الإيجاز، 163.
98. 2 - السابق، 164.
99. - السكاكي، مفتاح العلوم، 314 - 316.
100. - القزويني، الإيضاح، 104.
101. - سورة الحشر: آية رقم (2).
102. -ابن الأثير، المثل السائر، 2/ 38.
103. - سورة النساء: آية رقم (153).
104. - العلوي، الطراز، 235.
105. - السكاكي، مفتاح العلوم، 314.
106. - السابق، 315.
107. - السكاكي، مفتاح العلوم، 315.
108. - الطيبي، التبيان، 265.
109. - القزويني، الإيضاح، 105.
110. - ينظر: القزويني، الإيضاح، 104 - 106. الطيبي، التبيان، 264 - 265. ابن مالك، المصباح، 42 - 44. السبكي، عروس الأفراح، 2/ 93 - 2/ 103. التفتازاني، المطول، 174 - 181. ابن يعقوب، مواهب الفتاح، 2/ 94 – 2/ 102.
111. - سورة الحشر: آية رقم (1).(/)
|| بسم الله الرحمن الرحيم ||
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[17 - 07 - 2008, 02:10 ص]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لماذا قال الله تعالى " الرحمن الرحيم "
اليسو من مصدرٍ واحد؟ أي نفس المعنى؟
سؤال طُرِح علي ّ فبحثت ...
وهذا ما وجدت ...
والكثير مما وجدته يقول ما عدا ما جاء في آخر كتاب وضعته "الميزان" ... بأن الرحمن اسم خاص لله عز وجل، وإن كان اسما خاصا لله سبحانه فينبغي ان تكون مرفوعة ... !
ارجو من الأخوة الذين يروون كما يرى الكثير أن يبينوا هذا القول!!
البحث ..
ذكر ابن دريد في جمهرة اللغة:
. قال أبو عبيدة: هما اسمان مشتقّان من الرحمة مثل نَدمان ونديم. قال أبو بكر: خبّرني عمي الحسين بن دريد عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال: الرحمن اسم للّه تبارك وتعالى لا يُدعى به غيره والرحيم صفة لأن العرب تقول: كُن بي رَحيماً ولا تقل: كُن بي
رَحْماناً. وقد دلّ القرآن على ذلك بقوله عزّ وجلّ: "قل ادْعُوا اللهّ أو ادْعُوا الرحمنَ أيًّا ما تَدْعوا فله الأسماءُ الحُسْنَى"، فاللّه اسم ليس لأحد فيه شركة وكذلك الرحمن، وليس لأحد أن يسمَى الرحمن إلا اللّه. وقد سمت العرب مَرحوماً ورَحيماً.
ابن منظور في لسان العرب
والله الرَّحْمَنُ الرحيم: بنيت الصفة الأُولى على فَعْلانَ لأَن معناه الكثرة، وذلك لأَن رحمته وسِعَتْ كل شيء وهو أَرْحَمُ الراحمين، فأَما الرَّحِيمُ فإِنما ذكر بعد الرَّحْمن لأَن الرَّحْمن مقصور على الله عز وجل
،
والرحيم قد يكون لغيره؛ قال الفارسي: إِنما قيل بسم الله الرَّحْمن الرحيم فجيء بالرحيم بعد استغراق الرَّحْمنِ معنى الرحْمَة لتخصيص المؤمنين به في قوله تعالى: وكان بالمؤمنين رَحِيماً، كما قال: اقْرَأْ باسم ربك الذي خَلَقَ، ثم قال: خَلَقَ الإِنسان من عَلَقٍ؛ فخصَّ بعد
أَن عَمَّ لما في الإِنسان من وجوه الصِّناعة ووجوه الحكمةِ، ونحوُه كثير قال الزجاج: الرَّحْمن اسم من أَسماء الله عز وجل مذكور في الكتب الأُوَل، ولم يكونوا يعرفونه من أَسماء الله؛
قال أَبو الحسن: أَراه يعني أَصحاب الكتب الأُوَلِ، ومعناه عند أَهل اللغة ذو الرحْمةِ التي لا غاية بعدها في الرَّحْمةِ، لأَن فَعْلان بناء من أَبنية المبالغة، ورَحِيمٌ فَعِيلٌ بمعنى فاعلٍ كما
قالوا سَمِيعٌ بمعنى سامِع وقديرٌ بمعنى قادر، وكذلك رجل رَحُومٌ وامرأَة رَحُومٌ؛ قال الأَزهري ولا يجوز أَن يقال رَحْمن إِلاَّ الله عز وجل، وفَعَلان من أَبنية ما يُبالَعُ في وصفه،
فالرَّحْمن الذي وسعت رحمته كل شيء، فلا يجوز أَن يقال رَحْمن لغير الله وحكى الأَزهري عن أبي العباس في قوله الرَّحْمن الرَّحيم: جمع بينهما لأَن الرَّحْمن عِبْرانيّ والرَّحيم عَرَبيّ؛ وأَنشد لجرير:
لن تُدْرِكوا المَجْد أَو تَشْرُوا عَباءَكُمُ = بالخَزِّ، أَو تَجْعَلُوا اليَنْبُوتَ ضَمْرانا
أَو تَتْركون إِلى القَسَّيْنِ هِجْرَتَكُمْ، = ومَسْحَكُمْ صُلْبَهُمْ رَحْمانَ قُرْبانا؟
وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان أَحدهما أَرق من الآخر، فالرَّحْمن الرقيق والرَّحيمُ العاطف على خلقه بالرزق وقال الحسن؛ الرّحْمن اسم ممتنع لا يُسَمّى غيرُ الله به، وقد يقال رجل رَحيم. الجوهري: الرَّحْمن والرَّحيم اسمان مشتقان من الرَّحْمة، ونظيرهما في اللة
نَديمٌ ونَدْمان، وهما بمعنى، ويجوز تكرير الاسمين إذا اختلف اشتقاقهما على جهة التوكيد كما يقال فلان جادٌّ مُجِدٌّ، إِلا أَن الرحمن اسم مختص لله تعالى لا يجوز أَن يُسَمّى به غيره ولا يوصف، أَلا ترى أَنه قال: قل ادْعُوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَنَ؟ فعادل به الاسم الذي لا
يَشْرَكُهُ فيه غيره، وهما من أَبنية المبالغة، ورَحمن أَبلغ من رَحِيمٌ، والرَّحيم يوصف به غير الله تعالى فيقال رجل رَحِيمٌ، ولا يقال رَحْمن. وكان مُسَيْلِمَةُ الكذاب يقال له رَحْمان اليَمامة، والرَّحيمُ قد يكون بمعنى المَرْحوم؛ قال عَمَلَّسُ بن عقيلٍ:
فأَما إذا عَضَّتْ بك الحَرْبُ عَضَّةً، = فإِنك معطوف عليك رَحِيم
قال الصولي في ادب الكاتب
والله تبارك اسمه، اسم خاص للمعبود جل وعلا، لا يسمى به سواه. قال الله تعالى: "هل تعلم له سمياً". قال المفسرون: لا يعلم من تسمى الله إلا الله عز وجل، ولا يعرف لهذا
(يُتْبَعُ)
(/)
الإسم اشتقاق من فعل. ولا أحب ذكر ما قاله النحويون فيه لأنه يكلف لا يضر تركه. وأسماء الله عز وجل، بعد هذا، صفات: فالرحمن الرحيم ذو الرحمة، ولا يقال رحمن إلا
لله تعالى. ويقال: فلان رحيم لأن رحمن في وزنه فعلان، من أسماء المبالغة في الرحمة وغيرها، والله تعالى نهاية في الرحمة وليس شيء كذلك، فلهذا لم يسم به غير الله.
والرحمة من الله تجاوز عن ذنب، وإحسان عن حسنة، وإيصال الخير إلى عباده. والرحمة من العباد إشفاق ورقة، تحدث فيهم.
وليس في الأفعال ما يبنى عليه ثلاثة أسماء مثل رحم فهو راحم، ورحيم ورحمان إلا
وقال ابن فارس في الصاحبي في فقه اللغة
باب أجناس الأسماء
قال بعض أهل العلم: الأسماء خمسة - اسم فارقٌ واسم مُفارِقٌ واسم مُشْتَقٌّ واسم مضاف واسم مُقْتَضٍ" فالفارق: قولنا "رجل" و "فرس"، فرقنا بالاسمين بَيْنَ شخصين. والمفارق: قولنا "طفل"، يفارقه إذَا كَبشر". والمشتق: قولنا "كاتب" وهو مشتق من "الكتابة" ويكون هَذَا عَلَى وجهين: أحدهما مَبْنِيَّاً
عَلَى فَعَلَ وذلك قولنا "كتب فهو كاتب"، والآخر يكون مشتقاً من الفعل غيرَ مبنيٍّ عَلَيْه كقولنا "الرحمن" فهذا مشتق من "الرحمة" وغير مبني من "رحم".
وكلّ مَا كَانَ من الأوصاف أبعدَ من بنية الفعل فهو أبلغُ، لأن "الرحمن" أبلغُ من "الرحيم" لأنا نقول "رَحِمَ فهو راحم ورحيم" ونقول "قَدَر فهو قادرٌ وقَدير" وإذا قلنا "الرحمن" فليس
هو من "رَحِمَ" وإنَّما هو من الرَّحمة". وَعَلَى هَذَا تجري النعوت كلُّها فِي قولنا "كاتب" و "كَتَّاب" و "ضارب" و "ضَرُوب".
والمضاف: قولنا "كلّ" و "بعض" لا بدَّ أن يكونا مضافَين. والمُقْتضي: قولنا "أَخ" و "شَريك" و "ابن" و "خَصْم" كلُّ واحد منها إذَا ذُكر اقتضى غيرَهُ،
لأن الشريك مُقْتضٍ شريكاً والأخ مقتض آخر
وجاء في الميزان للطبطبائي
الوصفان: الرحمن الرحيم، فهما من الرحمة، و هي وصف انفعالي و تأثر خاص يلم بالقلب عند مشاهدة من يفقد أو يحتاج إلى ما يتم به أمره فيبعث الإنسان إلى تتميم نقصه و رفع حاجته، إلا أن هذا المعنى يرجع بحسب التحليل إلى الإعطاء و الإفاضة لرفع الحاجة و بهذا المعنى يتصف سبحانه بالرحمة.
و الرحمن، فعلان صيغة مبالغة تدل على الكثرة، و الرحيم فعيل صفة مشبهة تدل على الثبات و البقاء و لذلك ناسب الرحمن أن يدل على الرحمة الكثيرة المفاضة على المؤمن و الكافر و هو الرحمة العامة، و على هذا المعنى يستعمل كثيرا في القرآن، قال تعالى: «الرحمن على العرش استوى»: طه - 5.
و قال: «قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا»: مريم - 75. إلى غير ذلك، و لذلك أيضا ناسب الرحيم أن يدل على النعمة الدائمة و الرحمة الثابتة الباقية التي تفاض على المؤمن كما قال تعالى: «و كان بالمؤمنين رحيما»: الأحزاب - 43.
و قال تعالى: «إنه بهم رءوف رحيم»: التوبة - 117. إلى غير ذلك، و لذلك قيل: إن الرحمن عام للمؤمن و الكافر و الرحيم خاص بالمؤمن.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[18 - 07 - 2008, 02:15 ص]ـ
بارك الله فيك يا رسالة الغفران موضوعك جميل.
واسمح لي أخي الفاضل؛ فقد عدلت الخطأ الوارد في مشاركتك وهو:
كتاب ابن دريد اسمه (جمهرة اللغة) وليس جمهرة العرب.
دعواتي لك بالفلاح.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[18 - 07 - 2008, 02:46 ص]ـ
أخي رسالة الغفران جهد طيب
ولو راجعت كتب التفسير لازداد بحثك ثراء
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[18 - 07 - 2008, 04:11 ص]ـ
بارك الله فيك أخي رسالة الغفران على جهدك
عرفت سر السؤال؟
على فكرة لقد أجبت عن السؤال بما لدي وكان بودي أن نكمل النقاش
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[23 - 07 - 2008, 11:21 ص]ـ
بارك الله فيك يا رسالة الغفران موضوعك جميل.
واسمح لي أخي الفاضل؛ فقد عدلت الخطأ الوارد في مشاركتك وهو:
كتاب ابن دريد اسمه (جمهرة اللغة) وليس جمهرة العرب.
دعواتي لك بالفلاح.
والشكر موصول لك استاذي الفاضل
أخي رسالة الغفران جهد طيب
ولو راجعت كتب التفسير لازداد بحثك ثراء
سأرجع بإذن الله
بارك الله فيك أخي رسالة الغفران على جهدك
عرفت سر السؤال؟
على فكرة لقد أجبت عن السؤال بما لدي وكان بودي أن نكمل النقاش
نعم أجبت ... ولنا لقاء بإذن الله
ولكن لدي سؤال ...
ارى بأن الكثير من العلماء يقولون بأن " الرحمن " اسم خاص لله عز وجل ...
وان كان اسما خاصا لله عز وجل كان يجب ان نقول ... " بسم ِ اللهِ الرحمنُ الرحيم "
اليس كذلك ... ؟
ولكن في الحقيقة قال الله تعالى الرحمن بالكسر
ما هي وجهة نظر هذه الفئة من العلماء الأفاضل ... ؟
؟؟؟
ـ[فهد عبدالله الزامل]ــــــــ[23 - 07 - 2008, 02:35 م]ـ
بارك الله فيك وسدد خطاك والى الأمام انشا الله
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[23 - 07 - 2008, 07:43 م]ـ
اسمحوا لي - أيها الأحباب - بالإجابة، بل بالمحاولة على تساؤل أخي رسالة الغفران:
أحسنت، أخي رسالة الغفران، وهذا السؤال يدل على حدة توقد عقلك ما شاء الله!
نعم، ما ذكرته صحيح، ولكن ليس بواجب، فيجوز - أخي الحبيب -:
بسم الله الرحمن ُ. ويجوز:
بسم الله الرحمن ِ. ويجوز:
بسم الله الرحمن َ.
وهذه الظاهرة - أخي الفاضل - تسمى القطع أي يرفع النعت ويكون إعرابه خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره (هو).
أو ينصب ويكون إعرابه مفعولا لفعل محذوف أمدح.
ويبقى - كما هو واضح - على جره إتباعًا للمنعوت.
وفقك الله - رسالة الغفران - الغالي للحق والصواب.
وعذرًا إن قصرت في الإجابة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[23 - 07 - 2008, 07:52 م]ـ
شكرا على المرور الرائع أخي الكريم ... فهد
ويا استاذي الفاضل: عبد العزيز
بارك الله فيك وسدد خطاك
جيزت خيرا ونكحت بكرا في الجنة " حتى لا يغضب زوجك:) "
وأنت أيضا اخي فهد جزيت خيرا ونكحت بكرا في دار الدنيا والآخرة:)
ولدي بعض التساؤلات ... ولكن سأضعها في وقت لاحق
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[23 - 07 - 2008, 08:32 م]ـ
موضوع رائع بارك الله فيك
ـ[أبو ذكرى]ــــــــ[24 - 07 - 2008, 10:01 م]ـ
.......
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 01:19 ص]ـ
السلام عليكم
شكرا لكم جميعًا
أما بالنسبة إلى (الرحمن) و (الرحيم):ـ
فهما صفتان الأولى على وزن فعلان وتدل إن هذه الصفة متجددة فرحمة الله تتجدد بحسب العمل أو القول، مثل عطشان، غضبان.
أما الرحيم فهي على وزن فعيل وتدل على إن هذه الصفة ثابته فرحمة الله ثابته (وهذه من رحمة ربنا عز وجل) للجميع حتى الكافر، مثل طويل، قصير.
فهنا نستفيد إن لله رحمة ثابتة للجميع، وله عز وجل رحمة خاصة متجددة بحسب ما يقوم به الإنسان أوما يقوله.
والله أعلى و أعلم
المرجع: كتاب لمسات بيانية للدكتور / فاضل صالح السامرائي.
ـ[ابن النحوية]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 04:34 م]ـ
هل يجوز إعراب (الرحمن) بدلا من لفظ الجلالة؟
ـ[أبو ذكرى]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 08:13 م]ـ
نعم يجوز والخلاف في إعرابه عطف بيان
ـ[ابن النحوية]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 09:11 م]ـ
نعم يجوز والخلاف في إعرابه عطف بيان
هل من مصدر أو أنه اجتهاد منك؟
وما منشأ الخلاف في إعرابه عطف بيان؟
ـ[أبو ذكرى]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 11:06 م]ـ
أستاذي العزيز
مصادري تبعد عني 200 كم، وذلك بسبب الإجازة.
أجبتك بما بقي في الذاكرة، ووجدته بعد سؤالك في إعراب القرآن للكرباسي.
أما منشأ الخلاف في إعرابه عطف بيان، فهو أن عطف البيان يشترط فيه أن يكون أوضح من المعطوف عليه وأبين، واسم الجلالة (الله) خاص بالرب جل وعلا، ولا يجوز أن يمسى أو يتسمى به أحد.
أما الرحمن فيجوز أن يطلق على غيره بشرط الإضافة.
ومن هنا كان اسم الجلالة (الله) أكثر خصوصية من الرحمن.(/)
أغرب ما جاء في التوليد
ـ[محمد سعد]ــــــــ[19 - 07 - 2008, 01:43 ص]ـ
ومن لطيف التوليد قول بعض العجم، وهو توليد المتكلم ما يريد من لفظ نفسه وافر:
كأن عذاره في الخد لام =ومبسمه الشي العذب صاد
وطرة شعره ليل بهيم =فلا عجب إذا سرق الرقاد
فإن هذا الشاعر ولد من تشبيه العذار باللام، وتشبيه الفم بالصاد لفظة (لص) وولد من معناها ومعنى تشبيه الطرة بالليل ذكر سرقة النوم، فحصل في البيت توليد وإغراب وإدماج، وهذا من أغرب ما سمعت في ذلك، وهو الثاني من التوليد اللفظي.(/)
استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم لحرف النداء (يا).
ـ[العبد اللطيف]ــــــــ[19 - 07 - 2008, 10:36 م]ـ
استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم لحرف النداء (يا)
قد يبدو هذا العنوان وكأنه غريب وبعيد عن الموضوع، ولكن المتعمق في هذه الجزئية والتركيز فيها يجدها متوافقة تماما مع ما تدعو إليه التربية الحديثة.
فكثير من المذاهب والمدارس التربوية تلح على إشعار الأطفال والمتعلمين بالدفء والحنو والعطف عليهم، ومن أبرز الأساليب التي تدعو لها هذه المدارس في بداية التعلم أن تنادى المعلمة الطفل باسمه، فهذا يشعر الطفل بالاهتمام والتقدير ويجعل المعلمة قريبة من المتعلم.
وهذا هو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان يخاطب صحابته بحرف النداء (يا) متبوعا بالاسم أو بالصفة الجميلة، وهو صلى الله عليه وسلم يجد في هذا النداء كل معان العطف والدفء والحنو على صحابته يعلمهم تارة ويأخذ بأيدهم تارة وينههم عن فعل المعاصي والاقتراب منها تارة أخرى.
والرسول صلى الله عليه وسلم عندما استعمل حرف النداء (يا) بما فيه من بلاغة وحكمة لم يستخدمه بنمطيه، ولكن الموقف يحدد مردود هذا الاستخدام والأمثلة التالية يمكن أن تضعها المعلمة نصب عينها وحين تقرأها سوف تشعر بمدى اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بمن يخاطبه وسوف تشاهد مدى تركيز واهتمام من يخاطب بهذا النداء وكذلك وهو ما ندعو له في علوم التربية حتى يكون التواصل بيننا وبين المتعلمين.
ـ[العبد اللطيف]ــــــــ[19 - 07 - 2008, 10:38 م]ـ
[ color="darkslategray"]1 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أم العلاء: أبشرى، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه، كما تذهب النار خبث الذهب والفضة\".
رواه أبو داود من أم العلاء رضي الله عنها.
2 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا هريرة: كن ورعا تكن من أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس، وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك تكن مؤمنا، وجاور من جاورت بإحسان تكن مسلما، وإياك وكثرة الضحك، فإن كثرة الضحك فساد القلب".
رواه ابن ماجة عن أبى هريرة رضي الله عنه.
3 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أباذر: ألا أعلمك كلمات تقولهن، تلحق من سبقك ولا يدركك إلا من أخذ بعلمك؟ تكبر دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وتسبح ثلاثا وثلاثين، وتحمد ثلاثا وثلاثين، وتختم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، من قال ذلك غفرت له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر".
رواه أبو داود من أبى ذر رضي الله عنه.
4 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا سعيد: من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وجبت له الجنة" فتعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها على يا رسول الله، ففعل، ثم قال: "وأخرى ترفع بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض"، قال وما هي يا رسول الله؟ قال: "الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله\".
رواه مسلم عن أبى سعيد الحذرى رضي الله عنه. [ color]
ـ[العبد اللطيف]ــــــــ[19 - 07 - 2008, 10:40 م]ـ
5 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جابر: تزوجت؟ " قال: قلت: نعم. قال: " بكر أم ثيب؟ " قال: "قلت: بل ثيب يا رسول الله، قال: "فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، أو قال تضاحكها وتضاحك؟ " قال: قلت له: إن عبد الله هلك وترك تسع بنات أو سبع بنات، وإني كرهت أن أتيهن أو أجيئهن بمثلهن، فأحببت أن أجئ بإمرأة تقوم عليهن وتصلحهن، قال: "فبارك الله لك" أو قال: "لي خيرا".
رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
6 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال: حدثني بأرجئ عمل عملته عندك في الإسلام منفعة، فإنى سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة\". قال بلال ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أنى لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلى.
رواه مسلم عن هريرة رضي الله عنه.
7 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب: اذهب فناد في الناس، إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون\".
رواه أحمد ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما.
8 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها شيء إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجهه وكفيه \".
رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها.
9 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة: إن شر الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم".
رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها.
10 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة: عليك بتقوى الله، والرفق، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء قط إلا شانه\".
رواه أحمد وأبو داود عن عائشة رضي الله عنه.
11 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عباس: يا عماه: ألا أعطيك؟ ألا أمنحك، ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله ذنبك أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره، وكبيره، سره وعلانيته؟ عشر خصال: أن تصلى أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع، فتقولها وأنت راكع عشرا ثم ترفع رأسك من الركوع فنقولها عشرا، ثم تهوى ساجدا، فتقولها وأنت ساجد عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، ثم تسجد وتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك، فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات. فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر أو رمل عالج، غفرها الله لك، إن استطعت أن تصليها كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل، ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة\".
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[العبد اللطيف]ــــــــ[19 - 07 - 2008, 10:43 م]ـ
وعند النظر فى هذه الأحاديث نجد أنها بجانب أنها حملت ما سبقت الإشارة إليه من أن النداء يوقع فى النفس أثرا إيجابيا يجعل المتلقي يقبل على ما بعد النداء وخصوصا إذا ما كان النداء بأحب الأسماء إليه.
وهذا ما ندعو المعلمة إليه أن تنادى أطفالها بأسمائهم وبأحب هذه الأسماء إليهم فإن ذلك يشعر هؤلاء الأطفال بالقرب من المعلمة ويقبل على ما تقول ويكون مستعدا لتنفيذ ما يطلب.
وإذا علمنا أن الطفل فى مراحله الأولى قد يجاهد من أن أجل تذكر المعلمة اسمه أو تعقب على فعله فيسأل ويكثر من الأسئلة ويصطنع المواقف من أجلك ذلك، فإذا فعلت المعلمة ذلك كان أنفع وأجدى وأيسر في إدارة الفصل وجذب انتباه واحترام المتعلمين وبخاصة الأطفال منهم.
وبمعاودة النظر فى هذه الأحاديث نجد أنها تنوعت لتشمل الرجال والنساء والعموم والخصوم ولولا ضيق المساحة والخوف من الابتعاد عن الهدف المقصود لسطرت مئات الأحاديث المتتابعة التى تحمل فى ثناياها المضامين التى فيها خير الدنيا والآخرة بجانب ما تحمله من حسن اختيار الأسلوب المتبع فى التعليم من رقة فى النداء تشعر المنادى باهتمام المنادى وحرصه عليه ورغبته فى أن يفعل ما يطلب منه من منطلق الحرص والحنو والعطف عليه. كما فعل المعلم والمربى القدوة النبى صلى الله عليه وسلم الذى بعث رحمة للعالمين.
"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[19 - 07 - 2008, 10:59 م]ـ
جميل جدا جدا أخي الرائع الممتع العبداللطيف.
نستمتع معك والله.(/)
المجاز عند الزركشي.
ـ[العبد اللطيف]ــــــــ[20 - 07 - 2008, 02:14 ص]ـ
المجاز عند الزركشي
لو لم يكن لبدر الدين ا لزركشي غير كتاب (البرهان في علوم القرآن) لكفاه، كيما يحتل المكانة التي شغلها وسط منظومة علماء المسلمين، فالكتاب رغم تأخره نسبيا، يعد من أمهات علوم القرآن التي لا يستغني عنها باحث في هذا المجال. ونحن في هذه الوقفة نزمع الوقوف العاجل عند أحد أهم المباحث التي انطوى عليها ذلكم الكتاب الجليل، وهو مبحث مجاز القرآن.
وليس يخفى أن لمبحث المجاز القرآني أهمية ركينة في التراث العلمي الإسلامي، من شواهدها أن هذا المبحث قد أدى بوضوح وفاعلية إلى تشكل أفكار رئيسة قام عليها عدد من الفرق والتنوجهات الفكرية في سواء منظومة الفكر الديني الإسلامي ن وحصريا فيما عرف ضمن أبواب العقائد بباب توحيد الأسماء والصفات، حسب التصنيف المتأخر عند كتّاب العقائد ن وبخاصة وسط فرقة أهل السنة. تلك الأسماء والصفات الإلاهية التي وردت في النصوص المقدسة الإسلامية؛ فأثارت خلافات عقدية بالغة الأهمية والخطورة، واسعة المدى، عميقة الأثر. وذاك ما نراه بجلاء في كتابات الأشاعرة والمعتزلة، ثم فرقة أهل الحديث والسلفية بفروعها، التي تشكلت بوضوح في ما كتبه ابن تيمية (728) هـ وابن القيم (751) هـ، وصولا إلى ابن عبد الوهاب أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
وقد استتبع كل ذلك نشوء خلافات وعداوات بين الأفرقة الإسلامية التي طرقت موضوع المجاز القرآني والأسماء والصفات. ولا جرم أن كان المغذّي الأساس لتلك الخلافات ما عُرف وتأكد من سيادة ورسوخ الروح التنطعية، والعصبية غير العلمية عند كثير من فقهاء المسلمين –رحمهم الله-.
وكان لهم غُنية عن كل ذلك لو أنهم نظروا إلى القضية بمنظار لغة العرب التي تعد المجاز ظاهرة لغوية متحققة راسخة فيها، في حال النص المقدس أيضا هو نص لغوي لم يحد عن سنن العربية، وطرائق تعبيرها، وهذا ما أكده الله تعالى في مواطن كثيرة منها قوله: {إنا انزلناه قرآنا عربيا} سورة يوسف،
وقوله {…بلسان عربي مبين} الشعراء. ولهذا نجد من الغني عن الذكر التذكير بأن كلام النبي عليه السلام قد حوى من المجاز ما لا يحصى كثرة؛ تبعا لانتهاجه سنن التعبير اللغوي المألوف عند العرب الذين فشا المجاز في كلامهم فشوّا ذريعا واسها، قال تتعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} سورة إبراهيم. وهنا عليّ الإشارة إلى أن الخلاف في شأن المجازات القرآنية لم يظهر إلا بعد دخول الأعاجم ساحة الإسلام. وبعد زعزعة هيبة ومكانة اللغة العربية، مقارنة بالوضع الذي كانت عليه وقت حياة النبي وصحبه الأقحاح ومن قبلهم من الأعراب الخلّص.
ولقد كان للزركشي دورجلي في إثارة بعض قضايا المجاز بوصفه ظاهرة لغوية قرآنية لابست النص المقدس، وينكشف لنا ذلكم الدور فيما كتبه ضمن كتابه (البرهان في علوم ا لقرآن).
إن ظاهرة المجاز لها ساحة بعيدة الأطراف ن غزيرة الفروع، فضلا عن قيمتها البلاغية والجمالية في إطارها اللغوي. تلك القيمة ا لتي جعلت بعض أهل اللغة يجنحون إلى القول بأن المجاز أبلغ من الحقيقة (1)
ونحن في هاته الوقفة العجلى سنعمد إلى إشارات موجزة نحو أم القضايا ا لمجازية التي تعرض الزركشي لها ودرسها في كتابه البرهان وهي التالية:
أولا/ كون المجاز واقعا في النص القرآني (2). هاته مسألة غير شائكة بل غير مشهورة على النحو الذي اشتهرت باقي مسائل علوم القرآن. ولقد وضح الخلاف فيها بعد ابن تيمية الذي مال إلى القول بأن المجاز غير واقع في القرآن المجيد، ولم يكن ابن تيمية هو رائد هذا المذهب، حيث سبقه إلى ذلكم غير واحد منهم أبو إسحاق الإسفراييني (418هـ) و (أبو العباس ابن القاص335هـ) و (ابن خويز منداد4
ثانيا/ اشتراك اللفظ بين حقييقتين، أو حقيقة ومجاز.5
ثالثا/ كون الحذف نوع من أنوع المجاز، ووقوع الخلاف في ذلك.6
ليس من اتفاق على عدِّ الحذف من أضرب المجاز. ومن الاعتراضات أن المجاز استعمالٌ للّفظ في غير موضعه والحذف ليس كذلك. وقد أكد ابن عطية اعتداد الحذف من المجاز، وذلك بوضوح، فقال:
(وحذف المضاف هو عين المجاز، أو معظمه. وهذا مذهب سيبويه وغيره، وليس كل حذف مجاز) والسؤال الهام هنا: هل كل حذف مجاز؟ 7
ومن أهل العلم من وضع معيارا عنده يتحدد كون الحذف من المجاز أم لا. وهذا مانراه عند (عز الدين ا لزنجاني) في قوله (الحذف مجاز إذا تغير الحكم بسببه، وإلا فلا. مثلا زيد منطلق وعمرو، ليس مجازا رغم حذف الخبر) 8.
ويصرح الزركشي برأيه في هذه القضية فيقول ((إن أريد بالمجاز استعمال اللفظ في غير موضعه، فالحذف ليس كذلك؛ لعدم استعماله. وإن أريد بالمجاز إسناد الفعل إلى غيره-وهو المجاز العقلي- فالحذف كذلك)) 9
إذا الزركشي هنا يحصر الحذف في مطابقته المجاز العقلي؛ فلا يحكم له بالمجازية المطلقة، لكن أ يكون في الحذف إسناد للفعل إلى غيره حتى يقول الزركشي إن الحذف كذلك؟ أليس الحذف عدم استعمال والمجاز استعمال؟ فكيف يكونان شيئا واحدا؟
إن النقطة الأساسية المشتركة بين المجاز والحذف هي التي ذكرها الزركشي في في قوله: ((الحذف خلاف الأصل)) 10 - ووجه الاشتراك أن المجازأيضا خلاف للأصل.
ولعل هذا الاشتراك في مخالفة الأصل هو ما أغرى الكثيرين بالقول بأن الحذف مجاز بإطلاق. كما أن من وجوه الاشتراك بينهما ما يمكن تسميته باللذة الذهنية، وهي التي صرح بوجودها الزركشي في سياق ذكره فوائد الحذف إن حيث قال: ((إن من فوائده زيادة لذة بسبب استنباط الذهن للمحذوف، وكلما كان الشعور بالمحذوف أعسر، كان الالتذاذ به أشد وأحسن)).
يوكد الزركشي على نقطة أخرى، الخلاف فيها أقل مما سلف سوقه، وهي كون التشبيه والاستعارة من وجوه المجاز. وهذا من القضايا اللغوية التي لا تحتمل خلافا إذ الأمر فيها واضح جلي، لا يسمح بإنكار دخول الاستعارة والتشبيه ضمن أضرب المجاز، بل هما من أشهر وأوسع التطبيقات المجازية في لغة العرب.(/)
البيان والبديع والمعاني في حِكَم المتنبي
ـ[محمد سعد]ــــــــ[21 - 07 - 2008, 05:16 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه طائفة من مختار حكم المتنبي ومنتخب كلمه أحببنا بيان ما فيها من أسرار البلاغة في فنونها الثلاثة.
قال المتنبي:
أَفاضلُ النَّاسِ أَغراضٌ لذا الزمن= يخلو من الهمِّ أخلاهُمْ من الفِطَنِ
المعاني: في البيت جملتان خبريتان:
الأولى: إسمية تدل على الثبوت مع الاستمرار، المسند إليه (أفاضل) والمسند (أغراض)
الثانية: فعلية تدل على الاستمرار التجددي المسند (يخلو) والمسند إليه (أخلاهم،) وفصل بينهما لكمال الاتصال، وفيه إطناب بالتذييل بالمفهوم.
البيان: في البيت تشبيه بليغ حيث شبه الأفاضل من الناس بهدف السهام وهي الأغراض، ووجه الشبه إلحاق الضرر بكل، والغرض بيان حال المشبه، وفي الزمن استعارة كنائية أصلية حيث شبه الزمن بفارس بجامع التقلب في كل، وقوله: (أخلاهم من الفطن) كناية عن الجهال، وهي كناية بالرمز.
البديع: فيه مراعاة النظير بين أفاضل وناس وفطن، وفيه تقسيم من قبيل استيفاء أقسام الشيء لأنه استوفى أقسام الناس إلى مهموم وخال من الهموم، وهو الواقع
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[21 - 07 - 2008, 05:35 م]ـ
فوائد جمة نجنيها هنا أخي محمد بارك الله لك، ننتظر الجديد هنا.
ـ[محمد سعد]ــــــــ[21 - 07 - 2008, 05:41 م]ـ
فوائد جمة نجنيها هنا أخي محمد بارك الله لك، ننتظر الجديد هنا.
أشكرك أخي أحمد، مرورك يسعدني، والفائدة الجَمَّة نجنيها منكم. وإن شاء الله نتابع الأبيات
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[21 - 07 - 2008, 10:53 م]ـ
تابع وفقك الله وأمتعنا(/)
جمال اللغة العربية -الطّباق
ـ[أحلام]ــــــــ[22 - 07 - 2008, 05:12 م]ـ
الطِّباق
- هو الجمع بين ضدين، كما قال تعالى: "فَلِيَضْحَكوا قَليلاً وَلِيَبْكوا كَثيراً" وكما قال عزَّ وجلَّ: "تَحْسَبُهُم جَميعاً وقُلوبُهُمْ شَتَّى" وكما قال عزَّ وجلَّ: "وتَحْسَبُهُمْ أيقاظاً وهم رُقودٌ" وكما قال عزَّ من قائل: "ولَكُم في القِصاصِ حَياةٌ".
ومما جاء في الخبر عن سيِّد البشر صلى الله عليه وسلم: (حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمكارِهِ والنَّارُ بِالشَّهوات) (النَّاسُ نِيام فإذا ماتوا انتَبَهوا) (كفى بالسَّلامَة داءً) (إنَّ اللهَ يُبْغِضُ البَخيلَ في حَياتِهِ والسَّخيَّ بَعْدَ موته) (جُبِلَتْ القُلوبُ على حُبِّ من أحْسَنَ إلَيها وبُغْضِ من أساءَ إلَيها) (احذَروا من لا يُرْجى خَيْرُهُ ولا يؤْمَنُ شَرُّهُ).
ومما جاء في الشعر قول الأعشى:
تَبيتونَ في المَشتى مِلاءً بُطونُكُمْ * وجاراتكم غَرْثى يَبِتْنَ خَمائِصا
وقول عبد بني الحسحاس:
إن كنتُ عبداً فَنَفسي حُرَّةٌ كَرَماً * أو أسْوَدَ الخَلقِ إني أبيضُ الخُلُقِ
وقول الفرزدق:
والشَّيبُ يَنْهُضُ في الشَّبابِ كأنَّهُ * ليلٌ يَصيحُ بِجانِبَيهِ نَهارُ
وكقول البُحتري:
وأمَّةٌ كان قُبْحُ الجَوْرِ يُسْخِطها * دَهراً فأصْبَحَ حُسْنُ العَدْلِ يُرْضيها
من (فقه اللغة للثعالبي)
ـ[الطاهرة]ــــــــ[17 - 08 - 2008, 06:13 م]ـ
اشكرك على هذا الجهد الطيب
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[17 - 08 - 2008, 06:20 م]ـ
أشكرك يا دكتورة ....
ولكن لي عتب صغير ... هل اسم بلادي قبيح بالعربية حتى كتبت محله syr
ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[17 - 08 - 2008, 11:41 م]ـ
بوركت أيتها الفاضلة ..... و لكن عندي سؤال بسيط - و منكم نستفيد -
كيف أفرق بين الطباق المتعدد و المقابلة؟ و هل تعد الآية الكريمة "فَلِيَضْحَكوا قَليلاً وَلِيَبْكوا كَثيراً" طباقاً متعدداً أم مقابلة؟(/)
جمال اللغة العربية -6 - (اسم واحدعلى اشياء مختلفة)
ـ[أحلام]ــــــــ[22 - 07 - 2008, 05:17 م]ـ
اسم واحد على أشياء مختلفة
- من ذلك: عين الشمس وعين الماء ويقال لكل واحد منهما: العين.
والعين: النَّقد من الدَّراهم.
والعين: الدَّنانير.
والعين: السَّحابة من قِبَل القبلة.
والعين: مطر أيَّام لا يُقلع.
والعين: الدَّيدَبان، والجاسوس، والرَّقيب، وكلهم قريب من قريب.
ويقال في الميزان: عين، إذا رجحت إحدى كفتيه على الأخرى.
والعين: عين الرَّكيَّة.
وعين الشيء: نفسه.
وعين الشيء: خياره.
والعين: الباصِرة.
والعين: مصدر عانه عَينا.
ومن ذلك الخال: أخو الأم، ونوع من البرود، والاختيال، والغيم، وواحد الخيلان.
ومن ذلك الحميم، يقع على الماء الحارِّ، والقرآن ناطق به.
قال أبو عمرو: والحميم: الماء البارد، وأنشد:
فساغَ ليَ الشَّرابُ وكُنتُ قَبْلاً * أكادُ أغَصُّ بالماء الحميم
الحميم: الخاصُّ، يقال: دُعينا في الحامَّة لا في العامَّةِ.
والحميم: العَرق.
والحميم: الخيارُ من الإبل، ويقال: جاء المُصَدِّقُ فأخَذ حَميمها، أي خيارها.
ومن ذلك المولى، هو السيد، والمُعْتِق، والمُعْتَقْ، وابن العم، والصِّهر، والجار، والحليف.
ومن ذلك العدل، هو الفدية من قوله تعالى: "أو عَدْلُ ذلكَ صِياما".
والعدل: القيمة، والرِّجل الصَّالح، والحقُّ: وضِدُّ الجَور.
ومن ذلك المرض، المرض في القلب: هو الفتور عن الحقِّ، وفي البدن: فتور الأعضاءِ، وفي العين: فتور النَّظَرِ.
ـ[شقائق النعمان]ــــــــ[22 - 07 - 2008, 08:13 م]ـ
بارك الله فيك أختي .. وجزيت خيرا على روائعك ..
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 04:11 م]ـ
بوركت
هذا ما يسمى بالاشتراك اللفظي في علم اللغة
والجناس في علوم البلاغة
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 01:09 م]ـ
أحسنت د. أحلام.
بصراحة أتابع ما تكتبين بكل شغف؛ فاختياراتك بمنتهى الروعة والفائدة.
جزاك الله خيرًا.
ـ[محمد شاهر]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 06:09 م]ـ
جزاكِ الله خيراً اخت احلام
ـ[أحلام]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 05:55 م]ـ
الاخوة الافاضل
كل الشكر للمرور الطيب
وجزاكم الله خيرا
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 04:55 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[سهى الجزائرية]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 06:04 م]ـ
موضوع رائع استاذتي احلام(/)
سيل من الكتب والرسائل والبحوث البلاغية للتحميل
ـ[د. عدنان الاسعد]ــــــــ[22 - 07 - 2008, 10:43 م]ـ
أدخل وحمل عشرات الكتب والبحوث البلاغية على هذا الرابط:
http://www.pdfbooks.net/vb/showthread.php?t=5092
والصفحة متجددة يومياً , ولا تنسونا من الدعاء ...
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[24 - 07 - 2008, 11:49 م]ـ
جزاك الله خيرًا يا دكتور عدنان الأسعد.
وإننا نتلهف لنقرأ مشاركاتكم البلاغية.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[25 - 07 - 2008, 01:18 ص]ـ
فتح الله عليك فتوح العارفين العالمين دكتور عدنان ..
سؤال من فضلكم:
هل يلزم التسجيل للتمكن من التحميل؟
وبارك الله في جهودك الكبيرة أستاذي الفاضل ..
ـ[الأميرة دعد]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 05:36 ص]ـ
أشكرك على هذا الجهد الطيب
ـ[الأميرة دعد]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 05:39 ص]ـ
ليس هذا بمستغرب عليك يا دكتور أسعد فأنت ابن البلاغة البار
ـ[العباس]ــــــــ[07 - 09 - 2008, 10:24 م]ـ
أشكرك شكراً جزيلا على ما قدمت، وجعل ذلك في ميزان حسناتك د/ عدنان الأسعد.
وعفواً ما عرفت ما هو اسم منتدى هذا الرابط؟ بارك الله فيك
ـ[فاطمة النايلي]ــــــــ[08 - 09 - 2008, 10:58 م]ـ
حياك الله يا دكتور ودمت في خدمة العلم والطلبة مشكووووووووووووووور
ـ[محمود محمد محمود النور]ــــــــ[03 - 10 - 2008, 03:26 م]ـ
بارك الله فيك يا دكتورووفقك إلى ما يحب ويرضى
ـ[زينب هداية]ــــــــ[05 - 10 - 2008, 09:28 م]ـ
جزاكم الله خيري الدّنيا و الآخرة
ـ[مهدي خير الله]ــــــــ[11 - 10 - 2008, 05:59 م]ـ
جُزيتَ خيرًا أُستاذي
سأقوم بتحميل بعضها بإذن الله
تقديري العميق
ـ[ولادة بنت المستكفي]ــــــــ[12 - 10 - 2008, 02:25 م]ـ
جهود مباركة
ـ[زورق شارد]ــــــــ[13 - 10 - 2008, 11:41 م]ـ
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
حفظك الله من كل مكروه ويسر عليك كل عسير
شكرا جزيلا لك
قد كانت هي ضالة أبحث عنها واليوم عثرت عليها
ـ[ابو حمزة الفلسطيني]ــــــــ[15 - 10 - 2008, 12:41 ص]ـ
بارك الله فيك اخي الكريم
ـ[دلوول]ــــــــ[29 - 10 - 2008, 04:19 ص]ـ
جزاك الله كل خير يا سيدي
ـ[علي علي محمد]ــــــــ[16 - 11 - 2008, 07:34 م]ـ
تبقى البلاغة العربية رغم كيد الحاسدين نجما يهتدى به في معرفة مقاصد الكلام وأساليبه الفنية وما ذاك إلا لأن مباحثها ارتبطت بالإعجاز القرآني الأنموذج الرفيع الذي عجز الجن والإنس عن محاكاته أومحاكاة أي سورة أو آية ولهذا لابد لأي دارس لفن القول من أن يكون متمرسا في فنون البلاغة ذا دربة بتصرفات العربي الفصيح في أساليب قوله.
كما أن مصطلحاتها مصطلحات معيارية تحفظ للقول فنونه وترسم الخط أو الطريق التي يجب على الأديب أو المبدع سلوكه والتي تمكن الناقد من الحكم على العمل الأدبي، وهذا المبدأ أي مبدأ المعيارية ينفي عنها الفوضى التي بنيت عليها كثير من مباحث الأسلوبية الحديثة. وعليه فمن الخطأ بمكان أن نقيم الأسلوبية مكان البلاغة في الحكم على النص الأدبي الفني وما ذاك إلا لأن الأسلوبية تتجاهل المعيارية وتقيم أحكامها على مبدأ الذوق الشخصي الذي غالبا ما يميل إلى التحيز وتحكيم والأهواء وهذا يقود إلى الفوضى وإلى المزج بين الغث والسمين ولا سبيل إلى التمييز بين الأعمال الأدبية إلا في الرجوع إلى قوانين وقواعد البلاغة المعيارية التي وضعت من أجل فهم الأنموذج الأعلى القرآن الكريم، كما أن أكثر مباحث الأسلوبية أخذت من القواعد البلاغية وخصوصا في مباحث الصورة. وعليه تبقى القواعد البلاغة العربية الرائدة والمرجعية لإصدار الأحكام على النصوص الفنية وليس هناك ضير أن يستفيد أي باحث من القوانين الأدبية والمباحث الأسلوبية وخصوصا في الجانب الموضوعي والوظيفي ومعرفة الملابسات المحيطة بالنص.
ـ[عين الحياة]ــــــــ[21 - 11 - 2008, 03:08 م]ـ
مشكور
يعطيك العافية
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[21 - 11 - 2008, 03:23 م]ـ
جزاك الله خير الجزاء
ـ[أم جياد]ــــــــ[22 - 11 - 2008, 12:11 ص]ـ
بورك فيك وجزاك الله خير الجزاء
ـ[سيف959]ــــــــ[10 - 12 - 2008, 07:39 م]ـ
أنتم رائعون .. أحبكم في الله ..
ـ[المسند إليه]ــــــــ[28 - 12 - 2008, 06:55 م]ـ
كلام جميل عن البلاغة العربية، وهي كذلك، وكما قلت فإن الأسلوبية لها جوانب مفيدة، ووجهة نظري أنها تقدم فهماً أفضل لدراسة النص.
ـ[الفاتح حسن]ــــــــ[29 - 12 - 2008, 09:22 م]ـ
جزاكم الله عنا كل خير
وقد ورد سؤال وهو: هل لابد من التسجيل للتحميل؟
ولم أجد إجابة. أرجو الإفادة.
ـ[سنفورة عربي]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 02:53 م]ـ
شكرا لك وبارك الله فيك ولكن أيضا أسأل
هل لا بد من التسجيل؟؟؟؟
إنه منتدى أكثر من رائع
ـ[عربي مسلم]ــــــــ[07 - 01 - 2009, 06:26 م]ـ
شكرا وبارك الله في الجميع
ـ[دانيا]ــــــــ[14 - 01 - 2009, 03:37 ص]ـ
جزاك الله الجنة على هذا الطرح الموفق
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[النحلي الفصيح]ــــــــ[22 - 01 - 2009, 10:55 م]ـ
جزاك الله خيرا ولاتحرمنا من هذه الروابط الطيبة
ـ[المستبدة]ــــــــ[11 - 02 - 2009, 03:14 ص]ـ
وقد ورد سؤال وهو: هل لابد من التسجيل للتحميل؟
أهلا بكم.
يبدو أنّه من الضروري التسجيل.
عدْ هناك وسيتضح ما أردت.
وفقكم الله.
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 04:58 م]ـ
أحسن الله إليك
ـ[رياض خنفوف]ــــــــ[04 - 04 - 2009, 07:06 م]ـ
بارك الله فيك اخي الكريم
ـ[انا سلفيه]ــــــــ[05 - 04 - 2009, 03:19 م]ـ
بوركتم
الموقع رائع
ـ[مجنون الضاد]ــــــــ[10 - 04 - 2009, 12:56 م]ـ
شكرا جزيلا
ـ[القرطاجني]ــــــــ[15 - 04 - 2009, 09:16 م]ـ
إذا ترك الإنسان أهلا وراءه فيمم الفصيح فما يتغرب
اقبلها مني رغم سقط الوزن
ـ[احمدالشواف]ــــــــ[11 - 05 - 2009, 12:55 ص]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير الجزاء واسمح لى أن أقدم تلك الأبيات التي هي من تأليفي:
يابن الأكرمين أقسم لا مراء قد حار في وصفك الأعضاء
أعطيتني كنز من الكتب فهنيئا لك خير الجزاء
ملاحظة القافية ساكنة
ننتظر المزيد من هذا المنتدى الذي أنار طريق الظلمات بقبسات من لغة أهل الجنة
ـ[احمدالشواف]ــــــــ[11 - 05 - 2009, 12:57 ص]ـ
تصويب البيت الثاني
أعطيتني كنزا من الكتب
ـ[الثلج الأبيض]ــــــــ[09 - 06 - 2009, 10:57 ص]ـ
بارك الله فيك وبارك لك
وزادك علما وعملا صالحا
ـ[أوداج]ــــــــ[10 - 06 - 2009, 02:53 م]ـ
بارك الله فيكم أصحاب البلاغة~
ونتمنى دروس واختبارات في ساحات الفصيح~
لآزلتِ طالبة لديكم
ـ[ايناس اسامة]ــــــــ[21 - 06 - 2009, 03:12 م]ـ
بارك الله لك وجعله في ميزان حسناتكم
ـ[فرصة العمر]ــــــــ[23 - 06 - 2009, 03:16 ص]ـ
بارك الله فيك، ونفع بك، ولكن عندي مشكلة؛ عند فتح الملف لاأستطيع قراءته، لإن الحروف تكون غريبة وغير واضحة
ـ[أبو فراس1]ــــــــ[30 - 06 - 2009, 05:15 م]ـ
السلام عليكم
لعل الموضوع حذف من أصله
ـ[أوراق الوجد]ــــــــ[04 - 08 - 2009, 05:09 ص]ـ
جزاك الله خيرا ..
ـ[الباهي]ــــــــ[08 - 09 - 2009, 03:02 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته بارك الله في الجميع
ـ[د. شومة الفاضلي]ــــــــ[11 - 09 - 2009, 10:39 م]ـ
::::::
أدخل وحمل عشرات الكتب والبحوث البلاغية على هذا الرابط:
http://www.pdfbooks.net/vb/showthread.php?t=5092
والصفحة متجددة يومياً , ولا تنسونا من الدعاء ...
:::
أرجو من سعادة الدكتور: عدنان الأسعد إفادتي عن عنوان بريده الالكتروني الخاص به. مع خالص شكري وتقديري.
ـ[عربي مسلم]ــــــــ[04 - 10 - 2009, 09:10 م]ـ
أشكرك أخي د. عدنان، وجزاك الله كل خير وبركة.
ـ[عمر مصطفى]ــــــــ[10 - 10 - 2009, 11:04 ص]ـ
السلام عليكم، أريد منكم يا إخواني أن أعرف الفرق بين المعوّق و المعاق. فأيهما أصح؟
ـ[حديث الروح]ــــــــ[16 - 10 - 2009, 05:28 م]ـ
الرابط لا يعمل اخي الكريم .. ارجو التحقق منه مع خالص شكري واحترامي ...
ـ[محمد سعيد الزين]ــــــــ[27 - 10 - 2009, 01:33 م]ـ
السلام عليكم هذا الرابط غير مشغل الرجاء منحي رابطا آخر
ـ[محمد سعيد الزين]ــــــــ[27 - 10 - 2009, 01:35 م]ـ
أرجو مساعدتي رجاء لأن الرابط غير مشغل
ـ[دجمال]ــــــــ[19 - 11 - 2009, 08:12 ص]ـ
مشكو1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ين يا غالين
ـ[يزيد81]ــــــــ[21 - 11 - 2009, 06:33 م]ـ
تسلم يديك ,بارك الله فيك(/)
الهدية في القرآن الكريم
ـ[أحلام]ــــــــ[23 - 07 - 2008, 03:08 م]ـ
الهديّة في القرآن:
- قد جاء في القرآن الكريم ذكر الهدية .. فقالت ملكة سبأ " بلقيس " لمّا خافت من سليمان عليه السلام قالت للملأ من حولها: ? {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ. فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} النمل36لما جاءه رسول بلقيس بالهدية قال سليمان عليه السلام: أتمدونني بمال، فأرادت إستمالة قلب سليمان لدفع الضرر عنها بمصانعته لتثنيه عن دعوته لها ولقومها وتهديده لهم. فلم يقبل الهديه لأنها لم تكن لوجه الله، ولم يكن فيها معروف، وإنما أرادت بها اسكاته و صدّه عن جهادها وجهاد هذه البلدة وهي أهل اليمن ليدخلوا في دين الله طائعين. فلما رأى سليمان عليه السلام أن هذه الهدية ما فيها خير .. ولم يرد بها وجه الله .. ردّها .. وقال: ? بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} النمل36 {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} النمل37 ليعلموا أننا نريد الجهاد وإقامة الدين وليست القضية مجاملات .. وهدايا ودنيويات .. كما هي العادة بين الملوك. فلا ينخدعوا بحطام هذه الدنيا أويظنوا أنا نغتر بالهدايا التسكيتية، أو أننا سنترك الجهاد لأجل هديتهم ..
ومما يدخل أيضاً في الهدية .. مثل العطيه والهبه .. أو مما يقرب من معناها ماجاء في قوله تعالى ? {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} النساء4? [النساء:4] الله عزوجل أمر بايتاء النساء المهور .. ?وآتوا النساء صدقاتهن نحلة .. }، نسلمهن إياها عن طيب نفس .. ونحلة يعني عطية عن طيب نفس، فإن طبن لكم عن شيء: أي وهبنه لكم وتنازلن عنه لكم، فكلوه هنيئاً مريئا، فإذا تنازلت المرأة عن جزء من الصداق لزوجها أو أعطته إياه بعدما إستلمته منه دون ضغط ولا إكراه، وإنما عن طيب نفس منها ورضى .. فذلك من الحلال الذي يؤكل .. وأعظم الحلال الذي يؤكل المغانم، كما قال تعالى: ? {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الأنفال69? وهي أعظم أنواع المال الحلال بل هي أشد الأموال حلاًّ .. لكن هذا فاتنا بسبب ترك الجهاد. ومن الأموال الحلال الطيبة ماتتنازل به المرأة من مهرها لزوجها .. ولذلك قال الله تعالى: ? {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} النساء4?. ولذلك جاء عن بعضهم أنه قال إذا أردت أن تستشفي فاستوهب درهماً من زوجتك عن طيب نفس منها ثم إشتري به عسلاً وهات إناءً، ثم إجمع فيه من ماء المطرثم اقرأ القرآن وأذب العسل فيه واشربه قال: أما المطر فإنه ماء مبارك، والعسل فيه شفاء للناس، والقرآن أيضاً شفاء، ودرهم الزوجة) نيئاً مريئاً ?. فإنك تبرأ بإذن الله
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[23 - 07 - 2008, 05:28 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[24 - 07 - 2008, 11:46 م]ـ
سلام عليكم ... مشاركة بمنتهى الروعة يا دكتورة أحلام، وإننا نستفيد من مشاركتكم ومناقشتكم.
دام عطاؤك يا دكتورة، ولا زال منهلا بجرعائك القطر.
ـ[أحلام]ــــــــ[25 - 07 - 2008, 10:48 ص]ـ
الاساتذة الافاضل:
كل الشكر على هذا المرور الطيب
وجزاكم الله خيرا(/)
{وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا}
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[25 - 07 - 2008, 04:05 م]ـ
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} الكهف: 49
مشهد من مشاهد يوم القيامة يتصف بالهول والرعب والخوف الهائل من المصير القادم.
الموقف مهول جدا ومروع ومزلزل, وقد استخدمت فيه أكثر من أداة لوصف شدته وهول مطلعه.
جاء التعبير فيه بالفعل االمضارع {يقولون} وهذا يفيد استحضار الحالة الفظيعة التي يعيشونها، كما أنه يفيد تكرر قولهم ذلك وإعادته شأن الفزعين الخائفين, حيث أن الفعل المضارع يفيد تجدد الحدث وتكرار وقوعه.
كذلك استخدم القرآن الاستفهام في قولهم: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ} مستعمل في التعجيب, لوصف هول الموقف.
كذلك أورد القرآن الجملة الفعلية {لا يغادر} في موضع الحال، هي مثار التعجيب, وهي تعطي دلالة أخرى على هول الموقف وفظاعته.
بالإضافة إلى ذلك استخدم القرآن الكريم المفردة (ويلة) للمبالغة في الوصف.
الويل هو سوء الهلاك والحال.
ويلة هي تأنيث للكلمة ويل, كما هو الحال في (دار) و (دارة) التي تشير إلى سعة المكان.
الويلة تعطي معنى أعمق في الدلالة من كلمة ويل.
لقد استخدم القرآن الكريم كلمة (ويلة) في اكثر من مورد, حيث وردت أيضا في قوله تعالى:
{قال يا وليتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} في سورة العقود المائدة [31].
في اللسان:
(ويل) وَيْلٌ كلمة مثل وَيْحٍ إِلاَّ أَنها كلمة عَذاب يقال وَيْلَهُ ووَيْلَكَ ووَيْلي وفي النُّدْبةِ وَيْلاهُ. قال الأَعشى:
قالتْ هُرَيْرَةُ لمّا جئتُ زائرَها
وَيْلي عليكَ ووَيْلي منكَ يا رَجُلُ
وقد تدخل عليه الهاء فيقال وَيْلة. قال مالك بن جَعْدة التغلبي:
لأُمِّك وَيْلةٌ وعليك أُخْرَى
فلا شاةٌ تُنِيلُ ولا بَعِيرُ
والوَيْل حُلولُ الشرِّ والوَيْلةُ الفضيحة والبَلِيَّة وقيل هو تَفَجُّع وإِذا قال القائل واوَيْلَتاه فإِنما يعني وافَضِيحَتاه وكذلك تفسير قوله تعالى يا وَيْلَتَنا ما لهذا الكتاب "
وقال الشيخ الطوسي في التبيان:
" قوله " ويقولون " الواو واو الحال وتقديره قائلين " يا ويلتنا " وهذه لفظة، من وقع في شدة دعا بها. "
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[25 - 07 - 2008, 04:37 م]ـ
جزاك الله خيرًا دكتور، ومنّ عليك بالعلم النافع.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[25 - 07 - 2008, 08:21 م]ـ
جعلة الله في موازين حسناتك
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[25 - 07 - 2008, 08:22 م]ـ
د. حجي إبراهيم الزويد.
ما أعظم القرآن!
ما أجمل البلاغة!
ما أجمل اللغة العربية! حين يحلل جوهرها أمثالك يا دكتور.
كأنني - والله - أشاهد الموقف نعوذ بالله من الخسران يوم القيامة.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[26 - 07 - 2008, 03:16 م]ـ
الفاضلة ندى الرميح:
بارك الله فيك وبك, وأعلى لديه منزلتك.
شكرا للمتابعة.
----
الفاضلة مُبحرة في علمٍ لاينتهي:
أشكر لك حضورك وكلماتك.
بارك الله فيك, ووفقك إلى كل ما يحبه ويرضاه.
--
الأخ الفاضل عبدالعزيز بن حمد العمار:
نعم, ما أعظم بيان القرآن.
شكرا لكلماتكم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبكم وسرور روحكم.
ـ[أحلام]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 05:39 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذا العرض الرائع
وجعل الله ذلك في ميزان حسناتكم(/)
ما فائدة ذكر: {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}؟
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[26 - 07 - 2008, 03:27 م]ـ
في قوله تعالى:
{وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} آل عمران/143
هل توجد فائدة من ذكر {و أنتم تنظرون} بعد ذكر {فقد رأيتموه}؟ ألم يكن ممكنا الاكتفاء بذكر {فقد رأيتموه}؟ هل أعطى مجيء {و أنتم تنظرون} أي فائدة في المعنى؟
الجواب:
تشير هذه الأية إلى صنف من الناس كانوا يتمنون الشهادة - أو الحرب والجهاد - قبل حضورهم إلى جو المعركة. فلما أن حضروا إلى المعركة واحتدم النزال, ورأوا الموت أمامهم عيانا, تراجعوا إلى الوراء, وأحجموا عن القتال, واكتفوا بمشاهدة ما يجري دون أن يكون لهم أي دور في القتال, فقد كان موقفهم سلبيا إلى أبعد الحدود بسبب موقفهم المتخاذل, وقد انكشف أمامهم بطلان ما كانوا يتمنونه , و أن تلك الأماني كانت كانوا يدعونها إنما هي جوفاء بسبب ضعف إيمانهم.
لذا فإن مجيء {و أنتم تنظرون} أعطى فائدة معنوية, حيث قدم صورة متكاملة عن حال أولئك المتخاذلين, حيث أنهم اكتفوا بالنظر إلى ما يجري في المعركةمن قتال, قتل فيه من قتل, دون أن يكون لهم أي دور إيجابي في تلك المعركة.
قال صاحب المجمع: " {من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه} الهاء في تلقوه ورأيتموه راجعة إلى الموت أي من قبل أن تلقوا أسباب الموت وهو الحرب فقد رأيتموها لأَن الموت لا يرى ونحو ذلك قول الشاعر:
والموت تحت لواء آل مُحَلّم
أي أسباب الموت وقيل الهاء راجعة إلى الجهاد "
وقال الشيخ الطوسي في التبيان: " وقوله: {وأنتم تنظرون} بعد، قوله {فقد رأيتموه} يحتمل أمرين:
أحدهما - أن يكون تأكيدًا للرؤية، كما تقول: رأيته عياناً ورأيته بعيني وسمعته باذني، لئلا يتوهم رؤية القلب، وسمع العلم.
والثاني - أن يكون معناه وأنتم تتأملون الحال في ذلك كيف هي، لأن النظر هو تقليب الحدفة الصحيحة نحو المرئي طلباً لرؤيته، وليس معناه الرؤية على وجه الحقيقة. "
وقال ابن عاشور في التحرير:
" وجملة {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} حال مؤكدة لمعنى {رأيتموه}، أو هو تفريع أي: رأيتم الموت وكان حظكم من ذلك النظر، دون العناء في وقت الخطر، فأنتم مبهوتون. ومحل الموعظة من الآية: أن المرء لا يطلب أمرا حتى يفكر في عواقبه، ويسبر مقدار تحمله لمصائبه, ومحل المعذرة في قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ} وقوله: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} ومحل الملام في قوله {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}."
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[26 - 07 - 2008, 03:53 م]ـ
أثابك الله د. حجي و لا حرمك أجر ما تقدم لنا.
و دعني أنقل بعض أقوال العلماء في الآية:
قال الطبري:
قال أبو جعفر: وإنما قيل: " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه "، لأن قومًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يشهد بدرًا، كانوا يتمنون قبل أحد يومًا مثل يوم بدر، فيُبْلُوا الله من أنفسهم خيرًا، وينالوا من الأجر مثل ما نال أهل بدر. فلما كان يوم أحد فرّ بعضهم، وصبرَ بعضهم حتى أوفَى بما كان عاهد الله قبل ذلك، فعاتب الله من فرّ منهم فقال: " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه "، الآية، وأثنى على الصابرين منهم والموفين بعهدهم.
و قال البغوي:
(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) وذلك أن قوما من المسلمين تمنَّوا يومًا كيوم بدر ليقاتُلوا ويستشهِدُوا فأراهم الله يوم أُحد وقوله (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) أي: سببَ الموت وهو الجهاد من قبل أن تلقوه، (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) يعني: أسبابه.
فإن قيل: ما معنى قوله (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) بعد قوله: (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) قيل: ذكره تأكيدًا وقيل: الرؤية قد تكون بمعنى العلم، فقال: (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ليعلم أن المراد بالرؤية النظر، وقيل: وأنتم تنظرون إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 10:09 ص]ـ
ومحل الموعظة من الآية: أن المرء لا يطلب أمرا حتى يفكر في عواقبه، ويسبر مقدار تحمله لمصائبه, ومحل المعذرة في قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ} وقوله: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} ومحل الملام في قوله {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}."
سلام عليكم - شيخنا الدكتور حجي - ورحمة الله وبركاته ...
نزهو - والله - بوجودكم ومشاركاتكم.
منكم نستفيد ونتعلم، ومن علمكم ندخل بوابة القرآن مبهورين بأسراره وإعجازه؛ فلا أبعدكم الله عنا أهل البلاغة.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 09:50 م]ـ
الأخ الكريم طاوي ثلاث
أشكر لكم ما أضفتموه إلى الموضوع.
بارك الله فيكم وبكم.
---
الأخ الكريم عبدالعزيز بن حمد العمار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اشكر لكم حضوركم وكلماتكم.
وفقكم الله إلى كل خير.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 05:04 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 09:11 م]ـ
بارك الله فيك
بارك الله فيك.
شكرا للمتابعة.(/)
قراءة صلاتهم وصلواتهم بين المفسرين وأهل القراءات
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 11:01 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد مدح المؤمنين بالمحافظة على الصلاة، وقد ورد التعبير عن هذا المعنى في الكتاب الحكيم بقراءتين: فقد قرئ بالإفراد، كما قرئ بالجمع، وذلك في الآية التاسعة من سورة المؤمنون وهي قوله تعالى: ?وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ? (المؤمنون:9) إذ قرأها بلفظ المفرد «صلاتهم» حمزة والكسائي، وخلف، وقرأها الباقون من القراء بلفظ الجمع «صلواتهم» وكلها قراءات سبعية متواترة صحيحة، أما أول السورة فقد جاءت بلفظ المفرد وذلك قوله تعالى:? قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ? (المؤمنون:1، 2).
بينما اتفق القُرَّاء على القراءة بالإفراد في كلٍ من سورتي الأنعام والمعارج، فقد قرءوا قوله تعالى في سورة الأنعام: ?وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ? (الأنعام:92) بلفظ المفرد، وكذلك في سورة المعارج قرئ بلفظ المفرد في موضعين من السورة الكريمة، أولهما الآية الثالثة والعشرون وهي قوله تعالى: ?الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ? (المعارج:23)، وثانيهما في الرابعة والثلاثين من السورة وهي قوله تعالى: ?وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ? (المعارج:34).
ولقارئ القرآن الكريم أن يتساءل عما إذا كان اختلاف التعبير بالمفرد والجمع في القراءتين الكريمتين يعود لسر بلاغي أم أنه من باب التفنن في التعبير والتنويع في الأداء كي لا يمل القارئ أو السامع؟
وقد تعرض الأئمة من القراء والمفسرين لتوجيه القراءتين، كلٌّ بما فتح الله له، من أسرار كتابه، فالإمام بن الجزري رحمه الله تعالى ينسب القراءتين إلى أصحابهما ثم يذهب في التوجيه إلى أن للسياق التي وردت فيه كل قراءةٍ دروا هاما في مجيء كلٍ في مكانه، ففي سورة المؤمنون ورد من القرائن والشواهد ما يرجح مجيء الجمع، مما هو من صفاتهم العظيمة التي اتصفوا بها، ثم الجزاء العظيم الذي رصده الله تعالى لهم، فناسب أن يأتي لفظ الجمع بما يحمله من الدلالة على الكثرة المناسبة لمقام التعظيم والمدح؛ بينما يرى رحمه الله تعالى أن قراءة الإفراد في الأنعام والمعارج لم تتوفر فيها تلك القرائن التي في المؤمنون فكان التعبير بالمفرد طبيعيا في هذا المقام، وهذا نص الإمام ابن الجزري رحمه الله تعالى في النشر: «واختلفوا في:? عَلَى صَلَوَاتِهِمْ? فقرأ حمزة والكسائي، وخلف بالتوحيد وقرأها الباقون بالجمع، واتفقوا على الإفراد في «الأنعام»، و «المعارج» لأنه لم يكتنفها فيهما ما اكتنفها في المؤمنون (قبل، وبعد) من تعظيم الوصف في المتقدم وتعظيم الجزاء في المتأخر فناسب لفظ الجمع وكذلك قرأ به أكثر القراء ولم يكن ذلك في غيرها فناسب الإفراد والله أعلم» ()
أما ابن زنجلة رحمه الله تعالى فيذهب في التعليل للقراءتين مذهبا لفظيا إذ يرى أن للرسم دخلا في القراءة بكل من الإفراد والجمع فيقول: «قرأ حمزة والكسائي «والذين هم على صلاتهم يحافظون» على التوحيد وحجتهما إجماع الجميع على التوحيد في سورة «الأنعام» و «سأل سائل» عند قوله: ?الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ? (المعارج:23)، فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه، وقرأ الباقون «على صلواتهم» على الجمع وحجتهم أن هذه مكتوبة بالمصحف بواو وكذلك في «براءة» «و هود» فكان هذا دليلا على الجمع وكتبوا ما عدا هذه الثلاث «الصلاة» بألف من غير واو ولم يكتبوا الألف بعد الواو اختصارا وإيجازا وقد روي في التفسير أنه عنى الصلوات الخمس فجعلوها جمعا لذلك» ()
(يُتْبَعُ)
(/)
بينما يرى بعض أهل القراءات أن الإفراد لإرادة وصفهم بالمحافظة على جنس الصلاة والخشوع فيها أيّ صلاة كانت وأما الجمع فهو لإرادة وصفهم بالمحافظة على أعداد الصلاة وأنواعها، فالمفرد بالنظر إلى الجنس والجمع بالنظر إلى الإفراد، وعلل ابن خالويه في الحجة لذلك بقوله: «فالحجة لمن وحد أنه اجتزأ بالواحد عن الجميع كما قال تعالى ?أَوِ الطِّفْلِ? (النور: من الآية31) والحجة لمن جمع أنه أراد الخمس المفروضات والنوافل المؤكدات» ()
وقال صاحب الإتحاف: «واختلف في ? صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ? وهو الثاني هنا فحمزة والكسائي وخلف بالإفراد على إرادة الجنس، وافقهم الأعمش، والباقون بالجمع على إرادة الخمس أو غيرها كالرواتب وخرج بالثاني الأول وهو قوله تعالى:? فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ? (المؤمنون من الآية:2) المتفق على إفراده كالأنعام والمعارج» ()
هذا رأي أهل القراءات وهو أيضا رأي جمهور المفسرين رحمهم الله تعالى، فالزمخشري رحمه الله تعالى يقول: «وقرئ: «على صلاتهم»؛ فإن قلت: كيف كرّر ذكر الصلاة أوّلاً وآخراً؟ قلت: هما ذِكْران مختلفان فليس بتكرير؛ وصِفُوا أَوّلاً بالخشوع في صلاتهم، وآخراً بالمحافظة عليها. وذلك أن لا يسهوا عنها، ويؤدّوها في أوقاتها، ويقيموا أركنها، ويوكلوا نفوسهم بالاهتمام بها وبما ينبغي أن تتمّ به أوصافها. وأيضاً فقد وحِّدت أولاً ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أيِّ صلاة كانت، وجمعت آخراً لتفاد المحافظة على أعدادها، وهي الصلوات الخمس، والوتر، والسنن المرتبة مع كل صلاة وصلاة الجمعة، والعيدين، والجنازة، والاستسقاء، والكسوف، والخسوف، وصلاة الضحى، والتهجد وصلاة التسبيح، وصلاة الحاجة، وغيرها من النوافل» ()
وقال الإمام الألوسي رحمه الله تعالى: «? يُحَافِظُونَ ? بتأديتها في أوقاتها بشروطها وإتمام ركوعها وسجودها وسائر أركانها كما روى عن قتادة، وأخرج جماعة عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله تعالى يكثر ذكر الصلاة في القرآن ?الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ ? (المعارج: 23) ?وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ? (المعارج:34) قال: ذاك على مواقيتها قالوا: ما كنا نرى ذلك إلّا على فعلها وعدم تركها قال: تركها الكفر، وقيل: المحافظة عليها المواظبة على فعلها على أكمل وجه، وجيء بالفعل دون الاسم كما في سائر رؤوس الآي السابقة لما في الصلاة من التجدد والتكرر ولذلك جمعت في قراءة السبعة ما عدا الأخوين وليس ذلك تكريراً لما وصفهم به أولاً من الخشوع في جنس الصلاة للمغايرة التامة بين ما هنا وما هناك كما لا يخفى.» ()
وقال الإمام البقاعي رحمه الله تعالى: «وحِّدت في قراءة حمزة والكسائي للجنس، وجمعت عند الجماعة إشارة إلى أعدادها وأنواعها» ()
وقال الطاهر ابن عاشور رحمه الله تعالى: «وجيء بالصلوات بصيغة الجمع للإشارة إلى المحافظة على أعدادها كلها تنصيصاً على العموم، وإنما ذكر هذا مع ما تقدم من قوله:?الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ? (المؤمنون:2) لأن ذكر الصلاة هنالك جاء تبعاً للخشوع فأريد ختم صفات مدحهم بصفة محافظتهم على الصلوات ليكون لهذه الخصلة كمالُ الاستقرار في الذهن لأنها آخر ما قرع السمع من هذه الصفات.
وقد حصل بذلك تكرير ذكر الصلاة تنويهاً بها، ورداً للعجز على الصدر تحسيناً للكلام الذي ذكرت فيه تلك الصفات لتزداد النفس قبولاً لسماعها ووعيها فتتأسى بها» ()
من خلال استعراض أقوال أهل العلم من أهل القراءات والتفسير رحمهم الله تعالى جميعا، تبين أن اختلاف التعبير يرجع إلى سر بلاغي رائع، فالقراءتان تتفقان ولا تختلفان، بل إن كل قراءة منهما تفيد معنى من المعاني غير الذي تفيده أختها، لكنهما في النهاية تتعاونان على إبراز المعني في أجلى صوَرِه وأحسن مظاهره.
(يُتْبَعُ)
(/)
فقراءة الإفراد تفيد وصف المؤمنين بالإتقان والخشوع في جنس الصلاة أيّ صلاة كانت، فرضا كانت أو نفلاً؛ فهم يقدرونها حق قدرها ويعرفون قيمتها، فلا يهملون في الخشوع في نفل لأن الشرع لم يعنِّف على تركه، ولا يخشعون في فرض لأن الشرع أكَّد عليه وبالغ في الوعيد على التهاون به، لا، بل يخشعون في جنس الصلاة جميعها ويقيمونها لله تعالى على الإتقان والإحسان حبا فيها لأنها تقربهم من مولاهم وتصل بينهم وبينه برباط متين وعروة لا تنفصم، إنهم يعلمون أن السجود يقرب من الملك المعبود، فيحبون كل صلاة فيها ركوع وسجود، ويخشعون فيها أيًّا كانت بغض النظر عن كونها فرضا أو سنة، مادامت في النهاية تصل بينهم وبين ربهم، ومولاهم.
أما قراءة الجمع، فقد جاءت لتبين أنهم يحافظون على جميع الصلوات، ويحرصون على اغتنام الفرصة للارتماء على أعتاب الله تعالى فلا يجدون فرصة يسجدون فيها لله إلا بادروا باغتنامها، أيا كانت تلك الصلاة، فالجمع يفيد المحافظة على أعداد الصلوات وأفرادها وأنواعها؛ إنهم يحبون كل ركوع وسجود، سواء أكان هذا الركوع والسجود في صلاة عيد، أم قيام رمضان أم صلاة الضحى، أم صلاة جنازة، أم استسقاء، أم خسوف أم كسوف، أم ظهر، أم عصر، إلى غير ذلك من أفراد الصلوات وأنواعها، فرضا كانت أو نفلا، فقراءة الإفراد وصفتهم بحب الصلاة وقراءة الجمع وصفتهم بحب أفراد الصلاة، فتعانقت القراءتان في وصف المؤمنين بالمحافظة على الصلاة بأروع معنى وأفخم عبارة.
فتبارك الذي نزَّل هذا القرآن العظيم، ورحم الله علماء الأمة الذين بينوا بعض ما فيه من آيات الإعجاز ودلائل البلاغة.
ومما يتصل بهذه القضية أمر آخر، له صلة بهذه القراءة، وذلك أن القرآن الكريم حين مدح المؤمنين بالمحافظة على الصلاة ورد التعبير بقراءتين، بينما عبر الكتاب العزيز بلفظ المفرد فقط حين ذم الساهين عن صلاتهم، وذلك في سورة الماعون في قول الله تبارك اسمه: ?فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ? (الماعون:4 - 5)، ولنا أيضا أن نتساءل عن السر في اختيار التعبير بالجنس عند ذم الساهين عن صلاتهم، ولم يقل الله تعالى مثلا" «عن صلواتهم»
وأنا لم أتوصل إلى سر التعبير بالمفرد في سورة الماعون فلو يسر الله لأحد الأفاضل من الأعضاء فليتحفنا بما فتح الله له وله جزيل الشكر
وصلى الله على نبينا محمد وآله
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 11:05 ص]ـ
أنتظر مشاركات الإخوة وخصوصا في موضوع الإعجاز البياني في الإفراد والجمع في القراءات القرآنية، وقد علمت أن الدكتور محمد أحمد الخراط له مؤلف عن هذا الموضوع لكن لم أستطع العثور عليه، أرجو أن أجده إن شاء الله
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 03:21 م]ـ
فتح الله عليك يا جامع الحمد شلبي
دعني استغل وجود مثلك لأسأل فأقول:
عبر بالمفرد ليدخل كل ساه في الوعيد، و لو كان التعبير بالجمع لم يدخل فيه من سهى عن صلاة أو صلاتين، و الله تعالى أعلم.
أستغفر الله لي و لك من كل ذنب.
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 08:19 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي "طاوي ثلاث" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بورك فيك، ولعل الله تعالى أن يفتح لبقية الإخوة من أبواب كرمه الغزير ما يثرينا، ويروينا،
وقد خطر لي تعليل لعل له وجها من الصحة، وهو أن التعبير بالمفرد في الماعون، أبلغ من التعبير بالجمع، فالمفرد يشمل الجنس أي أنهم ساهون عن جنس الصلاة فريضة كانت أو نافلة، ولو قال عن صلواتهم لربما ظُنَّ أنهم قد يؤدون بعضها ويسهون عن البعض الآخر.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 09:03 م]ـ
الأستاذ الفاضل محمد احمد محمود شلبي:
بارك الله فيك لهذا البحث الثري.
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}
نجد أن الآية الشريفة لم تقل «في صلاتهم ساهون»، لأن السهو في الصلاة قد يعترض أي فرد مسلم، ولكن السياق القرآني عبر بـ: «عن صلاتهم ساهون».
هذه الآية ليست في معرض الحديث عن السهو أثناء الصلاة, بل السهو عن الصلاة بشكل خاص.
إنها تتحدث عن أناس ساهين عن الصلاة بسبب تقصير لا قصور, فهم يسهون عن الصلاة بأجمعها.
هؤلاء المقصدون بالخطاب أناس غافلون عن الصلاة أساسا, لا يولونها أهمية, ولا لا يهتمون بها و لا يبالون أن فاتتهم الصلاة في كل الأوقات أو بعضها, كما أنها لا يهتمون بأداء الصلاة في أوقات الفضيلة و هكذا.
هؤلاء المقصودن بالخطاب, لا يقيمون للصلاة وزنًا، ولا يهتمون بأوقاتها، ولا يراعون أركانها وشروطها وآدابها.
لذا اتفق معك أن المراد بالصلاة الجنس, ولذا كان التعبير أكثر دلالة على المعنى من مفردة صلواتهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 10:27 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أستاذنا الدكتور "حجي إبراهيم الزويد"، جزاك الله خيرا على اهتمامك وردك، ونفعنا الله تعالى بعلمكم، الحقيقة أن بحث الدكتوراه لدي يبحث في جوانب الإفراد والجمع في القرآن العظيم، وهو بلا شك بحث غني أسأل الله أن يعينني على اتمامه، وأن ينفعني به، لكنني أحتاج إلى أفكار حول الموضوع، تغنيه، وتثريه، والمأمول من الإخوة الفاضل أعضاء منتدى بلاغة القرآن أن يساهموا بمثل هذه الأفكار الغنية الرائعة،
وجزى الله الجميع كل خير(/)
من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 04:44 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه وقفة مع بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم، أتمنى أن تجود المشاركات بمثل هذه الوقفات ..
قال الله - تعالى -: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) (الأنعام /151).
وقال - عز من قائل -: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) (الإسراء /31).
قدم السياق القرآني وعد الله - تعالى - بالرزق للآباء على وعده بالرزق للأبناء في الأنعام، وفي الإسراء بالعكس، فما الغاية؟
الخطاب في الأنعام موجه للفقراء؛ بدليل قوله: (من إملاق) أي: من فقر، فاقتضت البلاغة تقديم وعد الآباء المملقين بما يغنيهم من الرزق، فرزقهم أولاً أهم عندهم من رزق أبنائهم، واقتضت البلاغة تكميل المعنى بعِدة الأبناء بعد عِدة الآباء؛ ليكمل سكون النفس، ولم يبق لها تعلق بشيء.
والخطاب في الإسراء موجه للأغنياء؛ بدليل: (خشية إملاق)؛ فإنه لا يخشى الفقر إلا الغني، أما الفقير ففقره حاصل، فاقتضت البلاغة تقديمَ وعد الأبناء بالرزق؛ ليشير هذا التقديم إلى أنه - سبحانه - هو الذي يرزق الأبناء ليزول ما توهّم الأغنياء من أنهم بإنفاقهم على الأبناء يصيرون إلى الفقر بعد الغنى، ثم كمّل الطمأنينة بعِدتهم بالرزق بعد عِدة أبنائهم.
إذن .. مدار اختلاف النظم عائد - بالدرجة الأولى - إلى اختلاف توجيه الخطاب في كل من الآيتين الكريمتين.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 04:52 م]ـ
أحسنت بارك الله فيك ........
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 04:59 م]ـ
أحسنت بارك الله فيك ........
أثابك الله على طيب العبور أخانا الكريم ..
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 09:30 م]ـ
فَلْيَجُد قلمك ِ أختي ندى الرميح؛ فلنحن سعداء بوجودكم ومشاركاتكم البراقة الرائعة.
فلا أوحش الله منكم، وأثابكم، وزادكم من علمه وفضله.
جزاكم الله خيرًا.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 10:07 م]ـ
فَلْيَجُد قلمك ِ أختي ندى الرميح؛ فلنحن سعداء بوجودكم ومشاركاتكم البراقة الرائعة.
فلا أوحش الله منكم، وأثابكم، وزادكم من علمه وفضله.
جزاكم الله خيرًا.
ما أسعدني بهذه الدعوات الطيبة أستاذ عبدالعزيز!
تمامًا كسعادتي وأنا أجولُ في روضٍ أستعذبُ حسنَه ... قد غاب عني في غفوةِ زمن ... هو روض الفصيح المبارك بإذن الله ..
أسأل المولى - جل شأنه - أن يبارك في مؤسسيه، وإدارته، ومشرفيه، وأعضائه، ويجزيَهم خيرَ الجزاء.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 03:24 ص]ـ
الأستاذة الفاضلة ندى الرميح:
ما أجمل ما نثرت هنا من ورود تفوح أريجا ينعش الأرواح, ويعمق من اتصالها بعظمة القرآن الكريم.
بوركتِ من قلمٍ معطاء.
في انتظار القادم من إبداعات فكرك وقلمك المشرق.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 02:59 م]ـ
الأستاذة الفاضلة ندى الرميح:
ما أجمل ما نثرت هنا من ورود تفوح أريجا ينعش الأرواح, ويعمق من اتصالها بعظمة القرآن الكريم.
بوركتِ من قلمٍ معطاء.
في انتظار القادم من إبداعات فكرك وقلمك المشرق.
شرّفتني بكلماتك الطيّبة دكتور حجي إبراهيم الزويد ... وفقك الله إلى ما يحبه ويرضاه.
صدقت ... ما أروع العيش في ظلال القرآن الكريم!
إنه نبعٌ لا تنضبُ مواردُه، والحياة في ظلاله نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها ... نعمة ترفع العمرَ، وتباركه، وتزكيه.
أسأل الله أن يجعَلني وإياك ومن يقرأ من أهل القرآن وخاصّته.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 05:03 م]ـ
بارك الله فيك
أسلوب جميل في العرض والطرح للأيات
يذكرني بأسلوب الأستاذة الفاضلة ((حصة الرميح)) حفظها الله
تطرقنا للبلاغة القرآنية وكان ماأروعها وماأروع أسلوبها في تحليل الأيات
أثابها الله
بوركتِ أخية على ماخطت يمينك
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 07:46 م]ـ
بارك الله فيك
أسلوب جميل في العرض والطرح للأيات
يذكرني بأسلوب الأستاذة الفاضلة ((حصة الرميح)) حفظها الله
تطرقنا للبلاغة القرآنية وكان ماأروعها وماأروع أسلوبها في تحليل الأيات
أثابها الله
بوركتِ أخية على ماخطت يمينك
شكرٌ مجزل على طيب العبور أيتها المبحرة ..
أمتعك الله برحلة الإبحار الجميلة تلك، وملأ أعطافك بالعلم النافع.(/)
تلوينات التكرار في الجملة القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 05:33 م]ـ
تلوينات التكرار في الجملة القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ – مصر
يلجأ المتكلم إلى تكرار الجملة قصداً لمعانٍ يريدها ويبغيها من ذلك التكرار، هذه القصدية تستند في جمالياتها إلى ردّ فعل المتلقي وقدرته على إدراك مزية هذا التكرار أينما وُجِد. كما أنها تتكئ في مقصودها على نسج كلام المُبْدِع لأنه الموجه الأهم لهذا التكرار.
ولذا فالتلوين الصوتي بتوظيف التكرار في سياق التراكيب لا بد من اعتماده نسقاً معيناً من أنساق التعبير من ناحية، ثم بيان أغراض هذا التعبير بهذا النسق من ناحية أخرى، وذلك من حيث مقصدية هذا التكرار.
والحديث عن التلوين بالتكرار في سياقات التراكيب يتخذ عدة صور تعبيرية في سياق النص القرآني، نعرض لها كما يلي:
أولاً: تكرار شبه الجملة
من فرائد التوظيف القرآني توظيفه لشبه الجملة (الظرف، أو الجار والمجرور) في بنية تكرارية مقصود من وراء توظيفها أغراض دلالية محددة. فقد تكرر شبه الجملة للتشنيع، أو التخويف، أو لزيادة التقرير، أو للتأكيد، وذلك لما تتضمنه من معان وأغراض. ونلمس ذلك في قوله تعالى: ? وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ? (). حيث كرر شبه الجملة؛ الجار والمجرور (لهم) في الآية ثلاثة مرات على دلالة تشنيع هذا العذاب، وبيان ما أعد لهم من خزي في الدنيا والآخرة. يقول أبو السعود: " تقديم الظرف في الموضعين للتشويق إلى ما يذكر بعده من الخزي والعذاب لما مرّ من أن تأخير ما حقه التقديم موجب لتوجه النفس إليه فيتمكن منها عند وروده فضل تمكن " ().
ويرى ابن عاشور أن التكرار بعطف أشباه الجمل في الآية دليل على أنها " تتميم لما قبلها، إذ المقصود من مجموعها أن لهم عذابين؛ عذاباً في الدنيا، وعذاباً في الآخرة " ().
فبنية التكرار لشبه الجملة هنا أفادت تنويع العذاب، وبيان عدم اتحاده، إذ أن لهم في الدنيا نوع، وفي الآخرة نوع آخر مختلف. فالتكرار على دلالة التهويل والتخويف ثم تشنيع صورة هذا العذاب في النفس.
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ? ()، حيث كرر شبه الجملة الجار والمجرور (عليهم) في جانب طائفتين هما؛ (المُنْعَم عليهم) و (المغضوب عليهم). يقول الزمخشري في تعليله لتكرار شبه الجملة في الآية: " إن قلت: أي فرق بين (عليهم) الأولى، و (عليهم) الثانية؟ قلت: الأولى محلها النصب على المفعولية، والثانية محلها الرفع على الفاعلية " ().
وهذا كلام دقيق راعى الزمخشري فيه الموقع الإعرابي لتعلق شبه الجملة، إذ هي في جانب المُنْعَم عليهم في محل نصب مقعول به (سدت مسده)، وفي جانب المغضوب عليهم تقع في محل رفع نائب فاعل لاسم المفعول من الفعل المضارع المبني للمجهول. وعلى هذا فالتكرار في الآية قائم على تحقيق:
1 - التفرقة بين الفريقين من حيث الجزاء لأنهما متغايران.
2 - الحكم الإعرابي لكل منهما، لأنهما متغايران في هذا أيضاً.
فأفاد التكرار هنا جمالية موظفة في ثنايا النص الجليل، هذه الجمالية مستفادة من بنية التكرار الذي هو هنا حتمي ولازم في التعبير لدفع التوهّم إذ لم يكن تكرار.
ومنه قوله تعالى: ?وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ? ()، حيث كرر شبه الجملة؛ الظرف (قبل) مسبوقاً بحرف الجر (من) في موضعين من الآية الكريمة، وذلك في سياق الإخبار عن نعمة المطر. يقول ابن الأثير: " تكرير (من قبله) يدلّ على بعد عهدهم بالمطر وتطاوله، فاشتد لذلك يأسهم، فكان استبشارهم بالمطر على قدر اغتمامهم لانقطاعه " ().
ويرى الطوفي أن تكرار شبه الجملة في هذه الآية فائدته " تحقيق إبلاسهم وإياسهم من المطر في تلك المدة، وذلك الزمان، أعني: الذي قبل نزول الغيث " (). وعلى هذا يوجد رأيان:
(يُتْبَعُ)
(/)
- رأي ابن الأثير الذي يدور حول بيان الأثر اللاحق لنزول المطر، أي أنه نظر إلى التكرار من جهة أثره التالي.
- رأي الطوفي الذي يرى في التكرار تذكير لهم بما كان من حالهم قبل الغيث، أي أنه نظر إلى الأثر السابق لنزوله.
ولكل منهما حقه في النظر إلى المسألة من زاويته الخاصة. فابن الأثير نظر إلى (الحال بعد) أي إلى الأثر الإيجابي للمطر، في حين نظر الطوفي إلى (الحال قبل) أي إلى الأثر السلبي. والسياق في الآية يقوم على إيضاح معنى (الحال) قبل نزول المطر وهو (الإبلاس واليأس)، وعندئذ يكون التعبير - في غير القرآن - (وإن كانوا قبل نزول المطر عليهم لمبلسين)، فما الحاجة إذن إلى تكرار الظرف؟! وهل الظرف في الموضعين متحد الجهة؟! يقول العكبري: " قوله تعالى: (من قبله)، قيل: هي تكرير للأولى، والأوْلَى أن تكون الهاء فيها للسحاب أو للريح أو للكسف، والمعنى: وإن كانوا من قبل نزول المطر من قبل السحاب أو الريح، فتتعلق (من) بينزل " ().
والأخفش يحمل هذا التكرار على معنى اتحاد المرجع فيه، ومن ثم فهو للتأكيد (). وهذه المعاني جميعها مستفاد من بنية التكرار للظرف في الآية.
إضاءة:
يلحظ من توظيفات النص القرآني لسياقات تكرار شبه الجملة ملحظاً فريداً يتمثل في أن القرآن الكريم يوظف في سياق الآية شبه الجملة (حرف الجر + الاسم الصريح) ثم يعدل إلى تكرارها مرة أخرى لكن بصورة بنيوية غير الأولى تتمثل في (حرف الجر + الضمير العائد على الاسم المتقدّم). ونلمس ذلك في قوله تعالى: ? إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ? ()، حيث عبّر بشبه الجملة (بالحياة) ثم لماّ أراد تصوير اطمئنان هؤلاء المعاندين بهذه الحياة كنّى بالضمير عنها، فكرر شبه الجملة المذكورة أولاً لكن بصيغة الضمير فقال: (بها). وتوظيف صيغة الماضي في جملة (رضوا) و (اطمأنوا) " للدلالة على التحقق والتقرير " ().
ويحتمل هذا التكرار لشبه الجملة بصيغة الضمير أن يكون دالاً على التحقير لهذه الحياة، إذ هم على وهم أنها أفضل من الآخرة، ولذا رضوا واطمأنوا بالأدنى دون الأعلى.
* ومنه قوله تعالى: ? وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ? ()، حيث ذكر أولاً شبه الجملة (في الأرض) ثم كررها مرة أخرى بتوظيف ضمير الغائب للمفرد المؤنث العائد على كلمة (الأرض) فقال: (فيها) مرتين. يقول أبو السعود: " المعنى: أتجعل فيها من يفسد فيها خليفة. والظرف الأول متعلق بتجعل، وتقديمه لما مرّ مراراً. والثاني بيفسد، وفائدته تأكيد الاستبعاد، لما أن في استخلاف المفسد في محلّ إفساده من البعد ما ليس في استخلافه في غيره " ().
فالتكرار هنا لشبه الجملة ذات الضمير على دلالة الاستنكار على (المستَخْلَف) لا الاستنكار على (المُسْتَخْلِف). كما أنه على معنى الاستبعاد لاستخلاف سبب فساد الأرض في مكان إفساده نفسه، إذ ذلك ما لا يستقيم مع علومهم وعقولهم. ويرى ابن عاشور أن التكرار هنا " لضمير ال {ض للاهتمام بها، والتذكير بشأن عمارتها، وحفظ نظامها، ليكون لك أدخل في التعجب من استخلاف آدم، وفي صرف إرادة الله تعالى عن ذلك إن كان في الاستشارة ائتمار " ().
* وعليه قوله تعالى: ?وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ? ()، حيث ذكر شبه الجملة (من النار) ثم كررها بالضمير في قوله (منها). يقول الزمخشري: " كنتم مشرفين على أن تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر، فأنقذكم منها بالإسلام. والضمير للحفرة أو للنار أو للشفا، وإنما ُأنِّّثَ
(يُتْبَعُ)
(/)
لإضافته إلى الحفرة وهو منها " (). فجعل التكرار هنا للتأكيد على الإنقاذ بالإسلام.
* ومنه قوله تعالى: ? لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ? ()، حيث عبّر أولاً بشبه الجملة (لربّهم) ثم كررها بالضمير في قوله (له). والدلالة المستفادة هنا أن التعبير بلفظ (ربهم) مسبوق بحرف الجر (اللام) في جانب أهل الإيمان ممن استجابوا لدعوة الحق، فكان جزاؤهم الحسنى. فناسب ذكر الاسم الصريح هنا مقام الاستبشار والاستئناس بهذا اللفظ الدال على موجبات الرحمة والعناية. لكنه عدل إلى توظيف الضمير العائد عليه سبحانه وتعالى دون ذكر الاسم الصريح في جانب أهل الكفر والعناد كنوع من التبكيت والتقريع، ولذلك حذف الجزاء فلم يقل (لهم السوأى)، كما قال في جانب أهل الإيمان أن (لهم الحسنى). يقول أبو السعود: " الموصول مبتدأ، والشرطية كما هي خبره، لكن لا على أنها وضعت موضع (السوأى) فوقعت في مقابلة الحسنى الواقعة في القرينة الأولى لمراعاة حسن المقابلة، فصار كأنه قيل: (والذين لم يستجيبوا لهم السوأى) كما يُوهِم، فإن الشرطية وإن دلّت على سوء حالهم، لكنها بمعزل عن القيام مقام لفظ (السوأى) مصحوباً باللام الداخلة على الموصول أو ضميره " (). فكرر هنا للتهويل مما ينتظرهم لعدم الاستجابة، والتقريع بإبهام الجزاء لهذه العناد.
هكذا يتسق التوظيف القرآني لسياقات شبه الجملة في تعانقها مع فنية التكرار لأداء مقاصد دلالية في نسيج النص القرآني، ورعاية لسياقات التعبير في هذه التوظيفات.
ثانياً: تكرار الجملة
تتكرر الجمل في القرآن الكريم على صورتين هما:
أ – التكرار التام المتماثل: أي تكرار الجملة كما هي بلا تغيير في مركباتها التكوينية. وعليه قوله تعالى: ? فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ? وهي جملة فعلية تكررت كما هي في سورة الرحمن في (31 إحدى وثلاثين آية).
ب – التكرار غير التام: أي تكرار الجملة مع بعض التغيير في بنياتها التركيبية. وعليه قوله تعالى: ? كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ? ()، حيث كرّر التركيب الدال على التكذيب مع التنويع في صور هذا التركيب.
ونفصل القول في تكرار الجمل من حيث اسميتها أو فعليتها كما يلي:
1 - تكرار الجملة الاسمية:
تتكرر الجملة الاسمية في النص القرآني لتوكيد المعنى وتقرره في النفس، مع الارتباط في الوقت ذاته بالدلالة على أغراض سياقية خاصة بكل سياق تكراري. وقد ورد تكرار الجملة الاسمية في القرآن الكريم بكثرة. فمن ذلك قوله تعالى: ? أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ? (). فقد كرر هذه الجملة الاسمية (أإله مع الله؟) المكونة من: (همزة الاستفهام + المبتدأ النكرة (إله) + الخبر شبه الجملة؛ الجار والمجرور (مع الله)، في
(يُتْبَعُ)
(/)
خمسة مواضع متتالية في هذه الآيات. يقول أبو حيان في تفنيد هذا التكرار الجملي: " اعتقب كل واحدة من هذه الجمل قوله تعالى (مع الله بل) على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو تعالى " ().
فقد ذكر سبحانه وتعالى هنا على سبيل الإنعام على العباد في معرض المحاجاة، فذكر خلق السماوات والأرض، وإنزال الماء من السماء، وإنبات الحدائق والأشجار، وشق الأنهار، وخلق الجبال والبحار، وإجابة الدعاء، وإرسال الرياح، وبدء الخلق وإفنائه ثم بعثه من جديد. وفي هذه المحاجاة يكون السؤال التهكمي: أإله مع الله يفعل مثل هذه الأفعال؟! والإجابة بالتأكيد: لا. ولذا كان تعقيب هذه الجمل بحرف الإضراب (بل) دلالة على كذب دعواهم، وفساد ما ذهبوا إليه.
ويربط الكرماني تكرار هذه الجملة في خمس آيات على التوالي بما يليها من ختام وتعقيب لكل آية منها. يقول: " قوله تعالى: (أإله مع الله) في خمس آيات على التوالي، ختم الأولى بقوله: (بل هم قوم يعدلون)، ثم قال: (بل أكثرهم لا يعلمون)، ثم قال: (قليلاً ما تذكرون)، ثم قال: (تعالى الله عما يشركون)، ثم (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، أي: عدلوا. وأول الذنوب العدول عن الحق، ثم لم يعلموا، ولو علموا لما عدلوا، ثم لم يتذكروا فيعلموا بالنظر والاستدلال، فأشركوا من غير حجة وبرهان، قل لهم يا محمد (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) " (). فهو يسير مع التدرج العقلي في الاستدلال بالعقل على الله من خلال النظر في خواتيم الآيات، وربطها بهذا الاستدلال.
* ومنه قوله تعالى: ? وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ? ()، التي تكررت في (10 عشر آيات)، والتكرار هنا وارد بعد ذكر كل أمر عظيم من أمور الدنيا والآخرة، إذ يفيد هذا الوعيد للمكذبين الدلالة على التخويف والتهديد الذي ترجف منه القلوب. يقول الكرماني في تعليل هذا التكرار للجملة الاسمية: " لأن كل واحدة منها ذُكِرَت عقيب آية غير الأولى، فلا يكون تكراراً مستهجناً، ولو لم يكرر كان متوعداً على بعض دون بعض " ().
ويرى الطوفي أن التكرار لهذه الجملة الاسمية في السورة من قبيل التكرار الذي فائدته " تحقيق وقوع الويل بهم، وتأكده، تحذيراً من التكذيب، وتنفيراً منه، أو زجراً " ().
أما الرازي فيرى أن إعادة الجملة الاسمية ضروري " لأنه ذكر ذلك عند قصص مختلفة، فلم يعد تكراراً (مستقبحاً) لأنه أراد بما ذكره أولاً (ويل يومئذ للمكذبين) بهذه القصة، ثم لما أعاد قصة أخرى ذكر مثله على هذا الحدّ، ولما اختلفت الفائدة خرج عن أن يكون تكراراً " ().
* ومنه قوله تعالى: ?فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ? التي تكررت في (4 أربع آيات) هي (16–18–21–30) (). يقول الكرماني في تعليل تكرار هذه الجملة الاسمية، بأن هذا التكرار: " ختم به قصة نوح وعاد وثمود ولوط لما في كل واحدة منها من التخويف والتحذير، وما حلّ بهم " ().
فالتكرار هنا على تبيان دلالة التخويف مما حلّ بالأمم السابقة لما كفروا، ثم التحذير من إمكانية وقوع مثل هذا العذاب لمن يجدد هذا الفعل التكفيري، أو ن يجحد الإيمان بالله تعالى.
2 - تكرار الجملة الفعلية:
الجملة الفعلية أكثر تكراراً من الجملة الاسمية في العربية، وهذه الكثرة ربما تعود إلى أن الفعلية تعبّر عن الحدث غالباً، والحدث يتسم بالتكرار , ويذكر إسرائيل ولفنسون أن " اللغات السامية في الحقيقة تعتمد على الجمل الفعلية أكثر من اعتمادها على الاسمية. فالفعل في اللغات السامية هو كل شيء، فمنه تتكون الجملة، ولم يخضع الفعل للاسم والضمير، بل نجد الضمير مسنداً إلى الفعل، ومرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً " ().
والتكرار بالجملة الفعلية إنما هو تكرار للحدث مرتبطاً بالزمنية التي يتحقق فيها وبها، وبذلك فهذا التكرار الفعلي يتكئ في مقصده الأهم على ملابسات الزمن بالحدث، ثم التدرج إلى الاستفادة السياقية لهذا التعاضد النصي من خلال الإلحاح على بنية التكرار في هذا السياق.
(يُتْبَعُ)
(/)
* ومن أبرز مظاهر التكرار للجمل الفعلية في القرآن قوله تعالى: ?فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ? التي تكررت في (31 واحد وثلاثين آية) من سورة الرحمن (). والجملة هنا فعلية تقدمت متعلقاتها (الجار والمجرور) على الفعل. يقول المرتضى: " أما التكرار في سورة الرحمن فإنما حَسُنَ للتقرير بالنعم المختلفة المتعددة، فكلما ذكر نعمة أنعم بها قرّر عليها، ووبّخ على التكذيب بها " ().
وملمح التكرار هنا لتعدد النعم هو الذي هيمن على تفكير أهل البلاغة لتحليل التكرار في هذه السورة. يقول العسكري: " كرر الله عزّ وجلّ في سورة الرحمن قوله: (فبأي ألاء ربكما تكذبان)، وذلك أنه عدّد فيها نعماءه، وادّكر عباده ألاءه، ونبههم على قدرها وقدرته عليها، ولطفه فيها، وجعلها فاصلة بين كل نعمة ليُعرَف موضع ما أسداه إليهم فيها " ().
ويرى د. عبد الملك مرتاض أن " تكرار هذه الآية يعكس خصوصية الأمر، أو الاحتفاء به، أو توكيده، أو الرغبة إليه، أو الحنق عليه، أو الرضا عنه. كما أن التكرار استطاع أن يُكَيِّف سطح الخطاب في هذه السورة، ويؤثر في طبيعة بنائه، وهندسة معمارية نسجه، إضافة إلى أنه منح هذه السورة العروس شيئاً من التمكن والثبات للإيقاع الذي يقوم عليه المقطع (آن) " ().
كما أن تكرار هذه الجملة الفعلية يتوزع في السورة على أربعة أقسام هي:
الأول: في الآيات من (13–30)، ويدور على تعداد نعم الله في الخلق، تكررت الآية فيه (8 ثماني مرات).
والثاني: في الآيات من (31 - 45)، ويدور على ذكر العذاب بالنار، تكررت الآية فيه (7 سبع مرات).
والثالث: الآيات من (46 - 61)، ويدور على بيان النعم الأخروية كالجنة، تكررت الآية فيه (8 ثماني مرات).
والرابع: الآيات من (62 - 78)، ويدور على ذكر الجنتين وما فيهما من نعم، تكررت الآية فيه (8 ثماني مرات).
يقول د. أحمد بدوي: " لعلّ في هذا السؤال (فبأي ألاء ربكما تكذبان) المتكرر ما يثير في نفس سامعيه اليقين بأنه ليس من الصواب نكران نعم تكررت، وألاء توالت " ().
وهكذا يسهم تكرار الجملة الفعلية في سورة الرحمن في إفادة الكثير من الدلالات والمعاني في نسيج السورة، كما أنه انعقد على إفادة التجدد الحدوثي، وارتباطه بالزمنية المطلقة في هذه العطاءات والنعم.
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ? (). حيث تكررت جملة (ويحذركم الله نفسه) مرتين في هذه الآيات. يقول أبو السعود: " (ويحذركم الله نفسه) تكرير لما سبق، وإعادة له، لكن لا للتأكيد فقط، بل لإفادة ما يفيده قوله عز وجل: (والله رؤوف بالعباد) من أن تحذيره تعالى من رأفته بهم، ورحمته الواسعة، أو أن رأفته بهم لا تمنع تحقيق ما حذرهموه من عقابه، وأن تحذيره ليس مبنياً على تناسي صفة الرأفة، بل هو متحقق مع تحققها أيضاً " ().
ويفند الكرماني هذا التكرار بقوله: " كرره مرتين لأنه وعيد عطف عليه وعيد آخر في الآية الأولى، فإن قوله: (وإلى الله المصير) معناه: مصيركم إلى الله، والعذاب معَدّ لديه، فاستدركه في الآية الثانية بوعد، وهو قوله تعالى: (والله رؤوف بالعباد). والرأفة أشد من الرحمة. وقيل: من رأفته تحذيره " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
* ومنه قوله تعالى: ? فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ? ()، حيث كرر جملة فعلية هي (قتل كيف قدر)، وهما جملتان؛ جملة (قُتِلَ) وجملة (قَدَّرَ)، في سياق وصف الوليد بن المغيرة، وبيان حاله حين سمع القرآن من المصطفى ?. يقول أبو السعود في بيان جمالية هذا التكرار للجملتين الفعليتين: " ثناء عليه بطرق الاستهزاء به، أو حكاية لما كرروه من قولهم: (قتل كيف قدر) تهكماً به، وبإعجابهم بتقديره، واستعظامهم لقوله " ().
ويحلل الألوسي هذا التكرار بقوله: " تكرير للمبالغة كما هو معتاد من أعجب غاية الإعجاب. والعطف يتمّ للدلالة على تفاوت الرتبة، وأن الثانية أبلغ من الأولى، فكأنه قيل: قُتِلَ بنوع ما من القتل، لا بل قُتِلَ بأشده وأشده، ولذا ساغ العطف فيه مع أنه تأكيد " ().
فالتكرار في هذا الموضع للجملتين الفعليتين قائم على دلالة المبالغة في الجزاء الشنيع لهذا الكافر المعاند.
هكذا يكون تكرار الجملة الفعلية موظفاً بدقة في سياقات النص القرآني على إرادة ما يستفاد من التعبير بهذه الفعلية من تجدد حدوث الفعل، وارتباطه بالزمنية التي تحويه، وتسمح بتجدده، ثم الارتباط بسياقات الآية، ونسيج السورة كلها. وهذا التلوين التكراري تنعقد مقصديته على إيضاح الجانب الإيقاعي في السياق القرآني من ناحية، ثم بيان الانسجام والتماسك النصي والدلالي لهذه التكرارات القرآنية.
الهوامش:
1. - سورة البقرة: آية رقم (114).
2. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 1/ 101.
3. - ابن عاشور، التحرير والتنوير، 2/ 285.
4. - سورة الفاتحة: آية رقم (7).
5. - الزمخشري، الكشاف، 1/ 17.
6. - سورة الروم: آية رقم (49).
7. - ابن الأثير، الجامع الكبير، 206.
8. - الطوفي، الإكسير، 274.
9. - العكبري، إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995،1/ 187.
10. - ينظر: الأخفش، معاني القرآن، 2/ 476.
11. - سورة يونس: آية رقم (7).
12. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 3/ 138.
13. - سورة البقرة: آية رقم (30).
14. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 1/ 56.
15. - ابن عاشور، التحرير والتنوير، 2/ 230.
16. - سورة آل عمران: آية رقم (103).
17. - الزمخشري، الكشاف، 1/ 395.
18. - سورة الرعد: آية رقم (18).
19. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 4/ 93.
20. - سورة ص: الآيات من (12 – 14).
21. - سورة النمل: الآيات من (60 – 64).
22. - أبو حيان، البحر المحيط، 9/ 197.
23. - الكرماني، البرهان في توجيه متشابه القرآن، 260.
24. - سورة المرسلات: الآيات رقم (15 – 19 – 24 - 28 – 34 – 37 – 40 – 45 – 47 - 49).
25. - الكرماني، البرهان في توجيه متشابه القرآن، 320.
26. - الطوفي، الإكسير، 277.
27. - الرازي، نهاية الإيجاز، 389.
28. - محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس، 559.
29. - الكرماني، البرهان، 305.
30. - إسرائيل ولفنسون، تاريخ اللغات السامية، دار القلم، بيروت، 1980، 15.
31. - محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس، 704.
32. - المرتضى، غرر الفوائد ودرر القلائد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الجيل، بيروت، 1988، 1/ 123.
33. - العسكري، كتاب الصناعتين، 194. وينظر: عبد الجبار، تنزيه القرآن عن المطاعن، 409. – الكرماني، البرهان في توجيه متشابه القرآن، 306.
34. - د. عبد الملك مرتاض، نظام الخطاب القرآني، تحليل سيميائي مركب لسورة الرحمن، دار الثقافة، الدار البيضاء،2003،328.
35. - د. أحمد بدوي، من بلاغة القرآن، 153.
36. - سورة آل عمران: الآيات من (28 – 30).
37. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 1/ 197.
38. - الكرماني، البرهان، 129.
39. - سورة المدثر: الآيتان رقم (19، 20).
40. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 9/ 128.
41. - الألوسي، روح المعاني، 10/ 206.
ـ[سماالعريش]ــــــــ[13 - 06 - 2009, 05:21 م]ـ
شكرا جزيلا على الموضوع
مشكورين
ـ[ابوعلي الفارسي]ــــــــ[13 - 06 - 2009, 11:07 م]ـ
أدعوكم إلى قراءة كتاب اسمه: بلاغة تصريف القول في القرآن الكريم، للدكتور عبدالله بن محمد النقراط، دار قتيبة، الطبعة الأولى 1423،ويقع في مجلدين، وهو رسالة دكتوراه.(/)
التكرار الإيقاعي في القرآن الكريم
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 05:36 م]ـ
التكرار الإيقاعي في القرآن الكريم
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ – مصر
يمثل الإيقاع عنصراً أساسياً في التشكيل البنيوي للغة العربية، ذلك لأنها لغة إيقاعية تعتمد على البنيات التي تحدث نغماً صوتياً، وهذا النغم بكل تشكيلاته وصوره يعتمد بصوره رئيسة على فنية التكرار.
والتكرار الإيقاعي ظاهرة فريدة في العربية ـ تفرضها طبيعة اللغة نفسها، لأنها في خالص أمرها لغة اشتقاقية تعتمد على تكرار الأصل البنيوي للمواد التشكيلية فيها، وذلك لتنتج لنا العديد من الصور والأشكال الاشتقاقية متحدة الأصول متباينة الهيئات.
ومن روائع التوظيف القرآني ما لمسناه من إيقاعات متنوعة في ثنايا التوظيف، تدور حول الأغراض الجمالية المقصودة من وراء هذا التوظيف. فالنص القرآني يوظف مثلاً تكرار المادة اللغوية بصورة رائعة كما أسلفنا في الفصل السابق، ويوظف تكرار الألفاظ بصورتها متحدة البنية والدلالة، ويوظف تكرارات اللفظ متحد الدلالة مختلف الهئية، ويوظف تكرارات الصورة الصرفية باعتماد الوزن، وما يحدثه كل ذلك من إكساب الكلام جرساً وموسيقى نصية، وما يتبع ذلك التلوين التكراري من جماليات دلالية وسياقية. ولذا فإننا نعمد هنا إلى الحديث عن التكرارات الإيقاعية في معانقاتها لسياقات الجملة القرآنية، وما يحدثه ذلك من تأصيلات دلالية وجمالية في النسيج القرآني.
1 - التداعي الصوتي:
من جماليات التوظيف التكراري في النص القرآني ما نلحظه في بعض الآيات من شيوع تكرارات صوتية وصرفية في ثنايا التراكيب، مما يؤدي إلى تآلف أصوات الحروف في هذه التراكيب مع بعضها البعض. كما أن الاتكاء على تكرار حرف معين إنما تنعقد مقصديته على سياقات دلالية يؤديها هذا الحرف فيما يسمى (التداعي الصوتي) الذي يتمثل في الاتكاء على حرف بعينه، ليتردد بصفة منتظمة في مجموعة الدوال المتجاورة، ليحكم علاقتها صوتياً (). والتردد الحرفي في السياق القرآني يحمل شحنات سياقية نصية يتم توظيفها في إطار الأخص والعام معاً، وفي الوقت ذاته لتحقيق الملحظ الإيقاعي لدى المتلقي من ناحية، وتعميق دلالة الأثر الناشئ عن هذه التكرارات من ناحية أخرى ().
* ومن أمثلة هذا التداعي الصوتي ما نلمسه في قوله تعالى: ?وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ? (). إذ تكرر حرف (الواو) في (5 خمسة مواضع) كحرف عطف، أو كجزء من بنية الفعل. وهذا التكرار يعدّ " أسلوباً إغرائياً من قِبَل أخوة يوسف عليه السلام لأبيهم لكي يوافق على اصطحابهم أخيهم " ().
كما أن هذا التكرار لحرف (الواو) " لا يحمل المغايرة الدلالية بل يعتمد المزاوجة بين المتعاطفات، أو بوافي بينها بحيث تبدو مجتمعة وهي متفرقة، وذلك لما فيه من الرفادة واللين، حتى تصبح هذه المتعاطفات على هذا النسق كياناً واحداً، ومطلباً متحداً، لا يمكن الفصل بين أجزائه " ().
فتكرار الواو في هذه الآية أفاد هذه المعاني، وشكل تداعياً صوتياً مكن الدلالة من الظهور في السياق.
* ومن ذلك ما نلحظه من تكرار حرف القاف (10عشر مرات) في قوله تعالى: ?وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ? (). فرغم أن القاف حرف ثقيل في النطق، إلا أن هذا التكرار بما فيه من الشدة جاء لتأكيد الأمر في نفوس المتلقين في شأن ابني آدم عليه السلام، وما دار حولهم من قصص وأحاديث من جانب أهل الكتاب، فجاء القرآن بالخبر اليقين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومع هذه الشدة المستفادة من تكرار حرف القاف في الآية، يُحدِث النص القرآني توازتاً إيقاعياً جميلاً عندما يكرر حرف الباء (8 ثماني مرات) من الآية، وذلك لتخفيف هذه الشدة المتولدة عن تكرار القاف، إذ الباء حرف خفيف في النطق. وهذه التكرارات أكسبت السياق في الآية إيقاعاً مبهجاً يدركه الوجدان السليم سمعاً وبصراً أيضاً ().
* ومن ذلك أيضاً ما نلحظه من تكرار لحرف الميم في (16 ستة عشر موضعاً) في قوله تعالى: ?قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ? ()، ومن هذه الميمات ما هو مشدّد ومدغم، ويمكن أن يرتفع العدد بها في حالة النطق المجوّد إلى (21 إحدى وعشرين ميماً) تتوالى في آية واحدة، وهذا أمر يفوق بكثير معدل تكرار حرف الميم في آيات أطول من هذه في القرآن الكريم. يقول د. عبد الفتاح لاشين: " في (أمم ممن معك) ثماني ميمات متواليات، والأصل (أمم مِنْ مَنْ معك) قلب تنوين (أمم) ميماً، فهذه ثلاث ميمات، ثم قلبت نون (مِنْ) ميماً، فهذه خمس ميمات، ثم قلبت نون (مَنْ) ميماً، فهذه سبع ميمات، والميم الثامنة ميم (معك). وقلب النون ميماً واجتماع هذه الميمات متفق عليه من جميع القراء " ().
فتكرار حرف الميم هنا يوحي بشدة الحالة التي كان عليها نوح ? حين كانت السفينة تكابد الأمواج التي أغرقت قومه. ويعلل عبد الكريم الخطيب التداعي الصوتي لحرف الميم في الآية الكريمة بقوله: " الميم وحده حرف ثقيل مضغوط يشد عضلات الفم كلها حتى يؤدى على هيئة صوت، فكيف إذا كرر؟! ثم كيف يكون ميزانه من الثقل حتى يتكرر بهذه الكثرة المتلاحقة؟ وليس هذا النغم المجلجل المتتابع من هذه الميمات إلا أداء لما يقتضيه المقام من دواعي القوة التي تحيط بالموقف وتظاهره. فهذا نوح عليه السلام قد طوفت به وبمن معه السفينة في مجاهل هذا الطوفان المروع العاتي الذي أتى على كل شيء، حتى أذن الله لهذه الغمة أن تنجلي، وتصل السفينة إلى شاطئ الأمان والسلام. فما كانت هذه الميمات إلا مراعاة لما يقتضيه الحال من دواعي القوة التي تحيط بهذا الموقف " ().
هكذا يرتبط التداعي الصوتي بما يحيط به من دلالات سياقية في الآيات الكريمة، ليبرز الصورة الكلية لهذه الدلالات في حيزها الدلالي الأعم، وفي تعاضدها مع سياقات السورة القرآنية كلها.
2 - التكرار الصوتي:
يعتمد التكرار الصوتي على معطيات المحسنات اللفظية، وما تحدثه من أثر جمالي نابع من فنية تكراراها على نسق تعبيري معين، ويتخذ من الاتكاء على تكرار المقاطع المكونة لبنية اللفظ أساساً لإحداث هذا الإيقاع.
والنظر إلى التكرار الصوتي لا بد وأن يشمل في طياته الإشارة إلى كلية النظرة، وإدراك بنية التكرار كوحدة متلاحمة الأجزاء، ذات بناء نسيجي موحد. وعليه فالواجب أن نعتمد البنية التكرارية على أنها ليسن مجرد تقنية بسيطة ذات فوائد بلاغية أو لغوية محددة، وإنما يجب النظر ‘ليها على أنها " تقنية معقدة تحتاج إلى تأمل طويل يضمن رصد حركيتها وتحليلها، انطلاقاً من معطياتها، ومستويات أدائها وتأثيرها، فضلاً عن دورها الدلالي التقليدي الذي أطلق عليه القدماء (التوكيد)، وفائدتها في جمع ما تفرّق من الدلالات النصية " ().
وهذا التكرار الصوتي يتمثل في التوظيف القرآني في سياقات متنوعة، نحاول تلمسها فيما يلي:
1 - التكرار بالجناس:
الجناس تكرار موسيقي، وهو " ما تكون الكلمة تجانس أخرى في تأليف حروفها، وما يشتق منها " (). وهو لون بديعي عرفه أهل العربية من قديم، واستعملوه في نثرهم وشعرهم، إلا أن استعمالهم له في النثر كان أكثر، نظراً لما في الشعر من ألوان موسيقية تغنيه عن الجناس.
(يُتْبَعُ)
(/)
والجناس ظاهرة تكرارية تعتمد على تكرار لفظ ما تكراراً تاماً، أو تكراراً غير تام لبعض الحروف فقط، وذلك عند اختلاف لفظي الجناس. وهو وسيلة فنية لتحقيق مزايا الجرس الصوتي الموسيقي الذي ينبه الأذن والعقل. كما أنه ينبغي توظيفه بحرفية شديدة، ودقة متناهية، وذلك لأنه إذا ما كثر في الكلام دخل في إطار الصنعة والتكلّف، فيفسد الكلام. يقول عبد القاهر: " أما التجنيس فإنك لا تستحسن تجانس اللفظين إلا إذا كان موقع معنيهما من العقل موقعاً حميداً، ولم يكن مرمى الجامع بينهما مرمى بعيداً " ().
وجمالية الجناس تقوم على أساس تكرار مجموعة من الحروف في كلمتي الجناس مما يمنح الكلام صفة النغمية و يقول السيوطي: " فائدته الميل إلى الإصغاء إليه، فإن مناسبة الألفاظ تحدث ميلاً وإصغاءً إليها، ولأن اللفظ المشترك إذا حُمِلَ على معنى، ثم جاء والمراد به آخر، كان للنفس تشوّق إليه " ().
وهذه الجمالية أيضاً هي التي دعت د. صلاح فضل إلى حصرها في " تكرار الملامح الصوتية ذاتها في كلمات وجمل مختلفة بدرجات متفاوتة في الكثافة، وغالباً ما يهدف ذلك إلى إحداث تأثير رمزي عن طريق الربط السببي بين المعنى والتعبير، حيث يصبح الصوت مثيراً للدلالة " ().
ودون التطرق إلى تفاصيل الجناس وأنواعه التي سبق إيرادها في الفصل الأول، فإننا نحاول تبيان بعض مواضع الجناس في سياقان القرآن الكريم، تأثيراتها الجمالية، من خلال رصد بعض هذه المواضع كما يلي:
* قوله تعالى: ? شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ? (). حيث جانس بين (اليسر) و (العسر) باختلاف حرف واحد هو (الياء) في الأولى، و (العين) في الثانية. وصوت الياء غاري نصف علّي مجهور مرقق، أما صوت العين فهو حلقي رخو مجهور مرقق، فالصوتان يشتركان في صفتي الجهر والترقيق.
ودلالة الآية الكريمة على بيان نعم الله على عباده في تشريع الصيام، وما يلحق به من أحكام ومباحات لتلك الأحكام، وكلها على إرادة التيسير الإلهي للقيام بهذه الفريضة، دون التعسير عليهم ().
وبملاحظة سياق الجناس في الآية نجد أنه على الشكل التالي:
يريد الله بكم اليسر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لا يريد بكم العسر
1 + 2 + 3 + 4 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 + 2 + 3 + 4
فنلحظ تكرار الفعل (يريد) في سياق طباق السلب، وتكرار شبه الجملة (بكم)، ثم التكرار الصوتي بتوظيف بنية الجناس الذي أتي ختاماً لهذه التكرارات قصداً إلى تأكيد دلالة معنى اليسر لا العسر. ولو كان السياق التعبيري – في غير القرآن – لأمكن القول: (يريد الله بكم اليسر لا العسر)، ولاستقامت الدلالة على هذا السياق، وكذلك لاستقام تخريج بنية الجناس باعتباره الملمح التكراري الوحيد، لكن هذا لم يحدث!
ولذا فالنظر إلى فنية التكرار بالجناس في هذه الآية على صورته الجزئية المفردة دون النظر في إطاره العام بتعاضده مع بقية الصور، يعدّ إجحافاً لجماليات هذه التكرارات، وإهداراً لنصياتها المتنوعة. ويؤد هذا ما ذهب إليه محمد الطاهر بن عاشور في تحليله لهذه الآية بقوله: " قد كان يقوم مقام هاتين الجملتين جملة قصر نحو: (ما يريد بكم إلا اليسر)، لكنه عدل عن جملة القصر إلى جملتي إثبات ونفي لأن المقصود ابتداء هو جملة الإثبات لتكون تعليلاً للرخصة، وجاءت بعدها جملة النفي تأكيداً لها " ().
ولذا فإن الجناس الحاصل هنا بين كلمتي (اليسر) و (العسر) ليس على إرادة إبراز الملمح الصوتي فقط، بل أيضاً ليسهم الجناس في تعضيد دلالة التأكيد على تعليل الرخصة الإلهية في جانب من لم يستطع الصوم.
(يُتْبَعُ)
(/)
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ? (). فقد جانس هنا بين كلمتي (منهم) و (عنهم)، وهما من أحرف الجر المسندة إلى ضمير الجمع (هم). وسياق الآية يدور على الخطاب لبني إسرائيل وأمرهم باتباع الرسل، وعدم نقض الميثاق، وما خالفوا فيه كل ما أُمِروا به من الله تعالى. كذلك التوجه بالتحذير للنبي ? من شرهم وخيانتهم ما عدا القليل منهم، فلهم الصفح والعفو إن أحسنوا ().
ونلمح في سياق الآية تكرار شبه الجملة (منهم) في جانب اليهود، ثم تعانق هذا التكرار بالجناس مع لفظة (عنهم). وهذا التعاضد التكراري على إثبات أمرين:
الأول: أن هؤلاء اليهود غير مأمونين، وهم أهل خيانة جميعاً، إلا قليلاً منهم ممن حسن إسلامه.
والثاني: وجوب الصفح والعفو عمن دخل في زمرة الإسلام منهم، وحسن إسلامه.
فالجناس هنا على إثبات صفة الخيانة (منهم)، ونفي هذه الصفة (عنهم) بشرط حسن الإسلام، والاستقامة. فحققت بنية الجناس هذا المعنى، بالإضافة إلى جمالية الإيقاع المستفاد من هذه البنية، لتخفف من حدة التراكيب في الآية التي اتسقت مع سياق الحدث المتضمن فيها.
* وعلى هذا يمكن تخريج الجناس في الآيات التالية:
- قوله تعالى: ? كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ? سورة البقرة آية رقم (118.
- قوله تعالى: ? وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ? سورة الأنعام آية رقم (100).
- قوله تعالى: ? وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء? سورة الأعراف آية رقم (95).
- قوله تعالى: ? وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ? سورة الأنبياء آية رقم (90).
- قوله تعالى: ? وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً? سورة الحشر آية رقم (11).
- قوله تعالى: ? عُذْراً أَوْ نُذْراً ? سورة المرسلات آية رقم (6).
وهكذا يتم توظيف بنية التكرار الإيقاعي بالجناس في سياق الآيات القرآنية رغبة في دلالات نصية مقصودة، وطلباً للإيقاع الصوتي وما يتبعه من جماليات سياقية.
2 - التكرار بطباق السلب:
يعتمد طباق السلب في فنيته الجمالية حين التوظيف على إثبات الحدث أو الفعل ثم نفيه في آن. كما أن محور طباق السلب الأهم ليس الحدث من الإثبات أو النفي، لكنه الوسيلة التي يتم بها هذا الإثبات والنفي، أي (أداة النفي)، التي يتم في ضوئها هذا التكرار الإيقاعي، ويحدث الانزياح الصوتي والدلالي معاً.
ويرى د. سعد أبو الرضا أن " الوظيفة الأهم في توظيف طباق السلب صوتياً هو الكشف عن الدلالة بأبعادها المختلفة خلال هذه البنية اللغوية " ().
كما يرى د. منير سلطان أن " الطباق السلبي هو طباق ذاتي، فالحدث هو هو " ().
ووحدة الحدث هي مناط تميز طباق السلب، إذ الأمر يدور على النفي والإثبات لهذا الحدث وفق سياقات المعنى، واعتبارات الدلالة.
والنص القرآني حين يوظف طباق السلب في آياته فإن هذا التوظيف يظهر في صورتين هما:
الأولى: توظيف الطرف المثبت أولاً ثم تعقيبه بالطرف المنفي. ويتمثل ذلك في الآيات التالية:
- قوله تعالى: ? يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ? سورة البقرة آية رقم (185).
- قوله تعالى: ? هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ? سورة آل عمران آية رقم (119).
- قوله تعالى: ? يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ? سورة النساء آية رقم (120).
- قوله تعالى: ? فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ? سورة المائدة آية رقم (27).
- قوله تعالى: ? يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ? سورة التوبة آية رقم (94).
- قوله تعالى: ? أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ? سورة النحل آية رقم (17).
(يُتْبَعُ)
(/)
والثاني: توظيف الطرف المنفي أولاً ثم تعقيبه بالطرف المثبت. ويتمثل ذلك في الآيات التالية:
- قوله تعالى: ? فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ? سورة البقرة آية رقم (150).
- قوله تعالى: ? إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ? سورة النساء آية رقم (48).
- قوله تعالى: ?لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ? المائدة آية رقم (89).
- قوله تعالى: ? لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ? سورة الأنعام آية رقم (103).
- قوله تعالى: ? لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً? سورة الفرقان آية رقم (14).
- قوله تعالى: ? إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ? سورة القصص آية رقم (56).
وهذا التنوع الأسلوبي في توظيف طباق السلب إرادة للتكرار الإيقاعي ما هو إلا مؤشر دقيق على تنوع طرق الصياغة القرآنية، وفرادة التوظيف لمثل هذه السياقات. ولنحاول الوقوف بالتحليل على بعض هذه السياقات لاستكناه ما تحمله من شحنات جمالية ودلالية رائعة.
* فمن ذلك قوله تعالى: ?لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ? ()، إذ وظف الفعل (يؤاخذكم) في سياق طباق السلب فورد في صيغتين؛ واحدة مثبتة، والأخرى مسبوقة بحرف النفي (لا). وتمثلت البنيتان في الشكل التالي:
بنية النفي: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).
بنية الإثبات: (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم).
يقول أبو السعود: " اللغو ما سقط من الكلام عن درجة الاعتبار " (). فالتقديم للطرف المنفي على إرادة بسط الكلام والإيناس، ثم عقب ذلك بإيراد الحدث مثبتاً للتوضيح، وبيان ما تكون به المؤاخذة في الكلام.
* ومن ذلك قوله تعالى: ? يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ? ()، حيث وظف الفعل (يستخفون) في سياق الإثبات ثم النفي في سياق تجاوري قُصِدَ منه إبراز الحدث في ذاته، مع توظيف أداة النفي لسلب هذه القصدية عن هذا الحدث. يقول أبو السعود: " (يستخفون من الناس) أي: يستترون منهم حياء، وخوفاً من ضررهم. و (لا يستخفون من الله) أي: لا يستحيون منه سبحانه وتعالى، وهو أحق أن يُسْتَحي منه، ويُخاف عقابه " ().
ويرى ابن عاشور أن توظيف فعل الاستخفاء من الله على المجاز " إذ لا يعتقد أحد يؤمن بالله بأنه يستطيع أن يستخفي على الله " ().
والطباق هنا على دلالة النعي على هؤلاء المعاندين الذين يحذرون الناس ويستخفون منهم، ويتركون مخافة الله وخشيته، والاستحياء منه. فالطباق بالسلب على دلالة إبراز المفارقة الدلالية بين فعلين لفاعل واحد.
* ومنه قوله تعالى: ? أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ? ()، حيث طابق بين الفعل (يخلق) في معرض التقريع لأهل الكفر على مساواتهم الأوثان بالله تعالى في العبادة، فقرعهم على ذلك بأن ذكر لهم فعل الألوهية وهو (الخلق)، وكيف أنهم بهذا الوهم جعلوا مَنْ لا يخلق على حذو واحد بمن يخلق.
كما أن ذكر حرف التشبيه هنا على جهة التشبيه المقلوب يسهم في تبيان الصورة المغلوطة عند هؤلاء، إذ الأصل أن يشبَّه الأدنى بالأعلى في تحقق الصفة، فالأولى أن يقال – في غير القرآن -: (أفمن لا يخلق كمن يخلق)، لكن تم العدول هنا للتوبيخ، ثم الإهمال، وعدم الابتداء بهم للتحقير. يقول أبو حيان: " ذكر الله تعالى التباين بين من يخلق وهو الباري تعالى، وبين من لا يخلق، وهي الأصنام، ومن عُبد ممن لا يعقل، فجدير أن يُفرد بالعبادة من له الإنشاء دون غيره " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
ولأن النفي متسلط هنا على قضية خطيرة هي قضية الخلق، وذلك في جانب هذه الأوثان، جاء دور طباق السلب غاية في الأهمية، إذ ليس غيره ليؤدي هذه المهمة المتمثلة في إثبات الصفة الجليلة للخالق عز وجلّ، ونفيها هي لا غيرها باللفظ ذاته عن هذه الأصنام. يقول الألوسي: " كان حق الكلام بحسب الظاهر في بادئ النظر (أفمن لا يخلق كمن يخلق)، لكن قيل: حيث كان التشبيه نسبة تقوم بالمنتسبين، اختير ما عليه النظم الكريم مراعاة لحق سبق الملكة على العدم، وتفادياً عن توسيط عدمها بينها وبين جزئياتها المفصلة قبلها، وتنبيهاً على كمال قبح ما فعلوه من حيث إن ذلك ليس مجرد رفع أصنامهم عن محلها، بل هو حطّ لمنزلة الربوبية إلى مرتبة الجماد " ().
فأسهم تعاضد طباق السلب مع فنية التشبيه المقلوب في إفادة عظمة الله تعالى وفضله بنعمة الخلق، وفساد زعم هؤلاء الكافرين في تقديسهم مخلوقات حقيرة ورفعها لمصاف الخالق.
تلك هي أهم ملامح التلوين الصوتي بالتكرار في سياق الجملة القرآنية، وما تبعه من تقاطعات سياقية في إطار التعبير القرآني مع هذه الفنية، وتضافره معها في إثراء الدلالة في هذه التراكيب القرآنية في ضوء ارتباطها بالغرض العام لهذه السياقات.
الهوامش:
1. - ينظر: د. محمد عبد المطلب، هكذا تكلم النص، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997، 40.
2. - ينظر: د. محمد العياشي، نظرية إيقاع الشعر العربي، 283.
3. - سورة يوسف: آية رقم (65).
4. - د. إبراهيم جنداري، الإيقاع في القصة القرآنية، 194.
5. - عبد الكريم الخطيب، القصص القرآني في منطوقه ومفهومه، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1988، 463.
6. - سورة المائدة: آية رقم (27).
7. - ينظر: د. عز الدين السيد، التكرير بين المثير والتأثير، دار الطباعة المحمدية، القاهرة، 1978، 41.
8. - سورة هود: آية رقم (48).
9. - د. عبد الفتاح لاشين، من أسرار التعبير، 34. وينظر: القرطبي، الموضح، 174. – مكي بن أبي طالب، الرعاية، 240.– ابن الجزري، النشر، 2/ 26. – ابن الجزري، التمهيد، 56. – المرعشي، جهد المقل، 133.
10. - عبد الكريم الخطيب، إعجاز القرآن، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1987، 2/ 274.
11. - د. محمد بنيس، ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، دار إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2002، 61.
12. - ينظر: ابن المعتز، البديع، 25. – العسكري، كتاب الصناعتين، 330.
13. - عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق: محمود شاكر، دار المدني، القاهرة، 1991، 7.
14. - السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، 2/ 116.
15. - د. صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، 210.
16. - سورة البقرة: آية رقم (185).
17. - ينظر: ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/ 170. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 1/ 133. – القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 2/ 208.
18. - ابن عاشور، التحرير والتنوير، 3/ 33.
19. - سورة المائدة: آية رقم (13).
20. ينظر: أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 2/ 92. – أبو حيان، البحر، 4/ 256.
21. - د. سعد أبو الرضا، في البنية والدلالة، 39.
22. - د. منير سلطان، البديع في شعر شوقي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1986، 167.
23. - سورة البقرة: آية رقم (225).
24. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 1/ 148.
25. - سورة النساء: آية رقم (108).
26. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 2/ 122.
27. - ابن عاشور، التحرير والتنوير، 5/ 32.
28. - سورة النحل: آية رقم (17).
29. - أبو حيان، البحر المحيط، 7/ 209.
30. - الألوسي، روح المعاني، 5/ 259.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 05:08 م]ـ
حبذا أخي لوأخذناها جزء جزء بدلاً من هذا الحشو
بارك الله فيك(/)
تلوينات الحذف في الجملة القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 05:38 م]ـ
تلوينات الحذف في الجملة القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ – مصر
الحذف كما يعرفه د. طاهر حمودة " ظاهرة لغوية عامة تشترك فيها اللغات الإنسانية، حيث يميل الناطقون إلى حذف بعض العناصر المكررة في الكلام، أو إلى حذف ما يمكن للسامع فهمه اعتماداً على القرائن المصاحبة حالية كانت أو عقلية أو لفظية " ().
وإذا كان الحذف لجزء من أجزاء الكلمة مسوقاً لغرض التخفيف في الأداء النطقي، فإن الحذف على مستوى التراكيب ينساق في هذا الإطار، سواء كان الحذف للكلمة أو للجملة في إطار التراكيب، وذلك بشرط ألا يؤثر هذا الحذف على وضوح معنى العبارة أو لفظها بمداخلات الإبهام أو اللبس أو الإخلال بالمعنى واللفظ. كما أن الحذف " إنما يتم لوجود دليل أو قرينة على المحذوف فيستبين المعنى " ().
وتتعدد الأسباب الداعية إلى الحذف في سياق التراكيب، فمنها ():
1 - التخفيف.
2 - الإيجاز والاختصار.
3 - الاتساع.
4 - التفخيم والإعظام.
5 - صيانة المحذوف عن الذكر تشريفاً له.
6 - التحقير.
7 - الجهل بالمحذوف.
8 - رعاية الفاصلة في القرآن الكريم.
والحذف في خالص أمره ظاهرة أسلوبية بارزة في سياق الكلام العربي، تناولها أهل النحو البلاغة والبيان بالدرس والتفصيل، ووقفوا على قيمتها الجمالية، وإسهامها البياني في السياق الملفوظ والمكتوب. يقول سيبويه: " والحذف في كلامهم كثير، إذا كان في الكلام ما يدل عليه " ().
وقد وظّف القرآن الكريم فنية الحذف في سياق تلويني رائع يعتمد على إفادات المقام في أروع تعبيراته لمعاضدة هذه الفنية، إذ لكل كلمة في الآية مكانها المناسب المتناسق مع باقي الكلمات ومعانيها، والمتفِّق مع السياق العام لهذه الآية.
والتعبير القرآني المعجز قد يوظف كلمة أو جملة في آية ثم يحذف هذه الكلمة أو الجملة في آية أخرى مشابهة للأولى، وتتسق مع موضوعها، فيكون الذكر والحذف في الآيتين مقصوداً، ومتفقاً مع دلالات السياق، ومبرزاً للإعجاز البياني فيهما معاً. فمن ذلك ما نلمسه في:
- قوله تعالى: ?وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً ? ().
- قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ? ().
فقد ذكر في الآية الأولى جملة (بعد علم) بحذف حرف الجر (من)، وفي الثانية ذكر جملة (من بعد علم) بذكر حرف الجر (من)، فما سر هذا الذكر والحذف هنا؟
والملاحظ أن آية سورة الحج ذكر فيها حرف الجر (من) في (6 ستة مواضع)؛ خمسة منها قبل جملة (من بعد علم)، وكلها أفادت معناها الذي سيقت من أجله، إلا التي في جملة (من بعد علم) فإن النظم مع سقوطها ملتئم، والمعنى تام مكتمل، فاستوى وجودها وحذفها من جهة المعنى، فناسب ذكرها ظاهر النظم للتناسب في هيكلة هذا النظم ().
ويرى الكرماني أن حذف (من) في آية سورة النحل فيه نوع من التناسب النظمي " لأنه أجمل الكلام في هذه السورة فقال: (وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ)، وفصّله في الحج فقال: (خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ) الآية، فاقتضى الإجمال الحذف، والتفصيل الإثبات، فجاء في كل سورة ما اقتضاه الحال " ().
إذن مراعاة سياق التعبير، وحال النظم والتركيب في الآيتين هو الداعي إلى لمح فائدة ما حذف وما ذكر، وسبب هذا الحذف والذكر.
ويمكننا تلمس سياقات التلوين بالحذف في القرآن الكريم من خلال المباحث التالية:
1 - حذف الأسماء:
(يُتْبَعُ)
(/)
الحذف لا يكون إلا بدليل على المحذوف، هذا الدليل من بنية معهودة، أو نمط معروف، أو قرينة قائمة، أو معنى في السياق لا يستقيم إلا مع تقدير الحذف. وحذف الأسماء أياً كان نوعها وموقعها الإعرابي في التراكيب يستقيم في هذا الإطار، ويستدلّ على حذفها إما بأصل التركيب عند حذف المبتدأ والخبر، وإما بقرينة السياق ومعناه العام.
* فمن حذف المبتدأ ما نلمسه في قوله تعالى: ? ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ? ()، فقد تمّ حذف المبتدأ (اسم الإشارة هذا) من سياق التركيب، والتقدير: هذا ذِكْرُ. والحذف هنا تمّ لدلالة الأصل عليه، أي أن المُقَدَّم (مبتدأ) حُّذفَ من السياق للتخفيف، ثم لتعظيم شأن المحذوف طلباً للفائدة المتوخاة من هذا الحذف، ثم للتشويق إلى هذا المحذوف لجذب انتباه المتلقي لمعرفة هذا الذكر. فالحذف هنا تمّ طلباً لثلاثة مقاصد بلاغية هي (التخفيف، والتعظيم، والتشويق).
* ومنه قوله تعالى: ?لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ? ()، فحذف المبتدأ وتقديره: (بلدتُكم) و (ربُّكم) بدلالة قرينة السياق المعقود على الخطاب في الآية كلها. والمعنى: بلدتكم بلدةُ طيبة، وربُّكم ربُّ غفور. وقد تمّ الحذف هنا في حق المبتدأ لإبراز شأن المحذوف، وتعظيم قدره، وذلك بحذف الأسماء المسندة إلى ضمير الخطاب للجمع اكتفاءا بما سيق من قبل من هذه الضمائر، فيكون ذلك أكثر اتساقاً مع غرض التعظيم لشأن المحذوف، وأدلّ على تمام النعمة عليهم في هذا المقام.
* ومن حذف الخبر ما ذكره أبو عبيدة في قوله تعالى: ? مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ? ()، من كون الخبر في قوله: (أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا) محذوف، والتقدير: وظلها دائمُ، فتم حذف الخبر على المجاز. يقول أبو عبيدة: " مجازه مجاز المكفوف عن خبره، والعرب تفعل ذلك في كلامها " (). فحذف الخبر في الآية قائم على الإيجاز منعاً للتكرار، وذلك لتوحد الخبر في اللفظ.
* ومنه قوله تعالى: ? وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ? (). يقول الطبري في تعليل حذف الخبر في الآية: " وكذلك عدد اللائي لم يحضن من الجواري لصغر، إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول " ().
فحذف الخبر هنا لأنه قام دليل في الكلام على ذكر، فيكون ذكره ثانياً كاللغو. فالصمت عن الخبر، وعطف اللائي لم يحضن على اللائي يئسن مؤذناً باتحادهما في الخبر.
* ومنه حذف المضاف الذي يرد في اللغة على نوعين هما ():
الأول: حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، بشرط وجود القرينة الدالة على المحذوف.
والثاني: حذف المضاف مع بقاء عمله في المضاف إليه، أي بقاء أثره الإعرابي الدال عليه.
ومنه ما نلمسه في قوله تعالى: ? وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ? ()، أي: حبّ العجل، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
- وقوله تعالى: ? حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ? ()، أي: أكل الميتة.
- وقوله تعالى: ? وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ? ()، أي: أمر ربّك.
(يُتْبَعُ)
(/)
* ومنه حذف المفعول، وذلك عندما يكون المراد الاقتصار على إثبات المعاني المتضمنة في الأفعال من غير تعرّض لذكر المفعول، فيصبح الفعل المتعدّي كغير المتعدّي. ومن ذلك ما نلمسه في قوله تعالى: ? وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ? ()، حيث تمّ حذف أربعة مفاعيل هما بيانها كما يلي:
1 – جملة (يسقون) ــــــــــــــــــــــــــــــــ حذف المفعول: (أغنامَهم).
2 - جملة (تذودان) ـــــــــــــــــــــــــــــــــ حذف المفعول: (أغنامَهما).
3 - جملة (نسقي) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ حذف المفعول: (أغنامَنا).
4 - جملة (فسقى) ــــــــــــــــــــــــــــــــــ حذف المفعول: (أغنامَهما).
فحذف هذه المفعولات هنا قائم على غرض بلاغي جميل هو الإيجاز السياقي. يقول عبد القاهر: " إنه لا يخفى على ذي بصر أنه ليس في ذلك كله إلا أن يترك ذكره، ويؤتى بالفعل مطلقاً، وما ذاك إلا أن الغرض في أن يُعلَم أنه كان من الناس في تلك الحال سقي، ومن المرأتين ذوْد، وأنهما قالتا: لا يكون منّا سقْي حتى يصدر الرعاء، وأنه كان من موسى عليه السلام من بعد ذلك سقي ... فاعرفه تعلم أنك لم تجد لحذف المفعول في هذا النحو من الروعة والحسن ما وجدت، إلا لأنّ في حذفه، وترك ذكره فائدة جليلة، وأن الغرض لا يصحّ إلا على تركه " ().
كما يكثر حذف المفعول بعد فعل المشيئة والإرادة في سياق الشرط. وعليه:
* قوله تعالى: ? وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? ()، أي: لو شاء الله إعناتَكم.
* قوله تعالى: ? وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ? ()، أي: لو شاء الله هدايتَهم.
* كذلك يمكن حذف المفعول به رعاية للفاصلة، وذلك حتى تتسق إيقاعياً مع نظيراتها من الفواصل السابقة واللاحقة. ومنه قوله تعالى: ? مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ? ()، أي: قلاك. وقد تمّ الحذف هنا لكي تتوافق الفاصلة مع بنية الفواصل في السورة، إذ هي مبنية على الألف المقصورة، ولو ظهر المفعول هنا لانكسر هذا النسق الإيقاعي. ويرى د. السيد خضر أن الحذف هنا للمواساة والتخفيف عن النبي ? " حيث ذكر مفعول (ودَّع) وحذف مفعول (قلى)، وذلك ليحدث إيقاعاً في الفاصلة لا ريب، لأن السورة أكثرها بالألف المقصورة " ().
وترى د. عائشة عبد الرحمن أن الحذف هنا تم لنكتة بلاغية هي " تحاشي خطابه تعالى رسوله المصطفى في موقف الإيناس بصريح القول (وما قلاك)، لما في القلى من حس الطرد والإبعاد وشدة البغض، وأما التوديع فلا شيء منه في ذلك " (). وعلى هذه الدلالات تم الحذف للمفعول هنا.
* ومنه حذف الصفة، وذلك مع نية ذكر معناها في موضع الحذف استناداً إلى القرينة، ولو لم يتم ذلك لاختلّ المعنى المقصود. وعليه قوله تعالى: ? أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ? ()، أي: سفينة صالحة. يقول د. طاهر حمودة: " هذا التقدير يقتضيه السياق اللفظي، لأن التعيّب لا يخرجها عن كونها سفينة، وإنما يجعلها غير صالحة في نظر الملك وأتباعه " ().
* وعليه قوله تعالى: ? قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ? ()، أي: الحق الواضح.
- وقوله تعالى: ? وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ? ()، أي: قومك الكافرون.
* ومنه حذف الحال، وذلك إذا كان الحال قولاً أغنى عنه المقول. وعليه قوله تعالى: ? وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ? ()، أي: قائلين، أو داعين.
(يُتْبَعُ)
(/)
- وقوله تعالى: ? جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ? ()، أي: قائلين.
وقد اعترض ابن جني على مثل هذا الحذف للحال بقوله: " لا يحسن، وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها، وما طريقه طريق التوكيد غير لائق به الحذف، لأنه ضد الغرض ونقيضه " ().
غير أنه أجازه في قوله تعالى: ? فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ?، أي: صحيحاً بالغاً، وذلك لدلالة الإجماع والسنة على ذلك، فكانت هذه القرينة هي المسوغة لمثل هذا الحذف ().
ويلاحظ أن حذف الأسماء بأنواعها ومواقعها الإعرابية يدور في إطار الدلالة السياقية، إذ هي الحاكم الأهم، والموجّه لهذا الحذف، وذلك بقرينة الأطر اللفظية أو المقامية.
2 - حذف الأفعال:
يرد حذف الأفعال في اللغة على جهة الجواز والوجوب من خلال اندماجها في سياق تراكيب معينة. فمثلاً في قوله تعالى: ? إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ ? ()، وقع الاسم (السماء) بعد أداة تختص بالدخول على الفعل وهي (إذا)، ولذا قدّر الفعل بين الأداة والاسم بدلالة ذكره بعد الاسم، فيكون التقدير: (إذا انشقت السماءُ انشقت). والفعل المُقَدّر هنا واجب الحذف، ولا يجوز مطلقاً الجمع بين العوض والمُعَوَّض عنه، وهذا رأي الجمهور ().
وتجدر الإشارة إلى أن الكوفيين لا يرون هنا أي حذف، ويجيزون دخول (إذا) على الأسماء ().
* وعلى هذا يخرّج قوله تعالى: ? وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ? ().
* وقوله تعالى: ? إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ? ().
* وقوله تعالى: ? إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ? ().
فالأفعال المحذوفة هنا على غرض الإيجاز والاختصار.
3 - حذف الجمل:
تحذف الجمل في اللغة إرادة للتخفيف، وتجنّباً لطول الكلام بلا فائدة منعاً للتكرار، وقصداً إلى الإيجاز والاختصار. ويلحظ أن حذف الجمل يتم في سياقات الأساليب المركبة من أكثر من جملة مثل أساليب الشرط، والقسم والعطف، والاستفهام. ومن ذلك:
* حذف جواب الشرط في قوله تعالى: ? وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ? ()، فالجواب لم يذكر هنا، وتقديره: أعرضوا. يقول الزمخشري: " جواب إذا محذوف مدلول عليه بقوله: ? إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ? ()، فكأنه قال: وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا " ().
* وقوله تعالى: ? مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً ? ()، فحذف جواب الشرط، والتقدير: إن شكرتم وآمنتم لم يعذبكم، لأن معنى (ما يفعل الله بعذابكم) أي شيء يفعل الله بعذابكم. فما هاهنا مخرجها مخرج الاستفهام. ومعنى الكلام التقرير بأن العذاب لا يكون للشاكر المؤمن، لأن تعذيب الشاكر المؤمن لا غرض فيه لحكيم، فكيف بمن لا تضره المضار، ولا تنفعه المنافع سبحانه وتعالى ().
* ومنه حذف جملة جواب القسم، وذلك إذا تقدّمها أو لابسها ما يغني عن ذكر الجواب. وعليه قوله تعالى: ? وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ? ()، غذ حذف جواب القسم الذي تقديره: لأعذبنّ هؤلاء المعاندين، والدليل على هذا المحذوف ما يلحق من آيات دالة على إهلاك الأقوام المعاندين من الأمم السابقة.
* ومنه قوله تعالى: ? ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ? ()، فحذف جواب القسم، وتقديره: لأهلكنّ، أو لأعذبنّ، والدليل عليه ما يلحق من آيات.
(يُتْبَعُ)
(/)
* ومنه حذف جواب (لو)، كما في قوله تعالى: ? وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً ? ()، إذ تقديره: لكان هذا القرآن. يقول الفراء: " لم يأت بعده جواب للو، فإن شئت جعلت جوابها متقدّماً: (وهم يكفرون ولو أنا أنزلنا عليهم الذي سألوا). وإن شئت كان جوابه متروكاً لأن أمره معلوم. والعرب تحذف في جواب الشيء إذا كان معلوماً، إرادة الإيجاز " ().
* ومنه حذف جواب (لولا)، كما في قوله تعالى: ? وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ? ()، وتقدير الجملة المحذوفة: لما أنزل عليكم ستر هذه الفاحشة. يقول أبو السعود في تعليل هذا الحذف: " وجواب لولا محذوف لتهويله، والإشعار بضيق العبارة عن حصره، كأنه قيل ولولا تفضله تعالى عليكم ورحمته، وأنه تعالى مبالغ في قبول التوبة، حكيم في جميع أفعاله، وأحكامه التي من جملتها ما شرع لكم من حكم اللعان، لكان ما كان مما لا يحيط به نطاق البيان " ().
* ومنه قوله تعالى: ? وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ? ()، والتقدير: لعجّل لكم العذاب. يقول ابن عطية: " جواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه، تقديره: لفضحكم بذنوبكم ولعذبكم فيما أفضتم فيه من قول الباطل والبهتان " ().
وعلى هذا يطرد حذف الجمل في السياقات القرآنية، وما تنعقد عليه من أغراض ودلالات مبتغاة من هذا الحذف، كما أنها تتسق مع تقريرات اللغة في هذا السياق.
كما يتضح أيضاً ما يسهم به التلوين الصوتي بالحذف في سياق الجملة القرآنية من إثراءات دلالية متنوعة، تنسجم في تفريعاتها مع السياقات القرآنية لهذه الجمل، وتتسم بالجمالية النصية في تعاضدها مع النسيج القرآني، لأداء ما يُهْدَف إليه من أغراض ومقاصد.
الهوامش:
1. - د. طاهر حمودة، ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي، 4.
2. - د. أحمد عفيفي، ظاهرة التخفيف، 274.
3. - ينظر: د. طاهر حمودة، ظاهرة الحذف، 95 – 107.
4. - سيبويه، الكتاب، 1/ 153. وينظر: ابن جني، الخصائص، 2/ 360.
5. - سورة النحل: آية رقم (70).
6. - سورة الحج: آية رقم (5).
7. - ينظر: ابن الزبير، ملاك التأويل، 2/ 748.
8. - الكرماني، البرهان في توجيه متشابه القرآن، 222.
9. - سورة مريم: آية رقم (2).
10. - سورة سبأ: آية رقم (15).
11. - سورة الرعد: آية رقم (35).
12. - أبو عبيدة، مجاز القرآن، 1/ 333.
13. - سورة الطلاق: آية رقم (4).
14. - الطبري، جامع البيان، 16/ 184.
15. - ينظر: ابن جني، الخصائص، 2/ 164 – 165. – ابن القيم، بدائع الفوائد، 2/ 24.– ابن عقيل، شرح الألفية، 2/ 62.
16. - سورة البقرة: آية رقم (93).
17. - سورة المائدة: آية رقم (3).
18. - سورة الفجر: آية رقم (22).
19. - سورة القصص: الآيتان رقم (22، 23).
20. - عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 161 - 162.
21. - سورة البقرة: آية رقم (220).
22. - سورة الأنعام: آية رقم (35).
23. - سورة الضحى: آية رقم (3).
24. - د. السيد خضر، الفواصل القرآنية، 128.
25. - د. عائشة عبد الرحمن، الإعجاز البياني في القرآن، 269.
26. - سورة الكهف: آية رقم (79).
27. - د. طاهر حمودة، ظاهرة الحذف، 245.
28. - سورة البقرة: آية رقم (71).
29. - سورة الأنعام: آية رقم (66).
30. - سورة البقرة: آية رقم (127).
31. - سورة الرعد: الآيتان رقم (23، 24).
32. - ابن جني، الخصائص، 2/ 378.
33. - ابن جني، الخصائص، 2/ 379. والآية: سورة البقرة: آية رقم (185).
34. - سورة الانشقاق: آية رقم (1).
35. - ينظر: سيبويه، الكتاب، 3/ 60. – المبرد، المقتضب، 2/ 55. ابن عصفور، المقرب، 2/ 159. – ابن هشام، أوضح المسالك، 4/ 204.
36. - ينظر: بن عقيل، شرح الألفية، 1/ 401.
37. - سورة التوبة: آية رقم (6).
38. - سورة التكوير: الآيات من (1 – 13).
39. - سورة الانفطار: الآيات من (1 – 4).
40. - سورة يس: آية رقم (45).
41. - سورة يس: آية رقم (46).
42. - الزمخشري، الكشاف، 4/ 19.
43. - سورة النساء: آية رقم (147).
44. - ابن الشجري، الأمالي، 1/ 355.
45. - سورة الفجر: الآيتان رقم (1، 2).
46. - سورة ق: آية رقم (1).
47. - سورة الرعد: آية رقم (31).
48. - الفراء، معاني القرآن، 2/ 63.
49. - سورة النور: آية رقم (10).
50. - أبو السعود، إرشاد العقل السليم، 6/ 116.
51. - سورة النور: آية رقم (20).
52. - ابن عطية، المحرر الوجيز، 4/ 145.(/)
إضاءات في المقصود بالقراءات القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 05:41 م]ـ
إضاءات في المقصود بالقراءات القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ – مصر
القراءات القرآنية المتواترة بكل ما تحويه من ثراء لغوي وبلاغي، وما ترتّب عليها من أحكام فقهية وتشريعية، هي في مجملها تلوين صوتي مناسب وملائم لما تقتضيه طبيعة المدرج الصوتي لكل قبيلة من المسلمين إبّان عهد المصطفي ?، إذ كان من الشيء الصعب أن تقوم كل قبيلة منها باعتماد لهجة قريش والتخلّي عن لسانها، مخالفة بذلك سنّة الطبيعة البشرية التي تنفر من التغيير الفجائي. ولذا كان التيسير الإلهي على أمة المصطفي ? بقراءة القرآن الكريم على سبعة أحرف تناسب - بما تحويه من ألوان صوتية، وتوسعات نطقية – لسان كل قبيلة، وما ذاك إلا مراعاة إلهية جليلة لأحوال البشر في طبائعهم.
والزمن الذي نشأت فيه القراءات القرآنية، هو نفسه زمن نزول القرآن الكريم، ضرورة أن هذه القراءات قرآن نزل من عند الله فلم تكن من اجتهاد أحد، بل هي وحى أوحاه الله تعالي إلي نبيه ?، وقد نقلها عنه أصحابه الكرام - رضي الله عنهم - حتى وصلت إلي الأئمة القراء، فوضعوا أصولها، وقعّدوا قواعدها، في ضوء ما وصل إليهم، منقولاً عن النبي ?. وعلي ذلك، فالمعول عليه في القراءات، إنما هو التلقي بطريق التواتر، جمعٌ عن جمعٍ يؤْمَن عدم تواطؤهم علي الكذب، وصولاً إلي النبي ?. أو التلقي عن طريق نقل الثقة عن الثقة وصولاً كذلك إلي النبي ?.
وانطلاقاً من ذلك فإن إضافة هذه القراءات إلي أفراد معينين، هم القراء الذين قرأوا بها، ليس لأنهم هم الذين وضعوها أو اجتهدوا في تأليفها، بل هم حلقة في سلسلة من الرجال الثقات الذين رووا هذه الروايات ونقلوها عن أسلافهم، انتهاءً بالنبي ?، الذي تلقّاها وحياً عن ربه ?. وإنما نسبت القراءات إلي القراء لأنهم هم الذين اعتنوا بها وضبطوها ووضعوا لها القواعد والأصول.
ما سبب اختلاف القراءات؟
لقد عرفنا فيما مضى أن هذه القراءات منقولة عن النبي ?، ومعنى ذلك أن الوحي قد نزل بها من عند الله. والإجابة عن السؤال المطروح، لمسها الصحابة وقت نزول القرآن واقعاً لا نظرية، وذلك أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا من قبائل عديدة، وأماكن مختلفة، وكما هو معروف أنه كما تختلف العادات والطباع باختلاف البيئات، فهكذا اللغة أيضاً، إذ تنفرد كل بيئة ببعض الألفاظ التي قد لا تتوارد علي لهجات بيئات أخرى، مع أن هذه البيئات جميعها تنضوي داخل إطار لغة واحدة، وهكذا كان الأمر، الصحابة عرب خلص بيد أن اختلاف قبائلهم ومواطنهم أدى إلي انفراد كل قبيلة ببعض الألفاظ التي قد لا تعرفها القبائل الأخرى مع أن الجميع عرب، والقرآن الكريم جاء يخاطب الجميع، لذلك راعى القرآن الكريم هذا الأمر، فجاءت قراءاته المتعددة موائمة لمجموع من يتلقون القرآن، فالتيسير علي الأمة، والتهوين عليها هو السبب في تعدد القراءات.
والأحاديث المتواترة الواردة حول نزول القرآن علي سبعة أحرف تدل علي ذلك:
* جاء في الصحيحين: عن ابن عباس ? أن رسول الله ? قال: " أقرأني جبريل علي حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهي إلي سبعة أحرف " (). وزاد مسلم: " قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة في الأمر الذي يكون واحداً لا يختلف في حلال ولا حرام" ().
* وأخرج مسلم بسنده عن أبي بن كعب، أن النبي ? كان عند أَضَاة بنى غفار () قال: " فأتاه جبريل ? فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن علي حرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن علي حرفين، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن علي ثلاثة أحرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن علي سبعة أحرف. فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا " ().
والأحاديث الواردة في هذا المقام كثيرة. ويؤخذ من ذلك ما يلي:
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - إن الأحرف السبعة جميعها قرآن نزل من عند الله، لا مجال للاجتهاد فيها.
2 - أن السبب في هذه التوسعة هو التهوين علي الأمة، والتيسير عليها في قراءة القرآن الكريم.
المراد بالأحرف السبعة:
أقوال عديدة ساقها العلماء حول مفهوم الأحرف السبعة، التي تواترت الأحاديث في إثبات أن القرآن نزل عليها، الأمر الذي جعل بعض العلماء يفر من ميدان النزال، ويقول: إن الحديث مشكل. والأقوال الواردة في هذا المقام أكثرها لا تستحق لضعفها أن نعول عليها في مقامنا هذا، ويكفينا هنا أن نشير إلي ما يستحق الذكر، ويستأهل أن ينظر إليه بعين الاعتبار، وذلك متوافر في رأيين:
أحدهما: هو ما ذكره ابن قتيبة. وحاصله أن الأحرف السبعة هي سبعة أوجه لا يخرج عنها الاختلاف في القراءات، وهي:
1 - اختلاف الأسماء من إفراد، وتثنية، وجمع، وتذكير، وتأنيث.
2 - اختلاف تصريف الأفعال من ماضٍ ومضارع وأمر.
3 - اختلاف وجوه الإعراب.
4 - الاختلاف بالنقص والزيادة.
5 - الاختلاف بالتقديم والتأخير.
6 - الاختلاف بالإبدال.
7 - اختلاف اللغات -أي اللهجات- كالفتح والإمالة، والتفخيم، والترقيق، والإظهار والإدغام ().
وقد تعصب لهذا الرأي صاحب المناهل وساق الأمثلة لكل وجه من الوجوه المذكورة، ورجحه علي غيره مقرراً أنه الرأي الذي تؤيده الأحاديث الواردة في المقام، وأنه الرأي المعتمد علي الاستقراء التام دون غيره ().
وثانيهما: وهو ما ذهب إليه سفيان بن عيينة، وابن جرير، وابن وهب، والقرطبي، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء () وحاصله: أن المراد بالأحرف السبعة هي سبع لغات في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ مع اتفاق المعاني وتقاربها، مثل: هلّم، وأقبل، وتعال، إليَّ، وقصْدي، ونحْوى، وقُرْبِى. فإن هذه سبعة ألفاظ مختلفة، يعبر بها عن معنى واحد، هو طلب الإقبال. وليس معنى ذلك أن كل معنى في القرآن عبر عنه بسبعة ألفاظ من سبع لغات، بل المراد أن منتهي ما يصل إليه عدد الألفاظ المعبرة عن معنى واحد هو سبعة. وأصحاب هذا الرأي أيدوا كلامهم بأن التيسير المنصوص عليه في الأحاديث متوفر في هذا الرأي. ورد أصحاب هذا الرأي كذلك علي الاعتراضات الموجهة إلي رأيهم ردوداً مقبولة.
وبناءً علي هذا الرأي الأول تكون القراءات التي رواها القراء بوجوه متعددة راجعة إلي الأحرف السبعة. وبناءً علي الرأي الثاني تكون راجعة إلي حرف واحد وهو حرف قريش، الذي نسخت عليه المصاحف العثمانية.
النسبة بين الأحرف السبعة والقراءات السبع:
نسبة القراءات السبع إلي الأحرف السبعة هي نسبة الخاص إلي العام، فالأحرف السبعة تشمل جميع القراءات بما فيها السبع. ومن يعتقد أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة، فقد أبان عن جهله، وكشف النقاب عن قلة إدراكه؛ لأن هؤلاء القراء السبعة وهم: ابن عامر، وابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، ونافع، وأبو الحسن الكسائي.
وهؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد ولدوا حين ذكر النبي ? الأحرف السبعة، فهل معنى ذلك أن حديث النبي ? "أنزل القرآن علي سبعة أحرف" كان عارياً من الفائدة، وبعيداً عن الواقع، إلي أن ظهر هؤلاء القراء، وماذا فهم الصحابة إذن من الحديث؟ فما أبعد هذا القول عن الواقع!!
أقسام القراءات وبيان ما يقبل منها ومالا يقبل:
يفصّل ابن الجزري أنواع القراءات إلى ستة أنواع هي ():
الأول: المتواتر؛ وهو ما نقله جمْع لا يمكن تواطؤهم علي الكذب، عن مثلهم إلي منتهاه، حتى يبلغوا به النبي ?، ومثاله ما اتفقت الطرق علي نقله عن السبعة - أو غيرهم - وهذا هو الغالب في القراءات.
الثاني: المشهور؛ وهو ما صح سنده بأن رواه العدل الضابط عن مثله وهكذا، ووافق العربية ولو بوجه، ووافق رسم المصحف العثماني، واشتهر عند القراء فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ، إلا أنه لم يبلغ درجة المتواتر. ومثاله ما اختلفت الطرق في نقله عن السبعة، فرواه بعض الرواة عنهم دون بعض، وقد ذكر كثيراً من هذا النوع الداني في التيسير والشاطبي في الشاطبية، وغيرهما. وهذان النوعان، هما اللذان يقرأ بهما، مع وجوب اعتقادهما ولا يجوز إنكار شيء منهما.
(يُتْبَعُ)
(/)
الثالث: ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، وهذا النوع لا يقرأ به ولا يجب اعتقاده، ومثاله قراءة: ? مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ? ()، بجمع كلمتي (رفرف) و (عبقري) على (رفارف) و (عباقري).
الرابع: الشاذ، وهو ما لم يصح سنده، قراءة ابن السَّميفع ?فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً? ()، بالحاء المهملة في كلمة (ننجيك)، وبفتح اللام من كلمة (خَلَفك).
الخامس: الموضوع، وهو ما نسب إلي قائله من غير أصل، مثل القراءات التي جمعها محمد بن جعفر الخزاعى، ونسبها إلي أبي حنيفة.
السادس: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءات علي وجه التفسير، كقراءة سعد بن أبي وقاص ? وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ من أم ? ()، بزيادة لفظ (من أم).
ومن خلال هذا النقل نخلص إلي أن النوعين الأولين هما اللذان يقرأ بهما وأما غيرهما فلا. والنوع الأول وهو المتواتر مقطوع بقرآنيته بلا نزاع. أما النوع الثاني وهو المشهور الذي اتفقت فيه الضوابط الثلاثة المذكورة وهي؛ صحة السند، وموافقة اللغة العربية ولو بوجه، وموافقة الرسم العثماني ولو احتمالاً، فهذا النوع لم يوافق عليه بعض العلماء، بل اشترطوا التواتر دون صحة السند، أي لم يكتفوا بصحة السند. وهذا مما لا يخفي ما فيه، فإن التواتر إذا ثبت، لا يحتاج فيه إلي الركنين الأخيرين من العربية والرسم، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواتراً عن النبي - صلي الله عليه وسلم - وجب قبوله والقطع بكونه قرآناً سواء وافق الرسم أو لا ().
وقد حاول البعض تقريب وجهة النظر حول قبول هذه القراءة، أو عدم قبولها، بقوله: " إن هذا القسم - يعنى الذي استجمع الأركان الثلاثة المذكورة - يتنوع إلي نوعين:
الأول: ضرب أو نوع استفاض نقله وتلقته الأمة بالقبول، وهو يلحق بالمتواتر من حيث قبوله والعمل بمقتضاه؛ لأنه وإن كان من قبيل الآحاد إلا أنه احتفت به قرائن جعلته يفيد العلم لا الظن.
والنوع الثاني: وهو ما لم تتلقه الأمة بالقبول ولم يستفض، وهذا فيه خلاف بين العلماء، من حيث قبوله، والقراءة به، أو عدم ذلك، والأكثرون علي قبوله " ().
أوجه الاختلاف بين القراءات الثابتة:
سبق أن قررنا أن القراءات مرجعها النقل الثابت عن النبي ? ولذلك، لم يكن الاختلاف بينها علي سبيل التضاد في المعاني، بل القراءة إما مؤكدة لغيرها، أو موضحة، أو مضيفة إليها معنى جديداً، فتكون كل قراءة بالنسبة للأخرى، بمنزلة الآية مع الآية. وكما أن الاختلاف بين هذه القراءات لم يكن علي سبيل التضاد في المعاني، فإنه كذلك لم يكن علي سبيل التباين في الألفاظ، وقد تم حصر أوجه الاختلاف بين القراءات في الوجوه الآتية:
الأول: الاختلاف في شكل آخر الكلمات، أو بنيتها، مما يجعلها جميعاً في دائرة العربية الفصحى، بل أفصح هذه اللغة، المتسقة في ألفاظها، وتآخى عباراتها، ورنة موسيقاها، والتواؤم بين ألفاظها ومعانيها.
الثاني: الاختلاف في المد في الحروف، من حيث الطول والقصر، وكون المد لازماً أو غير لازم، وكل ذلك مع التآخي في النطق في القراءة الواحدة، فكل قراءة متناسقة في ألفاظها من حيث البنية للكلمة، ومن حيث طول المد أو قصره.
الثالث: الاختلاف من حيث الإمالة، أو عدمها في الحروف، كالوقوف بالإمالة في التاء المربوطة، أو عدم الإمالة فيها.
الرابع: الاختلاف من حيث النقط ومن حيث شكل البنية في مثل قوله تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا? ()، حيث قرئ متواتراً (فتثبَّتُوا) (). ومع ذلك فالقراءتان متلاقتيان في المعنى، فالأولي طالبت بالتبيّن المطلق، والأخرى بينت طريق التبيّن، وهو التثبت بتحري الإثبات.
(يُتْبَعُ)
(/)
الخامس: زيادة بعض الحروف في قراءة، ونقصها في أخرى، مثل قراءة ابن عامر - وهو أحد السبعة - ?َقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ? ()، بدون واو قبل (قالوا)، في حين قرأ الباقون بالواو هكذا (وقالوا اتخذ الله ولدا) (). ومثل ذلك قراءة ابن كثير - وهو أحد القراء السبعة - ? وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ? () بزيادة (من)، في حين قرأ الباقون (تجرى تحتها الأنهار) ().
فإن قيل: ما الثابت من القراءتين في المصحف العثماني؟ فالردّ أنّ المصاحف العثمانية - وعددها ستة أو سبعة - أثبت فيها كل ما يحتمله الرسم بطريقة واحدة ()، وأما ما لا يحتمله الرسم كالزيادة والنقصان، فإنه كان يثبت في بعض المصاحف بقراءة، وفي بعضها بقراءة أخرى. يقول القرطبي مفصّلاً القول في ذلك: " وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم، وينقصها بعضهم، فذلك لأن كلاً منهم اعتمد علي ما بلغه في مصحفه ورواه، إذ كان عثمان كتب تلك المواضع في بعض النسخ، ولم يكتبها في بعض، إشعاراً بأن كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة " ().
فوائد اختلاف القراءات:
مسألة اختلاف القراءات وتعددها، كانت ولا زالت محل اهتمام العلماء، ومن اهتمامهم بها بحثهم عن الحكم والفوائد المترتبة عليها، وهي عديدة نذكر الآن بعضاً منها:
1 - التيسير علي الأمة الإسلامية، ونخص منها الأمة العربية التي شوفهت بالقرآن، فقد نزل القرآن الكريم باللسان العربي، والعرب يومئذٍ قبائل كثيرة، مختلفة اللهجات، فراعى القرآن الكريم ذلك، فيما تختلف فيه لهجات هذه القبائل، فأنزل فيه - أي بين قراءاته - ما يواكب هذه القبائل علي تعددها دفعاً للمشقة عنهم، وبذلاً لليسر والتهوين عليهم.
2 - الجمع بين حكمين مختلفين مثل قوله تعالي: ? فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ ? ()، حيث قرئ (يطهرن) بتخفيف الطاء وتشديدها (). ومجموع القراءتين يفيد أن الحائض، لا يجوز أن يقربها زوجها إلا إذا طهرت بأمرين: انقطاع الدم، والاغتسال.
3 - الدلالة علي حكمين شرعيين في حالين مختلفين، ومثال ذلك قوله تعالي: ?فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ? () حيث قُرِئَ (وأرجلَكم) بالنصب عطفاً علي (وجوهَكم) وهي تقتضى غسل الأرجل، لعطفها علي مغسول وهي الوجوه. وقُرِئَ (وأرجِلِكم) بالجر عطفاً علي (رءوسِكم) (). وهذه القراءة تقتضى مسح الأرجل، لعطفها علي ممسوح وهو الرءوس. وفي ذلك إقرار لحكم المسح علي الخفين.
4 - دفع توهم ما ليس مراداً: ومثال ذلك قوله تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ? () حيث قرئ (فامضوا إلي ذكر الله) (). وفي ذلك دفع لتوهم وجوب السرعة في المشي إلي صلاة الجمعة المفهوم من القراءة الأولي، حيث بينت القراءة الثانية أن المراد مجرد الذهاب ().
5 - إظهار كمال الإعجاز بغاية الإيجاز، حيث إن كل قراءة مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، وذلك من دلائل الإعجاز في القرآن الكريم، حيث دلت كل قراءة علي ما تدل عليه آية مستقلة.
6 - اتصال سند هذه القراءات علامة علي اتصال الأمة بالسند الإلهي، فإن قراءة اللفظ الواحد بقراءات مختلفة، مع اتحاد خطه وخلوه من النقط والشكل، إنما يتوقف علي السماع والتلقي والرواية، بل بعد نقط المصحف وشكله؛ لأن الألفاظ إنما نقطت وشكلت في المصحف علي وجه واحد فقط، وباقي الأوجه متوقف علي السند والرواية إلي يومنا هذا. وفي ذلك منقبة عظيمة لهذه الأمة المحمدية بسبب إسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السند بالسند الإلهي، فكان ذلك تخصيصاً بالفضل لهذه الأمة ().
7 - في تعدد القراءات تعظيم لأجر الأمة في حفظها والعناية بجمعها ونقلها بأمانة إلي غيرهم، ونقلها بضبطها مع كمال العناية بهذا الضبط إلي الحد الذي حاز الإعجاب ().
(يُتْبَعُ)
(/)
وانطلاقاً من هذا التبيان لتفصيلات القراءات القرآنية وأهميتها القصوي في مجال الدراسات القرآنية، فإننا نسترشد بسناها البراق في سعينا المنشود لإدراك ما تزخر به من تلوينات صوتية تؤثّر بدورها في إثراء الدلالة القرآنية، وتسهم في زكاء تفريعاتها البلاغية في تعاضدها مع سياقات هذه الآيات.
الهوامش:
1. - ينظر: صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن علي سبعة أحرف، 9/ 20.
2. - ينظر: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسفرين، باب بيان أن القرآن أنزل علي سبعة أحرف، 2/ 202.
3. - مستنقع ماء كالغدير، كان بموضع بالمدينة نزل عنده بنو غفار فنسب إليهم.
4. - ينظر صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن علي سبعة أحرف، 1/ 392.
5. - ينظر: ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، 36 - 38.
6. - ينظر: عبد العظيم الزرقاني، مناهل العرفان، 1/ 155 – 157.
7. - ينظر: السيوطي، الإتقان، 1/ 48.- الزرقاني، مناهل العرفان، 1/ 174
8. - ينظر: ابن الجزري، النشر، 1/ 54 – 75.
9. - سورة الرحمن: آية رقم (76). وهي قراءة ابن محيصن. ينظر: القباقبي، إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز في القراءات الأربعة عشر، تحقيق: د. أحمد شكري، دار عمار، الأردن، 2003، 685.
10. - سورة يونس: آية رقم (92). وينظر: ابن الجزري، النشر، 1/ 75.
11. - سورة النساء: آية رقم (12). وينظر: ابن الجزري، النشر، 1/ 54.
12. - ينظر: السيوطي، الإتقان،1/ 78.
13. - الزرقاني، مناهل العرفان، 1/ 467.
14. - سورة الحجرات: آية رقم (6). قراءة الجمهور عدا حمزة والكسائي. ينظر: ابن الجزري، النشر، 2/ 375.
15. - هي قراءة حمزة الزيات والكسائي. ينظر: ابن خلف، العنوان في القراءات، 178. – ابن الجزري، النشر، 2/ 377.
16. - سورة البقرة: آية رقم (116).
17. - ينظر: الفارسي، الحجة، 2/ 202. – الداني، المقنع، 102. – ابن الفحام، التجريد، 191.
18. - سورة التوبة: آية رقم (100). ينظر: ابن الجزري، النشر، 2/ 280.
19. - ينظر: ابن مجاهد، السبعة، 312. – ابن الباذش، الإقناع، 2/ 658.
20. - أعنى طريقة واحدة تجمع القراءات الواردة في الكلمة مثل قوله تعالي: {ملك يوم الدين} الفاتحة: 4، فإن كلمة {ملك} كتبت بهذه الطريقة لتشمل قراءتي {مالك} و {ملك} وهكذا كلمة {فتبينوا} الحجرات: 6. حيث كتبت هكذا لتشمل قراءتي {فتثبتوا} و {فتبينوا} حيث كان الرسم خاليا من النقط والشكل.
21. - القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1/ 47.
22. - سورة البقرة: آية رقم (222).
23. - قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بتشديد الطاء والهاء، وقرأ الباقي بتخفيفهما. ينظر: ابن الفحام، التجريد، 197.- ابن الباذش، الإقناع، 2/ 605.
24. - سورة المائدة: آية رقم (6).
25. - قراءة النصب هي قراءة نافع والكسائي وابن عامر وحفص، وقرأ الباقون بالجرّ. ينظر: ابن الفحام، التجريد، 213. - ابن الباذش، الإقناع، 2/ 634.– القباقبي، إيضاح الرموز، 357. – ابن الجزري، النشر، 1/ 65.
26. - سورة الجمعة: آية رقم (9).
27. - هي قراءة جمع من الكرام منهم علي بن أبي طالب، وعمر ابن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله. وينظر: ابن جني، المحتسب، 2/ 322. ابن الجزري، النشر، 1/ 74.
28. - ينظر: الزرقاني، مناهل العرفان، 1/ 147، 148.
29. - ينظر: د. محمد العسال، جواهر البيان في علوم القرآن، دار البشير، القاهرة، 1997، 94.
30. - ينظر: د. محمد بكر إسماعيل، دراسات في علوم القرآن، دار الطباعة المحمدية، القاهرة، 1995، 132.
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 12:06 ص]ـ
تبارك الله، بوركت يا أرض الكنانة، يا مبعث العلم، ومهد العلماء، جزاك الله خيرا د/ ابن عبد العزيز الرجداوي، مشاركاتكم لها مذاقها الخاص الدال على العمق والفهم، وغزارة المعرفة، لا حرمنا الله من أمثالك
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 12:12 ص]ـ
لكني أريد من فضيلتك يا دكتور أسامة، لو تكرمت أن تعطيني خلاصة قصيرة جدا جدا للفرق الجوهري بين الأحرف السبعة والقراءات السبعة، وهل لا تزال الأحرف موجودة أم ذهب منها شيء، وتبقى ما يحتمله رسم المصحف، لأن هناك لبسا شديدا عند الكثيرين بين الأحرف السبعة والقراءات السبعة، إذ يظنون أن القراءات السبعة هي الأحرف السبة، فلو تكرمت وضح لنا، وجزاك الله خيرا
ـ[ناجى أحمد اسكندر]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 03:45 ص]ـ
جزاكم الله كل خير شيوخنا الأجلاء الأفاضل واا فخور جداً بمشاركة امثالكم معنا فى منتدى الفصيح وليتكم تجتهدون فى مشاركاتكم الغزيرة بالعلم ومناقشاتكم الفياضة والله المستعان.(/)
التلوين بالتعريف والتنكير في القراءات القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 05:43 م]ـ
التلوين بالتعريف والتنكير في القراءات القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ – مصر
قد يكون التعبير بالنكرة مقصوداً في موضع معيَّن من السياق، ولا يؤدي معناها لفظ آخر في هذا المقام، ذلك لأن مقتضيات السياق ومحدّدات المعنى هي الأساس الأول الذي تعتمد عليه إنشائية التراكيب في العربية. والأمر ذاته ينطبق على مواضع اختيار المفردة في التعريف في هذه السياقات التركيبية.
ومبدأ المصادفة لا يمكن أن يُؤْخَذ به في مثل هذه السياقات، لأن المصادفة معناها فشل المبدع في السيطرة على نصه، واعتماده مبدأ العشوائية أساساً لإبداعه الذي لا يستحق حينئذ الوصف بأنه إبداع، وهذا في كلام البشر، فما بالنا بكلام رب البشر.
وقد سبق الحديث عن فنية التوظيف الجمالي التي سار عليها النص القرآني في توظيفه لسياقات التعريف والتنكير داخل البنى التركيبية للنص القرآني. يقول د. صلاح الخالدي: " إنّ مجيء لفظ في القرآن معرفة، ومجيء لفظ آخر نكرة، ومجيء لفظ في موضع معرفة ونكرة في موضع آخر، لم يكن مصادفة في القرآن، إنما هو مقصود في كل موضع، وجيء به على تلك الحالة لينسجم مع السياق الذي ورد فيه، ويتناسق معه " ().
وليس من سبيل إلى فهم أسرار هذا التلوين سوى تدبّر سبل الأداء لهذا السياق، ومفرداته التركيبية في ضوء النظم الكلي لهذه السياقات.
والقراءات القرآنية وظّفت هذه الفنية الجمالية بدقة متناهية، انسجمت مع محدّدات السياق ومتطلبات المعنى، وأثمرت في تعاضدها مع النسيج القرآني في إثراء الدلالة المبتغاة من توظيف مثل هذا التلوين بالتعريف والتنكير.
* فمن ذلك مثلاً قراءة كلمة (حياة) () بالتعريف والتنكير في قوله تعالى:? وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ? (). فما الدلالات الجمالية التي يمكن الخروج بها من مثل هذا التلوين في الكلمة؟
إنّ قراءة الكلمة على التنكير (حياة) تستمد من سياقاتها الدلالة على التحقير، إذ إن اليهود أشدّ حرصاً على مثل هذه الحياة مهما تكن قيمتها، فهم أهل دنيا. ويرى الزمخشري أن مثل هذا التنكير للكلمة مبعثه إظهار شغفهم بهذه الحياة المنكرة: " لأنه أراد حياة مخصوصة، وهي الحياة المتطاولة " ().
وهذا التنكير للكلمة يفيد تصوير مدى الحرص الذي عليه اليهود لهذه الحياة، وتمنيهم أن لو امتدت بهم ألف سنة. وهم في هذا الحرص يريدون أي يحيوا أي حياة، ولا يهمهم نوعها أو ما فيها، فقط ما يهمهم هو أن يحيوها.
ويرى أبو حيان أن المعنى في الآية على تقدير حذف مضاف قبل كلمة (حياة)، أي: طول حياة، أو على تقدير حذف صفة، أي: حياة طويلة، حتى أنه " لو لم يقَدَّر حذف لصحّ المعنى، وهو أن يكون أحرص الناس على مطلق حياة، لأن من كان أحرص الناس على مطلق حياة، وهو تحققها بأدنى زمن، فلأن يكون أحرص على حياة واحدة أولى، وكانوا قد ذُمّوا بأنهم أشد الناس على حياة ولو ساعة واحدة " ().
ويعلل ابن النقيب التنكير بأنه من منطق أن هذا الحرص بأي صورة هو على الحياة المستقبلة، وليست الحياة عموماً في شتى صورها. يقول: " فائدة التنكير أن الحريص لا بد وأن يكون حيّاً، وحرصه لا يكون على الحياة الماضية والراهنة، بل على الحياة المستقبلة. ولماّ لم يكن الحرص متعلقاً بالحياة على الإطلاق بل بالحياة في بعض الأحوال، لا جرم جاءت بلفظ التنكير " ().
فبهذه المعاني والدلالات تُخَرَّّج قراءة الكلمة على التنكير، إفادة لدلالة التحقير لهذه الحياة أيا كان نوعها.
أما قراءة الكلمة بالتعريف (الحياة) في قراءة أبي بن كعب فإنها قائمة على ذكر المعهود لدى هؤلاء اليهود من الحياة الدنيا الدنيّة، أي أنّ التعريف هنا دالّ على تحديد نوعية هذه الحياة، وبيان حقارتها ().
ويرى عبد القاهر الجرجاني فائدة هذا التعريف لكلمة (الحياة) في الآية بأنه " يصلح حيث تراد الحياة على الإطلاق كقولنا: كلّ أحد يحبُّ الحياة، ويكره الموت. كذلك الحكم في الآية " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
فالمعنى المستفاد من هذا التعريف هو الدلالة على مطلق الحياة المحروص عليها دون تحديد لماهيتها أو كنهها، أي إنها بهذا الوصف ضاربة في الهوان والتحقير.
* ومن ذلك قراءة كلمة (الحقّ) () بالتعريف والتنكير في قوله تعالى: ? وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ? ().
فالكلمة على قراءة الجمهور نكرة منونة مسبوقة بهمزة الاستفهام، وعلى قراءة الأعمش هي معرفة مسبوقة بهمزة الاستفهام. ويرى ابن جني أن فائدة تنكير الكلمة أو تعريفها تتساوى، وذلك لأن " الأجناس تتساوى فائدتا معرفتها ونكرتها في نحو هذا، وتقول: ثِِقْ بأمانِ الله، وثِِقْ بالأمان من الله، وهذا الحقّ، وهذا حقٌّ، وهذا صِدق، وهذا الصدق. ومنه قولهم: خرجتُ فإذا بالباب أسد، وإذا بالباب الأسد، المعنى واحد، ووضع اللفظ مختلف، وسبب ذلك كون الموضع جنساً " ().
فالكلمة دالة على جنس هو (الحقّ)، ولذا تساوت الفائدة المرجوة من تعريفه أو تنكيره عند ابن جني.
ويجعل الزمخشري مناط الأمر في توجيه دلالة الاستفهام في الآية، فيجعله محوراً ارتكازياً للمعنى، يرتبط في تشابكه النصي مع تعريف الكلمة أو تنكيرها. فهو يرى أن الاستفهام " على جهة الإنكار والاستهزاء. وقرأ الأعمش: آلحق هو. وهو أدخل في الاستهزاء لتضمنه معنى التعريض بأنه باطل، وذلك أن اللام للجنس، فكأنه قيل: أهو الحق لا الباطل؟ أو هو الذي سَمّيْتُمُوه الحق " ().
ويرى بعض الباحثين المحدثين أم معنى التعريض الذي أشار إليه الزمخشري هو محور الدلالة النصية في الآية إذ تضافر على " إبراز معنى التعريض بكون ما أخبر به ? في زعمهم باطلاً، ذلك التقدير الإعرابي الذي ارتآه الزمخشري، إذ جعل (الحق) خبراً مقدّماً، فأفاد قصر المسند على المسند إليه، وفي ذلك خلاف بين البلاغيين. لكن الحق الذي نعتقده هو أنّ قراءة الجمهور تحتمل هذا المعنى بلا أدنى تمحّل، إذا قدّرنا (هو) مبتدأ، و (حقّ) خبره مقدّماً، فضلاً عن كونه جنساً يستوي تعريفه وتنكيره " ().
وعلى هذا فإن القراءتين تحتملان دلالات التعريف و التنكير في سياق الآية، وتتضافران معاً مع سياق الاستفهام فيها بما يخدم هذه الدلالات.
* ومن ذلك أيضاً قراءة كلمة (زينة) () بالتعريف والتنكير في قوله تعالى: ? إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ? (). ويمكننا تفصيل القراءات في هذه الكلمة على النحو التالي:
الأولى: تنوين كلمة (زينة)، وجرّ كلمة (الكواكب) على البداية. وهي قراءة حمزة وحفص عن عاصم.
والثانية: تنوين كلمة (زينة)، ونصب كلمة (الكواكب) على المفعولية بتقدير فعل. وهي قراءة أبو بكر عن عاصم.
والثالثة: قراءتها على الإضافة (زينة الكواكب)، وهي قراءة أغلب القراء.
وعلى هذا فإنّ القراءتين الأولى والثانية تدخل ضمن فنية (التنكير) لإبراز قيمة هذه الزينة وجمالها في سياق الآية. أما القراءة الثالثة فهي منعقدة على معاضدة فنية التعريف بالإضافة المستفادة من إبهام كلمة (زينة) ثم إيضاحها بالمضاف إليه كلمة (الكواكب)، وتحديد شكل هذه الزينة في هذا النوع فقط دون غيره، فتقع كلمة (الكواكب) بياناًًًًًًَ لهذا الإبهام في كلمة (زينة) ().
كما أنّ الجمالية المتوخاة من التعريف والتنكير لهذه المفردة تدور في فلك التعظيم لهذه الزينة حين تنكيرها ثم تعقيبها بما يبيّن فحواها. وكذلك على دلالة الإيضاح لما سبق إبهامه وذلك بالإضافة البيانية لهذه المفردة. وكلا التخريجين يتسقان مع سياق الآية، وتوجهات الدلالة فيها.
ويطّرد بنا الأمر لو حاولنا استقراء كلّ ما عنّ في القراءات القرآنية من تلوينات بالتعريف والتنكير، لكن يجدر بنا أن نؤكد على أن هذه القراءات القرآنية المتواترة بما تحمله من فنيات تلوينية بالتعريف والتنكير إنما تتكئ في محتواها على خطاب السياق، ومحددات الدلالة القرآنية في هذا السياق، وهذا ما نلمحه حين التوجيه البلاغي لهذه الفنيات التلوينية في هذه القراءات.
الهوامش:
1. - د. صلاح الخالدي، إعجاز القرآن البياني، 230.
2. - قرأها الجمهور نكرة منونة، وقرأها أبي بن كعب بالألف واللام. ينظر: أبو حيان، البحر المحيط، 1/ 313.
3. - سورة البقرة: آية رقم (96).
4. - الزمخشري، الكشاف، 1/ 168.
5. - أبو حيان، البحر المحيط، 1/ 313.
6. - ابن النقيب، مقدمة التفسير، 143.
7. - ينظر: الشهاب الخفاجي، حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي، دار صادر، بيروت، 1987، 2/ 209. – الشوكاني، فتح القدير، 1/ 115.
8. - عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 289.
9. - قرأها الجمهور نكرة منونة، وقرأها الأعمش معرّفة بالألف واللام. ينظر: ابن جني، المحتسب، 1/ 312. – أبو حيان، البحر المحيط، 5/ 168.
10. - سورة يونس: آية رقم (53).
11. - ابن جني، المحتسب، 1/ 312، 313.
12. - الزمخشري، الكشاف، 2/ 352.
13. - د. أحمد سعد، التوجيه البلاغي للقراءات القرآنية، مكتبة الآداب، القاهرة، ط2، 2000، 144.
14. - قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي بالتعريف بالإضافة، وقرأها حمزة وحفص عن عاصم بتنوين كلمة (زينة) وجرّ كلمة (الكواكب). ينظر: ابن مجاهد، السبعة، 546. مكي، مشكل إعراب القرآن، 3/ 238. – ابن الجزري، النشر، 2/ 356. – الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر، 2/ 407.
15. - سورة الصافات: آية رقم (6).
16. - ينظر: الزمخشري، الكشاف، 4/ 34. – أبو السعود، إرشاد ذوي العقل السليم، 4/ 527. أبو حيان، البحر، 7/ 352.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 05:06 م]ـ
رائع أخي الكريم
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 01:03 م]ـ
بارك الله لك دكتور اسامة، أنت دائما متألق متجدد، نأمل منك الزيادة من هذه الدر الغوالي التي لا يدرك قيمتها إلا عشاق الكتاب الحكيم، تمنياتي لك بدوام التوفيق
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[30 - 07 - 2008, 01:04 ص]ـ
الكريم محمد شلبي جوزيت الخير كله، وبوركت سيدي على هذه المشاعر الطيبة الندية، وأوتيت من كل خير وبر وفضل ..(/)
تلوينات التغاير التصريفي في القراءات القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 05:45 م]ـ
تلوينات التغاير التصريفي في القراءات القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ – مصر
يميل بعض الناس إلى تخفيف الكلام توفيراً للجهد العضلي، وقصداً إلى التيسير الأدائي، فينزعون إلى تغيير بعض الأصوات ما أمكنهم التخفيف في نطقها، وتحقيق الانسجام فيما بينها. ويظهر هذا التغيير في بعض الصيغ، فيكون في صدر الكلمة أو في حشوها أو آخرها. وهذا التخفيف معروف لدى القدماء، ومشهور لدي أهل النحو بألفاظ متعددة منها؛ المضارعة، والمقاربة، والتقريب، والإتباع (). وهذه التغييرات في جوهرها مجرد أحوال عارضة تطرأ على الملفوظ لغرض صوتي ودلالي معاً.
والقراءات القرآنية توظف هذا التغاير في الصيغ على نحو جميل رائع، إذ تستثمر كل ما جادت به اللغة من أنماط هذه التغييرات تيسيراً على الناطقين بهذه اللغة، ومن ثمّ القارئين للقرآن الكريم. فنحن نلمس في هذه القراءات تغاير في صيغ الأفعال، أو تغاير في موضع الحركات، أو في تضعيف الحروف، أو غير ذلك مما سنلمسه بعد قليل.
* فمن ذلك ما نلمسه من قراءات في كلمة (واعدنا) () في قوله تعالى: ? وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ? ().
فنحن أمام وزنين صرفيين لصيغة معجمية واحدة هي (وعد)، والجمهور على قراءة الفعل بألف المفاعلة (وَاعَدَ) على وزن (فَاعَلَ). ومن قرأها على غير ذلك فهي على وزن المجرّد أي (فَعَلَ). ولكل قراءة وجهها الدلالي والبلاغي التابع للتلوين التصريفي.
فقراءة التجريد (وَعَدَ) بغير أف المفاعلة يتكئ أصحابها على أنّ معنى المفاعلة يقتضي الاشتراك بين طرفين، وهذا محال في هذه الآية لأنّ الوعد من الله ? وليس لموسى? وعد لله. يقول النحاس: " المواعدة إنما تكون من البشر، فأما الله ? فإنما هو المتفرد بالوعد والوعيد " ().
فالمفاعلة تفيد الاشتراك في أصل الفعل بين طرفين، وهذا غير قائم في هذه الآيات، لأن الله وحده هو الذي قام بالوعد، وليس هناك أي اشتراك في هذا الفعل من جانب آخر (). وأصحاب هذا التوجيه صدروا فيه من مبدأ التنزيه لله ?، وعدم توجيه الظنّ إلى اشتراك أحد معه في فعل من الأفعال، وذلك درءا لما قد يظنّه صاحب عقل فاسد، أو نحلة باطلة.
أما قراءة (واعدنا) بألف المفاعلة فأصحابها على توجيهها على معنى أن الوعد الأول من الله ?، ثم تلاه وأعقبه وعد من موسى ? بالقيام بما أُمر به إجابة للوعد الأول. وبذلك فإنّ المواعدة هنا تتضمن وعداً ووعداً، فكأنها أعمّ من الوعد فقط. يقول مكي: " عل’ من قرأ بألف أنه جعل المواعدة من الله ومن موسى، وَعَدَ اللهُ موسى لقاءه على الطور ليكلّمه ويناجيه، ووعدَ موسى المسير لما أُمِرَ به. والمواعدة أصلها من اثنين، وكذلك هي في المعنى ,. ويجوز أن تكون المواعدة من الله جلّ ذكره وحده. فقد تأتي المفاعلة من واحد في كلام العرب، قالوا: طَارَقتُ النعْل، ودَاوَيْتُ المريض، وعَاقبتُ اللص،. والفعل من واحد، فيكون لفظ المواعدة من الله خاصة لموسى كمعنى (وعدنا)، فتكون القراءتان بمعنى واحد " ().
ففي هذا الرأي يحدد مكي بن أبي طالب رأيه وتوجيهه الرائع لهذا التغاير في أمرين هما:
الأول: أنّ المواعدة حقيقة هنا تمت بين الله ? وموسى ?، لكنها مواعدة الآمر والمأمور، وعدََ اللهُ موسى التكليم وما فيه من أوامر، وَوَعََدَ موسى بالمسير والاستجابة لما يُؤمَر به.
والثاني: أن المواعدة قد تأتي في كلام العرب من جانب واحد فقط، ولذا فإن المواعدة هنا على كلام العرب من جانب الله ? وحده.
ويرى مكي أنه مع قراءة الفعل بألف المفاعلة لأنها تتضمن معناه بغيرها. يقول: " الاختيار (واعدنا) بالألف لأنه معنى (وعدنا) في أحد معنييه، ولأنه لا بد لموسى من وعْد أو قبول يقوم مقام الوعد، فتصح المفاعلة على الوجهين جميعاً " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى هذا التخريج أكثر المفسرين والموجهين للقراءات (). ومن الجميل هنا أن نورد قولاً لأبي حيان إذ يقول: " لا وجه لترجيح إحدى القراءتين على الأخرى، لأن كلا منهما متواتر، فهما في الصحة على حد سواء " (). وهو الأساس الذي عليه الجميع حين البحث في جماليات القراءات القرآنية.
ولا شك أن الأساس اللغوي هو الذي حكم توجيهات الدلالة في هاتين القراءتين، ومن ثم مُنِحَت هذه التفسيرات حيزاً سياقياًً فسيحاً جعل من قراءة الفعل بألف المفاعلة أعمّ في الدلالة من قراءته بدونها، فجاءت العلاقة بينهما على العموم والخصوص مما أثرى دلالة هذا السياق.
* ومن ذلك أيضاً قراءة كلمة (تمسّوهن) بألف المفاعلة وبغيرها () في قوله تعالى: ? لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِين ? () َ.
فقراءة (تمسّوهن) ذات الأصل الثلاثي (مسّ) يرى فيها سيبويه أنها تندرج في مجموعة الأفعال الدالة على النكاح مثل (نَكََحَ) و (سَفَدَ) و (قََرَعَََ)، وأفعال هذا المعنى غالباً ما تكون ثلاثية ().
والصيغة بهذا المعنى الثلاثي تدل على تفرّد أحد طرفي الحدث بالفعل دون الطرف الآخر، وهذا يتسق مع طبيعة هذا الفعل، إذ أنّ الفاعل هو (الرجل)، وبذلك تستقيم دلالة الفعل بهذا الشكل.
أما قراءة ألف المفاعلة فعلى وجه المشاركة في الفعل الذي يقتضي تلك المشاركة، وعلى هذا المعنى تتكئ القراءة ().
ويلحظ أن سياق الكلمة في نسيج الآية يُشْعِر بأن الفعل هنا ليس على حقيقته بل هو على الفرض الحدوثي، أي أنه لم يحدث بعد، بدليل أن السياق يتسق في شأن حكم الطلاق لمن لم يُدْخَل بها، فالحدث هنا لم يقع بعد. ولذا نجد الراغب يقول: " المسّ يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس، وكني به عن النكاح فقيل: مسّها، وماسّها " (). فهما بمعنى واحد عند الراغب، إذ العبرة عنده بالفعل فقط، أي أن العرف اللغوي لا يفرق بينهما في أصل المعنى.
إن التغاير التصريفي هنا قائم على إدراك أوجه متنوعة من دلالات المعاني بحسب زيادات الصيغ الصرفية، إذ الزيادة في المبنى تتبعها زيادة في المعنى، وهذا ما حدث في قراءة هذه الكلمة.
* ومن ذلك أيضاً قراءة كلمة (مُبينة) بالفاعلية والمفعولية () في قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ? ().
فالتنوع القرائي الحادث في كلمة (مبينة) في هذه الآية إنما منشؤه الأصل في الجانب التصريفي، غذ تقوم قراءة الكلمة بفتح الياء على ككونها اسم مفعول من غير الثلاثي (بَيَّنَ – يُبَيِّنُ). وقد تمّ إسناد الفاحشة إلى الفاعل الذي بيَّنها وهو الله ?،ذلك لأن الفاحشة لا يمكن أن تُبَيَّن بذاتها، فقد تم تبيانها من خلال تشريع الله ?.
أما القراءة بكسر الياء على كون الكلمة اسم فاعل من غير الثلاثي، فالفعل فيها مسند إلى الفاحشة على سبيل المجاز، لأن الفاحشة لا تُبَيِّن، بل هي التي تُبَيَّن من خلال تشريع الله ?. غير أن الأصل في المعنى أن تكون هذه الفاحشة (مُبَيَّنة) أي مفعولة، لأن الله ? هو الذي وضّح سبل اجتنابها، وعقوبة من يقترفها. وهذه القراءة تخرَّج على المجاز العقلي الذي تمّ فيه إسناد الفعل إلى غير فاعله الحقيقي نظراً لوجود القرينة الشرعية الدالة على هذا الفاعل الحقيقي في هذه الآية وهو المشرّع الأعلى؛ الله ? ().
وهذا التخريج أشدّ في إبراز صورة التغليظ الأمري الموجه للمخاطَب بهذه الآية الكريمة، إذ تمّ نهيه عن إرث النساء كرهاً كما كان حال أهل الجاهلية، وما لذلك سبيل إلاّ أن تقع المرأة في الفاحشة المبيَِنة الواضحة بذاتها ().
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى هذا المنوال ينسجم التغاير التصريفي في القراءات القرآنية مع سياقات النص القرآني، وتتسق معطيات هذا التغاير مع محددات الدلالة في هذه السياقات، إثراء لهذه الدلالات باتكائها على هذا المعطى التصريفي في إبراز مسارات التنوع في هذه الدلالات بتنوع هذه الصيغ الصرفية.
الهوامش:
1. - ينظر: سيبويه، الكتاب، 4/ 478. – المبرد، المقتضب، 1/ 207. – ابن السراج، الأصول، 3/ 429. – ابن جني، الخصائص، 2/ 144. – الرضي، شرح الشافية، 1/ 40.
2. - قرأها أبو عمرو ويعقوب بغير ألف المفاعلة، ووافقهما اليزيدي وابن محيْصن. وقرأها الجمهور بالألف. ينظر: ابن مجاهد، السبعة، 155. ابن الجزري، النشر، 2/ 212. الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر، 1/ 319.
3. - سورة البقرة: آية رقم (51). وينظر أيضاً: سورة الأعراف: آية رقم (142)، وسورة طه: آية رقم (80).
4. - النحاس، إعراب القرآن، 1/ 223.
5. - ينظر: الأزهري، معاني القراءات، 1/ 149. – ابن خالويه، الحجة، 76. – الفارسي، الحجة، 2/ 66. – أبو زرعة، حجة القراءات، 96.
6. - مكي، الكشف، 1/ 239.
7. - السابق، 1/ 240.
8. - ينظر: ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/ 156. – أبو السعود، إرشاد ذوي العقل السليم، 1/ 138. – القرطبي، الجامع، 2/ 118. – الرازي، مفاتيح الغيب، 3/ 48.
9. - أبو حيان، البحر، 2/ 111.
10. - قرأها ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر بغير ألف حيث كانت في القرآن. وقرأها حمزة والكسائي وخلف بألف المفاعلة مع ضمّ التاء. ينظر: ابن مجاهد السبعة، 138. – ابن الجزري، النشر، 2/ 228. – الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر، 1/ 441.
11. - سورة البقرة: آية رقم (236).
12. - ينظر: سيبويه، الكتاب، 4/ 9.
13. - ينظر: الأزهري، معاني القراءات، 1/ 207. – الفارسي، الحجة، 2/ 337. – مكي، الكشف، 1/ 298. – أبو شامة، إبراز المعاني، 362.
14. - الراغب، المفردات في غريب القرآن، 2/ 185.
15. - قرأها ابن كثير وشعبة (مُبَيَّّنَة) حيثما وقعت في القرآن، وقرأ الباقون (مُبَيِّّنَة) حيثما وقعت. ينظر: ابن مجاهد، السبعة، 232. – ابن الجزري، النشر، 2/ 248.
16. - سورة النساء: آية رقم (19).
17. - ينظر: عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، 227.
18. - ينظر: أبو حيان، البحر المحيط، 3/ 204.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 05:05 م]ـ
أثابك الله أخي الكريم
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[30 - 07 - 2008, 01:01 ص]ـ
خالص شكري وتقديري لمرورك الكريم، وكلماتك الرقيقة، البالغة العذوبة أيتها الكريمة.
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 10:51 ص]ـ
جزاك الله خيرا استاذنا الدكتور اسامة، وأبادر فأطلب منكم أن تعرضوا لنا بعض النماذج عن القراءات التي قرئت بالمفرد والجمع؛ لأن بحثي في هذا الجانب، وأريد مثالا أحتذيه من أحد الكبار أمثالك، حتى أنسج على منواله، ولك مني خالص الود والحب والدعوات بالتوفيق(/)
{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 03:29 م]ـ
قال الله تعالى في سورة الشعراء:
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)
تصف هذه الأيات الشريفة أحد مشاهد العذاب يوم القيامة.
{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ}
تشير هاتين الأيتين إلى وجود ثلاث طوائف تكبكب في جهنم يوم القيامة وهي:
- الأولى: الأصنام التي يدل عليها ضمير الجمع في قوله تعالى: {فكبكبوا فيها هم} , ويدعم ذلك أية أخر هي قوله تعالى في سورة الأنبياء: {إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم}: الأنبياء: 98،
- الطائفة الثانية: هم الغاوون , وهم المرادون أيضا في قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتّبعك من الغاوين} سورة الحجر، الآية 42.
الطائفة الثالثة: جنود إبليس و هم قرناء الشياطين الذين يذكر القرآن أنهم لا يفارقون أهل الغواية.
إن للفعل (كُبْكِبُوا) إيقاعا صوتيا يتلاءم مع المعنى القرآني المراد, فالمفردة تعني كبوا فيها كبا بعد كب.
إن الفعل (كُبْكِبُوا) مضاعف كبوا بالتكرير, وتكرير اللفظ مفيد تكرير المعنى أي الدلالة على الزيادة في معنى الفعل.
قال أَهلُ اللغة - كما في اللسان - معناه دُهْوِرُوا وحقيقةُ ذلك في اللغة تكرير الانْكِبابِ كأَنه إِذا أُلْقِيَ يَنْكَبُّ مَرَّةً بعد مرَّة حتى يَسْتَقِرَّ فيها نَسْتَجيرُ باللّه منها"
يعطي الفعل كبكبوا تصويرا للمشهد المهول بجرسه اللفظي الذي يوحي بصوت تدفعهم وتساقطهم بلا عناية ولا نظام.
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 03:59 م]ـ
بارك الله فيك دكتور حجي
أضيف: قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن:
(فَكُبْكِبُوا فِيهَا) أي أُلقُوا على رؤوسهم. وأصل الحرف: "كُبِّبُوا" من قولك: كَبَبتُ الإناء. فأبدَلَ من الباء الوسطى كافًا: استثقالا لاجتماع ثلاث باءات. كما قالوا: "كُمْكِمُوا" من "الكُمَّة" - وهي: القَلَنْسُوَة- والأصل: "كُمِّمُوا".
لا تحرمنا مدارسة كتاب الله الكريم، و لو في كل يوم لطيفة
أسأل الله أن يجزيك خير الجزاء.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 04:57 م]ـ
جزيت خيراً
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 06:44 م]ـ
قال الله تعالى في سورة الشعراء:
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)
تصف هذه الأيات الشريفة أحد مشاهد العذاب يوم القيامة.
{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ}
تشير هاتين الأيتين إلى وجود ثلاث طوائف تكبكب في جهنم يوم القيامة وهي:
- الأولى: الأصنام التي يدل عليها ضمير الجمع في قوله تعالى: {فكبكبوا فيها هم} , ويدعم ذلك أية أخر هي قوله تعالى في سورة الأنبياء: {إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم}: الأنبياء: 98،
- الطائفة الثانية: هم الغاوون , وهم المرادون أيضا في قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتّبعك من الغاوين} سورة الحجر، الآية 42.
الطائفة الثالثة: جنود إبليس و هم قرناء الشياطين الذين يذكر القرآن أنهم لا يفارقون أهل الغواية.
إن للفعل (كُبْكِبُوا) إيقاعا صوتيا يتلاءم مع المعنى القرآني المراد, فالمفردة تعني كبوا فيها كبا بعد كب.
إن الفعل (كُبْكِبُوا) مضاعف كبوا بالتكرير, وتكرير اللفظ مفيد تكرير المعنى أي الدلالة على الزيادة في معنى الفعل.
قال أَهلُ اللغة - كما في اللسان - معناه دُهْوِرُوا وحقيقةُ ذلك في اللغة تكرير الانْكِبابِ كأَنه إِذا أُلْقِيَ يَنْكَبُّ مَرَّةً بعد مرَّة حتى يَسْتَقِرَّ فيها نَسْتَجيرُ باللّه منها"
يعطي الفعل كبكبوا تصويرا للمشهد المهول بجرسه اللفظي الذي يوحي بصوت تدفعهم وتساقطهم بلا عناية ولا نظام.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
إنني أقف عاجزًا عن شكرك لمشاركاتك وتفاعلك معنا هنا يا د. حجي الزويد.
نحن نتتبع مشاركاتك تتبعًا، ونحرص عليها حرصًا شديدًا، ونتطلع للمزيد من الجواهر والدرر.
دعواتي لك بالفلاح.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 07:36 م]ـ
لمسة بديعة في لفظ قرآني بديع!
زادك الله من فضله وعلمه أيها الدكتور الفاضل ... ونترقب - بشغف - المزيد من فيض علمك، ورائق قلمك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 11:50 م]ـ
رفع الله قدركم بالقرآن فضيلة الدكتور، وزادكم علما وفهما في كتاب الله تعالى، " وإننا لنكاد نسمع من جرس اللفظ صوت تدفُّعهم وتكفئهم وتساقطهم بلا عناية ولا نظام، وصوت الكركبة الناشئ من الكبكبة، كما ينهار الجرف فتتبعه الجروف"
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 11:52 م]ـ
بارك الله فيك دكتور حجي
أضيف: قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن:
(فَكُبْكِبُوا فِيهَا) أي أُلقُوا على رؤوسهم. وأصل الحرف: "كُبِّبُوا" من قولك: كَبَبتُ الإناء. فأبدَلَ من الباء الوسطى كافًا: استثقالا لاجتماع ثلاث باءات. كما قالوا: "كُمْكِمُوا" من "الكُمَّة" - وهي: القَلَنْسُوَة- والأصل: "كُمِّمُوا".
لا تحرمنا مدارسة كتاب الله الكريم، و لو في كل يوم لطيفة
أسأل الله أن يجزيك خير الجزاء.
الأخ العزيز طاوي ثلاث:
أشكر لكم إشراقة أحرفكم ومتابعتكم.
شكرا للإضافة.
وفقكم اللهإ لى كل خير.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 11:53 م]ـ
جزيت خيراً
الفاضلة مُبحرة في علمٍ لاينتهي:
وجزاك الله خيرا.
شكرا للمتابعة.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 11:56 م]ـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
إنني أقف عاجزًا عن شكرك لمشاركاتك وتفاعلك معنا هنا يا د. حجي الزويد.
نحن نتتبع مشاركاتك تتبعًا، ونحرص عليها حرصًا شديدًا، ونتطلع للمزيد من الجواهر والدرر.
دعواتي لك بالفلاح.
الأستاذ الفاضل عبدالعزيز بن حمد العمار:
تقف الكلمات خجلى أمام ساحل إنسايتكم.
أشكر لكم هذه الأحرف المشرقة.
بارك اللله فيكم وبكم.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 11:57 م]ـ
لمسة بديعة في لفظ قرآني بديع!
زادك الله من فضله وعلمه أيها الدكتور الفاضل ... ونترقب - بشغف - المزيد من فيض علمك، ورائق قلمك.
السيدة الفاضلة ندى الرميح:
أنار الله روحك بأنوار القرآن الكريم, وأعلى لديه منزلتك.
أشكر لك حضورك وكلماتك.
بوركتِ.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 11:59 م]ـ
رفع الله قدركم بالقرآن فضيلة الدكتور، وزادكم علما وفهما في كتاب الله تعالى، " وإننا لنكاد نسمع من جرس اللفظ صوت تدفُّعهم وتكفئهم وتساقطهم بلا عناية ولا نظام، وصوت الكركبة الناشئ من الكبكبة، كما ينهار الجرف فتتبعه الجروف"
الأستاذ الفاضل محمد احمد محمود شلبي:
ورفع الله ذكركم ومنزلتكم لديه دنيا و آخره بمنه وكرمه.
أشكر لكم حضوركم ومداخلتكم.(/)
(ويومَ يَعَضُّ الظالمُ على يديه ... ) الآية ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 09:02 م]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى:? ويومَ يَعَضُّ الظالمُ على يديهِ يقولُ يا ليتني اتّخذْت مع الرسولِ سبيلا ? (الفرقان / 27).
يعرض النظم القرآني الكريم مشهدًا فريدًا للندم من ساحة الآخرة، يعرضه عرضًا طويلاً مديدًا، يُخيَّل للسامع أن لن ينتهي و لن يبرح، مشهد الظالم يعض على يديه من الندم والأسف على ما فرط هناك في الدار الفانية، وهو يردد عبارات التمني الأسيفة: ? يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ..... ?. ويصمت كل شيء حوله، ويروح يمد في صوته المتحسر في إطار من التناسق الفني الرفيع. (ينظر: مشاهد القيامة لسيد قطب).
والتعبير بـ (عض اليدين) تعبير كنائي معروف عند البلاغيين بإشارته إلى معنى: عظم الحسرة، وشدة الندامة على التفريط والتقصير، ولات حين مندم!
ومجيء صيغة العض بصورة الفعل المضارع – والمضارع في العرف اللغوي له دلالة على استحضار الحدث - (يعض) نقلنا بروعة آسرة إلى جو المشهد المهيب، واستحضار صورة ذلك الظالم، وشهود الجو النفسي المضطرب الذي يتملكه، والمشاعر النفسية التي تنتابه، حتى لكأننا نشهد – لبالغ الدقة – أثر الحزّ في يديه وهو يطبق عليهما بالنواجذ مرة إثر أخرى، لكأننا نحس بكل ما يعتمل في خلجاته، وما يتبدّى على قسماته: من قلق، وترقب، وتخوّف، وكثير من ندم وتحسر، تنضح بها حركاته وسكناته.
كما أن في الفعل المضارع – بدلالته اللغوية على التجديد – لمحًا إلى الحركة الدائبة، والعضّ الذي لا يهدأ ولا يستكين، رغم ما يورثه من ألم وتوجع!؛ لأن إحساس الظالمين – في ذلك اليوم – بالحسرة والندم، يغلب على أي شعور بالتوجع والألم، مهما بلغا من الشدة والعظم.
هذا والله – تعالى – أعلم.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 12:34 ص]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى:? ويومَ يَعَضُّ الظالمُ على يديهِ يقولُ يا ليتني اتّخذْت مع الرسولِ سبيلا ? (الفرقان / 27).
يعرض النظم القرآني الكريم مشهدًا فريدًا للندم من ساحة الآخرة، يعرضه عرضًا طويلاً مديدًا، يُخيَّل للسامع أن لن ينتهي و لن يبرح، مشهد الظالم يعض على يديه من الندم والأسف على ما فرط هناك في الدار الفانية، وهو يردد عبارات التمني الأسيفة: ? يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ..... ?. ويصمت كل شيء حوله، ويروح يمد في صوته المتحسر في إطار من التناسق الفني الرفيع. (ينظر: مشاهد القيامة لسيد قطب).
والتعبير بـ (عض اليدين) تعبير كنائي معروف عند البلاغيين بإشارته إلى معنى: عظم الحسرة، وشدة الندامة على التفريط والتقصير، ولات حين مندم!
ومجيء صيغة العض بصورة الفعل المضارع – والمضارع في العرف اللغوي له دلالة على استحضار الحدث - (يعض) نقلنا بروعة آسرة إلى جو المشهد المهيب، واستحضار صورة ذلك الظالم، وشهود الجو النفسي المضطرب الذي يتملكه، والمشاعر النفسية التي تنتابه، حتى لكأننا نشهد – لبالغ الدقة – أثر الحزّ في يديه وهو يطبق عليهما بالنواجذ مرة إثر أخرى، لكأننا نحس بكل ما يعتمل في خلجاته، وما يتبدّى على قسماته: من قلق، وترقب، وتخوّف، وكثير من ندم وتحسر، تنضح بها حركاته وسكناته.
كما أن في الفعل المضارع – بدلالته اللغوية على التجديد – لمحًا إلى الحركة الدائبة، والعضّ الذي لا يهدأ ولا يستكين، رغم ما يورثه من ألم وتوجع!؛ لأن إحساس الظالمين – في ذلك اليوم – بالحسرة والندم، يغلب على أي شعور بالتوجع والألم، مهما بلغا من الشدة والعظم.
هذا والله – تعالى – أعلم.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أولا: هزتني الآية كثيرًا كثيرًا كما هو القرآن كله. كيف لا، وقد قال جل ذكره: (وجاهدهم به جهادًا كبيرًا)؟
ثانيًا: حين قرأت مشاركتك - أيتها الأستاذة البارعة - تملكني شعور بصفاء إيمانك أولا، وروعة بيانك ثانيًا، وأسرني طرحك العلمي الجميل.
ثالثًا: إننا معك - أستاذتي ندى الرميح - نقترب برفقة كلماتك كثيرًا إلى جواهر القرآن، فنضع أيدينا عليها، ونقلبها، ويبهرنا بريقها؛ فنبقى برفقة البلاغة في عالم الكمال المثالي السماوي العظيم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد لفت نظري قوله تعالى (يديه)، ولم يقل إصبعه أو أصابعه بل يديه كليهما وهذا - ورب الكعبة - دلالة على هول ما يرى لدرجة أنه عض على يديه كليهما.
فلله دركم واعظين مذكرين بالله بآيات الله تقريبًا وتوضيحًا وتفسيرًا!
بكم نزهو ونفتخر، ومعكم تبقى قلوبنا طرية بذكر الله واعية بأسرار آياته؛ فلا تقطعوا عنا ما تعودنا منكم من الخير.
بلّغكم الله ما تحبون، وجعله خيرًا لكم في الدنيا والآخرة.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 01:00 ص]ـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أولا: هزتني الآية كثيرًا كثيرًا كما هو القرآن كله. كيف لا، وقد قال جل ذكره: (وجاهدهم به جهادًا كبيرًا)؟
ثانيًا: حين قرأت مشاركتك - أيتها الأستاذة البارعة - تملكني شعور بصفاء إيمانك أولا، وروعة بيانك ثانيًا، وأسرني طرحك العلمي الجميل.
ثالثًا: إننا معك - أستاذتي ندى الرميح - نقترب برفقة كلماتك كثيرًا إلى جواهر القرآن، فنضع أيدينا عليها، ونقلبها، ويبهرنا بريقها؛ فنبقى برفقة البلاغة في عالم الكمال المثالي السماوي العظيم.
ولقد لفت نظري قوله تعالى (يديه)، ولم يقل إصبعه أو أصابعه بل يديه كليهما وهذا - ورب الكعبة - دلالة على هول ما يرى لدرجة أنه عض على يديه كليهما.
فلله دركم واعظين مذكرين بالله بآيات الله تقريبًا وتوضيحًا وتفسيرًا!
بكم نزهو ونفتخر، ومعكم تبقى قلوبنا طرية بذكر الله واعية بأسرار آياته؛ فلا تقطعوا عنا ما تعودنا منكم من الخير.
بلّغكم الله ما تحبون، وجعله خيرًا لكم في الدنيا والآخرة.
الأستاذ الفاضل: عبدالعزيز العمار ..
شكرًا لهذه الديمِ الماطرة، والكلمات العاطرة .. أمطر الله روحك بحبّه وحب نبيّه، وعطّر قلبك بلذيذ التدبّر لبديع كلامه.
وما لفت نظرك من استعمال البيان المعجر لـ (يديه) - دون أصابعه مثلاً - لدليل على حسّ متذوّق لدقة التعبير، ورائق البيان!
الفخرُ لي يا فاضل؛ أن تعلقت أذيالي بركب هذا المنتدى السامي ..
بوركت ..
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 02:30 ص]ـ
الأستاذة الفاضلة ندى الرميح:
إننا نرى في رسم قلمك للمعاني القرآنية مشاهد تتسم بالحيوية, فبراها المتلقي صورا ناطقة.
بورك قلمك من قلم أعطى فأجاد.
بارك الله فيك وبك.
اسمحي لي بهذه المداخلة:
من المعاني الجمالية التي تضمنتها هذه الآية الشريفة - إضافة إلى ما ذكرت - هو استخدام {يعض على}.
عض: الفعل يتعدى بنفسه, نقول عض يديه, كما أنه يتعدى بالحرف (على).
قد يتعدى بعلى لفائدة معنوية, حيث يفيد تعديته بالحرف بـ {عَلَى} التمكن من المعضوض, حيث يكون العض شديدا.
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 10:31 م]ـ
عض اليدين كناية عن الغيظ والحسرة لأنه من روادفها فتذكر الرادفة ويدل بها على المردوف، فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة ما لا يجده عند لفظ المكنى عنه. (تفسير النسفي)
ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 10:58 م]ـ
أختي الكريمة , أعجبتني كلماتك في تناول مفردة (يعض) تناولا بلاغيا جميلا, يذكرنا بالآخرة, وكيف أن الإنسان يتألم ويأمل في الوقت ذاته. فشكرا لبوح أقلامك الجميل.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 05:34 م]ـ
الأستاذة الفاضلة ندى الرميح:
إننا نرى في رسم قلمك للمعاني القرآنية مشاهد تتسم بالحيوية, فبراها المتلقي صورا ناطقة.
بورك قلمك من قلم أعطى فأجاد.
بارك الله فيك وبك.
اسمحي لي بهذه المداخلة:
من المعاني الجمالية التي تضمنتها هذه الآية الشريفة - إضافة إلى ما ذكرت - هو استخدام {يعض على}.
عض: الفعل يتعدى بنفسه, نقول عض يديه, كما أنه يتعدى بالحرف (على).
قد يتعدى بعلى لفائدة معنوية, حيث يفيد تعديته بالحرف بـ {عَلَى} التمكن من المعضوض, حيث يكون العض شديدا.
الدكتور الفاضل: حجي الزويد:
بورك هذا التلمّس الجميل لإفادة التعدية بـ (على) في الآية الكريمة ... وبوركت تلك السبحات المباركة في معارج البيان الكريم التي تؤنسنا بها بين حين وحين.
حضورك شرف لقلمي ..
زادك الله من هذا المعين الزلال، ونفعك ورفعك بالقرآن الكريم.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 05:37 م]ـ
عض اليدين كناية عن الغيظ والحسرة لأنه من روادفها فتذكر الرادفة ويدل بها على المردوف، فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة ما لا يجده عند لفظ المكنى عنه. (تفسير النسفي)
جزاك الله خيرًا أخي ابن القاضي، وبارك الله فيما أضفت فأفدت.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 05:41 م]ـ
أختي الكريمة , أعجبتني كلماتك في تناول مفردة (يعض) تناولا بلاغيا جميلا, يذكرنا بالآخرة, وكيف أن الإنسان يتألم ويأمل في الوقت ذاته. فشكرا لبوح أقلامك الجميل.
وشكرًا لمحطتك في الموضوع أخي الكريم ... أسعدني العبور، أسعدك الله بطاعته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 08:54 م]ـ
حقا ما أعظم إعجاز القرآن الكريم، فقد أبدعت الأخت في عرضها للآية
الكريمة، وأضاف من أضاف، وستظل الآية تفيض بالأسرار والأسرار، وصدق رسول الله: في وصفه للقرآن بأنه لا تنقضي عجائبه، ولي وقفة قصيرة في التقديم والتأخير الذي تم في آخر الآية في قوله (ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) فقد قُدم الجار والمجرور - مع الرسول - على المفعول - سبيلا-
والحكمة في ذلك ـ والله أعلم ـ أن التقديم ـ كما يذكر البلاغيون ـ يفيد العناية والاهتمام، وهنا قُدم الرسول ـ عليه السلام ـ لعلو قدره، وارتفاع شأنه، وأنه هو الطريق الوحيد المنجي، وإلا فما أكثر السبل، وما أكثر الدعاة، ولكن الرسول وسبيله فقط هو المنجي بإذن الله، والله أعلم
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 10:09 م]ـ
حقا ما أعظم إعجاز القرآن الكريم، فقد أبدعت الأخت في عرضها للآية
الكريمة، وأضاف من أضاف، وستظل الآية تفيض بالأسرار والأسرار، وصدق رسول الله: في وصفه للقرآن بأنه لا تنقضي عجائبه، ولي وقفة قصيرة في التقديم والتأخير الذي تم في آخر الآية في قوله (ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) فقد قُدم الجار والمجرور - مع الرسول - على المفعول - سبيلا-
والحكمة في ذلك ـ والله أعلم ـ أن التقديم ـ كما يذكر البلاغيون ـ يفيد العناية والاهتمام، وهنا قُدم الرسول ـ عليه السلام ـ لعلو قدره، وارتفاع شأنه، وأنه هو الطريق الوحيد المنجي، وإلا فما أكثر السبل، وما أكثر الدعاة، ولكن الرسول وسبيله فقط هو المنجي بإذن الله، والله أعلم
شيخي الفاضل الدكتور عبدالعزيز العمار:
لمحة بلاغية بارعة من أرباب البلاغة ..
فتح الله عليك فتوح العارفين العالمين.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 09:04 م]ـ
يعرض النظم القرآني الكريم مشهدًا فريدًا للندم من ساحة الآخرة، يعرضه عرضًا طويلاً مديدًا، يُخيَّل للسامع أن لن ينتهي و لن يبرح، مشهد الظالم يعض على يديه من الندم والأسف على ما فرط هناك في الدار الفانية، وهو يردد عبارات التمني الأسيفة: ? يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ..... ?. وقفة جميلة سددالله خطاك
وجعلها في موازين حسناتك
عرض جميل
آيات فتحت أمامنا باب لتأمل في كتاب الله الكريم
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 09:43 م]ـ
الأخية الفاضلة مبحرة في علم لا ينتهي:
أشرع الله قلبك لتأمل كتابه المعجز ..
أشكرك على طيب العبور.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 04:29 ص]ـ
ولي وقفة قصيرة في التقديم والتأخير الذي تم في آخر الآية في قوله (ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) فقد قُدم الجار والمجرور - مع الرسول - على المفعول - سبيلا-
والحكمة في ذلك ـ والله أعلم ـ أن التقديم ـ كما يذكر البلاغيون ـ يفيد العناية والاهتمام، وهنا قُدم الرسول ـ عليه السلام ـ لعلو قدره، وارتفاع شأنه، وأنه هو الطريق الوحيد المنجي، وإلا فما أكثر السبل، وما أكثر الدعاة، ولكن الرسول وسبيله فقط هو المنجي بإذن الله، والله أعلم
لفتني تلمّس شيخي الدكتور الفاضل عبدالعزيز العمار لغرض التقديم في الآية؛ فقد أجاد أيما إجادة.
وثمّة تلمّس آخر عنّ لي - والبلاغة حمّالة أوجه كما هو متعارف مشهور - في غرض تقديم (مع الرسول) على المفعول (سبيلا)، على نحو:
إن في التقديم، والنص على لفظ (الرسول) وتعريفه بـ (ال) العهدية لمحًا إلى شدة أسف المشركين - والآية وردت في سياق الحديث عن افتراءاتهم، وادعاءاتهم على الرسول الكريم -، وبالغ ندمهم على طعنهم فيه -:= -، وتكذيبهم به، وإلحاقهم به ألوان الأذى، وصنوف الاستهزاء.
وجاء تنكير السبيل؛ لقصد إفراده؛ لإفادة أن سبيل الحق واحد واضح، يتلخص في الامتثال لكل ما جاء به الرسول -:= -، والانتهاء عما نهى عنه، بخلاف طرق الضلالة المتوزعة المتشعّبة.
والله أعلم.
ـ[هيثم محمد]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 12:16 م]ـ
بوركت أ/ ندى
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 05:54 ص]ـ
بوركت أ/ ندى
وبوركت، ووفقت أستاذ هيثم.(/)
السر في ورود ابن السبيل مفردا بصورة مطردة في الكتاب العزيز
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 12:01 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
فمن لطائف التعبير القرآني، ما ورد من إفراد لفظ ابن السبيل حيث ورد في القرآن، وابن السبيل هو الذي أنشأ سفرا مباحا، أو انقطعت به السبل في البراري والقفار، وكان ذلك في القديم حين كان التنقل على الأقدام أو الركائب البطيئة السير، ولم يكن ثمت سيارات، أو استراحات أو منازل ينزل فيها هذا المسافر، فلفت القرآن، أنظار الناس إلى هذا المنفرد الذي قد لا يفطن إليه الكثير لغربته، وعدم معرفة أهل البلدة به، وبين لهم أنه وإن كان مع جماعة فهم في حكم الواحد المنفرد لغربتهم وبعدهم عن أهليهم وأوطانهم، كما أن التعبير بلفظ المفرد يشير إلى ما يكون عليه المسافر في الغالب من الانفراد والوحدة، فالتعبير عنه بالمفرد من باب الإشارة إلى ما هو عليه في الواقع، تعطيفا للقلوب على من هم في مثل تلك الحال الداعية إلى العطف وزيادة الرأفة.
ومما يؤيد ذلك أن إفراد ابن السبيل جاء مطَّردا في الذكر الحكيم في مواضع الأمر بالصدقة على المحتاجين، أو الترغيب فيها، وبيان أوصاف أهل البر والتقوى، فجاء التعبير عنه بهذا الأسلوب لفتا لأنظار أهل البر إلى أن يولوه مزيد عطف ورعاية؛ لانفراده وغربته.
يقول الإمام الألوسي رحمه الله عز وجل في التعليل لإفراد ابن السبيل مع مجيئه في سياق كله مجموع، عند قول المولى جل جلاله: ?لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ? (البقرة:177) «? وَابْنَ السَّبِيلِ ? أي: المسافر كما قاله مجاهد، وسمي بذلك؛ لملازمته الطريق في السفر أو لأن الطريق تبرزه فكأنها ولدته، وكأن إفراده لانفراده عن أحبابه ووطنه وأصحابه، فهو أبداً يتوق إلى الجمع، ويشتاق إلى الربع، والكريم يحن إلى وطنه حنين الشارف إلى عطنه؛ أو لأنه لما لم يكن بين أبناء السبيل، والمعطي تعارفٌ غالباً يهوِّن أمر الإعطاء ويرغب فيه أفردهم؛ ليهون أمر إعطائهم؛ وليشير إلى أنهم وإن كانوا جمعاً ينبغي أن يعتبروا كنفس واحدة، فلا يضجر من إعطائهم؛ لعدم معرفتهم وبعد منفعتهم فليفهم» ()
كما يقول ابن عرفة رحمه الله تعالى «فإن قلت: لم جمع الكل وأفرد ابن السبيل؟ قلنا: لِكثرتهم باعتبار الوجود الخارجي وقلة ابن السبيل «()
2 - ومن ذلك أيضا ما ورد من إفراد «ذي القربى» في القرآن الكريم [في بعض المواضع]، لفتا للأنظار إلى أنهم أولى من غيرهم بمزيد الاهتمام والرعاية، فينبغي أن يعاملوا بالمودة والرأفة وأن يسوي بينهم في الود، وأن يكونوا في نظره كفرد واحد.
وذلك لأن القريب بضعة من قريبه على خلاف الأبعدين، ولأن ذوي القرابات مهما كثروا ينبغي أن ينظر الإنسان إليهم على أنهم فرد واحد فيعطيهم – على كثرتهم – ولا يضجر منهم، فقد يكون منهم المسكين أو الفقير صاحب اللسان السليط، مما قد يجلب عليه غضب قريبُه الغني فيمنع عنه عطاءه ورفده، ولذلك حض النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الأقرباء، وإن جاروا، كما في الحديث:? أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح ? ()، والكاشح: المُبْغِض المضمر للعداوة، فحض القرآن على إعطائهم وعدم منعهم ثم إنهم مهما فعلوا فلن تزول قرابتهم يوما ما.
يقول الإمام الألوسي رحمه الله تعالى في التعليل للإفراد في قوله تعالى:?إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ? (النحل:90): «وأفرد ? ذِي الْقُرْبَى? كما في البحر؛ لأنه أريد به الجنس؛ ولأن إضافته إلى المصدر يندرج فيه كل ذي قرابة، وكأن فيه إشارة إلى أن ذوي القربى وإن كثروا كشيء واحد لا ينبغي أن يضجر من الإحسان إليهم» ()
ولذلك عبر القرآن عنهم بإضافة «ذو» الدالة على ثبات ما أضيفت إليه ولزومه؛ فالقريب لن يكون يوما بغريب عن قريبه، ولن تزول القرابة مهما تقادم العهد؛ كما قال الإمام الألوسي رحمه الله تعالى: «لأن القرابة ثابتة لا تتجدد و «ذو» كذا لا يقال في الأغلب إلا في الثابت ألا ترى أنهم يقولون لمن تكرر منه الرأي الصائب «فلان ذو رأي» ويكاد لا تسمعهم يقولون لمن أصاب مرة في رأيه كذلك، وكذا نظائر ذلك من قولهم: «فلان ذو جاه» و «فلان ذو إقدام»، والمسكنة لكونها مما تطرأ وتزول لم يقل في المسكين ذو مسكنة» ()
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 01:01 ص]ـ
سلام عليكم أخي محمدًا أحمد محمود شلبي، جزاك الله خيرًا؛ فلقد نقلتنا جماعة ومنفردين في آي الله الحكيم، فعلا، لقد شعرت بألم ابن السبيل إذ أفرد بالقرآن.
لقد تعلمت منك شيئًا جميلا رائعًا. نحن نقرأ في نوافذكم، وكأننا نتأمل في نجوم الليل البراقة، أو أسرار البحار العظيمة.
نتطلع لما تكتبون بكل لهفة وحب.
دمت أخا حبيبًا نافعًا منتفعًا، والسلام عليك أخي محمدًا.
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 01:17 ص]ـ
سلام عليكم أخي محمدًا أحمد محمود شلبي، جزاك الله خيرًا؛ فلقد نقلتنا جماعة ومنفردين في آي الله الحكيم، فعلا، لقد شعرت بألم ابن السبيل إذ أفرد بالقرآن.
لقد تعلمت منك شيئًا جميلا رائعًا. نحن نقرأ في نوافذكم، وكأننا نتأمل في نجوم الليل البراقة، أو أسرار البحار العظيمة.
نتطلع لما تكتبون بكل لهفة وحب.
دمت أخا حبيبًا نافعًا منتفعًا، والسلام عليك أخي محمدًا.
صدقت
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 09:50 ص]ـ
جزاكم الله تعالى كل خير، وأنا كذلك أتطلع لكل ما يُكتب في هذا المنتدى الرائع، من جميع الأعضاء، فلقد شعرت حين عثرت عليه، أني وقعت على كنز، فإن تلاقح العقول كتلاقح النباتات، تثمر من كل غصن بهيج، اللهم انفعنا بكتابك وعلمنما من علمك المخزون، آمين!
ـ[عبده فايز الزبيدي]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 11:08 م]ـ
نتمنى المزيد
من هذا النور
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 12:32 م]ـ
السلام عليكم:
بارك الله فيك أخي العزيز على هذه المعلومة القيمة، وجعلها في ميزان حسناتك.
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 03:28 م]ـ
جزى الله الجميع كل خير وبارك فيكم ونسال الله تعالى علما نافعا وقلبا خاشعا ولسانا ذاكرا بمنه وكرمه اللهم امين
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 03:55 م]ـ
تناول جميل لابن السبيل في القرآن الكريم.
فتح الله عليك دكتور محمد.
ـ[محمد احمد محمود شلبي]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 04:22 م]ـ
جزاكم الله تعالى الخير كله وبارك فيكم ونفعنا بكتابه وبما فيه اللهم آمين(/)
إضاءات بيانية: {فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 12:02 ص]ـ
يقول الله تعالى في قرآنه المجيد في سورة البقرة - سورة 2 - آية 155
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
و يقول عز و جل في سورة النحل - سورة 16 - آية 112
(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)
يوجد فرق في الدلالة بين هاتين الآيتين:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
لاحظوا أن هذه الأية الشريفة اشتملت على كلمة (شيء) , ومجيء هذه الكلمة - هنا - للتخفيف من ألم الشعور بهذا الابتلاء, فشيء - في هذا المورد - يراد منها شيء من الخوف - أي قليل منه - وشيء من الجوع وشيء من نقص الثمرات.
جاءت المفردة (شيء) لتفيد التقليل والتحقير.
نجد أن كلمة شيء لم تذكر في الآية الأخرى, بل جيء بكلمة (لباس) التي أعطت عمقا دلاليا معنويا, حيث أفادت التهويل, فهي تفيد التمكن والملابسة, حيث عبر بالمفردة القرآنية (لباس) اللازم للابس.
(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)
تأمل المقطع القرآني:
{فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}
نجد أن القرآن قد استخدم أدوات تعبيرية لتصف هول هذا المشهد وعظمته.
توجد في في الآية استعارتان:
الأولى: تبعية مصرحة, وهي الإذاقة.
الثانية: أصلية مصرحة, وهي اللباس.
جيء بالمفردة (أذاق) التي تستخدم عادة للإحساس بالطعام حلاوة ومرارة وسخونة وبرودة .. الخ ...
القرآن الكريم جاء بها ليعبر عن عمق الشعور والإحساس بالألم والمعاناة, ليعطي للمتلقي صورة حركية ناطقة حول تمكن هذا الألم وهذه المعاناة و العذاب من المشمولين بالخطاب, تماما كتمكن تذوق الطعام من فم من ذاقه.
الأداة التعبيرية الثانية التي أعطت صورة مهولة عن هذا المشهد هي المفردة (لباس) , فاللباس في الحقيقة هو ما يلبس, غير أن القرآن الكريم استخدمه للإشارة إلى التمكن و الإحاطة, حيث أن اللباس - كما هو معلوم - يحيط باللابس ويلازمه ولا ينفك عنه. وفي هذا فن بلاعي وهو الاستعارة.
فهتان المفردتان أفادتا ما يلي:
لباس
المفردة (لباس) لفظ استعير ليعطي دلالة على إحاطة ما أصاب هؤلاء القوم من الجوع والخوف, وتمكنه منهم وملازمته إياهم.
أذاقها:
أفادت استقرار الألم والعذاب في إدراكهم تماما كاستقرار الطعام في الجوف عندما يذوقه الإنسان, فيشعر بطعم الطعام في فمه ويحسه في داخله.
تأمل جمال البيان القرآني في استخدام هاتين المفردتين, وتأمل أنه بجعل الاستعارة الثانية متفرعة على الأولى , حيث أنها لفظها مفعولا للاستعارة الأولى, رسم صورة حركية ناطقة , تجعل المتلقي يشعر بعظم خطر الجوع والخوف وقد أحاطا بأهل القرية إحاطة شمولية متمكنة.
هذا التعبير يتناسب مع عظم الجرم الذي قام به أهل تلك القرية وهو الكفر بأنعم الله تعالى.
النقطة الثالثة حول تقديم الجوع على الخوف:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}
ذكر سبحانه وتعالى الأمن في البداية الأمن ثم أعقبه بذكر الرزق, وكان من المتوقع ذكر الخوف قبل الجوع, إلا أن القرآن الكريم قدم الجوع قبل الخوف, فما السبب في ذلك؟
تقديم الجوع على الخوف في الآية الثانية:
قد يكون سبب تقديم الجوع على الخوف في الأية الثانية, - والله أعلم - ليكون منسجما مع لفظ (أذاق) , فمعروف ارتباط تلك المفردة بالطعام, والعلاقة بين الجوع والطعام.
وهناك احتمال آخر, وهو أن يجيء بعد المتأخر في الذكر , وهو إتيان الرزق, ومن الشواهد القرآنية قوله تعالى في سورة أل عمران:
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108)
تاملوا أنه في الآية الأولى قدم {تبيض وجوه} على {تسود وجوه} في البداية ثم قدم المقطع {اسودت وجوههم} على المقطع {ابيضت وجوههم}.
فسبحان الله .... ما أعظم أيات القرآن العظيم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 12:51 ص]ـ
سبحان الله!
ما أعظم آيات الله!
والله إني أقرأ مشاركاتك - يا دكتور حجي - من قلبي وعقلي لا من لساني والله.
وكأنني ألمس الكلمة، أتحسسها، وأقلبها، وأنظر إليها نظر من قد خبرها وسَبَرَ غورَها.
هذا كله حين تنبري أنت، وتتبرع للحظات، وتأخذنا معك إلى عالم القرآن، فتفتح لنا أبوابَ البلاغة العظيمة، فنشاهد فنبتسم لحظة البشرى، ونخاف وقت الخوف.
أسأل الله لك الفلاح في الدنيا والآخرة.
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 01:39 ص]ـ
حفظ الله دكتور حجي الزويد
قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا)
إضاءاتك تفتح لنا باب التدبر، فتح الله عليك و زادك فهماً و علماً
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 03:47 م]ـ
سبحان الله!
ما أعظم آيات الله!
والله إني أقرأ مشاركاتك - يا دكتور حجي - من قلبي وعقلي لا من لساني والله.
وكأنني ألمس الكلمة، أتحسسها، وأقلبها، وأنظر إليها نظر من قد خبرها وسَبَرَ غورَها.
هذا كله حين تنبري أنت، وتتبرع للحظات، وتأخذنا معك إلى عالم القرآن، فتفتح لنا أبوابَ البلاغة العظيمة، فنشاهد فنبتسم لحظة البشرى، ونخاف وقت الخوف.
أسأل الله لك الفلاح في الدنيا والآخرة.
الأستاذ الفاضل: عبدالعزيز بن حمد العمار
تشعرني كلماتك بالخجل أمام نفسي.
أشكر لك هذه المشاعر التي تعكس شفافية روحك وصفائها.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيد من قوة ارتباطك بالقرآن الكريم, إنه سميع مجيب.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 03:49 م]ـ
حفظ الله دكتور حجي الزويد
قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا)
إضاءاتك تفتح لنا باب التدبر، فتح الله عليك و زادك فهماً و علماً
الأخ العزيز طاوي ثلاث:
حفظك الله ورعاك, وعمق من قوة تدبرك للقرآن الكريم وآياته.
بارك الله فيك وبك.(/)
لمسات جمالية: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 04:30 م]ـ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ.} - فاطر: 36 - 37
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}
تأملوا اللفظ (يصطرخون).
تصف هذه الاية مشهدا لعذاب أهل النار يوم القيامة. في هذه الآية, يضع القرآن الكريم الإنسانَ أمام مشهدٍ حركي يملؤه الصراخ والقلق والاضطراب وعدم الاستقرار, فجاءت الكلمة (يصطرخون) لتععطي بإيقاعها الصوتي هذه المعاني وهذه الدلالات, التي تساعد في نقل صورة واضحة ومتكاملة عن تلك الأجواء المضطربة التي يعيشها أهل النار.
إن من المتأمل لهذا اللفظ يصطرخ, يدرك أن مجيء الأحرف الأربعة - السين والصاد والراء والخاء - متتالية قد أعطى إيقاعا صوتيًا ساعد في رسم ملامح ذلك المشهد المشحون بالقلق والصراخ والاضطراب, بحيث أنه لا يمكن لمفردة أخرى أن تعطي الدلالة نفسها, ذلك لأن كلمة الدلالة الصوتية للكلمة (يصرخون) تختلف عن تلك التي للكلمة (يصطرخون).
يصطرخون: افتعال من الصراخ, وهو شدة الصياح, ويستعمل كثيرا في الاستغاثة.
يصطرخون تفيد الصياح بشدة وجهد, أي يصيحون من شدة ما حل بهم, ويستخدم اللفظ كثيرا في الاستغاثة, ولذا جاء بعده البيان القرآني: {ربنا أخرجنا نعمل صالحا}
أصل الكلمة (يصترخون) فابدلت التاء طاء.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 06:10 م]ـ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ.} - فاطر: 36 - 37
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}
تأملوا اللفظ (يصطرخون).
تصف هذه الاية مشهدا لعذاب أهل النار يوم القيامة. في هذه الآية, يضع القرآن الكريم الإنسانَ أمام مشهدٍ حركي يملؤه الصراخ والقلق والاضطراب وعدم الاستقرار, فجاءت الكلمة (يصطرخون) لتععطي بإيقاعها الصوتي هذه المعاني وهذه الدلالات, التي تساعد في نقل صورة واضحة ومتكاملة عن تلك الأجواء المضطربة التي يعيشها أهل النار.
إن من المتأمل لهذا اللفظ يصطرخ, يدرك أن مجيء الأحرف الأربعة - السين والصاد والراء والخاء - متتالية قد أعطى إيقاعا صوتيًا ساعد في رسم ملامح ذلك المشهد المشحون بالقلق والصراخ والاضطراب, بحيث أنه لا يمكن لمفردة أخرى أن تعطي الدلالة نفسها, ذلك لأن كلمة الدلالة الصوتية للكلمة (يصرخون) تختلف عن تلك التي للكلمة (يصطرخون).
يصطرخون: افتعال من الصراخ, وهو شدة الصياح, ويستعمل كثيرا في الاستغاثة.
يصطرخون تفيد الصياح بشدة وجهد, أي يصيحون من شدة ما حل بهم, ويستخدم اللفظ كثيرا في الاستغاثة, ولذا جاء بعده البيان القرآني: {ربنا أخرجنا نعمل صالحا}
أصل الكلمة (يصترخون) فابدلت التاء طاء.
سلام عليكم - د. حجي - ورحمة الله وبركاته ...
لقد وقفت مبهورًا مدهوشًا، وكأنني أسمع صراخًا وعويلا وصياحًا واستغاثة، وكل ذلك بعدما عرفت - منك - افتعال (صرخ) سبحان الله!
وكأنني أسمع النار تتميز بهم، وهي تسجر بهم - والعياذ بالله - فتحرق أجسادهم، وهم ينادون (ربنا أخرجنا منها ... ).
إننا نحتاجكم يا دكتور كحاجة الجسد للماء توضحون لنا، و تعللون لنا، وتضعون الهناء مواضع النقب؛ فالراية التي تحملونها لا يطيقها البطلة.
جزاكم الله خيرًا على ما قدمتموه، وعلى ما ستقدمونه، وثقوا أنكم موضع تقدير واحترام وثناء.
أنار الله قلوبنا جميعًا للإيمان والعمل الصالح.
دعواتي.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 08:00 م]ـ
نعم ... إنه لهولٌ يخلع القلوب!
نسأل الله - جل شأنه - أن يحرم وجوهنا ووجوه والدينا عن النار.
فتح الله عليك فتوح العارفين العالمين دكتور حجي الزويد.
بانتظار ما يجود به فكرك أيها الفاضل من هذا النبع الثرّ.
ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 11:04 م]ـ
دكتور حجي بارك الله فيك, وحرم وجوهنا عن النار. في الحقيقة إنها مفردة عجيبة, تدل على معجزة القرآن البلاغية, وكما قلت أستاذنا العزيز: إنه لا يمكن استعمال مفردة بديلة لـ (يصطرخون) ,وفي الوقت ذاته تكون بنفس قوة المعنى لهذه المفردة.(/)
سورة النبأ .. وَقَفَاتٌ وَلَفَتَات ..
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[30 - 07 - 2008, 09:42 م]ـ
الحمدلله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه , أما بعد:
ففي هذه الصفحات سأتناول معكم وبمشاركتكم تفسير سورة النبأ , سنتناول في كل مرة آية أو آيتين أو نحو ذلك على ما يتيسر بإذن الله ,
ومن أراد المشاركة فليتفضل مشكورا وله الأجر , على أن ينبهني قبل هذا عبر هذه النافذة أنه سيشرح في مشاركته القادمة الآيات من آية كذا إلى آية كذا ...
وسيكون المنهج في هذا كمايلي:
1 - شرح الكلمات.
2 - المعنى الإجمالي للآية.
3 - اللفتات التي قد توجد في الآيات إذا وجدت وإلا يكتفى بما سبق.
4 - المراجع في هذه النافذة ستكون مقتصرة في مشاركاتي على تفسير ابن كثير والقرطبي
والتحرير والتنوير؛ لذا لن أكرر ذكرها في الشرح , وما خرج عنها سأبينه في موضعه , وأما مشاركاتكم
أيها الكرام فالأمر لكم.
نسأل الله أن يجعلنا من المتدبرين لكتابه , وأن يوفقنا لما يحب ويرضى ... وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 02:04 ص]ـ
ننتظر بفارغ الصبر.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 02:08 ص]ـ
أحسنتِ أيتها المبحرة ..
لنشرعِ الأفئدة لنفحات هذه السورة الكريمة.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 02:31 ص]ـ
أسماؤها وعدد آياتها:
سورة (عم) مكية وتسمى سورة (النبأ) وهي أربعون أو إحدى وأربعون آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)}
الآية الأولى:
{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1 COLOR] }
- معاني الكلمات:
" عم ": لفظ استفهام، ولذلك سقطت منها ألف " ما "، ليتميز الخبر عن الاستفهام.
وكذلك (فيم، ومم) إذا استفهمت.
والمعنى عن أي شئ يسأل بعضهم بعضا.
وقال الزجاج: أصل " عم " عن ما فأدغمت النون في الميم، لانها
تشاركها في الغنة.
يتساءلون:
والتساؤل: تفاعل وحقيقة صيغة التفاعل تفيد صدور معنى المادة المشتقة منها من الفاعل إلى المفعول وصدور مثله من المفعول إلى الفاعل، وتَرد كثيراً لإفادة تكرر وقوع ما اشتقت منه نحو قولهم: سَاءَلَ، بمعنى: سأل، قال النابغة:
أُسائل عن سُعدَى وقد مرَّ بعدنا ... على عَرصات الدار سبع كوامل
وقال رويشد بن كثير الطائي:
يَا أيُّها الراكب المزجي مطيته ... سَائِلْ بني أسد ما هذه الصوت
والضمير في " يتساءلون " يعود لقريش.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: كانت قريش تجلس لما نزل القرآن فتتحدث فيما بينها فمنهم المصدق ومنهم المكذب به فنزلت " عم يتساءلون "؟ وقيل: " عم " بمعنى: فيم يتشدد المشركون ويختصمون.
[ color="navy"]2- المعنى الإجمالي للآية:
عن أي شيء يسأل كفار قريش بعضهم بعضا , وهو استفهام أجاب عنه في الآية التالية {عن النبأ العظيم}.
3 - اللفتات:
افتتاح الكلام بالاستفهام عن تساؤل جماعة عن نبأ عظيم، افتتاح تشويقٍ ثم تهويل لما سيذكر بعده، فهو من الفواتح البديعة لما فيها من أسلوب عزيز غير مألوف ومن تشويق بطريقة الإِجمال ثم التفصيل المحصلة لتمكن الخبر الآتي بعده في نفس السامع أكمل تمكن.
وإذ كان هذا الافتتاح مؤذناً بعظيم أمر كان مؤذناً بالتصدي لقول فصللٍ فيه، ولمّا كان في ذلك إشعار بأهم ما فيه خوضُهم يومئذ يُجعل افتتاحَ الكلام به من براعة الاستهلال.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 03:18 م]ـ
جزاك الله خيرًا مبحرة، الفائدة عظيمة في مشاركتك.
وما زلنا نطلب المزيد، وننتظره بفارغ الصبر.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 05:36 م]ـ
جزاكم الله خيراً
(يُتْبَعُ)
(/)
أخي عبدالعزيز العمار
والأخت ندى الرميح
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 06:40 م]ـ
الآية الثانية: قوله تعالى: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)}
معاني الكلمات:
النبأ العظيم يعني: الخبر الهائل المفظع الباهر الكبير , وسيأتي مزيد تفصيل في اللفتات.
الشرح الإجمالي:
أي: عن أي شيء يتساءلون من أمر القيامة، وهو النبأ العظيم الخبر الهائل المفظع الباهر.
قال قتادة، وابن زيد: النبأ العظيم: البعث بعد الموت. وقال مجاهد: هو القرآن. والأظهر الأول لقوله: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} يعني: الناس فيه على قولين: مؤمن به وكافر.
هكذا رجح ابن كثير - رحمه الله - , وإن كان كلا الأمرين جائز حمل الآية عليه , وهو وارد عن السلف.
اللفتات:
1 - لما كان الاستفهام (في قوله "عم" مستعملاً في غير طلب الفهم حَسن تعقيبه بالجواب عنه بقوله: {عن النبإ العظيم} فجوابه مستعملة بياناً لما أريد بالاستفهام من الإِجمال لقصد التفخيم فبُيِّن جانب التفخيم ونظيره قوله تعالى: {هل أنبئكم على من تنزّل الشياطين تَنَزَّلَ على كل أفّاك أثيم} [الشعراء: 221، 222]، فكأنه قيل: هم يتساءلون عن النبأ العظيم ومنه قول حسان بن ثابت:
لمن الدار أقفرت بمعان ... بين أعلى اليرموك والصُّمّان
ذاك مَغنى لآل جَفْنةَ في الدهر ... وحَقٌّ تقلُّب الأزمان.
2 - عن كلمة النبأ:
النَّبَأ: الخَبَر، قيل: مطلقاً فيكون مرادفاً للَفْظِ الخبر، وهو الذي جرى عليه إطلاق «القاموس» و «الصحاح» و «اللسان».
وقال الراغب: «النبأ الخبر ذو الفائدة العظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة ويكون صادقاً» ا ه. وهذا فرق حسن ولا أحسب البلغاء جَروا إلاّ على نحو ما قال الراغب فلا يقال للخبر عن الأمور المعتادة: نبأ وذلك ما تدل عليه موارد استعمال لفظ النبأ في كلام البلغاء، وأحسب أن الذين أطلقوا مرادفة النبأ للخبر راعَوا ما يقع في بعض كلام الناس من تسامح بإطلاق النبأ بمعنى مطلق الخبر لضرب من التأويل أو المجاز المرسل بالإطلاق والتقييد، فكثر ذلك في الكلام كثرة عسر معها تحديد مواقع الكلمتين ولكنْ أبلغُ الكلام لا يليق تخريجه إلا على أدق مواقع الاستعمال. وتقدم عند قوله تعالى: {ولقد جاءك من نبإِىْ المرسلين} في سورة الأنعام (34) وقوله: {قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون} [ص: 67، 68].
والعظيم حقيقته: كبير الجسم ويستعار للأمر المهم لأن أهمية المعنى تتخيّل بكبر الجسم في أنها تقع عند مدركها كمرأى الجسم الكبير في مرأى العين وشاعَت هذه الاستعارة حتى ساوت الحقيقة.
3 - في وصف النبإ بـ (العظيم):
ووصف {النبأ} ب {العظيم} هنا زيادة في التنويه به لأن كونه وارداً من عالِم الغيب زاده عظمَ أوصاف وأهوال، فوصف النبأ بالعظيم باعتبار ما وُصف فيه من أحوال البعث في ما نزل من آيات القرآن قبلَ هذا. ونظيره قوله تعالى: {قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون} في سورة ص (67، 68).
والتعريف في النبأ} تعريف الجنس فيشمل كل نبأ عظيم أنبأهم الرسول صلى الله عليه وسلم به، وأول ذلك إنباؤه بأن القرآن كلام الله، وما تضمنه القرآن من إبطال الشرك، ومن إثبات بعث الناس يوم القيامة، فما يروى عن بعض السلف من تعيين نبأ خاص يُحمل على التمثيل.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 06:42 م]ـ
جزاك الله خيرًا مبحرة، الفائدة عظيمة في مشاركتك.
وما زلنا نطلب المزيد، وننتظره بفارغ الصبر.
(جميع الكتب يدرك من قراها * * * * * ملال أو فتور أو سآمة
سوى هذا الكتاب فإن فيه * * * * * بدائع لا تمل إلى القيامة)
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 11:29 م]ـ
الأخت الفاضلة مُبحرة في علمٍ لاينتهي:
بارك الله فيك لهذه الإضاءات القرآنية الجميلة, ونحن متابعون لما يبثه قلمك من جمال في ظلال القرآن الكريم.
حول قوله تعالى: {عن النبأ العظيم}.
ذكرتِ أن السياق كأنه: هم يتساءلون عن النبأ العظيم
هذا التحليل منطقي, ويوجد له شاهد قرآني:
{لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} , فالتقدير: هو لله الواحد القهار.
إلا أنه يوجد توجيه آخر في هذه الآية الشريفة, وهو أن يكون قوله تعالى {عن النبأ العظيم} استفهام آخر, ويكون تقدير السياق القرآني:
(أعن النبأ العظيم؟) , وقد حذف حرف الاستفهام للدلالة عليه, كما حذف في قوله تعالى:
{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} الأنبياء: 34
{أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} , فالتقدير: أهم الخالدون؟
تكرر الحرف (عن) مرتين في قوله تعالى:
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
قد ذهب بعض العلماء إلى أن (عن) الأُولى - عم يتساءلون - تعليلية, كأن السياق: لمَ يتساءلونَ عنِ النبأِ العظيمِ.
وذهبوا إلى أن الحرف (عن) في الآية الثانية مسبوق باستفهام مضمر كأن السياق: عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم؟ أو عن النبأ العظيم؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 12:51 ص]ـ
بارك الله فيك
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 05:41 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
" الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ " (3)
(الذي) تعود على النبأ العظيم
والمعنى كما جاء في تفسير القرطبي:
أي يخالف فيه بعضهم بعضا , فيصدق واحد ويكذب آخر ; فروى أبو صالح عن ابن عباس قال: هو القرآن ;
دليله قوله: " قل هو نبأ عظيم. أنتم عنه معرضون " فالقرآن نبأ وخبر وقصص , وهو نبأ عظيم الشأن.
وروى سعيد عن قتادة قال: هو البعث بعد الموت صار الناس فيه رجلين: مصدق ومكذب. وقيل: أمر
النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: وذلك أن اليهود سألوا النبي صلى الله
عليه وسلم عن أشياء كثيرة , فأخبره الله جل ثناؤه باختلافهم
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 02:59 م]ـ
" كَلَّا سَيَعْلَمُونَ " (4)
(كلا) كلمة ردع وزجر
والمعنى:
ثم هددهم فقال: " كلا سيعلمون " أي سيعلمون عاقبة القرآن , أو سيعلمون البعث: أحق هو أم باطل.
و " كلا " رد عليهم في إنكارهم البعث أو تكذيبهم القرآن , فيوقف عليها. ويجوز أن يكون بمعنى
حقا أو " ألا " فيبدأ بها. والأظهر أن سؤالهم إنما كان عن البعث ; قال بعض علمائنا: والذي يدل عليه
قوله عز وجل: " إن يوم الفصل كان ميقاتا " [النبأ: 17] يدل على أنهم كانوا يتساءلون عن البعث
* * * * *
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 04:04 ص]ـ
" ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ " (5)
المعنى:
أي حقا ليعلمن صدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ومما ذكره لهم من البعث بعد
الموت.
وقال الضحاك: " كلا سيعلمون " يعني الكافرين عاقبة تكذيبهم. " ثم كلا سيعلمون " يعني
المؤمنين عاقبة تصديقهم. وقيل: بالعكس أيضا. وقال الحسن: هو وعيد بعد وعيد. وقراءة العامة
فيهما بالياء على الخبر ; لقوله تعالى: " يتساءلون " وقوله: " هم فيه مختلفون ".
وقرأ الحسن وأبوالعالية ومالك بن دينار بالتاء فيهما
* * * * *
اللفتات
جاء في الظلال:
ثم لا يجيب عن التساؤل , ولا يدلي بحقيقة النبأ المسؤول عنه. فيتركه بوصفه. . العظيم. . وينتقل
إلى التلويح بالتهديد الملفوف , وهو أوقع من الجواب المباشر , وأعمق في التخويف:
(كلا! سيعلمون. ثم كلا! سيعلمون!). . ولفظ كلا , يقال في الردع والزجر فهو أنسب هنا للظل الذي
يراد إلقاؤه. وتكراره وتكرار الجملة كلها فيه من التهديد ما فيه
* * *
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 04:14 ص]ـ
يتبع
ـ[محبة القرآن والعربية]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 04:18 ص]ـ
بسمِ اللهِ، والحمدُ لله
والصَّلاةُ والسَّلام على الحبيبِ المُصطفى .. النَّبيّ العربيّ الكريم .. صلاةً وسلامًا دائِمَيْن .. وعلى آلِهِ وصَحبِهِ الغُرّ الميامين .. وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين
السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته
*****************
ما شاء الله
جزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة \ مُبحِرة - نِعم المُبحرة أنتِ -.
رأيتُ هذا الموضوع الطيِّب الوضَّاء لتوِّي .. وأشكُركِ شُكرًا جزيلاً على نقلكِ هذه النفحاتِ العَطِرة من كِتابِ الله - جَلَّ وعَلا -.
وإنى لكِ لمُتابِعة - بإذن الله تعالى-، فاستمري .. بارك الله فيكِ.
وصدق الإمامُ الشَّاطِبيّ - رحمهُ الله - إذ يقول:
وإنَّ كِتابَ اللهِ أوثَقُ شافِع ... وأغنى غَناءً واهِبًا مُتفضِّلاً
وخيرُ جليسٍ لا يُمَلّ حديثُهُ ... وتََرْدادُهُ يزدادُ فيهِ تَجَمُّلاً
فزيدينا تَجَمُّلاً .. جَمَّلَكِ اللهُ بالتََّقوى
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 02:43 م]ـ
متابعين وبانتظار الفوائد.
مع جزيل الشكر.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 09:58 م]ـ
لك خالص الشكر على المرور العطر
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 10:04 م]ـ
نواصل تفسير الآيات , قال تعالى:
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
(يُتْبَعُ)
(/)
الشرح (ويتضمن معاني الكلمات اختصارا):
ثم شرع وتعالى يُبَيّن قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة، الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره، فدلهم على قدرته على البعث، أي قدرتنا على إيجاد هذه الامور أعظم من قدرتنا على الإعادة.
قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا}؟ أي: ممهدة للخلائق ذَلُولا لهم، قارّةً ساكنة ثابتة، والمهاد الوطاء والفراش.
{وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} أي: جعلها لها أوتادًا أرساها بها وثبتها وقرّرها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها.
ثم قال: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} يعني: أصنافا , ذكرًا وأنثى، يستمتع كل منهما بالآخر، ويحصل التناسل بذلك، كقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
وقوله: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} أي: قطعا للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي
في المعايش في عرض النهار.
فائدة:
" سباتا " المفعول الثاني، أي راحة لأبدانكم، ومنه يوم السبت أي يوم الراحة، أي قيل لبني إسرائيل: استريحوا في هذا اليوم، فلا تعملوا فيه شيئا.
وأنكر ابن الانباري هذا وقال: لا يقال للراحة سبات.
وقيل: أصله التمدد، يقال: سبتت المرأة شعرها: إذا حلته وأرسلته، فالسبات كالمد، ورجل مسبوت الخلق: أي ممدود.
وإذا أراد الرجل أن يستريح تمدد، فسميت الراحة سبتا.
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} أي: يغشى الناس ظلامه وسواده، كما قال: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} [الشمس: 4] وقال الشاعر:
فَلَمَّا لَبِسْنَ اللَّيْلَ، أو حِينَ نَصَّبتْ ... له مِن خَذا آذانِها وَهْوَ جَانِحُ ...
وقال قتادة في قوله: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} أي: سكنًا.
وقوله: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}: فيه إضمار، أي وقت معاش، أي متصرفا لطلب المعاش وهو كل ما يعاش به من المطعم والمشرب وغير ذلك.
أي: جعلناه مشرقا مُنيرًا مضيئًا، ليتمكن الناس من التصرف فيه والذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات، وغير ذلك.
يتبع اللفتات ...
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 12:08 ص]ـ
يتبع ...(/)
أمثال القرآن الكريم
ـ[أحلام]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 05:52 م]ـ
أمثال القرآن
في القرآن ثلاثة وأربعون مثلاً: في البقرة: "كمثل الذي استوقد ناراً"، "أو كصيب"، "أن يضرب مثلاً ما بعوضة"، "ومثل الذين كفروا"، "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله"، "فمثله كمثل صفوان"، "ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله"، "أيود أحدكم"، "كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان". وفي آل عمران: "وكنتم على شفا حفرة من النار"، "مثل ما ينفقون". وفي الأنعام: "كالذي استهوته الشياطين". وفي الأعراف: "فمثله كمثل الكلب". وفي يونس: "إنما مثل الحياة الدنيا". وفي هود: "مثل الفريقين". وفي الرعد: "إلا كباسط كفيه إلى الماء"، "أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها"، "مثل الجنة". وفي إبراهيم: "مثل الذين كفروا بربهم"، "كيف ضرب الله مثلاً"، "ومثل كلمة خبيثة". وفي النحل: "ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً"، "وضرب الله مثلاً رجلين"، "وضرب الله مثلاً قرية". وفي الكهف: "واضرب لهم مثلاً رجلين"، "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا". وفي الحج: "فكأنما خرَّ من السماء"، "ضرب مثل". وفي النور: "مثل نوره"، "أعمالهم كسراب بقيعة". وفي العنكبوت: "مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت". وفي الروم: "ضرب لكم مثلاً من أنفسكم". وفي يس: "وضرب لنا مثلاً". وفي الزمر: "ضرب الله مثلاً رجلاً". وفي سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -: "نظر المغشي عليه من الموت"، "مثل الجنة". وفي الفتح: "ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل". وفي الحشر: "كمثل الذي من قبلهم"، "كمثل الشيطان". وفي الجمعة: "مثل الذين حملوا التوراة". وفي التحريم: "ضرب الله مثلاً للذين كفروا"، "وضرب الله مثلاً للذين آمنوا".
وكم من كلمة تدور على الألسن مثلاً. جاء القرآن بألخص منها وأحسن، فمن ذلك قولهم: القتل أنفى للقتل، مذكور في قوله: "ولكم في القصاص حياة".
وقولهم: ليس المخبر كالمعاين، مذكور في قوله تعالى: "ولكن ليطمئن قلبي".
وقولهم: ما تزرع تحصد، مذكور في قوله تعالى: "من يعمل سوءاً يُجْزَ به".
وقولهم: للحيطان آذان، مذكور في قوله تعالى: "وفيكم سمَّاعون لهم".
وقولهم: الحمية رأس الدواء، مذكور في قوله تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا".
وقولهم: احذر شر من أحسنت إليه، مذكور في قوله تعالى: "وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسولُه من فضله".
وقولهم: من جهل شيئاً عاداه، مذكور في قوله تعالى: "بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم".
وقولهم: خير الأمور أوساطها، مذكور في قوله تعالى: "ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط".
وقولهم: من أعان ظالماً سلطه الله عليه، مذكور في قوله تعالى: "كتب عليه أنه من تولاه فأنَّه يضله".
وقولهم: لما أنضج رمَّد، مذكور في قوله تعالى: "وأعطى قليلاً وأكدى".
وقولهم: لا تلد الحية إلا حية، مذكور في قوله تعالى: "ولا يلدوا إلا فاجراً كَفَّاراً".
ـ[نزار جابر]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 05:59 م]ـ
مشكورة أحلام على الموضوع والفائدة العظيمة
بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 07:32 م]ـ
أمثال القرآن
في القرآن ثلاثة وأربعون مثلاً: في البقرة: "كمثل الذي استوقد ناراً"، "أو كصيب"، "أن يضرب مثلاً ما بعوضة"، "ومثل الذين كفروا"، "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله"، "فمثله كمثل صفوان"، "ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله"، "أيود أحدكم"، "كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان". وفي آل عمران: "وكنتم على شفا حفرة من النار"، "مثل ما ينفقون". وفي الأنعام: "كالذي استهوته الشياطين". وفي الأعراف: "فمثله كمثل الكلب". وفي يونس: "إنما مثل الحياة الدنيا". وفي هود: "مثل الفريقين". وفي الرعد: "إلا كباسط كفيه إلى الماء"، "أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها"، "مثل الجنة". وفي إبراهيم: "مثل الذين كفروا بربهم"، "كيف ضرب الله مثلاً"، "ومثل كلمة خبيثة". وفي النحل: "ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً"، "وضرب الله مثلاً رجلين"، "وضرب الله مثلاً قرية". وفي الكهف: "واضرب لهم مثلاً رجلين"، "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا". وفي الحج: "فكأنما خرَّ من السماء"، "ضرب مثل". وفي النور: "مثل نوره"، "أعمالهم كسراب
(يُتْبَعُ)
(/)
بقيعة". وفي العنكبوت: "مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت". وفي الروم: "ضرب لكم مثلاً من أنفسكم". وفي يس: "وضرب لنا مثلاً". وفي الزمر: "ضرب الله مثلاً رجلاً". وفي سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -: "نظر المغشي عليه من الموت"، "مثل الجنة". وفي الفتح: "ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل". وفي الحشر: "كمثل الذي من قبلهم"، "كمثل الشيطان". وفي الجمعة: "مثل الذين حملوا التوراة". وفي التحريم: "ضرب الله مثلاً للذين كفروا"، "وضرب الله مثلاً للذين آمنوا".
وكم من كلمة تدور على الألسن مثلاً. جاء القرآن بألخص منها وأحسن، فمن ذلك قولهم: القتل أنفى للقتل، مذكور في قوله: "ولكم في القصاص حياة".
وقولهم: ليس المخبر كالمعاين، مذكور في قوله تعالى: "ولكن ليطمئن قلبي".
وقولهم: ما تزرع تحصد، مذكور في قوله تعالى: "من يعمل سوءاً يُجْزَ به".
وقولهم: للحيطان آذان، مذكور في قوله تعالى: "وفيكم سمَّاعون لهم".
وقولهم: الحمية رأس الدواء، مذكور في قوله تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا".
وقولهم: احذر شر من أحسنت إليه، مذكور في قوله تعالى: "وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسولُه من فضله".
وقولهم: من جهل شيئاً عاداه، مذكور في قوله تعالى: "بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم".
وقولهم: خير الأمور أوساطها، مذكور في قوله تعالى: "ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط".
وقولهم: من أعان ظالماً سلطه الله عليه، مذكور في قوله تعالى: "كتب عليه أنه من تولاه فأنَّه يضله".
وقولهم: لما أنضج رمَّد، مذكور في قوله تعالى: "وأعطى قليلاً وأكدى".
وقولهم: لا تلد الحية إلا حية، مذكور في قوله تعالى: "ولا يلدوا إلا فاجراً كَفَّاراً".
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... نحن طلابكم - د. أحلام - نفرح بالاستفادة منكم وتواصلكم، فلا تقطعوا عنا الفائدة، ولا تحرمونا من علمكم.
جزاكم الله خيرًا.
ـ[أحلام]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 02:05 م]ـ
الاساتذة الافاضل
شكرا على هذا المرور الطيب
وجزاكم الله خيرا
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 04:54 م]ـ
بارك الله فيك وفي قلمك المعطاء
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 10:01 م]ـ
موضوع رائع،
يقال أيضا في المثل: المحب لايعذب حبيبه. وقال تعالى: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم}
ـ[المغيره]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 10:30 م]ـ
امثال جميلة جدا
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 04:13 ص]ـ
أختي الفاضلة أحلام لله درك، كم هي معلومات قيمة يشار لها بالبنان.
والشكر موصول للجميع
ـ[روضة النعيم]ــــــــ[14 - 06 - 2009, 11:48 م]ـ
بارك الله فيك د. أحلام.
هذه أمثال صريحة، فقد ذكر فيها لفظ المثل صراحة، وامثال مُلمحة أو ضمنية وهي الآيات التي لم يصرح القرآن الكريم بمثليتها، ولم يذكر فيها لفظ المثل.
واختلف في الآيات التي سارت بين الناس وتمثلوا بها. فالسيوطي رأى أن أمثال القرآن على نوعين:
ظاهرة صُرّح فيها بلفظ المثل
وكامنة لا ذكر للمثل فيها، أو ما كانت في معنى المثل، فمن أمثلة الأول قوله تعالى:"مثلهم كمثل الذي استوقد نارا".
ورأى السيوطي الأمثال الكامنة كما أوردها الماوردي عن الحسين بن الفضل حينما سئل عن معنى (خير الأمور أوسطها) في القرآن الكريم فقرأ له ما في معناه من القرآن الكريم وهو قوله تعالى"لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك"ومن خلال الأمثلة التي أوردها السيوطي فإنه يرى أن المثل الكامن: هو ما حمل معنى من معاني الأمثال العامة، وألحق بهذا القسم جزءا ذكر فيه ألفاظا من القرآن الكريم تجري مجرى المثل نحو قوله تعالىك"الآن حصحص الحق".
ومنهم من قسم الأمثال القرآنية إلى:
1ـ مثل موجز وهو آيات أو اجزاء آيات تشتمل على بعض مسائل الدين، أو مبادئ الأخلاق الكريمة بصورة مركزة.
2ـ مثل قياسي أو مفصل: وهو السرد الوصفي أو القصصي الذي يقصد به توضيح معنى ما عن طريق التشبيه والتمثيل.
ومن الأمثال المثلمحة أو الكامنة قوله تعالى:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون".
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد أثارت د. أحلام مشكورة موضوع المثل القرآني الذي يحتاج إلى تسليط الضوء عليه من جميع جوانبه.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[15 - 06 - 2009, 06:02 ص]ـ
جزاك الله خيرا دكتورة على هذا الجهد الوافر والفائدة العميمة
ـ[ابوعلي الفارسي]ــــــــ[20 - 06 - 2009, 03:59 م]ـ
للحسين بن الفضل كتاب اسمه: الأمثال الكامنة في القرآن الكريم، حققه الدكتور علي بن حسين البواب، وطبعته مكتبة التوبة في الرياض، الطبعة الأولى عام 1412 وإليكم بعض ما ذكر فيه مع التصرف اليسير:
قولهم: خير الأمور أوسطها ورد معناه في أربعة مواضع من كتاب الله أولها قوله تعالى: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ} البقرة68،وثانيها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} الفرقان67،وثالثها قوله تعالى: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} الإسراء110،ورابعها قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} الإسراء29.
ومن ذلك أيضا قولهم: من جهل شيئا عاداه، ورد معناه في قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} يونس39،وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} الأحقاف11
ومن ذلك قولهم: في الحركات بركات، ورد معناه في قوله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} النساء100
ومن طريف ذلك قولهم: كرامة عين ألف عين تكرم، ورد معناه في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الأنفال33.
هذا غيض من فيض، وفي الكتاب الكثير من هذه اللآلىء. والحمد لله
ـ[زورق شارد]ــــــــ[21 - 06 - 2009, 12:43 ص]ـ
موضوع شيّق ..(/)
تلوينات الحذف في القراءات القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 12:11 ص]ـ
تلوينات الحذف في القراءات القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
يتعاضد سياق الحذف في الأداء التعبيري مع مقتضى الأغراض، وسياق الحال والمقام، وذلك قصداً لما يُعْرَف بالتعمد في الأداء، ذلك لأن هذه القصدية شرط لوجود أي إبداع حقيقي في سياق اللغة (). وبنية الحذف يتم توظيفها دلالياً في سياق القراءات القرآنية قصداً إلى إبراز دلالات محددة في هذه السياقات، وذلك إنما يتم في إطار تعاضد كلي مع هذه السياقات.
وتتعدد بنية الحذف في سياق القراءات القرآنية ما بين حذف لأحد حروف الكلمة، أو للكلمة بكل مواقعها الإعرابية كالمسند والمسند إليه والمفعول والمضاف والصفة وغير ذلك، تعالقًا مع هذه السياقات، وأداءً لأغراض ومقاصد دلالية وبلاغية فيها.
* فمن ذلك ما نلمسه في قراءة كلمة (مالك) () في قوله تعالى: ? وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ? ().
وحذف الكاف من كلمة (مالك) على الترخيم في النداء. يقول ابن جني: " هذا المذهب المألوف في الترخيم، إلا أن في هذا الموضع سراً جديداً، وذلك أنهم لعظم ما هم عليه، ضعفت قواهم، وذلَّت أنفسهم، وصغُر كلامهم، فكأنّ هذا من مواضع الاختصار ضرورة عليه، ووقوفاً دون تجاوزه إلى ما يستعمله المالك لقوله، القادر على التصرّف في منطقه " (). فهذا الحذف الترخيمي جاء مراعاة لحال أهل النار لما هم فيه من عذاب، فعجزوا عن إتمام الكلام.
ويرى ابن عباس - فيما نُقِلَ عنه - إنكار هذه القراءة بقوله: ما أشغل أهل النار عن الترخيم ()، إذ في الترخيم سياق تدليلي ترويحي لا يجده أهل النار. لكن يمكن القول إنّ الكلام المرخّم هنا يُحتَمَل أداؤه في هذا الإطار إمعاناً في شدة عذابهم، وتصويراً لما يعاينوه من أهوال.
* ومن ذلك قراءة كلمة (يصدر) () في قوله تعالى: ? وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ? ()، في التدليل على حذف المفعول به.
فقراءة الفعل (يَصْدُر) على معنى اكتفاء الفعل بفاعله دون تعديه لمفعول به، وتمام المعنى قبل ذكر هذا المفعول. يقول أبو زرعة: " المراد من ذلك حتى ينصرف الرعاء من الماء، ولو كان (يُصْدِرَ) كان الوجه أن يُذْكَرَ المفعول فيقول: (حتى يُصْدِرَ الرعاءُ ماشيَتَهم)، فلما لم يذكر مع الفعل المفعول، عُلِمَ أنه غير واقع، وأنه (يَصدُر الرعاء) بمعنى ينصرفون عن الماء " ().
أما قراءة الكلمة على الوجه (يُصْدِرَ) فعلى حذف المفعول به، أي: (يُصْدِرَ الرعاءُ ماشيَتَهم)، وما لهذا الحذف من بلاغة تتسق في سياق تراكب المعاني في هذه الآية (). فحذف المفعول هنا على دلالة الاهتمام بالمذكور لا المحذوف، أي الاهتمام بالفعل دون التطرق إلى من وقع عليه هذا الفعل.
* ومن ذلك قراءة كلمة (أحلّ) () في قوله تعالى: ? وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ? ().
فقراءة الفعل بالبناء للمجهول على اعتبار المسند إليه (الدال على لفظ الجلالة) محذوفاً. وهذا الحذف تمّ هنا للاتساق والانسجام التعبيري مع بناء الفعل (حُرِّمَت) للمجهول في صدر الآية السابقة، وبذلك يتحقق التناسب المعنوي، والتشاكل التعبيري في الآية ().
(يُتْبَعُ)
(/)
ويرى أبو حيان أن العطف وسيلة للسبك بين هاتين الآيتين " لأنهما متعاقبتان، إذ أحدهما للتحريم، والأخرى للتحليل، فناسب أن يعطف هذه على هذه " (). وهذا العطف هو الذي سوّغ أن يكون الفعل على صورة المبني للمجهول رعاية للفعل الذي قبله. فالحذف هنا دليل على أن الفاعل هو المولى ? لأنه وحده بيده التحريم والتحليل، وغرض حَذْف المسند إليه هو تعظيم شأن المحذوف.
أما قراءة الفعل بالبناء للمعلوم بإضمار الفاعل، وعودته على أقرب مذكور له، وهو المستفاد من السياق الدال على الذات العلية. فهو كما يرى ابن عاشور بقوله: " أسند التحليل إلى الله تعالى إظهاراً للمنة، ولذلك خالف طريقة إسناد التحريم إلى المجهول في قوله: ?حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ? ()، لأن التحريم مشقة، فليس المقام فيه مقام منة " (). فسياق الحال هو الذي استدعى مثل هذا البناء للمعلوم أو المجهول للفعل في القراءتين.
* ومن ذلك قراءة كلمة (السارق) () بالرفع والنصب في قوله تعالى: ? وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? ().
فقراءة النصب على أنّ الكلمة مفعول به مقدّم. يقول الفراء: " النصب فيها جائز، كما يجوز: أزيدٌ ضربته، وأزيداً ضربته " (). وعلى هذا يكون المعنى على نسق الاهتمام بمن وقع عليه الأمر الإلهي بقطع اليد، ذلك لأن مناط الحكم ليس القطع، وإنما (المقطوع له)، لأنه مناط الاهتمام في هذا التشريع الذي يحفظ للإنسان كرامته وآدميته.
أما قراءة الرفع فهي على حذف المسند (الخبر)، ويُترك إدراك جمالية هذا الحذف للمتلقي. يقول الفراء: " إنما تختار العرب الرفع في (السارق والسارقة) لأنهما غير موقَّتَين فَوُجِّها توجيه الجزاء، كقولك: (من سرق فاقطعوا يده)، فمن لا يكون إلا رفعاً. ولو أردت سارقاً بعينه، أو سارقة بعينها، كان النصب وجه الكلام " (). فالرفع للكلمة في هذه القراءة على دلالة عدم التعيين والتحديد لأشخاص بعينهم، بل الحكم على الإبهام ليشمل في ذاته كل سارق وسارقة، بخلاف قراءة النصب التي تنحو نحو تحديد سارق بعينه بدليل عمل الفعل فيه بالنصب.
كما أن الفراء يرى أن الرفع هنا أيضاً أولى من النصب لتضمن الآية معنى الشرط، إذ القول على دلالة (من يسرق فاقطعوا يده)، فتم رفع كلمة (السارق) على الابتداء هنا لتضمنها معنى الجزاء (الشرط)، وحُذِفَ الخبر للعلم به.
ويرى العكبري أن إعراب (السارق) على الابتداء لا خلاف فيه، لكن " في الخبر وجهان؛ أحدهما: هو محذوف تقديره عند سيبويه: (وفيما يتلى عليكم). ولا يجوز أن يكون عنده (فاقطعوا) هو الخبر من أجل الفاء، وإنما يجوز ذلك فيما إذا كان المبتدأ الذي وصلته بالفعل أو الظرف، لأنه يشبه الشرط، والسارق ليس كذلك. والثاني: أن الخبر (فاقطعوا أيديهما)، لأن الألف واللام في (السارق) بمعنى الذي، إذ لا يُرَاد به سارق بعينه " ().
فالخبر محذوف على الرأي الأول لدلالة العلم به، لأن الحكم تالٍ له في الآية. يقول الألوسي في تعقيبه على رأي السابقين: " الرفع على وجهين؛ أحدهما ضعيف وهو الابتداء، وبناء الكلام على الفعل. والآخر قوي بالغ كوجه النصب، وهو رفعه على خبر ابتداء محذوف دلّ عليه السياق. وإذا تعارض لنا وجهان في الرفع أحدهما قوي و الآخر ضعيف، تعيّن حمل القراءة على القوي " (). وعلى هذا فالأقرب للبلاغة التشريعية هو قراءة الرفع لدلالتها على عموم الحكم وشموله، دون تعيين لمن وُجِّه إليهم مثل هذا التشريع، واعتماد حذف المسند (الخبر) لدلالة السياق عليه.
* ومن ذلك قراءة كلمة (أفحكم) () بالنصب والرفع في قوله تعالى: ? أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ? (). فقراءة النصب لا إشكال فيها، إذ هي على عدّ الكلمة مفعولاً به مقدّم على فعله. وهذا التقديم على دلالة التهكم من هؤلاء الكافرين المصدّقين لفعل الكهّان الذين يحكمون للناس حسب أهوائهم ().
أما قراءة الرفع بالابتداء، فالإشكال فيها في تحديد خبر المبتدأ. وفي هذا رأيان:
(يُتْبَعُ)
(/)
أولهما: أن جملة (يبغون) هي الخبر، والعائد على المبتدأ محذوف، أي يبغونه (). وهذا رأي ضعيف لاعتماده على التقدير في العائد، ثم حذفه لثقل وجوده في الجملة.
والثاني: رأي ابن جني حيث يقول: " إن شئت لم تجعل قوله (يبغون) خبراً، بل تجعله صفة خبر موصوف محذوف، فكأنه قال: (أفحكم الجاهلية حكم يبغونه)، ثم حذف الموصوف الذي هو (حكم) وأقام الجملة التي هي صفته مقامه، أعني يبغون، كما قال الله سبحانه: ? مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ? ()، أي: (قوم يحرفون)، فحذف الموصوف، وأقام الصفة مقامه " (). فالحذف الذي تمّ هنا كان للخبر الموصوف. يقول ابن عطية: " تتجه القراءة على أن يكون التقدير: (أفحكم الجاهلية حكم يبغون)، فلا تجعل (يبغون) خبراً، بل تجعله صفة خبر موصوف محذوف " ().
وهذا الحذف للمسند الموصوف تنعقد دلالته على الإهمال والتحقير المستفاد من السياق المُدَلِّل على فساد ما ذهبوا إليه من أحكام الجاهلية والكهان دون شرع الله وأحكامه.
تلك هي أهم صور التلوين بالحذف في سياق القراءات القرآنية، وما تفرّع عنها من دلالات اتسقت مع معطيات البلاغة في هذه السياقات بما يخدم مسارات المعنى فيها.
الهوامش:
1. - ينظر: د. محمد مفتاح، دينامية النص، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1987، 39.
2. - قرأها الجمهور بإثبات الكاف، وروي حذف الكاف عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود. ينظر: ابن خالويه، مختصر الشواذ، 136. – ابن جني، المحتسب، 2/ 257. – أبو حيان، البحر، 8/ 28.
3. - سورة الزخرف: آية رقم (77).
4. - ابن جني، المحتسب، 2/ 257.
5. - ينظر: ابن خالويه، مختصر الشواذ، 136. – الزمخشري، الكشاف، 4/ 264.
6. - قرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر وشيبة و الحسن وقتادة بفتح الياء وضم الدال (يَصْدُرَ). وقرأ بقية السبعة والأعرج وطلحة والأعمش وابن أبي إسحاق بضم الياء وكسر الدال (يُصْدِرَ). ينظر: ابن مجاهد، السبعة، 492.
7. - سورة القصص: آية رقم (23).
8. - أبو زرعة، حجة القراءات، 543.
9. - ينظر: الفراء، معاني القرآن، 4/ 139.– النحاس، إعراب القرآن، 3/ 234.– مكي، الكشف، 2/ 172.
10. - قرأ حفص والأخوان وخلف وأبو جعفر (أُحِلَّ) بالبناء للمجهول، وقرأ الباقون (أَحَلَّ) بالبناء للمعلوم. ينظر: ابن مجاهد، السبعة، 230. – ابن الفحام، التجريد، 210. – ابن الجزري، النشر، 2/ 249.
11. - سورة النساء: آية رقم (24).
12. - ينظر: ابن عطية، المحرر الوجيز، 2/ 29. – أبو السعود، إرشاد ذوي العقل السليم، 2/ 18.
13. - أبو حيان، البحر، 3/ 401.
14. - سورة النساء: آية رقم (23).
15. - ابن عاشور، التحرير والتنوير، 4/ 24.
16. - قرأ بالنصب عيسى بن عمر وابن أبي عبلة، وقرأ الجمهور بالرفع. ينظر: ابن خالويه، مختصر الشواذ، 32. - أبو حيان، البحر، 3/ 476.
17. - سورة المائدة: آية رقم (38).
18. - الفراء، معاني القرآن، 1/ 306.
19. - نفسه.
20. - العكبري، إملاء ما منّ به الرحمن، 1/ 215. وينظر: سيبويه، الكتاب، 1/ 143 – 144.
21. - الألوسي، روح المعاني، 2/ 402.
22. - قرأ الجمهور بالنصب، وقرأ السلمي وابن وثاب والأعرج وأبو رجاء بالرفع. ينظر: أبو حيان، البحر، 3/ 505.
23. - سورة المائدة: آية رقم (50).
24. - ينظر: الألوسي، روح المعاني، 2/ 418.
25. - ينظر: العكبري، إملاء ما منّ به الرحمن، 1/ 218.
26. - سورة النساء: آية رقم (46).
27. - ابن جني، المحتسب، 1/ 212.
28. - ابن عطية، المحرر الوجيز، 2/ 172.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 05:43 ص]ـ
بوركت
ـ[أحمد رمضان]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 12:44 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
الاستاذ الفاضل و الدكتور العزيز ابن عبد العزيز جزاكم الله خيرا و نفع بكم و زادكم من فضله و من عليكم بعلمه و نور دربكم بتقواه و جعل الفردوس مثواكم
طويلب علم على درب الهدى أسألك الدعاء و جزاكم الله خيرا على حسن المعاملة و سعة الصدر وأكرر أسفى على تقصيرى
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحلام]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 05:54 م]ـ
الاخ الفاضل ابن عبد العزيز الرجداوي جزاك الله خيرا
يمكن ان أضيف على هذا المقال:
من الحذف في القرآن
في البقرة: "فأتوا بسورة من مثله"، وفي يونس: "بسورة مثله".
في البقرة: "إلا إبليس أبى واستكبر"، وفي ص: "إلا إبليس استكبر".
في البقرة: "فمن تبع هداي"، وفي طه: "فمن اتبع".
في البقرة: "وإذ نجيناكم"، وفي الأعراف: "وإذ أنجيناكم".
في البقرة: "يذبحون أبناءكم"، وفي إبراهيم: "ويذبحون".
في البقرة: "حيث شئتم رغداً"، وفي الأعراف: "حيث شئتم".
في البقرة: "وسنزيد المحسنين"، وفي الأعراف: "سنزيد".
في البقرة: "فبدل الذي ظلموا قولاً"، وفي الأعراف: "منهم قولاً".
في البقرة: "وذي القربى"، وفي النساء: "وبذي القربى".
في البقرة: "وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون"، وفي آل عمران: "والنبيون".
في البقرة: "ويكون الدين لله"، وفي الأنفال: "كله لله".
في آل عمران: "من آمن تبغونها عوجاً"، وفي الأعراف: "من آمن به وتبغونها".
في آل عمران: "إلا بشرى لكم ولتطمئن"، وفي الأنفال: "إلا بشرى ولتطمئن به".
في سورة النساء: "فاحشةً ومقتاً وساء سبيلاً"، وفي بني إسرائيل: "فاحشةً وساء سبيلاً".
في الأنعام: "ما لم ينزل به عليكم سلطاناً"، وفي باقي القرآن: "ما لم ينزل به سلطاناً".
في الأنعام: "ولا أقول لكم إني ملك". وفي هود: "ولا أقول إني ملك".
في الأحزاب: "يريد أن يخرجكم من أرضكم"، وفي الشعراء: "بسحره".
في الأعراف: "وإنكم لمن المقربين"، وفي الشعراء: "وإنكم إذاً".
في الأعراف: "قال ابن أمّ"، وفي طه: "قال يا ابن أمّ".
في التوبة: "ولا تضروه"، وفي هود: "ولا تضرونه".
في هود: "ولما جاءت رسلنا"، وفي العنكبوت: "ولما أن جاءت رسلنا".
في يوسف: "ولما بلغ أشده آتيناه حكماً"، وفي القصص: "واستوى".
في النحل: "لكيلا يعلم بعد علم شيئاً"، وفي الحج: "من بعد علم".
في النحل: "وبنعمة الله هم يكفرون"، وفي العنكبوت: "وبنعمة الله يكفرون".
في النحل: "ولا تك في ضيق مما يمكرون"، وفي النمل: "ولا تكن".
في الحج: "كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها"، وفي ألم السجدة: "أن يخرجوا منها أعيدوا فيها".
في الحج: "وإنما يدعون من دونه هو الباطل". وفي لقمان: "من دونه الباطل".
في الشعراء: "ما تعبدون"، وفي الصافات: "ماذا تعبدون".
في النمل: "ومن شكر"، وفي لقمان: "ومن يشكر".
في القصص: "ويقدر"، وفي العنكبوت: "ويقدر له".
في النازعات: "يوم يتذكر الإنسان"، وفي الفجر: "يومئذٍ يتذكر".(/)
تلوينات الزيادة في القراءات القرآنية
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 12:14 ص]ـ
تلوينات الزيادة في القراءات القرآنية
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
قد يقع التلوين في القراءات القرآنية باعتماد فنية الإطناب بالزيادة في هيكل الآية القرآنية من خلال اعتمادها على قراءة معينة. وهذه الزيادة تلحق القراءات في نسقها التعبيري في سياق تكرار العامل، أو حرف العطف، أو ضمير العماد أو الفصل، أو غير ذلك من الزيادات الأدائية.
* فمن ذلك ما نلمسه في قراءة كلمتي (والزبر والكتاب) () بتكرار حرف (الباء) في الكلمتين، وذلك في قوله تعالى: ? فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ? ().
فزيادة حرف الجر (الباء) على سبيل التكرار في كلمتي (الزبر، والكتاب) يقصد منه إثبات المغايرة بين المتعاطفات، وتفصيل سبل الاختلاف فيما بين هذه المتعاطفات. يقول ابن عطية: " إعادتها أيضاً متجه لأجل التأكيد " (). أي تأكيد معنى التغاير المستفاد من الواو عن طريق إثبات شكل هذه المغايرة، إذ البيِّنات في ذاتها غير الكتاب غير الزبر. وهو رأي أبو السعود إذ يقول: " قُرِئَ (وبالزبر) بإعادة الجارّ على أنها مغايرة بالذات للبيِّنات " ().
فالغرض الدلالي من تكرار الجار في (وبالزبر) على قراءة ابن عامر تحقق دلالتين ():
الأولى: إثبات التغاير بين المتعاطفات، وذلك ببيان أن الرسل قد جاء بعضهم بالبينات وهي المعجزات، وبعضهم بالزبر، وبعضهم بالكتاب، على إرادة التفصيل الجامع لفنون الرسالات، ومغايرة هذه الكتب، وعدم اشتراكها في ذواتها.
والثانية: تأكيد هذا التغاير.
ويرى د. أحمد سعد أنّ " اعتبار التأكيد غرضاً لهذا التكرار هو المناسب لنسق الآية الذي ورد في مقام مواساة النبي ? بذكر أحوال الرسل قبله، إذ جاءوا لأقوامهم بشتى الوسائل منذرين ومبشرين، ومع ذلك قوبلوا بالجحود والتكذيب " ().
وهذا القصر لغرض للزيادة في الآية على دلالة التأكيد فيه بعض الإجحاف، إذ إن التأكيد المستفاد هنا إنما تنعقد مقصديته على تعاضده مع دلالة التغاير الواضح بين المتعاطفات، فلا تأكيد إلا بإثبات التغاير المستفاد من توظيف واو العطف أولاً، ثم بإعادة الجارّ على قراءة الزيادة.
* ومن ذلك قراءة قوله تعالى: ? الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ? ()، بإثبات الضمير (هو) وحذفه ().
وقراءة الجمهور بإثبات الضمير على اعتماده مبتدأ به. يقول ابن عطية: " هو في القراءة التي ثبت فيها يحسن أن يكون ابتداء، لأنّ حذف الابتداء غير سائغ " (). وهذا التفسير الدلالي يعتمد بالمقام الأول على فنيات المعطى النحوي الذي يجعل من الضمير (هو) مبتدأ خبره كلمة (الغني)، والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر إنّ؛ خبر جملة اسمية. ويستفاد من إثبات الضمير هنا الدلالة على قصر صفة الغنى الحقيقي لله ? على جهة التحقيق كما قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إلى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ? ().
أما القراءة بحذف الضمير (هو) فتخَرَّج على عدّ هذا الضمير فصلاً يجوز لنا حذفه، وما ذكره هنا إلا لتأكيد الخبر، وتخصيصه بهذا الأمر للمخبَر به.
ويرى الفارسي في إثبات الضمير (هو) كضمير فصل لمحة جمالية تتكئ على ضرورة التأكيد على هذا الإثبات مما يمكننا فيما بعد من حذفه إن شئنا بلا صعوبة. يقول: " ينبغي أن يكون (هو) في هذه الآية فصلاً لا مبتدأ، لأنّ الفصل حذفه أسهل، ألا ترى أنه لا موضع للفصل من الإعراب، وقد يُحذَف فلا يخلّ بالمعنى " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
ولنحاول تأمل سياق الآية بدون الضمير (ومن يتول فإن الله الغني الحميد). ألا نلمح هنا انتظاراً للمعنى المكمِّل فنسأل: نعم إن الله الغني الحميد ماذا؟! أهو أغنى الأغنياء؟! أم ماذا؟ هناك انتظار دلالي لمعنى يتخلَّق في الذهن ولم يكتمل، وهو ما يعبّر عنه في نظريات التلقي الحديثة بأفق التوقّعات. فإذا ما أرجعنا الضمير إلى نسق الآية على قراءة الجمهور فإن الدلالة تتسق مع معطيات السياق القبلي والبعدي، وتتعاضد لإفادة معنى القصر، أي أنّ الله ? هو وحده الغني الحميد.
ويحلل الأزهري هذا الإشكال بقوله: " من قرأ (فإن الله هو)، فـ (هو) عماد، ويسميه البصريون فصلاً، ومعناه: أنّ الله هو الغني دون الخلائق، لأن كلّ غني إنما يغنيه الله، وكلّ غني من الخلق فقير إلى رحمة الله. ومن قرأ (فإن الله الغني الحميد) فمعناه: أن الله الذي لا يفتقر إلى أحد " (). وهذا التحليل يدور في فلك واحد، ويتسق مع إثبات صفة الغنى لله بإثبات الضمير أو حذفه.
أما مكي فيذهب إلى أن " إثبات (هو) أبْين في التأكيد، وأعظم في الأجر، وهو الاختيار لذلك، لأنّ الأكثر عليه " (). وذلك لأنّ الزيادة دوماً ما يُراد منها تحقيق غرض ما، ولذا حشدت قراءة الجمهور بزيادة (هو) كل ما تستطيعه لتقوية معنى الغنى لله وحده، وقصره عليه بالضمير.
ويجمل ابن عاشور هذه المجادلة بقول يوفّق بين القراءتين بالجمع بينهما في تأدية غرض واحد هو إفادة دلالة القصر لهذه الصفة لله ?. إذ " الجملة مفيدة للقصر بدون ضمير فصل، لأن تعريف المسند إليه والمسند من طرق القصر. فالقراءة بضمير الفصل تفيد تأكيد القصر" (). فالقراءة بالضمير لتأكيد القصر المستفاد من تعريف المسند إليه والمسند. وبدون الضمير لإفادة معنى القصر فقط. وهذا تحليل يتسق مع معطى السياق في الآية الكريمة.
* ومن ذلك قراءة جملة (انشق القمر) بزيادة (قد) () في قوله تعالى: ?اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ? (). فقراءة الزيادة على إفادة معنى التوكيد لحدوث هذا الأمر، والتماس سبيل هذا التأكيد بكل الطرق لأنه قد تحقّق وقوعه. يقول ابن جني: " هذا يجري مجرى الموافقة على إسقاط العذر، ورفع التشاكّ، أي: قد كان انشقاق القمر متوقّعاً دلالة على قرب الساعة. فإذا كان قد انشق، وانشقاقه من أشراطها، وأحد أدلة قربها، فقد توكّد الأمر في قرب وقوعها، وذلك أن (قد) إنما هي جواب وقوع أمر كان متوقّعاً. يقول القائل: انظر أقام زيدٌ؟ وهل قام زيدٌ؟ وأرجو ألا يتأخر زيدٌ. فيقول المجيب: قد قام، أي: قد وقع ما كان متوقعاً " (). فهذه الزيادة على إفادة دلالة التوكيد، ورفع الشكّ من نفس السامع لهذا الخبر إذ لم يكن معايناً له، وهو الأكثر، لأن أهل العربية ممن أسلموا لم يُعاينوا معجزة شقّ القمر على عهد المصطفى ?، فيكون التأكيد سبيلاً للتيقن من حدوث هذا الأمر ().
* ومن ذلك قراءة جملة (تحتها الأنهار) بزيادة (من) أو حذفها () في قوله تعالى: ? وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ? ().
فقراءة الزيادة على تحديد الجهة المكانية لجريان هذه الأنهار، وذلك بتقييد جهة التحتية دون إطلاقها وذلك بحرف الجر (من)، أي تحديد مصدر هذه التحتية. فالزيادة هنا على جذب الاهتمام للتفكير في حال هذه الجنات، وبيان ما أعدّه الله لعباده المؤمنين من نعيم، دون الوقوف عند شكل محدد من أشكال هذا النعيم. فكان من معطيات هذا النعيم التفكير في كيفية صياغته ووجوده، فهذه جنات تجري من تحتها الأنهار، تستحق أن تتأمل في كيفية جريان هذه الأنهار من تحت هذه الجنات. يقول ابن عاشور: " قوله (من تحتها) يظهر أنه يفيد كاشف قصَدَ منه زيادة اختصار حالة جري الأنهار، إذ الأنهار لا تكون في بعض الأحوال تجري من فوق. فهذا الوصف جيء به لتصوير الحالة للسامع لقصد الترقب " ().
(يُتْبَعُ)
(/)
فالزيادة هنا على الحثّ بإعمال التفكير في تخيّل محاسن هذا الجنات. ويفنِّد أبو حيان القول في رأي من يرى زيادة (من) بقوله: " من قال إنّ (من) زائدة، والتقدير: تجري تحتها، أو بمعنى في، أي في تحتها، فغير جار على مألوف المحققين من أهل العربية، بل هي متعلقة بتجري، وهي لابتداء الغاية " (). فهو هنا يقول بأصلية (من) في الآية، وأهميتها في السياق لتعلّقها بالفعل (تجري)، إذ يُناط بها تحديد جهة الجريان لهذه الأنهار في هذه الجنّات.
إذن قراءة الزيادة على إطلاق العنان للخيال في محاول تخيّل هيئة هذا النعيم، مما يستدعي تشوّف السامع وتشوّقه لمثل هذا النعيم. وينقل أبو حيان عن مسروق قوله: (أنها الجنة تجري في غير أخاديد، وأنها تجري على سطح أرض الجنة منبسطة) (). وهذا أدعى للخيال الإيماني أن يتمنى دخول هذا النعيم ويلحقه.
وهكذا يطرد نسق التلوين بالزيادة أو عدمها في سياق القراءات القرآنية على ضرورة مراعاة السياق القبلي والبعدي للآية، ورعاية هيكل العلاقات داخل الآية مع نظائرها في السورة القرآنية، وانعقادها على تحقيق وحدة دلالية كلية تتسق والإطار العام لمعطيات السورة.
الهوامش:
1. - قرأ ابن عامر بزيادة (الباء) في (وبالزبر)، وعن هشام في إحدى روايتين (وبالكتاب) بإعادة تكرار (الباء) بعد الواو. ينظر: ابن مجاهد، السبعة، 221.- الداني، المقنع، 106.– ابن الفحام، التجريد، 207.– ابن الجزري، النشر، 2/ 245.
2. - سورة آل عمران: آية رقم (184).
3. - ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/ 429.
4. - أبو السعود، إرشاد ذوي العقل السليم، 1/ 216.
5. - ينظر: الفارسي، الحجة، 3/ 114. – النحاس، إعراب القرآن، 3/ 370. – مكي، الكشف، 3/ 377.
6. - د. أحمد سعد، التوجيه البلاغي، 321.
7. - سورة الحديد: آية رقم (24).
8. - قرأ الجمهور بإثبات الضمير، وهي كذلك في مصاحف أهل مكة والعراق. وقرأ نافع وابن عامر بحذف الضمير، وهي كذلك في مصاحف أهل المدينة والشام. ينظر: ابن مجاهد، السبعة، 627.– الداني، المقنع، 112.
9. - ابن عطية، المحرر الوجيز، 5/ 198.
10. - سورة فاطر: آية رقم (15).
11. - الفارسي، الحجة، 6/ 276.
12. - الأزهري، معاني القراءات، 3/ 57.
13. - مكي، الكشف، 2/ 312.
14. - ابن عاشور، التحرير والتنوير، 18/ 98.
15. - قرأ بزيادة (قد) الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان. وقرأ الجمهور بدونها. ينظر: ابن خالويه، مختصر الشواذ، 147. – ابن جني، المحتسب، 2/ 297.
16. - سورة القمر: آية رقم (1).
17. - ابن جني، المحتسب، 2/ 297.
18. - ينظر: أبو حيان، البحر، 8/ 173. – ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4/ 265.
19. - قرأ الجمهور بدون (من)، وقرأ ابن كثير وأهل مكة بزيادة (من) وكسر التاء الثانية من كلمة (تحتها)، وهي كذلك في مصاحف أهل مكة. ينظر: ابن مجاهد، السبعة، 317. – مكي، التبصرة، 216. – الداني، المقنع، 110.
20. - سورة التوبة: آية رقم (100).
21. - ابن عاشور، التحرير والتنوير، 2/ 33.
22. - أبو حيان، البحر، 1/ 113.
23. - نفسه.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 05:42 ص]ـ
بارك الله فيك(/)
من قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ....... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 12:21 ص]ـ
من قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)
روحا: منكرة للتعظيم، فهو روح، أي روح، فهو للقلوب بمنزلةِ الروحِ للأبدانِ حيثُ يُحيَيها حياةً أبديةً، كما يقول أبو السعود رحمه الله.
ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان: تنويه بمنة الله، عز وجل، على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصلا، وعلى أمته من بعده فرعا.
نورا: تنكير آخر للتعظيم، فهو نور، أي نور، ينير دروب السالكين سبل السلام إلى ربهم عز وجل.
نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا: هداية توفيق وإلهام، فليست إلا للباري، عز وجل، يهدي من يشاء فضلا، ويضل من يشاء عدلا، يرجح ذلك ذكر معمول الهداية: "من نشاء من عبادنا"، والعبودية مظنة الانقياد إلى أمر الله، عز وجل، الشرعي، ولا يكون ذلك إلا لمن هُدِيَ سبيل الرشاد، فهم عباد بمعنى: عابدون منقادون لشرع معبودهم، لا عباد بمعنى مذللون لأمره الكوني، فهذه عبودية يستوي فيها المؤمن والكافر، فلا خروج لذرة من ذرات الكون عن أمر الله، عز وجل، الكوني.
ولا مانع من الجمع بين معنيي الهداية، فكلاهما ثابت لله، عز وجل، فيكون هذا الوحي:
هاديا هداية دلالة وإرشاد لكل البشر ففيه من الأخبار والأحكام ما يصلح أمر المعاش والمعاد، ولا يلزم من هذه الهداية: استجابة المدعو، فكم من ضال عرف الحق فلم يقبله، فصار الوحي حجة عليه لا له، ولا يظلم ربك أحدا.
وفي التنزيل: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)، فقد أضله الله، عز وجل، بعدما بلغته الحجة، فهو مستحق لذلك جزاء وفاقا.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وقوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} يحتمل قولين:
أحدها: وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك.
والآخر: وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه، وقيام الحجة عليه. والثاني يستلزم الأول، ولا ينعكس". اهـ
وهاديا هداية توفيق وإلهام لمن أكرمه الله، عز وجل، بالاستجابة إلى أمره الشرعي، فعرف الحق بدليله، وانقاد له باطنا وظاهرا، وتلك أعظم منة، وأجل نعمة، فبها يستقيم أمر العبد حالا ومآلا.
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ: هداية دلالة وإرشاد لا غير، فهذه وظيفة الرسل، عليهم الصلاة والسلام، ومن سار على دربهم من الدعاة إلى الله، عز وجل، فليس لهم إلا إبلاغ الرسالة، ونصح العباد، والله يهدي من يشاء إلى الاستجابة لداعي الحق، وفي التنزيل:
(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
و: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
فزال بذلك الإشكال في إثبات الهداية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تارة، ونفيها عنه تارة أخرى، فالمثبتة: هداية الدلالة والإرشاد، والمنفية: دلالة التوفيق والإلهام، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير من بلغ عن ربه: فهو أعلم الدعاة إلى الحق، وأنصحهم للخلق، وأبلغهم في اللفظ، فاجتمع فيه: تمام العلم والإخلاص والفصاحة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي الآية: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) من التوكيد:
(يُتْبَعُ)
(/)
التوكيد بـ: "إن"، واللام في: "لتهدي" فقد دخلت على المضارع لمضارعته الاسم في الإعراب، واسمية الجملة التي تدل على الثبوت والاستمرار، فأصلها قبل دخول "إن": وأنت تهدي إلى صراط مستقيم، وفيها، أيضا، التوكيد بالفاعل المعنوي: ففاعل: "تهدي": ضمير مستتر عائد على اسم "إن": كاف المخاطب، فتقدير الكلام: وإنك لتهدي أنت إلى صراط مستقيم، فتأكد الفاعل بوروده مرتين:
مرة مستترا في عامله: "تهدي"، ومرة مذكورا، وإن كان في الإعراب: مبتدأ، فلا يخلو المبتدأ في مثل هذا التركيب من معنى الفاعلية، فهو: مبتدأ في اللفظ، فاعل في المعنى.
وقوله تعالى: (صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ):
تفصيل بعد إجمال، فالبدل: (صِرَاطِ اللَّهِ): هو المقصود أصالة بالحكم، فكان المبدل منه: (صراط مستقيم): موطئا له، فهو على نية الطرح كما قرر النحاة، فكأنه ذكر ابتداء لاسترعاء انتباه السامع ليتساءل: ما الصراط المستقيم؟، فيأتيه الجواب مباشرة في صدر الآية التالية: صراط الله، وفي هذا من التشويق ما فيه.
الذي له ما في السماوات وما في الأرض:
في استعمال الموصول: "الذي"، أيضا، إجمال للتشويق، فما زال السؤال ملحا، عن الله، عز وجل، الذي ضمن الهداية لمن سار على صراطه، فأتت جملة الصلة: "له ما في السماوات": لتبين هذا الإجمال، بعد اشتياق السامع إلى بيانه، فكان الموصول موطئا هو الآخر، لما بعده، وجاءت جملة الصلة مؤكدة لربوبية الله، عز وجل بـ:
تقديم الجار والمجرور: "له": وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والتوكيد كما قرر البلاغيون، فله وحده، جل وعلا، لا لغيره، ما في السماوات والأرض.
وعموم "ما": التي تشمل، في هذا الموضع، كل الكائنات: عاقلة كانت أو غير عاقلة.
وعموم "أل" الجنسية الاستغراقية في: "السماوات" و "الأرض"، فهي تفيد: استغراق عموم ما دخلت عليه، فله كل ما في الكون، مِلْكاً ومُلْكاً، فاللام تفيد: الملكية والاستحقاق، فهو مالك رقاب الخلائق، المتصرف فيها كيف شاء، فله تمام الاستحقاق: كونا وشرعا، فمن تفضل بالخلق ابتداء، ثم هدى ورزق انتهاء، أفلا يكون مستحقا لتمام الألوهية فرعا على تمام ربوبيته؟!، وهذا أمر مطرد في آي الكتاب، فأخبار الربوبية متبوعة بأوامر الألوهية، إذ الثانية لازم الأولى، والأولى ملزومة الثانية.
وفي التنزيل:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فالتقوى في: "لعلكم تتقون" فرع على الخلق في: "الَّذِي خَلَقَكُمْ"، والتقوى من الألوهية والخلق من الربوبية، وهو أمر لا يتسع المقام لسرد أمثلته، وإن كان جديرا بالتتبع والتأمل.
وفي قوله تعالى: (أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ):
تنبيه بـ: "ألا" الاستفتاحية لاسترعاء انتباه السامع إن كان غافلا، ومن ثم أكد ما بعدها بتقديم ما حقه التأخير: "إلى الله"، و"أل" في "الأمور": جنسية استغراقية هي الأخرى، فإلى الله، عز وجل، وحده تصير كل الأمور، وفق قضائه الكوني الذي لا راد له.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 05:42 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 10:04 م]ـ
" فمن تفضل بالخلق ابتداء، ثم هدى ورزق انتهاء، أفلا يكون مستحقا لتمام الألوهية فرعا على تمام ربوبيته؟! "
بلى والله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 08:39 ص]ـ
جزاكما الله خيرا أيها الكريمان على المرور والتعليق.(/)
ما الفرق في المعنى بين (فاعَل) و (تَفاعَل)؟
ـ[حمد]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 06:16 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما الفرق في المعنى بين (فاعَل) و (تَفاعَل)؟
مثل: شاوَر وتشاوَر، ضارَب وتضارب، جافى وتجافى.
ماذا أفادت زيادة التاء يا إخوة؟(/)
من أساليب العرب
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[02 - 08 - 2008, 11:09 م]ـ
:::
من الأساليب البيانية الراقية في كلام العرب أنهم قد يأتون بكلمة إلى جانب كلمة كأنها معها وهي غير متصلة بها، ومن ذلك في القرآن:
" يريد أن يُخرجكم من أرضكم"، هذا قول الملأ، فقال فرعون: " فماذا تأمرون "
ومثله: " أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين"، فقال يوسف: " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب "
ومثله: " إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة "، انتهى قول الملكة، فقال الله عز وجل: "وكذلك يفعلون".
ومثله: " مَن بعثنا من مرقدنا". انتهى قول الكفار، فقالت الملائكة: "هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون".
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 09:09 م]ـ
بوركت أخي على ماخطت يمينك
وسدد الله خطاك
ورفعك في درجات العلم(/)
الذكر في القرآن الكريم
ـ[أحلام]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 03:01 م]ـ
الذكر
الذكر: يذكر ويراد به ذكر اللسان: "فاذكروا الله كذكركم آباءكم".
ويراد به الحفظ: "فاذكروا ما فيه".
ويراد به الطاعة: "فاذكروني".
ويراد به الصلوات الخمس: "فإذا أمنتم فاذكروا الله".
ويراد به ذكر القلب: "ذكروا الله فاستغفروا".
ويراد به البيان: "أوعجبتم أن جاءكم ذكر".
ويراد به الخير: "قل سأتلو عليكم منه ذكراً".
ويراد به التوحيد: "ومن أعرض عن ذكري".
ويراد به القرآن: "ما يأتيهم من ذكر".
ويراد به الشرف: "فيه ذكركم"، "وإنه لذكر لك".
ويراد به العيب: "أهذا الذي يذكر آلهتكم".
ويراد به صلاة العصر: "عن ذكر ربي".
ويراد به صلاة الجمعة: "فاسعوا إلى ذكر الله".
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 07:19 م]ـ
ما أروع مشاركاتك يا دكتورة أحلام!
وإنني متابع بشغف لها.
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 11:02 م]ـ
سبحان الله
كل هذه المعاني في ثلاثة أحرف، ذ ـ ك ـ ر.
جزاك الله خيرا على هذه الفائدة الجليلة.
ـ[أحلام]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 12:06 ص]ـ
كل الشكرالاخوة الافاضل
وشكرا للمرور الطيب
ـ[قصي علي الدليمي]ــــــــ[08 - 08 - 2008, 02:32 م]ـ
(ذكر الله في القرآن الكريم) دراسة موضوعية فنيّة
كان عنوان بحث التخرج في الدراسة الاولية، وبفضل الله فقد نلت على درجة الامتياز فيه
ـ[أحلام]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 10:02 م]ـ
ماشاء الله وتبارك الله
وبارك الله بعلمك استاذنا قصي علي الدليمي
وحفظك الله وحفظ العراق بلد العرب والعربية الاصيلة(/)
" وبئرٍ معطلةٍ وقصرٍ مَشيد "
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 09:58 م]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن البلاغة القرآنية ميدان له سحره وخلابته التي تفضي بذوي العقول إلى التسليم بإعجازالقرآن الكريم، والانبهار بروعة نظمه، ودقة بيانه.
وهذه محاولة - خجلى - للوقوف على آية كريمة من آيات الذكر الحكيم؛ للإسفار عن شيء بسيط من إعجازها البياني:
قال تعالى:" فكأيّن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ". (الحج: 45)
لقد رسم البيان القرآني مصارع أولئك الغابرين من الأمم في صورة حية شاخصة، تحيطها الرؤى، وتتزاحم فيها الأخيلة، في مشهد داعٍ إلى التأمل والنظر، ناطق بالعظات والعبر:
فمنظر السقوف الساقطة على الأرض، ثم تهدُّم حيطانها التي خرّت فوق السقوف (1) يوحي بكمال غضبه - تعالى - عليهم، وشدة أخذه لهم جزاء فرط جرمهم.
وإلى جوار تلك القرى الخاوية على عروشها، تستشرف النفوس الآبار المهجورة الخالية، وفي وصفها (بالمعطلة) (2) ما يذكّر بعمارتها، ويزحم الخيال بكثرة الورد والورّاد فيها.
ثم إلى جوارها: القصور المحكمة البناء (3)، ومع هذا فإنها - بعد هذا الدمار - فانية، خالية، خربة، تملأ النفس بالوحشة، وتستجيش فيها الذكرى والعبرة.
إن الطريقة التي اتخذها الأداء القرآني للتعبير عن الهلاك الدنيوي في هذه الآية، هي أسلوب متفرد، ولا يمكن أن ينهض به سواه؛ حين رسم مشهدًا للهلاك الشامل، والدمار الهائل الذي أتى على القرى، فأباد كل مظهر للبناء، أو معلم للحياة فيها والنماء.
ولم يُورث في النفس - بعد ذلك - إلا بقايا تأمُّل في تلك المصارع، وفلول عظة واعتبار، لافتةً العقول والبصائر إلى التقوى من نفس المصير.
أعاذنا الله وإياكم من غضبه وسخطه، ورزقنا حلمه وعفوه.
(1) (خاوية على عروشها): ساقطة على سقوفها، أي: خرت سقوفها على الأرض، ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف! ينظر: تفسير الكشاف.
(2) (معطلة): متروكة، خالية من أهلها لهلاكهم. ينظر: تفسير القرطبي.
(3) (مشيد): مُجصّص، أو رفيع طويل. ينظر: تفسير الطبري.
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[03 - 08 - 2008, 10:58 م]ـ
سبحان الله
وقع الآيات يدل على أن الهلاك قد أتى على الكل، حاضرة، وبادية.
نعوذ بالله من غضب الله.
جزاك الله خيرا أختي الكريمة.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[04 - 08 - 2008, 06:34 م]ـ
أختي ندى
أسلوب جميل ومحاولة رائعة
ووقفات يعجز القلم عن التعبير عن مدى تأثيرها في النفس
بارك الله فيك
وسلمك الله
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 04:21 م]ـ
سبحان الله
وقع الآيات يدل على أن الهلاك قد أتى على الكل، حاضرة، وبادية.
نعوذ بالله من غضب الله.
جزاك الله خيرا أختي الكريمة.
بوركت ووفقت ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 04:22 م]ـ
أختي ندى
أسلوب جميل ومحاولة رائعة
ووقفات يعجز القلم عن التعبير عن مدى تأثيرها في النفس
بارك الله فيك
وسلمك الله
بارك الله فيك أخيّتي المبحرة، ووفقك إلى كل خير.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 07:46 م]ـ
فقط أحببت أن أسطر شكري وتقديري؛ فقد أصبحت شهادتي مجروحة.
جزاكم الله خيرًا؛ وما زلنا في شغف شديد لما عندكم.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 07:56 م]ـ
فقط أحببت أن أسطر شكري وتقديري؛ فقد أصبحت شهادتي مجروحة.
جزاكم الله خيرًا؛ وما زلنا في شغف شديد لما عندكم.
أثابكم الله على متابعاتكم وتشجيعكم فصحاءَنا الكرام.
وأتمنى أن أكون عند حسن ظنكم، وأخرج ما عندي من تأملات في بلاغة القرآن الكريم، كانت - وما تزال - مجالَ دراسةٍ وبحث.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 08:02 م]ـ
لقد أثبت - أيتها المحاضرة ندى - قوة بلاغية هي عندي محط اهتمام.
وأما حسن الظن فهو في مكان عل فوق ما يتصور سموكم.
زادكم الله سموًّا ورفعة وعلوًّا.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 01:49 ص]ـ
لقد أثبت - أيتها المحاضرة ندى - قوة بلاغية هي عندي محط اهتمام.
وأما حسن الظن فهو في مكان عل فوق ما يتصور سموكم.
زادكم الله سموًّا ورفعة وعلوًّا.
وزادكم، ونفعكم، وأعزكم.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 02:04 ص]ـ
وقفة تأملية تشد القلب قبل البصر، وتهز الكيان قبل الذاكرة، ويا لها من وقفة
ذكرتني بأن منا من يقرأ دون تأمل أو نظر، ويمر بالآية تلو الأخرى دون إعمال فكر
أكرر إعجابي بما قرأت أستاذة، زادك الله رفعة وسموا
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 02:36 ص]ـ
وقفة تأملية تشد القلب قبل البصر، وتهز الكيان قبل الذاكرة، ويا لها من وقفة
ذكرتني بأن منا من يقرأ دون تأمل أو نظر، ويمر بالآية تلو الأخرى دون إعمال فكر
أكرر إعجابي بما قرأت أستاذة، زادك الله رفعة وسموا
وأسجل شكري لطيب حضورك أستاذ مغربي ..
ملأ الله قلوبنا تأملاً وتدبرًا للبيان العظيم.(/)
الطريقة المثلى لدراسة البلاغة وتذوقها
ـ[عارف الحمزي]ــــــــ[04 - 08 - 2008, 02:06 ص]ـ
مما لا يختلف فيه أن معجزة النبى محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم الذي جمع بين دفتيه صدق الأخبار وبلاغة الأحكام والأسلوب.
وقد تعدد اتجاهات العلماء في تحديد سر الإعجاز في هذا الكتاب العظيم وكانت الغالبية ذاهبة إلى أن ذلك السر كائن في بلاغة نظمه.
وعلى هذا القول بنيت الكتب البلاغية قديماً واعتمدت المناهج الدراسية حديثاً وكان هذا الأمر صواباً.
إلا أن الملاحظ إغراق الكتب الحديثة وأعضاء هيئة التدريس في تقرير القواعد البلاغية على ضوء الشواهد الشعرية الفصيحة والاكتفاء من الشواهد القرآنية بما ورد في كتب البلاغة القديمة فقط.
والذي أرى أن هذا الصنيع مناف للغرض الذي وجد لأجله علم البلاغة وهو إبراز إعجاز القرآن الكريم من خلال أسلوبه.
تصور لو أن كل مدرس للبلاغة جعل أمثلة كل درس من القرآن الكريم كيف سيكون أسلوبه قوياً ونتائج درسه يقينية؛ لأن مقاصد القرآن حقيقية ومرادة بخلاف مقاصد الشعراء والكتاب.
وانظر معي إلى بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وما فيه من سحر بلاغي كيف يجذبك نحوه وترتاح إليه وترى بعد ذلك أن البلاغة العربية من خلال القرآن الكريم عزيزة ولذيذة بل وسببا لزيادة الإيمان بالله تعالى وبصدق كتابه " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ".
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[04 - 08 - 2008, 02:18 ص]ـ
فعلا أخي عارفا، وللأسف - نحن المعلمين - نتلقف فتات الشعراء، ونقول: والبلاغة فيه كذا والبلاغة فيه وكذا، وحرمنا أنفسنا روعة البلاغة القرآنية والنبوية بأيدينا.
ـ[عارف الحمزي]ــــــــ[04 - 08 - 2008, 02:36 ص]ـ
أشكرك أستاذي عبد العزيز وأسأل الله تعالى أن يهدينا إلى العلم النافع والعمل الصالح.
وأؤكد على الفكرة السابقة أن عبد القاهر الجرجاني ألف كتابه دلائل الإعجاز - والذي يعد أعظم الكتب البلاغية على الإطلاق - للرد على نظريتين تفسران إعجازالقرآن الكريم.
أولهما: نظرية المعنى التى ترى أن إعجاز القرآن راجع إلى عظمة معانيه.
وثانيتهما: نظرية اللفظ التى ترى أن إعجاز القرآن راجع إلى سحر في ألفاظه.
وخلص إلى أن إعجازه في النظريتن معاً وهي المعاني العظيمة في الألفاظ المناسبة لها وتلك هي نظرية النظم المشهورة.
وهي النظرية التي بواستطها نهتدي إلى بلاغة القرآن الكريم.
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 02:21 م]ـ
صدقت أخي فيما قلته وكتبه، فالقول الراجح في إعجاز القرآن في بلاغته وإعجازه، وفي حسن نظمه، ولم تجد البلاغة نفسها وألقها إلا في روعة القرآن الكريم وبلاغته، وستكون لي وقفات في هذا المنتدى - إن شاء الله - مع البلاغة
القرآنية، فقد درستها، ودرَّستها، وتخصصت فيها، وكتبت فيها كثيرا، فلعل الله
أن ييسر الأمر.
ومع ذلك فللشعر مكانته السامقة، ومنزلته الرفيعة، فلا يصح أن يُصرف النظر عنه، ويقلل من قيمته ومكانته، ولأمر ما سلك المشككون في إعجاز القرآن الكريم
خطوتهم الأولى في الشك في نسبة الشعر الجاهلي، وقد بلينا بقضية الانتحال
أخي الفاضل أن الطريقة المثلى في دراسة البلاغة هي تحليل النصوص الفصيحة من القرآن ومن روائع النبوة، والشعر العربي، وللحديث بقية.
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 03:25 ص]ـ
البلاغة لا تستقل إلا بجناح النقد
والنقد لا يقوم إلا بعُمُد الأدب
والأدب لا يعيش في جو من الأدلجة الموجّهة (بكسر الجيم المشددة وفتحها)
وفي علم المنطق والرياضة: إذا كان (أ) يؤدي إلى (ب)، و (ب) يؤدي إلى (ج)؛ فإن (أ) ـ منطقيا ـ يؤدي (ج).
والسلام عليكم،،،
ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 03:46 م]ـ
هل الأخ عارف يدعو إلى الاكتفاء بالقرآن في دراسة البلاغة وصرف النظر عن غيره من نصوص الحديث النبوي وكلام العرب؟ ما الفكرة تحديدا؟ وما الجديد الذي تدعو إليه، أخي الكريم؟
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 04:21 م]ـ
لا بد أن ننظر للأمر بنظرة واقعية بعيداً عن الآمال و الطموحات.
إن مناقشة قواعد البلاغة من خلال الآيات القرآنية، يجعلها عرضة للأخذ و الرد من مجموعة طلاب و معلمين غير مؤهلين لمناقشة دلالة القرآن الكريم و مقاصدة، و لربما أدى إلى صرف المعنى عن مراده، أو أوقع المتعلمين في شبهات هم في غنى عنها.
قال الله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا)
و الذين يستنبطونه هم العلماء، و المشركون عندما أرادوا الطعن في كتاب الله أرسلوا الوليد بن عتبة لأنه كان أعلمهم ببلاغة العرب.
فدراسة القواعد البلاغية من خلال الشواهد الشعرية و أقوال العرب المأثورة، تكون فيه حرية مناقشة المتعلمين أوسع و يستطيع المعلم أن يبدل و يؤخر و يقدم كيفما شاء. و الواقع يشهد كيف يدخل الطالب و المعلم في نقاش حول ملمح بلاغي معين، فكون أن المتعلم يبقى متلقي فقط لن تفيده بشيء، فإذا اتقن المتعلم القاعدة يمكن حينها الاستشهاد بالقرآن الكريم لبيان إعجازه البلاغي.
و دمتم في حفظ الله و رعايته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عمار الكوفى]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 04:59 م]ـ
الاستشهاد بالقرآن ما أروعه، لكن قضية إنكار المجاز في القرآن قد تصيب المستشهد في مقتلٍ، فما الحل؟
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 07:02 م]ـ
أرى انه لا ضير في المزج بين القرآن والشعر في الشواهد البلاغية ...
ـ[عارف الحمزي]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 10:46 م]ـ
أشكر جميع الإخوة الذين شاركوا في إثراء الفكرة وتقويمها وللتوضيح أنبه على أمور:
1 - أنني أدعو إلى أولوية الشواهد القرآنية في إيضاح القواعد البلاغية يليها الحديث ثم الشعر الفصيح الجميل ذلك أن البلاغة العربية أغراض وإيحاءات تلتمس من نظم الكلام ومعلوم عند كل مسلم أن أغراض القرآن الكريم وكذا الحديث الشريف حقيقية ومقصودة بخلاف أغراض الشعراء والكتاب قفد لا تخطر على بال الشاعر والكاتب , إضافة إلى كون النصوص القرآنية وكذا الحديثية وسيلة لتنمية الإيمان في قلوب دارسي اللغة لما في البلاغة من إبراز إعجاز القرآن وجميل إيحاءاته الخلابة التي أسرت قلوب المشركين فضلا عن المسلمين علاوة على أن مادة البلاغة ربما كانت المادة الوحيدة التي يستطيع أن يستخدمها المدرس في تربية الطلاب وتعديل سلوكهم من خلال النصوص المختارة ولا يكون حينها مخلا بالمنهج المدرسي.
2 - لا أدعو بتاتا إلى استبعاد الحديث والشعر من القاعدة البلاغة تقريرا وشرحا واستشهادا وأظنني إن فعلت ذلك أكون مسرفا في البعد عن الحقيقة وإنما الأمر الأولوية والأفضل كما هو عنوان مقالتي الأساسية (الطريقة المثلي لدراسة البلاغة) ولم أقل الطريقة الوحيدة.
3 - أن دعوى تجرئة المعلمين والمتعلمين على الخطأ في بيان معاني القرآن من خلال استخدام الشواهد القرآنية أمر فيه نظر؛ لأن التفاسير البلاغية التي يمكن أن يستعين بها المدرس كثيرة ومتوافرة والحمد لله كالكشاف والتحرير والتنوير للطاهر بن عاشور وظلال القرآن لسيد قطب وروح المعاني للألوسي ونظم الدرر للبقاعي وكذا كتب المتشابه اللفظي وما أكثرها!.
4 - أن علم البلاغة علم الخواص بل هو في نظري علم خواص الخواص بل لا أشك أن كل علوم اللغة خدم له وبالتالي فإن طالب علم البلاغة ينبغي أن يبذل من الجهد أضعاف ما يبذله غيره من دارسي الفروع اللغوية الأخرى وغيرها وعليه فإن عليه أن يسعى جاهدا لاستخراج شواهد كل درس من دروس البلاغة من القرآن والسنة وفصيح الشعر بنفسه وهذا الأمر لا يحتاج في نظري إلا إلى قرآءة تفسير بلاغي وشرح من شروح الحديث البلاغية وقرآءة متأنية في دوواين كبار الشعراء قديما وحديثا وتدوين كل ذلك في مجلدات خاصة بمعلم البلاغة ودعونا ممن يدعي حب البلاغة ولم يعن نفسه في البحث عن منابعها الأصيلة.
5 - أن البلاغة على طريقة النظم هي سر إعجاز القرآن ولذا ينبغي أن توظف البلاغة لأجل هذا الغرض أساسا ولغيره تبعاً.
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 11:21 م]ـ
فكرتك واضحة إن شاء الله يا أخي عارف:)
ولكن ما رأيك فيمن ركز في دراسة البلاغة القرآنية على مسائل العقيدة، وأهمل ما عداها من مظاهر البيان المتعددة والكثيرة ;)
صدقني يا أخي أنا لا أخشى على البلاغة إلا ممن صرفها عن غايتها المنوطة بها.
وقد تعبنا ونحن نقول للقوم إن البلاغة لا تحتمل فعلكم هذا ولكن لا حياة لمن تنادي ( ops
وكنا عذرناهم في الأدب، وقلنا لعل لهم عذرا وما إخال لهم عذرا؛ أما أن يصل الأمر إلى حمى البلاغة؛ فلا وألف لا. فما لهم عندنا ألا قولنا:
"يا لثارات البلاغة"
"يا لثارات البلاغة"
"يا لثارات البلاغة": mad:
ـ[زورق شارد]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 01:03 ص]ـ
أشكر لك على نبش هذا الموضوع
لكن الحق أن مناهج تعليمنا في السعودية لاتغفل الشواهد القرانية والأحاديث النبوية
حتى في النحو .... ولكن المعول على حسن أداء المعلم وقدرته على التذوق
ففاقد الشئ لايعطيه .... (أليس كذالك؟)
ـ[عارف الحمزي]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 09:38 م]ـ
بلى كذلك.(/)
من روائع القرآن.
ـ[عارف الحمزي]ــــــــ[04 - 08 - 2008, 02:23 ص]ـ
قال ابن فارس - رحمه الله - في كتابه الأفراد:
1 - " كل ما في كتاب الله من ذكر الأسف فمعناه الحزن كقوله تعالى في قصة يعقوب عليه السلام: (يا أسفا على يوسف) إلا قوله تعالى: (فلما آسفونا انتقمنا منهم) فإن معناه أغضبونا , وأما قوله في قصة موسى عليه السلام (غضبان أسفا) فقال ابن عباس: مغتاظاً ".
2 - وكل ما في القرآن من ذكر (البروج) فإنها الكواكب كقوله تعالى: (والسماء ذات البروج) إلا التي في سورة النساء: (ولو كنتم في بروج مشيدة) فإنها القصور الطوال المرتفعة في السماء الحصينة.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[04 - 08 - 2008, 02:30 ص]ـ
ما شاء الله!
رائع أخي عارفًا، ويظل القرآن المعين الذي لا ينضب، والسر الذي يحوم حوله العلماء.
يعرفه البسيط والوسيط والوجيز والعامي والعالم، ويخشع ويخضع لسماعه، وكما تفضلت بذكر قوله تعالى: (ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرًا).
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[04 - 08 - 2008, 11:24 م]ـ
ممكن أن نسمي ذلك بالضوابط العامة للتفسير، ومنه قول ابن عباس رضي الله عنه: كل مافي القرآن " سلطان " فهو الحجة.
وهذه الضوابط منثورة في مقدمات التفاسير، وبعض كتب اللغة، وأتمنى لو أجد كتابا جامعا لهذه المنثورات.
جزاك الله خيرا أخي الكريم على هذه الفائدة.
ـ[عارف الحمزي]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 11:33 ص]ـ
تابع روائع القرآن:
قال ابن فارس في كتابه الأفراد:
3 - وما في القرآن من ذكر (البر) و (البحر) فإنه يراد بالبحر الماء وبالبر التراب اليابس غير واحد في سورة الروم (ظهر الفساد في البر والبحر) فإنه بمعنى البرية والعمران , وقال بعض علمائنا: (في البر): قتل ابن آدم أخاه وفي (البحر): أخذ الملك كل سفينة غصبا.
4 - والبخس في القرآن النقص مثل قوله تعالى: (فلا يخاف بخساً ولا رهقا) إلا حرفا واحدا في سورة يوسف (وشروه بثمن بخس) فإن أهل التفسير قالوا: بخس: حرام.
ـ[محمد المطيري]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 03:46 م]ـ
أخي ابن القاضي اصطُلِح على هذه الضوابط مصطلح الكليات التفسيرية , وقد عُرفت: بـ " ورود لفظٍ أو أُسلوب في القُرآن على معنى أو طريقةٍ مطردةٍ أو أغلبية ".
بُحِثت مجموعة من هذه الكُليات في رسالة ماجستير بعنوان: كليات الألفاظ في التفسير (دراسة نظرية تطبيقية) تأليف بريك بن سعيد القرني. (الطبعة الأولى في ذي الحجة: 1426) , طُبِع الكتاب بمساعدة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه.(/)
"فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ "
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 05:28 ص]ـ
:::
{وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى? عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَ?دْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ?للَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَ?دِقِينَ ( http://javascript<b></b>:Open_Menu()) }23 البقرة
{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَ?تَّقُواْ ?لنَّارَ ?لَّتِي وَقُودُهَا ?لنَّاسُ وَ?لْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَ?فِرِينَ ( http://javascript<b></b>:Open_Menu()) }24 البقرة
قال الزمخشري في قوله "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ ( http://javascript<b></b>:Open_Menu())"
( لو لم يَعْدِلْ من لفظِ الإِتيانِ إلى لفظِ الفعلِ لاسْتُطِيل أن يقال: فإنْ لم تأتوا بسورةٍ من مثله ولَنْ تأتوا بسورةٍ مِنْ مثلِه)
وفي كلامه نظر لا يخفى --إذ ليس من فرق في استخدامه للفظة "لم تفعلوا"أو لفظة "لم تأتوا" من حيث الطول --
وبالمناسبة --
جاء عن بعض المفسرين تفسيرهم التالي "وادعوا شهداءَكم مِنْ دونِ اللهِ إنْ كنتم صادِقين، ولَنْ تَفْعلوا فإنْ لم تَفْعلوا فاتَّقوا النار"--أي لم يفعلوا دعوة الشركاء --وفي تفسيرهم بعد وغلط لا يخفى(/)
التقديم والتأخير في القرآن الكريم
ـ[أحلام]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 03:05 م]ـ
في المقدم والمؤخر
في البقرة: "وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة"، وفي الأعراف: "وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً".
في البقرة: "والنصارى والصابئين"، وفي الحج: "والصابئين والنصارى".
في البقرة والأنعام: "قل إن هدى الله هو الهدى"، وفي آل عمران: "قل إن الهدى هدي الله".
في البقرة: "ويكون الرسول عليكم شهيداً"، وفي الحج: "شهيداً عليكم".
في البقرة: "وما أهلَّ به لغير الله"، وفي باقي القرآن: "لغير الله به".
في البقرة: "لا يقدرون على شيء مما كسبوا"، وفي إبراهيم: "مما كسبوا على شيء".
في آل عمران: "ولتطمئن قلوبكم به"، وفي الأنفال: "به قلوبكم".
في سورة النساء: "كونوا قوامين بالقسط شهداء لله"، وفي المائدة: "كونوا قوامين لله شهداء بالقسط".
في الأنعام: "لا إله إلا هو خالق كل شيء"، وفي حم المؤمن: "خالق كل شيء لا إله إلا هو".
في الأنعام: "نحن نرزقكم وإياهم"، وفي الإسراء: "نحن نرزقهم وإياكم".
في النحل: "وترى الفلك مواخر فيه"، وفي فاطر: "فيه مواخر".
في بني إسرائيل: "ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن"، وفي الكهف: "في هذا القرآن للناس".
في بني إسرائيل: "قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم"، وفي العنكبوت: "بيني وبينكم شهيداً".
في المؤمنون: "لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل"، وفي النمل: "لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا".
في القصص: "وجاء رجل من أقصى المدينة"، وفي يس: "وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 03:20 م]ـ
جزاك الله خيرًا د. أحلام.
ولا أملك إلا أن أقول: سبحان الله. ما أعظم القرآن!
وهذه الآيات على اتفاق لفظها - أحيانًا - إلا أنها تختلف عن بعضها.
فسبحان الله!
ـ[هيثم محمد]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 12:07 م]ـ
وللمزيد من التدبر فى بلاغة القرآن عليك بلمسات بيانية للدكتور الفاضل فاضل السامرائي(/)
من قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدً
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 08:36 ص]ـ
من قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
دعوى لا دليل من نقل صحيح أو عقل صريح عليها، إذ ما حاجة الغني إلى من سواه من خلقه، حتى يتخذ منهم ولدا، على القول بأن "اتخذ" بمعنى: صير، فيكون في الكلام حذف للمفعول الثاني، فتقدير الكلام على ذلك: وقالوا صير الله بعضَ خلقه ولدا، وعلى القول بتعديه إلى مفعول واحد: يصير المعنى: وقالوا عمل أو صنع الله ولدا، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، وهي، أيضا، دعوى باطلة من جنس الدعوى الأولى، فالتقديران باطلان، على كل الأحوال، فالله، عز وجل، غني عن صنع الولد ابتداء، أو اتخاذه من خلقه، فغناه غنى مطلق، لا يحتاج معه إلى غيره، والولد إنما يستعين به والده، فمن ذا الذي يدعي لنفسه هذه المنزلة؟!!، وهل بلغت العقول حدا من الفساد قاست به بديع السماوات والأرض، الذي خلق الوالد وولده، والصانع وصنعته، على المخلوق الذي يفتقر إلى خشاش الأرض، فما دام المخلوق يلد، فخالقه يلد، ما أبطله من قياس تعالى الملك عنه علوا كبيرا!!!!.
سُبْحَانَهُ:
جملة اعتراضية تنزيهية للباري، عز وجل، إذ المقام مقام: رد دعوى نقص يتنزه الباري، عز وجل، عنها.
بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ:
بل: إضراب إبطالي لما سبق، فالحقيقة على عكس ما يعتقد أولئك الضلال فـ:
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: ملكا وتصرفا، فقدم ما حقه التأخير: "له" حصرا وتوكيدا وجاء بصيغة العموم: "ما" ليشمل عمومها كل الكائنات أعيانا وأوصافا، أقوالا وأفعالا، فكلها من خلقه، فالعموم محفوظ لا مخصص له من نقل أو عقل أو حس، فلا ذرة في هذا الكون تخرج عن مشيئته الكونية العامة، قد قهر الخلق فهو فوقهم، له الكبرياء في السماوات والأرض، لا يسأل عما يفعل لتمام قدرته وحكمته وهم يسألون.
و"أل" في "السماوات" و "الأرض": جنسية استغراقية لا مخصص لعمومها، فعمومها، أيضا، محفوظ، فأي مخلوق في أي مكان لا يملك الخروج عن أمره الكوني القاهر، وإن بلغ ما بلغ من العز والسلطان.
"كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ":
تأكيد لما سبق، و "كل": كما قرر الأصوليون: نص في العموم، وقدم هنا، أيضا، ما حقه التأخير لذات الغرض: الحصر والتوكيد، فكل له طائع خاضع، إما كونا وشرعا وهم المؤمنون، وإما كونا وإن خالفوا الشرع المنزل وهم الكافرون.
ومن حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، بإسناد متكلم فيه: "كل حَرْف في القرآن يُذكَرُ فيه القنوت فهو الطاعة".
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ:
بديع: صفة مشبهة تدل على ثبوت الوصف للموصوف، فالله، عز وجل، هو المتصف بذلك أزلا وأبدا، فلا يقدر أحد، مهما بلغ طغيانه، على ادعاء ذلك، فهو من أخص صفات الربوبية، ومن تجرأ فاستخف قومه، فادعى الألوهية، لم يجرؤ على ادعاء خلق نفسه، فضلا عن أن يدعي خلق السماوات والأرض على غير مثال سابق، فالإتيان بهذا الوصف الذي عجز البشر عن الاتصاف به، أو حتى ادعائه زورا أبلغ في إبطال اتصاف الله، عز وجل، باتخاذ الولد الذي هو من صفات الخلق، فالتباين بينهما: ذاتا وصفاتا، أمر لا ينكره إلا مجنون أو مكابر.
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: عموم سبقت الإشارة إليه، فالعمومات في هذا المقام محفوظة لتمام القدرة ونفاذ المشيئة.
وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ:
"أمرا": نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم، كما تقرر في الأصول، وهو أيضا: محفوظ، فإذا قضى الله، عز وجل، أمرا كونيا، بإحياء أو إماتة، برفع أو خفض، بإنجاء أو إهلاك .......... إلخ، فـ:
فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ: والبلاغيون يقولون عن "إنما" بأنها أضعف أساليب القصر، فكأن الكلام، لوضوحه، وتسليم ذوي الفطر السوية والعقول السليمة بمقتضاه لا يحتاج مزيد توكيد، فلا حاجة لاستعمال القصر بـ: النفي والإثبات، كما استعمل في الشهادة: "لا إله إلا الله"، إذ المنازع بلسان المقال أو الحال في شأن الألوهية أكثر من المنازع في شأن الربوبية، مع بطلان حجة كليهما، وإن كان أهل هذا الزمان قد وقعوا في صور من شرك الربوبية: من دعاء غير الله حال الشدة، واحتكام إلى غير شرعته ....... إلخ لم يقع أهل الأزمنة الغابرة فيها، وفي التنزيل: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)، واليوم إذا: ركب كثير من الجهلة الفلك دعوا الولي فلان أو الشيخ فلان!!!!!.
يَقُولُ لَهُ: فيه استدلال لطيف لأهل السنة في إبطال قول المعتزلة بخلق القرآن، إذ القول هو: "المُكَوِن"، فكيف يكون مُكَوَنا في نفس الوقت، فيلزم منه وجود قول آخر يكون: مُكَوِنا آخر، ويلزم الثالثَ رابعٌ ........... إلخ، فيؤدي ذلك إلى التسلسل في المؤثر، وهو أمر ممتنع.
كُنْ فَيَكُونُ: تعقيب يدل على طلاقة القدرة الإلهية.
والله أعلى وأعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 11:34 ص]ـ
"دعوى لا دليل من نقل صحيح أو عقل صريح عليها، إذ ما حاجة الغني إلى من سواه من خلقه، حتى يتخذ منهم ولدا "
قال بعض العارفين: مدار الربوبية يرجع إلى الغنى، ومدار العبودية يرجع إلى الفقر، {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}.
جزاك الله خيرا أخي على هذا الموضوع الرائع.
ـ[هيثم محمد]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 12:03 م]ـ
بوركت أخى مهاجر
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 08 - 2008, 07:01 ص]ـ
جزاكما الله خيرا وبارككما، أيها الكريمان على المرور والتعليق.(/)
مقدمة في بلاغة القرآن وإعجازه
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 05:53 م]ـ
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فقد أنزل الله هذا الكتاب العظيم، فبهر الألباب، وسلب العقول والأبصار، لِما فيه من حق وجلال، فآمنت به بعض النفوس، وعاند بعضها شقاءً وضلالاً، إلاَّ أن كل واحد من هذين الفريقين وقف مبهوراً من بيان القرآن وعظمته، واعترف بروعة بيانه، وعظمة إعجازه.
وهذا الأثر الذي يتركه القرآن في نفوس سامعيه، ذكر الله طبيعته، فقال يخاطب الناس جميعاً: ? يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ? [يونس: 57]، فهو إذن موعظة، والموعظة من شأنها أنها إذا استقرت في قلب سليم فإنها تهزه هزاً عنيفاً، لا تدع في النفس شيئاً مما لا يرضي الله ـ تعالى ـ إلاَّ اقتلعته من جذوره.
وليس في هذا الكلام عجب، فكم من إنسان معرض عن ربه، بعيد عنه كل البعد ما إن يسمع شيئاً من كلام الله، وتلامس شغاف قلبه حتى تراه يهتز من الأعماق متأثراً بعظمة هذا الكلام، مستجيباً لهاتيك الموعظة البليغة.
وقد عبَّر عن هذا المشهد المؤثر جبير بن مطعم ـ رضي الله عنه ـ حينما سمع آيات من القرآن من سورة الطور من فيّ رسول الله ? فخفق فؤاده، وطار لبُّه، وقال: ((كاد قلبي أن يطير)). ()
وهذا مصداق لقوله ـ عز وجل ـ ? لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون? [الحشر: 21]، فالجبل على عظمته وشموخه يخشع ويتصدع، فما بالك بقلب ابن آدم، تلك المضغة الطرية الصغيرة؟!
إذن فهذه هي روعة القرآن التي أخذت بلبِّ ذلك العصر الأول كله مؤمنهم وكافرهم، فأما المؤمنون فهو أمر ظاهر للعيان، والواقع شاهد عليه، وأما المشركون الجاحدون فأذكر شاهداً واحداً من شواهد كثيرة، يدل على إعجابهم وانبهارهم بالقرآن العظيم، وذلك: ماكان من أمر رؤساء كفار قريش أبي جهل، وأبي سفيان، والأخنس بن شريق فقد كان كل واحد منهم يتسلل ليلاً فيصغي إلى رسول الله ? وهو يتلو القرآن، يسمعه، ويلذُّ به، ويُطرب سمعه، حتى إذا قفل كل واحد منهم، وجمعهم الطريق، تلاوموا على هذا العمل أشد اللوم، وتعاهدوا ألاّ يعودوا، ثم هم بعد يعودون إليه ثلاث ليال متتابعة. ()
فنرى في هذه القصة أن كفرهم لم يقف حائلاً بينهم وبين الاستماع إلى القرآن الكريم، والميل إليه، لِما يجدون في نفوسهم من النشوة والانجذاب إليه وهو يُلقى على مسامعهم، وصدق الله ? وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ... ? [النمل: 14]، بل ولأمرٍ ما قال هؤلاء الرؤساء لأتباعهم ? ... لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ... ? [فصلت: 26]؛ وذلك أن هذه المقولة تدل بجلاء ((على الذعر الذي كان يضطرب في نفوسهم من تأثير هذا القرآن فيهم، وفي أتباعهم، وهم يرون هؤلاء الأتباع يُسحرون بين عشية وضحاها من تأثير الآية والآيتين، والسورة والسورتين، يتلوها محمد أو أحد أتباعه، فتنقاد إليهم النفوس، وتهوى إليهم الأفئدة، ويُهرع إليهم المتقون، ولم يقل رؤساء قريش لأتباعهم وأشياعهم هذه المقولة وهم في نجوة من سحر القرآن، فلولا أنهم أحسوا في أعماقهم هزة روَّعتهم ما أمروا أتباعهم هذا الأمر، وما أشاعوا في قولهم هذا التحذير الذي هو أدل من كل قول على عمق التأثير)) ()، ومن هنا يتبين أن المشركين لم يجدوا حلاً لوقف أثر القرآن الكريم في نفوس الناس إلاً بهذا العمل المشين، وما هي إلاَّ حيلة العاجز المغلوب على أمره.
وهذه المؤامرة ـ كما يذكر الطاهر بن عاشور ـ: ((من شأن دعاة الباطل والضلال أن يكمموا أفواه الناطقين بالحق والحجة بما يستطيعون من تخويف وترهيب وترغيب، فهم لا يدعون الناس يتجادلون بالحجة، ويتراجعون بالأدلة؛ لأنهم يوقنون أن حجة خصومهم أنهض، فهم يسترونها ويدافعونها لا بمثلها، ولكن بأساليب من البهتان والتضليل، فإذا أعيتهم الحيل، ورأوا بوارق الحق تخفق خشوا أن يعمَّ نورها الناس الذين فيهم بقية من خير ورشد، عدلوا إلى لغو الكلام، ونفخوا في أبواق اللغو والجعجعة؛ لعلهم يغلبون بذلك على حجج الحق، ويغمرون القول الصالح باللغو، وكذلك شأن هؤلاء)). ()، وإن أعيتهم هذه الحيلة ـ أيضاً ـ ولم يجدوا نفعها
(يُتْبَعُ)
(/)
لجأوا إلى البغي والظلم والقتل؛ بغية أن يوقفوا سير الدعوة ودعاتها، وما علموا أن الله غالب على أمره، وناصر دينه.
وما هذا الانبهار، وذلك الإعجاب الذي شدَّ سامعيه إليه إلاَّ شيء كامن فيه، وهو ذلك الأمر الذي أعجبهم، وهزَّ أريحيتهم، وفعل فعله في كوامن نفوسهم، حتى عدَّه الخطابي وجهاً من أوجه إعجاز القرآن الكريم، حين قال: ((لقد قلتُ في إعجاز القرآن وجهاً آخر ذهب عنه الناس، فلا يكاد يعرفه إلاَّ الشاذ من آحادهم، وذلك صنيعه في القلوب، وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً أو منثوراً إذا قرع السمع خلُص إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس، وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق، وتغشاها الخوف والفَرَق، تقشعر منه الجلود، وتنزعج منه القلوب، يحول بين النفوس ومضمراتها، وعقائدها الراسخة فيها، فكم من عدو لرسول الله ? من رجال العرب وفُتْاكِها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله فسمعوا آيات من القرآن، فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول، وأن يركنوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عداوتهم موالاة، وكفرهم إيماناً، وهو ذلك القرآن العظيم الذي لما سمعته الجن لم تتمالك أن قالت:? إنا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد فآمنا به ... ? [الجن:1 ـ 2])). ()
ولكن بعد هذا الاتفاق على هذه الروعة، والإجماع على تلك العظمة، وعلى ذلك السرِّ المؤثر الذي يجدون إيقاعه يتردد في حنايا النفس وزواياها، بعد هذا كله يفترقون، فقال الكافرون: شعر وسحر، كما حكى الله عن واحد منهم، معبراً عن رأيهم جميعاً في قوله ? فقال إن هذا إلاَّ سحر يؤثر * إن هذا إلاَّ قول البشر ? [المدثر: 24 ـ 25]، وقال المؤمنون: كلام الله رب العالمين، آمنا به كل من عند ربنا، ومن ذلك الزمن مازال الناس على مفترق الطرق في سبب هذه الروعة، وفي بيان ذلك الإعجاز، وقد أشار الخطابي إلى هذا الاختلاف في سبب إعجاز القرآن، في قوله: ((وقد أكثر الناس الكلام في هذا الباب قديماً وحديثاً، وذهبوا فيه كل مذهب من القول، وما وجدناهم بعد صدروا عن رِيٍّ؛ وذلك لتعذر معرفة وجه الإعجاز في القرآن، ومعرفة الأمر في الوقوف على كيفيته)). ()
فهم من ذلك العهد القديم مختلفون، ولا يزالون مختلفين؛ إذ إن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، ولا تُحدُّ وجوه إعجازه، لذا فقد طفق العلماء قديماً وحديثاً ينظرون في أسرار القرآن العظيم، وفي ذكر وجوه إعجازه، والإشارة إليها، والإشادة بها، فذكروا كثيراً من وجوه إعجاز القرآن العظيم. ()
ومع هذا فليس لأحد أن يقصر وجوه إعجاز القرآن الكريم على ماذكره السابقون، بل لا بد أن نعلم علماً يقينياً أن القرآن وإعجازه لا يقف عند حدٍّ معين ((فعلى الرغم من كثرة ما كُتب عن الإعجاز القرآني في القديم والحديث على السواء، فإنه ما يزال قطرة من بحر ما ينبغي أن يُكتب للكشف عن هذه الجوانب التي لا تبلى على كثرة التردد، إذ كلما أمعن الباحثون النظر فيه، وأخلصوا النية له، وامتلكوا وسائل البحث الجاد من علم بالتراث، وفقه في اللغة، وبصر بالأساليب، وذوق أدبي مرهف، صقلته القراءة الواعية المتنوعة تكشف لهم عن عطاء سخي لا ينفد، ومعانٍ جديدة تُؤكد إعجازه)). ()
وسيبقى القرآن الكريم كتاباً مفتوحاً، ونبعاً فياضاً يفيض بالأسرار، والأمور العِظام، التي تشير إلى عظمة هذا الكتاب وإعجازه، وليس لأحد كائن من كان أن يُوصد الباب أمام الباحثين والدارسين، وليس لنا أبداً أن نرد من يقول في القرآن شيئاً محاولاً إظهار إعجازه، ولكننا نقول له: ? قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين? [البقرة: 111]، وبهذا البرهان فلا بأس، ولا حرج، إذ إن القرآن كتاب للأجيال كلها، ولا بد لكل جيل أن ينهل منه، وأن يقول كلمته فيه.
الحواشي والتعليقات:
(1) أخرجه البخاري في كتاب: تفسير القرآن، سورة الطور: 3/ 297.
(2) يُنظر القصة كاملة في السيرة النبوية:1/ 328، لأبي محمد بن عبدالملك بن هشام.
(3) التصوير الفني في القرآن: 14، سيد قطب.
(4): التحرير والتنوير: 24/ 277، للشيخ محمد بن طاهر بن عاشور.
(5) بيان إعجاز القرآن: 71، لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، تحقيق، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن.
(6) المصدر السابق: 21.
(7) للاستزادة في هذا، وللوقوف على أبرز ما قيل في سبب إعجاز القرآن، انظر: ثلاث رسائل في إعجار القرآن، دلائل الإعجاز، إعجاز القرآن للباقلاني، الطراز للعلوي، معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي، إعجاز القرآن للرافعي، النبأ العظيم للدكتور محمد عبدالله دراز، التصوير الفني في القرآن لسيد قطب، الإعجاز البياني للقرآن للدكتورة عائشة بنت الشاطئ، إعجاز القرآن البياني بين النظرية والتطبيق للدكتور حفني محمد شرف، البيان في إعجاز القرآن للدكتور صلاح عبدالفتاح الخالدي، دراسات حول الإعجاز البياني في القرآن للدكتور المحمدي عبدالعزيز الحناوي، الإعجاز القرآني وجوهه وأسراره للدكتور عبدالغني محمد سعد بركة، مباحث في إعجاز القرآن للدكتور مصطفى مسلم، وغيرها.
(8) من بدائع النظم القرآني:6، د. السيد عبدالفتاح حجاب.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 06:16 م]ـ
جزاك الله خيرًا يا د. عبدالعزيز، قد كتبت كلامًا كاملا يغني عن المشاركة والمداخلة تحته، وعلى كل حال أحببت أن أشاركك؛ فاسمح لي - من فضلك - بمداخلة على شاطئ مشاركتك القيمة:
والمشركون أنفسهم اعترفوا بعظمة القرآن - كما تفضلتَ مشكورًا - بألسنهم حتى قال أحدهم:
(إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه يعلو ولا يعلى عليه).
فالله أكبر ما أعظم القرآن!
نسعد بوجودكم ومداخلاتكم وآرائكم ومشاركتكم أيها الدكتور الفاضل.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 05:47 ص]ـ
بارك الله في علمك دكتور عبدالعزيز، وزادك من فضله ..
وألهمنا تدبرَ كلامه، وتذوقَ عجائب بيانه.
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 02:10 م]ـ
قرأت لك: *
ـــــــــــــــــــــــ
ندوة حوار الأربعاء بعنوان:
إعجاز القرآن:
من الإعجاز العلمي إلى الإعجاز الاقتصادي
يعرضه: د. رفيق يونس المصري
مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبدالعزيز
الأربعاء
29/ 12/1425هـ = 9/ 2/2005م
المستخلص
إعجاز القرآن هو إثبات عجز الخَلق عن الإتيان بمثله (مناهل العرفان 2/ 331، كيف نتعامل مع القرآن ص 171). ويفرق الشيخ محمد الغزالي بين إعجاز القرآن ودلائل النبوة، فيرى أن الإعجاز هو أمر خارق للعادة يعجز الإنسان عن الإتيان بمثله في كل العصور، أما ما كان معجزًا لعالم الأمس، دون عالم اليوم، فهو من دلائل النبوة (كيف نتعامل مع القرآن، ص 171).
وقد نزل القرآن على نبي أمي، لا يمكن معه أن يتصور عاقل أن القرآن من صنعه، فلا يمكن أن يأتي بهذا القرآن نبي، كما لا يمكن أن يأتي به غيره، مهما علا كعبه في الفهم والعلم واللغة، بل لا يمكن أن يأتي به العلماء حتى لو اجتمعوا وتعاونوا وانهمكوا وعانوا. قال تعالى:] قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا [الإسراء 88.
وللإعجاز وجوه كثيرة لا حصر لها ولا نهاية (معترك الأقران 1/ 3)، ذكر منها العلماء: الإخبارَ عن الغيوب المستقبلة (البرهان 2/ 95، والإتقان 4/ 8)، وجمعَه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا أحاط بعلمها أحد، في كلمات قليلة، وأحرف معدودة (الإتقان 4/ 20)، والعلومَ المستنبطة منه (الإتقان 4/ 28)، واشتمالَه على جميع أنواع الأدلة والبراهين (معترك الأقران 1/ 456). عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين. قال البيهقي: يعني أصول العلم (معترك الأقران 1/ 14).
ومن وجوه الإعجاز الحديثة، بل والقديمة أيضًا، ما عرف بالإعجاز العلمي. وذهب المراغي إلى أن ذلك لا يعني أن القرآن قد اشتمل على جميع العلوم، جملة وتفصيلاً، إنما المعنى أنه أتى بأصول عامة لكل ما يهم الإنسان معرفته لصلاح الدين وإعمار الدنيا (التفسير العلمي ص 128).
وهذا الضرب من التفسير هو موضع خلاف بين العلماء، فمنهم من منعه كالشاطبي (الموافقات 2/ 55)، ومنهم من أجازه بشروط كالغزالي والرازي والسيوطي من القدامى، ومحمد عبده والمراغي وابن عاشور من المعاصرين (التفسير العلمي ص 146 و150 و171 و229). ولا يشترط أن يكون هذا التفسير العلمي على سبيل القطع والجزم، بل يمكن أن يكون على سبيل الظن أو الاحتمال أو الشك، ولاسيما إذا كانت الآية حمَّالة وجوه. وقد يتعين التمييز بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي، لنكون أكثر تشددًا في الإعجاز منا في التفسير. ذلك لأننا إذا قلنا إن هناك إعجازًا في هذه الآية، بناءً على نظرية ما، ثم تغيرت هذه النظرية، فماذا يقال في الإعجاز المدعى؟ ثم إذا قلنا إن في الآية نفسها إعجازًا، بناءً على نظرية ثانية، أو بحثنا عن آية أخرى تؤيد هذه النظرية، فلن يصدقنا أحد بعد ذلك فيما ندعيه ونزعمه من إعجاز، وربما يصير عندئذ الإعجاز للعلم لا للقرآن! والدقة تقتضي أن الثقة بما يدعيه المفسر من إعجاز علمي أو غير علمي إذا تزعزعت، فإن هذا لا يقتضي نزع الثقة بالقرآن نفسه، فالقرآن أمر آخر. كما أن القول بالتفسير العلمي والإعجاز العلمي لا يعني بالضرورة تصويب كل محاولة تفسيرية في هذا الباب.
(يُتْبَعُ)
(/)
بيّن الغزالي أن في القرآن مجامع علم الأولين والآخرين، ورموزًا ودلالات يختص أهل العلم بدركها، وأن في معاني القرآن متسعًا لأرباب الفهم (إحياء علوم الدين 1/ 260، وجواهر القرآن ص 46).
يقول الزركشي: "كتاب الله بحره عميق، وفهمه دقيق، لا يصل إلى فهمه إلا من تبحر في العلوم" (البرهان 2/ 153).
ويقول مصطفى صادق الرافعي: "إن في هذه العلوم الحديثة على اختلافها لعونًا على تفسير بعض القرآن والكشف عن حقائقه" (إعجاز القرآن ص 128).
هذه هي بعض أقوال المجيزين للتفسير العلمي، أما المانعون له فنذكر منهم الشاطبي، ثم نذكر رد ابن عاشور عليه.
يقول الشاطبي: "إن كثيرًا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ماتقدم لم يصح. وإلى هذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه وما أودع فيه ( ... ). وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا، نعم تضمن علومًا هي من جنس علوم العرب أو ما ينبني على معهودها ( ... ). وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى:] ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء [النحل 89، وقوله:] ما فرطنا في الكتاب من شيء [الأنعام 38، ونحو ذلك. فأما الآيات فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، والمراد بالكتاب في قوله:] ما فرطنا في الكتاب من شيء [: اللوح المحفوظ، ولم يُذكر فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية ( ... ). فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، كما أنه لا يصلح أن ينكَر منه ما يقتضيه. ويجب الاقتصار في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة ( ... ). فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضلَّ عن فهمه، وتقوَّل على الله ورسوله فيه ( ... ). فلا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ( ... ). فالتعمق في البحث فيها، وتطلّب ما لا يشترك الجمهور في فهمه خروج عن مقتضى الشريعة الأمية، فإنه ربما جمحت النفس إلى طلب ما لا يطلب منها، فوقعت في ظلمة لا انفكاك لها منها ( ... )، لأن ذلك لم يكن من معهود العرب ولا من علومهم ( ... ). فلا يصح الخروج عما حدَّ في الشريعة، ولا تطلُّب ما وراء هذه الغاية، فإنها مظنَّة الضلال ومزلَّة الأقدام " (الموافقات 2/ 55 - 63).
هذا هو كلام الشاطبي، أما ابن عاشور فلا يرى رأيه، بل يرى أن المفسر لا يلام إذا أتى بشيء من تفاريع العلوم، مما له خدمة للمقاصد القرآنية، على وجه التوفيق بين المعنى القرآني والمسائل الصحيحة من العلم، بشرط أن يسلك في ذلك مسلك الإيجاز وعدم الاستطراد. كما يرى ابن عاشور أن كلام الشاطبي: "مبني على ما أسسه من كون القرآن لما كان خطابًا للأميين، وهم العرب، فإنما يُعتمد في مسلك فهمه وإفهامه على مقدرتهم وطاقتهم، وأن الشريعة أمية، وهو أساس واهٍ ( ... )، لأن القرآن لا تنقضي عجائبه، يعنون: معانيه ( ... )، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه" (تفسير ابن عاشور 1/ 42 - 45). وبهذا ميز ابن عاشور بين الشريعة و بين الرسول صلى الله عليه وسلم والعرب وقت نزول القرآن، فقبل أمية الأميين ورفض أمية الشريعة. كما ذهب إلى أن أمية العرب في ذلك الوقت لا تعني أنهم مستمرون على أميتهم في كل وقت.
يرى أنصار التفسير العلمي أن له مزايا، منها:
- تجنب تقييد الحريات الفكرية والعلمية، واتقاء الحجر على العقول؛
- حث المسلمين على حب الاستطلاع والتأمل والبحث والنظر والاجتهاد وعلو الهمة والتفوق العلمي، ومتابعة العلوم والأفكار والمعارف، ومحاولة ضبطها وربطها بالقرآن، واسترشاد المسلمين به في بحوثهم. وبهذا يصبحون أكثر تحفزًا وتشوقًا إلى طلب العلم والتفوق فيه ومزاحمة علماء الأمم الأخرى المتقدمة؛
(يُتْبَعُ)
(/)
- تلافي الفكر الخامد، والفهم الجامد، والنظر الضيق الذي يقف بمعاني القرآن عند معهود أمة لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، عند معهود العرب الأميين القدامى، ومخاطبة الناس في كل عصر على قدر عقولهم وعلومهم، ومواكبة التطور العلمي والفكري، وتقدم أدوات الرصد والملاحظة والتجربة والتحليل. قال القرافي: "الجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين" (الفروق 1/ 177)، حتى لقد كثر الحفاظ، وقلّ المفكرون، ونضبت القرائح (تفسير طنطاوي جوهري 2/ 203)؛
- دعم حركة التفسير وعلومه، والتعرف على وجوه جديدة للإعجاز، فالقرآن متجدد الإعجاز، لا تنقضي عجائبه، ولا ينضب معينه، ولا يبلى على كثرة الرد (الترداد)؛
- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، فإنهم يفهمون الإعجاز العلمي أكثر مما يفهمون الإعجاز اللغوي، والقرآن نزل على العرب الأميين، ولكنه ليس لهم وحدهم، بل هو للناس جميعًا (مناهل العرفان 2/ 100): لكل الطبقات ولكل الأمم ولكل الأجيال، فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. هذا إلى أن كثيرًا من العرب أنفسهم، وربما من علمائهم، ولاسيما في العصور المتأخرة، لم يعودوا يدركون الإعجاز اللغوي، ولا يعرفون من علوم اللغة وآدابها ما يمكنهم من الوقوف جديًا على هذا الإعجاز. كما أن من الجدير بالذكر هنا أن المسلمين غير العرب هم أكثر عددًا بكثير من المسلمين العرب.
- الرد على شبهة القائلين بأن هناك عداوة أو تناقضًا بين الدين والعلم. وإذا كان من الضروري إثبات عدم التناقض بين الدين والعلم، فهذا يقتضي عدم الوقوف عند هذا الحد، ويستتبع أن يكون هناك تفسير علمي مستمر لإثبات عدم التناقض، بل لإثبات الإعجاز. فلا تعارض بين كتاب الله المقروء وكتاب الله المفتوح، لأن مصدرهما واحد، هو منزل القرآن وخالق الكون، هو الحق تبارك وتعالى، والحق لا يتناقض. وإن العقل الصريح لا بد وأن ينسجم مع الدين الصحيح. ذلك أن الدين جاء بما يعجز عقلُ الفرد والمجموع عن دَرْكه، ولم يأت أبدًا بما يناقضه. فالعقل يوصل إلى الدين، والدين يقوي العقل، والعقل والدين نعمتان من نعم الله، لا يجوز لأحد تعطيلهما، أو العمل بما ينافيهما. ثم إن التفقه في الدين (النقل) لا بد أن يكون مقصوده تقويم العقل وتسديده، لا إلغاءه وتعطيله. وإن الإسلام بما فيه من كمال وجمال ما فتئ يشد الناس إليه، إما تثبيتًا لهم عليه، أو تحويلاً لهم من غيره إليه. وما أكثر ما توافر العلماء على دراسة أصوله في القرآن والسنة، سواء أكانوا من المسلمين أو من غيرهم، فكان ذلك سببًا في اكتشاف المزيد من وجوه إعجازه، في ميادين البلاغة والنظم والعقائد والأخلاق والتشريع. ولا تزال هناك دائمًا وجوه جديدة تكتشف مع الأيام، ومع تطور العلوم والمعارف، تشعر الناس بأن هذا الدين هو الدين الحق الذي] لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد [فصلت 42. وكلما زاد العلماء علمًا ومعرفةً واختصاصًا وصفاءً، زاد تقديرهم للإسلام، فإذا ما تراءى لهم شيء يتنافى مع هذا التقدير، فإنه لا يلبث أن يزول بالتمحيص، أو بالوصول إلى أن ذلك ما كان إلا نتيجة تفسير أو شرح أو فقه بشري، فيخطئ البشر، ويدركون يومًا بعد يوم أن للعقل البشري حدودًا، وأن للعلم البشري نهايات، وأن البشر ما أوتوا من العلم إلا قليلاً، وذلك في جنب علم الله الواسع المحيط.
ولو سار الناس في المسار الصحيح، لما زادهم علمهم إلا تمسكًا بدين الله، ولما زادهم دينهم إلا علمًا، ومن لم يوصله إلى الدين عقله أوصلته فطرته، لكنها الأغراض الدنيوية والشهوات هي التي تحول دونهم والرؤية الصحيحة، وهي التي تمنع الإيمان أو تضعفه.
سئل مرة الدكتور غرينييه، المسلم الفرنسي المعروف، والعضو السابق في مجلس النواب، عن سبب إسلامه، فقال: "لو أن كل صاحب فن من الفنون، أو علم من العلوم، قارن كل الآيات القرآنية المرتبطة بفنه أو علمه مقارنة جيدة، كما فعلت أنا، لأسلم بلا شك، إن كان عاقلاً، وخاليًا من الأغراض" (أوروبا والإسلام لعبد الحليم محمود ص 103).
(يُتْبَعُ)
(/)
وأعلن ليون روشي، وهو باحث فرنسي مسلم، في كتابه: "ثلاثون عامًا في الإسلام": "أن هذا الدين الذي يعيبه الكثيرون إنما هو أفضل دين عرفته. فهو دين فطري، اقتصادي، أدبي. ولقد وجدت فيه حل المسألتين (الاجتماعية والاقتصادية) اللتين تشغلان بال العالم طرًا: الأولى في قوله تعالى:] إنما المؤمنون إخوة [الحجرات 10، فهي أجمل مبادئ التعاون الاجتماعي، والثانية في فريضة الزكاة في مال كل ذي نصاب، بحيث يكون للدولة أن تستوفيها جبرًا إذا امتنع الأغنياء عن أدائها طوعًا" (الاقتصاد الإسلامي لأحمد جمال، ص 36).
ولقد لخص غارودي سبب إسلامه بأنه وجد في الإسلام إجابة عن الأسئلة التي كان يطرحها دائمًا على نفسه، فراقه:
1 – احترام الإسلام للديانات السماوية السابقة، وتوقيره لأنبيائها ورسلها؛
2 – وإخضاع الإسلام العلومَ والفنون والتقنيات للمبادئ الدينية الإنسانية السامية، وجعلُها وسائل لسمو الإنسان وارتقائه، لا لانحطاطه وتدميره؛
3 – وشمول الإسلام لكافة جوانب الحياة (مستقبل الإسلام في الغرب، ص 7)
ونحن في هذا البحث، نتأسى بالمجيزين للتفسير العلمي مع مراعاة الشروط، بالبعد عن التكلف والتعسف والإطالة والاستطراد. فالإغراق في التفسير العلمي وحشوه بتفصيلات العلوم لا ريب أنه يخرجنا من نطاق التفسير، ويشغل القراء عن مقاصد القرآن، وربما يصدهم عن التفسير نفسه.
عن أبي جُحيفة قال: قلت لعلي رضي الله عنه: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم (صحيح البخاري 1/ 38). وقال ابن عباس، ترجمان القرآن: تفسير القرآن على أربعة أوجه:
- تفسير لا يقع جهله؛
- تفسير تعرفه العرب بألسنتها؛
- تفسير يعلمه العلماء؛
- تفسير لا يعلمه إلا الله تعالى (تفسير أبي حيان 3/ 28).
وتفسير العلماء يختلف باختلاف علومهم، فمن كان عالمًا بالنحو كان تفسيره معنيًا بالنحو، ومن كان عالمًا بالصرف، كان تفسيره معنيًا به، ومن كان عالمًا بالبلاغة أو الفقه فكذلك. ومن كان عالمًا بالنفس أو الاجتماع أو الاقتصاد فإن كلاً منهم يكون أبرع من الآخر في التقاط المعاني المتصلة بعلمه.
سُئل أحد العلماء (لعله ابن باديس): ما خير تفسير للقرآن؟ فأجاب: الدهر، يعني: العلوم والمعارف والأفكار والحوادث والتجارب (مناهل العرفان 2/ 104).
وليس هناك خطر على القرآن نفسه من التفسير العلمي، فالقرآن محفوظ بحفظ الله، أما التفسير فهو اجتهاد بشري يصيب ويخطىء، ولا يخلو تفسير قديم أو حديث من عيب، وإننا لمحتاجون في كل عصر إلى تفسير جديد، فإن تطور العلوم والمعارف يجعلنا ندرك من القرآن ما لم يدركه السابقون، والمفسر إنما يفسر في حدود علمه في كل عصر. ولا يبعد أن كل تفسير سابق قد لاقى مقاومة في وقته. وإذا أسرف بعض المفسرين في الإعجاز العلمي، فهذا لا يقتضي محاربة الإعجاز العلمي كله، بل يقتضي فقط محاربة الإسراف فيه والشطط. ومن اشتغل بمقاومة هذا الإعجاز العلمي، فقد انشغل عن شرف الإسهام فيه وتقويته وتهذيبه وتشذيبه.
إن كل ما نكتبه في التنمية والعمران والاقتصاد الإسلامي إنما هو في نهاية المطاف شرح للسنة وتفسير للقرآن، فمن أنكر الإعجاز الاقتصادي فعليه أن ينكر الاقتصاد الإسلامي من أصله. ومن أنكر الإعجاز العلمي فعليه أن ينكر التفسير بالرأي، وأن يقتصر على التفسير بالمأثور، ومن بالغ فأنكر الإعجاز العلمي فعليه ألا يبالغ فينكر التفسير العلمي أيضًا. وقد تدبرت القرآن فوجدته كتاب تنمية شاملة، تنمية إنسانية وإدارية واقتصادية واجتماعية ودينية وخلقية ... ألم يكن القرآن هو أصل نهضة المسلمين، في جميع الميادين؟ وإذا قيل إن القرآن كتاب هداية، فهذا لا يتضارب مع ما قلناه، لأنه سيهدينا بكل تأكيد إلى التنمية والنهضة والتقدم.
ومن المستحسن ألا يفسر المفسر جميع القرآن، فهناك من فعل ذلِك، واكتفى بالنقل، ولم يضف شيئًا، والأفضل أن يفسر كل عالم ما هو داخل في اختصاصه، وكلما ازداد المفسر علمًا ولغةً ازداد إدراكه لما في القرآن من إعجاز. قال تعالى:] سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق [فصلت 52، وقال أيضًا:] وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [العنكبوت 48، وقال أيضًا:] قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون [الأنعام 97،] لقوم يفقهون [الأنعام 98.
في جلسات الحوار القادمة، سندخل بإذن الله في التفسير العلمي الاقتصادي، ولعل النماذج المختارة من علم الاقتصاد تعدّ من باب الحقائق والقوانين الاقتصادية، التي إذا ما فسرت بها الآيات المختارة وصلنا إلى الإعجاز الاقتصادي، ولم نقف عند حد التفسير الاقتصادي. فيجب ألا نخلط بين التفسير والإعجاز، فمرتبة الإعجاز أعلى من مرتبة التفسير.
الأربعاء د. رفيق يونس المصري(/)
من غريب اللغة، وجمالها
ـ[محمد سعد]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 12:02 ص]ـ
ومن غرائب هذا الباب أن يأتي المفعول بلفظ الفاعل، كقوله تعالى: " لا عاصم اليوم من أمر الله " أي: لا معصوم، وكذلك قوله: " من ماء دافق " أي: مدفوق، وقوله: " في عيشة راضية " أي: مرضي بها، وقوله: " وجعلنا آية النهار مبصرة " أي: مبصر فيها، وأن يأتي الفاعل بلفظ المفعول به كقوله تعالى: " إنه كان وعده مأتيا " أي آتياً.
ـ[سهى الجزائرية]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 12:11 ص]ـ
فعلا لغة الضاد. نعتز بها ونفخر. فهي درة كامنة في ذاتها ومتوهجة مشعة مقرة بانها جوهرة غالية لدى اصحابها. وهذا فعلا ان دل على شيء انما يدل على عظمة الرسالة التي تحملها ألا وهي رسالة سماوية. فسبحان من اقرها ترجمانا لرسالته
انتقاء طيب اخي العزيز ........
ـ[محمد سعد]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 12:12 ص]ـ
الخصوص في معنى العموم
في قوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء "
وجاء العموم بمعنى الخصوص في قوله:
" يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً "
ومن الحمل على المعنى قوله تعالى:
" وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " كأنه قيل: من زينه؟ فقيل: شركاؤهم.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 05:01 ص]ـ
بارك الله فيك أخي محمدًا، وشكر الله جهدك.
ـ[قطرة ندى]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 11:24 م]ـ
شاكرين لك هذا العطاء الدائم::
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 08:28 ص]ـ
شكرا لكم جميعاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
أخي الفاضل محمد سعد وفقك الله
كما تفضلت بأن اسم الفاعل يأتي مكان اسم المفعول وقد ورد ذلك في الشعر في قول الحطيئة (فأنت الطاعم الكاسي) في هجاءه للزرقان.
ولكن السؤال ما هي الحكمة في وضع اسم الفاعل مكان اسم المفعول؟ لِمَ لم نأتي بكل اسم في مكانه.
وجزاكم الله خيرا(/)
أثر عِلمِ المعاني في بَلاغة الكلام
ـ[محمد سعد]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 02:01 ص]ـ
أنه يبين لك وجوب مطابقة الكلام لحال السامعين والمواطن التي يقال فيها، ويُريك أن القول لا يكون بليغاً كيفما كانت صورته حتى يلائم المقام الذي قيل فيه، ويناسب حال السامع الذي أٌلقي عليه، وقديما قال العرب: لكل مقام مقال.
وكثيرًا ما تجد الشَّاعر يسْهُلُ أحْياناً ويلين حتى يُشْبه شعره لغة الخطاب، ويخشُن آونة، ويصلُب حتى كأنه يقذفك بالجلمد، كل ذلك على حسب موضوعه الذي يقول فيه والطبقة التي يُنشدها شعرَه. ومن خير الأمثلة لهذا النوع أبونواس، فِإنه في خمرياته غيرُه في مدائحه ووصفه.
واعتبر هذا الأصل بما كان من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لما أراد أَن يَكتب إلى مَلك فارس اختار أسهل الألفاظ وأَوضحها فقال:
"من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلامٌ على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأدعوكَ بدِعايةِ الله، فإني أنا رسول الله إلى الخلق كافَّة لينذر من كان حيا ويحِق القولُ على الكافرين، فأسلمْ تسلم، فإِن أَبيْتَ فإِثمُ المجوس عليك ".
وحين أراد أَن يكتب إلى أُكيدر صاحبِ دومة الجندل فَخَّم الأَلفاظ وأتى بالجزْل النادر فقال:
" من محمد رسول الله لأُكيدر حين أَجاب إلى الإِسلام وخلع الأَنداد والأَصنام إن لنا الضَاحيةَ [1] من البَعْل [2] والبُور [3] والمَعامى [4] وأغفال الأَرض [5] والْحَلقةَ [6] والسلاح، ولكم الضَّامنةُ من النَخل [7] والمعين [7] من المعمور، لا تُعدل سارحتكم [9]، ولا تُعَدُّ فاردتُكم [10] ولا يحظَرُ عليكم النبات تقيمون الصلاة لوقَتها وتؤدون الزكاة، عليكم بذلك عهد الله وميثاقه".
ـــــــــــــــــــــــ
1] الضاحية (من النخل): النخلة البارزة الظاهرة الخارجة عن أسوار المدينة والعمران.
[2] البعل: النخل الراسخة عروقه في الأرض.
[3] البور: الأرض الخراب التي لم تزرع.
[4] المعامي: جمع معمى وهي الأراضي المجهولة.
[5] أغفال الأرض: الأراضي التي لا أثر للعمارة فيها.
[6] الحلقة: بسكون اللام: السلاح عاماً.
[7] الضامنة من النخل: ما كان داخلا في العمارة وأطاف بها سور المدينة.
[8] المعين: الماء الجاري على وجه الأرض وقيل الماء العذب الكثير.
[9] لا تعدل سارحتكم. السارحة: الماشية، يريد أن ماشيتهم لا تصرف عن مرعى تريده.
[10] لا تعد فاردتكم. الفاردة: الزائدة على الفريضة، يقول: لا تضم فاردتكم إلى غيرها فتعد معها وتحسب
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 05:00 ص]ـ
ونظل نتفيأ ظلالك أبا فادي.(/)
تأملاتٌ في قولِه - تعالى -: " ولا تحسبنَّ اللهَ غافلاً عما يعملُ الظالمون ... "
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 10:03 م]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من تأمّلاتي في الآية الكريمة:
قال تعالى: " ولا تحسبنَّ اللهَ غافلاً عما يعملُ الظالمون إنما يؤخرُهم ليومٍ تشخصُ فيه الأبصار " [إبراهيم: 42].
أول ما يلفت النظر في الآية، هو: ابتدارها بالخطاب المؤطر بالنهي: (ولا تحسبن الله غافلاً)، وقد دار حول هذا الخطاب، ولمن تم توجيهه آراء واجتهادات:
فمن أهل العلم: من ذكر أن الخطاب موجه إلى النبي ــ:= ــ، ومنهم: من ذكر أن الخطاب لغير معين؛ لاستحالة حسبان الرسول ــ:= ــ الله موصوفًا بالغفلة عن الظالمين (1).
و أراني أميل إلى أن الخطاب للنبي ــ:= ــ؛ أريد به: تسليته، وتثبيته، وبث نسائم التعزية إلى نفسه الكريمة؛ للترويح عنها، وتخفيف ما يواجهها من صنوف الأذى، و ألوان التعذيب.
ولا يُتصور ــ مع هذا الفرض ــ ما تراءى لبعضهم من حصول لبس ينافي مقام النبوة، وهو حسبان الرسول ــ:= ــ الله غافلاً عما يعمل الظالمون ــ تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا ــ؛ لأن لمثل هذا الخطاب نظائر كثيرة في القرآن الكريم؛ فقد تواترت الآيات الكريمة بألوان الخطاب للرسول ــ:= ــ مؤدية الغرض ذاته، وهو تثبيت فؤاده، والترويح عن خاطره، نحو قوله
ــ تعالى ــ: " ولا تكوننَّ من المشركين " [الأنعام: 14]، ونحو: " ولا تدعُ مع اللهِ إلهًا آخر " [القصص: 88]، وغير ذلك.
ومما يعضّد كون الخطاب موجهًا إلى النبي ــ:= ــ: عطف ما بعده عليه، وهو قوله: " وأنذرِ الناسَ يوم يأتيهم العذاب ... " الآية [إبراهيم: 44]، إذ لا خلاف أن المخاطب بفعل الإنذار هو النبي الكريم.
على أنه لا يمنع أن يستصحب خطاب النبي ــ:= ــ التعريض بالمشركين من أمته، قصد منه: تهديدهم، ووعيدهم ببيان عاقبة ظلمهم، و إطلاعهم على أن الله ــ جل شأنه ــ عالم بالقليل والكثير مما يعملون، وإنذارهم بألا يغتروا بسلامتهم وأمنهم؛ لأن ذلك مصيره إلى زوال.
و من منطلق هذا التعريض، فإن النهي بقوله: (ولا تحسبن) خرج إلى معنى: بيان عاقبة الظلم، وهي: العذاب لا الغفلة، مؤكدًا هذه العاقبة بالنون المثقلة التي ألقت على التعبير ظلاً أكسب التهديد تغليظًا، والتوعد تأكيدًا، بأخذهم الأخذة الأخيرة، التي لا إمهال بعدها، ولا فكاك منها.
ويمكن الاستئناس برأي الشيخ بهاء الدين السبكي في توجيهه لهذا الخطاب، مما يدعوني إلى الاطمئنان لما ذهبت إليه؛ حيث قال:
" وعُلل بأن النبي لا يخاطب بمثل ذلك. قلت: النبي ــ:= ــ منهي عن كل ما نهي عنه غيره، إلا ما خص، و أما خطابه بذلك ــ مع القطع بأنه لا يصدر منه ــ فلعله ليُعلم أن غيره منهي عنه من باب أولى " (2).
و لأبي السعود لمحة لافتة في بناء الخطاب على هذا النحو، حيث قال عن إيحائه: " فيه من الإيذان بكونه واجب الاحتراز عنه في الغاية حتى نُهي عنه من لا يمكن تعاطيه " (3).
(1) ينظر في توجيه الخطاب: تفسير الكشاف: (2/ 541)، والتفسير الكبير: (19/ 111)، والبحر المحيط: (5/ 424)، وغيرها.
(2) عروس الأفراح: (2/ 559).
(3) تفسير أبي السعود: (3/ 496).
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 10:12 م]ـ
وللنظم الكريم تفرّد في رسم المواقف والمشاهد بدقة بالغة، والتعبير عنها كأنها مشاهدة ملموسة، وكثيرًا ما تتجلى تلك الروعة الآسرة في تصويره لمشاهد القيامة، متخذًا ــ في كل مرة ــ شكلاً فريدًا من الأداء، لا تملك العقول إزاءه إلا التسليم به، والقلوب إلا أن تتملاه، وتنعم فيه النظر.
إن وصف يوم القيامة بأنه يوم تشخص فيه الأبصار، يملي على الفكر التريث؛ لتبينه، وإدراكه، ومحاولة استكناهه، والوصول إلى سر روعته وبيانه، فكأن الأداء القرآني ينقلنا ــ بهذا الوصف ــ إلى مشهد القيامة، ويشخصه كأنه محسوس مشاهد، فنتأمل الجموع المحشورة، والوجوه الواجمة الذاهلة، والأبصار المشدوهة الشاخصة التي لا تطرف، ولا تغمض من هول ما يقع ويحصل.
فالتعبير بشخوص البصر كناية واضحة عن ذهول مازَجَه خوفٌ شديد، وهلعٌ عظيم.
جاء في اللسان: " شخص بصر فلان، فهو شاخص: إذا فتح عينيه، وجعل لا يطرف ..... وشخوص البصر: ارتفاع الأجفان إلى فوق، وتحديد النظر، وانزعاجه " (1)
وهو تعبير يستعمل في الأمر البالغ الغاية من القلق والحيرة:
" شُخِص بفلان: إذا ورد عليه أمر أقلقه " (2)
و إيراد الفعل مضارعًا: (تشخص) أفاد: استحضار تلك الصورة الفظيعة، وتشخيصها في النفوس؛ لتبقى حاضرة في الخيال.
والمتبادر إلى الأذهان، أن التعريف في قوله: (الأبصار) للعهد (3)، أي: تشخص فيه أبصار الظالمين، وهو الأوفق بالسياق القاضي بتصوير حال أولئك في ذلك اليوم العصيب.
(1) لسان العرب: (7/ 46) (ش. خ. ص).
(2) أساس البلاغة: (323).
(3) ينظر: حاشية القونوي: (11/ 95 - 96).
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 10:18 م]ـ
جزاك الله خيرًا أختي المحاضرة ندى، واسمحي لي بلفتة من فضلك:
قوله تعالى في الآية التي ذكرتها: (يعمل): هذه مفردة عامة للصغير والكبير الذي يعمله الظالمون تشمل:
القول والهمز واللمز والفعل ... إلخ.
فسبحان الله القائل: (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة)!
مرة أخرى جزاك الله خيرًا. وننتظر المزيد.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 12:19 ص]ـ
جزاك الله خيرًا أختي المحاضرة ندى، واسمحي لي بلفتة من فضلك:
قوله تعالى في الآية التي ذكرتها: (يعمل): هذه مفردة عامة للصغير والكبير الذي يعمله الظالمون تشمل:
القول والهمز واللمز والفعل ... إلخ.
فسبحان الله القائل: (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة)!
مرة أخرى جزاك الله خيرًا. وننتظر المزيد.
الأستاذ الفاضل عبدالعزيز بن حمد العمار:
أثابك الله أحسن الثواب، وشرح صدرك لتدبر بيانه.
أتلمّس إيماء المضارع (يعمل) إلى كامل الإحاطة؛ فكلما جدّ سوءٌ من هؤلاء الظالمين - وهم المشركون كما يوحي به سياق الآية - فإن الله - تعالى - مطلع عليه، عليم به، محاسب عليه.
بوركت وقفتك الكريمة ..
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 02:42 م]ـ
ماأروع تأملاتك وكم أنا أشتاق لمثلها
بارك الله فيك
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 11:54 م]ـ
ماأروع تأملاتك وكم أنا أشتاق لمثلها
بارك الله فيك
أخيّتي المبحرة:
أشكرك على أنْ نَعِمَ شاطئي بمحطةٍ من إبحارك الجميل ..
حفظك المولى، وبارك فيك.
ـ[محمد سعد]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 12:25 ص]ـ
تحليل لغوي بلاغي ماتع، أسلوب رائق في الطرح، وهذا التطواف الفني البلاغي في القرآن الكريم جاء من أصحاب فن البلاغة، وأكثر ما شدَّ انتباهي هو السير مع الصورة بنسقها اللغوي الذي يوصل للبلاغة القرآنية الأخَّاذة، وهو ما أسميه الصورة المشهدية الكبيرة.
سلمت أخية وبورك هذا القلم الساحر
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 03:26 ص]ـ
تحليل لغوي بلاغي ماتع، أسلوب رائق في الطرح، وهذا التطواف الفني البلاغي في القرآن الكريم جاء من أصحاب فن البلاغة، وأكثر ما شدَّ انتباهي هو السير مع الصورة بنسقها اللغوي الذي يوصل للبلاغة القرآنية الأخَّاذة، وهو ما أسميه الصورة المشهدية الكبيرة.
سلمت أخية وبورك هذا القلم الساحر
الأستاذ الفاضل محمد سعد:
سلمك المولى، وبارك فيك، وفي قلم تملكه باحترافيّةٍ تأسرني.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 04:11 ص]ـ
لا أملك إلا أن أقول هنئيا للفصيح بما تجودين به من تأملات ووقفات
والحق أنها تأملات تزيد من تأملاتنا وتنعش ما خفت منها وتقاعس، وتذكي أريجها في حقول الفكر فتنطلق شرارات التأمل الإبداعي ..
وإننا لفي شوق إلى مزيد، فهل من مزيد؟!
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 06:11 ص]ـ
لا أملك إلا أن أقول هنئيا للفصيح بما تجودين به من تأملات ووقفات
والحق أنها تأملات تزيد من تأملاتنا وتنعش ما خفت منها وتقاعس، وتذكي أريجها في حقول الفكر فتنطلق شرارات التأمل الإبداعي ..
وإننا لفي شوق إلى مزيد، فهل من مزيد؟!
الأستاذ الفاضل مغربي:
حضورٌ كريم شرّفني، ومتابعات تثلج صدري ..
والقادم - بإذن الله - يتوق إلى متابعاتكم، وتقويمكم.
وفقت لكل إجادة وريادة.
ـ[قايد هواه]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 01:59 ص]ـ
إن اللسان ليعجز عن الحراك في شكركي لبيان بلاغة هذه الاية
مشكورة أختيندى الرميح
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 03:39 م]ـ
اختنا الفاضلة , ذات القلم البياني ندى الرميح:
بورك قلمك لما يبثه من شذى البلاغة القرآنية.
أنار الله روحك بهدي القرآن الكريم وتوجيهات المصطفى عليه أفضل صلوات الله وسلامه.
أتفق معك في أن الخطاب موجه لسيد الخلق, الرسول المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن كان المراد بذلك إيصال الخطاب إلى الناس كافة بشكل غير مباشر, ففي قوله تعالى {وَ لا تَحْسبنّ اللّهَ غَفِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظلِمُونَ} إيصال الخطاب بشكل غير مباشر إلى الآخرين، ويعتبر ذلك من فنون الفصاحة، كما نقول: إيّاك أعني واسمعي ياجارة.
يضاف إلى ذلك فنّ هذا التعبير القرآني كناية عن التهديد، كما نقول أحيانا: «لا تعتقد أنّنا غافلون عن أفعالك» بمعنى أننا سوف نحاسبك على ما فعلت!
ـ[سمية ع]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 08:51 م]ـ
بارك الله فيك أستاذة ندى
وجعل ما تجودين به من درر في ميزان حسناتك(/)
من قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ...... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 08 - 2008, 06:58 ص]ـ
من قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
قل: خطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال بعض أهل العلم لا يدخل فيه عليه الصلاة والسلام، لأنه المبلغ عن ربه، عز وجل، فيبعد أن يكون مأمورا بالتبليغ، مع كونه مُبلِغاً في نفس الوقت، وأجاب المخالف، بأنه لا مانع من يخاطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ابتداء، وأمته تبع له في ذلك، فيكون الخطاب: خاص لفظا عام معنى، ويقوي قول أصحاب الرأي الأول، في هذا الموضع بعينه، أنه يستحيل أن يكون عليه الصلاة والسلام داخلا في زمرة المخاطبين الذين أسرفوا على أنفسهم، إذ كيف يصح في الأذهان ذلك، وهو، بأبي هو وأمي، عليه الصلاة والسلام أعبد الخلق وأطوعهم لربه، جل وعلا، وللمخالف أن يقول: قد يدخل عليه الصلاة والسلام، ولو على سبيل الفرض، ولا يلزم من فرض الشيء وقوعه، نظير قوله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، والشرط هنا مستحيل، فاستحال الحكم تبعا، إذ الشرط قيد في حكم الجزاء، فكما استحال الشرك في حقه، ولو صح فرضه جدلا، استحال حبوط عمله، عليه الصلاة والسلام، ولو صح وقوعه بوقوع شرطه فرضا، وطرد القول بأن الأمة هي المقصودة بمثل ذلك ابتداء، سواء في هذه الآية، أو الآية محل البحث أسلم. والله أعلم.
يَا: نداء للبعيد، وكل نداء في القرآن إنما هو للبعيد ووجه البعد فيه:
من جهة المُخاَطِب، جل وعلا، فهو العلي: ذاتا وصفاتا، فناسب أن يكون خطابه لعباده خطاب البعيد من هذا الوجه.
ومن جهة المُخاطَب:
إما من جهة غفلته: فيكون الخطاب بـ: "يا" توبيخا له، كخطاب الكفار في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
أو: عتابا، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ).
وإما لمجرد استرعاء الانتباه، وشحذ همة المخاطب، وإن لم يكن غافلا، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
وإما لتفادي الخطأ قبل وقوعه، بأن يكون ما بعد النداء مخالفا لصفة المخاطبين، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، فإن التقدم بين يدي الله ورسوله، ليس من صفات الذين آمنوا أصلا، فكان الأنسب، بادي الرأي، أن يكون الخطاب موجها لمن تلبس بهذه المعصية، فيقال على سبيل المثال: يا أيها الذين كفروا، أو: يا أيها الذين تعدوا حدود الله، أو: يا أيها الذين خرجوا عن أمر الله ورسوله ............. إلخ، ولكن لما كان المقصود تنبيه المؤمنين وتحذيرهم من الوقوع في هذه المعصية على طريقة: الوقاية خير من العلاج، ساغ توجه الخطاب إلى المؤمنين بذلك النهي وإن لم يقعوا في المنهي عنه.
عِبَادِيَ: تودد من الله، عز وجل، إلى عباده، وإن عصوه، فقدم ذكر العبودية التي تقابل الربوبية، وفيها من معاني العناية ما فيها، ليقوى الرجاء في نفوس المخاطبين، فيطردوا اليأس عنهم، فربهم: غفور ودود، يقبل التوبة عن عباده، بل ويبدل السيئة حسنة، فلا ييأس من روحه إلا الكافرون.
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ: عموم لا مخصص له إلا من نص الله، عز وجل، على هلاكه، كإبليس وفرعون، أو مات يقينا على الكفر فلا مطمع له في رحمة الله، وجيء بالموصول الذي هو نص في العموم، وجيء بالصلة تبيينا لمجمله، فوقع البيان بعد الإجمال، وهو أوقع في النفوس من ورود البيان ابتداء.
(يُتْبَعُ)
(/)
لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّه: نهي يفيد التحريم، فلا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، وقد تسلط النهي على المصدر الكامن في الفعل: "تقنطوا"، فأفاد عموم النهي عن القنوط بكل صوره.
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا: بيان لعلة النهي المتقدم، فكأن المخاطب سأل مستفهما، ولم لا أقنط، وقد ارتكبت من الذنوب ما ارتكبت؟!!، فجاء الجواب: لأن ربك يغفرالذنوب جميعا.
وقد أكدت العلة بعدة مؤكدات منها:
"إن"، و: اسمية الجملة: الله يغفر الذنوب، و الفاعل المعنوي فغافر الذنب قد ورد التصريح باسمه العلم الظاهر في صدر الجملة: لفظ الجلالة "الله" ابتداء، وجاء مضمرا في جملة الخبر "يغفر" انتهاء، فَكُرِرَ مرتين وفي ذلك من التوكيد ما لا يخفى.
و "أل" في "الذنوب": جنسية استغراقية تفيد استغراق عموم ما دخلت عليه، وفي ذلك من البشرى للعصاة ما فيه، وقد أكد هذا العموم بلفظ "جميعا".
فكل ذنب، حتى الشرك الأكبر، يغفره الله، عز وجل، لصاحبه، طالما تاب وأناب قبل الغرغرة أو طلوع الشمس من مغربها آخر الزمان، وبذلك يزول التعارض المتوهم بين هذه الآية التي هي نص في عموم المغفرة، وآية: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)، فإن هذه في حق من مات على الشرك، فهو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله، عز وجل، لأنه أعظم الظلم وأفحشه، بخلاف بقية الذنوب، فإن الله، عز وجل، يغفرها لمن يشاء، وإن مات مصرا عليها، فالعاصي إن خرج من الدنيا بلا توبة صار تحت مشيئة الله، جل وعلا، إن شاء غفر بفضله، وإن شاء عذب بعدله، كما تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة الذين يثبتون الوعيد مطلقا فكل عاص عندهم إن لم يتب معذب، والمرجئة الذين ينفونه مطلقا فكل عاص عندهم ناج وإن لم يتب، والحق وسط بينهما.
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم: توكيد لما تقدم، فهو الغفور الذي يستر العيب، الرحيم: الذي تصل رحمته إلى كل تائب، وناسب سياق الرجاء الذي وردت فيه هذه الآية أن تأتي هذه الصفات في صيغ مبالغة محلاة بـ: "أل" الجنسية التي تفيد استغراق معاني المغفرة والرحمة، فهو استغراق معنوي، وناسب السياق أن يذكر "الرحيم" دون "الرحمن"، لأن رحمة الرحيم: رحمة خاصة لا يُلَقَاها إلا التائبون، بخلاف رحمة "الرحمن": فهي رحمة عامة تصل إلى البر والفاجر، فلا اختصاص لأهل الإيمان بها.
وأكد ذلك أيضا بـ: "إن"، واسمية الجملة، فأصلها قبل دخول "إن" على ضمير الغائب: هو الغفور، وتعريف جزأي الجملة المبتدأ: هو، والخبر: الغفور، ومجيء ضمير الفصل: "هو"، بعد نسخ حكم المبتدأ باتصاله بالناسخ الحرفي "إن".
وبعد: أفيقنط العصاة بعد كل ما تقدم؟!!!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[08 - 08 - 2008, 06:10 م]ـ
رائع أخي مهاجرًا. ما شاء الله تبارك الله!
واسمح لي بمداخلة من فضلك:
لقد أوقفني الجار والمجرور في الآية التي ذكرت - مشكورًا موفورًا - (على أنفسهم).
فهذه المعصية، وهذا الإصرار، وهذه الذنوب لا تضر الله شيئًا، وإنما الذنوب والمعاصي على الإنسان نفسه (إنما بغيكم على أنفسكم).
فسبحان الله العظيم.
(لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على قلب أفجر رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا).
جزاك الله خيرًا مهاجرُ الحبيب.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 02:47 م]ـ
سلمك الله
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 07:41 ص]ـ
جزاكما الله خيرا وسلمكما أيها الكريمان على المرور والتعليق والدعاء، وجعل لكما منه أوفر نصيب.
وملحظ دقيق أشار إليه أخي الأستاذ: عبد العزيز، فلن نبلغ نفع الله، عز وجل، فننفعه، ولن نبلغ ضره فنضره.
والله أعلى وأعلم.(/)
من تراكيب الكناية
ـ[محمد سعد]ــــــــ[08 - 08 - 2008, 11:23 ص]ـ
قال محمد بن علي بن محمود الحشريّ
أقول لها وقد خطَرتْ رِياحٌ =من الزَّوْراءِ في حلل رِقاقِ
وقد برَد السِّوارُ على يديْها =فأحْمَيْتُ القلائدَ بالعِناقِ
برد السوار، وبرد الحلى، يكنى به الشاعر عن الصباح.
وقال الشاعر
قامت وقد بَرَد الحُلِىُّ =تميِسُ في ثَنْى الوشاِح
وقال ابن الزقاق:
بَرْدُ الحُلِىِّ تنافرت عَضُدِي وقد =هبَّ الصباحُ ونامَتِ الجَوْزَاءُ
ابن حمديس:
وبتُّ أُحمِى بأنفاسِي حصَا دُرَرٍ =بَبرْدِها في التَّلاقي تعرِف الفَلَقَا
وللشريف الرضي
حتى إذا هبتْ ريا =حُ الفجرِ تُؤذِن بالفِراقِ
برَد السِّوار لها فأحْ =ميْتُ القلائدَ بالعِناقِ
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[08 - 08 - 2008, 06:14 م]ـ
رائع أستاذي محمدًا، وهذه إضافة. قالت الخنساء:
طويل النجاد رفيع العماد * كثير الرماد إذا ما شتا
طول النجاد كناية عن الطول إذ كانت العرب تمدح الطول.
رفعة العماد كناية عن كبر المنزل لاستقبال الضيوف وضيافتهم.
كثير الرماد كناية عن كثرة إقاد النار لإطعام الضيوف.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[08 - 08 - 2008, 10:54 م]ـ
هذا من الكنايات البعيدة التي تحتاج جهد عقلي ...
بارك الله فيك
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 02:43 م]ـ
بارك الله فيكم أيها الأحباب(/)
خطأ تقسيم البلاغة إلى ثلاثة علوم
ـ[عارف الحمزي]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 12:27 ص]ـ
البلاغة العربية في حقيقتها قطعة واحدة غير قابلة للتجزئة والنحت.
وهي كل الأساليب التي تلتزم مطابقة مقتضى الحال وليس فيها ما هو أساسي أو فرعي بل يدخل في النص الواحد كل أنواع البلاغة على حد سواء في الأهمية على أننا لا نستطيع أن نكتب أو نتحدث بنص من علم المعاني فقط أو علم البلاغة فقط أو البديع.
على أن هذه التسميات غير مناسبة لمحتواها فعلم المعاني هل يعني تجرد علم البيان والبديع من المعاني وعلم البيان هل يعنى عجز علم المعاني والبديع عن البيان وعلم البديع هل يعني قدم علم المعاني والبيان وعدم مقدرتهما على الإبداع والتجديد.
على كل حال هذه الفكرة عرضتها بشكل سريع على أمل أن أوفيها حقها لاحقا مع إيراد تقسيم جديد للبلاغة على أنها علم واحد ذي غرض واحد بشكل متناسق ومتآلف غير متضاد وغير متخالف.
آمل من القراء إبداء آراءهم في الموضوع لتطوير الفكرة والوصول بها إلى أكمل صورة وأوضحها علنا أن نرقى بالبلاغة النظرية إلى مكانها الأصلي الذي تستحقه.
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 01:35 ص]ـ
بارك الله فيك أخي "عارف"
أنا مع هذا الرأي تماما
وقد شغفت منذ فترة بكتب البديعيات؛ لأني أراها تضم ما تفرق من الأقسام تحت مسمى: " البديع "، وأجدها تستهويني أكثر من كتب التقسيمات!
وعندي أن القراءة في كتب الأدب والنقد التطبيقية تنمي موهبة الفصاحة والبيان أكثر من القراءة في كتب البلاغة التقعيدية. هذا رأيي، ولا مشاحة في الآراء إن شاء الله.
في انتظار وجهة نظرك أخي العارف ورؤيتك الخاصة في هذه القضية
وتقبل خالص ودي وتقديري
أخوك / أبو يحيى
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 01:54 ص]ـ
في رأيي أن هذا التقسيم ضروري لدراسة فنون البلاغة نفسها، و ليس لدراسة النص الأدبي، بل لا يتصور أن يدرس ناقد نصاً أدبياً بطريقة التقسيم، و لا دراسة البلاغة بصورة عامة.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 02:47 ص]ـ
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لؤي الطيبي
لقد كانت غاية السكاكي بتقسيماته تعليميّة، وقد حقّق رحمه الله ما أراد، وهذا ليس مأخذاً عليه، لأنّه رسم ما يريد من غاية، ووصل إلى إنفاذها .. أمّا إن كانت هذه التقسيمات لا توافق بعض الدارسين، فالأمر متعلّق بهم لا بمنهج السكاكي الذي أدّى وظيفته بحسب ما أراد .. ولا يخفى أنّ اتّجاهه قد أفاد كثيراً بتحديد المسار، وضبط الفكرة، وتحديد المقصود بشيء من الدقّة والضبط، وتحرير التعريف، وتوضيح المصطلح، وغرس المعالم، وتحديد الزوايا ..
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ الاتجاه السكاكي لا يستغني عن الاتجاهين الجاحظي والجرجاني .. فالأول يعلّم تركيب العبارة، وقوّة الائتلاف، وجمال الإنشاء .. وهذه جهة أدبية في إحياء الدرس البلاغي .. والثاني يشجّع على التحليل والتركيب، والاحتجاج، والنتائج المترتّبة على الأسباب .. وذلك خدمة للفكر البلاغي في قوة توصيله، وعلوّ تأثيره في المتلقّي من خلال النظرة الكلية، التي تجمع الأجزاء في شكل تامّ مؤتلف ..
وبالجملة فإنّ البلاغة العربية لا تحيا بمصطلحاتها وقواعدها وشواهدها (الاتجاه السكاكي) من غير الاتصال بالأدب وتراكيبه (الاتجاه الجاحظي)، وبالمراس والتطبيق المعتمد على الاختيار والعدول والخبرة (الاتجاه الجرجاني)، وهي وسائل لا تتسنّى إلا للناقد .. فلا حياة للبلاغة إلا بجناحي الأدب والنقد ..
أنا مع هذا القول
دمتم بخير
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 03:19 ص]ـ
وهل غير ما قلت يا أبا سهيل مقول
إنما الغرض بيان الفاضل من المفضول
واستكناه مقدار الثمرة والمحصول
ومكنون ذلك منوط بأسباب ذوي العقول
فهل إلى أولئك ثم من سبيل!
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 02:11 م]ـ
السلام عليكم
أنا معك في أن هذا التقسيمات أضرت البلاغة ولم تنفعها، ولم ترفع من منزلتها
وعلى البلاغة أن تتخفف من التقسيمات والتعريفات، والتقعيد، فالبلاغة في أصلها فن تعتمد على التحليل وإظهار الأسرار البلاغية، والنكت البيانية، ولكن ينبغي ألا ننكر أن في البلاغة جانبا من العلم، فتقوم - أيضا - على الضبط، والتعريف، ولكن الغرض منها غرض علمي، وبعدها تعود البلاغة إلى أصلها في كونها فنا وجدت لتحلق في روائع النصوص الأدبية.
أخي هذا الموضوع قد أشغلني زمنا، ولي فيه دراسات ومقالات، وسأعود إليه
- إن شاء الله - ولي دراسة في رد تقسيم البديع، بعنوان (البديع عند عبدالقاهر الجرجاني: دراسة تأصلية لنقض تقسيم البديع ورده) ودمتم لأخيكم سالمين
ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 03:38 م]ـ
صنيع السكاكي-رحمه الله- عمل بشري يخضع للنظر والأخذ والرد غير أن جمهور علماء البلاغة من بعده ساروا على هذا التقسيم إلى يوم الناس هذا، فغير صحيح-عندي- نسبة الخطأ إلى هذا الجمع الكبير من أهل العلم في العصور المختلفة. فقدموا ما ترون أنه الأصلح لدراسة البلاغة من آراء دون تخطئة وتعالٍ على السلف ممان أفنوا أعمارهم في دراسة هذه العلوم. وبارك الله فيكم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 05:09 م]ـ
أخي عارفا أراك ثائرا على علوم العربية بشكل عام فأنت في النحو اعتبرته مظلوما وهاهنا تثير التساؤلات ....
وبرأيي أن العلوم كلها متصلة ببعضها ولكن لا بد للدارس من التقسيم
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[09 - 08 - 2008, 06:08 م]ـ
صنيع السكاكي-رحمه الله- عمل بشري يخضع للنظر والأخذ والرد غير أن جمهور علماء البلاغة من بعده ساروا على هذا التقسيم إلى يوم الناس هذا، فغير صحيح-عندي- نسبة الخطأ إلى هذا الجمع الكبير من أهل العلم في العصور المختلفة. فقدموا ما ترون أنه الأصلح لدراسة البلاغة من آراء دون تخطئة وتعالٍ على السلف ممان أفنوا أعمارهم في دراسة هذه العلوم. وبارك الله فيكم.
ما أحسنه من رأي يصون جهد الأولين ويحفظ حقوقهم، من غير أن يغلق باب النظر والمراجعة في وجه اللاحقين.
وأضيف التقسيم حاجة ماسة وفائدته ضبط العلوم.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[07 - 10 - 2008, 11:47 م]ـ
عندما قسم البلاغيون هذا التقسيم، هل قصد واحد منهم هذا المعنى الذي ظنه صاحب الموضوع؟!
لست أظن عاقلا -فضلا عن عالم- يظن أن قصد البلاغيين بهذا التقسيم هو الفصل التام بين هذه العلوم، بحيث يمكنك أن تنشئ كلاما بالمعاني فقط أو بالبيان فقط!!
فإذا كان هذا المعنى بعيدا جدا عن فهم العقلاء، فمن الأبعد أن نلصقه بأهل العلم، فضلا عن هؤلاء البلاغيين الذين هم أدق الناس نظرا وأكثرهم كشفا للنكت اللطيفة.
وقديما قسم النحاة الكلمة إلى اسم وفعل وحرف، ولم يفهم أحد من هذا الفصل بينها فصلا تاما.
وعلم النحو العام قسموه إلى نحو وصرف، ولم يقع في عقل عاقل أنك يمكن أن تنشئ كلاما معتمدا على النحو مع خلوه من الصرف أو العكس!!
المقصود بالتقسيم عموما في جميع العلوم هو التفصيل وتيسير الدرس وتسهيل التعلم، وليس المقصود الفصل بينها.
وإذا كنت أرى أن صاحب الموضوع قد أخطأ في هذا الاستدراك على البلاغيين، فإن الخطأ الأكبر في نظري يقع في شيء أعم من هذا، وهو أن كثيرا من طلبة العلم المعاصرين يحسبون أنهم أكبر عقلا وأعمق نظرا من أهل العلم الذين أفنوا عشرات السنين من أعمارهم في دراسة هذه العلوم!
وهذا لو كان محتملا فإن احتماله من الضآلة بحيث لا ينبغي أن ينظر فيه، بل الذي ينبغي لطالب العلم عند دراسة أي مسألة من المسائل - إذا ظن أن العلماء أخطؤوا فيها - أن يتهم نظره أولا، ويحاول أن يتفكر في وجه كلامهم، ولا يهجم على التخطئة والتجهيل عند أول خاطر وبأول نظر.
فإذا لم يستطع الاهتداء إلى وجه كلامهم فينبغي أن يسأل من سبقه في هذا الميدان لعل عنده من العلم ما لم يبلغه.
وكم رأينا في كلام أهل العلم من المشكلات التي كنا نظنها خطأ، ثم بعد سنوات طويلة يتضح لنا أنها صواب، وأن الخطأ في فهمنا نحن، وأنهم وقفوا حيث يحسن الوقوف، وتحرزوا حيث يحسن التحرز، ولم يهجموا على القول من غير إجالة النظر وإطالة البحث وإمعان الفحص.
من لم يشافه عالما بأصوله ........... فيقينه في المشكلات ظنون
من أنكر الأشياء دون تثبت ........... وتيقن فمعاند مفتون
الكتب تذكرة لمن هو عالم ........... وصوابها بمحالها معجون
والفكر غواص عليها مخرج ........... والحق فيها لؤلؤ مكنون
ـ[عبد الرحمن الأزهري]ــــــــ[30 - 10 - 2008, 08:54 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ليس بعد كلام أبي مالك العوضي كلام فقد قال ما أردت قوله ووفى.
فلا حرمنا الله منك أخي الغالي، ودمت حارسا للعلم.
ـ[أبو ضحى]ــــــــ[10 - 11 - 2008, 11:01 م]ـ
عندما قسم البلاغيون هذا التقسيم، هل قصد واحد منهم هذا المعنى الذي ظنه صاحب الموضوع؟!
لست أظن عاقلا -فضلا عن عالم- يظن أن قصد البلاغيين بهذا التقسيم هو الفصل التام بين هذه العلوم، بحيث يمكنك أن تنشئ كلاما بالمعاني فقط أو بالبيان فقط!!
فإذا كان هذا المعنى بعيدا جدا عن فهم العقلاء، فمن الأبعد أن نلصقه بأهل العلم، فضلا عن هؤلاء البلاغيين الذين هم أدق الناس نظرا وأكثرهم كشفا للنكت اللطيفة.
وقديما قسم النحاة الكلمة إلى اسم وفعل وحرف، ولم يفهم أحد من هذا الفصل بينها فصلا تاما.
وعلم النحو العام قسموه إلى نحو وصرف، ولم يقع في عقل عاقل أنك يمكن أن تنشئ كلاما معتمدا على النحو مع خلوه من الصرف أو العكس!!
المقصود بالتقسيم عموما في جميع العلوم هو التفصيل وتيسير الدرس وتسهيل التعلم، وليس المقصود الفصل بينها.
وإذا كنت أرى أن صاحب الموضوع قد أخطأ في هذا الاستدراك على البلاغيين، فإن الخطأ الأكبر في نظري يقع في شيء أعم من هذا، وهو أن كثيرا من طلبة العلم المعاصرين يحسبون أنهم أكبر عقلا وأعمق نظرا من أهل العلم الذين أفنوا عشرات السنين من أعمارهم في دراسة هذه العلوم!
وهذا لو كان محتملا فإن احتماله من الضآلة بحيث لا ينبغي أن ينظر فيه، بل الذي ينبغي لطالب العلم عند دراسة أي مسألة من المسائل - إذا ظن أن العلماء أخطؤوا فيها - أن يتهم نظره أولا، ويحاول أن يتفكر في وجه كلامهم، ولا يهجم على التخطئة والتجهيل عند أول خاطر وبأول نظر.
فإذا لم يستطع الاهتداء إلى وجه كلامهم فينبغي أن يسأل من سبقه في هذا الميدان لعل عنده من العلم ما لم يبلغه.
وكم رأينا في كلام أهل العلم من المشكلات التي كنا نظنها خطأ، ثم بعد سنوات طويلة يتضح لنا أنها صواب، وأن الخطأ في فهمنا نحن، وأنهم وقفوا حيث يحسن الوقوف، وتحرزوا حيث يحسن التحرز، ولم يهجموا على القول من غير إجالة النظر وإطالة البحث وإمعان الفحص.
من لم يشافه عالما بأصوله ........... فيقينه في المشكلات ظنون
من أنكر الأشياء دون تثبت ........... وتيقن فمعاند مفتون
الكتب تذكرة لمن هو عالم ........... وصوابها بمحالها معجون
والفكر غواص عليها مخرج ........... والحق فيها لؤلؤ مكنون
حياكم الله أبا مالك وبارك فيكم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[13 - 11 - 2008, 02:41 ص]ـ
أتوقع أن التقسيم جاء لغرض تعليمي. والله أعلم
ـ[أبوفهد ^_^]ــــــــ[11 - 01 - 2010, 01:49 م]ـ
موضوع جميل، ولكن أخي العزيز هل يوجد مراجع تطرقت لمثل هذا الموضوع
أرجو الرد سريعاً للأهمية القصوى.
نرجسيّتي!!!
ـ[جزعة]ــــــــ[11 - 01 - 2010, 02:07 م]ـ
حياك أبامالك لرأيك الحصيف فقد قلت وأوجزت فأكملت وبالأدلة العقلية استشهدت وما في نفسي من رأيك أثبت.
ـ[فصيحيح]ــــــــ[18 - 01 - 2010, 09:09 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللغة كل لا يتجزأ والتقسيم جاء فقط لتسهيل الدراسة(/)
حسب علمي المتواضع
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 01:26 م]ـ
سمعت أن أفضل كتاب في البلاغة
شرحه أو علق عليه - لا أدري - شخص لقبه
البرقوقي
وأنا بصدد أن أشتريه
ولكن!!
ما اسم الكتاب
وأي شيء شرح فيه.
أرجو منكم الجواب
وشكرا
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 02:36 م]ـ
سأبحث باأذن الله
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 05:49 م]ـ
انتظرك أخي
وأشكرك مقدما.
ـ[تيما]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 11:24 م]ـ
أخي الأديب اللبيب
إن لم يكن محرك البحث "غوغل" مخطئا فأظن أن اسم الكتاب الذي تبحث عنه هو: التلخيص في علوم البلاغة
لجلال الدين محمد بن عبد الرحمن الخطيب القزويني
ضبط وشرح: عبد الرحمن البرقوقي
بالتوفيق
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 11:40 م]ـ
أحسنتِ أختي الكريمة تيما، وأصاب محرّك البحث.
للأستاذ عبدالرحمن البرقوقي ضبطٌ، وشرحٌ، وتحشية لكتاب (تلخيص المفتاح) للخطيب القزويني.
سددك المولى أخي الأديب اللبيب.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 02:06 ص]ـ
جزاكما الله ألف خير
يا أختي تيما
ويا أختي ندى
سأقتنيه بإذن الله غدا.
وسأدعوا لكما في هذا الوقت المبارك.
ـ[معالي]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 07:09 ص]ـ
الأستاذ الكريم الأديب اللبيب
حياك الله وبارك فيك
لم أفهم معنى أن يكون التلخيص أفضل كتب البلاغة بهذا الإطلاق الوارد في مقالتك، أخي الكريم!
إلا أن تكون أردتَ أنه أفضلها للمبتدئين في الطلب، فهذا مذهب مَن أعرف مِن أهل العلم، وقد أعلوا شرح صاحبه القزويني عليه الموسوم بـ (الإيضاح)، وجوّدوا تحقيق الصعيدي له (أي للإيضاح)؛ لأنه أوضح محققيه الكثر عبارة وأقربهم تناولا!
بقي أن أذكر أن الأستاذ الجليل البرقوقي -رحمه الله- شرح التلخيص مضمِّنا مقدمته طعنا في عمل العلامة السكاكي، وغامزا في المدرسة السكاكية جملة، قائلا بأنها مدرسة فلسفية أتت على علم البلاغة و ... إلخ!
وهو كلام علق عليه العلامة الجهبذ محمود شاكر رحمه الله في مقدمة شرحه على أسرار البلاغة للجرجاني، فعد إليها.
أسعد الله الجميع.(/)
الأستاذة ندى الرميح مشرفة على منتدى البلاغة
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 04:03 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أثلج صدري أن تولت الأستاذة ندى الرميح الإشراف على منتدى البلاغة بشبكة الفصيح لعلوم العربية .. فمبارك لها انضمامها في ركب المشرفين، وهي أهل لكل خير.
أسأل الله الكريم المنان أن يسدد خطاك أختنا، وأن يلهمك العون والتوفيق
مبارك لك مجددا
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 04:27 ص]ـ
مبارك لها ذلك، وألف مبارك.
تستحقه بجدارة وفقها الله ورعاها، وحرسها.
كما أشكرك أخي مغربيًّا أيها المشرف المفضال على حسن اهتمامك بالأعضاء.
هذه تحية بالطريقة العسكرية أخي الحبيب الغالي الثمين خالد مغربي.
إلى الأمام أختي المحاضرة الفاضلة ندى الرميح.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 04:42 ص]ـ
وبدوري أشكرك أخي الحبيب عبدالعزيز العمار على حضورك الباهر، و أدبك الجم
وعلميتك الرفيعة، وصحبتك الماتعة
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 05:08 ص]ـ
فدتك نفسي مغربيًا على رسلك.
ـ[ابن النحوية]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 05:37 ص]ـ
أهلا وسهلا بأختنا العزيزة ندى، نرجو لها التوفيق والسداد، وهي أهل للقيام بهذا العمل فمشاركاتها تدل على علمية عميقة واتقان مبهر لتخصصها.
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 07:35 ص]ـ
مبارك للأستاذة ندى، سدد الله خطاها، وجعل ما تقدمه في موازين أعمالها، وأعان أعضاء لجنة الإشراف الكرام على تحمل مشاركاتنا!!!!:):)
ـ[محمد سعد]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 03:48 م]ـ
مُبارك للأخت ندى الرميح هذا الموقع الذي تستحقه عن جدارة، لما تتميز به من علم وخلق، نعم الاختيار، كما نشكر مَنْ اختار
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 04:10 م]ـ
مبارك عليك سيدتي الكريمة ........
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 04:21 م]ـ
أختي ندى
ألف مبروك وهنيئاً لك ذلك أنت تستحقينة بجدارة
سدد الله خطاك
ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 10:32 م]ـ
مبارك للأخت ندى هذه المنزلة في منتدانا الجميل.
ـ[الوافية]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 10:55 م]ـ
ألف مبارك أستاذتنا الفاضلة.
وفقك المولى ,وسدد خطاك, وأعانك على حمل هذه الأمانة.
ـ[صاحبة القلم]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 11:05 م]ـ
خطوة انتظرناها .. وها قد تحققت أخيرا ..
ألف ألف مبارك أخيتي ..
أعانك الله وسدد خطااك
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 11:09 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الأفاضل:
أ/ مغربي، أ/ عبدالعزيز بن حمد العمار، د/ ابن النحوية، أ/ مهاجر، أ/ محمد سعد، أ/ بحر الرمل، غاليتي المبحرة، أ/ المدرس اللغوي:
سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد:
فبارك الله فيكم، وأثابكم المولى خير ثواب، وعمر أيامكم بطاعته، وبركاته، ورزقه، وحفظه.
جمعني الله وإياكم على حب هذه اللغة العظيمة، وأعاننا على واجب القيام بخدمتها، والإسفار عن حسنها وخلابتها.
كل الشكر لكم على الثقة الكريمة بشخصي المتواضع، وغاية أمنياتي أن أكون عند حسن الظن، وعلى قدر المسؤولية الكبيرة.
والله أسأل - لي ولكم - حسن القصد، وصدق النية، والعون والتسديد.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 11:26 م]ـ
غاليتي الوافية، غاليتي صاحبة القلم:
ما أروع الصحبة مع أخوات يشاطرنك الهوى نفسه، والهم نفسه، والغاية نفسها ..
على حب العربية دومًا نلتقي أحبتي في الله.
شكرًا للفصيح أن جمعني بأمثالكما.
ـ[ناجى أحمد اسكندر]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 12:27 ص]ـ
أختنا الفصيحة البليغة الكريمة ندى الرميح ....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بصراحة منذ تسجيلك وقرأتى لبعض مشاركاتك جعلتنى أحس أنكِ سيكون لك شأن جيد فى هذا المنتدى وهاقد جاء ما حسست من تعيينك مشرفة على منتدى البلاغة فبارك الله فيكِ وأتمنى أن تجعلينا نجتمع حولك فى منتدى البلاغة حيث المنتدى يفتقر فى مشاركاته فنسأل الله لكِ التقدم وبارك الله فيكِ وجزاكِ الله كل خير ومرحباً بكِ فى حلة الإشراف معنا وأعانكِ الله على ما ُكلفتى به ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 03:14 ص]ـ
الأستاذ الفاضل ناجي إسكندر:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إنه لشرف كبير أن أنتظم في عِقد الفصيح مع هذه الثلة الفاضلة من المشرفين ذوي العلم والخلق.
بارككم المولى أخي المفضال، وحفّكم بحفظه ورعايته وتوفيقه.
ومنتدى البلاغة يفتح ذراعيه لجميع الإخوة الفصحاء، والارتقاء به بتعاون الجميع إن شاء الله.
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 04:47 م]ـ
مبارك للأخت الفاضلة " ندى الرميح "
وأسال المولى سبحانه أن يسدد خطاك، ويوفقك إلى ما فيه الخير لإخوتك، والرفعة والسمو بهذا المنتدى المبارك.
كلأتك عين الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[14 - 08 - 2008, 10:01 م]ـ
السلام عليكم
أبارك للأخت الفاضلة هذه المنزلة، وهو تشريف يحمل في طياته التكليف
ولكنك أهل فقد تميزتي بكتاباتك ومشاركاتك المتألقة، فهنيئا لنا بك، وهنيئا لك بنا وبالملتقى، ومزيدا من الإبداع والتألق، وكلنا في هذا المنتدى نسعى لغرض سام وهي خدمة اللغة العربية في جميع فنونها، وإن أعلى هذه الفنون وأشرفها بلاغة القرآن الكريم، وبلاغة الرسول عليه الصلاة والسلام.
فما أروع الهدف، وما أنيل المقصد
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 12:26 ص]ـ
السلام عليكم
أبارك للأخت الفاضلة هذه المنزلة، وهو تشريف يحمل في طياته التكليف
ولكنك أهل فقد تميزتي بكتاباتك ومشاركاتك المتألقة، فهنيئا لنا بك، وهنيئا لك بنا وبالملتقى، ومزيدا من الإبداع والتألق، وكلنا في هذا المنتدى نسعى لغرض سام وهي خدمة اللغة العربية في جميع فنونها، وإن أعلى هذه الفنون وأشرفها بلاغة القرآن الكريم، وبلاغة الرسول عليه الصلاة والسلام.
فما أروع الهدف، وما أنيل المقصد
معذرة
جل من لا يسهو
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 12:36 ص]ـ
أختنا الفصيحة البليغة الكريمة ندى الرميح ....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بصراحة منذ تسجيلك وقرأتى لبعض مشاركاتك جعلتنى أحس أنكِ سيكون لك شأن جيد فى هذا المنتدى وهاقد جاء ما حسست من تعيينك مشرفة على منتدى البلاغة فبارك الله فيكِ وأتمنى أن تجعلينا نجتمع حولك فى منتدى البلاغة حيث المنتدى يفتقر فى مشاركاته فنسأل الله لكِ التقدم وبارك الله فيكِ وجزاكِ الله كل خير ومرحباً بكِ فى حلة الإشراف معنا وأعانكِ الله على ما ُكلفتى به ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معذرة
ـ[شجرةالطيب]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 05:45 م]ـ
ندى هنا .. ؟؟
مرحبا ياغالية ..
وليهنأ الفصيح بأمثالك ..
مبارك ..
وفق الله الجميع لرفع عربيتنا الأثيرة ..
ود ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 03:18 ص]ـ
الدكتور الفاضل عبدالعزيز العمار:
بارك الله في علمك، ونفع بك، وإننا في شوق إلى لمحاتك البلاغية الماتعة.
الأستاذ الفاضل ابن القاضي:
جزاك الله خيرًا، ورفع قدرك، وأعز شأنك.
ندى هنا .. ؟؟
مرحبا ياغالية ..
وليهنأ الفصيح بأمثالك ..
مبارك ..
وفق الله الجميع لرفع عربيتنا الأثيرة ..
ود ..
بل هنيئًا لي بمصافحتك هنا عزيزتي ..
جزيتِ الجنة على هذه الإطلالة التي أسعدتني ..
أسأل الله لك الرفعة في الدنيا والآخرة ..
ابقي قريبة ..
مودتي ..
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 03:55 م]ـ
مبارك لك يا أخت ندى
تستحقين الإشراف
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[17 - 08 - 2008, 01:39 م]ـ
مبارك لك يا أخت ندى
تستحقين الإشراف
أشكرك أخي الكريم ... نفع الله بك.
ـ[ابن بريدة]ــــــــ[17 - 08 - 2008, 01:53 م]ـ
مبارك لك أختي الفاضلة،،
دمتِ موفقة،،
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[17 - 08 - 2008, 01:59 م]ـ
مبارك لك أختي الفاضلة،،
دمتِ موفقة،،
وإياك أخي الكريم ... كل الشكر ..
ـ[سمية ع]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 01:25 م]ـ
مبارك استاذتنا الفاضلة الإشراف
وفقك الله
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 01:30 م]ـ
هنيئا للإشراف أن يكون من ضمن أفراده الأستاذة القديرة ندى الرميح.
نعم الاختيار.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 03:39 م]ـ
مبارك استاذتنا الفاضلة الإشراف
وفقك الله
بارك الله فيك عزيزتي سمية، وكلل دربك بحفظه وتوفيقه.
هنيئا للإشراف أن يكون من ضمن أفراده الأستاذة القديرة ندى الرميح.
نعم الاختيار.
الدكتور الفاضل حجي الزويد:
شرف لي تهنئتك ..
ويشرف الفصيح بنظراتك ووقفاتك الكريمة.
ـ[رسالة]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 05:29 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
الأستاذة القديرة ندى الرميح بورك فيك وفي جهدك، كما يسعدني أن أكون إحدى المتدربات في نافذتك.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 08:00 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
الأستاذة القديرة ندى الرميح بورك فيك وفي جهدك، كما يسعدني أن أكون إحدى المتدربات في نافذتك.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
عزيزتي رسالة:
أشكر ذوقك، ورقة كلماتك، وتسعدني متابعاتك.
ـ[أم أسامة]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 01:19 ص]ـ
أختي ندى
ألف مبروك وهنيئاً لك ذلك أنت تستحقينة بجدارة
سدد الله خطاك
ـ[العباس]ــــــــ[03 - 09 - 2008, 10:45 م]ـ
من يفعل الخير فالرحمن يشكره ... ما ضاع معروف بين الله والناس
صراحة لقد قدمت لنا الكثير الكثير من المعلومات المفيدة جداً جداً.
أسأله تعالى أن يسعدك بما رزقك، وأن يزدك علماً إلى علمك.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[07 - 09 - 2008, 02:43 ص]ـ
أختي ندى
ألف مبروك وهنيئاً لك ذلك أنت تستحقينة بجدارة
سدد الله خطاك
عزيزتي الدافئة:
أسعدك الله كما أسعدتني بهذا الدفء.
من يفعل الخير فالرحمن يشكره ... ما ضاع معروف بين الله والناس
صراحة لقد قدمت لنا الكثير الكثير من المعلومات المفيدة جداً جداً.
أسأله تعالى أن يسعدك بما رزقك، وأن يزدك علماً إلى علمك.
الأخ الفاضل العباس:
أكرمك الله، ورفع قدرك.(/)
من قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله فرض فرائض ...... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 07:30 ص]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله فرض فرائض فلا تُضيِّعُوها، وحَدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحَرَّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غَيْرَ نِسْيان فلا تسألوا عنها)
في هذا الحديث توكيد لما تضمنه من معان، فأول المؤكدات:
"إن"، ثم: الفاعل المعنوي: المبتدأ: "لفظ الجلالة" قبل دخول الناسخ عليه، الذي تكرر مضمرا في خبر الناسخ "فرض"، فحصل التوكيد بالتكرار: مذكورا ومحذوفا، واسمية الجملة، فالله، عز وجل، هو الذي يفرض ما شاء من فرائض، إما بالوحي المتلو، وإما على لسان نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبلفظه يحصل: البيان لمجمل الوحي، أو البيان ابتداء، فهو شرع مبتدأ، وإن لم يأت صراحة في آي الكتاب العزيز.
فلا تضيعوها: عطف لازم على ملزوم، بأداة العطف التي تفيد التعقيب بلا تراخ، فالتهاون في أداء الفرائض أو تأخيرها أمر لا يمكن السكوت عنه، فهو أشد جرما من ارتكاب المنهيات، وإن كان كلاهما قادحا في دين فاعله.
وفي الجملتين المتعاطفتين: مقابلة بين: الفرض والتضييع، تزيد المعنى بيانا، فضد الفرض لزوما، الترك تهاونا، وقد يقال بأن بين الفرض والتضييع، إن نظرنا إليهما كمفردتين: طباقا بالإيجاب يفيد ذات المعنى الذي تفيده المقابلة بين متضادين، إذ بضدها تتمايز الأشياء.
ويقال في الثانية:
وحَدَّ حدودًا فلا تعتدوها: ما قيل في الأولى، فلا يحد الحدود إلا من بيده الأمر الشرعي، والعطف: عطف لازم على ملزوم، وإلا صار الكلام معيبا، إذ الأول بمنزلة العلة للثاني، والتعقيب مشعر بوجوب المبادرة إلى الامتثال، والمقابلة حاصلة بين حد الحدود وتعديها.
وكذا في الثالثة:
وحَرَّم أشياء فلا تنتهكوها: فكما أنه لا يفرض الفرائض إلا الله، عز وجل، فكذلك لا يحرم المحرمات إلا هو، وما قيل في العطف والتعقيب والمقابلة في الجملتين السابقتين يقال في هذه الجملة.
وسكت عن أشياء رحمة بكم غَيْرَ نِسْيان فلا تسألوا عنها:
رحمة بكم: علة سكوته عز وجل.
غَيْرَ نِسْيان: احتراس من توهم نسيان الله، عز وجل، تلك الأشياء، وفي التنزيل: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).
ولازم سكوت الشارع، عز وجل، عن هذه الأشياء: ترك البحث فيها، إذ لو كان فيها خير في المعاش أو المعاد لما سكت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيانها، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة في حقه، فهو المبلغ عن ربه، عز وجل، وحاجتنا قائمة في كل عصر ومصر إلى معرفة أحكام ديننا، لنسوس به دنيانا ونعمر به أخرانا.
ولذلك عطف لازم هذا القول: "لا تسألوا عنها"، بالفاء التعقيبية التي لا تخلو من معنى السببية، إذ سبب ترك البحث فيها هو: سكوت الشارع، عز وجل، عن بيانها رحمة بنا، ونصوص الشريعة تشهد لهذا الأصل الجليل، فمن ذلك:
حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ".
وفرع الأصوليون على هذا الأصل الجليل أصولا كلية من أبرزها قولهم:
"السكوت في موضع البيان بيان"، فسكوت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس كسكوت غيره، فهو إقرار ينزل منزلة القول غير الصريح، بينما سكوت غيره قد يكون توقفا أو لعدم بلوغ العلم بالمسألة ......... إلخ.
وأعظم من ذلك سكوت الوحي عن أي فعل، يتعلق به تشريع، وقع زمن النبوة، فهو دليل على جوازه، وإن لم يبلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو يقع بحضرته، وبذلك استدل جابر، رضي الله عنه، على إباحة العزل، فقال: "كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ. زَادَ إِسْحَقُ، (أي: ابن راهويه)، قَالَ سُفْيَانُ، (أي: ابن عيينة): لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ".
واستدل به الشافعية، رحمهم الله، على جواز إمامة الصبي، خلافا للحنابلة، رحمهم الله، إذ أم عمرو بن سلِمة، رضي الله عنه، قومه، ولما يبلغ الحلم، ولم يشهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك، فلو كان مما ينهى عنه لما سكت الوحي عن بيانه.
ولهذه القاعدة الجليلة فروع شتى يضيق المقام عن سردها.
ولذلك حد أهل العلم البدعة في الدين سواء أكانت علمية أم عملية بأنها: كل ما قامت إليه الحاجة، زمن النبوة، وانتفى المانع، ومع ذلك لم يفعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمجرد تركه له والحال هذه: دليل على عدم مشروعيته.
فخرج بذلك نحو: قتال المرتدين فإن الحاجة لم تقم إليه زمن الرسالة لعدم وجود المرتدين أصلا، ونحو: جمع القرآن، فإن الحاجة قد قامت إليه زمن الرسالة حفظا للدين، وخاصة في مجتمع تغلب عليه الأمية، ولكن المانع قد قام، لأن الوحي متجدد باستمرار، فلا يمكن جمعه إلا بعد انقطاعه، لئلا يفضي ذلك إلى التغيير المستمر في النسخ المجموعة، فلما زال هذا المانع بوفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وانقطاع الوحي، بل قامت الحاجة إليه، بقتل عدد كبير من الحفاظ زمن حروب الردة، صار هذا الأمر دينا يتعبد به، وصار فاعله من أعظم الناس أجرا عند الله، عز وجل، كما قال علي رضي الله عنه: "أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين". اهـ
وكل من توهم أنه بحاجة إلى قول حادث في علم أو عمل، فإنما ذلك لنقص زاده من علم النبوة، فلو تضلع منه لما احتاج إلى غيره.
والله أعلى وأعلم.(/)
الخطاب في القرآن الكريم
ـ[أحلام]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 03:10 م]ـ
الخطاب في القرآن
الخطاب في القرآن على خمسة عشر وجهاً:
1 - خطاب عام "خلقكم".
2 - وخطاب خاص "أكفرتم".
3 - وخطاب الجنس "يا أيها الناس".
4 - وخطاب النوع "يا بني آدم".
5 - وخطاب العين "يا آدم".
6 - وخطاب المدح "يا أيها الذين آمنوا".
7 - وخطاب الذم "يا أيها الذين كفروا".
8 - وخطاب الكرامة "يا أيها النبي".
9 - وخطاب التودد "يا بن أم إنَّ القوم".
10 - وخطاب الجمع بلفظ الواحد "يا أيها الإنسان ما غرك".
11 - وخطاب الواحد بلفظ الجمع "وإن عاقبتم".
12 - وخطاب الواحد بلفظ الاثنين "ألقيا في جهنم"
13 - وخطاب الاثنين بلفظ الواحد "فمن ربكما يا موسى".
14 - وخطاب العين والمراد به الغير "فإن كنت في شك".
15 - وخطاب التلو وهو ثلاثة أوجه: أحدها أن يخاطب ثم يخبر "حتى إذا كنتم في الفلك وجَرَيْنَ بهم". "وما أوتيتم من زكاةٍ تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون". "وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون".
والثاني: أن يخبر ثم يخاطب "فأما الذين اسودَّت وجوههم أكفرتم" "وسقاهم ربهم شراباً طهوراً إن هذا كان لكم جزاءاً وكان سعيكم مشكوراً".
والثالث: أن يخاطب عيناً ثم يصرف الخطاب إلى الغير "إنَّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ليؤمنوا بالله ورسوله". وهذا على قراءة ابن كثير وأبي عمرو فإنهما قرءا بالياء ....(/)
بين" إناثاً والذكور"!
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 03:55 م]ـ
جرى حديث الذكور والإناث، فقال الوزير، قد شرف الله الإناث بتقديم ذكرهن في قوله عز وجل: " يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور ". فقلت: في هذا نظر؛ فقال: ما هو: قلت قدم الإناث - كما قلت - ولكن نكر، وأخر الذكور ولكن عرف، والتعريف بالتأخير أشرف من النكرة بالتقديم. ثم قال: هذا حسن. قلت: ولم يترك هذا أيضاً حتى قال: " أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً " فجمع الجنسين بالتنكير مع تقديم الذكران، فقال: هذا مستوفى.
عن الامتاع والمؤانسة للتوحيدي
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 05:35 م]ـ
دائما تتحفنا أخي أحمد بانتقاء نافع ماتع.
..........................................................
أرجو أن تخبرني عن وجه النصب في كلمة (إناثا) في العنوان.
وبارك الله فيك.
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 05:49 م]ـ
على الحكاية أخي ليث من الآية الكريمة الأولى (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور)
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 05:51 م]ـ
صححت، بوركتما أخوي الكريمين ليث والتويجري.
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 06:21 م]ـ
على الحكاية أخي ليث من الآية الكريمة الأولى (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور)
لفت انتباهي العنوان
وضحت الصورة
بارك الله فيك أخي محمدا، وبارك الله في أخي أحمد.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 08:47 م]ـ
الحديث ممتع وشيق في هذا المجال
ولكنه -الباري عز وجل -يقول في موضع آخر:
وليس الذكر كالأنثى ....... وهنا شرف الأنثى على الذكر لأنه
في عرف البلاغيين أن المشبه به أشرف وأعلى قدرا من المشبه
إلا في التشبيه المقلوب ومثاله:
بدا الصبح كأن غرته ,,,,,وجه الخليفة حين يمتدح
حيث جعل الصبح مشبها وحقه أن يكون المشبه به
وما دمنا في حديث الذكر والأنثى يقول المتنبي:
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ....... ولا التذكير فخر للهلال
وبين ما في البيت من بلاغة وقوة معنى
بارك الله فيكم
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 03:09 ص]ـ
جزاكم الله خيرًا، وبارك فيكم ..
واسمحوا لي بهذا الملمح البلاغي في الآية الكريمة:
وقع في الآية حسن تقسيم على أبلغ وجه وأحسنه:
فالله - جلت قدرته - إما أن يفرد العبد بهبة الإناث، أو بهبة الذكور، أو يجمعهما له، أو لا يهبه أيًا منهما.
وقدم النظم الكريم الإنعام بالذرية على الحرمان منها؛ لأن الآية سيقت في مجال الاعتداد بالنعم، وإنعامه على عباده أهم عنده، وأكثر إيناسًا للنفوس.
وأتى بذكر الحرمان؛ ليكتمل التمدّح؛ بالقدرة على المنع، كما يمدح بالعطاء، فيستقر في الأذهان: أنه لا مانع لما أعطى، ولا معطيَ لما منع.
وتأملوا كيف عبّر النظم الكريم بلفظ الهبة، وكيف عدل عن لفظ الحرمان إلى لفظ (يجعل)؛ لأن الحرمان ثقيل على النفوس، فأريد اللطف معها.
والله - تعالى - أعلم.
ملاحظة: التقديم والتأخير من فنون علم المعاني البلاغي، فما رأي الأستاذ الفاضل أحمد الغنام في نقل الموضوع إلى قسمه الأكثر ملاءمة له؟
بارك الله فيك وفي جهودك الكريمة.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 04:28 ص]ـ
يقول الرازي
لسؤال الأول: أنه قدم الإناث في الذكر على الذكور فقال: {يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذكور} ثم في الآية الثانية قدم الذكور على الإناث فقال: {أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وإناثا} فما السبب في هذا التقديم والتأخير؟
السؤال الثاني: أنه ذكر الإناث على سبيل التنكير فقال: {يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إناثا} وذلك الذكور بلفظ التعريف فقال: {وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذكور} فما السبب في هذا الفرق؟.
السؤال الثالث: لم قال في إعطاء الإناث وحدهن، وفي إعطاء الذكور وحدهم بلفظ الهبة فقال: {يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذكور} وقال في إعطاء الصنفين معاً {أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وإناثا}.
والسؤال الرابع: لما كان حصول الولد هبة من الله فيكفي في عدم حصوله أن لا يهب فأي حاجة في عدم حصوله إلى أن يقول {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عقيماً}؟.
(يُتْبَعُ)
(/)
السؤال الخامس: هل المراد من هذا الحكم جمع معينون أو المراد الحكم على الإنسان المطلق؟.
والجواب: عن السؤال الأول من وجوه:
الأول: أن الكريم يسعى في أن يقع الختم على الخير والراحة والسرور والبهجة فإذا وهب الولد الأنثى أولاً ثم أعطاه الذكر بعده فكأنه نقله من الغم إلى الفرح وهذا غاية الكرم، أما إذا أعطى الولد أولاً ثم أعطى الأنثى ثانياً فكأنه نقله من الفرح إلى الغم فذكر تعالى هبة الولد الأنثى أولاً وثانياً هبة الولد الذكر حتى يكون قد نقله من الغم إلى الفرح فيكون ذلك أليق بالكرم
الوجه الثاني: أنه إذا أعطى الولد الأنثى أولاً علم أنه لا اعتراض له على الله تعالى فيرضى بذلك فإذا أعطاه الولد الذكر بعد ذلك علم أن هذه الزيادة فضل من الله تعالى وإحسان إليه فيزداد شكره وطاعته، ويعلم أن ذلك إنما حصل بمحض الفضل والكرم
والوجه الثالث: قال بعض المذكرين الأنثى ضعيفة ناقصة عاجزة فقدم ذكرها تنبيهاً على أنه كلما كان العجز والحاجة أتم كانت عناية الله به أكثر
الوجه الرابع: كأنه يقال أيتها المرأة الضعيفة العاجزة إن أباك وأمك يكرهان وجودك فإن كانا قد كرها وجودك فأنا قدمتك في الذكر لتعلمي أن المحسن المكرم هو الله تعالى، فإذا علمت المرأة ذلك زادت في الطاعة والخدمة والبعد عن موجبات الطعن والذم، فهذه المعاني هي التي لأجلها وقع ذكر الإناث مقدماً على ذكر الذكور
وإنما قدم ذكر الذكور بعد ذلك على ذكر الإناث لأن الذكر أكمل وأفضل من الأنثى والأفضل الأكمل مقدم على الأخس الأرذل، والحاصل أن النظر إلى كونه ذكراً أو أنثى يقتضي تقديم ذكر الذكر على ذكر الأنثى، أما العوارض الخارجية التي ذكرناها فقد أوجبت تقديم ذكر الأنثى على ذكر الذكر، فلما حصل المقتضي للتقديم والتأخير في البابين لا جرم قدم هذا مرة وقدم ذلك مرة أخرى، والله أعلم.
وأما السؤال الثاني: وهو قوله لم عبر عن الإناث بلفظ التنكير، وعن الذكور بلفظ التعريف؟
فجوابه: أن المقصود منه التنبيه على كون الذكر أفضل من الأنثى.
وأما السؤال الثالث: وهو قوله لم قال تعالى في إعطاء الصنفين {أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وإناثا}؟
فجوابه: أن كل شيئين يقرن أحدهما بالآخر فهما زوجان، وكل واحد منهما يقال له زوج والكناية في {يُزَوّجُهُمْ} عائدة على الإناث والذكور التي في الآية الأولى، والمعنى يقرن الإناث والذكور فيجعلهم أزواجاً.
وأما السؤال الرابع: فجوابه أن العقيم هو الذي لا يولد له، يقال رجل عقيم لا يلد، وامرأة عقيم لا تلد وأصل العقم القطع، ومنه قيل الملك عقيم لأنه يقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق.
وأما السؤال الخامس: فجوابه قال ابن عباس {يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إناثا} يريد لوطاً وشعيباً عليهما السلام لم يكن لهما إلا النبات {وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذكور} يريد إبراهيم عليه السلام لم يكن له إلا الذكور {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وإناثا} يريد محمداً صلى الله عليه وسلم كان له من البنين أربعة القاسم والطاهر وعبد الله وإبراهيم، ومن البنات أربعة زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً} يريد عيسى ويحيى، وقال الأكثرون من المفسرين هذ الحكم عام في حق كل الناس، لأن المقصود بيان قدرة الله في تكوين الأشياء كيف شاء وأراد فلم يكن للتخصيص معنى، والله أعلم.
ثم ختم الآية بقوله {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} قال ابن عباس عليم بما خلق قدير على ما يشاء أن يخلقه، والله أعلم.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 04:32 ص]ـ
ما أجمل هذه النافذة
بدؤها أدب، وقلبها نحو، ومسكها بلاغة
عمر الله قلوبكم بالخير
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 08:11 ص]ـ
الحديث ممتع وشيق في هذا المجال
ولكنه -الباري عز وجل -يقول في موضع آخر:
وليس الذكر كالأنثى ....... وهنا شرف الأنثى على الذكر لأنه
في عرف البلاغيين أن المشبه به أشرف وأعلى قدرا من المشبه
إلا في التشبيه المقلوب ومثاله:
بدا الصبح كأن غرته ,,,,,وجه الخليفة حين يمتدح
حيث جعل الصبح مشبها وحقه أن يكون المشبه به
وما دمنا في حديث الذكر والأنثى يقول المتنبي:
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ....... ولا التذكير فخر للهلال
وبين ما في البيت من بلاغة وقوة معنى
بارك الله فيكم
بوركت أخي الكريم بحر الرمل على المرور الكريم والتفاعل اللطيف، وأدعو لك بتيسير الزواج قريباً بإذن الله!
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 08:15 ص]ـ
جزاكم الله خيرًا، وبارك فيكم ..
واسمحوا لي بهذا الملمح البلاغي في الآية الكريمة:
وقع في الآية حسن تقسيم على أبلغ وجه وأحسنه:
فالله - جلت قدرته - إما أن يفرد العبد بهبة الإناث، أو بهبة الذكور، أو يجمعهما له، أو لا يهبه أيًا منهما.
وقدم النظم الكريم الإنعام بالذرية على الحرمان منها؛ لأن الآية سيقت في مجال الاعتداد بالنعم، وإنعامه على عباده أهم عنده، وأكثر إيناسًا للنفوس.
وأتى بذكر الحرمان؛ ليكتمل التمدّح؛ بالقدرة على المنع، كما يمدح بالعطاء، فيستقر في الأذهان: أنه لا مانع لما أعطى، ولا معطيَ لما منع.
وتأملوا كيف عبّر النظم الكريم بلفظ الهبة، وكيف عدل عن لفظ الحرمان إلى لفظ (يجعل)؛ لأن الحرمان ثقيل على النفوس، فأريد اللطف معها.
والله - تعالى - أعلم.
ملاحظة: التقديم والتأخير من فنون علم المعاني البلاغي، فما رأي الأستاذ الفاضل أحمد الغنام في نقل الموضوع إلى قسمه الأكثر ملاءمة له؟
بارك الله فيك وفي جهودك الكريمة.
بوركت أختي الكريمة على الاثراء للموضوع واللفتة الكريمة بالتعبير للحرمان بـ "ويجعل " باعتبار نسبة الفعل لله عز وجل وهو كثير في القرآن ..
وأما النقل لقسم البلاغة فلا مانع في ذلك وسينفذ فوراً، نفع الله بك أخية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 11:19 ص]ـ
:::
الأساتذة الأجلاء،
أنشر هذه المشاركة بشكل منفصل تعقيبا على الموضوع المنشور على الرابط:
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=37246 (http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=37246)
حيث لم أتمكن من إضافته هناك لامتناع ذلك، وأرجو نقل مداخلتي إلى مكانها الطبيعي إن كان ذلك ممكنا للأهمية.
وشكرا للجميع.
وليس الذكر كالأنثى
أعتقد أنه لا علاقة للآية الكريمة المذكورة بتشريف الأنثى على الذكر أو تفضيل الذكر على الأنثى، فالتشبيه هنا تشبيه بلاغي خاص وحكمه يراد به ذَكَر معهود وأنثى معينة في حالة خاصة، ولا أرى جوازا لتأويله على الإنسان المطلق.
فالذكر مطلوب بطريق الكناية في قولها (رب إني نذرت لك ما في بطني محرراُ). علما بأن التحرير هو العتق لخدمة بيت المقدس، حيث كان ذلك عندهم مقصوراً على الذكور، فتكون أل في (الذكر) عائدة إلى مذكر بطريق الكناية، وأل في (الأنثى) عائدة إلى مذكور صريحا في قولها (رب إني وضعتها أنثى).
فالمراد في الآية الكريمة (ليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لي)، وقد دخلت أل العهدية على المُسند إليه (الذكر) للإشارة إلى فرد معهود بين المُتخاطبين (عهد كنائي)، وقد تقدم ذكره في الآية الكريمة (تلويحاً)، وهو وإن لم يكن مسبوقاً صريحاً إلا أنه معني بـ (ما) في الآية السابقة (ربِّ نذَرتُ لك ما في بطني مُحرَّراً)، لأنهم كانوا لا يُحررون لخدمة بيت المقدس إلا الذكور كما أسلفنا.
والله أعلم،
منذر أبو هواش
:)
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 05:54 م]ـ
اخي ابو سهيل مرور كريم منك أخي ولكن قد اختلف معك في التعبير عن الرزق بالانثى هو غم، ربما يكون ذلك عند غير المؤمن والله أعلم.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 07:56 ص]ـ
ما أجمل هذه النافذة
بدؤها أدب، وقلبها نحو، ومسكها بلاغة
عمر الله قلوبكم بالخير
المتعة تكتمل بوجودك معنا أخي مغربي، بارك الله لك.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 08:00 ص]ـ
:::
الأساتذة الأجلاء،
أنشر هذه المشاركة بشكل منفصل تعقيبا على الموضوع المنشور على الرابط:
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=37246 (http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=37246)
حيث لم أتمكن من إضافته هناك لامتناع ذلك، وأرجو نقل مداخلتي إلى مكانها الطبيعي إن كان ذلك ممكنا للأهمية.
وشكرا للجميع.
وليس الذكر كالأنثى
أعتقد أنه لا علاقة للآية الكريمة المذكورة بتشريف الأنثى على الذكر أو تفضيل الذكر على الأنثى، فالتشبيه هنا تشبيه بلاغي خاص وحكمه يراد به ذَكَر معهود وأنثى معينة في حالة خاصة، ولا أرى جوازا لتأويله على الإنسان المطلق.
فالذكر مطلوب بطريق الكناية في قولها (رب إني نذرت لك ما في بطني محرراُ). علما بأن التحرير هو العتق لخدمة بيت المقدس، حيث كان ذلك عندهم مقصوراً على الذكور، فتكون أل في (الذكر) عائدة إلى مذكر بطريق الكناية، وأل في (الأنثى) عائدة إلى مذكور صريحا في قولها (رب إني وضعتها أنثى).
فالمراد في الآية الكريمة (ليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لي)، وقد دخلت أل العهدية على المُسند إليه (الذكر) للإشارة إلى فرد معهود بين المُتخاطبين (عهد كنائي)، وقد تقدم ذكره في الآية الكريمة (تلويحاً)، وهو وإن لم يكن مسبوقاً صريحاً إلا أنه معني بـ (ما) في الآية السابقة (ربِّ نذَرتُ لك ما في بطني مُحرَّراً)، لأنهم كانوا لا يُحررون لخدمة بيت المقدس إلا الذكور كما أسلفنا.
والله أعلم،
منذر أبو هواش
:)
أستاذي الكريم منذر أبو هواش، جميل ماتفضلت به هنا بالنسبة للآية التي أوردتها ولكن الآية التي نحن بصددها لها دلالات كثيرة والله أعلم، ألا تلاحظ التنكير للأنثى عندما وردت قبل ذكر الذكر المعرف وعندما ورد ذكرهما معاً تقدم الذكور على الإناث؟ لاشك أنها تحتوي على لفتة لطيفة مما جعل أهل اللغة يدورون حول المعنى.
نفعنا الله بك أخي الحبيب وننتظركم على الدوام لنستفيد منكم.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 08:02 ص]ـ
أنوه هنا الى أن الردود غير متاحة الآن في قسم البلاغة لذلك اضطررت أن أعيده الى هنا.
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 10:34 ص]ـ
:::
الذكور والإناث والتقديم والتأخير بحسب السياق والضرورة اللغوية
أخي أحمد الغنام،
أشكرك على ترحيبك، وآمل (وأنت المقيم في تركيا) أن لا تبخل علي بالاتصال من أجل التعاون في أي موضوع يتعلق باللغتين العثمانية والتركية أو بالعلاقات العربية التركية.
مع احترامي لما تتفضلون ويتفضل به أساتذتنا العلماء الأجلاء، إلا أنني أميل إلى تنزيه الذات الإلهية عن التمييز والتفضيل المجرد بين الذكور والإناث، ولا أرتاح لهذا السبب للاجتهادات التي تفسر التقديم والتأخير والتعريف والتنكير في ألفاظ الإناث والذكور وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن الكريم على أنها من باب الحظوة أو التفضيل.
تقديم كلمة (إناثاً)، وتعريف كلمة (الذكور)
في قوله تعالى: ... يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (الشورى 49)
تقديم الإناث هنا تقديم موضوعي لأن الموضوع يدور حول الإناث بشكل أساسي. وأما تعريف الذكور فهو تعريف للمتبقي من الجماعة، فالعرب تقول: "يهب كذا إلى كذا ... ويهب كذا إلى كذا ... ويهب الباقي إلى كذا ... "، ويذكرون الباقي دائما معرفا باللام، فالذكور هنا عرفت (تعريف الباقي) لأنها المتبقي والأخير ممن ذكر (أعني جماعة الذكور والإناث).
تقديم كلمة (ذُكْرَاناً)، وتأخير كلمة (إناثاً)
في قوله تعالى: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً ... (الشورى 50).
أعتقد أن التقديم هنا أيضا تقديم موضوعي لأن الكلمتين وردتا في سياق الزواج، والذكران هم في العادة الطالبون للإناث، وهم في الغالب الساعون إلى الزواج، لذلك فقد جرى تقديمهم.
والله أعلم،
منذر أبو هواش
:; allh
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 11:00 ص]ـ
:::
الذكور والإناث والتقديم والتأخير بحسب السياق والضرورة اللغوية
أخي أحمد الغنام،
أشكرك على ترحيبك، وآمل (وأنت المقيم في تركيا) أن لا تبخل علي بالاتصال من أجل التعاون في أي موضوع يتعلق باللغتين العثمانية والتركية أو بالعلاقات العربية التركية.
مع احترامي لما تتفضلون ويتفضل به أساتذتنا العلماء الأجلاء، إلا أنني أميل إلى تنزيه الذات الإلهية عن التمييز والتفضيل المجرد بين الذكور والإناث، ولا أرتاح لهذا السبب للاجتهادات التي تفسر التقديم والتأخير والتعريف والتنكير في ألفاظ الإناث والذكور وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن الكريم على أنها من باب الحظوة أو التفضيل.
تقديم كلمة (إناثاً)، وتعريف كلمة (الذكور)
في قوله تعالى: ... يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (الشورى 49)
تقديم الإناث تقديم موضوعي لأن الموضوع يدور حول الإناث بشكل أساسي. وأما تعريف الذكور فهو تعريف للمتبقي من الجماعة، فأنت تقول يهب كذا إلى كذا ... ويهب كذا إلى كذا ... ويهب الباقي إلى كذا ... فالذكور هنا عرفت (تعريف المتبقي) لأنها المتبقي والأخير ممن ذكر (وهي هنا جماعة الذكور والإناث).
تقديم كلمة (ذُكْرَاناً)، وتأخير كلمة (إناثاً)
في قوله تعالى: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً ... (الشورى 50).
أعتقد أن التقديم هنا أيضا تقديم موضوعي لأن الكلمتين وردتا في سياق الزواج، والذكران هم في العادة الطالبون للإناث، وهم في الغالب الساعون إلى الزواج، لذلك فقد جرى تقديمهم.
والله أعلم،
منذر أبو هواش
:; allh
بوركت أخي الكريم على التفاعل المثمر ..
ولو أني أرى التفضيل الوظيفي لاغبار عليه حتى التفضيل الوجداني غير مستبعد عموماً، وبعيداً عن الآية التي هي مدار الحديث وتفضيل الرسل وهم صفوة البشر نراه أيضاً من خلال السياق حسب ورود أسمائهم في الآيات التي نرى العجب عند تأمل هذه الآيات ..
ودعوتك للتواصل معاً أسعدني أستاذي الحبيب والعنوان موجود في الفصيح وأنا بدوري أتصل بكم ان شاء الله.
وإذا أسعفتكم الفرصة لزيارة تركيا فستسعفني أن ألقاكم على خير.
لكم مني عاطر التحية،
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 02:01 م]ـ
نقلت المشاركة إلى مكانها الصحيح
قسم البلاغة العربية اين القسم الكبير البلاغة والنقد الذي لا تضاف فيه مشاركات
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[19 - 08 - 2008, 08:58 ص]ـ
نقلت المشاركة إلى مكانها الصحيح
قسم البلاغة العربية اين القسم الكبير البلاغة والنقد الذي لا تضاف فيه مشاركات
بارك الله جهودكم أخي الحبيب التويجري وكلل مساعيكم بالخير العميم.
ـ[أحلام]ــــــــ[17 - 10 - 2008, 04:28 م]ـ
ماشاء الله
بارك الله لكم
وجزى الله كل من شارك وعلّق وبيّن ...
ـ[المزمجرّ]ــــــــ[04 - 07 - 2009, 03:20 ص]ـ
ولماذا استعارة حرب وهمية بين الجنسين؟
إن الله خلق آدم على صورته.
العبد يدخل الجنة إذا أرضى أمّه
المرأة تدخل الجنة إذا أرضت زوجها
وحدّث
ـ[فصيح1]ــــــــ[05 - 10 - 2009, 08:01 م]ـ
مشاركة جميلة وثرية
ـ[درة النحو]ــــــــ[09 - 11 - 2009, 06:46 ص]ـ
بارك الله في الجميع، لقد استفدت؛ واستمتعت كثيرا بالموضوع.
جزاكم الله كل خير وزادكم علما وبيانا. ً
ـ[خولة قوال]ــــــــ[09 - 11 - 2009, 05:26 م]ـ
شكراعلى الالتفاتة الطيبة لكن يا احمد قد فتحت الصراع بين الذكور والاناث وخاصة الاناث بدان يشاركن الذكور في مختلف التخصصات والعلوم فما رايك!!!!!
ـ[درعمية وأفتخر]ــــــــ[05 - 04 - 2010, 12:41 ص]ـ
وما التأنيث لأسم الشمس عيب** ولا التذكير فخر للهلال
بارك الله فيك أخي أحمد
موضوع شيق وجميل
لاحرمك ربي الأجر
ـ[الزمردة]ــــــــ[12 - 06 - 2010, 06:55 م]ـ
جزاكم الله خيرا على الافادة
و ربنا يجعله فى ميزان حسناتكم
ـ[صالح العوكلي]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 07:26 م]ـ
سبحان الله
شكرا لكم اخواني على هذه الفوائد
ـ[أبو عوض]ــــــــ[20 - 10 - 2010, 12:27 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولا موضوع جميل جدا.
اخي ابو سهيل مرور كريم منك أخي ولكن قد اختلف معك في التعبير عن الرزق بالانثى هو غم، ربما يكون ذلك عند غير المؤمن والله أعلم.
أخي أحمد. العرب كانت تتعايب الرزق بالأنثى، حتى أن الله سبحانه ذكرهم في القرآن. " وإذا الموؤدة سئلت، بأي ذنب قتلت"
فكانوا يقتلون بناتهن دفنا وهن أحياء. وقصة عمر ابن الخطاب أحد الشواهد على ذلك.،
أما التعليل في إيجاد الغم حال الرزق بالأنثى، فلأن أباها يخاف عدة مسائل ;
أولها أنها بعد الكبر قد تخطىء وتجلب العار. وكما قيل العرض كالزجاج، لن يصلح بعد الخدش.
ثانيها ليس الذكر كالأنثى. فهو الذي يخرج بحثا عن الرزق، فستبقى علة على أبيها. ولهذا قال سبحانه " نحن نرزقهم وإياكم"
ولازال كثير من عرب الجزيرة حاليا يحملون الهم إن رزقوا بالفتاة.
لكن أحمل على أبا سهيل فيما قاله "والأفضل الأكمل مقدم على الأخس الأرذل". تفرقوا بهن يارعاك الله.
ثم إن فضل الأنثى معلوم في الإسلام. يكفي أن قال عنها رسول الله أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك.
والأم أنثى والأب هو الذكر
والله أعلم.
إن أخطأت فمن نفسي والشيطان وإن أصبت فمن الله وحده.
وسأبقى تلميذا لكم أخي أحمد.(/)
عافاكم الله ... هل من نصير ...
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 09:38 م]ـ
كتاب البلاغة العربية
للشيخ عبد الرحمن حبنكة رحمه الله
من وقع على رابط له
فليعنا ولعمري إنه لكتاب عظيم القدر والفائدة
وحبذا لو كان الكتاب بصيغة ( word)
وبارك الله فيكم
ـ[تيما]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 10:30 م]ـ
أخي بحر الرمل
الكتاب على الشابكة متوفر بصيغة pdf
الغلاف ( http://www.kabah.info/uploaders/blaghah00.rar)
الجزء الأول ( http://www.kabah.info/uploaders/blaghah01.rar)
الجزء الثاني ( http://www.kabah.info/uploaders/blaghah02.rar)
بعد التحميل بإمكانك تحويله إلى صيغة word.
بالتوفيق
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 10:34 م]ـ
أشكرك أيتها الفاضلة لله درك
حملي الكتاب أيضا إنه مفيد جدا
ـ[تيما]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 10:43 م]ـ
فعلت يا أستاذي وحملت الكتاب قبل أن أرسل لك الروابط
شكرا لك(/)
التشبيه الباهر
ـ[محمد سعد]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 12:31 ص]ـ
جاء في كتاب: المنصف للسارق والمسروق منه
المؤلف: ابن وكيع التنيسي
وأما التشبيه الباهر فأحسن التشبيه عند أبي عمرو والأصمعي ما كان فيه تشبيهان في تشبيهين، وأحسن ذلك ما قاله امرء القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا =لدى وكرها العناب والحشف البالي
فشبه القلوب الرطبة بالعناب، واليابسة بالحشف، وخص قلوب الطير بأنها أطيبها فإذا صادت جاءت بقلوب الطير إلى أفراخها وذكر عن الأصمعي أنه قال (الجارح لا يأكل قلوب الطير وإنما خصها دون غيرها لبقائها في وكر العقاب للعلة التي ذكرها)
وقال بشار: ما زلت مذ سمعت هذا البيت (أزاول) أن أقارن تشبيهين بتشبيهين فلا أستطيع حتى قلت:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا =وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 02:26 م]ـ
ولكنني احسب أن هذا تشبيه تمثيلي .... وبخاصة بيت بشار
بارك الله فيكم ....
ـ[محمد سعد]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 03:27 م]ـ
ولكنني احسب أن هذا تشبيه تمثيلي .... وبخاصة بيت بشار
بارك الله فيكم ....
أخي بحر الرمل
تحية لك، وشكرًا لمداخلتك الرائعة.
أحببت أن أنقل لك ما قاله الجرجاني في (الدلائل) الصفحات (286، 287، 289)
يقول: فهذا البيت كالحلقة المفرغة التي لا تقبل التقسيم فهو من أوله إلى آخره كلام واحد منتظم لا عدة معان مفرقة فالنحو ليس غايته الإعراب وإنما الأوصاف التي يوجبها في العلاقات التركيبية حتى تكون للمؤلفات مزية في الإفادة وهذا الضم للكلم شبيه بضم غزل الإبريسم بعضه إلى بعض
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 03:31 م]ـ
ولكن للجرجاني آراء تخالف البلاغيين
فهو الذي نفى المجاز في القرآن من أجل نظريته في النظم
ـ[محمد سعد]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 03:35 م]ـ
ولكن للجرجاني آراء تخالف البلاغيين
فهو الذي نفى المجاز في القرآن من أجل نظريته في النظم
أخي الحبيب بحر الرمل، نحن الآن لا نناقش رأي الجرجاني في المجاز، وكنت أحببت أن أنقل لك أحد البلاغيين وإعجابه بالبيت، وذلك لأن بشارًا جاء بالجديد، وهو ما تؤكده كتب البلاغة.
دمت اخا كريمًا
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 03:55 م]ـ
نعم أحسنت
أستاذي .... وسأبحث انا أيضا في بعض المراجع عن بيت بشار أظنني لمحته في أحد الكتب البلاغية
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 07:54 ص]ـ
أخي الحبيب بحر الرمل، نحن الآن لا نناقش رأي الجرجاني في المجاز، وكنت أحببت أن أنقل لك أحد البلاغيين وإعجابه بالبيت، وذلك لأن بشارًا جاء بالجديد، وهو ما تؤكده كتب البلاغة.
دمت اخا كريمًا
هذا صحيح أستاذنا الكريم.
فالصورة في بيت امرئ القيس لا تخرج عن تشبيه شيء بما يناظره، أي أن طرفي التشبيه مفردان؛ حيث شبه الرطب من قلوب الطير بالعناب، واليابس منها بالحشف البالي.
بينما الصورة في بيت بشار هي: تشبيه هيئة بهيئة، فالطرفان مركّبان؛ فقد شبّهت هيئة الغبار المثار فوق الرؤوس وقد تحركت فيه السيوف اللامعة إلى جهات مختلفة، بهيئة ليل مظلم تتهاوى كواكبه.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 07:57 ص]ـ
فهو الذي نفى المجاز في القرآن من أجل نظريته في النظم
الأستاذ الفاضل بحر الرمل:
ما مدى ثقتك بهذه المعلومة؟
بورك سعيك.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 11:02 ص]ـ
سيدتي لم أفهم السؤال .... ؟؟
هل أنت تنفين عن عبد القاهر ما نسب إليه من نفي المجاز ....
أم تستنكرين علي قول لأجل نظريته في النظم
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 02:20 م]ـ
سأراجع معلوماتي على كل حال ... فإن أخطأت أقيلوا عثاري بارك الله فيكم ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[17 - 08 - 2008, 01:31 م]ـ
سيدتي لم أفهم السؤال .... ؟؟
هل أنت تنفين عن عبد القاهر ما نسب إليه من نفي المجاز ....
أم تستنكرين علي قول لأجل نظريته في النظم
بارك الله فيك أخي الكريم ... كلنا هنا لنتعلم، ونستفيد من بعضنا.
ما قصدته هو: كيف ينفي الشيخ عبدالقاهر المجاز وهو الذي قوّم عوده، وفتق أكمامه، وارتقى بالبحث المجازي مكانًا عليًّا في كتابيه دلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة؟
ومن المتعذر الإحاطة بجهوده في هذا المجال؛ لذا سأكتفي بإيراد تعليق له على آية كريمة:
قال - رحمه الله -: " ومثال ما دخل المجاز في مثبته دون إثباته: قوله عز وجل: (أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) (الأنعام / 122) وذاك أن المعنى - والله أعلم - على أن جعل العلم والهدى والحكمة حياة للقلوب ... فالمجاز في المثبت وهو الحياة ". (أسرار البلاغة / 334).
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[17 - 08 - 2008, 03:35 م]ـ
بسبب كثرة الأقوال في هذه المسألة تحديدا اختلط الأمر علي .... !!!
أشكرك جزيلا على تصحيح المعلومة(/)
في رحابِ قولِه تعالى: " فقُطِعَ دابرُ القومِ الذين ظلموا .... " الآية.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 01:09 ص]ـ
http://up.lz3zl.com/get-8-2008-2l942psx.gif (http://up.lz3zl.com)
قال تعالى: " فقطع دابرُ القومِ الذين ظلموا والحمدُ للهِ ربِّ العالمين " (الأنعام: 45).
جاءت الآية الكريمة معطوفة على ما قبلها ــ وهو قوله: (أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) ــ بفاء التعقيب (فقطع) التي دلت على تعجيل الأخذ، وسرعة الإهلاك بعد طول الإمهال، عاشت فيه تلك الأمم ردحًا طويلاً من الزمن في ظل رغد من العيش، فإذا بعذاب الله يتغشاهم، وإذا بسوء العاقبة يحيلهم إلى زوال في سرعة خاطفة.
وبناء فعل القطع للمفعول: (قطع) فيه لفتٌ إلى السرعة في محق دابرهم، وفي ذلك إشارة إلى هول العذاب، وفظاعة المصير الذي آل إليه القوم، ولاءم البناء للمفعول جو الترهيب الذي أشاعه سياق الآية.
http://up.lz3zl.com/get-8-2008-4wqoqvli.gif (http://up.lz3zl.com)
والمراد بـ (دابر القوم): آخرُهم الذي يكون في أدبارهم.
جاء في المقاييس: أن الدال، والباء، والراء: أصل يدل على: " آخر الشيء وخلفه، خلاف قبله " (1)، " ودبر كل شيء: عقبه ومؤخره " (2).
واستعمل في المعنى ذاته، والغرض ذاته في قول الشاعر (3):
فأهلكوا بعذابٍ حصّ دابرَهم ** فما استطاعوا له صرفًا ولا انتصروا
وفي هذا التعبير كناية عن الإفناء التام، والإهلاك الشامل العام، الدال على استئصال القوم، وذهابهم، ومحو آثارهم، فلم تبق لهم باقية، وإذا كان آخرهم قد هلك وفني، فإن أولهم أهلك، واجتث أصله من باب أولى؛ لأن ذهاب آخر الشيء مستلزمٌ لذهاب ما قبله.
http://up.lz3zl.com/get-8-2008-4wqoqvli.gif (http://up.lz3zl.com)
ويرد في الخاطر سؤال، مؤداه:
ما الغرض من إظهار الموصول وصلته (الذين ظلموا) في التعبير، مع إمكان الإضمار من تأدية المعنى؟
إن التأمل في سياق الآية، يكشف غرض ذلك ويجليه؛ ذلك أن عظم العذاب الذي حل بالأقوام، والإفناء التام الذي نزل بهم بعد طول النذارة والإمهال، كان له سبب عظيم أفضى إليه، وهو ظلمهم أنفسهم:
بتكذيبهم رسلهم، وعنادهم، ومكابرتهم، وصمّ آذانهم عن الحق، وإصرارهم على الشرك، وعتوهم عن أمر ربهم، وغير ذلك من الأمور التي توطنت عليها نفوسهم، وركنت إليها طباعهم المفطورة على الظلم، والمغترة بعظم الرخاء الذي نعمت فيه ردحًا طويلاً، ولكن القوم وضعوا الكفر موضع الشكر، و أقاموا المعاصي مقام الطاعات، فكان ظلمهم الذي تسبب عنه هلاكهم الوخيم، وجرّ عليهم العذاب الأليم، وكانوا عبرة للمعتبرين، ممن جاء بعدهم كالمشركين المكذبين.
http://up.lz3zl.com/get-8-2008-4wqoqvli.gif (http://up.lz3zl.com)
وقد كان للتذييل بقوله: (والحمد لله رب العالمين) خلابة، وسحر يأخذ النفس من أقطارها!
ذلك أن تخليص العباد من فساد الظالمين، وتطهير البلاد من دنس المعتدين نعمة يجب حمد الله ــ تعالى ــ عليها، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، فإن نصره ــ تعالى ــ رسله، بإظهار حججهم، وتصديق نذرهم، و إهلاك الكافرين لهو من أجل النعم، و أعظم المنن، مع ما في هذا وذاك من النذارة للمشركين بالتبصر في مصارع الغابرين من الأمم قبلهم، والبشارة للمؤمنين بترقب إعلاء كلمة الله، ونصره لهم كما نصر المؤمنين من قبلهم.
ودلت اسمية الجملة على معنى الحمد الدائم، والشكر الثابت لله ــ تبارك وتعالى ــ عند خواتم الأعمال، وانقضاء الأمور، فهو ــ وحده ــ المستحق لذلك.
http://up.lz3zl.com/get-8-2008-4wqoqvli.gif (http://up.lz3zl.com)
(1) المقاييس في اللغة: (374). مادة: (د. ب. ر).
(2) لسان العرب: (4/ 268).
(3) هو أمية بن أبي الصلت، والبيت في ديوانه (32).
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 08:37 ص]ـ
جزاك الله خيرًا أستاذتنا ندى.
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[21 - 08 - 2008, 07:55 م]ـ
لا حرمت الأجر أختي الفاضلة ..
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 04:51 ص]ـ
الأستاذة الفاضلة ندى الرميح:
بورك يراعك, كما بوركت روحك.
زادك الله إيمانا, وعمق من قوة ارتباطك بساحة قدسه, وجعلك محطة لنزول فيوضاته, وسكب في روحك شأبيب رحمته.
ما أجمل بيانك وهو يسبح بنا في بحر الجمال القرآني.
نعم, نستشعر في هذا البيان القرآني {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} ما أصاب أولئك القوم من هلاك وفناء استوعبهم جميعا, ولم يبق منهم أحدا, وهذه الآية في معناها توافق معنى آية أخرى {فهل ترى لهم من باقية} الحاقة: 8.(/)
من قوله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 07:15 ص]ـ
من قوله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا).
أينما: أداة شرط تفيد عموما مؤكدا بـ: "ما"، فـ:
والموت آت والنفوس نفائس ******* والمستعز بما لديه الأحمق
وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ: احتراس، فلا يرد حذرٌ قدراً.
وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ:
"حسنة": نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم، و "من" لابتداء الغاية، فالحسنة، مبدؤها من الله، عز وجل، خلقا وإيجادا، وهذا حق، ولكنهم قصدوا به باطلا في هذا الموضع، كما سيأتي إن شاء الله.
وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ: نكرة أخرى: "سيئة" في سياق الشرط، فتفيد عموما، زعموه، فإن السيئة، بزعمهم، مبدؤها من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: إبطال لقولهم: فكلٌ من عند الله، باعتبار قدره الكوني، فالحسنة والسيئة مبدؤها كلمات الله، عز وجل، الكونيات، وهذا قيد مانع يزيل إشكال التعارض المتوهم، بادي الرأي بين هذه الآية، والآية التالية.
فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا: استفهام إنكاري.
مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ: فالحسنة تنسب إلى الله، عز وجل، شرعا وكونا، فهو الذي شرع أسبابها، وحض عباده على مباشرتها، وخلق قدرة العبد على إيجادها، وألهمه فعلها، فهو خالقه وخالق فعله، مع كون العبد ذا قدرة مؤثرة يتعلق بها الثواب والعقاب. فالرب خالق، والعبد فاعل.
وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ: نسبة الشر إلى فاعله، تأدبا مع خالقه، فالله، عز وجل، نهى عنه شرعا، وإن قدره كونا، فهو مراد لغيره، إذ الشر في المقدور لا القدر، فقدر الله، عز وجل، خير كله، فالمصلحة الكلية من إيجاد الشر تفوق مفسدته الجزئية، بل إن خلق: إبليس، عياذا بالله منه، على ما فيه من شر، لا يقارن بالمصالح الشرعية المترتبة على إيجاده، فبه برزت طاعات وظهرت عبوديات ما كانت لتظهر لولاه، فكم من مجاهد قد قهر وساوسه، وكم من موحد قد أبطل ملته، وكم من صاحب سنة قد أمات نحلته.
وبتتبع آي الكتاب العزيز نجد أن الشر، كما استقرأ بعض المحققين، إما:
أن يدخل في عموم الخلق، كما في قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ).
أو ينسب إلى فاعله، وإن كان الرب، جل وعلا، موجده وموجد فاعله، كما في قوله تعالى: (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، فالشر في الخلق بمعنى المخلوق، لا الخلق بمعنى المصدر.
أو يحذف فاعله تأدبا مع الله، عز وجل، كما في قوله تعالى: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا)، فحذفوا الفاعل في الشر تنزيها، وأظهروه في الخير تعظيما، وإن كان الرب، جل وعلا، موجدَ كليهما بكلماته الكونيات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر.
وبهذا التفصيل يظهر الفرق بين:
قوله تعالى: (قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ)، باعتباره فعل الله، عز وجل، فهو موجده كونا.
وقوله تعالى: (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ)، باعتبار فعلكم، فقد أمرتم بالطاعة شرعا، فلم تمتثلوا فصحت نسبة الشر إليكم على جهة الفعل لا الخلق، فالله، عز وجل، هو خالق الذوات وأفعالها: إن خيرا وإن شرا.
يقول شيخ الإسلام، رحمه الله، في "جامع الرسائل":
"كلمات الله تعالى نوعان: كلمات كونية، وكلمات دينية.
فكلماته الكونية هي التي استعاذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر"، وقال سبحانه: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)، وقال تعالى: (وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً)، والكون كله داخل تحت هذه الكلمات وسائر الخوارق الكشفية التأثيرية.
والنوع الثاني: الكلمات الدينية وهي القرآن وشرع الله الذي بعث به رسوله وهي: أمره ونهيه وخبره، وحظ العبد منها العلم بها والعمل، والأمر بما أمر الله به". اهـ
وبه، أيضا، يزول الإشكال في نحو:
قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، فأمر المترفين بالفسق في هذه الآية: أمر كوني لا شرعي، فإن الله، عز وجل: (لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ).
وقال بعض أهل العلم: الأمر، على بابه: شرعي، وفي الكلام حذف دل عليه السياق: "دلالة اقتضاء"، فتقدير الكلام: أمرنا مترفيها بالطاعة فلم يمتثلوا بل فسقوا فيها ........... ، ودلالة الاقتضاء مما يفزع إليه في مثل هذه المضائق، فبها تزول كثير من الإشكالات السياقية، وهذا اختيار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، في "أضواء البيان".
وتتبع مادة الأمر والقضاء والإرادة والمشيئة بأنواعها: الكونية والشرعية مما يزيد هذه المسألة الجليلة بيانا وإيضاحا.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[21 - 08 - 2008, 07:52 م]ـ
بارك الله فيك ..(/)
بين الخوفِ والطمع ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[13 - 08 - 2008, 09:04 ص]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى: " هو الذي يريكُمُ البرقَ خوفًا وطمعًا وينشئُ السحابَ الثقال " (الرعد / 12).
لقد وقع في الآية الكريمة - بذكر الخوف والطمع - حسن تقسيم، وحسن التقسيم - في العرف البلاغي - يعني:
أن يستوفي المتكلم جميع أقسام المعنى الذي يتحدث عنه، بحيث لا يغادر منه شيئًا.
وبالنظر في الآية الكريمة، يتبين أن الخوف والطمع هما ما يُتوقع حصوله من البرق، ولا ثالث لهما.
فليس في رؤية البرق إلا الخشية من الصواعق، أو الاستبشار بنزول الغيث.
وتملي روعة النظم السؤال الآتي:
لم جاء الخوف مُقدّمًا على الطمع؟
لسبب التقديم هنا غايتان، إحداهما:
أن الصواعق والإهلاك يجوز وقوعهما من البرقة الأولى، أما المطر فإنه لا يحصل إلا بعد تواتر الإبراق.
يقول ابن أبي الإصبع: " ومن لطيف ما وقع في هذه الآية من الحال: تقديم الخوف على الطمع؛ إذ كانت الصواعق يجوز وقوعها من أول برقة، ولا يحصل المطر إلا بعد تواتر الإبراق؛ لأن تواتره لا يكاد يُخلِف، لهذا كانت العرب تعد سبعين برقة وتنتجع، فلا تخطئ الغيثَ والكلأ، وإلى هذا أشار المتنبي بقوله:
وقد أردُ المياهَ بغير هادٍ ** سوى عدِّي لها برقَ الغمام
ولما كان الأمر المخوف من البرق يجوز وقوعه من أول برقة واحدة، أتى ذكر الخوف في الآية مقدّمًا أولاً؛ لكون الواحد أول العدد، ولما كان الأمر المطمع من البرق إنما يقع بعد عدد من الإبراق أتى ذكر الطمع تاليًا؛ لكونه لا يقع إلا في أثناء العدد " (1)
ثانيتهما:
جاء الطمع متأخرًا في الذكر عن الخوف؛ لأنه أزاله ونسخه، فيكون أوقع في النفس، وأسعد لها؛ لأن مجيء الرخاء بعد الشدة، والفرج بعد الكرب، والمسرة بعد الحزن، يكون أسعدَ للقلوب، وأتمَّ سرورًا لها؛ لكون الأمر غير متوقع، فإذا تم كانت السعادة أكمل، وكانت البشارة في النفوس أدخل. (2) كما هو ماثلٌ في قوله تعالى: " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته " (الشورى / 28).
والله - تعالى - أعلم.
(1) بديع اقرآن.
(2) يُنظر: المصدر نفسه.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[14 - 08 - 2008, 02:14 ص]ـ
سلام عليكم ... جزاك الله خيرًا
اسمحي لي بمداخلة أيتها المشرفة الفاضلة:
(يريكم) لو أردنا تغيير هذه المفردة مثلا سنقول:
يبصّركم - يجعلكم تشاهدون ....
ستطول المفردة، ومن هنا نعرف سر قول العلماء: (الإيجاز من مقاصد البلغاء).
فسبحان الله العظيم!
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[14 - 08 - 2008, 02:35 ص]ـ
بارك الله فيك أيتها المتأملة، نفع الله بك
ومما ورد في تفسير القرطبي حول هذه الآية:
"خوفا" أي للمسافر. "وطمعا" للمقيم؛ قاله قتادة. الضحاك: "خوفا" من الصواعق،
"وطمعا" في الغيث. يحيى بن سلام: "خوفا" من البرد أن يهلك الزرع،
"وطمعا" في المطر أن يحيي الزرع. ابن بحر: "خوفا" أن يكون البرق برقا
خُلَّبا لا يمطر، "وطمعا" أن يكون ممطرا
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[14 - 08 - 2008, 07:06 ص]ـ
سلام عليكم ... جزاك الله خيرًا
اسمحي لي بمداخلة أيتها المشرفة الفاضلة:
(يريكم) لو أردنا تغيير هذه المفردة مثلا سنقول:
يبصّركم - يجعلكم تشاهدون ....
ستطول المفردة، ومن هنا نعرف سر قول العلماء: (الإيجاز من مقاصد البلغاء).
فسبحان الله العظيم!
الأستاذ الفاضل عبدالعزيز العمار:
بارك الله فيك، وفي مداخلتك المثرية المتأملة.
فعل الرؤية - فوق ما أفضتَه من جمال - يشير إلى إدراكِ المرئي، وقد يصحبه تفكر؛ وبذا ناسب إيراده في الآية التمدّح بباهر القدرة للقدير القادر، وبسط مساحة التأمل لذوي العقول والبصائر.
والله - تعالى - أعلم.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[14 - 08 - 2008, 07:12 ص]ـ
بارك الله فيك أيتها المتأملة، نفع الله بك
ومما ورد في تفسير القرطبي حول هذه الآية:
"خوفا" أي للمسافر. "وطمعا" للمقيم؛ قاله قتادة. الضحاك: "خوفا" من الصواعق،
"وطمعا" في الغيث. يحيى بن سلام: "خوفا" من البرد أن يهلك الزرع،
"وطمعا" في المطر أن يحيي الزرع. ابن بحر: "خوفا" أن يكون البرق برقا
خُلَّبا لا يمطر، "وطمعا" أن يكون ممطرا
الأستاذ الفاضل مغربي:
وجوهٌ تفسيريّة للفظي الخوف والطمع أثرت الموضوع ولا ريب.
فتح الله عليك.
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[21 - 08 - 2008, 08:01 م]ـ
مشكووووووووووووورة أيتها الفاضلة ..(/)
هل يقع الترادف في القرآن الكريم؟
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 05:13 م]ـ
تباينت آراء العلماء قديماً وحديثاً في الترادف بين نفيه وإثباته؛ فهم ما بين مقرٍّ له جامع تلك الألفاظ المترادفة - في نظره -، وبين منكرٍ له سعى جاهداً لإظهار الفروق بين تلك الألفاظ التي قيل بترادفها، رافضاً كل رأي يقول بترادفها، واتحاد معانيها.
وقبل أن أذكر أقوالهم في ذلك، والرأيَ الراجح الذي يتوافق مع الأسلوب القرآني في توخيه لألفاظه وانتقائه لها لتأدية المعنى المراد، يحسن قبل ذلك تعريف الترادف حتى ننطلق في دراستنا على بيِّنة ووضوح.
التعريف اللغوي للترادف
فالمعنى اللُّغوي لمادة (ر د ف) تدل على اتِّباع الشيء، فالترادف: التتابع (1)، والرِّدف: التابع، والرَّديف: كل ما تبع شيئاً (2)، يُقال: جاء القوم رُدَافى: أي بعضهم يتبع بعضاً، وهذا أمرٌ ليس له رِدْف: أي ليس له تَبِعة، وأردفت النجوم أي: توالت وتتابعت، والمُرْدفان: الليل والنهار. (3)
ومن هذه المعاني اللغوية التي تشير في مجموعها إلى التتابع والتعدد يظهر معنى الترادف الاصطلاحي، فهو - كما عرفه ابن فارس - ((اختلاف الألفاظ، واتفاق المعانى، أي يُسمى الشئ الواحد بالأسماء المختلفة، نحو: السيف والمهند والحسام)). (4)
ويزيد الدكتور رمضان عبدالتواب في حَدِّه قائلاً: ((الترادف ألفاظ متحدة المعنى، وقابلة للتبادل فيما بينها في أي سياق)). (5)
فالترادف إذن أن تتعدد الألفاظ وتكثر والمعنى واحد، فالألفاظ وإن تتعددت واختلفت إلاّ أنها تدل على معنى واحد، بل يصح أن تقوم كل لفظة في مقام الأخرى، كما نرى ذلك في تعريف الدكتور رمضان، فهذا هو معنى الترادف، وهذا الذي اختُلف فيه مابين مثبتٍ له ومنكرٍ لوجوده.
حجج المثبتين:
وقد احتج العلماء المثبتون للترادف (6) فيما ذهبوا إليه: ((أن أهل اللغة إذا أرادوا أن يُفسروا "اللُبَّ " قالوا هو: "العقل"، أو"السكب" قالوا: هو: "الصب"، وهذا يدل على أن "اللُبَّ " هو "العقل" عندهم، وكذلك "السكب" و"الصب" وما أشبه ذلك)) (7)، فهذا هو دليلهم في هذه المسألة، وذلك أن أهل اللغة ما قالوا إن "اللب" هو "العقل" إلاّ أن معناهما واحد، ولو كان في كل لفظة منهما معنى ليس في الأخرى لما صحّ منهم هذا الأمر، وكان هذا التفسير خطأ. (8)
حجج المانعين:
ويقابل هذا الفريقَ فريقٌ آخر ينكر وجود الترادف ويردُّه (9)، ويذكر الفروق بين الألفاظ التي قيل بترادفها.
ويظهر رأي هذا الفريق من خلال أمرين:
الأمر الأول: ورود مقولات لهم تردُّ الترادف وتُنكره، ومن ذلك: قول ابن فارس بعد أن ذكر تعريف الترادف - وقد تقدم ذكره - قال: ((والذي نقول في هذا: إن الاسم واحد وهو السيف، وما بعده من الألقاب كالمهند والحسام صفات، فمذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى)). (10)
وكذلك ابن الأنباري يؤكد هذا الأمر حينما حكى في كتابه "الأضداد" قول ابن الأعرابي ((كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى واحد، في كل واحد منهما معنى ليس في صاحبه، ربما عرفناه فأخبرنا به، وربما غمُض علينا فلم نلزم العرب جهله)). (11)
وكذلك ابن درستويه ينفي هذا الأمر، ويذكر أنه من المحال أن تكون هناك لفظتان مختلفتان ومعناهما واحد، ويذكر أن بين الألفاظ فروقاً في المعنى، ولكنها قد تخفى على بعض مَن يسميها. (12)
الأمر الثاني: الذي يدل على ردِّ كثير من العلماء الترادف ما أفردوا فيه من التصانيف مبينين الفروق بين الألفاظ، وما تختصُّ به كلُّ لفظة عن الأخرى بمعنى، وبما تتضمنه من دلالة وإيحاء، ومن تلك المصنَّفات على سبيل المثال لا الحصر: كتاب "الفروق" لأبي هلال العسكري فقد ألفه لبيان فروق الدلالات بين معاني الألفاظ التي قيل بترادفها، مبيِّناً ما اختصتْ به كل لفظة من دلالة ومعنى لا يشاركها فيه غيرها، وإن ظن الناس بترادفها واتحاد المعنى بينهما، كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه حين بيّن ((أن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني في لغة واحدة، فإن كل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلاّ لكان الثاني فضلاً لا يُحتاج إليه)). (13)
نفي الترادف في القرآن:
(يُتْبَعُ)
(/)
ومما تقدم تبين أن كثيراً من العلماء الذين نفوا الترادف نرى أن نفيهم منصب عليه في اللغة، وأما نفيه في القرآن فهو من باب أولى وألزم؛ وذلك لِمَا تميز به أسلوب القرآن في تخيُّره لألفاظه التي تؤدي المعنى المراد دون سواها من الألفاظ، وإنْ كانت قريبة من معناها حتى يُظن أنها مرادفة لها.
وأول ما يُقرِّرُ هذه المسألة ما جاء في القرآن صريحاً من التفريق بين الألفاظ من حيث استخدامها في المواضع المختلفة؛ وذلك لِمَا بين كل لفظة وأخرى من دلالة ومعنى تتميز به دون غيرها ((فالقرآن لا يكتفي بانتقاء الألفاظ وتخيُّرِها، بل يشرع في ذلك صراحة، يُنبِّه إلى خطأ وضع استعمال اللفظ في غير موضعه، ويُرشد إلى بديله)) (14)، يتضح هذا الأمر جلياً في قوله - تعالى -: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ... ) [الحجرات: 14]، فهكذا نراه يفرق بين لفظة وأخرى، يفرق بين الإيمان والإسلام؛ وذلك أن كل كلمة منهما لها دلالة ما ليس في الأخرى. (15)
وقد تضمن هذا التوجيه الرباني دعوة صريحة إلى النظر في دلالات الألفاظ، ومراعاة استخدامها في المقام المناسب لها، وقد تمثَّل العلماء هذا الأمر، وساروا على هذا المنهج، فرأينا كثيراً منهم يفرد في مصنفاته فصولاً في ذكر الألفاظ التي يُظن أنها أن بينها ترادفاً مبيناً الفروق المعنوية فيما بينها.
ومن أولئك العلماء:
1 - الزركشي فقد ذكر في كتابه " البرهان" فصلاً بعنوان: ألفاظ يُظن بها الترادف وليست منه.
2 - السيوطي في "معترك الأقران" ذكر فصلاً بعنوان: ألفاظ يُظن بها الترادف وليست منه.
3 - د. محمد الشايع في كتابه "الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن الكريم" ذكر فصلاً بعنوان: دراسة أمثلة من القرآن ظاهرها الترادف، وغيرهم.
ولا نعجب إذا ذهبوا إلى نفي الترادف في القرآن الكريم، فأنى للترادف أن يكون في القرآن ((ونحن نعلم أن لكل نوع من المعنى نوعاً من اللفظ هو به أخص أولى، وضرباً من العبارة هو بتأديته أقوم، وهو فيه أجلى)) (16) لا يشاركه فيه غيره من الألفاظ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: مادة: ردف: معجم مقاييس اللغة.
(2) انظر: مادة: ردف: القاموس المحيط.
(3) انظر: مادة: ردف: لسان العرب.
(4) الصاحبي:114.
(5) فصول في اللغة العربية: 309.
(6) ومنهم: الرماني، ابن السكيت، ابن خالويه، أبو على الفارسي، ابن سيدة، ابن جني، الفيروز أبادي وغيرهم.
(7) الفروق اللغوية: 13.
(8) انظر: المزهر في علوم اللغة وأنواعها: 1/ 404.
(9) ومن هؤلاء: الجاحظ، والمبرد، وثعلب، وابن فارس، وابن الأعرابي، والأنباري، وابن درستويه، والراغب الأصفهاني، وأبو هلال العسكري، وغيرهم.
(10) الصاحبي: 114.
(11) الأضداد: 7.
(12) انظر: المزهر: 1/ 384.
(13) الفروق: 11.
(14) خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية: 1/ 252.
(15) وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فروقاً بينهما، انظر: الفتاوى: 7/ 6.
(16) الرسالة الشافية: 117.
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[15 - 08 - 2008, 07:41 م]ـ
أستاذ عبد العزيز العمار؛ أشكرك على هذا الموضوع الرائع المفيد؛ جعله الله في ميزان حسناتك.
ونحن بانتظار المزيد.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 03:42 ص]ـ
ولا نعجب إذا ذهبوا إلى نفي الترادف في القرآن الكريم، فأنى للترادف أن يكون في القرآن ((ونحن نعلم أن لكل نوع من المعنى نوعاً من اللفظ هو به أخص أولى، وضرباً من العبارة هو بتأديته أقوم، وهو فيه أجلى)) (16) لا يشاركه فيه غيره من الألفاظ.
نعم ... أنى للترادف أن يكون في القرآن؟!
وما أحسن ما قاله الدكتور دراز في اصطفاء القرآن لألفاظه:
" الجديد في لغة القرآن: أنه في كل شأن يتناوله من شؤون القول، يتخيّر له أشرف المواد، وأمسّها رحمًا بالمعنى المراد، وأجمعها للشوارد، وأقبلها للامتزاج، ويضع كل مثقال ذرّة في موضعها الذي هو أحق بها وهي أحق به، بحيث لا يجد المعنى في لفظه إلا مرآته الناصعة، وصورته الكاملة، ولا يجد اللفظ في معناه إلا وطنه الأمين، وقراره المكين " (النبأ العظيم).
جزاك الله خيرًا على التناول الحصيف للموضوع، ونأمل بالمزيد.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[21 - 08 - 2008, 08:20 م]ـ
لا حرمت الأجر أستاذنا الفاضل ..
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 12:54 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستاذي الفاضل
- هل الترادف عيب يحترز منه.
أورد بعض المناقشات التي تحدثت عن الموضوع
هذا التفريقُ لا يُسلَّمُ بهِ، لأنه إمّا أن يَّكونَ خاصًّا بكلامِ الله تعالَى، وإمَّا أن يّكونَ عامًّا.
فإن قيلَ: إنه عامٌّ.
قلتُ:
هذا باطلٌ؛ فإن المستقريَ كلامَ العربِ يجِدُ غيرَ ذلكَ؛ ألم ترَ ما قالَ المفضلُ النُّكريُّ:
يجاوِبنَ النِّياحَ بكلِّ فجرٍ ... فقد صحِلت من النَّوحِ الحُلُوقُ
وإن قيلَ: هو خاصٌّ بكلامِ الله تعالَى.
قلتُ:
كلامُ الله تعالَى إنما نزلَ على لسانِ العربِ. وهذا ليسَ من لسانِهم، ولا أصلُه معروفًا عندهم في هذا الموضعِ.
وأنا أحبُّ أن يكونَ الأمرُ كما تريدونَ؛ ولكني أجِدُ الواقعَ، والقرائنَ تخالفُه؛ فهل أظلُّ سامدًا في خيالي، مسترسِلاً إلى ما يُسمونَه التذوقَ؛ فأحمِّلَ كلامَ الله ما لا يحتملُ، وأركبَه على مركبٍ وعرٍ من التكلُّفِ، والقولِ الذي ما أسرعَ ما تبدي الأيَّامُ ما فيهِ من ضَعفٍ ووهنٍ؟
وليسَ إعجازُ القرآنِ في هذا؛ فإنه أمرٌ أجلُّ من ذلكَ كلِّهِ، وأشرفُ موضعًا، وأهدى سبيلاً.
أبو قصي
بارك الله فيكم أخي وجزاكم خير الجزاء، ووفقنا جميعا لطاعته ونيل رضاه، ليس الترادف عيبا يجب الاحتراز منه، وإنما اختلف العلماء في وقوعه ـ قديما وحديثا ـ، فمنهم من أثبته ومنهم من أنكره، ولكن القرىن الكريم ـ في رأيي الضعيف ونظري الكليل ـ قد خلا من هذه الظاهرة، وليس فيه كلمتان مترادفتان؛ ويدل على ذلك السياق الذي يستعمل فيه الكلمات المتقاربة في المعنى، فتراه يستعمل كلمة في سياق، ثم يستعمل كلمة أخرى مقاربة لها في سياق آخر، فدلّ ذلك على أن بين هلتين الكلمتين فلاقا، وإن كان هذا الفرق دقيقا، وأحسب أن علماء العربية لو توفروا على هذه الكلمات المتقاربة في المعنى ـ في القرآن الكريم ـ ونظروا إلى سياقاتها المختلفة لوجدوا أن الترادف لا وجود له في القرآن الكريم. وأضرب لك الآن مثلا.
من المعلوم أن (العام) و (السنة) كلمتان متقاربتان في المعنى، ولكن استخدام القرآن لهما يدل على أن بينهما فرقا، فهو يستعمل السنة في الجدب والشدة، ويستعمل العام في الرخاء. ألم تقرأ قوله تعالى: ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد، والمراد سبع سنين، وقال أيضا: ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، فبين اللفطين فرق وإن دقّ. وادع لأخيك.
السلام عليكما
أخي الكريم لا أسلم لك بالتفريق السابق بين العام والسنة فقد وردتا مترادفتين في القرآن الكريم
الشواهد
(الشعراء) ( o 205 o)( أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ)
ولعلك تلاحظ كلمة متعناهم صاحبت كلمة سنين
(التوبة) ( o 126 o)( أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)
ولاحظ كلمة الفتنة مصاحبة للعام
(الكهف) ( o 11 o)( فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا)
(الكهف) ( o 25 o)( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)
هنا وردت في النص القرآني السنون تعبيرا عن المدة لكن في قصة أخرى وردت كلمة عام في موضوع مماثل
(البقرة) ( o 259 o)( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
ـ[ضاد]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 01:11 ص]ـ
ليس هناك ترادف في اللغة, لأن الترادف يعني أن كلمة ا تستطيع تعويضها بكلمة ب في أي أي سياق ترد فيه الكلمة ا. وهذا أمر غير موجود في اللغة, لأن معاني الكلمات متعددة ومختلفة وسياقاتها كذلك, فحتما ستجد سياقا لا تستطيع أن تجد لكلمة فيه كلمة تؤدي المعنى نفسه. هناك اختلاف بين "الإنسان" و"البشر", بين جاء و"أتى", بين "في" و"بِ", بين "هل" و"أَ".
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 03:01 م]ـ
أهلا بكم جميعا، وشكرا لكل من قرأ وعلق،
أخي الفاضل الترادف ليس عيبا، بل هو خاصية من خصائص اللغة العربية. فهو يثري اللغة، ويظهر تميزدها وتفردها، ولكن الحديث هنا عن القرآن الكريم،
فمن باب التجوز قد نقول إن في القرآن ترادفا، ولكن من يعرف بلاغة القرآن، ودقة ألفاظه في دلالاته على معانيه، وتوخيه لذلك يدرك أن الترادف غير موجود في القرآن.
وسأذكر في القريب العاجل – إن شاء الله – مشاركة عن الفروق الدلالية والسياقية بين لفظتي: الشك، والريب، في القرآن الكريم، وهي امتداد للحديث عن نفي الترادف في القرآن.
وينبغي أن يعلم أن الألفاظ التي تسترك في مادة واحدة أنها تجتمع في معنى عام، وقد أدرك هذا المعنى، وأشار إليه من خلال عمله ابن فارس في كتابه الرائع " معجم مقاييس اللغة" فحين يذكر المادة كان يشير أنها تدل على أصل عام، أما ما يشتق من هذا المادة فيختلف عن الأخرى،
،وهو أمر طبعي، فالكاتب يختلف عن الكتاب، كما يختلف عن المكتوب، وعن المكتبة، وعن الكتَّاب، مع أنها متحدة المادة، هذا في اللغة بعامة فما بالك بالقرآن الكريم الذي تميز بدقة ألفاظه في دلالاته على معانيه.
على كل حال فللحديث بقية، وأجو أن تجد في مشاركتي القادمة جوابا عما دار في خلدك، وشكرا لك، ودعواتي للجميع
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 04:00 م]ـ
قالَ تعالى (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا)
أليس هذا من باب الترادف فهما بنفس المعنى؟
يقول أبو قصي
أما لِمَ استعملَ القرآن هذا مكان هذا، فذلك - والله أعلمُ - من بابِ التنويعِ، لما له من ترويحٍ عن النفوسِ، واستمالةٍ للقلوبِ. ومن الخطأ أن يُظنَّ أن لكل شيء من ذلك علةً غيرَ علةِ التنويعِ. لأنك لو ذهبتَ تلتمسُ لها علةً أخرى لم تجد علةً صحيحة ترضاها تفسيرًا لكلام الله. وحسبُك بعلة التنويع علةً.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 08:06 م]ـ
قالَ تعالى (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا)
أليس هذا من باب الترادف فهما بنفس المعنى؟
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... هل تسمحون لي بمداخلة.
المجيء: الإتيان فحسب.
الإتيان: هو المجيء بشيء.
(وإن كنتم في ريب ممانزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله).
لاحظ الفعل (فأتوا).
وأما ما تفضل به الدكتور عبدالعزيز العمار بقوله الشك والريب:
فالشك مجرد الظن، وأما الريب فهو الظن مع التهمة.
فحين اتهم الكفار القرآن بإنه كلام ساحر ومجنون قال الله - تعالى -: (ذلك الكتاب لا ريب فيه).
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 10:44 م]ـ
أسرعت - أخي الكريم- في توضيح الفرق ..
دع الدكتوووووووور يبهرنا بأسرار هاتين الكلمتين ..
لعلك اتبعت أسلوبا من أساليب التشووووويق
بووووركت على هذا الغيض من ذاك الفيض ..
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 01:04 ص]ـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... هل تسمحون لي بمداخلة.
المجيء: الإتيان فحسب.
الإتيان: هو المجيء بشيء.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم لو وافقتك على هذا الفرق فما العلة من تقديم الإتيان وتأخير المجيء؟
دمت سالما
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 04:53 ص]ـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... هل تسمحون لي بمداخلة.
المجيء: الإتيان فحسب.
الإتيان: هو المجيء بشيء.
(وإن كنتم في ريب ممانزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله).
لاحظ الفعل (فأتوا).
وأما ما تفضل به الدكتور عبدالعزيز العمار بقوله الشك والريب:
فالشك مجرد الظن، وأما الريب فهو الظن مع التهمة.
فحين اتهم الكفار القرآن بإنه كلام ساحر ومجنون قال الله - تعالى -: (ذلك الكتاب لا ريب فيه).
أهلا بكم جميعا، وشكرا لكل من قرأ وعلق،
أخي الفاضل الترادف ليس عيبا، بل هو خاصية من خصائص اللغة العربية. فهو يثري اللغة، ويظهر تميزدها وتفردها، ولكن الحديث هنا عن القرآن الكريم،
فمن باب التجوز قد نقول إن في القرآن ترادفا، ولكن من يعرف بلاغة القرآن، ودقة ألفاظه في دلالاته على معانيه، وتوخيه لذلك يدرك أن الترادف غير موجود في القرآن.
وسأذكر في القريب العاجل – إن شاء الله – مشاركة عن الفروق الدلالية والسياقية بين لفظتي: الشك، والريب، في القرآن الكريم، وهي امتداد للحديث عن نفي الترادف في القرآن.
وينبغي أن يعلم أن الألفاظ التي تسترك في مادة واحدة أنها تجتمع في معنى عام، وقد أدرك هذا المعنى، وأشار إليه من خلال عمله ابن فارس في كتابه الرائع " معجم مقاييس اللغة" فحين يذكر المادة كان يشير أنها تدل على أصل عام، أما ما يشتق من هذا المادة فيختلف عن الأخرى،
،وهو أمر طبعي، فالكاتب يختلف عن الكتاب، كما يختلف عن المكتوب، وعن المكتبة، وعن الكتَّاب، مع أنها متحدة المادة، هذا في اللغة بعامة فما بالك بالقرآن الكريم الذي تميز بدقة ألفاظه في دلالاته على معانيه.
على كل حال فللحديث بقية، وأجو أن تجد في مشاركتي القادمة جوابا عما دار في خلدك، وشكرا لك، ودعواتي للجميع
ليس هناك ترادف في اللغة, لأن الترادف يعني أن كلمة ا تستطيع تعويضها بكلمة ب في أي أي سياق ترد فيه الكلمة ا. وهذا أمر غير موجود في اللغة, لأن معاني الكلمات متعددة ومختلفة وسياقاتها كذلك, فحتما ستجد سياقا لا تستطيع أن تجد لكلمة فيه كلمة تؤدي المعنى نفسه. هناك اختلاف بين "الإنسان" و"البشر", بين جاء و"أتى", بين "في" و"بِ", بين "هل" و"أَ".
السلام عليكم
أود الانتظار لحين رد الدكتور عبد العزيز لكني في سفر قصير فأردت أن أطرح بعض ما لدي قبل سفري.
الترادف إما ميزة حسنة أو عيب.
فإن كان حسنا وهو ما وافقتني عليه فخلو القرآن منه مناقض لصفته النص الأعلى في العربية (هذا منطقيا)
ثم إن كان الترادف ممنوعا في القرآن فما الفرق بين العام والسنة كما أوردت في مشاركتي السابقة.
ثم إن كان القرآن نزل بلغة العرب والترادف أحد خصائصها فيجب أن يشتمل على جميع ما تتميز به العربية وأن يخلو من عيوب الفصاحة
أما التفريق بين جاء وأتى كما قال المشرف الأستاذ عبد العزيز العمار
المجيء: الإتيان فحسب.
الإتيان: هو المجيء بشيء.
فما قوله في هذه النصوص
(النساء) ( o 41 o)( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)
(الزخرف) ( o 78 o)( لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)
(النحل) ( o 1 o)( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
(الذاريات) ( o 52 o)( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)
والحمد لله رب العالمين
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ضاد]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 12:15 م]ـ
اعذروني, ليس هكذا تميز المعاني. المعاني تميز بالسياق, عندما نجد سياقا لا تستطيع لفظة ا أن تعوض لفظة ب فيه, فذلك يعني أنهما غير مترادفتين. غير أن ذلك لا يعني عدم اشتراكهما في بعض المعاني, ولكن المعني بالترادف هو الاشتراك في كل المعاني. ولكي أوضح الفرق بين "جاء" و"أتى" فثمة سياق بسيط يظهره:
"جاء أهله" و"أتى أهله": الفرق بين الجملتين واضح جدا.
ـ[عنزي]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 12:32 م]ـ
السلام عليكم,
لا أظن أنه ممكن من المرء الوصول للمعنى الكلي أو "الحقيقي" لمعنى آيات أو كلمات أو حتى حروف القرآن. التأويل عند الله عز و جل.
والقرآن الكريم بلسان عربي أُنزل وليس بلسان العرب و لاحتى بالغة العربية. و كلمة اللغة لعلها من الإغريقية "لوغوس". لسان العرب يتغير كأي لغة أخرى. و هنا أعتقد أن البحث في كلمات القرآن يكون أدق إن قارن المرء الكلمة القرآنية من القرآن كأساس.
لاتوجد كلمتين تحمل نفس المعنى في القرآن. الله أدرى باللسان العربي من العرب أنفسهم على مر العصور.
البحث عن المفرد القرآني باستخدام القرآن يشمل البحث عن الآيات التي ذُكرت بها الكلمة أو جذر الكلمة. هناك "معجم القرآن" يسرد المفرد و الآيات التي الكلمة أُستعملت بها. أظن واضعه أسمه محمد فؤاد عبد الباقي.
ـ[عنزي]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 01:03 م]ـ
لعل الفرق بين "أتى و جاء" شبيه الفرق بين "العلو و الطول".
العلو, قرآنيا, له الوصف لما هو عقلي و روحي, العالون مثلا. أي الغير مادي. الطول نراه في وصف المادي, كالجبال مثلا.
الكتاب أو الذكر أو الفرقان "يؤتى" على المرء. لأنه و ربما أصله من ما هو أكبر من السموات السبع بل هو من أم الكتاب الى العقل و المفهوم البشري. وعندما يأتي زيد عمر و كأنه جاء بعقليته و وصل إلى عقلية عمر. فالحدث هنا ليس حدث مادي.
و أن فكرتم في مسألة "جعلنا عاليها سافلها" فهو ليس لوصف أرض قوم لوط و لكن عالي القوم أمسوا في السفل العقلي و الإجتماعي. هذا باب آخر سأصفه منفردا عن "حجارة من سجيل".
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 01:44 م]ـ
إخواني الأعزاء اسمحوا لي بهذه المداخلة:
كل كلمة في القرآن الكريم في موضعها معنى و لفظاً لا ينفك أحدهما عن الآخر، فوجود الترادف بمعناه العام ممكن، لكن لا يمكن أن تحل لفظة مكان أخرى فتتفق مع سياق الجملة لفظاً و معنى كاتفاق الأولى، فإن وافقت في المعنى لم توافق في اللفظ و إن وافقت في اللفظ لم توافق في المعنى. و مع هذا فيظهر لي بين الكلمات التي أشرتم إليها فروق دقيقة
فأتى: لما لم يقع معاينة
و جاء: لما قد وقع معاينة
السنة فيها استمرارية
العام محدد
فنلحظ العام يقطع استمرارية السنين، أو نجدها أعواماً محددة.
أستغفر الله لي و لكم من كل ذب عظيم، قال صلى الله عليه و سلم (من قال برأيه في القرآن فأصاب فقد أخطأ) رواه الترمذي
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 09:21 م]ـ
إخواني الكرام كم سرتني تعليقاتكم ومشاركاتكم وقد أفدت منها
وإتماما للفائدة، وإحاطة للموضوع بجميع جوانبه فستكون مشاركتي القادمة عن
الفروق الدلالية والسياقية للفظتي "جاء، وأتى" في القرآن.
وقد أردت إفرادها ولم أرد أن تكون تعليقا؛ بغية تمييزها وإظهارها
ودمتم لأخيكم سالمين
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 01:05 م]ـ
جزاك الله خير الجزاء أستاذنا الفاضل على هذا الطرح الجميل حول هذه الظاهرة اللغوية التي كانت ولا زالت محط اختلاف بين العلماء قديما وحديثا.
ولعل استاذي الفاضل يأذن لي بالحديث حول هذه الظاهرة بغية الإفادة والاستفادة.
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 01:57 م]ـ
شكرا لكل من قرأ المشاركة، وعلق عليها، وبورك هذا المنتدى الذي يضم هذه النخبة المتخصصة، وهذا ولا شك يرفع قيمة هذا الموقع علميا.
ولا داعي للإذن في التعليق على مشاركتي فأنا أسعد بذلك وأسر، أهلا بك د. أم عبدالرحمن، في هذا المنتدى
علما أن لي مشاركة أخرى في الفروق الدلالية والسياقية بين لفظتي" جاء وأتى " في القرآن الكريم. يسرني التعليق عليها منك ومن الجميع.
وشكرا لكم
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 04:29 م]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
إن قضية وقوع الترادف في اللغة قد شغلت علماء العربية، وانقسموا إزاءها إلى فريقين، فهم بين مقرًّ بها جامعٍ لألفاظها، ومنكرٍ لها يحاول التماس الفروق بين الألفاظ.
وما من شك في أن الإقرار كان سابقاً للإنكار، فلولا الإقرار لما كان إنكار المنكرين، ويؤيد ذلك أمور:-
1 - أن الترادف كان ماثلاً في أذهان العرب وأشعارهم، ومن أشعارهم قول الحطيئة:
ألا حبذا هندٌ وأرضٌ بها هندٌ وهندٌ أتى من دونها النأي والبعد
فهذا البيت قد تناقله اللغويون والنقاد شاهداً على أن الشاعر يأتي بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد تأكيداً ومبالغة.
2 - ما تناقله الرواة الأوائل من ألفاظ جمعوها من أفواه العرب، وأثبتوها في رسائل لغوية كانت نواة المعاجم الضخمة بعد ذلك.
3 - التكثُّر والمفاخرة لدى بعض اللغويين كالأصمعي، وابن خالويه في حفظ مئات الأسماء بل ألوفها للشيء الواحد، مما نشأ عنه احتدام نار النزاع بين هذا الفريق من المثبتين، وفريق آخر هاله ذلك التكثر وتلك المبالغة، فشرع في إنكار الترادف، وأخذ يلتمس لرأيه الأدلة العقلية والنقلية للتدليل على أن مترادفات الفريق المثبِت إنما هي من الألفاظ المتباينة في أصل الوضع.
وسوف أعرض في هذه السطور آراء المنكرين أولاً، لأنهم هم الذين جعلوا من الترادف قضية للطرح والمناقشة، ثم أعقب بآراء المثبتين.
فقد كان ابن الأعرابي أول من أنكر الترادف، وتبعه في مذهبه تلميذه ثعلب، وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، وابن فارس، وأبو هلال العسكري.
غير أنَّ النَّاظر لأول وهلة في مؤلفاتهم يلحظ الاضطراب الواضح بين الإنكار النظري لمبدأ الترادف، والإقرار الفعلي في كثير من الألفاظ والمواقف.
وإذا ما انتقلنا إلى المثبتين، فإننا نجد معظمهم يروون الألفاظ المترادفة، ولا نكاد نعثر لأغلبهم على رأي صريح فيها، ومن هؤلاء أبو زيد الأنصاري، وأبو علي الفارسي، وابن الأثير، وابن جني الذي جعل الترادف ميزة للعربية تشرف بها.
إلا أن من هؤلاء المثبتين من يحاول البحث في علل تسمية بعض الألفاظ على منهج المنكرين، كما كان عند أبي علي وتلميذه ابن جني.
ولعل الاختلاف الكبير، والاضطراب الذي قد يبدو ظاهراً في هذه المسألة إنما يرجع إلى سببين:
الأول: غموض المصطلح في أذهان اللغويين، وعدم اتفاقهم على مفهوم محدد للترادف.
الثاني: اختلاف المنهج الذي اعتمده كل فريق في الحكم على ظاهرة الترادف، فالفريق الأول ينكر أصالة الترادف في أصل اللغة، والفريق الثاني يقره في الواقع اللغوي، ولا تناقض بين الرأيين، فالمنكرون يذكرون كثيراً من الألفاظ المترادفة في استعمال الناس على منهج المثبتين، والمثبتون يبحثون عن علل تسمية بعض الألفاظ على منهج المنكرين.
والمنكرون يلتمسون الدقة الدلالية في الألفاظ، فيبحثون عن التطابق الكلي بين دلالة اللفظين على المعنى العام والمعاني الجزئية المتفرعة عنه، فهم لم يمنعوا دلالة اللفظين على معنى عام، واكتفى المثبتون بدلالة اللفظين على المعنى العام المتداول بين الناس، ولا تعارض بين الاتجاهين.
وبهذا لا يظهر خلاف بين الفريقين في كثير من المسائل التي ذكروها، إنما الخلاف الحقيقي يبدو في أمرين هما:
الأول: أن المثبتين يرون أن الترادف من الحكمة الإلهية في الوضع، على حين يرى المنكرون أنه منافٍ للحكمة الإلهية في وضع الألفاظ لخلوه من الفائدة.
الثاني: أن المثبتين أكتفوا بالواقع اللغوي شهادة على مذهبهم، على حين حاكم المنكرون الترادف بمقياس العقل والمنطق فلم يجدوا لوقوعه مسوغاً.
وبذلك يبدو أن المنكرين بنظرتهم الدقيقة المتفحصة ينكرون الترادف الكامل بين اللفظين بما يحملانه من معنىً عام، ومعانٍ فرعية خاصة، أما أن يجتمع اللفظان على معنىً عام يحمل الفكرة العامة دون تدقيق أو تمحيص فلا ينكرون ذلك، فهم يفرقون بين مستويين في استخدام اللغة، مستوى الدقة الدلالية، ومستوى التخاطب العام.
(يُتْبَعُ)
(/)
فالعقل واللب متباينان بالمفهوم الأول، مترادفان بالمفهوم الثاني، وهذا ما توصل إليه المحدثون في الدراسات اللغوية الحديثة حين ذكروا أن اللفظ يحمل نوعين من الدلالة: الأولى مركزية وهي القدر المشترك من الدلالة التي تصل بالناس إلى نوع من الفهم التقريبي في تعاملهم مع بعضهم في حياتهم العامة، والثانية هامشية وهي الظلال التي تختلف باختلاف الأفراد وتجاربهم وأمزجتهم وتركيب أجسامهم وما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، فبينما تجمع الدلالة المركزية بين الناس، تفرق بينهم الدلالة الهامشية، كما يرون أن الآداب لم تكتسب روعتها إلا من الدلالة الهامشية والتي خلقت عملاً يعرف بالنقد الأدبي الذي عرض فيه ما يعرف بالذوق العام والذوق الخاص الذي يتأثر إلى حد كبير بالدلالة الهامشية، والتي تختلف باختلاف الناس وتجاربهم وأمزجتهم وعواطفهم وبيئاتهم، وهي ما لم تعرض لها المعاجم أو تعنى بها.
وخلاصة القول في هذه القضية أنه إذا أريد بالترادف التطابق التام الذي يسمح بالتبادل بين اللفظين في جميع السياقات، دون أن يوجد فرق بين اللفظين في جميع أشكال المعنى الأساسي والإضافي والأسلوبي والنفسي والإيحائي، فالترادف غير موجود على الإطلاق.
أما إن أريد به التطابق في المعنى الأساسي دون سائر المعاني أو بإمكانية التبادل في بعض السياقات فالترادف موجود لا محالة.
وأما في القرآن الكريم فقد تباينت آراء العلماء بين إثبات الترادف وإنكاره.
أما مثبتوه فقد جاء إثباتهم له عرضاً في ثنايا حديثهم عن الأحرف السبعة، والتوكيد في القرآن، وعلم المتشابه، وعلم التفسير.
وأما المنكرون فقد تباينت اتجاهاتهم، فمنهم من أقره لغة وأنكره فصاحة وعذوبة، وكان منهم من تحرج من الترادف في بعض ألفاظه، وآثر القطع بعدم الترادف ما أمكن، وكان منهم من أنكره في العربية عامة والقرآن خاصة.
غير أن الرأي الأسلم في هذه الظاهرة هو إنكار الترادف في القرآن الكريم وهذا ما توصلت إليه الدراسات اللغوية الحديثة في ضوء التعريف المتفق عليه للترادف.
فقد اصطلح على تعريفه بأنه: دلالة لفظين مفردين فأكثر دلالة حقيقية مستقلة على معنى واحد، باعتبار واحد، وفي بيئة لغوية واحدة.
وفي ضوء التعريف السابق، وجد العلماء أن ألفاظ القرآن الكريم تأبى هذا التعريف، ولا تنقاد لشروطه، فقد لاحظوا فروقاً دلالية بين كثير من ألفاظ القرآن الكريم كما في الألفاظ الآتية: آثر وفضَّل ـ حلف وأقسم ـ آنس وأبصر ـ بخيل وشحيح، إضافة إلى أنه من قبيل الفروق الدلالية اتساع دلالة بعض الألفاظ لتشمل ألفاظاً أخرى، وقد وجد ذلك في بعض الألفاظ نحو: آتى وأعطى ـ أجر وثواب ـ رقيم وكتاب ... ، كما أن اختلاف الاعتبار واللغات، ودلالة بعض الألفاظ على معانٍ مجازية سبب في إخراج ثلة من الألفاظ القرآنية من دائرة الترادف.
وقد تنبَّه الجاحظ إلى هذه الظاهرة اللغوية الفريدة في القرآن الكريم، فأيقن أنه لا ترادف في القرآن الكريم، حيث توصل إلى ذلك بعد دراسته للمفردات القرآنية في سياقاتها المتعددة.
وهذا ما يبدو جلياً في قوله: [وقد يستخف الناس ألفاظاً ويستعملونها، وغيرها أحق بذلك منها، ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر في القرآن الجوع إلا في موضع العقاب، أو في موضع الفقر المدقع، والعجز الظاهر، والناس لا يذكرون السغب ويذكرون الجوع في حالة القدرة والسلامة، وكذلك ذكر المطر لأنك لا تجد القرآن يلفظ ذكر المطر إلا في موضع الانتقام، والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وذكر الغيث] (1).
فالجاحظ في نصه ينتقد عامة الناس وخاصتهم في استعمالهم الألفاظ في مواضع لا تصلح لها، وينبههم إلى دقة القرآن في استعمال الألفاظ في سياقها المناسب لها.
لقد وضع الجاحظ الخطوة الأولى للتفريق بين الألفاظ في الاستعمال قاده إلى ذلك حسه اللغوي، وفتح الباب لمن جاء بعده من العلماء.
فأبو هلال يفرق بين الانكار و الجحد، وابن قتيبة يفرق بين الكلام والقول، وكلها ألفاظ واردة في القرآن الكريم، والراغب الأصفهاني يضع كتابه"مفردات ألفاظ القرآن حيث تتبع فيه الدلالات الدقيقة للألفاظ فتوصل إلى أن للفظ القرآن الذي أتى عليه خصوصية في الاستعمال وميزة لا تكون لمرادفه.
أما الخطابي فقد أفرد فصلاً كاملاً، أورد فيه بعض الألفاظ التي يحسب أكثر الناس أنها متشابهة في بيان مراد الخطاب، و رأى أن لكل منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، و إن كانا قد يشتركان في بعضها، كالعلم و المعرفة، و الحمد و الشكر، و القعود والجلوس، و نحوها.
ولم تتوقف القضية على المتقدمين، فقد شاركهم المتأخرون في ذلك، ولعل من أبرز من ناقش هذه القضية مناقشة مستفيضة الدكتورة "عائشة عبد الرحمن" حيث انتهت بعد استقرائها لألفاظ القرآن في سياقاتها إلى أن القرآن [يستعمل اللفظة بدلالة معينة، لا يمكن أن يؤديها لفظ آخر في المعنى الذي تحشد له المعاجم وكتب التفسير عدداً قلَّ أو كثر من الألفاظ]. (2)
فالقرآن الكريم ينتقي ألفاظه، ويضعها في مواضعها اللائقة بها، فلا يؤدي غيرها مؤداها، لأنها مقصودة لذاتها لفظاً ومعنىً (3).
___________________________________
(1) انظر: البيان والتبيين:1/ 26.
(2) انظر: الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق: ص/ 214 و 215.
(3) جزء من رسالة علمية للدكتورة أم عبدالرحمن.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 02:29 ص]ـ
جزاكم الله خيرًا على هذه النافذة الثرة، وهذا النقاش العلمي الماتع.
والشكر الجزيل للفاضلة الدكتورة أم عبدالرحمن على هذا البيان الموجز، والإجمال الشافي الوافي للخلاف القديم المتجدد حول ظاهرة الترادف في اللغة عمومًا، وفي القرآن الكريم خصوصًا.(/)
" إذِ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين "!
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 05:55 ص]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى: " وأنذرْهُمْ يومَ الآزفةِ إذِ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين ما للظالمينَ من حميمٍ ولا شفيعٍ يُطاع " (غافر / 18).
جاءت الآية الكريمة في سياق الحديث عن يوم القيامة، ومصير الكافرين فيه، وجاء هذا النص الكريم متممًا المشهد، عارضًا إياه عرضًا تصويريًا مؤثرًا، خلع عليه كثيرًا من سمات التهويل، وملامح التخويف.
والحديث سيتركز على جملة: " إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين "؛ حيث اكتسى وصف يوم الآزفة بهذه الجملة، حالة بليغة من أحوال الخوف، والفزع، والكرب، وشدة الاضطراب، وأنبأت الجملة ــ بلفظها البديع الموجز ــ عن الكثير مما يتلبس القوم في ذلك اليوم، والقلوب لدى الحناجر!
فتعبير القرآن عن حالة الكافرين يوم القيامة، بأن قلوبهم لدى الحناجر، ينتهي بذوي الحس والعقل، إلى تأمل الدقة في وصف هذه الحالة الرهيبة التي رسمها البيان القرآني بروعة آسرة، واتكأ ــ في رسمها ــ على أسلوب الكناية.
فبلوغ القلوب الحناجر: كناية عن فرط الفزع، وشدة الهلع، وعظم الخوف والجزع،: "حتى لكأن مشاعر القلق والخوف تتصاعد بالقلب، فتعلو به إلى حيث يقذف، ووجه هذه الكناية: أن القوم كانوا يعتقدون أن الخائف يتقلص قلبه، ويجتمع، ويلتصق بالحنجرة، وتنتفخ رئته من شدة ما يجد، وإذا انتفخت الرئة، ارتفع القلب بارتفاعها، ولهذا قالوا للجبان: انتفخ سُحْرُه، أي: انتفخت رئته، فبلوغ القلوب الحناجر من لوازم هذه الأحوال، فلذلك وقع كناية عنها" (1)
وصورة الكرب الشديد هنا: ماثلة في تلك القلوب التي شخصت من مكانها، وارتفعت حتى التصقت بالحلوق، فلا هي تخرج فيموتوا ويستريحوا، ولا هي تعود فيتنفسوا، ويتروحوا، لا هذه، ولا تلك (2).
على أن بعضهم رأى في التعبير هنا: جواز المعنى الحقيقي (3)، وهو: أن هذه الحالة حقيقة حاصلة يوم القيامة، فكأن التعبير الكنائي الذي يحدث في الدنيا، تحول إلى معنى حقيقي يوم القيامة من شدة الهول الذي يغشى القلوب، فشتان ما بين الكرب هنا، والكرب هناك، وفي التعبير بالمعنى الحقيقي عن حالة الهلع والخوف ما لا يقل عن التعبير الكنائي الذي تراءى للناظرين إليه.
وأشارت (لدى) إلى معنى: لصوق القلوب في الحناجر، والتمكن منها، فكان اصطفاؤها في هذا الموضع دون: (عند) (4)؛ لتصويرها في صورة المأمور يترقب صدور الأمر من آمره، ليتصرف وفق مراده، وفي ذلك بيان لمحاولتها لحظة تتسع فيها الحناجر لتخرج منها.
(1) من أسرار التعبير القرآني، د. محمد أبو موسى (99).
(2) ينظر: تفسير الكشاف: (4/ 153)، و المحرر الوجيز: (4/ 552)، و التفسير الكبير: (27/ 44)، و التحرير والتنوير: (24/ 172)، وغيرها.
(3) ينظر: المحرر الوجيز: (4/ 552)، والبحر المحيط: (7/ 438).
(4) ينظر في الفرق بين (لدى)، و (عند): الفروق اللغوية: (246).
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 06:01 ص]ـ
وقد أضيف قيد للصورة السابقة المهيبة، وهو قوله: (كاظمين)، فزاد التهويل تهويلاً، والتخويف تخويفًا؛ إذ أحاط به مجموعة من الرؤى، والإيحاءات، تسامت بالتعبير، وارتقت بالتصوير:
فالكظم في اللغة: ((الإمساك، والجمع للشيء، من ذلك: الكظم: اجتراع الغيظ، والإمساك عن إبدائه، وكأنه يجمعه الكاظم في جوفه)) (1)
وجاء في المفردات: ((الكُظُوم: احتباس النفس، ويعبر به عن السكوت)) (2).
ولفظ: (كاظمين):حال من أصحاب القلوب الذين يدل عليهم معنى الكلام السابق.
وتبدو الشدة في الموقف، والهول في المشهد ماثلة في أن القوم قد بلغ بهم الخوف، والهم ما بلغ حتى صارت القلوب لدى الحناجر، ثم هم ــ فوق ذلك ــ كاظمون، عاجزون عن الكلام، وبث الشكوى، كأن نفوسهم امتلأت همًا وكربًا شديدًا، لا يقدرون على التخفيف منه؛ لأن ألسنتهم انعقدت، فلا تقوى على كلام، وكظم الهم أوجع في القلب من الهم نفسه (3).
وتقرر في التعبير بقوله: (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) أمران، هما: الخوف الشديد، مع العجز عن الكلام: " فإن الملهوف إذا قدر على الكلام، وبث الشكوى، حصل له نوع خفة وسكون، وإذا لم يقدر، عظم اضطرابه، واشتد حاله " (4).
(1) المقاييس في اللغة: (928)، مادة: (ك. ظ. م).
(2) المفردات: (712).
(يُتْبَعُ)
(/)
(3) ينظر: زاد المسير: (7/ 74)، و التفسير الكبير: (27/ 44)، ونظم الدرر: (6/ 496 ــ 497)، ومن أسرار التعبير القرآني: (100).
(4) روح البيان: (8/ 189)، و ينظر: التفسير الكبير: (27/ 45)، و حاشية محيي الدين: (7/ 308).
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 10:58 م]ـ
http://www.falntyna.com/vb/uploaded/2_1169903155.gif
ـ[زورق شارد]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 11:33 م]ـ
لك كل الشكر والثناء ..... كم أهيم في أسرار اللغة .....
أكاد أطير,,,,
ألف شكر
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 08 - 2008, 06:26 ص]ـ
جزاك الله خيرا أستاذة ندى، ويشهد لما تفضلت به في المداخلة الأولى، وتحديدا في: "على أن بعضهم رأى في التعبير هنا: جواز المعنى الحقيقي، وهو: أن هذه الحالة حقيقة حاصلة يوم القيامة، فكأن التعبير الكنائي الذي يحدث في الدنيا، تحول إلى معنى حقيقي يوم القيامة من شدة الهول الذي يغشى القلوب ........ ". اهـ
ما قيل في حد الكناية بأن المراد لازمها، وإن لم تكن هي في حد ذاتها مستحيلة الوقوع، كما في قوله تعالى: (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا)، فهو كناية عن الندم، ولا يمنع ذلك تقليب الكفين فعلا.
وكذلك الحال هنا فإن لازم الصورة المذكورة، وهو الفزع الشديد، لا يمنع وصول القلوب إلى الحناجر فزعا، لطلاقة القدرة الإلهية، وإن امتنع ذلك في الدنيا، فلكل دار أحكامها، وما يمتنع في دار قد يجوز بل يجب في دار أخرى، فالخلود: ممتنع في دار الدنيا، واجب في دار الآخرة، بإبقاء الله، عز وجل، لعباده إما: في دار النعيم، جعلنا الله عز وجل من ساكنيها، وإما: في دار العذاب، وقانا الله شر سكناها.
وكذلك عذاب القبر: فإن تصور كيفيته أمر ممتنع في الدنيا، فالعقل يحتار في إدراك كنهه، وإن لم يحله، لاختلاف حكم دار البرزخ عن حكم دار الدنيا، ففي الأولى: يقع النعيم والعذاب على الروح أصلا والجسد تبعا، بخلاف الثانية فإن النعيم يقع على البدن أصلا والروح تبعا كما هو مشاهد محسوس.
وذبح الموت يوم القيامة: إن قيل بأنه كناية عن الخلود فإن ذلك لا يمنع تجسده في الآخرة على هيئة كبش يذبح بين الجنة والنار، كما جاءت النصوص الصحيحة الصريحة بذلك، لاختلاف أحكام الدارين، فما كان عرضا غير محسوس في الدنيا يصير جرما محسوسا في الآخرة يجري عليه ما يجري على كباش الدنيا، وليس ذلك بممتنع لطلاقة القدرة الإلهية، وليس كل ما يحار العقل في إدراك كنهه يصح نفي وجوده، كما تقدم، لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، فقد يكون الشيء موجودا، ولكن العقول والحواس لا تستطيع إدراكه، كسائر المغيبات ولو كانت في الحياة الدنيا، فكم من الغيب يخفى علينا في هذه الحياة، ولا يعني ذلك أنه معدوم لمجرد أن عقولنا وحواسنا عجزت عن إدراكه!!.
وتجسد الأعمال في الآخرة لتصير أجراما توزن، ولتحاج عن أصحابها، كما في حديث: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ)، فليس المقصود تجسد القرآن نفسه، وإنما المقصود تجسد العمل وهو تلاوته بقرينة: "مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ"، والذي يمنع من النوم: القيام بالقرآن آناء الليل لا نفس القرآن، والعمل أمر غير ملموس في الدنيا، وإن أدركه العقل، ومع ذلك صح تجسده يوم القيامة ليذب عن صاحبه، لاختلاف أحكام الدارين، كما تقدم، بل قد وجد في حياتنا، كما يقول أحد الفضلاء عندنا في مصر، موازين لقياس أمور غير مجسمة كدرجة الحرارة، أفلا يكون ذلك جائزا من باب أولى في الدار الآخرة.
الشاهد أن اختلاف أحكام الدارين: أصل جليل يفزع إليه في مثل هذه المواضع التي قد تحار العقول في إدراك كنهها، فالغيبيات لا عمل للعقل فيها إلا اتباع النقل إن صح، وإن دل عليها، فتبعاً لا أصلا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مروان الأدب]ــــــــ[17 - 08 - 2008, 09:32 ص]ـ
بارك الله فيكم جميعا وسدد خطاكم(/)
من قول الصديق رضي الله عنه لما ولي الخلافة
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 07:38 ص]ـ
من قول الصديق رضي الله عنه لما ولي الخلافة:
"أما بعد أيها الناس: فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني. الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله".
"أما بعد": تفصيلية مشعرة بإطناب بعدها، فتقدير الكلام: أما الابتداء فبما تقدم من حمد الله، عز وجل، والثناء عليه بما هو أهله، وأما قولي فهو: كيت وكيت، كما ذكر ذلك، الكرماني رحمه الله.
"أيها الناس": استرعاء لانتباه المخاطبين، فلا أجل من موقف كهذا، يضع فيه الخليفة الخطوط العريضة لسياسة الدولة بعد وفاة قائدها صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
"فإني قد وليت عليكم": فلم أسعَ إليها لأضيف الفعل إلى نفسي، وإنما سيقت إلي سوقا، وأنا لها كاره.
"ولست بخيركم": تواضع يقتضيه المقام، فالنفس أحوج ما تكون إلى الهضم في موضع تحظى فيه بتزكية مطلقة، كتلك التي حظي بها الصديق، رضي الله عنه، من أهل الحل والعقد في البيعة الخاصة في السقيفة، ومن عموم المسلمين في البيعة العامة في المسجد، فإن الإجماع قد انعقد على خلافة أبي بكر، رضي الله عنه، وإن خالف الأنصار، رضي الله عنهم، في أول الأمر، فلما وقفوا على اختصاص قريش بذلك الشأن، رجعوا إلى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فما كانوا ليطيعوه حيا ويعصوه ميتا، وهم الذين آزروه حتى بلغ رسالة ربه، فقدموه على الأنفس والأهل والذراري والأموال، ولسان حالهم: "لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ إنْ خَلُصَ إلَى نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ"، فكان هذا الإجماع، على بيعة الصاحب، رضي الله عنه، من عموم المسلمين بما فيهم آل البيت رضي الله عنهم كما ثبت في الروايات الصحيحة الصريحة، رافعا للخلاف الذي سبقه، كما قرر أهل العلم.
يقول الحافظ ابن كثير، رحمه الله، في "البداية والنهاية":
"فقوله رضي الله عنه: - وليتكم ولست بخيركم - من باب الهضم والتواضع فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي الله عنهم". اهـ
وإجماع من جاء بعدهم حجة، فكيف بإجماعهم وهم خير طباق الأمة؟!!!!
"فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني. الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله":
مقابلات بين أضداد، تزيد الأمر بيانا، فبالضد يعرف حسن الشيء أو قبحه، ولقائل أن يقول: الطباق بالإيجاب بين الإحسان والإساءة، والإعانة إيجابا والتقويم سلبا، والصدق والكذب، والأمانة والخيانة، والضعف والقوة، وإيصال الحق إلى صاحبه ونزعه من مغتصبه، تؤدي نفس الغرض البلاغي لتقابل الجمل التي تضمنتها، فالتعريف بالضد حاصل في كلا الحالين.
"لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل": خبر مؤكد بأقوى أساليب الحصر: النفي والاستثناء، يتضمن إنشاءً، بالحض على الجهاد، وإلا استحقت الأمة وعيد تركه، فالنص على الوعيد، وإن كان خبرا، إلا أنه يتضمن الأمر بالمتوعد على تركه، أو النهي عن المتوعد على فعله، فلسان حال الخطيب: جاهدوا وإلا ضربكم الله، عز وجل، بالذل.
وقد يقال بأن في استعمال فعل الضرب، استعارة مكنية بتشبيه الذل بالحجارة المقذوفة، وحذف المشبه به والتكنية عنه بلازم من لوازمه وهو الضرب، أو استعارة تصريحية في نفس الفعل، بنيابته عن فعل الإصابة، فتقدير الكلام: وإلا أصابكم الله بالذل، وفي كلا التقديرين: إشعار بغلظ العقوبة، إذ الضرب مظنة الإهانة، كما هو مشاهد اليوم من حال أمة الإسلام لما نكلت عن أمر ربها، ورضيت بالزرع واتبعت أذناب البقر.
"ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء":
(يُتْبَعُ)
(/)
كسابقتها: خبر مؤكد بأقوى أساليب الحصر أريد به إنشاء الوعيد، ولكنه هنا على الفعل لا الترك.
و "قوم": نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم، فليست تلك العقوبة خاصة بزمان أو مكان بعينه، بل متى ظهرت الفاحشة، ظهرت الأسقام التي لم تكن في الأسلاف، كما هو حال كثير من المجتمعات الغربية، فضلا عن بعض البقاع التي شاعت فيها الفاحشة في مجتمعاتنا الإسلامية، وإن كان الغالب على أسرنا: العفة، ولله الحمد، وكلما كان الاستعلان بالفواحش كانت الإصابة بالأدواء أظهر، فلا نسب بين العباد وخالقهم إلا الطاعة.
و "أل" في الفاحشة: عهدية ذهنية تشير إلى الفاحشة المعهودة.
و: "إلا عمهم الله بالبلاء": إشارة إلى عموم البلاء إذا ظهرت الفاحشة، على وزان: (أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟!!، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ)، فما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره!!!.
"أطيعوني ما أطعت الله ورسوله": شرط يفيد:
بمنطوقه: ثبوت الطاعة بطاعة الله، عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وبمفهومه: انتفاءها بانتفائهما، ومع ذلك نص على المفهوم توكيدا عليه، فقال: (فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم)، ليقطع أي احتمال يسوغ للرعية أن تطيع الراعي إذا خالف أمر الشرع، فإنه ما ولي إلا ليحفظ الدين ويسوس الدنيا به.
"قوموا إلى صلاتكم": التفات إلى واجب الوقت، ولكل مقام مقال، ولكل وقت عبادته، والسعيد من وفق إلى واجب وقته، فلم يقدم مفضولا على فاضل، فضلا عن أن يضيع كليهما!!!.
"يرحمكم الله": خبر يراد به الدعاء، وفي استعمال المضارع إشعار بالتجدد والاستمرار، و: (خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 10:41 م]ـ
http://www.leblover.com/imgH/uploads/3d211e6467.gif
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 11:05 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لقد دعوت لك بمجرد الانتهاء من القراءة،
وكنت أريد مثل هذا منذ زمن،
فإذا تم نقله من كتاب أرشدني إليه،
وإذا كان من علمكم الوافر فاللهم أن تزده،
ولذلك أرجو منك فضلا لا أمرا
أن تختار يوميا نص وتشرحه كشرحك السابق.
وفقك الله ورعاك، وسدد على طريق الخير خطاك.(/)
من تباريح العلامة أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري حفظه الله
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[18 - 08 - 2008, 04:39 ص]ـ
قال العلامة أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري حفظه الله:
من وظائف العقل في معرفة مراد المتكلم ... أن يجتهد في النظر لتحقيق برهانين يعينان المراد، و هما: برهان الصحة في اللغة أو العقل أو مادة العلم أو حاله المتكلم و عادته، و برهان الترجيح الذي يجعل أحد الاحتمالات الصحيحة مراداً بيقين أو رجحان، فقوله تعالى: (فإذ قرأت القرآن فاستعذ بالله) "سورة النحل 98 " ظاهر في أن الاستعاذة بعد التلاوة، ولكن منع من ذلك برهان الترجيح، و هو السيرة العملية، و نصوص أخرى فبحثنا عن برهان التصحيح فإذا هو العادة العربية في تقدير الإرادة بعد "إذا " في نصوص كثيرة ..
و بعض العلماء يغلط في تطبيق برهان التصحيح و الترجيح فعندما قال القاضي البيضاوي - رحمه الله تعالى - في قول الله سبحانه و تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) "سورة الفتح 1 "التعبير عنه (أي فتح مكة بعد صلح الحديبة) بالماضي لتحققه، أو بما اتفق له في ذلك السنة .. يعني من طلب كفار مكة الصلح يوم الحديبية، علق الشهاب الخفاجي - رحمه الله تعالى - بقوله: " هذا وجه الشبه المصحح و المرجِح ".
قال أبو عبدالرحمن: يصح هذا الكلام لو أن البيضاوي - رحمه الله تعالى - اقتصر على معنى الفتح في المستقبل المعبر عنه بصيغة الماضي، ثم قال: " و بما اتفق له " و لكنه قال (أو)، و لم يقل (و) فصار يذكر احتمالين أولهما: الفتح مستقبلاً المعبر عنه بصيغة الماضي، أو حصول الفتح بعد نزول سورة الفتح التي ذكرت الفتح بصيغة الماضي .. و ثانيهما: و قوع الفتح في الماضي حسب نص الآية .. و لو قال بالاحتمال الأول لكان برهان التصحيح عادة العرب في نحوهم الثاني (البلاغة) من التعبير بالماضي عما سيتحقق وقوعة مستقبلاً، تأكيداً لوقوعه، و إيذاناً بقربه، و حدوث دلائله من طلب الكفار الصلح .. و برهان الترجيح أنه ثبت تاريخياً وقوع الفتح قريباً بعد عام.
المجلة العربية 379 شعبان 1429هـ
أقول: دمتم في رعاية الله.(/)
الطباق في البيت التالي:
ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[18 - 08 - 2008, 11:09 م]ـ
ياغائبا لا يغيب ... أنت َ البعيدُ ... القريب ...
سؤالي: لو قدم الشاعر القرب على البعد , فهل يكون المعنى المراد من الطباق ضعيفا؟ بمعنى آخر ما الدلالة البلاغية من البداية بالبعد قبل القرب؟
ودمتم سالمين
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 08 - 2008, 06:35 ص]ـ
ودمت سالماً.
يا غائبا لا يغيب ... أنت البعيدُ ... القريب.
ربما خرج ذلك على اللف والنشر المرتب، فذكر: "البعيد" في مقابل "غائبا"، و: "القريب" في مقابل "لا يغيب".
أو يقال بأن معنى الغيبة الذي قام بنفس السامع بانتهاء الشطر الأول ناسبه البدء بلازمه في الشطر الثاني، فلازم الغيبة البعد.
والله أعلى وأعلم.
ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[19 - 08 - 2008, 07:05 ص]ـ
أخي مهاجر , شكرا لك على مشاركتك ومحاولتك. وأرى أنا أن الشاعر ربما بدأ بالبعد وختم بالقرب؛ أملا منه في أن يختم البيت بشيء يريده, وهو القرب من الغائب المنتظر.
والله أعلم.(/)
تأمل بياني في سورة التوبة!
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[19 - 08 - 2008, 09:33 ص]ـ
قال تعالى في سورة التوبة 62: " يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ"
فلمَ لمْ يقل أحق أن يرضوهما؟
إرضاء الله تعالى وإرضاء رسوله عليه الصلاة والسلام أمر واحد وليسا أمرين مختلفين، فمن أرضى الله تعالى فقد أرضى رسوله، ومن أرضى الرسول فقد أرضى الله عز وجل. قال تعالى: " مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً" ـ النساء:80
لذلك وحد الضمير العائد عليهما للتأكيد على أن إرضاءهما واحد وسيلةً وغاية
والله أعلى و أعلم
ـ[ثلجية اللبانة]ــــــــ[19 - 08 - 2008, 02:02 م]ـ
سبحان الله 00 واللهم صلي وسلم على رسول الله 00
جزاك الله خيرًا على بيانك 00: rolleyes:
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[21 - 08 - 2008, 12:23 م]ـ
ما أجملها من بلاغة تلك التي تتضح في دقة اختيار" يرضوه" بدلا من "يرضوهما"
فأنى للبشر بعشرها ..
بارك الله فيك على هذا البيان ..
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 09:34 م]ـ
فما أعظم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، ومكانته عند ربه.
جزاك الله خيرا أخي الكريم.
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 01:45 م]ـ
اسمح لي أخي الكريم بهذه المداخلة
اختلفت الأقوال في سر إفراد الضمير العائد إلى "الله ورسوله"؛ إذ كان مقتضى السياق أن يقال "يرضوهما" ومن تلك الأقوال:
1/أن الضمير عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الكلام في إيذائه وإرضائه.
2/أنه عائد على الله عز وجل فقط والتقدير: والله أحق أن يرضوه والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك.
3/أنه يعود على الله ورسوله، وإنما أفرد لتلازم الرضائين وهذا القول هو الملائم للسياق، فالآية واردة في سياق الآيات التي تتحدث عن فئة من المنافقين كانت تتعمد إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وتتقول عليه الأقاويل (1).
وفي ضوء هذا السياق يتضح أن سر العدول هو الدلالة على توحد الرضائين، والإشعار بأن إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم هو في الوقت ذاته إرضاء لله عز وجل؛ لأن في ذلك تسلية للرسول عليه السلام فيما تحمله من أذى أولئك المنافقين (2).
وشبيه بهذه الآية في عود الضمير مفرداً على الله ورسوله، قوله تبارك وتعالى (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) النور (48)
فقد عاد الضمير مفرداً "ليحكم" على "الله ورسوله" لا مثنى كما يقتضي ظاهر السياق، وفي ذلك ـ والله أعلم ـ دلالة على توحد الحكم، وإشعاربأن ماينطق به الرسول صلى الله عليه وسلم هو بعينه حكم الله، وأن هذا الذي يُدعى الناس إلى الاحتكام إليه فيُعرِضُ عنه من طُويت نفسه على النفاق، ويُذعِن إليه من استضاء قلبه بنور الإيمان إنما هو منهج واحد شرعه العليم الخبير، وينفذه ويحكم بمقتضاه رسوله الأمين صلوات الله وسلامه عليه، لأنه عليه السلام لا يحكم إلا عن وحي (3).
_________________________________________
(1) انظر: أسباب النزول للنيسابوري ص:168.
(2) أنظر تفسير الكشاف:2/ 199،البرهان في علوم القرآن:3/ 127و128،تفسير البيضاوي:1/ 410،نظم الدرر:3/ 341،تفسير أبي السعود:2/ 421و4/ 31،روح المعاني:5/ 317،من بلاغة النظم العربي ص/223.
(3) أنظر التحرير والتنوير:18/ 270،أسلوب الالتفات د. حسن طبل:95.
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 02:05 م]ـ
السلام عليكم
الدكتورة أم عبد الرحمن شكرا جزيلا لك ونفع الله بعلمك وزادك رفعة.
والشكر موصول للجميع
ـ[أحلام]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 05:23 م]ـ
الاساتذة الافاضل:
جزاكم الله خيرا على هذا الايضاح الممتع
والله لايزيدنا ذلك إلا حبا لقرآننا ولغتنا العربية
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 06:41 ص]ـ
الله الله الله
لا إله إلا الله
أتحفونا بغيرها.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:34 ص]ـ
جزيت خيرا(/)
آية جمعت ضروبا من البلاغة
ـ[محمد سعد]ــــــــ[19 - 08 - 2008, 07:58 م]ـ
من إيجاز الكتاب العزيز قوله تعالى: " ولكم في القصاص حياة " لأنه قد أجمع النقاد على أن أبلغ كلام قيل في هذا المعنى قول القائل: " القتل أنفى للقتل " وإذا نظرت بين هذا الكلام وبين لفظ القرآن وجدت هذا الكلام ليس فيه من ضروب البديع سوى الإيجاز، مع كونه لم يخل من عيب، ووجدت لفظ القرآن قد جمع الآجام والإيضاح والإشارة والكناية والطباق وحسن البيان والإبداع.
فأما الإيجاز
فلأن اللفظ المماثل من لفظ القرآن للأول هو قوله تعالى: " القصاص حياة " وهو عشرة أحرف
وأما الإيضاح
فإن لفظة القصاص أوضحت المعنى المراد، إذ هو قتل مقيد، لا قتل مطلق
وأما الإشارة
ففي قوله سبحانه: " حياة " فإن هذه اللفظة أشارت إلى أن القتل الذي أوجبه العدل يكف القتل الذي يأتي به العدوان، وفي ذلك حياة الأحياء.
والكناية
في قوله تعالى: القصاص فإنه كنى بهذه اللفظة عن الموت المستحق الذي يوجبه العدل.
وأما الطباق
ففي قوله " القصاص حياة " لأن القصاص الموت، فكأنه سبحانه قال: الموت حياة، وهذا طباق معنوي.
وأما حسن البيان
فكون المخاطب فهم المراد من هذا النظم من غير توقف
وأما الإبداع
فلأن في كل لفظة من هذا الكلام عدة من المحاسن
وأما السلامة من العيوب
فلأن الكلام خلا عن التكرار الذي يقع فيه الكلام
عن تحبير التحرير
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 06:51 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي محمد على هذا الاختيار البديع من جهة إيجاز عبارته، وعظيم فائدته، وترتيب أفكاره، انتقاء موفق كالعادة.
وقد يقال أيضا أن في اللام في: "لكم": معنى الاختصاص، فهو مما اختص به المخاطبون فضلا من الله، عز وجل، ومنة، مع أن ظاهره، قد يبدو، لمن لم يتضلع من حِكم الشريعة وأسرارها، مفسدة لا مصلحة، بإلحاق نفس القاتل بنفس المقتول، فتكون الخسارة مضاعفة، ومع التسليم بوقوع نوع مفسدة بإتلاف نفس القاتل، إلا أن هذه المفسدة الصغرى لا تقارن بالمفسدة العظمى المترتبة على عدم قتله، إذ ذلك داع إلى استباحة الدماء والاستخفاف بأرواح الأبرياء، كما هو مشاهد في الدول التي لا تطبق عقوبة الإعدام، وإن عظمت الجناية، فصارت المسألة من باب: دفع المفسدة العظمى بالمفسدة الصغرى، وذلك، لعمر الله، هو الفقه، كل الفقه، إذ ليس الفقيه من يعلم المصلحة من المفسدة، فذلك أمر يدركه آحاد المكلفين، وإنما الفقيه من يعلم أعظم المصلحتين فيقدمها عند تعارضهما واستحالة الجمع بينهما، ويعلم أعظم المفسدتين فيدفع العظمى بالصغرى عند استحالة دفعهما معا.
وقد يقال بأن المسألة من باب: تعارض مفسدة إتلاف نفس القاتل مع مصلحة حفظ نفوس المكلفين، فتقدم المصلحة لعظمها، إذ حفظ أرواح الأبرياء أعظم من حفظ روح من أباح دمه بيده لما استخف بحكم الله، عز وجل، في الدماء، فأراق الدم الحرام.
وفي تقديم ما حقه التأخير: "لكم في القصاص": إشعار بالقصر والتوكيد.
وقد يقال بأن تنكير المبتدا المؤخر: "حياة": للتعظيم، إذ المعنى: ولكم في القصاص حياة، أي حياة، يا أولي الألباب، إذ تحقن به دماء كثير منكم بردع القتلة عن سفكها.
وفي النداء بـ: "يَا" أُولِي الْأَلْبَابِ: بيان لعظم منزلة المخاطِب، إذ ينادي على عباده بـ: "يا"، التي تفيد نداء البعيد، فهو العلي فوق خلقه ذاتا وصفاتا، ولازم العلو المطلق بعده عنهم، فلا يحل في شيء منهم، ولا يتحد بذواتهم، وإن كانت أشرف الذوات: ذوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وفيه أيضا: استرعاء لانتباه المخاطَب، لعله غافل لا ينتبه إلا إذا نبه.
وتعليق النداء بـ "أولي الألباب": إلهاب للمخاطبين على الامتثال، إذ لا يمتثل بأحكام الشرع المطهر، إلا من اتصف بالحكمة ورجحان العقل.
و: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" " بيان لعلة القصاص، إذ به يتقى الشر في الدنيا بزجر القتلة عن غيهم، وفي الآخرة، فهو رادع عن المصيبة في حق من لم يقع في تلك الكبيرة، كفارة للقاتل، إن لم يستحل إراقة دما المسلمين.
والله أعلى وأعلم.
ـ[رسالة]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 03:04 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كالعادة في أعضاء الفصيح الجميل.
أحسنتما البيان والإفادة، وجزاكما الله خيرا، وفتح عليكما.
ـ[سما الإسلام]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 11:13 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخي الكريم محمد سعد
أخي الكريم مهاجر
بارك الله فيكما على هذه الإفادة العظيمة
و ما أكثر ما يحتوي قرآننا من إبداعات بلاغية
فسبحان من أنزله و أحكم آياته
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 11:15 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
أخي مُحمد سعد
أخي مُهاجر
بوركَ فيكما
وطبتما على هذا
البيان البليغ
حفظكما الله وكل أهل الفصيح
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 08 - 2008, 09:17 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عذرا أيها الكرام:
في الفقرة الأخيرة:
و: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ": بيان لعلة القصاص، إذ به يتقى الشر في الدنيا بزجر القتلة عن غيهم، وفي الآخرة، فهو رادع عن المصيبة في حق من لم يقع في تلك الكبيرة، كفارة للقاتل، إن لم يستحل إراقة دما المسلمين.
أخطاء منها ما قد يغير المعنى والصواب:
"لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ": بيان لعلة القصاص، إذ به يتقى الشر في الدنيا: بزجر القتلة عن غيهم، وفي الآخرة: فهو رادع عن المعصية في حق من لم يقع في تلك الكبيرة، كفارة للقاتل، إن لم يستحل إراقة دم المسلمين.
والله أعلى وأعلم.
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[21 - 08 - 2008, 12:06 م]ـ
لا حرمتم الأجر
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[21 - 08 - 2008, 03:45 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[سمية ع]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 08:54 م]ـ
جزاكم الله خيرا
أرجو أن يستفيد منها الجميع
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:20 ص]ـ
جزاكم الله خيرا(/)
من قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا ا
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 07:21 ص]ـ
من قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).
أم: بمعنى "بل" ففيها: إضراب انتقال عما قبلها لا إبطال له، فهي فرع على: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، إذ الاختلاف سنة كونية، لازمها ابتلاء أهل الحق بتسلط أهل الباطل عليهم، ليمحص الله، عز وجل، المؤمنين، ولما كان هذا الابتلاء شديدا على النفوس، جاءت هذه الآية مسلية لأهل البلاء، ببيان السنة الكونية، فإن الإنسان إذا علمها، هان عليه احتمالها طلبا لما بعدها من تمكين في الدنيا والآخرة، مصداق قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
وفي الآية استفهام مقدر، فتقدير الكلام: بل أحَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ.
مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا: بيان لإجمال ذلك المثل، فكأن المخاطب قد سأل مستفهما، وما ذلك المثل الذي أتى من قبلنا؟، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، ففي الإبهام ابتداء ثم البيان انتهاء: تشويق واسترعاء لانتباه السامع، وعليه يقال: إن في الكلام حذفا استدل عليه بدلالة الاقتضاء التي يقدر فيها محذوف يزيل إجمال السياق.
وفي قراءة: "حتى يقولُ" بالرفع: استحضار للصورة، فكأنه واقعٌ مشاهدٌ، لمزيد بيان لحال أولئك المبتلين، فيهون البلاء على المخاطبين باستحضار سير سلفهم من أهل الإيمان.
مَتَى نَصْرُ اللَّهِ: طلب وتمن له واسْتطالةً لمدة الشدة والعناءِ، كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله.
أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ: فرج بعد الشدة، مؤكد بـ: "ألا" الاستفتاحية استرعاء لانتباه المخاطب، و"إن"، واسمية الجملة، فحالهم يستدعي التوكيد ما أمكن على قرب نصر الله، عز وجل، لتقوى قلوبهم على احتمال الأذى في سبيل الله.
والله أعلى وأعلم.(/)
في سورة البقرة (1)
ـ[هاني الجميعي]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 01:01 م]ـ
في سورة البقرة قال الله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصرهم غشوة
ولهم عذاب عظيم) البقرة 7
في الآية (استعارة تمثيلية) كأن الكفار قطيع من البهائم، لاتفقه، ولاتعقل، قلوبهم في حجب كثيفة، قد طُبع عليها، فلا يدخل إليها إيمان، وكأنهم صم لايسمعون، وعمي لايبصرون، والختم/ الطبع والتغطية على الشيء حتى لا يدخله نور، والغشاوة: الغطاء، ولما كانت القلوب غير واعية، والأسماع غير مستفيدة من الكلام الذي تسمعه من الخير، جعلت بمنزلة الأشياء المختوم عليها ختما حسيا بطريق (الاستعارة التمثيلية)
ـ[سموالحرف]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 01:19 م]ـ
جزاكم الله خيراً ..
اول مشاركة بعد التفعيل
...
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[20 - 08 - 2008, 01:21 م]ـ
لقد لاحظت ذلك يا سمو الحرف.
ولا أنسى الشكر للحبيب هاني الجميعي.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 09:13 م]ـ
بوركت وقفتك أخ هاني ..
الأقرب عندي أن في الصورة استعارة، وهي:
إما مكنية؛ بأن تشبه القلوب ومواطن الإدراك بالسُّكة، بجامع: عدم زوال الأثر، فكما أن الختم ثابت على الدراهم ونحوها، فكذلك مدارك المكذبين جامدة، متحجّرة، مستغلقة على الكفر والتكذيب، لا يؤثر فيها إنذار، ولا ينفذ إليها إيمان، رغم وضوح دلائله، ولم تعد صالحة للتلقي والاستقبال، كل ذلك بسبب تماديهم في الغي، وانهماكهم في العناد والاستكبار.
وهنا حذف المشبه به، وعبر بلازمه (الختم) على سبيل الاستعارة المكنية.
وإما تبعية في الفعل (ختم)؛ بأن يشبه منع القلوب من الإيمان بالختم؛ بجامع انعدام النفاذ في كل منهما، واستعير الختم للمنع، واشتق من الختم بمعنى المنع (ختم)، بمعنى: منع، على سبيل الاستعارة التبعية.
والقرينة: الجار والمجرور.
ويرشح هذا التقدير: ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من: " أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلفتها، وإذا أغلفتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله - عز وجل - فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر منها مخلص " (تفسير الطبري: 1/ 130).
والله - تعالى - أعلم.
ـ[رسالة]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 10:23 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا وفتح عليكم.(/)
اقتباسات من كتاب الاقتباس
ـ[أنس بن سليم الرشيد]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 02:07 ص]ـ
هذه فوائد منتقاة من كتاب (الاقتباس أنواعه وأحكامه دراسة شرعية بلاغية) للدكتور عبدالمحسن العسكر
دونتها أثناء القراءة , وهي تعتبر أهم ما في الكتاب , ولعل الشيء الجديد فيه - عند متخصصي اللغة العربية بشكل عام والبلاغة بشكل خاص - هو الحكم الشرعي للاقتباس.
• عرف العلماء الاقتباس بأنه (تضمين الكلام شيئا من القرآن أو الحديث من غير دلالة على أنه منهما)
ثم علق المؤلف: ((وفي هذا نظر؛ إذ كيف يقولون: تضمين الكلام ... ثم ينفون أن يكون من القرآن حقيقة. وأرى أن يقال: تضمين الكلام جملة أو أكثر توافق لفظ القرآن أو الحديث. وذلك لأن في قولنا جملة أو أكثر تحديدا دقيقا لما يصح إطلاق الاقتباس عليه فخرج بذلك تضمين الكلمة ونحوها , ولما في هذا التعريف من حسم للحرج الذي يجده بعض العلماء في الاقتباس)).
• الذي جرى عليه البحث البلاغي أن التضمين غير الاقتباس , فالتضمين هو أن يضمن الشعر شيئا من
شعر الغير مع التنبيه عليه. كما في قول الحريري:
على أني سأنشد عند بيعي .... .... أضاعوني وأي فتى أضاعوا) >>>> صدر بيت للعرجي
• من الفقهاء من توسع في مفهوم (الاقتباس) فأدخل فيه (العَقْد) وجعله منه فتجده يسوق شواهد للعقد ويسميها اقتباسا مثل السبكي والزركشي. وهذا خلاف ما عليه البلاغيون؛ فإن بين العقد والاقتباس فرقا ظاهرا , فالعقد فيه تصريح بالقول لما يراد تضمينه كقول الشافعي:
أنلني بالذي استقرضت خطاً ...... ..... وأَشْهد معشرا قد شاهدوه
فإن الله خلاق البرايا ...... ...... عنت لجلال هيبته الوجوه
يقول: إذا تداينتم بدينٍ ....... ..... إلى أجل مسمى فاكتبوه
• قسم البلاغيون الاقتباس من حيث نقل المقتَبس عن معناه الأصلي وعدمه إلى قسمين:
الأول: مالم ينقل فيه المقتبس.
الثاني: ما نقل. ومن ذلك قول ابن الرومي:
لئن أخطأت في مدحيك .... ..... ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي .... ..... بواد غير ذي زرع
• ثم إن التغيير اليسير لا يخرجه عن كونه اقتباسا كقول عمر الخيام:
يريد الجاهلون ليطفئوه .... .... ويأبى الله إلا أن يتمه
• ولا بأس به من الناحية الفنية , بل قد يلجأ إليه الشاعر؛ لاستقامة الوزن كما في قول البستي:
خذ العفو وأمر بعرف كما ..... ..... أمرت وأعرض عن الجاهلين
ــــ قال ابن معصوم المدني: الصحيح أن المقتبس ليس بقرآن حقيقة , بل كلام
يماثله بدليل جواز النقل عن معناه الأصلي , وتغيير يسير وذلك في القرآن كفر.
• للاقتباس أصل شرعي كما جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر:
((الله أكبر , خربت خيبر! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)).
• وممن أثر عنه الاقتباس الإمام مالك – إمام دار الهجرة , فقد جاء في ترجمته أن مخلد بن خداش قال:
سالت مالكا عن الشطرنج؟ فقال: أحق هو؟ فقلت: لا. قال: (فماذا بعد الحق إلا الضلال).
• يقول المؤلف (وعجيب أن فكرة الاقتباس من القرآن امتدت لتبلغ أسماء المصنفات فتجد بعض العلماء يقتبس في تسمية مؤلفه كما فعل أبو يوسف القزويني حين دعا تفسيره الضخم بـ (حدائق ذات بهجة) ومن هؤلاء الطاهر بن عاشور فقد سمى أحد كتبه (أليس الصبح بقريب).
• لما كان الاقتباس من القرآن والحديث في بعض جهاته بمنزلة الحلية التي يزدان بها الكلام فقد جعل من البديع. والذي يجب بيانه هنا أن معنى كونه من البديع عندهم أنه من التحسين الثانوي ... الذي يجيء بعد الفراغ من الاعتبارات الجوهرية في حسن الكلام من مطابقته لمقتضى الحال وإيراده بطرق واضحة. ولا جرم أن هذه النظرة ظلم للبديع بأكمله ... ولكن حسبي أن أشير إلى قيمة فنون البديع باشتمال القرآن على كثير منها , وقد جاءت في محالها في أكرم موضع وليست حلية ترف ولا زينة يستغنى الكلام عنها. وإننا نرى كثيرا من المقتبسين من القرآن ... لايكون قصد التحسين أكبر عندهم من إصابة الغرض في المعنى ..
ثم استشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه آنفا حين دخوله خيبر
فقال: أفيكون غرضه عليه الصلاة والسلام هو مجرد الحسن وتزويق الألفاظ أم أن المقام مقام تهديد وفخر؟!!
(يُتْبَعُ)
(/)
• والذي عليه جماهير أهل العلم من المذاهب الأربعة جواز الاقتباس من القرآن في النثر.
ومن الأدلة على جوازه ما ذكرناه عن النبي صلى الله عليه وسلم آنفا. .. وأما في الشعر: فالأكثر على جوازه , ومنعه كراهةً النووي والباقلاني.
ثم قال: والحق الذي يجب المصير إليه ماذهب إليه الأكثرون من جواز الاقتباس في النظم لعدم الدليل المانع من ذلك , ثم إن هذا القول يوجب التفريق بين النثر والشعر وهما سواء ...
• لا عبرة بقول من قال: إن مالكا يحرم الاقتباس؛ إذ مامر من اقتباسه يرد ذلك , وقد حمل بعض اتباع مالك كلام مالك في المنع – إن صح – على الاقتباس القبيح الذي فيه سوء أدب.
* وتغيير النظم حال الاقتباس لا بأس به , بل قد دل الدليل على جوازه , فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)
• مع أن البلاغيين يصرحون أن المقتبس ليس قرآنا ولا حديثا بل هو من قبيل الموافقة أوالمشابهة فإن كثيرا من العلماء استحبوا أن يقع الاقتباس في الشعر العف الشريف الغرض.
• واعلم أن في القرآن والحديث أشياء لا يجوز اقتباسها أبدا لا في شعر ولا نثر , فمن ذلك ما أضافه الله إلى نفسه مما تكلم به سبحانه وتعالى كـ (إني أنا ربك فاخلع نعليك).
ومما يحرم اقتباسه ما أقسم الله به من مخلوقاته , فإذا اقتبس هذا صار من كلام المقتبِس نفسه فيكون قسما منه بغير الله. وهو شرك كما في قول بعضهم:
والتين والزيتون ... وطور سينين .... وهذا البلد المحزون ...
ومما لا يجوز ما خوطب به الرب جل وعلا .. كما وقع في كتاب لعبدالرحمن المرشدي إلى القضاة .. جاء فيه
(يا أعدل قاضٍ به عماد الدين , آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين)
ومنه ما يتبادر إلى السامع أنه من القرآن مع تغيير بعض الكلمات كقول أحدهم:
(والنجم إذا هوى .. ما ضل يراعك وما غوى , علمه شديد القوى , ذو مرة فاستوى)
ومنه ما يعد محاكاة للقرآن واستعمالا له في غير معناه كقول النبيه يمدح القاضي الفاضل:
(لا تسمه وعدا بغير نوال .... إنه كان وعده مفعولا)
• وضع صفي الدين الحلي تقسيما حسنا يضبط لك الجائز والمباح والمردود في الشعر والنثر قال:
((الاقتباس على ثلاثة أقسام: 1/ محمود مقبول 2/ مباح مبذول 3/ مردود مرذول
فالأول: ما كان في الخطب , والمواعظ , والعهود , ومدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
والثاني: ما كان في الغزل والقصص والرسائل .. ونحوها.
والثالث: على ضربين: أحدهما: تضمين ما نسبه الله عزوجل إلى نفسه كما قيل
عن أحد بني مروان: إنه وقع على مطالعة فيها شكاية عن عمّاله: (إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم)
والآخر: تضمين آية كريمة في معرض هزل أو سخف.
• واعلم أن الحديث في الاقتباس يستدعي أن نصله بشيء قريب الصلة به ذلك هو (إرسال المثل من القرآن والسنة). فهناك آيات يضعها الناس في كلامهم موضع الأمثال ويسمى (إرسال المثل) ... كـ (إن الباطل كان زهوقا) (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (ولا ينبئك مثل خبير).
• والتمثل بالقرآن جائز (وهو شعبة من الاقتباس) قال شيخ الإسلام: ((إن تلا الآية عند الحكم الذي أنزلت له أو ما يناسبه من الأحكام فحسن ... فلو دعي الرجل إلى معصية قد تاب منها فقال (وما كان لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا) كان حسنا))
• وقد ثبت التمثل بالقرآن على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام (عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلا فقال: ألا تصليان! فقلت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرجع إليّ .. ثم سمعته يضرب على فخذه ويقول (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا). وأيضا لما دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة جعل يطعن الأصنام ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).
• وهناك آيات يحرم اتخاذها أمثالا كمثل ما أضافه الله لنفسه , كما روي عن أحد الولاة مر على المساجين فقال:
(اخسؤوا فيها ولا تكلمون).
• والاحاديث مثل الآيات كـ (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).
* والفرق بين الاقتباس وإرسال المثل - وهو فرق لطيف - هو أن الاقتباس تأتي فيه الجمل في ضمن كلام للمتكلم , أما إرسال المثل فلا يلفظ فيه – غالبا - إلا بنص الآية أو الحديث فحسب.
* وينبغي أن يفرق بين إرسال المثل - وهو ما يأتي عرضا في واقعة ما - و التحدث بالقرآن أي جعل القرآن بدل الكلام كمن يقول لخادمه: (آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) ومن يقول لرجل اسمه موسى (وجئت على قدر يا موسى) وقد حرمه غير واحد من العلماء كابن تيمية وابن مفلح.
أنس بن سليم الرشيد
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 02:03 م]ـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... مرحبًا بك أخي أنسُ بنَ سليم الرشيد.
جزاك الله خيرًا؛ فقد استفدت كثيرًا منها.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الملك المتوج]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 06:31 م]ـ
أحسنت في نقلك الموفق يا أنس
ـ[أنس بن سليم الرشيد]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 11:27 م]ـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... مرحبًا بك أخي أنسُ بنَ سليم الرشيد.
جزاك الله خيرًا؛ فقد استفدت كثيرًا منها.
وإياك أخي عبدالعزيز , والحمد لله على الفائدة.
ـ[أنس بن سليم الرشيد]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 11:31 م]ـ
أحسنت في نقلك الموفق يا أنس
بورك فيك أيها الملك. ولكن هذا ليس نقلا بالمعنى الذي درج في الشبكة العنكبوتية؛ إذ هو انتقاء لفوائد تعد خلاصة ما في الكتاب , وتغني عن الرجوع إلى الأصل. فشتان بين هذا وذاك.
وشكرا لكما.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:21 ص]ـ
جزيت خيرا(/)
مراجع بلاغية.
ـ[المصباح في اللغة]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 07:56 ص]ـ
أود أعرف أفضل المراجع البلاغية التي يستفيد منها طالب العلم.
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 02:45 م]ـ
أهلا بك إن كنت مبتدئا وغير متخصص فأنصحك أن تبدأ بكتب الدكتور بسيوني عبدالفتاح فيود: علم المعاني، علم البيان، علم البديع، فإن فيها علما غزيرا، وتبسيطا للمعلومة، وتحليلا لكثير من الشواهد البلاغية من القرآن والشعر.
وإن أردت التوسع فعليك بعدها بكتب الدكتور محمد محمد أبو موسى، ومنها: دلالات التراكيب، خصائص التراكيب.
دعواتي لك
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 11:53 م]ـ
أسهل كتاب هو البلاغة الواضحة. لعلي الجارم ومصطفى أمين.
أشمل كتاب هو معجم البلاغة ــــــــــــــــ لطباطبة.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 12:18 ص]ـ
أسهل كتاب هو البلاغة الواضحة. لعلي الجارم ومصطفى أمين.
أشمل كتاب هو معجم البلاغة ــــــــــــــــ لطباطبة.
لعلك تقصد (بدوي طبانة).
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 12:38 ص]ـ
نعم أخي أبو مالك
بارك الله فيك
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 10:04 م]ـ
الحديث عن أفضل المراجع البلاغية يعتمد على نوعية الباحث أو طالب العلم ..
فبالنسبة للمبتدئين فإني أرى أن كتابي الدكتور فضل حسن عباس (البلاغة: فنونها وأفنانها - علم المعاني) والجزء الثاني المتعلق بعلمي البيان والبديع جيدان؛ لما فيهما من تبسيط المعلومة، وتقريب المفهوم، وضرب الأمثلة، وكثرة الشواهد.
ثم أنصح بكتب الدكتور محمد محمد أبي موسى؛ ففيهما انفرادات، ونظرات رائعة، وتناول بديع لمسائل العلم وفنونه.
مع العلم بأن كثيرًا من المراجع الحديثة قد امتلأت بالحشو والتكرار، حتى الشواهد والأمثلة لم تسلم من ذلك.
أما إن كنت من المتقدمين، فغنيّ عن البيان الإشارة إلى كتب المتقدمين من أهل العلم، كإمام البلاغيين الشيخ عبدالقاهر الجرجاني.
موفق أخي الكرم ..(/)
في سورة البقرة (2)
ـ[هاني الجميعي]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 10:51 ص]ـ
قال الله تعالى في سورة البقرة (أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى فما ربحت تجرتهم
وما كانوا مهتدين) البقرة 16
في الآية (استعارة تصريحية) بديعة، شبه تعالى تركهم الإيمان، وأخذهم بدله الكفر
بإنسان اشترى بضاعة، ودفع فيها ثمنا باهضا، ثم ذهبت مع الريح، فعظمت خسارته
واشتد حزنه.
استعار لفظ الشراء (اشتروا) للاستبدال، ثم زاده توضيحا بقوله (فما ربحت تجرتهم)
وهذا يسمى بالترشيح، الذي يبلغ بالاستعارة الذروة العليا من البيان.
ـ[مدقق املائي]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 02:26 م]ـ
جزاك الله خيرا اخي على الموضوع بورك فيك
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 09:30 م]ـ
موضوع قصير؛ لكنه رائع وجميل ومفيد.
بوركت يمناك أخي الكريم.
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 07:44 ص]ـ
كذلك أخي الكريم نجد أن في قوله تعالى (اشتروا) استعارة تبعية أيضا، بتشبيه الضلالة على الهدى بالشراءبجامع ترك مرغوب عنه وأخذ مرغوب فيه، ثم استعير المشبه به للمشبه واشتق من الشراء "اشتروا"بمعنى اختاروا، والقرينة: استحالة المبادلة الحقيقية بين الضلالة والهدى.
وقد رشح لهذه الاستعارة قوله"فما ربحت تجارتهم"وهي جملة تناسب الشراء_وهو المشبه به_وفائدتها بيان أن هؤلاء المنافقين قد استبدلوا بها الضلالة، فأضاعوا كلتا الطلبتين، فبقوا خائبين خاسرين نائين عن طريق التجارة (1)
فهؤلاء القوم لم يهتدوا إلى طريق التجارة الرابحة فخسروا الدنيا والآخرة.
فالاستعارة تصريحية تبعية لجريانها في المشتق، ومرشحة لارتباطها بما يلائم المشبه به.
(ولعل السر البلاغي الذي عدل من أجله أصل التعبير _الذي هو الاستبدال_هو أن المشتري يكون راغبا في الشيء المشترى، وباذلاً للثمن فيه، لأنهغير راغب فيه إذا قورنبما اشتراه، هذا غرض .. وغرض آخر هو أن الشيء المشترى ملازم لمن اشتراه، أما الثمن المبذول فيه فمفارق له متى وقع البيع بينالطرفين صحيحا، وهؤلاء كانوا زاهدين في الهدى، ولذلك بذلوه ثمنا فيما يحبونه ـ وهو الضلالة ـفبين هذا المجاز معان وخفايا مستورة لم يكن للوقوف عليها سبيل لو عبر عنها بأسلوب الحقيقة اللغوية) (2)
__________________________________
(1) انظر: تحرير التحبير ص/99 و تفسير أبي السعود:1/ 38.
(2) خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية:2/ 323و324.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:24 ص]ـ
شكرا لكم(/)
في سورة البقرة (3)
ـ[هاني الجميعي]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 01:06 م]ـ
قال الله تعالى (إن الله لا يستحيِ أن يضرب مثلا ......... ) البقرة 26
عبر بالحياء عن الامتناع والترك، عن طريق (إطلاق الملزوم وإرادة اللازم) بطريق
(التمثيل) لأن من استحيا من فعل شيء تركه، أي لايمتنع ولا يترك ضرب المثل بأي
شيء كان، صغيرا كان أو كبيرا.
قال الحافظ ابن كثير: أخبر تعالى أنه (لايستحيِ) أي لايستنكف أن يضرب مثلا
بالبعوضة، فما دونها في الحقارة والصغر، فكما لايستنكف عن خلقها، كذلك
لايستنكف من ضرب المثل بها، كما ضرب المثل بالذباب، والعنكبوت.(/)
في سورة البقرة (4)
ـ[هاني الجميعي]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 01:11 م]ـ
قال الله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) البقرة 44
الاستفهام (أتأمرون) خرج عن حقيقته، إلى معنى (التوبيخ والتقريع) وعبر عن ترك
الدعوة إلى الخير بالنسيان (وتنسون أنفسكم) مبالغة في الترك والتوبيخ، كأن الأمر
لا يجري لهم على بالٍ، توكيدا للغفلة المفرطة.
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 11:23 م]ـ
الأخ الفاضل هاني وفقك الله
لله درك ما هذه الدرر التي تلقيها علينا.
جزاك اللخ خيرا وكتبها في ميزان حسناتك
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 06:37 ص]ـ
جزاك الله خيرا
أرجو أن تستمر وتجعلها مشاركة يومية
كل يوم تأتي بآية
لا أريد أن أثقل عليك
وإلا قلت لك أطعمنا إياها صبحا ومساء.:)
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:34 ص]ـ
جزيت خيرا(/)
الفروق الدلالية والسياقية للفظتي "جاء وأتى" في القرآن الكريم
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 09:47 م]ـ
من العلماء من لا يرى فرقاً بين لفظتي: "جاء، وأتى"، ويرى أنهما من المترادفات، فتراه يفسر الإتيان بالمجيء والمجيءَ بالإتيان (1)، بيد أن هناك فروقاً بين هاتين اللفظتين؛ إذ تختص كل واحدة منهما بدلالة عن الأخرى، وبإيحاء ليس في أختها، فقد وردت هاتان اللفظتان في كتاب الله كثيراً، و لكل واحدة منهما موضعها المناسب، وسياقها الملائم، مما يستحيل معه أن تأخذ كل واحدة منهما موضع الأخرى، وقد تنبه كثير من العلماء إلى ما بين اللفظتين من فروق، فأشاروا إليها، وذكروها في مواضعها، ومن ذلك ما يفرده بعض العلماء في مصنفاتهم فصولاً تحت عنوان (ألفاظ يُظن بها الترادف وليست منه) ويذكرون من هذه الألفاظ لفظتي: جاء وأتى (2)، ثم يذكرون ما بينهما من فروق.
ومن الفروق بين هاتين اللفظتين ما يلي: أول فرق يُلحظ بينهما ما يتعلق بالجانب الإيقاعي في نطق اللفظتين، وذلك أن لفظة (أتى) أخف في النطق من (جاء) بما فيها من ثقل المد وإطالة الصوت به (3)، ولعل هذا السبب هو السرّ في أن لفظة (جاء) لم تأتِ في القرآن إلاَّ بهذه الصيغة، بخلاف لفظة (أتى) فقد جاء الماضي منها والمضارع والأمر، فقد جاء في القرآن (أتى، يأتي، أئتِ، يأتون، فأتنا، فأتوا) بخلاف اللفظة الأخرى التي لم تأتِ في القرآن إلاّ بصيغة المضي (4)، ولا مراء في أن لفظة (يأتي) أخف من لفظة (يجيء).
فهذا فرق بينهما يتعلق بالجانب الإيقاعي، بيد أن هذا الفارق لا يكاد يُذكر أمام الفروق المعنوية بين هاتين اللفظتين، فقد اختصت كل واحدة من هاتين اللفظتين بمعاني لا تشاركها الأخرى فيها، يدل على هذا الأمر استعمال القرآن لهاتين اللفظتين في مقامات متعددة، وفي سياقات مختلفة، ومن خلال استقراء لتلك المقامات، والنظر في تلك السياقات تتبين بعض الفروق بين هاتين اللفظتين.
ومن هذه الفروق ما يلي:
أولاً: أن لفظة (جاء) تأتي - غالباً - مع الأعيان والأمور المشاهدة المحسوسة، بخلاف لفظة (أتى) فإنها تأتي مع المعاني المعنوية التي لا تُشاهد، يدل على هذا أمثلة كثيرة من كتاب الله، ومن ذلك قوله {ولمن جاء به حمل بعير ... } [يوسف: 72]، يعني صواع الملك؛ وهو عين، وقوله {وجاءوا على قميصه بدم كذب ... } [يوسف: 18] (5)، ولهذا فرَّق بينهما - سبحانه - في قوله {قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * وأتيناك بالحق وإنا لصادقون} [الحجر: 63 - 64] فقد جاءت لفظة {جئناك}؛ لأنها للعذاب وهو مشاهد، بخلاف {الحق} فليس مرئياً فجاءت معه لفظة {أتيناك}. (6)
ثانياً: ما قام به أحد الباحثين (7) باستقراء مواضع كل من (جاء) و (أتى) في القرآن الكريم، وبعد نظر وتأمل لهذا الاستقراء في مواضعهما توصل إلى أن (جاء) لا تُستعمل في القرآن إلاَّ دليلاً على القرب، سواء كان هذا القرب زمانياً أو مكانياً بخلاف لفظة (أتى) فإنها لاتُستخدم في القرآن إلاّ دليلاً على البعد، سواء كان هذا البعد، زمانياً أو مكانياً أو نفسياً، ثم ذكر بعد ذلك الشواهد الكثيرة من القرآن التي تؤيد ما ذهب إليه، ومن هذه الشواهد قوله {فأتتْ به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئاً فرياً} [مريم: 27]، فقد أقبلت عليهم به من مكانها القصي البعيد، فعُبِّر عن ذلك بلفظة {أتت} ثم قالوا منكرين عليها بلفظة {جئت}؛ لأنها حينما وصلت إلى قومها كان عيسى:= قريباً منهم، فقد كانت حاملته بين يديها، ومن الشواهد - أيضاً - قوله - تعالى - {وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ... } [يوسف: 50] فقد جاءت - أولاً- لفظة {أتى}؛ بسبب ما بين مكان يوسف:= ومكان الملك من بعد؛ إذ كان يوسف في السجن، وما أبعد السجنَ عن قصر الملك، ثم جاءت - ثانياً - لفظة {جاءه}؛ وذلك لقرب يوسف وقتها من الملك، فقد كان ماثلاً بين يديه، ومن الأمثلة - أيضاً - على ذلك قوله - تعالى - في حديثه عن القرآن {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 42] فقد جاءت هذه اللفظة {لا يأتيه}؛ وذلك لبعد حدوث هذا الأمر، بل لانتفاء وقوعه
(يُتْبَعُ)
(/)
أصلاً، ومن هنا جاءت هذه اللفظة الموحية بهذا المعنى. (8)
ثالثاً: ومن الفروق بينهما: ما قام به أحد الباحثين (9) - أيضاً - من استقراء لمواضع كل من (جاء، وأتى) في القرآن، من خلال النظر في مواضعهما، والغرض الذي سيقتا له، مستصحباً معه دلالتهما، فبعد نظر وتأمل اهتدى إلى أن بين اللفظتين فوارق دقيقة تتضح بجلاء من خلال سياق كل واحدة منهما، وخلاصة هذا الفرق: أن (الإتيان) تحيط به ثلة من الغموض والشك والجهل وعدم القصد، في حين أن (المجيء) تحيط به ثلة من معاني العلم واليقين وتحقق الوقوع، ثم ذكر شواهده على ذلك من الكتاب العزيز، ومن ذلك ما ذكره - تعالى - في قصة موسى:= مع فرعون، فإن فيها خير شاهد - كما يقول - على ما ذهب إليه من معنى الشك في (الإتيان)، واليقين في (المجيء) يقول تعالى: {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون * فلما أتاها نُودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ... } [القصص: 29 - 30]، ويقول في موضع آخر {إذ قال موسى لأهله إنى آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون * فلما جاءها نُودي أن بُورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} [النمل: 7 - 8]، فقد جاء في الموضع الأول {فلما أتاها}، وفي الموضع الثاني {فلما جاءها}، وسبب هذه المغايرة اختلاف المقامين بين الشك واليقين، ففي سورة (القصص) سبق الإتيانَ شكٌ ورجاء، يدل على ذلك قوله {لعلى آتيكم} في حين سبق المجيءَ عزم ويقين في قوله {فلما جاءها}، ومن الشواهد على هذا - أيضاً - قوله - تعالى - {قال إنْ كنتَ جئتَ بآية فأت بها إن كنت من الصادقين} [الأعراف: 106] فالمجيء في الآية ذُكر في حق موسى:=، وقد كان مستيقيناً من هذه الآية، أما الإتيان بها فقد كان طلباً من فرعون على وجه التحدي، يدل على شك في نفسه كما يدل عليه قوله {إن كنت من الصادقين}.
ومن الشواهد على مجيء كلمة (جاء) في الأمور المحقق وقوعها اليقينية قوله - تعالى - {وجاء ربك والملَك صفاً صفاً} [الفجر:22] وقوله {وجيء يؤمئذ بجهنم ... } [الفجر:23]، وغيرها من الآيات التي تدل على هذا الأمر. (10)
وبهذا يتبين أن هاتين اللفظتين تختص كل واحدة منهما بإيحاءات خاصة بها، مما ينتفي معه أن تقوم كل واحدة منهما مكان الأخرى، إذ ليست اللفظتان مترادفتين، كما اتضح هذا الأمر من خلال سياق كل واحدة منهما في القرآن الكريم، وقد كان القرآن هو الحكم الفصل في هذه القضية، فرأينا كيف يفرق بين هاتين اللفظتين في استخدامهما، نظراً إلى اختصاص كل واحدة منهما بدلالة مغايرة للأخرى، مما يستحيل معه أن تحلَّ كل واحدة منهما محل الأخرى مما يجعل القول بترادفهما قولاً مردوداً مرفوضاً.
ويتضح مما تقدم، ومن خلال هذا المبحث كله أن لا ترادف في ألفاظ القرآن كلها؛ فلكل لفظة من هذه الألفاظ خصائصها التي تميزها عن غيرها، وتنفرد بها من بين سائر الألفاظ، مما يستحيل معه القول بترادفها، أو أن تحل محل أختها؛ وذلك أن لكل لفظ قرآني خصائصه الفريدة، ودلائله الدقيقة، التي لا توجد في سواه من الألفاظ التي تشترك مع ذلك اللفظ في أصل المعنى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي والتعليقات:
(1) انظر: الصحاح: مادة: جاء، و انظر: اللسان: مادة: جيأ.
(2) انظر: البرهان للزركشي: 4/ 78، و: معترك الأقران: 3/ 485، وممن بسط القول في هذه المسألة الدكتور: محمود موسى حمدان في كتابه: (الإتيان والمجيء فقه دلالتهما، واستعمالهما في القرآن الكريم)، فقد بيَّن في هذا الكتاب ما تختص به كل لفظة عن الأخرى، من خلال ورود هاتين اللفظتين في القرآن، في مقامات متعددة، وسياقات مختلفة، مما يُرد القول بترادفهما، أو أن تحل إحداهما محل الأخرى.
(3) انظر: الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق: 145، د. محمد نور الدين المنجد، دار الفكر دمشق، ط- 6 1417 ه-.
(4) انظر: البرهان: 4/ 80.
(5) انظر: المصدر السابق: 4/ 80.
(6) انظر: معترك الأقران: 3/ 486.
(7) وهو: د. حسن محمد باجودة.
(يُتْبَعُ)
(/)
(8) انظر: تأملات في سورة الحاقة: 49، د. حسن محمد باجودة، دار الاعتصام القاهرة، 1397 ه-.
(9) وهو د. محمد نور الدين المنجد.
(10) انظر: الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق: 146.
ـ[عاشق البلاغة]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 11:28 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين ثم أما بعد فالشكر الجزيل الجزيل للدكتور عبد العزيز و على هذه الإتحافات الراقية، أقول: ومع هذا الجهد العظيم من الدكتور و ممن نقل عنهم من أهل العلم الأفاضل إلا أن هذا لا يوجب علينا أن نغلق الباب في أي بحث و نظر جديد في الفرق بين هاتين اللفظتين في كتاب الله، كما أن هذا يؤكد على خلو القرآن من الترادف، أقول و بسرعة: أنا أعتقد أن اللغة بادئ ذي بدء كانت خالية من الترادف، إذ الوضع اللغوي للكلمات كان لما يشاهده العرب من أمور محسوسة و بعض الأمور المعنوية القليلة الأساسية الضرورية و هذا حال كل الأمم في بدايتها، و هكذا كان التطور اللغوي، وعلى هذا نعرف كلنا أن الكتابة أصلا هي بمعنى " الضم و الجمع " ومن ثم اطلقت على ضم الكلام و جمعه فأطلقت على الكتابة بمعناها الحلي فاشتق منها الكتاب و ... الخ. أقول على هذا أنت تضع الكلمة لتميزها و لتعرفها عن غيرها فلم تضع للشيء الواحد كلمتين أو اسمين " بمعنى لفظتين " ... هذا أولا ولكن بعد زمن و بعد استخدام الشعر و النطق به و تداخل القبائل لا بد أن يحتاج شاعر إلى كلمة تقارب أختها في الدلالة فيحلها مكانها ... وعلى هذا سر ... ونحن نقلت لنا اللغة و معانيها من شعرالعرب ... و من نثرهم ثم من القرآن و ألفاظ الحديث ... فعلى هذا قد يكون في الشعر و في المعاجم تشابها أو ترادفا من حيث التفسير و من حيث قراءتهم لشعر العرب، إلا أن القرآن جاء بمنتهى ابلاغة و بكمالها و على مبدأ نظرية النظم لعبد القاهر تعرف أن القرآن استخدم الكلمة بحيث لا يصلح أن تضع غيرها محلها، و شبه هو هذا بعقد اللؤلؤ المنتظم الدقيق فلا يصلح أن تضع شيئا محل آخر و لا تسطيع أن تقول لو كانت هذه محل تلك و قس ما قاله عبد القاهر-رحمه الله تعالى- و قد رأى أن يطبق نظريته على المعني النحوية ... قسه على الألفظ اللغوية فستجد أن لا مجال لأن نقول بالترادف بالقرآن على الأخص ..... هذا و الله أعلم
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 02:59 ص]ـ
بارك الله فيك د. عبد العزيز العمار.
نطمع منكم أستاذنا في مثل هذه النافذة كل أسبوع أو أسبوعين، بما يسمح به وقتكم، تبحر بنا في كل مرة مع لفظتين.
حفظكم الله و رعاكم.
ـ[سمية ع]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 01:29 م]ـ
بارك الله فيكم
معلومات جد مفيدة
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[04 - 09 - 2008, 05:24 ص]ـ
السلام عليك أستاذنا الفاضل
إليك من يخالفك الرأي هنا ( http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=27)
فلننتقل إلى هناك
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[04 - 09 - 2008, 10:27 ص]ـ
بوركت أخي الكريم د. عبد العزيز على هذا البحث القيم والمفيد أثابكم الله، ومن يدعي بخلاف ذلك فليجرب وليغير مكان الكلمتين وخاصة ماورد منهما في نفس الآية، ولينظر هل يتغير المعنى أم لا، فمثلاً هنا لنغير مكان الكلمتين ولننظر الفرق: {فأتتْ به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئاً فرياً} [مريم: 27]
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[04 - 09 - 2008, 04:47 م]ـ
فتح الله عليك د. عبدالعزيز، وبارك في علمك وعملك.
وقفة مباركة في رحاب اللفظ القرآني البديع.
السلام عليك أستاذنا الفاضل
إليك من يخالفك الرأي هنا ( http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=27)
فلننتقل إلى هناك
على أية حال ... الخلاف في وقوع الترادف من عدمه قديم، وأحسب أنه لن يحسم.
والذي يعنينا هنا: وقوعه في القرآن الكريم، ووقوعه فيه مما يأباه إعجازه القاضي باصطفاء اللفظ في موضعه الذي لا يمكن أن يقوم به غيره.
ولو قلنا بالترادف في القرآن الكريم، فمعنى هذا: أن اللفظ المرادِف يمكنه أن ينهض بمعنى المرادَف، وهذا محال في البيان العظيم.
كما أن علة التنويع في التعبير وحسب تقف قاصرة أمام الإعجاز البياني للقرآن الكريم.
على أن جهد المشتغلين في الإعجاز القرآني في التفريق بين ألفاظ ومقارباتها، وخروجهم بتأويلات قد لا تشفي الغليل في بعضها، لا يقتضي القول بالترادف، فلله كلامه المعجز الذي لن يبلغ أحدٌ الشأوَ في الإحاطة بأسراره.
ويحضرني - في هذا المقام - قولٌ لابن الأعرابي نقله عنه ثعلب:
" كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى واحد، في كل منهما معنى ليس في صاحبه، ربما عرفناه فأخبرنا به، وربما غمض علينا فلم نلزم العربَ جهلَه " (الفروق اللغوية / 65)
وهذا أراه يصدق على القرآن الكريم أصدق بيان؛ فقد يفتح الله على أحدهم بإدراك الفرق، وقد يبقى ذاك سرًا مطويًا مع سائر أسرار البيان المعجز.
وإذا أمكن إدراك الفرق فذاك، وإلا ينبغي لنا أن نعترف بالقصور عن لمح فروق الدلالة لألفاظ قرآنية تبدو عند بعضهم مترادفة، ولن يكون لنا - حينئذ - إلا أن نقر بالعجز والجهل، وما الجهود البلاغية المبذولة سوى محاولات يُبتغى بها ثواب المسعى، وشرف الوسيلة والقربى.
والله - تعالى - أعلم.(/)
من أذكار الصلاة
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 07:01 ص]ـ
من أذكار الركوع:
"سبوح قدوس، رب الملائكة والروح":
سبوح: تنزيه للباري عز وجل.
قدوس: تنزيه آخر بعد التنزيه الأول، فيكون إطنابا بالتكرار اللفظي عند من يقول بالترادف اللغوي، وبالتكرار المعنوي عند من يمنع الترادف اللغوي فالمعنى الكلي واحد ولكلٍ معنى يستقل به وإن دق فيكونا من قبيل المشترك المعنوي، فكلاهما: تنزيه للباري، عز وجل، عما لا يليق بجلاله، والإطناب في موضع كهذا، مئنة من بلاغة المتكلم، ففي موضع الثناء بالمحامد، يكون بسط العبارة، وفي موضع نفي النقائص يكون الإجمال، إذ الأول مراد لذاته، والثاني مراد لغيره، ولذلك قال بعض أهل العلم: طريقة الرسل عليهم الصلاة والسلام في هذا الباب: النفي المجمل والإثبات المفصل، وطريقة أعدائهم: النفي المفصل والإثبات المجمل.
ولقائل أن يقول: الإطناب بتكرار التنزيه توكيدا، والإيجاز من جهة كونهما اسمين دالين على تنزيه الباري، عز وجل، عن كل نقيصة، فحذف معمول كليهما إجمالا في النفي كما تقرر من طريقة الرسل، فلم يقل: سبح ربك عن كذا وكذا من النفائص، وقدسه عن كذا وكذا من المعائب، وإنما أجمل التنزيه في الاسمين إجمالا، فصارت الفائدة حاصلة للداعي من وجهين: الإطناب في الثناء والإجمال في النفي، والتفصيل في موضع التفصيل، والإجمال في موضع الإجمال، مقصد شريف، ولكل مقام مقال.
وقد حذف المسند إليه، سواء أقدر بلفظ الجلالة: "الله"، أم بالضمير: "هو"، لشرفه ونباهة ذكره فهو غني عن التعريف.
ولو روي بالنصب لكان له وجه من الثناء بتقدير عامل محذوف نحو: أمدح السبوحَ القدوسَ، أو: أمدح سبوحاً قدوساً، ولكن مرد الأمر إلى الرواية لأنه ذكر يتعبد بلفظه، فلا يتلقى إلا من طريق النقل.
رب الملائكة والروح: إجابة عن سؤال مقدر، فكأن السامع تساءل عن المُنَزَهِ في الشطر الأول، فجاء الجواب: هو رب الملائكة والروح، وحذف المسند إليه، أيضا، لنباهة ذكره، ولو روي بالنصب، أيضا، لكان له وجه من المدح، على التفصيل المتقدم.
وفي الكلام: تخلية بنفي النقائص تسبيحا وتقديسا في الشطر الأول، ثم تحلية بإثبات الربوبية التي تدل لزوما على صفات الخلق والملك والتدبير ........ إلخ من صفات الربوبية، وخصها هنا بالإضافة إلى أعظم المخلوقات المربوبة: الملائكة، فكان في ذلك تنبيه بالأعلى على الأدنى، فرب العظيم من الخلق رب ما دونه من باب أولى، وفي الكلام عموم بذكر الملائكة بعده خصوص بإفراد الروح الأمين: جبريل عليه الصلاة والسلام، أعظم الملائكة خلقا ومنزلة بالذكر، فحصل التنويه بشرفه وعلو منزلته بذكره في عموم يشمله، ثم خصوص ينفرد به عمن سواه من أفراد الجمع المحلى بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية، وشرفه وعظم منزلته دليل على شرف وعظم منزلة خالقه من باب أولى، فإذا كان لجند الملك، جل وعلا، من الشرف والعظمة هذا القدر، فكيف به، وهم خلق من خلقه؟!!.
والجملة الثانية بمنزلة "التذييل" على الجملة الأولى، ففيها بيان بعد بيان، فالمنزه عن النقص لا يتم الثناء عليه، كما تقدم، إلا بإثبات الكمال.
*****
وفي حديث السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ فَكَانَ يَتَمَكَّنُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ قَدْرَ مَا يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا.
يقال ما قيل في الذكر الأول، فالتخلية حاصلة أولا، بالتسبيح، ثم التحلية ثانيا بالحمد، والحمد ثناء بصفات الجمال، وهو أحد شقي الكمال: الجمال والجلال.
*****
وكذا في حديث حذيفة، رضي الله عنه، وفيه الذكر الشهير: "سبحان ربي العظيم":
فالتنزيه بالتسبيح، والثناء بالعظمة.
*****
وفي حديث عائشة رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي.
(يُتْبَعُ)
(/)
تنزيه فثناء، كما تقدم فيما سبق، وزيد في هذا الذكر، لازم الربوبية، فإنها مقصودة لغيرها من جهة أن من علم أن ربه، جل وعلا، متصف بالكمال مطلقا منزه عن النقص مطلقا، فإنه لا يدعو سواه، فلا يغفر الذنب إلا هو، والدعاء عبادة، فصار توحيد الربوبية دليلا على توحيد الألوهية، وإن شئت فقل: صار توحيد الرب، جل وعلا، بأفعاله دليلا على توحيده بأفعال عباده، فكيف يُدْعَى سواه من ملك أو نبي أو إمام أو ولي، وليس لهم من الأمر شيء، فالأمر كله له، وفي التنزيل: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، فرجوع الأمر كله إليه على وجه القصر بتقديم ما حقه التأخير: "إليه" لازمه: "فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ"، فلازم تمام الربوبية تمام العبودية كما تقدم.
*****
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ".زيادة: "إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" فهي بمنزلة:
النص على علة طلب المغفرة من الله، عز وجل، دون من سواه، إذ هو التواب الرحيم، فلا يتوب على العصاة ولا يرحم العباد إلا هو، وقد أكد ذلك بـ: "إن"، واسمية الجملة، وتعريف جزأيها، فتقديرها قبل دخول "إن": أنت التواب الرحيم، ومن ثم دخلت "إن" على ضمير المخاطب فاتصل بها، فضلا عن التوكيد بـ: "أنت"، والاستغراق لجنس التوبة والرحمة في "التواب" و "الرحيم"، فالصيغة: صيغة مبالغة دخلت عليها "أل" التي تفيد استغراق معاني التوبة والرحمة.
وهي قائمة، أيضا، مقام "التذييل" فهي مؤكدة لمعنى ما قبلها، ففيها، بيان بعد بيان، والإطناب في هذه المواضع، كما تقدم، مقصد شريف.
*****
وفي حديث علي رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَكَعَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ أَنْتَ رَبِّي خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، وهو من أجمعها لفظا ومعنى:
لك ركعت: قصر بتقديم ما حقه التأخير، فلك وحدك ركعت، ولا مانع من الجمع بين الحقيقتين اللغوية والشرعية في هذا الموضع، فلك خضعت، وهي الحقيقة اللغوية للركوع، ولك ركعت، الركوع الشرعي المعهود، فلو قيل بأن الحقيقة الشرعية مجاز لغوي، لكان ذلك دليلا على صحة القول بعموم المجاز لمعنييه: الوضعي والاصطلاحي، وهو ما ارتضاه بعض أهل العلم كأكثر فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة، رحم الله الجميع، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في "رسالة أصول التفسير".
وَبِكَ آمَنْتُ: قصر كسابقه بتقديم ما حقه التأخير.
وَلَكَ أَسْلَمْتُ: قصر ثالث، قد يراد به الإسلام اللازم، فيكون المعنى: ولك استسلمت، حملا على قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، وقد يراد به الإسلام المتعدي، فيكون المعنى: ولك أخلصت وجهي، حملا على قوله تعالى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ)، وقد يقال بأن حذف المعمول هنا مؤذن بعموم الإخلاص، فلك أخلصت وجهي وعملي وكل أمري.
ولا مانع هنا، أيضا، من الجمع بين المعنيين، لاحتمال السياق كليهما بلا تكلف.
وقد يقال بأن في "وجهي": مجاز، عند من يقول بالمجاز، إذ أطلق "الوجه" وأراد "النفس"، وخص الوجه بالذكر لأنه أشرف أجزاء البدن، فإذا سجد، سجد باقي البدن تبعا من باب أولى، ومن يمنع المجاز يقول بأن المعنى المراد متبادر إلى الذهن ابتداء دون تكلف المجاز وعلاقته.
أَنْتَ رَبِّي: حصر بتعريف الجزأين:
المبتدأ المعرف بالإضمار "أنت"، وفي استعمال ضمير المخاطب "أنت": استحضار لأعظم غائب، الله، عز وجل، فكأن الداعي يراه فيخاطبه مباشرة.
والخبر: "ربي": المعرف بالإضافة إلى ياء المتكلم.
خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: لازم الربوبية، فالخشوع: عبادة، وتوحيد العبادة لازم توحيد الربوبية، كما تقدم، فالربوبية: سبب، والخشوع: نتيجة.
سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي: إطناب يناسب المقام، فهو مقام مناجاة الرب، جل وعلا، أشرف معلوم، وهو يشمل الظاهر: السمع والبصر، والباطن: المخ والعظم والعصب، فلك سجودي ظاهرا وباطنا.
وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي: عموم بعد خصوص، فـ "ما" الموصولة: نص في العموم، وهو، أيضا، من صور الإطناب، فسجد لك ما تقدم، بل وسجد لك كلي.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 09:48 ص]ـ
جزاك الله الخير على هذه اللمعات والتي تجعلنا نقترب الى المولى عز وجل أكثر من ذي قبل.
ـ[سمية ع]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 01:27 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 08:06 ص]ـ
جزاكما الله خيرا أيها الكريمان، على المرور والتعليق، وبارك فيكما ونفعكما ونفع بكما.
ومن أذكار الاعتدال بين الركوع والسجود:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ:
سمع الله لمن حمده:
سمع: تضمين للفعل "سمع" معنى الفعل: "استجاب"، فالمعنى: استجاب الله دعاء من حمده.
والجملة: خبر أريد به الإنشاء، فإن الإخبار عن استجابة الله، عز وجل، الدعاءَ، حض عليه، فالمعنى: ادعوا ربكم الذي وعدكم الإجابة، وفي التنزيل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، فلازم قربه، عز وجل، بصفات كماله من علم وإحاطة وسمع وبصر وإجابة دعاء من دعا، لازم ذلك: دعاؤه، فالفاء في "فليستجيبوا" عاطفة فيها معنى السببية، فاستجابة العباد لما أمروا به من دعاء الباري، عز وجل، فرع على كونه قريبا يجيب دعاء من دعاه.
وفيه أيضا:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ): فالشرط المقدر الذي جزم الفعل "أستجب" في جوابه: حُذِفَ إشعارا بقرب استجابته، عز وجل، فلا فاصل بين دعائك وبين استجابته إن استوفى شروط القبول.
والشاهد من ذلك: حض العباد على الدعاء، فالوعد بالإجابة باعث على الدعاء بلا ملل، وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي).
و:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ******* ومدمن القرع للأبواب أن يلجا.
ولك أن تقول: لا حاجة إلى التضمين، لأن سمع الباري، عز وجل، سمع:
إحاطة: كما في قوله تعالى: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
و: عناية: كما في قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى).
و: تهديد: كما في قوله تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).
و: إجابة: وهو الشاهد، كما في قوله تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)، فالسمع يأتي بمعنى الإجابة دون حاجة إلى تضمين.
ربنا ولك الحمد: امتثال للأمر الذي دل عليه الخبر السابق، فكأن المصلي قد امتثل فورا لأمر الباري، عز وجل، بالدعاء، فدعاه، بلا فاصل: دعاء ثناء:
فـ: ربنا: استحضار لمعاني الربوبية من خلق ورزق وإحياء وإماتة ........ إلخ، ففيها ثناء على الله، عز وجل، بأفعاله.
ولك الحمد: فلازم تلك النعم، قصر الحمد عليه، جل وعلا، بتقديم ما حقه التأخير: "لك"، فلك وحدك الحمد بصفات الجمال، لا لأحد سواك، ولك وحدك الحمد في السراء والضراء لا يكون ذلك لسواك.
وقد يقال بأن الواو في "ولك الحمد": مؤكدة على طريقة: "الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى"، فقد وردت رواية أخرى بغير واو: "ربنا لك الحمد".
وفي رواية ثالثة: "اللهم ربنا ولك الحمد"، فيكون النداء فيها بـ:
باسم "الله" المتضمن الإقرار بتمام الألوهية.
واسم "الرب" المتضمن الإقرار بتمام الربوبية.
*****
ومن حديث رفاعة بن رافع، رضي الله عنه، مرفوعا: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ):ويقال فيه ما قيل في سابقه من الدعاء باسم "الله" و "الرب": تحقيقا لمعنى الألوهية وملزومها من الربوبية، وقصر الحمد على الرب، جل وعلا، بتقديم ما حقه التأخير: "لك"، وزيد في هذا الحديث: بيان نوع الحمد: فهو حمد كثير كماً، طيب مبارك كيفاً.
*****
ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
(يُتْبَعُ)
(/)
(اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ):
بيان لقدر هذا الحمد: فهو يملأ السماوات والأرض: خصوصا، ويملأ ما شاء الله، عز وجل، من شيء بعد ذلك عموما، ففيه: عموم استفيد من النكرة "شيء" التي وردت في سياق إثبات، فأفادت العموم الشمولي لا البدلي، في هذا الموضع بعينه، لقرينة الثناء على الله، عز وجل، الذي يناسبه شمول الحمد جنسا ومقدارا، وقد أكد هذا العموم بـ: "من" الزائدة، وهي نص في توكيد العموم.
أهل الثناء والمجد: نصب على الاختصاص يفيد، من اسمه: اختصاص الباري عز وجل، بمعاني الثناء التي تلزم من صفات الجمال، ومعاني المجد التي تلزم من صفات الجلال، فله الكمال: ثناء ومجدا، جمالا وجلالا.
أحق ما قال العبد: تشويق بتقديم الحكم، فيتلهف السامع إلى معرفة ذلك القول:
وفي قوله: "وكلنا لك عبد":اعتراض بنص في عموم عبودية البشر جميعا للرب، جل وعلا، فـ: "كل": من أقوى صيغ العموم، بل هي نص فيه، وإن احتمل المجاز احتمالا مرجوحا في نحو حديث عائشة، رضي الله عنها، في صيام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شعبانَ: كان يصوم شعبان كله، أي معظمه.
وتقديم "لك" وحقه التأخير: قصر لتلك العبودية على الله، عز وجل، فمن عبده امتثالا، فهو عابد، ومن خرج عن أمره الشرعي لم يسعه الخروج عن أمره الكوني، فهو عبد، رغم أنفه، وفي التنزيل: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)، فـ "من": موصول مشترك، وهو صيغة عموم بنفسه تأكد عمومه بإضافة "كل" إليه، وروده في سياق نفي واستثناء قاصر، وهو أقوى أساليب القصر.
وفي هذا الاعتراض: مزيد ثناء على الله، عز وجل، ومزيد تشويق للسامع، والقول باعتراضه على التفصيل المتقدم هو اختيار النووي، رحمه الله، في "شرح مسلم".
لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت: القول الذي انتظره السامع، واشتاقت نفسه إلى معرفته، فأحق ما قاله العبد هو: لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت.
وفيه مقابلة بين الجملتين، وطباق بالإيجاب بين معنيي: (المنع والعطاء) في كل جملة.
وتسلط النفي بـ: "لا" النافية للجنس على جنس ما دخلت عليه نص في النفي.
ولا ينفع ذا الجد منك الجد: قال النووي رحمه الله: "أَيْ لَا يَنْفَع ذَا الْحَظّ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَالْوَلَد وَالْعَظَمَة وَالسُّلْطَان مِنْك حَظّه أَيْ لَا يُنْجِيه حَظّه مِنْك وَإِنَّمَا يَنْفَعهُ وَيُنْجِيه الْعَمَل الصَّالِح، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْمَال وَالْبَنُونَ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات خَيْر عِنْد رَبّك} ". اهـ
وتسلط النفي بـ: "لا" على المصدر الكامن في "ينفع": نص في نفي الانتفاع، فلا ينفع السلطانُ صاحبه أي نفع ولا يغنيه أي غناء.
*****
وكان عليه الصلاة والسلام يقول في الرفع من الركوع في قيام الليل: "لِرَبِّيَ الْحَمْدُ"، وكان قيامه نحوا من ركوعه، كما في حديث حذيفة، رضي الله عنه، مرفوعا، عند أبي داود، رحمه الله، في سننه.
ففيه قصر، أيضا، بتقديم ما حقه التأخير: "لربي"، واللام فيه للاستحقاق، و "أل" في الحمد: استغراقية لكل معاني الحمد، فجنس المحامد المطلقة كلها مُسْتَحَقٌ للرب جل وعلا.
والأصل أن ما جاز في النافلة يجوز في الفريضة، إلا ما ورد الشرع باستثنائه كجواز النافلة من قعود بلا عذر.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طاوي ثلاث]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 01:51 م]ـ
أثابك الله أخي مهاجر، موضوع متميز.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:41 ص]ـ
جزيت خيرا
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 09 - 2008, 06:31 ص]ـ
جزاكما الله خيرا أيها الكريمان، على المرور والتعليق، وعذرا على تأخر الرد.
ومن أذكار السجود:
"سبحان ربي الأعلى":
(يُتْبَعُ)
(/)
فالتسبيح تخلية بسلب النقائص عن الذات القدسية، والوصف بـ: "الأعلى" صيغة التفضيل: تحلية بإثبات العلو له، جل وعلا، علوا لا يضارعه علو شيء من مخلوقاته، ولو كان العرش: سقف المخلوقات، فهو مستو عليه استواء يليق بجلاله كما أخبر عن نفسه، فله من العلو: علو الذات والشأن والقهر تبارك وتعالى أن يحيط بكنه وصفه عقل.
*****
و: حديث علي رضي الله عنه: (اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ فَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
لك سجدت: حصر وتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، فلك وحدك سجودي.
وبك آمنت: حصر آخر.
ولك أسلمت: حصر ثالث، فيه نوع إطناب، إذ الإيمان المتقدم يشمل الإسلام وزيادة، فدائرة الإيمان أعم من جهة نفسها، فيكون قد ذكر الإيمان متضمنا الإسلام ثم أفرد الإسلام بالذكر، فيكون من: عطف الخاص على العام، وقال بعض أهل العلم بل هو من: "الاقتران": فيستقل الإيمان بعقد القلب، ويستقل الإسلام بقول اللسان وعمل البدن، ويرجح هذا القول أن إيراد الإسلام فيه يكون من باب: التأسيس لا التوكيد، فلم يسبق له ذكر، بخلاف القول الأول فقد ذكر ضمن الإيمان، فيكون إفراده بعده من قيبل: التوكيد، والقاعدة أن: الكلام إذا دار بين التأسيس والتوكيد فحمله على التأسيس أولى.
*****
سَجَدَ وَجْهِيَ: ذكر بعضا وأراد كلا، فالسجود لا يكون على الوجه فقط، وإنما يكون على الأعضاء السبعة المعروفة، وإنما ذكر الوجه لأنه أشرفها، فإذا سجد الأعلى سجد الأدنى من باب أولى فيكون من باب: التنبيه على الأدنى بذكر الأعلى.
لِلَّذِي خَلَقَهُ:
إجمال في الموصول بينته الصلة.
فَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ: بيان ثان لإجمال الخلق، فخلق الوجه يكون بتصويره وشق سمعه وبصره، وفيه مزيد عناية بالنص على نعمتي: السمع والبصر، فهما أشرف نعم الوجه.
فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ: تذييل يناسب المقام بخبر أريد به الإنشاء، فتبارك الرب، جل وعلا، أحسن الخالقين، وإن كان هو الخالق مطلقا، بخلاف غيره فإن خلقه مقيد بتحويل الشيء من صورة إلى صورة لا إحداثه من عدم.
*****
ومنه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ)
كله: إجمال.
وما بعده: بيان بالإطناب بذكر أفراد من طباق الإيجاب:
دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ.
ومقام مناجاة الخالق، عز وجل، يناسبه الإطناب، فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا)، فيغني عن كل ما ذكر قوله: (لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا)، كما ذكر بعض أهل العلم المعاصرين، ولكن لما كان المقام مقام إطناب ناسب أن يعدد تقسيمات الناس: عمرا وجنسا وحضورا.
ومنه أيضا:
حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ)
فيغني عن كل التقسيمات المذكورة قوله: (بكل اسم هو لك).
وقوله: (سميت به نفسك): صفة كاشفة لا مفهوم لها، فلا يقال بأن من أسماء الله، عز وجل، ما سمى بها نفسه، ومنها ما سماه بها غيره، لأن باب الأسماء والصفات توقيفي محض، وإنما جيء بها توكيدا كما في:
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، فلا مفهوم لقوله: (لِمَا يُحْيِيكُمْ) ليقال بأن من أوامر الله، عز وجل، وأوامر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يحيي، فتجب إجابته، ومنها ما يميت فلا تجب إجابته، فأوامرهما كلها: حياة لروح المكلف وبدنه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقوله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)
فـ: (بِغَيْرِ الْحَقِّ): صفة كاشفة لا مفهوم لها، أيضا، ليقال بأن مِنْ قَتْلِ الأنبياء ما هو بحق.
و: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
فـ: (بِغَيْرِ الْحَقِّ)، أيضا، صفة كاشفة لا مفهوم لها، أيضا، ليقال بأن مِنْ البغي في الأرض ما هو بحق.
و: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
فـ: (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا): صفة كاشفة لا مفهوم لها، فليس من الشرك ما نزل الله به سلطانا، بل كله محض افتراء عليه جل وعلا.
وقوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
فـ: (لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ): صفة كاشفة لا مفهوم لها، ليقال إن الكذب جائز إن لم يكن لإضلال الناس، كما قال من قال من السفهاء الذين أجازوا وضع الحديث على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحجة أنهم يكذبون لشرعه لا عليه، فالكذب محرم أيا كان غرضه، وشريعة الإسلام من الكمال بحيث لا تحتاج إلى من يكذب انتصارا لها، فدين الله، عز وجل، في غنى عن كذب الكاذبين.
وقوله تعالى في محرمات النساء: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)
فقوله: (اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ): صفة كاشفة خرجت مخرج الغالب فلا مفهوم لها، فالربيبة محرمة عليه سواء أربيت في حجره أم في حجر غيره على الصحيح من أقوال أهل العلم.
وهذا الباب مما يستحق المتابعة والتقييد.
والأصل الأشهر في مسألة الإطناب من آي الكتاب:
آيات عصا موسى عليه الصلاة والسلام: (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى).
والله أعلى وأعلم.
ـ[سما الإسلام]ــــــــ[13 - 09 - 2008, 11:01 م]ـ
جزاك الله كل الخير
و نفعنا و إياك بما كتبت
و جعل ما خطت يمينك في ميزان حسناتك
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[14 - 09 - 2008, 02:11 ص]ـ
الأستاذ الفاضل مهاجر:
بارك الله فيك على هذه اللقطات البلاغية المباركة لأدعية الصلاة، وإنها مما يزيد المسلم إحساسًا بمعانيها العظيمة، ومقاصدها الشريفة؛ فيحرص على أدائها أداءً مدركًا محسوسًا.
وقوله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)
فـ: (بِغَيْرِ الْحَقِّ): صفة كاشفة لا مفهوم لها، أيضا، ليقال بأن مِنْ قَتْلِ الأنبياء ما هو بحق.
و: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
فـ: (بِغَيْرِ الْحَقِّ)، أيضا، صفة كاشفة لا مفهوم لها، أيضا، ليقال بأن مِنْ البغي في الأرض ما هو بحق.
وهذا الباب مما يستحق المتابعة والتقييد.
صدقت، وأحسنت، وهو كثير في البيان المعجز.
ومع ما تفضلت به من بيان لهذا التعبير، فإن تقييد البغي بقوله (بغير الحق) فيه زيادة ذمه، وتقبيحه، وسوء حال أهله.
بورك مدادك، وبلاغة بيانك.
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 09 - 2008, 06:26 ص]ـ
بارك الله فيكم، أيها الكرام الأفاضل، ونفعنا وإياكم، وجعله في ميزان حسناتنا وحسناتكم، وجزاكم خير الجزاء وأكمله على المرور والتعليق النافع بزيادات تمس الحاجة إليها لتمام المراد من هذه الكلمات.
ومن أذكار الجلسة بين السجدتين:
حديث حذيفة، رضي الله عنه، مرفوعا، وفيه: (رَبِّ اغْفِرْ لِي رَبِّ اغْفِرْ)
فالتكرار للتوكيد، كما في ذكر الإقامة: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة"، وربما قيل: للتأسيس، فيكون المعنى: مغفرة بعد مغفرة، كما في ذكر الأذان: "الله أكبر، الله أكبر".
(يُتْبَعُ)
(/)
وتعليق المغفرة على وصف الربوبية فيه مزيد استعطاف من الداعي، فإن الربوبية مظنة العطاء، ولا عطاء أعظم من غفران الذنوب مع عظم تقصير المذنب، ففيه من الرجاء وحسن الظن بالله ما فيه، وحسن الظن لا يكون إلا بحسن العمل، فإن من أحسن العمل رجا في سيده خيرا، ومن أساء ظن بسيده شرا، و كما قال الحسن رحمه الله: "ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحسن الظن بالله تعالى وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل".
وكما قال أيضا: "إن المؤمن جمع إحسانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا". اهـ
فقابل بين: خشية المؤمن العالم وأمن المنافق الجاهل، وإحسان الأول وإساءة الثاني فظهر من حسن البيان لحال كليهما ما ظهر.
و "لي": اللام للتعدية والاختصاص، فالداعي في أمس الحاجة إلى مغفرة تخصه بعينه، فهي غاية كل مكلف، وإذا عُدِم الرفيق فـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).
وطريق الهداية: طريق موحش، سالكه قليل، والأنيس فيه عزيز، وعن بعض السلف:
"عليك بطريق الهدى ولا يضرنك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا يغرنك كثرة الهالكين". اهـ
فالمقابلة حاصلة، أيضا، بين كلا الشطرين:
"عليك": الإلزامية و "إياك": التحذيرية.
و: طريق الهدى و طريق الضلالة.
و: يضرنك ويغرنك.
و: قلة وكثرة.
و: السالكين والهالكين.
ولله در أبي الطيب إذ يقول:
أهم بشيء والليالي كأنها ******* تطاردني عن كونه وأطاردُ
وحيدا من الخلان في كل بلدةٍ ******* إذا عظم المطلوب قل المساعدُ
وكان مطلوبه إمارة زائلة فكيف بمن كان مطلوبه: (نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا)؟!!.
*****
وحديث ابن عباس، رضي الله عنهما، مرفوعا، وفيه: (اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني)، وعند أبي داود رحمه الله: "وعافني" مكان "واجبرني".
دعاء شامل لكل أحوال العبد:
اغفر لي ما سلف.
وارحمني في عاقبة أمري.
واهدني: هداية دلالة، وتوفيق، ولزوم هدى، وطريق جنة في الباقية.
وارزقني: رزق الروح فلا تكلني إلى سواك فلا أغتذي إلا إسلاما وسنة، ورزق البدن فلا تطعمني وتسقني وتكسني إلا حلالا فضلا منك ومنة.
واجبرني: فالصوارف كثيرة، والتقصير غالب، والتمام نادر، والجبران منحة لا يعطاها إلا ناج ولا يحرمها إلا هالك.
وعافني: عافية دين ودنيا، فالعافية: عافية روح من الكفر والبدعة، و: عافية بدن من العجز والعلة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 09 - 2008, 07:32 ص]ـ
ومن أذكار الاستفتاح:
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ).
تكرار تصدير الدعاء بـ: "اللهم": إطناب يناسب مقام التذلل للباري عز وجل، فالداعي مفتقر إلى عطاء مدعوه.
وفي الاكتفاء بـ: "الميم" في آخر "اللهم" ملمح مطرد في لغة العرب، إذ هي عوض عن ياء النداء في أول الكلام فـ: "اللهم" تعدل: يا الله، وقد تقرر أنه لا يجمع بين العوض والمعوض عنه، لما فيه من التكرار المعيب، ولذلك حذف عامل الإغراء في قولك: أخاك أخاك، لقيام التكرار مقامه، وهذا أمر يستحق التتبع والاستقراء.
وفي هذا الدعاء: تشبيه للبعد المعنوي بالبعد الحسي:
فشبه رغبة الداعي في بعده عن ذنوبه، وهو أمر معنوي، ببعد المشرق والمغرب، وهو أمر مادي، ولقائل أن يقول بأن البعد هنا أيضا: مادي، فيؤول الكلام إلى: البعد بين العاصي وجزاء ذنوبه، وهو النار، فيكون مجازا عند من يقول بالمجاز، إذ أطلق السبب وهو: "الذنوب"، وأراد المُسَبَبْ: "النار".
اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ:
(يُتْبَعُ)
(/)
تشبيه الغفران بالغسل: وهو تشبيه مرسل على أصله، وفيه إشعار بأن الأصل في فطرة الإنسان: الاستقامة، وفي حديث عياض بن حمار، رضي الله عنه، مرفوعا: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا).
فكما أن الأصل في الثوب: البياض، فإذا عرض للأول: الذنب، وعرض للثاني: الدنس، كان التطهير إزالة للعارض ورجوعا إلى الأصل.
اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ:
إطناب في ذكر المطهرات وتوارد أكثر من مطهر على محل واحد مظنة التنقية.
*****
وحديث: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ)، وهو مروي عند مسلم، رحمه الله، موقوفا على عمر، رضي الله عنه، ومثله لا يقال بالرأي، إذ الأذكار توقيفية، لا اجتهاد فيها فمدار أمرها على النقل الصحيح.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ: تحلية بعد تخلية، فالتسبيح نفي النقص، والحمد: إثبات الكمال، والجمال منه تحديدا، فالمحمود: ممدوح بصفات الجمال من رأفة ورحمة ......... إلخ.
وتبارك اسمك وتعالى جدك: إطناب في المدح بالإثبات، إذ الإثبات أصل في هذا الباب، وهو طريقة الرسل، عليهم الصلاة والسلام، فإن الممدوح كلما ظهرت خصاله الحميدة: زاد كمالا على كمال، بخلاف نفي النقائص، فإنه وإن دل على إثبات كمال ضدها، في هذا الباب، إلا أن المدح فيها تبع لا أصل، فتدل عليه: دلالة لزوم لا مطابقة أو تضمن، وما كان فيه المدح بالإثبات أصلا أولى في المدح مما كان فيه تبعا، والله، عز وجل، أحق من مُدِح، لكمال صفاته العلية، فله المثل الأعلى في السماوات والأرض.
ولا إله غيرك: حصر حقيقي للألوهية الحقة في الله، تبارك وتعالى: المعبود الحق.
*****
وقول علي رضي الله عنه: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ).
وجهت وجهي: جناس، وتوجيه الوجه: من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، وإنما خص الوجه لأنه أشرف أجزاء البدن، فإذا توجه الوجه أصلا، توجهت بقية الأعضاء فرعا عليه، كما هو حال القلب، كما في حديث: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ). والوجه مرآة القلب، فإذا توجه القلب توجه الوجه، وتوجهت بقية الأعضاء من باب أولى، وفي ذلك دليل على صحة مقالة أهل السنة في مسألة الإيمان: إذ انقياد الأعضاء لا يكون إلا بالعمل، فدل ذلك على دخول العمل في مسمى الإيمان الذي يشمل الانقياد والخضوع بـ: القلب واللسان والجوارح.
لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ:
للذي فطر: بيان بالصلة بعد إجمال الموصول، فيفيد تعليق استحقاق الخضوع والانقياد لمن اتصف بما دلت عليه الصلة من فَطْرِ السماوات والأرض، فمن أبدع هذا الكون، على غير مثال سابق، هو، وحده، جل وعلا، المستحق للعبادة، ففيه ترتيب عقلي بديع لاستحقاق الألوهية فرعا على الربوبية وهو أمر مطرد في آي الكتاب المنزل.
حنيفا: قيد للفعل، وصف لفاعله.
(يُتْبَعُ)
(/)
وما أنا من المشركين: تذييل مؤكد لمعنى الحنيفية، فالحنيف مائل عن الشرك، ومع ذلك ذيل تأكيدا بما يفيد البراءة التامة من المشركين.
إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ:
حصر لجميع أحوال المكلف التي دلت عليها تقسيمات: (الصلاة والنسك)، فجمع بها كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، أشرف عبادتين: الصلاة: العبادة البدنية، والنسك: العبادة المالية، و: (المحيى، والممات)، ولا وسطة بينهما، فشمل بذلك كل أحوال المكلف سواء أكانت دينية أم دنيوية، فهو أعم من التقسيم الأول، فيكون الأول شاملا لأمور الدين: بتعريف عبادة البدن بمثال الصلاة وتعريف عبادة المال بمثال النسك، والتعريف بالمثال لا يخصص عموم المُعَرَف، كما قرر أهل العلم، فهو من باب التقريب لا الحد الجامع المانع، ويكون التقسيم الثاني شاملا لكل أمور المكلف: دينا ودنيا، فهو أعم من الأول فآلت الصورة إلى صورة: العموم بعد الخصوص، عموم حال المكلف: دينا ودنيا بعد خصوص حاله: دينا، وإنما أفرد أمر الدين بالذكر لأنه غاية خلق العباد، فهو مقصود لذاته، مصداق قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، بخلاف أمر الدنيا، فهو مما يستعان به على إقامة أمر الدين، فيكون من المقصود لغيره، والغاية أشرف من الوسيلة كما قرر أهل العلم.
ولقائل أن يقول: إن النسك ليس عبادة محضة فللناسك أن يطعم من نسكه، فيكون له حظ من أمر الدنيا، فيكون في التقسيم الأول: بيان أمر الدين أصلا والدنيا فرعا.
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: لام الاختصاص، فلا تكون الحياة: دينا ودنيا إلا لمن وهبها ابتداء فهو أحق بها انتهاء.
رب العالمين: علة ما بعدها.
لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ:
"لا شريك له": معلول ما قبله، فلا شريك له في ألوهيته فرعا على تفرده بالخلق والملك والتدبير والرزق والإحياء والإماتة .......... إلخ من خصائص الربوبية، والربوبية، وإن كانت أشرف باعتبار تعلقها بأفعال الرب، جل وعلا، وأفعاله الكاملة أشرف من أفعال عباده التي يعتريها من النقص والخطأ ما يعتريها إلا من عصمه الله، عز وجل، من الأنبياء والمرسلين، عليهم الصلاة والسلام، ولا تصل أفعالهم بذلك إلى منزلة أفعال الرب، جل وعلا، فهم، وإن علت منازلهم: مخلوقون مربوبون، لم يصلوا إلى تلك المنزلة الرفيعة إلا باصطفاء الله، عز وجل، لهم، فنبوتهم وهبية لا كسب فيها، فـ: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، فكيف يسوى بينهم وبين خالقهم؟!!!، فما ظنك بمن دونهم من أئمة وأولياء، بل وأشجار وأحجار؟!!، كيف ساغت تسويتهم برب البشر، وفي التنزيل: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)
الشاهد أن: الربوبية، وإن كانت أشرف من جهة تعلقها بأفعال الرب، عز وجل، إلا الألوهية آكد من جهة تعلقها بأفعال العبد، فتوحيد الرب، جل وعلا، أول واجب على العبيد، فهو مقصود: قصد غايات، فبتوحيد الربوبية: توحيد الله بأفعاله، وبتوحيد الله في أسمائه وصفاته، يتوسل إلى مراد الرب، جل وعلا، من عباده، فهما وسيلة إلى أشرف الغايات، وإن كانا في نفسيهما أشرف باعتبار تعلقها بأسماء الرب، جل وعلا، ونعوت كماله، وحكيم أفعاله.
وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إشارة بـ: "ذلك"، إشارة البعيد لما تقدم، لبيان عظم منزلته وعلو شأنه.
وأنا من المسلمين: تذييل مؤكد على معاني الاستسلام والانقياد التي تقدم ذكرها.
(يُتْبَعُ)
(/)
اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ: أنت أنت الملك: حصر بتعريف الجزأين، فأنت الملك لا ملك سواك، فكل مُلك عدا ملكك مقيد، فلك الملك المطلق، فأفاد السياق ربوبية، هي مقتضى المُلك، ذيلت بلازمها من الألوهية: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ"، و "أنت": ضمير مخاطب يفيد استحضار المعبود في قلب العابد، فإن لم تره العيون بالأبصار فقد رأته قلوب العارفين بالبصائر، وهذا مقام المشاهدة: أعلى مقامات الإحسان، وقد تكرر في صدر الكلام: "أنت الملك"، وفي عجزه: "لا إله إلا أنت" فأفاد: استحضار مقام المعبود، جل وعلا، ربوبيةً وألوهيةً.
أَنْتَ رَبِّي: حصر بتعريف الجزأين: فأنت ربي لا رب لي سواك.
وَأَنَا عَبْدُكَ: حصر باعتبار مفعول العبد لا عينه، فعبادك غيري كثير، فأنا عبدك عبودية خضوع لقدرك وانقياد لأمرك، عبودية تكوين وتشريع: محياي ومماتي، قيامي وقعودي .......... إلخ، لك وحدك.
ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي: إطناب بإظهار التذلل والإقرار بالخطيئة، فالاعتراف بالذنب أولى خطوات التوبة.
فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا: دقها وجلها، ومن ثم ورد سؤال مقدر، وما علة طلب سؤال المغفرة من الرب، جل وعلا، دون سواه؟
والجواب: إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ: وفيه استحضار آخر أفاده ضمير المخاطب.
وهذا ما اصطلح البلاغيون على تسميته: "شبه كمال الاتصال"، وهو أمر مطرد في الجمل الاستئنافية التي يراد بها تعليل ما قبلها، إذ تكون جوابا لسؤال مقدر يقتضيه السياق.
وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ:
مقابلة بين شطري القسمة العقلية للأخلاق، فإما حسن يطلب، وإما سيئ يدفع.
لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ:
يقول الحافظ، رحمه الله، في "الفتح":
"اللَّبّ بِفَتْحِ اللَّام مَعْنَاهُ هُنَا الْإِجَابَة، وَالسَّعْد الْمُسَاعَدَة، كَأَنَّهُ قَالَ: لَبًّا لَك وَإِسْعَادًا لَك؛ وَلَكِنَّهُمَا ثُنِّيَا عَلَى مَعْنَى التَّأْكِيد وَالتَّكْثِير، أَيْ: إِجَابَة بَعْد إِجَابَة وَإِسْعَادًا بَعْد إِسْعَاد"
فالتثنية غير مقصودة لذاتها، وإنما هي توكيد وتكثير، على وزان قوله تعالى: (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)، والبصر لا ينقلب خاسئا من رجوعه كرتين، وإنما من رجوعه كرات وكرات ويدل على ذلك، أيضا، التكثير المستفاد من صيغة المبالغة: "حسير"، فيقال هنا أيضا: التثنية دالة على إقبال العبد على ما يرضي ربه وسرعة امتثاله، وقد مدح الله، عز وجل، أقواما على سرعة استجابتهم للأمر الشرعي فقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ: مقابلة بين الخير والشر، فالأول لك كونا وشرعا، والثاني ليس إليك شرعا، وإن قدرته كونا، فالشر في ذات المقدور لا في قدر الله، عز وجل، الذي هو فعله، ففعله كله خير، وقضاؤه كله بر، وإنما الشر مقصود لغيره، فبه يستجلب من الخيرات ما يستجلب، كالمرض يستجلب به من التوبة والاستغفار والانكسار ما لا يستجلب حال الصحة.
أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ: استسلام تام للخالق، عز وجل، فلا مالك ولا ناصر لي سواك، فأنا بك: كونا فأنت القيوم القائم بذاته المقيم لغيره وشرعا فمن وحيك غذاء روحي ومن شرعك زكاة جوارحي، وأنا إليك: كونا، فما قدرته علي كائن لا محالة، وشرعا، فأنا على أمرك وأمر رسولك صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما استطعت.
تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ: إطناب يناسب مقام الثناء.
(يُتْبَعُ)
(/)
أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ: إطناب آخر يناسب مقام الدعاء، على القول بأن التوبة مرادفة الاستغفار، ومن قال بأن: الاستغفار لما فات، والتوبة لما هو آت، فهي عنده من دلالة "الاقتران والافتراق"، فاستوفيا شطري القسمة العقلية: الماضي، والمستقبل وألحق به الحاضر بداهة، فهو في حال دعائه تائب مقلع، ودلالة "الاقتران والافتراق" بين اللفظين: مما اطرد في لغة العرب، وإليه يشير أهل العلم بقولهم عن اللفظين محل البحث: إذا اجتمعا افترقا، فيفيد كل منهما معنى غير الذي يفيده الآخر فتكون دلالته على معناه مطابقة، وإذا افترقا اجتمعا، فيدل كل منهما على معناه وعلى معنى اللفظ الآخر: تضمنا، لشموله عند إفراده بالذكر كليهما.
كما قيل في لفظي:
الإسلام والإيمان:
فعند الاقتران: يدل الإيمان على أعمال الباطن، ويدل الإسلام على أعمال الظاهر، وتكون دلالة كل منهما على مدلوله: دلالة مطابقة لا يدخل فيها مدلول الثاني، فلا يكون الإسلام حينئذ دالا على عمل الباطن، وكذلك الإيمان: لا يدل حينئذ على عمل الظاهر، وحديث جبريل عليه الصلاة والسلام أصل في هذا النوع، إذ فسر الإسلام بأعمال الظاهر، وفسر الإيمان بأعمال الباطن.
وعند الافتراق: يدل كل منهما على معناه ومعنى الآخر: تضمنا، فيكون مدلول كل من: الإسلام والإيمان، على انفراده، حينئذ مزدوجا يتضمن: الباطن والظاهر، وحديث وفد عبد القيس أصل في هذا النوع إذ فسر الإيمان لما انفرد بمدلول الإسلام من أعمال الظاهر، ففيه: (أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ)، فصارت دلالته على عمل الظاهر: دلالة تضمن فضلا عن دلالته الأصلية على عمل الباطن، فهو مزدوج الدلالة عند انفراده كما تقدم.
يقول القرطبي رحمه الله:
"والأصل في مسمى الإيمان والإسلام التغاير، لحديث جبريل. وقد يكون بمعنى المرادفة: فيسمى كل واحد منهما باسم الآخر، كما في حديث وفد عبد القيس وأنه أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال: (هل تدرون ما الإيمان)؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم) الحديث. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون بابا فأدناها إماطة الأذى وأرفعها قول لا إله إلا الله) أخرجه الترمذي. وزاد مسلم: (والحياء شعبة من الإيمان).
ويكون أيضا بمعنى التداخل وهو أن يطلق أحدهما ويراد به مسماه في الأصل ومسمى الآخر". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (4/ 41).
وكذلك القول في "الفقير" و "المسكين": فعند افتراقهما يدل كل واحد منهما على الآخر، وعند اقترانهما يستقل الفقير بمعنى، والمسكين بمعنى آخر، فالأول أشد حاجة من الثاني كما تقرر في كتب الفروع في بيان أصناف مستحقي الصدقة الواجبة في كتاب الزكاة، وفي التنزيل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
وكذلك "الكفر" و "الشرك": فإنهما إذا اقترنا دل كل منهما على معنى، فليس كل كفر شركا، وإن كان كل شرك كفرا، فالأول أعم من الثاني، فبينهما عموم وخصوص مطلق، فإذا اقترنا استقل الشرك بمعناه، واستقل الكفر ببقية صوره ما عدا الشرك، وإذا افترقا: دل الكفر على الشرك تضمنا، فشمله وشمل كل صور الكفر.
(يُتْبَعُ)
(/)
و: "الكتاب" و "الحكمة"، فقد قال بعض أهل العلم: إن اقترنت "الحكمة" بـ: "الكتاب" فهي: "السنة"، وإن انفردت فهي: "القرآن"، كما في حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا)، أو: الوحي عموما: قرآنا وسنة.
وأشار الحافظ، رحمه الله، إلى معنى كلي جامع فقال: "وقيل: المراد بالحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح". اهـ
وكذلك: "البر والتقوى" و "الإثم والعدوان".
وهكذا يقال في الاستغفار والتوبة: فإذا انفردا: ازدوجت الدلالة، وإذا اقترنا انقسمت.
ودلالة الاقتران والافتراق مما يستحق التتبع والاستقراء، وبها أزيلت كثير من الإشكالات، كإشكال دخول الأعمال في مسمى الإيمان، الإشكال الشهير بين أهل السنة من جهة، والمرجئة ومن تابعهم من متأخري المتكلمين من جهة أخرى، وعمدة الفريقين واحدة، وهي الآيات التي عطف فيها العمل على الإيمان من قبيل:
قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).
فالمرجئة والمتكلمون يقولون: العطف يقتضي التغاير، فالإيمان شيء والعمل شيء آخر، فإما أن يدل الإيمان على العمل دلالة لزوم، أو دلالة ثمرة، فيكون العمل ثمرة الإيمان، والثمرة ليست جزءا من الأصل.
وأهل السنة يقولون: العطف عطف خاص على عام، تنويها بذكره، فيكون داخلا في الإيمان تضمنا، ومن ثم أفرد بالذكر فدل على معناه مطابقة، فإذا أفرد الإيمان بالذكر تضمن أعمال القلوب والجوارح، وإذا اقترن بالعمل، استقل بأعمال القلوب، وانفردت مادة "العمل" التي اقترنت به بأعمال الجوارح، ولا يمنع ذلك، عند التحقيق، من دخولها في مسمى الإيمان، ولو اقترنت به: دخول خاص في عام، ذكر ضمنا، ثم أفرد بالذكر تنويها بشأنه على التفصيل المتقدم.
وليس كل عطف يقتضي المغايرة، وفي التنزيل: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)، وربهما واحد، وإن عطف الأول على الثاني، فالعطف هنا: عطف أوصاف لا ذوات، كما أثر ذلك عن الشافعي، رحمه الله، في احتجاجه على مرجئة زمانه.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 09 - 2008, 03:59 ص]ـ
كل الشكر لكم أخي الفاضل على هذا التميُّز .... وهذه الوقفات البلاغية القيمة .....
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 07:27 ص]ـ
ولك الشكر، وجزاك الله خيرا على طَيِب القول، ونفعك ونفع بك، وعذرا على التأخر في الرد.
ومن أذكار الاستفتاح أيضا:
حديث عائشة رضي الله عنها: (اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل: ربوبية خاصة فيها بيان:
شرف رؤساء الملائكة الثلاثة: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فهم الموكلون بحياة الروح والأرض والبدن.
وعظم ربوبية خالقهم، جل وعلا، فإن من خلق هذا الخلق العظيم، الذي لا يعمل إلا بأمره الكوني، فهو من خشيته مشفق، وله خاضع مستسلم، من خلق هذا، قادر على خلق ما هو أضعف منه قوة، ففيه تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإذا صحت ربوبية الله، عز وجل، لهم، صحت لمن دونهم من باب أولى، فهو رب العرش العظيم، ورب السماوات والأرض ومن فيهن، ورب كل شيء ومليكه له من الربوبية الخاصة والعامة أكملها، فكل ربوبية سوى ربوبيته ناقصة، فصاحبها عنها يزول ويأفل، والله، عز وجل، هو الرب الذي لا يزول ولا يأفل، فلا يغيب عنه مربوبه طرفة عينه، فبأمره الكوني يحفظه، وبأمره الشرعي يتعبده.
(يُتْبَعُ)
(/)
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ: إطناب يناسب مقام الثناء على الرب جل وعلا. والمقابلة أو الطباق بين ثنائية: السماء والأرض، والغيب والشهادة: فيها من معاني الإحاطة التي تقتضيها الربوبية ما فيها، فلا شيء من الأعيان يخرج عن خلقه، ولا شيء من الأفعال يخرج عن علمه، والإضافة في: "فاطر السماوات" و "عالم الغيب": إضافة محضة لا لفظية للتخفيف، فهي تدل على دوام الاتصاف، بخلاف الإضافة اللفظية من قبيل: زيد ضارب عمروٍ، فهي حادثة بعد أن لم تكن، منقضية لا دوام لها فوصف الضرب زائل عن الضارب لا محالة، بخلاف وصف الفطر والعلم، فإنهما ثابتان الله، عز وجل، من الأزل، لم يستفد كمالا كان عنه معطلا، فله الكمال المطلق أزلا وأبدا.
يقول الآجري رحمه الله:
"لم يزل الله تعالى عالما متكلما سميعا بصيرا بصفاته قبل خلق الأشياء". اهـ
ويقول عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله:
"ولن يدخل الإيمان قلب رجل حتى يعلم أن الله تعالى لم يزل إلها واحدا بجميع أسمائه وصفاته لم يحدث له منها شيء كما لم تزل وحدانيته". اهـ
أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ:
أنت: استحضار لمقام المخاطب، فالداعي يراه بقلبه رؤية علمية وإن غابت عن عينه رؤيته البصرية في الدنيا، فإذا من عليه الباري، عز وجل، بدخول جنته اجتمع له من تمام الرؤيتين ما تقر بها عينه وتلذ بها نفسه، فالجنة دار النعيم الكامل: حسا ومعنى، فتمام اللذة الحسية بالنظر إلى وجهه الكريم، وتمام اللذة العلمية بمعرفة العبد من كمالات ربه، جل وعلا، المطلقة ما لم يعرفه في الدنيا، ومهما أوتي من عقل وقوة إدراك فلن يحيط بربه، جل وعلا، علما أو بصرا، مصداق قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)، فهذا في العلم، وقوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فهذا في البصر.
وفي الجملة توكيد بتكرار الفاعل: معنويا بارزا: "أنت"، فالمبتدأ فاعل في المعنى، ولفظيا مستترا في: "تحكم".
"ما": صيغة عموم، فكل خلاف بين العباد، فالله يفصله، وكل الخصوم على الرب، جل وعلا، واردة، وعن عدله صادرة، وفي التنزيل: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ).
و:
إلى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضي ******* وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمعُ الخُصُوْمُ
*****
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ
لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ)
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ:
لك الحمد: حصر بتقديم ما حقه التأخير، و "أل" في "الحمد": جنسية استغراقية، فله من المحامد أشرفها وأكملها، كما وكيفا.
أنت قيم السماوات: استحضار لمقام المخاطب على ما تقدم في الدعاء السابق.
قيم: مقام التدبير، فهو القائم على عباده، يقيم قلوبهم بالوحي، وأبدانهم بما تخرج الأرض، وهو قائم عليهم يحصي عليهم أعمالهم لئلا يكون للناس عليه حجة: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
(يُتْبَعُ)
(/)
وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ:
إطناب بتكرار الحمد ثناءً، ولك ملك السماوات والأرض: مقام ملك أعيان خلقه.
وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ:
توكيد بتعريف الجزأين: "أنت"، و "نور السماوات" المعرف بالإضافة، يفيد الحصر والتوكيد فضلا عن مقام المشاهدة في "أنت" وقد تكرر مرارا.
فأنت خالق نورهما، وكل كمال في المخلوق فمن الخالق استمده، فهو أولى به، وفي حديث أبي موسى، رضي الله عنه، مرفوعا: (حِجَابُهُ النُّورُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ).
فمن النور:
وصف ذاتي للباري، عز وجل، فلا ينفك عن وجهه الكريم وهو: "سبحات وجهه".
ومنه نور مخلوق: (نور الحجاب ونور الشمس ونور القمر ....... إلخ): ابتداء غايته خالقه، جل وعلا، فمنه استمد نوره، استمداد الحي أسباب الحياة من واهبها، جل وعلا، فليست حياة المخلوق هي حياة الخالق، وليس نور المخلوق نور الخالق، وإن كان الأول فرعا على الثاني.
وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ: إطناب مطرد في نص هذا الدعاء بتكرار حصر أجناس المحامد لله، عز وجل.
أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ:
مقام ملك أفعال وأحوال خلقه، فهو المتصرف فيهم: خلقا ورزقا، إحياء وإماتة ............. إلخ، فقد قهرهم بربوبيته العامة، فلا تخرج ذرة من كونه عن مُلْكِه، ومِلْكِه، فهو المالك للأعيان الملك للأفعال والأحوال، وهو القيم: القائم بنفسه، المقيم لخلقه رزقا وإحصاء للأعمال، المالك لأعيانهم، الملك لأحوالهم، على التفصيل المتقدم،، فربوبيته عامة تامة.
وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ:
إطناب بتكرار الخبر "الحق"، ولو كان المقام مقام إيجاز لعد ذلك عيبا في الكلام، إذ يكفي في مقام الإيجاز أن تقول: أنت ووعدك ولقاؤك وقولك والجنة ................ كل ذلك: حق.
على طريقة:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأَنْتَ بِمَا ******* عِنْدَكَ رَاض، وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
أي: نحن بما عندنا راضوان وأنت بما عندك راض، وإنما حذف من الأول لدلالة الثاني عليه، والقياس عكسه: الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه.
وإطناب الحمد مطرد من أول الدعاء.
وفي: "أنت الحق": حصر بتعريف الجزأين، تقدم في أكثر من موضع، وفي "الجنة حق والنار حق": طباق بالإيجاب يعم داري يوم الدين.
وفي: "وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ": خصوص بعد عموم لبيان مقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد ذكر أولا مع النبيين، فدل عليه اللفظ: تضمنا، ثم أفرد بالذكر تشريفا، فدل عليه اللفظ مطابقة، وفي ذلك من العناية بمقامه الرفيع ودرجته العالية ما فيه.
اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ:
صور من حصر أفعال المكلف وتجريدها للباري عز وجل من: إسلام وإيمان وتوكل وإنابة، فمقتضى الربوبية في صدر الدعاء: صرف كل أنواع التأله له، فالربوبية ملزوم الألوهية، والألوهية لازمها.
وبعد دعاء الثناء:
دعاء المسألة:
فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ:
مقابلة بين: "التقديم والتأخير"، و "الإسرار والإعلان" لتعم كل أحوال المكلف.
أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ:
حصر بتعريف الجزأين في كلا الشطرين، وفيهما من المقابلة ما يدل على عموم مشيئته فمن شاء قدمه ومن شاء أخره، وما شاء من الأفعال قدمه: كونا أو شرعا، وما شاء منها أخره: كونا أو شرعا.
مع استحضار مقام المخاطب بالضمير "أنت"، فهو أمر مطرد، من بداية الدعاء، كما تقدم، وكأن السامع قد استحضر مقام القرب في قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ: تذييل يناسب المقام فيه من صورة الخطاب ما اطرد في هذا الدعاء، فلم يلتفت عنه الداعي، فهو مقبل في أوله وأوسطه وآخره على ربه جل وعلا.
*****
ومن حديث حذيفة رضي الله عنه: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ
اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا: إخبار بعد إخبار فحمله على التأسيس أولى من حمله على التوكيد.
ولما كان المقام مقام تكبير، والتكبير مظنة الجلال، أُتْبِع بصفات الجلال:
ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، فالمقام مقام: تمجيد بالجلال لا تحميد بالجمال، ولكل مقام مقال.
فمن دعا بالمغفرة ناسب أن يستعمل في الثناء على ربه: صفات الجمال.
ومن دعا على ظالم أو جبار ناسب أن يستعمل في الثناء على ربه: صفات الجلال.
ومن أخطاء بعض الأئمة، كما ذكر بعض الفضلاء المعاصرين:
قولهم على سبيل المثال: اللهم اغفر لي يا جبار السماوات والأرض، فأتبع طلب المغفرة بصفة جلال، والمقام مقام جمال لا جلال.
وقولهم: اللهم أهلك الظلمة يا أرحم الراحمين، فأتبع الدعاء على الظلمة بصفة جمال، والمقام مقام جلال لا جمال.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 10 - 2008, 08:51 ص]ـ
ومن أذكار التشهد:
التحيات:
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ).
"التحيات": "أل": استغراقية لعموم التحيات، ولا يرد على ذلك أن جمع المؤنث السالم: جمع قلة، والمقام مقام تكثير، لأن العموم إنما استفيد من "أل" لا من نفس صيغة الجمع، وهي تفيد العموم، سواء اتصلت بمفرد كـ: "الثمرة"، أو جمع قلة كـ: "الثمرات"، أو جمع كثرة كـ: "الثمار".
وبذلك خرج قوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
وقول حسان رضي الله عنه:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ******* وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
يقول أبو حيان رحمه الله: "فقامت الثمرات مقام الثمر أو الثمار على ما ذهب إليه الزمخشري، لأن هذا من الجمع المحلى بالألف واللام، فهو وإن كان جمع قلة، فإن الألف واللام التي للعموم تنقله من الاختصاص لجمع القلة للعموم، فلا فرق بين الثمرات والثمار، إذ الألف واللام للاستغراق فيهما، ولذلك رد المحققون على من نقد على حسان قوله:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ******* وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
بأن هذا جمع قلة، فكان ينبغي على زعمه أن يقول: الجفان وسيوفنا، وهو نقد غير صحيح لما ذكرناه من أن الاستغراق ينقله". اهـ
لله: اللام للاختصاص والاستحقاق فعموم التحيات: كيفا وكما، لا يستحقه إلا الله، عز وجل، ومن المحامد ما استقل بها فلا يشركه فيها أحد سواه، وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ)، ولا يستحق الحمد عند وقوع المكروه إلا الله، عز وجل، ولا ينعت غيره بالرحمة العامة في "الرحمن" فلا يسمى غيره "رحمانا".
الْمُبَارَكَاتُ: صفة كاشفة فلا مفهوم لها، إذ ليس من التحيات ما هو غير طيب، وإلا لما كان تحية أصلا، فتفيد التوكيد على شرف هذه التحيات، فهي مباركة تليق بذات المحيى جل وعلا.
الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ: خصوص بعد عموم، فالصلاة الطيبة فرد من التحيات المباركات، فيفيد التنصيص عليها التوكيد على شرفها، فهي مذكورة ضمنا في اللفظ الأول، مطابقة في اللفظ الثاني، على التفصيل المتقدم في دلالة الاقتران والافتراق، إذ يصح أن يقال هنا بأن كليهما ينوب عن الآخر حال الافتراق، فإذا ما اجتمعا استقل كلٌ بمعنى يكمل معنى الآخر.
والطيبات: قيد كاشف على التفصيل المتقدم في "المباركات".
والصلوات هنا: إما أن يراد بها الحقيقة الشرعية المعهودة، وإما أن يراد ما هو أعم منها من الحقيقة الوضعية، فتكون كل الدعوات سواء أكانت بهيئات مخصوصة أم كانت مطلقة، لله، عز وجل، فالمقام يتسع لكليهما، إذ الحقيقة الوضعية أعم من الحقيقة الشرعية، ومتى أمكن حمل اللفظ على الأعم صير إليه وعدل عن الأخص لئلا تهدر أفراد هذا العام التي تخرج بتخصيصه، إذ قصر الصلوات على الصلوات المعهودة: تخصيص يخرج ما عداها من صور الدعاء، وهو ما يتنافى مع مقام المدح والثناء على الله، عز وجل، فهو مقام عموم لا خصوص، فالسياق، وإن كان نصا شرعيا الأصل فيه تقديم الحقيقة الشرعية المعهودة إلا أن قرينة الإطناب الذي يقتضيه المقام بذكر كل أنواع الدعوات الطيبات ترجح الحقيقة اللغوية على الحقيقة الشرعية.
لله: اختصاص واستحقاق فلا تكون التحيات الكاملات بمختلف أنواعها وأقدارها إلا لرب البريات جل وعلا.
السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ:
"السلام": عموم في: "السلام" أفادته "أل" الجنسية الاستغراقية، فله من السلام أطيبه وأكمله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أيها النبي:
(يُتْبَعُ)
(/)
استحضار لمقامه، فإن غاب عنا بجسده وروحه الطاهرة، فهو باق فينا بشرعه وسنته الظاهرة، ظهور حجة وبرهان، فلا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يطعن فيها إلا مارق، ما ترك خيرا إلا دلنا عليه، ولا شرا إلا حذرنا منه، بين لنا الدين: علما وعملا، أصلا وفرعا، فاستغنينا برسالته عن أقوال النظار والمتكلمين، وكشوف العارفين الملهمين، وأذواق الفقراء السالكين.
وقال العلماء في تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ): إنما يكون الرد إليه بالرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد مماته.
وقالوا في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، إنما يكون التقدم بين يديه بعد موته بتقديم قول غيره على قوله.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان مقامه المنيف صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
"وَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: {إنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب} وَهَذَا الْمَقْتُ كَانَ لِعَدَمِ هِدَايَتِهِمْ بِالرُّسُلِ فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الْمَقْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَمَحَجَّةً لِلسَّالِكِينَ وَحُجَّةً عَلَى الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ وَافْتَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَتَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ وَالْقِيَامَ بِأَدَاءِ حُقُوقِهِ وَسَدَّ إلَيْهِ جَمِيعَ الطُّرُقِ فَلَمْ يَفْتَحْ لِأَحَدٍ إلَّا مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخَذَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا عَلَى مَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ. أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فَخَتَمَ بِهِ الرِّسَالَةَ؛ وَهَدَى بِهِ مِنْ الضَّلَالَةِ؛ وَعَلَّمَ بِهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَفَتَحَ بِرِسَالَتِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا فَأَشْرَقَتْ بِرِسَالَتِهِ الْأَرْضُ بَعْدَ ظُلُمَاتِهَا؛ وَتَأَلَّفَتْ بِهَا الْقُلُوبُ بَعْدَ شَتَاتِهَا فَأَقَامَ بِهَا الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ وَأَوْضَحَ بِهَا الْمَحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ وَشَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ؛ وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ؛ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ؛ وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ وَدُرُوسٍ مِنْ الْكُتُبِ حِينَ حُرِّفَ الْكَلِمُ وَبُدِّلَتْ الشَّرَائِعُ وَاسْتَنَدَ كُلُّ قَوْمٍ إلَى أَظْلَمِ آرَائِهِمْ وَحَكَمُوا عَلَى اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ بِمَقَالَاتِهِمْ الْفَاسِدَةِ وَأَهْوَائِهِمْ فَهَدَى اللَّهُ بِهِ الْخَلَائِقَ وَأَوْضَحَ بِهِ الطَّرِيقَ وَأَخْرَجَ بِهِ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ؛ وَأَبْصَرَ بِهِ مِنْ الْعَمَى؛ وَأَرْشَدَ بِهِ مِنْ الْغَيِّ وَجَعَلَهُ قَسِيمَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَفَرَّقَ مَا بَيْنَ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ؛ وَجَعَلَ الْهُدَى وَالْفَلَاحَ فِي اتِّبَاعِهِ وَمُوَافَقَتِهِ وَالضَّلَالَ وَالشَّقَاءَ فِي مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ. وَامْتَحَنَ بِهِ الْخَلَائِقَ فِي قُبُورِهِمْ فَهُمْ فِي الْقُبُورِ عَنْهُ مَسْئُولُونَ وَبِهِ مُمْتَحِنُونَ". اهـ
فالحمد لله الذي مَنَ على المؤمنين إذ بعث فيهم خاتم المرسلين، فاختصهم بتلك الكرامة، ووعدهم العزَ والتمكين إن هم ساروا على طريقة النبي الأمين، فإن حادوا عن طريقه، فلا أنساب بين الله، عز وجل، وعبيده. فالذل والصغار على من خالف شرعته، وإن كان مسلما يزعم محبته.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال بعض العلماء إنما يكون النداء بـ: "يا أيها": لمن حضر الصلاة خلفه، لا لمن غاب عنه، فقد أثر عن بعض الأصحاب، رضي الله عنهم، أنهم كانوا يقولون في تشهدهم بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "السلام عليك أيها النبي"، وعند ابن أبي شيبة، رحمه الله، في مصنفه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن: "التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"، وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا: السلام على النبي).
فيكون في حذف النداء على هذا القول: اقتصار على ما تمس إليه الحاجة في نظم الكلام، فيؤدى المعنى المراد بأخصر عبارة وأتم بيان.
السَّلَامُ عَلَيْنَا: عموم بعد خصوص، فيدخل فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضمنا، بعد أن أفرد بالذكر مطابقة.
وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ: عموم أعم من السابق، فيدخل فيه المتشهدون تضمنا، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من باب أولى، بعد أن أفرد كلاهما بالذكر مطابقة، وقد تقرر في مبحث العموم والخصوص، أن العموم والخصوص درجات، فالعموم القريب فرد من أفراد العموم البعيد، فيكون خاصا باعتبار ما فوقه من أنواع، وإن كان عاما باعتبار ما تحته من أفراد، حتى نصل عموم لا أعم منه، كالمعلوم الذي يشمل كل الأنواع: واجبة أو جائزة أو حتى محالة، وخصوص لا أخص منه كزيد وعمرو وبكر وهند ........... إلخ. فيكون المتشهد قد سلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا السياق: ثلاث مرات: مرة مطابقة، ومرتين تضمنا، وفي ذلك من الإشارة إلى علو منزلته ما فيه.
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ: إقرار بوحدانية المعبود، جل وعلا، على طريقة الرسول الخاتم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فلا يقبل العمل إلا إذا كان: خالصا لوجه الباري، عز وجل، صوابا على طريقة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي التنزيل: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، فالعمل المنجي: الصالح الموافق للسنة، الخالص لوجه الرب، جل وعلا، فلا يشرك فاعله بعبادة ربه أحدا.
فالشهادة الأولى: توحيد الجهة، فمن وحد المعبود اجتمع عليه شتات جنده، فقوي قلبه وخضعت جوارحه، وفي التنزيل: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، فلا يستوي السالم والمشرك.
والشهادة الثانية: توحيد الطريق والمنهج. فلا تتشعب بنا الأقوال ولا تتجارى بنا الأهواء، ومن كان بالسنة ألصق فهو إلى النجاة أقرب، ولذلك كان أهل الحديث والأثر ممن اعتنى بكلام المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: رواية ودراية، علما وعملا، هم أقرب الناس إلى الإسلام والسنة، وأبعدهم عن الشرك والبدعة، والعصمة في اتباع المعصوم.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ:
دعاء بالثناء على النبي الخاتم وآل بيته من الأهل والذرية الطيبة، رضي الله عنهم جميعا، فهو إجمال بينته رواية أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، وفيها: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ)، فوقع البيان مطابقة، ولقائل أن يقول بأن السياق: عموم بعد خصوص، فتكررت الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مطابقة بإفراده، وتضمنا باشراكه مع الآل، فهو سيدهم، ولذلك عدل عن ضمير جماعة النساء في آية التطهير: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، في قوله تعالى: (عنكم)، لما دخل سيد البيت، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في الخطاب بعد أن كان الخطاب لزوجاته: أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ:
ويقال أيضا: دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذه الصلاة لأنه فرد من عموم آل إبراهيم، فيكون المصلي قد صلى عليه ثلاث مرات: مرة بدلالة المطابقة، ومرة بدخوله عليه الصلاة والسلام في الآلين: آل محمد وآل إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ: توكيد بـ: "إن" واسمية الجملة قبل دخول الناسخ، والحمد والمجد يعمان كل صفات المدح: جمالا وجلالا، على الترتيب، فالحمد بالجمال والمجد بالجلال، فله، جل وعلا، كمال الثناء بكمال أوصاف الجمال حمدا، وكمال أوصاف الجلال مجدا.
اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ: إطناب في الثناء على النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وآل بيته، رضي الله عنهم، يقتضيه المقام، فلا يليق في مثل هذا الموضع الإيجاز بأن يقال على سبيل المثال: وبارك عليهم، أو وبارك على من تقدم ذكره، فإن الإضمار في موضع يحسن فيه الإظهار، والإيجاز في موضع يحسن فيه الإطناب: مئنة من سوء الفهم وعجز اللسان، والحبيب يلتذ بجريان ذكر حبيبه على لسانه، فكيف يضمر اسمه ويوجز وصفه؟!!!.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 11 - 2008, 09:38 ص]ـ
ومن الأذكار بعد التشهد:
"إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ":
أحدكم: عموم يشمل كل المكلفين بمن فيهم القائل: صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو داخل في عموم كل خطابات الشريعة إلا ما استثناه الدليل على تفصيل في كتب الأصول ليس هذا موضعه.
فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ: أمر يفيد الإرشاد على وزان الأمر في قوله تعالى: (إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)، وقال بعض أهل العلم: هو للوجوب، وهذه طريقة ابن حزم، رحمه الله، في حمل كل أوامر الشريعة على الوجوب.
مِنْ أَرْبَعٍ: توشيح يفيد استرعاء انتباه المخاطب بإجمال يعقبه تفصيل.
مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ: ترديد بذكر العذاب مقيدا بقيدين: جهنم، وفي تقديم الاستعاذة من عذابها تقديم لما هو أولى بالدفع، والقبر، فنعيمه وعذابه كالمرقاة بين يدي نعيم الآخرة وعذابها، فهو أول منازلها فتعم الاستعاذة من العذاب في هذا الحديث: مقدماته وغاياته.
وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ:
المحيا والممات: طباق بالإيجاب يعم كل ما يتعرض له المكلف من فتن في حياته وعند مماته، فمن نجا منهما نجا مما بعدهما من فتنة القبر وسؤاله، فإن للمقدمات نتائج، فمن كانت بدايته مشرقة كانت نهايته مشرقة، وقال بعض أهل العلم: من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، والاحتراق هنا: احتراق في طلب الحق والعمل به، لا احتراق هلكة، فهو مشرق الباطن وإن كان ظاهره محترقا.
وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وفي رواية عند البيهقي رحمه الله:
"شر فتنة المسيح الدجال": خصوص بعد عموم، تنبيها على عظم فتنة المسيح الدجال فهي من فتن الدنيا ومع ذلك أفردت بالذكر تنبيها على خطرها.
"المسيح": إما من "ماسح" فهو: يمسح الأرض طولا وعرضا إلا ما ورد النص باستثنائه كالحرمين، أو "ممسوح" فهو: أعور ممسوح العين، ولا مانع من القول بكلا الصيغتين فتنوب صيغة "فعيل" عن صيغتي: "فاعل" و "مفعول" في آن واحد، مع ما فيها من معنى المبالغة، فمسحه للأرض: مسح كاسح، وعوره بين واضح، فعينه ممسوحة مسحا بليغا، فتكون المسألة من باب دلالة المشترك على كل معانيه على سبيل الشمول، فدلت: "فعيل" على الضدين: الفاعل والمفعول.
*****
اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك:
أعني: دعاء يفيد افتقار العبد إلى معونة الله، عز وجل، لكي يأتي بالطاعة على وجهها، فهو مفتقر إلى ربه، جل وعلا، افتقار العبد المصنوع إلى الرب الصانع، فهو الذي أوجده، وأعده للتكليف، وأمده بغذاء بدنه وروحه، فبالشريعة تحيى القلوب وبخشاش الأرض تحيى الأبدان، ولفظ المعونة أبلغ في بيان حال العبد، فهو جامع في الإثبات لـ: فعل العبد، فهو الفاعل، وفعل الرب، فهو المعين الذي يخلق فيمن اصطفاه من عباده: طاقة فعل الطاعات فضلا، فلا يجبر مكلفا على طاعة، إذ الإجبار مظنة افتقار المجبِر إلى فعل المجبَر، والله، عز وجل، غني عمن سواه. وهو الذي يخلق ذات الفعل، فلا يكون في هذا العالم إلا ما أراده كونا، فصار العبد مفتقرا إلى معونته من كل جهة: من جهة وجوده فهو ممكن يفتقر إلى موجد، ومن جهة إعداد جوارحه لتقبل الطاعات، فصحة المحل شرط في التكليف، ومن جهة إمداده بالشريعة التي تملأ قلبه علما وجوارحه عملا، ومن جهة توفيقه إلى استعمال تلك الجارحة في الطاعة، فيخلق في قلبه إرادة الخير، ومن جهة خلق أفراد الطاعات، فيجري على لسانه الذكر، ويجري على جوارحه العمل، فهما فرعان ظاهران على أصل باطن، إذ صحة التصور العلمي أصل باطن لصحة القول والعمل، فمبدأ العمل الصحيح: علم صحيح، ولا يكون ذلك إلا من علم النبوة.
ذكرك: بالقلب واللسان، وأفضله ما تواطأ فيه القلب واللسان.
وشكرك: بالقلب واللسان والجوارح، فهو أعم من الذكر من جهة آلته، فيكون عطفه عليه عطف عام على خاص.
وحسن عبادتك: عطف عام أعم على عام أخص، فهو بمنزلة الجنس الأعلى لما تحته، فالعموم والخصوص درجات كما قرر أهل العلم، فيكون في الكلام ترقٍ من الأدنى إلى الأعلى، فالعبادة من جهة فعل العبد: كمال الذل مع كمال الحب، فتعم كل أحواله: ظاهرة كانت أو باطنة، فالذل: ملزوم الخوف، فلا يذل الإنسان إلا لقوي يخشى بطشه ومن أشد بطشا من الجبار عز وجل، والحب: ملزوم الرحمة، فلا يحب الإنسان إلا من يرحمه ويحسن إليه فمن أرحم بالعبد من الرحمن عز وجل؟، وفي التنزيل: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا)، فالرغبة: لازم الحب: فبه يمتثل الأمر الإلهي فعلا، والرهبة: لازم الخوف: فبه يمتثل الأمر الإلهي تركا.
والرغبة مقصودة لذاتها: إذ فعل الطاعة مراد الشارع، عز وجل، فهو غاية خلق العباد، وفي التنزيل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
والرهبة مقصودة لغيرها: إذ ترك المعصية مراد لغيره، فهو بمنزلة المكمل للطاعة، فصيانة الطاعة تقتضي الكف عن ضدها لئلا تذهب بركتها بشؤم المعصية. ولذلك كان جنس فعل الطاعة خيرا من جنس ترك المعصية، ففي فعل الطاعة فعل ما يحب الله، عز وجل، بينما ترك المعصية وإن كان أصلا في هذا الباب إلا أنه: محض كف، والفعل خير من الكف.
وبجناحي الحب والخوف يستوي القلب في رحلته إلى الرب جل وعلا، فإن أصاب العطب أحدهما اختل سيره، فمن غلب عليه الخوف فأخلاقه حرورية، ومن غلب عليه الحب فأخلاقه صوفية، ومن استوى جناحاه فأخلاقه نبوية.
والله أعلى وأعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 11 - 2008, 08:00 ص]ـ
ومن الأذكار بعد الصلاة:
اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام:
أنت السلام: حصر بتعريف الجزأين: "أنت" و "السلام"، فمعاني السلامة من العيوب والتنزه عن النقائص محصورة في ذاته القدسية وصفاته العلية، فكل ذات غير ذاته لا تنفك عن نوع نقص، ولو كان ذلك في افتقارها إلى موجد أول أزلي أخرجها من العدم إلى الوجود، وصورها في عالم الشهود لكفى به فقرا ونقصا يتنزه عنه الأول جل وعلا.
ومنك السلام: حصر بتقديم ما حقه التأخير "منك"، فهو مشعر بالتخصيص والتوكيد فوصف السلامة وصف ذات لازم له، ووصف التسليم: وصف فعل متعد لغيره، فهو السالم في ذاته المسلم لغيره، فاجتمع في الاسم معنى الفعل اللازم: سلِم، والفعل المتعدي: سلَم، بفتح اللام وتشديدها.
فتحصل للناظر في اسم "السلام" أربع دلالات:
دلالة الاسم: فاسم السلام يدل على ذات الله، عز وجل، من جهة العَلَمِيَة.
ودلالة الفعل: سلِم اللازم، وسلَم، بفتح اللام وتشديدها، المتعدي.
ودلالة وصف الذات: السلامة اللازمة.
ودلالة وصف الفعل: التسليم المتعدي: فهو سالم في ذاته مسلم لغيره.
بتصرف من "أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة"، ص255.
تباركت: ثناء بالإثبات بعد التنزيه بنفي العيوب والسلامة من النقص، وهذا نوع مقابلة بين النفي والإثبات.
يا: نداء للبعيد تعظيما للمنادى عز وجل.
ذا الجلال: صاحب الجلال، فلفظ "ذا" مشعر بنوع تملك، فلا يتصف بالجلال المطلق إلا الله، عز وجل، و "أل" في "الجلال": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فكل معاني الجلال ثابتة له جل وعلا.
والإكرام: وصف جمال بعد وصف الجلال، فبهما يثبت الكمال، و"أل" أيضا: جنسية استغراقية، فصار الدعاء مع وجازته جامعا لمعاني الكمال المطلق: جمالا وجلالا، ومعاني التنزيه: سلاما من العيب وبراءة من النقص، فهو نص بليغ موجز في توحيد الله، عز وجل، بأسمائه وصفاته: إثباتا وتنزيها.
*****
ومنها أيضا:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ:
لا إله إلا الله: كلمة التوحيد نفيا وإثباتا، ففيها حصر العبودية الحقة في الله، عز وجل، بأقوى أدوات الحصر: النفي والاستثناء.
وحده لا شريك له: إطناب في معنى انفراده جل وعلا بالألوهية، فلا شريك له في ملكه، ولا شريك له في أمره، فاستحق ألا يكون له شريك في عبادته.
له الملك: حصر بتقديم ما حقه التأخير مع ما في اللام من معاني الاستحقاق.
و "أل" في الملك: جنسية استغراقية فملكه عام مطلق، بخلاف ملك غيره فهو ملك خاص مقيد، استخلف فيه المالك البشري ليعمل فيه بأمر المالك الإلهي، وفي التنزيل: (آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ).
وله الحمد: فيه ما في: "وله الملك" من معاني الحصر والتوكيد واستغراق "أل" لجنس المحامد.
والملك مشعر بالجلال، إذ الملِك، جل وعلا، مهيمن بأمره الكوني، قاض بأمره الشرعي، ففي الملك ما يحمل العبد على الرهبة.
والحمد مشعر بالجمال، ففيه من معاني الثناء ما يحمل العبد على الرغبة.
فآل الأمر إلى ثنائية: الكمال: الجلال والجمال، ثنائية: الرهبة والرغبة.
وهو على كل شيء قدير: قدم أيضا ما حقه التأخير مع الإتيان بالاسم المتضمن صفة القدرة على صيغة المبالغة إمعانا في وصف الباري عز وجل، بالقدرة العامة على كل الممكنات.
لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ:
(يُتْبَعُ)
(/)
نفيٌ تسلط على النكرتين: "حول" و "قوة" فأفاد العموم، فلا تحول من حال إلى حال، ولا قوة يحصل بها ذلك التحول إلا بالله، فعطف القوة على الحول من باب عطف: السبب على مسبَبِه، أو عطف: العلة على معلولها، أو: المقدمة على نتيجتها، فكلاهما لا يكون إلا بالله، عز وجل، والباء للسببية، فالله، عز وجل، مسبب الأسباب، فلا يستقل السبب بالتأثير، بل كل سبب له شريك يؤيده وضد يعارضه، فالطعام سبب لقيام البدن، ولكن له شريكا يؤيده من قوى البدن التي تهضمه وتمتصه، وضدا يعارضه من آفة تعرض لتلك القوى فلا تنتفع به، والله، عز وجل، لا شريك له يظاهره، ولا ضد له يعارضه، وفي التنزيل: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)
وفي رواية: لا إله إلا الله العلي العظيم: فـ: "أل" استغراقية لصفات العلو والعظمة ذاتا وصفاتا.
له النعمة: تقديم ما حقه التأخير، وعموم "أل" الجنسية كما تقدم مرارا.
وله الفضل: عطف بذكر الجار والمجرور: "له" توكيدا للاستحقاق، والعطف من قبيل: عطف العام على الخاص، إذ نعم الله، عز وجل، من فضله، فمعنى الفضل أعم من معنى النعمة، كما يوصف الآدمي، ولله المثل الأعلى، بأنه فاضل في نفسه متفضل على غيره، والنعمة تتعلق بالتفضل على الغير، والباري، عز وجل، أحق من تفضل على خلقه بنعم: الإيجاد والإعداد والإمداد .......... إلخ من النعم التي لا تحصى، ففي كل سكنة نعمة، وفي كل حركة نعمة، وفي كل يقظة نعمة، وفي كل رقدة نعمة، وفي كل لقيمة نعمة، وفي كل شربة نعمة، ولا غنى للمخلوق الفقير عن فضل الخالق الغني، إذ كيف يستغني الفقير فقرا ذاتيا لا ينفك عنه عن الغني غنى ذاتيا لا ينفك عنه؟!!!!.
وله الثناء الحسن: إطناب في الثناء على الله، عز وجل، فالمقام مقام جمال يتفضل فيه السيد على عبده بصنوف النعم.
لا إله إلا الله: تكرار للتوكيد وقع مع كل عبارة سابقة.
مخلصين له الدين: حصر بتقديم "له"، واستغراق دلت عليه في "أل" في "الدين"، كما تقدم مرارا، فالدين فعلا: بكمال المحبة وكمال الذل، ومفعولا: بشعائر الصلاة والزكاة ............. إلخ خالص له عز وجل.
ولو كره الكافرون: احتراس، فالدين خالص له شاء الخلق أو أبوا، فليس الأمر لهم ليستأذنوا، وليس الرزق إليهم ليستطعموا، فلا يملكون ضرا ولا نفعا، ولا حياة ولا نشورا، فعلام الخوف منهم وهم عبيد مربوبون وإن جحدوا وكابروا؟!!!.
*****
ومنه أيضا:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ:
اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ: "مانع": نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، وفي الكلام إيجاز بحذف عائد الصلة في: "أعطيته".
وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت: كما تقدم في "مانع"، فـ: "معطي": نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، وفي الكلام إيجاز بحذف عائد الصلة في: "منعته".
وفي الكلام طباق بالإيجاب في كل جملة بين: المنع والإعطاء. و: مقابلة بين الجملتين: "لا مانع لما أعطيت" و "لا معطي لما منعت"، وفي ذلك من العموم ما يشمل كل أفعال العباد فهي في العطاء والمنع، في الرضا والغضب، في المحبة والبغض، لا تخرج عن إرادة الله، عز وجل، الكونية.
ولا ينفع ذا الجد منك الجد: نفي تسلط على المصدر الكامن في الفعل: "ينفع" فأفاد العموم فلا ينفع ذا الجاه والحظ منك جاهه وحظه إذ لا نسب بين العباد وربهم جل وعلا إلا الطاعة.
والله أعلى وأعلم.(/)
القصة القرآنية هل يمكن أن تكون أسلوباً بلاغياً؟؟
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 09:46 ص]ـ
.
عند دراسة سورة قرآنية (دراسةً موضوعية بلاغية)؛؛ يكون سؤالي كالتالي/
* القصة القرآنية تحت أي نوع من البلاغة يمكن أن أدرجها تحته؛؛ و هل يمكن أن تكون ضمن أنواع الخبر في علم المعاني مثلاً ...
شاكرة و مقدرة للجهود المبذولة هنا؛؛ و بانتظار إجابتكم الكريمة ...
أتمنى أن تكون الإجابة بالتفصيل لا حرمتم الأجر ..
بلغ الله الجميع رمضان و هم على أحسن حال.
....
ـ[عاشق البلاغة]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 04:15 م]ـ
عذرا أخيتي، لم أفهم ما تقصيدنه بالدقة، أنا أعلم أن حكم علماء البلاغة بالخبر و الإنشاء و الأمر .... كان على الجمل لا على الفقرات و المقاطع و النصوص، و السورة القرآنية حتى و إن اعتبرناها تعالج موضوعا رئيسا واحدا هي عدة من الجمل ففيها الخبر و الإنشاء ... هذا ما أراه و الله أعلم.
ـ[سمية ع]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 08:44 م]ـ
السلام عليكم
سؤال مهم جدا
أرجو من أساتذتنا التوضيح
شكرا لك أختي صاحبة السر
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 08:40 ص]ـ
الأخ ((عاشق البلاغة))؛؛
أنت محق في كلامك؛؛ لكن المشكلة معي و أنا أقوم بدراسة سورة من سور القرآن دراسة بلاغية؛؛؛ واجهتني عدة قصص قرآنية في هذه السورة ** برأي الجميع كيف يمكن أن أضمن هذه القصة في بحثي أو بمعنى آخر كيف سأدرسها تحت أي علم من علوم البلاغة لأني قرأت كتاب (البلاغة الواضحة لمؤلفيه الكريمين) لكن لم أخلص فيه دخول القصة تحت علم البلاغة لأنهما لم يتطرقا لها ,,
لكن أنا ما زلت مصرة على كون القصة (خبرا ً) لماذا؟؟
لأني حينما كنت أقرأ التفاسير كانت تواجهني في شرح قصة من القصص (قول المفسر) و قد أخبر الله في هذه القصة كذا و كذا ....
-- برجاء أن التمس تعاون الجميع؛؛؛ شاكرة و مقدرة ..
.
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 08:41 ص]ـ
الأخت ((سمية ع))
شكراً لك؛؛ كنت مترددة في وضع السؤال لكن الحمد لله ...
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 01:13 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ألا تعد القصة ضربا من ضروب التصوير؟
ـ[عاشق البلاغة]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 10:33 م]ـ
إلى الأخت الغالية (صاحبة السر العنيد) أولاً: دعينا نعود إلى معنى الخبر، قالوا: هو ما احتمل معنى الصدق أو الكذب. و لكن هذا الحكم كانت كل أمثلته البلاغية التوضيحية جملا لا فقرات، أما الفرات فإنها تحلل، فالقصة القرآنية فيها الأخبار و الإنشاءات.
بل دعينا نأخذ آية من قصة لا قصة كاملة، قال تعالى: "حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"
ففي هذه الآية خبر و هو أن "قالت نملة"، و في قول النملة ذاته إنشاء بنداء النمل " يا أيها النمل " وفي أمرها "ادخلو مساكنكم ".
أما عن قولك في كتب المفسرين فكنت تقرأين " أخبر الله تعالى ... " أقول هذا " أخبر" ليس من باب المعنى الاصطلاحي عند علماء البلاغة بل هو من باب المعنى اللغوي أي حكى و روى .. هذا ما أراه و الله تعالى أعلم.
عموما هناك ملاحظتان.
1 - الشكر كل الشكر الجزيل لك على هذه الأسئلة و على هذا الإبداع في التفكير، حيث طرحت موضوعا جديدا مهما لا أدعي أن جوابي هو فيصل الحق فيه.
2 - كما اشكرك على دقة ملاحظتك في كتب التفسير، فكم نحن نحتاج إلى قراءة عميقة كهذه تقف على كلمات العلماء أيضاً.
واسمحي لي بالثالثة أرجو أن لا أكون قد أطلت
سأل بما سألتِه بعض الدكاترة و المدرسن المتوسعين في ميدان البلاغة و التفسير طالبا الحق.
اللهم رب جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل، فاطر السماوات و الأرض، عالم الغيب و الشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
ـ[د. عبدالعزيز العمار]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 02:16 م]ـ
الأخت التي تسأل عن القصة القرآنية، أقول لك: أولا: القصة تعد فنا أدبيا
مستقلا بذاته، فهي قسم من أقسام الأدب، وللقصة معاييرها التي تعتمد إليها، ومن ثم يحكم لها أو عليها من خلالها. كالحبكة، والزمان، والمكان، والشخصيات، واللغة، والحدث، وغيرها. فنحن ندرس القصة في ضوء هذه المعايير.
ثانياً: من خلال دراستنا لعناصر القصة، فحين ندرس الأسلوب فإننا نتعرض لكل شيء في القصة، بما في ذلك بلاغتها، وصورها، ومفرداتها، وكل ما يتعلق فيها.
ثالثا: ليست القصة القرآنية أسلوبا بلاغيا بالمفهوم الضيق كأن نقول: إنها أسلوب خبري، أو إنشائي، فالقصة القرآنية، أوسع أفقا أن تضييق بهذا المفهوم، كما أنها لا تخضع لهذه المصطلحات، ولا يحسن بنا هذا الصنيع، بل لا يقبل كذلك.
رابعا: - وأخيرا -: القصة القرآنية خُدمت كثيرا، وكُتب حولها الكثير والكثير من الدراسات المتخصصة، ومن المؤلفين المختصين، فيحسن الرجوع إليها، والإفادة منها. دعواتي لكم بالتوفيق
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 09:16 م]ـ
الدكتورة / أم عبد الرحمن،،
حياك الله بداية،،،
و بما أنك قلت التصوير؛؛ فتحت أي علم من علوم البلاغة الثلاثة يندرج؟؟؟؟!!!
و لم أفهم مصطلح التصوير بدقة؟؟؟
بانتظارك ,,
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 09:25 م]ـ
-- ((عاشق البلاغة)):
×× فهمت ما كتبت عن الخبر و أنه جملاً لا فقرات؛؛ لكن هل يعقل أن تخرج القصة القرآنية (صياغة) و (معنى مترابطاً) عن أي علم بلاغي .... ركز على ما بين الأقواس.
×× و عن ملاحظاتك الثلاث (الباذخة) لمن هم مثلي ‘‘ أشكرك عليها.
أخيراً ما زلت محتاجة لمساعدتك بالبحث عما سألت؛؛ إن استطت و إلا فبما كتب الخير و البركة ..
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 09:30 م]ـ
الدكتور: عبدالعزيز ..
-- جميعاً نعلم أن القصة فناً أدبياً؛؛ لكن في كل كلمة قرآنية بلاغة (أين تخرج القصة منها)!
-- ملاحظتك الثانية رائعة؛؛ كنت محتاجة لمثلها سأضعها في عين الاعتبار.
-- ثالثاً: حين أردت أن أبحث للقصة القرآنية مدخلاً بلاغياً؛ لم أكن أريد بذلك تضييق الأفق؛؛ و إنما محاولة التماس و تأمل البلاغة القرآنية بما فيها القصة.
-- أخيراً: ذكرت أن َّ هناك مؤلفات بصدد ما أبحث عنه؛؛ فهلَّا تفضلت مشكوراً بذكرها أو بعضها؛؛ سأشكر سعيك ..
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 09:31 م]ـ
أشكر الجميع على التفاعل؛؛ و لا زلت أنتظر المزيد!!
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:31 ص]ـ
جزيت خيرا
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 01:09 ص]ـ
.
عند دراسة سورة قرآنية (دراسةً موضوعية بلاغية)؛؛ يكون سؤالي كالتالي/
* القصة القرآنية تحت أي نوع من البلاغة يمكن أن أدرجها تحته؛؛ و هل يمكن أن تكون ضمن أنواع الخبر في علم المعاني مثلاً ...
شاكرة و مقدرة للجهود المبذولة هنا؛؛ و بانتظار إجابتكم الكريمة ...
أتمنى أن تكون الإجابة بالتفصيل لا حرمتم الأجر ..
بلغ الله الجميع رمضان و هم على أحسن حال.
....
فهمت من سؤالك: أن القصة جزء من السورة مدار الدراسة والبحث.
أقترح إفراد القصة بفصل أو مبحث مستقل يكون عنوانه: التصوير من خلال القصص، عندها يتم تناول آيات القصة تناولاً بلاغيًا شاملاً للعلوم البلاغية الثلاثة، ويعقد في آخره دراسة أسلوبية شاملة للقصة تبرز سمات وخصائص القصة القرآنية من خلال النموذج موضع الدراسة.
وفي رأيي هذه الطريقة أجدى في إبراز إعجاز القرآن - من خلال القصص - من تفكيك القصة، وتوزيع آياتها على فنون البلاغة.
ودونك بعض المراجع في القصة القرآنية:
- الإعجاز اللغوي في القصة القرآنية. د. محمود السيد حسن.
- خصائص القصة الإسلامية (فيها حديث عن القصة القرآنية) د. مأمون.
- البيان القصصي في القرآن. د. إبراهيم عوضين.
- القصص القرآني في منطوقه ومفهومه. د. عبدالكريم الخطيب.
- القصص القرآني من العالم المنظور وغير المنظور. د. عبدالكريم الخطيب.
- الوحدة الفنية في القصة القرآنية. د. محمد الدالي.
- في التذوق الجمالي لسورة الكهف. د. محمد علي أبو حمدة.
- الوحدة الموضوعية في سورة يوسف عليه السلام. د. حسن محمد باجودة.
- دراسة نصية أدبية في القصة القرآنية. د. سليمان الطراونة.
- الرؤية في القصة القرآنية. د. علي الحمود.
بالإضافة إلى كتب إعجاز القرآن؛ فقد تناولت القصة القرآنية بالحديث.
دعواتي لك بالتوفيق أخيتي.
ـ[صاحبة السر العنيد]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 03:55 م]ـ
المشرفة الفاضلة (ندى الرميح)
لله در عطائك!!
أشكرك من الأعماق على اقتراحك - الذي سيطبق بإذن المولى جلَّ في علاه -.
شاكرة أيضاً كرمك بإدراج أسماء الكتب التي احتاجها بشدة ..
لا حرمك المولى جهدك و سعيك؛؛ جعله في موازين حسناتك يوم نلقاه.
ـ[رياض بن يوسف]ــــــــ[03 - 10 - 2008, 06:29 م]ـ
الفاضلة صاحبة السر العنيد
السلام عليك و رحمة الله
البلاغة العربية بعلومها الثلاثة لا تصلح منهجا لدراسة القصة عامة و القصة القرآنية خاصة لأن مباحثها لا تتعلق بمكونات القصة "الحدث، الشخصيات، الزمان، المكان" بل بألوان من البديع كالجناس و الطباق، و البيان كالاستعارة و الكناية، و الأساليب كالخبر و الانشاء و القصر و الفصل و الوصل ... الخ و هذه المسائل لا تخص جنسا أدبيا بعينه بل هي تشمل كل الأنواع الأدبية شعرية كانت ام نثرية.
ربما كانت السرديات أو علم السرد narratologie ( بالفرنسية) أنسب لهذا الموضوع، و لكن هذا المنهج صعب يتطلب الماما ببعض المفاهيم "السردية"كزمن القصة و زمن السرد، و التواتر الزمني و الصيغة و الفضاء الحكائي، و النموذج الوظائفي الذي تطور عند غرايماس إلى النموذج العاملي ... الخ .. الخ. وهاك بعض المراجع:
مورفولوجيا القصة-فلاديمير بروب و هذا رابط تحميلها:
http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=007344.pdf
بلاغة السرد القصصي في القرآن الكريم (رسالة دكتوراه) و هذا رابط تحميلها:
http://www.4shared.com/file/45786865/a7b5853c/_____.html?s=1
نظريات السرد الحديثة و رابط التحميل: http://www.4shared.com/file/51730429/a92bbf37/___online.html?s=1
بنية النص السردي للناقد المغربي حميد لحمداني و هذا رابط تحميله من مكتبة المصطفى:
http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=006822.pdf
أما مفهوم التصوير الفني في القرآن فهو مذهب سيد قطب رحمه الله الذي انفرد به في مقاربة القصة القرآنية حيث كان يدرس القرآن بمزاج الأديب لا عالم الدين و كانت النتيجة هي كتابه المعروف"التصوير الفني في القرآن" و إليك رابط تحميله: http://www.4shared.com/file/63563340/d6f21cf/__-____.html?s=1
و إليك أيضا في هذا الباب أطروحة جامعية من الجزائر (جامعة تلمسان):
الصورة الفنية في القصة القرآنية:
http://www.4shared.com/file/45098060/19764e30/____.html?s=1
أرجو ان اكون قد أفدتك.
مودتي الأخوية.(/)
هل؟
ـ[طالب الحق]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 02:36 م]ـ
السلام عليكم
إخوتي الأعضاء لديّ سؤال
هل المحكوم عليه هو نفسه المسند إليه؟
وهل المحكوم به هو نفسه المسند؟
وهذان مثالان حتى يتم تطبيق عليه في الإجابة:
الصدق منجاة.
ليس الصدق منجاة.
فأين المحكوم عليه والمسند إليه؟
وأين المحكوم به والمسند؟
وجزاكم الله خيرا.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 06:53 ص]ـ
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته:
نعم
المحكوم عليه هو نفسه المسند إليه
المحكوم به هو نفسه المسند.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:35 ص]ـ
بوركتم(/)
من قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 02:44 م]ـ
من قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
فهي آية فيها من الأحكام واللطائف البلاغية ما فيها:
فتقديم لفظ الجلالة: الاسم الكريم: "الله"، مقرونا بلام الاستحقاق مشعر بقصر تلك الأسماء على الله عز وجل.
وتعريف الأسماء بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية مشعر باختصاص الله، عز وجل، بكل اسم كريم، سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالباب غيبي توقيفي، لا دخل للعقل فيه إلا الاتباع والتسليم، إذ كيف تدرك العقول كنه صفة الرب، جلا وعلا، فله من الكمال أعلاه، فلا يشركه فيه سواه.
و "الحسنى": صيغة تفضيل محلاة بـ: "أل" فهي مظنة التخصيص، فله وحده الأسماء الحسنى، التي بلغت غاية الحسن، إذ التفضيل مظنة العهد، فـ: "أل" في هذا السياق: عهدية تشير إلى أسماء بعينها اختص بها مسمى بعينه فلا يشركه في كمالها أحد، كما قرر البلاغيون، فصار اختصاص الرب، جل وعلا، بتلك الأسماء الحسنى مؤكدا من ثلاثة أوجه:
القصر بتقديم: "لله"، ودخول لام الاستحقاق على لفظ الجلالة، والعهد الذي تشير إليه "أل" في "الحسنى".
ولا يتم الكمال في الاسم إلا بتمام التأله بما تضمنه من وصف، فهو: علم على الذات القدسية، وصف كمال لها. فالعليم: علم على ذات الرب، جل وعلا، المتصفة بكمال العلم، فيعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون، وعلى هذا فقس في سائر أسماء الرب، تبارك وتعالى، فأثبت الاسم ابتداء، ولا تعطله عن نعت الكمال انتهاء.
وأسماء الرب، جل وعلا، قد تضمنت من نعوت الكمال:
نعوت الجمال في نحو: الرحمن، والرحيم، والحميد، والغفور، والودود.
ونعوت الجلال في نحو: الجبار، والمتكبر، والقهار.
فله، عز وجل، الكمال المطلق: جلالا وجمالا، فهو: الحميد جمالا، المجيد جلالا، ولكل اسم عبودية:
فعبودية أسماء الجمال: الرجاء، فالكريم يرجى عطاؤه.
وعبودية أسماء الجلال: الخشية، فالجبار يخشى عذابه.
وفي التنزيل: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا)، فالرغب: لازم الرجاء، والرهب لازم الخشية.
وفي الحديث: (ونرجو رحمتك ونخشى عذابك).
والرجاء مقصود لذاته فهو باعث على فعل المأمور، والخشية مقصودة لغيرها فهي باعثة على ترك المحظور، فالرجاء أشرف من الخشية، لأن الفعل أشرف من الترك، ولا غنى للعبد عن كليهما فهو ما بين رجاء وحسن ظن بالله، عز وجل، وخشية وخوف من مكره جل وعلا.
اللهم أبلغنا المأمن بسكنى الجنان والنجاة من النيران.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:21 ص]ـ
جزيت خيرا على ماقدمت(/)
دروس في مادة البلاغة
ـ[مروان الأدب]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 08:50 م]ـ
http://www.zshare.net/download/17624453f1ac1964/
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:24 ص]ـ
جزيت خيرا
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 06:33 ص]ـ
بارك الله فيك.
ـ[مروان الأدب]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 04:15 م]ـ
لا شكر على واجب
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[01 - 09 - 2008, 11:13 م]ـ
جزيت خيرا ..(/)
سرالعدول عن صيغة الماض إلى المضارع في سورة التوبة آية (54)
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 07:56 ص]ـ
قال تعالى (ومامنعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) التوبة (54)
ففي الآية الكريمة عدول عن صيغة الماضي (كفروا) إلى صيغة المضارع (يأتون) و (ينفقون).
وفي تصوري ـ والله أعلم ـ أن هذا التنويع يفرق بين عقيدة الكفر التي استقرت ورسخت في نفوس هذه الفئة (ومن ثم أوثرت صيغة الفعل الماضي) والصلاة والإنفاق اللذين هما حدثان يتجددان وتبدو أماراتهما أمام أنظار المسلمين (ومن ثم أوثرت لها صيغة المضارع الدالة على التجدد والحدوث).
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 01:48 م]ـ
قال تعالى (ومامنعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) التوبة (54)
ففي الآية الكريمة عدول عن صيغة الماضي (كفروا) إلى صيغة المضارع (يأتون) و (ينفقون).
وفي تصوري ـ والله أعلم ـ أن هذا التنويع يفرق بين عقيدة الكفر التي استقرت ورسخت في نفوس هذه الفئة (ومن ثم أوثرت صيغة الفعل الماضي) والصلاة والإنفاق اللذين هما حدثان يتجددان وتبدو أماراتهما أمام أنظار المسلمين (ومن ثم أوثرت لها صيغة المضارع الدالة على التجدد والحدوث).
جزاكم الله خيرا ووفقكم وسددكم
هذا التفسير مبني على أن الجملتين (لا يأتون) و (لا ينقفون) معطوفتان على جملة (كفروا) أي: ما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله وأنهم لا يأتون الصلاة إلا كسالى وأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون. ولا إشكال في إضافة هذين السببين إلى الكفر لأن ذلك توكيد لكفرهم.
ويجوز أن تكون الجملتان معطوفتين على الجمل السابقة التي تحدثت عن المنافقين، فعبر بالمضارع الذي قد يأتي للدلالة على الديمومة، أي هذا شأنهم دائما في الماضي والحاضر والمستقبل، أي: هاتان خصلتان ثابتتان فيهم.
ويعبر بالمضارع كثيرا عن الحدث الذي حدوثه دائم، كقولنا مثلا: الأرض تدور حول الشمس.
ولذلك عبر بالمضارع بعد أن قال الله تبارك وتعالى لرسوله: عفا الله عنك لم أذنت لهم .. فقال تعالى بعد ذلك: لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر .... إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ..
أي: هذا شأن المؤمنين وهذا شأن المنافقين في كل زمان.
هذا والله أعلم.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:36 ص]ـ
بوركتم
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[01 - 09 - 2008, 12:39 م]ـ
د. الأغر ....
جزاك الله خير الجزاء ونفع بعلمك
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[01 - 09 - 2008, 12:40 م]ـ
الأخت /مبحرة في علم لا ينتهي
شكرا لمرورك.
ـ[عبدالله صالح]ــــــــ[03 - 09 - 2008, 03:19 م]ـ
جزاك الله خيرا وبارك فيك
ـ[العباس]ــــــــ[03 - 09 - 2008, 10:39 م]ـ
بارك الله فيك وزاد من أمثالك، ومزيداً من علمك د. الأغر(/)
الإفراد والجمع
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 08:17 ص]ـ
يقول تبارك وتعالى (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين) البقرة (8)
حيث جاء ضمير "يقول"مفرداً، ثم عدل القرآن إلى ضمير الجمع في قوله"آمنا"وكان مقتضى السياق أن يقال"آمنت "قياساً بماقبلها، فما سر هذا العدول؟
لقد ذكر المفسرون أن وجه العدول عن الافراد إلى الجمع هو الحمل على معنى "من"وذلك لأنها تأتي مفردة كقوله تعالى (ومنهم من يستمع إليك) محمد (16)،وتأتي مجموعة كقوله تعالى (ومنهم من يستمعون إليك) يونس (42).
فمجيء ضمير "يقول"مفرداً مراعاة للفظ"من"،ومجيء الضمير مجموعاً في قوله (آمنا بالله وباليوم الآخر) ومابعده مراعاة للمعنى
؛إذ إن معناها فريق وجماعة بقرينة قوله تعالى (وماهم بمؤمنين) وما بعده من صيغ الجمع (1).
وذكر البقاعي أن إفراد ضمير "يقول"لقلة من يسمح من المنافقين بهذا القول، وفي هذا دلالة على غلظتهم وفسادهم وقوتهم (2).
وفي تصوري ـ والله أعلم ـ أن هذا التفسير غير كافٍ في بيان هذه النكتة، والذي يمكن أن يقال إن سر إفراد الضمير ثم جمعه هو إبراز الفارق بين حال قولهم "آمنا "وحال الحكم بعدم إيمانهم، فالقول هو ممارسة فردية يزاولها كل فرد من هؤلاء على حدة، حيث لا يتصور اجتماعهم معا كي يقولوا"آمنا " (وهذا سر الإفراد)،أما الحكم بعدم إيمانهم فهو حكم ينطبق عليهم جميعا في آن واحد (وهذا سر الجمع).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: البرهان في علوم القرآن:3/ 382،تفسير أبي السعود:1/ 48،روح المعاني للألوسي:1/ 146،التحرير والتنوير:1/ 262.
(2) انظر: نظم الدرر:1/ 40.
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 09:29 ص]ـ
مسلك دقيق في الاستنباط!!!!
جزاك الله خيرا.
وقالوا مثل ذلك في: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) فعلى ما تفضلت به: هل يقال الإسلام والإحسان أمران يختصان بالمكلف، والأجر عليهما خاص به، بخلاف الحكم بالأمن وعدم الحزن، فهو عام بقرينة نحو قوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، فصيغة الموصول "الذين": صيغة عموم؟.
أرجو الإفادة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 10:39 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على هذا البيان يا أم عبد الرحمن
أختي الكريمة تفسيركم يتناول الإفراد في (يقول) والجمع في (وما هم بمؤمنين) ولكنه لا يفسر سر الجمع في (آمنا) ولماذا لم يقل: ومن الناس من يقول آمنت؟
لذلك أرى أن الإفراد في (يقول) هو كما ذكرت للإشارة إلى أن كل فرد منهم يقول ذلك القول، أما الجمع في (آمنا) فهو للإشارة إلى أن كل فرد منهم يتكلم باسم جماعته، فكل واحد منهم يقول: آمنا، ولا يقول: آمنت، وذلك للإشعار بأنهم ينتمون إلى جماعة تربطهم رابطة واحدة وهي رابطة النفاق، ولو أفرد الضمير فقيل: يقول آمنت، لما عرف أنهم جماعة واحدة، ولفهم أنهم مجموعة أفراد متفرقين لا تربطهم رابطة تجمعهم وتوحدهم، ولذلك لما أريد الإشارة إلى الأفراد الذين لا تربطهم رابطة توحدهم، وإنما هم أفراد متفرقون كل واحد منهم يدعو إلى الضلال أفرد الضمير في كل ما يعود إلى كل واحد منهم، وذلك في قوله تعالى في سورة البقرة:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ.
هذا والله أعلم.
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 11:39 ص]ـ
أخي الأغر أنار الله دربك على هذه اللفتة البلاغية.
ولي عودة أخرى للرد على استفسار أخينا مهاجر.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:25 ص]ـ
جزيتم خيرا(/)
هل من أحدٍ يُجيبُني
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 11:52 م]ـ
سلامُ الله عليكُم ورحمته وبركاته
القرآن مُعجز لا محالة في ذلك، والمتشابه فيه له بلاغته التي يضيق المقام على الحديث عنها تفصيلاً والكلام فيها وارد إن شاء الله في حينه ... والوصل والفصل في ألفاظ المتشابه من القرآن له مايُبرره، ويسعى العُلماء والباحثون بالخوض في أغواره إلى اكتشاف المقصد منه، فيُضيف إلى القارئ جديداً يُثري علمَه وفهمَه فيُسَرُّ به، ويُيَسِّرُ له التبصُرَ بجنباتٍ خفيت عنه ...
وأطرحُ اليوم مسألة أدعو فيها أهلَ الحصافة واللغة لإبانتها وتفصيلها ما أمكنهم ذلك ..
في سورة الرعد
وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ 40أتت .... وإن ما .... منفصلة
وفي سورة غافر
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ
أتت فإمَّا ..... متصلة
فما السبب البلاغي في ذلك؟؟؟؟؟
ـ[ضاد]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 12:34 ص]ـ
تلاوةً اللفظتان لا تختلفان بسبب أن النون في الآية الأولى مدغمة في الميم إدغاما بغنة. أما رسما فللقرآن رسمه الخاص الذي اجتمع عليه الصحابة والتابعون من بعدهم. ولذلك فهو يختلف عن رسم العربية الموحدة, وهناك غير هذه من الانفرادات القرآنية في الرسم مثل "رحمة" و"رحمت". والله أعلم.
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 09:56 م]ـ
تلاوةً اللفظتان لا تختلفان بسبب أن النون في الآية الأولى مدغمة في الميم إدغاما بغنة. أما رسما فللقرآن رسمه الخاص الذي اجتمع عليه الصحابة والتابعون من بعدهم. ولذلك فهو يختلف عن رسم العربية الموحدة, وهناك غير هذه من الانفرادات القرآنية في الرسم مثل "رحمة" و"رحمت". والله أعلم.
جزاكَ الله خيراً
ولكن الأمر ليس كما ذكرتَ
فما من حرف ولاتقديم ولا تأخير ولا وصل ولا فصل إلا من ورائه حِكمة بلاغية أرادها الحكيمُ الخبيرُ والجوابُ عندي غيرَ أنِّى أردت بسؤالي تنشيطاً لحركة البحث والتنقيب حتى لانرى فهماً في قرآننا يغيب ..
وها أنذا أنتظر المزيد من أهل الفصاحة فيُفيد ويستفيد
والله المستعان وعليه التكلان
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 04:01 ص]ـ
صدقت،
ما من حرف في كتاب الله إلا وله معنى،
أنتظر إجابتك بفارغ الصبر.
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 05:25 م]ـ
صدقت،
ما من حرف في كتاب الله إلا وله معنى،
أنتظر إجابتك بفارغ الصبر.
أخي الكريم المِفضال
بارك الله فيك، أستميحُكَ عُذراً أن تطيل أمَدَ صبرك
حتى لا نقطع على أهلينا ساكني المنتدى إبداء آرائهم
فتنشط بذلك القرائح مابين غادٍ ورائح، وسوف تسعد
كثيراً بالجواب لأنه في الحقيقة عينُ الصواب، فانتظر
فليس في انتظارك خُسران بل فيه نوال أعلى الجنان،
ففي ترقبِكَ ذِكر ونجاة في الآخرة وفي دنيا الحياة
ـ[رسالة]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 03:07 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير الجزاء يا " مفكرة الإسلام " على إتاحة الفرصة لنا للتفكير، والحقيقة قمت بالبحث منذ قرأت المشاركة، وأرجو أن يكون ماتوصلت إليه صوابا ومعينا لي على المضي في طلب المزيد، كما أرجو التوجيه فأنا مبتدئة في هذا العلم الجليل.
المسألة:
يقول تعالى في سورة الرعد آية 40: " وإن مّا نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب".
وفي موضع آخر يقول تعالى في سورة غافر آية 77: " فاصبر إنّ وعد الله حق ّ فإمّا نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإلينا يرجعون".
الحل:
في الآيتين الكريمتين هناك المعطيات التالية: وعد من الله لرسوله في أعدائه – وعقوبة لأعداء الله ورسوله – ورؤية لمصير الكفار - حال حياة الرسول – حال وفاة الرسول.
في سورة الرعد جاءت (إن ما) في صورة المنفصل، لبيان تأخر حصول العقوبة للكفار لما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أعدائه.
في سورة غافر جاءت (إمّا) في صورة المتصل، لبيان تحقق وقرب حصول رؤية عقوبة الكفار من الرسول في حياته.
فدل المتصل على القرب والمنفصل على البعد.
والله تعالى أعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
طلب: نرجو المزيد من المسائل المتعلقة بالأسرار البلاغية في باب المنفصل والمتصل إن أمكن ذلك.
-------------------
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[30 - 08 - 2008, 12:28 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير الجزاء يا " مفكرة الإسلام " على إتاحة الفرصة لنا للتفكير، والحقيقة قمت بالبحث منذ قرأت المشاركة، وأرجو أن يكون ماتوصلت إليه صوابا ومعينا لي على المضي في طلب المزيد، كما أرجو التوجيه فأنا مبتدئة في هذا العلم الجليل.
المسألة:
يقول تعالى في سورة الرعد آية 40: " وإن مّا نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب".
وفي موضع آخر يقول تعالى في سورة غافر آية 77: " فاصبر إنّ وعد الله حق ّ فإمّا نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإلينا يرجعون".
الحل:
في الآيتين الكريمتين هناك المعطيات التالية: وعد من الله لرسوله في أعدائه – وعقوبة لأعداء الله ورسوله – ورؤية لمصير الكفار - حال حياة الرسول – حال وفاة الرسول.
في سورة الرعد جاءت (إن ما) في صورة المنفصل، لبيان تأخر حصول العقوبة للكفار لما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أعدائه.
في سورة غافر جاءت (إمّا) في صورة المتصل، لبيان تحقق وقرب حصول رؤية عقوبة الكفار من الرسول في حياته.
فدل المتصل على القرب والمنفصل على البعد.
والله تعالى أعلم.
طلب: نرجو المزيد من المسائل المتعلقة بالأسرار البلاغية في باب المنفصل والمتصل إن أمكن ذلك.
-------------------
والله لقد أحسنتِ القولَ ووجهة نظرٍ نُجلُّها ونحترمُها وهي في الواقع لها وجاهتها
وقيمتُها ومن الجهل والحماقة نُكرانُها ... وهي تمسُ الجواب من بعيد وحينما نطرح الجوابَ سوف ترين إمكانية المزج بين ماتفضلتِ به وبين ماهو في صميم الإجابة ... فجزاكِ الله الخيرَ كله على ما استعنتِ به في تفاعُلٍ طيبٍ
لاشكَّ أنَّكَ مأجورةٌ عليه من رب العباد .. وليس هذا من عندي ولكن هو قول نبيِّنا عليه الصلاة والسلام ..
من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف
الراوي: عبدالله بن مسعود - خلاصة الدرجة: على شرط مسلم - المحدث: الألباني - المصدر: أصل صفة الصلاة - الصفحة أو الرقم: 1/ 368
ملحوظة:
كُنيتي (فكر الإسلام) وليس مفكرة الإسلام
ـ[رسالة]ــــــــ[30 - 08 - 2008, 03:54 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عذرا أخي "فكر الإسلام" في تحريف كنيتك سهوا في المشاركة السابقة.
أرجو هذه المرة أن يكون استنتاجي يصب في لب السؤال، وقبله أن يكون ما استنتجته في الآيتين صحيحا. لأنني لست ضليعة في القواعد النحوية، لذا قد أشكل في تحديد التعلق اللفظي وبالتالي في تحديد نوع الوقف، ولكني متحمسة للمحاولة والتعلم مادمت في حضرة أساتذة فضلاء. وانتظر التوجيه.
يقول الإمام الجزري في منظومته الجزرية:
وبعد تجويدك للحروف ... لا بد من معرفة الوقوف
والابتداء وهي تقسم إذن ... ثلاثة تام وكاف وحسن
وهي لما تم فإن لم يوجد ... تعلق أو كان معنى فابتدي
فالتام فالكافي ولفظا فامنعن ... إلا رؤوس الآي جوّز فالحسن
وغير ما تم قبيح وله ... يوقف مضطرا ويبدأ قبله.
قال تعالى في سورة الرعد: "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب (39) وإن مّا نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب" (40).
في سورة الرعد جاء لفظ "وإن ما " مقطوعا – لبيان حكم الوقف التام على رأس الآية التي قبله. حيث أن الآية التي قبله فيها ما يدل على الرحمة في كونه تعالى يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. فمن رحمته علينا التغير والتبديل يكون في أعمالنا اليومية التي تكتبها الملائكة ويجعل الله لثبوتها اسبابا ولمحوها أسبابا لا تتعدى ما رسم في اللوح المحفوظ. بينما في الآية التي بعدها بيان لعذاب متوعد للكفار. فبذلك لزم الفصل.
ويقول تعالى في سورة غافر آية 77: " فاصبر إنّ وعد الله حق ّ، فإمّا نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإلينا يرجعون"
حيث جاء لفظ "فإمّا " موصولا – لبيان أن الوقف على ماقبله كافي؛ لتعلق ما قبله بما بعده معنى. فلزم الوصل.
الدليل من السنة المطهرة على الوقف التام:"
(يُتْبَعُ)
(/)
والأصل في هذا الوقف ما ذكره الحافظ الجزري في كتابه التمهيد في علم التجويد بسنده المتصل إلى عبدالرحمن بن أبي بكرة قال: " أي ابن أبي بكرة " إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف كل شاف كاف ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة أو آية رحمة بآية عذاب. وفي رواية أخرى مالم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب بمغفرة."
قال أبو عمرو هذا تعليم الوقف التام من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام إذ ظاهر ذلك أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة أو الثواب وتفصل ممّا بعدها إذا كان ذكر العقاب. وكذلك ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها النار أو العقاب وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر الجنة والثواب " - هداية القاري إلى تجويد كلام الباري –ص
372
الدليل من السنة المطهرة على الوقف الكافي:
عن الحافظ ابن الجزري في كتابه التمهيد في علم التجويد بسنده المتصل إلى ابي عمرو الداني وبسند الداني إلى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ علي فقلت له اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إنّي أحب أن أسمعه من غيري. قال: فافتتحت سورة النساء فلما بلغت " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " قال: فرأيته وعيناه تذرفان دموعا فقال لي: حسبك " قال الداني: فهذا دليل جواز القطع على الوقف الكافي لأنّ شهيدا ليس من التام وهو متعلق بما بعده معنى لأن المعنى فكيف يكون حالهم إذا كان يومئذ يود الذين كفروا فما بعده متعلق بما قبله والتمام "حديثا"لأنّه انقضاء القصة وهو آخر ا] ة الثانية. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه دونه مع تقارب ما بينهما فدل ذلك دلالة واضحة على جواز القطع على الكافي."- المصدر السابق –ص373
والله تعالى أعلم
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[30 - 08 - 2008, 10:39 م]ـ
وعليكُم السلام ورحمة الله وبركاته
لم يكُن الخلل الذي اعتري كُنيتي تحريفاً من جانبك فالفارق كبير بين التحريف والخلل فالتحريف يكون عن عمدٍ أمَّا الخلل فقد يكون سببه سُرعة النقل أو الإهتمام بالموضوع أكثر من الكُنية أو غير ذلك .. الأخير هو ماحدث والله أعلم
لاشكَّ في أنَّ جُهدَكَ هذا لايرقى إليه إلا الباحث عن الحقيقة الراغب في العلم مهما كلفه هذا في أسباب الإستعانة بقصد الوصول والإبانة، وكلامُكِ مرجع طيب ولا يستطيع عاقل إلا أن يحمَدَ الله تعالي إليك عليه ويُقدِّمَ لكِ الثناء الحسن
وهو تقدمة للجواب حتى يستوعب القارئ المسألة كاملة، وقد حملتِ عنِّي كثيراً كُنتُ سأطرحُه، فلكِ عظيمُ الأجر .. فهو عينُ الجواب
وخلوصاً من تكرار بعض ماتقدَّم من قلمكِ الطيب أصل معكِ إلى النتيجة الشافية وأقول لكِ وللسادة روَّاد المنتدى وساكنيه ...
أتي الفصلُ في آية الرعد فصار اللفظ في هيئته على قسمين ..... وإن ما
ليكون الرَّدُّ في الآية أيضاً ... على أمرين
أولُهُما: فإنَّما عليكَ البلاغ
ثانيهما: وعلينا الحِساب
أمَّا في سورة غافر
جاء اللفظ على هيئة كلمة واحدة موصولة ... فإنَّما
ليكون الرَّدُّ أيضاً على أمر واحد وهو
فإلينا يُرجعون
ومرَّة ثانية جزاكِ الله الخيرَ كلَّه
والله أعلى و أعلم(/)
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ... الآية
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 08:08 ص]ـ
(لقوا - خلوا) إن هذين اللفظين يشتركان في معنىً عام يحمل معنى الاجتماع والمقابلة فلم آثر البيان القرآني كلاً منهما في موضعه، خاصة وأنهما قد تكررا في ثلاثة مواضع من كتاب الله تعالى؟ وذلك في قوله تعالى: {إِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} البقرة (14).
وقوله تعالى {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} البقرة (76).
وقوله تعالى {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} آل عمران (119).
لا شك أن ألفاظ القرآن لها معانيها الخاصة بها، فلم يؤثر القرآن لفظ " لقى" في جانب المؤمنين، ولفظ "خلا" في جانب الكفار إلا ليكشف جانباً من جوانب تلك الفئة المتذبذبة بين الإيمان والكفر، وحتى تظهر تلك المزية نعود لمعنى اللفظين لمعرفة الخصوصية الدلالية التي يتفرد بها كل منهما عن الآخر.
فاللقاء [نقيض الحجاب، يقال لقيته ولاقيته إذا استقبلته قريباً منه، واللقاء المصادفة يقال: لقيته ولاقيته أي: صادفته واستقبلته، واللقاء اجتماع بإقبال، والملاقاة: أصلها أن تكون من قُدَّام ألا ترى أنه لا يقال لقيته من خلفه].
والخلوة [من خلا المكان والشيء يخلو خلوةً وخلاءً، وأخلى: إذا لم يكن فيه أحد ولا شيء فيه وهو خالٍ، ومكان خلاء لا أحد به ولا شيء فيه، وأخلى المكان: جعله خالياً، وأخلى: وقع في موضع خالٍ لا يزاحم فيه، وخلت الدار خلاءً إذا لم يبق فيها أحد، وخلالك الشيء وأخلى بمعنى فرغ، وأخلى إذا انفرد، وخلوةً: اجتمع معه في خلوة، والخلاء: الفضاء الواسع الخالي من الأرض، وخلا إليه: انتهى إليه في خلوة، وخلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه، ويأتي بمعنى مضى]. .
وفي ضوء ما تقدم نرى أن اللقاء اجتماع أمام الملأ، وهذا الاجتماع يأتي مصادفة وبدون سابق موعد وجهاً لوجه، أما الخلوة فهي اتفاق على الاجتماع بمنأى عن الناس، وفيه شيء من الإسرار بموعد ذلك الاجتماع ومكانه.
وبناء على ذلك فاختيار القرآن للفعل "لقي" للدلالة على اجتماع المنافقين بالمؤمنين قد حقق أمرا انكشف به ستار المنافقين الذي يتخفون وراءه، فظهر حقدهم وكراهيتهم وكذبهم على المؤمنين وهو: أن لقاءهم المؤمنين لا يكون إلا مصادفة ولمحات قليلة، فلم يكونوا يحرصون على تحديد موعد لملاقاتهم ما داموا يتحرجون من هذه المواجهة، ولو حصلت هذه الملاقاة فإنها تكون قَسْراً تعزيزاً لوجودهم بين المؤمنين من أجل مصالحهم، وقد تحقق هذا المعنى من دلالة الفعل "لقي" اللازم والذي يعني المصادفة فإذا صادفوهم توقفوا وأعلنوا ذلك الإيمان بدون مقدمات له إيهاماً لهم، وكان عليهم ألا يعلنوها للمؤمنين ماداموا منهم ولكنها نفوسهم المريضة.
كما أن اختيار القرآن للفظة "خلا" في الدلالة على ملاقاة الكفار قد حقق عدة أمور انكشف بها ستار المنافقين الذي يتخفون وراءه، فظهر حبهم وموالاتهم لإخوانهم وحلفائهم من اليهود والكفار، وهذه الأمور هي:
1 - أنهم يحرصون على الإنفراد التام بحلفائهم بعيداً عن أنظار المؤمنين في ترقب وحذر؛ لأن المؤمنين لا يعلمون بحقيقتهم، ولو علموا لقاتلوهم ولتوقف وجودهم ومصالحهم بين المؤمنين.
2 - أن حرصهم على هذه الخلوة بعيداً عن المؤمنين يعكس ميلهم النفسي إلى حلفائهم، فهم يخلون بهم مائلين بقلوبهم إلى طريقتهم، يسرون إليهم بالمودة والمحبة والمؤازرة وقد تحقق ذلك من دلالة الفعل خلا المتعدي بإلى.
3 - إذا كانت هذه الخلوة عن طواعية ورغبة فلا شك أنهم يحرصون على تحديد مكان الاجتماع وزمانه، فلا يجتمعون بهم فجأة كما في جانب المؤمنين ومع ذلك يجددون عقد الولاء والطاعة لحلفائهم في لقائهم بهم خوفاً من أن يكون قد دبَّ في نفوس حلفائهم أدنى شك في خيانتهم لهم، جاعلين استهزاءهم بالمؤمنين أقوى علاج لإزالة ذلك الشك. (1)
لقد كشف هذان اللفظان جانباً من الصراع النفسي الذي تمر به نفوس المنافقين، يتخبطون في دياجير الحيرة والتردد، فصدق قول الله تعالى فيهم: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} النساء (143).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
(1) انظر: الفروق اللغوية، المفردات في غريب القرآن، لسان العرب، نظم الدرر للبقاعي:1/ 46،التحرير والتنوير: 1/ 291،تفسير الكشاف: 1/ 184، روح المعاني: 1/ 158 و 159،ظاهرة النفاق وخبائث المنافقين في التاريخ: 1/ 170
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[رسالة]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 05:57 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا يا د. أم عبدالحمن على هذا التوضيح، أيضا اختي في نفس هذه الآية، ما يؤكد ما تفضلت به من تذبذب المنافقين في إيمانهم، وثبات مايضمرونه من كفر. وذلك بالتعبير بالجملة الفعلية في: (قالوا آمنّا) عندما يلتقون بالمؤمنين للدلالة على تغير حالهم حيث أنّ إيمانهم يظهر فقط حينما يلتقون بالمؤمنين، بينما عبر بالجملة الأسمية وما في دلالتها من الثبوت والاستمرار حينما يلتقون بشياطينهم في قوله تعالى على لسانهم: (قالوا إنّا معكم)) للدلالة على أن الكفر هو ما ثبت في قلوبهم، كما أن الشدة في (إنّا) أعطت تأكيدا أخر لفعلهم.
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 09:43 م]ـ
سلام الله عليكُم ورحمته وبركاته
وبعدُ
فبارك الله لكُم وفيكُم وبكُم وعليكُم وفي كل ماامتدت إليه إيديكُم وفي ذراريكُم
فإضافةً إلى ماتمَّ طرحُه أحببتُ أن أدلي بدلوى عسى أن تكون فيه إفادة وإن كُنتُ أراني لستُ من أهل الإجادة ...
خلوتُ بفلان تختلف كليَّة عن خلوتُ إلى فلان
فالأولى (خلوتُ بفلان) تعني أنه سعى إليَّ وأتاني فخلوتُ به منفرداً
وأمَّا الثانية (خلوتُ إلى فلان) تعني أنني أنا الذي سعيت إليه وأتيتُه في خلوة بيني وبينه وهذا دأبُ المنافقين، بسعيهم إلى إلى الشياطين استرضاءاً لهم وإثباتاً لمعيتهم وإخلاصهم وتأييدهم على الباطل الذي هم فيه لهم طالبين استمرار معونتهم وضمان عدم تخليهم عنهم ...
واختُلفَ في بيان المُراد بالشياطين، هل هو الوصف على الحقيقة أم على المجاز، فمن قائل أنهم بالفعل شياطين الجن، وآخرون قالوا أنهم على المجاز بل وسموهم بأسمائهم صراحة، فكانوا خمسة كقول ابن عبَّاس رضى الله عنه وهم: كعب بن الأشرف من اليهود، وأبو بُردة من بني أسلم، وعبد الدار في جُهينة، وعوف بن عامر في بني أسد، وعبد الله السوداء في الشام ...
والله أعلى وأعلم
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:37 ص]ـ
جزيتم خيرا
ـ[د/أم عبدالرحمن]ــــــــ[01 - 09 - 2008, 12:38 م]ـ
الأخوة (رسالة - فكر الإسلام - مبحرة في علم لا ينتهي) شكرا لمروركم وجميل إضافاتكم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 02:46 م]ـ
جزاكم الله خيرا جميعا على تلمس الجوانب البلاغية في القرآن الكريم، ويبرز في هذه الآية جانب استخدام الجملة الفعلية والجملة الاسمية وعظمة القرأن في اختيارهما، وقد تناولتُ ذلك في هذا المنتدى في التعليق على الآية {أو لم يروا إلى الطير ... }
ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 04:15 م]ـ
جوزيتي خيراً د / أم عبد الرحمن على ما تفضلت به ..
والحقيقة أن هذه الآية تحمل الكثير من الجونب البلاغية ....... أثابك الله.(/)
فائدة أن الواو لا تدل على الترتيب ولا التعقيب.
ـ[رسالة]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 06:12 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حروف العطف: الواو – ثمّ - الفاء
"قال سيبويه: الواو لا تدل على الترتيب ولاالتعقيب بخلاف الفاء وثم، إلا أنهم يقدمون في كلامهم ماهم به أهم وهم ببيانه أعنى وإن كانا جميعا يهمانهم ويغنيانهم."
السؤال: متى يكون أحد الشيئين أحق بالتقدم ويكون المتكلم ببيانه أعنى؟
الجواب كما قال السهيلي:
والمعاني تتقدم بأحد خمسة أشياء، و ربما قدمت بأكثر، أو بها كلها:
1 - بالزمان:
كقوله تعالى:" أولئك الذين حقّ عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجنّ والإنس، إنّهم كانوا خاسرين." (الأحقاف- آية 18) فقد تقدم لفظ الجن على الإنس، وذلك لتقدم خلق الجن على الإنس من حيث الزمان.
2 - بالطبع: كقوله تعالى:" ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم .. " (المجادلة – آية 7) وما يتقدم من الأعداد بعضها على بعض إنما يتقدم بالطبع. كذلك في قوله تعالى: " سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " (الحشر- آية 1) فتقدم اسم العزيز على الحكيم لأنّه لما عزّحكم. وربما من تقدم السبب على المسبب.
3 - بالرتبة:
كقوله تعالى:"وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " (الحج – 27) لأن الذي يأتي راجلا يأتي من المكلن القريب والذي يأتي على الضامر يأتي من المكان البعيد.
4 - بالسبب:
كقوله تعالى:" والله يحب التوابين ويحب المتطهرين" لأنّ التوبة سبب الطهارة.
5 - بالفضل والشرف:
كقوله تعالى:" واسجدي واركعي مع الراكعين" لأنّ السجود افضل وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
وربما كان ترتب اللفظ بحسب الخفة والثقل لا بحسب المعنى. كلفظ الجن والإنس، فإنّ لفظ الإنس أخف لمكان النون الخفية والسين المهموسة فكان الأثقل أولى بأول الكلام من الأخف لنشاط المتكلم وراحته، ولحكمة اخرى كما ذكر سابقا لتقدم خلق الجن على الإنس.
"من بدائع الفوائد "
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 07:21 م]ـ
وما المعنى في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} التغابن2
فقدم تعالى ذكر الكافر على المؤمن
ـ[رسالة]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 12:22 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى:"يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (1) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير (2). (سورة التغابن.
كما فهمت من الآيتين الكريمتين السابقتين أن سبب تقديم لفظ الكافر على المؤمن جاء من عدة وجوه:
الأول: أن الظلمة سابقة للنور في المحسوس.
الثاني: لإزالة وحشة الكفر وظلمته فيكون ذكر الإيمان أوقع في النفس، وأسعد لها بعد ذكر الكفر فتستقر وتطمئن.
الثالث: تقديم الكفر على الإيمان فيه بيان لقدرة الله الشاملة، التي لا يخرج عنها موجود مهما بلغ به طغيانه وفجوره وكبره وظلمه، حيث يظهر ضعف الكافر أمام خلق الله. فجاء لفظ كافر بعد خلقكم.
الثالث: كلمة كافر أقرب لكلمة خلقكم التي تفيد شمول الخلق، فكان تأخير مؤمن تشريفا وتفضيلا على سائر المخلوقات.
الرابع: بيان فضل الله على المؤمن بالإيمان، والذي يتضح حين يتم معرفة ضده وهو الكفر، وحين تظهر قدرة الله في خلق العباد، وأن إيمانهم وكفرهم كله منوط بقضاء الله وقدره، وبالتالي كان لزاما على هذاا المؤمن أن يحمد الله إذ جعله مؤمنا ولم يجعله كافرا. "وله الحمد وهو على كل شيء قدير"
والله تعالى أعلم وإن كان هناك توجيه من المختصين فخير وزيادة.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 02:41 ص]ـ
أن الظلمة سابقة للنور في المحسوس.
لم أفهم هذه أخي
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 12:38 ص]ـ
جزيتم خيرا
ـ[رسالة]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 02:59 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مبحرة في علم لا ينتهي لا حرمنا طلتك ولا حرمتِ أجر إبحارك.
زين الشباب جزاك الله خيرا، ولي الشرف في المحاولة على الإجابة.
الظلمة سابقة للنور في المحسوس، والمعقول أيضا:
هل تتفق معي في أنّ
الظلمة = الجهل=الكفر
والنور= العلم = الإيمان
معنى كفر: ستر وغطى
(يُتْبَعُ)
(/)
إن في الكفر ظلمة معنوية وحسية، فكما أنّ الظلمة تحجب عن الرؤية، لجهل مكنون الشيء، فلا ترى الخطر فتبتعد عنه، كذلك الكفر يكون حاجبا عن رؤية الحق، ومسببها هو الجهل الذي يطابقه العلم، فمتى ما علمت بكنه الشيء اتخذت السبل الصحيحة، وتفاديت الوقوع في الخطر وبالتالي يكون الكفر والظلمة متساويان في المعنى الحسي، وتزول الظلمة بالنور الذي هو في العلم النافع.
الدليل على سبق الجهل على العلم:
قال تعالى:" الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة "
إذن من رحمة الله تعالى علينا ونحن في بطون أمهاتنا أن جعل لجهلنا السابق "لا تعلمون شيئا" أدوات وآلات تمكننا من التغلب عليه فيما بعد ولادتنا وهي السمع والأبصار والأفئدة".
الدليل على أنّ الظلمة سابقة النور:
قال تعالى: " يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه "آية 257 البقرة
قال تعالى:" يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث " آية 29 الزمر
ثلاث ظلمات محسوسات: ظلمة الرحم وظلمة البطن وظلمة المشيمة، وكل هذه الظلمات تسبق خروج الجنين إلى عالم نور المحسوسات.
وفي الحديث: "إنّ الله خلق عباده في ظلمة ثمّ ألقى عليهم من نوره ".
في كتاب بدائع الفوائدلابن قيم الجوزية:" فإن الظلمة سابقة للنور في المحسوس والمعقول، وتقدمها في المحسوس معلوم بالخبر المنقول، وتقدم الظلمة المعقولة معلوم بضرورة العقل.
قال سبحانه: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة)، فالجهل ظلمة معقولة، وهي متقدمة بالزمان على نور العلم، ولذلك قال تعالى: (في ظلمات ثلاث)، فهذه ثلاث محسوسات ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة، وثلاث معقولات: وهي عدم الإدراكات الثلاثة المذكورة في الآية المتقدمة، وفي الحديث إن الله خلق عباده في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره "
---------------------------------------------------------------------------
والله تعالى أعلم(/)
السر وراء التحول من الجمع إلى المفرد
ـ[ضاد]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 09:10 م]ـ
جاء في سورة يونس
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ? أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ ? أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)
ففي الآية الأولى حملت "من"على الجمع وبالاتباع الرجعي ظلت على ذلك, وفي الآية الثانية حملت على الفرد ولكن في الاتباع الرجعي كانت جمعا. هل من محاولة لتفسير بلاغة هذا الأسلوب؟
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 10:23 م]ـ
جاء في سورة يونس
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ? أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ ? أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)
ففي الآية الأولى حملت "من"على الجمع وبالاتباع الرجعي ظلت على ذلك, وفي الآية الثانية حملت على الفرد ولكن في الاتباع الرجعي كانت جمعا.
لعلك تقصد أن فعل النظر أسند إلى المفرد - حملاً على ظاهر لفظ مَن - بخلاف فعل الاستماع المسند إلى الجمع - حملاً على معنى من -.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 01:43 ص]ـ
لقد اجتهد المجتهدون في بيان سر إسناد الاستماع إلى ضمير الجمع، وإسناد النظر إلى المفرد على ما يلي:
ــ " ولعل ذلك للإيماء إلى كثرة المستمعين بناء على عدم توقف الاستماع على ما يتوقف عليه النظر من المقابلة، وانتفاء الحجاب والظلمة " تفسير أبي السعود: (3/ 243).
ــ " وقد أسند فعل الاستماع إلى الجمع؛ لكثرة تفاوت المستمعين، واختلاف أحوالهم فيه، وأسند فعل النظر إلى المفرد؛ لأنه جنس واحد " تفسير المنار: (11/ 326).
ــ " وقد أورد الشيخ ابن عرفة سؤالاً عن وجه التفرقة ..... وأجاب عنه: بأن الإسماع يكون من الجهات كلها، وأما النظر فإنما يكون من الجهة المقابلة " ولم يرتضِ الطاهر بن عاشور هذا التعليل، وعلل التفرقة بأنها من باب التفنن، وكراهة إعادة صيغة الجمع لثقلها. كما ذكر أن فعل النظر ثقيل - لفظًا - لذا لا تلائمه صيغة الجمع؛ لأن حروفه أثقل من حروف (يستمع)! التحرير والتنوير: (11/ 92)
ـ[ضاد]ــــــــ[03 - 09 - 2008, 04:14 م]ـ
جزاكما الله خيرا.(/)
{مواخر فيه} و {فيه مواخر}
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 11:12 م]ـ
قال الله سبحانه و تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} النحل: 14
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فاطر: 12
ما دلالة {مَوَاخِرَ فِيهِ}، {فِيهِ مَوَاخِرَ} في التقديم و التأخير في الآيتين الشريفتين؟
إن تقديم {مواخر} على {فيه} في آية و تأخيرها في أخرى يتناسب مع المعنى العام للآية الشريفة.
{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
في هذه الآية يمتن الله على عباده بذكر جملة من النعم ويشير إلى كيفية التسخير , ومن بينها هذه السفن وهو في هذه الآية يدعوهم إلى التامل في هذه الآلات وحركتها على سطح مياه البحر وعظمة قدرة الله فيها, وكيفية شق هذه الفلك لعباب الماء. فالله يريد أن يذكر من ضمن هذه النعم هذه الفلك, ويدعو الإنسان للتأمل فيها, فناسب ذلك تقديم {مواخر}.
أما في هذه الآية الشريفة:
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
الحديث عن البحر نفسه, وما أودعه الله فيه من خيرات, وهنا جاءت الدعوة القرآنية لأن يتأملوا في الماء نفسه , وكيف سهل الله سبحانه وتعالى هذا الماء وجعله سهلا, للنقل والانتقال, تسير فيه الفلك بسهولة ويسر.
{وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} دعوة للتأمل في الفلك نفسها وكيفية جريانها, ولذا جيء بالمفعول الثاني {مواخر} مباشرة ..
{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} دعوة للتأمل في الماء الذي تسير فيه هذه الفلك بكل سهولة ويسر, ولذا جيء بالظرف {فيه} مباشرة وأخر مجيء المفعول الثاني ..
ـ[ابنُ الربيعِ الحلبيّ]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 11:54 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله القائل "واتّقوا الله ويعلّمكم الله" وبارك الله في جهود المتّقن من أهل العلم فأضاءت كلماتهم القلوب والعقول.
جزيت خيرًا سيّدي على وقوفك على هذه اللطيفة, من لطائف القرآن ولعلّ فيها ما يرشدنا إلى أنّ فهم معاني التقديم والتأخير لن يتحصّل دون إمعان النّظر في سياق الآيات. وهذا الأسلوب يذكّرني بشيخ من أفاضل أهل العلم في هذا الزمن ألا وهو الأستاذ الفائق الفضل: فاضل السّامرّائي حفظه الله؛ إذ كثيرًا ما يأتينا بنكات تغيب عنّا لتقصيرنا, والله الموفّق إلى سواء السبيل. والحمد لله أوّلاً وآخرا
ـ[رسالة]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 12:30 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا، وفتح عليك من أسرار الكتاب.
ـ[سمية ع]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 01:54 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 10:36 م]ـ
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا
شكر الله لكَ وباركَ فيكَ
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 07:54 م]ـ
{وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} دعوة للتأمل في الفلك نفسها وكيفية جريانها, ولذا جيء بالمفعول الثاني {مواخر} مباشرة ..
{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} دعوة للتأمل في الماء الذي تسير فيه هذه الفلك بكل سهولة ويسر, ولذا جيء بالظرف {فيه} مباشرة وأخر مجيء المفعول الثاني ..
كثيرًا ما يلفتني المتشابه اللفظي في القرآن الكريم ..
إن تلمّس الفرق بين النظمين بالربط بسياق الآيتين قد أجاد أيّما إجادة.
بارك الله في علمك دكتور حجي، وبارك في نظراتك في روائع النظم الحكيم.
ـ[الساعي]ــــــــ[03 - 09 - 2008, 11:50 ص]ـ
زادك الله علما ونفع بك(/)
من قوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ ........ )
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 05:45 م]ـ
من قوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
لن تنالوا: نفي مغيىً تسلط على المصدر الكامن في الفعل: "تنالوا"، فأفاد عموم النفي، فلن يصل المرء إلى حقيقة البر إلا باستيفاء شرطه.
حتى تنفقوا: غاية النفي، فتفيد بمفهومها، وهو: مفهوم الغاية، وقوع المنفي، فلن ينال البر من لم ينفق، وسيناله من أنفق.
مما: "من": بيانية: أي من جنس ما تحبون، أو تبعيضية: أي جزءا مما تحبون، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، ولا مانع من حملها على كلا المعنيين، إذ الأصل الإعمال بالجمع لا الإهمال بالترجيح، وإثبات كليهما يزيد في المعنى، فالإنفاق يتعلق بـ: جنس العين ومقدار ما ينفق منها، تماما كالصدقة الواجبة فإنها تجب في أجناس بعينها بمقادير محددة.
تحبون: أي: تحبونه: فحذف عائد الصلة، فيكون في الكلام إيجاز بحذف ما دل عليه السياق.
وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ:
"شيء" نكرة في سياق نفي مؤكد بـ: "من" الزائدة، لبث الطمأنينة في نفس المنفق، فما ستنفقه، عظيما كان أو حقيرا: فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ، وفي الجملة: توكيد بـ: "إن"، واسمية الجملة التي تدل على الثبوت والاستمرار لقرينة إحاطة علم الله عز وجل بكل المعلومات جليلها وحقيرها، وتقديم معمول "عليم": "به" فيفيد الحصر المؤكد.
والجملة بأكملها بمنزلة التذييل المؤكد للجملة الأولى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[رسالة]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 10:31 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا وفتح عليك وجعل هجرتك لله ورسوله.
من قوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
هل لي بمعرفة السرّ البلاغي في اتصال ممّا في الآية الكريمة؟
ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 08:36 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جزاك الله خيرا على المرور والتعليق.
يبدو، والله أعلم، أن الأمر يتعلق بالرسم القرآني، فلا فرق بين: "من ما" و "مما" في المعنى والحكم التجويدي، فهو إدغام ناقص بين النون والميم منع كمالَه وجودُ الغنة، وإذا طبقنا تعريف الإدغام: النطق بالحرف الثاني مشددا، تكون "مما" بتشديد الميم الثانية بعد إدغام النون فيها رسما يتبع اللفظ الذي ينطق به القارئ لا الأصل الذي يتركب منه الكلام: "من" منفصلة ثم "ما"، وفي الحالتين: الإدغام واجب.
والله أعلى وأعلم.(/)
النعيمُ والعذابُ في القرآنِ الكريم (ظِلالٌ وإشارات).
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 08:11 م]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كما يوصف النعيم والعذاب وصفًا مصورًا مشخصًا، كذلك قد يبدو في هيئة ظلال، تلقيها التعبيرات، فتدل على الاسترواح للنعيم، كما تدل على الضيق بالعذاب، ولو لم يوصف ذلك النعيم، وهذا العذاب.
وهذه بعض الوقفات السريعة:
نسمع المؤمنين يقولون:
" الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نَصبٌ ولا يمسنا فيها لغوب ".
فنحس برد الراحة، ولذة النعيم، ورَوْح الاطمئنان، وهدوء الضمير.
ونسمع الكافرين في جهنم ينادون من وراء الأسوار:
" يا مالك ليقض علينا ربك ".
فنحس ضيق الصدور، وألم العذاب، ووهج النار، ولفح الجحيم، وإن لم يقل لنا كيف هذا الجحيم!
ونقرأ عن الذين كفروا وعصوا الرسول:
" يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تُسَوّى بهم الأرض ".
فيتراءى لنا ظلال نفسية واضحة: للخزي القاتل، والخجل المميت، في موقف المواجهة، حين يستدعى الشهود من كل أمة، ويُجاء بالرسول شهيدًا على الذين كفروا وعصوا الرسول!
كما نقرأ عن العذاب:
" من يُصرفْ عنه يومئذ فقد رحمه ".
فيرتسم لنا هول هذا العذاب الذي يعد مجرد صرفه رحمة، ولم لم يقل لنا شيئًا عن هول هذا العذاب!
وهكذا تقوم الظلال السريعة الخفيفة مقام الصور الكاملة العنيفة، فتغني غناءها في التصوير، وتقوم مقامها في التعبير، وتدع للخيال مجاله في رسم الظلال، وتصوير السمات، وتأليف الأشكال.
* من نظرات الشيخ: سيد قطب - رحمه الله - في كتابه: مشاهد القيامة في القرآن الكريم.
ـ[سمية ع]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 08:52 م]ـ
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل
ونعوذ بك من النار من قول وعمل
بارك الله فيك أخيتي
ـ[رسالة]ــــــــ[29 - 08 - 2008, 10:37 م]ـ
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
فتح الله عليك
فعلا كما تفضلت، فالظلال الخفيفة السريعة التي أشرت إليها هي التي تمرّ على القلوب الواعية فيحصل بقراءة القرآن شفاء الصدور.(/)
من روائع البلاغة في القرآن الكريم
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[30 - 08 - 2008, 12:47 ص]ـ
سلامُ الله عليكُم ورحمته وبركاته
وبعد
فتلبية لرغبة أختنا رسالة أطرح مسألة نريد لها جواباً
في سورة الأحزاب
وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا 31
لم يأتِ جوابُ الشرط متوافقاً مع فعل الشرط ... أو العكس
فكما سار العُرفُ النحوي يُقال ....... ومن يقنت منكنَّ ويعمل ... أو ..... ومن تقنت منكُنَّ وتعمل ...
غير أنَّ هذا لم يكُن، بل بدا للناظرين أنَّ هناك اختلافاً وحاشا لله أن يكون ..
بيدَ أنَّ في هذا الإختلاف الظهري معناً عميقاً وبلاغة لا تكون إلا من خالق القلوب ويعرف مستقرها ومستودعها ...
فهل يتفضل علينا إخواننا الأفاضل وأخواتنا الفضليات بتبرير ذلك؟؟؟
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[30 - 08 - 2008, 01:09 ص]ـ
جاء الفعل (يقنت) على التذكير؛ حملاً على لفظ مَنْ، وجاء (تعمل) على التأنيث؛ حملاً على معنى مَن، فالحديث موجه إلى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا كثير في البيان الكريم.
ويظهر في ذلك لطيفة بلاغية ألمع إليها الشيخ الدكتور محمد محمد أبو موسى؛ حيث علق قائلاً:
" ويفسّر ذلك بأن القنوت عمل من أعمال القلب، ويمكن للنساء أن يبلغن فيه الغاية التي يبلغها الرجال؛ فلذلك جيء معه بضمير المذكر ... أما العمل الذي هو من عمل الجوارح، فإن طاقة المرأة فيه لا تبلغ طاقة الرجل، فهي مهما عالجت من العمل، وشقت على نفسها فيه، لن تبلغ نهاية ما يبلغ الرجل الذي يشق على نفسه، ولذلك جاء في فعل العمل بالتأنيث؛ ليشير إلى هذه الحقيقة " (من أسرار التعبير القرآني - دراسة تحليلية لسورة الأحزاب / 275)
والله - تعالى - أعلم.
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[30 - 08 - 2008, 09:07 ص]ـ
جاء الفعل (يقنت) على التذكير وذلك لأن القانتين من الذكور أكثر من الإناث، ألا ترى قوله تعالى لمريم (وكانت من القانتين) ولم يقل من القانتات.
فالكاملين من الذكور كثير أما من الإناث فهن أربعة فقط (خديجة بنت خويلد، فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، مريم بنت عمران، آسية بنت مزاحم)
والله أعلى و أعلم
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[30 - 08 - 2008, 10:54 م]ـ
جاء الفعل (يقنت) على التذكير؛ حملاً على لفظ مَنْ، وجاء (تعمل) على التأنيث؛ حملاً على معنى مَن، فالحديث موجه إلى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا كثير في البيان الكريم.
ويظهر في ذلك لطيفة بلاغية ألمع إليها الشيخ الدكتور محمد محمد أبو موسى؛ حيث علق قائلاً:
" ويفسّر ذلك بأن القنوت عمل من أعمال القلب، ويمكن للنساء أن يبلغن فيه الغاية التي يبلغها الرجال؛ فلذلك جيء معه بضمير المذكر ... أما العمل الذي هو من عمل الجوارح، فإن طاقة المرأة فيه لا تبلغ طاقة الرجل، فهي مهما عالجت من العمل، وشقت على نفسها فيه، لن تبلغ نهاية ما يبلغ الرجل الذي يشق على نفسه، ولذلك جاء في فعل العمل بالتأنيث؛ ليشير إلى هذه الحقيقة " (من أسرار التعبير القرآني - دراسة تحليلية لسورة الأحزاب / 275)
والله - تعالى - أعلم.
شكر الله لكِ وباركَ فيكِ وخيراً جزاكِ
تعليق طيب لاشكَّ في ذلك فجزى الله المشاركين كلَّ خيرٍ
ولكنني رأيتُها من جانبٍ آخر
فالياء ليست ياء الذكورة وليست التاء تاء الأنوثة حسبما أراه ... وإن كان التبريرالسابق مقبولاً ..
ولكنَّ الياء ياء الغائب والتاء تاء المُخاطب
فالقنوت كما تفضلتِ من أعمال القلب ولايُمكن لأحد الإطلاع عليه فهو فهو في حُكم الغائب عن علم البشر لذا فكان لابُدَّ وأن يكون التعبير بياء الغائب ..
أمَّا العمل فيشهدُه الخلائق ويًُمكن للناظرين الحُكم عليه حسبما يراه كل منهم لذا فكان حتماً أن يكون الكلام بتاء المخاطب ...
والله أعلى وأعلم
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[30 - 08 - 2008, 10:59 م]ـ
جاء الفعل (يقنت) على التذكير وذلك لأن القانتين من الذكور أكثر من الإناث، ألا ترى قوله تعالى لمريم (وكانت من القانتين) ولم يقل من القانتات.
فالكاملين من الذكور كثير أما من الإناث فهن أربعة فقط (خديجة بنت خويلد، فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، مريم بنت عمران، آسية بنت مزاحم)
والله أعلى و أعلم
شكر الله لكِ
من فضلك راجع الرد الوارد في المشاركة السابقة(/)
من لطائف سورة الأحزاب
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[30 - 08 - 2008, 11:18 م]ـ
في سورة الأحزاب
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا 66 وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا 67
وردت الكلمتان ... الرسولا ... السبيلا
وفي كلتيهما ألف زائدة علماً بأن كلاً منهما مفعول به منصوب بالفتحة والطبيعي فيما تعلمناه وعلمناه أن تكونا كالآتي
الرسولَ .... السبيلَ
فما هي الحِكمة البلاغية في إضافة الأف إلى كلٍ منهما
جزى الله تعالى كل من شارك الاخير كله
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 12:48 ص]ـ
مدّ الصوت حالة كثيرًا ما ترتبط بمواطن التحسّر، وتظهر شدة ندم النادم.
وعليه:
ربما يكون ذلك للإيماء إلى عظم حسرة الكافرين، وشدة ندامتهم على ما اقترفوه في الدنيا من مخالفة الحق الذي عاينوا دلائله.
ولم يبق لهم يومئذ إلا التحسر على ما فات، فجاءت الألف تقفو (الرسول) و (السبيل)؛ مجانسة بذلك امتداد صوت النادمين متردد الصدى بلا نهاية، ولتمتد عباراتهم الأسيفة حينما يستذكرون ما ارتكبوه من جرائر بإطاعة ساداتهم وكبرائهم حتى ضلوا السبيل.
والله - تعالى - أعلم.
مع وافر الدعوات لكم أخي فكر الإسلام بالثواب الحسن؛ نظير وقفاتكم الطيبة مع لطائف البيان الكريم.
ـ[فكر الإسلام]ــــــــ[13 - 10 - 2008, 10:26 م]ـ
مدّ الصوت حالة كثيرًا ما ترتبط بمواطن التحسّر، وتظهر شدة ندم النادم.
وعليه:
ربما يكون ذلك للإيماء إلى عظم حسرة الكافرين، وشدة ندامتهم على ما اقترفوه في الدنيا من مخالفة الحق الذي عاينوا دلائله.
ولم يبق لهم يومئذ إلا التحسر على ما فات، فجاءت الألف تقفو (الرسول) و (السبيل)؛ مجانسة بذلك امتداد صوت النادمين متردد الصدى بلا نهاية، ولتمتد عباراتهم الأسيفة حينما يستذكرون ما ارتكبوه من جرائر بإطاعة ساداتهم وكبرائهم حتى ضلوا السبيل.
والله - تعالى - أعلم.
مع وافر الدعوات لكم أخي فكر الإسلام بالثواب الحسن؛ نظير وقفاتكم الطيبة مع لطائف البيان الكريم.
سلامُ الله عليكُم جميعاً ورحمتُهُ وبركاتُه
فأعتذر عن التأخرفي التواجُد والتواصُل و الذي امتد لفترة طويلة بسبب أداء العُمرة أسأل الله تعالى للجميع أن يرزقكُم زيارة بيته الحرام ومسجد المصطفى عليه الصلاة والسلام في حج وعمرة ..
ونعود لموضوعِنا فأقول شكر الله لأختنا المِفضالة ندى اجتهادَها الطيب والمشاركة الوحيدة في الموضوع بما يُضاعِفُ لها الشكر وفي ذات الوقت لا أرى تبريراً لعزوف الأعضاء فعسى أن يكون المانع خيراً
الرسولا ... السبيلا
في كلتا الكلمتين ألف زائدة .. والقصد من زيادتها الإشارة إلى الجماعة من الأنبياء والرُسُل الذين سبقوا نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام ..
وكأن معنى الآية الأولى
يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ... أي ياليتنا أطعنا الرسول محمداً وكافة الرسُل الذين سبقوه
والمعنى في الآية الثانية
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا .. أي أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا سبيل محمد وسُبُلَ الرُسل الذين سبقوه ..
والله تعالى أعلى وأعلم
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[15 - 10 - 2008, 03:05 ص]ـ
والمعنى في الآية الثانية
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا .. أي أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا سبيل محمد وسُبُلَ الرُسل الذين سبقوه ..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياك الله أخي الكريم، ومرحبا بعودتك، وبعاطر وقفاتك في رحاب الذكر الحكيم.
سؤالان من فضلك:
على أي أساس عُدت الألف دالة على الجمع في قوله: (الرسولا / السبيلا)؟
وهل سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم - بمقتضى التأويل المذكور - يختلف عن سبل غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؟!
تحيتي وتقديري ..
ـ[أنوار]ــــــــ[15 - 10 - 2008, 11:26 م]ـ
السلام عليكم ..
أخي الفاضل فكر الإسلام .. أشكر طرحكم لهذه المواضيع القيمة التي تعين على تدبر كتاب الله. وأود أن أعقب عليكم بأن ماذكرته الأستاذة ندى هو عين الصواب ..
والذي يؤكد ذلك أن كلمة السبيل وجدت في أول السوره ولكنها لم تمد .. في حين أنها مدَّت في هذه الآية لأنها من قول أهل النار فهم يصطرخون فيها ويمدُّون أصواتهم بالبكاء، فالمقام هنا مقام صراخٍ ومدَّ صوتٍ فناسب المد ..
والله أعلم ...(/)
سحائب من الخوطر
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 08:13 ص]ـ
:::
سحائب من المشاعر أراها تتوجه نحوي لا أعلم لها قائدا أشعر أحيانا برغبة في اختراق الوديان والأنهار، وتأمل الطبيعة من حولي من شرووق غرووب، حتى أني أتمنى أن أكون طائرا يحلق في أرجاء كل ماهو جميل؛ كي أنعم بنسيم هادئ يجدد الأمل فيني. وأحيانا أشعر بتخبط في عالم أجهل كنهه، كأن معالم شيخ كبير تعلو محيا كل من أراه، ومشاعر الحزن تخيم في كل مكان، ومظاهر الفرح تلاشت من كل الأركان، وملاحم الشعر أعلنت الحداد، وقصص الأمل تهدد بالزووال، ومشاعر الصدق تندب الأجيال ..
فهل من تفسير لتذبذب الأمل فيني، واجتياح اليأس مملكتي؟؟
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 08:32 ص]ـ
قد تمر بك لحظات ضعف، فيخيل إليك أن قواك قد خارت وأنه لم يعد بك قدرة على المجاهدة والصبر ومواصلة العمل، فلا تستسلم لهذا الخاطر فإن للنفوس إقبالا وإدبارا، فلعل ذلك الإدبار يعقبه إقبال.
وقد تشعر أحيانا بإحباط وقلة ثقة وشعور بالنقص وأنك لاتصلح لشيء من الأعمال، فلا تستسلم لهذا الشعور، واستحضر بأن الإخفاق ليس عارا إذا بذلت جهدك بإخلاص، وتذكر بأن المرء لايعد مخفقا حتى يتقبل الهزيمة ويتخلى عن المحاولة، فحاول مرة بعد مرة وأعد الكرة وستصل إلى مبتغاك باذن الله.
قد يعتريك شعور بالزهو والإعجاب فتشعر بأنك نسيج وحدك وقريع دهرك فلا تحتاج إلى ناصح أو مشير، فاذا مر بك ذلك الخاطر فلا تستسلم له ولا تركن إلى ما أوتيت من ذكاء وعلم وانظر إلى ما فيك من نقص وضعف حتى تتعادل كفتا الميزان لديك.
وقد تهجم عليك الهموم وتتوالى الغموم فيخيل إليك أنها ستلازمك طول عمرك، فتظن أن أيامك المقبلة سوداء لابياض فيها، فلا تستسلم لهذا الخاطر ولاتحسبن الشر لاخير بعده "فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا ".
وقد تتحرى الصواب وتحرص كل الحرص على ألا تخطيء في حق أحد ثم لاتلبث أن تقع في الهفوة إثر الهفوة، فلا تظنن أن ذلك يبعدك عن الكمال والسعي إليه، وقد تقع في الذنب إثر الذنب فيلقي الشيطان في روعك أن الخير منك بعيد وأنك ممن كتبت عليهم الشقاوة، فلا تستسلم لهذا الإلقاء الشيطاني واستحضر بأن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وبذلك تنقشع عنك غياهب اليأس.
منقول
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 08:49 ص]ـ
لاعدمتك أيها اللبيب ..
كم جددت الأمل في نفسي ..
رجائي أن يكون لي علم ..
يسطر للأجيال آفاقا ..
وأن أخترق دجى الظلام بنور ..
يبعث للحب النقي انسجاما ..
أن أبعث للدنى رسالة حب ..
لأجمل لغات العالم الضاد ..
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 01:35 م]ـ
كأنك تتحدثين عني أختي بلاغة الروح.
وعلى كل كلام أدبي جميل ما شاء الله تبارك الله! (لولا الهناة الإملائية).
ويسرنا كثيرًا أن نقرأ لك هنا أخية.
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 07:47 م]ـ
كأنك تتحدثين عني أختي بلاغة الروح.
وعلى كل كلام أدبي جميل ما شاء الله تبارك الله! (لولا الهناة الإملائية).
ويسرنا كثيرًا أن نقرأ لك هنا أخية.
تسعدني مشاركتك كثيرا أخي عبد العزيز ..
فمشاركتي ليست أدبية بقدر ماهي ترجمة عما في الخاطر ..
ولولا ثقتي بذوقك وحصافتك -أخي الكريم -لما طلبت منك توضيح تلك الهناة الإملائية، والتي أتوقع أن تكون في مدى ترابط الجمل ..
وكلماتي لم تصل روعتها الأدبية ما وصلت إليها كلماتك؛ فمشاركاتك شاهدة على إبداعك ..
ولا أخفيك -أخي الكريم- سعادتي بمشاركاتك، وعجزي عن التعليق على جلها؛ لما فيها من جمال وتنويع ..
دمت ناقدا ..
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 11:18 م]ـ
أهلاُ بالأخت بلاغة الرووح ...
أحببت قلمك
ماأروعك وماأروع ماتسطرين من حروف
كلمات في غاية الجمال تحمل بين طياتها أنين
ـ[بلاغة الروح]ــــــــ[01 - 09 - 2008, 10:56 م]ـ
أهلاُ بالأخت بلاغة الرووح ...
أحببت قلمك
ماأروعك وماأروع ماتسطرين من حروف
كلمات في غاية الجمال تحمل بين طياتها أنين
الشكر موصول لك أيتها المبحرة ..
فلطالما جعلتنا نبحر في موضوعات، ومشاركات شتى ..
ولا أخفيك إعجابي بكنيتك -مبحرة في علم لاينتهي -، الذي كلما رأيته تذكرت البلاغة القرآنية في قوله تعالى:"قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا " (الكهف:109) فمع أن البحر يضرب في السعة إلا أن كلمات ربي -سبحانه - فاقته سعة وجمالا ..(/)